شرح مسلم
النووي ج 3
[ 1 ]
صحيح المسلم شرح النووي الجزء الثالث الناشر دار الكتاب العربي بيروت - لبنان بسم الله الرحمن الرحيم
[ 2 ]
قوله (عن مالك بن مغول عن الزبير بن عدى عن طلحة عن مرة) أما مغول فبكسر الميم واسكان الغين المعجمة وفتح الواو وطلحة ابن مصرف وهؤلاء الثلاثة أعنى الزبير وطلحة ومرة تابعيون كوفيون قوله (انتهى به الى سدرة المنتهى وهى في السماء السادسة) كذا هو في جميع الأصول السادسة وقد تقدم في الروايات الأخر محديث أنس أنها فوق السماء السابعة قال القاضي كونها في السابعة هو الأصح وقول الأكثرين وهو الذي يقتضيه المعنى وتسميتها بالمنتهى قلت ويمكن أن يجمع بينهما فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة فقد علم أنها في نهاية من العظم وقد قال الخليل رحمه الله هي سدرة في السماء السابعة قد أظلت السموات والجنة وقد تقدم ما حكيناه عن القاضي عياض رحمه الله في قوله ان مقتضى خروج النهرين الظاهرين النيل والفرات من أصل سدرة المنتهى أن يكون أصلها في
[ 3 ]
الأرض فان سلم له هذا أمكن حمله على ما ذكرناه والله أعلم قوله (وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات) هو بضم الميم واسكان القاف وكسر الحاء ومعناه الذنوب العظام الكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم اياها والتقحم الوقوع في المهالك ومعنى الكلام من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات والمراد والله أعلم بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد أنه لا يعذب أصلا فقد تقررت نصوص الشرع واجماع أهل السنة على اثبات عذاب بعض العصاة من الموحدين ويحتمل أن يكون المراد بهذا خصوصا من الأمة أي يغفر لبعض الأمة المقحمات وهذا يظهر على مذهب من يقول ان لفظة من لا تقتضى العموم مطلقا وعلى مذهب من يقول لا تقتضيه في الاخبار وان اقتضته في الأمر والنهى ويمكن تصحيحه على المذهب المختار وهو كونها للعموم مطلقا لانه قد قام دليل على ارادة الخصوص وهو ما ذكرناه من النصوص والاجماع والله أعلم
[ 4 ]
باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الاسراء قال القاضى عياض رحمه الله اختلف السلف والخلف هل رأى نبينا ص = ربه ليلة الاسراء فأنكرته عائشة رضى الله عنها كما وقع هنا في صحيح مسلم وجاء مثله عن أبى هريرة وجماعة وهو المشهور عن ابن مسعود واليه ذهب جماعة من المحدثين والمتكلمين وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما انه رآه بعينه ومثله عن أبي ذر وكعب رضى الله عنهما والحسن رحمه الله وكان يحلف على ذلك وحكى مثله عن ابن مسعود وأبي هريرة وأحمد بن حنبل وحكى أصحاب المقالات عن أبي الحسن الأشعري وجماعة من أصحابه أنه رآه ووقف بعض مشايخنا في هذا وقال ليس عليه دليل واضح ولكنه جائز ورؤية الله تعالى في الدنيا جائزة وسؤال موسى اياها دليل على جوازها إذ لا يجهل نبى ما يجوز أو يمتنع على ربه وقد ا ختلفوا في رؤية موسى ص = ربه وفي مقتضى الآية ورؤية الجبل ففى جواب القاضي أبي بكر ما يقتضى أنهما رأياه وكذلك اختلفوا في أن نبينا محمدا ص = هل كلم ربه سبحانه وتعالى ليلة الاسراء بغير واسطة أم لا فحكى عن الأشعري وقوم من المتكلمين أنه كلمة وعزا بعضهم هذا الى جعفر ابن محمد وابن مسعود وابن عباس رضى الله عنهما وكذلك اختلفوا في قوله تعالى ثم دنا فتدلى فالأكثرون على أن هذا الدنو والتدلى منقسم ما بين جبريل والنبى ص = أو مختص باحدهما من الأخر ومن السدرة المنتهى وذكر عن ابن عباس والحسن ومحمد بن كعب وجعفر ابن محمد وغيرهم أنه دنو من النبي ص = الى ربه سبحانه وتعالى أو من الله تعالى وعلى هذا القول يكون الدنو والتدلى متأولا ليس على وجهه بل كما قال جعفر بن محمد الدنو من الله تعالى لا حد له ومن العباد بالحدود فيكون معنى دنو النبي ص = من ربه سبحانه وتعالى وقربه منه ظهور عظيم منزلته لديه واشراق أنوار معرفته عليه واطلاعه من غيبه وأسرار ملكوته على ما لم يطلع سواه عليه والدنو من الله سبحانه له اظهار له وعظيم بره
[ 5 ]
وفضله العظيم لديه ويكون قوله تعالى قاب قوسين أو أدنى على هذا عبارة عن لطف المحل وايضاح المعرفة والاشراف على الحقيقة من نبينا ص = ومن الله اجابة الرغبة وابانه المنزلة ويتأول في ذلك ما يتأول في قوله ص = عن ربه عز وجل من تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا الحديث هذا آخر كلام القاضى وأما صاحب التحرير فانه اختار اثبات الرؤية قال والحجج في هذه المسألة وان كانت كثيرة ولكنا لا نتمسك الا بالأقوى منها وهو حديث ابن عباس رضى الله عنهما أتعجبون أن تكون الخلة لابراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد ص = وعن عكرمة سئل ابن عباس رضى الله عنهما هل رأى محمد ص = ربه قال نعم وقد روى باسناد لا بأس به عن شعبة عن قتادة عن أنس رضى الله عنه قال رأى محمد ص = ربه وكان الحسن يحلف لقد رأى محمد ص = ربه والأصل في الباب حديث ابن عباس حبر الأمة والمرجوع إليه في المعضلات وقد راجعه ابن عمر رضى الله عنهم في هذه المسألة وراسله هل رأى محمد ص = ربه فأخبره انه رآه ولا يقدح في هذا حديث عائشة رضى الله عنها لان عائشة لم تخبر أنها سمعت النبي ص = يقول لم أر ربى وانما ذكرت ما ذكرت متأولة لقول الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا ولقول الله تعالى لا تدركه الأبصار والصحابي إذا قال قولا وخالفه غيره منهم لم يكن قوله حجة وإذا صحت الروايات عن ابن عباس في اثبات الرؤية وجب المصير الى اثباتها فانها ليست مما يدرك بالعقل ويؤخذ بالظن وإنما يتلقى بالسماع ولا يستجيز أحد أن يظن بابن عباس أنه تكلم في هذه المسألة بالظن والاجتهاد وقد قال معمر بن راشد حين ذكر اختلاف عائشة وابن عباس ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس ثم ان ابن عباس أثبت شيئا نفاه غيره والمثبت مقدم على النافي هذا كلام صاحب التحرير فالحاصل أن الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله ص = رأى ربه بعينى رأسه ليلة الاسراء لحديث ابن عباس وغيره مما تقدم واثبات هذا لا ياخذونه الا بالسماع من رسول الله هذا لا ينبغى أن يتشكك فيه ثم ان عائشة رضى الله عنها لم تنف الرؤية بحديث عن رسول الله ص = ولو كان معها فيه حديث لذكرته وانما اعتمدت الاستنباط من الآيات وسنوضح الجواب عنها فأما احتجاج عائشة بقول الله تعالى لا تدركه لأبصار فجوابه ظاهر فان الادراك هو الاحاطة والله
[ 6 ]
تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفى الاحاطة لا يلزم منه نفى الرؤية بغير احاطة وأجيب عن الآية بأجوبة أخرى لا حاجة إليها مع ما ذكرناه فانه في نهاية من الحسم مع اختصاره وأما احتجاجها رضى الله عنها بقول الله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا الآية فالجواب عنه من أوجه أحدها أنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام الثاني أنه عام مخصوص بما تقدم من الأدلة الثالث ما قاله بعض العلماء ان المراد بالوحى الكلام من غير واسطة وهذا الذى قاله هذا القائل وان كان محتملا ولكن الجمهور على أن المراد بالوحى هنا الالهام والرؤية في المنام وكلاهما يسمى وحيا وأما قوله تعالى أو من وراء حجاب فقال الواحدي وغيره معناه غير مجاهر لهم بالكلام بل يسمعون كلامه سبحانه وتعالى من حيث لا يرونه وليس المراد أن هناك حجابا يفصل موضعا من موضع ويدل على تحديد المحجوب فهو بمنزلة ما يسمع من وراء الحجاب حيث لم ير المتكلم والله أعلم قوله (وحدثني أبو الربيع الزهراني) هو بفتح الزاى واسكان الهاء واسمه سليمان بن داود قول مسلم رحمه الله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص بن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله) هذا الاسناد كله كوفيون وغياث بالغين المعجمة والشيبانى هو أبو اسحاق واسمه سليمان بن فيروز وقيل ابن خاقان وقيل ابن عمرو وهو تابعي وأما زر فبكسر الزاى وحبيش بضم الحاء وفتح الموحدة وآخره الشين المعجمة وهو من المعمرين زاد على مائة وعشرين سنة وهو من كبار التابعين قوله (عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه في قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى جبريل له ستمائة جناح) هذا الذى قاله عبد الله رضى الله عنه هو مذهبه في هذه الآية وذهب الجمهور من المفسرين الى أن المراد انه رأى ربه سبحانه وتعالى ثم اختلف هؤلاء فذهب جماعة الى أنه ص = رأى ربه بفؤاده دون عينيه وذهب جماعة الى أنه رآه بعينيه قال الامام أبو الحسن الواحدى قال المفسرون هذا اخبار عن رؤية النبي ص = ربه عز وجل ليلة المعراج قال ابن عباس وأبو ذر وابراهيم التيمى رآه بقلبه قال وعلى هذا رأى بقلبه ربه رؤية صحيحة وهو أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده أو خلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين قال وقد ذهب جماعة من المفسرين الى انه رآه بعينه وهو قول أنس وعكرمة والحسن والربيع قال المبرد ومعنى الآية أن الفؤاد رأى شيئا فصدق فيه
[ 7 ]
وما رأى في موضع نصب أي ما كذب الفؤاد مرئيه وقرأ ابن عامر ما كذب بالتشديد قال المبرد معناه أنه رأى شيئا فقبله وهذا الذى قاله المبرد على أن الرؤية للفؤاد فان جعلتها للبصر فظاهر أي ما كذب الفؤاد ما رآه البصر هذا آخر كلام الواحدى قوله (عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه في قول الله تعالى لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح) هذا الذى قاله عبد الله رضى الله عنه هو قول كثيرين من السلف وهو مروى عن ابن عباس رضى الله عنهما وابن زيد ومحمد بن كعب ومقاتل بن حيان وقال الضحاك المراد أنه رأى سدرة المنتهى وقيل رأى رفرفا أخضر وفي الكبرى قولان للسلف منهم من يقول هو نعت للآيات ويجوز نعت الجماعة بنعت الواحدة كقوله تعالى مآرب أخرى وقيل هو صفة لمحذوف تقديره رأى من آيات ربه الآية الكبرى قوله (عن أبى هريرة رضى الله عنه في قول الله تعالى ولقد رآه نزله أخرى قال رأى جبريل) وهكذا قاله أيضا أكثر العلماء قال الواحدى قال أكثر العلماء المراد رأى جبريل في صورته التى خلقه الله تعالى عليها وقال ابن عباس رأى ربه سبحانه وتعالى وعلى هذا معنى نزلة أخرى يعود الى النبي ص = فقد كانت له عرجات في تلك الليلة لاستحطاط عدد الصلوات فكل عرجة نزلة والله أعلم قوله (عن الأعمش عن زياد بن الحصين أبى جهمة عن أبي العالية عن ابن عباس رضى الله عنهما ما كذب الفؤاد ما رآى ولقد رآه نزلة أخرى قال رآه بفؤاده مرتين) هذا الذى قاله ابن عباس معناه رأى النبي ص = ربه سبحانه وتعالى مرتين في هاتين الإيتين وقد قدمنا اختلاف العلماء في المراد بالأيتين وأن الرؤية
[ 8 ]
عند من أثبتها بالفؤاد أم بالعين وفي هذا الاسناد ثلاثة تابعيون الاعمش وزياد وأبو العالية بعضهم عن بعض واسم الاعمش سليمان بن مهران تقدم بيانه مرات وجهمة بفتح الجيم واسكان الهاء واسم أبى العالية رفيع بضم الراء وفتح الفاء والله أعلم قوله (أعظم الفرية) هي بكسر الفاء واسكان الراء وهى الكذب يقال فرى الشئ يفريه فريا وافتراه يفتريه افتراء إذا اختلقه وجمع الفرية فرى قوله (أنظريني) أي أمهليني قوله (عن مسروق ألم يقل الله تعالى ولقد رآه بالافق المبين وقول عائشة رضى الله عنها (أو لم تسمع أن الله تعالى يقول لا تدركه الابصار أو لم تسمع أن الله تعالى يقول ما كان لبشر أن يكلمه الله الا وحيا ثم قالت عائشة أيضا (والله تعالى
[ 9 ]
يقول يا أيها الرسول بلغ ثم قالت والله يقول قل لا يعلم من في السموات والارض الغيب الا الله هذا كله تصريح من عائشة ومسروق رضى الله عنهما بجواز قول المستدل بآية من القرآن ان الله عز وجل يقول وقد كره ذلك مطرف بن عبد الله بن الشخير التابعي المشهور فروى ابن أبى داود باسناده عنه أنه قال لا تقولوا ان الله يقول ولكن قولوا ان الله قال وهذا الذى أنكره مطرف رحمه الله خلاف ما فعلته الصحابة والتابعون ومن بعدهم من أئمة المسلمين فالصحيح المختار جواز الامرين كما استعملته عائشة رضى الله عنها ومن في عصرها وبعدها من السلف والخلف وليس لمن أنكره حجة ومما يدل على جوازه من النصوص قول الله عز وجل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبى ذر رضى الله عنه قال قال النبي ص = يقول الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والله أعلم وأما قولها (أو لم تسمع أن الله تعالى يقول ما كان لبشر فهكذا هو في معظم الاصول ما كان بحذف الواو والتلاوة وما كان باثبات الواو ولكن لا يضر هذا في الرواية والاستدلال لأن المستدل ليس مقصوده التلاوة على وجهها وانما مقصوده بيان موضع الدلالة ولا يؤثر حذف الواو في ذلك وقد جاء لهذا نظائر كثيرة في الحديث منها قوله فأنزل الله تعالى قم الصلاة طرفي النهار وقوله تعالى أقم الصلاة لذكرى هكذا هو في روايات الحديثين في الصحيحين والتلاوة بالواو فيهما والله أعلم وأما مسروق فقال أبو سعيد السمعاني في الانساب سمى مسروقا لانه سرقه انسان في صغره ثم وجد قوله ص = (رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء الى الارض) هكذا هو في الاصول ما بين السماء الى الارض وهو صحيح وأما عظم خلقه فضبط على وجهين أحدهما بضم العين واسكان الظاء والثاني بكسر العين وفتح الظاء
[ 10 ]
كلاهما صحيح قوله (سألت عائشة رضى الله عنها هل رأى محمد ص = ربه سبحانه وتعالى فقالت سبحان الله لقد قف شعرى لما قلت) أما قولها سبحان الله فمعناه التعجب من جهل مثل هذا وكأنها تقول كيف يخفى عليك مثل هذا ولفظة سبحان الله لارادة التعجب كثيرة في الحديث وكلام العرب كقوله ص = سبحان الله تطهري بها وسبحان الله المسلم لا ينجس وقول الصحابة سبحان الله يارسول الله وممن ذكر من النحويين أنها من ألفاظ التعجب أبو بكر بن السراج وغيره وكذلك يقولون في التعجب لا اله الا الله والله أعلم وأما قولها رضى الله عنها قف شعرى فمعناه قام شعرى من الفزع لكوني سمعت مالا ينبغي أن يقال قال ابن الاعرابي تقول العرب عند انكار الشئ قف شعرى واقشعر جلدى واشمأزت نفسي قال النضر بن شميل القفة كهيئة القشعريرة وأصله التقبض والاجتماع لان الجلد ينقبض عند الفزع والاستهوال فيقوم الشعر لذلك وبذلك سميت القفة التى هي الزنبيل لاجتماعها ولما يجتمع فيها والله أعلم قول مسلم رحمه الله (حدثنا ابن نمير حدثنا أبو أسامة حدثنا زكريا عن ابن أشوع عن عامر عن مسروق) هؤلاء كلهم كوفيون وابن نمير اسمه محمد بن عبد الله بن نمير وأبو أسامة اسمه حماد بن أسامة وزكريا هو ابن أبى زائدة واسم أبى زائدة
[ 11 ]
خالد بن ميمون وقيل هبيرة وابن أشوع هو سعيد بن عمرو بن أشوع بفتح الهمزة واسكان الشين المعجمة وفتح الواو وبالعين المهملة قوله (قلت لعائشة رضى الله عنها فأين قوله تعالى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى الى عبده ما أوحى فقالت انما ذاك جبريل عليه السلام) قال الامام أبو الحسن الواحدى معنى التدلى الامتداد الى جهة ا لسفل هكذا هو الاصل ثم استعمل في القرب من العلو هذا قول الفراء وقال صاحب النظم هذا على التقديم والتأخير لان المعنى ثم تدلى فدنا لان التدلى سبب الدنو قال ابن الاعرابي تدلى إذا قرب بعد علو قال الكلبي المعنى دنا جبريل من محمد ص = فقرب منه وقال الحسن وقتادة ثم دنا جبريل بعد استوائه في الافق الاعلى من الأرض فنزل الى النبي ص = وأما قوله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى فالقاب ما بين القبضة والسية ولكل قوس التى قابان والقاب في اللغة أيضا القدر وهذا هو المراد بالآية عند جميع المفسرين والمراد القوس التى يرمي عنها وهى القوس العرببة وخصت بالذكر على عادتهم وذهب جماعة الى المراد بالقوس الذراع هذا قول عبد الله بن مسعود وشقيق بن سلمة وسعيد بن جبير وأبى اسحاق السبيعى وعلى هذا معنى القوس ما يقاس به الشئ أي يذرع قالت عائشة رضى الله عنها وابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم هذه المسافة كانت بين جبريل والنبي ص = وقول الله تعالى أو أدنى معناه أو أقرب قال مقاتل بل أقرب وقال الزجاج خاطب الله تعالى العباد على لغتهم ومقدار فهمهم والمعنى أو أدنى فيما تقدرون أنتم والله تعالى عالم بحقائق الاشياء من غير شك ولكنه خاطبنا على ما جرت به عادتنا ومعنى الآية أن جبريل عليه السلام مع عظم خلقه وكثرة أجزائه دنا من النبي ص = هذا الدنو والله أعلم
[ 12 ]
قوله (عن أبى ذر رضى الله عنه قال سألت رسول الله ص = هل رأيت ربك فقال نور أنى أراه) وفي الراوية الأخرى (رأيت نورا) أما قوله ص = نور أنى أراه فهو بتنوين نور وبفتح الهمزة في أنى وتشديد النون وفتحها وأراه بفتح الهمزة هكذا رواه جميع الرواة في جميع الاصول والروايات ومعناه حجابه نور فيكف أراه قال الامام أبو عبد الله المازرى رحمه الله الضمير في أراه عائد على الله سبحانه وتعالى ومعناه أن النور منعنى من الرؤية كما جرت العادة باغشاء الأنوار الأبصار ومنعها من ادراك ما حالت بين الرائى وبينه وقوله ص = (رأيت نورا) معناه رأيت النور فحسب ولم أر غيره قال وروى نوراني أراه بفتح الراء وكسر النون وتشديد الياء ويحتمل أن يكون معناه راجعا الى ما قلناه أي خالق النور المانع من رؤيته فيكون من صفات الافعال قال القاضى عياض رحمه الله هذه الرواية لم تقع الينا ولا رأيتها في شئ من الاصول ومن المستحيل أن تكون ذات الله تعالى نورا إذ النور من جملة الأجسام والله سبحانه وتعالى يجل عن ذلك هذا مذهب جميع أئمة المسلمين ومعنى قوله تعالى الله نور السموات والارض وما جاء في الأجاديث من تسميته سبحانه وتعالى بالنور معناه ذو نورهما وخالقه وقيل هادى أهل السموات والأرض وقيل منور قلوب عباده المومنين وقيل معناه
[ 13 ]
ذو البهجة والضياء والجمال والله أعلم قوله ص = (ان الله لا ينام ولا ينبغى له أن ينام يخفض القسط ويرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور وفي رواية النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقة) أما قوله ص = لا ينام ولا ينبغى له أن ينام فمعناه أنه سبحانه وتعالى لا ينام وأنه يسحيل في حقه النوم فان النوم انغمار وغلبة على العقفل يسقط به الاحساس والله تعالى منزه عن ذلك وهو مستحيل في حقه جل وعلى وأما قوله ص = يخفض القسط ويرفعه فقال القاضى عياض قال الهروي قال ابن قتيبة القسط الميزان وسمى قسطا لان القسط العدل وبالميزان يقع العدل قال والمراد أن الله تعالى يخفض الميزان ويرفعه بما يوزن من أعمال العباد المرتفعة ويوزن من أرزاقهم النازلة وهذا تمثيل لما يقدر تنزيله فشبه يوزن الميزان وقيل المراد بالقسط الرزق الذى هو قسط كل مخلوق يخفضه فيقتره ويرفعه فيوسعه والله أعلم وأما قوله ص = (يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل) وفي الرواية الثانية (عمل النهار بالليل وعمل الليل بالنهار) فمعنى الاول والله أعلم يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار الذى بعده وعمل النهار قبل عمل الليل الذى بعده ومعنى الرواية الثانية يرفع إليه عمل النهار في أول الليل الذى بعده ويرفع إليه عمل الليل في أول النهار الذى بعده فان الملائكة الحفظة يصعدون باعمال الليل بعد انقضائه في أول النهار ويصعدون بأعمال النهار بعد انقضائه في أول الليل والله أعلم وأما قوله ص = (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فالسبحات بضم السين والباء ورفع التاء في آخره وفي جمع سبحة قال صاحب العين والهروى وجميع الشارحين للحديث
[ 14 ]
من اللغويين والمحدثين معنى سبحات وجهه نوره وجلاله وبهاؤه وأما الحجاب فأصله في اللغة المنع والستر وحقيقة الحجاب انما تكون للاجسام المحدودة والله تعالى منزه عن الجسم والحد والمراد هنا المانع من رؤيته وسمى ذلك المانع نورا أو نارا لانهما يمنعان من الادراك في العادة لشعاعهما والمراد بالوجه الذات والمراد بما انتهى إليه بصره من خلقه جميع المخلوقات لان بصره سبحانه وتعالى نحيط بجميع الكائنات ولفظة من لبيان الجنس لا للتبعيض والتقدير لو أزال المانع من رؤيته وهو الحجاب المسمى نورا أو نارا وتجلى لخلقه لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته والله أعلم قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أبو معاوية حدثنا الاعمش عن عمرة بن مرة عن أبى عبيدة عن أبي موسى ثم قال وفي رواية أبى بكر عن الأعمش ولم يقل حدثنا) هذا الاسناد كله كوفيون وابو موسى الاشعري بصرى كوفي واسم أبى بكر بن أبى شيبة عبد الله بن محمد بن ابراهيم وهو أبو شيبة واسم أبى كريب محمد بن العلاء وأبو معاوية محمد بن خارم بالخاء المعجمة والاعمش سليمان بن مهران وأبو موسى عبد الله ابن قيس وكل هؤلاء تقدم بيانهم ولكن طال العهد بهم فأردت تجديده لمن لا يحفظهم وأما أبو عبيدة فهو ابن عبد الله بن مسعود واسمه عبد الرحمن وفي هذا الاسناد لطيفتان من لطائف علم الاسناد احداهما أنهم كلهم كوفيون كما ذكرته والثانية أن فيه ثلاثة تابعيون يروى بعضهم عن بعض الاعمش وعمرو وأبو عبيدة وأما قوله وفي رواية أبى بكر عن الاعمش ولم يقل حدثنا فهو من احتياط مسلم رحمه الله وورعه واتقانه وهو أنه رواه عن أبى كريب وأبى
[ 15 ]
بكر فقال أبو كريب في ررايته حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الاعمش وقال أبو بكر حدثنا أبو معاوية عن الاعمش فلما اختلفت عبارتهما في كيفية راية شيخهما أبى معاوية بينها مسلم رحمه الله فحصل فيه فائدتان احداهما أن حدثنا للاتصال باجماع العلماء وفي عن خلاف كما قدمناه في الفصول وغيرها والصحيح الذى عليه الجماهير من طوائف العلماء أنها أيضا للاتصال الا أن يكون قائلها مدلسا فبين مسلم ذلك والثانية أنه لو اقتصر على احدى العبارتين كان فيه خلل فإنه إن اقتصر على عن كان مفوتا لقوة حدثنا وراويا بالمعنى وان اقتصر على حدثنا كان زائدا في رواية أحدهما راويا بالمعنى وكل هذا مما يجتنب والله أعلم بالصواب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه وتعالى اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية الله تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا أيضا على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون الله تعالى دون الكافرين وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالى لا يراه أحد من خلقه وأن رؤيته مستحيلة عقلا وهذا الذى قالوه خطأ صريح وجهل قبيح وقد تظاهرت أدله الكتاب والسنة واجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الامة على اثبات رؤية الله تعالى في الآخرة للمؤمنين ورواها نحو عشرين صحابيا عن رسول الله ص = وآيات القرآن فيها مشهورة واعتراضات المبتدعة عليها لها أجوبة مشهورة في كتب المتكلمين من أهل السنة وكذلك باقى شبههم وهى مستقصاة في كتب الكلام وليس بنا ضرورة الى ذكرها هنا وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فقد قدمنا أنها ممكنه ولكن الجمهور من السلف والخلف من المتكلمين وغيرهم أنها لا تقع في الدنيا وحكم الامام أبو القاسم القشيرى في رسالته المعروفة عن الامام أبى بكر بن فورك انه حكى فيها قولين للامام أبى الحسن الاشعري أحدهما وقوعها والثانى لا تقع ثم مذهب أهل الحق ان الرؤية
[ 16 ]
قوة يجعلها الله تعالى في خلقه ولا يشترط فيها اتصال الاشعة ولا مقابلة المرئى ولا غير ذلك لكن جرت العادة في رؤية بعضنا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى اثبات جهة تعالى عن ذلك بل براه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم قوله في الاسناد (الجهضمى وأبو غسان المسمعى) أما الجهضمى فبفتح الجيم والضاد المعجمة واسكان الهاء بينهما وقد تقدم بيانه في أول شرح المقدمة وكذلك تقدم بيان أبى غسان وانه يجوز صرفه وترك صرفه وأن اسمه مالك بن عبد الواحد وأن المسمعى بكسر الميم الأولى وفتح الثانية منسوب الى مسمع ابن ربيعة جد القبيلة وهذا كله وان كان ظاهرا وقد تقدم الا أنى أعيده لطول العهد بموضعه والله أعلم قوله (عن أبى بكر بن عبد الله بن قيس) هو أبو بكر بن أبى موسى الاشعري واسم أبى بكر عمرو وقيل عامر قوله ص = (وما بين القوم وبين أن ينظروا الى ربهم الا رداء الكبر في جنة عدن) قال العلماء كان النبي ص = يخاطب العرب بما يفهمونه ويقرب الكلام الى أفهامهم ويستعمل الاستعارة وغيرها من أنواع المجاز ليقرب متناولها فعبر ص = عن زوال المانع ورفعه عن الابصار بازاله الرداء قوله ص = (في جنة عدن) أي الناظرون في جنة عدن فهى ظرف للناظر قوله (حدثنا عبد الله بن عمر بن ميسرة حدثنى عبد الرحمن ابن مهدى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبى ليلى عن صهيب عن
[ 17 ]
النبي ص = قال إذا دخل أهل الجنة الجنة الحديث) هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبى ليلى عن صهيب عن النبي ص = قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي وغيرهما لم يروه هكذا مرفوعا عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد ابن واقد عن ثابت عن ابن أبى ليلى من قوله ليس فيذكر النبي ص = ولا ذكر صهيب وهذا الذى قاله هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فققدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذى ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الاصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بقض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم مرفوعا وبعضهم موقوفا حكم بالمتصل وبالمرفوع لانهما زيادة ثقة وهى مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف والله أعلم قوله ص = (هل تضارون في القمر ليلة البدر) وفى الرواية
[ 18 ]
الأخرى هل تضامون وروى تضارون بتشديد الراء وبتخفيفها والتاء مضمونه فيهما ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه كما تفعلون أول ليلة من الشهر ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر وروى أيضا تضامون بتشديد الميم وتخفيفها فمن شددها فتح التاء ومن خففها ضم التاء ومعنى المشدد هل تتضامون وتتلطفون في التوصل الى رؤيته ومعنى المخفف هل يلحقكم ضيم وهو المشقة والتعب قال القاضى عياض رحمه الله وقال فيه بعض أهل اللغة تضارون أو تضامون بفتح التاء وتشديد الراء والميم وأشار القاضى بهذا الى أن غير هذا القائل يقولها بضم التاء سواء شدد أو خفف وكل هذا صحيح ظاهر المعنى وفي رواية للبخاري لا تضامون أو لا تضارون على الشك ومعناه لا يشتبه عليكم وترتابون فيه فيعارض بعضكم بعضا في رؤيته والله أعلم قوله ص = (فانكم ترونه كذلك) معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك والمشقة والاختلاف قوله (الطواغيت) هو جمع طاغوت قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى وقال ابن عباس ومقاتل والكلبي وغير هم الطاغوت الشيطان وقيل هو الأصنام قال الواحدى الطاغوت يكون واحدا وجمعا ويؤنث ويذكر قال الله تعالى يريدون أن يتحاكموا الى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به فهذا في الواحد وقال تعالى في الجمع الذين كفروا أوليائهم الطاغوت يخرجونهم وقال في المؤنث والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها قال الواحدى ومثله من الاسماء الفلك يكون واحدا وجمعا ومذكر أو مؤنثا قال النحويون وزنه فعلوت والتاء زائدة وهو مشتق من طغى وتقديره طغووت ثم قلبت الواو ألفا والله أعلم قوله ص = (وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها) قال العلماء انما بقوا في زمرة المؤمنين لانهم كانوا في الدنيا مستترين بهم فيتسترون بهم أيضا في
[ 19 ]
الآخرة وسلكوا مسلكهم ودخلوا في جملتهم وتبعوهم ومشوا في نورهم حتى ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب وذهب عنهم نور المؤمنين قال بعض العلماء هؤلاء هم المطرودون عن الحوض الذين يقال لهم سحقا سحقا والله أعلم قوله ص = (فيأتيهم الله في صورة غير صورته التى يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التى بعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه) اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم في معناها بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شئ وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة وعن سائر صفا ت المخلوق وهذا القول هو مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم والقول الثاني وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها وانما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الاصول والفروع ذا رياضة في العلم فعلى هذا المذهب يقال في قوله ص = فيأتيهم الله أن الاتيان عبارة عن رؤيتهم اياه لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته الا بالاتيان فعبر بالاتيان والمجئ هنا عن الرؤية مجازا وقيل الاتيان فعل من أفعال الله تعالى سماه اتيانا وقيل المراد بيأتيهم الله أي يأتيهم بعض ملائكة الله قال القاضى عياض رحمه الله هذا الوجه أشبه عندي بالحديث قال ويكون هذا الملك الذى جاءهم في الصورة التى أنكروها من سمات الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق قال أو يكون معناه يأتيهم الله في صورة أي يأتيهم بصورة ويظهر لهم من صور الملائكة ومخلوقاته التى لا تشبه
[ 20 ]
صفات الاله ليختبرهم وهذا آخر امتحان المؤمنين فإذا قال لهم هذا الملك أو هذه الصورة أنا ربكم رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم ويستعيذون بالله منه وأما قوله ص = (فيأتيهم الله في صورة التى يعرفون) فالمراد بالصورة هنا الصفة ومعناه فيتجلى الله سبحانه وتعالى لهم على الصفة التى يعلمونها ويعرفونه بها وانما عرفوه بصفته وان لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لانهم يرونه لا يشبه شيئا من مخلوقاته وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته فيعلمون أنه ربهم فيقولون أنت ربنا وانما عبر بالصورة عن الصفة لمشابهتها اياها ولمجانسة الكلام فانه تقدم ذكر الصورة وأما قولهم (نعوذ بالله منك) فقال الخطابي يحتمل أن تكون هذه الاستعاذة من المنافقين خاصة وأنكر القاضى عياض هذا وقال لا يصح أن تكون من قول المنافقين ولا يستقيم الكلام به وهذا الذى قاله القاضى هو الصواب ولفظ الحديث مصرح به أو ظاهر فيه وانما استعاذوا منه لما قدمناه من كونهم رأوا سمات المخلوق وأما قوله ص = (فيتبعونه) فمعناه يتبعون أمره اياهم بذهابهم الى الجنة أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم الى الجنة والله أعلم قوله ص = (ويضرب الصراط بين ظهرى جهنم) هو بفتح الظاء وسكون الهاء ومعناه يمد الصراط عليها وفي هذا اثبات الصراط ومذهب أهل الحق اثباته وقد أجمع السلف على اثبات وهو جسر على متن جهنم يمر عليه الناس كلهم فالمؤمنون ينجون على حسب حالهم أي منازلهم والآخرون يسقطون فيها أعاذنا الله الكريم منها وأصحابنا المتكلمون وغيرهم من السلف يقولون ان الصراط أدق من الشعرة وأحد من السيف كما ذكره أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه هنا في روايته الاخرى المذكورة في الكتاب والله تعالى أعلم قوله ص = (فأكون أنا وأمتى أول من يجيز) هو بضم الياء وكسر الجيم والزاى آخره ومعناه يكون أول من يمضى عليه ويقطعه يقال أجزت الوادي وجزته لغتان بمعنى واحد وقال الأصمعى أجزته قطعته وجزته مشيت فيه والله أعلم قوله ص = (ولا يتكلم يومئذ الا رسل) معناه لشدة الاهوال
[ 21 ]
والمراد لا يتكلم في حال الإجازة والا ففى يوم القيامة مواطن يتكلم الناس فيها وتجادل كل نفس عن نفسها ويسأل بعضهم بعضا ويتلاومون ويخاصم التابعون المتبوعين والله أعلم قوله ص = (ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم) هذا من كمال شفقتهم ورحمتهم للخلق وفيه أن الدعوات تكون بحسب المواطن فيدعى في كل موطن بما يليق به والله أعلم قوله ص = (وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان) أما الكلاليب فجمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها اللحم وترسل في التنور قال صاحب المطالع هي خشبة في رأسها عقافة حديد وقد تكون حديدا كلها ويقال لها ايضا كلاب وأما السعدان فبفتح السين واسكان العين المهملة وهو نبت له شوكة عظيمة مثل الحسك من كل الجوانب قوله ص = (تخطف الناس بأعمالهم) هو بفتح الطاء ويجوز كسرها يقال خطف وخطف بكسر الطاء وفتحها والكسر أفصح ويجوز أن يكون معناه تخطفهم بسبب أعمالهم ويجوز أن يكون معناه تخطفهم بسبب أعمالهم ويجوز أن يكون معناه تخطفهم على قدر أعمالهم والله أعلم قوله ص = (فمنهم المؤمن بقى بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى) أما الاول فذكر القاضى عياض رحمه الله أنه روى على ثلاثة أوجه أحدها المؤمن يقى بعمله بالميم والنون وبقي بالياء والقاف والثاني الموثق بالمثلثة والقاف والثالث الموبق يعنى بعمله فالموبق بالباء الموحدة والقاف ويعنى بفتح الياء المثناة وبعدها العين ثم النون قال القاضى هذا أصحها وكذا قال صاحب المطالع هذا الثالث هو الصواب قال وفي يقى على الوجه الاول ضبطان أحدهما بالباء الموحدة والثاني بالياء المثناة من تحت من الوقاية قلت والموجود في معظم الاصول ببلادنا هو الوجه الاول وأما قوله ص = (يومنهم ثنا المجازى) فضبطناه بالجيم والزاى من المجازاة وهكذا هو
[ 22 ]
في أصول بلادنا في هذا الموضع وذكر القاضى عياض رحمه الله في ضبطه خلافا فقال رواه العذري وغيره المجازى كما ذكرناه ورواه بعضهم المخردل بالخاء المعجمة والدال واللام ورواه بعضهم في البخاري المجردل بالجيم فأما الذى بالخاء فمعناه المقطع أي بالكلاليب يقال خردلت اللحم أي قطعته وقيل خردلت بمعنى صرعت ويقال بالذال المعجمة أيضا والجردلة بالجيم الاشراف على الهلاك والسقوط قوله ص = (تأكل النار من ابن آدم الا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ظاهر هذا أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة التى يسجد الانسان عليها وهى الجبهة واليدان والركبتان والقدمان وهكذا قاله بعض العلماء وأنكره القاضى عياض رحمه الله وقال المراد بأثر السجود الجبهة خاصة والمختار الاول فان قيل قد ذكمسلم بعد هذا مرفوعا أن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها الا دارات الوجوه فالجواب أن هؤلاء القوم مخصوصون من جملة الخارجين من النار بأنه لا يسلم منهم من النار الا دارات الوجوه وأما غيرهم فيسلم جميع أعضاء السجود منهم عملا بعموم هذا الحديث فهذا الحديث عام وذلك خاص فيعمل بالعام الا ما خص والله أعلم قوله ص = (فيخرجون من النار قد امتحشوا) هو بالحاء المهملة والشين المعجمة وهو بفتح التاء والحاء هكذا هو في الروايات وكذا نقله القاضى عياض رحمه الله عن متقنى شيوخهم قال وهو وجه الكلام وبه ضبطه الخطابى والهروى وقالوا في معناه احترقوا قال القاضى ورواه بعض شيوخنا بضم التاء وكسر الحاء والله أعلم قوله صلى
[ 23 ]
الله عليه وسلم (فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل) هكذا هو في الاصول فينبتون منه بالميم والنون وهو صحيح ومعناه ينبتون بسببه وأما الحبة فبكسر الحاء وهى بزر البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول وجمعها حبب بكسر الحاء المهملة وفتح الباء وأما حميل السيل فبفتح الحاء وكسر الميم وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء ومعناه محمول السيل والمراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته قوله (قشبنى ريحها وأحرقني ذكاؤها) أما قشبنى فبقاف مفتوحة ثم شين معجمة مخففة مفتوحة ومعناه سمنى وآذاني وأهلكنى كذا قاله الجماهير من أهل اللغة والغريب وقال الداودى معناه غير جلدى وصورتي وأما ذكاؤها فكذا وقع في جميع روايات الحديث ذكاؤها بالمد هو بفتح الذال المعجمة ومعناه لهبها واشتعالها وشدة وهجها والأشهر في اللغة ذكاها مقصور وذكر جماعات أن المد والقصر لغتان يقال ذكت النار تذكو ذكا إذا اشتعلت وأذكيتها أنا والله أعلم قوله عز وجل (هل عسبت) هو بفتح التاء على الخطاب ويقال بفتح السين وكسرها لغتان
[ 24 ]
وقرئ بهما في السبع قرأ نافع بالكسر والباقون بالفتح وهو الافصح الاشهر في اللغة قال ابن السكيت ولا ينطق في عسيت بمستقبل قوله ص = (فإذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة فرأى ما فيها من الخير) أما الخير فبالخاء المعجمة والياء المثناة تحت هذا هو الصحيح المعروف في الروايات والاصول وحكى القاضى عياض رحمه الله أن بعض الرواة في مسلم رواه الحبر بفتح الحاء المهملة واسكان الباء الموحدة ومعناه السرور قال صاحب المطالع كلاهما صحيح قال والثاني أظهر ورواه البخاري الحبرة والسرور والحبرة المسرة وأما انفهقت فبفتح الفاء والهاء والقاف ومعناه انفتحت واتسعت قوله فلا يزال يدعو الله تعالى حتى يضحك الله تعالى منه قال العلماء ضحك الله تعالى منه هو رضاه بفعل عبده ومحبته اياه واظهار نعمته عليه وايجابها عليه والله أعلم قوله ص = (فيسأل ربه ويتمنى حتى ان الله تعالى ليذكره من كذا وكذا) معناه يقول له تمن من الشئ الفلاني ومن الشئ الآخر يسمى له أجناس ما يتمنى وهذا من عظيم رحمته سبحانه وتعالى قوله في رواية أبى هريرة (لك ذلك ومثله معه) وفي رواية أبى سعيد وعشرة أمثاله قال العلماء وجه الجمع بينهما أن النبي ص = أعلم أولا بما في حديث أبى هريرة ثم تكرم الله تعالى فزاد ما في رواية أبى سعيد فأخبر به النبي صلى
[ 26 ]
الله عليه وسلم ولم يسمعه أبو هريرة قوله ص = (ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة الا كما تضارون في رؤية أحدهما) معناه لا تضارون أصلا كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا قوله ص = (حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله تعالى من بر وفاجر وغير غبر الكتاب) أما البر فهو المطيع وأما غبر فبضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة المشددة ومعناه بقاياهم جمع غابر قوله ص = (فيحشرون الى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا) أما السراب فهو الذى يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوى وسط النهار في الحر الشديد لامعا مثل الماء يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا فالكفار يأتون جهنم أعاذنا الله الكريم وسائر المسلمين منها ومن كل مكروه وهم عطاش فيحسبونها ماء فيتاسقطون فيها وأما يحطم بعضها بعضا فمعناه لشدة اتقادها وتلاطم أمواج لهبها والحطم الكسر والاهلاك والحطمة اسم من أسماء النار لكونها تحطم ما بقى فيها قوله صلى
[ 27 ]
الله عليه وسلم (أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التى رأوه فيها) معنى رأوه فيها علموها له وهى صفته المعلومة للمؤمنين وهى أنه لا يشبه شئ وقد تقدم الاتيان والصورة والله أعلم قوله (قالوا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم) معنى قولهم التضرع الى الله تعالى في كشف هذه الشدة عنهم وأنهم لزموا طاعته سبحانه وتعالى وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه من قراباتهم وغيرهم ممن كانوا يحتاجون في معايشهم ومصالح دنياهم الى معاشرتهم للارتفاق بهم وهذا كما جرى للصحابة المهاجرين وغيرهم ومن أشبههم من المؤمنين في جميع الازمان فانهم يقاطعون من حاد الله ورسوله ص = مع حاجتهم في معايشهم الى الارتفاق بهم والاعتضاد بمخالطتهم فآثروا رضى الله تعالى على ذلك وهذا معنى ظاهر في هذا الحديث لا شك في حسنه وقد أنكر القاضى عياض رحمه الله هذا الكلام الواقع في صحيح مسلم وادعى أنه مغير وليس كما قال بل الصواب ما ذكرناه قوله ص = (حتى ان بعضهم ليكاد أن ينقلب) هكذا هو في الاصول ليكاد أن ينقلب باثبات أن واثباتها مع كاد لغة كما أن حذفها مع عسى لغة وينقلب بياء مثناة من تحت ثم نون ثم قاف ثم لام ثم باء موحدة ومعناه والله أعلم ينقلب عن الصواب ويرجع عنه للامتحان الشديد الذى جرى والله أعلم قوله ص = (فيكشف عن ساق) ضبط يكشف بفتح الياء وضمها وهما صحيحان وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول وهذا مثل تضربه العرب لشدة
[ 28 ]
الأمر ولهذا يقولون قامت الحرب على ساق وأصله أن الانسان إذا وقع في أمر شديد شمر ساعده وكشف عن ساقه للاهتمام به قال القاضى عياض رحمه الله وقيل المراد با لساق هنا نور عظيم وورد ذلك في حديث عن النبي ص = قال ابن فورك ومعنى ذلك ما يتجدد للمؤمنين عند رؤية الله تعالى من الفوائد والالطاف قال القاضى عياض وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين من ظهور جماعة من الملائكة على خلقة عظيمة لانه يقال ساق من الناس كما يقال رجل من جراد وقيل قد يكون ساق مخلوقا جعله الله تعالى علامة للمؤمنين خارجة عن السوق المعتادة وقيل معناه كشف الخوف وازالة الرعب عنهم وما كان غلب على قلوبهم من الاهوال فتطمئن حينئذ نفوسهم عند ذلك ويتجلي لهم فيخرون سجدا قال الخطابي رحمه الله وهذه الرؤية التى في هذا المقام يوم القيامة غير الرؤية التى في الجنة لكرامة أولياء الله تعالى وانما هذه للامتحان والله أعلم قوله ص = ولا يبقى من كان يسجد لله تعالى من تلقاء نفسه الا أذن الله له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء الا جعل الله ظهره طبقة واحدة هذا السجود امتحان من الله تعالى لعباده وقد استدل بعض العلماء بهذا مع قوله تعالى ويدعون الى السجود فلا يستطيعون على جواز تكليف ما لا يطاق وهذا استدلال باطل فان الآخرة ليست دار تكليف بالسجود وانما المراد امتحانهم وأما قوله ص = طبقة فبفتح الطاء والباء قال الهروي وغيره الطبق فقار الظهر أي صار فقارة واحدة كالصحيفة فلا يقدر على السجود والله أعلم ثم اعلم أن هذا الحديث قد يتوهم منه أن المنافقين يرون الله تعالى مع المؤمنين وقد ذهب الى ذلك طائفة حكاه ابن فورك لقوله ص = وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تعالى وهذا الذى قالوه باطل بل لا يراه المنافقون باجماع من يعتد به من علماء المسلمين وليس في هذا الحديث تصريح برؤتهم الله تعالى وانما فيه أن الجمع الذى فيه المؤمنون والمنافقون يرون
[ 29 ]
الصورة ثم بعد ذلك يرون الله تعالى وهذا لا يقتضى أن يراه جميعهم وقد قامت دلائل الكتاب والسنة على أن المنافق لا يراه سبحانه وتعالى والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته) هكذا ضبطناه صورته بالهاء في آخرها ووقع في أكثر الاصول أو كثير منها في صورة بغير هاء وكذا هو في الجمع بين الصحيحين للحميدي و الاول أظهر وهو الموجود في الجمع بين الصيحين للحافظ عبد الحق ومعناه وقد أزال المانع لهم من رؤيته وتجلى لهم قوله صلى اله عليه وسلم (ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة) الجسر بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان وهو الصراط ومعنى تحل الشفاعة بكسر الحاء وقيل بضمها أي تقع ويؤذن فيها قوله (قيل يا رسول الله وما الجسر قال دحض مزلة) هو بتنوين دحض وداله مفتوحة والحاء ساكنة ومزلة بفتح الميم وفي الزاى لغتان مشهورتان الفتح والكسر والدحض والمزلة بمعنى واد وهو الموضع الذي تزل فيه الاقدام ولا تستقر ومنه دحضت الشمس أي مالت وحجة داحضة لاثبات لها قوله صلى الله عليه وسلم (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك) أما الخطاطيف فجمع خطاف بضم الخاء في المفرد والكلاليب بمعناه وقد تقدم بيانهما واما الحسك فبفتح الحاء والسين المهملتين وهو شوك صلب من حديد قوله صلى الله عليه وسلم (فناج مسلم ومخدوش مرسل ومكدوس في نار جهنم) معناه أنهم ثلاثة أقسام قسم بسلم فلا يناله شئ أصلا وقسم يخدش ثم يرسل فيخلص وقسم يكردس ويلقى فيسقط في جهنم وأما مكدوس فهو بالسين المهملة هكذا هو في الاصول وكذا نقله
[ 30 ]
القاضى عياض رحمه الله عن أكثر الرواة قال ورواه العذري بالشين المعجمة ومعناه بالمعجمة السوق وبالمهملة كون الاشياء بعضها على بعض ومنه تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضا قوله صلى الله عليه وسلم (فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة في استقصاء الحق من المؤمنين لله تعالى يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار) اعلم أن هذه اللفظة ضبطت على أوجه أحدها استيضاء بتاء مثناة من فوق ثم ياء مثناة من تحت ثم ضاد معجمة والثاني استضاء بحذف المثناة من تحت والثالث استيفاء باثبات المثناة من تحت وبالفاء بدل الضاد والرابع استقصاء بمثناة من فوق ثم قاف ثم صاد مهملة فالاول موجود في كثير من الاصول ببلادنا والثاني هو الموجود في أكثرها وهو الموجود في الجمع بين الصحيحن للحميدي والثالث في بعضها وهو الموجود في الجمع بين الصحيحين لعبد الحق الحافظ والرابع في بعضها ولم يذكر القاضي عياض غيره وادعى اتفاق الرواة وجميع النسخ عليه وادعى أنه تصحيف ووهم وفيه تغيير وأن صوابه ما وقع في كتاب البخاري من رواية ابن بكير بأشد مناشدة في استقصاء الحق يعنى في الدنيا من المؤمنين لله يوم القيامة لاخوانهم وبه يتم الكلام ويتوجه هذا آخر كلام القاضى رحمه الله وليس الام على ما قاله بل جميع الروايات التى ذكرناها صحيحة لكل منها معنى حسن وقد جاء في رواية يحي بن بكير عن الليث فما أنتم بأشد مناشدة في الحق قد تبين لكم من المؤمنين يومئذ للجبار تعالى وتقدس إذا رأوا أنهم قد نجوا في اخوانهم وهذه الرواية التى ذكرها الليث توضح المعنى فمعنى الرواية الاولى والثانية انكم إذا عرض لكم في الدنيا أمر مهم والتبس الحال فيه وسألتم الله تعالى بيانه وناشد تموه
[ 31 ]
في استيضائه وبالغتم فيها لا تكون مناشدة أحدكم مناشدة بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى في الشفاعة لاخوانهم وأما الرواية الثالثة والرابعة فمعنا هما أيضا ما منكم من أحد يناشد الله تعالى في الدنيا في استيفاء حقه أو استقصائه وتحصيله من خصمه والمتعدي عليه بأشد من مناشدة المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لاخوانهم يوم القيامة والله أعلم قوله سبحانه وتعالى (من وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير ونصف مثقال من خير ومثقال ذرة) قال القاضي عياض رحمه الله قيل معنى الخير هنا اليقين قال والصحيح أن معناه شئ زائد على مجرد الايمان لأن الايمان الذي هو التصديق لا يتجزأ وانما يكون هذا التجزؤ لشئ زائد عليه من عمل صالح أو ذكر خفي أو عمل من أعمال القلب من شفقة على مسكين أو خوف من الله تعالى ونية صادقة ويدل عليه قوله في الرواية الاخرى في الكتاب يخرج من النار من قال لا اله الا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن كذا ومثله الرواية الأخرى يقول الله تعالى شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط وفي الحديث الآخر لأخرجن من قال لا اله الا الله قال القاضي رحمه الله فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الايمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم وانما دلت الآثار على أنه أذن لمن عنده شئ زائد على مجرد الايمان وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين صلوات الله وسلامه عليهم دليلا عليه وتفرد الله عز وجل بعلم ما تكنه القلوب والرحمة لمن ليس عنده الا مجرد الايمان وضرب بمثقال الذرة المثل لأقل الخير فانها أقل المقادير قال
[ 32 ]
القاضى وقوله تعالى من كان في قلبه ذرة وكذا دليل على أنه لا ينفع من العمل الا ما حضر له القلب وصحبته نية وفيه دليل على زيادة الايمان ونقصانه وهو مذهب أهل السنة هذا آخر كلام القاضي رحمه الله والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا) هكذا هو خيرا باسكان الياء أي صاحب خير قوله سبحانه وتعالى (شفعت الملائكة) هو بفتح الفاء وانما ذكرته وان كان ظاهرا لأنى رأيت من يصحفه ولا خلاف فيه يقال شفع يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع والمشفع بكسر الفاء الذى يقبل الشفاعة والمشفع بفتحها الذى تقبل شفاعته قوله صلى الله عليه وسلم (فيقبض قبضة من النار) معناه يجمع جماعة قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما) معنى عادوا صاروا وليس بلازم في عاد أن يصير الى حالة كان عليه قبل ذلك بلا معناه صار وأما الحمم فبضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة وهو الفحم الواحدة حممة والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة) أما النهر ففيه لغتان معروفتان فتح الهاء وإسكانها والفتح أجود وبه جاء القرآن العزيز وأما الأفواه فجمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة وهو جمع سمع من العرب على غير قياس وأفواه الأزقة والانهار أوائلها قال صاحب المطالع كأن المراد في الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها قوله صلى اله عليه وسلم (ما يكون
[ 33 ]
الى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها الى الظل يكون أبيض) أما يكون في الموضعين الأولين فتامة ليس لها خبر معناها ما يقع وأصيفر وأخضير مرفوعان وأما يكون أبيض فيكون فيه ناقصة وأبيض منصوب وهو خبرها قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم) أما اللؤلؤ فمعروف وفيه أربع قراءات في السبع بهمزتين في أوله وآخره وبحذفهما وباثبات الهمزة في أوله دون آخره وعكسه وأما الخواتم فجمع خاتم بفتح التاء وكسرها ويقال أيضا خيتام وخاتام قال صاحب التحرير المراد بالخواتم هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك تعلق في أعناقهم علامة يعرفون بها قال معناه تشبيه صفائهم وتلألئهم باللؤلؤ والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله) أي يقولون هؤلاء عتقاء الله قوله (قرأت على عيسى بن حماد زغبة) هو بضم الزاى واسكان الغين المعجمة وبعده باء موحدة وهو لقب لحماد والد عيسى ذكره أبو على الغساني الجياني
[ 34 ]
قوله (وزاد بعد قوله بغير عمل عملوه ولا قدم قدموه) هذا مما قد يسأل عنه فيقال لم يتقدم في الرواية الأولى ذكره القدم وانما تقدم ولا خير قدموه وإذا كان كذلك لم يكن لمسلم أن يقول زاد بعد قوله ولا قدم إذ لم يجر للقدم ذكر وجوابه أن هذه الرواية التى فيها الزيادة وقع فيها ولا قدم بدل قوله في الأولى خير ووقع فيها الزيادة فأراد مسلم رحمه الله بيان الزيادة ولم يمكنه أن يقول زاد بعد قوله ولا خير قدموه إذ لم يجز له ذكر في هذه الرواية فقال زاد بعد قوله ولا قدم قدموه أي زاد بعد قوله في روايته ولا قدم قدموه واعلم أيها المخاطب أن هذا لفظه في روايته وأن زيادته بعد هذا والله أعلم والقدم هنا بفتح القاف والدال ومعناه الخير كما في الرواية الأخرى والله أعلم قوله (وليس في حديث الليث فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين وما بعده فاقربه عيسى بن حماد أما قوله وما بعده فمطوف على فيقولون ربنا أي ليس فيه فيقولون ربنا ولا ما بعده وأما قوله فأقربه عيسى فمعناه أقر بقول له أولا أخبركم الليث بن سعد الى آخره والله أعلم قوله وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا جعفر بن عون حدثنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم باسنادهما نحو حديث حفص بن ميسرة) فقوله باسنادهما يعنى باسناد حفص بن ميسرة واسناد سعيد ابن أبي هلال الراويتين في الطريقين المتقدمين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي
[ 35 ]
سعيد الخدرى رضى الله عنه ومراد مسلم رحمه الله أن زيد بن أسلم رواه عن عطاء عن أبي سعيد الخدرى ورواه عن زيد بهذا الاسناد ثلاثة من أصحابه حفص بن ميسرة وسعيد بن أبي هلال وهشام بن سعد فأما روايت احفص وسعيد فتقدمتا مبينتين في الكتاب وأما رواية هشام فهي من حيث الاسناد باسنادهما ومن حديث المتن نحو حديث حفص والله عز وجل أعلم (اثبات الشفاعة واخراج الموحدين من النار) قال القاضى عياض رحمه الله مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا ووجوبها سمعا بصريح قوله تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وقوله ولا يشفعون الا لمن ارتضى وأمثالهما وبخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار واحتجوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وبقوله تعالى ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع وهذه الآيات في الكفار وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم واخراج من استوجب النار لكن الشفاعة خمسة أقسام أولها مختصة بنبينا صلى الله عليه سلم وهي الاراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب كما سيأتي بيانها الثانية في ادخال قوم الجنة بغير حساب وهذه وردت أيضا لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرها مسلم رحمه الله الثالثة الشفاعة لقوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن شاء الله تعالى وسننبه على موضعها قريبا ان شاء الله تعالى الرابعة فيمن دخل النار
[ 36 ]
من المذنبين فقد جاءت هذه الاحاديث باخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم والملائكة واخوانهم من المؤمنين ثم يخرج الله تعلى كل من قال لا اله الا الله كما جاء في الحديث لا يبقى فيها الا الكافرون الخامسة في زيادة الدرجات في الجنة لاهلها وهذه لا ينكرها المعتزلة ولا ينكرون أيضا شفاعة الحشر الاول قال القاضي عياض وقد عرف بالنقل المستفيض سؤال السلف الصالح رضى الله عنهم شفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم ورغبتهم فيها وعلى هذا لا يلتفت الى قول من قال انه يكره أن يسأل الانسان الله تعالى أن يرزقه شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم لكونها لا تكون الا للمذنبين فانها قد تكون كما قدمنا لتخفيف الحساب وزيادة الدرجات ثم كل عاقل معترف بالتقصير محتاج الى العفو غير معتد بعمله مشفق من أن يكون من الهالكين ويلزم هذا القائل أن لا يدعو بالمغفرة والرحمة لأنها لاصحاب الذنوب وهذا كله خلاف ما عرف من دعاء السلف والخلف هذا آخر كلام القاضي رحمه الله والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (فيخرجون منها حمما قد امتحشوا فيلقون في نهر الحياة أو الحيا فينبتون فيه كما تنبت الحبة) أما الحمم فتقدم بيانه في الباب السابق وهو بضم الحاء وفتح الميم المخففة وهو الفحم وقد تقدم فيه بيان الحبة والنهر وبيان امتحشوا وأنه بفتح التاء على المختار وقيل بضمها ومعناه احترقوا وقوله الحياة أو الحيا هكذا وقع هنا وفي البخاري من رواية مالك وقد صرح البخاري في أول صحيحه بأن هذا الشك من مالك وروايات غيره الحياة بالتاء من غير شك ثم ان الحيا هنا مقصور
[ 37 ]
وهو المطر سمى حيا لانه تحيا به الارض ولذلك هذا الماء يحيا به هؤلاء المحترقون وتحدث فيهم النضارة كما يحدث ذلك المطر في الارض والله أعلم قوله (كما تنبت الغثاء) هو بضم الغين المعجمة وبالثاء المثلثة المخففة وبالمد وآخره هاء وهو كل ما جاء به السيل وقيل المراد ما احتمله السيل من البذور وجاء في غير مسلم كما تنبت الحبة في غثاء السيل بحذف الهاء من آخره وهو ما احتمله السيل من الزبد والعيدان ونحوهما من الاقذاء والله أعلم قوله (وفي حديث وهيب كما تنبت الحبة في حمئة أو حميلة السيل) أما الاول فهو حمئة بفتح الحاء وكسر الميم وبعدها همزة وهي الطين الاسود الذى يكون في أطراف النهر وأما الثاني فهو حميلة وهي واحدة الحميل المذكور في الروايات الأخر بمعنى المحمول وهو الغثاء الذى يحتمله السيل والله أعلم قوله صلى الله عليه وسلم (أهل النار الذين هم أهلها فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم اماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة فجئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) هكذا وقع في معظم النسخ أهل النار وفي بعضها أما أهل النار بزيادة أما وهذا أوضح والأول صحيح وتكون الفاء في فإنهم زائدة وهو جائز وقوله (فأماتهم) أي أماتهم اماتة وحذف للعلم به وفي بعض النسخ فأماتتهم
[ 38 ]
بتاءين أي أماتتهم النار وأما معنى الحديث فالظاهر والله أعلم من معنى هذا الحديث أن الكفار الذين هم أهل النار والمستحقون للخلود لا يموتون فيها ولا يحيون حياة ينتفعون بها ويستريحون معها كما قال الله تعالى لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وكما قال تعالى ثم لا يموت فيها ولا يحي وهذا جار على مذهب أهل الحق أن نعيم أهل الجنة دائم وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ولكن ناس أصابتهم النار الى آخره فمعناه أن المذنبين من المؤمنين يميتهم الله تعالى اماتة بعد أن يعذبوا المدة التى أرادها الله تعالى وهذه الاماتة اماتة حقيقية يذهب معها الاحساس ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم ثم يميتهم ثم يكونون محبوسين في النار من غير احساس المدة التى قدرها الله تعالى ثم يخرجون من النار موتى قد صاروا فحما فيحملون ضبائر كما تحمل الأمتعة ويلقون على أنهار الجنة فيصب عليهم ماء الحياة فيحيون وينبتون نبات الحبة في حميل السيل في سرعة نباتها وضعفها فتخرج لضعفها صفراء ملتوية ثم تشتد قوتهم بعد ذلك ويصيرون الى منازلهم وتكمل أحوالهم فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث ومعناه وحكى القاضى عياض رحمه الله فيه وجهين أحدهما أنها اماتة حقيقية والثاني ليس بموت حقيقي ولكن تغيب عنهم احساسهم بالآلام قال ويجوز أن تكون آلامهم أخف فهذا كلام القاضى والمختار ما قدمناه والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم ضبائر ضبائر فكذا هو في الروايات والأصول ضبائر ضبائر مكرر مرتين وهو منصوب على الحال وهو بفتح الضاد المعجمة وهو جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها لغتان حكاهما القاضى عياض وصاحب المطالع وغيرهما أشهرهما الكسر ولم يذكر الهروي وغيره الا الكسر ويقال فيها أيضا اضبارة بكسر الهمزة قال لأهل اللغة الضبائر جماعات في تفرقة وروى ضبارات ضبارات وأما قوله صلى الله عليه وسلم (فبثوا) فهو بالباء الموحدة المضمومة بعدها ثاء مثلثة ومعناه فرقوا والله أعلم قوله (عن أبي مسلمة قال سمعت أبا نضرة عن أبى سعيد الخدرى) أما أبو سعيد فاسمعه سعد بن مالك بن
[ 39 ]
سنان وأما أبو نضرة فاسمه المنذر بن مالك بن قطعة بكسر القاف وأما أبو مسلمة فبفتح الميم واسكان السين واسمه سعيد بن يزيد الازدي البصري والله أعلم قوله (حدثنا عثمان بن أبي شيبة واسحاق بن ابراهيم الحنظلي كليهما) هكذا وقع في معظم الأصول كليهما بالياء ووقع في بعضها كلاهما بالألف مصلحا وقد قدمت في الفصول التى في أول الكتاب بيان جوازه بالياء قوله (عن عبيدة) هو بفتح العين وهو عبيدة السلماني قوله صلى الله عليه وسلم (رجل يخرج من النار حبوا) وفي الرواية الاخرى زحفا قال أهل اللغة الحبو المشى على اليدين والرجلين وربما قالوا على اليدين والركبتين وربما قالوا على يديه ومقعدته وأما الزحف فقال ابن دريد وغيره هو المشى على الاست مع افراشه بصدره فحصل من هذا أن الحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يزحف وفي حال يحبو والله أعلم قوله (أتسخر بي أو أتضحك بي وأنت الملك) هذا شك من الراوى هل قال أتسخر بي أو قال أتضحك بي فان كان الواقع
[ 40 ]
في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه أتسخر بي لان الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به فوضع الضحك موضع السخرية مجازا وأما معنى أتسخر بي هنا ففيه أقوال أحدها قاله المازرى أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه لانه عاهد الله مرارا أن لا يسأله غير ما سأل ثم غدر فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية فقدر الرجل أن قول الله تعالى له ادخل الجنة وتردده إليها وتخييل كونها مملؤة ضرب من الاطماع له والسخرية به جزاء لما تقدم من غدره وعقوبة له فسمى الجزاء على السخرية سخرية فقال أتسخر بي أي تعاقبني بالأطماع والقول الثاني قاله أبو بكر الصوفي ان معناه نفي السخرية التى لا تجوز على الله تعالى كأنه قال أعلم أنك لا تهزأ بي لانك رب العالمين وما أعطيتني من جزيل العطاء وأضعاف مثل الدنيا حق ولكن العجب أنك أعطيتني هذا وأنا غير أهل له قال والهمزة في أتسخر بي همزة نفي قال وهذا كلام منبسط متدلل والقول الثالث قاله القاضى عياض أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا فقال وهو لا يعتقد حقيقة معناه وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق وهذا كنا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الآخر أنه لم يضبط نفسه من الفرح فقال أنت عبدى وأنا ربك والله أعلم واعلم أنه وقع في الروايات أتسخر بي وهو صحيح يقال سخرت منه وسخرت به والاول هو الأفصح الأشهر وبه جاء القرآن والثاني فصيح أيضا وقد قال بعض العلماء أنه انما جاء بالباء لارادة معناه كأنه قال أتهزأ بي والله أعلم قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) هو بالجيم والذال المعجمة قال أبو العباس ثعلب وجماهير العلماء من أهل اللغة وغريب الحديث وغيرهم المراد بالنواجذ هنا الانياب وقيل المراد هنا الضواحك وقيل الراد بها الاضراس وهذا هو الاشهر في اطلاق النواجذ في اللغة ولكن الصواب عند الجماهير ما قدمناه وفي هذا جواز الضحك وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمرؤة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل
[ 41 ]
تلك الحال والله أعلم قوله ص = (فيقول الله تعالى له اذهب فادخل الجنة فان لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها) وفي الرواية الاخرى (لك الذى تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا) هاتان الروايتان بمعنى واحد واحداهما تفسير الاخرى فالمراد بالاضعاف الامثال فان المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل وأما قوله ص = في الاخرى في الكتاب (فيقول الله تعالى أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها) وفي الرواية الاخرى (أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا فيقول رضيت رب فيقول لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله ومثله فقال في الخامسة رضيت رب فيقول هذا لك وعشرة أمثاله) فهاتان الروايتا ن لا تخالفان الأوليين فان المراد بالاولى من هاتين أن يقال له أولا لك الدنيا ومثلها ثم يزاد الى تمام عشرة أمثالها كما بينه في الرواية الاخيرة وأما الاخيرة فالمراد بها أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهى ملكه الى جميع الأرض بل يملك بعضا منها ثم منهم من يكثر البعض الذى يملكه ومنهم من يقل بعضه فيعطى هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله
[ 42 ]
قدر الدنيا كلها ثم يقال له لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى هذه الرواية الى موافقة الروايات المتقدمة ولله الحمد وهو أعلم قوله ص = (آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة) أما يكبو فمعناه يسقط على وجهه وأما تسفعه فهو بفتح التاء واسكان السين المهملة وفتح الفاء ومعناه تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا قوله ص = (لانه يرى مالا صبر له عليه) كذا هو في الاصول في المرتين الاولتين وأما الثالثة فوقع في أكثر الاصول مالا صبر له عليها وفي بعضها عليه وكلاهما صحيح ومعنى عليها أي نعمة لا صبر له عليها أي عنها قوله عز وجل يا ابن آدم ما يصرينى منك هو بفتح الياء واسكان الصاد المهملة ومعناه يقطع مسئلتك منى قال أهل اللغة الصرى بفتح الصاد واسكان الراء هو القطع وروى في غير مسلم ما يصريك منى قال ابراهيم الحربي هو الصواب وأنكر الرواية التى في صحيح مسلم وغيره ما يصرينى منك وليس هو كما قال بال كلاهما صحيح فان السائل متى انقطع من المسؤل انقطع
[ 43 ]
المسؤل منه والمعنى أي شئ يرضيك ويقطع السؤال بينى وبينك والله أعلم قوله (قالوا مم تضحك يارسول الله قال من ضحك رب العالمين) قد قدمنا معنى الضحك من الله تعالى وهو الرضى والرحمة وارادة الخير لمن يشاء رحمته من عباده والله أعلم قوله (عن النعمان بن أبي عياش) هو بالشين المعجمة وهو أبو عياش الزرقى الأنصاري الصحابي المعروف في اسمه خلاف مشهور قيل زيد بن الصامت وقيل زيد بن النعمان وقيل عبيد وقيل عبد الرحمن قوله ص =
[ 44 ]
(فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين فتقولان الحمد لله الذى أحياك لنا وأحيانا لك) هكذا ثبت في الروايات والاصول زوجتاه بالتاء تثنية زوجة بالهاء وهي لغة صحيحة معروفة وفيها أبيات كثيرة من شعر العرب وذكرها ابن السكيت وجماعات من أهل اللغة وقوله ص = (فتقولان) هو بالتاء المثناه من فوق وانما ضبطت هذا وان كان ظاهرا لكونه مما يغلط فيه بعض من لا يميز فيقوله بالمثناه من تحت وذلك لحن لا شك فيه قال الله تعالى إذ همت طائفاتان منكم أن تفشلا وقال تعالى ووجد من دونهم امرأتين تذودان وقال الله تعالى ان الله يمسك السموات والارض أن تزولا وقال تعالى فيهما عنيان تجريان وأما قولهما الحمد لله الذى أحياك لنا وأحيانا لك فمعناه الذى خلقك لنا وخلقنا لك وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور والله أعلم قوله (حدثنا سعيد بن عمرو الاشعثى) هو بالثاء المثلثة بعد العين المهملة منسوب الى جده الاشعث وقد تقدم بيانه قوله (عن ابن أبجر) هو بفتح الهمزة واسكان الباء الموحدة وفتح الجيم واسمه عبد الملك بن سعيد بن حيان بن أبجر وهو تابعي سمع أبا الطفيل عامر بن واثلة وقد سماه مسلم في الطريق الثاني فقال عبد الملك بن سعيد قوله (عن مطرف وابن أبجر عن الشعبى قال سمعت المغيرة ابن شعبة رواية ان شاء الله تعالى) وفي الرواية
[ 45 ]
الاخرى (سمعته على المنبر يرفعه الى رسول الله ص =) وفي الرواية الاخرى (عن سفيان عن مطرف وابن أبجر عن الشعبى عن المغيرة قال سفيان رفعه أحدهما أراه ابن أبجر قال سأل موسى ص = ربه سبحانه وتعالى ما أدنى أهل الجنة منزلة) اعلم أنه قد تقدم في الفصول التى في أول الكتاب أن قولهم رواية أو يرفعه أو ينميه أو يبلغ به كلها ألفاظ موضوعة عند أهل العلم لاضافة الحديث الى رسول الله ص = لا خلاف في ذلك بين أهل العلم فقوله رواية معناه قال قال رسول الله ص = وقد بينه هنا في الرواية الثانية وأما قوله رواية ان شاء الله فلا يضره هذا الشك والاستثناء لانه جزم به في الروايات الباقية وأما قوله في الرواية الاخيرة رفعه أحدهما فمعناه أن أحدهما رفعه وأضافه الى رسول الله ص = والآخر وقفه على المغيرة فقال عن المغيرة قال سأل موسى ص = والضمير في أحدهما يعود على مطرف وابن أبحر شيخي سفيان فقال أحد هما عن الشعبى عن المغيرة عن النبي ص = قال سأل موسى صلى الله عليه وسلم وقال الآخر عن الشعبي عن الغيرة قال سأل موسى ثم انه يحصل من هذا أن الحديث روى مرفوعا وموقوفا وقد قدمنا في الفصول المتقدمة في أول الكتاب أن المذهب الصحيح المختار الذى عليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين أن الحديث إذا روى متصلا وروى مرسلا وروى مرفوعا وروى موقوفا فاحكم للموصول والمرفوع لانها زيادة ثقة وهي مقبولة عند الجماهير من أصحاب فنون العلوم فلا يقدح اختلافهم ههنا في رفع الحديث ووقفه لاسيما وقد رواه الاكثرون مرفوعا والله أعلم وأما قول موسى ص = (ما أدنى أهل الجنة) كذا هو في الأصول ما أدنى
[ 46 ]
وهو صحيح ومعناه ما صفة أو ما علامة أدنى أهل الجنة وقد تقدم أن المغيرة يقال بضم الميم وكسرها لغتان والضم أشهر والله أعلم قوله (كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم) هو بفتح الهمزة والخاء قال القاضى هو ما أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه أو يكون معناه قصدوا منازلهم قال وذكره ثعلب بكسر الهمزة قوله ص = (فاعلاهم منزلة قال أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدى وختمت عليها فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر قال ومصداقه في كتاب الله تعالى) أما أردت فبضم التاء ومعناه اخترت واصطفيت وأما غرست كرامتهم بيدى الى آخره فمعناه اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرف الى كرامتهم تغيير وفي آخر الكلام حذف اختصر للعلم به تقديره ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم وقوله ومصداقه هو بكسر الميم ومعناه دليله وما يصدقه والله أعلم قوله ص = (ان موسى ص = سأل الله تعالى عن أخس أهل الجنة) هكذا ضبطناه بالخاء المعجمة وبعدها
[ 47 ]
السين المشددة وهكذا رواه جميع الرواة ومعناه أدناهم كما تقدم في الرواية الاخرى قوله (عن المعرور ابن سويد) هو بالعين المهملة والراء المكررة قوله (عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضى الله عنهما يسأل عن الورود فقال نجئ نحن يوم القيامة عن كذا وكذا انظر أي ذلك فوق الناس قال فتدعى الامم بأوثانها الى آخره) هكذا وقع هذا اللفظ في جميع الاصول من صحيح مسلم واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وتغيير واختلاط في اللفظ قال الحافظ عبد الحق
[ 48 ]
في كتابه الجمع بين الصحيحين هذا الذى وقع في كتاب مسلم تخليط من أحد الناسخين أو كيف كان وقال القاضي عياض هذه صورة الحديث في جميع النسخ وفيه تغيير كثير وتصحيف قال وصوابه نجئ يوم القيامة على كوم هكذا رواه بعض أهل الحديث وفي كتاب ابن أبي خيثمة من طريق كعب بن مالك يحشر الناس يوم القيامة على تل وأمتي على تل وذكر الطبري في التفسير من حديث ابن عمر فيرقى هو يعنى محمدا ص = وأمته على كوم فوق الناس وذكر من حديث كعب بن مالك يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتى على تل قال القاضي فهذا كله يبين ما تغير من الحديث وأنه كان أظلم هذا الحرف على الراوى أو امحى فعبر عنه بكذا وكذا وفسره بقوله أي فوق الناس وكتب عليه انظر تنبيها فجمع النقلة الكل ونسقوه على أنه من متن الحديث كما تراه هذا كلام القاضي وقد تابعه عليه جماعة من المتأخرين والله أعلم قال القاضي ثم ان هذا الحديث جاء كله من كلام جابر موقوفا عليه هذا من شرط مسلم إذ ليس فيه ذكر النبي ص = وانما ذكره مسلم وأدخله في المسند لأنه روى مسندا من غير هذا الطريق فذكر ابن أبي خيثمة عن ابن جريج يرفعه بعد قوله يضحك قال سمعت رسول الله ص = يقول فينطلق بهم وقد نبه على هذا مسلم بعد هذا في حديث ابن أبي شيبة وغيره في الشفاعة واخراج من يخرج من النار وذكر اسناده وسماعه من النبي ص = بمعنى بعض ما في هذا الحديث والله أعلم وأما قوله (فيتجلى لهم يضحك فينطلق بهم ويتبعونه) فتقدم بيانهما في أوائل الكتاب وكذلك تقدم قريبا معنى الضحك وأما التجلى فهو الظهور وازالة المانع من الرؤية ومعنى يتجلى يضحك أي يظهر وهو راض عنهم
[ 49 ]
قوله (ثم يطفأ نور المنافقين) روى بفتح الياء وضمها وهما صحيحان معناهما ظاهر قوله (ثم ينجو المؤمنون) هكذا هو في كثير من الاصول وفي أكثرها المؤمنين بالياء قوله (أول زمرة) أي جماعة قوله (حتى ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها) هكذا هو في جميع الاصول ببلادنا نبات الشئ وكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وعن بعض رواة مسلم نبات الدمن يعنى بكسر الدال واسكان الميم وهذه الرواية هي الموجودة في الجمع بين الصحيحن لعبد الحق وكلاهما صحيح لكن الاول هو المشهور الظاهر وهو بمعنى الروايات السابقة نبات الحبة في حميل السيل وأما نبات الدمن فمعناها أيضا كذلك فان الدمن البعر والتقدير نبات ذى الدمن في السيل أي كما ينبت الشئ الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة وقد أشار صاحب المطالع الى تصحيح هذه الرواية ولكن لم ينقح الكلام في تحقيقها بل قال عندي انها رواية صحيحة ومعناه سرعة نبات الدمن مع ضعف ما ينبت فيه وحسن منظره والله أعلم وأما قوله (ويذهب حراقه) فهو بضم الحاء المهملة وتخفيف الراء والضمير في حراقه يعود على المخرج من النار وعليه يعود الضمير في قوله
[ 50 ]
ثم يسأل ومعنى حراقه أثر النار والله أعلم قوله (حدثنى يزيد الفقير) هو يزيد بن صهيب الكوفي ثم المكي أبو عثمان قيل له الفقير لانه أصيب في فقار ظهره فكان يألم منه حتى ينحنى له قوله ص = (ان قوما يخرجون من النار يحترقون فيها الا دارات وجوهم حتى يدخلون الجنة) هكذا هو في الأصول حتى يدخلون بالنون وهو صحيح وهي لغة سبق بيانها وأما دارات الوجوه فهي جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه ومعناه أن النار لا تأكل دارة الوجه لكونها محل السجود ووقع هنا الا دارات الوجوه وسبق في الحديث الآخر الا مواضع السجود وسبق هناك الجمع بينهما والله أعلم قوله (كنت قد شغفني رأى من رأى الخوارج) هكذا هو في الأصول والروايات شغفني بالغين المعجمة وحكى القاضى عياض رحمه الله تعالى أنه روى بالعين المهملة وهما متقاربان ومعناه لصق بشغاف قلبي وهو غلافه وأما رأى الخوارج فهو ما قدمناه مرات أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرج منها من دخلها قوله (فخرجنا في عصابة ذوى عدد نريد أن نحج ثم نخرج على الناس) معناه خرجنا من بلادنا ونحن جماعة كثيرة
[ 51 ]
لنحج ثم نخرج على الناس مظهرين مذهب الخوارج وندعوا إليه ونحث عليه قوله (غير انه قد زعم أن قوما يخرجون من النار) زعم هنا بمعنى قال وقد تقدم في أول الكتاب ايضاحها ونقل كلام الأئمة فيها والله أعلم قوله (فيخرجون كأنهم عيدان السماسم) هو بالسينين المهملتين الأولى مفتوحة والثانية مكسورة وهو جمع سمسم وهو هذا السمسم المعروف الذى يستخرج منه الشيرج قال الامام أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد الكريم الجزرى المعروف بابن الأثير رحمه الله تعالى معناه والله أعلم أن السماسم جمع سمسم وعيدانه تراها إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها دقاقا سودا كأنها محترقة فشبه بها هؤلاء قال وطالما طلبت هذه اللفظة وسألت عنها فلم أجد فيها شافيا قال وما أشبه أن تكون اللفظة محرفة وربما كانت عيدان الساسم وهو خشب أسود كالابنوس هذا كلام أبى السعادات والساسم الذى ذكره هو بحذف الميم وفتح السين الثانية كذا قاله الجوهري وغيره وأما القاضى عياض فقال لا يعرف معنى السماسم هنا قال ولعله صوابه عيدان الساسم وهو أشبه وهو عود أسود وقيل هو الابنوس وأما صاحب المطالع فقال قال بعضهم السماسم كل نبت ضعيف كالسمسم والكزبرة وقال آخرون لعله السأسم مهموز وهو الابنوس شبههم به في سواده فهذا
[ 52 ]
مختصر ما قالوه فيه والمختار أنه السمسم كما قدمناه على ما بينه أبو السعادات والله أعلم واعلم أنه وقع في كثير من الأصول والكتب كأنها عيدان السماسم بألف بعد الهاء والصحيح الموجود في معظم الأصول والكتب كأنهم بميم بعد الهاء وللأول أيضا وجه وهو أن يكون الضمير في كأنها عائد على الصور أي كأن صورهم عن عيدان السماسم والله أعلم قوله (فيخرجون كأنهم القراطيس) القراطيس جمع قرطاس بكسر القاف وضمنها لغتان وهو الصحيفة التى يكتب فيها شبههم بالقراطيس لشدة بياضهم بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليهم من السواد والله أعلم قوله (فقلنا ويحكم أترون الشيخ يكذب على رسول الله ص =) يعني بالشيخ جابر بن عبد الله رضى الله عنه وهو استفهام انكار وجحد أي لا يظن به الكذب بلا شك قوله (فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد) معناه رجعنا من حجنا ولم نتعرض لرأى الخوارج بل كففنا عنه وتبنا منه الا رجلا منا فانه لم يوافقنا في الانكفاف عنه قوله (أو كما قال أبو نعيم) المراد بأبى نعيم الفضل بن دكين بضم الدال المهملة المذكور في أول الاسناد وهو شيخ شيخ مسلم وهذا الذى فعله أدب معروف من آداب الرواة وهو أنه ينبغى للراوى إذا روى بالمعنى أن يقول عقب روايته أو كما قال احتياطا وخوفا من تغيير حصل قوله (حدثنا هداب بن خالد الازدي حدثنا حماد بن سلمة عن أبى عمران وثابت عن انس رضى الله عنه) هذا الاسناد كله بصريون أما هداب فهو بفتح الهاء وتشديد الدال المهملة وآخره باء موحدة ويقال فيه أيضا هدبة بضم الهاء واسكان الدال فأحدهما اسم والآخر لقب واختلف فيهما وقد قدمنا بيانه وأما أبو عمران فهو الجوني واسمه عبد الملك بن حبيب أما
[ 53 ]
ثابت فهو البنانى قوله في الاسناد (الجحدرى) هو بفتح الجيم ر وبعدها حاء مهملة ساكنه ثم دال مهملة مفتوحة منسوب إلى جد له اسمه جحدر وقد تقدم بيانه في أول الكتاب قوله (محمد بن عبيد الغبرى) هو بضم الغين المعجمة وفتح الباء الموحدة منسوب إلى غبر جد القبيلة تقدم أيضا بيانه قوله ص = (يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك وفى رواية فيلهمون معنى اللفظتين متقارب فمعنى الأولى أنهم يعتنون بسؤال الشفاعة وزوال الكرب الذى هم فيه ومعنى أن الله تعالى يلهمهم سؤال ذلك والالهام أن يلقى الله تعالى في النفس أمرا يحمل على فعل الشئ أو تركه والله أعلم قوله ص = في الناس أنهم يأتون آدم ونوحا وباقي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فيطلبون شفاعتهم فيقولون لسنا هناكم ويذكرون خطاياهم إلى آخره اعلم أن العلماء من أهل الفقه والأصول وغير هم اختلفوا في جواز المعاصي على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقد لخص القاضى رحمه الله تعالى مقاصد المسألة فقال لا خلاف أن الكفر عليهم بعد البنوة ليس بجائز بل هم معصومون منه واختلفوا فيه قبل النبوة والصحيح أنه لا يجوز وأما المعاصي فلا خلاف أنهم معصومون من كل كبيرة واختلف العلماء هل ذلك بطريق العقل أو الشرع فقال الأستاذ أبو اسحاق ومن معه ذلك ممتنع من مقتضى دليل المعجزة وقال القاضى أبو بكر ومن وافقه ذلك من طريق الاجماع وذهبت المعتزلة إلى أن ذلك من طريق العقل وكذلك اتفقوا على أن كل ما كان طريقه الابلاغ في القول فهم معصومون فيه على كل حال وأما ما كان طريقه الابلاغ في الفعل فذهب بعضهم إلى العصمة فيه رأسا وأن السهو والنسيان لا يجوز عليهم فيه وتأولوا
[ 54 ]
أحاديث السهو في الصلاة وغيرها بما سنذكره في مواضعه وهذا مذهب الاستاذ أبى المظفر الاسفراينى من أئمتنا الخراسانيين المتكلمين وغيره من المشايخ المتصوقة وذهب معظم المحققين وجماهير العلماء إلى جواز ذلك ووقوعه منهم وهذا هو الحق ثم لا بد من تنبيههم عليه وذكرهم اياه اما في الحين على قول جمهور المتكلمين واما قبل وفاتهم على قول بعضهم ليسنوا حكم ذلك ويبينوه قبل انخرام مدتهم وليصح تبليغهم ما أنزل إليهم وكذلك لا خلاف أنهم عصومون من الصغائر التى تزرى بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروأته واختلفوا في وقوع غيرها من الصغائر منهم فذهب معظم الفقهاء والمحدثين والمتكلمين من السلف والخلف إلى جواز وقوعها منهم وحجتهم ظواهر القرآن والاخبار وذهب جماعة من أهل التحقيق والنظر من الفقهاء والمتكلمين من أئمتنا إلى عصمتهم من الصغائر كعصمتهم من الكبائر وأن منصب النبوة يجل عن مواقعها وعن مخالفة الله تعالى عمدا وتكلموا على الآيات والأحاديث الواردة في ذلك وتأولوها وأن ما ذكر عنهم من ذلك انما هو فيما كان منهم على تأويل أو سهو أو من اذن من الله تعالى في أشياء أشفقوا من المؤاخذة بها وأشياء منهم قبل النبوة وهذا المذهب هو الحق لما قدمناه ولانه لو صح ذلك منهم لم يلزمنا الاقتداء بأفعالهم واقرارهم وكثير من أقوالهم ولا خلاف في الاقتداء بذلك وانما اختلاف العلماء هل ذلك على الوجوب أو على الندب أو الاباحة أو التفريق فيما كان من باب القرب أو غيرها قال القاضى وقد بسطنا القول في هذا الباب في كتابنا الشفاء وبلغنا فيه المبلغ الذى لا يوجد في غيره وتكلمنا على الظواهر في ذلك بما فيه كفاية ولا يهولك أن نسب قوم هذا المذهب إلى الخوارج والمعتزلة وطوائف من المبتدعة إذ منزعهم فيه منزع آخر من التكفير بالصغائر ونحن نتبرأ إلى الله تعالى من هذا المذهب وانظر هذه الخطايا التى ذكرت للانبياء من أكل آدم عليه الصلاة والسلام من الشجرة ناسيا ومن دعوة نوح عليه السلام على قوم كفار وقتل موسى ص = لكافر لم يؤمن بقتله ومدافعة ابراهيم ص = الكفار بقوله
[ 55 ]
عرض به هو فيه من وجه صادق كلها في حق غيرهم ليست بذنوب لكنهم أشفقوا منها إذ لم تكن عن أمر الله تعالى وعتب على بعضهم فيها لقدر منزلتهم من معرفة الله تعالى هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى والله أعلم قوله (في آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه) هو من باب اضافة التشريف قوله ص = (لست هناكم) معناه ليست أهلا لذلك قوله ص = (ولكن ائتوا نوحا أول رسول بعثه الله تعالى) قال الامام أبو عبد الله المازرى قد ذكر المؤرخون أن ادريس جد نوح عليهما السلام فان قام دليل أن ادريس أرسل أيضا لم يصح قول النسا بين أنه قبل نوح لاخبار النبي ص = عن آدم أن نوحا أول رسول بعث وان لم يقم دليل جاز ما قالوه وصح أن يحمل أن ادريس كان نبيا غير مرسل قال القاضي عياض وقد قيل أن ادريس هو الياس وأنه كان نبيا في بنى اسرائيل كما جاء في بعض الأخبار مع يوشع بن نون فان كان هكذا سقط الاعترض قال القاضي وبمثل هذا يسقط الاعتراض بآدم وشيث ورسالتهما إلى من معهما وان كانا رسولين فإن آدم انما أرسل لبنيه ولم يكونوا كفارا بل أمر بتعليمهم الايمان وطاعة الله تعالى وكذلك خلفه شيث بعده فيهم بخلاف رسالة نوح إلى كفار أهل الأرض قال القاضي وقد رأيت أبا الحسن بن بطال ذهب إلى أن آدم ليس برسول ليسلم من هذا الاعتراض وحديث أبي ذر الطويل ينص على أن آدم وادريس رسولان هذا آخر كلام القاضي والله أعلم قوله ائتوا ابراهيم الذى اتخذه الله خليلا) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى أصل الخلة الاختصاص والاستصفاء وقيل
[ 56 ]
أصلها الانقطاع الى من خاللت مأخوذ من الخلة وهي الحاجة فسمى ابراهيم ص = بذلك لأنه قصر حاجته على ربه سبحانه وتعال وقيل الخلة صفاء المودة التى توجب تخلل الاسرار وقيل معناها المحبة والالطا ف هذا كلام القاضي وقال ابن الانباري الخليل معناه المحب الكامل المحبة والمحبو ب الموفي بحقيقة المحبة اللذان ليس في حبهما نقص ولا خلل قال الواحدي هذا القول هو الاختيار لان الله عز وجل خليل ابراهيم وابراهيم خليل الله ولا يجوز أن يقا الله تعالى خليل ابراهيم من الخلة التى هي الحاجة والله أعلم قوله ص = (أن كل واحد من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يقول لست هناكم أو لست لها) قال القاضي عياض هذا يقولونه تواضعا واكبارا لما يسئلونه قال وقد تكون اشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له بل لغيره وكل واحد منهم يدل على لآخر حتى انتهى الأمر اللاى صاحبه قال ويحتمل انهم علموا أن صاحبها محمد ص = معينا وتكون احالة كل واحد منهم على الآخر على تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد ص = قال وفيه تقديم ذوى الأسنان والآباء على الأبناء في الامور التى لها بال قال وأما مبادرة النبي ص = لذلك واجابته لدعوتهم فلتحققه ص = أن هذه الكرامة والمقام له ص = خاصة هذا كلام القاضي والحكمة في أن الله تعالى ألهمهم سؤال آدم ومن بعده صلوات الله وسلامه عليهم في الابتداء ولم يلهموا سؤال نبينا محمد ص = هي والله أعلم اظهار فضيلة نبينا محمد ص = فانهم لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويحصله وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه فامتنعوا ثم سألوه فأجاب وحصل غرضهم فهو النهة في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الا دلال والانس وفيه تفضيله ص = على جميع المخلوقين من الرسل والآدميين والملائكة فان هذا الامر العظيم وهي الشفاعة العظمى لا يقدر على الاقدام عليه غيره ص = وعليهم أجمعين والله أعلم قوله ص = في موسى ص =
[ 57 ]
(الذى كلمه الله تكليما) هذا باجماع أهل السنة على ظاهره وأن الله تعالى كلم موسى حقيقة كلاما سمعه بغير واسطة ولهذا أكد بالمصدر والكلام صفة ثابتة لله تعالى لا يشبه كلام غيره قوله في عيسى (روح الله وكلمته) تقدم الكلام في معناه في أوائل كتاب الايمان قوله ص = (ائتوا محمدا ص = عبدا قد غفر اله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) هذا مما اختلف العلماء في معناه قال القاضي قيل المتقدم ما كان قبل النبوة والمتأخر عصمتك بعدها وقيل المراد به ذنوب أمته ص = قلت فعلى هذا يكون المراد الغفران لبعضهم أو سلامتهم من الخلود في النار وقيل المراد ما وقع منه ص = عن سهو وتأويل حكاه الطبري واختاره القشيرى وقيل ما تقدم لأبيك آدم وما تأخر من ذنوب أمتك وقيل المراد أنه مغفور لك غير مؤاخذ بذنب لو كان وقيل هو تنزيه له من الذنوب ص = والله أعلم قوله ص = (فيأتوني فأستأذن على ربى فيؤذن لى) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى معناه والله أعلم فيؤذن لى في الشفاعة الموعود بها والمقام المحمود الذى ادخره الله تعالى له وأعلمه أنه يبعثه فيه قال القاضي وجاء في حديث أنس وحديث أبي هريرة ابتداء النبي ص = بعد سجوده وحمده والاذن له في الشفاعة بقوله أمتي أمتي وقد جاء في حديث حذيفة بعد هذا في هذا الحديث نفسه قال فيأتون محمدا ص = فيقوم ويؤذن له وترسل الامانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط يمينا وشمالا فيمر أولهم كالبرق وساق الحديث وبهذا يتصل الحديث لأن هذه هي الشفاعة التى لجأ الناس إليه فيها وهي الاراحة من الموقف والفصل بين العباد ثم بعد ذلك حلت الشفاعة في أمته
[ 58 ]
ص = وفي ذنبين وحلت الشفاعة للأنبياء والملائكة وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم كما جاء في الأحاديث الأخر وجاء في الأحاديث المتقدمة في الرؤية وحشر الناس اتباع كل أمة ما كانت تعبد ثم تمييز المؤمنين من المافقين ثم حلول الشفاعة ووضع الصراط فيحتمل أن الأمر باتباع الأمم ما كانت تعبد هو أول الفصل والاراحة من هول الموقف وهو أول المقام المحمود وأن الشفاعة التي ذكر حلولها هي الشفاعة في المذنبين على الصراط وهو ظاهر الأحاديث وأنها لنبينا محمد ص = ولغيره كما نص عليه في الأحاديث ثم ذكر بعدها الشفاعة فيمن دخل النار وبهذا تجتمع متون الحديث وتترتب معانيها أن شاء الله تعالى هذا آخر كلام القاضي والله أعلم قوله ص = (ما بقي في النار الا من حبسه القرآن) أي وجب عليه الخلود وبين مسلم رحمه الله تعالى أن قوله أي وجب عليه الخلود هو تفسير قتادة الراوي وهذا التفسير صحيح ومعناه من أخبر القرآن أنه مخلد في النار وهم الكفار كما قال الله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به وفي هذا دلالة لمذهب أهل الحق وما أجمع عليه السلف أنه
[ 59 ]
لا يخلد في النار أحد مات على التوحيد والله أعلم قوله ص = (ثم آتيه فأقول يا رب) معنى آتيه أي أعود إلى المقام الذى قمت فيه أولا وسألت وهو مقام الشفاعة قوله (حدثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا حدثنا ابن أبي عدى عن سعيد عن قتادة عن أنس قال مسلم وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أنس) قال مسلم (وحدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد بن أبي عروبة وهشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن أنس قال مسلم وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى قالا حدثنا معاذ وهو ابن هشام قال حدثنى أبي عن قتادة قال حدثنا أنس بن مالك) قال مسلم
[ 60 ]
(حدثنا أبو الربيع العتكي حدثنا حماد بن زيد حدثنا معبد بن هلال العنزي) يعنى عن أنس هذه الأسانيد رجالها كلهم بصريون وهذا الاتفاق في غاية من الحسن ونهاية من الندور أعنى اتفاق خمسة أسانيد في صحيح مسلم متوالية جميعهم بصريون والحمد لله على ما هدانا له فأما ابن أبي عدى فاسمه محمد بن ابراهيم بن أبي عدى وأما سعيد بن أبي عروبة فقد قدمنا أنه هكذا يروى في كتب الحديث وغيرها وأن ابن قتيبة قال في كتابه أدب الكتاب الصواب ابن أبي العروبة بالالف واللام واسم أبي عروبة مهران وقد قدمنا أيضا أن سعيد بن أبي عروبة ممن اختلط في آخر عمره وأن المختلط لا يحتج بما رواه في حال الاختلاط وشككنا هل رواه في الاختلاط أم في الصحة وقد قدمنا أن ما كان في الصحيحين عن المختلطين محمول على أنه عرف أنه رواه قبل الاختلاط والله أعلم وأما هشام صاحب الدستوائي فهو بفتح الدال واسكان السين المهملتين وبعدهما مثناة من فوق مفتوحة وبعد الألف ياء من غير نون هكذا ضبطناه وهكذا هو المشهور في كتب الحديث قال صاحب المطالع ومنهم من يزيد فيه نونا بين الألف والياء وهو منسوب إلى دستواء وهي كورة من كور الاهواز كان يبيع الثياب التى تجلب منها فنسب إليها فيقال هشام الدستوائي وهشام صاحب الدستوائي أي صاحب البرالد ستوائي وقد ذكره مسلم في أول كتاب الصلاة بعبارة أخرى أوهمت لبسا فقال في باب صفة الأذان حدثنى أبو غسان واسحاق بن ابراهيم قال اسحاق أخبرنا معاذ بن هشام صاحب الدستوائي فتوهم صاحب المطالع أن قوله صاحب الدستوائي مرفوع وأنه صفة لمعاذ فقال يقال صاحب الدستوائي وانما هو ابنه وهذا الذى قاله صاحب المطالع ليس بشئ وانما صاحب هنا مجرور
[ 61 ]
صفة لهشام كما جاء مصرحا به في هذا الموضع الذى نحن الآن فيه والله أعلم وأما أبو غسان المسمعى فتقدم بيانه مرات وأنه يجوز صرفه وتركه وأن المسمعى بكسر الميم الأولى وفتح الثانية منسوب إلى مسمع جد القبيلة وأما قوله حدثنا معاذ وهو ابن هشام فتقدم بيانه في الفصول وفي مواضع كثيرة وأن فائدته أنه لم يقع قوله ابن هشام في الرواية فأراد أن يبينه ولم يستجز أن يقول معاذ بن هشام لكونه لم يقع في الرواية فقال وهو ابن هشام وهذاو أشباهه مما كرر ذكره أقصد به المبالغة في الايضاح والتسهيل فانه إذا طال العهد به قد ينسى وقد يقف على هذا الموضع من لا خبرة له بالموضع المتقدم والله أعلم وأما قوله قوله أبو الربيع العتكى فهو بفتح العين والتاء وهو أبو الربيع الزهراني الذي يكرره مسلم في مواضع كثيرة واسمه سليمان بن داود قال القاضي عياض نسبه مسلم مرة زهرانيا ومرة عتكيا ومرة جمع له النسبين ولا يجتمعان بوجه وكلاهما يرجع إلى الازد الا أن يكون للجمع سبب من جواز أو خلف والله أعلم وأما معبد العنزي فهو بالعين المهملة وبفتح النون وبالزاي والله أعلم قوله ص = (وكان في قلبه من الخير ما يزن ذرة) المراد بالذرة واحدة الذر وهو الحيوان المعروف الصغير من النمل وهي بفتح الذال المعجمة وتشديد الراء ومعنى يزن أي يعدل وأما قوله أن شعبة جعل مكان الذرة ذرة فمعناه أنه رواه بضم الذال وتخفيف الراء واتفقوا على انه تصحيف منه وهذا معنى قوله في الكتاب قال يزيد صحف فيها أبو بسطام يعنى شعبة قوله (فدخلنا عليه وأجلس ثابتا معه على سريره) فبه انه ينبغي للعالم وكبير المجلس أن يكرم فضلاء الداخلين عليه ويميزهم بمزيد اكرام في المجلس وغيره قوله (اخوانك من أهل البصرة) قد قدمنا في أوائل الكتاب أن في البصرة ثلاث لغات فتح الباء وضمها وكسرها والفتح هو المشهور قوله ص =
[ 62 ]
وسلم (فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن) هكذا هو في الأصول لا أقدر عليه وهو صحيح ويعود الضمير في عليه إلى الحمد قوله ص = (فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من برة أو شعيرة من ايمان فاخرجوه منها فأنطلق فأفعل) ثم قال ص = بعده (فيقال انطلق فمن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان فأخرجه) ثم قال ص =
[ 63 ]
(فيقال إلى انطلق فمن كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من ايمان فأخرجه) أما الثاني والثالث فاتفقت الأصول على أنه فاخرجه بضميره ص = وحده وأما الأول ففي بعض الأصول فأخرجوه كما ذكرنا على لفظ الجمع وفي بعضها فأخرجه وفي أكثرها فأخرجوا بغير هاء وكله صحيح فمن رواه فأخرجوه يكون خطابا للنبي ص = ومن معه من الملائكة ومن حذف الهاء فالأنها ضمير المفعول وهو فضلة يكثر حذفه والله اعلم وقوله ص = أدنى أدنى أدنى هكذا هو في الأصول مكرر ثلاث مرات وفي هذا الحديث دلالة لمذهب السلف واهل السنة ومن وافقهم من المتكلمين في أن الايمان يزيد وينقص ونظائره في الكتاب والسنة كثيرة وقد قدمنا تقرير هذه القاعدة في أول كتاب الايمان وأوضحنا المذاهب فيها والجمع بيهما والله أعلم قوله (هذا حديث أنس الذي أنبأنا به فخرجنا من عنده فلما كنا بظهر الجبان قلنا لو ملنا إلى الحسن فسلمنا عليه وهو مستخف في دار أبي خليفة قال قد خلنا عليه فسلمنا عليه وقلنا يا أبا سعيد جئناك من عند أخيك أبي حمزة فلم نسمع بمثل حديث حدثناه في الشفاعة قال هيه فحدثناه الحديث قال هيه قلنا ما زادنا قال حدثنا به منذ عشرين سنة وهو يومئذ جميع ولقد ترك منه شيئا ما أدري أنسى الشيخ أو كره أن يحدثكم فتتكلوا قلنا له
[ 64 ]
حدثنا فضحك وقال خلق الانسان من عجل ما ذكرت لكم هذا الا وانا أريد أن أحدثكموه ثم أرجع إلى ربي في الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا فيقال لى يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا اله الا الله قال ليس ذلك لك أو قال ليس ذلك اليك ولكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا اله الا الله قال فاشهد على الحسن أنه حدثنا به أنه سمع أنس بن مالك أراه قال قبل عشرين سنة وهو يومئذ جميع) هذا الكلام فيه فوائد كثيرة فلهذا نقلت المتن بلفظه مطولا ليعرف مطالعه مقاصده أما قوله بظهر الجبان فالجبان بفتح الجيم و تشديد الباء قال أهل اللغة الجبان والجبانة هما الصحراء ويسمى بهما المقابر لانها تكون في الصحراء وهو من تسمية الشئ باسم موضعه وقوله بظهر الجبان أي بظاهرها وأعلاها المرتفع منها وقوله ملنا إلى الحسن يعنى عدلنا وهو الحسن البصري وقوله وهو مستخف يعنى متغيبا خوفا من الحجاج بن يوسف وقوله قال هيه هو بكسر الهاء واسكان الياء وكسر الهاء الثانية قال أهل اللغة يقال في استزادة الحديث إيه ويقال هيه بالهاء بدل الهمزة قال الجوهرى إيه اسم سمى به الفعل لان معناه الأمر تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل إيه بكسر الهمزة قال ابن السكيت فان وصلت نونت فقلت ايه حديثا قال ابن السري إذا قلت ايه فانما تأمره بأن يزيدك من الحديث المعهود بينكما كأنك قلت هات الحديث وان قلت إيه بالتنوين كأنك قلت هات حديثا ما لان التنوين تنكير فأما إذا أسكنته وكففته فانك تقول ايها عنه وأما قوله وهو يومئذ جميع فهو بفتح الجيم وكسر الميم
[ 65 ]
ومعناه مجتمع القوة والحفظ وقوله فضحك فيه أنه لا بأس بضحك العالم بحضرة أصحابه إذا كان بينه وبينهم أنس ولم يخرج بضحكه إلى حد يعد تركا للمرؤة وقوله فضحك وقال خلق الانسان من عجل فيه جواز الاستشهاد بالقرآن في مثل هذا الموطن وقد ثبت في الصحيح مثله من فعل رسول الله ص = لما طرق فاطمة وعليا رضي الله عنهما ثم انصرف وهو يقول وكان الانسان أكثر شئ جدلا ونظائر هذا كثيرة وقوله ما ذكرت لكم هذا الا وأنا أريد أن أحدثكموه ثم أرجع إلى ربي هكذا هو في الروايات وهو الظاهر وتم الكلام على قوله أحدثكموه ثم ابتداء تمام الحديث فقال ثم أرجع ومعناه قال رسول الله ص = ثم أرجع إلى ربي قوله ص = ائذن لى فيمن قال لا اله الا الله قال ليس ذلك لك ولكن وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا اله الا الله معناه لأتفضلن عليهم باخراجهم من غير شفاعة كما تقدم في الحديث السابق شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق الا أرحم الراحمين وأما قوله عز وجل وجبرايائي فهو بكسر الجيم أي عظمتي وسلطاني أو قهرى وأما قوله فأشهد على الحسن أنه حدثنا به الى آخره فانما ذكره تأكيدا ومبالغة في تحقيقه وتقريره في نفس المخاطب والا فقد سبق هذا في أول الكلام والله أعلم قوله (عن أبي حيان عن أبي زرعة) أما حيان فبالمثناة وتقدم بيان أبي حيان وأبي زرعة في أولكتاب الايمان وأن اسم أبي زرعة هرم وقيل عمرو وقيل عبيد الله وقيل عبد الرحمن واسم أبي حيان يحي بن سعيد بن حيان قوله (فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه) قال القاضي عياض رحمه الله تعالى محبته ص = للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها وبعدها عن مواضع الأذى هذا آخر كلام القاضي وقد روى الترمذي
[ 66 ]
بإسناده عن عائشة رضى الله عنها قالت ما كانت الذراع أحب اللحم الى رسول الله ص = ولكن كان لا يجد اللحم الا غبا فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجا قوله فنهس منها نهسة هو بالسين المهملة قال القاضي عياض أكثر الرواة رووه بالمهملة ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأظراف اسنانه قال الهروي قال أبو العباس النهس بالمهملة بأطراف الأسنان وبالمعجمة الأضراس قوله ص = أنا سيد الناس يوم القيامة إنما قال هذا ص = تحدثا بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا ونصيحة لنا بتعريفنا حقه ص = قال القاضي عياض قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يفزع إليه في الشدائد والنبي ص = سيدهم في الدنيا والآخرة وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السودد فيها وتسليم جميعهم له ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه ص = كما قال الله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار أي انقطعت دعاوى الملك في ذلك اليوم والله أعلم قوله ص = يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر أما الصعيد فهو الأرض الواسعة المستوية وأما ينفذهم البصر فهو فتح الياء وبالذال المعجمة وذكر الهروي وصاحب المطالع وغيرهما أنه روي بضم الياء وبفتحها قال صاحب المطالع رواه الأكثرون بالفتح وبعضهم بالضم قال الهروي قال الكسائي يقال نفذي بصره إذا بلغني وجاوزني قال ويقال أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم فإن جزتهم حتى تخلفتهم قلت نفذتهم بغير ألف وأما معناه فقال الهروي قال أبو عبيد معناه ينفذهم بصر الرحمن تبارك وتعالى حتى يأتي عليهم كلهم وقال غير أبي عبيد اراد تخرقهم أبصار الناظرين لاستواء الصعيد والله تعالى قد أحاط بالناس أولا وآخرا هذا كلام الهروي وقال صاحب المطالع معناه أنه يحيط بهم الناظر لا يخفى عليه منهم شئ لاستواء الارض أي ليس فيها ما يستتر به أحد عن الناظرين قال
[ 67 ]
وهذا أولى من قول أبي عبيد يأتي عليهم بصر الرحمن سبحانه وتعالى لأن رؤية الله تعالى تحيط بجميعهم في كل حال في الصعيد المستوي وغيره هذا قول صاحب المطالع قال الامام أبو السعادات الجزري بعد أن ذكر الخلاف بين أبي عبيد وغيره في أن المراد بصر الرحمن سبحانه وتعالى أو بصر الناظر من الخلق قال أبو حاتم أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وانما هو بالمهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم من نفد الشئ وأنفدته قال وحمل الحديث على بصر الناظر أولى من حمله على بصر الرحمن هذا كلام أبي السعادات فحصل خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه بصر المخلوق والله أعلم قوله (ألا ترى إلى ما قد بلغنا) هو بفتح الغين هذا هو الصحيح المعروف وضبطه بعض الأئمة المتأخرين بالفتح والاسكان وهذا له وجه ولكن المختار ما قدمناه ويدل عليه قوله في هذا الحديث قبل هذا ألا ترون ما قد بلغكم ولو كان باسكان الغين لقال
[ 68 ]
بلغتم قوله (فيقول آدم وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أن ربي قد غضب اليوم عضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله) المراد بغضب الله تعالى ما يظهر من انتقامه ممن عصاه وما يرونه من أليم عذابه وما يشاهده أهل المجمع من الأهوال التي لم تكن ولا يكون مثلها ولا شك في أن هذا كله لم يتقدم قبل ذلك اليوم مثله ولا يكون بعده مثله فهذا معنى غضب الله تعالى كما أن رضاه ظهور رحمته ولطفه بمن أراد به الخير والكرامة
[ 69 ]
لأن الله تعالى يستحيل في حقه التغير في الغضب والرضاء والله أعلم قوله (ان ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبصرى) المصراعان بكسر الميم جانبا الباب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين قال الجوهري في صحاحه هجر اسم بلد مذكر مصروف قال والنسبة إليه هاجري وقال أبو القاسم الزجاجي في الجمل هجر يذكر ويؤنث قلت وهجر هذه غير هجر المذكورة في حديث إذا بلغ الماء قلتين بقلال هجر تلك قرية من قرى المدينة كانت القلال تصنع بها وهي غير مصروفة وقد أوضحتها في أول شرح المهذب وأما بصرى فبض الباء وهي مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل وهي مدينة حوران وبينها وبين مكة شهر
[ 70 ]
قوله ص = (ألا تقولون كيفه قالوا كيفه يا رسول الله) هذه الهاء هي هاء السكت تلحق في الوقف واما قول الصحابة كيفه يارسول الله فأثبتوا الهاء في حالة الدرج ففيها وجهان حكاهما صاحب التحرير وغيره أحدهما أن من العرب من يجرى الدرج مجرى الوقف والثاني أن الصحابة قصد وا اتباع لفظ النبي ص = الذي حثهم عليه فلو قالوا كيف لما كانوا سائلين عن اللفظ الذي حثهم عليه والله أعلم قوله ص = (إلى عضادتى الباب) هو بكسر العين قال الجوهري عضادتا الباب هما خشبتاه من جانبيه قوله ص = (فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنة) هو بضم التاء واسكان الزاي ومعناه تقرب كما قال الله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت قوله صلى الله
[ 71 ]
عليه وسلم عن ابراهيم ص = (انما كنت خليلا من وراء وراء) قال صاحب التحرير هذه كلمه تذكر على سبيل التواضع أي لست بتلك الدرجة الرفيعة قال وقد وقع لى معنى مليح فيه وهو أن معناه أن المكارم التى أعطيتها كانت بوساطة سفارة جبريل ص = ولكن ائتوا موبغى فإنه حصل له سماع الكلام بغير واسطة قال وإنما كرر وراء وراء لكون نبينا محمد ص = حصل له السماع بغير واسطة وحصل له الرؤية فقال ابراهيم ص = أنا وراء موسى الذي هو وراء محمد ص = أجمعين وسلم هذا كلام صاحب التحرير وأما ضبط وراء وراء فالمشهور فيه الفتح فيهما بلا تنوين ويجوز عند أهل العربية بناؤها على الضم وقد جرى في هذا كلام بين الحافظ أبي الخطاب بن دحية والامام الأديب أبي اليمن الكندي فرواهما ابن دحية بالفتح وادعى أنه الصواب فأنكره الكندي وادعى أن الضم هو الصواب وكذا قال أبو البقاء الصواب الضم لأن تقديره من وراء ذلك أو من وراء شئ آخر قال فإن صح الفتح قبل وقد أفادني هذا الحرف الشيخ الامام أبو عبد الله محمد بن أمية أدام الله نعمه عليه وقال الفتح صحيح وتكون الكلمة مؤكده كشذر مذر وشغر بغر وسقطوا بين بين فركبهما وبناهما على الفتح قا لوان ورد منصوبا منونا جاز جوازا جيدا قلت ونقل الجوهري في صحاحه عن الأخفش أنه يقال لقيته من وراء مرفوع على الغاية كقولك من قبل ومن بعد قال وأنشد الأخفش شعرا إذا أنا لم أو من عليك ولم يكن لقاؤك الا من وراء وراء بضمهما والله أعلم قوله ص = (وترسل الأمانة والرحم فتقومان جنبتى الصراط)
[ 72 ]
أما تقومان فبالتاء المثناة من فوق وقد قدمنا بيان ذلك وأن المؤنثتين الغائبتين تكونان بالمثناة من فوق وأما جنبتا الصراط فبفتح الجيم والنون ومعنا هما جانباه وأما ارسال الأمانة والرحم فهو لعظم أمرهما وكثير موقعهما فتصوران مشخصتين على الصفة التي يريدها الله تعالى قال صاحب التحرير في الكلام اختصار والسامع فهم أنهما تقومان لتطالبا كل من يريد الجواز بحقهما قوله ص = (فيمر أولهم كالبرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير وشد الرجال تجرى بهم أعمالهم) أما شد الرجال فهو بالجيم جمع رجل هذا هو الصحيح المعروف المشهور ونقل القاضي أنه في رواية ابن ماهان بالحاء قال القاضي وهما متقربان في المعنى وشدها عدوها البالغ وجريها وأما قوله ص = تجري بهم أعمالهم فهو كالتفسير لقوله ص = فيمر أولكم كالبرق ثم كمر الريح إلى آخره معناه أنهم يكونون في سرعة المرور على حسب مراتبهم وأعمالهم قوله ص = (وفي حافتي الصراط) هو بتخفيف الفاء وهما جانباه وأما الكلاليب فتقدم بيانها قوله ص = (فمخدوش ناج ومكدوس) هو بالدال وقد تقدم بيانه في هذا الباب ووقع في أكثر الأصول هنا مكردس بالراء ثم الدال وهو قريب من معنى المكدوس قوله (والذي نفس أبي هريرة بيده أن قعر جهنم لسبعون خريفا) هكذا هو في بعض الأصول لسبعون بالواو وهذا ظاهر وفيه حذف تقديره أن مسافة قعر جهنم سير سبعين سنة ووقع في معظم الاصول والروايات لسبعين بالياء وهو صحيح أيضا أما على مذهب من يحذف المضاف ويبقى المضاف إليه على جره فيكون التقدير سير سبعين واما على أن قعر جهنم مصدر
[ 73 ]
يقال قعرت الشئ إذا بلغت قعره ويكون سبعين ظرف زمان وفيه خبران التقدير أن بلوغ قعر جهنم لكائن في سبعين خريفا والخريف السنة والله اعلم قوله ص = (لكل نبى دعوة يدعوها فاريد أن اختبئ دعوتي شفاعة لأمتى يوم القيامة) وفى الرواية الأخرى
[ 74 ]
(لكل نبى دعوة مستجابة فتعجل كل نبى دعوته وانى اختبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة فهى نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا) وفى الرواية الاخرى
[ 75 ]
(لكل نبى دعوة دعا بها في أمته فاستجيب له وانى أريد أن شاء الله أن أؤخر دعوتي شفاعة لأمتى يوم القيامة) وفى الرواية الاخرى (لكل نبى دعوة دعاها لأمته وانى اختبأت دعوتي شفاعة لأمتى يوم القيامة) هذه الاحاديث تفسر بعضها بعضا ومعناها أن كل نبى له دعوة متيقنة الاجابة وهو على يقين من اجابتها وأما باقى دعواتهم فهم على طمع من اجابتها وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب وذكر القاضى عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبى دعوة لأمته كما في الروايتين الأخيرتين والله أعلم وفى هذا الحديث بيان كمال شفقة النبي ص = على أمته ورأفته بهم واعتنائه بالنظر في مصالحهم المهمة فأخر النبي ص = دعوته لأمته إلى أهم أوقات حاجاتهم وأما قوله ص = فهى نائلة أن شاء الله تعالى من مات من أمتى لا يشرك بالله شيئا ففيه دلالة لمذهب أهل الحق أن كل من مات غير مشرك بالله تعالى لم يخلد في النار وان كان مصرا على الكبائر وقد تقدمت دلائله وبيانه في مواضع كثيرة وقوله ص = أن شاء الله تعالى هو على جمة
[ 76 ]
التبرك والامتثال لقول الله تعالى ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله والله أعلم قوله (أسيد بن جارية) هو بفتح الهمزة وكسر السين وجارية بالجيم قوله (كعب الأحبار) هو كعب ابن ماتع بالميم والمثناة من فوق بعدها عين والاحبار العلماء واحدهم حبر بفتح الحاء وكسرها الغتان أي كعب العلماء كذا قاله ابن قتيبة وغيره وقال أبو عبيد سمى كعب الاحبار لكونه صاحب كتب الاحبار جمع حبر وهو ما يكتب به وهو مكسور الحاء وكان كعب من علماء أهل الكتاب ثم أسلم في خلافة أبي بكر وقيل بل في خلافة عمر رضى الله عنهما توفي بحمص في سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه وهو من فضلاء التابعين وقد روى عنه جماعة من الصحابة رضى الله عنهم قوله (وحدثني أبو غسان المسمعى ومحمد بن المثنى وابن بشار حدثانا واللفظ لابي غسان قالوا حدثنا معاذ يعنون بن هشام) هذا اللفظ قد يستدركه من من لا معرفة له بتحقيق مسلم واتقانه وكمال ورعه وحذقه وعرفانه فيتوهم أن في الكلام طولا فيقول كان ينبغي أن يحذف قوله حدثانا وهذه غفلة ممن يصير إليها بل في كلام مسلم فائدة لطيفة فانه سمع هذا الحديث من لفظ أبي غسان ولم يكن مع مسلم غيره وسمعه من محمد بن مثنى وابن بشار وكان معه غيره وقد قدمنا في الفصول أن المستحب والمختار عند أهل الحديث أن من سمع وحده قال حدثنى ومن سمع مع غيره قال حدثنا فاحتاط مسلم وعمل بهذا المستحب فقال حدثنى أبو غسان أي سمعت منه وحدي ثم ابتدأ فقال ومحمد بن مثنى وابن بشار حدثانا أي سمعت منهما مع غيرى فمحمد بن المثنى مبتدأ وحدثانا الخبر وليس هو معطوفا على أبي غسان والله أعلم وقوله (قالوا حدثنا معاذ) يعنى بقالوا محمد بن المثنى وابن بشار وأبا غسان والله أعلم وقوله (عن قتادة قال حدثنا أنس أن نبى الله ص = قال لكل نبى دعوة) ثم ذكر مسلم طريقا آخر عن وكيع وأبي أسامة عن مسعر عن قتادة ثم قال غير أن في حديث
[ 77 ]
وكيع قال قال أعطى وحديث أبي أسامة عن النبي ص = هذا من احتياط مسلم رضى الله عنه ومعناه أن رواياتهم اختلفت في كيفية لفظ أنس ففي الرواية الاولى عن أنس أن النبي ص = قال لكل نبي دعوة وفي رواية وكيع عن أنس قال قال النبي ص = أعطى كل نبي دعوة وفي رواية أبي أسامة عن أنس عن النبي ص = قال لكل نبي دعوة والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن الأعلى حدثنا المعتمر عن أبيه عن أنس) هذا الاسناد كله بصريون والله أعلم دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم قوله (حدثنى يونس بن عبد الاعلى الصدفي حدثنا ابن وهيب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاصي) هذا الاسناد كله بصريون وقدمنا أن في يونس ست لغات ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز فيهن وتركه وأما الصدفي فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصدف بفتح الصاد وكسر الدال قبيلة معروفة قال بو سعيد بن يونس دعوتهم في الصدف وليس من
[ 78 ]
أنفسهم ولا من مواليهم توفي يونس بن عبد الأعلى هذا في شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة ففي هذا الاسناد رواية مسلم عن شيخ عاش بعده فان مسلما توفي سنة احدى وستين ومائتين كما تقدم وأما بكر بن سوادة فبفتح السين وتخفيف الواو والله أعلم قوله (عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي ص =) تلا قول الله تعالى في ابراهيم ص = رب انهن أضللن كثيرا من الناس الآية وقال عيسى ص = إن تعذبهم فانهم عبادك) هكذا هو في الأصول وقال عيسى قال القاضي عياض قال بعضهم قوله قال هو اسم للقول لا فعل يقال قال قولا وقالا وقيلا كأنه يقال وتلا قول عيسى هذا كلام القاضي عياض قوله عن النبي ص = أنه (رفع يديه وقال اللهم أمتى أمتى وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره النبي ص = بما قال وهو أعلم فقال الله تعالى يا جبريل اذهب إلى محمد فقل انا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها بيان كمال شفقة النبي ص = على أمته واعتنائه بمصالحهم واهتمامه بأمرهم ومنها استحباب رفع اليدين في الدعاء ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى
[ 79 ]
الأحاديث لهذه الامة أو أرجاها ومنها بيان عظم منزلة النبي ص = عند الله تعالى وعظيم لطفه سبحانه به ص = والحكمة في ارسال جبريل لسؤاله ص = اظهار شرف النبي ص = وأنه بالمحل الأعلى فيسترضي ويكرم بما يرضيه والله أعلم وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل ولسوف يعطيك ربك فترضى وأما قوله تعالى ولا نسوءك فقال صاحب التحرير هو تأكيد للمعنى أي لا نحزنك لان الارضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع والله أعلم بيان أن من مات على الكفر فهو في النار (ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين) قوله (أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي قال في النار فلما قفى دعاه فقال إن أبي وأباك في النار) فيه أن من مات على الكفر فهو في النار ولا تنفعه قرابة المقربين وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعو فان هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة ابراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم وقوله ص = أن أبي وأباك في النار هو من حسن العشرة للتسلية بالاشتراك في المصيبة ومعنى قفي ولى قفاه منصرفا قوله (يا بنى كعب بن لؤي)
[ 80 ]
قال صاحب المطالع لؤي يهمز ولا يهمز والهمز أكثر قوله ص = (يا فاطمة أنقذي نفسك) هكذا وقع في بعض الاصول فاطمة وفي بعضها أو أكثرها يا فاطم بحذف الهاء على الترخيم وعلى هذا يجوز ضم الميم وفتحها كما عرف في نظائره قوله ص = (فاني لا أملك لكم من الله شيئا) معناه لا تتكلوا على قرابتي فاني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم قوله ص = (غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها) ضبطناه بفتح الباء الثانية وكسرها وهما وجهان مشهوران ذكرهما جماعات من العلماء قال القاضي عياض رويناه بالكسر قال ورأيت للخطابي أنه بالفتح وقال صاحب المطالع وريناه بكسر الباء وفتحها من بله يبله والبلال الماء ومعنى الحديث سأصلها شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها باطفاء الحرارة ببرودة ومنه بلوا أرحامكم أي صلوها قوله ص = (يا فاطمة بنت محمد يا صفية بيت عبد المطلب يا عباس بن عبد المطلب) يجوز نصب فاطمة وصفية وعباس وضمهم والنصب افصح وأشهر وأما بنت وابن فمنصوب لا غير وهذا وان كان ظاهرا
[ 81 ]
معروفا فلا بأس بالتنبه عليه لمن لا يحفظه وإفراد ص = هؤلاء لشدة قرابتهم قوله (عن قبيصة بن المخارق وزهير بن عمرو رضي الله عنهما قالا لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين قال انطلق نبي الله ص = إلى رضمة من جبل فعلا أعلاها حجرا ثم نادى يا بني عبد منافاه اني نذير انما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربأ أهله فخشى أن يسبقوه فجعل يهتف يا صباحاه) أما قوله أولا قال انطلق فمعناه قالا لان
[ 82 ]
المراد أن قبيصة وزهيرا قالا ولكن لما كانا متفقين وهما كالرجل الواحد أفراد فعلهما ولو حذف لفظة قال كان الكلام واضحا منتظما ولكن لما حصل في الكلام بعض الطول حسن اعادة قال للتأكيد ومثله في القرآن العزيز أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون فاعاد أنكم وله نظائر كثيرة في القرآن العزيز والحديث وقد تقدم بيانه في مواضع من هذا الكتاب والله أعلم وأما المخارق والد قبيصة فبضم الميم والخاء المعجمة وأما الرضمة فبفتح الراء واسكان الضاد المعجمة وبفتحها لغتان حكاهما صاحب المطالع وغيره واقتصر صاحب العين والجوهري والهروي وغيرهم على الاسكان وابن فارس وبعضهم على الفتح قالوا والرضمة واحدة الرضم والرضام وهي صخور عظام بعضها فوق بعض وقيل هي دون الهضاب وقال صاحب العين الرضمة حجارة مجتمعة ليست بثابتة في الارض كأنها منثورة وأما يربأ فهو بفتح الياء واسكان الراء وبعدها باء موحدة ثم همزة على وزن يقرأ ومعناه يحفظهم ويتطلع لهم ويقال لفاعل ذلك ربئة وهو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم العدو ولا يكون في الغالب الا على جبل أو شرف أو شئ مرتفع لينظر إلى بعد وأما يهتف فبفتح الياء وكسر التاء ومعناه يصيح ويصرخ وقولهم يا صباحاه كلمة يعتادونها عند وقوع امر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له والله أعلم قوله (عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين) هو بفتح اللام فظاهر هذه العبارة أن قوله ورهطك منهم المخلصين كان قرآنا أنزل ثم نسخت
[ 83 ]
تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري قوله ص = (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي) أما سفح الجبل فبفتح السين وهو أسفله وقيل عرضه وأما مصدقي فبتشديد الدال والياء قوله (فنزلت هذه السورة تبت يدا أبي لهب وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى أخر السورة) معناه أن الاعمش زاد لفظة قد بخلاف القراءة المشهورة وقوله إلى آخر السورة يعنى أتم القراءة إلى آخر السورة كما يقرؤها الناس وفي السورة لغتان الهمز وتركه حكاهما ابن قتيبة والمشهور بغير همز كسور البلد لارتفاعها ومن همزه قال هي قطعة من القرآن كسؤر الطعام والشراب وهي البقية منه وفي أبي لهب لغتان قرئ بهما فتح الهاء واسكانها واسمه عبد العزى ومعنى تب خسر قال القاضي عياض وقد استدل بهذه السورة على جواز تكنية الكافر وقد اختلف العلماء في ذلك واختلفت الرواية عن مالك في جواز تكنية الكافر بالجواز والكراهة وقال بعضهم انما يجوز من ذلك ما كان على جهة التألف والا فلا إذ في التكنية تعظيم وتكبير وأما تكنية الله تعالى لأبي لهب فليست من هذا ولا حجة فيه إذا كان اسمه عبد العزى وهذه تسمية باطلة فلهذا كنى عنه وقيل لأنه انما كان يعرف بها وقيل أن أبا لهب لقب وليس بكنية وكنيته أبو عتبة وقيل جاء ذكر أبي لهب
[ 84 ]
لمجانسة الكلام والله أعلم شفاعة النبي ص = لابي طالب (والتخفيف عنه بسببه) قوله (كان يحوطك) هو بفتح الياء وضم الحاء قال أهل اللغة يقال حاطه يحوطه حوطا وحياطة إذا صانه وحفظه و ذب عنه وتوفر على مصالحه قوله ص = (وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح) أما الضحضاح فهو بضادين معجمتين مفتوحتين والضحضاح ما رق من الماء على وجه الارض إلى نحو الكعبين واستعير في النار وأما الغمرات فبفتح الغين والميم واحدتها غمرة باسكان الميم وهي المعظم من الشئ قوله ص = (ولولا أنا لكان في الدرك الاسفل من النار) قال أهل اللغة في الدرك لغتان فصيحتان مشهورتان فتح الراء واسكانها وقرئ بهما في القراءات السبع قال الفراء هما لغتان جمعهما أدراك وقال الزجاج اللغتان جميعا حكاهما أهل اللغة الا أن الاختيار فتح الراء لانه أكثر في الاستعمال وقال أبو حاتم جمع الدرك بالفتح أدراك كجمل وأجمال وفرس وأفراس وجمع الدرك بالاسكان أدرك كفلس
[ 85 ]
وأفلس وأما معناه فقال جميع أهل اللغة والمعاني والغريب وجماهير المفسرين الدرك الاسفل قعر جهنم وأقصى أسفلها قالوا ولجهنم أدراك فكل طبقة من أطباقها تسمى دركا والله
[ 86 ]
أعلم قوله ص = (يوضع في أخمص قدميه) هو بفتح الهمزة وهو المتجافي من الرجل عن الارض قوله ص = (أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من النار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل) أما الشراك فبكسر الشين وهو أحد سيور النعل وهو الذي يكون على وجهها وعلى ظهر القدم والغليان معروف وهو شدة اضطراب الماء ونحوه على النار لشدة اتقادها يقال غلت القدر تغلى غليا وغليانا وأغليتها أنا وأما المرجل فبكسر الميم وفتح الجيم وهو قدر معروف سواء كان من حديد أو نحاس أو حجارة أو خزف هذا هو الاصح وقال صاحب المطالع وقيل هو القدر من النحاس يعنى خاصة والاول أعرف والميم فيه زائدة وفي هذا الحديث وما أشبهه تصريح بتفاوت عذاب أهل النار كما أن نعيم أهل الجنة متفاوت والله أعلم الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمل فيه حديث عائشة رضي الله عنها (قالت قلت يارسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذلك نافعه قال لا ينفعه انه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين)
[ 87 ]
معنى هذا الحديث أن ما كان يفعله من الصلة والاطعام ووجوه المكارم لا ينفعه في الآخرة لكونه كافرا وهو معنى قوله ص = لم يقل رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين أي لم يكن مصدقا بالبعث ومن لم يصدق به كافر ولا ينفعه عمل قال القاضي عياض رحمه الله تعالى وقد انعقد الاجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذاب لكن بعضهم أشد عذابا من بعض بحسب جرائمهم هذا آخر كلام القاضي وذكر الامام الحافظ الفقيه أبو بكر البيهقي في كتابه البعث والنشور نحو هذا عن بعض أهل العلم والنظر قال البيهقي وقد يجوز أن يكون حديث ابن جدعان وما ورد من الآيات والاخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على الكفر ورد في أنه لا يكون لها موقع التخلص من النار وادخال الجنة ولكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات هذا كلام البيهقي قال العلماء وكان ابن جدعان كثير الاطعام وكان اتخذ للضيفان جفنة يرقى إليها بسلم وكان من بني تميم بن مرة أقرباء عائشة رضي الله عنها وكان من رؤساء قريش و اسمه عبد الله وجدعان بضم الجيم واسكان الدال المهملة وبالعين المهملة وأما صلة الرحم فهي الاحسان الى الاقارب وقد تقدم بيانها وأما الجاهلية فما كان قبل النبوة سموا بذلك لكثرة جهالاتهم والله تعالى أعلم موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم والبراءة منهم قوله (سمعت رسول الله ص = جهارا غير سر يقول ألا أن آل أبي يعنى فلانا ليسوالي بأولياء انما ولي الله وصالح المؤمنين) وهي الكناية بقوله يعنى فلانا هي من بعض الرواة خشى أن يسميه فيترتب عليه مفسدة وفتنة اما في حق نفسه واما في حقه وحق غيره فكنى عنه
[ 88 ]
والغرض انما هو قوله ص = انما ولي الله وصالح المؤمنين ومعناه انما ولي من كان صالحا وان بعد نسبه منى وليس وليي من كان غير صالح وان كان نسبه قريبا قال القاضي عياض رضى الله عنه قيل أن المكنى عنه ههنا هو الحكم بن أبي العاص والله أعلم وأما قوله جهارا فمعناه علانية لم يخفه بل باح به وأظهره وأشاعه ففيه التبرؤ من المخالفين وموالاة الصالحين والاعلان بذلك ما لم يخف ترتب فتنة عليه والله أعلم الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة (بغير حساب ولا عذاب) قوله ص = (يدخل من أمتى الجنة سبعون ألفا بغير حساب) فيه عظم ما أكرم الله سبحانه وتعالى به النبي ص = وأمته زادها الله فضلا وشرفا وقد جاء في صحيح مسلم
[ 89 ]
سبعون ألفا مع كل واحد منهم سبعون ألفا قوله (عكاشة بن محصن) هو بضم العين وتشديد الكاف وتخفيفها لغتان مشهورتان ذكرهما جماعات منهم ثعلب والجوهري وآخرون قال الجوهري قال ثعلب هو مشدد وقد يخفف وقال صاحب المطالع التشديد أكثر ولم يذكر القاضي عياض هنا غير التشديد وأما محصن فبكسر الميم وفتح الصاد وأما قوله ص = للرجل الثاني سبقك بها عكاشة فقال القاضي عياض قيل إن الرجل الثاني لم يكن ممن يستحق تلك المنزلة ولا كان بصفة أهلها بخلاف عكاشة وقيل بل كان منافقا فأجابه النبي ص = بكلام محتمل ولم ير صلى الله عليه وسلم التصريح له بأنك لست منهم لما كان ص = من حسن العشرة وقيل قد يكون سبق عكاشة بوحى أنه يجاب فيه ولم يحصل ذلك للآخر قلت وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه في الأسماء المبهمة أنه يقال أن هذا الرجل هو سعد بن عبادة رضى الله عنه فان صح هذا بطل قول من زعم أنه منافق والأظهر المختار هو القول الأخير والله أعلم قوله (يرفع نمرة) النمرة كساء فيه خطوط بيض وسود وحمر كأنها أخذت من جلد النمر لاشتراكهما في التلون وهي من مآزر العرب قوله (حدثني أبو يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه) واسم أبي يونس هذا سليم بن جبير والجيم المصري الدوسي مولى ابي هريرة رضي الله عنه قوله ص = (يدخل الجنة من أمتى سبعون ألفا
[ 90 ]
زمرة واحدة منهم على صورة القمر) روى زمرة واحدة بالنصب والرفع والزمرة الجماعة في تفرقة بعضها في اثر بعض قوله ص = (هم الذين لا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون) اختلف العلماء في معنى هذا الحديث فقال الامام أبو عبد الله المازرى احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه ومعظم العلماء على خلاف ذلك واحتجوا بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره ص = لمنافع الأدوية والأطعمة كالحبة السوداء والقسط والصبر وغير ذلك وبأنه ص = تداوى وبأخبار عائشة رضي الله عنها بكثرة تداويه وبما علم من الاستشفاء برقاه وبالحديث الذي فيه أن بعض الصحابة أخذوا على الرقية أجرا فإذا ثتب هذا حمل ما في الحديث على قوم يعتقدون أن الأدوية نافعة بطبعها ولا يفوضون الأمر إلى الله تعالى قال القاضي عياض قد ذهب إلى هذا التأويل غير واحد ممن تكلم على الحديث ولا يستقيم هذا التأويل وانما أخبر ص = أن هؤلاء لهم مزية وفضيلة يدخلون الجنة بغير حساب وبان وجوههم تضئ اضاءة القمر ليلة البدر ولو كان كما تأوله هؤلاء لما اختص هؤلاء بهذه الفضيلة لأن تلك هي عقيدة جميع المؤمنين ومن اعتقد خلاف ذلك كفر وقد تكلم العلماء وأصحاب المعاني على هذا فذهب أبو سليمان الخطابي وغيره إلى أن المراد من تركها توكلا على الله تعالى ورضاء بقضائه وبلائه قال الخطابي وهذه من أرفع درجات المحقيقن بالايمان قال والى هذا ذهب جماعة سماهم قال القاضي وهذا ظاهر الحديث ومقتضاه أنه لا فرق بين ما ذكر من الكي والرقى وسائر أنواع الطب وقال الداودي المراد بالحديث الذي يفعلونه في الصحة فانه يكره لمن ليست به عله أن يتخذ التمائم ويستعمل الرقى وأما من يستعمل ذلك ممن
[ 91 ]
به مرض فهو جائز وذهب بعضهم إلى تخصيص الرقى والكي من بين أنواع الطب لمعنى وأن الطب غير قادح في التوكل إذ تطبب رسول الله ص = والفضلاء من السلف وكل سبب مقطوع به كالأكل والشرب للغذاء والري لا يقدح في التوكل عند المتكلمين في هذا الباب ولهذا لم ينف عنهم التطبب ولهذا لم يجعلوا الاكتساب للقوت وعلى العيال قادحا في التوكل إذا لم يكن ثقته في رزقه باكتسابه وكان مفوضا في ذلك كله إلى الله تعالى والكلام في الفرق بين الطب والكي يطول وقد أباحهما النبي ص = وأثنى عليهما لكنى أذكر منه نكتة تكفي وهو أنه ص = تطبب في نفسه وطبب غيره ولم يكتو وكوى غيره ونهى في الصحيح أمته عن الكي وقال ما أحب أن أكتوي هذا آخر كلام القاضي والله أعلم والظاهر من معنى الحديث ما اختاره الخطابي ومن وافقه كما تقدم وحاصله أن هؤلاء كمل تفويضهم إلى الله عز وجل فلم يتسببوا في دفع ما أوقعه بهم ولا شك في فضيلة هذه الحالة ورجحان صاحبها وأما تطبب النبي ص = ففعله ليبين لنا الجواز والله أعلم قوله ص = وعلى ربهم يتوكلون اختلفت عبارات العلماء من السلف والخلف في حقيقة التوكل فحكى الامام أبو جعفر الطبري وغيره عن طائفة من السلف أنهم قالوا لا يستحق اسم التوكل الا من لم يخالط قلبه خوف غير الله تعالى من سبع أو عدو حتى يترك السعي في طلب الرزق ثقة بضمان الله تعالى له رزقه واحتجوا بما جاء في ذلك من الآثار وقالت طائفة حده الثقة بالله تعالى والايقان بأن قضاءه نافذ واتباع سنة نبيه ص = في السعي فيما لا بد منه من المطعم والمشرب والتحرز من العدو كما فعله الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم أجمعين قال القاضي عياض هذا المذهب هو اختيار الطبري وعامة الفقهاء والأول مذهب بعض المتصوفة وأصحاب علم القلوب والاشارات وذهب المحققون منهم إلى نحو مذهب الجمهور ولكن لا يصح عندهم اسم التوكل مع الالتفات والطمأنينة إلى الاسباب بل فعل الأسباب سنة الله وحكمته والثفة بأنه لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا والكل من الله تعالى وحده هذا كلام القاضي عياض قال الامام الاستاذ أبو القاسم القشيرى رحمه الله تعالى اعلم أن التوكل محله القلب وأما الحركة بالظاهر فلا تنافي التوكل بالقلب بعد ما تحقق العبد أن الثقة من قبل الله تعالى فان تعسر شئ فبتقديره وان تيسر فبتيسيره وقال سهل بن
[ 92 ]
عبد الله التستري رضي الله عنه التوكل الا سترسال مع الله تعالى على ما يريد وقال أبو عثمان الجبري التوكل الاكتفاء بالله تعالى مع الاعتماد عليه وقيل التوكل أن يستوي الاكثار والتقلل والله أعلم قوله (حدثنا حاجب بن عمر أبو خشينة) هو بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين بعدهم مثناة من تحت ثم نون ثم هاء وحاجب هذا هو أخو عيسي بن عمر النحوي الامام المشهور قوله ص = (ليدخلن الجنة من أمتى سبعون ألفا متماسكون آخذ بعضهم بعضا لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم) هكذا هو في معظم الاصول متماسكون بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعض الاصول متماسكين وآخذا بالياء والالف وكلاهما صحيح ومعنى متماسكين ممسك بعضهم بيد بعض ويدخلون معترضين صفا واحدا بعضهم بجنب بعض وهذا تصريح بعظم سعة باب الجنة نسأل الله الكريم رضاه والجنة لنا ولأحبابنا ولسائر المسلمين قوله (أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة) هو بالقاف
[ 93 ]
والضاد المعجمة ومعناه سقط وأما البارحة فهي أقرب ليلة مضت قال أبو العباس ثعلب يقال قبل الزوال رأيت الليلة وبعد الزوال رأيت البارحة وهكذا قاله غير ثعلب قالوا وهي مشتقة من برح إذا زالا وقد ثبت في صحيح مسلم في كتاب الرؤيا أن النبي ص = كان إذا صلى الصبح قال هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا قوله (أما اني لم أكن في صلاة ولكني لدغت) أراد أن ينفي عن نفسه اتهام العبادة والسهر في الصلاة مع أنه لم يكن فيها وقوله لدغت هو بالدال المهملة والغين المعجمة قال أهل اللغة يقال لدغته العقرب وذوات السموم إذا أصابته بسمها وذلك بأن تأبره بشوكتها قوله (لا رقية الا من عين أو حمة) أما الحمة فهي بضم الحاء المهملة وتخفيف الميم وهي سم العقرب وشبهها وقيل فوعة اسم وهي حدته وحرارته والمراد أو ذي حمة كالعقرب وشبهها أي لا رقية الا من لدغ ذي حمة وأما العين فهي اصابة العائن غيره بعينه والعين حق قال الخطابي ومعنى الحديث لا رقيه أشفي وأولى من رقية العين وذي الحمة وقد رقي النبي ص = وأمر بها فإذا كانت بالقرآن وبأسماء الله تعالى فهي مباحة وانما جاءت الكراهة منها لما كان بغير لسان العرب فانه ربما كان كفرا أو قولا يدخله الشرك قال ويحتمل أن يكون الذي كره من الرقية ما كان منها على مذاهب الجاهلية في العوذ التي كانوا يتعاطونها ويزعمون أنها تدفع عنهم الآفات ويعتقدون أنها من قبل الجن ومعونتهم هذا كلام الخطابي رحمه الله تعالى والله أعلم قوله (بريدة بن حصيب) هو بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين قوله ص = (فرأيت النبي ومعه الرهيط) هو بضم
[ 94 ]
الراء تصغير الرهط وهي الجماعة دون العشرة قوله ص = (فإذا سواد عظيم فقيل لى هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب) معناه ومع هؤلاء سبعون ألفا من أمتك فكونهم من أمته ص = لا شك فيه وأما تقديره فيحتمل أن يكون معناه وسبعون ألفا من أمتك غير هؤلاء وليسوا مع هؤلاء ويحتمل أن يكون معناه في جملتهم سبعون ألفا ويؤيد هذا رواية البخاري في صحيحه هذه أمتك ويدخل الجنة من هؤلاء سبعون ألفا والله أعلم قوله (فخاض الناس) هو بالخاء والضاد المعجمتين أي تكلموا وتناظروا
[ 95 ]
وفي هذا اباحة المناظرة في العلم والمباحثة في نصوص الشرع على جهة الاستفادة واظهار الحق والله أعلم بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة قال مسلم (حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الاحوص عن أبي اسحق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله) هذا الإسناد كله كوفيون واسم أبي الاحوص سلام بن سليم وأبو اسحاق هو السبيعي واسمه عمرو بن عبد الله وعبد الله هو ابن مسعود قوله (كشعرة بيضاء في ثور أسود أو كشعرة سوداء في ثور أبيض) هذا شك من الراوي قوله (حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا مالك وهو بن مغول عن أبي اسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله) هذا الاسناد كله كوفيون قوله (قال لنا رسول الله ص = أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة قال فكبرنا ثم قال أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال اني لأرجو أن تكونوا شطرأهل الجنة) أما تكبيرهم فلسرورهم بهذه البشارة العظيمة وأما قوله ص = ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر ولم يقل أولا شطر أهل الجنة فلفائدة حسنة وفي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في اكرامهم فان اعطاء الانسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته وفيه فائدة أخرى هي تكريره البشارة مرة بعد أخرى وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه والله أعلم ثم انه وقع في هذا الحديث شطر أهل الجنة وفي الرواية الأخرى نصف أهل الجنة وقد ثبت في الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا فهذا دليل
[ 96 ]
على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي ص = أخبر أولا بحديث الشطر ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعلم بحديث الصفوف فأخبر النبي ص = بعد ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة كحديث الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة وبخمس وعشرين درجة على احدى التأويلات فيه وسيأتي تقريره في موضعه أن وصلناه أن شاء الله تعالى والله أعلم قوله ص = (لا يدخل الجنة الا نفس مسلمة) هذا نص صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلا وهذا النص على عمومه باجماع المسلمين قوله ص = (اللهم هل بلغت اللهم اشهد) معناه
[ 97 ]
أن التبليغ واجب على وقد بلغت فاشهد لي به قوله (حدثنا عثمان بن أبي شيبة العبسي) هو بالباء الموحدة والسين المهملة قوله ص = (لبيك وسعديك والخير في يديك) معنى في يديك عندك وقد تقدم بيان لبيك وسعديك في حديث معاذ رضي الله عنه قوله سبحانه وتعالى لآدام ص = (أخرج بعث النار) البعث هنا بمعنى المبعوث الموجه إليها ومعناه ميز أهل النار من غيرهم قوله ص = (فذاك حين يشيب الصغير وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) معناه موافقة الآية في قوله تعالى إن زلزلة الساعة شئ عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخرها وقوله تعالى فكيف تتقون أن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا وقد اختلف العلماء في وقت وضع كل ذات حمل حملها وغيره من المذكور فقيل عند زلزلة الساعة قبل خروجهم من الدنيا وقيل هو فلي القيامة فعلى الأول هو على ظاهره وعلى الثاني يكون مجازا لأن القيامة ليس فيها حمل ولا ولادة وتقديره ينتهى به الأهوال والشدائد إلى أنه لو تصورت الحوامل هناك لوضعن أحمالهن كما تقول العرب أصابنا أمر يشيب منه الوليد يريدون شدته والله أعلم
[ 98 ]
قوله ص = (فان من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم رجل) هكذا هو في الأصول والروايات ألف ورجل بالرفع فيهما وهو صحيح وتقديره أنه بالهاء التي هي ضمير الشأن وحذفت الهاء وهو جائز معروف وأما ياجوج وماجوج فهما غير مهموزين عند جمهور القراء وأهل اللغة وقرأ عاصم بالهمز فيهما وأصله من أجيج النار وهو صوتها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم واضطرابهم بعضهم في بعض قال وهب ابن منبه ومقاتل بن سليمان هم من ولد يافث بن نوح وقال الضحاك هم جيل من الترك وقال كعب هم بادرة من ولد آدم من غير حواء قال وذلك أن آدم ص = احتلم فامتزجت نطفته بالتراب فخلق الله تعالى منها يأجوج وماجوج والله أعلم قوله ص = (كالرقمة في ذراع الحمار) هي بفتح الراء واسكان القاف قال أهل اللغة الرقمتان في الحمار هما الأثران في باطن عضديه وقيل هي الدائرة في ذراعيه وقيل هي الهنة الناتئة في ذراع الدابة من داخل والله أعلم بالصواب
[ 99 ]
كتاب الطهارة قال جمهور أهل اللغة يقال الوضوء وا لطهور بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ويقال الوضوء والطهور بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به هكذا نقله ابن الانباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة وذهب الخليل والاصمعي وأبو حاتم السجستاني والأزهري وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما قال صاحب المطالع وحكى الضم فيهما جميعا وأصل الوضوء من الوضاءة وهي الحسن والنظافة وسمى وضوءا لأنه بنظف المتوضي ويحسنه وكذلك الطهارة أصلها النظافة والتنزه وأما الغسل فإذا أريد به الماء فهو مضموم الغين وإذا أريد به المصدر فيجوز بضم الغين وفتحها لغتان مشهورتان وبعضهم يقول أن كان مصدرا لغسلت فهو بالفتح كضربت ضربا وان كان بمعنى الاغتسال فهو بالضم كقولنا غسل الجمعة مسنون وكذلك الغسل من الجنابة وأجب وما أشبهه وأما ما ذكره بعض من صنف في لحن الفقهاء من أن قولهم غسل الجنابة وغسل الجمعة وشبههما بالضم لحن فهو خطأ منه بل الذي قالوه صواب كما ذكرناه وأما الغسل بكسر الغين فهو اسم لما يغسل به الرأس من خطمى وغيره والله أعلم فضل الوضوء قال مسلم رحمه الله (حدثنا اسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال ابان حدثنا يحي أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه عن أبي مالك الاشعري) هذا الاسناد مما تكلم فيه الدارقطني وغيره فقالوا سقط فيه رجل بين ابي سلام وأبي مالك والساقط عبد الرحمن بن غنم قالوا والدليل على
[ 100 ]
سقوطه أن معاوية بن سلام رواه عن أخيه زيد بن سلام عن جده ابي سلام عن عبد الرحمن بين غنم عن أبي مالك الأشعري وهكذا أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما ويمكن أن يجاب لمسلم عن هذا بأن الظاهر من حال مسلم أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن وكيف كان فالمتن صحيح لا مطعن فيه والله أعلم وأما حبان بن هلال فبفتح الحاء وبالباء الموحدة وأما ابان فقد تقدم ذكره في أول الكتاب وأنه يجوز صرفه وترك صرفه وأن المختار صرفه وأما أبو سلام فاسمه ممطور الأعرج الحبشي الد مشقي نسب إلى حي من حمير من اليمن لا إلى الحبشة وأما أبو مالك فاختلف في اسمه فقيل الحارث وقيل عبيد وقيل كعب ابن عاصم وقيل عمرو وهو معدود في الشاميين قوله ص = (الطهور شطر الايمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) هذا حديث عظيم أصل من أصول الاسلام قد اشتمل على مهمات من قواعد الاسلام فأما الطهور فالمراد به الفعل فهو مضموم الطاء على المختار وقول الأكثرين ويجوز فتحها كما تقدم وأصل الشطر النصف واختلف في معنى قوله ص = الطهور شطر الايمان فقيل معناه أن الأجر فيه ينتهى تضعيفه إلى نصف أجر الايمان وقيل معناه أن الايمان يجب ما قبله من الخطايا وكذلك الوضوء لأن الوضوء لا يصح الا مع الايمان فصار لتوقفه على الايمان في معنى الشطر وقيل المراد بالايمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا وهذا القول أقرب الأقوال ويحتمل أن يكون
[ 101 ]
معناه أن الايمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر وهما شطران للايمان والطهارة متضمنة الصلاة فهي انقياد في الظاهر والله أعلم وأما قوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله تملأ الميزان فمعناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الموازين وخفتها أما قوله صلى الله عليه وسلم وسبحان الله والحمد لله تملان أو تملأ ما بين السموات والأرض فضبطناه بالتاء المثناة من فوق في تملآن وتملأ وهو صحيح فالأول ضمير مؤنثتين غائبتين والثاني ضمير هذه الجملة من الكلام وقال صاحب التحرير يجوز تملآن بالتأنيث والتذكير جميعا فالتأنيث على ما ذكرناه والتذكير على ارادة النوعين من الكلام أو الذكرين قال وأما تملأ فمذكر على ارادة الذكر وأما معناه فيحتمل أن يقال لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السموات والأرض وسبب عظم فضلهما ما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى بقوله سبحان الله والتفويض والافتقار إلى الله تعالى بقوله الحمد لله والله أعلم وأما قوله ص = والصلاة نور فمعناه أنها تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصواب كما أن النور يستضاء به وقيل معناه أنه يكون أجرها نورا لصاحبها يوم القيامة وقيل لأنها سبب لاشراق أنوار المعارف وانشراح القلب ومكاشفات الحقائق لفراغ القلب فيها واقباله إلى الله تعالى بظاهره وباطنه وقد قال الله تعالى واستعينو ا بالصبر والصلاة وقيل معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه وجهه يوم القيامة و يكون في الدنيا أيضا على وجهه البهاء بخلاف من لم يصل والله أعلم وأما قوله ص = والصدقة برهان فقال صاحب التحرير معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين كأن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله كانت صدقاته براهين في جواب هذا السؤال فيقول تصدقت به قال ويجوز أن يوسم المتصدق بسيماء يعرف بها فيكون برهانا له على حاله ولا يسأل عن مصرف ماله وقال غير صاحب التحرير معناه الصدقة حجة على ايمان فاعلها فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها فمن تصدق استدل بصدقته على صدق ايمانه والله أعلم وأما قوله ص = والصبر ضياء فمعناه الصبر المحبوب في الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصيته والصبر أيضا على النائبات وأنواع المكاره في الدنيا والمراد أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب قال ابراهيم الخواص الصبر هو الثبات على
[ 102 ]
الكتاب والسنة وقال ابن عطاء الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب وقال الاستاذ أبو على الدقاق رحمه الله تعالى حقيقة الصبر أن لا يعترض على المقدور فأما اظهار البلاء لا على وجه الشكوى فلا ينافي الصبر قال الله تعالى في أيوب عليه السلام انا وجدناه صابرا نعم العبد مع أنه قال اني مسنى الضر والله أعلم وأما قوله ص = والقرآن حجة لك أو عليك فمعناه ظاهر أي تنتفع به إن تلوته وعملت به والا فهو حجة عليك وأما قوله ص = كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها فمعناه كل انسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعهما فيوبقها أي يهلكها والله أعلم وجوب الطهارة للصلاة في اسناده (أبو كامل الجحدي) بفتح الجيم واسكان الحاء المهملة وفتح الدال واسمه الفضيل ابن حسن منسوب إلى جد له اسمه جحدر وتقدم بيانه مرات وفيه (أبو عوانة) واسمه الوضاح ابن عبد الله قوله ص = (لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول) هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الامة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة قال القاضي عياض واختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الاسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم قال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا قال واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة
[ 103 ]
فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض دليل قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة الآية وذهب قوم إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب وقيل بل لم يشرع الا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم فيه خلاف ومعنى الآية عندهم إذا كنتم محدثين هذا كلام القاضي رحمه الله تعالى واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه أحدها أنه يجب بالحدث وجوبا موسعا والثاني لا يجب الا عند القيام إلى الصلاة والثالث يجب بالأمرين وهو الراجح عند أصحابنا وأجمعت الامة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة الا ما حكى عن الشعبي ومحمد ابن جرير الطبري من قولهما تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة وهذا مذهب باطل وأجمع العلماء على خلافه ولو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم ولا يكفر عندنا وعند الجماهير وحكى عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه يكفر لتلاعبه ودليلنا أن الكفر للاعتقاد وهذا المصلى اعتقاده صحيح وهذا كله إذا لم يكن للمصلى محدثا عذر أما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ترابا ففيه أربعة أقوال للشافعي رحمه الله تعالى وهي مذاهب للعلماء قال بكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عيه أن يصلى على حاله ويحب أن يعيد إذا تمكن من الطهارة والثانى يحرم عليه أن يصلى ويحب القضاء والثالى يستحب أن يصلي ويجب القضاء والرابع يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول اختيار المزني وهو أقوى الاقوال دليلا فاما وجوب الصلاة فلقوله ص = وإذا أمرتك بأمر فافعلوا منه ما استطعتم وأما الاعادة فانما تجب بامر مجدد والاصل عدمه وكذا يقول المزني كل صلاة أمر بفعلها في الوقت على نوع من الخلل لا يجب قضاؤها والله أعلم وأما قوله ص = في الحديث الثاني لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ فمعناه حتى يتطهر بماء أو تراب وانما اقتصر ص = على الوضوء لكونه الاصل والغالب والله أعلم وأما قوله ص = ولا صدقة من غلول فهو بضم الغين والغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة وأما قول ابن عامر ادع لى فقال ابن عمر رضي الله عنه سمعت رسول الله ص = يقول لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول وكنت على البصرة فمعناه أنك لست بسالم من الغلول فقد كنت واليا على
[ 104 ]
البصرة وتعلقت بك تبعات من حقوق الله تعا لى وحقوق العباد ولا يقبل الدعاء لمن هذه صفته كما لا تقبل الصلاة والصدقة الا من متصون والظاهر والله أعلم أن ابن عمر قصد زجر بن عامر وحثه على التوبة وتحريضه على الاقلاع عن المخالفات ولم يرد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع فلم يزل النبي ص = والسلف والخلف يدعون للكفار وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة والله أعلم قوله (حدثنا محمد بن مثنى وابن بشار قالا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي عن زائدة قال أبو بكر ووكيع حدثنا عن اسرائيل كلهم عن سماك بن حرب) أما قوله كلهم فيعنى به شعبة وزائدة واسرائيل فأما قوله قال أبو بكر ووكيع حدثنا فمعناه أن أبا بكر بن أبي شيبة رواه عن حسين بن علي عن زائدة ورواه أبو بكر أيضا عن وكيع عن اسرائيل فقال أبو بكر ووكيع حدثنا وهو بمعنى قوله حدثنا وكيع وسقط في بعض الأصول لفظة حثنا وبقي قوله أبو بكر ووكيع عن اسرائيل وهو صحيح أيضا ويكون معطوفا على قول أبي بكر أولا حدثنا حسين أي وحدثنا وكيع عن اسرائيل ووقع في بعض الاصول هكذا قال أبو بكر وحدثنا وكيع وكله صحيح والله أعلم
[ 105 ]
صفة الوضوء وكماله فيه حرملة التجيبى هو بضم التاء وفتحها وقد تقدم بيانه في أول الكتاب في مواضع والله أعلم قوله (عن ابن شهاب أن عطاء بن يزيد أخبره أن حمران أخبره) هؤلاء ثلاثة تابعيون بعضهم عن بعض وحمران أن بضم الحاء قوله (فغسل كفيه ثلاث مرات) هذا دليل على أن غسلهما في أول الوضوء سنة وهو كذلك باتفاق العلماء وقوله (ثم تمضمض واستنثر) قال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثون الاستنثار هو اخراج الماء من الانف بعد الاستنشاق وقال ابن الاعرابي وابن قتيبة الاستنثار الاستنشاق والصواب الاول ويدل عليه الرواية الاخرى استنشق واسنتثر فجمع بينهما قال أهل اللغة هو مأخوذ من النثرة وهي طرف الأنف وقال الخطابي وغيره هي الانف والمشهور الاول قال الازهري روى سلمة عن الفراء أنه يقال نثر الرجل وانتثر واستنثر إذا حرك النثرة في الطهارة والله أعلم وأما حيقيقة المضمضة فقال أصحابنا كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره فيه ثم يمجه وأما أقلها فأن يجعل الماء في فيه ولا يشترط ادارته على المشهور الذي قاله الجمهور وقال جماعة من أصحابنا يشترط وهو مثل الخلاف في مسح الرأس أنه لو وضع يده المبتلة على رأسه ولم يمرها هل يحصل المسح والاصح الحصول كما يكفي ايصال الماء إلى باقي الاعضاء من غير دلك وأما الاستنشاق فهو ايصال الماء إلى داخل الانف وجذبه بالنفس إلى أقصاه ويستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق الا أن يكون صائما فيكره ذلك لحديث لقيط أن النبي ص = قال وبالغ في الاستنشاق الا أن يكون صائما وهو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة قال الترمذي هو حديث حسن صحيح قال أصحابنا وعلى أي صفة وصل الماء إلى الفم والانف حصلت المضمضة والاستنشاق وفي الافضل خمسة أوجه الاول يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات يتمضمض من كل
[ 106 ]
واحدة ثم يستنشق منها والوجه الثاني يمجع بينهما بغرفة واحدة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق منها ثلاثا والوجه الثالث يجمع أيضا بغرفة ولكن يتمضمض منها ثم يستنشق ثم يتمضمض منها ثم يستنشق ثن يتمضمض منها ثم يستنشق والرابع يفصل بينهما بغرفتين فيتمضمض من احداهما ثلاثا ثم يستنشق من الاخرى ثلاثا والخامس يفصل بست غرفات يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات والصحيح الوجه الاول وبه جاءت الاحاديث الصحيحة في البخاري ومسلم وغيرها وأما حديث الفصل فضعيف فيتعين المصير إلى الجمع بثلاث غرفات كما ذكرنا لحديث عبد الله بن زيد المذكور في الكتاب واتفقوا على أن المضمضة على كل قول مقدمة على الاستنشاق وعلى كل صفة وهل هو تقديم استحباب واشتراط فيه وجهان أظهرهما اشتراط لاختلاف العضوين والثانى استحباب كتقديم يده اليمنى على اليسرى والله أعلم قوله (ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ثم مسح رأسه ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم غسل اليسرى مثل ذلك) هذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء وقد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الاحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة قال العلماء فاختلافها دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ فعلى هذا يحمل اختلاف الأحاديث وأما اختلاف الرواة فيه عن الصحابي الواحد في القصة الواحدة فذلك محمول على أن بعضهم حفظ وبعضهم نسى فيؤخذ بما زاد الثقة كما تقرر من قبول زيادة الثقة الضابط واختلف العلماء في مسح الرأس فذهب الشافعي في طائفة إلى أنه يستحب فيه المسح ثلاث مرات كما في باقى الاعضاء وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والاكثرون إلى أن السنة مرة واحدة ولا يزاد عليها
[ 107 ]
والاحاديث الصحيحة فيها المسح مرة واحدة وفى بعضها الاقتصار على قوله مسح واحتج الشافعي بحديث عثمان رضى الله عنه الآتى في صحيح مسلم أن النبي ص = توضأ ثلاثا ثلاثا وبما رواه أبو داود في سننه أنه ص = مسح رأسه ثلاثا وبالقياس على باقي الاعضاء وأجاب عن أحاديث المسح مرة واحدة بان ذلك لبيان الجواز وواظب ص = على الأفضل والله أعلم وأجمع العلماء على وجوب غسل الوجه واليدين والرجلين واستيعاب جميعهما بالغسل وانفردت الرافضة عن العلماء فقالوا الواجب المسح وهذا خطأ منهم فقد تظاهرت النصوص بايجاب غسلهما وكذلك اتفق كل من نقل وضوء رسول الله ص = على أنه غسلهما وأجمعوا على وجوب مسح الرأس واختلفوا في قدر الواجب فيه فذهب الشافعي في جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة وذهب مالك وأحمد وجماعة الى وجوب استيعابه وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى في رواية الواجب ربعه واختلفوا في وجوب المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب أحدها مذهب مالك والشافعي وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل وذهب إليه من السلف الحسن البصري والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحي بن سعيد الانصاري والاوزاعي والليث بن سعد وهو رواية عن عطاء وأحمد والمذهب الثاني أنهما واجبتان في الوضوء والغسل لا يصحان الا بهما وهو المشهور عن أحمد بن حنبل وهو مذهب ابن أبي ليلي وحماد واسحاق بن راهويه ورواية عن عطاء والمذهب الثالث أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والمذهب الرابع أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل والمضمضة سنة فيهما وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر ورواية عن أحمد والله أعلم واتفق الجمهور على أنه يكفي في غسل الاعضاء في الوضوء والغسل جريان الماء على الاعضاء ولا يشترط الدلك وانفرد مالك والمزني باشتراطه والله أعلم واتفق الجماهير على وجوب غسل الكعبين والمرفقين وانفرد زفر وداود الظاهري بقولهما لا يجب والله أعلم واتفق العلماء على أن المراد بالكعبين العظمان الناتئان بين الساق والقدم وفي كل رجل كعبان وشذت الرافضة فقالت في كل رجل كعب وهو العظم الذي في ظهر القدم وحكى هذا عن محمد بن الحسن ولا يصح عنه وحجة العلماء في ذلك نقل أهل اللغة والاشتقاق وهذا الحديث الصحيح الذي نحن
[ 108 ]
فيه وهو قوله فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ورجله اليسرى كذلك فأثبت في كل رجل كعبين والادلة في المسألة كثيرة وقد أوضحتها بشواهدها وأصولها في المجموع في شرح المهذب وكذلك بسطت فيه أدلة هذه المسائل واختلاف المذاهب وحجج الجميع من الطوائف وأجوبتها والجمع بين النصوص المختلفة فيها وأطنبت فيها غاية الاطناب وليس مرادي هنا الا الاشارة الى ما يتعلق بالحديث والله أعلم قال أصحابنا ولو خلق للانسان وجهان وجب غسلهما ولو خلق له ثلاثة أيد أو أرجل أو أكثر وهي متساويات وجب غسل الجميع وان كانت اليد الزائدة ناقصة وهي نابتة في محل الفرض وجب غسلها مع الاصلية وان كانت نابتة فوق المرفق ولم تحاذ محل الفرض لم يجب غسلها وان حاذته وجب غسل المحاذي خاصة على المذهب الصحيح المختار وقال بعض أصحابنا لا يجب ولو قطعت يده من فوق المرفق فلا فرض عليه فيها ويستحب أن يغسل بعض ما بقي لئلا يخلو العضو من طهارة فلو قطع بعض الذراع وجب غسل باقيه والله أعلم قوله ص = (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) انما قال ص = نحو وضوئي ولم يقل مثل لان حقيقة مماثلته ص = لا يقدر عليها غيره والمراد بالغفران الصغائر دون الكبائر وفيه استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء وهو سنة مؤكدة قال جماعة من أصحابنا ويفعل هذه الصلوات في أوقات النهي وغيرها لأن لها سببا واستدلوا بحديث بلال رضي الله عنه المخرج في صحيح البخاري أنه كان متى توضأ صلى وقال أنه أرجى عمل له ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت له هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بذلك والله أعلم وأما قوله ص = لا يحدث فيهما نفسه فالمراد لا يحدث بشئ من أمور الدنيا ومالا يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفى عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة أن شاء الله تعالى لان هذا ليس من فعله وقد عفى لهذه الامة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر وقد تقدم بيان هذه القاعدة في كتاب الايمان
[ 109 ]
والله تعالى أعلم وقد قال معنى ما ذكرته الامام أبو عبد الله المازري وتابعه عليه القاضي عياض فقال يريد بحديث النفس الحديث المجتلب والمكتسب وأما ما يقع في الخواطر غالبا فليس هو المراد قال وقوله يحدث نفسه فيه اشارة إلى أن ذلك الحديث مما يكتسب لاضافته إليه قال القاضي عياض وقال بعضهم هذا الذي يكون بغير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة ويكون دون صلاة من لم يحدث نفسه بشئ لان النبص = انما ضمن الغفران لمراعي ذلك لانه قل من تسلم صلاته من حديث النفس وانمحصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطرات الشيطان ونفيها عنه ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين وسلم من الشيطان باجتهاده وتفريغه قلبه هذا كلام القاضي والصواب ما قدمته والله أعلم قوله (قال ابن شهاب وكان علماؤنا يقولون هذا أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة) معناه هذا أتم الوضوء وقد أجمع العلماء على كراهة الزيادة على الثلاث والمراد بالثلاث المستوعبة للعضو وأما إذا لم تستوعب العضو الا بغرفتين فهي غسلة واحدة ولو شك هل غسل ثلاثا أم اثنتين جعل ذلك اثنتين وأتي بثالثة هذا هو الصواب الذي قاله الجماهير من أصحابنا وقال الشيخ أبو محمد الجوينى من أصحابنا يجعل ذلك ثلاثا ولا يزيد عليها مخافة من ارتكاب بدعة بالرابعة والاول هو الجاري على القواعد وانما تكون الرابعة بدعة ومكروهة إذا تعمد كونها رابعة والله أعلم وقد يستدل بقول ابن شهاب هذا من يكره غسل ما فوق المرفقين والكعبين وليس ذلك بمكروه عندنا بل هو سنة محبوبة وسيأتي بيانها في بابها أن شاء الله تعالى ولا دلالة في قول ابن شهاب على كراهته فان مراده العدد كما قدمناه ولو صرح ابن شهاب أو غيره بكراهة ذلك كانت سنة النبي ص = الصحيحة مقدمة عليه والله أعلم قوله (أنه رأى عثمان رضي الله عنه دعا باناء فأفرغ على
[ 110 ]
كفيه ثلاث مرات فغسلهما ثم أدخل يمينه في الاناء فمضمض واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات) فيه أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يأخذ الماء لهما بيمينه وقد يستدل به على أن المضمضة والاستنشاق يكونان بغرفة واحدة وهو أحد الاوجه الخمسة التي قدمتها ووجه الدلالة منه أنه ذكر تكرار غسل الكفين والوجه وأطلق أخذ الماء للمضمضة والله أعلم ويستدل به على استحباب غسل الكفين قبل ادخالهما الانا وان لم يكن قد قام من النوم إذا شك في نجاسة يده وهو مذهبنا والدلالة منه ظاهرة وسيأتي بيان هذه المسألة في بابها قريبا أن شاء الله تعالى والله أعلم فضل الوضوء والصلاة عقبه قوله (وهو بفناء المسجد) هو بكسر الفاء وبالمد أي بين يدي المسجد وفي جواره والله أعلم قوله (والله لأحدثنكم حديثا) فيه جواز الحلف من غير ضرورة الاستحلاف قوله (لولا آية في كتاب الله تعالى ما حدثتكم ثم قال عروة الآية أن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات
[ 111 ]
الآية) معناه لولا أن الله تعالى أوجب على من علم علما ابلاغه لما كنت حريصا على تحديثكم ولست متكثرا بتحديثكم وهذا كله على ما وقع في الاصول التي ببلادنا ولأكثر الناس من غيرهم لولا آية بالياء ومد الالف قال القاضي عياض وقع للرواة في الحديثين لولا آية بالياء الا الباجي فانه رواه في الحديث الاول لولا أنه بالنون قال واختلف رواة مالك في هذين اللفظين قال واختلف العلماء في تأويل ذلك ففي مسلم قول عروة أن الآية هي قوله تعالى إن الذي يكتمون ما أنزلنا من البينات وعلى هذا لا تصح رواية النون وفي الموطأ قال ما لك أراه يريد هذه الآية وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل الآية وعلى هذا تصح الروايتان ويكون معنى رواية النون لولا أن معنى ما أحدثكم به في كتاب الله تعالى ما حدثتكم به لئلا تتكلوا قال القاضي والآية التي رآها عروة وان كانت نزلت في أهل الكتاب ففيه تنبيه وتحذير لمن فعل فعلهم وسلك سبيلهم مع أن النبي ص = قد عم في الحديث المشهور من كتم علما ألجمه الله بلجام من نار هذا كلام القاضي والصحيح تأويل عروة والله أعلم قوله ص = (فيحسن الوضوء) أي يأتي به تاما بكمال صفته وآدابه وفي هذا الحديث الحث على الإعتناء بتعلم آداب الوضوء وشروطه والعمل بذلك والاحتياط فيه والحرص على أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فينبغي أن يحرص على التسمية والنية والمضمضة والاستنشاق والاستنثار واستيعاب مسح الرأس ومسح الاذنين ودلك الاعضاء والتتابع في الوضوء وترتيبه وغير ذلك من المختلف فيه وتحصيل ماء طهور بالاجماع والله سبحانه وتعالى أعلم قوله ص = (غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها) أي التي بعدها فقد جاء في
[ 112 ]
الموطأ التي تليها حتى يصليها قوله (عن صالح قال قال ابن شهاب ولكن عروة يحدث عن حمران أنه قال توضأ عثمان) هذا اسناد اجتمع فيه أربعة تابعيون مدنيون يروي بعضهم عن بعض وفيه لطيفة أخرى وهو من رواية الاكابر عن الاصاغر فان صالح بن كيسان أكبر سنا من الزهري وقوله (ولكن هو متعلق بحدث قبله) قوله ص = (كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله) معناه أن الذنوب كلها تغفر الا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فان كانت لا يغفر شئ من الصغائر فان هذا وان كان محتملا فسياق الاحاديث يأباه قال القاضي عياض هذا المذكور في الحديث من غفران الذنوب ما لم تؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبارئر انما تكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله والله أعلم
[ 113 ]
وقوله ص = وذ لك الدهر كله أي ذلك مستمر في جميع الازمان ثم انه وقع في هذا الحديث (ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوئها وخشوعها وركوعها الا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة) وفي الرواية المتقدمة من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه وفي الرواية الأخرى الاغفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها وفي الحديث الآخر (من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) وفي الحديث الآخر الصلوات الخمس كفارة لما بينهن وفي الحديث الآخر الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبارئر فهذه الالفاظ كلها ذكرها مسلم في هذا الباب وقد يقال إذا كفر الوضوء فماذا تكفر الصلاة وإذا كفرت الصلاة فماذا تكفر الجمعات ورمضان وكذلك صوم يوم عرفة كفارة سنتين ويوم عاشوراء كفارة سنة وإذا وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه والجواب ما أجابه العلماء أن كل واحد من هذه المذكورات صالح للتكفير فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره وان لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت به درجات وان صادفت كبيرة أو كبائر ولم يصادف صغيرة رجونا أن يخفف من الكبائر والله أعلم وقوله عن أبي النضر عن أبي أنس
[ 114 ]
أن عثمان رضي الله عنه توضأ بالمقاعد فقال ألا أريكم وضوء رسول الله ص = ثم توضأ ثلاثا ثلاثا) وزاد قتيبة في روايته قال سفيان قال أبو النضر عن أبي أنس قال وعنده رجال من أصحاب رسول الله ص = أما أبو النضر فاسمه سالم بن أمية المدني القرشي التيمي مولى عمر بن عبد الله التيمى وكاتبه وأما أبو أنس فاسمه مالك بن أبي عامر الاصبحي المدني وهو جد مالك ابن أنس الامام والد أبي سهيل عم مالك وأما المقاعد فبفتح الميم وبالقاف قيل هي دكاكين عند دار عثمان بن عفان وقيل درج وقيل موضع بقرب المسجد اتخذه للقعود فيه لقضاء حوائج الناس والوضوء ونحو ذلك وأما قوله توضأ ثلاثا ثلاثا فهو أصل عظيم في أن السنة في الوضوء ثلاثا ثلاثا وقد قدمنا أنه مجمع على أنه سنة وأن الواجب مرة واحدة وفيه دلالة للشافعي ومن وافقه في أن المستحب في الرأس أن يمسح ثلاثا كباقي الاعضاء وقد جاءت أحاديث كثيرة بنحو هذا الحديث وقد جمعتها مبينة في شرح المهذب ونبهت على صحيحها من ضعيفها وموضع الدلالة منها وأما قوله وعنده رجال من أصحاب النبي ص = فمعناه أن عثمان قال ما قاله والرجال عنده فلم يخالفوه وقد جاء في رواية رواها البيهقي وغيره أن عثمان رضي الله تعالى عنه توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال لأصحاب رسول الله ص = هل رأيتم رسول الله فعل هذا قالوا نعم والله أعلم قوله (حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي النضر عن أبي أنس أن عثمان توضأ) هذا الاسناد من جملة ما استدركه الدارقطني وغيره قال أبو على الغساني الجياني مذكور أن وكيع بن الجراح وهم في اسناد هذا الحديث في قوله عن أبي أنس وانما يرويه أبو النضر عن بسر بن سعيد عن عثمان ابن عفان روينا هذا عن أحمد بن حنبل وغيره قال وهكذا قال الدا رقطني هذا مما وهم فيه وكيع على الثوري وخالفه أصحاب الثوري الحفاظ منهم الأشجعي عبد الله وعبد الله بن نالوليد ويزيد ابن أبي حكيم والفريابي ومعاوية بن هشام وأبو حذيفة وغيرهم رووه عن الثوري عن أبي النضر عن
[ 115 ]
بسر بن سعيد أن عثمان وهو الصواب هذا آخر كلام أبي على وقوله (عن جامع بن شداد أبي صخرة) هو بفتح الصاد المهملة ثم خاء معجمة ساكنة ثم راء ثم هاء وقد تقدم ضبطه قوله (فما أتى عليه يوم الا وهو يفيض عليه نطفة) النطفة بضم النون وهي الماء القليل ومراده لم يكن يمر عليه يوم الا اغتسل فيه وكانت ملازمته للاغتسال محافظة على تكثير الطهر وتحصيل ما فيه من عظيم الأجر الذي ذكره في حديثه والله أعلم قوله ص = (ما أدري أحدثكم بشئ أو أسكت قال فقلنا يارسول الله إن كان خيرا فحدثنا وان كان غير ذلك فالله ورسوله أعلم) أما قوله ص = ما أدري أحدثكم أو أسكت فيحتمل أن يكون معناه ما أدري هل ذكرى لكم هذا الحديث في هذا الزمن مصلحة أم لا ثم ظهرت مصلحته في الحال عنده ص = فحدثهم به لما فيه من ترغيبهم في الطهارة وسائر أنواع الطاعات وسبب توقفه أولا أنه خاف مفسدة اتكالهم ثم رأى المصلحة في التحديث به وأما قولهم إن كان خيرا فحدثنا فيحتمل أن يكون معناه أن كان بشارة لنا وسببا لنشاطنا وترغيبنا في الاعمال أو تحذيرا وتنفيرا من المعاصي والمخالفات فحدثنا به لنحرص على عمل الخير والاعراض عن الشر وان كان حديثا لا يتعلق بالاعمال ولا ترغيب فيه ولا ترهيب فالله ورسوله أعلم ومعناه فر فيه رأيك والله أعلم قوله (ما من مسلم يتطهر فيتم الطهور الذي كتب الله تعالى عليه فيصلى هذه الصلوات
[ 116 ]
الخمس الا كانت كفارة لما بينهن) هذه الرواية فيها فائدة نفيسة وهي قوله ص = الطهور الذي كتبه الله عليه فانه دال على أن من اقتصر في وضوئه على طهارة الاعضاء الواجبة وترك السنن والمستحبات كانت هذه الفضيلة حاصلة له وان كان من أتى بالسنن أكمل وأشد تكفيرا والله أعلم قوله ص = (لا ينهزه الا الصلاة) هو بفتح الياء والهاء واسكان النون بينهما ومعناه لا يدفعه وينهضه ويحركه الا الصلاة قال أهل اللغة نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته ونهز رأسه أي حركه قال صاحب المطالع وضبطه بعضهم ينهزه بضم الياء وهو خطأ ثم قال وقيل هي لغة والله أعلم وفي هذا الحديث الحث على الاخلاص في الطاعات وأن تكون متمحضة لله تعالى والله أعلم قوله ص = (غفر له ما خلا من ذنبه) أي مضى
[ 117 ]
قوله (أن الحكيم بن عبد الله القرشي حدثه أن نافع بن جبير وعبد الله بن أبي سلمة حدثاه أن معاذ بن عبد الرحمن حدثهما عن حمران) هذا الاسناد اجتمع فيه الحكيم بضم الحاء وفتح الكاف ونافع بن جبير ومعاذ وحمران قوله (مولى الحرقة) هو بضم الحاء المهملة وفتح الراء تقدم بيانه أول الكتاب قوله (حدثنا ابن وهب عن أبي صخر) هو أبو صخر من غير هاء في آخره واسمه حميد بن زياد وقيل حميد ابن صخر وقيل حماد بن زياد ويقال له أبو الصخر الخراط صاحب العباء المدني سكن مصر
[ 118 ]
قوله ص = (ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما) فيه جواز قول رمضان من غير اضافة شهر إليه وهذا هو الصواب ولا وجه لانكار من أنكره وستأتي المسألة في كتاب الصيام أن شاء الله تعالى واضحة مبسوطة بشواهدها قوله ص = (إذا اجتنب الكبائر) هكذا هو في أكثر الأصول اجتنب آخره باء موحدة والكبائر منصوب أي أذا اجتنب فاعلها الكبائر وفي بعض الأصول اجتنبت بزيادة تاء مثناة في أخره على ما لم يسم فاعله ورفع الكبائر وكلاهما صحيح ظاهر والله أعلم الذكر المستحب عقب الوضوء قال مسلم (حدثني محمد بن حاتم بن ميمون حدثن عبد الرحمن بن نهدي عن ريبعة يعنى ابن يزيد عن أبي ادريس الخولاني عن عقبة بن عامر قال وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة
[ 119 ]
ابن عامر) ثم قال مسلم (وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاويه بن صالح ميمون عن ربيعة بين يزيد عن أبي ادريس وأبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة) اعلم أن العلماء اختلفوا في القائل في الطريق الأول وحدثني أبو عثمان من هو فقيل هو معاوية بن صالح وقيل ربيعة بن يزيد قال أبو على الغساني الجياني في تقييد المهمل الصواب أن القائل ذلك هو معاوية بن صالح قال وكتب أبو عبد الله بن الحذاء في نسخته قال ربيعة بن يزيد وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة قال أبو على والذي أتي في النسخ المروية عن مسلم هو ما ذكرناه أولا يعنى ما قدمته أنا هنا قال وهو الصواب قال وما أتى به ابن الحذاء وهم منه وهذا بين من رواية الائمة الثقاة الحفاظ وهذا الحديث يرويه معاوية بن صالح باسنادين أحدهما عن ربيعة بين يزيد عن أبي ادريس عن عقبة والثاني عن أبي عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة قال أبو على وعلى ما ذكرنا من الصواب خرجه أبو مسعود الدمشقي فصرح وقال قال معاوية بن صالح وحدثني أبو عثمان عن جبير عن عقبة ثم ذكر أبو على طرقا كثيرة فيها التصريح بأنه معاوية بن صالح وأطنب أبو على في ايضاح ما صوبه وكذلك جاء التصريح بكون القائل هو معاوية بن صالح في سنن أبي داود فقال أبو داود حدثنا أحمد بن سعيد عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي عثمان وأظنه سعيد بن هانئ عن جبير بن نفير عن عقبة قال معاوية وحدثني ربيعة عن يزيد عن أبي ادريس عن عقبة هذا لفظ أبي داود وهو صريح فيما قدمناه وأما قوله في الرواية الأخرى من طريق ابن أبي شيبة (حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس وأبي عثمان عن جبير) فهو محمول على ما تقدم فقوله وأبي عثمان معطوف على ربيعة وتقديره حدثنا معاوية عن ربيعة عن أبي ادريس عن جبير وحدثنا معاوية عن أبي عثمان عن جبير والدليل على هذا التأويل والتقدير ما رواه أبو على الغساني باسناده عن عبد الله بن محمد
[ 120 ]
البغوي قال حدثنا أبو بكر بن ابي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس الخولاني عن عقبة قال معاوية وأبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة قال أبو على فهذا الاسناد يبين ما أشكل من رواية مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة قال أبو على وقد روي عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح هذا الحديث أيضا فبين الاسنادين معا ومن أين مخرجهما فذكر ما قدمناه من رواية أبي داود عن أحمد بن سعيد عن ابن وهب قال أبو على وقد خرج أبو عيسى الترمذي في مصنفه هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب عن شيخ له لم يقم اسناده عن زيد وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب وزيد برئ من هذه العهدة والوهم في ذلك من أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به لانا قدمنا من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى والحمد لله وذكره أبو عيسى أيضا في كتاب العلل وسؤالاته محمد بن اسماعيل البخاري فلم يجوده وأتى فيه عنه بقول يخالف ما ذكرنا عن الأئمة ولعله لم يحفظه عنه وهذا حديث مختلف في اسناده وأحسن طرقه ما خرجه مسلم بن الحجاج من حديث ابن مهدي وزيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال أبو على وقد رواه عثمان بن أبي شيبة أخو أبي بكر عن زيد بن الحباب فزاد في اسناده رجلا وهو جبير بن نفير ذكره أبو داود في سننه في باب كراهة الوسوسة بحديث النفس في الصلاة فقال حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي ادريس الخولاني عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر فذكر الحديث هذا آخر كلام أبي على الغساني وقد أتقن رحمه الله تعالى هذا الاسناد غاية الاتقان والله أعلم واسم أبي ادريس عائذ الله بالذال المعجمة ابن عبد الله وأما زيد بن الحباب فبضم الحاء المهملة وبالباء الموحدة المكررة والله أعلم قوله كانت علينا رعاية الابل فجاءت نوبتي فروحتها بعشى معنى هذا الكلام أنهم كانوا يتناوبون رعى ابلهم فيجتمع الجماعة ويضمون ابلهم بعضها إلى بعض فيرعاها كل
[ 121 ]
يوم واحد منهم ليكون أرفق بهم وينصرف الباقون في مصالحهم والرعاية بكسر الراء وهي الرعى وقوله روحتها بعشى أي رددتها إلى مراحها في آخر النهار وتفرغت من أمرها ثم جئت إلى مجلس رسول الله ص = قوله ص = (فيصلى ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه) هكذا هو في الاصول مقبل أي وهو مقبل وقد جمع ص = بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لان الخضوع في الأعضاء والخشوع بالقلب على ما قاله جماعة من العلماء قوله ما أجود هذه يعنى هذه الكلمة أو الفائدة أو البشارة أو العبادة وجودتها من جهات منها أنها سهلة متيسرة يقدر عليها كل أحد بلا مشقة ومنها أن أجرها عظيم والله أعلم قوله جئت آنفا أي قريبا وهو بالمد على اللغة المشهورة وبالقصر على لغة صحيحة قرئ بها في السبع قوله ص = (فيبلغ أو يسبغ الوضوء) هما بمعنى واحد أي يتمه ويكمله فيوصله مواضعه على الوجه المسنون والله أعلم أما أحكام الحديث ففيه أنه يستحب للمتوضئ أن يقول عقب وضوئه أشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وهذا متفق عليه وينبغي أن يضم إليه ما جاء في رواية الترمذي متصلا بهذا الحديث اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ويستحب أن يضم إليه ما رواه النسائي في كتابه عمل اليوم والليلة مرفوعا سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا اله الا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك وأتوب اليك قل أصحابنا وتستحب هذه الاذكار للمغتسل أيضا والله أعلم باب آخر في صفته الوضوء &فيه حديث عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الاذان كذا قاله الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين وغلطوا سفيان بن عيينة في قوله هو هو وممن نص على غلطه في ذلك البخاري في كتاب الاستسقاء من صحيحه وقد قيل أن صاحب الاذان لا يعرف له غير
[ 122 ]
حديث الاذان والله أعلم قوله (فدعا باناء فأكفأ منها على يديه) هكذا هو في الاصول منها وهو صحيح أي من المطهرة أو الاداوة وقوله أكفأ هو بالهمز أي أمال وصب وفيه استحباب تقديم غسل الكفين قبل غمسهما في الاناء قوله (فمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا) وفي الرواية التي بعدها فمضمض واستنشق واستنثر من ثلاث غرفات في هذا الحديث دلالة ظاهرة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها وقد قدمنا ايضاح هذه المسألة والخلاف فيها في الباب الاول والله أعلم وقوله في الرواية الثانية فمضمض واستنشق واستنثر فيه حجة للمذهب المختار الذي عليه الجماهير من أهل اللغة وغيرهم أن الاستنثار غير الاستنشاق خلافا لما قاله ابن الاعرابي وابن قتيبه أنهما بمعنى واحد وقد تقدم في الباب الاول ايضاحه والله أعلم قوله (ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا) هكذا وقع في صحيح مسلم أدخل يده بلفظ الافراد وكذا في أكثر روايات البخاري ووقع في رواية للبخاري في حديث عبد الله بن زيد هذا ثم أدخل يديه فاغترف بهما فغسل وجهه ثلاثا وفي صحيح البخاري أيضا من رواية ابن عباس ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الاخرى فغسل بها وجهه ثم قال هكذا رأيت رسول الله ص = يتوضأ وفي سنن أبي داود والبيهقي من رواية على رضى الله عنه في صفة وضوء رسول الله ص = ثم أدخل يديه في الاناء جميعا فأخذ بهما حفنة من ماء فضرب بها على وجهه فهذه أحاديث في بعضها يده وفي بعضها يديه وفي بعضها يده وضم إليها الاخرى فهي دالة على جواز الامور الثلاثة وأن الجميع سنة ويجمع بين الاحاديث بأنه ص = فعل ذلك في مرات وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا ولكن الصحيح منها والمشهور الذي قطع به الجمهور ونص عليه الشافع رضى الله عنه في البويطي والمزني أن المستحب أخذ الماء للوجه باليدين جميعا لكونه أسهل وأقرب إلى الاسباغ والله أعلم قال أصحابنا ويستحب أن يبدأ في غسل وجهه بأعلاه لكونه أشرف ولأنه أقرب
[ 123 ]
الى الاستيعاب والله أعلم قوله (فغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين) فيه دلالة على جواز مخالفة الأعضاء وغسل بعضها ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة وهذا جائز والوضوء على هذه الصفة صحيح بلا شك ولكن المستحب تطهير الاعضاء كلها ثلاثا ثلاثا كما قدمناه وانما كانت مخالفتها من النبي ص = في بعض الأوقات بيانا للجواز كما توضأ ص = مرة مرة في بعض الاوقات بيانا للجواز وكان في ذلك الوقت أفضل في حقه ص = لان البيان واجب عليه ص = فان قيل البيان يحصل بالقول فالجواب أنه أوقع بالفعل في النفوس وأبعد من التأويل والله أعلم قوله (فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر) هذا مستحب باتفاق العلماء فانه طريق إلى استيعاب الرأس ووصول الماء إلى جميع شعره قال أصحابنا وهذا الرد انما يستحب لمن كان له شعر غير مضفور أما من لا شعر على رأسه وكان شعره مضفورا فلا يستحب له الرد إذ لا فائدة فيه ولو رد في هذه الحالة لم يحسب الرد مسحة ثانية لأن الماء
[ 124 ]
صار مستعملا بالنسبة إلى ما سوى تلك المسحة والله أعلم وليس في هذا الحديث دلالة لوجوب استيعاب الرأس بالمسح لان الحديث ورد في كمال الوضوء لا فيما لا بد منه والله أعلم قوله (فمسح برأسه فأقبل به) أي بالمسح قوله (حدثنا هارون بن معرف وحدثني هارون بن سعيد الأيلي وأبو الطاهر قالوا حدثنا ا بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن حبان بن واسع حدثه فذكر الحديث ثم قال في آخره قال أبو الطاهر حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث) هذا من احتياط مسلم رحمه الله تعالى ووفور علمه وورعه ففرق بين روايته عن شيخيه الهارونين فقال في الاول حدثنا وفي الثاني حدثني فان روايته عن الاول كانت سماعا من لفظ الشيخ له ولغيره وروايته عن الثاني كانت له خاصة من غير شريك له وقد قدمنا أن المستحب في مثل الاول أن يقول حدثنا وفي الثاني وحدثني وهذا مستحب بالاتفاق وليس بواجب فاستعمله مسلم رحمه الله تعالى وقد أكثر من التحري في مثل هذا وقد قدمت له نظائر وسيأتي أن شاء الله تعالى التنبيه على نظائره كثيرة والله أعلم وأما قوله قال أبو الطاهر حدثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث فهو أيضا من احتياط مسلم وورعه فانه روى الحديث أولا عن شيوخه الثلاثة الهارونين وأبي الطاهر عن ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث ولم يكن في رواية أبي الطاهر أخبرني انما كان فيها عن عمرو ابن الحارث وقد تقرر أن لفظة عن مختلف في حملها على الاتصال والقائلون أنها للاتصال وهم الجماهير يوافقون على أنها دون أخبرنا فاحتاط مسلم رحمه الله تعالى وبين ذلك وكم في كتابه من الدرر والنفائس المشابهة لهذا رحمه الله تعالى وجمع بيننا وبينه في دار كرامته والله أعلم
[ 125 ]
وحبان بفتح الحاء المهملة وبالموحدة والأيلي بفتح الهمزة واسكان المثناة والله أعلم قوله (ومسح برأسه بماء غير فضل يده) وفي بعض النسخ يديه معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية ماء يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا اخبار عن الاتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه والله أعلم الايتار في الاستنثار والاستجمار فيه قوله ص = (إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر) أما الاستجمار فهو مسح محل البول والغائط بالجمار وهي الاحجار الصغار قال العلماء يقال الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالاحجار وأما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء ويكونان بالاحجار هذا الذي ذكرناه من معنى الاستجمار هو الصحيح المشهور الذي قاله الجماهير من طوائف العلماء من اللغويين والمحدثين والفقهاء وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى اختلف قول مالك وغيره في معنى الاستجمار المذكور في هذا الحديث فقيل هذا وقيل المراد به في البخور أن يأخذ منه ثلاث قطع أو يأذ منه ثلاث مرات يستعمل واحدة بعد أخري قال والاول أظهر والله أعلم والصحيح المعروف ما قدمناه والمراد بالايتار أن يكون عدد المسحات ثلاثا أو خمسا أو فوق
[ 126 ]
ذلك من الأوتار ومذهبنا أن الايتار فيما زاد على الثلاث مستحب وحاصل المذهب أن الانقاء واجب واستيفاء ثلاث مسحات واجب فان حصل الانقاء بثلاث فلا زيادة وان لم يحصل وجب الزيادة ثم أن حصل بوتر فلا زيادة وان حصل بشفع كأربع أو ست استحب الايتار وقال بعض أصحبانا يجب الايتار مطلقا لظاهر هذا الحديث وحجة الجمهور الحديث الصحيح في السنن أن رسول الله ص = قال من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ويحملون حديث الباب على الثلاث وعلى الندب فيما زاد والله أعلم وأما قوله ص = فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر ففيه دلالة ظاهرة على أن الاستنثار غير الاستنشاق وأن الانتثار هو اخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الانف من مخاط وشبهه وقد تقدم ذكر هذا وفيه دلالة لمذهب من يقول الاستنشاق واجب لمطلق الامر ومن لم يوجبه حمل الأمر على الندب بدليل أن المأمور به حقيقة وهو الانتثار ليس بواجب بالاتفاق فان قالوا ففي الرواية الاخرى إذا توضأ فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينثر فهذا فيه دلالة ظاهرة للوجوب لكن حمله على الندب محتمل ليجمع بينه وبين الادلة الدالة على الاستحباب والله أعلم قوله في حديث همام (فذكر أحاديث منها وقال رسول الله ص =) قد قدمنا مرات بيان الفائدة في هذه العبارة وانما ننبه على تقدمها ليتعاهد قوله (بمنخريه) هما بفتح الميم وكسر الخاء وبكسرهما جميعا لغتان معروفتان قوله ص =
[ 127 ]
(فليستنثر فان الشيطان يبيت على خياشيمه) قال العلماء الخيشوم أعلى الانف وقيل هو الانف كله وقيل هي عظام رقاق لينة في أقصى الانف بينه وبين الدماغ وقيل غير ذلك وهو اختلاف متقارب المعنى قال القاضي عياض رحمه الله تعالى يحتمل أن يكون قوله ص = فان الشيطان يبيت على خياشيمه على حقيقتة فان الانف أحد منافذ الجسم التي يتوصل إلى القلب منها لا سيما وليس من منافذ الجسم ما ليس عليه غلق سواه وسوى الاذنين وفي الحديث أن الشيطان لا يفتح غلقا وجاء في التثاؤب الامر بكظمه من أجل دخول الشيطان حينئذ في الفم قال ويحتمل أن يكون على الاستعارة فان ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان والله أعلم وجوب غسل الرجلين بكمالها في الباب قوله ص = (ويل للاعقاب من النار أسبغوا الوضوء) ومراد مسلم
[ 129 ]
رحمة الله تعالى بايراده هنا الاستدلال به على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ وهذه مسألة اختلف الناس فيها على مذاهب فذهب جمع من الفقهاء من أهل الفتوى في الاعصار والامصار إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ مسحهما ولا يجب المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد به في الاجماع وقالت الشيعة الواجب مسحهما وقال محمد بن جرير والجبائي رأس المعتزلة يتخير بين المسح والغسل وقال بعض أهل الظاهر يجب الجمع بين المسح والغسل وتعلق هؤلاء المخالفون للجماهير بما لا تظهر فيه دلالة وقد أوضحت دلائل المسألة من الكتاب والسنة وشواهدها وجواب ما تعلق به المخالفون بأبسط العبارات المنقحات في شرح المذهب بحيث لم يبق للمخالف شبهة أصلا الا وضح جوابها من غير وجه والمقصود هنا شرح متون الاحاديث وألفاظها دون بسط الادلة وأجوبة المخالفين ومن أخصر ما نذكره أن جميع من وصف وضوء رسول الله ص = في مواطن مختلفة وعلى صفات متعددة متفقون على غسل الرجلين وقوله ص = ويل للاعقاب من النار فتواعدها بالنار لعدم طهارتها ولو كان المسح كافيا لما تواعد من ترك غسل عقيبه وقد صح من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا قال يارسول الله كيف الطهور فدعا بماء فغسل كفيه ثلاثا إلى أن قال ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود وغيره بأسانيدهم الصحيحة والله أعلم قوله (عن سالم مولى شداد وفي الرواية الاخرى أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهاوفي الثالثة سالم مولى المهرى) هذه كلها صفات له وهو شخص واحد يقال له سالم مولى شداد بن الهاد وسالم مولى المهرى وسالم بالدوس وسالم مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصرى بالنون و الصاد المهملة وسالم سبنان بفتح السين المهملة والباء الموحدة وسالم البراد و سالم مولى البصريين وسالم أبو عبد الله المدينى وسالم بن عبد الله وأبو عبيد الله مولى شداد بن الهاد فهذه كلها تقال فيه قال أبو حاتم كان سالم من خيار المسلمين وقال عطاء بن السائب حدثنى سالم البراد وكان أوثق عندي من نفسي وأما قوله (حدثنى سلمة بن شبيب حدثنا الحسن بن أعين حدثنا فليح حدثنى نعيم بن عبد الله عن سالم مولى ابن شديد) فكذا وقع في الاصول مولى ابن شداد قيل أنه خطأ والصواب حذف لفظة ابن كما تقدم والظاهر أنه صحيح فان مولى شداد مولى لابنه وإذا أمكن
[ 130 ]
تأويل ما صحت به الرواية لم يجز ابطالها لا سيما في هذا الذي قد قيل فيه هذه الاقوال والله أعلم قوله (حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا يحي بن أبي كثير قال حدثنى أو حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا سالم مولى المهرى) هذا اسناد اجتمع فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض فسالم وأبو سلمة ويحي تابعيون معروفون وعكرمة بن عمار أيضا تابعي سمع الهرماس بن زياد الباهلي الصحابي رضي الله عنه وفي سنن أبي داود التصريح بسماعه منه والله أعلم وقوله حدثنى أو حدثنا فيه أحسن احتياط وقد تقدم التنبيه على مثل هذا قريبا وسابقا والله أعلم قوله (حدثنى محمد بن حاتم وأبو معن الرقاشي) اسم أبي معن زيد بن يزيد وقد تقدم بيانه في اوائل كتاب الايمان قوله (كنت أنا مع عائشة) هكذا هو في الاصول المحققة التي ضبطها المتقنون أنا مع بالنون والميم بينهما ألف ووقع في كثير من الاصول ولكثير من الرواة المشارقة والمغاربة أبايع عائشة بالباء الموحدة والياء المثناة من المبايعة قال القاضي الصواب هو الاول قلت وللثاني أيضا وجه قوله (عن هلال بن يساف عن أبي يحيى) أما يساف ففيه ثلاث لغات فتح الياء وكسرها واساف بكسر الهمزة قال صاحب المطالع يقوله المحدثون بكسر الياء قال وقال بعضهم هو بفتح الياء لانه لم يأت في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسور الا يسار لليد قلت والاشهر عند أهل اللغة اساف بالهمزة وقد ذكره ابن السكيت وابن قتيبة وغيرهما فيما يغيره الناس ويلحنون فيه فقال هو هلال بن اساف وأما أبو يحيى فالاكثرون على أن اسمه مصدع بكسر الميم واسكان الصاد وفتح الدال وبالعين المهملات وقال يحيى بن معين اسمه زياد الاعرج المعرقب الانصاري والله اعلم قوله (فتوضؤا وهم عجال) هو بكسر العين جمع عجلان وهو المستعجل كغضبان وغضاب قوله (حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن يوسف
[ 131 ]
ابن ماهك) أما أبو عوانة فتقدم أن اسمه الوضاح بن عبد الله وأما أبو بشر فهو جعفر بن أبي وحشية وأما ماهك فبفتح الهاء وهو غيره مصروف لانه اسم عجمي علم قوله (وقد حضرت صلاة العصر) أي جاء وقت فعلها ويقال حضرت بفتح الضاد وكسرها لغتان الفتح أشهر قوله (يتوضؤن من المطهرة) قال العلماء المطهرة كل اناء يتطهر به وهي بكسر الميم وفتحها لغتان مشهورتان وذكرهما ابن السكيت من كسر جعلها آلة ومن فتحها جعلها موضعا يفعل فيه قوله ص = (ويل للعراقيب من النار) العراقيب جمع عرقوب بضم العين في المفرد وفتحها في الجمع وهو العصبة التي فوق العقب ومعنى ويل لهم هلكة وخيبة وجوب استيعاب جميع أجزاء محل الطهارة فيه (أن رجلا توضأ فترك ظفر على ظهر قدمه فابصره النبي ص = فقال
[ 132 ]
ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى) في هذا الحديث أن من ترك جزأ يسيرا مما يجب تطهيره لا تصح طهارته وهذا متفق عليه واختلفوا في المتيمم يترك بعض وجهه فمذهبنا ومذهب الجمهور انه لا يصح كما لا يصح وضوءه وعن أبى حنيفة ثلاث روايات احداها إذا ترك أقل من النصف أجزأه والثانية إذا ترك أقل من قدر الدرهم أجزأه والثالثة إذا ترك الربع فما دونه أجزأه وللجمهور أن يحتجوا بالقياس والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على أن من ترك شيئا من أعضاء طهارته جاهلا لم تصح طهارته وفيه تعليم الجاهل والرفق به وقد استدل به جماعة على أن الواجب في الرجلين الغسل دون المسح واستدل القاضي عياض رحمه الله تعالى وغيره بهذا الحديث على وجوب الموالاة في الوضوء لقوله ص = أحسن وضوءك ولم يقل اغسل الموضع الذي تركته وهذا الاستدلال ضعيف أو باطل فان قوله ص = أحسن وضوءك محتمل للتتميم والاستئناف وليس حمله على أحدهما أولى من الآخر والله أعلم وفي الظفر لغتان أجودهما ظفر بضم الظاء والفاء وبه جاء القرآن العزيز ويجوز اسكان الفاء على هذا ويقال ظفر بكسر الظاء واسكان الفاء وظفر بكسرهما وقرئ بهما في الشواذ وجمعه أظفار وجمع الجمع أظافير ويقال في الواحد أيضا أظفور والله أعلم خروج الخطايا مع ماء الوضوء فيه قوله ص = (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل
[ 133 ]
خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يدا ه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئتة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب) أما قوله المسلم أو المؤمن فهو شك من الرواي وكذا قوله مع الماء أو مع آخر قطر الماء هو شك أيضا والمراد بالخطايا الصغائر دون الكبائر كما تقدم بيانه وكما في الحديث الآخر ما لم تغش الكبائر قال القاضي والمراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لانها ليست بأجسام فتخرج حقيقة والله أعلم وفي هذا الحديث دليل على الرافضة وابطال لقولهم الواجب مسح الرجلين وقوله ص = بطشتها يداه ومشتها رجلاه معناه اكتسبتها قوله (حدثنا محمد بن معمر بن ربعى القيسي حدثنا أبو هشام المخزومي) هكذا هو في جميع الاصول التي ببلادنا أبو هشام وهو الصواب وكذا حكاه القاضي عياض رحمه الله تعالى عن بعض رواتهم قال ووقع لاكثر الرواة أبو هاشم قال والصواب الاول واسمه المغيرة بن سلمة وكان من الأخبار المتعبدين المتواضعين رضي الله تعالى عنه
[ 134 ]
استحباب اطالة الغرة والتحجيل في الوضوء اعلم أن هذه الاحاديث مصرحة باستحباب تطويل الغرة والتحجيل أما تطويل الغرة فقال أصحابنا هو غسل شئ من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائد على الجزء الذي يجب غسله لا ستيقان كمال الوجه وأما تطويل التحجيل فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين وهذا مستحب بلا خلاف بين أصحابنا واختلفوا في قدر المستحب على أوجه أحدها أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير توقيت والثاني يستحب إلى نصف العضد والساق والثالث يستحب الى المنكبين والركبتين وأحاديث الباب تقتضي هذا كله وأما دعوى الامام أبي الحسن بن بطال المالكي والقاضي عياض اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب فباطلة وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله ص = وأبي هريرة رضي الله عنه وهو مذهبنا لا خلاف فيه عندنا كما ذكرناه ولو خالف فيه مخالف كان محجوجا بهذه السنن الصحيحة الصريحة وأما احتجاجهما بقوله ص = من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم فلا يصح لان المراد من زاد في عدد المرات والله أعلم قوله (عن نعيم بن عبد الله المجمر) هو بضم الميم الاولى واسكان الجيم وكسر الميم الثانية ويقال المجمر بفتح الجيم وتشديد الميم الثانية المكسورة وقيل له المجمر الأنه كان يجمر مسجد رسول الله ص = أي يبخره والمجمر صفة لعبد الله ويطلق على ابنه نعيم مجازا والله أعلم قوله (واشرع في العضد واشرع في الساق) معناه أدخل الغسل فيهما
[ 135 ]
قوله ص = (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من آثار الوضوء) قال أهل اللغة الغرة بياض في جبهة الفرس والتحجيل بياض في يديها ورجليها قال العلماء سمى النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس والله أعلم قوله ص = (لكم سيما ليست لأحد من الأمم تردون على غرا محجلين من أثر الوضوء) أما السيما فهي العلامة وهي مقصورة وممدودة لغتان ويقال السيميا بياء بعد الميم مع المد وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة زادها الله تعالى شرفا وقال آخرون ليس الوضوء
[ 136 ]
مختصا وانما الذي اختصت به هذه الأمة الغرة والتحجيل واحتجوا بالحديث الآخر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلى وأجاب الأولون عن هذا بجوابين أحدهما أنه حديث ضعيف معروف الضعف والثاني لو صح احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم الا هذه الأمة والله أعلم قوله ص = (واني لأصد الناس عنه) وفي الرواية الأخرى (وأنا أذود الناس عنه) هما بمعنى أطرد وأمنع قوله ص = (فيجيبنى ملك) هكذا هو في جميع الأصول فيجيبنى بالباء الموحدة من الجواب وكذا نقله القاضي عياض عن جميع الرواة الا ابن أبي جعفر من رواتهم فانه عنده فيجيئنى بالهمز من المجئ والأول أظهر والثاني وجه والله أعلم قوله (وهل تدرى ما أحدثوا بعدك) وفي الرواية الأخرى قد بدلوا بعدك فأقول سحقا سحقا هذا مما اختلف العلماء في المراد به على أقوال أحدها أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي ص = للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء مما وعدت بهم أن هؤلاء بدلوا بعدك أي لم يموتوا على ما ظهر من اسلامهم والثاني أن المراد من كان في زمن النبي ص = ثم ارتد بعده فيناديهم النبي ص = وان لم يكن علهيم سيما الوضوء لما كان يعرفه ص = في حياته من اسلامهم فيقال
[ 137 ]
ارتدوا بعدك والثالث أن المراد به أصحاب المعاصي والكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الاسلام وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار بل يجوز أن يزادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب قال أصحاب هذا القول ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي ص = وبعده لكن عرفهم بالسيما وقال الامام الحافظ أبو عمرو بن عبد البر كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الأهواء قال وكذلك الظلمة المسرفون في الجور وطمس الحق والمعلنون بالكبائر قال وكل هؤلاء يخاف عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر والله أعلم قوله ص = (والذي نفسي بيده) فيه جواز الحلف بالله تعالى من غير استحلاف ولا ضرورة ودلائله كثيرة قوله (سريج بن يونس) هو بالسين المهملة وبالجيم وتقدم أن يونس بضم النون وكسرها و فتحها مع الهمز فيهن وتركه والله أعلم قوله (أن رسول الله ص = أتي المقبرة فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا إن شاء الله بكم لا حقون) أما المقبرة فبضم الباء وفتحها وكسرها ثلاث لغات الكسر قليل وأما دار قوم فهو بنصب دار قال صاحب المطالع هو منصوب على الاختصاص أو النداء المضاف والأول أظهر قال ويصح الخفض على البدل من الكاف والميم
[ 138 ]
في عليكم والمراد بالدار على هذين الوجهين الأخيرين الجماعة أو أهل الدار وعلى الأول مثله أو المنزل وأما قوله ص = وانا أن شاء الله بكم لاحقون فأتى بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه وللعماء فيه أقوال أظهرها أنه ليس للشك ولكنه ص = قاله للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله ولا تقولن لشئ اني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله والثاني حكاه الخطابي وغيره أنه عادة للمتكلم يحسن به كلامه والثالث أن الاستثناء عائد إلى اللحوق في هذا المكان وقيل معناه إذ شاء الله وقيل أقوال أخر ضعيفة جدا تركتها لضعفها وعدم الحاجة إليها منها قول من قال الاستثناء منقطع راجع إلى استصحاب الايمان وقول من قال كان معه ص = مؤمنون حقيقة وآخرون يظن بهم النفاق فعاد الاستثناء إليهم وهذان القولان وان كانا مشهورين فيهما خطأ ظاهر والله أعلم قوله ص = (وددت أنا قد رأينا اخواننا قالوا أو لسنا اخوانك يا رسول الله قال بل أنتم أصحابي واخواننا الذين لم يأتوا بعد) قال العلماء في هذا الحديث جواز التمنى لا سميا في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح والمراد بقوله ص = وددت أنا قد رأينا اخواننا أي رأيناهم في الحياة الدنيا قال القاضي عياض وقيل المراد تمنى لقائهم بعد الموت قال الإمام الباجي قوله ص = بل أنتم أصحابي ليس نفيا لاخوتهم ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة فهؤلاء اخوة صحابة والذين لم يأتوا اخوة ليسوا بصحابة كما قال الله تعالى انما المؤمنون اخوة قال القاضي عياض ذهب أبو عمرو بن عبد البر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث في فضل من يأتي آخر الزمان إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من هو أفضل ممن كان من جملة الصحابة وأن قوله ص = خيركم قرني على الخصوص معناه خير الناس قرني أي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم فهؤلاء أفضل الأمة وهم المرادون بالحديث وأما من خلط في زمنه ص = وان رآه وصحبه أو لم يكن له سابقة ولا أثر في الدين فقد
[ 139 ]
يكون في القرون التي تأتي بعد القرن الأول من يفضلهم على ما دلت عليه الآثار قال القاضي وقد ذهب إلى هذا أيضا غيره من المتكلمين على المعاني قال وذهب معظم العلماء إلى خلاف هذا وأن من صحب النبي ص = ورآه مرة من عمره وحصلت له مزية الصحبة أفضل من كل من يأتي بعد فان فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل قالوا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واحتجوا بقوله ص = لو أنفق أحد كم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه هذا كلام القاضي والله أعلم قوله (لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم) أما بين ظهري فمعناه بينهما وهو بفتح الظاء واسكان الهاء وأما الدهم فجمع أدهم وهو الأسود والدهمة السواد وأما البهم فقيل السود أيضا وقيل البهم الذي لا يخالط لونه لونا سواه سواء كان أسود أو أبيض أو أحمر بل يكون لونه خالصا وهذا قول ابن السكيت وأبي حاتم السختياني وغيرهما قوله ص = (وأنا فرطهم على الحوض) قال الهروي وغيره معناه أنا أتقدمهم على الحوض يقال فرط القوم إذا تقدمهم ليرتاد لهم الماء ويهئ لهم الدلا والرشا وفي هذا الحديث بشارة لهذه الأمة زادها الله تعالى شرفا فهنيئا لمن كان رسول الله ص = فرطه قوله ص = (أناديهم ألا هلم) معناه تعالوا قال أهل اللغة في هلم لغتان أفصحهما هلم للرجل والرجلين والمرأة والجماعة من الصنفين بصيغة واحدة وبهذه اللغة جاء القرآن في قوله تعالى هلم شهداءكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا واللغة الثانية هلم يارجل وهلما يارجلان وهلموا يا رجال وللمرأة هلمي وللمرأتان هلمتا وللنسوة هلمن قال ابن السكيت وغيره الأولى أفصح كما قدمناه قوله ص = (فأقول سحقا سحقا) هكذا هو في الروايات سحقا سحقا
[ 140 ]
مرتين ومعناه بعدا بعدا والمكان السحيق البعيد وفى سحقا سحقا لغتان قرئ بهما في السبع اسكان الحاء وضمها قرأ الكسائي بالضم والباقون بالاسكان ونصب على تقدير ألزمهم الله سحقا أو سحقهم سحقا قوله (فقلت يا أبا هريرة ما هذا الوضوء فقال يا بنى فروخ أنتم ههنا لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء سمعت خليلي ص = يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) أما فروخ فبفقح الفاء وتشديد الراء وبالخاء المعجمة قال صاحب العين فروخ بلغنا أنه كان من ولد ابراهيم ص = من ولد كان بعد اسماعيل واسحاق كثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين هم في وسط البلاد قال القاضى عياض أراد أبو هريرة هنا الموالى وكان خطابه لأبى حازم قال القاضى وانما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغى لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن
[ 141 ]
ما تشدد فيه هو الفرض اللازم هذا كلام القاضى والله أعلم فضل اسباغ الوضوء على المكاره فيه قوله ص = (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فدلكم الرباط) قال القاضي عياض محو الخطايا كناية عن غفرانها قال ويحتمل محوها من كتاب الحفظة ويكون دليلا على غفرانها ورفع الدرجات اعلاء المنازل في الجنة واسباغ والوضوء تمامه والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحو ذلك وكثرة الخطا تكون ببعد الدار وكثرة التكرار وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال القاضي أبو الوليد الباجي هذا في المشتركتين من الصلوات في الوقت وأما غيرهما فلم يكن من عمل الناس وقوله فذلكم الرباط أي الرباط المرغب فيه وأصل الرباط الحبس على الشئ كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة قيل ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل الجهاد جهاد النفس ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي أنه من أنواع الرباط هذا آخر كلام القاضي وكله حسن الا قول الباجي في انتظار الصلاة فان فيه نظرا والله أعلم قوله (وفي
[ 142 ]
حديث مالك ثنتين فذلكم الرباط هكذا هو في الأصول ثنتين وهو صحيح ونصبه بتقدير فعل أي ذكر ثنتين أو كرر ثنتين ثم أنه كذا وقع في رواية مسلم تكراره مرتين وفي الموطأ ثلاث مرات فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط وأما حكمة تكراره فقيل للاهتمام به وتعظيم شأنه وقيل كرره ص = على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول أظهر والله أعلم السواك قال أهل اللغة السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر قال الليث وتؤنثه العرب أيضا قال الأزهري هذا من عدد الليث أي من أغاليطه القبيحة وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكا فان قلت استاك لم يذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز أيضا سؤك بالهمز ثم قيل أن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك وقيل من جاءت الابل تساوك أي تتمايل هزالا وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود أو نحوه في الاسنان لتذهب الصفرة وغيرها عنها والله أعلم ثم أن السواك سنة ليس بواجب في حال من الأحوال لا في الصلاة ولا في غيرها بإجماع ر من يعتد به في الاجماع وقد حكى الشيخ أبو حامد الاسفراينى امام أصحابنا العراقيين عن داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة وحكاه الماوردي عن داود وقال هو عنده واجب لو تركه لم تبطل صلاته وحكى عن اسحاق بن راهويه أنه قال هو واجب فان تركه عمدا بطلت صلاته وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا مذهبه أنه سنة كالجماعة ولو صح ايجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الاجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون وأما اسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه والله أعلم ثم أن السواك مستحب في جميع الأوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا أحدها عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر كمن لم يجد ماء ولا ترابا الثاني عند الوضوء الثالث
[ 143 ]
عند قراءة القرآن الرابع عند الاستيقاظ من النوم الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا يزيل رائحة الخلوف المستحبة ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأى شئ استاك مما يز يل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والسعد والاشنان وأما الاصبع فان كانت لينة لم يحصل بها السواك وان كانت خشنة ففيها ثلاثة أوجه لأصحابنا المشهور لا تجزي والثاني تجزي والثالث تجزي إن لم يجد غيرها ولا تجزي إن وجد والمستحب أن يستاك بعود متوسط لا شديد اليبس يجرح ولا رطب لا يزيل والمستحب أن يستاك عرضا ولا يستاك طولا لئلا يدمي لحم أسنانه فان خالف واستاك طولا حصل السواك مع الكراهة ويستحب أن يمر السواك أيضا على طرف أسنانه وكراسى أضراسه وسقف حلقه أمرارا لطيفا ويتسحب أن يبدأ في سواكه بالجانب الأيمن من فيه ولا بأس باستعمال سواك غيره باذنه ويستحب أن يعود الصبي السواك ليعتاده قوله ص = (لولا أن أشق على المؤمنين أو على أمتى لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) فيه دليل على أن السواك ليس بواجب قال الشافعي رحمه الله تعالى لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق قال جماعات من العلماء من الطوائف فيه دليل على أن الأمر للوجوب وهو مذهب أكثر الفقهاء وجماعات من المتكلمين وأصحاب الأصول قالوا وجه الدلالة أنه مسنون بالاتفاق فدل على أن المتروك ايجابه وهذا الاستدلال يحتاج في تمامه إلى دليل على أن السواك كان مسنونا حالة قوله ص = لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم قال جماعة أيضا فيه دليل على أن المندوب
[ 144 ]
ليس مأمورا به و هذا فيه خلاف لأصحاب الأصول ويقال في هذا الاستدلال ما قدمناه في الاستدلال على الوجوب والله أعلم وفيه دليل على جواز الاجتهاد للنبي ص = فيما لم يرد فيه نص من الله تعالى وهذا مذهب أكثر الفقهاء وأصحاب الأصول وهو الصحيح المختار وفيه بيان ما كان عليه النبي ص = من الرفق بأمته ص = وفيه دليل على فضيلة السواك عند كل صلاة وقد تقدم بيان وقت استحبابه قوله (حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا حماد بن زيد عن غيلان وهو ابن جرير المعولي عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه) هذا الاسناد كله بصريون الا أبا بردة فانه كوفي وأما أبو موسى الأشعري فكوفي بصرى واسم أبي بردة عامر وقيل الحارث والمعولي بفتح الميم واسكان العين المهملة وفتح الواو منسوب إلى المعاول بطن من الأزهد وهذا الذي ذكرته من ضبطه متفق عليه عند أهل العلم بهذا الفن وكلهم مصرحون به والله أعلم قوله (إذا دخل بيته بدأ بالسواك) فيه بيان فضيلة السواك في جميع الأوقات وشدة الاهتمام به وتكراره والله أعلم قوله (إذا قام ليتهجد يشوص فاه بالسواك) أما التهجد فهو الصلاة في الليل ويقال هجد الرجل إذا نام وتهجد إذا خرج من الهجود وهو النوم بالصلاة كما يقال تحنث وتأثم وتحرج إذا اجتنب الحنث والاثم والحرج وأما قوله يشوص فاه بالسواك فهو بفتح الياء وضم الشين المعجمة وبالصاد المهملة والشوص دلك الاسنان بالسواك عرضا قاله
[ 145 ]
ابن الأعرابي وابراهيم الحربي وأبو سليمان الخطابي وآخرون وقيل هو الغسل قاله الهروي وغيره وقيل التنقية قاله أبو عبيد والداودي وقيل هو الحك قاله أبو عمرو بن عبد البر تأوله بعضهم أنه بأصبعه فهذه أقوال الأئمة فيه وأكثرها متقاربة وأظهرها الأول وما في معناه والله أعلم قوله (حدثنا أبو المتوكل أن ابن عباس حدثه) إلى آخره هذا الحديث فيه فوائد كثيرة ويستنبط منه أحكام نفيسة وقد ذكره مسلم رحمه الله تعالى هنا مختصرا وقد بسط طرقه في كتاب الصلاة وهناك نبسط شرحه وفوائده أن شاء الله تعالى ونذكر هنا أحرفا تتعلق بهذا القدر منه هنا فاسم أبي المتوكل على بن داود ويقال ابن داود البصري وقوله (فخرج فنظر إلى السماء ثم تلا هذه الآية في آل عمران إن في خلق السموات والأرض الآيات) فيه أنه يستحب قراءتها عند الاستيقاظ في الليل مع النظر إلى السماء لما في ذلك من عظيم التدبر وإذا
[ 146 ]
تكرر نومه واستيقاظه وخروجه استحب تكريره قراءة هذه الآيات كما ذكر في الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم خصال الفطرة فيه قوله ص = (الفطرة خمس أو خمس من الفطرة) هذا شك من الراوي هل قال الأول أو الثاني وقد جزم في الرواية الثانية فقال الفطرة خمس ثم فسر ص = الخمس فقال (الختان والاستحداد وتقليم الأظافر ونتف الابط وقص الشارب) وفي الحديث الآخر
[ 147 ]
(عشر من الفطرة قص الشارب واعفاء اللحية والسواك واستنشاق الماء وقص الأظفار وغسل البراجم ونتف الابط وحلق العانة وانتقاص الماء قال مصعب ونسيت العاشرة الا أن تكون المضمضة) أما قوله ص = الفطرة خمس فمعناه خمس من الفطرة كما في الرواية الأخرى عشر من الفطرة وليست منحصرة في العشر وقد أشار ص = إلى عدم انحصارها فيها بقوله من الفطرة والله أعلم وأما الفطرة فقد اختلف في المراد بها هنا فقال أبو
[ 148 ]
سليمان الخطابي ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة وكذا ذكره جماعة غير الخطابي قالوا ومعناه أنها من سنن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقيل هي الدين ثم إن معظم هذه الخصال ليست بواجبة عند العلماء وفي بعضها خلاف في وجوبه كالختان والمضمضة والاستنشاق ولا يمتنع قرن الواجب بغيره كما قال الله تعالى كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده والايتاء واجب والأكل ليس بواجب والله أعلم أما تفصيلها فالختان واجب عند الشافعي وكثير من العلماء وسنة عند مالك وأكثر العلماء وهو عند الشافعي واجب على الرجال والنساء جميعا ثم إن الواجب في الرجل أن يقطع جميع الجلدة التي تغطى الحشفة حتى ينكشف جميع الحشفة وفي المرأة يجب قطع أدنى جزء من الجلدة التي في أعلى الفرج والصحيح من مذهبنا الذي عليه جمهور أصحابنا أن الختان جائز في حال الصغر ليس بواجب ولنا وجه أنه يجب على الولي أن يختن الصغير قبل بلوغه ووجه أنه يحرم ختانه قبل عشر سنين وإذا قلنا بالصحيح استحب أن يختن في اليوم السابع من ولادته وهل يحسب يوم الولادة من السبع أم تكون سبعة سواه فيه وجهان أظهرهما يحسب واختلف أصحابنا في الخنثى المشكل فقيل يجب ختانه في فرجيه بعد البلوغ وقيل لا يجوز حتى يتبين وهو الأظهر وأما من له ذكران فان كانا عاملين وجب ختانهما وان كان أحدهما عاملا دون الآخر ختن العامل وفيما يعتبر العمل به وجهان أحدهما بالبول والآخر بالجماع ولو مات انسان غير مختون ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح المشهور أنه لا يختن صغيرا كان أو كبيرا والثاني يختن الكبير دون الصغير والله أعلم وأما الاستحداد فهو حلق العانة سمى استحدادا لاستعمال الحديدة وهي الموسى وهو سنة والمراد به نظافة ذلك الموضع والأفضل فيه الحلق ويجوز بالقص والنتف والنورة والمراد بالعانة الشعر الذي فوق ذكر الرجل وحواليه وكذاك الشعر الذي حوالي فرج المرأة ونقل عن أبي العباس بن سريج أنه الشعر النابت حول حلقة الدبر فيحصل من مجموع هذا استحباب حلق جميع ما على القبل والدبر وحولهما وأما وقت حلقه فالمختار
[ 149 ]
أنه يضبط بالحاجة وطوله فإذا طال حلق وكذلك الضبط في قص الشارب ونتف الابط وتقليم الأظفار وأما حديث أنس المذكور في الكتاب (وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط وحلق العانة ألا يترك أكثر من أربعين ليلة) فمعناه لا يترك تركا يتجاوز به أربيعين لا أنهم وقت لهم الترك أربعين والله أعلم وأما تقليم الأظفار فسنة ليس بواجب وهو تفعيل من القلم وهو القطع ويستحب أن يبدأ باليدين قبل الرجلين فيبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الابهام ثم يعود إلى اليسري فيبدأ بخنصرها ثم ببنصرها إلى آخرها ثم يعود إلى الرجلين اليمنى فيبدأ بخنصرها ويختم بخنصر اليسرى والله أعلم أما نتف الابط فسنة بالاتفاق والأفضل فيه النتف لمن قوى عليه ويحصل أيضا بالحلق وبالنورة وحكى عن يونس ابن عبد الأعلى قال دخلت على الشافعي رحمه الله وعنده المزين يحلق ابطه فقال الشافعي علمت أن السنة النتف ولكن لا أقوى على الوجع ويستحب أن يبدأ بالابط الأيمن وأما قص الشارب فسنة أيضا ويستحب أن يبدأ بالجانب الأيمن وهو مخير بين القص بنفسه وبين أن يولى ذلك غيره لحصول المقصود من غير هتك مرؤة ولا حرمة بخلاف الابط والعانة وأما حد ما يقصه فالمختار أنه يقص حتى يبدو طرف الشفة ولا يحفه من أصله وأما روايات احفوا الشوارب فمعناها احفوا ما طال على الشفتين والله أعلم وأما اعفاء اللحية فمعناه توفيرها وهو معنى أوفوا اللحى في الرواية الأخرى وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك وقد ذكر العلماء في اللحية عشر خصال مكروهة بعضها أشد قبحا من بعض احداها خضابها بالسواد إلا لغرض الجهاد الثانية خضابها بالصفرة تشبيها بالصالحين لا لاتباع السنة الثالثة تبييضها بالكبريت أو عيره استعجالا للشيخوخة لأجل الرياسة والتعظيم وايهام أنه من المشايخ الرابعة نتفها أو حلقها أول طلوعها ايثار اللمرود ة وحسن الصورة الخامسة نتف الشيب السادسة تصفيفها طاقة فوق طاقة تصنعا ليستحسنه النساء وغيرهن السابعة الزيادة فيها والنقص منها بالزيادة في شعر العذار من الصدغين أو أخذ بعض العذار في حلق الرأس ونتف جانبي العنفقة وغير ذلك الثامنة تسريحها تصنعا لأجل الناس التاسعة تركها شعثة ملبدة اظهارا للزهادة وقلة المبالاة بنفسه العاشرة النظر إلى سوادها وبياضها اعجابا وخيلاء وغرة بالشباب وفخرا بالمشيب وتطاولا على الشباب الحادية عشر عقدها وضفرها الثانية عشر حلقها الا إذا نبت للمرأة لحية فيستحب لها
[ 150 ]
حلقها والله أعلم وأما الاستنشاق فتقدم بيان صفته واختلاف العلماء في وجوبه واستحبابه وأما غسل البراجم فسنة مستقلة ليست مختصة بالوضوء والبراجم بفتح الباء وبالجيم جمع برجمة بضم الباء والجيم وهي عقد الأصابع ومفاصلها كلها قال العلماء ويلحق بالبراجم ما يجتمع من الوسخ في معاطف الاذن وهو الصماخ فيزيله بالمسح لأنه ربما أضرت كثرته بالسمع وكذلك ما يجتمع في داخل الانف وكذلك جميع الوسخ المجتمع على أي موضع كان من البدن بالعرق والغبار ونحوهما والله أعلم واما انتقاص الماء فهو بالقاف والصاد المهملة وقد فسره وكيع في الكتاب بأنه الاستنجاء وقال أبو عبيدة معناه انتقاص البول بسبب استعمال الماء في غسل مذاكيره وقيل هو الانتضاح وقد جاء في رواية الانتضاح بدل انتقاص الماء قال الجمهور الانتضاح نضح الفرج بماء قليل بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس وقيل هو الاستنجاء بالماء وذكر ابن الأثير أنه روى انتفاص الماء بالفاء والصاد المهملة وقال في فصل الفاء قيل الصواب أنه بالفاء قال والمراد نضحه على الذكر من قولهم لنضح الدم القليل نفصه وجمعها نفص وهذا الذي نقله شاذ والصواب ما سبق والله أعلم وأما قوله ونسيت العاشرة الا أن تكون المضمضة فهذا شك منه فيها قال القاضي عياض ولعلها الختان المذكور مع الخمس وهو أولى والله أعلم فهذا مختصر ما يتعلق بالفطرة وقد أشبعت القول فيها بدلائلها وفروعها في شرح المهذب والله أعلم قوله عن جعفر بن سليمان عن أبي عمران الجوفي عن أنس رضي الله عنه قال وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الابط وحلق العانة أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة قد تقدم بيانه وأن معناه أن لا نترك تركا يتجاوز الاربعين وقوله وقت لنا هو من الأحاديث المرفوعة مثل قوله أمرنا بكذا وقد تقدم بيان هذا في الفصول المذكورة في أول هذا الكتاب وقد جاء في غير صحيح مسلم وقت لنا رسول الله ص = والله أعلم قال القاضي عياض قال العقيلي في حديث جعفر هذا نظر قال وقال أبو عمر يعنى ابن عبد البر لم يروه الا جعفر بن سليمان وليس بحجة لسوء حفظه وكثرة غلطه قلت وقد وثق كثير من الأئمة المتقدمين جعفر بن سليمان ويكفي في توثيقه احتجاج مسلم به وقد تابعه غيره قوله ص = أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وفي الرواية الاخرى وأوفوا اللحى هو بقطع الهمزة في أحفوا وأعفوا وأوفوا وقال ابن دريد يقال أيضا حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا تكون همزة
[ 151 ]
احفوا همزة وصل وقال غيره عفوت الشعر وأعفيته لغتان وقد تقدم بيان معنى احفاء الشوارب واعفاء اللحى وأما أوفوا فهو بمعنى أعفوا أي اتركوها وافية كاملة لا تقصوها قال ابن السكيت وغيره يقال في جمع اللحية لحى ولحى بكسر اللام وبضمها لغتان الكسر أفصح وأما قوله ص = وأرخوا فهو أيضا بقطع الهمزة وبالخاء المعجمة ومعناه اتركو ها ولا تتعرضوا لها بتغيير وذكر القاضي عياض أنه وقع في رواية الاكثرين كما ذكرنا وأنه وقع عند ابن ماهان ارجوا بالجيم قيل هو بمعنى الأول وأصله ارجؤا بالهمز فحذفت الهمزة تخفيفا ومعناه أخروها اتركوها وجاء في رواية البخاري وفروا اللحى فحصل خمس روايات أعفوا وأوفوا وأرخوا وارجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى يكره حلقها وقصها وتحريفها وأما الاخذ من طولها وعرضها فحسن وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزها قال وقد اختلف السلف هل لذلك حد فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك الا أنه لا يتركها لحد الشهرة وياخذ منها وكره مالك طولها جدا ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال ومنهم من كره الاخذ منها الا في حج أو عمر ة قال وأما الشارب فذهب كثير من السلف إلى استئصاله وحلقه بظاهر قوله ص = احفوا وانهكوا وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق والاستئصال وقاله مالك وكان يرى حلقه مثلة ويأمر بأدب فاعله وكان يكره أن يؤخذ من أعلاه ويذهب هؤلاء إلى أن الإحفاء والجز والقص بمعنى واحد وهو الأخذ منه حتى يبدو طرف الشفة وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الأمرين هذا آخر كلام القاضي والمختار ترك اللحية على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير شئ أصلا والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة والله أعلم الاستطابة وهو مشتمل على النهى عن استقبال القبلة في الصحراء بغائط أو بول وعن الاستنجاء باليمين وعن مس
[ 152 ]
الذكر باليمين وعن التخلي في الطريق والظل وعن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار وعن الاستنجاء بالرجيع والعظم وعلى جواز الاستنجاء بالماء في الباب حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه (قيل له قد علمكم نبيكم ص = كل شئ حتى الخراءة قال فقال أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو عظم) وفيه حديث أبي أيوب (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول
[ 153 ]
ولا غائط ولكن شرقوا أو غربوا) وفيه حديث أبي هريرة (إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبلن القبلة ولا يستدبرها) وفيه حديث ابن عمر (قال رأيت رسول الله ص = قاعدا على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته) وفي رواية (مستقبل الشام مستدبر القبلة) وفيه غير ذلك من الاحاديث أما الخراءة فبكسر المعجمة وتخفيف الراء وبالمد وهي
[ 154 ]
اسم لهيئة الحدث وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها وقوله أجل معناه نعم وهى بتخفيف اللام ومراد سلمان رضى الله عنه أنه علمنا كل ما نحتاج إليه في ديننا حتى الخراءة التى ذكرت أيها القائل فانه علمنا آدابها فنهانا فيها عن كذا وكذا والله أعلم وقوله نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول كذا ضبطناه في مسلم لغائط باللام وروى في غيره بغائط وروى للغائط باللام والباء وهما بمعنى وأصل الغائط المطمئن من الأرض ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمى وأما النهى عن الاستقبال للقبلة بالبول والغائط فقد اختلف العلماء فيه على مذاهب أحدها مذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى انه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ولا يحرم ذلك في البنيان وهذا مروى عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر رضى الله عنهما والشعبى واسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل في احدى الروايتين رحمهم الله والمذهب الثاني أنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء وهو قول أبى أيوب الأنصاري الصحابي رضى الله عنه ومجاهد وابراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبى ثور وأحمد في رواية والمذهب الثالث جواز ذلك في البنيان والصحراء جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك رضي الله عنهم وداود الظاهري والمذهب الرابع لا يجوز الاستقبال لا في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما وهي احدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقا كحديث سلمان المذكور وحديث أبي أيوب وأبي هريرة وغيرهما قالوا ولأنه انما منع لحرمة القبلة وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء ولأنه لو كان الحائل كافيا لجاز في الصحراء لان بيننا وبين الكعبة جبالا وأودية وغير ذلك من أنواع الحائل واحتج من أباح مطلقا بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الكتاب أنه رأى النبي ص = مستقبلا بيت النقدس مستدبر القبلة وبحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ص = بلغه أن أناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال النبي ص = أو قد فعلوها حولوا بمقعدي أي إلى القبلة رواه أحمد بن حنبل في مسنده وابن ماجه واسناده حسن واحتج من اباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان واحتج من حرم الاستقبال والاستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث ابن عمر رضي الله عنهما المذكور في الكتاب وبحديث عائشة
[ 155 ]
الذي ذكرناه وفي حديث جابر قال نهى رسول الله ص = أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها رواه أبو داود والترمذي وغيرهما واسناده حسن وبحديث مروان الأصغر قال رأيت ابن عمر رضي الله عنهما أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قدنهى عن هذا فقال بلى انما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شئيسترك فلا بأس رواه أبو داود وغيره فهذه أحاديث صحيحة مصرحة بالجواز في البنيان وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي فيحمل على الصحراء ليجمع بين الأحاديث ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه فوجب المصير إليه وفرقوا بين الصحراء والبنيان من حيث المعنى بأنه يلحقه المشقة في البنيان في تكليفه ترك القبلة بخلاف الصحراء فهذا وأما من أباح الاستدبار فيحتج على رد مذهبه بالأحاديث الصحيحة المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار جميعا كحديث أبي أيوب وغيره والله أعلم (فرع) في مسائل تتعلق باستقبال القبلة لقضاء الحاجة على مذهب الشافعي رضي الله عنه احداها المختار عند أصحابنا أنه انما يجوز الاستقبال والاستدبار في البنيان إذا كان قريبا من ساتر من جدران ونحوها من حيث يكون بينه وبينه ثلاثة أذرع فما دونها وبشرط آخر وهو أن يكون الحائل مرتفعا بحيث يستر أسافل الانسان وقد روه باخرة الرحل وهي نحو ثلثى ذراع فان زاد ما بينه وبينه على ثلاثة أذرع أو قصر الحائل عن اخرة الرحل فهو حرام كالصحراء الا إذا كان في بيت بني لذلك فلا حجر فيه كيف كان قالوا ولو كان في الصحراء وتستر بشئ على الشرط المذكور زال التحريم فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه فيحل في الصحراء والبنيان بوجوده ويحرم فيهما لعدمه هذا هو الصحيح المشهور عند أصحابنا ومن أصحابنا من اعتبر الصحراء والبنيان مطلقا ولم يعتبر الحائل فأباح في البنيان بكل حال وحرم في الصحراء بكل حال والصحيح الأول وفرعوا عليه فقالوا لا فرق بين أن يكون الساتر دابة أو جدار أو وهدة أو كثيب رمل أو جبلا ولو أرخى ذيله في قبالة القبلة ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا أصحهما عندهم وأشهرهما أنه ساتر لحصول الحائل والله أعلم المسألة الثانية حيث جوزنا الاستقبال والاستدبار قال جماعة من أصحابنا هو مكروه ولم يذكر الجمهور الكراهة والمختار أنه لو كان عليه مشقة في تكلف التحرف عن القبلة
[ 156 ]
فلا كراهة وان لم تكن مشقة فالأولى تجنبه للخروج من خلاف العلماء ولا تطلق عليه الكراهة للأحاديث الصحيحة فيه المسألة الثالثة يجوز الجماع مستقبل القبلة في الصحراء والبنيان هذا مذهبنا ومذهب أبى حنيفة وأحمد وداود الظاهرى واختلف فيه أصحاب مالك فجوزه ابن القاسم وكرهه ابن حبيب والصواب الجواز فان التحريم انما يثبت بالشرع ولم يرد فيه نهى والله أعلم المسألة الرابعة لا يحرم استقبال بيت المقدس ولا استدباره بالبول والغائط لكن يكره المسألة الخامسة إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط ثم أراد الاستقبال أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز والله أعلم قوله (وأن لا يستنجى باليمين) هو من أدب الاستنجاء وقد أجمع العلماء على أنه منهى عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهى تنزيه وأدب لا نهى تحريم وذهب بعض أهل الظاهر الى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على اشارتهم قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شئ من امور الاستنجاء الا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فان كان في الدبر مسح بيساره وان كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر فان لم يمكنه ذلك واضطر إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرك اليمنى هذا هو الصواب وقال بعض أصحابنا ياخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح بها ويحرك اليسرى وهذا ليس بصحيح لانه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة وقد نهى عنه والله أعلم ثم إن في النهى عن الاستنجاء باليمين تنبيها على اكرامها وصيانتها عن الاقذار ونحوها وسنوضح هذه القاعدة قربيا في أواخر الباب أن شاء الله تعالى والله أعلم قوله (أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) هذا نص صريح صحيح في أن الاستيفاء ثلاث مسحات واجب لابد منه وهذه السئلة فيها خلاف بين العلماء فمذهبنا أنه لابد في الاستنجاء بالحجر من ازالة عين النجاسة واستيفاء ثلاث مسحات فلو مسح مسحات فلو مسح مرة أو مرتين فزالت عين النجاسة وجب مسحه ثالثة وبهذا قال أحمد بن حنبل واسحاق ابن راهويه وأبو ثور وقال مالك وداود الواجب الانقاء فان حصل بحجر أجزأه وهو وجه لبعض اصحابنا والمعروف من مذهبنا ما قدمناه قال أصحابنا ولو استنجى بحجر له ثلاثة أحرف مسح بكل حرف مسحة أجزأه لأن المراد المسحات والآحجار الثلاثة أفضل من حجر له ثلاثة أحرف
[ 157 ]
ولو استنجى في القبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات والأفضل أن يكون بسنة أحجار فان اقتصر على حجر واحد له ستة أحرف أجزأه وكذلك الخرقه الصفيقة التى إذا مسح بها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر يجوز أن يمسح بجانبها والله أعلم قال أصحابنا وإذا حصل الانقاء بثلاثة أحجار فلا زيادة عليها فان لم يحصل بثلاثة وجب رابع فان حصل الانقاء به لم تجب الزيادة ولكن يستحب الايتار بخامس فان لم يحصل بالأربعة وجب خامس فان حصل به فلا زيادة وهكذا فيما زاد متى حصل الانقاء بوتر فلا زيادة والا وجب الانقاء واستحب الايتار والله أعلم وأما نصه ص = على الأحجار فقد تعلق به بعض أهل الظاهر وقالوا الحجر متعين لا يجزئ غيره وذهب العلماء كافة من الطوائف كلها إلى أن الحجر ليس متعينا بل تقوم الخرق والخشب وغير ذلك مقامه وأن المعنى فيه كونه مزيلا وهذا يحصل بغير الحجر وانما قال ص = ثلاثة أحجار لكونها الغالب المتيسر فلا يكون له مفهوم كما في قوله تعالى ولا تقتلوا أولادكم من املاق ونظائره ويدل على عدم تعيين الحجر نهيه ص = عن العظام والبعر والرجيع ولو كان الحجر متعينا لنهى عما سواه مطلتا قال أصحابنا والذى يقوم مقام الحجر كل جامد طاهر مزيل للعين ليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان قالوا ولا يشترط اتحاد جنسه فيجوز في القبل أحجار وفى الدبر خرق ويجوز في أحدهما حجر مع خرقتين أو مع خرقة وخشبة ونحو ذلك والله أعلم قوله (أو أن نستنجي برجيع أو عظم) فيه النهى عن الاستنجاء بالنجاسة ونبه ص = بالرجيع على جنس النجس فان الرجيع هو الروث وأما العظم فلكونه طعاما للجن فنبه على جميع المطعومات وتلتحق به المحترمات كأجزاء الحيوان وأوراق كتب العلم وغير ذلك ولا فرق في النجس بين المائع والجامد فان استنجى بنجس لم يصح استنجاؤه ووجب عليه بعد ذلك الاستنجاء بالماء ولا يجزئه الحجر لأن الموضع صار نجسا بنجاسة أجنبية ولو استنجى بمطعوم أو غيره من المحترمات الطاهرات فالأصح أنه لا يصح استنجاؤه ولكن يجزئه الحجر بعد ذلك أن لم يكن نقل النجاسة من موضعها وقيل أن استنجاءه الاول يجزئه مع المعصية والله أعلم قوله (عن سلمان رضى الله عنه قال قال لنا المشركون انى أرى صاحبكم) هكذا هو في الاصول وهو صحيح تقديره قال لنا قائل المشركين أو أنه أراد واحد من المشركين وجمعه لكون باقيهم يوافقونه قوله ص = (ولكن
[ 158 ]
شرقوا أو غربوا) قال العلماء هذا خطاب لأهل المدينة ومن في معناهم بحيث إذا شرق أو غرب لا يستقبل الكعبة ولا يستدبرها قوله (فوجدنا مراحيض) هو بفتح الميم والحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الانسان أي للتغوط قوله (فننحرف عنها) بالنونين معناه نحرص على اجتنابها بالميل عنها بحسب قدرتنا قوله (قال نعم) هو جواب لقوله أو لا قلت لسفيان بن عينة سمعت الزهري يذكره عن عطاء قوله (وحدثنا أحمد ين الحسن ابن خراش حدثنا عمر بن عبد الوهاب حدثنا يزيد يعنى ابن زريع حدثنا روح عن سهيل عن القعقاع عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى الله عنه) قال الدارقطني هذا غير محفوظ عن سهيل وانما هو حديث ابن عجلان حدث به عن روح وغيره وقال أبو الفضل حفيد أبى سعيد الهروي الخطأ فيه من عمر بن عبد الوهاب لأنه حديث يعرف بمحمد بن عجلان عن القعقاع وليس لسهيل في هذا الاسناد ذكر رواه أمية بن بسطام عن يزيد بن زريع على الصواب عن روح عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبى صالح عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي ص = بطوله وحديث عمر بن عبد الوهاب مختصر قلت ومثل هذا لا يظهر قدحه فانه محمول على أن سهيلا وابن عجلان سمعاه جميعا واشتهرت روايته عن ابن عجلان وقلت عن سهيل ولم يذكره أبو داود والنسائي وابن ماجه الا من جهة ابن عجلان فرواه أبو داود عن ابن المبارك عن ابن عجلان عن القعقاع والنسائي عن يحيى بن عجلان وابن ماجه عن سفيان بن عينة والمغيرة بن عبد الرحمن وعبد الله المكى ثلاثتهم عن ابن عجلان و الله أعلم وأحمد بن خراش المذكور بالخاء المعجمة قوله (عن حبان) هو بفتح الحاء وبالباء الموحدة قوله (لقد رقيت على ظهر بيت فرأيت رسول الله ص = قاعدا على لبنتين يستقبل بيت المقدس) أما رقيت فبكسر القاف ومعناه صعدت هذه اللغة الفصيحة المشهورة وحكى صاحب المطالع لغتين أخرتين احداهما بفتح القاف بغير همزة الثانية بفتحها مع الهمزة والله أعلم وأما رؤيته فوقعت اتفاقا بغير قصد لذلك وأما اللبنة فمعروفة وهي بفتح اللام وكسر الباء ويجوز اسكان الباء مع فتح اللام ومع كسرها وكذا كل ما كان على هذا الوزن أعنى مفتوح الاول مكسور الثاني يجوز فيه الاوجه الثلاثة ككتف فان كان ثانيه أو ثالثه حرف حلق جاز فيه وجه رابع وهو كسر الأول والثانى كفخذ وأما بيت المقدس فتقدم بيان لغاته واشتقاقه في أول باب الاسراء والله اعلم
[ 159 ]
قوله (حدثنا يحيى ابن يحيى حدثنا عبد الرحمن بن مهدى عن همام عن يحيى بن أبى كثير عن عبد الله بن أبى قتادة عن أبيه) قال مسلم رحمه الله تعالى (وحدثنا يحيى ابن يحيى اخبرنا وكيع عن هشام الدستوائى عن يحيى بن أبي كثير عن ابن أبى كثير عن ابن أبى قتادة عن أبيه) هكذا هو في الاصول التى رأيناها في الأول همام بالميم عن يحيى بن أبى كثير وفى الثاني هشام بالشين وأظن الأول تصحيفا من بعض الناقلين عن مسلم فان البخاري والنسائي وغيرهما من الأئمة رووه عن هشام الدستوائى كما رواه مسلم في الطريق الثاني وقد أوضح ما قلته الامام الحافظ أبو محمد خلف الواسطي فقال رواه مسلم عن يحيى بن يحيى عن عبد الرحمن بن مهدى عن هشام وعن يحيى بن يحيى عن وكيع عن هشام عن يحيى بن أبى كثير فصرح الامام خلف بان مسلما رواه في الطريقين عن هشام الدستوائى فدل هذا على أن هماما بالميم تصحيف وقع في نسخنا ممن بعد مسلم والله أعلم قوله ص = (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) أما امساك الذكر باليمين فمكروه كراهة تنزيه لا تحريم كما تقدم في الاستنجاء وقد قدمنا هناك أنه لا يستعين باليمين في شئ من ذلك من الاستنجاء وقد قدمنا ما يتعلق بهذا الفصل وأما قوله ص = ولا يتمسح من الخلاء بيمينه فليس التقييد بالخلاء للاحتراز عن البول بل هما سواء والخلاء بالمد هو الغائط
[ 160 ]
والله أعلم قوله ص = (ولا يتنفس في الاناء) معناه لا يتنفس في نفس الاناء وأما التنفس ثلاثا خارج الاناء فسنة معروفة قال العلماء والنهى عن التنفس في الاناء هو من طريق الادب مخافة من تقذيره ونتنه وسقوط شئ من الفم والانف فيه ونحو ذلك والله أعلم قولها (كان ص = يحب التيمن في طهوره إذا نطهر وفى ترجله إذا ترجل وفى انتعاله إذا انتعل) هذه قاعدة مستمرة في الشرع وهى انما كان من باب التكريم والتشريف كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال وتقليم الاظفار وقص الشارب وترجيل الشعر وهو مشطه ونتف الابط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه وأما ما كان بضده كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه وذلك كله بكرامة اليمين وشرفها والله أعلم وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل وصح وضوءه وقالت الشيعة هو واجب ولا اعتداد بخلاف الشيعة واعلم أن الابتداء باليسار وان كان مجزيا فهو مكروه نص عليه الشافعي وهو ظاهر وقد ثبت في سنن أبى داود والترمذي وغيرهما بأسانيد حميدة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله ص = قال إذا لبستم أو توضأتم فابدؤا بأيامنكم فهذا نص في الأمر بتقديم اليمين ومخالفته مكروهة أو محرمة وقد انعقد اجماع العلماء على أنها ليست محرمة فوجب أن تكون مكروهة ثم اعمل أن من أعضاء الوضوء ما لا يستحب فيه التيامن وهو الاذنان والكفان
[ 161 ]
والخدان بل يطهران دفعة واحدة فان تعذر ذلك كما في حق الأقطع ونحوه قدم اليمين والله أعلم قوله (كان رسول الله ص = يحب التيمن في شأنه كله في نعله وترجله) هكذا وقع في بعض الاصول في نعله على افراد النعل وفى بعضها نعليه بزيادة ياء التثنية وهما صحيحان أي في لبس نعليه أو في لبس نعله أي جنس النعل ولم ير في شئ من نسخ بلادنا غير هذين الوجهين وذكر الحميدي والحافظ عبد الحق في كتابهما الجمع بين الصحيحين في تنعله بتاء مثناة فوق ثم نون وتشديد العين وكذا هو في روايات البخاري وغيره وكله صحيح ووقع في روايات البخاري يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله وذكر الحديث الخ وفى قوله ما استطاع اشارة إلى شدة المحافظة على التيمن والله أعلم قوله ص = (اتقوا اللعانين قالوا وما اللعانان يارسول الله قال الذى يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم) أما اللعانان فكذا وقع في مسلم ووقع في رواية أبى داوداتقوا اللاعنين والروايتان صحيحتان قال الامام أبو سليمان الخطابى المراد بالاعينين الامرين الجالبين للعن الحاملين الناس عليه والداعيين إليه وذلك أن من فعلهما شتم ولعن يعنى عادة الناس لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف اللعن اليهما قال وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون والملاعن مواضع اللعن قلت فعلى هذا يكون التقدير اتقوا الامرين الملعون فاعلمها وهذا على رواية أبى داود وأما رواية مسلم فمعناها والله أعلم اتقوا فعل
[ 162 ]
اللعانين أي صاحبي اللعن وهما اللذان يلعنهما الناس في العادة والله أعلم قال الخطابى وغيره من العلماء المراد بالطل هنا مستظل الناس الذى اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل ظل يحرم القعود تحته فقد قعد النبي ص = تحت حايش النخل لحاجته وله ظل بلا شك والله أعلم الذى يتخلى في طريق الناس فمعناه يتغوط في موضع يمر به الناس وما نهى عنه في الظل والطريق لما فيه من ايذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره والله أعلم قوله (دخل حائطا وتبعه غلام معه ميضأة فوضعها عند سدرة فقضى رسول الله ص = حاجته فخرج علينا وقد استنجى بالماء) وفى الرواية الاخرى (كان رسول الله ص = يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوى اداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء) وفى رواية أخرى (كان رسول الله ص = يتبرز لحاجته
[ 163 ]
فآتيه بالماء فيغتسل به) الميضأة بكسر الميم وبهمزة بعد الضاد المعجمة وهي الاناء الذي يتوضأ به كالركوة والابريق وشبههما وأما الحائط فهو البستان وأما العنزة فبتح العين والزاى وهي عصا طويلة في أسفلها زج ويقال رمح قصير وانما كان يستصحبها النبي ص = لأنه كان إذا توضأ صلى فيحتاج إلى نصبها بين يديه لتكون حائلا يصلى إليه وأما قوله يتبرز فمعناه يأتي البراز بفتح الباء وهو المكان الواسع الظاهر من الأرض ليخلو لحاجته ويستتر ويبعد عن أعين الناظرين وأما قوله فيغتسل به فمعناه يستنجي به ويغسل محل الاستنجاء والله أعلم وأما فقه هذه الأحاديث ففيها استحباب التباعد لقضاء الحاجة عن الناس والاستتار عن أعين الناظرين وفيها جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته وفيها خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك وفيها جواز الاستنجاء بالماء واستحبابه ورجحانه على الاقتصار على الحجر وقد اختلف الناس في هذه المسألة فالذي عليه الجماهير من السلف والخلف وأجمع عليه أهل الفتوى من أئمة الامصار أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر أولا لتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده ثم يستعمل الماء فان أراد الاقتصار على أحدهما جاز الاقتصار على أيهما شاء سواء وجد الآخر أو لم يجده فيجوز الاقتصار على الحجر مع وجود الماء ويجوز عكسه فان اقتصر على أحدهما فالماء أفضل من الحجر لأن الماء يطهر المحل طهارة حقيقية وأما الحجر فلا يطهره وانما يخفف النجاسة ويبيح الصلاة مع النجاسة المعفو عنها وبعض السلف ذهبوا إلى أن الافضل هو الحجر وربما أوهم كلام بعضهم أن الماء لا يجزى وقال ابن حبيب المالكي لا يجزى الحجر الا لمن عدم الماء وهذا خلاف ما عليه العلماء من السلف والخلف وخلاف ظواهر السنن المتظاهرة والله أعلم وقد استدل بعض العلماء بهذه الأحاديث على أن المستحب أن يتوضأ من الأواني دون المشارع والبرك ونحو هااذ لم ينقل ذلك عن النبي ص = وهذا الذي قاله غير مقبول ولم يوافق عليه أحد فيما نعلم قال القاضي عياض هذا الذي قاله هذا القائل لا أصل له ولم ينقل أن النبي ص = وجدها فعدل عنها إلى الأواني والله أعلم
[ 164 ]
المسح على الخفين أجمع من يعتد به في الاجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر سواء كان لحاجة أو لغيرها حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزمن الذي لا يمشى وانما أنكرته الشيعة والخوارج ولا يعتد بخلافهم وقد روى عن مالك رحمه الله تعالى روايات فيه والمشهور من مذهبه كمذهب الجماهير وقد روى المسح على الخفين خلائق لا يحصون من الصحابة قال الحسن البصري رحمه الله تعالى حدثنى سبعون من أصحاب رسول الله ص = أن رسول اله ص = كان يمسح على الخفين وقد بينت أسماء جماعات كثيرين من الصحابة الذين رووه في شرح المهذب وقد ذكرت فيه جملا نفيسة مما يتعلق بذلك و بالله التوفيق واختلف العلماء في أن المسح على الخفين أفضل أم غسل الرجلين فذهب أصحابنا إلى أن الغسل أفضل لكونه الأصل وذهب إليه جماعات من الصحابة منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الانصاري رضي الله عنهم وذهب جماعات من التابعين إلى أن المسح أفضل وذهب إليه الشعبي والحكم وحماد وعن احمد روايتان أصحهما المسح أفضل والثانية هما سواء واختاره ابن المنذر والله أعلم قوله (كان يعجبهم هذا الحديث لأن اسلام جرير كان بعد نزول المائدة) معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم فلو كان اسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف
[ 165 ]
منسوخا بآية المائدة فلما كان اسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة مخصصة للآية والله أعلم وروينا في سنن البيهقي عن ابراهيم بن أدهم قال ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير والله أعلم قوله (كنت مع النبي ص = فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما فتنحيت فقال ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه فتوضأ فمسح على خفيه) أما السباطة فبضم السين المهملة وتخفيف الباء الموحدة وهي ملقي القمامة والتراب ونحوهما تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها قال الخطابي ويكون ذلك في الغالب سهلا منثا لا يحد فيه البول ولا يرتد على البائل وأما سبب بوله ص = قائما فذكر العلماء فيه أوجها حكاها الخطابي والبيهقي وغيرهما من الأئمة أحدها قالا وهو مروي عن الشافعي أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بالبول قائما قال فترى أنه كان به ص = وجع الصلب إذ ذاك والثاني أن سببه ما روي في رواية ضعيفة رواها البيهقي وغيره أنه ص = بال قائما لعلة بمأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة وهو باطن الركبة والثالث أنه لم يجد مكانا للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي من السباطة كان عاليا مرتفعا وذكر الامام أبو عبد الله المازري والقاضي عياض رحمهما الله
[ 166 ]
تعالى وجها رابعا وهو أنه بال قائما لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من سبيل الآخر في الغالب بخلاف حالة القعود ولذلك قال عمر البول قائما أحصن للدبر ويجوز وجه خامس انه ص = فعله للجواز في هذه المرة وكانت عادته المستمرة يبول قاعدا ويدل عليه حديث عائشة رضى الله عنها قالت من حدثكم أن النبي ص = كان يبول قائما فلا تصدقوا ما كان يبول الا قاعدا رواه أحمد ين حنبل والترمذي والنسائي وآخرون واسناده جيد والله أعلم وقد روى في النهى عن البول قائما أحاديث لا تثبت ولكن حديث عائشة هذا ثابت فلهذا قال العلماء يكره البول قائما الا لعذر وهى كراهة تنزيه لا تحريم قال ابن المنذر في الاشراق اختلفوا في البول قائما فثبت عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر وسهل ابن سعد أنهم بالوا قياما قال وروى ذلك عن أنس وعلى وأبى هريرة رضى الله عنهم وفعل ذلك ابن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه ابن مسعود والشعبى وابراهيم بن سعد وكان ابراهيم بن سعد لا يجيز شهادة من بال قائما وفيه قول ثالث أنه إن كان في مكان يتطاير إليه من البول شئ فهو مكروه فان كان لا يتطاير فلا بأس به وهذا قول مالك قال ابن المنذر البول جالسا أحب إلى وقائما مناح وكل ذلك ثابت عن رسول الله ص = هذا كلام ابن المنذر والله أعلم وأما بوله ص = في سباطة قوم فيحتمل أوجها أظهرها أنهم كانوا يؤثرون ذلك ولا يكرهونه بل يفرحون به ومن كان هذا حاله جاز البول في أرضه والأكل من طعامه ونظائر هذا في السنة أكثر من أن تحصى وقد أشرنا إلى هذه القاعدة في كتاب الايمان في حديث أبي هريرة رضى الله عنه قال احتفزت كما يحتفز الثعلب والوجه الثاني أنها لم تكن مختصة بهم بل كانت بفناء دورهم للناس كلهم فأضيفت إليهم لقربها منهم والثالث أن يكونوا أذنوا لمن أراد قضاء الحاجة اما بصريح الاذن واما بما في معناه والله أعلم وأما بوله ص = في السباطة التى بقرب الدور مع أن المعروف من عادته ص = التباعد في المذهب فقد ذكر القاضى عياض رضى الله عنه أن سببه أنه ص = كان من الشغل بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم بالمحل المعروف فلعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لتضرر وارتاد السباطة لدمثها وأقام حذيفة بقربه ليستره عن الناس وهذا الذى قاله القاضى حسن ظاهر والله أعلم وأما قوله فتنحيت فقال ادنه فدنوت حتى قمت عند عقبيه
[ 167 ]
قال العلماء انما استدناه ص = ليستتر به عن أعين الناس وغيرهم من الناظرين لكونها حالة يستخفى بها ويستحيي منها في العادة وكانت الحاجة التى يقضيها بولا من قيام ويؤمن معها خروج الحدث الآخر والرائحة الكريهة فلهذا استدناه وجاء في الحديث الآخر لما أراد قضاء الحاجة قال تنح لكونه كان يقضيها قاعدا ويحتاج إلى الحدثين جميعا فتحصل الرائحة الكريهة وما يتبعها ولهذا قال بعض العلماء في هذا الحديث من السنة القرب من البائل إذا كان قائما فإذا كان قاعدا فالسنة الابعاد عنه والله تعالى أعلم واعلم أن هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد بعدم بسط أكثرها فيما ذكرناه ونشير إليها ههنا مختصرة ففيه اثبات المسح على الخفين وفيه جواز المسح في الحضر وفيه جواز البول قائما وجواز قرب الانسان من البائل وفيه جواز طلب البائل من صاحبه الذى يدل عليه القرب منه ليستره وفيه استحباب الستر وفيه جواز البول بقرب الديار وفيه غير ذلك والله أعلم قوله (فقال حذيفة لوددت أن صاحبكم لا يشدد هذا التشديد فلقد رأيتنى أنا ورسول الله ص = نتماشى فأتى سباطة خلف حائط فقام كما يقوم أحدكم فبال) الخ مقصود حذيفة أن هذا التشديد خلاف السنة فان النبي ص = بال قائما ولا شك في كون القائم معرضا للرشيش ولم يلتفت النبي ص = إلى هذا الاحتمال ولم يتكلف البول في قارورة كما فعل أبو موسى رضى الله عنه والله أعلم قوله (أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن سعد ين ابراهيم عن نافع ين جبير عن عروة ابن المغيرة عن أبيه المغيرة) هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عبعضهم عن بعض وهم يحيى بن
[ 168 ]
سعيد وهو الانصاري وسعد ونافع وعروة و قد تقدم أن ميم المغيرة تضم وتكسر والله أعلم قوله (عن عروة بن المغيرة عن أبيه المغيرة بن شعبة عن رسول الله ص = أنه خرج لحاجته فاتبعه المغيرة باداوة فيها ماء فصب عليه حين فرغ من حاجته فتوضأ ومسح على الخفين) وفى رواية حتى مكان حين أما قوله فاتبعه المغيرة فهو من كلام عروة عن أبيه وهذا كثير يقع مثله في الحديث فنقل الراوى عن المروى عنه لفظه عن نفسه بلفظ الغبية وأما الاداوة فهى والركوة والمطهرة والميضأة بمعنى متقارب وهو اناء الوضوء وأما قوله فصب عيه حيه فرغ من حاجته فمعناه بعد انفصاله من موضع قضاء حاجته وانتقاله إلى موضع آخر فصب عليه في وضوئه وأما رواية حتى فرغ فلعل معناها فصب عليه في وضوئه حتى فرغ من الوضوء فيكون المراد بالحاجة الوضوء وقد جاء في الرواية الأخرى مبينا أن صبه عليه كان بعد رجوعه من قضاء الحاجة والله أعلم وفى هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة في الوضوء وقد ثبت أيضا في حديث أسامة بن زيد رضى الله عنه أنه صب على رسول الله ص = في وضوئه حين انصرف من عرفة وقد جاء في أحاديث ليست بثابتة النهى عن الاستعانة قال أصحابنا الاستعانة ثلاثة أقسام أحدهما أن يستعين بغيره في احضار الماء فلا كراهة فيه
[ 169 ]
ولا نقص والثانى أن يستعين به في غسل الأعضاء ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء فهذا مكروه الا لحاجة والثالث أن يصب عله فهذا الأولى تركه وهل يسمى مكروها فيه وجهان قال أصحابنا وغيرهم وإذا صب عليه وقف الصاب على يسار المتوضئ والله أعلم قوله (فأ خرجهما من تحت الجبة) فيه جواز مثل هذا للحاجة وفى الخلوة وأما بين الناس فينبغي أن لا يفعل لغير حاجة لان فيه اخلالا بالمرؤة قوله (حدثنى محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبى حدثنا زكرياء
[ 170 ]
عن عامر قال أخبرني عروة بن المغيرة عن أبيه) هذا الاسناد كله كوفيون قوله ص = (فاني أدخلتهما طاهرتين) فيه دليل على أن المسح على الخفين لا يجوز الا إذا لبسهما على طهارة كاملة بأن يفرغ من الوضوء بكماله ثم يلبسهما لأن حقيقة ادخالهما طاهرتين أن تكون كل واحدة منهما أدخلت وهي طاهرة وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمذهبنا أنه يشترط لبسهما على طهارة كاملة حتى لو غسل رجله اليمنى ثم لبس خفها وغسل اليسرى ثم لبس خفها لم يصح لبس اليمنى فلا بد من نزعها واعادة لبسها ولا يحتاج إلى نزع اليسرى لكونها ألبست بعد كمال الطهارة شذ بعض أصحابنا فأوجب نزع اليسرى أيضا وهذا الذي ذكرناه من اشتراط الطهارة في اللبس هو مذهب مالك وأحمد واسحاق وقال أبو حنيفة وسفيان الثوري ويحيى بن آدم والمزني وأبو ثور وداود يجوز اللبس على حدث ثم يكمل طهارته والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن حاتم حدثنا اسحاق بن منصور حدثنا عمر بن أبي زائدة عن الشعبي عن عروة بن المغيرة عن أبيه) قال الحافظ أبو على النيسابوري هكذا روى لنا عن مسلم اسناد هذا الحديث عن عمر بن أبي زائدة من جميع الطرق ليس بينه وبين الشعبي أحد وذكر أبو مسعود أن مسلم بن الحجاج خرجه عن ابن حاتم عن اسحاق عن عمر بن أبي زائدة عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي وهكذا قال أبو بكر الجورقي في كتابه الكبير وذكر البخاري في تاريخه أن عمر بن أبي زائدة قد سمع من الشعبي وأنه كان يبعث ابن أبي السفر وزكرياء إلى الشعبي يسألانه هذا آخر كلام أبي على قلت وقد ذكر الحافظ أبو محمد خلف الواسطي في أطرافه أن مسلما رواه عن ابن حاتم عن اسحاق عن عمر بن أبي زائدة عن الشعبي كما
[ 171 ]
هو في الأصول ولم يذكر ابن أبي السفر والله أعلم قوله (وحدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال حدثنا يزيد يعنى ابن زريع قال حدثنا حميد الطويل قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني عن عروة بن المغيرة بن شعبة عن أبيه قال الحافظ أبو على الغساني قال أبو مسعود الدمشقي) هكذا يقول مسلم في حديث ابن بزيع عن يزيد بن زريع عن عروة بن المغيرة وخالفه الناس فقالوا فيه حمزة بن المغيرة بدل عروة وأما أبو الحسن الدارقطني فنسب الوهم فيه إلى محمد بن عبد الله بزيع لا إلى مسلم هذا آخر كلام الغساني قال القاضي عياض حمزة بن المغيرة هو الصحيح عندهم في هذا الحديث وانما عروة بن المغيرة في الأحاديث الأخر وحمزة وعروة ابنان للمغيرة والحديث مروى عنهما جميعا لكن رواية بكر بن عبد الله بن المزني انما هي عن حمزة بن المغيرة وعن ابن المغيرة غير مسمى ولا يقول بكر عروة ومن قال عروة عنه فقد وهم وكذلك اختلف عن بكر فرواه معتمر في أحد الوجهين عنه عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة وكذا رواه يحي بن سعيد عن التيمى وقد ذكر هذا مسلم وقال غيرهم عن بكر عن المغيرة قال الدارقطني وهو وهم هذا آخر كلام القاضي عياض والله أعلم قوله (فاتيته بمطهرة) قد تقدم قريبا أن فيها لغتين فتح الميم وكسرها وأنها الاناء الذي يتطهر منه قوله (ثم ذهب يحسر عن ذراعيه) هو بفتح الياء
[ 172 ]
وكسر السين أي يكشف والله أعلم قوله (مسح بناصيته وعلى العمامة) هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي فان الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد لا يجوز كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى وأما التتميم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب لتكون الطهارة على جميع الرأس ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته ويستحب أن يتم على القلنسوة كالعمامة ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء رحمهم الله تعالى وذهب أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف والله أعلم والناصية هي مقدم الرأس قوله (فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة يصلى بهم عبد الرحمن بن عوف وقد ركع ركعة بهم فلما أحس بالنبي ص = ذهب يتأخر فأومأ إليه فصلى بهم فلما سلم قام النبي ص = وقمت فركعنا الركعة التي سبقتنا) اعلم أن هذا الحديث فيه فوائد كثيرة منها جواز اقتداء الفاضل بالمفضول وجواز صلاة النبي ص = خلف بعض أمته ومنها أن الافضل تقديم الصلاة في أول الوقت فانهم فعلوها أول الوقت ولم ينتظروا النبي ص = ومنها أن الامام إذا تأخر عن أول الوقت استحب للجماعة أن يقدموا أحدهم فيصلى بهم إذا وثقوا بحسن خلق الامام وأنه لا يتأذى من ذلك ولا يترتب عليه فتنة فاما إذا لم يأمنوا أذاه فانهم يصلون في أول الوقت فرادى ثم أن أدركوا الجماعة بعد ذلك استحب
[ 173 ]
لهم اعادتها معهم ونها أن من سبقه الامام ببعض الصلاة أتى بما أدرك فإذا سلم الامام أتى بما بقي عليه ولا يسقط ذلك عنه بخلاف قراءة الفاتحة فانها تسقط عن المسبوق إذا أدرك الامام راكعا ومنها اتباع المسبوق للامام في فعله في ركوعه وسجوده وجلوسه وان لم يكن ذلك موضع فعله للمأموم ومنها أن المسبوق انما يفارق الامام بعد سلام الامام والله أعلم وأما بقاء عبد الرحمن في صلاته وتأخر أبي بكر الصديق رضي الله عنهما ليتقدم النبي ص = فالفرق بينهما أن في قضية عبد الرحمن كان قد ركع ركعة فترك النبي ص = التقدم لئلا يختل ترتيب صلاة القوم بخلاف قضية أبي بكر رضي الله عنهما والله أعلم وأما قوله فركعنا الركعة التي سبقتنا فكذا ضبطناه وكذا هو في الاصول بفتح السين والباء والقاف وبعدها مثناة من فوق ساكنة أي وجدت قبل حضرونا والله أعلم قوله (حدثنا المعتمر عن أبيه عن بكر عن الحسن عن ابن المغيرة عن أبيه) هذا الاسناد فيه أربعة تابعيون يروى بعضهم عن بعض وهم أبو المعتمر سليمان بن طرخان وبكر بن عبد الله والحسن البصري وابن المغيرة واسمه حمزة كما تقدم وهؤلاء التابعيون الأربعة بصريون الا ابن المغيرة فانه كوفي قوله (قال بكر وقد سمعت من ابن المغيرة) هكذا ضبطناه وكذا هو في الأصول ببلادنا سمعت بالتاء في أخره وليس بعدها هاء وقال القاضي هو عند جميع شيوخنا سمعته يعنى بالهاء في آخره بعد التاء قال وكذا ذكره ابن أبي خيثمة والدارقطني
[ 174 ]
وغيرهما قال ووقع عند بعضهم ولم أروه وقد سمعت من ابن المغيرة يعنى بحذف الهاء وقد تقدم سماعه الحديث منه هذا كلام القاضي قوله في حديث بلال (أن رسول الله ص = مسح على الخفين والخمار) يعنى بالخمار العمامة لأنها تخمر الرأس أي تغطيه قوله (وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قالا حدثنا أبو معاوية وحدثنا اسحاق أخبرنا عيسى بن يونس كلاهما عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال رضي الله عنه أن رسول الله ص = مسح على الخفين والخمار وفي حديث عيسى حدثنى الحكم حدثنى بلال) وهذا الذي قاله في الأخير من دقيق علم الاسناد أعنى قوله وفي حديث الخ ومعنى هذا أن الأعمش يروى عنه هنا اثنان أبو معاوية وعيسى بن يونس فقال أبو معاوية في روايته عن الأعمش عن الحكم وقال عيسى بن أبي ليلى في روايته عن الأعمش قال حدثنى الحكم فأتى بحدثنى بدل عن ولا شك أن حدثنا أقوى لا سيما من الأعمش الذي هو معروف بالتد ليس وقال أيضا أبو معاوية في روايته عن الأعمش عن الحكم عن ابن أبي ليلى عن بلال عن كعب بن عجرة وقال عيسى في روايته عن الأعمش حدثنى الحكم عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال حدثنى بلال فأتى بحدثنى بلال موضع عن بلال ثم أعلم أن هذا الاسناد الذي ذكره مسلم رحمه الله تعالى مما تكلم عليه الدارقطني في كتاب العلل وذكر الخلاف في طريقه والخلاف عن الأعمش فيه
[ 175 ]
وأن بلالا سقط منه عند بعض الرواة واقتصر على كعب بن عجرة وأن بعضهم عكسه فأسقط كعبا واقتصر على بلال وأن بعضهم زاد البراء بين بلال وابن أبي ليلى وأكثر من رواه رووه كما هو في مسلم وقد رواه بعضهم عن على بن أبي طالب رضى الله عنه عن بلال والله أعلم التوقيت في المسح على الخفين فيه (عمرو بن قيس الملائي عن الحكم بن عتيبة عن القاسم بن مخيمرة عن شريح بن هانئ قال أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فاسأله فإنه كان يسافر مع رسول الله ص = فسألناه فقال جعل رسول الله ص = ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما ليلة للمقيم) وفي الرواية الأخرى (عن الأعمش عن الحكم عن القاسم ابن مخيمرة عن شريح عن عائشة) أما أسانيده فالملائي بضم الميم وبالمد كان يبيع الملأ وهو نوع
[ 176 ]
من الثياب معروف الواحدة ملاءة بالمد وكان من الأخيار وعتيبة بضم العين وبعدها مثناة من فوق ثم مثناة من تحت ثم موحدة ومخيمرة بضم الميم وبالخاء المعجمة وشريح بالشين المعجمة وبالحاء وهانئ بهمزة آخره والأعمش والحكم والقاسم وشريح تابعيون كوفيون وأما أحاكمه ففيه الحجة البينة والدلالة الواضحة لمذهب الجمهور أن المسح على الخفين موقت بثلاثة أيام في السفر وبيوم وليلة في الحضر وهذا مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة فمن بعدهم وقال مالك في المشهور عنه يمسح بلا توقيت وهو قول قديم ضعيف عن الشافعي واحتجوا بحديث ابن أبي عمارة بكسر العين في ترك التوقيت رواه أبو داود وغيره وهو حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث وأوجه الدلالة من الحديث على مذهب من يقول بالمفهوم ظاهرة وعلى مذهب من لا يقول به يقال الأصل منع المسح فيما زاد ومذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح ثم أن الحدث عام مخصوص بحديث صفوان بن غسال رضي الله عنه قال أمرنا رسول الله ص = إذا كنا مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام وليالهين الا من جنابة قال أصحابنا فإذا أجنب قبل انقضاء المدة لم يجز المسح على الخف فلو اغتسل وغسل رجليه في الخف ارتفعت جنابته وجازت صلاته فلو أحدث بعد ذلك لم يجز له المسح على الخف بل لا بد من خلعه ولبسه على طهارة بخلاف ما لو تنجست رجله في الخف فغسلها فيه فان له المسح على الخف بعد ذلك والله أعلم وفي هذا الحديث من الأداب ما قاله العلماء أنه يستحب للمحدث وللمعلم والمفتى إذا طلب منه ما يعلمه عند أجل منه أن يرشد إليه وان لم يعرفه قال اسأل عنه فلانا قال أبو عمر بن عبد البر واختلف الرواة في رفع هذا الحديث ووقفه على على قال ومن رفعه أحفظ وأضبط والله سبحانه وتعالى أعلم جواز الصلوات كلها بوضوء واحد فيه (بريدة رضي الله عنه أن النبي ص = صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد ومسح على خفيه
[ 177 ]
فقال له عمر رضي الله عنه لقد صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه قال عمدا صنعته يا عمر) في هذا الحديث أنواع من العلم منها جواز المسح على الخف وجواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز باجماع من يعتد به وحكى أبو جعفر الطحاوي وأبو الحسن بن بطال في شرح صحيح البخاري عن طائفة من العلماء أنهم قالوا يجب الوضوء لكل لصلاة وان كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس في صحيح البخاري كان رسول الله ص = يتوضأ عند كل صلاة وكان أحدنا يكفيه الوضوء ما لم يحدث وحديث سويد بن النعمان في صحيح البخاري أيضا أن رسول الله ص = صلى العصر ثم أكل سويقا ثم صلى المغرب ولم يتوضأ وفي معناه أحاديث كثيرة كحديث الجمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وسائر الاسفار والجمع بين الصلوات الفائتات يوم الخندق وغير ذلك وأما الآية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا قمتم محدثين وقيل انها منسوخة بفعل النبي ص = وهذا القول ضعيف والله أعلم قال أصحابنا ويستحب تجديد الوضوء وهو أن يكون على طهارة ثم يتطهر ثانيا من غير حدث وفي شرط استحباب التجديد أوجه أحدها أنه يستحب لمن صلى به صلاة سواء كانت فريضة أو نافلة والثاني لا يستحب الا لمن صلى فريضة والثالث يستحب لمن فعل به ما لا يجوز الا بطهارة كمس المصحف وسجود التلاوة والرابع يستحب وان لم يفعل به شيئا أصلا بشرط أن يتخلل بين التجديد والوضوء زمن يقع بمثله تفريق والا يستحب تجديد الغسل عل المذهب
[ 178 ]
الصحيح المشهور وحكى امام الحرمين وجها أنه يستحب وفي استحباب تجديد التيمم وجهان أشهرهما لا يستحب وصورته في الجريح والمريض ونحوهما ممن يتيمم مع وجود الماء ويتصور في غيره إذا قلنا لا يجب الطلب لمن تيمم ثانيا في موضعه والله أعلم وأما قول عمر رضي الله عنه صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه ففيه تصريح بأن النبي ص = كان يواظب على الوضوء كل صلاة عملا بالأفضل وصلى الصلوات في هذا اليوم بوضوء واحد بيانا للجواز كما قال ص = عمدا صنعته يا عمر وفي هذا الحديث جواز سؤال المفضول الفاضل عن بعض أعماله التي في ظاهرها مخالفة للعادة لأنها قد تكون عن نسيان فيرجع عنها وقد تكون تعمدا لمعنى خفي على المفضول فيستفيده والله أعلم وأما اسناد الباب ففيه ابن نمير قال حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد وفي الطريق الآخر يحي بن سعيد عن سفيان قال حدثنى علقمة بن مرثد انما فعل مسلم رحمه الله تعالى هذا وأعاد ذكر سفيان وعلقمة لفوائد منها أن سفيان رحمه الله تعالى من المدلسين وقال في الرواية الأولى عن علقمة والمدلس لا يحتج بعنعنته بالاتفاق الا ان ثبت سماعه من طريق آخر فذكر مسلم الطريق الثاني المصرح بسماع سفيان من علقمة فقال حدثنى علقمة والفائدة الأخرى أن ابن نمير قال حدثنا سفيان ويحي ين سعيد قال عن سفيان فلم يستجز مسلم رحمه الله تعالى الرواية عن الاثنين بصيغة أحدهما فان حدثنا متفق على حمله على الاتصال وعن مختلف فيه كما قدمناه في شرح المقدمة كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الاناء (قبل غسلها ثلاثا) فيه قوله ص = (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا
[ 179 ]
فانه لا يدري أين باتت يده) قال الشافعي وغيره من العلماء رحمهم الله تعالى في معنى قوله ص = لا يدري أين باتت يده أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالاحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن يطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قملة أو قذر غير ذلك وفي هذا الحديث دلالة لمسائل كثيرة في مذهبنا ومذهب الجمهور منها أن الماء القليل إذا وردت عليه نجاسه نجاسة وان قلت ولم تغيره فانها تنجسه لأن الذي تعلق باليد ولا يرى قليل جدا وكانت عادتهم استعمال الاواني الصغيرة التي تقصر عن قلتين بل لا تقاربهما ومنها الفرق بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه وأنها إذا وردت عليه نجسته وإذا ورد عليها أزالها ومنها أن الغسل سبعا ليس عاما في جميع النجاسات وانما ورد الشرع به في ولوغ الكلب خاصة ومنها أن موضع الاستنجاء لا يطهر بالاحجر بل يبقي نجسا معفوا عنه في حق الصلاة ومنها استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففي المحققة أولى ومنها استحباب الغسل ثلاثا في المتوهمة ومنها أن النجاسة المتوهمة ستحب فيها الغسل ولا يؤثر فيها الرش فانه ص = قال حتى يغسلها ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها ومنها استحباب الأخذ بالاحتياط في العبادات وغيرها ما لم يخرج عن حد الاحتياط إلى حد الوسوسة وفي الفرق بين الاحتياط والوسوسة كلام طويل أوضحته في باب الآنية من شرح المهذب ومنها استحباب
[ 180 ]
استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى من التصريح به فانه ص = قال لا يدري أين باتت يده ولم يقال فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك وان كان هذا معنى قوله ص = ولهذا نظائر كثيرة في القرآن العزيز والأحاديث الصحيحة وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فان لم يكن كذلك فلا بد من التصريح لينفي اللبس والوقوع في خلاف المطلوب وعلى هذا يحمل ما جاء من ذلك مصرحا به والله أعلم هذه فوائد من الحديث غير الفائدة المقصودة هنا وهي النهي عن غمس اليد في الاناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهى تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري رحمه الله تعالى أنه ينجس إن كان قام من نوم الليل وحكوه أيضا عن اسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف فان الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا ولا يمكن أن يقال الظاهر في اليد النجاسة وأما الحديث فمحمول على التنزية ثم مذهبنا ومذهب المحقيقين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الاناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى رواية أنه إن قام
[ 181 ]
من نوم الليل كره كراهة تحريم وان قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فان النبي ص = نبه على العلة بقوله ص = فانه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده وهذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغلب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده والله أعلم هذا كله إذا شك في نجاسة اليد أما إذا تيقن طهارتها وأراد غمسها قبل غسلها فقد قال جماعة من أصحابنا حكمه حكم الشك لان أسباب النجاسة قد تخفى في حق معظم الناس فسد الباب لئلا يتساهل فيه من لا يعرف والأصح الذي ذهب إليه الجماهير من أصحابنا أنه لا كراهة فيه بل هو في خيار بين الغمس أولا والغسل لان النبي ص = ذكر النوم ونبه على العلة وهي الشك فإذا انتفت العلة انتفت الكراهة ولو كان النهي عاما لقال إذا أراد أحدكم استعمال الماء فلا يغمس يده حتى يغسلها وكان أعم وأحسن والله أعلم قال أصحابنا وإذا كان الماء في اناء كبير أو صخرة بحيث لا يمكن الصب منه وليس معه اناء صغير يغترف به فطريقه أن يأخذ الماء بفمه ثم يغسل به كفيه أو يأخذ بطرف ثوبه النظيف أو يستعين بغيره والله أعلم وأما أسانيد الباب ففيه الجهضمي بفتح الجيم والضاد المعجمة وتقدم بيانه في المقدمة وفيه حامد بن
[ 182 ]
عمر البكراوى بفتح الباء الموحدة واسكان الكاف وهو حامد بن عمر بن حفص بن عمر ابن عبد الله بن أبى بكرة نفيع بن الحارث الصحابي فنسب حامد إلى جده وفيه أبو رزين اسمه مسعود بن مالك الكوفى كان عالما فيها وهو مولى أبى وائل شقيق بن سلمة وفيه قول مسلم رحمه الله تعالى في حديث أبى معاوية قال قال رسول الله ص = وفى حديث وكيع يرفعه وهذا الذى فعله مسلم رحمه الله تعالى من احتياطه ودقيق نظره وغزير علمه وثبوت فهمه فان أبا معاوية ووكيعا اختلفت روايتهما فقال أحدهما قال أبو هريرة قال رسول الله ص = وقال الآخر عن أبى هريرة يرفعه وهذا بمعنى ذلك عند أهل العلم كما قدمناه في الفصول ولكن أراد مسلم رحمه الله تعالى أن لا يروى بالمعنى فان الرواية بالمعنى حرام عند جماعات من العلماء وجائزة عند الأكثرين الا أن الأولى اجتنابها والله أعلم وفيه معقل عن أبى الزبير هو معقل بفتح الميم وكسر القاف وأبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس تقدم بيانه في مواضع وفيه المغيرة الحزامى بالزاى والمغيرة بضم الميم على المشهور ويقال بكسرها تقدم ذكرهما في المقدمة والله أعلم باب حكم ولوغ الكلب فيه قوله ص = (إذا ولغ الكلب في اناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات) وفى
[ 183 ]
الرواية الأخرى (طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب) وفى الرواية الأخرى (طهور اناء أحدكم إذا ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرات) وفى الرواية الأخرى (أمر رسول الله ص = بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وقال إذا ولغ الكلب في الاناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة في التراب) وفى رواية (ورخص في كلب الغنم والصيد والزرع) أما أسانيد الباب ولغاته
[ 184 ]
ففيه أبو رزين تقدم ذكره في الباب قبله وفيه ولغ الكلب قال أهل اللغة يقال ولغ الكلب في الاناء يلغ بفتح اللام فيهما ولوغا إذا شرب بطرف لسانه قال أبو زيد يقال ولغ الكلب بشرابنا وفى شرابنا ومن شرابنا وفيه طهور اناء أحدكم الأشهر فيه ضم الطاء ويقال بفتحها لغتان تقدمتا في أول كتاب الوضوء وفيه قوله في صحيفة همام فذكر أحاديث منها وقد تقدم في الفصول وغيرها بيان فائدة هذه العبارة وفيه قوله في آخر الباب وليس ذكر الزرع في الرواية غير يحيى هكذا هو في الأصول وهو صحيح وذكر بفتح الذال والكاف والزرع منصوب وغير مرفوع معناه لم يذكر هذه الرواية الا يحيى وفيه أبوالتياح بفتح المثناة فوق وبعدها مثناة تحت مشددة وآخره حاء مهملة واسمه يزيد بن حميد الضبعى البصري العبد الصالح قال شعبة كنا نكنيه بأبى حماد قال وبلغني أنه كان يكنى بأبى التياح وهو غلام وفيه ابن المغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء وهو عبد الله بن المغفل المزني وقول مسلم حدثنا عبد الله بن معاذ حدثنا أبى حدثنا شعبة عن أبى التياح سمع مطرف بن عبد الله عن أبى المغفل قال مسلم وحدثنيه يحيى بن حبيب الحارثى قال حدثنا خالد يعنى ابن الحارث ح وحدثني محمد بن حاتم قال حدثنا يحيى ين سعيد ح وحدثنيى محمد ين الوليد قال حدثنا محمد بن جعفر كلهم عن شعبة في هذا الاسناد بمثله هذه الأسانيد من جميع هذه الطرق رجالها بصريون وقد قدمنا مرات أن شعبة واسطى ثم بصرى ويحيى بن سعيد المذكور هو القطان والله أعلم أما أحكام الباب ففيه دلالة ظاهرة لمذهب الشافعي وغيره رضى الله عنه ممن يقول بنجاسة الكلب لان الطهارة تكون عن حدث أو نجس وليس هنا حدث فتعين النجس فان قيل المراد الطهارة اللغوية فالجواب أن حمل اللفظ على حقيقته الشرعية مقدم على اللغوية وفيه أيضا نجاسة ما ولغ فيه وأنه إن كان طعاما مائعا حرام أكله لان اراقته اضاعة له فلو كان طاهرا لم يأمرنا باراقته بل قد نيهينا عن اضاعة المال وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير أنه ينجس ما ولغ فيه ولا فرق بين الكلب المأذون في اقتنائه وغيره ولا بين كلب البدوى والحضرى لعموم اللفظ وفى مذهب مالك أربعة أقوال طهارته ونجاسته وطهارة سؤر المأذون في اتخاذه دون غيره وهذه الثلاثة عن مالك والرابع عن عبد الملك بن الماجشون المالكي أنه يفرق بين البدوى والحضرى وفيه الأمر باراقته وهذا متفق عليه عندنا ولكن هل الاراقة واجبة
[ 185 ]
لعينها أم لا تجب إذا أراد استعمال الاناء أراقه فيه خلاف ذكر أكثر أصحابنا الاراقة لا تجب لغينها بل هي مستحبة فان أراد استعمال الاناء أراقه وذهب بعض اصحابنا إلى أنها واجهة على الفور ولو لم يرد استعماله حكاه الماوردى من أصحابنا في كتابه الحاوى ويحتج له بمطلق الأمر وهو يقتضى الوجوب على المختار وهو قول أكثر الفهاء ويحتج للاول بالقياس على باقى المياه النجسة فانه لا تجب اراقتها بلا خلاف ويمكن أن يجاب عنا بأن المراد في مسألة الولوغ الزجر والتغليظ والمبالغة في التنفير عن الكلاب والله أعلم وفيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجماهير وقال أبو حنيفة يكفى غسله ثلاث مرات والله أعلم وأما الجمع بين الروايات فقد جاء في رواية سبع مرات وفى رواية سبع مرات أولاهن بالتراب وفى رواية أخراهن أو أولاهن وفى رواية سبع مرات السابعة بالتراب وفي رواية سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب وقد روى البيهقى وغيره هذه الروايات كلها وفيها دليل على أن التقييد بالأولى وبغيرها ليس على الاشتراط بل المراد احداهن وأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسلة فسميت ثامنة لهذا والله أعلم واعلم أنه لا فرق عندنا بين ولوغ الكلب وغيره من أجزائه فإذا أصاب بوله أو روثة أو دمه أو عرقه أنو شعره أو لعابه أو عضو من أعضائه شيئا طاهرا في حال رطوبة أحدهما وجب غسله سبع مراتب احداهن بالتراب ولو ولغ كلبان أو كلب واحد مرات في اناء ففيه ثلاثة أوجه لأصحابنا الصحيح أنه يكفيه للجميع سبع مرات والثاني يجب لكل ولغة سبع والثالث يكفي لولغات الكلب الواحد سبع ويجب لكل كلب سبع ولو وقعت نجاسة أخرى في الاناء الذي ولغ فيه الكلب كفي عن الجميع سبع ولا تقوم الغسلة الثامنة بالماء وحده ولا غمس الاناء في ماء كثير ومكثه فيه قدر سبع غسلات مقام التراب على الأصح وقيل يقوم ولا يقوم الصابون والاشنان وما أشبههما مقام التراب على الأصح ولا فرق بين وجود التراب وعدمه على الأصح ولا يحصل الغسل بالتراب النجس على الأصح ولو كانت نجاسة الكلب دمه أو روثه فلم يزل عينه بست الا غسلات مثلا فهل يحسب ذلك ست غسلات أو غسله واحدة أم لا يحسب من السبع أصلا فيه ثلاثة أوجة أصحها واحدة وأما الخنزير فحكمه حكم الكلب في هذا كله هذا مذهبنا وذهب أكثر العلماء إلى أن الخنزير لا يفتقر إلى غسله سبعا وهو قول الشافعي
[ 186 ]
وهو قوى في الدليل قال أصحابنا ومعنى الغسل بالتراب أن يخلط التراب في الماء حتى يتكدر ولا فرق بين أن يطرح الماء على التراب أو التراب على الماء أو يأخذ الماء الكدر من موضع فيغسل به فأما مسح موضع النجاسة بالتراب فلا يجزى ولا يجب ادخال اليد في الاناء بل يكفي أن يلقيه في الاناء ويحركه ويستحب أن يكون التراب في غير الغسلة الأخيرة ليأتي عليه ما ينظفه والأفضل أن يكون في الأولى ولو ولغ الكلب في ماء كثير بحيث لم ينقص ولوغه عن قلتين لم ينجسه ولو ولغ في ماء قليل أو طعام فأصاب ذلك الماء أو الطعام ثوبا أو بدنا أو اناء آخر وجب غسله سبعا احداهن بالتراب ولو ولغ في اناء فيه طعام جامد ألقى ما أصابه وما حوله وانتفع بالباقي على طهارته السابقة كما في الفأرة تموت في السمن الجامد والله أعلم وأما قوله أمر رسول الله ص = بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب ثم رخص في كلب الصيد وكلب الغنم وفي الرواية الأخرى وكلب الزرع فهذا نهى عن اقتنائها وقد اتفق أصحابنا وغيرهم على أنه يحرم اقتناء الكلب لغير حاجة مثل أن يقتنى كلبا اعجابا بصورته أو للمفاخرة به فهذا حرام بلا خلاف وأما الحاجة التي يجوز الاقتناء لها فقد ورد هذا الحديث بالترخيص لأحد ثلاثة أشياء وهي الزرع والماشية والصيد وهذا جائز بلا خلاف واختلف أصحابنا في اقتنائه لحراسة الدور والدروب وفي اقتناء الجرو ليعلم فمنهم من حرمه لأن الرخصة انما وردت في الثلاثة المتقدمة ومنهم من أباحه وهو الأصح لأنه في معناها واختلفوا أيضا فيمن اقتنى كلب صيد وهو رجل لا يصيد والله أعلم وأما الأمر بقتل الكلاب فقال أصحابنا إن كان الكلب عقورا قتل وان لم يكن عقورا لم يجز قتله سواء كان فيه منفعة من المنافع المذكور ة أو لم يكن قال الامام أبو المعالى امام الحرمين والأمر بقتل الكلاب منسوخ قال وقد صح أن رسول الله ص = أمر بقتل الكلاب مرة ثم صح أنه نهى عن قتلها قال واستقر الشرع عليه على التفصيل الذي ذكرناه قال وأمر بقتل الأسود البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الآن منسوخ هذا كلام امام الحرمين ولا مزيد على تحقيقه والله أعلم
[ 187 ]
النهي عن البول في الماء الراكد فيه قوله ص = (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه) وفي الرواية الأخرى (لا يبل في الماء الدائم الذي لا يجرى ثم يغتسل منه) وفي الرواية الأخرى (نهى أن يبال في الماء الراكد) الرواية يغتسل مرفوع أي لا تبل ثم أنت تغتسل منه وذكر شيخنا أبو عبد الله بن مالك رضي الله عنه أنه يجوز أيضا جزمه عطفا على موضع يبولن ونصبه باضمار أن واعطاء ثم حكم واو الجمع فأما الجزم فظاهر وأما النصب فلا يجوز لأنه يقتضى أن المنهى عنه الجمع بيهما دون افراد أحدهنا وهذا لم يقله أحد بل البول فيه منهى عنه سواء أراد الاغتسال فيه أو منه أم لا والله أعلم وأما الدائم فهو الراكد وقوله ص = الذي لا يجرى تفسير للدائم وايضاح لمعناه ويحتمل أنه احترز به عن راكد لا يجرى بعضه كالبرك ونحوها وهذا النهى في بعض المياه للتحريم وفي بعضها للكراهة ويؤخذ ذلك من حكم المسألة فان كان الماء كثيرا جاريا لم يحرم البول فيه لمفهوم الحديث ولكن الأولى اجتنابه وان كان قليلا جاريا فقد قال جماعة من أصحابنا يكره والمختار أنه يحرم لانه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره ويغر غيره فيستعمله مع أنه نجس وان كان الماء كثيرا راكدا فقال أصحابنا يكره ولا يحرم ولو قيل يحرم
[ 188 ]
لم يكن بعيدا فان النهي يقتضي التحريم على المختار عند المحقيقين والاكثرين من أهل الاصول وفيه من المعنى أنه يقذره وربما أدى إلى تنجيسه بالاجماع لتغيره أو إلى تنجيسه عند أبي حنيفة ومن وافقه في أن الغدير الذي يتحرك بتحرك طرفه الآخر ينجس بوقوع نجس فيه وأما الراكد القليل فقد أطلق جماعة من أصحابنا أنه مكروه والصواب المختار أنه يحرم البول فيه لانه ينجسه ويتلف ماليته ويغر غيره باستعماله والله أعلم قال أصحابنا وغيرهم من العلماء والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح وكذلك إذا بال في اناء ثم صبه في الماء وكذا إذا بال بقرب النهر بحيث يجرى إليه البول فكله مذموم قبيح منهى عنه على التفصيل المذكور ولم يخالف في هذا أحد من العلماء الا ما حكي عن داود بن على الظاهري أن النهى مختص ببول الانسان بنفسه وأن الغائط ليس كالبول وكذا إذا بال في اناء ثم صبه في الماء أو بال بقرب الماء وهذا الذي ذهب إليه خلاف اجماع العلماء وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر والله أعلم قال العلماء ويكره البول والتغوط بقرب الماء وان لم يصل إليه لعموم نهى النبي ص = عن البراز في الموارد ولما فيه من ايذاء المارين بالماء ولما يخاف من وصوله إلى الماء والله أعلم وأما انغماس من لم يستنج في الماء ليستنجي فيه فان كان قليلا بحيث ينجس بوقوع النجاسة فيه فهو حرام لما فيه من تلطخه بالنجاسة وتنجيس الماء وان كان كثيرا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه فان كان جاريا فلا بأس به وان كان راكدا فليس بحرام ولا تظهر كراهته لانه ليس في معنى البول ولا يقاربه ولو اجتنب الانسان هذا كان أحسن والله أعلم النهي عن الاغتسال في الماء الراكد فيه (أبو السائب أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله ص = لا يغتسل أحدكم في
[ 189 ]
الماء الدائم وهو جنب فقال كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا) أما أبو السائب فلا يعرف اسمه وأما أحكام المسألة فقال العماء من أصحابنا وغيرهم يكره الاغتسال في الماء الراكد قليلا كان أو كثيرا وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية قال الشافعي رحمه الله تعالى في البويطى أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد الذي لا يجرى قال الشافعي وسواء قليل الراكد وكثيره أكره الاغتسال فيه هذا نصه وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم وإذا اغتسل فيه من الجنابة فهل يصير الماء مستعملا فيه تفصيل معروف عند أصحابنا وهو أنه إن كان الماء قلتين فصاعدا لم يصر مستعملا ولو اغتسل فيه جماعات في أوقات متكررات وأما إذا كان الماء دون القلتين فان انغمس فيه الجنب بغير نية ثم لما صار تحت الماء نوى ارتفعت جنابته وصار الماء مستعملا وان نزل فيه إلى ركبتيه مثلا ثم نوى قبل انغماس باقيه صار الماء في الحال مستعملا بالنسبة الى غيره وارتفعت الجنابة عن ذلك القدر المنغمس بلا خلاف وارتفعت أيضا عن القدر الباقي إذا تمم انغماسه على المذهب الصحيح المختار المنصوص المشهور لأن الماء انما يصير مستعملا بالنسبة إلى المتطهر إذا انفصل عنه وقال أبو عبد الله الخضرى من أصحابنا وهو بكسر الخاء واسكان الضاد المعجمتين لا يرتفع عن باقيه والصواب الأول وهذا إذا تمم الانغماس من غير انفصاله فلو انفصل ثم عاد إليه لم يجزئه ما يغسله به بعد ذلك بلا خلاف ولو انغمس رجلان تحت الماء الناقص عن قلتين أن تصورا ثم نويا دفعة واحدة ارتفعت جنابتهما وصار الماء مستعملا فان نوى أحدهما قبل الآخر ارتفعت جنابة الناوى وصار الماء مستعملا بالنسبة إلى رفيقه فلا ترتفع جنابته على المذهب الصحيح المشهور وفيه وجه شاذ أنها ترتفع وان نزلا فيه إلى ركبتيهما فنويا ارتفعت جنابتهما عن ذلك القدر وصار مستعملا فلا ترتفع عن باقيهما الا على الوجه الشاذ والله أعلم
[ 190 ]
وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد (وأن الأرض تطهر بالماء من غير حاجة إلى حفرها) فيه حديث أنس رضي الله عنه (أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم فقال رسول الله ص = لا تزرموه فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه) وفي الرواية الأخرى (فصاح به الناس فقال رسول الله ص = دعوه فلما فرغ أمر رسول الله ص = بذنوب فصب على بوله) الاعرابي هو الذي يسكن البادية وقوله ص = لا تزرموه هو بضم التاء واسكان الزاي وبعدها راء أي لا تقطعوا والازرام القطع وأما الدلو ففيها لغتان التذكير والتأنيث والذنوب بفتح الذال وضم النون وهي الدلو المملوءة ماء أما أحكام الباب ففيه اثبات نجاسة بول الآدمي وهو مجمع عليه ولا فرق بين الكبير والصغير باجماع من يعتد به لكن بول الصغير يكفي فيه النضح كما سنوضحه في الباب الآتي أن شاء الله تعالى وفيه احترام المسجد وتنزيهه عن الأقذار وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها
[ 191 ]
وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تطهر الا بحفرها وفيه أن غسالة النجاسة طاهرة وهذه المسألة فيها خلاف بين العلماء ولأصحابنا فيها ثلاثة أوجه أحدها أنها طاهرة والثاني نجسة والثالث إن انفصلت وقد طهر المحل فهي طاهرة وان انفصلت ولم يطهر المحل فهي نجسة وهذا الثالث هو الصحيح وهذا الخلاف إذا انفصلت غير متغيرة أما إذا انفصلت متغيرة فهي نجسة باجماع المسلمين سواء تغير طعمها أو لونها أو ريحها وسواء كان التغير قليلا أو كثيرا والله أعلم وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا ايذاء إذا لم يأت بالمخالفة استخفافا أو عنادا وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله ص = دعوه قال العلماء كان قوله ص = دعوه لمصلحتين احداهما أنه لو قطع عليه بوله تضرر وأصل التنجيس قد حصل فكان احتمال زيادته أولى من ايقاع الضرر به والثانية أن التنجيس قد حصل في جزء يسير من المسجد فلو أقاموه في أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد والله أعلم قوله ص = (إن هذه المساجد لا تصلح لشئ من هذا البول ولا القذر انما هي لذكر الله وقراءة القرآن أو كما قال رسول الله ص =) فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والقذى والبصاق ورفع
[ 192 ]
الأصوات والخصومات والبيع والشراء وسائر العقود وما في معنى ذلك وفي هذا الفصل مسائل ينبغي أن أذكر أطرافا منها مختصرة أحدها أجمع المسلمون على جواز الجلوس في المسجد للمحدث فان كان جلوسه لعبادة من اعتكاف أو قراءة علم أو سماع موعظة أو انتظار صلاة أو نحو ذلك كان مستحبا وان لم يكن لشئ من ذلك كان مباحا وقال بعض أصحابنا أنه مكروه وهو ضعيف الثانية يجوز النوم عندنا في المسجد نص عليه الشافعي رحمه الله تعالى في الأم قال ابن المنذر في الاشراق رخص في النوم في المسجد ابن المسيب والحسن وعطاء والشافعي وقال ابن عباس لاتتخذوه مرقدا وروى عنه أنه قال إن كنت تنام فيه لصلاة فلا بأس وقال الاوزاعي يكره النوم في المسجد وقال مالك لا بأس بذلك للغرباء ولا أرى ذلك للحاضر وقال أحمد إن كان مسافرا أو شبهه فلا بأس وان اتخذه مقيلا أو مبيتا فلا وهذا قول اسحاق هذا ما حكاه ابن المنذر واحتج من جوزه بنوم على بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر وأحل الصفة والمرأة صاحبة الوشاح والغريبين وثمامة بن اثال وصفوان بن أمية وغيرهم وأحاديثهم في الصحيح مشهورة والله أعلم ويجوز أن يمكن الكافر من دخول المسجد باذن المسلمين ويمنع من دخوله بغير اذن الثالثة قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم الوضوء في المسجد الا أن يتوضأ في مكان يبله أو يتأذى الناس به فانه مكروه ونقل الامام والحسن ابن بطال المالكي هذا عن ابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس والحنفي وابن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم وعن ابن سيرين ومالك وسحنون أنهم كرهوه تنزيها للمسجد والله أعلم الرابعة قال جماعة من أصحابنا يكره ادخال البهائم والمجانين والصبيان الذين لا يميزون المسجد لغير حاجة مقصودة لأنه لا يؤمن تنجيسهم المسجد ولا يحرم لأن النبي ص = طاف على البعير ولا ينفي هذا الكراهة لأنه ص = فعل ذلك بيانا للجواز أو ليظهر ليقتدى به ص = والله أعلم الخامسة يحرم ادخال النجاسة إلى المسجد وأما من على بدنه نجاسة فان خاف تنجيس المسجد لم يجز له الدخول فان أمن ذلك جاز وأما إذا اقتصد في المسجد فان كان في غير اناء فحرام وان قطر دمه في اناء فمكروه وان بال في المسجد في اناء ففيه وجهان أصحهما أنه حرام والثاني مكروه السادسة يجوز الاستلقاء في المسجد وهز الرجل وتشبيك الأصابع للأحاديث الصحيحة المشهورة في ذلك من فعل رسول الله صلى الله
[ 193 ]
عليه وسلم السابعة يستحب استحبابا متأكدا كنس المسجد وتنظيفه للأحاديث الصحيحة المشهورة فيه والله أعلم قوله (فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مه مه) هي كلمة زجر ويقال به به بالباء أيضا قال العلماء هو اسم مبنى على السكون معناه اسكت قال صاحب المطالع هي كلمة زجر قيل أصلها ما هذا ثم حذف تخفيفا قال وتقال مكررة مه مه وتقال فردة مه ومثله به به وقال يعقوب هي لتعظيم الأمر كبخ بخ وقد تنون مع الكسر وينون الأول ويكسر الثاني بغير تنوين هذا كلام صاحب المطالع وذكره أيضا غيره والله أعلم قوله فجاء بدلو فشنه عليه يروى بالشين المعجمة وبالمهملة وهو في أكثر الأصول والروايات بالمعجمة ومعناه صبه و فرق بعض العلماء بينهما فقال هو بالمهملة الصب في سهولة وبالمعجمة التفريق في صبه والله أعلم حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله فيه (عن عائشة رضى الله عنها أن النبي ص = كان يؤتى بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم فأتى بصبى فبال عليه فدعا بماء فأتبعه بوله ولم يغسله) وفى الرواية الأخرى (أتى النبي ص = بصبى يرضع فبال في حجره فدعا بماء فصبه عليه) وفى رواية أم قيس
[ 194 ]
(أنها أتت النبي ص = بابن لها يأكل الطعام فوضعته في حجره فبال فلم يزد على أن نضح بالماء) وفى رواية (فدعا بماء فرشه) وفى رواية (فنضحه عليه ولم يغسله غسلا) الصبيان بكسر الصاد هذه اللغة المشهورة وحكى ابن دريد ضمها قوله فيبرك عليهم أي يدعو لهم ويمسح عليهم وأصل البركة ثبوت الخير وكثرته وقولها فيحنكهم قال أهل اللغة التحنيك أن يمضغ التمر أو نحوه ثم يدلك به حنك الصغير وفيه لغتان مشهورتان حنكته وحنكته بالتخفيف والتشديد والرواية هنا فيحنكهم بالتشديد وهى أشهر اللغتين وقولها فبال في حجره يقال بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وقولها بصبى يرضع هو بفتح الياء أي رضيع وهو الذى لم يفطم أما أحكام الباب ففيه استحباب تحنيك المولود وفيه التبرك بأهل الصلاح والفضل وفيه استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم وسواء
[ 195 ]
في هذا الاستحباب المولود في حال ولادته وبعدها وفيه الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع والرفق بالصغار وغيرهم وفيه مقصود الباب وهو أن بول الصبى يكفى فيه النضح وقد اختلف العلماء في كيفية طهارة بول الصبى والجارية على ثلاثة مذاهب وهى أوجه لاصحابنا الصحيح المشهور المختار أنه يكفى النضح في بول الصبى ولا يكفى في بول الجارية بل لابد من غسله كسائر النجاسات والثانى أنه يكفى النضح فيهما والثالث لا يكفى النضح فيهما وهذان الوجهان حكاهما صاحب التتمة من أصحابنا وغيره وهما شاذان ضعيفان وممن قال بالفرق علي بن أبى طالب وعطاء بن أبى رباح والحسن البصري واحمد بن حنبل واسحاق بن راهويه وجماعة من السلف وأصحاب الحديث وابن وهب من أصحاب مالك رضى الله عنهم وروى عن أبى حنيفة وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة ومالك في المشهور عنهما وأهل الكوفة واعلم أن هذا الخلاف انما هو في كيفية تطهير الشئ الذى بال عليه الصبى ولا خلاف في نجاسته وقد نقل بعض أصحابنا اجماع العلماء على نجاسة بول الصبى وأنه لم يخالف فيه الا داود الظاهرى قال الخطابى وغيره وليس تجويز من جوز النضح في الصبى من أجل أن بوله ليس بنجس ولكنه من أجل التخفيف في ازالته فهذا هو الصواب وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال ثم القاضى عياض عن الشافعي وغيره أنهم قالوا بول الصبى طاهر فينضح فحكاية باطلة قطعا وأما حقيقة النضح هنا فقد اختلف أصحابنا فيها فذهب الشيخ أبو محمد الجوينى والقاضى حسين وا لبغوى إلى أن معناه أن الشئ الذى أصابه البول يغمر بالماء كسائر النجاسات بحيث لو عصر لا يعصر قالوا وأنما يخالف هذا غيره في أن غيره يشترط عصره على أحد الوجهين وهذا لا يشترط بالاتقاق وذهب امام الحرمين والمحققون إلى أن النضح أن يغمر ويكاثر بالماء مكاثرة لا يبلغ جريان الماء وتردده وتقاطره بخلاف المكاثرة في غيره فانه يشترط فيها أن يكون بحيث يجرى بعض الماء ويتقاطر من لمحل وان لم يشترط عصره وهذا هو الصحيح المختار ويدل عليه قولها فنضحه ولم يغسله وقولها فرشه أي نضحه والله أعلم ثم أن النضح انما يجزى ما دام الصبى يقتصر به على الرضاع أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية فانه يجب الغسل بلا خلاف والله أعلم
[ 196 ]
حكم المنى فيه (أن رجلا نزل بعائشة فأصبح يغسل ثوبه فقالت عائشة انما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه فان لم تر نضحت حوله لقد رأيتنى افركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركا فيصلى فيه) وفى الرواية الأخرى (كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفى الرواية
[ 197 ]
الأخرى (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغسل المنى ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب) وفى الرواية الأخرى (أن عائشة قالت للذى احتلم في ثوبيه وغسلهما هل رأيت فيهما شيئا قال لا قالت فلو رأيت شيئا غسلته لقد رأيتنى وانى لأحكه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم يابسا بظفرى) اختلف العلماء في طهارة منى الآدمى فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته الا ان أبا حنيفة قال
[ 198 ]
يكفى في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المنى في الثوب وان كان كثيرا وتعاد منه في الجسد وان قل وذهب كثيرون إلى أن المنى طاهر روى ذلك عن على بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث وقد غلط من أوهم أن الشافعي رحمه الله تعالى منفرد بطهارته ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره قالوا ورواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزيه واختيار النظافة والله أعلم هذا حكم منى الآدمى ولنا قول شاذ ضعيف أن منى المرأة نجس دون منى الرجل وقول أشذ منه أن منى المرأة والرجل نجس والصواب أنهما طاهران وهل يحل أكل المنى الطاهر فيه وجهان أظهرهما لا يحل لأنه مستقذر فهو داخل في جملة الخبائث المحرمة علينا وأما منى باقى الحيوانات غير الآدمى فمنها الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما وحيوان طاهر ومنيها نجس بلا خلاف وما عداها من الحيوانات في منيه ثلاثة أوجه الأصح أنها كلها طاهرة من مأكول اللحم وغيره والثانى أنها نجسة والثالث منى مأكول اللحم طاهر ومنى غيره نجس والله أعلم وأما ألفاظ الباب ففيه خالد بن عبد الله عن خالد عن أبى معشر واسمه زياد بن كليب التميمي الحنظلي الكوفى وأما خالد الأول فهو الواسطي الطحان وأما خالد الثاني فهو الحذاء وهو خالد بن مهران أبو المنازل بضم الميم البصري وفيه قولها كان يجزئك هو بضم الياء وبالهمز وفيه أحمد بن جواس هو بجيم مفتوحة ثم واو مشددة ثم ألف ثم سين مهملة وفيه شبيب بن غرقدة هو بفتح الغين المعجمة واسكان الراء وفتح القاف وفيه قولها فلو رأيت شيئا غسلته هو استفهام انكار حذفت منه الهمزة تقديره أكنت غاسله معتقدا وجوب غسله وكيف تفعل هذا وقد كنت أحكه من ثوب رسول الله ص = يابسا بظفرى ولو كان نجسا لم يتركه النبي ص = ولم يكتف بحكه والله أعلم وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على طهارة رطوبة فرج المرأة وفيها خلاف مشهور عندنا وعند غيرنا والأظهر طهارتها وتعلق المحتجون بهذا الحديث بأن قالوا الاحتلام مستحيل في حق النبي ص = لانه من تلاعب الشيطان بالنائم فلا يكون المنى الذى على ثوبه ص = الا من الجماع ويلزم
[ 199 ]
من ذلك مرور المنى على موضع أصاب رطوبة الفرج فلو كانت الرطوبة نجسة لتنجس بها المنى ولما تركه في ثوبه ولما اكتفى بالفرك وأجاب القائلون بنجاسة رطوبة فرج المرأة بجوابين أحدهما جواب بعضهم أنه يمتنع استحالة الاحتلام منه ص = وكونها من تلاعب الشيطان بل الاحتلام منه جائز ص = وليس هو من تلاعب الشيطان بل هو فيض زيادة المنى يخرج في وقت والثانى أنه يجوز أن يكون ذلك المنى حصل بمقدمات جماع فسقط منه شئ على الثوب وأما المتلطخ بالرطوبة فلم يكن على الثوب والله أعلم نجاسة الدم وكيفية غسله فيه (أسماء رضى الله عنها قالت جاءت امرأة إلى النبي ص = فقالت احدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به قال تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه) الحيضة بفتح الحاء أي الحيض ومعنى تحته تقشره وتحكه وتنحته ومعنى تقرضه تقطعه بأطراف الأصابع مع الماء ليتحلل وروى تقرضه بفتح التاء واسكان القاف وضم الراء وروى بضم التاء وفتح القاف وكسر الراء المشددة قال القاضى عياض رويناه بهما جميعا ومعنى تنضحه تغسله وهو
[ 200 ]
بكسر الضاد كذا قاله الجوهرى وغيره وفى هذا الحديث وجوب غسل النجاسة بالماء ويؤخذ منه أن من غسل بالخل أو غيره من المائعات لم يجزئه لانه ترك المأمور به وفيه أن الدم نجس وهو باجماع المسلمين وفيه أن ازالة النجاسة لا يشترط فيها العدد بل يكفى فيها الانقاء وفيه غير ذلك من الفوائد واعلم أن الواجب في ازالة النجاسة الانقاء فان كانت النجاسة حكمية وهى التى لا تشاهد بالعين كالبول ونحوه وجب غسلها مرة ولا تجب الزيادة ولكن يستحب الغسل ثانية وثالثة لقوله ص = إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الاناء حتى يغسلها ثلاثا وقد تقدم بيانه وأما إذا كانت النجاسة عينية كالدم وغيره فلا بد من ازالة عينها ويستحب غسلها بعد زوال العين ثانية وثالثة وهل يشترط عصر الثوب إذا غسله فيه وجهان الأصح أنه لا يشترط وإذا غسل النجاسة العينية فبقى لونها لم يضره بل قد حصلت الطهارة وان بقى طعمها فالثوب نجس فلا بد من ازالة الطعم وان بقيت الرائحة ففيه قولان للشافعي أفصحهما يطهر والثانى لا يطهر والله أعلم الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه فيه حديث ابن عباس رضى الله عنه قال (مر النبي ص = على قبرين فقال انهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله قال فدعا بعسيب رطب فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف
[ 201 ]
عنهما ما لم ييبسا) وفى الرواية الأخرى (كان لا يستنزه عن البول أو من البول) أما العسيب فبفتح العين وكسر السين المهملتين وهو الجريد والغصن من النخل ويقال له العثكال وقوله باثنين هذه الباء زائدة للتوكيد واثنين منصوب على الحال وزيادة الباء في الحال صحيحة معروفة وييبسا مفتوح الباء الموحدة قبل السين ويجوز كسرها لغتان وأما النميمة فحقيقتها نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الافساد وقد تقدم في باب غلظ تحريم النميمة من كتاب الايمان بيانها واضحا مستقصى وأما قوله النبي ص = لا يستتر من بوله فروى ثلاث روايات يستتر بتائين مثناتين ويستنزه بالزاى والهاء ويستبرئ بالباء الموحدة والهمزة وهذه الثالثة في لبخارى وغيره وكلها صحيحة ومعناها لا يتجنبه ويتحرز منه والله اعلم وأما قوله ص = وما يعذبان في كبير فقد جاء في رواية البخاري وما يعذبان في كبير وانه لكبير كان أحدهما لا يستتر من البول الحديث ذكره في كتاب الأدب في باب النميمة من الكبائر وفى كتاب الوضوء من البخاري أيضا وما يعذبان في كبير بل انه كبير فثبت بهاتين الزيادتين الصحيحتين أنه كبير فيجب تأويل قوله ص = وما يعذبان في كبير وقد ذكر العلماء فيه تأويلين أحدهما أنه ليس بكبير في زعمهما والثاني أنه ليس بكبير تركه عليهما وحكى القاضى عياض رحمه الله تعالى تأويلا ثالثا أي ليس بأكبر الكبائر قلت فعلى هذا يكون المراد بهذا الزجر والتحذير لغير هما أي لا يتوهم أحد أن التعذيب لا يكون الا في أكبر الكبائر الموبقات فانه يكون في غيرها والله أعلم وسبب كونهما كبيرين أن عدم التنزه من البول يلزم منه بطلان الصلاة فتركه كبيرة بلا شك والمشى بالنميمة والسعى بالفساد من أقبح القبائح لا سيما مع قوله ص = كان يمشى بلفظ كان التى للحالة المستمرة غالبا والله اعلم وأما وضعه ص = الجريدتين على القبر فقال العلماء محمول على أنه ص =
[ 202 ]
سأل الشفاعة لهما فأجيبت شفاعته ص = بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا وقد ذكر مسلم رحمه الله تعالى في آخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر في صاحبي القبرين فأجيبت شفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام القضيبان رطبان وقيل يحتمل أنه ص = كان يدعو لهما تلك المدة وقيل لكونهما يسبحان ما داما رطبين وليس لليابس تسبيح وهذا مذهب كثيرين أو الاكثرين من المفسرين في قوله تعالى وإن من شئ الا يسبح بحمده قالوا معناه وان من شئ حي ثم قالوا حياة كل شئ بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع وذهب المحققون من المفسرين وغيرهم إلى أنه على عمومه ثم اختلف هؤلاء هل يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحا منزها بصورة حاله والمحققون على أنه يسبح حقيقة وقد أخبر الله تعالى وإن من الحجارة لما يهبط من خشية الله وإذا كان العقل لا يحيل جعل التميز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه والله أعلم واستحب العلماء قراءة القرآن عند القبر لهذا الحديث لأنه إذا كان يرجى التخفيف بتسبيح الجريد فتلاوة القرآن أولى والله أعلم وقد ذكر البخاري في صحيحه أن بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي رضى الله عنه أوصى أن يجعل في قبره جريدتان ففيه أنه رضي الله عنه تبرك بفعل مثل فعل النبي ص = وقد أنكر الخطابي ما يفعله الناس على القبور من الأخواص ونحوها متعلقين بهذا الحديث وقال لا أصل له ولا وجه له والله أعلم وأما فقه الباب ففيه اثبات عذاب القبر وهو مذهب اهل الحق خلافا للمعتزلة وفيه نجاسة الأبوال للرواية الثانية لا يستنزه من البول وفيه غلظ تحريم النميمة وغير ذلك مما تقدم والله أعلم كتاب الحيض مباشرة الحائض ففوق الازار فيه (عائشة رضي الله عنها قالت كان احدانا إذا كانت حائضا أمرها رسول الله ص =
[ 203 ]
أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم يملك أربه كما كان رسول الله ص = يملك اربه) وفيه (ميمونة رضي الله عنها قالت كان رسول الله ص = يباشر نساءه فوق الازار وهن حيض) هكذا وقع في الأصول في الرواية في الكتاب عن عائشة كان احدانا من غير تاء في كان وهو صحيح فقد حكى سيبويه في كتابه في باب ما جرى من الأسماء التي هي من الافعال وما أشبهها من الصفات مجرى الفعل قال وقال بعض العرب قال امرأة فهذا نقل الامام هذه الصيغة أنه يجوز حذف التاء من فعل ماله فرج من غير فصل وقد نقله أيضا الامام أبو الحسين بن خروف في شرح الجمل وذكره آخرون ويجوز أن تكون كان هنا التي للشأن والقصة أي كان الأمر أو الحال ثم ابتدأت فقالت احدانا إذا كانت حائضا أمرها والله أعلم وقولها في فور حيضتها هو بفتح الفاء واسكان الراء معناه معظمها ووقت كثرتها والحيضة بفتح الحاء أي الحيض وقولها أن تأتزر معناه تشد ازار تستر سرتها وما تحتها إلى الركبة فما
[ 204 ]
تحتها وقولها وأيكم يملك اربه أكثر الروايات فيه بكسر الهمزة مع اسكان الراء ومعناه عضوه الذي يستمتع به أي الفرج ورواه جماعة بفتح الهمزة والراء ومعناه حاجته وهي شهوة الجماع والمقصود أملككم لنفسه فيأمن مع هذه المباشرة الوقوع في المحرم وهو مباشرة فرج الحائض واختار الخطابي هذه الرواية وأنكر الأولى وعابها على المحدثين والله أعلم وأما الحيض فأصله في اللغة السيلان وحاض الوادي إذا سال قال الأزهري والهروي وغيرهما من الأئمة الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة يرخيه رحم المرأة بعد بلوغها والاستحاضة جريان الدم في غير أوانه قالوا ودم الحيض يخرج من قعر الرحم ودم الاستحاضة يسيل من العاذل بالعين المهملة وكسر الذال المعجمة وهو عرق فمه الذي يسيل منه في أدنى الرحم دون قعره قال أهل اللغة يقال حاضت المرأة تحيض حيضا ومحيضا ومحاضا فهي حائض بلا هاء هذه اللغة الفصيحة المشهورة وحكى الجوهري عن الفراء حائضة بالهاء ويقال حاضت وتحيضت ودرست وطمثت وعركت وضحكت ونفست كله بمعنى واحد وزاد بعضهم أكبرت وأعصرت بمعنى حاضت وأما أحكام الباب فاعلم أن مباشرة الحائض أقسام أحدها أن يباشرها بالجماع في الفرج فهذا حرام باجماع المسلمين بنص القرآن العزيز والسنة الصحيحة قال أصحابنا ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا ولو فعله انسان غير معتقد حله فان كان ناسيأو جاهلا بوجود الحيض أو جاهلا بتحريمه أو مكرها فلا اثم عليه ولا كفارة وان وطئها عامدا عالما بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة نص الشافعي على أنها كبيرة وتجب عليه التوبة وفي وجوب الكفارة قولان للشافعي أصحهما وهو الجديد وقول مالك وأبي حنيفة وأحمد في احدى الروايتين وجماهير السلف أنه لا كفارة عليه وممن ذهب إليه من السلف عطاء وابن أبي مليكة والشعبي والنخعي ومكحول والزهري وأبو الزناد وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد رحمهم الله تعالى أجمعين والقول الثاني وهو القديم الضعيف انه يجب عليه الكفارة وهو مروى عن ابن عباس والحسن البصري وسعيد ين جبير وقتادة والأوزاعي واسحاق وأحمد في الرواية الثانية عنه واختلف هؤلاء في الكفارة فقال الحسن وسعيد عتق رقبة وقال الباقون دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذى يجب فيه الدينار ونصف الدينار هل الدينار في أول الدم ونصفه في آخره أو الدينار في زمن الدم
[ 205 ]
ونصفه بعد انقطاعه وتعلقوا بحديث ابن عباس المرفوع من أتى امرأته وهى حائض فلتصدق بدينار أو نصف دينار وهو حديث ضعيف باتفاق الحفاظ فالصواب أن لا كفارة والله أعلم القسم الثاني المباشرة فيما فوق السرة وتحت الركبة بالذكر أو بالقبلة أو المعانقة أو اللمس أو غير ذلك وهو حلال باتفاق العلماء وقد نقل الشيخ أبو حامد الاسفراينى وجماعة كثيرة الاجماع على هذا وأما ما حكى عن عبيدة السلمانى وغيره من أنه لا يباشر شيئا منها بشئ منه فشاذ منكر غير معروف ولا مقبول ولو صح عنه لكان مردودا بالأحاديث الصحيحة المشهورة المذكورة في الصحيحين وغيرهما في مباشرة النبي ص = فوق الازار واذنه في ذلك باجماع المسلمين قبل المخالف وبعده ثم انه لا فرق بين أن يكون على الموضع الذى يستمتع به شئ من الدم أو لا يكون هذا هو الصواب المشهور الذى قطع به جماهير أصحابنا وغيرهم من العلماء للاحاديث المطلقة وحكى المحاملى من أصحابنا وجها لبعض أصحابنا أنه يحرم مباشرة ما فوق السرة وتحت الركبة إذا كان عليه شئ من دم الحيض وهذا الوجه باطل لا شك في بطلانه والله أعلم القسم الثالث المباشرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر وفيها ثلاثة أوجه لأصحابنا أصحها عند جماهيرهم وأشهرها في المذهب أنها حرام والثاني أنها ليست بحرام ولكنها مكروهة كراهة تنزيه وهذا الوجه أقوى من حيث الدليل وهو المختار والوجه الثالث أن كان المباشر يضبط نفسه عن الفرج ويثق من نفسه باجتنابه اما لضعف شهوته واما لشدة ورعه جاز والا فلا وهذا الوجه حسن قاله أبو العباس البصري من أصحابنا وممن ذهب إلى الوجه الأول وهو التحريم مطلقا مالك وأبو حنيفة وهو قول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وممن ذهب إلى الجواز عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد ابن الحسن واصبغ واسحاق ابن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود وقد قدمنا أن هذا المذهب أقوى دليلا واحتجوا بحديث أنس الآتي اصنعوا كل شئ الا النكاح قالوا وأما اقتصار النبي ص = في مباشرته على ما فوق الازار فمحمول على الاستحباب والله أعلم واعلم أن تحريم الوطء والمباشرة على قول من يحرمهما يكون في مدة الحيض وبعد انقطاعه إلى أن تغتسل أو تتيمم أن عدمت الماء بشرطه هذا مذهبنا ومذهب مالك وأحمد وجماهير السلف
[ 206 ]
والخلف وقال أبو حنيفة إذا انقطع الدم لأكثر الحيض حل وطؤها في الحال واحتج الجمهور بقوله تعالى ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله والله أعلم الاضطجاع مع الحائض في لحاف واحد فيه حديث ميمو نة رضي الله عنها قالت (كان رسول الله ص = يضطجع معى وأنا حائض وبيني وبينه ثوب) وفيه أم سلمة قالت (بينا أنا مضطجعة مع رسول الله ص = في الخميلة إذ حضت فانسللت فأخذت ثياب حيضتي فقال لي رسول الله ص = أنفست قلت نعم فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة) الخميلة بفتح الخاء المعجمة وكسر الميم قال أهل اللغة الخميلة والخميل بحذف الهاء هي القطيفة وكل ثوب له خمل من أي شئ كان وقيل هي الأسود من الثياب وقولها انسللت أي ذهبت في خفية ويحتمل ذهابها أنها خافت وصول شئ
[ 207 ]
من الدم إليه ص = أو تقذرت نفسها ولم ترتربصها لمضا جعته ص = أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها وهي على هذه الحالة التي لا يمكن فيها الاستمتاع والله أعلم وقولها فأخذت ثياب حيضتي هي بكسر الحاء وهي حالة الحيض أي أخذت الثياب المعدة لزمن الحيض هذا هو الصحيح المشهور المعروف في ضبط حيضتي في هذا الموضع قال القاضي عياض ويحتمل فتح الحاء هنا أيضا أي الثياب التي ألبسها في حال حيضتي فان الحيضة بالفتح هي الحيض قوله ص = (أنفست) هو بفتح النون وكسر الفاء وهذا هو المعروف في الرواية وهو الصحيح المشهور في اللغة أن نفست بفتح النون وكسر الفاء معناه حاضت وأما في الولادة فيقال نفست بضم النون وكسر الفاء أيضا وقال الهمروى في الولادة نفست بضم النون وفتحها وفي الحيض بالفتح لا غير وقال القاضي عياض روايتنا فيه في مسلم بضم النون هنا قال وهي رواية أهل الحديث وذلك صحيح وقد نقل أبو حاتم عن الأصمعي الوجهين في الحيض والولادة وذكر ذلك غير واحد وأصل ذلك كله خروج الدم والدم يسمى نفسا والله أعلم أما أحكام الباب ففيه جواز النوم مع الحائض والاضطجاع معها في لحاف واحد إذا كان هناك حائل يمنع من ملاقاة البشرة فيما بين السرة والركبة أو يمنع الفرج وحده عند من لا يحرم الا الفرج قال العلماء لا تكره مضاجعة الحائض ولا قبلتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السرة وتحت الركبة ولا يكره وضع يدها في شئ من المائعات ولا يكره غسلها رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع وسؤرها وعرقها طاهران وكل هذا متفق عليه وقد نقل الامام أبو جعفر محمد بن جرير في كتابه في مذاهب العلماء اجماع المسلمين على هذا كله ودلائله من السنة ظاهرة مشهورة وأما قول الله تعالى اعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فالمراد اعتزلوا وطأهن ولا تقربوا وطأهن والله أعلم
[ 208 ]
جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وطهارة سؤرها والاتكاء في حجرها وقراءة القرآن فيه فيه حديث عائشة رضى الله عنها قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدنى إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان) وفي رواية فأغسله وفيه حديث مناولة الخمرة وغيره قد تقدم مقصود فقه هذا الباب في الذي قبله وترجيل الشعر تسريحه وهو نحو قولها فأغسله وأصل الاعتكاف في اللغة الحبس وهو في الشرع حبس النفس في المسجد خاصة مع النية وقولها وهو مجاور أي معتكف وفي هذا الحديث فوائد كثيرة تتعلق بالاعتكاف وسيأتي في بابه أن شاء الله تعالى ومما تقدمه أن فيه أن المعتكف إذا خرج بعضه من المسجد كيده ورجله ورأسه لم يبطل اعتكافه وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو لا يخرج منها فأدخل أو أخرج بعضه لا يحنث والله أعلم وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل والطبخ والخبز وغيرها برضاها وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وعمل السلف واجماع الأمة وأما
[ 209 ]
بغير رضاها فلا يجوز لأن الواجب عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط والله أعلم وقولها (قال لي رسول الله ص = ناوليني الخمرة من المسجد فقلت اني حائض فقال أن حيضتك ليست في يدك) أما الخمرة فبضم الخاء واسكان الميم قال الهروي وغيره هي هذه السجادة وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده من حصير أو نسيجة من خوص هكذا قاله الهروي والاكثرون وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون الا هذا القدر وقال الخطابي هي السجادة يسجد عليها المصلى وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال جاءت فأره فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله ص = على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها مثل موضع درهم فهذا تصريح بالطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه وسمت
[ 210 ]
خمرة لانها تخمر الوجه أي تغطيه وأصل التخمير التغطية ومنه خمار المرأة والخمر لانها تغطى العقل وقولها من المسجد قال القاضي عياض رضي الله عنه معناه أن النبي ص = قال لها ذلك من المسجد أي وهو في لتناوله اياها من خارج المسجد لا أن النبي ص = آمرها أن تخرجها له من المسجد لأنه ص = كان في المسجد معتكفا وكانت عائشة في حجرتها وهي حائض لقوله ص = أن حيضتك ليست في يدك فانما خافت من ادخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى والله أعلم وأما قوله ص = إن حيضتك ليست في يدك فهو بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الامام أبو سليمان الخطابي المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي وقال الصواب هنا ما قاله المحدثون من الفتح لان المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله ص = ليست في يدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم
[ 211 ]
الحيض ليست في يدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فان الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضي عياض وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر هنا ولما قاله الخطابي وجه والله أعلم وقولها وتعرق العرق هو بفتح العين واسكان الراء وهو العظم الذي عليه بقية من لحم هذا هو الاشهر في معناه وقال أبو عبيد هو القدر من اللحم وقال الخليل هو العظم بلا لحم وجمعه عراق بضم العين ويقال عرقت العظم وتعرقته واعترقته إذا أخذت عنه اللحم باسنانك والله أعلم قولها (كان رسول الله ص = تكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن) فيه جواز قراءة القرآن مضطجعا ومتكئا على الحائض وبقرب موضع النجاسة والله أعلم قوله (ولم يجامعوهن في البيوت) أي لم يخالطوهن ولم يساكنوهن في بيت واحد قوله تعالى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض أما المحيض الاول فالمراد به الدم وأما الثاني فاختلف فيه فمذهبنا أنه الحيض ونفس الدم
[ 212 ]
وقال بعض العلماء هو الفرج وقال الآخرون هو زمن الحيض والله أعلم قوله (فجاء اسيد ابن حضير) هما بضم أولهما وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة قوله (وجد عليهما) أي غضب المذي فيه (محمد بن الحنفية عن على رضي الله عنه قال كنت رجلا مذاء فكنت ستحيي أن سأل رسول الله ص = لمكان ابنته فأمرت المقداد بن الاسود فسأله فقال يغسل ذكره ويتوضأ) وفي الرواية الاخرى (منه الوضوء) وفي الرواية الاخرى
[ 213 ]
(توضأ وانضح فرجك) في المذي لغات مذي بفتح الميم واسكان الذال ومذى بكسر الذال وتشديد الياء ومذى بكسر الذال وتخفيف الياء فالأوليان مشهورتان أولاهما أفصحهما واشهرهما والثالثة حكاها أبو عمرو الزاهد عن ابن الاعرابي ويقال مذي وأمذي ومدي الثالثة بالتشديد والمذي ماء أبيض دقيق لزج يخرج عند شهوة لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ويكون ذلك للرجل والمرأة وهو في النساء أكثر منه في الرجال والله أعلم وأما قوله ص = (وانضح فرجك) فمعناه اغسله فان النضح يكون غسلا ويكون رشا وقد جاء في الرواية الأخرى يغسل ذكره فيتعين حمل النضح عليه وانضح بكسر الضاد وقد تقدم بيانه قوله كنت رجلا مذاء أي كثير المذي وهو بفتح الميم وتشديد الذال وبالمد وأما حكم خروج المذي فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد والجماهير يوجب الوضوء لهذا الحديث وفي الحديث من الفوائد أنه لا يوجب الغسل وأنه يوجب الوضوء وأنه نجس ولهذا أوجب ص = غسل الذكر والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر وحكى عن مالك وأحمد في رواية عنهما ايجاب غسل جميع الذكر وفيه أن الاستنجاء بالحجر انما يجوز الاقتصار عليه في النجاسة المعتادة وهي البول والغائط أما النادر كالدم والمذي وغيرهما فلا بد فيه من الماء وهذا أصح القولين في مذهبنا وللقائل الآخر بجواز الاقتصار فيه على الحجر قياسا على المعتاد أن يجيب عن هذا الحديث بأنه خرج على الغالب فيمن هو في بلد أن يستنجي بالماء أو يحمله على الاستحباب وفيه جواز الاستنابة في الاستفتاء وأنه يجوز الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع به لكون على اقتصر على قول المقداد مع تمكنه من سؤال النبي ص = الا أن هذا قد ينازع فيه ويقال فلعل عليا كان حاضرا مجلس رسول الله ص = وقت السؤال وانما
[ 214 ]
استحيا أن يكون السؤال منه بنفسه وفيه استحباب حسن العشرة مع الاصهار وأن الزوج يستحب له أن لا يذكر بجماع النساء والاستمتاع بهن بحضرة أبيها وأخيها وابنها وغيرهم من أقاربها ولهذا قال على رضي الله عنه فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله ص = لمكان ابنته معناه أن المذي يكون غالبا عند ملاعبة الزوجة وقبلتها ونحو ذلك من أنواع الاستمتاع والله أعلم قوله في الاسناد الأخير من الباب (وحدثني هارون ابن سعيد الأيلي وأحمد بن عيسى قالا حدثنا ابن وهب قال أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن أبي سليمان بن يسار عن ابن عباس قال قال على بن أبي طالب أرسلنا المقداد) هذا الاسناد مما استدركه الدارقطني وقال قال حماد بن خالد سألت مخرمة هل سمعت من أبيك فقال لا وقد خالفه الليث عن بكير فلم يذكر فيه ابن عباس وتابعه مالك عن أبى النضر هذا كلام الدارقطني وقد قال النسائي أيضا في سننه مخرمة لم يسمع من أبيه شيئا وروى النسائي هذا الحديث من طرق وبعضها طريق مسلم هذه المذكورة وفي بعضها عن الليث بن سعد عن بكير عن سليمان بن يسار قال أرسل على المقداد هكذا أتي به مرسلا وقد اختلف العلماء في سماع مخرمة من أبيه فقال مالك رضي الله عنه قلت لمخرمة ما حدثت به عن أبيك سمعته منه فحلف بالله لقد سمعته قال مالك وكان مخرمة رجلا صالحا وكذا قال معن بن عيسى أن مخرمة سمع من أبيه وذهب جماعات إلى أنه لم يسمعه قال أحمد ابن حنبل لم يسمع مخرمة من أبيه شيئا انما يروى من كتاب أبيه وقال يحيى بن معين وابن أبي خيثمة يقال وقع إليه كتاب أبيه ولم يسمع منه وقال موسى بن سلمة قلت لمخرمة حدثك أبوك فقال لم أدرك أبي ولكن هذه كتبه وقال أبو حاتم مخرمة صالح الحديث إن كان سمع من أبيه وقال على بن المدينى ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان بن يسار ولعله سمع الشئ اليسير ولم أجد أحدا بالمدينة يخبر عن مخرمة أنه كان يقول في شئ من حديثه سمعت أبي والله أعلم فهذا كلام أئمة هذا الفن وكيف كان فمتن الحديث صحيح من الطرق التي ذكرها مسلم قيل هذه الطريق ومن الطريق التي ذكرها غيره والله أعلم
[ 215 ]
غسل الوجه واليدين إذا استيقظ من النوم فيه (ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ص = قام من الليل فقضى حاجته ثم غسل وجهه ويديه ثم نام) الظاهر والله أعلم أن المراد بقضاء الحاجة الحدث وكذا قاله القاضي عياض والحكمة في غسل الوجه اذهاب النعاس وآثار النوم وأما غسل اليد فقال القاضي لعله كان لشئ نالهما وفي هذا الحديث أن النوم بعد الاستيقاظ في الليل ليس بمكروه وقد جاء عن بعض زهاد السلف كراهة ذلك ولعلهم ولعلهم أرادوا من لم يأمن استغراق النوم بحيث يفوته وظيفته ولا يكون مخالفا لما فعله النبي ص = فانه ص = كان يأمن من فوات أوراده ووظيفته والله أعلم جواز نوم الجنب واستحباب الوضوء له (وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أو يجامع) فيه حديث عائشة رضى الله عنها (أن رسول الله ص = كان إذا أراد أن ينام وهو جنب
[ 216 ]
توضأ وضوءه للصلاة قبل أن ينام) وفى رواية (إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة) وفى رواية عمر رضى الله عنه (يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ) وفى رواية (نعم ليتوضأ ثم لينم حتى يغتسل إذا شاء) وفى رواية (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) وفى رواية
[ 217 ]
(أن رسول الله ص = كان إذا كان جنبا ربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام ) وفى رواية (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءا) وفى رواية (أن رسول الله ص = كان يطوف على نسائه بغسل واحد) حاصل الأحاديث كلها أنه يجوز للجنب أن ينام ويأكل ويشرب ويجامع قبل الاغتسال وهذا مجمع عليه وأجمعوا على أن بدن الجنب وغرقه طاهران وفيها أنه يستحب أن يتوضأ ويغسل فرجه لهذه الامور كلها ولا سيما إذا أراد جماع من لم يجامعها فانه يتأكد استحباب غسل ذكره وقد نص أصحابنا أنه يكره النوم والأكل والشرب والجماع قبل الوضوء وهذه الأحاديث تدل عليه ولا خلاف عندنا أن هذا الوضوء ليس بواجب وبهذا قال مالك والجمهور وذهب ابن حبيب من أصحاب مالك إلى وجوبه
[ 218 ]
وهو مذهب داود الظاهرى والمراد بالوضوء وضوء الصلاة الكامل وأما حديث ابن عباس المتقدم في الباب قبله في الاقتصار على الوجه واليدين فقد قدمنا أن ذلك لم يكن في الجنابة بل في الحدث الأصغر وأما حديث أبى اسحاق السبيعى عن الأسود عن عائشة رضى الله عنها أن النبي ص = كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذي والنسائي و ابن ماجه وغيرهم فقال أبو داود عن يزيد بن هارون وهم أبو اسحاق في هذا يعنى في قوله لا يمس ماء وقال الترمذي يرون أن هذا غلط من أبى اسحاق وقال البيهقى طعن الحفاظ في هذه اللفظة فبان بما ذكرناه ضعف الحديث وإذا ثبت ضعفه لم يبق فيه ما يعترض به على ما قدمناه ولو صح لم يكن أيضا مخالفا بكان له جوابان أحدهما جواب الامامين الجليلين أبى العباس بن شريح وأبى بكر البيهقى أن المراد لا يمس ماء للغسل والثانى وهو عندي حسن أن المراد انه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه والله أعلم وأما طوافه ص = على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه ص = كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء وقد جاء في سنن أبى داود أنه ص = طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه فقيل يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحد فقال هذا أزكى وأطيب وأطهر قال أبو داود والحديث الأول أصح قلت وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت والله أعلم واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا لأنه يخفف الحدث فانه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء وقال أبو عبد الله المازرى رضى الله عنه اختلف في تعليله فقيل لبيبت على احدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه وقيل بل لعله أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه قال المازرى ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها هذا كلام المازرى وأما أصحابنا فانهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما فان كانت الحائض قد انقطعت حيضها صارت كالجنب والله أعلم وأما طواف النبي ص = على نسائه بغسل واحد فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول الله ص = في الدوام كما يجب علينا وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فان له أن يفعل ما يشاء
[ 219 ]
وهذا الخلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا والله اعلم وفى هذه الأحاديث المذكورة في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وانما يتضيق على الانسان عند القيام إلى الصلاة وهذا باجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو انزال المنى أم هو القيام إلى الصلاة أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا ومن قال يجب بالجنابة قال هو وجوب موسع وكذا اختلفوا في موجب الوضوء هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم أم انقطاعه والله أعلم وأما ما يتعلق بأسانيد الباب فقوله قال ابن المثنى في حديثه حدثنا الحكم سمعت ابراهيم يحدث معناه قال ابن المثنى في روايته عن محمد بن جعفر عن شعبة قال شعبة حدثنا الحكم قال سمعت ابراهيم يحدث وفى الرواية المتقدمة شعبة عن الحكم عن ابراهيم والمقصود أن الرواية الثانية أقوى من الأولى فان الأولى بعن عن والثانبة بحدثنا وسمعت وقد علم أن حدثنا وسمعت أقوى من عن وقد قالت جماعة من العلماء أن عن لا تقتضي الاتصال ولو كانت من غير مدلس وقد قدمنا ايضاح هذا في الفصول وفى مواضع كثيرة بعدها والله أعلم وفيه محمد بن أبى بكر المقدمى هو بفتح الدال المشددة منسوب إلى جده مقدم وقد تقدم بيانه مرات وفيه أبو المتوكل عن أبى سعيد هو أبو المتوكل الناجى واسمه على ابن داود وقيل ابن داود بضم الدال منسوب إلى بنى ناجية قبيلة معروفة والله أعلم وجوب الغسل على المراة بخروج المنى منها فيه (أن أم سليم رضى الله عنها قالت لرسول الله ص = وعنده عائشة رضى الله عنها
[ 220 ]
يا رسول الله المرأة ترى ما يرى الرجل في المنام فترى من نفسها ما يرى الرجل من نفسه فقالت عائشة رضى الله عنها يا أم سليم فضحت النساء تربت يمينك قولها تربت يمينك خير فقال لعائشة بل أنت فتربت يمينك نعم فلتغتسل يا أم سليم إذا رأت ذلك) وفى الباب المذكور الروايات الباقية وستمر عليها أن شاء الله تعالى اعلم أن المرأة إذا خرج منها المنى وجب عليها الغسل كما يجب على الرجل بخروجه وقد أجمع المسلمون على وجوب الغسل على الرجل والمرأة بخروج المنى أو ايلاج الذكر في الفرج وأجمعوا على وجوبه عليها بالحيض والنفاس واختلفوا في وجوبه على من ولدت ولم تر دما أصلا والاصح عند أصحابنا وجوب الغسل وكذا الخلاف فيما إذا ألقت مضغة أو علقة والاصح وجوب الغسل ومن لا يوجب الغسل يوجب الوضوء والله أعلم ثم إن مذهبنا أنه يجب الغسل بخروج المنى سواء كان بشهوة ودفق أم بنظر أم في النوم أو في اليقظة وسواء أحس بخروجه أم لا وسواء خرج من العاقل أم من المجنون ثم أن المراد بخروج المنى أن يخرج إلى الظاهر أما ما لم يخرج فلا يجب الغسل وذلك بأن يرى النائم أنه يجامع وأنه قد أنزل ثم يستيقظ فلا يرى شيئا فلا غسل عليه باجماع المسلمين وكذا لو اضطرب بدنه لمبادئ خروج المنى فلم يخرج وكذا لو نزل المنى إلى أصل الذكر ثم لم يخرج فلا غسل وكذا لو صار المنى في وسط الذكر وهو في صلاة فأمسك بيده على ذكره فوق حائل فلم يخرج المنى حتى سلم من صلاته صحت صلاته فانه ما زال متطهرا حتى خرج والمرأة كالرجل في هذا الا أنها إذا كانت ثيبا فنزل المنى إلى فرجها ووصل الموضع الذى يجب عليها غسله في الجنابة والاستنجاء وهو الذى يظهر حال قعودها لقضاء الحاجة وجب عليها الغسل بوصول المنى إلى ذلك موضع لأنه في حكم الظاهر وان كانت بكرا لم يلزمها ما لم يخرج من فرجها لأن داخل فرجها كداخل احليل الرجل والله أعلم وأما ألفاظ الباب ومعانيه ففيه أم سليم وهى أم أنس بن مالك واختلفوا في اسمها فقيل اسمها سهلة وقيل مليكة وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميضا
[ 221 ]
والغميصا وكانت من فاضلات الصحابيات ومشهوراتهن وهى أخت أم حرام بنت ملحان رضى الله عنهما والله أعلم وأما قول عائشة رضى الله عنها فضحت النساء فمعناه حكيت عنهن أمرا يستحيا من وصفهن به ويكتمنه وذلك أن نزول المنى منهن يدل على شدة شهوتهن للرجال وأما قولها تربت يمينك ففيه خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها ولأصح الأقوى الذى عليه المحققون في معناه أنها كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله غير قاصدة حقيقة معناها الأصلى فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم له ولا أب لك وثكلته أمه وويل أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولنها عند انكار الشئ أو الزجر عنه أزجر عنه أو الذم عليه أو استعظامه أو الحث عليه أو الاعجاب به والله أعلم وأما قوله ص = لعائشة بل أنت فتربت يمينك فمعناه أنت أحق أن يقال لك هذا فإنها فعلت ما يجب عليها من السؤال عن دينها فلم تستحق الانكار واستحققت أنت الانكار لانكارك ما لا انكار فيه وأما قوله قولها تربت يمينك خير فكذا وقع في أكثر الأصول وهو تفسير ولم يقع هذا التفسير في كثير من الأصول وكذلك ذكر الاختلاف في اثباته وحذفه القاضى عياض ثم اختلف المثبتون في ضبطه فنقل صاحب المطالع وغيره عن الأكثرين أنه خير باسكان الياء المثناة من تحت ضد الشر وعن بعضهم أنه خبر بفتح الباء الموحدة قال القاضى عياض وهذا الثاني ليس بشئ قلت كلاهما صحيح فالأول معناه لم ترد بهذا شتما ولكنها كلمة تجرى على اللسان ومعنى الثاني أن هذا ليس بدعاء بل هو خبر لا يراد حقيقته والله أعلم قوله (حدثنا عباس بن الوليد حدثنا يزيد بن زريع) هو عباس بالباء الموحدة والسين المهملة وصحفه بعض الرواة لكتا ب مسلم فقال عياش بالياء المثناة والشين المعجمة وهو غلط صريح فان عياشا بالمعجمة هو عياش بن الوليد الرقام البصري ولم يرو عنه مسلم شيئا وروى عنه البخاري
[ 222 ]
وأما عباس بالمهملة فهو ابن الوليد البصري الترسى وروى عنه البخاري ومسلم جميعا وهذا مما لا خلاف فيه وكان غلط هذا القائل وقع له من حيث انهما مشتركان في الأب والنسب والعصر والله أعلم قوله (فقالت أم سليم واستحييت من ذلك) هكذا هو في الأصول وذكر الحافظ أبو على الغساني أنه هكذا في أكثر النسخ وأنه غير في بعض النسخ فجعل فقالت أم سلمة والمحفوظ من طرق شتى أم سلمة قال القاضي عياض وهذا هو الصواب لأن السائلة هي أم سليم والرادة عليها أم سلمة في هذا الحديث وعائشة في الحديث المتقدم ويحتمل أن عائشة وأم سلمة جميعا أنكرتا عليها وان كان أهل الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لعائشة والله أعلم قوله ص = (فمن أين يكون الشبه) معناه أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة منى فانزاله وخروجه منها ممكن ويقال شبه وشبه لغتان مشهورتان احداهما بكسر الشين واسكان الباء والثانية بفتحهما والله أعلم قوله ص = (أن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر) هذا أصل عظيم في بيان صفة المنى وهذه صفته في حال السلامة وفي الغالب قال العلماء منى الرجل في حال الصحة أبيض ثخين يتدفق في خروجه دفقة بعد دفقة ويخرج بشهوة ويتلذذ بخروجه وإذا خرج استعقب خروجه فتورا ورائحة كرائحة طلع النخل ورائحة الطلع قريبة من رائحة العجين وقيل تشبه رائحته رائحة الفصيل وقيل إذا يبس كان رائحته كرائحة البول فهذه صفاته وقد يفارقه بعضها مع بقاء ما يستقل بكونه منيا وذلك بأن يمرض فيصير منيه رقيقا أصفر أو يسترخي وعاء المنى فيسيل من غير التذاذ وشهوة أو يستكثر من الجماع فيحمر ويصير كماء اللحم وربما خرج دما غبيطا وإذا خرج المنى أحمر فهو طاهر موجب للغسل كما لو كان أبيض ثم أن خواص المنى التى عليها الاعتماد في كونه منيا ثلاث أحدها الخروج بشهوة مع
[ 223 ]
الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطلع كما سبق الثالث الخروج بزريق ودفق ودفعات وكل واحدة من هذه الثلاث كافية في اثبات كونه منيا ولا يشترط اجتماعها فيه وإذا لم يوجد شئ منها لم يحكم بكونه منيا وغلب على الظن كونه ليس منيا هذا كله في منى الرجل وأما منى المرأة فهو أصفر رقيق وقد يبيض لفضل قوتها وله خاصيتان يعرف بواحدة منهما احداهما أن رائحته كرائحة منى الرجل والثانية التلذذ بخروجه وفتور شهوتها عقب خروجه قالوا ويجب الغسل بخروج المنى بأى صفة وحال كان والله أعلم قوله ص = (فمن أيهما علا أو سبق يكون منه الشبه) وفي الرواية الأخرى (إذا علا ماؤها ماء الرجل وإذا علا ماء الرجل ماءها) قال العلماء يجوز أن يكون المراد بالعلو هنا السبق ويجوز أن يكون المراد الكثرة والقوة بحسب كثرة الشهوة وقوله ص = فمن أيهما علا هكذا هو في الأصول فمن أيهما بكسر الميم وبعدها نون ساكنه وهي الحرف المعروف وانما ضبطته لئلا يصحف بمنى والله أعلم قوله (حدثنا داود ابن رشيد) هو بضم الراء وفتح الشين قوله ص = (إذا كان منها ما يكون من الرجل فلتغتسل) معناه إذا خرج منها المنى فلتغتسل كما أن الرجل إذا خرج منه المنى اغتسل وهذا من حسن العشرة ولطف الخطا ب واستعمال اللفظ الجميل موضع اللفظ الذي يستحيا منه في العادة والله أعلم قولها إن الله لا يستحي من الحق)
[ 224 ]
قال العلماء معناه لا يمتنع من بيان الحق وضرب المثل بالبعوضة وشبهها كما قال سبحانه وتعالى أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه وقيل معناه أن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه وانما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال ففيه أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها فان ذلك ليس بحياء حقيقي لأن الحياء خير كله والحياء لا يأتي الا بخير والامساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر فكيف يكون حياء وقد تقدم ايضاح هذه المسألة في أوائل كتاب الايمان وقد قالت عائشة رضي الله عنها نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين والله اعلم قال أهل العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحيي بيائين ويقال أيضا يستحي بياء واحدة في المضارع والله أعلم قوله (قالت عائشة فقلت لها أف لك) معناه استحقارا لها ولما تكلمت به وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والانكار قال الباجي والمراد بها
[ 225 ]
هنا الانكار وأصل الأف وسخ الأظفار وفي أف عشر لغات أف وأف بضم الهمزة مع كسر الفاء وفتحها وضمها بغير تنوين وبالتنوين فهذه الستة والسابعة إف بكسر الهمزة وفتح الفاء والثامنة أف بضم الهمزة واسكان الفاء والتاسعة أفي بضم الهمزة وبالياء وأفه بالهاء وهذه اللغات مشهورات ذكرهن كلهن ابن الانباري وجماعات من العلماء ودلائلها مشهورة ومن أخصرها ما ذكره الزجاج وابن الانباري واختصره أبو البقاء فقال من كسر بناه على الأصل ومن فتح طلب التخفيف ومن ضم اتبع ومن نون أراد التنكير ومن لم ينون أراد التعريف ومن خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا وقال الأخفش وابن الانباري في اللغة التاسعة بالياء كأنه اضافة إلى نفسه والله أعلم قوله (عن مسافع بن عبد الله) هو بضم الميم وبالسين المهملة وبكسر الفاء قولها (تربت يداك وألت) هو بضم الهمزة وفتح اللام المشددة واسكان التاء هكذا الرواية فيه ومعناه أصابتها الألة بفتح الهمزة وتشديد اللام وهي الحربة وأنكر بعض الأئمة هذا اللفظ وزعم أن صوابه أللت بلامين الأولى مكسورة والثانية ساكنة وبكسر التاء وهذا الانكار فاسد بل ما صحت به الرواية صحيح وأصله أللت بكسر اللام الأولى وفتح الثانية واسكان التاء كردت أصله رددت ولا يجوز فك هذا الادغام الا مع المخاطب وانما وحد ألت مع تثنية يداك لوجهين أحدهما أنه أراد الجنس والثاني صاحبة اليدين أي وأصابتك
[ 226 ]
الألة فيكون جمعا بين دعاءين والله أعلم بيان صفة منى الرجل والمرأة وأن الولد مخلوق من مائها فيه حديث ثوبان رضي الله عنه في قصة الحبر اليهودي وقد تقدم في الباب الذي قبله بيان صفة المنى وأما الحبر فهو بفتح الحاء وكسرها لغتان مشهورتان وهو العالم قوله (حدثنى أبو أسماء الرحبي) هو بفتح الراء والحاء واسمه عمرو بن مرثد الشامي الدمشقي قال أبو سليمان بن زيد كان أبو أسماء الرحبي من رحبة دمشق قرية من قراها بينها وبين دمشق ميل رأيتها عامرة والله اعلم قوله (فنكت رسول الله ص = بعود) هو بفتح النون والكاف وبالتاء المثناة من فوق ومعناه يخط بالعود في الأرض ويؤثر به فيها وهذا يفعله المفكر وفي هذا دليل على جواز فعل مثل هذا وأنه ليس مخلا بالمرؤة والله أعلم قوله ص =
[ 227 ]
(هم في الظلمة دون الجسر) هو بفتح الجيم وكسرها لغتان مشهورتان والمراد به هنا الصراط قوله (فمن أول الناس اجازة) هو بكسر الهمزة وبالزاي ومعناه جوازا وعبورا قوله (فما تحفتهم) هي باسكان الحاء وفتحها لغتان وهي ما يهدى إلى الرجل ويخص به ويلاطف وقال ابراهيم الحلبي هي طرف الفاكهة والله أعلم قوله ص = (زيادة كبد النون) هو النون بنونين الأولى مضمو مة وهو الحوت وجمعه نينان وفي الرواية الأخرى (زائدة كبد النون) والزيادة والزائدة شئ واحد وهو طرف الكبد وهو أطيبها قوله (فما غذاؤهم) روى على وجهين أحدهما بكسر الغين وبالذال المعجمة والثاني بفتح الغين وبالدال المهملة قال القاضي هذا الثاني هو الصحيح وهو رواية الأكثرين قال والأول ليس بشئ قلت وله وجه وتقديره ما غذاؤهم في ذلك الوقت وليس المراد والسؤال عن غذائهم دائما والله اعلم قوله (على اثرها) بكسر الهمزة مع اسكان الثاء وبفتحهما جميعا لغتان مشهورتان قوله ص = (من عين فيها تسمى سلسبيلا) قال جماعة من أهل اللغة والمفسرين السلسبيل اسم للعين وقال مجاهد وغيره هي شديدة الجرى وقيل هي السلسة اللينة قوله ص = (اذكرا باذن الله وآنثا باذن الله) معنى الأول
[ 228 ]
كان الولد ذكرا ومعنى الثاني كان أنثى وقوله آنثا بالمد في أوله وتخفيف النون وقد روى بالقصر وتشديد النون والله أعلم صفة غسل الجنابة قال أصحابنا كمال غسل الجنابة أن يبدأ المغتسل فيغسل كفيه ثلاثا قبل ادخالهما في الاناء ثم يغسل ما على فرجه وسائر بدنه من الأذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة بكماله ثم يدخل أصابعه كلها في الماء فيغرف غرفة يخلل بها شعره من رأسه ولحيته ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات ويتعاهد معاطف بدنه كالابطين وداخل الأذنين والسرة وما بين الأليتين و أصابع الرجلين وعكن البطن وغير ذلك فيوصل الماء إلى جميع ذلك ثم يفيض على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر جسده ثلاث مرات يدلك في كل مرة ما تصل إليه يداه من بدنه وان كان يغتسل في نهر أو بركة انغمس فيها ثلاث مرات و يوصل الماء إلى جميع بشرته والشعور الكثيفة والخفيفة ويعم بالغسل ظاهر الشعر و باطنه وأصول منابته والمستحب أن يبدأ بميامنه وأعالى بدنه وأن يكون مستقبل القبلة وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا اله
[ 229 ]
الا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وينوي الغسل من أول شروعه فيما ذكرناه ويستصحب النية إلى أن يفرغ من غسله فهذا كمال الغسل والواجب من هذا كله النية في أول ملاقاة أول جزء من البدن للماء وتعميم البدن شعره وبشره بالماء ومن شرطه أن يكون البدن طاهرا من النجاسة وما زاد على هذا مما ذكرناه سنة وينبغي لمن اغتسل من اناء كالابريق ونحوه أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهي انه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء فينبغي أن يغسل محل الاستنجاء بعد ذلك بنية غسل الجنابة لانه إذا لم يغسله الآن ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لترك ذلك وان ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوءه أو يحتاج إلى كلفة في لف خرقة على يده والله أعلم هذا مذهبنا ومذهب كثيرين من الأئمة ولم يوجب أحد من العلماء الدلك في الغسل ولا في الوضوء الا مالك والمزني ومن سواهما يقول هو سنة لو تركه صحت طهارته في الوضوء والغسل ولم يوجب أيضا الوضوء في غسل الجنابة الا داود الظاهري ومن سواه يقولون هو سنة فلو أفاض الماء على جميع بدنه من غير وضوء صح غسله واستباح به الصلاة وغيرها ولكن الأفضل أن يتوضأ كما ذكرنا وتحصل الفضيلة بالوضوء قبل الغسل أو بعده وإذا توضأ أولا لا يأتي به ثانيا فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان والله أعلم فهذا مختصر ما يتعلق بصفة الغسل وأحاديث الباب تدل على معظم ما ذكرناه وما بقي فله دلائل مشهورة والله أعلم واعلم أنه جاء في روايات عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري ومسلم أنه ص = توضأ وضوءه للصلاة قبل افاضة الماء عليه فظاهر هذا أنه ص = أكمل الوضوء بغسل الرجلين وقد جاء في أكثر روايات ميمونة توضأ ثم أفاض الماء عليه ثم تنحى فغسل رجليه وفي رواية حديثها رواها البخاري توضأ وضوءه للصلاة غير قدميه ثم أفا ض الماء عليه ثم نحى قدميه فغسلهما وهذا تصريح بتأخير القدمين وللشافعي رضي الله عنه قولان أصحهما وأشهرهما والمختار منهما أنه يكمل وضؤه بغسل القدمين والثاني أنه يؤخر غسل القدمين فعلى القول الضعيف يتأول روايات عائشة وأكثر روايات ميمونة على أن المراد بوضوء الصلاة أكثره وهو ما سوى الرجلين كما بينته ميمونة في رواية البخاري فهذه الرواية صريحة وتلك الرواية محتملة للتأويل فيجمع بينهما بما ذكرناه وأما على المشهور الصحيح فيعمل بظاهر الروايات المشهروة المستفيضة عن عائشة وميمونة جميعا في تقديم وضوء
[ 230 ]
الصلاة فان ظاهره كمال الوضوء فهذا كان الغالب والعادة المعروفة له ص = وكان يعيد غسل القدمين بعد الفراغ لازالة الطين لا لاجل الجنابة فتكون الرجل مغسولة مرتين وهذا هو الاكمل الافضل فكان ص = يواظب عليه وأما رواية البخاري عن ميمونة فجرى ذلك مرة أو نحوها بيانا للجواز وهذا كما ثبت أنه ص = توضأ ثلاثا ثلاثا ومرة مرة فكان الثلاث في معظم الاوقات لكونه الافضل والمرة في نادر من الاوقات لبيان الجواز ونظائر هذا كثيرة والله أعلم وأما نية هذا الوضوء فينوي به رفع الحدث الاصغر الا أن يكون جنبا غير محدث فانه ينوي به سنة الغسل والله أعلم قوله فيدخل أصابعه في أصول الشعر انما فعل ذلك ليلين الشعر ويرطبه فيسهل مرور الماء عليه قوله (حتى إذا رأى أنه قد استبرأ حفن على
[ 231 ]
رأسه ثلاث حفنات) معنى استبرأ أي أوصل البلل إلى جميعه ومعنى حفن أخذ الماء بيديه جميعا قولها (أدنيت لرسول الله ص = غسله من الجنابة) هو بضم الغين وهو الماء الذي يغتسل به قولها (ثم ضرب بيده الارض فدلكها دلكا شديدا) فيه أنه يستحب للمستنجي بالماء إذا فرغ أن يغسل يده بتراب أو اشنان أو يدلكها بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها قولها (ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه) هكذا هو في الأصول التي ببلادنا كفه بلفظ الافراد ووكذا نقله القاضي عياض عن رواية الأكثرين وفي رواية الطبري كفيه بالتثنية وهي مفسرة لرواية الأكثرين والحفنة ملء الكفين جميعا قولها (ثم أتيته بالمنديل فرده) فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقد اختلف علماء أصحابنا في تنشيف الأعضاء في الوضوء والغسل على خمسة اوجه أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال فعله مكروه والثاني أنه مكروه والثالث أنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الذي نختاره فان المنع والاستحباب يحتاج إلى دليل ظاهر والرابع أنه مستحب لما فيه من الاحتراز عن الأوساخ والخامس يكره في الصيف دون الشتاء هذا ما ذكره أصحابنا وقد اختلف الصحابة وغيرهم في التنشيف على ثلاثة مذاهب أحدها أنه لا بأس به في الوضوء والغسل وهو قول أنس بن مالك والثوري والثاني مكروه فيها وهو قول ابن عمر وابن أبي ليلى والثالث يكره في الوضوء دون الغسل وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وقد جاء في ترك التنشيف هذا الحديث والحديث الآخر في الصحيح أنه
[ 232 ]
ص = اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من
[ 232 ]
ص = اغتسل وخرج ورأسه يقطر ماء وأما فعل التنشيف فقد رواه جماعة من الصحابة رضي الله عنهم من أوجه لكن أسانيدها ضعيفة قال الترمذي لا يصح في هذا الباب عن النبي ص = شئ وقد احتج بعض العلماء على اباحة التنشيف بقول ميمونة في هذا الحديث وجعل يقول بالماء هكذا يعنى ينفضه قال فإذا كان النفض مباحا كان التنشيف مثله أو أولى لاشتراكهما في ازالة الماء والله أعلم وأما المنديل فبكسر الميم وهو معروف وقال ابن فارس لعله مأخوذ من الندل وهو النقل وقال غيره هو مأخوذ من الندل وهو الوسخ لانه يندل به ويقال تندلت بالمناديل قال الجوهري ويقال أيضا تمندلت به وأنكرها الكسائي والله أعلم قولها (وجعل يقول بالماء هكذا يعنى ينفضه) فيه دليل على أن نفض اليد بعد الوضوء والغسل لا بأس به وقد اختلف أصحابنا فيه على أوجه أشهرها أن المستحب تركه ولا يقال أنه مكروه والثاني أنه مكروه والثالث أنه مباح يستوي فعله وتركه وهذا هو الأظهر المختار فقد جاء الحديث الصحيح في الاباحة ولم يثبت في النهي شئ أصلا والله أعلم قوله (وحدثنا محمد بن المثنى العنزي) هو بفتح العين والنون وبالزاي
[ 233 ]
قولها (دعا بشئ نحو الحلاب) هو بكسر الحاء وتخفيف اللام وآخره باء موحدة وهو اناء يحلب فيه ويقال له المحلب أيضا بكسر الميم قال الخطابي هو اناء يسع قدر حلبة ناقة وهذا هو المشهور الصحيح المعروف في الرواية وذكر الهروي عن الأزهري عن الأزهري أنه الجلاب بضم الجيم وتشديد اللام قال الأزهري وأراد به ماء الورد وهو فارسي معرب وأنكر الهروي هذا وقال أراه الحلاب وذكر نحو ما قدمناه والله أعلم (تم الجزء الثالث من صحيح الامام مسلم بشرح الامام النووي) (ويليه الجزء الرابع وأوله باب القدر المستحب من الماء في غسل الجنابة)