شرح سنن النسائي
جلال الدين السيوطي ج 4

[ 1 ]
سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الأمام السندي الجزء الرابع صححت هذه الطبعة بمعرفة أفاضل العلماء وقوبلت على عدة نسخ وقرئت في المرة على حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ حسن محمد المسعودي المدرس بالقسم العالي بالأزهر حقوق الطبع محفوظة دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان
[ 2 ]
كتاب الجنائز لا يتمنين أحدكم الموت اما محسنا فلعله أن يزداد خيرا وإما مسيئا فلعله أن يستعتب أي يرجع
[ 3 ]
عن الاساءة ويطلب الرضا قال بن مالك محسنا ومسيئا خبر يكون مضمرة
[ 4 ]
أكثروا من ذكر هاذم اللذات بالذال المعجمة بمعنى قاطع
[ 5 ]
لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله قال القرطبي أي قولوا ذلك وذكروهم به عند الموت قال وسماهم موتى لان الموت قد حضرهم وقال النووي معناه من حضره الموت والمراد ذكروه لا إله إلا الله ليكون آخر كلامه كما في الحديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
[ 6 ]
المؤمن يموت بعرق الجبين قال العراقي في شرح الترمذي اختلف في معنى هذا الحديث فقيل ان عرق الجبين يكون لما يعالج من شدة الموت وعليه يدل حديث بن مسعود قال أبو عبد الله القرطبي وفي حديث بن مسعود موت المؤمن بعرق الجبين يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازي بها عند الموت أو يشدد ليتمحص عنه ذنوبه هكذا ذكره في التذكرة ولم ينسبه إلى من خرجه من أهل الحديث وقيل أن عرق الجبين يكون من الحياء وذلك أن المؤمن إذا جاءته البشرى مع ما كان قد اقترف من الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء من الله تعالى فيعرق بذلك جبينه قال القرطبي في التذكرة قال بعض العلماء إنما يعرق جبينه حياء من ربه لما اقترف من مخالفته لان ما سفل منه قد مات وإنما بقيت قوى الحياة وحركاتها فيما علاه والحياء في العينين فذاك وقت الحياء والكافر في عمى من هذا كاه والموحد المعذب في شغل عن هذا بالعذاب الذي قد حل به وإنما العرق الذي يظهر لمن حلت به الرحمة فإنه ليس من ولي ولا صديق ولا بر الا وهو مستح من ربه مع البشرى والتحف والكرامات قال العراقي ويحتمل أن عرق الجبين علامة جعلت لموت المؤمن وان لم يعقل معناه
[ 7 ]
حاقنتي هي الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق وذاقنتي بالذال المعجمة الذقن وقيل طرف الحلقوم وقيل ما يناله الذقن من الصدر وألقى السجف بكسر المهملة وسكون الجيم وفاء الستر
[ 8 ]
وقيل لا يسمى سجفا الا أن يكون مشقوق الوسط كالمصراعين
[ 9 ]
إذا طمح البصر أي امتد وعلا وحشرج الصدر قال في النهاية الحشرجة الغرغرة
[ 10 ]
عند الموت وتردد النفس
[ 11 ]
بالسنح بضم السين والنون وقيل بسكونها موضع بعوالي المدينة مسجى أي مغطى ببرد حبرة قال في النهاية بوزن عنبة على الوصف والاضافة وهو برد يماني والجمع حبر وحبرات
[ 14 ]
والمبطون شهيد قال في النهاية أي الذي يموت بمرض بطنه كالاستسقاء ونحوه وقيل أراد هنا النفاس وهو أظهر قال البيضاوي من مات بالطاعون أو بوجع البطن ملحق بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة بسبب ما كابده من الشدة لا في جملة الاحكام والفضائل وصاحب ذات الجنب قال في النهاية هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها وصارت ذات الجنب علما لها وان كانت في الاصل صفة مضافة والمرأة تموت بجمع شهيدة قال في النهاية قيل هي التي تموت وفي بطنها ولد وقيل هي التي تموت بكرا والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المذخور وكسر
[ 15 ]
الكسائي الجيم والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أوب بكارة من صئر الباب أي شق الباب قال فانطلق فاحث في أفواههن التراب يؤخذ من هذا أن التأديب
[ 16 ]
يكون بمثل هذا ونحوه وهذا إرشاد عظيم قل من يتفطن له لا إسعاد في الاسلام قال في النهاية هو إسعاد النساء في المناحات أن تقوم المرأة فتقوم معها أخرى من جاراتها فتساعدها على النياحة وقيل كان نساء الجاهلية تسعد بعضهن بعضا على ذلك قال الخطابي الاسعاد خاص في هذا المعنى وأما المساعدة فعامة في كل معونة يقال أنها من وضع الرجل يده على ساعد صاحبه إذا
[ 17 ]
تماشيا في حاجة
[ 20 ]
سلق قال في النهاية أي رفع صوته عند المصيبة وقيل هو أن تصك المرأة وجهها وتمرشه والاول أصح
[ 22 ]
أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم إليه هي زينب كما في رواية بن أبي شيبة في المصنف أن ابنا لي قبض قال الحافظ شرف الدين الدمياطي هو علي بن أبي العاص بن الربيع وقيل البنت فاطمة والابن المذكور محسن ونفسه تتقعقع القعقعة حكاية صوت الشن اليابس إذا حرك شبه البدن بالجلد اليابس الخلق وحركة الروح فيه بما يطرح في الجلد من حصاة ونحوها الصبر عند الصدمة الولي قال الخطابي المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الايام يسلو
[ 24 ]
ما من مسلم يتوفى له بضم أوله ثلاثة لم يبلغوا الحنث بكسر الحاء المهملة وسكون النون ومثلثة وحكى بن قرقول عن الداودي أنه ضبطه بفتح الخاء المعجمة والموحدة وفسره بأن المراد لم يبلغوا أن يعملوا المعاصي قال ولم يذكره كذلك غيره والمحفوظ الاول والمعنى لم يبلغوا الحلم فتكتب عليهم الآثام قال الخليل بلغ الغلام الحنث أي جرى عليه القلم والحنث الذنب وقيل المراد بلغ إلى زمان يؤاخذ بيمينه إذا حنث وقال الراغب عبر بالحنث عن البلوغ لما كان الانسان يؤاخذ بما يرتكبه فيه بخلاف ما قبله وخص الاثم بالذكر لانه الذي يحصل بالبلوغ لان الصبي قد يثاب وخص الصغير بذلك لان الشفقة عليه أعظم والحب له أشد والرحمة له أوفر وعلى هذا فمن بلغ الحنث لا يحصل لمن فقده ما ذكره من هذا الثواب وان كان في فقد الولد أجر في الجملة وبهذا صرح كثير من العلماء وفرقوا بين البالغ وغيره بأنه يتصور منه العقوق المققضى لعدم الرحمة بخلاف الصغير وقال الزين بن المنير بل يدخل الكبير في ذلك من طريق الفحوى لانه إذا ثبت ذلك في الطفل الذي هو
[ 25 ]
كل على أبويه فكيف لا يثبت في الكبير الذي بلغ معه السعي ووصل له منه إليه النفع وتوجه إليه الخطاب بالحقوق إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم أي بفضل رحمة الله للاولاد كما صرح في رواية بن ماجة لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار بالنصب في جواب النفي الا تحلة القسم بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام أي ما ينحل به القسم وهو اليمين قال الجمهور
[ 26 ]
والمراد بذلك قوله تعالى وإن منكم الا واردها قال الخطابي معناه لا يدخل النار ليعاقب بها ولكنه يدخلها مجتازا ولا يكون ذلك الجواز الا قدر ما تحلل به اليمين وقيل لم يعن به قسم بعينه وإنما معناه التقليل لامر ورودها وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول ما ينام فلان الا كتحليل الآلية وتقول ما ضر به الا تحليلا إذا لم يبالغ في الضرب الا قدرا يصيبه منه مكروه لقد احتظرت بحظار شديد من النار أي احتميت منها بحمى عظيم يقيك حرها ويؤمنك دخلوها تذرفان
[ 27 ]
بكسر الراء تسيلان يقال ذرفت العين بذال معجمة وراء مفتوحة وفاء أي جرى دمعها نعى لهم النجاشي قال الزركشي فيه ثلاث لغات تشديد الياء مع فتح النون وكسرها وتخفيف الياء مع فتح النون حكاه صاحب ديوان الادب واسمه أصحمة لعلك بلغت معهم الكدى قال في النهاية أراد المقابر وذلك لان مقابرهم كانت في مواضع صلبة وهي جمع كدية وترؤ بالراء جمع كرية أو كروة من كريت الارض وكروتها إذا حفرتها كالحفرة من حفرت لو بلغتها معهم ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك أقول لا دلالة في هذا على ما توهمه المتوهمون لانه لو مشت امرأة مع جنازة إلى المقابر لم يكن ذلك كفرا موجبا للخلود في النار كما هو واضح وغاية ما في ذلك
[ 28 ]
أن يكون من جملة الكبائر التي يعذب صاحبها ثم يكون آخر أمره إلى الجنة وأهل السنة يؤولون ما ورد من الحديث في أهل الكبائر أنهم لا يدخلون الجنة والمراد لا يدخلونها مع السابقين الذين يدخلونها أولا بغير عذاب فأكثر ما يدل الحديث المذكور على أنها لو بلغت معهم الكدى لم تر الجنة مع اسابقين بل يتقدم ذلك عذاب أو شدة أو ما شاء الله من أنواع المشاق ثم يؤول أمرها إلى دخول الجنة قطعا ويكون المعنى به كذلك لا ترى الجنة مع السابقين بل يتقدم ذلك الامتحان وحده أو مع مشاق آخر ويكون معنى الحديث لم تر الجنة حتى يأتي الوقت الذي يراها فيه جد أبيك فترينها حينئذ فتكون رؤيتك لها متأخرة عن رؤية غيرك من السابقين لها هذا مدلول الحديث لا دلالة له على قواعد أهل السنة غير ذلك والذي سمعته من شيخنا شيخ الاسلام شرف الدين المناوى وقد سئل عن عبد المطلب فقال هو من أهل الفترة الذين لم تبلغ لهم الدعوة وحكمهم في المذهب معروف أن أم عطية الانصارية قالت دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته قال النووي هي زينب هكذا قال الجمهور وقال بعض أهل السير أنها أم كلثوم
[ 29 ]
والصواب زينب
[ 30 ]
فألقى إلينا حقوه هي في الاصل معقد الازار ثم أريد بها الازار للمجاورة وهو بفتح الحاء ويكسر في لغة أشعرنها إياه أي جعلنه شعارها أي الثوب الذي يلي جسدها
[ 33 ]
إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه قال النووي في شرح المهذب هو بفتح الفاء كذا ضبطه الجمهور وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة إسكان الفاء أي فعل التكفين من الاسباغ والعموم والاول هو الصحيح أي يكون الكفن حسنا قال أصحابنا والمراد بتحسينه بياضه ونظافته وسبوغه وكثافته
[ 34 ]
لا كونه ثمينا لحديث النهي عن المغالاة وفي كامل بن عدي من حديث أبي هريرة مثله وفي شعب الايمان للبيهقي عن أبي قتادة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولى أحدم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون في قبورهم وفي الضعفاء للعقيلي من حديث أنس مرفوعا إذا ولى أحدكم أخاه فليحسن كفنه فإنهم يتزاورون في أكفانهم قال البيهقي بعد تخريج حديث أبي قتادة وهذا لا يخالف قول أبي بكر الصديق في الكفن إنما هو للمهلة يعني الصديد لان ذلك في رؤيتنا ويكون كما شاء الله في علم الله كما قال في الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون وهم كما تراهم يتشحطون في الدماء ثم يتفتتون وإنما يكونون كذلك في رؤيتنا ويكونون في الغيب كما أخبر الله تعالى عنهم ولو كانوا في رؤيتنا كما أخبر الله تعالى عنهم لارتفع الايمان بالغيب قلت لكن يحتاج إلى الجمع بين هذا وبين ما أخرجه أبو داود عن علي بن أبي طالب قال لا تغالوا في كفني فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سلبا سريعا وأخرج بن أبي الدنيا عن يحيى بن راشد أن عمر بن الخطاب قال في وصيته اقصدوا في كفني فإنه ان كان لي عند الله خير أبدلني ما هو خير منه وان كان على غير ذلك سلبني وأسرع وأخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد الزهد عن عبادة بن نسي قال لما حضرت أبا بكر الوفاة قال لعائشة اغسلي ثوبي هذين وكفنيني بهما فإنما أبوك أحد رجلين إما مكسو أحسن الكسوة أو مسلوب أسوأ السلب وأخرج بن سعد وابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن أبي الدنيا والحاكم والبيهقي من طرق عن حذيفة أنه قال عند موته اشتروا لي ثوبين
[ 35 ]
أبيضين ولا عليكم أن لا تغالوا فإنهما لم يتركا علي إلا قليلا حتى أبدل بهما خيرا منهما أو شرا منهما وقد يجمع باختلاف أحوال الاموات فمنهم من يعجل له الكسوة لعلو مقامه كأبي بكر وعمر وعلي وحذيفة ومن جرى مجراهم من الاعلين ومنهم من لم يبلغ هذا المقام وهو من المسلمين فيستمر في أكفانه ويتزاورون فيها كما يقع ذلك في الموقف أنه يعجل الكسوة لاقوام ويؤخر آخرون كفن النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب في طبقات بن سعد إزار ورداء ولفافة سحولية هو بضم أوله ويروى بفتحه لنسبته إلى سحول قرية باليمن وقال الازهري بالفتح المدينة وبالضم الثياب وقيل النسب إلى القرية بالضم وأما بالفتح فنسبة إلى القصار لانه يسحل الثياب أي ينقيها ووقع في رواية البيهقي سحولية جدد ليس فيها قميص ولا عمامة قال العراقي في شرح الترمذي فيه حجة على أبي حنيفة ومالك ومن تابعهما في استحبابهم القميص والعمامة في تكفين الميت وحملوا الحديث على أن المراد ليس القميص والعمامة من جملة الاثواب الثلاثة وإنما هما زائدان عليها وهو خلاف ظاهر الحديث بل المراد أنه لم يكن في الثياب التي كفن فيها
[ 36 ]
قميص ولا عمامة مطلقا وهكذا فسره الجمهور يمانية بتخفيف الياء منسوب إلى اليمن والاصل يمنية بالتشديد خفف بحذف إحدى ياءي النسب وعوض منها الالف كرسف بضم الكاف والمهملة بينهما راء ساكنة هو القطن برد حبرة قال العراقي روى بالاضافة والقطع حكاهما صاحب النهاية والاول هو المشهور وحبرة بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة على وزن عنبة ضرب من البرود اليمانية قال الازهري وليس حبرة موضعا أو شيئا معلوما إنما هو شئ كقولك ثوب قرمز والقرمز صبغة وذكر الهروي في الغريبين أن برود حبرة هي ما كان موشى مخططا لما مات عبد الله بن أبي جاء ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال اعطني قميصك حتى أكفنه فيه وصل عليه واستغفر له فأعطاه قميصه قال الحافظ بن حجر يخالفه ما في حديث
[ 37 ]
جابر بعده حيث قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبر عبد الله بن أبي وقد وضع في حفرته فوقف عليه فأمر به فأخرج له فوضعه على ركبتيه وألبسه قميصه قال وقد جمع بينهما بأن معنى قوله في الحديث الاول فأعطاه قميصه أي أنعم له بذلك فأطلق على العدة اسم العطية مجازا لتحقق وقوعها وقيل أعطاه أحد قميصيه أولا ثم أعطاه الثاني بسؤال ولده وفي الا كليل للحاكم ما يؤيد ذلك وقيل ليس في حديث جابر دلالة على أنه ألبسه قميصه بعد إخراجه من قبره لان الواو لا ترتب فلعله أراد أن يذكر ما وقع في الجملة من إكرامه له من غير إرادة ترتيب فجذبه عمر وقال قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين قال الحافظ بن حجر استشكل بأن نزول قوله تعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا كان بعد ذلك كما في سياق هذا الحديث فأنزل الله ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره فترك الصلاة عليهم وقال محصل الجواب أن عمر فهم من قوله
[ 38 ]
فلن يغفر الله لهم منع الصلاة عليهم فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن لا منع وأن الرجاء لم ينقطع بعد لم يأكل من أجره شيئا كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح
[ 39 ]
أينعت بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح النون أي نضجت يهدبها بفتح أوله وكسر المهملة أي يجتنيها وضبطه النووي بكسر الدال وحكى بن التين تثليثها ولا تمسوه بضم أوله وكسر الميم من أمس ولا تخمروا رأسه أي لا تغطوه قال مالك وأبو حنيفة هذا الحديث خاص بالاعرابي
[ 40 ]
بعينه وأما غيره فيفعل بالمحرم ما يفعل بالحلال فيغطي رأسه ويقرب طيبا
[ 41 ]
إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال قدموني قال ظاهره أن قائل ذلك هو الجسد المحمول على الاعناق وقال بن بطال إنما يقول ذلك الروح ورده بن المنير بأن لا مانع أن يرد الله الروح إلى الجسد في تلك الحال فيكون ذلك زيادة في بشرى المؤمن وبؤس الكافر وقال بن بزيزة قوله في آخر الحديث إذا وضعت الجنازة قال الحافظ بن حجر يحتمل أن يريد بالجنازة نفس الميت وبوضعه جعله في السرير ويحتمل أن يريد السرير والمراد وضعها على الكتف والاول أولى لقوله بعد ذلك فإن كانت صالحة قالت فإن المراد الميت ويؤيده ما في حديث أبي هريرة قبله يسمع صوتها كل شئ دال على أن ذلك بلسان المقال لا بلسان الحال ولو سمعها الانسان لصعق أي لغشي عليه من شدة
[ 42 ]
ما يسمعه وهو راجع إلى الدعاء بالويل أي يصيح بصوت منكر لو سمعه الانسان لغشي عليه قال بن بزيزة هو مختص بالميت الذي هو غير صالح وأما الصالح فمن شأنه اللطف والرفق في كلامه فلا يناسب الصعق من سماع كلامه قال الحافظ بن حجر ويحتمل أن يحصل الصعق من سماع كلام الصالح لكونه غير مألوف وقد روى أبو القاسم بن منده هذا الحديث في كتابه الاهوال بلفظ لو سمعه الانسان لصعق منه المحسن والمسئ فإن كان المراد به المفعول دل على وجود الصعق عند كلام الصالح أيضا أسرعوا بالجنازة أي بحملها إلى قبرها وقيل المعنى الاسراع بتجهيزها وعلى الاول المراد بالاسراع شدة المشي قال القرطبي مقصود الحديث أن لا يتباطأ بالميت عن الدفن لان البطء ربما أدى إلى التباهي والاختيال فخير خبر مبتدأ محذوف أي فهو خير أو مبتدأ خبره محذوف
[ 43 ]
أي فلها خير أو فهناك خير إذا مرت بكم جنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع قال القاضي عياض اختلف الناس في هذه المسألة فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي القيام منسوخ وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون المالكيان هو مخير قال واختلفوا في قيام من يشيعها عند القبر فقال جماعة من الصحابة والسلف لا يقعد حتى توضع قالوا والنسخ إنما هو في قيام من مرت به وبهذا قال الاوزاعي ومحمد بن الحسن وقال النووي المشهور في مذهبنا أن القيام ليس مستحبا وقالوا هو منسوخ بحديث علي واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب وهذا هو المختار فيكون الامر به للندب والقعود بيانا للجواز ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لان
[ 44 ]
النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الاحاديث ولم يتعذر إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم بضم أوله وفتح المعجمة وتشديد اللام المكسورة أي تترككم وراءها ونسبة ذلك إليها على سبيل
[ 45 ]
المجاز لان المراد حاملها أنه من أهل الارض أي من أهل الذمة وقيل لهم ذلك لان المسلمين
[ 46 ]
لما فتحوا البلاد أقروهم على عمل الارض وحمل الخراج إن للموت فزعا قال القرطبي معناه ان الموت يفزع إليه إشارة إلى استعظامه ومقصود الحديث أن لا يستمر الانسان على الغفلة بعد رؤية الميت لما يشعر ذلك من التساهل بأمر الموت فمن ثم استوى فيه الميت مسلما أو غير مسلم وقال غيره جعل نفس الموت فزعا مبالغة كما يقال رجل عدل وقال البيضاوي هو مصدر
[ 47 ]
جرى مجرى الوصف للمبالغة أو فيه تقدير أي الموت ذو فزع قال الحافظ بن حجر ويؤيد الثاني رواية بن ماجة ان للموت فزعا وفيه تنبيه على أن تلك الحال ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها
[ 48 ]
ويضطرب ولا يظهر منه عدم الاحتفال والمبالاة بن حلحلة بمهملتين مفتوحتين ولامين الاولى ساكنة والثانية مفتوحة مر عليه بجنازة فقال مستريح ومسرتاح منه الواو بمعنى أو أو هي للتقسيم وقال أبو البقاء في اعرابه التقدير الناس أو الموتى مستريح ومستراح منه
[ 49 ]
العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا هو التعب وزنا ومعنى وأذاها من عطف العام على الخاص والعبد الفاجر قال بن التين يحتمل ان يريد به الكافر ويحتمل أن يدخل فيه العاصي قال وكذا قوله المؤمن يحتمل أن يريد به التقى خاصة ويحتمل كل مؤمن يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب قال النووي أما استراحة العباد فمعناه اندفاع أذاه عنهم وأذاه يكون من وجوه منها ظلمه لهم ومنها ارتكابه للمنكرات فإن أنكروها قاسوا مشقة من ذلك وربما نالهم ضرر وإن سكتوا عنه أثموا واستراحة الدواب منه كذلك لانه يؤذيها بضربها وتحميلها ما لا تطيقه ويجيعها في بعض الاوقات وغير ذلك واستراحة البلاد والشجر قال الداودي لانها تمنع المطر بمعصيته وقال الباجي لانه يغصبها ويمنعها حقها من الشرب وغيره من أوصاب الدنيا جمع وصب بفتح الواو والمهملة ثم موحدة وهو دوام الوجع ويطلق
[ 50 ]
أيضا على فتور البدن مر بجنازة فأثنى عليها خيرا الحديث في مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل على الذي أثنوا عليها شرا وصلى على الآخر أنتم شهداء الله في الارض أي المخاطبون بذلك من الصحابة ومن كان على صفتهم من الايمان وحكى بن التين أن ذلك مخصوص بالصحابة لانهم كانوا ينطقون بالحكمة بخلاف من بعدهم قال والصواب أن ذلك يختص بالثقات
[ 51 ]
والمتقين أنبأنا عبد الله بن بريدة عن أبي الاسود الديلي قال الحافظ بن حجر لم أره من رواية عبد الله بن بريدة إلا معنعنا وقد حكى الدارقطني في كتاب التتبع عن علي بن المديني أن بن بريدة إنما يروى عن يحيى بن يعمر عن أبي الاسود ولم يقل في هذا الحديث سمعت أبا الاسود وابن بريدة ولد في عهد عمر فقد أدرك أبا الاسود بلا ريب قال أتيت المدينة زاد في رواية البخاري وقد وقع بها مرض وهم يموتون موتا ذريعا أي سريعا فأثنى على صاحبها خيرا قال الحافظ بن حجر كذا في جميع الاصول بالنصب وكذا شرا وقد غلط من ضبط أثنى بفتح الهمزة على البناء للفاعل فإنه في جميع الاصول مبنى للمفعول قال بن التين والصواب بالرفع وفي نصبه بعد في اللسان ووجهه غيره بأن الجار والمجرور أقيم مقام المفعول الاول وخيرا مقام الثاني وهو جائز وان كان المشهور عكسه وقال النووي هو منصوب بنزع الخافض أي أثنى عليها بخير وقال بن مالك خيرا صفة لمصدر محذوف فأقيمت مقامه فنصبت لان أثنى مسند إلى الجار والمجرور قال والتفاوت بين الاسناد إلى المصدر والاسناد إلى الجار والمجرور قليل أيما مسلم شهد له أربعة بالخير أدخله الله الجنة الحديث قال الداودي المعتبر في ذلك شهادة أهل
[ 52 ]
الفضل والصدق لا الفسقة لانهم قد يثنون على من يكون مثلهم ولا من بينه وبين الميت عداوة لان شهادة العدو لا تقبل وقال الحافظ بن حجر اقتصار عمر على ذكر أحد الشقين إما للاختصار وإما لاحالته السامع على القياس والاول أظهر وقال النووي في هذا الحديث قولان للعلماء أحدهما أن هذا الثناء بالخير لمن أثنى عليه أهل الفضل وكان ثناؤهم مطابقا لافعاله فيكون من أهل الجنة فإن لم يكن كذلك فليس هو مرادا بالحديث والثاني وهو الصحيح المختار أنه على عمومه وإطلاقه وأن كل مسلم مات فألهم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا على أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا لانه وان لم تكن أفعاله تقتضيه فلا تحتم عليه العقوبة بل هو في حظر المشيئة فإذا ألهم الله عزوجل عباده الثناء عليه استدللنا بذلك على أنه سبحانه وتعالى قد شاء المغفرة وبهذا تظهر فائدة اثناء وقوله صلى الله عليه وسلم وجبت وأنتم شهداء الله في الارض لو كان لا ينفعه ذلك إلا أن يكون أفعاله تقتضيه لم يكن للثناء فائدة وقد أثبت النبي صلى الله عليه وسلم فائدة لا تذكروا هلكاكم إلا بخير قيل ما الجمع بين هذا ونحوه وبين الحديث السابق ومر بجنازة فأثنى عليها شرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم وجبت ولم ينههم عن الثناء بالشر وأجاب النووي بأن النهي عن سب الاموات هو في غير المنافق والكافر وفي غير المتظاهر بفسق أو بدعة فأما هؤلاء فلا يحرم ذكرهم بالشر للتحذير من طريقهم
[ 53 ]
ومن الاقتداء بآثارهم والتخلق بأخلاقهم قال والحديث الآخر محمول على ان الذي أثنوا عليه شرا كان مشهورا بنفاق أو نحوه مما ذكرنا يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله الحديث قال
[ 54 ]
الحافظ بن حجر هذا يقع في الاغلب ورب ميت لا يتبعه إلا عمله فقط والمراد من يتبع جنازته من أهله ورفيقه ودوابه على ما جرت به عادة العرب وإذا انقضى أمر الحزن عليه رجعوا سواء
[ 55 ]
أقاموا بعد الدفن أم لا ومعنى بقاء عمله أنه يدخل معه القبر من تبع جنازة حتى يصلي عليها كان له من الاجر قيراط نقل بن الجوزي عن بن عقيل أنه كان يقول القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار والاشارة بهذا المقدار إلى الاجر المتعلق بالميت في تجهيزه وجميع ما يتعلق به فللمصلي عليه قيراط من ذلك ولمن يشهد الدفن قيراط وذكر القيراط تقريبا للفهم لما كان الانسان يعرف القيراط ويعمل العمل في مقابلته وعد من جنس ما يعرف وضرب له المثل بما يعلم قال الحافظ بن حجر وليس ما قاله ببعيد وقد روى البزار من حديث أبي هريرة مرفوعا من أتى جنازة في أهلها فله قيراط فإن تبعها فله قيراط فإن صلى عليها فله قيراط فإن انتظرها حتى تدفن فله قيراط فهذا يدل على أن لكل عمل من أعمال الجنازة قيراطا وان اختلفت مقادير القراريط ولا سيما بالنسبة إلى مشقة ذلك العمل وسهولته وعلى هذا فيقال إنما خص قيراطي الصلاة والدفن بالذكر لكونهما المقصودين بخلاف باقي أحوال الميت فإنها وسائل كل واحد منهما أعظم من أحد قال بن المنير أراد تعظيم الثواب فمثله للعيان بأعظم الجبال خلقا وأكثرها إلى
[ 56 ]
النفوس المؤمنة حبا لانه الذي قال في حقه إنه جبل يحبنا ونحبه زاد بن حجر ولانه أيضا قريب من المخاطبين يشترك أكثرهم في معرفته وقال في حديث واثلة عند بن عدي كتب له قيراطان من أجر أخفهما في ميزانه يوم القيامة أثقل من جبل أحد قال فأفادت هذه الرواية بيان وجه التمثيل
[ 57 ]
بجبل أحد وأن المراد به زنة الثواب المرتب على ذلك العمل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الانصار يصلي عليه قالت عائشة رضي الله عنها فقلت طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل سوءا ولم يدركه قال أو غير ذلك يا عائشة خلق الله الجنة وخلق لها أهلا وخلقهم في أصلاب آبائهم وخلق النار وخلق لها أهلا وخلقهم في أصلاب آبائهم قال النووي
[ 58 ]
أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة والجواب عن هذا الحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة سئل عن أولاد المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين قال
[ 59 ]
بن قتيبة أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشئ وتمسك به من قال إنهم في مشيئة الله تعالى وهو منقول عن حماد وابن المبارك وإسحاق ونقله البيهقي في الاعتقاد عن الشافعي قال بن عبد البر وهو مقتضى منع مالك وصرح به أصحابه وقال النووي المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلان لا يعذب غير العاقل من باب أولى قال الحافظ بن حجر ويؤيده ما رواه أبو يعلى من حديث بن عباس مرفوعا أخرجه البزار وروى بن عبد البر من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم مع آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الاسلام فنزلت ولا تزر وازرة وزر أخرى فقال هم على الفطرة أو قال في الجنة وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم ضعيف قال البيضاوي الثواب والعقاب ليسا بالاعمال وإلا لزم أن يكون الذراري لا في الجنة ولا في النار بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الالهي المقدر لهم في الازل فالواجب فيهم التوقف فمنهم من سبق القضاء بأنه سعيد
[ 60 ]
حتى لو عاش عمل بعمل أهل الجنة ومنهم بالعكس عن بن عباس قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين قال الحافظ بن حجر لم يسمع بن عباس هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك أحمد من طريق عمار بن أبي عمار عن بن عباس قال كنت أقول في أولاد المشركين هم منهم حتى حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلقيته فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين فأمسكت
[ 61 ]
عن قولي عن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت وقال الشافعي في الام جاءت الاخبار كأنها عيان من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على قتلى أحد وما روى أنه صلى عليهم وكبر على حمزة سبعين تكبيرة لا يصح وقد كان ينبغي لمن عارض بذلك هذه الاحاديث ان يستحيي على نفسه قال وأما حديث عقبة بن عامر فقد وقع في نفس الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سنين يعني والمخالف يقول لا يصلي على القبر إذا طالت المدة قال وكأنه صلى الله عليه وسلم دعا لهم واستغفر لهم حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك ولا يدل على نسخ الحكم الثابت وقال النووي المراد بالصلاة هنا الدعاء وقوله صلاته على الميت أي مثل صلاته ومعناه أنه دعا لهم بمثل الدعاء الذي كانت عادته أن يدعو به للموتى وفي رواية البخاري زيادة بعد ثمان سنين كالمودع للاحياء والاموات قال وكانت آخر نظرة نظرتها
[ 62 ]
إلى رسول الله صلى لله عليه وسلم إني فرط لكم الفرط هو الذي يتقدم ويسبق القوم ليرتادل لهم الماء ويهئ لهم الدلاء والارشية كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد قال المظهري في شرح المصابيح معنى ثوب واحد قبر واحد إذ لا يجوز تجريدهما بحيث يتلاقى بشرتاهما أنا شهيد على هؤلاء قال الكرماني أي أشهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم لله تعالى
[ 63 ]
أذلقته الحجارة بالذال المعجمة أي بلغت منه الجهد حتى قلق فشكت عليها ثيابها قال في النهاية أي جمعت عليها ولفت لئلا تنكشف كأنها ضمت وزرت عليها بشوكة أو خلال وقيل
[ 64 ]
معناه أرسلت عليها ثيابها والشك الاتصال واللصوق
[ 65 ]
صلوا على صاحبكم فإن عليه دينا قال البيضاوي لعله صلى الله عليه وسلم امتنع عن الصلاة على المديون الذي لم يترك وفاء تحذيرا من الدين وزجر عن المماطلة أو كراهة أن يوقف دعاؤه عن الاجابة بسبب ما عليه
[ 66 ]
من مظلمة الخلق أن رجلا قتل نفسه بمشاقص جمع مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو نصل السهم إذا كان طويلا غير عريض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فلا أصلي عليه قال النووي أخذ بظاهره من قال لا يصلي على قاتل نفسه لعصيانه وهو مذهب الاوزاعي وأجاب الجمهور بأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرا للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره الصلاة على من عليه دين زجرا لهم عن التساهل في الاستدانة
[ 67 ]
وعن اهمال وفائها وأمر الصحابة بالصلاة عليه فقال صلوا على صاحبكم من تردى من جبل أي سقط ومن تحسى أي شرب يجأ بها في بطنه يقال وجأته بالسكين إذا ضربته بها
[ 68 ]
ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن البيضاء الا في جوف المسجد قال النووي بنو بيضاء ثلاثة سهل وسهيل وصفوان وأمهم البيضاء اسمها رعد والبيضاء وصف وأبوهم وهب
[ 69 ]
بن ربيعة القرشي الفهري وكان سهيل قديم الاسلام هاجر إلى الحبشة ثم عاد إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وغيرها توفي سنة تسع من الهجرة اشتكت امرأة بالعوالى مسكينة اسمها أم محجن
[ 71 ]
صلى على أم فلان ماتت في نفاسها هي أم كعب فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة وسطها قال القرطبي قيدناه بإسكان السين ظرف أي في وسطها ومنهم من فتحها
[ 73 ]
وزوجا خيرا من زوجه قال طائفة من الفقهاء هذا خاص بالرجل ولا يقال في الصلاة على
[ 74 ]
المرأة أبدلها زوجا خيرا من زوجها لجواز أن تكون لزوجها في الجنة فإن المرأة لا يمكن الاشتراك
[ 75 ]
فيها والرجل يقبل ذلك
[ 78 ]
وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير قال في النهاية معناه وصفهم بالسكون والوقار وأنهم لم يكن فيهم طيش ولا خفة لان الطير لا تكاد تقع الا على شئ ساكن زملوهم بدمائهم أي لفوهم كلم هو الجرح
[ 81 ]
عن بن عباس قال جعلت تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن قطيفة حمراء زاد بن سعد
[ 82 ]
في طبقاته قال وكيع هذا للنبي صلى الله
[ 83 ]
عليه وسلم خاصة وله عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط تحته شمل قطيفة حمراء كان يلبسها قال وكانت أرض ندية وله من طريق آخر عن
[ 84 ]
الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم افرشوا لي قطيفتي في لحدي فإن الارض لم تسلط على
[ 85 ]
أجساد الانبياء
[ 86 ]
على جنازة بن الدحداح قال النووي بدالين وحاءين مهملات ويقال أبو الدحداح ويقال أبوالدحداحة قال بن عبد البر لا يعرف اسمه قلت حكى في أن اسمه ثابت فلما رجع أتى بفرس معرورى قال أهل اللغة أعروريت الفرس إذا ركبته عريا فهو معروري وقالوا لم يأت افعوعل على معدي الا قولهم اعروريت الفرس واحلوليت الشئ‌نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني على القبر قال العراقي في شرح الترمذي يحتمل أن المراد البناء على نفس القبر ليرفع عن أن ينال بالوطئ كما يفعله كثير من الناس أو أن المراد النهي أن يتخذ حول القبر بناء كمتربة أو مسجد أو مدرسة ونحو ذلك قال وعليه حمله النووي في شرح المهذب قال الشافعي والاصحاب يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه لهذا الحديث لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا أو يجصص قال العراقي ذكر بعض العلماء أن الحكمة في النهي عن تجصيص
[ 87 ]
القبور كون الجص أحرق بالنار قال وحينئذ فلا بأس بالتطيين كما نص عليه الشافعي زاد سليمان بن موسى أو يكتب عليه قال المزي في الاطراف سليمان لم يسمع من جابر فلعل بن جريج رواه عن سليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أو عن أبي الزبير عن جابر مسندا ورواه بن ماجة عن بن جريج عن سليمان عن موسى عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب على القبر شئ قال العراقي يحتمل أن المراد مطلق الكتابة كتابة اسم صاحب القبر عليه أو تاريخ وفاته أو المراد كتاب شئ من القرآن وأسماء الله تعالى للتبرك لاحتمال أن يوطأ أو يسقط على الارض فيصير تحت الارجل وقال الحاكم في المستدرك بعد تخريجه هذا الحديث هذه الاسانيد صحيحة وليس العمل عليها فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب يكتبون على قبورهم وهو شئ أخذه الخلف عن السلف وتعقبه الذهبي في مختصره بأنه محدث ولم يبلغهم النهي عن تقصيص القبور بالقاف قال في النهاية هو بناؤها بالقصة وهو الجص
[ 88 ]
عن أبي الهياج بفتح الهاء وتشديد الياء المثناة من تحت وآخره جيم أسمه حيان بفتح الحاء المهملة
[ 89 ]
وتشديد المثناة من تحت وآخره نون بن حسن الاسدي الكوفي ليس له في الكتب إلا هذا الحديث الواحد ولا تقولوا هجرا قال في النهاية أي فحشا يقال أهجر في منطقة يهجر إهجارا إذا فحش
[ 90 ]
وكذلك إذا أكثر الكلام فيما لا ينبغي والاسم الهجر بالضم وهجر يهجر هجرا بالفتح إذا خلط في كلامه وإذا هذى
[ 92 ]
فلم يلبث إلا ريثما ظن أي قدر ذلك وهو بفتح الراء وإسكان الياء وبعدها مثلثة وأخذ رداءه رويدا أي برفق وتقتنعت إزاري قال النووي كذا في الاصول بغير باء وكأنه بمعنى لبست إزاري فلذا عدى بنفسه فأحضر بحاء مهملة وضاد معجمة أي عدا والاحضار والحضر بالضم العدو مالك يا عائشة حشيا بفتح الحاء المهملة وإسكان الشين المعجمة مقصور قال في النهاية أي مالك قد وقع عليك الحشا وهو الربو والنهج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال رجل حشى وحشيان رابية أي مرتفعة البطن قالت لا في مسلم لا شئ وفي رواية لابي شئ وأنت السواد أي الشخص فلهزني بالزاي أي دفعني واللهز الضرب بجمع الكف
[ 93 ]
في الصدور وروى فلهدني بالدال المهملة قال النووي وهما متقاربان قال ويقرب منهما لكزه ووكزه
[ 98 ]
لا دريت ولا تليت قال الخطابي هكذا يرويه المحدثون والصواب ولا ائتليت على وزن افتعلت من قولهم ما ألوت هذا الامر أي ما استطعته وقال معناه ولا قرأت أي لا تلوت فقلبوا الواو ليزدوج الكلام مع دريت قال الازهري ويروى أتليت يدعو عليه ان لا يتلو أهله أي لا يكون لها أولاد تتلوها من يقتله بطنه قال في النهاية أي الذي يموت بمرض بطنه
[ 99 ]
كالاستسقاء ونحوه وقال القرطبي في التذكرة فيه قولان أحدهما أنه الذي يسببه الذرب وهو الاسهال والثاني أنه الاستسقاء وهو أظهر القولين فيه لان العرب تنسب موته إلى بطنه يقول قتله بطنه يعنون الداء الذي أصابه في جوفه وصاحب الاستسقاء قل أن يموت إلا بالذرب فكأنه قد جمع الوصفين والوجود شاهد للميت بالبطن أن عقله لا يزال حاضرا وذهنه باقيا إلى حين موته بخلاف من يموت بالسام والبرسام والحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الآلام ولورم أدمغتهم ولفساد أمزجتها فإذا كان الحال هكذا فالميت يموت وذهنه حاضر وهو عارف بالله أخبرني إبراهيم بن الحسن حدثنا حجاج عن ليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن صفوان بن عمرو حدثه عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسملم ان رجلا قال يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد قال كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة قال القرطبي في التذكرة معناه أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان
[ 100 ]
إذا التقى الزحفان وبرقت السيوف فر لان من شأن المنافق الفرار والروغان عند ذلك ومن شأن المؤمن البذل والتسليم لله نفسا وهيجان حمية الله عزوجل والتعصب له لاعلاء كلمته فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر قاله الترمذي الحكيم قال القرطبي وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل خطرا أو أعظم أجرا فهو أحرى أن لا يفتن لانه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء في قوله تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النببين والصديقين والشهداء والصالحين قال وقد جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهداء أن لا يفتن فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد قلت قد صرح الحكيم الترمذي بأن الصديقين لا يسئلون وعبارته ثم قال تعالى ويفعل الله ما يشاء وتأويله عندنا والله أعلم أن من مشيئته أن يرفع مرتبة أقوام من السؤال وهم الصديقون والشهداء وما نقله القرطبي عن الحكيم في توجيه حديث الشهيد يقتضي اختصاص ذلك بشهيد المعركة لكن قضية أحاديث الرباط التعميم في كل شهيد وقد جزم الحافظ بن حجر في كتاب بذل الماعون في فضل الطاعون بأن الميت بالطعن لا يسئل لانه نظير المقتول في المعركة وبأن الصابر بالطاعون محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إذا مات فيه بغير الطعن لا يفتن أيضا لانه نظير المرابط وقد قال الحكيم في توجيه حديث المرابط إنه قد ربط نفسه وسجنها وصيرها جيشا لله في سبيل الله لمحاربة
[ 101 ]
أعدائه فإذا مات على هذا فقد ظهر صدق ما في ضميره فوقي فتنة القبر هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا من الملائكة لقد ضم ضمة ثم فرج عنه زاد البيهقي في كتاب عذاب القبر يعني سعد بن معاذ وزاد في دلائل النبوة قال الحسن تحرك له العرش فرحا بروحه وروى أحمد والبيهقي من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجيا منها نجا منها سعد بن معاذ قال أبو القاسم السعدي لا ينجو من ضغطة القبر صالح ولا طالح غير ان الفرق بين المسلم والكافر فيها دوام الضغط للكافر وحصول هذه الحالة للمؤمن في أول نزوله إلى قبره ثم يعود إلى الانفساح له قال والمراد بضغط القبر
[ 102 ]
التقاء جانبيه على جسد الميت وقال الحكيم الترمذي سبب هذا الضغط أنه ما من أحد الا وقد ألم بذنب ما فتدركه هذه الضغطة جزاء لها ثم تدركه الرحمة وكذلك ضغطة سعد بن معاذ في التقصير من البول قلت يشير إلى ما أخرجه البيهقي من طريق بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد ما بلغكم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا فقالوا ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال كان يقصر في بعض الطهور من البول وقال بن سعد في طبقاته أخبر شبابه بن سوار أخبرني أبو معشر عن سعيد القبري قال لما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا قال لو نجا أحد من ضغطه القبر لنجا سعد ولقد ضم ضمة اختلفت منها أضلاعه من أثر البول وأخرج البيهقي عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين دفن سعد بن معاذ أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه وذلك بأنه كان لا يستبرئ
[ 103 ]
من البول ثم قال الحكيم وأما الانبياء فلا يعلم أن لهم في القبور ضمة ولا سؤالا لعصمتهم وقال النسفي في بحر الكلام المؤمن المطيع لا يكون له عذاب القبر ويكون له ضغطة القبر فيجد هول ذلك وخوفه لما أنه تنعم بنعمة الله ولم يشكر النعمة وروى بن أبي الدنيا عن محمد التيمي قال كان يقال أن ضمة القبر إنما أصلها أنها أمهم ومنها خلقوا فغابوا عنها الغيبة الطويلة فلما رد إليها أولادها ضمتهم ضمة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها فمن كان لله مطيعا ضمته برأفة ورفق ومن كان عاصيا ضمته بعنف سخطا منها عليه لربها قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الفتنة التي يفتن بها المرء في قبره روى الامام أحمد في كتاب الزهد وأبو نعيم في الحلية عن
[ 104 ]
طاوس قال ان الموتى يفتنون في قبورهم سبعا فكانوا يستحبون ان يطعموا عنهم تلك الايام وروى بن جريج في مصنفه عن الحرث بن أبي الحرث عن عبيد بن عمير قال يفتن رجلان مؤمن ومنافق فأما المؤمن فيفتن سبعا وأما المنافق فيفتن أربعين صباحا قد أوحي الي أنكم تفتنون في القبور قال في النهاية يريد مسألة منكر ونكير من الفتنة وهي الامتحان والاختبار قريبا من فتنة الدجال قال الكرماني وجه الشبه بين الفتنتين الشدة والهول والعموم
[ 107 ]
إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي قال القرطبي قيل ذلك مخصوص بالمؤمن الكامل الايمان ومن أراد الله أنجاءه من النار وأما من كان من المخلطين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فله مقعدان يراهما جميعا كما أنه يرى عمله شخصين في وقتين أو وقت واحد قبيحا وحسنا وقد يحتمل أن يراد بأهل الجنة كل من يدخلها كيفما كان ثم قيل هذا العرض انما هو على الروح وحده ويجوز أن يكون مع جزء من البدن ويجوز أن يكون عليه مع جميع الجسد فترد إليه الروح كما ترد عند المسألة حين يقعده الملكان ويقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ان كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة قال الطيبي يجوز أن يكون المعنى ان كان من أهلها فسيبشر بما لا يكتنه كنهه لان هذه المنزلة طليعة بتأثير السعادة الكبرى لان الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على الفخامة كقولهم من أدرك الضمار فقد أدرك المدعي وقال النوربشتى تقديره ان كان من أهل الجنة فمقعده من مقاعد أهل الجنة يعرض عليه هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة قال الطيبي حتى للغاية ومعناه أنه يرى بعد البعث من عند الله كرامة ومنزلة ينسى
[ 108 ]
عنده هذا المقعد كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين أي انك مذموم مدعو عليك باللعنة إلى يوم الدين فإذا جاء ذلك اليوم عذبت بما تنسى اللعن عنده وفي رواية مسلم حتى يبعثك الله إليه قال بن التين معناه لا تصل الجنة إلى يوم القيامة ان نسمة المؤمن قال القرطبي أي روح المؤمن الشهيد طائر في شجر الجنة قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام
[ 109 ]
هذا العموم محمول على المجاهدين وقال القرطبي هذا الحديث ونحوه محمول على الشهداء وأما غيرهم فتارة تكون في السماء لا في الجنة وتارة تكون على أفنية القبور قال ولا يتعجل الاكل والنعيم لاحد الا للشهيد في سبيل الله بإجماع من الامة حكاه القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي وغير الشهداء بخلاف هذا الوصف إنما يملا عليه قبره ويفسح له فيه قلت وقد ورد التصريح بأن هذا الحديث في الشهداء في بعض طرقه عند الطبراني فاخرج من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن بن شهاب عن بن كعب بن مالك عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرواح الشهداء في طير خضر تعلق حيث شاءت وقال الامام شمس الدين بن القيم عرض المقعد لا يدل على أن الارواح في القبر ولا على فنائه بل على أن لها اتصالا به يصح أن يعرض عليها مقعدها فإن للروح شأنا آخر فتكون في الرفيق الاعلى وهي متصلة بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على صاحبه رد عليه السلام وهي في مكانها هناك وهذا جبريل عليه السلام رآه النبي صلى الله عليه وسلم وله ستمائة جناح منها جناحان سداالافق وكان يدنو من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يضع ركبتيه على ركبتيه ويديه على فخذيه وقلوب المخلصين تتسع للايمان بأنه من الممكن
[ 110 ]
أنه كان هذا الدنو وهو في مستقره من السماوات وفي الحديث في رؤية جبريل فرفعت رأسي فإذا جبريل صاف قدميه بين السماء والارض يقول يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل فجعلت لا أصرف بصري إلى ناحية الا رأيته كذلك وهذا محمل تنزله تعالى إلى سماء الدنيا ودنوه عشية عرفة ونحوه فهو منزه عن الحركة والانتقال وإنما يأتي الغلط هنا من قياس الغائب على الشاهد فيعتقد أن الروح من جنس ما يعهد من الاجسام التي إذا شغلت مكانا لم يمكن ان تكون في غيره وهذا غلط محض وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الاسراء موسى قائما يصلي في قبره ويرد على من يسلم عليه وهو في الرفيق الاعلى ولا تنافي بين الامرين فإن شأن الروح غير شأن الابدان وقد مثل ذلك بعضهم بالشمس في السماء وشعاعها في الارض وان كان غير تام المطابقة من حيث أن الشعاع إنما هو عرض للشمس وأما الروح فهي نفسها تنزل وكذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الانبياء ليلة الاسراء في السماوات الصحيح أنه رأى فيها الارواح في مثال الاجساد مع ورود أنهم أحياء في قبورهم يصلون وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته وقال ان الله وكل بقبري ملكا أعطاه أسماع الخلائق فلا يصلي علي أحد إلى يوم القيامة إلا أبلغني باسمه واسم أبيه هذا مع القطع بأن روحه في
[ 111 ]
أعلى عليين مع أرواح لانبياء وهو الرفيق الاعلى فثبت بهذا أنه لا منافاة بين كون الروح في عليين أو الجنة أو السماء وأن لها بالبدن اتصالا بحيث تدرك وتسمع وتصلي وتقرأ وإنما يستغرب هذا لكون الشاهد الدنيوي ليس فيه ما يشاهد به هذا وأمور البرزخ والآخرة على نمط غير المألوف في الدنيا إلى أن قال وللروح من سرعة الحركة والانتقال الذي كلمح البصر ما يقتضي عروجها من القبر إلى السماء في أدنى لحظة وشاهد ذلك روح النائم فقد ثبت أن روح النائم تصعد حتى تخترق السبع الطباق وتسجد لله بين يدي العرش ثم ترد إلى جسده في أيسر الزمان وهل بن عمر بكسر الهاء أي غلط وزنا ومعنى إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم أنهم الآن يعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق ثم قرأت قوله إنك لا تسمع الموتى قال البيهقي العلم لا يمنع من السماع والجواب عن الآية أنهم لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة ولم ينفرد بن عمر بحكاية ذلك بل وافقه والده عمر وأبو طلحة وابن مسعود وغيرهم بل ورد أيضا من حديث عائشة أخرجه أحمد بإسناد حسن فان كان محفوظا فكأنها رجعت عن الانكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة
[ 112 ]
الا عجب الذنب زاد بن أبي الدنيا في كتاب البعث عن سعيد بن أبي سعيد الخدري قيل يا رسول الله وما هو قال مثل حبة خردل قال القرطبي هو جزء لطيف في أصل الصلب وقيل هو رأس العصعص منه خلق ومنه يركب أي أول ما خلق من الانسان هو ثم إن الله
[ 113 ]
تعالى يبقيه إلى أن يركب الخلق منه تارة أخرى كان رجل ممن كان قبلكم يسئ الظن بعمله فلما حضرته الوفاة قال لاهله إذا أنا مت فاحرقوني الحديث قال بن الجوزي في جامع المسانيد
[ 114 ]
فان قيل هذا الذي ما عمل خيرا قط كافر فكيف يغفر له فالجواب قال بن عقيل هذا رجل لم تبلغه الدعوة غرلا أي غير مختونين فأول الخلائق يكسى إبراهيم قال القرطبي في التذكرة فيه فضيلة عظيمة لابراهيم عليه السلام وخصوصية له كما خص موسى عليه السلام بأن النبي صلى الله عليه وسلم يجده متعلقا بساق العرش مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الارض ولم يلزم من هذا أن يكون أفضل منه قال وتكلم العلماء في حكاية تقديم إبراهيم عليه
[ 115 ]
السلام في الكسوة فروى أنه لم يكن في الاولين والآخرين لله عزوجل عبد أخوف من إبراهيم عليه السلام فتعجل له كسوته أمانا له ليطمئن قلبه ويحتمل أن يكون ذلك لما جاء به الحديث من أنه أول من أمر بلبس السراويل إذا صلى مبالغة في الستر وحفظا لفرجه أن يمس مصلاه ففعل ما أمر به فيجزى بذلك أن يكون أول من يستر يوم القيامة ويحتمل أن يكون الذين ألقوه في النار جردوه ونزعوا عنه ثيابه على أعين الناس كما يفعل بمن يراد قتله وكان ما أصابه من ذلك في ذات الله تعالى فلما صبر واحتسب وتوكل على الله رفع الله تعالى عنه شر النار في الدنيا والآخرة وجزاه بذلك العرى أن جعله أول من يدفع عنه العرى يوم القيامة على رؤوس الاشهاد وهذا أحسنها وإذا بدئ في الكسوة بإبراهيم عليه السلام وثنى بمحمد صلى الله عليه وسلم أتى محمد صلى الله عليه وسلم بحلة لا يقوم بها البشر ليجبر التأخير بنفاسة الكسوة فيكون كأنه كسى مع إبراهيم عليهما السلام قال الحليمي روى البيهقي في كتاب الاسماء والصفات عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم انكم محشورون حفاة عراة وأول من يكسى من الجنة إبراهيم عليه السلام يكسى حلة من الجنة ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم له البشر ثم أوتي بكرسي فيطرح لي على ساق العرش يحشر الناس يوم القيامة على ثلاث طرائق راغبين راهبين اثنان على بعير الحديث قال القاضي عياض
[ 116 ]
هذا المحشر في الدنيا قبل قيام الساعة وهو آخر أشراطها ويدل على أنه قبل يوم القيامة قوله وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث امسوا وفي حديث مسلم في أشراط الساعة وآخر ذلك نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس وفي رواية تطرد الناس إلى محثرهم وفي حديث آخر لا تقوم الساعة حتى تخرج النار من أرض الحجاز وفي بعض الروايات في غير مسلم فإذا سمعتم بها فاخرجوا إلى الشام كأنه أمر بسبقها إليه قبل ازعاجها لهم وذكر الحليمي أن ذلك في الآخرة فقال يحتمل أن قوله عليه الصلاة والسلام يحشر الناس على ثلاث طرائق إشارة إلى الابرار والمخلطين والكفار فالابرار الراغبون إلى الله تعالى فيما أعد لهم من ثوابه والراهبون هم الذين بين الخوف والرجاء فأما الابرار فإنهم يؤتون بالنجائب وأما المخلطون فهم الذين اريدوا في هذا الحديث وقيل أنهم يحملون على الابعرة وأما الفجار الذين تحشرهم النار فان الله تعالى يبعث إليهم ملائكة فتقيض لهم نارا تسوقهم ولم يرد في الحديث الا ذكر البعير وأما ان ذلك من ابل الجنة أو من الابل التي تحيا وتحشر يوم القيامة فهذا ما لم يأت بيانه والاشبه أن لا تكون من نجائب الجنة لان من خرج من جملة الابرار وكان مع ذلك من جملة المؤمنين فإنهم بين الخوف والرجاء لان من هؤلاء من يغفر الله له ذنوبه فيدخله الجنة ومنهم من يعاقبه بالنار ثم يخرجه منها ويدخله الجنة وإذا كانوا كذلك لم يلق أن يردوا موقف الحساب على نجائب الجنة ثم ينزل الله بعضهم إلى النار لان من أكرمه
[ 117 ]
الله بالجنة لم يهنه بعد ذلك بالنار والى هذا القول ذهب الغزالي قال القرطبي في التذكرة وما ذكره القاضي عياض من أن ذلك في الدنيا أظهر لما في الحديث نفسه من ذكر المساء والصباح والمبيت والقائلة وليس ذلك في الآخرة وفوج يمشون ويسعون يلقى الله الآفة على الظهر فلا يبقى أحد حتى أن الرجل ليكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها قال القرطبي
[ 118 ]
هذا يدل على أن ذلك في الدنيا كما قال عياض أرسل ملك الموت لم يرد تسميته في حديث مرفوع وورد عن وهب بن منبه أن اسمه عزرائيل رواه أبو الشيخ في العظمة إلى موسى فلما جاءه صكه ففقأ عينه قال بن خزيمة أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث وقالوا ان كان موسى
[ 119 ]
عرفه فقد استخف به وان كان لم يعرفه فكيف يقتص له من فق ء عينه والجواب أن موسى عليه السلام إنما لطمه لانه رأى آدميا دخل داره بغير اذنه ولم يعلم أنه ملك الموت وقد أباح الشارع فق ء عين الناظر في دار المسلم بغير اذن وقد جاءت الملائكة إلى إبراهيم والى لوط عليهما السلام في صورة آدميين فلم يعرفاهم ابتداء وعلى تقدير أن يكن عرفه فمن أين لهذا المتبدع مشروعية القصاص بين الملائكة والبشر ثم من أين له أن ملك الموت طلب القصاص من موسى فلم يقتص له ولخص الخطابي كلام بن خزيمة وزاد فيه أن موسى دفعه عن نفسه لما ركب فيه من الحدة وأن الله تعالى رد عين ملك الموت ليعلم موسى أنه جاءه من عند لله فلهذا استسلم حينئذ وقال بن قتيبة إنما فقأ موسى العين التي هي تخييل وتمثيل وليست عينا حقيقة ومعنى رد الله عينه أي أعاده إلى خلقته وقيل هو على ظاهره ورد الله إلى ملك الموت عينه البشرية ليرجع إلى موسى كمال الصورة فيكون ذلك أقوى في اعتباره وقال غيره إنما لطمه لانه جاء لقبض روحه من قبل أن يخيره لم ثبت أنه لم يقبض نبي حتى يخير فلهذا لما خيره في المرة الثانية أذعن على متن ثور بفتح وسكون المثناة هو الظهر وقيل هو مكتنف الصلب بين العصب واللحم ثم مه هي ما الاستفهامية حذفت ألفها وألحق بها هاء السكت فلو كنت ثم بفتح المثلثة أي هناك تحت الكثيب الاحمر بالمثلثة وآخره موحدة بوزن عظيم الرمل المجتمع ويقال
[ 120 ]
ان ملك الموت أتاه بتفاحة من الجنة فشمها فمات وعن وهب بن منبه أن الملائكة تولوا دفته والصلاة عليه وأنه عاش مائة وعشرين سنة كتاب الصوم المرتفق أي المتكئ على المرفقة وهي الوسادة وأصله من المرفق كأنه استعمل مرفقه واتكأ عليه
[ 126 ]
إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين بضم المهملة
[ 127 ]
وكسر الفاء المشددة أي شددت واوثقت بالاغلال قال الحليمي يحتمل ان يكون المراد أن الشياطين مسترقو السمع منهم وأن تسلطهم يقع في ليالي رمضان دون أيامه لانهم كانوا منعوا في زمن نزول القرآن من استراق السمع فزيد والتسلسل مبالغة في الحفظ ويحتمل ان يكون المراد أن الشياطين لا يخلصون من إفساد المؤمنين إلى ما يخلصون إليه في غيره لا شتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات وبقراءة القرآن والذكر وقال غيره المراد بالشياطين بعضهم وهم المردة منهم ويؤيده قوله في الحديث بعد هذا فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار وتصفيد
[ 128 ]
الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الاغواء وتزيين الشهوات قال الزين بن المنير والاول أوجه إذ لا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف رواته واصله أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره فإن قيل فكيف ترى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت آدابه أو المصفد بعض الشياطين وهم المردة لا كلهم والمقصود تقليل الشرور منهم فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد
[ 129 ]
جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لان لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الانسية وتغل فيه مردة الشياطين وقال عياض يحتمل أن الحديث على ظاهره وحقيقته وان ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته وكمنع الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل ان يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو أن الشياطين
[ 130 ]
يقل إغراؤهم فيصيرون كالمصفدين قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في الحديث الآخر
[ 133 ]
فإن غم عليكم بضم الغين المعجمة وتشديد الميم أي حال بينكم وبينه غيم وقال الزركشي في التنقيح فيه ضمير يعود على الهلال أي ستر من غميت الشئ سترته وليس من الغيم ويقال
[ 134 ]
فيه غمى وغمى مخففا ومشددا رباعيا وثلاثيا فاقدروا له بالوصل وضم الدال وكسرها
[ 135 ]
يعني حققوا مقادير أيام شعبان حتى تكملوه ثلاثين يوما كما جاء في الرواية الاخرى
[ 136 ]
غياية بغين معجمة وتحتيتين بينهما ألف ساكنة هي السحابة
[ 140 ]
تسحروا فإن في السحور بركة قال النووي رووه بفتح السين وضمها قال في فتح الباري لان المراد
[ 141 ]
بالبركة الاجر والثواب فيناسب الضم لانه مصدر بمعنى التسحر والبركة كونه يقوى على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب لفتح لانه ما يتسحر به وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر والاولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك ويجتمع معه على الاكل والسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الاجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام وقال
[ 142 ]
بن دقيق العيد هذه البركة يجوز أن تعود إلى الامور الاخروية فإن إقامة السنة توجب الاجر وزيادة ويحتمل الامور الدنيوية كقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إضرار بالصائم قال ومما يعلل به استحباب السحور المخالفة لاهل الكتاب لانه ممتنع عندهم وهذا أحد الاجوبة المقتضية للزيادة في الاجور الاخروية قال وقد وقع للمتصوفة في مسألة السحور كلام من جهة
[ 144 ]
اعتبار حكمة الصوم وهي كسر شهوة البطن والفرج والسحور قد يباين ذلك قال والصواب
[ 145 ]
أن يقال ما زاد في المقدار حتى يعدم هذه الحكمة بالكلية فليس بمستحب كالذي يصنعه المترفون من التأنق في المآكل وكثرة الاستعداد لها وما عدا ذلك تختلف مرتبه دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسحر فقال إنها بكرة أعطاكم الله إياها فلا تدعوه قال القاضي عياض
[ 146 ]
هو مما اختصت به هذه الامة في صومها عن موسى بن علي قال النووي هو بضم العين على المشهور إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور قال النووي معناه الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن نتسحر فيستحب لنا السحور قال وأكلة السحور هي السحور وهي بفتح الهمزة هكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور
[ 147 ]
في روايات بلادنا وهي عبارة عن المرة الواحدة من الاكل وان أكثر المأكول فيها كالغدوة
[ 148 ]
والعشوة وأما الاكله بالضم فهي اللقمة الواحدة وادعى القاضي عياض ان الرواية فيه بالضم
[ 149 ]
ولعله أراد رواية أهل بلادهم قال عياض والصواب الفتح لانه المقصود هنا
[ 157 ]
من صام رمضان إيمانا واحتسابا قال الزين بن المنير الاولى أن يكون منصوبا على الحال بأن يكون
[ 158 ]
المصدر في معنى اسم الفاعل أي مؤمنا محتسبا والمراد بالايمان الاعتقاد لحق فرضية صومه والاحتساب
[ 159 ]
طلب الثواب من الله وقال الخطابي احتسابا أي عزيمة وهو أن يصومه على معنى الرغبة في ثوابه طيبة نفسه بذلك غير مستثقل لصيامه ولا مستطيل لايامه الصوم لي وأنا أجزي به اختلف العلماء في المراد بهذا مع أن الاعمال كلها لله تعالى وهو الذي يجزى بها على أقوال أحدها أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره قاله أبو عبيد قال ويؤيده حديث ليس في الصوم رياء قال وذلك لن الاعمال إنما تكون بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس
[ 160 ]
قال هذا وجه الحديث عندي والحديث المذكور رواه البيهقي في الشعب من حديث أبي هريرة بسند ضعيف قال الحافظ بن حجر ولو صح لكان قاطعا للنزاع وقد ارتضى هذا الجواب المازري وابن الجوزي والقرطبي الثاني معناه أن الاعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد له مساق رواية الموطأ حيث قال كل عمل بن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به أي أجازي عيه خيرا كثيرا من غير تعيين لمقداره الثالث معنى قوله الصوم لي أنه أحب العبادات الي والمقدم عندي قال بن عبد البر كفى بقوله الصوم لي فضلا للصيام على سائر العبادات وروى النسائي عليك بالصوم فإنه لا مثل له لكن يعكر على هذا الحديث الصحيح واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة الرابع الاضافة إضافة تشريف وتعظيم كما يقال بيت الله وان كانت البيوت كلها لله الخامس أن الاستغناء عن الطعام وغيره من الشهوات من صفات الرب جل جلاله فلما تقرب الصائم إليه بما يوافق صفاته أضافه إليه قال القرطبي معناه أن أعمال العباد مناسبة لاحوالهم إلا الصيام فإنه مناسب لصفة من صفات الحق كأنه يقول إن الصائم يتقرب الي بأمر هو متعلق بصفة من صفاتي السادس أن المعنى كذلك لكن بالنسبة إلى الملائكة لان ذلك من صفاتهم السابع أنه خالص لله تعالى وليس للعبد فيه حظ بخلاف غيره فإن له فيه حظا لثناء الناس عليه بعبادته الثامن أن الصيام لم يعبد به غير الله بخلاف الصلاة والصدقة والطواف ونحو ذلك التاسع أن جميع العبادات توفى منها مظالم العباد إلا الصوم روى البيهقي عن بن عيينة قال إذا كان يوم القيامة يحاسب الله تعالى عبده ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله حتى لا يبقى له إلا الصوم فيتحمل الله تعالى ما بقي عليه من المظالم ويدخله بالصوم الجنة ويؤيده حديث أبي هريرة رفعه قال ربكم تبارك وتعالى كل العمل كفارة إلا الصوم الصوم لي وأنا أجزي به رواه الطيالسي وأحمد في مسنديهما العاشر ان الصوم لا يظهر فتكتبه الحفظة كما لا تكتب سائر أعمال القلوب
[ 161 ]
قال الحافظ بن حجر فهذا ما وقفت عليه من الاجوبة واقربها إلى الصواب الاول والثاني وأقرب منهما الثامن والتاسع قال وقد بلغني أن بعض العلماء بلغها إلى أكثر من هذا وهو الطقاني في حظائر القدس له ولم أقف عليه قلت قد وقفت عليه فرأيته بلغها إلى خمسة وخمسين قولا وسأسوقها ان شاء الله تعالى في التعليق الذي على بن ماجة قال الحافظ اتفقوا على ان المراد بالصيام هنا صيام من سلم صيامه من المعاصي قولا وفعلا وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام هذا الحديث يشكل بقوله عزوجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين يعني أن نصف الفاتحة الاول ثناء على الله والنصف الثاني دعاء للعبد في مصالحة فقد صار لله غير الصوم قال والجواب أن الاضافة الثانية لا تناقض الاولى إذ الثانية لاجل الثناء عليه عزوجل والاولى لاجل أحد الوجوه المذكورة وإذا تعددت الجهة فلا تعارض حينئذ لخلوف فم الصائم بضم المعجمة واللام وسكون الواو والفاء قال عياض هذه الرواية الصحيحة وبعض الشيوخ يقوله بفتح الخاء قال الخطابي وهو خطأ وحكى عن القابسي الوجهين وبالغ النووي في شرح المهذب فقال لا يجوز فتح الخاء واحتج غيره لذلك بأن المصادر التي جاءت على فعول بفتح اللام قليلة وليس هذا منها أطيب عند الله من ريح المسك اختلف في ذلك مع أن الله منزه عن استطابة الروائح إذ ذاك من صفات الحوادث ومع أنه يعلم الشئ على ما هو عليه فقال المازري هو مجاز لانه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله فالمعنى أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم أي يقرب إليه من تقريب المسك اليكم والى ذلك أشار
[ 162 ]
بن عبد البر وقيل المراد ان ذلك في حق الملائكة وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك وقيل المعنى أن حكم الخلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم وهذا قريب من الاول وقيل المعنى أن الله يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه يفوح مسكا وقيل المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالاضافة إلى الخلوف حكاهما عياض وقال الداودي وجماعة المعنى أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر ورجح النووي هذا الاخير وحاصله حمله معنى الطيب على القبول والرضا فحصلنا على ستة أجوبة وقد نقل القاضي
[ 163 ]
حسين في تعليقه أن للطاعات يوم القيامة ريحا يفوح قال فرائحة الصيام فيها بين العبادات كالمسك وقد تنازع بن عبد السلام وابن الصلاح في هذه المسألة فذهب بن عبد لسلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد واستدل بالرواية التي فيها يوم القيامة وذهب بن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا واستدل بما رواه الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي في الشعب من حديث جابر في اثناء حديث مرفوع في فضل هذه الامة في رمضان أما الثانية فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك قال وذهب جمهور العلماء إلى ذلك يدع شهوته وطعامه لابن خزيمة يدع الطعام والشراب من أجلي ويدع لذته من أجلي ويدع زوجته من أجلي الصيام جنة بضم الجيم أي وقاية وستر قال بن عبد لبر من النار لتصريحه به في الحديث الآتي وقال صاحب النهاية معنى كونه جنة أي بقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات وقال القرطبي جنة أي سترة يعني بحسب مشروعيته فينبغي للصائم أن يصون صومه مما يفسده وينقص ثوابه واليه الاشارة بقوله وإذا كان يوم صيام أحدكم فلا يرفث بضم الفاء وكسرها ومثلثة والمراد بالرفث الكلام الفاحش وهو يطلق على هذا وعلى الجماع وعلى مقدماته وذكره مع النساء
[ 164 ]
أو مطلقا ويحتمل أن يكون النهي لما هو أعم منها ولا يصخب بفتح الخاء المعجمة أي لا يصيح فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل أني صائم اختلف هل يخاطب بها للذي كلمه بذلك أو يقولها في نفسه وبالثاني جزم المتولي ونقله الرافعي الائمة ورجح النووي الاول في الاذكار وقال في شرح
[ 165 ]
المهذب كل منهما حسن والقول باللسان أقوى فلو جمعهما لكان حسنا
[ 167 ]
الصيام جنة ما لم يخرقها زاد الدارمي بالغيبة
[ 168 ]
فمن أصبح صائما فلا يجهل أي لا يفعل شيئا من أفعال أهل الجهل كالصياح والسفه ونحو ذلك
[ 169 ]
عليكم بالباءة قال في النهاية يعني النكاح والتزويج يقال فيها الباء والباءة وقد يقصر وهو من المباءة المنزل لان من تزوج امرأة بوأها منزلا وقيل لان الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن كما يتبوأ من منزله ومن لم يستطع فعليه بالصوم قال الاندلسي في شرح المفصل الاغراء لا يكون إلا للمخاطب فلا يجوز فعليه بزيد وأما فعليه بالصوم فإنما حسن لتقدم الخطاب في أول الحديث عليكم بالباءة كأنه قال ومن لم يستطع منكم فالغائب في الخبر في معنى المخاطب فإنه له وجاء بكسر الواو والمد قال في النهاية الوجاء ان ترض أنثيا الفحل رضا شديدا يذهب شهوة الجماع ويتنزل في قطعه منزلة لخصاء وقيل هو أن توجأ العروق والخصيتان بحالهما
[ 170 ]
أراد أن الصوم يقطع النكاح كما يقطع الوجاء وروى وجا بوزن عصا يريد التعب والجفاء وذلك بعيد إلا ان يراد فيه معنى الفتور ولان من وجى فتر عن المشي فشبه الصوم في باب لنكاح بالتعب في باب المشي من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فليصم قال المازري ليس المراد بالباءة في هذا الحديث الجماع على ظاهره
[ 171 ]
لانه قال ومن لم يستطع فليصم ولو كان غير مستطيع للجماع لم تكن له حاجة للصوم وقال القاضي عياض لا يبعد أن يكون الاستطاعتان مختلفتين فيكون المراد أولا بقوله من استطاع منكم الباءة الجماع أي من بلغه وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله بعد ومن لم يستطع يعني على الزواج المذكور ممن هو بالصفة المتقدمة فليصم وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم والثاني أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم والذي حمل القائلين لهذا على هذا أنهم قالوا العاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن وأجاب الاولون بما قدماه أن تقديره ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه وهو يحتاج إلى الجماع فليصم من كان منكم ذاطول بفتح الطاء أي سعة
[ 172 ]
من صام يوما في سبيل الله قال في النهاية سبيل الله عام يقع على كل عمل خالص لله سلك به طريق التقرب إلى الله تعالى بأداء الفرائض والنوافل وأنواع التطوعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه زحزح الله وجهه عن النار بذلك اليوم سبعين خريفا قال في النهاية أي نحاه وباعده عن النار مسافة تقطع في سبعين سنة لانه كلما مر خريف فقد انقضت سنة وقال التوربشتي كانت العرب تؤرخ أعوامها بالخريف لانه كان أوان جدادهم وقطافهم وإدراك غلاتهم وكان الامر على ذلك حتى أرخ عمر رضي اله عنه بسنة الهجرة
[ 175 ]
ليس من البر أي من الطاعة والعبادة الصيام في السفر قال النفي وقيل للتبعيض وليس بشء وقال الزركشي من زائدة لتأكيد بن بطال معناه ليس هو البر لانه قد يكون الافطار أبر منه إذا كان في حج أو جهاد ليقوى عليه كقوله ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان ومعلوم أنه مسكين وأنه من أهل الصدقة وإنما أراد المسكين الشديد المسكنة وقال الحطاوي خرج هذا الحديث على شخص معين وهو رجل ظلل عليه وكان يجود بنفسه أي ليس من البر أن بلغ الانسان هذا المبلغ والله قد رخص له في الفطر
[ 177 ]
كراع الغميم بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة اسم واد أمام عسفان
[ 183 ]
أتى قديدا بضم القاف على التصغير موضع قرب عسفان
[ 186 ]
اسرد الصوم أي أتابعه
[ 187 ]
هي رخصة من الله فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ولا يقال في التطوع مثل هذا
[ 189 ]
الكديد بفتح الكاف وكسر الدال المهملة مكان بين عسفان وقديد قال عياض اختلفت
[ 192 ]
الروايات في الموضع الذي أفطر فيه صلى الله عليه وسلم والكل في قصة واحدة وكلها متقاربة والجميع من عمل عسفان وابعثوا إلى أهل العروض قال في النهاية أراد فيها أكناف مكة والمدينة يقال لمكة والمدينة واليمن العروض ويقال للرساتيق بأرض الحجاز العراض واحدها
[ 193 ]
عرض بالكسر
[ 196 ]
من لم يبيت الصيام أي ينوه من الليل يقال بيت فلان رأيه إذا فكر فيه وخمره وكل ما فكر فيه ودبر بليل فقد بيت من لم يجمع الصيام قال الشيخ ولي الدين بضم الياء وسكون الجيم وكسر الميم أي يعزم عليه ويجمع رأيه على ذلك وقال الخطابي الاجماع احكام النية
[ 197 ]
والعزيمة أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت عليه بمعنى
[ 198 ]
أيام البيض قال في النهاية هذا على حذف المضاف يريد أيام الليالي البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر وسميت لياليها بيضا لان القمر يطلع فيها من أولها إلى آخرها
[ 200 ]
وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر صياما منه في شعبان قال الزركشي في التنقيح صياما بالنصب وروى بالخفض قال السهيلي وهو وهم وربما بنى اللفظ على الخط مثل أن يكون رآه مكتوبا بميم مطلقة على مذهب من رأى الوقف على المنون المنصوب بغير ألف فتوهمه مخفوضا لا سيما وصيغة أفعل تضاف كثيرا فتوهمها مضافة وإضافته هنا لا تجوز قطعا
[ 201 ]
عن عائشة قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان قال الزركشي يحتاج إلى الجمع بين هذا وبين روايتها الاولى ما رأيته أكثر صياما منه في شعبان فقيل الاول مفسر للثاني ومخصص له وأن المراد بالكل الاكثر وقيل كان يصوم مرة كله ومرة ينقص منه لئلا يتوهم وجوبه وقيل في قولها كله أي يصوم في أوله وأوسطه وفي آخره ولا يخص شيئا منه ولا يعمه بصيامه وذكر هذه الاقوال الثلاثة النووي في شرح مسلم قال وقيل في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد وقيل غير ذلك فإن قيل في الحديث الآخر إن أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم فالجواب لعله لم يعلم فضل المحرم
[ 202 ]
إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم كسفر ومرض وغيرهما ذانك يومان تعرض فيهما الاعمال على رب العالمين قال الشيخ ولي الدين ان قلت ما معنى هذا مع أنه ثبت في الصحيحين أن الله تعالى يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل اليل قلت يحتمل أمرين أحدهما أن أعمال العباد تعرض على الله تعالى كل يوم ثم تعرض عليه أعمال الجمعة في كل اثنين وخميس ثم تعرض عليه أعمال السنة في شعبان فتعرض عرضا بعد عرض ولكل عرض حكمة يطلع عليها من يشاء من خلقه أو يستأثر بها عنده مع أنه تعالى لا يخفى عليه من أعملاهم خافية ثانيهما أن المراد أنها
[ 203 ]
تعرض في اليوم تفصيلا ثم في الجمعة جملة أو بالعكس
[ 204 ]
سمعت معاوية يوم عاشوراء وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذا اليوم إني صائم فمن شاء أن يصوم فليصم قال النووي الظاهر أن معاوية قال أين علماؤكم لما سمع من يوجبه أو يحرمه أو يكرهه فأراد إعلامهم بأنه ليس بواجب ولا محرم ولا مكروه قال وكلما بعد يقول بتمامه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء مبينا في رواية
[ 205 ]
النسائي أنه كله كلامه من صام الابد فلا صام قال الكرماني فإن قلت كيف يكون كذلك قلت لان صوم الابد يستلزم صوم العيد وأيام التشريق وهو حرام لا صام ولا أفطر قال في النهاية أي لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى وهو إحباط الاجر على صومه
[ 206 ]
حيث خالف السنة وقيل هو دعاء عليه كراهية لصنعه
[ 208 ]
وحر الصدر قال في النهاية غشه ووساوسه وقيل الحقد والغيظ وقيل العداوة وقيل أشد الغضب
[ 210 ]
ولم يفتش لنا كنفا قال في النهاية أي لم يدخل يده معها كما يدخل الرجل يده مع زوجته في دواخل أمرها وأكثر ما يروى بفتح الكاف والنون من الكنف وهو الجانب يعني أنه لم يقربها
[ 214 ]
هجمت له العين أي غارت ودخلت في موضعها ونفهت له النفس بكسر الفاء أي تعبت وكلت
[ 215 ]
وروى نثهت بالمثلثة بدل الفاء وقد استغربها بن الاثير قال ولا أعرف معناها قال الحافظ بن حجر
[ 216 ]
وكأنها أبدلت من الفاء فإنها تبدل منها كثيرا لا صوم فوق صوم داود شطر الدهر قال الحافظ بن حجر بالرفع على القطع ويجوز النصب على إضمار فعل والجر على البدل من صوم داود قال ويجوز في قوله صيام يوم وفطر يوم الحركات الثلاث وقال النووي اختلف العلماء فيه فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث وفي كلام غيره إشارة إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه وتقديره لا أفضل من هذا في حقك ويؤيد هذا انه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو عن السرد ويرشده إلى يوم ويوم ولو كان أفضل في حق كل أحد لارشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وقال قبل ذلك اختلف العلماء في صيام الدهر فذهب أهل الظاهر إلى منعه قال القاضي وغيره وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الايام المنهى عنها وهو العيدان والتشريق ومذهب الشافعي وأصحابه ان سرد الصيام إذا أفطر العيد والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم أفأصوم في السفر قال صم إن شئت فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام ولو كان مكروها لم يقره لا سيما في السفر وقد ثبت عن عمر أنه كان يسرد الصوم وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق وأجابوا عن حديث لا صام من صام الابد بأجوبة أحدها
[ 217 ]
أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيد والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها والثاني أنه محمول على من تضرر به حقا يؤيده أن النهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا فنهى بن عمرو لعلمه بأنه سيعجز وأقر حمزة بن عمرو لعلمه بقدرته بلا ضرر والثالث أن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبرا لا دعاء قوال القرطبي إنما سأل حمزة بن عمرو عن صوم رمضان في السفر لا عن سرد صوم التطوع كما هو مصرح به في رواية أبي داود ويؤيده قوله هنا هي رخصة
[ 218 ]
من الله فمن أخذ بها حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ولا يقال في التطوع مثل هذا انته شهر الصبر هو شهر مضان وأصل الصبر الحبس فسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس
[ 219 ]
النفس عن الطعام والشراب والنكاح
[ 220 ]
كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين من أول الشهر والخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه في الحديث الذي بعده أول خميس والاثنين قال الشيخ ولي الدين اختلاف هذه الروايات يدل على أن المقصود كون هذه الايام الثلاثة واقعة في اثنين وخميسين أو بالعكس على أي وجه كان
[ 221 ]
وأيام البيض ذكر بعضهم أن الحكمة في صومها أنه لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة نهارها وقيل الحكمة في ذلك أن الكسوف يكون فيها غالبا ولا يكون في غيرها وقد أمرنا بالتقرب إلى الله تعالى بأعمال البر عند الكسوف
[ 222 ]
الغر أي البيض الليالي بالقمر من الشهر روى الطبراني في الكبير بسند فيه جهالة عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح عليه السلام الدهر
[ 223 ]
إلا يوم الفطر والاضحى وصام داود عليه السلام نصف الدهر وصام إبراهيم عليه السلام غيره فيكون خبرا لا دعاء قوال القرطبي إنما سأل حمزة بن عمرو عن صوم رمضان في السفر لا عن سرد صوم التطوع كما هو مصرح به في رواية أبي داود ويؤيده قوله هنا هي رخصة
[ 218 ]
من الله فمن أخذ بها حسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه ولا يقال في التطوع مثل هذا انته شهر الصبر هو شهر مضان وأصل الصبر الحبس فسمى الصوم صبرا لما فيه من حبس
[ 219 ]
النفس عن الطعام والشراب والنكاح
[ 220 ]
كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر يوم الاثنين من أول الشهر والخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه في الحديث الذي بعده أول خميس والاثنين قال الشيخ ولي الدين اختلاف هذه الروايات يدل على أن المقصود كون هذه الايام الثلاثة واقعة في اثنين وخميسين أو بالعكس على أي وجه كان
[ 221 ]
وأيام البيض ذكر بعضهم أن الحكمة في صومها أنه لما عم النور لياليها ناسب أن تعم العبادة نهارها وقيل الحكمة في ذلك أن الكسوف يكون فيها غالبا ولا يكون في غيرها وقد أمرنا بالتقرب إلى الله تعالى بأعمال البر عند الكسوف
[ 222 ]
الغر أي البيض الليالي بالقمر من الشهر روى الطبراني في الكبير بسند فيه جهالة عن عبد الله بن عمرو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول صام نوح عليه السلام الدهر
[ 223 ]
إلا يوم الفطر والاضحى وصام داود عليه السلام نصف الدهر وصام إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيام من كل شهر صام الدهر وأفطر الدهر (تم الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس وأوله كتاب الزكاة)