شرح سنن النسائي
جلال الدين السيوطي ج 1

[ 1 ]
سنن النسائي بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الامام السندي الجزء الاول الجزء الاول دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان
[ 2 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الذي لا تحصى مننه والصلاة والسلام على رسوله محمد الذي أشرقت أنواره وسننه هذا الكتاب الخامس مما ودعت بوضعه على الكتب الستة وهو تعليق على سنن الحافظ " أبي عبد الرحمن النسائي " على الصحيحن وسنن أبي داود وجامع الترمذي وهو بذلك حقيق إذ له منذ صنف أكثر من ستمائة سنة ولم يشتهر عليه من شرح ولا تعليق ، وسميته " زهر الربي على المجتبى " والله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه سالما عن الرياء والخطل وشبهه
[ 3 ]
مقدمة قال الحافظ أبو الفضل بن طاهر في شروط الائمة : كتاب أبي داود والنسائي ينقسم على ثلاثة أقسام . الاول الصحيح المخرج في الصحيحين . الثاني صحيح على شرطهما وقد حكى أبو عبد الله ابن منده أن شرطهما اخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركهم إذا صح الحديث باتصال الاسناد من غير قطع ولا ارسال فيكون هذا القسم من الصحيح الا أنه طريق دون طريق ما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بل طريقة طريق ما ترك البخاري ومسلم من الصحيح لما بينا أنهما تركا كثيرا من الصحيح الذي حفظاه . القسم الثالث أحاديث أخرجاها من غير قطع منهما بصحتها وقد أبانا علتها بما يفهمه أهل المعرفة وانما اودعا هذا القسم في كتابيهما لانه رواية قوم لها واحتجاجهم بما فأورداها وبينا سقمها لتزول الشبهة وذلك إذا لم يجدا له طريقا غيره لانه أقوى عندهما من رأى الرجال وقال ابن الصلاح حكى أبو عبد الله بن منده أنه سمع محمد بن سعد البارودي بصمر يقول كان من مذهب أبي عبد الله النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه . قال الحافظ أبو الفضل العراقي وهذا مذهب متسع قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في نكته على ابن الصلاح ما حكاه عن البارودي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه فانه أراد بذلك اجماعا خاصا وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط . فمن الاولى شعبة وسفيان الثوري وشعبة أشد منه . ومن الثانية يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى أشد من عبد الرحمن . ومن الثالثة يحيى بن معين وأحمد بن حنبل ويحيى أشد من أحمد . ومن الرابعة أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري فقال النسائي لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه فأما إذا وثقه بن مهدى وضعفه يحيى القطان
[ 4 ]
مثلا فانه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقل ، قال الحافظ ابن حجر وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر الى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي اخراج حديثه بل تجنب النسائي اخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين فحكى أبو الفضل بن طاهر قال سعد بن على الريحاني عن رجل فوثقه فقلت له ان النسائي لم لم يحتج به فقال يا بنى ان لابي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم وقال أحمد بن محبوب الرملي سمعت النسائي يقول لما عزمت على جمع السنن استخرت الله في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشئ فوقعت الخيرة على تركهم فتركت جملة من الحديث كنت أعلم أنها عنهم . قال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر شيخ الدارقطني من يصبر على ما يصبر عليه النسائي كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث عنه بشئ ، قال الحافظ ابن حجر وكان عنده عاليا عن قتيبة عنه ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها . وقال أبو جعفر بن الزبير أولى ما أرشد إليه ما اتفق المسلمون على اعتماده وذلك الكتب الخمسة والموطأ الذي تقدمها وضعا ولم يتأجر عنها رتبة وقد اختلفت مقاصدهم فيها وللصحيحين فيها شغوف وللبخاري لمن إراد التفقه مقاصد جميلة ولابي داود في حصر أحاديث الاحكام واستيعابها ما ليس لغيره وللترمذي في فنون الصناعة الحديثية ما لم يشاركه غيره وقد سلك النسائي أغمض تلك المسالك وأجلها ، وقال أبو الحسن المعافرى إذا نظرت الى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب الى الصحة مما خرجه غيره وقال الامام أبو عبد الله بن رشيد كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا وأحسنها ترصيفا وكان كتابه جامعا بين طريقي البخاري ومسلم مع حظ كثير من بيان العلل وفى الجملة فكتاب السنن أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا ويقاربه كتاب أبى داود وكتاب الترمذي ويقابله من الطرف الاخر كتاب بن ماجه فانه تفرد فيه باخراج
[ 5 ]
أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرفة الاحاديث وبعض تلك الاحاديث لا تعرف الا من جهتهم مثل حبيب بن أبى حبيب كاتب مالك والعلا بن زيد وداود بن المحبر وعبد الوهاب ابن الضحاك واسماعيل بن زياد السكوني وعبد السلام بن يحيى أبى الجنوب وغيرهم . وأما ما حكاه ابن طاهر عن أبى زرعة الرازي أنه نظر فيه فقال لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما فيه ضعف فهى حكاية لا تصح لا نقطاع سندها وان كانت محفوظة فلعله القدر وقد حكم أبو زرعة على أحاديث كثيرة منه بكونها باطلة أو ساقطة أو منكرة وذلك محكى في كتاب العلل لابي حاتم وقال محمد بن معاوية الاحمر الراوي عن النسائي قال النسائي كتاب السنن كله صحيح وبعضه معلول الا أنه لم يبين علته والمنتخب المسمى بالمجتبى صحيح كله وذكر بعضهم أن النسائي لما صنف السنن الكبرى أهداه الى أمير الرملة فقال له الامير أكل ما في هذا صحيح قال لا قال فجرد الصحيح منه فصنف " المجتبى " وهو بالباء الموحدة قال الزركشي في تخريج الرافعى ويقال بالنون أيضا وقال القاضى تاج الدين السبكى سنن النسائي التى هي احدى الكتب الستة هي الصغرى لا الكبرى وهى التى يخرجون عليها الرجال ويعملون الاطراف وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر قد أطلق اسم الصحة على كتاب النسائي أبو على النيسابوري وأبو أحمد بن عدى وأبو على بن السكن وأبو بكر الخطيب وغيرهم وقال الخليلى في الارشاد في ترجمة بعض الرواة الدينوريين سمع من أبى بكر بن السنى صحيح أبى عبد الرحمن النسائي وقال أبو عبد الله بن منده الذين خرجوا الصحيح أربعة البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وقال السلفي الكتب الخمسة اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب . قال النووي مراده أن معظم كتب الثلاثة سوى الصحيحين يحتج به وقال الزركشي في نكته على ابن الصلاح تسمية الكتب الثلاثة صحاحا اما
[ 6 ]
كتاب الطهارة أخبرنا قتيبة قال بعضهم هو لقب واسمه يحيى وقيل علي حدثنا سفيان هو بن عيينة عن الزهري اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب عن أبي سلمة هو بن عبد الرحمن بن عوف قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل وقيل اسمه كنيته قال مالك بن أنس كان عندنا رجال من أهل العلم اسم أحدهم كنيته منهم أبو سلمة بن عبد الرحمن قال الشيخ ولي الدين العراقي وهو أحد الفقهاء السبعة على قول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال النووي
[ 7 ]
اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو ثلاثين قولا أصحها عبد الرحمن بن صخر وقال الحافظ بن حجر في الاصابة هذا بالتركيب وعند التأمل لا تبلغ الاقوال عشرة خالصة ومرجعها من جهة صحة النقل إلى ثلاثة عمير وعبد الله وعبد الرحمن وقال البغوي حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة واسمه عبد الرحمن قال بن حجر وأبو إسماعيل صاحب غرائب مع أن قوله واسمه عبد الرحمن بن صخر يحتمل أن يكون من كلام أبي صالح أو من كلام من بعده وأخلق به أن يكون أبو إسماعيل الذي تفرد به والمحفوظ في هذا قول محمد بن إسحاق قال لي بعض أصحابنا عن أبي هريرة كان اسمى في الجاهلية عبد شمس بن صخر فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وكنيت أبا هريرة لاني وجدت هرة فحملتها في كمي فقيل لي أبو هريرة وهكذا أخرجه الحاكم في الكنى من طريقه انتهى إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في وضوئه قال الحافظ بن حجر في فتح الباري أي الاناء الذي أعد للوضوء انتهى والاحسن أن يفسر بالماء لان الوضوء بفتح الواو اسم للماء وبالضم اسم للفعل حتى يغسلها ثلاثا قال الشافعي رحمه الله في البويطي فان لم يغسلها الا مرة أو مرتين
[ 8 ]
أو لم يغسلها أصلا حين أدخلها في وضوئه فقد أساء فان أحدكم لا يدري أين باتت يده زاد بن خزيمة منه قال النووي قال الشافعي وغيره من العلماء معناه أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالاحجار وبلادهم حارة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن يطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قملة أو قذر أو غير ذلك وقال البيضاوي فيه إيماء إلى أن الباعث على الامر بذلك احتمال النجاسة لان الشرع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم لاجلها منه قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهي كونه محرما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل زاد مسلم في الرواية يتهجد يشوص فاه بالسواك قال النووي بفتح الياء وضم الشين وبالصاد المهملة والشوص دلك الاسنان بالسواك
[ 9 ]
عرضا وقيل هو الغسل وقيل التنقية وقيل الحك وتأوله بعضهم أنه بإصبعه قال فهذه أقوال الائمة فيه وأكثرها متقاربة وأظهرها الاول ما في معناه انتهى وقال في النهاية أي يدلك اسنانه وينقيها وقيل وهو أن يستاك من سفل إلى علو وأصل الشوص الغسل وزعم بعضهم أن يشوص معرب يعني يغسل بالفارسية حكاه المنذري وقال لا يصح 3) وهو يستن قال في النهاية الاستنان استعمال السواك وهو افتعال من الاسنان أي يمره عليها وطرف السواك بفتح الراء على لسانه وهو يقول عأعأ بتقديم العين على الهمزة الساكنة وفي رواية البخاري أع أع بتقديم الهمزة المضمومة على العين الساكنة ولابي داود أه وللجوزقي أخ وإنما إختلفت الرواة لتقارب مخارج هذه الاحرف وكلها ترجع إلى حكاية صوته إذ جعل السواك على طرف لسانه والمراد
[ 10 ]
طرفه الداخل كما عند أحمد يستن إلى فوق السواك مطهرة للفم مرضات للرب قال النووي في شرح المهذب مطهرة بفتح الميم وكسرها لغتان ذكرهما بن السكيت وآخرون والكسر أشهر
[ 11 ]
وهو كل آلة يتطهر بها شبه السواك بها لانه الفم والطهارة والنظافة وقال زين العرب في شرح المصابيح مطهرة ومرضاة بالفتح كل منهما مصدر بمعنى الطهارة يجئ بمعنى الفاعل أي مطهر للفم ومرض للرب أو هما باقيان على مصدريتهما أي سبب للطهارة والرضا ومرضاة جاز كونها بمعنى المفعول أي مرضى للرب وقال الكرماني مطهرة ومرضاة أما مصدر ميمي بمعنى اسم الفاعل وأما بمعنى الآلة فإن قلت كيف يكون سببا لرضا الله تعالى قلت من حيث أن الاتيان بالمندوب موجب للثواب ومن جهة أنه مقدمة للصلاة وهي مناجاة الرب ولا شك أن طيب الرائحة يحبه صاحب المناجاة وقيل يجوز أن يكون المرضاة بمعنى المفعول أي مرضى للرب وقال الطيبي يمكن أن يقال أنها مثل الولد مبخلة مجبنة أي السواك مظنة للطهارة والرضا إذ يحمل السواك الرجل على الطهارة ورضا الرب وعطف مرضاة يحتمل الترتيب بأن يكون الطهارة علة للرضا وأن يكون مستقلين في العلية شعيب بن الحبحاب بحائين مهملتين مفتوحتين وباءين موحدتين الاولى ساكنة قد أكثرت عليكم في السواك قال الحافظ بن حجر أي بالغت في
[ 12 ]
تكرير طلبه منكم أو في إيراد الاخبار في الترغيب فيه وقال بن التين معناه أكثرت عليكم وحقيق أن أفعل وحقيق أن تطيعوا قال وحكى الكرماني أنه روى بصيغة مجهولة الماضي أي بولغت من عند الله بطلبه منكم لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل صلاة قال البيضاوي لولا كلمة تدل على انتفاء الشئ لثبوت غيره والحق أنها مركبة من لو الدالة على انتفاء الشئ لانتفاء غيره ولا النافية فدل الحديث على انتفاء الامر منفيا لثبوت المشقة وفيه دليل على أن الامر للوجوب من وجهين أحدهما أنه نفى الامر مع ثبوت الندبية ولو كان للندب لما جاز النفي ثانيهما أنه جعل الامر مشقة عليهم وذلك انما يتحقق إذا كان الامر للوجوب إذ الندب لا مشقة فيه لانه جائز الترك وقال الشيخ أبو إسحاق في اللمع في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لان السواك عند كل صلاة مندوب إليه وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به وقوله لامرتهم بالسواك قال الحافظ بن حجر في فتح الباري أي باستعمال السواك لان السواك هو الآلة وقد قيل أنه يطلق على الفعل أيضا فعلى هذا لا تقدير وقال بن دقيق العيد السر في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة أنا مأمورون في كل حالة من أحوال التقرب إلى الله تعالى أن نكون في حالة كمال ونظافة إظهارا
[ 13 ]
لشرف العبادة قال وقد قيل أن ذلك لامر يتعلق بالملك وهو أن يضع فاه على في القارئ فيتأذى بالرائحة الكريهة فسن السواك لاجل ذلك وفيه حديث في مسند البزار وقال الحافظ زين الدين العراقي يحتمل أن يقال حكمته عند إرادة الصلاة ما ورد من أنه يقطع البلغم ويزيد في الفصاحة وتقطيع البلغم مناسب للقراءة لئلا يطرأ عليه فيمنعه القراءة وكذلك الفصاحة قلت لعائشة رضي الله عنها بأي شئ كان يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته قالت بالسواك قال القرطبي يحتمل أن يكون ذلك لانه كان يبدأ بصلاة النافلة فقلما كان يتنفل في المسجد فيكون السواك لاجلها وقال غير الحكمة في ذلك أنه ربما تغيرت رائحة الفم عند محادثة الناس فإذا دخل البيت كان من حسن معاشرة الاهل إزالة ذلك وفي الحديث دلالة على استحباب السواك عند دخول المنزل وقد صرح به أبو شامة والنووي قال بن دقيق
[ 14 ]
العيد ولا يكاد يوجد في كتب الفقهاء ذكر ذلك خمس من الفطرة قال النووي هي بكسر الفاء وأصلها الخلقة قال تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها واختلفوا في تفسيرها في هذا الحديث فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في الخلاف والماوردي في الحاوي وغيرهما من أصحابنا هي الدين وقال الخطابي فسرها أكثر العلماء في هذا الحديث بالسنة وقال بن الصلاح وفيه اشكال لبعد معنى السنة من معنى الفطرة في اللغة قال فلعل وجهه أن أصله سنة الفطرة أو آداب الفطرة حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه قال النووي وتفسير الفطرة ههنا بالسنة هو الصواب لانه ورد في رواية من السنة قص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار وأصح ما فسر به غريب الحديث تفسيره بما جاء في رواية أخرى انتهى وقال أبو شامة أصل الفطرة الخلقة المبتدأة والمراد بها هنا أن هذه الاشياء إذا فعلت اتصف فاعلها بالفطرة التي فطر الله العباد عليها وحثهم عليها واستحبها لهم ليكونوا على أكمل الصفات وأشرفها صورة
[ 15 ]
قال الحافظ أبو الفضل بن حجر في شرح البخاري وقد رد البيضاوي الفطرة في هذا الحديث إلى مجموع ما ورد في معناها وهو الاختراع والجبلة والسن والسنة فقال هي السنة القديمة
[ 16 ]
التي اختارها الانبياء واتفقت عليها الشرائع فكأنها أمر جبلي فطروا عليها أن لا نترك أكثر من أربعين يوما قال النووي معناه لا نترك تركا نجاوز به أربعين لا أنه وقت لهم الترك أربعين وقال القرطبي هذا تحديد لاكثر المدة والمستحب تفقد ذلك من الجمعة إلى الجمعة احفوا الشوارب واعفوا اللحى قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري الاحفاء بالحاء المهملة والفاء الاستقصاء ومنه حتى أحفوه بالمسألة وقد ورد بلفظ انهكوا الشوارب وبلفظ جزوا الشوارب وكل هذه الالفاظ تدل على أن المطلوب المبالغة في الازالة لان الجز قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد والنهك المبالغة في الازالة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم للخافضة أشمي ولا تنهكي أي لا تبالغي في ختان المرأة قال الطحاوي لم أر عن الشافعي رحمه الله في ذلك شيئا منصوصا وأصحابه الذين رأيناهم كالمزني والربيع كانوا يحفون وما أظنهم أخذوا ذلك الا عنه وكان أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه يقولون الاحفاء أفضل من التقصير وخالف مالك انتهى وقال الاشرم كان أحمد يحفى شاربه احفاء شديدا ونص على أنه أولى من القص وقال النووي المختار في قص الشارب أنه يقصه حتى يبدوا طرف الشفة ولا يحفيه من أصله وأما رواية أحفوا
[ 17 ]
فمعناه أزيلوا ما طال على الشفتين قال بن دقيق العيد ما أدري هل نقله عن المذهب أو قاله اختيارا منه لمذهب مالك وقال القاضي عياض ذهب كثير من السلف إلى سنية استئصال الشارب وحلقه لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أحفوا وانهكوا وهو قول الكوفيين وذهب كثير منهم إلى منع الحلق وقاله مالك وذهب بعض العلماء إلى التخيير بين الامرين وقال القرطبي قص الشارب أن يأخذ ما طال عن الشفة بحيث لا يؤذي الآكل ولا يجتمع فيه الوسخ والجز والاحفاء هو القص المذكور وليس الاستئصال عند مالك قال وذهب الكوفيون إلى أنه الاستئصال وبعض العلماء إلى التخيير في ذلك قال الحافظ بن حجر هو الطبري فإنه حكى قول مالك وقول الكوفيين ونقل عن أهل اللغة أن الاحفاء الاستئصال ثم قال دلت السنة على الامرين ولا تعارض فإن القص يدل على أخذ البعض والاحفاء يدل على أخذ الكل وكلاهما ثابت فيتخير فيما شاء قال الحافظ بن حجر ويرجح قول الطبري ثبوت الامرين معا في الاحاديث فأما الاقتصار على القص ففي حديث المغيرة بن شعبة ضفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاربي وفاء فقصه على سواك أخرجه أبو داود ورواه البيهقي بلفظ فوضع السواك تحت الشارب وقص عليه وأخرج البزار من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا وشاربه طويل فقال ائتوني بمقص وسواك فجعل السواك على طرفه ثم أخذ ما جاوزه وأخرج الترمذي من حديث بن عباس رضي الله عنه وحسنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يقص شاربه وأخرج البيهقي والطبراني
[ 18 ]
من حديث شرحبيل بن مسلم الخولاني قال رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم أبو أمامة الباهلي والمقدام بن معد يكرب الكندي وعتبة بن عوف السلمي والحجاج بن عامر الشامي وعبد الله بن بشر وأما الاحفاء ففي رواية ميمون بن مهران عن بن عمر قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال انهم يرخون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم قال وكان بن عمر يستعرض سبلته فيجزها كما تجز الشاة أو البعير أخرجه الطبراني والبيهقي وأخرجا من طريق عبد الله بن أبي رافع قال رأيت أبا سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وابن عمر ورافع بن خديج وأبا أسيد الانصاري وسلمة بن الاكوع وأبا رافع ينهكون شواربهم كالحلق وأخرج أبو بكر الاشرم من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال رأيت بن عمر يحفي شاربه حتى لا يترك منه شيئا وأخرج الطبراني من طريق عبد الله بن أبي عثمان قال رأيت بن عمر يأخذ من شاربه أعلاه وأسفله وأخرج الطبراني من طريق عروة وسالم والقاسم وأبي سلمة أنهم كانوا يحلقون شواربهم انتهى ما أورده الحافظ بن حجر وقال النووي قوله أحفوا وأعفوا بقطع الهمزة فيهما وقال بن دريد يقال أيضا حفا الرجل شاربه يحفوه حفوا إذا استأصل أخذ شعره فعلى هذا يكون همزة احفوا همزة وصل وقال غيره عفوت الشعر وأعفيته لغتان انتهى وفي النهاية أعفاء اللحى أن يوفر شعرها ولا يقص كالشوارب من أعفى الشئ إذا كثر وزاد كان إذا ذهب
[ 19 ]
المذهب بفتح الميم والهاء بينهما ذال معجمه ساكنة مفعل من الذهاب قال أبو عبيدة وغيره هو اسم لموضع التغوط يقال له المذهب والخلاء والمرفق والمرحاض ائتني بوضوء بفتح الواو عن حذيفة قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائما السباطة بضم السين المهملة وتخفيف الموحدة قال في النهاية هي الموضع الذي يرمى فيه التراب والاوساخ وما يكنس من المنازل وقيل هي الكناسة نفسها واضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك لانها كانت مواتا مباحة وأما سبب بوله صلى الله عليه وسلم قائما فروى أنه كابه صلى الله عليه وسلم وجع الصلب إذ ذاك قال القاضي حسين في تعليقه
[ 20 ]
وصار هذا عادة لاهل هراة يبولون قياما في كل سنة مرة إحياء لتلك السنة وقول ثان روى البيهقي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم بال قائما لعلة بمأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء موحدة باطن الركبة قال الحافظ بن حجر لو صح لكان فيه غنى عن كل ما ذكر لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي وقول ثالث أنه لم يجد مكانا يصلح للقعود فاضطر إلى القيام لكون الطرف الذي يليه من السباطة كان عاليا مرتفعا وذكر الماوردي وعياض وجها رابعا أنه بال قائما لكونها حالة يؤمن فيها خروج الحدث من السبيل الآخر بخلاف القعود وذكر النووي وجها خامسا أنه فعله لبيان الجواز في هذه المرة ورحجه بن حجر وذكر المنذري وجها سادسا أنه لعلة كان فيها نجاسات رطبة وهي رخوة فخشى أن تتطاير عليه قال بن سيد الناس في شرح الترمذي كذا قال ولعل القائم أجدر بهذه الخشية من القاعد قلت مع أنه يؤول إلى الوجه الثالث وذهب أبو عوانة وابن شاهين إلى أنه منسوخ عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال اللهم اني أعوذ بك من الخبث والخبائث قال بن سيد الناس في شرح الترمذي الخلاء بالفتح والمد موضع قضاء الحاجة وقوله إذا دخل الخلاء يحتمل أن يراد به إذا أراد الدخول نحو قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة أي إذا أردتم القيام فإذا قرأت القرآن أي إذا أردت القراءة وكذلك وقع في صحيح البخاري ويحتمل أن يراد به ابتداء الدخول ويبتنى عليه من دخل ونسي التعوذ فهل يتعوذ أم لا كرهه جماعة من السلف منهم بن عباس
[ 21 ]
وعطاء والشعبي فحمل الحديث عندهم على المعنى الاول وأجازه جماعة منهم بن عمرو وابن سيرين والنخعي ولم يحتج هؤلاء إلى حمل الحديث على مجازه من العبارة بالدخول على ارادته وورد في سبب هذا التعوذ ما أخرجه الترمذي في العلل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ان هذه الحشوش محتضرة فإذا دخل أحدكم الخلاء فليقل اللهم اني أعوذ بك من الخبث والخبائث قال الخطابي الخبث بضم الباء جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكران الشياطين واناثهم وعامة أهل الحديث يقولون الخبث ساكنة الباء وهو غلط والصواب الخبث مضمومة الباء قال وأما الخبث بالسكون فهو الشر قال بن الاعرابي أصل الخبث في كلام العرب المكروه فان كان من الكلام فهو الشتم وان كان من الملل فهو الكفر وان كان من الطعام فهو الحرام وان كان من الشراب فهو الضار قال بن سيد الناس وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام وحسبك به جلاله وقال القاضي عياض أكثر روايات الشيوخ بالاسكان وقال القرطبي رويناه بالضم والاسكان قال بن دقيق العيد مؤيدا لابن سيد الناس لا ينبغي أن يعد مثل هذا غلطا لان فعل بضم الفاء والعين يسكنون عينه قياسا فلعل من سكنها سلك ذلك المسلك ولم ير غير ذلك مما يخالف المعنى الاول وقال التوربشتي في إيراد الخطابي هذا اللفظ في جملة الالفاظ الملحونة نظر لان الخبيث إذا جمع يجوز أن تسكن الباء للتخفيف وهذا مستفيض لا يسع أحد مخالفته الا أن يزعم أن ترك التخفيف فيه أولى لئلا يشتبه بالخبث الذي هو المصدر عن رافع
[ 22 ]
ابن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الانصاري وهو بمصر يقول في رواية الصحيحين فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة فكنا نتحرف عنها قال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح أبي داود لا تنافي بين الروايتين فيمكن أنه وقع له هذا في البلدين معا قدم كلا منهما فرأى مراحيضهما إلى القبلة ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس بياءين مثناتين من تحت قال في النهاية يعني الكنف واحدها كرياس وهو الذي يكون مشرفا على سطح بقناة من الارض فإذا كان أسفل فليس بكرياس سمي به لما تعلق به من الاقذار ويتكرس ككرس الدمن وقال الزمخشري في كتاب العين الكرناس بالنون لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول أخذ بظاهره أبو حنيفة رحمه الله وطائفة فحرموا ذلك في الصحراء والبنيان وخصه آخرون بالصحراء وعليه الائمة الثلاثة لحديث بن عمر الذي يليه قال القاضي أبو بكر بن العربي والمختار الاول لان إذا نظرنا إلى المعاني فالحرمة للقبلة فلا يختلف في البنيان ولا في الصحراء وان نظرنا إلى الآثار فحديث أبي أيوب عام وحديث بن عمر لا يعارضه لاربعة أوجه أحدها
[ 23 ]
أنه قول وهذا فعل ولا معارضة بين القول والفعل الثاني أن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكايات الاحوال معرضة للاعذار والاسباب والاقوال لا تحتمل ذلك الثالث أن هذا القول شرع مبتدأ وفعله عادة والشرع مقدم على العادة الرابع أن هذا الفعل لو كان شرعا لما تستر به انتهى وفي الآخرين نظر لان فعله شرع كقوله والتستر عند قضاء الحاجة مطلوب بالاجماع وقد اختلف العلماء في علة هذا النهي على قولين أحدهما أن في الصحراء خلقا من الملائكة والجن فيستقبلهم بفرجه والثاني أن العلة اكرام القبلة واحترامها لانها جهة معظمة قال بن العربي وهذا التعليل أولى ورجحه النووي أيضا في شرح المهذب عن عمه واسع
[ 24 ]
ابن حبان بفتح الحاء المهملة وبالباء الموحدة عن عبد الله بن عمر قال لقد ارتقيت على ظهر بيتنا زاد البخاري لبعض حاجتي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته قال بن القصارى وجماعة هو محمول على أنه لم يتعمد ذلك بل وقع منه عن غير قصد فان فصد ذلك لا يجوز ويدل لذلك ما في بعض طرقه فحانت مني التفاته وجوز بن بطال والقاضي عياض وغيرهما أن يكون قصد ذلك ليطلع على كيفية جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للحدث وأنه تحفظ من أن يطلع على ما لا يجوز له قال القرطبي وفيه بعد واختلف العلماء رضي الله عنهم في العمل بهذا الحديث مع الحديث المتقدم ونحوه فقال قوم هذا الحديث ناسخ لاحاديث النهي فجوزوا الاستقبال والاستدبار مطلقا وتعقب بأنه يحتاج إلى معرفة تأخره عنها ولا يجوز دعوى النسخ الا بعد معرفة التاريخ ولو قال قائل أنه متقدم عليها لكان أقرب في النظر لانه حينئذ يكون على وفق البراءة الاصلية ثم ورد التحريم بعد ذلك فيسلم من دعوى النسخ الذي هو خلاف الاصل لكن لا يجوز دعوى التقدم والتأخر الا بدليل وقال آخرون هذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم والاحاديث الدالة على المنع باقية بحالها وايده بن دقيق العيد بأنه لو كان هذا الفعل عاما للامة لبينه لهم باظهاره بالقول فان الاحكام العامة لا بد من بيانها فلما لم يقع ذلك وكانت هذه الرواية من بن عمر على طريق الاتفاق وعدم قصد الرسول لزم عدم العموم في حق الامة وتعقبه القرطبي بأن كون هذا الفعل في خلوة لا يصلح مانعا من
[ 25 ]
الاقتداء لان أهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الامور المشروعة وقال آخرون هذا
[ 26 ]
الحديث انما ورد في البنيان والاحاديث الواردة في النهي مطلقة فتحمل على الصحراء جمعا بين الاحاديث وهذا أصح الاجوبة لما فيه من الجمع بين الدليلين أخبرنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عن عائشة قالت من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بال قائما فلا تصدقوه أخرجه الترمذي وقال أنه أحسن شئ في هذا الباب وأصح والحاكم وقال أنه صحيح على شرط الشيخين وقال الشيخ ولي الدين هذا الحديث فيه لين لان فيه شريكا القاضي وهو متكلم فيه بسوء الحفظ وقول الترمذي أنه أصح شئ في هذا الباب لا يدل على صحته ولذلك قال بن القطان أنه لا يقال فيه صحيح وتساهل الحاكم في التصحيح معروف وكيف يكون على شرط الشيخين مع أن البخاري لم يخرج لشريك بالكلية ومسلم خرج له استشهادا لا احتجاجا وعلى تقدير صحته فحديث حذيفة أصح منه بلا تردد ولو تكافأ في الصحة فالجواب عنه أن نفي عائشة رضي الله عنها لا يقدح في اثبات حذيفة وهو سيد مقبول النقل إجماعا ونفيها كان بحسب علمها ولا شك أن ما أثبتته ونفت غيره كان هو الغالب من حاله عليه الصلاة والسلام وفي سنن بن ماجة عن سفيان
[ 27 ]
الثوري أنه قال الرجال أعلم بهذا منها أي أن هذا لم يقع في البيت بل في الطريق في موضع يشاهد فيه الرجال دون زوجاته وقد روى الطبراني في الاوسط عن سهل بن سعد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول قائما وروى الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائما من جرح كان بمأبضه فيحتمل أن تكون هذه المرة التي كان معه فيها حذيفة ويحتمل أن تكون غيرها وفي مصنف بن أبي شيبة عن مجاهد قال ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما الا مرة في كثيب أعجبه عن عبد الرحمن بن حسنة هو أخو شرحبيل بن حسنة وحسنة اسم أمهما واسم أبيهما عبد الله بن المطاع وليس لعبد الله في الكتب الستة سوى هذا الحديث الواحد عند المصنف وأبي داود وابن ماجة وله في غيرها أحاديث أخر وذكر الحاكم في المستدرك أنه لم يرو عنه سوى زيد بن وهب وتعقب بأنه روى عنه أيضا إبراهيم بن عبد الله بن قارض وروايته عنه في معجم الطبراني كهيئة الدرقة بفتح الدال والراء المهملتين والقاف الحجفة والمراد بها الترس إذا كان من جلود وليس فيه من خشب ولا عصب وهو القصب الذي تعمل منه الاوتار وذكر القزاز أنها من جلود دواب تكون في بلاد الحبشة فقال بعض القوم انظروا يبول كما
[ 28 ]
تبول المرأة قال الشيخ ولي الدين العراقي هل المراد التشبه بها في الستر أو الجلوس أو فيهما محتمل وفهم النووي الاول فقال في شرح أبي داود معناه أنهم كرهوا ذلك وزعموا أن شهامة الرجال لا تقتضي الستر على ما كانوا عليه في الجاهلية قال الشيخ ولي الدين ويؤيد الثاني رواية البغوي في معجمه فإن لفظها فقال بعضنا لبعض يبول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبول المرأة وهو قاعد وفي معجم الطبراني يبول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس كما تبول المرأة وفي سنن بن ماجة قال أحمد بن عبد الرحمن المخزومي كان من شأن العرب البول قائما ألا تراه في حديث عبد الرحمن بن حسنة يقول يقعد ويبول ما أصاب صاحب بني إسرائيل قال الشيخ ولي الدين بالرفع ويجوز نصبه كانوا إذا أصابهم شئ من البول قرضوه بالمقاريض في رواية الطبراني كان أحدهم إذا أصاب شيئا من جسده بول قرضه بالمقاريض مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبرين في رواية بقبرين ومر بمعنى اجتاز يتعدى تارة بالباء وتارة بعلي وزاد بن ماجة في روايته جديدين فقال أنهما يعذبان وما يعذبان في كبير زاد في رواية البخاري
[ 29 ]
بلى وإنه لكبير قال أبو عبد الملك البوني يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم ظن أن ذلك غير كبير فأوحى إليه في الحال أنه كبير فاستدرك ويحتمل أن الضمير في وانه يعود على العذاب لما ورد في صحيح بن حبان من حديث أبي هريرة يعذبان عذابا شديدا في ذنب هين وقيل الضمير يعود على أحد الذنبين وهو النميمة لانها من الكبائر وقال الداودي وابن العربي كبير المنفي بمعنى أكبر والمثبت واحد الكبائر أي ليس ذلك بأكبر الكبائر كالقتل مثلا وان كان كبيرا في الجملة وقيل المعنى ليس بكبير في الصورة لان تعاطى ذلك يدل على الدناءة والحقارة وهو كبير في الذنب وقيل ليس بكبير في اعتقادهما أو في اعتقاد المخاطبين وهو عند الله كبير كقوله تعالى وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم وقيل ليس بكبير في مشقة الاحتراز أي كان لا يشق عليهما الاحتراز من ذلك وهذا الاخير جزم به البغوي وغيره ورجحه بن دقيق العيد وجماعة وقيل ليس بكبير بمجرده وانما صار كبيرا بالمواظبة عليه ويرشد إلى ذلك السياق فإنه وصف كلا منهما بما يدل على تجدد ذلك عنه واستمراره عليه للاتيان بفعل المضارعة بعد كان قال الحافظ بن حجر ولم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما وهو عمل مستحسن وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به قال وقد اختلف فيهما فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني قال لانهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن ييبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فتشفع لهما إلى المدة المذكورة وجزم بن القصار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين قال القرطبي وهو الاظهر وقال الحافظ بن حجر وهو الظاهر من مجموع طرق الحديث أما هذا فكان لا يستنزه من بوله بنون ساكنة بعدها زاي ثم هاء وأما هذا فإنه كان يمشي بالنميمة قال النووي هي نقل كلام الناس بقصد الاضرار
[ 30 ]
ثم دعا بعسيب رطب بمهملتين بوزن فعيل وهي الجريدة التي لم ينبت فيها خوص فان نبت فهي السعفة فشقه باثنين قال النووي الباء زائدة للتوكيد والنصب على الحال فغرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا قال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي قال الحافظ سعد الدين الحارثي موضع الغرس كان بإزاء الرأس ثبت ذلك بإسناد صحيح انتهى لعله قال بن مالك الهاء ضمير الشأن يخفف عنهما بالضم وفتح الفاء الاولى أي العذاب عن المقبورين ما لم ييبسا بالمثناة التحتية أوله والباء مفتوحة ويجوز كسرها أي العودان وقال المازري يحتمل أن يكون أوحى إليه أن العذاب يخفف عنهما هذه المدة وقال القرطبي قيل أنه تشفع لهما هذه المدة وقال الخطابي هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة لا أن في الجريد معنى خصه ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس قال وقد قيل أن المعنى فيه أنه يسبح ما دام رطبا فيحصل التخفيف ببركة التسبيح وعلى هذا فيطرد في كل ما فيه رطوبة من الاشجار وغيرها وكذلك ما فيه بركة كالذكر وتلاوة القرآن من باب أولى وقال بن بطال انما خص الجريدتين من دون سائر النبات لانها أطول الثمار بقاء فتطول مدة التخفيف وهي شجرة شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤمن وقيل أنها خلقت من فضلة طينة آدم عليه السلام وقال الطيبي الحكمة في كونهما ما دامتا رطبتين يمنعان العذاب غير معلومة لنا كعدد الزبانية وقد استنكر الخطابي ومن تبعه وضع الناس الجريد ونحوه في القبر عملا بهذا الحديث وقال الطرطوشي لان ذلك خاص ببركة
[ 31 ]
يده صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ بن حجر ليس في السياق ما يقطع بأنه باشر الوضع بيده الكريمة بل يحتمل أن يكون أمر به وقد تأسى بريدة بن الحصيب الصحابي بذلك فأوصى أن يوضع على قبره جريدتان وهو أولى بأن يوضع من غيره انتهى قلت وأثر بريدة مخرج في طبقات بن سعد وقد أوردته في كتابي شرح الصدور مع أثر آخر عن أبي برزة الاسلمي مخرج في تاريخ بن عساكر وقد رد النووي استنكار الخطابي وقال لا وجه له أخبرتني حكيمة بنت أميمة عن أمها أميمة بنت رقيقة الثلاثة بالتصغير ورقيقة بقافين قال الحاكم في المستدرك أميمة صحابية مشهورة مخرج حديثها في الوحدان وقال الحافظ جمال الدين المزني في التهذيب رقيقة أمها وهي أميمة بنت عيد ويقال بنت عبد الله بن بجاد بن عمير ورقيقة بنت خويلد أخت خديجة بنت خويلد أم المؤمنين رضي الله عنها وقال الذهبي حكيمة لم ترو الا عن أمها ولم يرو عنها غير بن جريج وقال غيره ذكرها بن حبان في الثقاة وخرج حديثها في صحيحه قالت كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير هذا مختصر وقد أتمه بن عبد البر في الاستيعاب فقال فبال ليلة فوضع تحت سريره فجاء فإذا القدح ليس فيه شئ فسال المرأة يقال لها بركة كانت
[ 32 ]
تخدم أم حبيبة جاءت معها من الحبشة فقال أين البول الذي كان في هذا القدح فقالت شربته يا رسول الله قال الحاكم في المستدرك هذه سنة غريبة وقال الشيخ ولي الدين في شرح أبي داود والحافظ بن حجر في تخريج أحاديث الرافعي عيدان بفتح العين المهملة ومثناة تحتية ساكنة وقال الامام بدر الدين الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي عيدان مختلف في ضبطه بالكسر والفتح واللغتان بإزاء معنيين فالكسر جمع عود والفتح جمع عيدانه بفتح العين قال أهل اللغة هي النخلة الطويلة المتجردة وهي بالكسر أشهر رواية وفي كتاب تثقيف اللسان من كسر العين فقد أخطأ يعني لانه أراد جمع عود وإذا اجتمعت الاعواد لا يتأتى منها قدح يحفظ الماء بخلاف من فتح العين فإنه يريد قدحا من خشب هذه صفته ينقر ليحفظ ما يجعل فيه انتهى وقال الشيخ ولي الدين يعارضه ما رواه الطبراني في الاوسط بإسناد جيد من حديث عبد الله بن يزيد مرفوعا لا ينقع بول في طست في البيت فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول منتقع وروى بن أبي شيبة في مصنفه عن بن عمر قال لا تدخل الملائكة بيتا فيه بول والجواب لعل المراد بانتقاعه طول مكثه وما يجعل في الاناء لا يطول مكثه غالبا وقال مغلطاي يحتمل أن يكون أراد كثرة النجاسة في البيت بخلاف القدح فإنه لا يحصل به نجاسه لمكان آخر دعا بالطست أصله طس أبدلت
[ 33 ]
السين الثانية تاء وهو يذكر ويؤنث فانخنثت نفسه بنونين بينهما خاء معجمة وبعد الثانية ثاء مثلثة قال في النهاية أي انكسر وانثنى لاسترخاء أعضائه عند الموت عن قتادة عن عبد الله بن سرجس قال الشيخ ولي الدين فإن قلت قد قال أحمد بن حنبل رحمه الله ما أعلم قتادة سمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الا من أنس بن مالك قيل له فعبد الله بن سرجس فكأنه لم يروه سماعا قلت قد صحح أبو زرعة سماعه منه وقال أبو حاتم لم يلق من الصحابة الا أنسا وعبد الله بن سرجس وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي سرجس بفتح السين وسكون الراء المهملتين وكسر الجيم وآخره سين مهملة على مثال نرجس وهو غير منصرف للعجمة والعلمية وليس في كلام العرب فعلل بكسر اللام لان هذا الوزن مختص بالامر من الرباعي وأما نرجس فنونه زائدة وان كان عربيا لا يبولن أحدكم في جحر بضم الجيم وسكون الحاء المهملة وراء قال
[ 34 ]
صاحب المحكم كل شئ يحتفره الهوام والسباع لانفسها يقال أنها مساكن الجن قال الشيخ ولي الدين أعاد الضمير على الجحر وهو يدل على أنه مؤنث ويحتمل أن يريد الجحرة التي هي جمعه وإن لم يتقدم ذكرها عن الاشعث هو بن عبد الله بن جابر الحداني ويقال له الازدي والاعمى عن الحسن قال الشيخ ولي الدين العراقي لا يعتبر بما وقع في أحكام عبد الحق من أن أشعث لم يسمع من الحسن فإنه وهم عن عبد الله بن مغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء وتشديدها قال الشيخ ولي الدين قد صرح أحمد بن حنبل رحمه الله بسماع الحسن من عبد الله بن مغفل لا يبولن أحدكم في مستحمه بفتح الحاء زاد أبو داود ثم يتوضأ فيه فإن عامة الوسواس بفتح الواو منه قال في الصحاح المستحم أصله الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم
[ 35 ]
وهو الماء الحار ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان استحمام وذكر ثعلب أن الحميم يطلق أيضا على الماء البارد من الاضداد وعامة الشئ بمعنى جميعه وبمعنى معظمه والوسواس حديث النفس والافكار والمصدر بالكسر قال الشيخ ولي الدين علل النبي صلى الله عليه وسلم هذا النهي بأن هذا الفعل يورث الوسواس ومعناه أن المغتسل يتوهم أنه أصابه شئ من قطره ورشاشه فيحصل له وسواس وروى بن أبي شيبة في مصنفه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال انما يكره البول في المغتسل مخافة اللمم وذكر صاحب الصحاح وغيره أن اللمم طرف من الجنون قال ويقال أيضا اصابت فلانا لمة من الجن وهو المس والشئ القليل وهذا يقتضي أن العلة في النهي عن البول في المغتسل خشية أن يصيبه شئ من الجن وهو معنى مناسب لان المغتسل محل حضور الشياطين لما فيه من كشف العورة فهو في معنى البول في الجحر لكن المعنى الذي علل به النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع قال ويمكن جعله موافقا لقول أنس بأن يكون المراد بالوسواس في الحديث الشيطان وفيه حذف تقديره فإن عامة فعل الوسواس أي الشيطان منه لكنه خلاف ما فهمه العلماء من الحديث ولا مانع من التعليل بهما فكل منهما علة مستقلة انتهى قلت بل هنا علة واحدة ولا منافاة فإن اللمم الذي ذكره أنس هو الوسواس بعينه وذلك طرف من الجنون فإن الذي يسمى في لغة العرب الوسواس هو الذي في لغة اليونان الماليخوليا وهي عبارة عن فساد الفكر وقد كثر في أشعار العرب والاحاديث والآثار إطلاق الوسواس مرادا به ذلك منها حديث أحمد عن عثمان رضي الله عنه قال لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزن أصحابه حتى كاد بعضهم يوسوس وقيل لولا مخافة الوسواس لسكنت في أرض
[ 36 ]
ليس بها ناس فالذي قاله أنس هو عين الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال الشيخ ولي الدين حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الارض واستقر فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبالوعة ونحوها فلانهى روى بن أبي شيبة عن عطاء قال إذا كان يسيل فلا بأس وقال بن المبارك فيما نقله عنه الترمذي قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء وقال بن ماجة في سننه سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم فلمغتسلاتهم الجص والصاروج والقير فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس به وقال الخطابي إنما ينهى عن ذلك إذا لم يكن المكان جددا مستويا لا تراب عليه وصلبا أو مبلطا أو لم يكن له مسلك ينفذ فيه البول ويسيل منه الماء فيتوهم المغتسل أنه أصابه شئ من قطره ورشاشه فيورثه الوسواس وقال النووي في شرحه إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف أصابة رشاشه فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة قال الشيخ ولي الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهى على الارض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي الصلبة يجرى ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية قلت الذي قاله النووي رضى الله عنه سبقه إليه صاحب النهاية فإنه قال وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان صلبا فيتوهم المغتسل أنه أصابه منه شئ فيحصل منه الوسواس ثم قال الشيخ ولي الدين إذا جعلنا الاغتسال منهيا عنه بعد البول فيه فيحتمل أن سبب الوسواس البول فيه على انفراده ويحتمل أن سببه الاغتسال بعد البول
[ 37 ]
فيه ويكون قوله فإن عامة الوسواس منه أي من مجموع ما تقدم أو من الاغتسال أو الوضوء فيه الذي هو أقرب مذكور ويؤيده حديث من توضأ في موضع بوله فأصابه الوسواس فلا يلومن الا نفسه رواه بن عدي من حديث بن عمرو فجعل سبب الوسواس الوضوء في موضع بوله انتهى عن حضين بن المنذر بضم الحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة ثم مثناة تحتية ثم نون قال أبو أحمد العسكري لا أعرف من يسمى حضينا بالضاد غيره وحكى مغلطاي أنه قيل فيه بالصاد المهملة قال الشيخ ولي الدين وفيه نظر أبي ساسان بمهملتين وهو لقب وكنيته أبو محمد عن المهاجر بن قنفذ بالذال المعجمة وهما لقبان واسم المهاجر عمرو واسم قنفذ خلف روى العسكري في الصحابة من طريق الحسن عنه أنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه المشركون فأوثقوه على بعير فجعلوا يضربون البعير سوطا ويضربونه سوطا فأفلت فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا المهاجر حقا ولم يكن يومئذ اسمه المهاجر عن أبي عثمان بن سنة
[ 38 ]
بفتح السين المهملة وتشديد النون أن يستطيب قال في النهاية الاستطابة والاطابة كناية عن الاستنجاء أي يطهر وينهى عن الروث والرمة بكسر الراء وتشديد الميم قال في النهاية هي العظم البالي ويجوز أن يكون جمع رميم قال وإنما نهى عنها لانها ربما كانت ميتة وهي نجسة أو لان العظم لا يقوم مقام الحجر لملاسته قلت ولما ورد أن العظم طعام الجن الرب عز وجلقال له رجل زاد بن ماجة من المشركين إن صاحبكم ليعلمكم حتى الخراءة قال القاضي عياض بكسر الخاء ممدود وهو اسم فعل الحدث وأما الحدث نفسه
[ 39 ]
فبغير تاء ممدود وفتح الخاء وقال الخطابي عوام الناس يفتحون الخاء في هذا الحديث فيفحش معناه وإنما هو مكسور الخاء ممدود الالف يريد الجلسة للتخلي والتنظيف منه والادب فيه قال أجل بسكون اللام حرف جواب بمعنى نعم عن أبي إسحاق قال ليس أبو عبيدة هو بن عبد الله بن مسعود ذكره أي لي ولكن عبد الرحمن بن الاسود عن أبيه قال الحافظ بن حجر في شرح البخاري وإنما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح فتكون
[ 40 ]
منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فانها موصولة ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل عن يونس عن أبي إسحاق فمراد أبي إسحاق هنا بقوله ليس أبو عبيدة ذكره أي لست أرويه الان عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن قال والاسود والده هو بن يزيد النخعي صاحب بن مسعود وقال بن التين هو الاسود بن عبد يغوث الزهري وهو غلط فاحش فإن الاسود الزهري لم يسلم فضلا عن أن يعيش حتى يروى عن بن مسعود أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط أي الارض المطمئنة لقضاء الحاجة وأمرني أن آتيه قال الكرماني أن هنا مصدرية صلة للامر أي أمرني بإتيان الاحجار لا مفسرة بخلاف أمرته أن أفعل فانها تحتمل أن تكون صلة وأن تكون مفسرة فأخذت روثه في رواية بن خزيمة أنها كانت روثة حمار ونقل التيمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير وألقى الروثة وقال هذه ركس زاد أحمد في رواية بعده أئتني بحجر ورجاله ثقات أثبات وقال أبو الحسن بن القصار المالكي روى أنه أتاه بثالث لكن لا يصح وقوله ركس قال الحافظ بن حجر كذا وقع في هذا الحديث بكسر الراء وسكون الكاف فقيل هي لغة في رجس بالجيم ويدل عليه رواية بن ماجة وابن خزيمة في هذا الحديث فان عندهما رجس بالجيم وقيل الركس الرجيع من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وغيره والاولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث وقال بن بطال لم أر هذا الحرف في اللغة يعني الركس بالكاف وتعقبه بن عبد الملك بأن معناه الرد كما قال تعالى أركسوا فيها أي ردوا فكأنه قال هذا رد عليك وأجيب بأنه لو ثبت ما قال لكان بفتح الراء يقال أركسه ركسا إذا رده وفي رواية
[ 41 ]
الترمذي هذا ركس يعني نجسا وهو يؤيد الاول وقال النسائي عقب هذا الحديث الركس طعام الجن وهذا ان ثبت في اللغة فهو صريح بلا اشكال انتهى كلام الحافظ بن حجر وفي النهاية الركس شبيه المعنى بالرجيع يقال ركست الشئ وأركسته إذا رددته ورجعته وفي رواية ركيس فعيل بمعنى مفعول وقال الكرماني الركس بكسر الراء الرجس وبالفتح رد الشئ مقلوبا وقال بن سيد الناس ركس كقوله رجع يعني نجسا لانها أركست أي ردت في النجاسة بعد أن كانت طعاما أبي حازم اسمه سلمة بن دينار المدني أحد الاعلام وذكر جماعة أنه التمار وتبعه المزي في التهذيب وقال أبو علي الجياني أنه وهم عن مسلم بن قرط قال الزركشي في التخريج بضم القاف وسكون
[ 42 ]
الراء وطاء مهملة لم يرو عنه غير أبي حازم ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الاسناد ولا ذكر لابن قرط في غيره ولم يتعرضوا له بمدح ولا قدح وقال الشيخ ولي الدين ذكره بن حبان في الثقات وقال يخطء ولا نعرفه بأكثر من أنه روى عن عروة قال وفي هذا الاسناد رواية تابعي عمن ليس بتابعي لان أبا حازم تابعي أكثر الرواية عن سهل بن سعد ومسلم بن قرط لا يعرف بغير روايته عن عروة ولذلك ذكره بن حبان في الطبقة الثالثة وهي طبقة أتباع التابعين فإنها تجزى عنه قال الزركشي ضبطه بعضهم بفتح التاء ومنه قوله تعالى لا تجزى نفس عن نفس شيئا عن عطاء بن أبي ميمونة قال سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء أحمل أنا وغلام معي نحوي أي مقارب لي في السن والغلام هو المترعرع قاله أبو عبيدة وقال في المحكم من لدن الفطام إلى سبع سنين وحكى الزمخشري في أساس البلاغة أن الغلام هو الصغير إلى حد الالتحاء فان قيل له بعد الالتحاء غلام فهو مجاز اداوة بكسر الهمزة اناء صغير من جلد من ماء أي مملوءة من ماء فيستنجى بالماء قيل هذه الجملة من قول عطاء وهو مردود والصواب أنها من قول أنس قاله عياض
[ 43 ]
إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في انائه هذا نهي تأديب لارادة المبالغة في النظافة إذ قد يخرج مع التنفس بصاق أو مخاط أو بخار ردئ فيكسبه رائحة كريهة فيتقذر بها هو أو غيره عن شربه وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه بفتح الميم في الافصح وفي الرواية التي تليه وأن يمس ذكره بيمينه وأطلق فقال بعض العلماء يختص النهي بحالة البول لقوله في الرواية الاخرى إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه وفي الاخرى لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول حملا للمطلق على المقيد فإن الحديث واحد والمخرج واحد كله راجع إلى حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه وقد قال القاضي أبو الطيب لا خلاف في حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الواقعة والمراد مس الذكر عند الاستبراء من البول وقال النووي في شرحه لا فرق بين حال الاستنجاء وغيره وإنما ذكرت حالة الاستنجاء في الحديث تنبيها على ما سواها لانه إذا كان المس باليمين مكروها في حالة الاستنجاء مع أنه مظنة الحاجة إليها فغيره من الاحوال التي لا حاجة فيها
[ 44 ]
إلى المس أولى انتهى نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه ويستقبل القبلة وقال لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار قال الزركشي في التخريج وقع لابن حزم في هذا الحديث وهمان أحدهما أنه صحفه وبنى على ذلك التصحيف حكما شرعيا فقال لا يجزى أحدا أن يستنجى مستقبل القبلة في بناء كان أو غيره ثم ساق الحديث بلفظ نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو مستقبل القبلة هكذا قال أو مستقبل بالميم في أوله وإنما المحفوظ ويستقبل القبلة بالياء المثناة من تحت وقد رواه سفيان الثوري وغيره فقال أو يستقبل القبلة بالعطف بأو الثاني أنه ذهب إلى أنه لا تجوز الزيادة على ثلاثة أحجار لقوله لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار قال لان دون تستعمل في كلام العرب بمعنى أقل أو بمعنى غير كما قال تعالى واتخذوا من دون الله أي غيره فلا يجوز الاقتصار على أحد المعنيين دون الاخر قال فصح بمقتضى هذا الخبر أن لا يجزئ في المسح أقل من ثلاثة أحجار ولا يجوز غيرها الا ما جاء به النص زائدا وهو الماء قال بن طبرزذ وهذا خطأ على اللغة فإن العدد إنما وضع لبيان ما هو أقل ما يجزئ في الاستنجاء كما أن خمسا من الابل أو خمس أواق أقل ما يجب فيه الزكاة من الابل والورق فلا يستقيم
[ 45 ]
أن يكون دون هنا بمعنى غير لفساده بالاجماع لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بها في الحديث الاول الا معنى أقل انتهى أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك قال حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فلما استنجى دلك يده بالارض قال الطبراني لم يروه عن أبي زرعة الا إبراهيم بن جرير تفرد به شريك وقال بن القطان لهذا الحديث علتان أحدهما شريك فهو سئ الحفظ مشهور بالتدليس والثانية إبراهيم بن جرير فإنه لا يعرف حاله ورد بأن بن حبان ذكره في الثقات وقال بن عدي لم يضعف في نفسه وإنما قيل لم يسمع من أبيه شيئا وأحاديثه مستقيمة تكتب قال الذهبي وضعف حديثه جاء من جهة الانقطاع لا من قبل سوء الحفظ وهو صدوق قال الشيخ ولي الدين وأشار النسائي إلى تضعيف الحديث من جهة أخرى فقال بعد أن رواه أخبرنا أحمد بن الصباح قال حدثنا شعيب يعني بن حرب حدثنا أبان بن عبد الله البجلي حدثنا إبراهيم بن جرير عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء فقضى الحاجة ثم قال يا جرير هات طهورا فأتيته بالماء فاستنجى بالماء وقال بيده فدلك بها الارض قال أبو عبد الرحمن هذا أشبه بالصواب من حديث
[ 46 ]
شريك قال بن المواق معنى كلام النسائي أن كون الحديث من مسند جرير أولى من كونه من مسند أبي هريرة لا أنه حديث صحيح في نفسه فإن إبراهيم بن جرير لم يسمع من أبيه شيئا قاله يحيى بن معين وقال أبو حاتم وأبو داود أن حديثه عنه مرسل لكن بن خزيمة لم يلتفت إلى هذا فأخرج روايته عنه في صحيحه قال الشيخ ولي الدين وفي ترجيح النسائي رواية أبان على رواية شريك نظر فان شريكا أعلى وأوسع رواية وأحفظ وقد أخرج له مسلم في صحيحه ولم يخرج لابان المذكور مع أنه اختلف عليه فيه فرواه الدارقطني والبيهقي من طريقين عنه وعن مولى لابي هريرة عن أبي هريرة وهذا الاختلاف على أبان مما يضعف روايته على أنه لا يمتنع أن يكون لابراهيم فيه اسنادان أحدهما عن أبي زرعة والآخر عن أبيه وأن يكون لابان فيه اسنادان أحدهما عن إبراهيم بن جرير والآخر عن مولى لابي هريرة وهات بكسر التاء وهل هو اسم فعل أو فعل غير منصرف قولان للنحاة وقد بسطت الكلام عليه في عقود الزبرجد في إعراب الحديث وما ينوبه أي ينزل به ويقصده إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث في رواية لابي
[ 47 ]
داود لا ينجس وفي أخرى للحاكم لم ينجسه شئ وهو مفسر لقوله لم يحمل الخبث أي يدفعه عن نفسه ولا يقبله ولو كان معناه كما قيل أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى فإن ما دونهما أولى بذلك أتتوضأ بمثناتين من فوق خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم من بئر بضاعة بضم الباء واعجام الضاد في الاشهر والحيض بكسر الحاء وفتح الياء قال النووي معناه الخرق التي يمسح بها دم الحيض عن أبي سعيد الخدري سماه البيهقي في رواية عبد الرحمن أن أعرابيا بال في المسجد روى أبو موسى المديني في كتاب الصحابة من مرسل سليمان بن يسار أنه ذو الخويصة لا تزرموه بضم التاء واسكان الزاي بعدها راء أي لا تقطعوا
[ 48 ]
عليه بدلو يذكر ويؤنث فتناوله الناس أي بألسنتهم ولمسلم فقالوا مه مه وأهريقوا قال بن التين هو بإسكان الهاء ونقل عن سيبويه أنه قال إهراق يهريق أهرياقا مثل اسطاع يسطيع اسطياعا بقطع الالف وفتحها في الماضي وضم الياء في المستقبل وهي لغة في أطاع يطيع فجعلت السين والهاء عوضا من ذهاب حركة عين الفعل قال وروى بفتح الهاء ووجه بأنها مبدلة من الهمزة لان أصل هراق أراق ثم اجتلبت الهمزة وسكنت الهاء عوضا من حركة عين الفعل كما تقدم فتحريك الهاء على ابقاء البدل والمبدل منه وله نظائر وذكر له الجوهري توجيها آخر أن أصله أأريقه فأبدلت الهمزة الثانية هاء للخفة وجزم ثعلب في الفصيح بأن أهريقه بفتح الهاء وقد
[ 49 ]
بسطت الكلام عليه في عقود الزبرجد فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لانه صلى الله عليه وسلم هو المبعوث بما ذكر لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك أو هم يبعثون من قبله بذلك أي مأمورون وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول يسروا ولا تعسروا لا يبولن أحدكم في الماء الدائم أي الراكد ثم يغتسل فيه قال النووي الرواية برفع
[ 50 ]
يغتسل أي ثم هو يغتسل وجوز بن مالك جزمه ونصبه والكلام عليه مبسوط في عقود الزبرجد هو الطهور ماؤه بفتح الطاء الحل بكسر الحاء أي الحلال ميتته بفتح الميم قال الخطابي وعوام الرواة يكسرونها وإنما هو بالفتح يريد حيوان البحر إذا مات فيه سكت
[ 51 ]
هنيهة أي ما قل من الزمان وهو تصغير هنة ويقال هنية أيضا اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد قال النووي استعارة للمبالغة في الطهارة من الذنوب وقال الكرماني
[ 52 ]
فإن قلت العادة أنه إذا أريد المبالغة في الغسل أن يغسل بالماء الحار لا البارد لا سيما الثلج ونحوه قلت قال الخطابي هذه أمثال لم يرد بها أعيان المسميات وإنما أريد بها التوكيد في التطهير من الخطايا والمبالغة في محوها عنه والثلج والبرد ماءان مقصوران على الطهارة لم تمسهما الايدي ولم يمتهنهما استعمال وكان ضرب المثل بهما آكد في بيان ما أراده من التطهير قال الكرماني ويحتمل أنه جعل الخطايا بمنزلة نار جهنم لانها مؤدية إليها فعبر عن اطفاء حرارتها بالغسل تأكيدا في الاطفاء وبالغ فيه باستعمال المبردات والبرد بفتح الراء حب الغمام وأكرم نزله بضم
[ 53 ]
الزاي وسكونها وهو في الاصل قرى الضيف إذا ولغ الكلب بفتح اللام أي شرب بطرف لسانه وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد بن درستويه شرب أو لم يشرب فليغسله سبع مرات قال أبو البقاء أصله مرات سبعا على الصفة فلما قدمت الصفة وأضيفت إلى المصدر نصبت نصب المصدر قال أبو عبد الرحمن لا أعلم أحدا تابع على بن مسهر على قوله فليرقه وكذا قال حمزة الكناني أنها غير محفوظة وقال بن عبد البر لم يذكرها الحفاظ من أصحاب الاعمش كأبي معاوية وشعبة وقال بن منده لا تعرف عن النبي
[ 54 ]
صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه الا عن علي بن مسهر بهذا الاسناد وقال الحافظ بن حجر قد ورد الامر بالاراقة أيضا من طريق عطاء عن أبي هريرة مرفوعا أخرجه بن عدي لكن في رفعه نظر والصحيح أنه موقوف وكذا ذكر الاراقة حماد بن زيد عن أيوب عن بن سيرين عن أبي هريرة موقوفا وإسناده صحيح أخرجه الدارقطني وغيره عن عبد الله بن المغفل بضم الميم وفتح الغين المعجمة والفاء وقد يقال بن مغفل وهي لام لمح الصفة كالحسن وحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب قال إمام الحرمين هذا الامر منسوخ وقد صح أنه نهى بعد عن قتلها واستقر الشرع عليه قال وأمر بقتل الاسود البهيم وكان هذا في الابتداء وهو الان منسوخ قال النووي ولا مزيد على تحقيقه ورخص في كلب الصيد والغنم زاد مسلم والزرع وعفروه الثامنة بالتراب ظاهره وجوب غسله ثامنة وبه قال الحسن البصري وأحمد بن حنبل رحمه الله في رواية حرب عنه ونقل عن الشافعي رحمه الله أنه قال هذا حديث لم أقف على صحته وقد صح عند مسلم وغيره وجنح بعضهم إلى ترجيح حديث أبي هريرة عليه ورد بأن الترجيح لا يصار إليه مع إمكان الجمع والاخذ بحديث بن مغفل يستلزم الاخذ بحديث أبي هريرة دون العكس والزيادة من الثقة مقبولة ولو سلمنا الترجيح في هذا الباب لم نقل
[ 55 ]
بالتتريب أصلا لان رواية مالك رحمه الله بدونه أرجح من رواية من أثبته ومع ذلك فقد قلنا به أخذا بزيادة الثقة وجمع بعضهم بين الحديثين بضرب من المجاز فقال لما كان التراب جنسا غير الماء جعل اجتمعهما في المرة الواحدة معدودة باثنتين وتعقبه بن دقيق العيد بأن قوله وعفروه الثامنة ظاهر في كونها غسلة مستقلة عن حميدة بنت عبيد هي زوجة إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الراوي عنها والاكثر على ضم حائها فأصغى أي أمال أنها ليست بنجس قال المنذري ثم النووي ثم بن دقيق العيد ثم بن سيد الناس مفتوح الجيم من النجاسة قال تعالى إنما المشركون نجس إنما هي من الطوافين عليكم قال البغوي في شرح السنة يحتمل أنه شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على بيته للخدمة كقوله تعالى طوافون عليكم ويحتمل أنه شبهها بمن يطوف للحاجة يريد أن الاجر في مواساتها كالاجر في مواساة من يطوف للحاجة والاول هو المشهور وقول الاكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال ولم يذكر جماعة سواه والطوافات في رواية الترمذي أو الطوافات وكلا الوجهين يروى عن مالك
[ 56 ]
قال بن سيد الناس جاءت صيغة هذا الجمع في المذكر والمؤنث على صيغة جمع من يعقل ينهيانكم عن لحوم الحمر فإنها رجس قال في النهاية الرجس القذر وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعنة والكفر أتعرق العرق هو بفتح العين وسكون الراء العظم إذا أخذ عنه
[ 57 ]
معظم اللحم وجمعه عراق وهو جمع نادر يقال عرقت اللحم وأعرقته وتعرقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك بمكوك بفتح الميم وتشديد الكاف قال في النهاية أراد به المد وقيل الصاع
[ 58 ]
والاول أشبه لانه جاء في حديث آخر مفسرا بالمد واصله اسم المكيال ويختلف مقداره باختلاف اصطلاح الناس عليه في البلاد قال والمكاكي جمع مكوك على ابدال الياء من الكاف الاخيرة إنما الاعمال بالنية لا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور فقدره بعضهم
[ 59 ]
بالكون المطلق وقيل يقدر تعتبر وقيل تصح وقيل تكمل وإنما لامرئ ما نوى قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام الجملة الاولى لبيان ما يعتبر من الاعمال والثانية ما يترتب عليها وقال النووي أفادت الجملة الثانية اشتراط تعيين المنوي كمن عليه صلاة فائتة لا يكفيه أن ينوي الفائتة فقط حتى يعينها ظهرا مثلا أو عصرا وقال بن السمعاني في أماليه أفادت أن الاعمال الخارجة عن العبادة لا تفيد الثواب الا إذا نوى بها فاعلها القربة كالاكل إذا نوى به القوة على الطاعة فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله إلى آخره اتحد الشرط والجزاء في الجملتين
[ 60 ]
والقاعدة تغايرهما لقصد التعظيم في الجملة الاولى والتحقير في الثانية وحانت صلاة العصر الواو للحال بتقدير قد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء بفتح الواو ينبع بضم الباء ويجوز كسرها وفتحها فأتى بتور بفتح المثناة شبه الطست وقيل هو الطست حي على الطهور والبركة من الله عزوجل قال أبو البقاء والبركة مجرور عطفا على الطهور وصفه بالبركة
[ 61 ]
لما فيه من الزيادة والكثرة من القليل ولا معنى للرفع هنا توضؤوا بسم الله أي قائلين قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام أفعال العبد على ثلاثة أقسام ما سنت فيه التسمية وما لم تسن وما تكره فيه الاول كالوضوء والغسل والتيمم وذبح المناسك وقراءة القرآن ومنه أيضا مباحات كالاكل والشرب والجماع والثاني كالصلاة والاذان والحج والعمرة والاذكار والدعوات والثالث المحرمات لان الغرض من البسملة التبرك في الفعل المشتمل عليه والحرام لا يراد كثرته وبركته وكذلك المكروه قال والفرق بين ما سنت فيه البسملة من القربات وبين ما لم تسن فيه عسير فإن قيل إنما لم تسن البسملة في ذلك القسم لانه بركة في نفسه فلا يحتاج إلى التبريك قلنا هذا مشكل بما سنت فيه البسملة كقراءة القرآن فإنه بركة في نفسه ولو بسمل على ذلك لجاز وإنما الكلام في كونه سنة ولو كانت سنة لنقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح كما نقل غيره من السنن والنوافل حتى توضؤوا من عند آخرهم قال التيمي أي توضؤوا كلهم حتى وصلت النوبة إلى الآخر وقال
[ 62 ]
الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين هم عند آخرهم وهو كناية
[ 63 ]
عن جميعهم وعند بمعنى في وكأنه قال الذين هم في آخرهم وقال النووي من في من عند آخرهم بمعنى إلى وهي لغة سطيحة قال في النهاية السطيحة من المزادة ما كان من جلدين قوبل أحدهما
[ 64 ]
بالاخر فسطح عليه وتكون صغيرة وكبيرة وهي من أواني المياه استوكف ثلاثا قال في النهاية أي استقطر الماء وصبه على يديه ثلاث مرات وبالغ حتى وكف منها الماء ثم صلى ركعتين لا يحدث نفسه فيهما بشئ زاد الحكيم الترمذي في رواية من الدنيا وقال
[ 65 ]
النووي المراد لا يحدث نفسه بشئ من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث فأعرض عنه بمجرد عروضه عفى عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة ان شاء الله تعالى لان هذا ليس من فعله وقد عفي لهذه الامة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر وقد
[ 66 ]
قال معنى ما ذكرته المازري وتابعه عليه القاضي عياض غفر له ما تقدم من ذنبه
[ 67 ]
قال النووي والمراد الصغائر دون الكبائر فإن الشيطان يبيت على خيشومه قال النووي
[ 68 ]
هو أعلى الانف بينه وبين الدماغ وقال عياض يحتمل أن يكون ذلك على حقيقته وأن يكون على الاستعارة فإن ما ينعقد من الغبار رطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان فكفأ أي أمال الاناء
[ 74 ]
بالسباحتين قال في النهاية السباحة والمسبحة الاصبع التي تلي الابهام سميت بذلك لانها يشار
[ 75 ]
بها عند التسبيح يمسح على الخفين والخمار قال في النهاية أراد به العمامة لان الرجل يغطي بها رأسه كما أن المرأة تغطيه بخمارها وذلك إذا كان قد اعتم عمة العرب فأدارها تحت الحنك فلا يستطيع رفعها في كل وقت فتصير كالخفين غير أنه يحتاج إلى مسح القليل من الرأس ثم يمسح
[ 78 ]
على العمامة بدل الاستيعاب ويل للاعقاب من النار جمع العقب بكسر القاف وهو مؤخر القدم قال البغوي معناه ويل لاصحاب الاعقاب المقصرين في غسلها نحو واسأل القرية وقيل أراد أن الاعقاب تخص بالعذاب إذا قصر في غسلها
[ 80 ]
النعال السبتية بالكسر وسكون الموحدة هي المتخذة من السبت وهي جلود البقر المدبوغة بالقرظ
[ 88 ]
سميت بذلك لان شعرها قد سبت عنها أي حلق وأزيل وقيل لانها أسبتت بالدباغ أي لانت لا يقبل الله
[ 89 ]
صلاة بغير طهور ضبط بفتح الطاء وضمها ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا قال القاضي عياض هو كناية عن غفرانها ويحتمل محوها من كتاب الحفظة ويكون دليلا على غفرانها ويرفع به
[ 90 ]
الدرجات هو أعلى المنازل في الجنة إسباغ الوضوء أي إتمامه على المكاره يريد برد الماء وألم الجسم وإيثار الوضوء على أمور الدنيا فلا يأتي به مع ذلك الا كارها مؤثرا لوجه الله تعالى وكثرة الخطا إلى المساجد يعني به بعد الدار وانتظار الصلاة بعد الصلاة يحتمل وجهين أحدهما الجلوس في المسجد والثاني تعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها والتأهب لها فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط أي المذكور في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا وحقيقته ربط النفس والجسم مع الطاعات وحكمة تكراره قيل الاهتمام به وتعظيم شأنه وقيل كرره صلى
[ 92 ]
الله عليه وسلم على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه قال النووي والاول أظهر كيوم ولدتك
[ 93 ]
أمك بفتح يوم لاضافته إلى جملة صدرها مبنى فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء قال بن سيد الناس الذي ذكره العلماء في فتح أبواب الجنة والدعاء منها ما فيه من التشريف في الموقف والاشارة بذكر من حصل له ذلك على رؤوس الاشهاد فليس من يؤذن له في الدخول من باب لا يتعداه كمن يتلقى من كل باب ويدخل من حيث شاء هذا فائدة التعدد في فتح أبواب الجنة يا بني فروخ بفتح الفاء وتشديد الراء وخاء معجمة قيل هو من ولد إبراهيم عليه
[ 94 ]
السلام كثر نسله فولد العجم خرج إلى المقبرة بتثليث الباء والكسر قليل السلام عليكم دار قوم قال صاحب المطالع دار منصوب على الاختصاص أو النداء المضاف والاول أظهر قال ويصح الخفض على البدل من الكاف والميم في عليكم والمراد بالدار على هذين الوجهين الاخيرين الجماعة أو أهل الدار وعلى الاول مثله أو المنزل وإنا إن شاء الله بكم لاحقون قال النووي أتى بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه وللعلماء فيه أقوال أظهرها أنه ليس للشك ولكنه صلى الله عليه وسلم قاله للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله تعالى ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا الا أن يشاء الله وددت أني قد رأيت إخواننا أي في الحياة بل أنتم أصحابي قال النووي ليس نفيا لاخوتهم ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة فهؤلاء أخوة صحابة والذين لم يأتوا أخوة ليسوا بصحابة وأنا فرطهم على الحوض قال الهروي وغيره معناه أنا أتقدمهم على الحوض يقال فرطت القوم إذا تقدمتهم لترتاد لهم الماء وتهيئ
[ 95 ]
لهم الدلاء والرشاء في خيل دهم جمع أدهم وهو الاسود بهم جمع بهيم فقيل هو الاسود أيضا وقيل البهيم الذي لا يخالط لونه لونا سواه سواء كان أبيض أو أسود أو أبيض أو أحمر بل يكون لونه خالصا يقبل عليهما بقلبه ووجهه قال النووي رحمه الله جمع صلى الله عليه وسلم بهاتين اللفظتين أنواع الخضوع والخشوع لان الخضوع في الاعضاء والخشوع في القلب على ما
[ 96 ]
قاله جماعة من العلماء مذاء أي كثير المذي مذاكيره قيل هو جمع ذكر على غير قياس وقيل جمع لا واحد له وقيل واحده مذكار قال بن خروف وإنما جمعه مع أنه ليس في الجسد منه إلا واحد بالنظر لما يتصل به وأطلق على الكل اسمه فكأنه جعل كل جزء من المجموع
[ 98 ]
كالذكر في حكم الغسل إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم قال في النهاية أي تضعها
[ 99 ]
لتكون وطاء له إذا مشى وقيل هو بمعنى التواضع له تعظيما بحقه وقيل أراد بوضع الاجنحة
[ 100 ]
نزولهم عند مجالس العلم وترك الطيران وقيل أراد إظلالهم بها نعس بفتحتين
[ 101 ]
أو بضعة بفتح الباء وقد تكسر وهي القطعة من اللحم
[ 102 ]
أعوذ برضاك من سخطك قال أبن خاقان البغدادي سمعت النقاد يقول طلب الاستغاثة
[ 103 ]
من الله نقص من التوكل وقوله صلى الله عليه وسلم أعوذ برضاك من سخطك أي أنت الملجأ دون حائل بيني وبينك لصدق فقره إلى الله تعالى بالغيبة عن الاحوال وإضمار الخير أي أسألك الرضاء عوضا من السخط ذكره بن ماكولة الشيرازي في كتاب أخبار العارفين وقال القاضي عياض رضى الله عنه وسخطه ومعافاته وعقوبته من صفات كماله فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ومن الشر إلى الخير قال القرطبي ثم ترقى عن الافعال إلى منشئ الافعال فقال وأعوذ بك منك مشاهدة للحق وغيبة عن الخلق وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ولا يضبطه صفة وقوله لا أحصى ثناء عليك أي لا أطيقه أي لا أنتهي إلى غايته ولا أحيط بمعرفته كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة فأحمده بمحامد لا أقدر عليها الآن وروى مالك لا أحصى نعمتك وإحسانك والثناء عليك وإن اجتهدت في ذلك والاول أولى لما ذكرناه ولقوله في الحديث أنت كما أثنيت على نفسك ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عند ما ظهر له من صفات جلاله تعالى وكماله وصمديته وقدوسيته وعظمته وكبريائه وجبروته ما لا ينتهي إلى عده ولا يوصل إلى حده ولا يحمله عقل ولا يحيط به فكر وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الانام ولذلك قال الصديق الاكبر العجز عن درك الادراك إدراك وقال بعض العارفين سبحان من رضى في معرفته بالعجز عن معرفته وقال بن
[ 104 ]
الاثير في النهاية بدأ في هذا الحديث بالرضا وفي رواية بدأ بالمعافاة ثم بالرضا وإنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة لانها من صفات الافعال كالاماتة والاحياء والرضا والسخط من صفات الذات وصفات الافعال أدنى مرتبة من صفات الذات فبدأ بالادنى مترقيا إلى الاعلى ثم لما ازداد يقينا وارتقاء ترك الصفات وقصر نظره على الذات فقال وأعوذ بك منك ثم ازاد قربا استحيا معه من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فقال لا أحصى ثناء عليك ثم علم أن ذلك قصور فقال أنت كما أثنيت على نفسك وأما على الرواية الاولى فإنما قدم الاستعاذة بالرضا من السخط لان المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا وإنما ذكرها لان دلالة الاول عليها دلالة تضمن فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة فكنى عنها أولا ثم صرح ثانيا ولان
[ 105 ]
الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لاستيفاء حق الغير اه أثوار أقط جمع ثور بالمثلثة وهي
[ 109 ]
قطعة من الاقط وهو بن جامد فثري بضم المثلثة وكسر الراء المشددة أي بل بالماء نجل بسكون الجيم الماء القليل النزو والجمع أنجال
[ 111 ]
إذا قعد أي الرجل بين شعبها الاربع جمع شعبة وهي القطعة من الشئ فقيل المراد هنا يداها ورجلاها وقيل رجلاها وفخذاها وقيل ساقها وفخذاها وأستاها وقيل فخذاها وشعرها وقيل نواحي فرجها الاربع وحذف الفاعل في قعد للعلم به ولابن المنذر إذا غشي الرجل امرأته فقعد الخ فعلم أن حذفه من تصرف الرواة ثم اجتهد كناية عن معالجة الايلاج
[ 112 ]
أن أم سليم هي أم أنس واختلف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميصاء والغميصاء إن الله لا يستحي من الحق قال النووي رحمه الله قال العلماء معناه لا يمتنع من بيان الحق
[ 113 ]
فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه وقيل إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه وإنما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما يستحي النساء في العادة عن السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال ويستحيي بيائين ويقال أيضا بياء واحدة فقلت لها أف لك قال النووي رحمه الله معناه استحقارا لها ولما تكلمت به وهي كلمة تستعمل في الاحتقار والاستقذار والانكار قال الباجي والمراد بها هنا الانكار وأصل الان وسخ الاظفار وفي أف لغات كثيرة قال أبو البقاء من كسر بناه على الاصل ومن فتح طلب التخفيف ومن ضم أتبع ومن نون أراد التنكير ومن لم ينون أراد التعريف ومن خفف الفاء حذف أحد المثلين تخفيفا أو ترى المراة ذلك قال القرطبي إنكار عائشة وأم سلمة على أم سليم رضي الله عنهن قضية احتلام النساء يدل على قلة وقوعه من النساء ظ قلت وظهر لي أن يقال أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا يقع لهن احتلام لانه من الشيطان فعصمن منه تكريما له صلى الله عليه وسلم كما عصم هو منه ثم رأيت الشيخ ولي الدين قال وقد رأيت بعض أصحابنا يبحث في الدرس منع وقوع الاحتلام من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لانهن لا يطعن غيره لا يقظة ولا نوما والشيطان لا يتمثل به فسررت بذلك كثيرا تربت يمينك قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي للعلماء في معناه
[ 114 ]
عشرة أقوال أحدها استغنيت الثاني ضعف عقلك الثالث تربت من العلم الرابع تربت ان لم تعقل هذا الخامس أنه حث على العلم كقوله انج ثكلتك أمك ولا يريد أن تثكل السادس أصابها التراب السابع خابت الثامن اتعظت التاسع أنه دعاء خفيف العاشر أنه بثاء مثلثة في أوله وقال في النهاية هذه الكلمة جارية على ألسنة العرب لا يريدون به الدعاء على المخاطب ولا وقوع الامر بها كما يقولون قاتله الله وقيل معناها لله درك وقيل أراد به المثل ليرى المأمور بذلك الجد وأنه إن خالفه فقد أساء وقال بعضهم هو دعاء على الحقيقة وأنه قال لعائشة رضي الله عنها تربت يمينك لانه رأى الفقر خيرا لها والاول أوجه يعضده قوله في حديث خزيمة أنعم صباحا تربت يداك فإن هذا دعاء له وترغيب في استعماله ما تقدمت الوصية به ألا تراه قال أنعم صباحا ثم عقبه بتربت يداك وكثيرا ما يرد للعرب ألفاظ ظاهرها الذم وإنما يريدون بها المدح كقولهم لا أب لك ولا أم لك وموت أمه ولا أرض لك ونحو ذلك وقال النووي في هذه اللفظة خلاف كثير منتشر جدا للسلف والخلف من الطوائف كلها والاصح الاقوى الذي عليه المحققون أنها كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعمالها غير قاصدة حقيقة معناها الاصلي فيذكرون تربت يداك وقاتله الله ما أشجعه ولا أم لك وثكلته أمه وويل أمه وما أشبه ذلك من ألفاظهم يقولونها عند انكارهم الشئ أو الزجر عنه أو الذم له أو استعظامه أو الحث عليه أو الاعجاب به فمن أين يكون الشبه قال النووي معناه أن الولد متولد من ماء الرجل وماء المرأة فأيهما غلب كان الشبه له وإذا كان للمرأة مني فإنزاله وخروجه منها ممكن ويقال شبه بكسر الشين
[ 115 ]
وسكون الباء وشبه بفتحهما لغتان مشهورتان إذا احتلمت في رواية أحمد إذا رأت أن زوجها يجامعها في المنام إذا رأت الماء أي المنى بعد الاستيقاظ
[ 116 ]
ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر قال القرطبي ما ذكره في صفة الماءين إنما هو في غالب الامر واعتدال الحال والا فقد تختلف أحوالهما للعوارض فأيهما سبق كان الشبه المراد سبق الانزال ففي رواية بن عبد البر أي النطفتين سبقت إلى الرحم غلبت على الشبه وجوز القرطبي أن يكون سبق بمعنى غلب من قولهم سابقني فلان فسبقته أي غلبته ومنه قوله تعالى وما نحن بمسبوقين أي مغلوبين ويكون معناه كثر عن فاطمة بنت أبي حبيش بضم الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة وإسكان المثناة التحتية بعدها شين معجمة اسمه قيس بن المطلب بن أسد بن عبد العزى أنها كانت تستحاض هو من الافعال اللازمة البناء للمفعول فقال
[ 117 ]
الشيخ ولي الدين العراقي في شرح أبي داود اعلم أن اللاتي ذكر أنهن استحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع فاطمة هذه وأم حبيبة بنت جحش وأختها حمنة وأختها زينب أم المؤمنين إن صح وسهلة بنت سهل وسودة أم المؤمنين وأسماء بنت مرثد الحارثية وزينب بنت أبي سلمة وبادنة بنت غيلان الثقفية قلت وقد نظمتهن في بيتين وهما قد استحيضت في زمان المصطفى تسع نساء قد رواها الراوية بنات جحش سودة والفاطمة زينب أسما سهلة وبادنة إنما ذلك بكسر الكاف عرق زاد الدارقطني والبيهقي انقطع فإذا أقبلت الحيضة ضبطه النووي بالفتح والكسر وقال الحافظ بن حجر الذي في روايتنا بالفتح استحيضت أم حبيبة بنت حجش قال النووي قال الدارقطني قال إبراهيم الحربي الصحيح أنها أم حبيب
[ 118 ]
بلاهاء واسمها حبيبة قال الدارقطني قول الحربي صحيح وكان من أعلم الناس بهذا الشأن وقال بن الاثير يقال لها أم حبيبة وقيل أم حبيب قال والاول أكثر قال وأهل السير يقولون المستحاضة أختها حمنة بنت جحش قال بن عبد البر الصحيح أنهما كانتا تستحاضان ان هذه ليست بالحيضة هو بفتح الحاء لا غير كما نقل الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وقال النووي انه
[ 120 ]
متعين لانه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفى الحيض إن امرأة كانت تهراق الدم قال بن مالك هذا من زيادة أل في التمييز وقال بن الحاجب في أماليه يجوز فيه الرفع على البدل من الضمير في تهراق والنصب على التمييز أو توهم التعدي أو بفعل مقدر وهو الاوجه كأنه لما قيل تهراق قيل ما تهريق قال تهريق الدم مثل ليبك يزيد ضارع لخصومه وإن اختلفا في الاعراب
[ 122 ]
ومثل كثير في كلامهم اه وقد بسطت الكلام عليه في عقودا لزبرجد عرق عاند قال في النهاية شبه به لكثرة ما يخرج منه على خلاف عادته وقيل العاند الذي لا يرقأ حين نفست بضم النون
[ 127 ]
من النفاس وهو الفرق بفتح الفاء والراء مكيال يسع ستة عشر رطلا وهي اثنا عشر مدا وقيل هو ثلاثة أقساط والقسط نصف صاع قال صاحب تثقيف اللسان من المحدثين من يغلط فيه فيسكن راءه وهي مفتوحة وكذا أنكر السكون الباجي وابن الاثير ورد بأنهما لغتان مشهورتان
[ 131 ]
حكاهما صاحب الصحاح والمحكم أشد ضفر رأسي قال النووي بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو
[ 132 ]
المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم ومعناه أحكم فتل
[ 133 ]
شعري وقال الامام بن بري في الجزء الذي صنفه في لحن الفقهاء أنه لحن وصوابه ضم الضاد
[ 134 ]
والفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وليس كما زعمه بل الصواب بجواز الامرين ولكل منهما معنى
[ 135 ]
صحيح ويترجح الاول لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة أن امرأة سألت
[ 136 ]
النبي صلى الله عليه وسلم عن غسلها من الحيض هي أسماء بنت شكل وقيل أسماء بنت يزيد بن السكن فأخبرها كيف تغتسل لفظ مسلم فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة الحديث ثم قال خذي فرصة بكسر الفاء وحكى بن سيده تثليثها وباسكان الراء وإهمال الصاد قطعة من صوف أو قطن أو جلدة عليها صوف حكاه أبو عبيد وغيره وحكى أبو داود في رواية أبي الا حوض قرصة بفتح القاف ووجهه المنذري فقال يعني شيئا يسيرا مثل القرصة بطرف الاصبعين وقال بن قتيبة هي قرضة بضم القاف وبالضاد المعجمة قال وقوله من مسك بفتح الميم والمراد قطعة جلد ووهى من قال بكسر الميم واحتج بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع غلاء ثمنه وتبعه بن بطال وفي المشارق أن أكثر الروايات بفتح الميم ورجح النووي الكسر وأن المقصود التطيب ودفع الرائحة الكريهة وما استبعده بن قتيبة من
[ 137 ]
امتهان المسك ليس ببعيد لما عرف من شأن أهل الحجاز من كثرة استعمال الطيب وقد يكون المأمور به من يقدر عليه قال الحافظ بن حجر ويقوى ذلك ما في رواية عبد الرزاق حيث وقع عنده من ذريرة وقلت تتبعين بها أثر الدم قال النووي المراد به عند العلماء الفرج وقال المحاملي
[ 138 ]
يستحب لها أن تطيب كل موضع أصابه الدم من بدنها قال ولم أره لغيره وظاهر الحديث حجة له قال الحافظ بن حجر ويؤيده رواية الاسماعيلي فلما رأيته يستحى علمتها وقلت تبتغي بها مواضع الدم زاد الدارمي وهو يسمع فلا ينكر وقيل الحكمة فيه كونه أسرع إلى الحبل وضعفه النووي بأنه لو كان كذلك لاختصت به المزوجة وإطلاق الاحاديث يرده بالمنديل بكسر الميم
[ 140 ]
عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال ذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر الرواة على جعله من مسند بن عمر ومنهم من جعله من روايته عن أبيه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني في العلل والصحيح قول من قال عن بن عمر أن عمر سأل أنه تصيبه الجنابة من الليل قال الشيخ ولي الدين العراقي أي في الليل كما في قوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال ويحتمل أنها لابتداء الغاية في الزمان أي ابتداء إصابة الجنابة الليل توضأ واغسل ذكرك ثم نم الجمهور على أنه أمر استحباب وقال طائفة بوجوبه وقال الطحاوي أنه منسوخ وفي قوله ثم نم جناس مصحف محرف وقال الداودي وابن عبد البر فيه تقديم وتأخير أراد اغسل ذكرك وتوضأ والواو لا ترتب وقد أخرجه المصنف في الكبرى وابن حبان من طريق بلفظ اغسل ذكر ثم توضأ ثم ارقد وروى الطبراني عن ميمونة بنت سعد قالت قلت يا رسول الله هل يرقد الجنب قال ما أحب ان يرقد حتى يتوضأ فإني أخشى أنه يتوفى فلا يحضره جبريل وهو تصريح بالحكمة فيه وروى بن أبي شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ فإنه لا يدري لعله تصاب نفسه في منامه وعن شداد بن أوس إذا أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف الجنابة وأشار بذلك إلى أن الوضوء يخفف حدث الجنابة فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء فقال ليس هذا غرض الحديث ولا المفهوم من جواب سؤال عمر
[ 141 ]
عن عبد الله بن مجي بضم النون وفتح الجيم وتحتية تابعي وهو أبوه لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب قال الخطابي المراد بالملائكة الذين ينزلون بالرحمة والبركة لا الحفظة فإنهم لا يفارقون الجنب ولا غيره وقيل ولم يرد بالجنب من اصابته جنابة فأخر الاغتسال إلى حضور الصلاة ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد قال وأما الكلب فهو أن يقتني لغير الصيد والزرع والماشية وحراسة الدور قال وأما الصورة فهي كل ما صور من ذوات الارواح سواء كان على جدار أو سقف أو ثوب انتهى قال النووي في شرح المهذب وفي تخصيصه الجنب بالمتهاون والكلب الذي يحرم اقتناؤه نظر وهو محتمل وقال في شرح أبي داود الاظهر أنه عام في كل كلب وأنهم يمنعون من الجميع لاطلاق الاحاديث ولان الجرو الذي كان في بيت النبي صلى الله عليه وسلم تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر فإنه لم يعلم به ومع هذا امتنع جبريل عليه السلام من دخول البيت وعلل بالجرو فلو كان العذر في وجود
[ 142 ]
الكلب لا يمنعم لم يمنعهم جبريل قال وقال العلماء سبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكل النجاسات ولان بعضها يسمى شيطانا كما جاء به الحديث والملائكة ضد الشياطين ولقبح رائحة الكلب والملائكة تكره الرائحة القبيحة ولانها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها في بيته ودفعها أذى الشيطان وسبب امتناعهم عن بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى قال وذكر الخطابي والقاضي عياض أن ذلك خاص بالصورة التي يحرم اتخاذها دون الممتهنة كالتي في البساط والوسادة ونحوها قال والاظهر أنه عام في كل صورة وأنهم يمتنعون من الجميع لاطلاق الحديث انتهى وقال الشيخ ولي الدين العراقي وأما امتناعهم من دخول البيت الذي فيه جنب إن صحت الرواية فيه فيحتمل أن ذلك لامتناعه من قراءة القرآن وتقصيره بترك المبادرة إلى امتثال الامر لكن في هذا نظر لانه صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر الاغتسال وانعقد الاجماع على أنه لا يجب على الفور فالوجه ما قاله الخطابي وكذا قال صاحب النهاية أراد بالجنب في هذا الحديث الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة فيكون أكثر أوقاته جنبا وهذا يدل على قلة دينه وخبث باطنه وحمل جماعة من العلماء ذلك على ما إذا لم يتوضأ فبوب عليه النسائي باب في الجنب إذا لم يتوضأ وبوب عليه البيهقي باب كراهة نوم الجنب من غير وضوء انتهى أراد أحدكم أن يعود توضأ اختلف في المراد بالوضوء هنا فقيل غسل الفرج فقط مما به
[ 143 ]
من أذى قال عياض وهو قول جماعة من الفقهاء زاد القرطبي وأكثر أهل العلم قال ويستدل على ذلك بأمرين أحدهما أنه ورد في رواية فليغسل فرجه مكان فليتوضأ والثاني أن الوطئ ليس من قبيل ما شرع له الوضوء فإنه بأصل مشروعيته للقرب العبادات والوطئ ما به الملاذ والشهوات وهو من جنس المباحات ولو كان ذلك مشروعا لاجل الوطئ لشرع في الوطئ المبتدأ فإنه من نوع المعاد وإنما ذلك لما يتلطخ به الذكر من ماء الفرج والمنى فإنه مما يكره ويستثقل عادة وشرعا وقيل المراد به غسل الوجه واليدين روى بن أبي شيبة عن بن عمر أنه كان إذا أتى أهله ثم أراد أن يعود غسل وجهه وذراعيه وقيل المراد الوضوء الشرعي الكامل وعليه أصحابنا لان في رواية بن خزيمة فليتوضأ وضوءه للصلاة وادعى الطحاوي أن هذا منسوخ وقال قد يجوز أن يكون أمر بهذا في حال ما كان الجنب لا يستطيع ذكر الله حتى يتوضأ فؤمر بالوضوء ليسمى عند جماعة ثم رخص لهم أن يتكلموا بذكر الله وهم جنب فارتفع ذلك ثم روي من حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل وقال فهذا ناسخ لذلك انتهى وفي رواية بن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي زيادة
[ 144 ]
فإنه أنشط للعود أي إلى الجماع وهو تصريح بالحكمة فيه كان يطوف على نسائه بغسل واحد قال القرطبي هذا يحتمل أن يكون عند قدومه من سفر أو عند تمام الدوران عليهن وابتداء دور آخر ويكون ذلك عن إذن صاحبه النوبة أو يكون ذلك مخصوصا به والا فوطئ المرأة في نوبة ضرتها ممنوع منه عن عبد الله بن سلمة بكسر اللام هو المرادي روى له الاربعة ولم يكن يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة قال الزركشي في التخريج ليس هنا بمعنى غير وقال البزار انها بمعنى الا ويؤيده رواية بن حبان الا الجنابة وفي رواية له ما خلا الجنابة
[ 145 ]
فحدت عنه أي ملت إن المسلم لا ينجس بفتح الجيم وضمها فأهوى إليه أي مال فانسل
[ 146 ]
أي ذهب في خفيه ناوليني الخمرة هي بضم الخاء المعجمة ما يصلى عليه الرجل من حصير ونحوه ليست حيضتك في يدك قال الخطابي في إصلاح الالفاظ التي يصحفها الرواة أكثرهم يفتحون الحاء
[ 147 ]
وليس بجيد والصواب حيضتك مكسور الحاء للاسم أو الحال يريد ليست نجاسة المحيض وأذاه في يدك فأما الحيضة فالمرة الواحدة من الحيض وأنكر عليه القاضي عياض وصوب الفتح لان المراد الدم وهو الحيضة بالفتح بلا شك وقال النووي هو الظاهر وهو الصحيح المشهور في الرواية لا ما قاله الخطابي في حجر إحدانا بفتح الحاء وكسرها قال في النهاية طرف الثوب المقدم
[ 148 ]
طامث بالمثلثة أي حائض وكذا عارك وكان يأخذ العرق بفتح العين وسكون الراء العظم الذي أخذ عنه معظم اللحم وبقي عليه بقية من اللحم فأعترق يقال اعترقت العظم
[ 150 ]
وعرقته وتعرقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك بينما أنا مضطجعة بالرفع ويجوز النصب في الخميلة هي القطيفة وكل ثوب له خمل من أي كان فأخذت ثياب حيضتي قال الحافظ بن حجر روى بالفتح والكسر وجزم الخطابي بالكسر ورجحه النووي ورجح القرطبي الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيضى بغير تاء ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي ألبسها ومعنى الكسر أخذت ثيابي التي أعددتها لالبسها حالة الحيض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفست قال الخطابي هو بفتح النون وكسر الفاء لان معناه أحضت يقال نفست المرأة إذا حاضت ونفست بضم النون من النفاس قال الحافظ بن حجر وهذا قول كثير من أهل اللغة لكن حكى أبو حاتم عن الاصمعي أن يقال نفست المرأة في الحيض والولادة بضم النون فيهما قال وقد ثبت في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها في الشعار هو الثوب الذي يلي الجسد
[ 151 ]
عن حبيب مولى عروة هو تابعي روى عن أسماء بنت الصديق وليس له عند المصنف وأبي داود سوى هذا الحديث وله عند مسلم حديث آخر عن بدية وكان الليث يقول ندبة الاول بضم الباء الموحدة وفتح الدال المهملة والياء المشددة والثانى بفتح النون والدال بعدها باء موحدة ذكره عبد الحق في الاحكام قال الدارقطني ندبة بفتح النون والدال فقال أهل اللغة هو ندبة الدال ساكن انتهى
[ 152 ]
وقال بن حزم في المحلى أبو داود يروى هذا الحديث عن الليث فقال ندبة بفتح النون والدال ومعمر يرويه ويقول ندبة بضم النون واسكان الدال ويونس يقول بدية بالباء المضمومة والدال المفتوحة والياء المشددة وحكى المزي في التهذيب قولا آخر أنها بدنة بفتح الباء الموحدة والدال المهملة بعدها نون يباشر المرأة أي يستمتع في غير الفرج محتجزة به بالزاي أي شادة له على حجزتها وهو سطها وروى المصنف في الكبرى بلفظ محتجزته ولم يجامعوهن في البيوت أي لم يخالطوهن فسألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأنزل الله عزوجل ويسئلونك عن المحيض روى بن جرير عن السدى أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح
[ 155 ]
حتيه بالمثناة أي حكيه ثم أقرصيه بالصاد المهملة في النهاية القرص الدلك بأطراف
[ 156 ]
الاصابع والاظفار مع صب الماء عليه حتى يذهب أثره كنت أغسل الجنابة أي أثر الجنابة على حذف مضاف أو أطلق اسم الجنابة على المنى مجازا بقع بضم الموحدة وفتح القاف جمع
[ 157 ]
بقعة قال أهل اللغة البقع اختلاف اللونين عن أم قيس بنت محصن بكسر الميم واسكان الحاء وفتح الصاد المهملتين قال بن عبد البر اسمها جذامة بالجيم والذال المعجمتين وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الاسدي أنها أتت بابن لها صغير قال الحافظ بن حجر لم أقف على تسميته ومات في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير في حجره بفت الحاء فبال على ثوبه أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ بن حجر وأغرب بن شعبان من المالكية فقال المراد به ثوب الصبي والصواب الاول ولم يغسله قال الحافظ بن حجر ادعى الاصيلي أن هذه الجملة مدرجة من كلام بن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله فنضحه قال وكذلك روى معمر عن بن شهاب وكذا أخرجه بن أبي
[ 158 ]
شيبة قال فرشه لم يزد على ذلك حدثني أبو السمح قال أبو زرعة الرازي لا أعرف أسم أبي السمح هذا ولا أعرف له غير هذا الحديث وقال الصغاني في العباب لم يوقف على اسمه وفي الاستيعاب قيل اسمه إياد وحديثه هذا فرقه المصنف في موضعين ولفظه فيما رواه قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال ولني قفاك فأوليه قفاي فأستره به فأتى حسن أو حسين فبال على صدره فجئت أغسله فقال يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام قال البزار لا يعلم حديث أبي السمح عن النبي صلى الله عليه وسلم الا بهذا الحديث وليس له إسناد الا هذا ولا نحفظه الا من حديث عبد الرحمن بن مهدي إن أناسا من عكل في الحديث الذي بعده من عرينة فزعم الداودي وابن التين أن عرينة هم عكل قال الحافظ بن حجر وهو غلط بل هما قبيلتنان متغايرتان عكل من عدنان وعرينة من قحطان وعكل بضم المهملة وإسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي
[ 159 ]
من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي والبخاري في الطهارة من عكل أو عرينة على الشك وفي المغازي من عكل وعرينة بواو العطف وهو الصواب ويؤيده ما رواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل ولا يخالف هذا ما عند البخاري في الجهاد وفي الديات عن أنس أن رهطا من عكل ثمانية لاحتمال أن يكون الثامن من غير القبيلتين أو كان من أتباعهم فلم ينسب ذكر بن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادي الآخرة سنة ست فأمر لهم النبي صلى الله عليه وسلم بذود قال الحافظ بن حجر يحتمل أن تكون اللام زائدة أو للتعليل أو لشبه الملك أو الاختصاص وليست للتمليك انتهى والذود بمعجمة أوله ومهملة آخره من الابل ما بين الثنتين إلى التسع وقيل ما بين الثلاث إلى العشر واللفظة مؤنثة ولا واحد لها من لفظها كالنعم وقال أبو عبيد الذود من الاناث دون الذكور وراع اسمه يسار بتحتية ثم مهملة خفيفة وذكر بن إسحاق في المغازي قال وكان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم أصابه في غزوة بني ثعلبة فرآه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها ورواه الطبراني موصولا
[ 160 ]
من حديث سلمة بن الاكوع واستقاوا الذود من السوق وهو السير العنيف فبعث الطلب في آثارهم لمسلم أن المبعوثين شباب من الانصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم وللطبراني من حديث سلمة بن الاكوع بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وفي مغازي الواقدي أن السرية كانت عشرين رجلا ولم يقل من الانصار بل سمى منهم جماعة من المهاجرين منهم بريدة بن الحصيب وسلمة بن الاكوع الاسلميان وجندب ورافع بن مليب الجهنيان وأبو ذر وأبورهم الغفاريان وبلال بن الحرث وعبد الله بن عمر وبن عوف المزنيان وغيرهم وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد وذكر غيره أنه سعد بن زيد الاشهلي وهو أنصاري قال الحافظ أبن حجر فيحتمل أنه كان رأس الانصار وكان كرز أمير الجماعة فسمروا أعينهم بتخفيف الميم أي فكحلوها بمسامير محماة كما صرح به في رواية البخاري فاجتووا المدينة قال بن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وان كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالاقامة وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال بن العربي الجوى داء يأخذ من الوباء لقاح بلام مكسورة وقاف
[ 161 ]
وحاء مهملة النوق ذوات الالبان واحدها لقحة بكسر اللام وسكون القاف وقال أبو عمرو يقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر ثم هي لبون له قال الحافظ بن حجر ظاهره أن اللقاح كانت ملكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة قال والجمع بينهما أن إبل الصدقة كانت ترعى خارج المدينة وصادف بعث النبي صلى الله عليه وسلم بلقاحه إلى المرعى وطلب هؤلاء الخروج إلى الصحراء لشرب ألبان الابل فأمرهم أن يخرجوا مع راعيه فخرجوا معه إلى الابل وذكر بن سعد أن عدد لقاح النبي صلى الله عليه وسلم كانت خمسة عشرة وانهم نحروا منها واحدة يقال لها الحسناء وأمرهم أن يشربوا من ألبانها وأبوالها قال بن سيد الناس ألبان الابل وأبوالها تدخل في علاج بعض أنواع الاستسقاء لا سيما إبل البادية التي ترعى الشيح والقيصوم وملا من قريش جلوس هم السبعة المدعو عليهم بعد بينة البزار في روايته
[ 162 ]
وقد نحر جزورا بفتح الجيم وهو البعير ذكرا كان أو أنثى الا أن اللفظة مؤنثة تقول هذه الجزور وإن أردت ذكره قاله في النهاية فقال بعضهم هو أبو جهل بينه مسلم في روايته الفرث بالمثلثة اللهم عليك بقريش أي باهلاك قريش ثلاث مرات زاد مسلم وكان إذا دعا دعا ثلاثا وإذا سأل سأل ثلاثا اللهم عليك بأبي جهل بن هشام وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة وعقبة بن أبي معيط حتى عد سبعة الثلاثة الباقية الوليد بن عتبة بن ربيعة ولد المسمى في رواية المصنف وأمية بن خلف وعمارة بن الوليد في قليب بفتح القاف آخره
[ 163 ]
باء موحدة وهي البئر التي لم تطو وقيل العادية القديمة التي لا يعرف صاحبها إذا صلى أحدكم فلا يبزق بين يديه زاد في رواية البخاري فإن الله قبل وجهه قال بن عبد البر هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة ولا عن يمينه زاد البخاري فإن عن يمينه ملكا ولابن أبي شيبة فإن عن يمينه كاتب الحسنات وللطبراني فإنه يقوم بين يدي الله تعالى وملك عن يمينه وقرينه عن يساره خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره قال بن عبد البر يقال أنه كان في غزاة بني المصطلق بالبيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة أو ذات الجيش هي
[ 164 ]
على بريد من المدينة عقد بكسر العين المهملة كل ما يعقد ويطوق في العنق على التماسه أي لاجل طلبه يطعن بيده بضم العين وكذا جميع ما هو حسي وأما المعنوي فيقال يطعن بالفتح هذا هو المشهور فيهما وحكى الفتح فيهما معا والضم فيهما معا أسيد بن حضير بالتصغير فيهما وحاء مهملة وضاد معجمه ومن النوادر ما في تاريخ الاندلس عن أصبغ بن خليل أنه كان يقول إنما هو بالخاء المعجمة تصغير خضر فذكر ذلك لبعض العلماء فقال مسكين أصبغ يخطئ
[ 165 ]
ويفسر ما هي بأول بركتكم أي هي مسبوقة بغيرها من البركات يا آل أبي بكر المراد بآله نفسه وآله وأتباعه فبعثنا البعير أي أثرناه الذي كنت عليه أي حالة السير على أبي جهيم بالتصغير الحارث كذا قال طائفة أن اسمه الحارث وصحح أبو حاتم أن الحارث اسم أبيه لا اسمه وأن اسمه عبد الله بن الصمة بكسر المهملة وتشديد الميم من نحو بئر الجمل أي من جهة الموضع الذي يعرف بذلك وهو معروف بالمدينة وهو بفتح الجيم والميم وفي رواية البخاري بئر جمل ولقيه رجل وهو أبو جهيم الراوي بينه الشافعي في روايته حتى أقبل
[ 167 ]
على الجدار زاد الشافعي فحته بعصا من جزع بفتح الجيم وسكون الزاي الخرز اليماني واحده جزعة ظفار هي مدينة باليمن مبنية على الكسر كقطام وروى أظفار بالهمزة وخطأه صاحب
[ 171 ]
النهاية أصابتني جنابة ولا ماء بفتح الهمزة أي معي موجود
[ 174 ]
أتتوضأ بتاءين مثناتين من فوق قال النووي وصحفه بعضهم بالنون من بئر بضاعة بضم
[ 175 ]
الموحدة وإعجام الضاد وفي الاشهر قيل هو اسم لصاحب البئر وقيل لموضعها
[ 180 ]
نرى إلا الحج بضم النون أي لا نظن فلما كنا بسرف بفتح المهملة وكسر الراء وفاء موضع قريب من مكة بينهما نحو عشرة أميال وهو ممنوع الصرف وقد يصرف هذا أمر كتبه الله على بنات آدم روى عبد الرزاق بسند صحيح
[ 181 ]
عن بن مسعود قال كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد قال الراوي لا مخالفة بين هذا وبين حديث الباب فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم فعلى هذا قوله على بنات آدم عام أريد به الخصوص قال الحافظ بن حجر ويمكن الجمع مع القول بالتعميم بأن الذي ألقى على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده وقد روى بن جرير وغيره عن بن عباس في قوله تعالى في قصة إبراهيم وامرأته قائمة فضحكت أي حاضت والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب وروى بن المنذر والحاكم بسند صحيح عن بن عباس أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد ان
[ 182 ]
أهبطت من الجنة واستثفري هو أن تشد فرجها بخرقة عريضة بعد أن تحشى قطنا وتوثق طرفيها في شئ تشده على وسطها فتمنع بذلك سيل الدم وهو مأخوذ من ثفر الدابة بالمثلثة الذي
[ 187 ]
يجعل تحت ذنبها فتمعر بعين مهملة أي تغير فبعث في آثارهما فردهما فسقاهما زاد الدارقطني في العلل وقال لهما قولا اللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك فإنهما بيدك لا يملكهما أحد
[ 194 ]
غيرك العواتق جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربت أو استحقت التزويج أو هي الكريمة على أهلها أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة وذوات الخدور بضم الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدر بكسرها وسكون الدال وهو ستر في ناحية البيت تقعد البكر
[ 195 ]
وراءه أبو المقدام ثابت الحداد عن عدي بن دينار ليس لهما في الكتب الستة سواى هذا
[ 196 ]
الحديث حكيه بضلع بكسر الضاد وفتح اللام قال في النهاية بعود والاصل فيه ضلع الحيوان يسمى به العود الذي يشبهه وقد تسكن اللام تخفيفا وقال الازهري في تهذيبه هكذا رواه الثقات بكسر الضاد وفتح اللام فأخبرني المنذري عن ثعلب عن بن الاعرابي أنه قال الضلع العود هنا قال الازهري أصل الضلع ضلع الجنب وقيل للعود الذي فيه عرض واعوجاج ضلع تشبيها به وذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الامام أنه وجده بخطه في روايته من جهة بن حيوة عن النسائي بصلع بالصاد المهملة وفي الحاشية الصلح بالصاد المهملة الحجر قال وقع في موقع بالضاد المعجمة ولعله تصحيف لانه لا معنى يقتضي تصحيف الضلع وأما الحجر فيحتمل أن يحمل ذكوه على غلبة الوجود وإستعماله في الحك انتهى قال الشيخ ولي الدين العراقي وفيما قاله نظر فإنه خلاف المعروف في الرواية والمضبوط في الاصول ثم بن حجر يقال له الصلع بضم الصاد وتشديد اللام المفتوحة كما ذكره الازهري والجوهري وابن سيدة وضبطه بن سيد الناس في شرح الترمذي بفتح الصاد المهملة واسكان اللام قال وهو عندهم الحجر قال الشيخ ولي الدين ولم أجد له سلفا في هذا الضبط انتهى وذكر عبد الحق في الاحكام هذا الحديث وقال الاحاديث الصحاح ليس فيها ذكر الضلع والسدر قال بن القطان وذلك غير قادح في صحة هذا الحديث فإنه في غاية الصحة ولا نعلمه روى بغير هذا الاسناد ولا على غير هذا الوجه فلا اضطراب
[ 200 ]
في سنده ولا في متنه ولا نعلم له علة انتهى يغتسل بالبراز بفتح الباء الموحدة وهو الفضاء الواسع حيي ستير بوزن رحيم قال في النهاية فعيل بمعنى فاعل أي من شأنه وإرادته حب
[ 201 ]
الستر والصون خر عليه سقط من علو
[ 206 ]
دعا بشئ نحو الحلاب بكسر الحاء المهملة اناء يحلب فيه الغنم كالمحلب سواء قاله أصحاب المعاني
[ 207 ]
فيما نقله الازهري قال يعنون أنه كان يغتسل في ذلك الحلاب أي يضع فيه الماء الذي يغتسل منه
[ 209 ]
وصحفه بعضهم بالجيم ينضخ طيبا قال في النهاية أي يفوح روى بالحاء المهملة وبالخاء المعجمة وقيل بالمعجمة أكثر من الذي بالمهملة وقيل عكسه وقيل هو بالمعجمة ما فعل تعمدا وبالمهلمة من غير تعمد وقيل بالمعجمة ما ثخن من الطيب وبالمهملة ما رق كالماء وقيل هما سواء حدثنا هشيم حدثنا سيار عن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال الحافظ بن حجر مدار حديث جابر هذا على هشيم بهذا الاسناد وله شواهد من حديث بن عباس وأبي موسى وأبي ذر وابن عمر رضي الله عنهم ورواها كلها أحمد بأسانيد جياد ويزيد هو بن صهيب لقب الفقير لانه
[ 210 ]
شكى فقار ظهره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا بين في رواية بن عمر أن ذلك كان في غزوة تبوك لم يعطهن أحد زاد البخاري من الانبياء قبلي زاد في حديث بن عباس لا أقولهن فخرا قال الحافظ بن حجر ومفهومه أنه لم يخص بغير الخمس لكن ورد في حديث آخر فضلت على الانبياء بست ووردت أحاديث أخر بخصائص أخرى وطريق الجمع أن يقال لعله أطلع أولا على بعض ما اختص به ثم اطلع على الباقي ومن لا يرى مفهوم العدد حجة يدفع هذا الاشكال من أصله ثم تتبع الحافظ من الاحاديث خصالا فبلغت اثنتي عشرة خصلة ثم قال ويمكن أن يوجد أكثر من ذلك لمن أمعن التتبع ونقل عن أبي سعيد النيسابوري أنه قال في كتاب شرف المصطفى أن الخصائص التي فضل بها النبي صلى الله عليه وسلم على الانبياء ستون خصلة قلت وقد دعاني ذلك لما ألفت التعليق الذي على البخاري في سنة بضع وسبعين وثمانمائة إلى تتبعها فوجدت في ذلك شيئا كثيرا في الاحاديث والاثار وكتب التفسير وشروح الحديث والفقه والاصول والتصوف فأفردتها في مؤلف سميته أنموذج اللبيب في خصائص الحبيب وقسمتها قسمين ما خص به عن الانبياء وما خص به عن الامة وزادت عدة القمسمين على ألف خصيصة وسار المؤلف المذكور إلى أقاصي المغارب والمشارق واستفاده كل عالم وفاضل وسرق منه كل مدع وسارق نصرت بالرعب زاد أبو أمامة يقذف في قلوب
[ 211 ]
أعدائي وأعطيت الشفاعة قال بن دقيق العيد الاقرب أن اللام فيها للعهد والمراد الشافعة العظمى في اراحة الناس من هول الموقف ولذا جزم به النووي وغيره وقيل الشفاعة التي اختص بها أنه لا يرد فيما يسأل وقيل الشفاعة في خروج من في قلبه مثقال ذرة من ايمان قال الحافظ بن حجر والذي يظهر لي أن هذه مراده مع الاولى وقد وقع في حديث بن عباس وأعطيت الشفاعة فأخرتها لامتي فهي لمن لا يشرك بالله شيئا وفي حديث بن عمر فهي لكم ولمن يشهد أن لا إله إلا الله فالظاهر أن المراد بالشفاعة المختصة به في هذا الحديث إخراج من ليس له عمل صالح الا التوحيد وهو مختص أيضا بالشفاعة الاولى لكن جاء التنويه بذكر هذه لانها غاية المطلوب من تلك لاقتضائها الراحة المستمرة وجعلت لي الارض مسجدا زاد في رواية بن عمر وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم قال الخطابي من قبلنا إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع وطهروا في رواية مسلم وجعلت لنا الارض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا وبعثت إلى الناس كافة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة قال الحافظ بن حجر لا يعترض بان نوحا كان مبعوثا إلى أهل الارض بعد
[ 213 ]
مثل سهم جمع قال في النهاية أي له سهم من الخير جمع فيه حظان والجيم مفتوحة وقيل أراد بالجمع الجيش أي سهم الجيش من الغنيمة وقال غيره سئل بن وهب ما تفسير جمع قال يعني أنه له أجر الصلاة مرتين ولم يرد جمع الناس بالمزدلفة ويؤيد هذا التفسير ما روى عن المنذر بن الزبير أنه قال في قصة له أن لفاطمة ابنتي بغلتي الشهباء وعشرة آلاف درهم ولابني محمد سهم جمع
[ 214 ]
فقال نصيب رجلين
[ 216 ]
إذا أفضى قال الفقهاء الافضاء لغة المس ببطن الكف
[ 217 ]
كتاب الصلاة فأتيت بطست بفتح الطاء وكسرها ملئ قال الكرماني ذكر على معنى الاناء والطست مؤنثة حكمة وإيمانا منصوبان على التمييز قال الكرماني وأما جعل الايمان والحكمة في
[ 218 ]
الاناء وافراغهما مع أنهما معنيان وهذه صفة الاجسام فمعناه أن الطست كان فيه شئ يحصل به كمال الايمان والحكمة زيادتهما فسمى حكمة وايمانا لكونه سببا لهما وهذا من أحسن المجازات أو أنه من باب التمثيل أو تمثل له صلى الله عليه وسلم المعاني كما تمثل له أرواح الانبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها إلى مراق البطن قال في النهاية هي ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها واحدها مرق قاله الهروي وقال الجوهري لا واحد
[ 219 ]
لها لم يعودوا آخر ما عليهم قال صاحب المطالع بنصب آخر على الظرف ورفعه على تقدير
[ 221 ]
ذلك آخر ما عليهم من دخوله قال والرفع أوجه هن خمس وهن خمسون المراد هن خمس
[ 222 ]
عددا باعتبار الفعل وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب ببيت لحم بالحاء المهملة
[ 223 ]
فعرفت أنها من الله صرى قال في النهاية أي حتم واجبة وعزيمة وجد وقيل هي مشتقة من صر إذا قطع
[ 224 ]
وقيل هي مشتقة من أصررت الشئ إذ 1 ا لزمته فغن كان من هذا فهو بالصاد والراء المشددة وقال أبو موسى أنه صرى بوزن جنى وصرى العزم أي ثابته ومستقره وقال بن فارس الاصرار الثبات على الشئ والعزم عليه يقال هذه يمين صرى أي جد المقحمات أي الذنوب العظام التي تقحم أصحابها في النار أي تلقيهم فيها حشوته بالضم والكسر الامعاء
[ 225 ]
فرضت الصلاة ركعتين ركعتين زاد أحمد في مسنده الا المغرب فإنها كانت ثلاثا قال الكرماني فإن قلت لم انتصب ركعتين قلت بالحالية فإن قلت ما حكم لفظ ركعتين الثاني قلت هو تكرار اللفظ الاول
[ 226 ]
وهما بالحقيقة عبارة عن كلمة واحدة نحو مثنى وذلك كالحلو الحامض القائم مقام المز فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر في رواية بن خزيمة وابن حبان فلما قدم رسول الله
[ 227 ]
صلى الله عليه وسلم المدينة زيد في صلاة الحضر ركعتان تركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لانها وتر النهار جاء رجل قيل هو ضمام بن ثعلبة ثائر الرأس بالرفع على الصفة وبالنصب على الحال منتشر الشعر نسمع بالنون المفتوحة وبالياء المثناة التحتية المضموة لما لم يسم فاعله وكذا ولا يفهم دوى بفتح الدال وحكى ضمها شدة الصوت وبعده في الهواء فإذا هو إذ للفجاءة ويجوز في يسأل الخبرية والحالية عن الاسلام أي عن شرائعه خمس صلوات مرفوع لانه خبر مبتدأ محذوف أي هو الا أن تطوع يريد بتشديد الطاء وتخفيفها وأصله تتطوع فمن شدد أدغم إحدى التاءين في الطاء لقرب المخرج ومن خفف حذف إحدى التاءين اختصارا لتخف الكلمة قال النووي هو استثناء
[ 228 ]
منقطع معناه لكن يستحب لك أن تطوع فأدبر الرجل وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق قال الزركشي في التنقيح فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه أخبر بفلاحه ثم أعقبه بالشرط المتأخر لينبه على أن سبب فلاحه صدقه الثاني أنه فعل ماض أريد به مستقبل الثالث أنه تقدم على حرف الشرط والنية به التأخير كما أن النية بقوله إن صدق التقديم والتقدير إن صدق أفلح وقال النووي قيل هذا الفلاح راجع إلى قوله لا أنقص خاصة والاظهر أنه عائد إلى المجموع يعني إذا لم يزد ولم ينقص كان مفلحا لانه أتى بما عليه ومن أتى بما عليه فهو مفلح وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا لان هذا مما يعرف بالضرورة فإنه إذا أفلح بالواجب فلان يفلح بالواجب والمندوب أولى قال القرطبي قيل معناه لا أغير الفروض المذكورة بزيادة فيها ولا نقصان منها وقال بن المنير يحتمل أن تكون الزيادة والنقص يتعلق بالابلاغ لانه كان وافد قومه ليتعلم ويعلمهم وقال الطيبي يحتمل أن يكون هذا الكلام صدر منه على طريق المبالغة في التصديق والقبول أي قبلت كلامك قبولا لا مزيد عليه من جهة السؤال ولا نقصان فيه من طريق القبول قال الحافظ بن حجر وهذه الاحتمالات الثلاثة مردودة برواية لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله على شيئا رواها البخاري في الصيام قال فان قيل فكيف أقره على حلفه وقد ورد النكير على من حلف أن لا يفعل خيرا أجيب بأن ذلك يختلف باختلاف الاحوال والاشخاص وهذا جار على
[ 229 ]
الاصل أنه لا اثم على تارك غير الفرائض فهو مفلح وان كان غيره أكثر فلاحا منه
[ 231 ]
أرأيتم أي أخبروني لو أن نهرا بفتح الهاء وسكونها من درنه بفتح الدال المهملة والراء ونون أي وسخه أن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر قال الحافظ هو توبيخ
[ 232 ]
لتارك الصلاة وتحذير له من كفر أي سيؤديه ذلك إليه إذا تهاون بالصلاة وقال البيهقي في شعب
[ 233 ]
الايمان يحتمل أن يكون المراد بهذا الكفر كفرا يبيح الدم لا كفرا يرده إلى ما كان عليه في الابتداء وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل اقامتها من أسباب حقن الدم وقال في النهاية قيل هو لمن تركها جاحدا وقيل أراد المنافقين لانهم يصلون رياء ولا سبيل عليهم حينئذ ولو تركوها في الظاهر كفروا وقيل أراد بالترك تركها مع الاقرار بوجوبها أو حتى يخرج وقتها ولذلك ذهب أحمد بن حنبل إلى أنه يكفر بذلك حملا للحديث على الظاهر ان أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته لا ينافي حديث ان أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء لان ذاك بالنسبة إلى مظالم العباد وهذا في حقوق الله تعالى وان كان انتقص منها شئ قال انظروا هل تجدون له من تطوع يكمل له ما ضيع من فريضة من تطوعه ثم سائر الاعمال تجرى على حسب ذلك قال بن العربي يحتمل أن يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وأعدادها بفضل التطوع ويحتمل ما نقصه من الخشوع قال والاول أظهر لقوله وسائر الاعمال كذلك وليس في الزكاة الافرض أو فضل فلما تكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة وفضل الله تعالى أوسع ووعده أنفذ وكرمه أعم وأتم وفي أمالي الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال البيهقي ان النوافل من الصلوات يوم القيامة تكمل بها الفرائض المعني بذلك أنها
[ 234 ]
تجبر السنن التي في الصلوات ولا يمكن أن يعدل شئ من السنن واجبا أبدا إذ يدل له قوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى ما تقرب إلى أحد بمثل أداء ما افترضت عليه ففضل الفرض على النفل سواء قل أو كثر قال الشيخ عز الدين ولا شك أن هذا وان كان يعضده الظاهر الا أنه يشكل من جهة أن الثواب والعقاب مرتبان على حسب المصالح والمفاسد ولا يمكننا أن نقول أن ثمن درهم من الزكاة الواجبة تربو مصلحته ألف درهم تطوع وأن قيام
[ 235 ]
الدهر كله لا يعدل ركعتي الصبح هذا على خلاف قواعد الشريعة بالهاجرة هي اشتداد الحر نصف النهار عنزة هي نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان الرمح
[ 236 ]
فآذني بالمدأي أعلمني من ترك صلاة العصر حبط عمله أي بطل قال بن عبد السلام المراد بهذا
[ 238 ]
تعظيم المعصية لا حقيقة اللفظ ويكون من مجاز التشبيه من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله قال القرطبي روى بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين وبالرفع على
[ 240 ]
أنه بمعنى أخذ فيكون أهله هو المفعول الذي لم يسم فاعله يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار أي تأتي طائفة عقب طائفة ثم تعود الاولى عقب الثانية فقال بن عبد البر وإنما يكون التعاقب بين طائفتين أو رجلين بأن يأتي هذا مرة ويعقبه هذا وضمير فيكم للمصلين أو لمطلق المؤمنين والواو في يتعاقبون علامة الفاعل المذكور الجمع على لغة أكلوني البراغيث جزم به جماعة من الشراح ووافقهم بن مالك والرضى وتعقبة أبو حيان بأن الطريق اختصرها الراوي فقد رواه البزار بلفظ ان لله ملائكة بتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار والمراد بهم الحفظة نقله عياض وغيره عن الجمهور وتردد بن برزة وقال القرطبي الاظهر عندي أنهم غيرهم
[ 241 ]
قال الحافظ بن حجر ويقويه أنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظه الليل غير حفظة النهار ثم يعرج الذين باتوا فيكم في رواية الذين كانوا وهي أوضح لشمولها لملائكة الليل والنهار وفي الاولى استعمال لفظ بات في الاقامة مجازا تفضل صلاة الجمع على صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا قال القرطبي في حديث بن عمر رضي الله عنه بسبع
[ 242 ]
وعشرين درجة فقيل الدرجة أصغر من الجزء فكان الخمس والعشرين إذا جزئت درجات كانت سبعا وعشرين وقيل يحمل على أن الله تعالى كتب فيها أنها أفضل بخمسة وعشرين جزءا ثم تفضل بزيادة درجتين وقيل أن هذا بحسب أحوال المصلين فمن حافظ على أحوال الجماعة واشتدت عنايته بذلك كان ثوابه سبعا وعشرين ومن نقص عن ذلك كان ثوابه خمسا وعشرين وقيل انه راجع إلى أعيان الصلاة فيكون في بعضها سبعا وعشرين وفي بعضها خمسا وعشرين انتهى زاد بن سيد الناس ثم قيل بعد ذلك يحتمل أن يختلف باختلاف الاماكن بالمسجد وغيره قال وهل هذه الدرجات أو الاجزاء بمعنى الصلوات فيكون صلاة الجماعة بمثابة خمس وعشرين أو سبع وعشرين صلاة أو يقال أن لفظ الدرجة والجزء لا يلزم منهما أن يكونا بمقدار الصلاة الظاهر الاول ففي حديث لابي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة من صلاة الفذ رواه السراج وفي لف له صلاة مع الامام أفضل من خمسة وعشرين صلاة يصليها وحده اسنادهما صحيح وفي حديث بن مسعود بخمس وعشرين صلاة انتهى وقال الترمذي عامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بخمس وعشرين الا بن عمر رضي الله عنه فإنه قال بسبع وعشرين صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس قال النووي اختلف أصحابنا وغيرهم من العلماء في أن استقبال بيت المقدس كان ثابتا بالقرآن أم باجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فحكى الماوردي في الحاوي في ذلك وجهين
[ 243 ]
لاصحابنا قال عياض الذي ذهب إليه أكثر العلماء أنه كان بسنة لا بقرآن وقوله بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان أحدهما فتح ميم وسكون القاف وكسر الدال المخففة والثانية ضم الميم وفتح القاف والدال المشددة قال الواحدي أما من شدده فمعناه المطهر وأما من خففه فقال أبو علي الفارسي لا يخلو إما أن يكون مصدرا أو مكانا فإن كان مصدرا كان كقوله تعالى إليه مرجعكم ونحوه من المصادر وان كان مكانا فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة وتطهيره اخلاؤه من الآثام وابعاده منها وقال الزجاج البيت المقدس والمطهر
[ 244 ]
وبيت المقدس أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب بينما الناس بقباء قال النووي هو بالمد ومصروف ومذكر وقيل مقصور وغير مصروف ومؤنث موضع بقرب المدينة معروف
[ 245 ]
وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبولها قال النووي روى فاستقبلوها بكسر الباء وفتحها والكسر أصح واشهر وهو الذي يقتضيه تمام الكلام بعده فقال له عروة أما ان جبريل عليه السلام قد نزل فصلى امام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بن مالك أما حرف
[ 246 ]
استفتاح بمنزلة ألا ولا اشكال في فتح همزة امام بل في كسرها لان إضافة امام معرفة والموضع
[ 247 ]
موضع الحال فيوجب جعله نكرة بالتأويل كغيره من المعارف الواقعة أحوالا كارسلها العراك عن خباب بمعجمة وموحدتين شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء هي الرمل فلم يشكنا قال في النهاية أي شكونا إليه حر الشمس وما يصيب أقدامهم منه إذا خرجوا إلى صلاة الظهر وسألوه تأخيرها قليلا فلم يشكهم أي لم يجبهم إلى ذلك ولم يزل شكواهم يقال أشكيت الرجل إذا أزلت شكواه وإذا حملته على الشكوى قال وهذا الحديث يذكر في مواقيت الصلاة لاجل قول أبي إسحاق رواية قيل لابي إسحاق في تعجيلها قال نعم والفقهاء يذكرونه في السجود فإنهم كانوا يضعون أطراف ثيابهم تحت جباهم في السجود من شدة الجر فنهوا عن ذلك وانهم لما شكوا إليه ما يجدون من ذلك لم يفسح لهم أن يسجدوا على أطراف ثيابهم وقال القرطبي يحتمل أن يكون هذا منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يؤمر بالابراد ويحتمل أنهم طلبوا زيادة تأخير الظهر على وقت الابراد فلم يجبهم إلى ذلك وقد قال ثعلب في قوله فلم يشكنا أي لم يحوجنا إلى الشكوى ورخص لنا في الابراد حكاه عنه
[ 249 ]
القاضي أبو الفرج وعلى هذا يكون الاحاديث كلها متواردة على معنى واحد فأبردوا عن الصلاة قال القاضي عن بمعنى الباء كما في الرواية الاخرى بالصلاة وقيل زائدة أي أبردوا الصلاة يقال أبرد الرجل كذا إذا فعله في برد النهار فإن شدة الحر من فيح جهنم أي شدة غليانها والجمهور حملوه على ظاهره وقيل أنه خرج مخرج التشبيه التقريب أ كأنه نار جهنم في الحر
[ 251 ]
كان قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام قال في النهاية هي قدم كل انسان على قدر قامته وهذا أمر يختلف باختلاف الاقاليم والبلاد لان سبب طول الظل وقصره هو انحطاط الشمس وارتفاعها إلى سمت الرأس فكلما كانت أعلى والى محاذاة الرأس في مجراها أقرب كان الظل أقصر وينعكس ولذلك ترى ظل الشتاء في البلاد الشمالية أبدا أطول من ظل الصيف في كل موضع منها وكانت صلاته عليه الصلاة والسلام بمكة والمدينة وهما من الاقليم الثاني ويذكر أن الظل فيهما عند الاعتدال في اذار وأيلول ثلاثة أقدام وبعض قدم فيشبه أن يكون صلاته إذا اشتد الحر متأخرة عن الوقت المعهود قبله إلى أن يصير الظل خمسة أقدام أو خمسة وشيئا ويكون في الشتاء أول الوقت خمسة أقدام وآخره سبعة أو سبعة وشيئا فينزل هذا الحديث على هذا التقدير
[ 252 ]
في ذلك الاقليم دون سائر الاقاليم بسم الله الرحمن الرحيم لم يظهر الفئ قيل معناه لم يزل وقيل لم يعل السطح من قوله تعالى ومعارج عليها يظهرون إلى قباء الافصح فيه المد والتذكير والصرف
[ 253 ]
وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة حية قال الخطابي وغيره حياتها وجود حرها وصفاء
[ 254 ]
لونها قبل أن يصفر ويتغير أي مرتفعة والتحليق الارتفاع ومنه حلق الطائر في كبد السماء أي صعد وحكى الازهري عن شمر قال تحليق الشمس من أول النهار ارتفاعها ومن آخره انحدارها تلك صلاة المنافق جلس يرقب العصر حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قيل هو على حقيقته وظاهره والمراد أنه يحاذيها بقرنيه عند غروبها وكذا عند طلوعها لان الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له وقيل هو على المجاز والمراد بقرنيه علوه وارتفاعه وسلطانه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس وقال الخطابي هو تمثيل ومعناه أن تأخيرها تزيين الشيطان ومدافعته بهم عن تعجليها كمدافعة ذوات القرون لما تدفعه قام فنقر أربعا المراد بالنقر سرعة الحركات كنقر الطائر
[ 255 ]
الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله قال النووي روى بنصب اللامين ورفعهما والنصب هو الصحيح الذي عليه الجمهور على أنه مفعول ثان ومن رفع فعلى ما لم يسم فاعله ومعناه أنزع منه أهله وماله وهذا تفسير مالك بن أنس وأما على رواية النصب فقال الخطابي وغيره معناه نقص هو أهله وماله وسلبهم فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله وقال بن عبد البر معناه عند أهل اللغة والفقه أنه كالذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب بها وترا والوتر
[ 258 ]
الجناية التي يطلب ثأرها فيجتمع عليه غمان غم المصيبة وغم مقاساة طلب الثأر حاجب الشمس قيل هو طرف قرص الشمس الذي يبدو عند الطلوع ويغيب عند الغروب وقيل النيازك التي تبدو إذا كان طلوعها وفي الصحاح حواجب الشمس نواحيها ثم أبرد بالظهر وأنعم قال في النهاية أي أطال الا براد
[ 259 ]
وأخر الصلاة ومنه قولهم أنعم الفكر في الشئ إذا أطال التفكر فيه أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن خالد بن نعيم الحضرمي عن بن جبيرة قال الحافظ زكي الدين المنذري هكذا في الاصل وهو خطأ في الاسمين والصواب خير بن نعيم عن أبي هبيرة وهو عبد الله بن هبيرة السبائي قال وقد ذكرهما على الصحة أبو القاسم بن عساكر في الاطراف بالمخمص بميم مضمومة وخاء معجمة ثم ميم مفتوحتين موضع
[ 260 ]
معروف ما لم يسقط ثور الشفق بالمثلثة أي انتشاره وثوران حمرته من ثار الشئ يثور إذا انتشر
[ 261 ]
وارتفع وكان الفئ هو الظل بعد الزوال قدر الشراك قال في النهاية هو أحد سيور النعل التي تكون على وجهها وقدره هنا ليس على معنى التحديد ولكن زوال الشمس لا يبين الا بأقل ما يرى من الظل وكان حينئذ بمكة هذا القدر والظل يختلف باختلاف الازمنة والامكنة وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير لشئ من جوانبها ظل فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار
[ 262 ]
يكون الظل فيه أقصر وكلما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل فيه أطول العنق بفتح المهملة والنون وقاف سير سريع رضي الله تعالى عنها تدحض الشمس أي تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها
[ 263 ]
دحضت أي زلقت سطع الفجر أي ارتفع
[ 264 ]
إذا وجبت الشمس أي سقطت
[ 268 ]
وبيص خاتمه هو البريق وزنا ومعنى
[ 269 ]
لو يعلم الناس قال الطيبي وضع المضارع موضع الماضي ليفيد استمرار العلم ما في النداء أي الاذان وروى بهذا اللفظ عند السراج والصف الاول زاد أبو الشيخ في روايته من الخير والبركة قال القرطبي اختلف في الصف الاول هل هو الذي يلي الامام أو هو المبكر والصحيح الاول ثم لم يجدوا الا أن يستهموا عليه أي على ما ذكر من الامرين والاستهام الاقتراع ولو يعلم الناس ما في التهجير أي التبكير إلى الصلوات قال الهروي وحمله الخليل وغيره على ظاهره وقالوا المراد الاتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لان التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر لاستبقوا إليه قال بن أبي جمرة المراد الاستباق معنى لا حسا لان المسابقة على الاقدام
[ 270 ]
حسا مقتضي السرعة في المشي وهو ممنوع منه لا تغلبنكم لاعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام المعنى فيه أن العادة أن العظماء إذا سموا شيئا باسم فلا يليق العدول عنه إلى غيره لان ذلك تنقيص لهم ورغبة عن صنيعهم وترجيح لغيره عليه وذلك لا يليق والله سبحانه تعالى سماها في كتابه العشاء في قوله ومن بعد صلاة العشاء فيقبح
[ 271 ]
بعد تسمية ذي الجلال والاكرام العدول إلى غيره متلفعات بعين مهملة والتلفع هو التلفف الا أن فيه زيادة تغطية الرأس فكل متلفع متلفف وليس كل متلفف متلفعا بمروطهن جمع مرط وهو الكساء وأكثر ما يستعمل للنساء وقال بن فارس هي ملحفة يؤتزر بها والاول أشهر وقيل
[ 272 ]
المرط كساء صوف مربع سداه شعر أسفروا بالفجر قال في النهاية أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء قالوا يحتمل أنهم حين أمرهم بتغليس صلاة الفجر في أول وقتها كانوا يصلونها عند الفجر الاول حرصا ورغبة فقال أسفروا بها أي أخروها إلى أن يطلع الفجر الثاني ويتحقق ويقوى ذلك أنه قال لبلال نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم وقيل أن الامر بالاسفار خاص بالليالي المقمرة لان أول الصبح
[ 273 ]
لا يتبين فيها فأمروا بالاسفار احتياطا ويصلي الصبح إلى أن ينفسح البصر أي يتسع
[ 275 ]
ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا قال القرطبي روى بأو وبالواو وهي الاظهر ويكون مراد النهي الصلاة على الجنازة والدفن لانه انما يكون أثر الصلاة عليها وأما رواية أو ففيها إشكال الا إذا قلنا ان أو تكون بمعنى الواو كما قاله الكوفي قائم الظهيرة هي شدة الحر وقائم الظهيرة قائم الظل الذي لا يزيد
[ 276 ]
ولا ينقص في رأي العين وذلك يكون منتصف النهار حين استواء الشمس وقال في النهاية أي قيام الشمس وقت الزوال من قولهم قامت به دابته أي وقفت والمعنى أن الشمس إذا بلغت وسط السماء أبطأت حركة الظل إلى أن تزول فيحسب الناظر أنها قد وقفت وهي سائرة لكن شيئا لا يظهر له أثر سريع كما يظهر قبل الزوال بعده فيقال لذلك الوقوف المشاهد قام قائم الظهيرة تضيف الشمس أي تميل يقال ضافت تضيف إذا مالت
[ 278 ]
تبزغ أي تطلع
[ 280 ]
محضورة مشهودة أي تحضرها ملائكة الليل والنهار وتشهدها قيد رمح أي قدره وتسجر أي توقد قال الخطابي قوله تسجر جهنم وبين قرني الشيطان وأمثالها من الالفاظ الشرعية التي أكثرها يتفرد الشارع بمعانيها يجب علينا التصديق بها والوقوف
[ 281 ]
عند الاقرار بصحتها والعمل بمؤداها قالت عائشة رضي الله عنها ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط قال القرطبي يعني من الوقت الذي شغل
[ 283 ]
عن الركعتين بعد الظهر فقضاهما بعد العصر ثم أنه داوم عليهما فأخبرت هنا عن الدوام والا فقبل هذا لم يكن يصليهما بعد العصر كأنها حجفة أي ترس
[ 287 ]
وفحمة العشاء هي إقبال الليل وأول سواده
[ 288 ]
إذا جد به السير أي إذا اهتم به وأسرع فيه وقال جد يجد ويجد بالضم والكسر وجد به
[ 289 ]
الامر وأجد الامر وجد فيه إذا اجتهد أو حزبه أمر أي نزل به مهم
[ 292 ]
الا بجمع هي مزدلفة الرب عز وجلفقلت له الصلاة قال أبو البقاء الوجه النصب على تقدير أتريد الصلاة أو
[ 294 ]
أتصلي الصلاة أو يغفل بضم الفاء
[ 295 ]
عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ناموا عن الصلاة حتى طلعت الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فليصلها أحدكم من الغد لوقتها قال بن سيد الناس روى أنهم قالوا يا رسول الله أنقضيها لميقاتها من الغد قال أينهاكم الله عن الربا ويقبله منكم والجمع أن ضمير فليصلها راجع إلى صلاة الغد أي فليؤد ما عليه من الصلاة
[ 296 ]
مثل ما يفعل كل يوم بلا زيادة عليها فتتفق الالفاظ كلها على معنى واحد لا يجوز غيره يونس عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من نسي صلاة الحديث روى أبو أحمد الحاكم في مجلس من العالية من طريق معمر عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به نام حتى طلعت الشمس فصلى وقال من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها حين ذكرها ثم قرأ أقم الصلاة لذكري قال الشيخ ولي الدين العراقي في مجموع له ومن خطه نقلت إسناده صحيح قال ويحسن أن يكون جوابا عن المشهور وهو لم يقع بيان جبريل الا في الظهر وقد فرضت الصلاة بالليل فيقال كان النبي صلى الله عليه وسلم نائما وقت الصبح والنائم ليس بمكلف قال وهذه فائدة جليلة قلت وقد أخذت هذا منه على ظاهره وذكرته في كتاب أسباب الحديث ثم خطر لي أنه ليس المراد بقوله ليلة أسري به الاسراء الذي هو المعراج بل ليلة أسرى في السفر ونام هو ومن معه حتى طلعت الشمس فإن هذا الحديث معروف بذكره في هذه القصة وقد أورده المصنف من حديث أبي قتادة وفي حديث بريد بن أبي مريم عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأسرينا ليلة فلما كان في وجه الصبح نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس فلم يستيقظ الا بالشمس الحديث فهذا هو المراد بالاسراء وبريد بموحدة وراء مصغر فإن الله تعالى يقول
[ 297 ]
أقم الصلاة للذكرى قلت للزهري هكذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم هذه القراءة بلامين وفتح الراء مقصور مصدر بمعنى التذكر أي لوقت تذكرها وليست في السبع
[ 298 ]
النبي صلى الله عليه وسلم نائما وقت الصبح والنائم ليس بمكلف قال وهذه فائدة جليلة قلت وقد أخذت هذا منه على ظاهره وذكرته في كتاب أسباب الحديث ثم خطر لي أنه ليس المراد بقوله ليلة أسري به الاسراء الذي هو المعراج بل ليلة أسرى في السفر ونام هو ومن معه حتى طلعت الشمس فإن هذا الحديث معروف بذكره في هذه القصة وقد أورده المصنف من حديث أبي قتادة وفي حديث بريد بن أبي مريم عن أبيه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأسرينا ليلة فلما كان في وجه الصبح نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فنام ونام الناس فلم يستيقظ الا بالشمس الحديث فهذا هو المراد بالاسراء وبريد بموحدة وراء مصغر فإن الله تعالى يقول
[ 297 ]
أقم الصلاة للذكرى قلت للزهري هكذا قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم هذه القراءة بلامين وفتح الراء مقصور مصدر بمعنى التذكر أي لوقت تذكرها وليست في السبع
[ 298 ]
عصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الاربعين ولا واحد لها من لفظها ويجمع على عصائب من يكلؤنا أي يحفظنا ويحرسنا الليلة ينصب على الظرف لا نرقد عن الصلاة قال أبو البقاء التقدير لئلا نرقد فلما حذف اللام وان رفع الفعل ويجوز أن يروى بالنصب على جواب الاستفهام الا أنه حذف الفاء ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال أي يكلؤنا غير راقدين فيكون حالا مقدرة أي يكلؤنا فنفضي إلى تيقظنا وقت الفجر فضرب على آذانهم قال في النهاية هو كناية عن النوم ومعناه حجب الصوت والحس أن يلج آذانهم فينتبهوا
[ 299 ]
فكأنها ضرب عليها حجاب أدلج قال في النهاية أدلج بالتخفيف إذا سار من أول الليل وادلج بالتشديد إذا سار من آخره والاسم منهما الدلجة والدلجة بالضم والفتح ومنهم من يجعل الادلاج لليل كله عرس قال في النهاية التعريس نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة يقال منه عرس تعريسا وأعرس والمعرس موضع التعريس