تحفة الأحوذي
المباركفوري ج 10
[ 1 ]
تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري 1283 - 1353 ه . طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين الهندية والمصرية ، مع ملحق خاص بالاحاديث المستدركة من جامع الترمذي الجزء الاول أبواب الطهارة - أبواب الصلاة . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
الطبعة الاولى 1410 ه . 1990 م
[ 3 ]
(أحاديث شتى) من أبواب الدعوات أي أحاديث متفرقة منها . قال في مختار الصحاح أمر يشت بالفتح أي متفرق تقول شت الأمر يشت بالكسر شتا وشتاتا بفتح الشين فيهما أي تفرق وقوم شتى وأشياء شتى وجاؤوا أشتاتا أي متفرقين وأحدهم شت بالفتح . قوله (عن أبيه) أي رفاعة بن رافع بن مالك الأنصاري قوله (عام الأول) أي من الهجرة (ثم بكى) قيل إنما بكى لأنه علم وقوع أمته في الفتن وغلبته الشهوة والحرص على جمع المال وتحصيل الجاه فأمرهم بطلب العفو والعافية ليعصمهم من الفتن (سلوا الله العفو) أي عن الذنوب قال في النهاية العفو معناه التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه أصله المحو والطمس (والعافية) قال القاري معناه السلامة في الدين من الفتنة وفي البدن من سئ الأسقام وشدة المحنة انتهى قلت لا حاجة إلى زيادة لفظ سئ قال في النهاية العافية أن تسلم من الأسقام والبلايا وهي الصحة وضد المرض انتهى (بعد اليقين) أي الايمان (خيرا من العافية) قال الطيبي وهي السلامة من الآفات فيندرج فيها العفو انتهى يعني ولعموم معنى العافية الشاملة للعفو اكتفى بذكرها عنه والتنصيص عليه سابقا للإ يماء إلى أنه أهم أنواعها قوله (وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححه
[ 4 ]
(باب) قوله : (حدثنا حسين بن يزيد الكوفي) الطحان (حدثنا أبو يحيى الحماني) بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن (حدثنا عثمان بن واقد) بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر العمري المدني نزيل البصرة صدوق ربما وهم من السابعة (عن أبي نصيرة) بالتصغير الواسطي اسمه مسلم بن عبيد ثقة من الخامسة (عن مولى لأبي بكر) يقال هو أبو رجاء مجهول من الثانية قوله (ما أصر من استغفر) كلمة ما نافية يعني من عمل معصية ثم استغفر وندم على ذلك خرج عن كونه مصرا على المعصية لأن المصر هو الذي لم يستغفر ولم يندم على الذنب والإصرار على الذنب إكثاره كذا في المفاتيح (ولو فعله في اليوم سبعين مرة) وفي رواية أبي داود وإن عاد في اليوم سبعين مرة قيل ظاهره التكثير والتكرير قال المناوي في شرح هذا الحديث أي ما أقام على الذنب من تاب توبة صحيحة وإن عاد في اليوم سبعين مرة فإن رحمة الله لا نهاية لها فذنوب العالم كلها متلاشية عند عفوه قوله (وهذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود (وليس إسناده بالقوي) لجهالة مولى أبي بكر ولين حسين بن يزيد قوله (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي (أخبرنا الأصبغ بن زيد) بن علي الجهني الوراق أبو عبد الله الواسطي كاتب المصاحف صدوق يغرب من السادسة (أخبرنا أبو العلاء) الشامي مجهول من الخامسة (عن أبي أمامة) الباهلي قوله (لبس) من باب سمع (ما أواري به) أي أستر به (عورتي) العورة سوءة الإنسان كل ما يستحي منه (وأتجمل) أي أتزين (ثم عمد) بفتح الميم
[ 5 ]
ويكسر أي قصد (إلى الثوب الذي أخلق) أي صار باليا أو صيره باليا (كان في كنف الله) بفتح الكاف والنون أي في حرزه وستره وهو في الأصل الجانب والظل والناحية على ما في القاموس (وفي حفظ الله وفي ستر الله) تأكيد ومبالغة وفي الصحاح الستر بالكسر واحد الستور وبالفتح مصدر ستر (حيا وميتا) أي في الدنيا والآخرة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة والحاكم وصححه قوله (وقد رواه يحيى بن أيوب) الغافقي (عن عبيد الله بن زحر) الضمري (عن علي بن يزيد) الألهاني الدمشقي (عن القاسم) بن عبد الرحمن الدمشقي كنيته أبو عبد الرحمن باب قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب الترمذي (عن أبيه) هو أسلم العدوي قوله (بعث) أي أرسل (بعثا) أي جماعة قال الطيبي البعث بمعنى السرية من باب تسمية المفعول بالمصدر (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهته (وأسرعوا الرجعة) أي إلى المدينة (فقال رجل ممن لم يخرج) بطريق الغبطة على وجه التعجب (ولا أفضل) أي أكثر أو أنفس (ألا أدلكم على قوم أفضل غنيمة) أي لبقاء هذه ودوامها وفناء تلك وسرعة انقضائها (قوم) أي هم قوم (شهدوا صلاة الصبح) أي حضروا جماعتها (فأولئك أسرع رجعة) أي إلى أهلهم ومعايشهم لانتهاء عملهم الموعود عليه بذلك الثواب العظيم بعد مضي نحو ساعة زمانية وأهل الجهاد لا ينتهي عملهم غالبا إلا بعد أيام كثيرة قوله (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث وعزوه للترمذي ورواه البزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه من حديث أبي
[ 6 ]
هريرة بنحوه وذكر البزار فيه أن القائل (ما رأينا) هو أبو بكر رضي الله عنه وقال في اخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبا بكر ألا أدلك على ما هو أسرع إيابا وأفضل مغنما من صلى الغداة في جماعة ثم ذكر الله حتى تطلع الشمس انتهى (وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري) اسمه محمد وحماد لقبه وأبو إبراهيم كنيته (وهو ضعيف في الحديث) أي ضعيف عند أهل الحديث أو ضعيف في حديثه وقال البخاري فيه إنه منكر الحديث وفي ميزان الاعتدال في ترجمة أبان بن جبلة نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه قوله (أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة) وفي رواية أبي داود استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم فأذن لي (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أي أخي) بالتصغير وهو تصغير تعطف وتلطف لا تحقير (أشركنا) يحتمل نون العظمة وأن يريد نحن وأتباعنا (في دعائك) فيه إظهار الخضوع والمسكنة في مقام العبودية بالتماس الدعاء ممن عرف له الهداية وحث للأمة على الرغبة في دعاء الصالحين وأهل العبادة وتنبيه لهم على أن لا يخصوا أنفسهم بالدعاء ولا يشاركوا فيه أقاربهم وأحباءهم لا سيما في مظان الإجابة وتفخيم لشأن عمر وإرشاد إلى ما يحمي دعاءه من الرد (ولا تنسنا) تأكيد أو أراد به في سائر أحواله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وزاد بعد قوله ولا تنسنا فقال كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا قوله (عن عبد الرحمن بن إسحاق) الواسطي الكوفي المكنى بأبي شيبة (عن سيار) العنزي أبي الحكم (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي قوله (أن مكاتبا) أي لغيره
[ 7 ]
وهو عبد علق سيده عتقه على إعطائه كذا من المال (إني قد عجزت عن كتابتي) الكتابة المال الذي كاتب به السيد عبده يعني بلغ وقت أداء مال الكتابة وليس لي مال (فأعني) أي بالمال أو بالدعاء بسعة المال (قال ألا أعلمك كلمات) قال الطيبي طلب المكاتب المال فعلمه الدعاء إما لأنه لم يكن عنده من المال ليعينه فرده أحسن رد عملا بقوله تعالى قول معروف ومغفرة خير أو أرشده إشارة إلى أن الأولى والأصلح له أن يستعين بالله لأدائها ولا يتكل على الغير وينصر هذا الوجه قوله واغنني بفضلك عمن سواك (لو كان عليك مثل جبل صير دينا) بكسر الصاد المهملة وسكون التحتية وهو جبل لطئ ويروى صبير بفتح الصاد المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية كذا في النهاية (اللهم اكفني) بهمزة وصل تثبت في الابتداء مكسورة وتسقط في الدرج وفي بعض النسخ اكففني من الكف (بحلالك عن حرامك) أي متجاوزا أو مستغنيا منه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البيهقي في الدعوات الكبير والحاكم وقال صحيح (باب في دعاء المريض) قوله (كنت شاكيا) أي مريضا (وأنا أقول) جملة حالية (إن كان أجلي) أي انتهاء عمري (قد حضر) أي وقته (فأرحني) أي بالموت من الإراحة وهي إعطاء الراحة بنوع إزاحة للبلية (وإن كان) أي أجلي (فارفغني) من الإرفاغ أي وسع لي وعيشي قال في النهاية وفي حديث علي رضي الله عنه أرفغ لكم المعاش أي أوسع عليكم وعيش رافغ أي واسع (وإن كان) أي مرضي (بلاء) أي امتحانا (فصبرني) بتشديد الموحدة المكسورة أي اعطني الصبر عليه ولا تجعلني من أهل الجزع لديه (قال) أي عبد الله بن سلمة (فأعاد) أي علي (عليه) أي على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما قال) أي أولا
[ 8 ]
(فضربه برجله) أي ليتنبه عن غفلة أمره وينتهي عن شكاية حاله وتتصل إليه بركة قدمه (قال) أي علي (فما اشتكيت وجعي) أي هذا (بعد) أي بعد دعائه صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه احمد في مسنده والحاكم في مستدركه وابن حبان في صحيحه قوله (أذهب الباس) أي أزل شدة المرض والباس بغير همز للازدواج فإن أصله الهمزة (رب الناس) بالنصب بحذف حرف النداء (واشف) أي هذا المريض (أنت الشافي) يؤخذ منه جواز تسمية الله تعالى بما ليس في القرآن بشرطين أحدهما أن لا يكون في ذلك ما يوهم نقصه والثاني أن يكون له أصل في القرآن وهذا من ذاك فإن في القرآن (وإذا مرضت فهو يشفين) قاله الحافظ (لا شفاء) بالمد مبني على الفتح والخبر محذوف والتقدير لنا أوله (إلا شفاؤك) بالرفع على أنه بدل من موضع لا شفاء (شفاء) مصدر منصوب بقوله اشف ويجوز الرفع على أنه خبر مبتدأ أي هذا أو هو (لا يغادر) بالغين المعجمة أي لا يترك وفائدة التقييد بذلك أنه قد يحصل الشفاء من ذلك المرض فيخلفه مرض اخر يتولد منه فكان يدعو له بالشفاء المطلق لا بمطلق الشفاء (سقما) بضم ثم سكون وبفتحتين أيضا أي مرضا والتنكير للتقليل وقد استشكل الدعاء للمريض بالشفاء مع ما في المرض من كفارة الذنوب والثواب كما تضافرت الأحاديث بذلك والجواب أن الدعاء عبادة ولا ينافي الثواب والكفارة لأنهما يحصلان بأول مرض وبالصبر عليه والداعي بين حسنتين إما أن يحصل له مقصوده أو يعوض عنه بجلب نفع أو دفع ضر وكل من فضل الله تعالى قوله (هذا حديث حسن) في سنده الحارث الأعور وهو ضعيف ورواه الشيخان وغيرهما عن عائشة
[ 9 ]
8 (باب قوله في دعاء الوتر) قوله (عن هشام بن عمرو الفزاري) بفتح فاء وزاي خفيفة فألف فراء مقبول من الخامسة (عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي المدني له رؤية وكان من كبار ثقات التابعين قوله (كان يقول في وتره) وفي رواية أبي داود وابن ماجه في آخر وتره قال القاري أي بعد السلام منه كما في رواية قال ميرك وفي إحدى روايات النسائي كان يقول إذا فرغ من صلاته وتبوأ مضجعه (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك) قال الجزري في النهاية وفي رواية بدأ بالمعافاة ثم بالرضاء إنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة لأنها من صفات الأفعال كالإماتة والإحياء والرضا والسخط من صفات الذات وصفات الأفعال أدنى رتبة من صفات الذات فبدأ بالأدنى مترقيا إلى الأعلى ثم لما ازداد يقينا وارتقاء ترك الصفات وقصر نظره على الذات فقال أعوذ بك منك ثم لما ازداد قربا استحيا معه من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فقال لا أحصي ثناء عليك ثم علم أن ذلك قصور فقال أنت كما أثنيت على نفسك وأما على الرواية الأولى فإنما قدم الاستعاذة بالرضا على السخط لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا وإنما ذكرها لأن دلالة الأولى عليها دلالة تضمين فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة فكنى عنها أولا ثم صرح بها ثانيا ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لاستيفاء حق الغير انتهى (وأعوذ بك منك) أي بذاتك من آثار صفاتك وفيه إيماء إلى قوله تعالى ويحذركم الله نفسه وإشارة إلى قوله تعالى ففروا إلى الله (لا أحصي ثناء عليك) أي لا أطيقه ولا أبلغه حصرا وعددا (أنت كما أثنيت على نفسك) أي ذاتك قال ابن الملك معنى الحديث الاستغفار من التقصير في بلوغ الواجب من حق ذاته والثناء عليه انتهى وفي رواية النسائي لا أحصي ثناء عليك ولو حرصت ولكن أنت كما أثنيت على نفسك قال ميرك قيل يحتمل أن الكاف زائدة والمعنى أنت الذي أثنيت على نفسك وقال بعض العلماء ما في كما موصوفة أو موصولة والكاف بمعنى المثل أي أنت الذات التي لها صفات الجلال والإكرام ولها العلم الشامل والقدرة الكاملة أنت تقدر على إحصاء ثنائك
[ 10 ]
وهذا الثناء إما بالقول وإما بالفعل وهو إظهار فعله عن بث آلائه ونعمائه قوله (وهذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والطبراني في الأوسط وابن أبي شيبة (لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة) قال أبو داود في سننه هشام أقدم شيخ لحماد وبلغني عن يحيى بن معين أنه قال لم يرو عنه غير حماد بن سلمة قال المنذري وقال البخاري قال أبو العباس قيل لأبي جعفر الدارمي روى عن هذا الشيخ غير حماد فقال لا أعلم وليس لحماد عنه إلا هذا الحديث وقال أحمد بن حنبل هشام بن عمرو الفزاري من الثقات وقال أبو حاتم الرازي شيخ قديم ثقة وقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك وقد أخرجه أبو عبد الرحمن في الصلاة وابن ماجه في الدعاء انتهى باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه في دبر كل صلاة قوله (اخبرنا عبيد الله هو ابن عمرو) الرقي (وعمرو بن ميمون) الأودي الكوفي قوله (كان سعد) أي ابن أبي وقاص (يعلم بنيه) أي أولاده وفيه تغليب وقد ذكر محمد بن سعد في الطبقات أولا سعد فذكر من الذكور أربعة عشر نفسا ومن الإناث سبع عشرة وروى عنه الحديث منهم خمسة عامر ومحمد ومصعب وعائشة وعمر (هؤلاء الكلمات) أي الاتية (كما يعلم المكتب) اسم فاعل من الاكتتاب قال في القاموس الاكتتاب تعليم الكتابة كالتكتيب والإملاء وفي رواية
[ 11 ]
للبخاري كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة (الغلمان) جمع الغلام أي الأطفال (من الجبن) بضم وضمتين أي البخل في النفس وعدم الجرأة على الطاعة وإنما تعوذ منه لأنه يؤدي إلى عذاب الآخرة لأنه يفر في الزحف فيدخل تحت وعيد الله فمن ولى فقد باء بغضب من الله وربما يفتتن في دينه فيرتد لجبن أدركه وخوف على مهجته من الأسر والعبودية (وأعوذ بك من البخل) بضم الباء وسكون الخاء وبفتحهما أي من عدم النفع إلى الغير بالمال أو العلم أو غيرهما ولو بالنصيحة قال الطيبي الجود إما بالنفس وهو الشجاعة ويقابله الجبن وإما بالمال وهو السخاوة ويقابله البخل ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة ولا ينعدمان إلا من متناه في النقص (وأعوذ بك من أرذل العمر) بضم الميم وسكونها لغتان وفي رواية البخاري وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر قال العيني أي عن الرد وكلمة أن مصدرية وأرذل العمر هو الخرف يعني يعود كهيئته الأولى اول أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم ويقال أرذل العمر أردؤه وهو حالة الهرم والضعف عن أداء الفرائض وعن خدمة نفسه فيما يتنظف فيه فيكون كلا على أهله ثقيلا بينهم يتمنون موته فإن لم يكن له أهل فالمصيبة أعظم (وأعوذ بك من فتنة الدنيا) بأن تتزين للسالك وتغره وتنسيه الآخرة ويأخذ منها زيادة على قدر الحاجة (وعذاب القبر) أي من موجبات عذابه قوله (قال عبد الله) أي ابن عبد الرحمن الدارمي شيخ الترمذي (أبو إسحاق الهمداني) السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله وهو مبتدأ خبره يضطرب (يقول عن عمرو بن ميمون عن عمر ويقول عن غيره ويضطرب فيه) قال الحافظ قد رواه أبو إسحاق السبيعي عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود هذه رواية زكريا عنه وقال إسرائيل عنه عن عمرو عن عمر بن الخطاب ونقل الترمذي عن الدارمي أنه قال كان أبو إسحاق يضطرب فيه قال لعل عمرو بن ميمون سمعه من جماعة فقد أخرجه النسائي من رواية زهير عن أبي إسحاق عن عمرو عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سمى منهم ثلاثة كما ترى انتهى (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب أبو الحسن الترمذي (حدثنا أصبع بن الفرج) بن سعيد الأموي مولاهما الفقيه المصري أبو عبد الله ثقة مات مستترا أيام المحنة من
[ 12 ]
العاشرة (أخبرني عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي (عن عمرو بن الحارث) الأنصاري مولاهم المصري (عن خزيمة) في التقريب خزيمة عن عائشة بنت سعد لا يعرف من السابعة انتهى وذكره ابن حبان في الثقات (عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص) الزهرية المدنية ثقة من الرابعة عمرت حتى أدركها مالك ووهم من زعم أن لها رؤية قوله (على امرأة) أي محرم له أو كان ذلك قبل نزول الحجاب على أنه لا يلزم من الدخول الرؤية (وبين يديها) الواو للحال (نواة) بفتح النون وهي عظم التمر وفي بعض النسخ نوى بلفظ الجمع (أو قال حصاة) شك من الراوي (تسبح) أي المرأة (بها) أي بالنواة وفيه دليل على جواز عد التسبيح بالنوى والحصى وكذا بالسبحة لعدم الفارق لتقريره صلى الله عليه وسلم للمرأة على ذلك وعدم إنكاره والإرشاد إلى ما هو أفضل لا ينافي الجواز وقد تقدم الكلام في جواز السبحة في باب عقد التسبيح باليد (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (بما هو أيسر) أي أسهل وأخف (من هذا) أي من هذا الجمع والتعداد (وأفضل) وفي بعض النسخ أو أفضل وكذلك في سنن أبو داود بلفظ أو قال القاري قيل أو هذه للشك من سعد أو ممن دونه وقيل بمعنى الواو وقيل بمعنى بل وهو الأظهر قال الطيبي وإنما كان أفضل لأنه اعتراف بالقصور وأنه لا يقدر أن يحصي ثناءه وفي العد بالنوى إقدام على أنه قادر على الإحصاء انتهى قال القاري وفيه أنه لا يلزم من العد هذا الإقدام ثم ذكر وجوها أخرى للأفضلية ولا يخلو واحد منها عن خدشة (سبحان الله عدد ما خلق) فيه تغليب لكثرة غير ذوي العقول الملحوظة في المقام (عدد ما بين ذلك) أي ما بين ما ذكر من السماء والأرض من الهواء والطير والسحاب وغيرها (عدد ما هو خالق) أي خالقه أو خالق له فيم بعد ذلك واختاره ابن حجر وهو أظهر لكن الأدق الأخفى ما قال الطيبي أي ما هو خالق له من الأزل إلى الأبد والمراد الاستمرار فهو إجمال بعد التفصيل لأن اسم الفاعل إذا أسند إلى الله تعالى يفيد الاستمرار من بدأ الخلق إلى الأبد كما تقول الله قادر عالم فلا تقصد زمانا دون زمان (والله أكبر مثل ذلك) قال الطيبي منصوب نصب عدد في القرائن السابقة على المصدر وقال بعض الشراح بنصب مثل أي الله أكبر عدد ما هو خالقه أي بعدده فجعل مرجع الإشارة أقرب ما ذكر والظاهر أن المشار إليه جميع ما ذكر فيكون التقدير الله أكبر عدد
[ 13 ]
ما خلق في السماء والله أكبر عدد ما خلق في الأرض والله أكبر عدد ما بين ذلك والله أكبر عدد ما هو خالق ذكره القاري وقال والأظهر أن هذا من اختصار الراوي فنقل آخر الحديث بالمعنى خشية للملالة بالإطالة ويدل على ما قلنا بعض الآثار أيضا قوله (هذا حديث حسن غريب من حديث سعد) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد قوله (عن محمد بن ثابت) قال في تهذيب التهذيب محمد بن ثابت عن أبي حكيم مولى الزبير وأبي هريرة وعنه موسى بن عبيدة الربذي قال الدوري عن ابن معين لا أعرفه وقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا نفهم من محمد هذا وزعم يعقوب بن شيبة أنه محمد بن ثابت بن شرحبيل من بني عبد الدار وقال في التقريب مجهول من السادسة (عن أبي حكيم مولى الزبير) مجهول من الثالثة قوله (ما من صباح يصبح العبد) أي فيه قال الطيبي صباح نكرة وقعت في سياق النفي وضمت إليها من الاستغراقية لإفادة الشمول ثم جئ بقوله يصبح صفة مؤكدة لمزيد الإحاطة كقوله تعالى وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ولا طائر يطير بجناحيه (سبحوا) بصيغة الأمر من التسبيح أي نزهوا (الملك القدوس) أي عما هو منزه عنه والمعنى اعتقدوا أنه منزه عنه وليس المراد إنشاء تنزيه لأنه منزه أزلا وأبدا أو اذكروه بالتسبيح لقوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولذا قال الطيبي أي قولوا سبحان الملك القدوس أو قولوا سبوج قدوس رب الملائكة والروح أي ونحوهما من قول سبحان الله وبحمده الله سبحان الله العظيم قوله (هذا حديث غريب) وهو ضعيف لضعف بعض رواته وجهالة بعضهم وأخرجه أبو يعلى وابن السني بلفظ ما من صباح يصبح العباد إلا وصارخ يصرخ أيها الخلائق سبحوا الملك القدوس قال المناوي إسناده ضعيف
[ 14 ]
(باب في دعاء الحفظ) قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب أبو الحسن الترمذي (حدثنا سليمان بن عبد الرحمن) بن عيسى التيمي الدمشقي بن بنت شرحبيل أبو أيوب صدوق يخطئ من العاشرة (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي قوله (تفلت) قال في النهاية التفلت والإفلات والانفلات التخلص من الشي فجأة من غير تمكث (يا أبا الحسن) هو كنية علي رضي الله عنه (أجل) حرف جواب بمعنى نعم (في ثلث الليل الآخر) الآخر نعت لثلث الليل لا لليل (فإنها ساعة مشهودة) أي فإن ساعة ثلث الليل الآخر ساعة تشهدها الملائكة (وقد قال أخي يعقوب لبنيه) إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ليعقوب أخي لأن الأنبياء أخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد رواه الشيخان عن أبي هريرة ولقوله تعالى إنما المؤمنون إخوة سوف أستغفر لكم ربي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قول يعقوب عليه السلام لبيان أن ليلة الجمعة أحرى وأخلق بإجابة الدعاء (يقول حتى تأتي ليلة الجمعة) هذا بيان لقوله سوف أستغفر وضمير يقول راجع إلى يعقوب والمعنى أنا أستغفر لكم في ليلة الجمعة الآتية قال الحافظ بن كثير قال ابن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وابن جريج وغيرهم أرجأهم إلى وقت السحر وقال ابن جرير حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال كان عمر رضي الله عنه يأتي المسجد فيسمع إنسانا يقول اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا السحر فاغفر لي قال فاستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال إن يعقوب آخر بنيه إلى السحر بقوله سوف أستغفر لكم ربي وقد ورد في الحديث ان ذلك كان ليلة
[ 15 ]
الجمعة قال ابن جرير ايضا حدثنى المثنى حدثنا سليمان بن عبد الرحمن أبو أيوب الدمشقي حدثنا أبو الوليد أنبأنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (سوف أستغفر لكم ربى) يقول حتى تأتى ليلة الجمعة وهو قول اخى يعقوب لبينه وهذا الوجه وفى فعه نظر والله أعلم انتهى (فإن لم تستطع فقم في وسطها) عطف على قوله فإن استطعت (وتبارك المفصل) أي سورة تبارك الذي بيده الملك التي هي من طوال المفصل وفي بعض النسخ تبارك الملك (وصل علي) بتشديد الياء (وأحسن) أي وأحسن الصلاة علي (ولإخوانك) المراد بالأخوة هنا أخوة الدين (أن أتكلف) أي أتعرض (ما لا يعنيني) من قول وفعل أي ما لا يهمني ولا يكون من مقصدي ومطلوبي (يرضيك) من الإرضاء (لا ترام) أي لا تطلب من الروم ويجوز كونه من الريم بمعنى التجاوز (أن تلزم) بضم التاء من الإلزام (أن تطلق) من الإطلاق أي تجري (وأن تفرج) من باب التفعيل أي تكشف وتزيل (وأن تغسل) وفي بعض النسخ تعمل والظاهر أنه من الأعمال يقال أعمله غيره أي جعله عاملا (ولا يؤتيه) أي لا يعطيه (تجب) بصيغة المجهول من الإجابة أي إن
[ 16 ]
تفعل ذلك تجب وفي بعض النسخ تجاب (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) بل يصيبه ويستجاب له (إلا خمسا أو سبعا) أي خمس جمع أو سبع جمع (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بالنصب (فيما خلا) أي فيما مضى من الأيام (لم أخرم) من باب ضرب أي لم أنقص ولم أقطع (مؤمن) أي أنت مؤمن (أبا الحسن) منصوب بحذف حرف النداء قوله (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه ورواه الحاكم وقال صحيح على شرطهما إلا أنه قال يقرأ في الثانية بالفاتحة وألم السجدة وفي الثالثة بالفاتحة والدخان عكس ما في الترمذي وقال في الدعاء وأن تشغل به بدني مكان وأن تستعمل وهو كذلك في بعض نسخ الترمذي ومعناهما واحد وفي بعضها وأن تغسل قال طرق أسانيد هذا الحديث جيدة ومتنه غريب جدا انتهى وقال الشوكاني في الفوائد المجموعة بعد ذكر حديث ابن عباس هذا رواه الدارقطني عن ابن عباس عن علي مرفوعا وقال تفرد به هشام بن عمار عن الوليد بن مسلم قال ابن الجوزي الوليد يدلس تدليس التسوية ولا أتهم به إلا النقاش يعني محمد بن الحسن بن محمد المقري شيخ الدارقطني قال ابن حجر هذا الكلام تهافت والنقاش برئ من عهدته فإن الترمذي أخرجه في جامعه من طريق الوليد به انتهى قال في اللآلئ وأخرجه الحاكم عن أبي النضر الفقيه وأبي الحسن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس به وقال صحيح على شرط الشيخين ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة وفي ألفاظه نكارة انتهى
[ 17 ]
(باب في انتظار الفرج وغير ذلك) قوله (سلوا الله من فضله) أي بعض فضله فإن فضله واسع وليس هناك مانع (فإن الله يحب أن يسأل) أي من فضله لأن يده تعالى ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار (وأفضل العبادة انتظار الفرج) أي ارتقاب ذهاب البلاء والحزن بترك الشكاية إلى غيره تعالى وكونه أفضل العبادة لأن الصبر في البلاء انقياد للقضاء والفرج بفتحتين بالفارسية كشايش يقال فرج الله الغم عنه أي كشفه وأذهبه قوله (هكذا روى حماد بن واقد هذا الحديث) وأخرجه ابن مردويه أيضا من طريقه (وحماد بن واقد) العبسي أبو عمرو الصفار البصري (ليس بالحافظ) قال في تهذيب التهذيب في ترجمته وقال ابن معين ضعيف وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو زرعة لين الحديث له عند الترمذي حديث واحد وهو في انتظار الفرج وأعله انتهى مختصرا (وروى أبو نعيم هذا الحديث عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ ابن كثير بعد نقل كلام الترمذي هذا وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع عن إسرائيل (وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح) لأن أبا نعيم وهو الفضل بن دكين الكوفي ثقة ثبت وأما حماد بن واقد فضعيف كما عرفت وفي طريق أبي نعيم عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الرجل يحتمل أن يكون صحابيا ويحتمل أن يكون تابعيا وعلى الثاني يكون هذا الطريق مرسلا قوله (عن أبي عثمان) هو النهدي اسمه عبد الرحمن بن مل قوله (اللهم إني أعوذ بك
[ 18 ]
من الكسل والعجز والبخل) قد تقدم تفسير هذه الألفاظ (وبهذا الإسناد) أي بالإسناد المتقدم (من الهرم) قال النووي المراد من الاستعاذة من الهرم الاستعاذة من الرد إلى أرذل العمر وسبب ذلك ما فيه من الخرف واختلال العقل والحواس والضبط والفهم وتشويه بعض المنظر والعجز عن كثير من الطاعات والتساهل في بعضها (وعذاب القبر) من الضيق والظلمة والوحشة وضرب المقمعة ولدغ العقرب والحية وأمثالها ومما يوجب عذابه من النميمة وعدم التطهير ونحوها قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن مسلم والنسائي مطولا قوله (أخبرنا محمد بن يوسف) هو الضبي الفريابي (عن ابن ثوبان) هو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان (عن أبيه) أي ثابت بن ثوبان العنسي الشامي ثقة من السادسة (عن عبادة بن الصامت) بن قيس الأنصاري الخزرجي أبي الوليد المدني أحد النقباء بدري مشهور مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وله اثنتان وسبعون سنة وقيل عاش إلى خلافة معاوية قوله (إلا آتاه الله إياها) أي تلك الدعوة وفي حديث جابر ما من أحد يدعو بدعاء إلا اتاه الله ما سأل (أو صرف) أي دفع (عنه) أي عن الداعي (من السوء) أي البلاء النازل أو غيره في أمر دينه أو دنياه أو بدنه (مثلها) أي مثل تلك الدعوة كمية وكيفية إن لم يقدر له وقوعه في الدنيا ما لم يدع بمأثم المأثم الأمر الذي يأثم به الإنسان أو هو الإثم نفسه ووقع في بعض النسخ بإثم (أو قطيعة رحم) تخصيص بعد تعميم والقطيعة أي الهجران والصد أي ترك البر إلى الأهل والأقارب (إذا) أي إذا كان الدعاء لا يرد منه شئ ولا يخيب الداعي في شئ منه (نكثر) أي من الدعاء لعظيم فوائده (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (الله أكثر) قال الطيبي أي الله أكثر إجابة من دعائكم وقيل إن معناه فضل الله أكثر أي ما يعطيه من فضله وسعة كرمه أكثر مما يعطيكم في مقابلة دعائكم وقيل الله أغلب في الكثرة فلا تعجزونه في
[ 19 ]
الاستكثار فإن خزائنه لا تنفذ وعطاياه لا تفنى وقيل الله أكثر ثوابا وعطاء مما في نفوسكم فأكثروا ما شئتم فإنه تعالى يقابل أدعيتكم بما هو أكثر منها وأجل قوله (وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه الحاكم وقال صحيح الإسناد وأخرج أحمد عن أبي سعيد مرفوعا ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها وصححه الحاكم (باب) قوله (حدثنا جرير) بن عبد الحميد (عن منصور) بن المعتمر (عن سعد بن عبيدة) السلمي قوله (إذا أخذت) أي أتيت كما في رواية مضجعك بفتح الميم والجيم من ضجع يضجع من باب منع يمنع والمعنى إذا أردت النوم في مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة أي كوضوئك للصلاة فهو منصوب بنزع الخافض (ثم اضطجع) أصله اضتجع من باب الافتعال فقلبت التاء طاء (على شقك) بكسر المعجمة وتشديد القاف أي جانبك (اللهم أسلمت) أي استسلمت وانقدت والمعنى جعلت ذاتي منقادة لك تابعة لحكمك إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها (وفوضت أمري إليك) من التفويض وهو تسليم الأمر إلى الله تعالى والمعنى توكلت عليك في أمري كله (وألجأت) أي أسندت (ظهري إليك) أي اعتمدت عليك في أمري كله لتعينني على ما ينفعني لأن من استند إلى شئ تقوى به واستعان به وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى من يستند إليه (رغبة ورهبة إليك) وفي رواية عند أحمد والنسائي رهبة منك ورغبة إليك أي طمعا في رفدك وثوابك وخوفا من عذابك ومن عقابك قال الطيبي منصوبان على العلة بطريق اللف والنشر أي فوضعت أموري طمعا في ثوابك وألجأت ظهري من المكاره إليك مخافة من عذابك انتهى وقيل مفعول لهما لألجأت وقال القاري إن نصبهما على الحالية أي راغبا وراهبا أو الظرفية أي في حال الطمع والخوف يتنازع فيهما
[ 20 ]
الأفعال المتقدمة كلها (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي لا مهرب ولا ملاذ ولا مخلص من عقوبتك إلا إلى رحمتك قال الحافظ أصل ملجأ بالهمزة ومنجا بغير همزة ولكن لما جمعا جازا أن يهمزا للازدواج وأن يترك الهمز فيهما وأن يهمز المهموز ويترك الآخر فهذه ثلاثة أوجه ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة قال العيني إعرابهما مثل إعراب عصى وفي هذا التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلا بالله والفرق بين نصبه وفتحها بالتنوين وعدمه وعند التنوين تسقط الألف ثم إنهما إن كانا مصدرين يتنازعان منك وإن كانا مكانين فلا إذا اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجأ منك إلا إليك انتهى (آمنت بكتابك) يحتمل أن يريد به القرآن ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل (ونبيك الذي أرسلت) وقع في رواية أرسلته وأنزلته في الأول بزيادة الضمير المنصوب فيهما (مت على الفطرة) أي على دين الإسلام وقال الطيبي أي مت على الدين القويم ملة إبراهيم عليه السلام فإن إبراهيم عليه السلام أسلم واستسلم وقال أسلمت لرب العالمين وجاء ربه بقلب سليم (فرددتهن) أي رددت تلك الكلمات على النبي صلى الله عليه وسلم (لأستذكره) وفي رواية مسلم لأستذكرهن أي لأحفظ وأتذكر تلك الكلمات منه صلى الله عليه وسلم وأما تذكير الضمير في هذا الكتاب فبتأويل الدعاء (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قل آمنت بنبيك الذي أرسلت) ذكروا في إنكاره صلى الله عليه وسلم ورده اللفظ أوجها منها أمره أن يجمع بين صفتيه وهما الرسول والنبي صريحا وإن كان وصف الرسالة يستلزم النبوة ومنها أن ذكره احتراز عمن أرسل من غير نبوة كجبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام لأنهم رسل الأنبياء ومنها أنه يحتمل أن يكون رده دفعا للتكرار لأنه قال في الأولى ونبيك الذي أرسلت قال الحافظ وأولى ما قيل في الحكمة في رده صلى الله عليه وسلم على من قال الرسول بدل النبي أن ألفاظ الأذكار توقيفية ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس فتجب المحافظة على اللفظ الذي وردت به وهذا اختيار المازري قال فيقتصر فيه على اللفظ الوارد بحروفه وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف ولعله أوحي إليه بهذه الكلمات فيتعين أداءها بحروفها وقال النووي في هذا الحديث ثلاث سنن مهمة مستحبة ليست بواجبة إحداها الوضوء عند إرادة النوم فإن كان متوضأ كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته وليكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه وترويعه إياه الثانية النوم على الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن ولأنه أسرع إلى الانتباه الثالثة ذكر الله تعالى ليكون خاتمة عمله انتهى قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 21 ]
وأبو داود والنسائي (ولا نعلم في شئ من الروايات ذكر الوضوء الخ) أي عند النوم قوله (عن أبي سعيد البراد) قال في التقريب أسيد بفتح الهمزة بن أبي أسيد البراد أو سعيد المديني صدوق واسم أبيه يزيد وهو غير أسيد بن علي من الخامسة مات في خلافة المنصور (عن معاذ بن عبد الله بن خبيب) بضم معجمة وفتح موحدة أولى وسكون ياء الجهني المدني صدوق ربما وهم من الرابعة (عن أبيه) أي عبد الله بن خبيب الجهني حليف الأنصار صحابي قوله (في ليلة مطيرة) أي ذات مطر (وظلمة) أي وفي ظلمة (يصلي لنا) وفي رواية أبي داود ليصلي لنا (فقال قل) أي اقرأ (قلت ما أقول) أي ما أقرأ (والمعوذتين) بكسر الواو وتفتح أي قل أعوذ برب الناس وقل أعوذ برب الفلق (تكفيك) بالتأنيث أي السور الثلاث (من كل شئ) قال الطيبي أي تدفع عنك كل سوء فمن زائدة في الإثبات على مذهب جماعة وعلى مذهب الجمهور أيضا لأن يكفيك متضمنة للنفي كما يعلم من تفسيرها بتدفع ويصح أن تكون لابتداء الغاية أي تدفع عنك من أول مراتب السوء إلى آخرها أو تبعيضية أي بعض كل نوع من أنواع السوء ويحتمل أن يكون المعنى تغنيك عما سواها قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره قوله (عن يزيد بن خمير) بخاء معجمة مصغرا (نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي) أي والدي
[ 22 ]
(فقال) وفي رواية أحمد قال بغير الفاء (فأكل منه) أي الطعام (ثم أتى بتمر) أي جئ به (ويلقي) بضم أوله (النوى) جنس النواة (بأصبعيه) بتثليث الهمزة والموحدة ففيه تسع لغات والأشهر كسر الهمزة وفتح الموحدة (جمع السبابة) أي المسبحة (قال شعبة وهو ظني فيه إن شاء الله وألقى النوى بين إصبعين) وفي صحيح مسلم بإسناد الترمذي فكان يأكله ويلقي النوى بين إصبعيه ويجمع السبابة والوسطى قال شعبة هو ظني وهو فيه إن شاء الله إلقاء النوى بين الإصبعين وفيه وحدثنا محمد بن بشار قال أخبرنا ابن أبي عدي وحدثنيه محمد بن مثنى قال أخبرنا يحيى بن حماد كلاهما عن شعبة بهذا الإسناد ولم يشكا في إلقاء النوى بين الإصبعين قال النووي قوله ويلقي النوى بين إصبعيه أي يجعله بينهما لقلته ولم يلقه في إناء التمر لئلا يختلط بالتمر وقيل كان يجمعه على ظهر الإصبعين ثم يرمي به وقوله قال شعبة هو ظني وفيه إن شاء الله إلقاء النوى معناه أن شعبة قال الذي أظنه إلقاء النوى مذكور في الحديث فأشار إلى تردد فيه وشك وفي الطريق الثاني جزم بإثباته ولم يشك فهو ثابت بهذه الرواية وأما رواية الشك فلا تضر سواء تقدمت على هذه أو تأخرت لأنه تيقن في وقت وشك في وقت فاليقين ثابت ولا يمنعه النسيان في وقت آخر انتهى قلت وفي رواية لأحمد فكان يأكل التمر ويضع النوى على ظهر إصبعيه فهذه الرواية تؤيد ما قيل كان يجمعه على ظهر الإصبعين ثم يرمي به (ثم أتى بشراب) أي ماء أو ما يقوم مقامه (ثم ناوله الذي عن يمينه) فيه أن الشراب ونحوه يدار على اليمين (وأخذ) أي وقد أخذ جملة حالية معترضة بين القول والمقول وأخذ منه أنه يسن أخذ ركاب الأكابر ولجامه والضيف تواضعا واستمالة (أدع لنا) فيه استحباب طلب الدعاء من الفاضل ودعاء الضيف بتوسعة الرزق والمغفرة والرحمة وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء خيرات الدنيا والآخرة قاله النووي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن أبي شيبة قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا حفص بن عمر) بن مرة (الشني) بفتح المعجمة وتشديد النون البصري مقبول من السادسة (حدثني أبي عمر بن مرة)
[ 23 ]
الشني البصري مقبول من الرابعة (قال سمعت بلال بن يسار بن زيد) القرشي مولاهم بصري مقبول (حدثني أبي) أي يسار بن زيد مقبول من الرابعة (عن جدي) أي زيد قال في التقريب زيد والد يسار مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحابي له حديث ذكر أبو موسى المديني أن اسم أبيه بولا بموحدة وكان عبدا نوبيا قوله (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم) روي بالنصب على الوصف للفظ الله وبالرفع لكونهما بدلين أو بيانين لقوله هو والأول هو الأكثر والأشهر وقال الطيبي يجوز في الحي القيوم النصب صفة لله أو مدحا والرفع بدلا من الضمير أو على المدح أو على أنه خبر مبتدأ محذوف (وأتوب إليه) ينبغي ألا يتلفظ بذلك إلا إذا كان صادقا وألا يكون بين يدي الله كاذبا ولذا روي أن المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه (وإن كان فر) أي هرب (من الزحف) قال الطيبي الزحف الجيش الكثير الذي يرى لكثرته كأنه يزحف قال في النهاية من زحف الصبي إذا دب على إسته قليلا قليلا وقال المظهر هو اجتماع الجيش في وجه العدو أي من حرب الكفار حيث لا يجوز الفرار بأن لا يزيد الكفار على المسلمين مثلى عدد المسلمين ولا نوى التحرف والتحيز قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود وقال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وإسناده جيد متصل فقد ذكر البخاري في تاريخه الكبير أن بلالا سمع من أبيه يسار وأن يسار سمع من أبيه زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في يسار والد بلال هل هو بالباء الموحدة أو بالياء المثناة تحت وذكر البخاري في تاريخه أنه بالموحدة والله أعلم ورواه الحاكم من حديث ابن مسعود وقال صحيح على شرطهما إلا أنه قال يقولها ثلاثا انتهى قوله (عن عمارة) بضم أوله وتخفيف الميم (بن خزيمة بن ثابت) الأنصاري الأوسي المدني ثقة من الثالثة (عن عثمان بن حنيف) بالمهملة والنون مصغرا ابن واهب الأنصاري الأوسي المدني صحابي شهير استعمله عمر على مساحة أرض الكوفة والي على البصرة قبل الجملة مات في خلافة معاوية قوله (أن رجلا ضرير البصر) أي ضعيف النظر أو أعمى (أدع الله أن يعافيني) أي من
[ 24 ]
ضرري في نظري (قال إن شئت) أي اخترت الدعاء (دعوت) أي لك (وإن شئت) أي أردت الصبر والرضا (فهو) أي الصبر (خير لك) فإن الله تعالى قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضته منهما الجنة (قال) أي الرجل (فادعه) بالضمير أي ادعه الله واسأل العافية ويحتمل أن تكون الهاء للسكت قال الطيبي أسند النبي الدعاء إلى نفسه وكذا طلب الرجل أن يدعو هو ثم أمره أن يدعو هو أي الرجل كأنه لم يرض منه اختياره الدعاء لما قال الصبر خير لك لكن في جعله شفيعا له ووسيلة في استجابة الدعاء ما يفهم أنه شريك فيه (فيحسن وضوءه) أي يأتي بكمالاته من سننه وآدابه وزاد في رواية ابن ماجه ويصلي ركعتين (اللهم إني أسألك) أي أطلبك مقصودي فالمفعول مقدر (وأتوجه إليك بنبيك) الباء للتعدية (محمد نبي الرحمة) أي المبعوث رحمة للعالمين (إني توجهت بك) أي استشفعت بك والخطاب للنبي ففي رواية ابن ماجه يا محمد إني قد توجهت بك (لتقضي لي) بصيغة المجهول أي لتقضي لي حاجتي بشفاعتك (فشفعه) بتشديد الفاء أي اقبل شفاعته (في) أي في حقي قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي وزاد في آخره فرجع وقد كشف الله عن بصره وأخرجه أيضا ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وزاد فيه فدعا بهذا الدعاء فقام وقد أبصر وأخرجه الطبراني وذكر في أوله قصة وهي أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه في حاجة له وكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي عثمان بن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد فصل فيه ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك ورح إلي حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال له ثم أتى باب عثمان فجاء البواب حتى أخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه معه على الطنفسة وقال ما حاجتك فذكر حاجته فقضاها له ثم قال ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة وقال ما كانت لك من حاجة فأتنا ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت إلي حتى كلمته في فقال عثمان بن حنيف والله ما كلمته ولكن شهدت رسول الله فأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبي أو تصبر فقال يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي فقال له النبي ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم ادع
[ 25 ]
بهذه الدعوات فقال عثمان بن حنيف فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط قال الطبراني بعد ذكر طرقه والحديث صحيح كذا في الترغيب وقال الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه وهذا الحديث حديث الأعمى قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقي وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها (من حديث أبي جعفر وهو غير الخطمي) قال الإمام ابن تيمية هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب انتهى قلت أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطمي قال في التقريب أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة قال الترمذي ليس هو الخطمي فلعله الذي بعده قلت والذي بعده هو أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم واسمه عيسى بن أبي عيسى عبد الله بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة تنبيه قال الشيخ عبد الغني في إنجاح الحاجة ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها انتهى وقال الشوكاني في تحفة الذاكرين وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول الله إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالى وأنه المعطي المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة ويتوسل إلى الله بأنبيائه والصالحين ما لفظه ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضي الله عنه أن أعمى أتى النبي فذكر الحديث ثم قال وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضي الله عنه عم رسول الله وقال عمر رضي الله عنه اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا الخ انتهى وقال في رسالته الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد وأما التوسل إلى الله سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام إنه لا يجوز التوسل إلى الله تعالى إلا بالنبي إن صح الحديث فيه ولعله يشير إلى الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى النبي فذكر الحديث قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري
[ 26 ]
وغيره فقد ذكر عمر رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبي في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى الله تعالى والنبي كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم والقول الثاني أن التوسل به يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخفاك أنه قد ثبت التوسل به في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضي الله عنه في توسله بالعباس رضي الله عنه وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله عنهم والثاني أن التوسل إلى الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله فإذا قال القائل اللهم إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى الله بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز أو كان شركاكما يزعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالى ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ونحو قوله تعالى فلا تدعوا مع الله أحدا ونحو قوله تعالى له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشئ ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبي عنه فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند الله بحمله العلم فتوسل به لذلك وكذلك قوله ولا تدعوا مع الله أحدا فإنه نهى عن أن يدعى مع الله غيره كأن يقول بالله وبفلان والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله فإنما وقع منه التوسل عليه بعمل صالح عمله بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله والذين يدعون من دونه الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا الله ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله فإن هذه الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شئ والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة لله جل جلاله في أمر يوم الدين من
[ 27 ]
اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو في ضلال مبين وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله (ليس لك من الامر شئ) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا فإن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول الله من أمر الله شئ وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء أو الأولياء أو العلماء وقد جعل الله لرسوله المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه واشفع تشفع وقيل ذلك في كتابه العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بإذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله لما نزل قوله تعالى وأنذر عشيرتك الأقربين يا فلان بن فلان لا أملك لك من الله شيئا يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئا فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من الله وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى الله فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكاني قلت الحق عندي أن التوسل بالنبي في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز وأما التوسل به بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز واختاره الإمام ابن تيمية في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد فيه فعليك أن تراجعها ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي بعد موته من غير أن يكون النبي داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستسقاء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتوسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس ثم لما استسقى بالناس قال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته لما استسقى بالناس فلو كان توسلهم بالنبي بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبي الذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند
[ 28 ]
الله فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فإنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى الله بشفاعة النبي ودعائه لا بذاته وقال له في الدعاء قل اللهم فشفعه في وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول الله وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول الله وكان الحديث الذي رواه عن النبي حجة عليه لا له وقال فيها فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعا عند الصحابة والتابعين بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حيا كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم وقد قال عمر اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فجعلوا هذا بدلا عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره ويتوسلوا هناك ويقولوا في دعائهم بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل أو السؤال به فيقولون نسألك أو نقسم عليك بنبيك أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس انتهى قوله (سمعت أبا أمامة) الباهلي اسمه صدى بن عجلان قوله (في جوف الليل) خبر أقرب أي أقربيته تعالى من عباده كائنة في الليل قال الطيبي إما حال من الرب أي قائلا في جوف الليل من يدعوني فأستجيب له الحديث سد مسد الخبر ومن العبد أي قائما في جوف الليل داعيا مستغفرا ويحتمل أن يكون خبرا لأقرب فإن قلت المذكور في هذا الحديث أقرب ما يكون الرب من العبد وفي حديث أبو هريرة عن مسلم وغيره أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد أجيب بأنه قد علم من حديث أبي هريرة ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا
[ 29 ]
الخ أن رحمته سابقة فقرب رحمة الله من المحسنين سابق على إحسانهم فإذا سجدوا قربوا من ربهم بإحسانهم كما قال فاسجد واقترب وفيه أن لطف الله وتوفيقه سابق على عمل العبد وسبب له ولولاه لم يصدر من العبد خير قط انتهى وقال ميرك فإن قلت ما الفرق بين هذا القول وقوله أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد قلت المراد ههنا بيان وقت كون الرب أقرب من العبد وهو جوف الليل والمراد هناك بيان أقربية أحوال العبد من الرب وهو حال السجود فتأمل (الآخر) صفة لجوف الليل على أنه بنصف الليل ويجعل لكل نصف جوفا القرب يحصل في جوف النصف الثاني فابتداءه يكون من الثلث الأخير وهو وقت القيام للتهجد قاله الطيبي وقال القاري ولا يبعد أن يكون ابتداؤه من أول النصف الأخير (فإن استطعت) أي قدرت ووفقت (ممن يذكر الله) في ضمن صلاة أو غيرها (في تلك الساعة) إشارة إلى لطفها (فكن) أي اجتهد أن تكون من جملتهم وهذا أبلغ مما لو قيل إن استطعت أن تكون ذاكرا فكن لأن الأولى فيها صفة عموم شامل للأنبياء والأولياء فيكون داخلا فيهم قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه النسائي والحاكم وصححه وابن خزيمة في صحيحه قوله (حدثنا أبو الوليد الدمشقي) اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي (حدثني عفير) بضم عين وفتح فاء وسكون ياء مصغرا (بن معدان) بفتح ميم وسكون عين مهملة وخفة دال مهملة الحمصي المؤذن ضعيف من الثالثة (سمع أبا دوس اليحصبي) بفتح التحتية وسكون المهملة وضم الصاد وفتحها وبموحدة اسمه عثمان بن عبيد الشامي مقبول من السابعة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له الترمذي حديثا واحدا في الجهاد في مسند عمارة بن زعكرة (عن ابن عائذ) اسمه عبد الرحمن بن عائذ بتحتانية ومعجمة الثمالي بضم المثلثة ويقال الكندي الحمصي ثقة من الثالثة وقد وقع في النسخة الأحمدية أبي عائذ وهو غلط (عن عمارة بن زعكرة) بفتح الزاي والكاف بينهما غير مهملة ساكنة الكندي أبي عدي الحمصي صحابي قوله (إن عبدي كل عبدي) أي عبدي حقا (الذي يذكرني وهو ملاق قرنه) بكسر القاف وسكون الراء عدوه المقارن المكافئ له في الشجاعة والحرب فلا يغفل عن ربه
[ 30 ]
حتى في حال معاينة الهلاك (يعني عند القتال) هذا تفسير من بعض رواة هذا الحديث (وليس إسناده بالقوي) لضعف عفير بن معدان (باب) في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله قوله (عن قيس بن سعد بن عبادة) الخزرجي الأنصاري صحابي جليل مات سنة ستين تقريبا وقيل بعد ذلك قوله (أن أباه) أي سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الأنصاري الخزرجي أحد النقباء وأحد الأجواد مات بأرض الشام سنة خمس عشرة وقيل غير ذلك (يخدمه) أي ليخدمه (قال) أي قيس بن سعد (فضربني برجله) أي للتنبيه (ألا أدلك) يا قيس بن سعد (قلت بلى) أي دلني (لا حول ولا قوة إلا بالله) سبق معناه في باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد قال النووي هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئا وليس له حيلة في دفع شر ولا قوة في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى انتهى قال المناوي لما تضمنت هذه الكلمة براءة النفس من حولها وقوتها إلى حول الله وقوته كانت موصلة إليها والباب ما يتوصل منه إلى المقصود قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرطهما قوله (حدثنا موسى بن حزام) بزاي أبو عمران الترمذي (أخبرنا محمد بن بشر) هو
[ 31 ]
العبدي (سمعت هانئ بن عثمان) الجهني أبا عثمان الكوفي مقبول من السادسة (عن أمه حميضة) بضم حاء وفتح ميم وسكون تحتية وإعجام ضاد (بنت ياسر) بمثناة تحت وكسر سين مقبولة من الرابعة (عن جدتها يسيرة) بمثناة تحتية مضمومة وسين وراء مهملتين بينهما مثناة تحتية ويقال أسيرة بالهمز أم ياسر صحابية من الأنصاريات ويقال من المهاجرات كذا في التقريب قوله (قال لنا) أي معشر النساء (عليكن) اسم فعل بمعنى الزمن وأمسكن (بالتسبيح) أي بقول سبحان الله (والتهليل) أي قولا لا إله إلا الله (والتقديس) أي قول سبحان الملك القدوس أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح (واعقدن) بكسر القاف أي اعددن عدد مرات التسبيح وما عطف عليه (بالأنامل) أي بعقدها أو برؤوسها يقال عقد الشئ بالأنامل عده قال الطيبي حرضهن صلى الله عليه وسلم على أن يحصين تلك الكلمات بأناملهن ليحط عنها بذلك ما اجتر حته من الذنوب ويدل على أنهن كن يعرفن عقد الحساب انتهى والأنامل جمع أنملة بتثليث الميم والهمز تسع لغات التي فيها الظفر كذا في القاموس والظاهر أن يراد بها الأصابع من باب إطلاق البعض وإرادة الكل عكس ما ورد في قوله تعالى يجعلون أصابعهم في آذانهم للمبالغة (فإنهن) أي الأنامل كسائر الأعضاء (مسؤولات) أي يسألن يوم القيامة عما اكتسبن وبأي شئ استعملن (مستنطقات) بفتح الطاء أي متكلمات بخلق النطق فيها فيشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه قال تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم وفيه حث على استعمال الأعضاء فيما يرضي الرب تعالى وتعريض بالتحفظ عن الفواحش والآثام (ولا تغفلن) بضم الفاء والفتح لحن أي عن الذكر يعني لا تتركن الذكر (فتنسين الرحمة) بفتح التاء بصيغة المعروف من النسيان أي فتتركن الرحمة ويجوز أن يكون بضم التاء بصيغة المجهول من الانساء قال القاري والمراد بنسيان الرحمة نسيان أسبابها أي لا تتركن الذكر فإنكن لو تركتن الذكر لحرمتن ثوابه فكأنكن تركتن الرحمة قال تعالى فاذكروني أي بالطاعة أذكركم أي بالرحمة قال الطيبي لا تغفلن نهي لأمرين أي لا تغفلن عما ذكرت لكن من اللزوم على الذكر والمحافظة عليه والعقد بالأصابع توثيقا وقوله فتنسين جواب لو أي أنكن لو تغفلن عما ذكرت لكن لتركتن سدى عن رحمة الله وهذا من باب قوله تعالى ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي أو لا يكن منكم الغفلة فيكون من الله ترك الرحمة فعبر بالنسيان عن ترك الرحمة كما في قوله تعالى وكذلك اليوم تنسى تنبيه اعلم أن للعرب طريقة معروفة في عقود الحساب تواطاؤا عليها وهي أنواع من
[ 32 ]
الآحاد والعشرات والمات والألوف أما الآحاد فللواحد عقد الخنصر إلى أقرب ما يليه من باطن الكف وللإثنين عقد البنصر معها كذلك وللثلاثة عقد الوسطى معها كذلك وللأربعة حل الخنصر وللخمسة حل البنصر معها دون الوسطى وللستة عقد البنصر وحل جميع الأنامل وللسبعة بسط الخنصر إلى أصل الإبهام مما يلي الكف وللثمانية بسط البنصر فوقها كذلك وللتسعة بسط الوسطى فوقها كذلك وأما العشرات فلها الإبهام والسبابة فللعشرة الأولى عقد رأس الإبهام على طرف السبابة وللعشرين إدخال الإبهام بين السبابة والوسطى وللثلاثين عقد رأس السبابة على رأس الابهام عكس العشرة وللأربعين تركيب الإبهام على العقد الأوسط من السبابة وعطف الإبهام إلى أصلها وللخمسين عطف الإبهام إلى أصلها وللستين تركيب السبابة على ظهر الإبهام عكس الأربعين وللسبعين إلقاء رأس الإبهام على العقد الأوسط من السبابة ورد طرف السبابة إلى الإبهام وللثمانين رد طرف السبابة إلى أصلها وبسط الإبهام على جنب السبابة من ناحية الإبهام وللتسعين عطف السبابة إلى أصل الابهام وضمها بالإبهام وأما المئين فكالآحاد إلى تسعمائة في اليد اليسرى والألوف كالعشرات في اليسرى قوله (هذا حديث إنما نعرفه من حديث هانئ بن عثمان) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي الجهضمي (قال أخبرني أبي) أي علي بن نصر بن علي الجهضمي (عن المثنى) بضم الميم وفتح المثلثة وتشديد النون مقصورا (بن سعيد) الضبعي البصري القسام القصير ثقة من السادسة قوله (اللهم أنت عضدي) بفتح مهملة وضم معجمة أي معتمدي فلا أعتمد على غيرك وقال في القاموس العضد بالفتح وبالضم وبالكسر وككتف وندس وعنق ما بين المرفق إلى الكتف والعضد الناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي (وأنت نصيري) أي معيني ومغيثي عطف تفسيري (وبك) أي بحولك وقوتك وعونك ونصرتك (أقاتل) أي أعداءك حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان وابن أبي شيبة وأبو عوانة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره
[ 33 ]
قوله (حدثني عبد الله بن نافع) الصائغ مولى بني مخزوم قوله (خير الدعاء دعاء يوم عرفة) لأنه أجزل إثابة وأعجل إجابة قال الطيبي الإضافة فيه إما بمعنى اللام أي دعاء يختص به ويكون قوله وخير ما قلت والنبيون من قبلي لا إله إلا الله بيانا لذلك الدعاء فإن قلت هو ثناء قلت في الثناء تعريض بالطلب وإما بمعنى في لعم الأدعية الواقعة فيه انتهى (وخير ما قلت) قال في اللمعات أي دعوت والدعاء هو لا إله إلا الله وحده الخ وتسميته دعاء إما لأن الثناء على الكريم تعريض بالدعاء والسؤال وأما لحديث من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين هكذا قالوا ولا يخفى أن عبارة هذا الحديث لا تقتضي أن يكون الدعاء قوله لا إله إلا الله الخ بل المراد أن خير الدعاء ما يكون يوم عرفة أي دعاء كان وقوله وخير ما قلت إشارة إلى ذكر غير الدعاء فلا حاجة إلى جعل ما قلت بمعنى ما دعوت ويمكن أن يكون هذا الذكر توطية لتلك الأدعية لما يستحب من الثناء على الله قبل الدعاء انتهى قلت الاحتمال الأول الذي ذكره الطيبي يؤيده رواية الطبراني ورواية أحمد الآتيتان قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مالك في الموطأ عن طلحة بن عبيد الله بن كريز إلى قوله لا شريك له قال القاري ورواه الطبراني بلفظ أفضل ما قلت والنبيون قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله الخ وسنده حسن جيد كما قاله الأذرعي انتهى وأخرجه أيضا أحمد بإسناد رجاله ثقات بلفظ كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك الخ (باب) قوله (حدثنا محمد بن حميد) بن حيان الرازي (حدثنا علي بن أبي بكر) الإسفذني (عن
[ 34 ]
الجراح بن الضحاك) بن قيس الكندي الكوفي صدوق من السابعة (عن أبي شيبة عن عبد الله بن عكيم) قال في التقريب أبو شيبة عن عبد الله بن عكيم يحتمل أن يكون أحد هؤلاء وإلا فمجهول من السادسة انتهى والمراد بهؤلاء المكنون بأبي شيبة المذكورون قبله (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي دعاء (قال) بيان لقوله علمني (اللهم اجعل سريرتي) هي السر بمعنى وهو ما يكتم (خيرا من علانيتي) بالتخفيف (واجعل علانيتي صالحة) طلب أولا سريرة خيرا من العلانية ثم عقب بطلب علانية صالحة لدفع توهم أن السريرة ربما تكون خيرا من علانية غير صالحة (إني أسألك من صالح ما تؤتي الناس) قيل من زائدة كما هو مذهب الأخفش وقوله (من المال والأهل والولد) بيان ما ويجوز أن تكون ما للتبعيض (غير الضال) أي بنفسه (ولا المضل) أي لغيره قال الطيبي مجرور بدل من كل واحد من الأهل والمال والولد ويجوز أن يكون الضال بمعنى النسبة أي غير ذي ضلال (باب) قوله (حدثنا سعيد بن سفيان الجحدري) بفتح جيم وسكون حاء وفتح دال مهملتين وبراء البصري صدوق يخطئ من التاسعة (حدثنا عبد الله بن معدان) المكي المكنى بأبي معدان مقبول من السابعة روي عن جدته وعاصم بن كليب وغيرهما وعنه وكيع وسعيد بن سفيان الجحدري وغيرهما (عن أبيه) أي كليب بن شهاب صدوق من الثانية (عن جده) أي شهاب بن المجنون ويقال شهاب بن كليب بن شهاب ويقال شهاب بن أبي شيبة ويقال شبيب ويقال شتير
[ 35 ]
صحابي له هذا الحديث قوله (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) تقدم شرح هذا في باب ما جاء أن القلوب بين إصبعي الرحمن من أبواب القدر قوله (حدثنا محمد بن سالم) الربعي البصري مقبول من السابعة قوله (قال) أي محمد بن سالم (قال) أي ثابت البناني (يا محمد) هو ابن سالم (إذا اشتكيت) أي مرضت (فضع يدك) أي اليمنى كما في حديث عثمان بن أبي العاص الآتي (حيث تشتكي) أي على المحل الذي يؤلمك ويوجعك (ثم قل) حال الوضع (بسم الله) أي استشفى باسم الله (أعوذ) أي أعتصم (بعزة الله) أي غلبته وعظمته (من وجعي) أي مرضي (ثم ارفع يدك) عنه (ثم أعد ذلك) أي الوضع والتسمية والتعوذ بهؤلاء الكلمات قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم وروى الترمذي في الطب عن عثمان بن أبي العاص أنه قال أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم امسح بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد قال ففعلت فأذهب الله ما كان بي فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم قوله (عن عبد الرحمن بن إسحاق) أبي شيبة الواسطي قوله (قولي) أي عند أذان المغرب كما في رواية أبي داود (اللهم هذا) إشارة إلى ما في الذهن وهو مبهم مفسر بالخبر قاله الطيبي قال القاري والظاهر أنه إشارة إلى الأذان لقوله وأصوات دعائك (استقبال ليلك) وفي رواية أبي داود إقبال ليلك أي هذا الأذان أوان إقبال ليلك (واستدبار نهارك) أي في الأفق (وأصوات دعائك) أي في الآفاق جمع داع كقضاة جمع قاض وهو المؤذن قوله (هذا حديث
[ 36 ]
غريب) وأخرجه أبو داود والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد والبيهقي في كتاب الدعوات الكبير (وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها) وقال الذهبي في الميزان لا يعرفان قوله (حدثنا الحسين بن علي بن يزيد الصدائي) بضم صاد وخفة دال مهملتين فألف فهمزة نسبته إلى صداء وصدوق من الحادية عشرة (وأخبرنا الوليد بن قاسم الهمداني) ثم الخبذعي الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة (عن أبي حازم) اسمه سلمان الأشجعي الكوفي قوله (ما قال عبد لا إله إلا الله قط مخلصا) أي من غير رياء وسمعة ومؤمنا غير منافق (إلا فتحت) بالتخفيف وتشدد (له) أي لهذا الكلام أو القول فلا تزال كلمة الشهادة صاعدة (حتى تفضي) بضم التاء وكسر المعجمة بصيغة المعروف من الإفضاء أي تصل (ما اجتنب) أي صاحبه (الكبائر) أي وذلك مدة تجنب قائلها الكبائر من الذنوب قال الطيبي حديث عبد الله بن عمرو الذي فيه ولا إله إلا الله ليس لها حجاب دون الله حتى تخلص إليه دل على تجاوزه من العرش حتى انتهى إلى الله تعالى والمراد من ذلك سرعة القبول والاجتناب عن الكبائر شرط للسرعة لا لأجل الثواب والقبول قال القاري أو لأجل كمال الثواب وأعلى مراتب القبول لأن السيئة لا تحبط الحسنة بل الحسنة تذهب السيئة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان قوله (وأبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة قوله (اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق) المنكر ما لا يعرف حسنه من جهة الشرع أو ما عرف قبحه من جهته والمراد بالأخلاق الأعمال الباطنة (والأعمال) أي الأفعال الظاهرة (والأهواء) جمع
[ 37 ]
الهوى مصدر هواه إذا أحبه ثم سمي بالهوى المشتهى محمودا كان أو مذموما ثم غلب على غير المحمود كذا في المغرب قال الطيبي الإضافة في القرينتين الأوليين من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف وفي الثالثة بيانية لأن الأهواء كلها منكرة انتهى قال القاري والأظهر أن الإضافات كلها من باب واحد ويحمل الهوى على المعنى اللغوي كما في قوله تعالى ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والطبراني في الكبير (وعم زياد بن علاقة هو قطبة) بضم القاف وسكون الطاء وفتح الموحدة قوله (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية قوله (الله أكبر) بالسكون ويضم (كبيرا) حال مؤكدة وقيل منصوب بإضمار أكبر وقيل صفة لمحذوف أي تكبيرا كبيرا وافعل لمجرد المبالغة أو معناه أعظم من أن يعرف عظمته قال ابن الهمام إن أفعل وفعيلا في صفاته تعالى سواء لأنه لا يراد بأكبر إثبات الزيادة في صفته بالنسبة إلى غيره بعد المشاركة لأنه لا يساويه أحد في أصل الكبرياء (والحمد لله كثيرا) صفة لموصوف مقدر أي حمدا كثيرا (وسبحان الله بكرة وأصيلا) أي في أول النهار وآخره منصوبان على الظرفية والعامل سبحان وخص هذين الوقتين لاجتماع ملائكة الليل والنهار فيهما كذا ذكره الأبهري وصاحب المفاتيح وقال الطيبي الأظهر أن يراد بهما الدوام كما في قوله تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (كذا وكذا) وفي رواية مسلم كلمة كذا وكذا قوله (هذا حديث غريب حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 38 ]
باب أي الكلام أحب إلى الله قوله (عن أبي عبد الله الجسري) بفتح الجيم وكسرها وسكون السين المهملة نسبة إلى جسر بطن من عنزة وقضاعة واسمه حميري بكسر الحاء وبالواو بلفظ النسبة ابن بشير ثقة يرسل من الثالثة قوله (أو أن أبا ذر) كلمة أو للشك من الراوي (ما اصطفاه الله لملائكته) أي الذي اختاره من الذكر للملائكة وأمرهم بالدوام عليه لغاية فضيلته (سبحان ربي) أي أنزهه من كل سوء (وبحمده) الواو للحال أي أسبح ربي متلبسا بحمده أو عاطفة أي أسبح ربي وأتلبس بحمده يعني أنزهه عن جميع النقائص وأحمده بأنواع الكمالات قال الطيبي لمح به إلى قوله تعالى ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وفي رواية لمسلم أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده قال النووي هذا محمول على كلا الآدمي وإلا فالقرآن أفضل وكذا قراءة القران أفضل من التسبيح والتهليل المطلق فأما المأثور في وقت أو حال ونحو ذلك فالاشتغال به أفضل انتهى وفي الحديث أن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده وهذا بظاهره يعارض حديث جابر الذي تقدم في باب أن دعوة المسلم مستجابة بلفظ أفضل الذكر لا إله إلا الله وقد جمع القرطبي بما حاصله أن هذه الأذكار إذا أطلق على بعضها أنه أفضل الكلام أو أحبه إلى الله فالمراد إذا انضمت إلى أخواتها بدليل حديث سمرة عند مسلم أحب الكلام إلى الله أربع لا يضرك بأيهن بدأت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ويحتمل أن يكتفي في ذلك بالمعنى فيكون من اقتصر على بعضا كفى لأن حاصلها التعظيم والتنزيه ومن نزهه فقد عظمه ومن عظمه فقد نزهه انتهى قال الحافظ ويحتمل أن يجمع بأن تكون من مضمرة في قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله وفي قوله أحب الكلام إلى الله بناء على أن لفظ أفضل وأحب متساويان في المعنى لكن يظهر مع ذلك تفضيل لا إله إلا الله لأنها ذكرت بالتنصيص عليها بالأفضلية الصريحة وذكرت مع أخواتها بالأحبية فحصل
[ 39 ]
لها التفضيل تنصيصا وانضماما انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري قوله (سلوا الله العافية) أي السلامة عن الآفات والمصائب (وقد زاد يحيى بن اليمان في هذا الحديث هذا الحرف قالوا فماذا نقول الخ) قوله قالوا فماذا نقول الخ بيان لقوله هذا الحر ف قوله (حدثنا محمود بن غيلان حدثنا وكيع وعبد الرزاق وأبو أحمد وأبو نعيم) تقدم هذا الحديث بهذا السند مع شرحه في باب أن الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة من كتاب الصلاة قوله (وهذا أصح) قال المنذري في تلخيص السنن وأخرجه النسائي من حديث يزيد بن أبي مريم عن أنس وهو أجود من حديث معاوية بن قرة وقد روى عن قتادة عن أنس موقوفا قوله (أخبرنا أبو معاوية) الضرير الكوفي اسمه محمد بن حازم قوله (سبق المفردون)
[ 40 ]
بفتح الفاء وكسر الراء المشددة هكذا نقله القاضي عن متقني شيوخهم وذكر غيره أنه روي بتخفيفها وإسكان الفاء يقال فرد الرجل وفرد بالتخفيف والتشديد وأفرد قاله النووي أي المعتزلون عن الناس للتعبد (المستهترون في ذكر الله) بضم الميم وفتح التاءين قال في النهاية يعني الذين أولعوا به يقال هتر فلان بكذا واستهتر فهو مهتر به ومستهتر أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره انتهى وقال المنذري المستهترون بذكر الله هم مولعون به المداومون عليه لا يبالون ما قيل فيهم ولا ما فعل بهم ولفظ مسلم في الجواب قال الذاكرون الله كثيرا والذاكرات (يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا) بكسر الخاء المعجمة جمع خفيف ضد الثقيل أي يذهب الذكر عنهم أوزارهم أي ذنوبهم التي تثقلهم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم والحاكم وأخرجه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء قوله (أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) أي من الدنيا وما فيها من الأموال وغيرها قال ابن العربي أطلق المفاضلة بين قول هذه الكلمات وبين ما طلعت عليه الشمس ومن شرط المفاضلة استواء الشيئين في أصل المعنى ثم يزيد أحدهما على الآخر وأجاب بما حاصله أفعل قد يراد به أصل الفعل لا المفاضلة كقوله تعالى خير مستقرا وأحسن مقيلا ولا مفاضلة بين الجنة والنار وقيل يحتمل أن يكون المراد أن هذه الكلمات أحب إلي من أن يكون لي الدنيا فأتصدق بها والحاصل أن الثواب المترتب على قول هذا الكلام أكثر من ثواب من تصدق بجميع الدنيا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن أبي شيبة وأبو عوانة قوله (ثلاثة لا ترد دعوتهم الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه بأطول من هذا وأتم في باب صفة الجنة ونعيمها
[ 41 ]
قوله (وسعدان القمي) كذا في النسخ الحاضرة بالقاف والميم وقد ضبطه الحافظ في التقريب بضم القاف وتشديد الموحدة وكسرها (هو سعدان بن بشر) ويقال ابن بشير الجهني الكوفي قيل اسمه سعيد وسعدان لقب صدوق من الثامنة (وأبو مجاهد هو سعد الطائي) الكوفي لا بأس به من السادسة (وأبو مدلة) بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام يقال اسمه عبد الله مقبول من الثالثة قوله (عن موسى بن عبيدة) الزبدي (عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة) قال في التقريب محمد بن ثابت عن أبي هريرة مجهول من السادسة وقيل هو محمد بن ثابت بن شرحبيل قوله (اللهم انفعني بما علمتني) أي بالعمل بمقتضاه (وعلمني ما ينفعني) أي علما ينفعني فيه أنه لا يطلب من العلم إلا النافع والنافع ما يتعلق بأمر الدين والدنيا فيما يعود فيها على نفع الدين وإلا فما عدا هذا العلم فإنه ممن قال الله فيه (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) أي بأمر الدين فإنه نفى العلم عن علم السحر لعدم نفعه في الآخرة بل لأنه ضار فيها وقد ينفعهم في الدنيا لكنه لم يعد نفعا (وزدني علما) مضافا إلى ما علمتنيه (الحمد لله على كل حال) من أحوال السراء والضراء (وأعوذ بالله من حال أهل النار) من الكفر والفسق في الدنيا والعذاب والعقاب في العقبى قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم وابن أبي شيبة قوله (حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد الخدري) وأخرجه البخاري من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال
[ 42 ]
الحافظ في الفتح كذا قال جرير وتابعه الفضيل بن عياض عند ابن حبان وأبو بكر بن عياش عند الإسماعيلي كلاهما عن الأعمش وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن أبي معاوية عن الأعمش فقال عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد هكذا بالشك للأكثر وفي نسخة وعن أبي سعيد بواو العطف والأول هو المعتمد فقد أخرجه أحمد عن أبي معاوية بالشك وقال شك الأعمش وكذا قال ابن أبي الدنيا عن إسحاق بن إسماعيل عن أبي معاوية وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد وقال شك سليمان يعني الأعمش قال الترمذي حسن صحيح وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه يعني كما تقدم بغير تردد انتهى قوله (سياحين في الأرض) بفتح السين المهملة وشدة التحتية من ساح في الأرض إذا ذهب فيها وسار وفي رواية مسلم سيارة وفي رواية البخاري إن لله ملائكة يطوفون في الطرق (فضلا) صفة بعد صفة للملائكة قال النووي ضبطوا فضلا على أوجه أحدها وأرجحها فضلا بضم الفاء والضاد والثانية بضم الفاء وإسكان الضاد ورجحها بعضهم وادعى أنها أكثر وأصوب والثالثة بفتح الفاء وإسكان الضاد والرابعة فضل بضم الفاء والضاد ورفع اللام على أنه خبر مبتدأ محذوف والخامسة فضلاء بالمد جمع فاضل قال العلماء معناه على جميع الروايات أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم وإنما مقصودهم حلق الذكر (عن كتاب الناس) بضم الكاف وشدة الفوقية جمع كاتب والمراد بهم الكرام الكاتبون وغيرهم المرتبون مع الناس وزاد مسلم في روايته يبتغون مجالس الذكر (تنادوا) أي نادى بعض الملائكة بعضا قائلين (هلموا) أي تعالوا مسرعين (إلى بغيتكم) بكسر الموحدة وسكون الغين المعجمة أي إلى مطلوبكم وفي رواية البخاري إلى حاجتكم أي من استماع الذكر وزيادة الذاكر وإطاعة المذكور واستعمل هلم هنا على لغة بني تميم أنها تثني وتجمع وتؤنث ولغة الحجازيين بناء لفظها على الفتح وبقاؤه بحاله مع المثنى والجمع والمؤنث ومنه قوله تعالى قل هلم شهداءكم فيحفون بهم أي يحدقون بهم ويستديرون حولهم يقال حف القوم الرجل وبه وحوله أحدقوا واستداروا به (إلى السماء الدنيا) أي يقف بعضهم فوق بعضهم إلى السماء الدنيا وفي رواية مسلم فإذا وجدوا مجلسا فيه ذكر قعدوا معهم وحف بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملاؤا ما بينهم وبين السماء الدنيا (أي شئ) بالنصب مفعول مقدم لقوله يصنعون (فيقولون) أي الملائكة (تركناهم) أي عبادك (يحمدونك)
[ 43 ]
بالتخفيف (ويمجدونك) بالتشديد أي يذكرونك بالعظمة أو ينسبونك إلى المجد وهو الكرم (ويذكرونك) وفي رواية مسلم فإذا تفرقوا أي أهل المجلس عرجوا أي الملائكة وصعدوا إلى السماء قال فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم بهم من أين جئتم فيقولون جئنا من عند عباد لك في الأرض يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك وفي حديث أنس عند البزار ويعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم قال الحافظ ويؤخذ من مجموع هذه الطرق المراد بمجالس الذكر وأنها التي تشتمل على ذكر الله بأنواع الذكر الواردة من تسبيح وتكبير وغيرهما وعلى تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى وعلى الدعاء بخيري الدنيا والآخرة وفي دخول قراءة الحديث النبوي ومدارسة العلم الشرعي ومذاكرته والاجتماع على صلاة النافلة في هذه المجالس نظر والأشبه اختصاص ذلك بمجالس التسبيح والتكبير ونحوهما والتلاوة فحسب وإن كانت قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل تحت مسمى ذكر الله تعالى انتهى قلت وقال العيني في العمدة قوله يلتمسون أهل الذكر يتناول الصلاة وقراءة القرآن وتلاوة الحديث وتدريس العلوم ومناظرة العلماء ونحوها انتهى فاختلف الحافظ والعيني في أن المراد بمجالس الذكر وأهل الذكر الخصوص أو العموم فاختار الحافظ الخصوص نظرا إلى ظاهر ألفاظ الطرق المذكورة واختار العيني للعموم نظرا إلى أن ما في هذه الطرق من ألفاظ الذكر تمثيلات والظاهر هو الخصوص كما قال الحافظ والله تعالى اعلم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فيقول) أي الله (فكيف لو رأوني) أي لو رأوني ما يكون حالهم في الذكر (وأشد لك تمجيدا) أي تعظيما (وأشد لك ذكرا) فيه إيماء إلى أن تحمل مشقة الخدمة على قدر المعرفة والمحبة (وأي شئ يطلبون) مني (فهل رأوها) أي الجنة (لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا) لأن الخبر ليس كالمعاينة (أشهدكم) من الإشهاد أي أجعلكم شاهدين (إن فيهم فلانا) كناية عن اسمه ونسبه (الخطاء)
[ 44 ]
بالنصب على أنه صفة لفلانا أي كثير الخطايا (لم يردهم إنما جاءهم لحاجة) أي لم يرد معيتهم في ذكر بل جاءهم لحاجة دنيوية له يريد الملائكة بهذا أنه لا يستحق المغفرة وفي رواية مسلم يقولون رب فيهم فلان عبد خطاء إنما مر فجلس معهم (هم القوم) قال الطيبي تعريف الخبر يدل على الكمال أي هم القوم الكاملون فيما هم فيه من السعادة (لا يشقى) أي يصير شقيا (لهم) وفي بعض النسخ بهم أي بسببهم وببركتهم (جليس) أي مجالسهم وهذه الجملة مستأنفة لبيان المقتضى لكونهم أهل الكمال وفي رواية مسلم وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم وفي الحديث فضل مجالس الذكر والذاكرين وفضل الاجتماع على ذلك وأن جليسهم يندرج معهم في جميع ما يتفضل تعالى به عليهم إكراما لهم ولو لم يشاركهم في أصل الذكر وفيه محبة الملائكة لبني ادم واعتنائهم بهم وفيه أن السؤال قد يصدر من السائل وهو أعلم بالمسئول عنه من المسئول لإظهار العناية بالمسئول عنه والتنويه بقدره والإعلان بشرف منزلته وقيل إن في خصوص سؤال الله الملائكة عن أهل الذكر الاشارة إلى قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فكأنه قيل انظروا إلى ما حصل منهم من التسبيح والتقديس مع ما سلط عليهم من الشهوات ووساوس الشيطان وكيف عالجوا ذلك وضاهوكم في التقديس والتسبيح كذا في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان باب فضل لا حول ولا قوة إلا بالله قوله (هشام بن الغاز) بمعجمتين بينهما ألف ابن ربيعة الجرشي الدمشقي نزيل بغداد ثقة من كبار السابعة قوله (فإنها) أي هذه الكلمة (من كنز الجنة) أي من ذخائر الجنة أو من محصلات نفائس الجنة قال النووي المعنى أن قولها يحصل ثوابا نفيسا يدخر لصاحبه في الجنة (قال مكحول) أي موقوفا عليه (ولا منجا) بالألف أي لا مهرب ولا مخلص (من الله) أي من سخطه وعقوبته (إلا إليه) أي بالرجوع إلى رضاه ورحمته (كشف) أي الله تعالى وفي المشكاة كشف الله (سبعين بابا) أي نوعا (من الضر) بضم الضاد وتفتح وهو يحتمل التحديد والتكثير (أدناهن الفقر) أي أحط
[ 45 ]
السبعين وأدنى مراتب الأنواع نوع مضرة الفقر قال القاري والمراد الفقر القلبي الذي جاء في الحديث كاد الفقر أن يكون كفرا لأن قائلها إذا تصور معنى هذه الكلمة تقرر عنده وتيقن في قلبه أن الأمر كله بيد الله وأنه لا نفع ولا ضر إلا منه ولا عطاء ولا منع إلا به فصبر على البلاء وشكر على النعماء وفوض أمره إلى الله تعالى ورضي بالقدر انتهى قلت حديث كاد الفقر أن يكون كفرا رواه أبو نعيم في الحلية عن أنس كما في الجامع الصغير قال المناوي في شرحه إسناده واه وقال صاحب المجمع في تذكرة الموضوعات ضعيف ولكن صح من قول أبي سعيد ثم تقييد الفقر بالقلبي لا حاجة إليه كما لا يخفى قوله (هذا حديث إسناده ليس بمتصل مكحول لم يسمع من أبي هريرة) قال المنذري في الترغيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه ورواه النسائي والبزار مطولا ورفعا ولا ملجأ من الله إلا إليه ورواتهما ثقات محتج بهم ورواه الحاكم وقال صحيح ولا علة له ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألا أعلمك أو ألا أدلك على كلمة من تحت العرش من كنز الجنة تقول لا حول ولا قوة إلا بالله فيقول الله أسلم عبدي واستسلم وفي رواية له وصححها أيضا قال يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة قلت بلى يا رسول الله قال تقول لا حول ولاقوة إلا بالله ولا ملجأ ولا منجأ من الله إلا إليه ذكره في حديث قوله (لكل نبي دعوة مستجابة) قال النووي معناه أن كل نبي له دعوة متيقنة الإجابة وهو على يقين من إجابتها وأما باقي دعواتهم فهم على طمع من إجابتها وبعضها يجاب وبعضها لا يجاب وذكر القاضي عياض أنه يحتمل أن يكون المراد لكل نبي دعوة لأمته كما في الروايتين الأخيرتين يعني من روايات مسلم بلفظ لكل نبي دعوة دعاها لأمته وبلفظ لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته وزاد مسلم في رواية فتعجل كل نبي دعوته (وإني اختبأت دعوتي) أي ادخرتها وجعلتها خبيئة من الاختباء وهو السر (شفاعة لأمتي) أي أمة الإجابة يعني لأجل أن أصرفها لهم خاصة بعد العامة وفي جهة الشفاعة أو حال كونها شفاعة (وهي) أي الشفاعة (نائلة) أي واصلة حاصلة (إن شاء الله) هو على جهة التبرك والامتثال لقوله تعالى ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله (من مات) في محل نصب على أنه مفعول به لنائله (منهم) أي من أمتي
[ 46 ]
(لا يشرك بالله) حال من فاعل مات (شيئا) أي من الأشياء أو من الإشراك وهي أقسام عدم دخول قوم النار وتخفيف لبثهم فيها وتعجيل دخولهم الجنة ورفع درجات فيها قال ابن بطال في هذا الحديث بيان فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على سائر الأنبياء حيث آثر أمته على نفسه وأهل بيته بدعوته المجابة ولم يجعلها أيضا دعاء عليهم بالهلاك كما وقع لغيره ممن تقدم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وابن نمير) هو عبد الله بن نمير قوله (أنا عند ظن عبدي) المؤمن (بي) قال الطيبي الظن لما كان واسطة بين الشك واليقين استعمل تارة بمعنى يقين وذلك إن ظهرت أماراته وبمعنى الشك إذا ضعفت علاماته وعلى المعنى الأول قوله تعالى الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم أي يوقنون وعلى المعنى الثاني قوله تعالى وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون أي توهموا والظن في الحديث يجوز إجراؤه على ظاهره ويكون المعنى أنا أعامله على حسب ظنه بي وأفعل به ما يتوقعه مني من خير أو شر والمراد الحث على تغليب الرجاء على الخوف وحسن الظن بالله كقوله عليه الصلاة والسلام لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ويجوز أن يراد بالظن اليقين والمعنى أنا عند يقينه بي وعلمه بأن مصيره إلي وحسابه علي وأن ما قضيت به له أو عليه من خير أو شر لا مرد له لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت انتهى وقال القاضي قيل معناه بالغفران له إذا استغفر والقبول إذا تاب والإجابة إذا دعا والكفاية إذا طلبها وقيل المراد به الرجاء وتأميل العفو وهذا أصح (وأنا معه) أي بالرحمة والتوفيق والرعاية والهداية والإعانة أما قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم فمعناه بالعلم والإحاطة قال النووي (فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي) أي إن ذكرني بالتنزيه والتقديس سرا ذكرته بالثواب والرحمة سرا قاله الحافظ (وإن ذكرني في ملء) بفتح الميم واللام مهموز أي مع جماعة من المؤمنين أو في حضرتهم ذكرته في ملء خير (يعني الملائكة) المقربين (منهم) أي من ملء الذكرين (وإن اقترب إلي شبرا) أي مقدارا قليلا قال الطيبي شبرا وذراعا وباعا في الشرط والجزاء منصوب على الظرفية أي من تقرب إلي مقدار شبر (وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا) هو قدر مد اليدين وما بينهما من البدن (وإن أتاني) حال كونه (يمشي أتيته
[ 47 ]
هرولة) هي الإسراع في المشي دون العدو قال الطيبي هي حال أي مهرولا أو مفعول مطلق لأن الهرولة نوع من الإتيان فهو كرجعت القهقري لكن الحمل على الحال أولى لأن قرينه يمشي حال لا محالة قال النووي هذا الحديث من أحاديث الصفات ويستحيل إرادة ظاهرة ومعناه من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة أو إن زاد زدت فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة أي صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود والمراد أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه انتهى وكذا قال الطيبي والحافظ والعيني وابن بطان وابن التين وصاحب المشارق والراغب وغيرهم من العلماء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث من تقرب مني شبرا تقربت إليه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة وكذلك فسر بعض أهل العلم هذا الحديث الخ) وكذا فسره النووي وغيره كما عرفت قلت لا حاجة إلى هذا التأويل قال الترمذي في باب فضل الصدقة بعد رواية حديث أبي هريرة إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه الخ وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد تثبت الروايات في هذا ونؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روى من مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة الخ قوله (استعيذوا بالله) يقال عاذ وتعوذ واستعاذ بفلان من كذا لجأ إليه واعتصم وتعوذ واستعاذ بالله فأعاذه وعوذه حفظه قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وغيره بألفاظ
[ 48 ]
(باب) قوله (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي المعروف بخت (أخبرنا يزيد بن هارون) الواسطي السلمي (أخبرنا هشام بن حسان) الأزدي القردوسي قوله (أعوذ بكلمات الله التامات) قيل معناه الكاملات التي لا يدخل فيها نقص ولا عيب وقيل النافعة الشافية وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن ذكره النووي (لم يضره) بفتح الراء وضمها (حمة تلك الليلة) قال في القاموس الحمة كثبة السم والإبرة يضرب بها الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها جمعها حمات وحمى انتهى وأصلها حمو أو حمى بوزن صرد والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة أو الياء قوله (هذا حديث حسن) وأصله في صحيح مسلم (وروى مالك بن أنس هذا الحديث الخ) أخرجه مالك في موطإه في باب ما يؤمر به من التعوذ عند النوم وغيره (باب) قوله (دعاء) مبتدأ (حفظته من رسول الله صلى الله عليه وسلم) صفة المبتدأ مسوغ وخبره قوله (لا أدعه) أي لا أتركه لنفاسته (اللهم اجعلني أعظم) بالتخفيف والتشديد ورفع الميم وهو مفعول ثان
[ 49 ]
بتقدير أن أو بغيره أي معظما (شكرك) أي وفقني كثاره والدوام على استحضاره قال الطيبي اجعلني بمعنى صيرني ولذلك أتى بالمفعول للثاني فعلا لأن صار من دواخل المبتدأ والخبر (وأكبر) مخففا ومشددا (ذكرك) أي لسانا وجنانا وهو يحتمل أن يكون تخصيصا بعد تعميم وقيل إن بينهما عموما وخصوصا من وجه (واتبع) بتشديد التاء وكسر الموحدة وسكون الأولى وفتح الثانية (نصيحتك) هي الخلوص وإرادة الخير للمنصوح له والإضافة يحتمل أن يكون إلى الفاعل وإلى المفعول والأول أظهر (وأحفظ وصيتك) أي بملازمة فعل المأمورات وتجنب المنهيات قوله (هذا حديث غريب) في سنده الفرج بن فضالة وهو ضعيف (باب) قوله (عن زياد) في جامع الترمذي عدة رواة من طبقة التابعين أسماؤهم زياد ولم يتعين لي أن زيادا هذا من هو قوله (أو يستعجل) أي ما لم يستعجل (دعوت ربي فما استجاب لي) هو إما استبطاء أو إظهار يأس وكلاهما مذموم أما الأول فلأن الإجابة لها وقت معين كما ورد أن بين دعاء موسى وهارون على فرعون وبين الإجابة أربعين سنة وأما القنوط فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون مع أن الإجابة على أنواع منها تحصيل عين المطلوب في الوقت المطلوب ومنها وجوده في وقت آخر لحكمة اقتضت تأخيره ومنها دفع شر بدله أو إعطاء خير آخر خير من مطلوبه ومنها ادخاره ليوم يكون أحوج إلى ثوابه ومنها تكفير الذنوب بقدر ما دعا قوله (حدثنا يحيى) بن موسى البلخي المعروف بخت (أخبرنا يحيى بن عبيد الله) بن
[ 50 ]
عبد الله بن موهب قوله (قد سألت وسألت) أي مرة بعد أخرى يعني مرات كثيرة أو طلبت شيئا وطلبت اخر قوله (وروى هذا الحديث الزهري عن أبي عبيد مولى ابن أزهر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يستجاب لأحدكم الخ) وصله الترمذي في باب من يستعجل في دعائه (باب) قوله (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (أخبرنا صدقة بن موسى) الدقيقي البصري (أخبرنا محمد بن واسع) بن جابر بن الأخنس الأزدي أبو بكر أو أبو عبد الله البصري ثقة عابد كثير المناقب من الخامسة (عن سمير) بضم السين المهملة وفتح الميم وبياء التصغير وبالراء (بن نهار العبدي) البصري صدوق وقيل هو شتير بمعجمة ثم مثناة صدوق من الثالثة كذا في التقريب قوله (إن حسن الظن بالله) بأن يظن أن الله يعفو عنه (من حسن عبادة الله) أي حسن الظن به تعالى من جملة العبادات الحسنة فلا ينبغي أن تظن ما يظنه العامة من أن حسن الظن هو أن تترك العمل وتعتمد على الله وتقول إنه كريم غفور رحيم ويمكن أن يكون المعنى بعد حسن العبادة حسن الظن وقدم الخبر اهتماما فإن السالك إذا حسن الظن بالله على سبيل الرجاء حسن العبادة في الخلا والملا فيستحسن مأموله ويرجى قبوله قال تعالى إن الذين امنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله وأما من يترك العبادة ويدعي حسن الظن بالمعبود فهو مغرور ومخدوع ومردود ومثلهما الغزالي بمن زرع ومن لم يزرع راجيين للحصاد ولا شك أن الثاني ظاهر الفساد قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم في مستدركه
[ 51 ]
(باب) قوله (عن عمر بن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة صدوق يخطئ من السادسة قوله (لينظرن أحدكم) أي ليتأمل ويتدبر (ما الذي يتمنى) على الله (فإنه لا يدري ما يكتب له من أمنيته) بضم الهمزة وسكون الميم وكسر النون وشدة التحتية البغية وما يتمنى أي فلا يتمنى إلا ما يسره أن يراه في الآخرة قوله (هذا حديث حسن) هذا الحديث مرسل لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن المذكور تابعي (باب) قوله (أخبرنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف قوله (اللهم متعني) من التمتيع أي انفعني (واجعلهما الوارث مني) أي أبقهما صحيحين سليمين إلى أن أموت أو أراد بقاءهما وقو تهما عند الكبر والخلال القوي (وانصرني على من يظلمني) من أعداء دينك (وخذ منه بثأري) قال في النهاية الثأر طلب الدم يقال ثأرت القتيل وثأرت به فأنا ثائرأي قتلت قاتله قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم في المستدرك والبزار في مسنده (باب) قوله (حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجزي) بكسر السين المهملة وسكون الجيم
[ 52 ]
وبالزاي نسبة إلى سجز وهو اسم لسجستان وقيل نسبة إلى سجستان بغير قياس هو الإمام أبو داود مصنف السنن وغيرها ثقة حافظ من كبار العلماء من الحادية عشرة (حدثنا قطن) بفتح قاف وطاء مهملة وبنون ابن نسير أبو عباد البصري الغبري الذارع صدوق يخطئ من العاشرة (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي قوله (حاجته) مفعول ثان (كلها) تأكيد لها أي جميع مقصوداته إشعارا بالافتقار إلى الاستعانة في كل لحظة ولمحة (حتى يسأل) أي ربه (شسع نعله) بكسر المعجمة وسكون المهملة أي شراكها قال الطيبي الشسع أحد سيور النعل بين الإصبعين وهذا من باب التتميم لأن ما قبله جئ في المهمات وما بعده في المتممات قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن حبان قوله (حدثنا صالح بن عبد الله) بن ذكوان الباهلي الترمذي قوله (ليسأل أحدكم ربه حاجته) فإن خزائن الجود بيده وأزمته إليه ولا معطي إلا هو (حتى يسأله الملح) ونحوه من الأشياء التافهة (وحتى يسأله شسع نعله) فإنه إن لم ييسره لم يتيسر ودفع به وبما قبله ما قد يتوهم من أن الدقائق لا ينبغي أن تطلب منه لحقارتها قوله (وهذا أصح من حديث قطن عن جعفر بن سليمان) أي حديث صالح بن عبد الله عن جعفر بن سليمان مرسلا أصح من حديث قطن عن جعفر متصلا لأن صالح بن عبد الله أوثق من قطن ومع ذلك قد تابع صالح بن عبد الله غير واحد وقال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة قطن ما لفظه قال ابن عدي حدثنا البغوي حدثنا القواريري حدثنا جعفر عن ثابت بحديث ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها فقال رجل للقواريري إن شيخنا يحدث به عن جعفر عن ثابت عن أنس فقال القواريري باطل قال ابن عدي وهو كما قال انتهى
[ 53 ]
(ابواب المناقب) جمع المنقبة وهي الشرف والفضيلة (باب) ما جاء في فضل النبي صلى الله عليه وسلم قوله (حدثنا خلاد بن أسلم) الصفار أبو بكر البغدادي أصله من مرو ثقة من العاشرة (حدثنا محمد بن مصعب) بن صدقة القرقساني بضم القافين بينهما راء ساكنة صدوق كثير الغلط من صغار التاسعة (عن أبي عمار) اسمه شداد بن عبد الله قوله (إن الله اصطفى) أي اختار يقال استطفاه واصطفاه إذا اختاره وأخذ صفوته والصفوة من كل شئ خالصة وخياره (من ولد إبراهيم) بفتح الواو واللام وبالضم والسكون أي من أولاده (واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة) بكسر الكاف ابن خزيمة (واصطفى من بني كنانة قريشا) وهم أولاد نضر بن كنانة كانوا تفرقوا في البلاد فجمعهم قصي بن كلاب في مكة فسموا قريشا لأنه قرشهم أي جمعهم ولكنانة ولد سوى النضر وهم لا يسمون قريشا لأنهم لم يقرشوا ويأتي بقية الكلام بما يتعلق بقريش في فضل الأنصار وقريش (واصطفاني من بني هاشم) في شرح السنة هو أبو القاسم محمد بن عبد الله بن
[ 54 ]
عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النصر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن النضر بن نزار بن معد بن عدنان ولا يصح حفظ النسب فوق عدنان انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (فجعلوا مثلك) بفتح الميم والمثلثة أي صفتك (مثل نخلة في كبوة من الأرض) أي كصفة نخلة نبتت في كناسة من الأرض والمعنى أنهم طعنوا في حسبك قال الجزري في النهاية قال شمر لم نسمع الكبوة ولكنا سمعنا الكبا والكبة وهي الكناسة والتراب الذي يكنس من البيت وقال غيره الكبة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة مثل قلة وثبة أصلهما قلوة وثبوة ويقال للربوة كبوة بالضم وقال الزمخشري الكبا الكناسة وجمعه أكباء والكبة بوزن قلة وظبة ونحوهما وأصلها كبوة وعلى الأصل جاء الحديث إلا أن المحدث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح فإن صحت الرواية بها فوجهه أن تطلق الكبوة وهي المرة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة انتهى (إن الله خلق الخلق) أي المخلوقات يعني ثم جعلهم فرقا (فجعلني من خير فرقهم) بكسر الفاء وفتح الراء أي من أشرفها وهو الإنس (وخير الفريقين) أي العرب والعجم (ثم خير القبائل فجعلني من خير القبيلة) يعني من قبيلة قريش وفي رواية أحمد إن الله خلق الخلق فجعلني في خير خلقه وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة ونحو ذلك في الرواية الآتية (ثم خير البيوت) أي البطون (فجعلني من خير بيوتهم) أي من بطن بني هاشم (فأنا خيرهم نفسا) أي روحا وذاتا إذ جعلني نبيا رسولا خاتما للرسل (وخيرهم بيتا) أي أصلا إذ جئت من طيب إلى طيب إلى صلب عبد الله بنكاح لا سفاح
[ 55 ]
قوله (جاء العباس) أي غضبان (وكأنه سمع شيئا) أي من الطعن في نسبه أو حسبه (فقال من أنا) استفهام تقرير على جهة التبكيت (فقالوا أنت رسول الله) فلما كان قصده صلى الله عليه وسلم بيان نسبه وهم عدلوا عن ذلك المعنى ولم يكن الكلام في ذلك المبنى (قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب) يعني وهما معروفان عند العارف المنتسب قال الطيبي قوله فكأنه سمع مسيب عن محذوف أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعنا من الكفار في رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو قوله تعالى لولا نزل هذا القران على رجل من القريتين عظيم كأنهم حقروا شأنه وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين كالوليد بن المغيرة وعروة بن مسعود الثقفي مثلا فأقرهم صلى الله عليه وسلم على سبيل التبكيت على ما يلزم تعظيمه وتفخيمه فإنه الأولى بهذا الأمر من غيره لأن نسبه أعرف ومن ثم لما قالوا أنت رسول الله ردهم بقوله أنا محمد بن عبد الله قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا شداد أبو عمار) هو شداد بن
[ 56 ]
عبد الله قوله (حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع بن الوليد البغدادي) السكوني ثقة من العاشرة قوله (متى وجبت لك النبوة) أي ثبتت (قال وآدم بين الروح والجسد) أي وجبت لي النبوة والحال أن آدم مطروح على الأرض صورة بلا روح والمعنى أنه قبل تعلق روحه بجسده قال الطيبي هو جواب لقولهم متى وجبت أي وجبت في هذه الحالة فعامل الحال وصاحبها محذوفان قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب إلخ) ورواه ابن سعد وأبو نعيم في الحلية عن ميسرة الفخر وابن سعد عن ابن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن ابن عباس بلفظ كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد كذا في الجامع الصغير قال القاري في المرقاة وقال ابن ربيع أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وصححه الحاكم وروى أبو نعيم في الدلائل وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعا كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث وأما ما يدور على الألسنة بلفظ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين فقال السخاوي لم أقف عليه بهذا اللفظ فضلا عن زيادة وكنت نبيا ولا ماء ولا طين وقال الحافظ ابن حجر في بعض أجوبته إن الزيادة ضعيفة وما قبلها قوي وقال الزركشي لا أصل له بهذا اللفظ ولكن في الترمذي متى كنت نبيا قال وادم بين الروح والجسد قال السيوطي وزاد العلوم ولا ادم ولا ماء ولا طين ولا أصل له أيضا انتهى ما في المرقاة (باب) قوله (عن ليث) هو ابن أبي سليم قوله (إذا بعثوا) أي من قبورهم (وأنا خطيبهم) أي المتكلم عنهم (إذا وفدوا) أي إذا قدموا على الله والوفد جماعة يأتون الملك لحاجته (وأنا مبشرهم)
[ 57 ]
أي المؤمنين بالرحمة والمغفرة (إذا أيسوا) أي إذا غلب عليهم اليأس من روح الله (لواء الحمد يومئذ بيدي) تقدم شرحه في اخر تفسير سورة بني إسرائيل (وأنا أكرم ولد ادم على ربي) إخبار بما منحه من السؤدد وتحدث بمزيد الفضل والإكرام (ولا فخر) أي أن هذه الفضيلة التي نلتها كرامة من الله تعالى لم أنلها من قبل نفسي ولا نلتها بقوتي فليس لي أن أفتخر بها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي قوله (عن يزيد أبي خالد) هو يزيد بن عبد الرحمن الدالاني الأسدي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس من السابعة (عن عبد الله بن الحارث) البصري قوله (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (فأكسي) بصيغة المتكلم المجهول أي فأبعث فأكسي (ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري) أي هذه خصيصة شرفني الله بها والخلائق جمع خلق فيشمل الثقلين والملائكة (باب) قوله (حدثنا أبو عاصم) اسمه ضحاك بن مخلد النبيل قوله (سلوا الله لي الوسيلة) أي المذكورة في دعاء الأذان آت محمدا الوسيلة قال في النهاية الوسيلة في الأصل ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل إليه وسيلة وتوسل والمراد به في الحديث القرب من الله
[ 58 ]
تعالى وقيل هي الشفاعة يوم القيامة وقيل هي منزلة من منازل الجنة كذا جاء في الحديث انتهى قال الطيبي وإنما طلب عليه السلام من أمته الدعاء له بطلب الوسيلة افتقارا إلى الله تعالى وهضما لنفسه أو لينفع أمته ويثاب به أو يكون إرشادا لهم في أن يطلب كل منهم من صاحبه الدعاء له (قالوا يا رسول الله وما الوسيلة) أي المطلوبة المسئولة قال الطيبي عطف على مقدر أي نفعل ذلك وما الوسيلة (قال أعلى درجة في الجنة) أي هي أعلى درجة في الجنة (لا ينالها) أي لا يدرك تلك الدرجة العالية (إلا رجل واحد) أبهمه تواضعا (أرجو) أي أؤمل (أن أكون أنا هو) وضع الضمير المرفوع أعني هو موضع المنصوب أعني إياه قوله (وكعب ليس هو بمعروف) قال في التقريب كعب المدني أبو عامر مجهول من الرابعة وقال في تهذيب التهذيب كعب المدني روى عن أبي هريرة وعنه ليث بن أبي سليم ذكره ابن حبان في الثقات وقال كنيته أبو عامر أخرج له الترمذي حديثه عن أبي هريرة في ذكر الوسيلة وابن ماجه حديث اللهم إني أعوذ بك من الجوع قال الحافظ ولما ذكره المزي في الأطراف قال كعب المدني أحد المجاهيل قوله (مثلي) أي صفتي العجيبة الشأن (فأحسنها) أي أحسن بناءها (وأكملها) أي جعلها كاملة (وأجملها) أي حسنها وزينها (موضع لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة واحدة اللبن وهو ما يبنى به الجدار ويقال بكسر اللام وسكون الموحدة قوله (غير فخر) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي قولي هذا ليس بفخر قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله وعن أبي هريرة وأخرجه الترمذي أيضا عن جابر في باب مثل النبي والأنبياء
[ 59 ]
قوله أخبرنا سفيان هو ابن عيينة عن ابن جدعان هو علي بن ريد بن جدعان عن أبي نضرة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العوفي قوله أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر أي ولا اقوله تفاخرا بل اعتداد بفضله وتحدثا بنعمته وتبليغا لما أمرت به قال الطيبي قوله ولا فخر حال مؤكدة أي أقول هذا ولا فخر قال التوربشتي الفخر ادعاء العظمة والمباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه وما من نبي يؤمئذ آدم فمن سواء إلا تحت لوائي تقدم شرح هذا الجملة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل قوله وفي الحديث قصة أخرجه الترمذي مع القصة في آخر تفسير سورة بني إسرائيل قوله هذا حديث حسن وأخرجه أحمد وابن ماجه قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا عبد الله بن يزيد المقري) أبو عبد الرحمن المكي (أخبرنا حيوة) بن شريح بن صفوان التجيبي المصري (أخبرنا كعب بن علقمة) بن كعب المصري (سمع عبد الرحمن بن جبير) المصري المؤذن العامري ثقة عارف بالفرائض من الثالثة (سمع عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي قوله (فقولوا مثل ما يقول) أي المؤذن وهذا مخصوص بحديث عمر عند مسلم أنه يقول في الحيعلتين لا حول ولا قوة إلا بالله (صلوا علي) بتشديد الياء (فإنه) الضمير للشأن (صلاة) أي واحدة (صلى الله عليه بها عشرا) أي أعطاه الله بتلك الصلاة الواحدة عشرا من الرحمة (ثم سلوا) أي الله تعالى (فإنها) أي الوسيلة (منزلة في الجنة) هي أعلى منازل الجنة (لا تنبغي إلا لعبد) أي لا تصلح ولا تليق تلك المنزلة إلا لعبد واحد (وأرجو) من الرجاء وهو الأمل (أن أكون أنا هو) قيل هو خبر كان وضع موضع إياه
[ 60 ]
والجملة من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة أي أكون ذلك العبد ويحتمل أن أكون أنا مبتدأ لا تأكيدا وهو خبره الجملة خبر أكون وقيل يحتمل على الأول أن الضمير وحده وضع موضع اسم الإشارة (حلت عليه الشفاعة) أي صارت حلالا له غير حرام وفي بعض نسخ مسلم حلت له الشفاعة قال النووي معناه وجبت وقيل نالته انتهى وقال القاري وقيل من الحلول بمعنى النزول يعني استحق أن أشفع له مجازاة لدعائه وقد تقدم شئ من الكلام في هذا في الباب الذي بعد باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (قال محمد) يعني الإمام البخاري (عبد الرحمن بن جبير هذا قرشي الخ) مقصود الترمذي بيان الفرق بين عبد الرحمن بن جبير المذكور في السند وعبد الرحمن بن جبير بن نفير فالأول قرشي مصري والثاني شامي قوله (حدثنا عبد الله بن عبد المجيد) الحنفي البصري (حدثنا زمعة) بفتح الزاي وسكون الميم (بن صالح) الجندي بفتح الجيم والنون اليماني نزيل مكة أبو وهب ضعيف وحديثه عند مسلم مقرون من السادسة (عن سلمة بن وهرام) بفتح الواو وبالهاء والراء اليماني صدوق من السادسة قوله (فخرج) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (حتى إذا دنا) أي قرب (سمعهم) حال من الضمير في دنا وقد مقدرة (يتذاكرون) حال من الضمير المنصوب في سمعهم كذا ذكره الطيبي قال القاري والظاهر أن قوله سمعهم جواب إذا (اتخذ إبراهيم خليلا) كما قال الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا (ماذا بأعجب من كلام موسى) أي اتخاذ الله إبراهيم خليلا ليس بأعجب من تكليمه موسى (كلمه تكليما) كما قال الله تعالى وكلم الله موسى تكليما (فعيسى كلمة الله) أي أثر كلمته كن قال الطيبي الفاء في قوله فعيسى جواب شرط محذوف أي إذا ذكرتم الخليل فاذكروا عيسى كقوله تعالى
[ 61 ]
فلم تقتلوهم أي إذا افتخرتم بقتلهم فإنكم لم تقتلوهم (وروحه) قال الله تعالى إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والإضافة في كلمة الله وروحه تشريفية (آدم اصطفاه الله) كما قال الله تعالى إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (فخرج عليهم) أي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه وكرره لينيط به غير ما أناط به أولا أو يكون خرج أولا من مكان وثانيا منه إلى آخر (فسلم) أي عليهم (قد سمعت كلامكم وعجبكم) بفتحتين أي وفهمت تعجبكم فهو من باب قلدت سيفا ورمحا (وهو كذلك) أي كون إبراهيم خليل الله حق وصدق (وموسى نجى الله) فعيل من النجوى بمعنى الفاعل أو المفعول أي كليم الله (ألا) بالتخفيف للتنبيه جئ به للتأكيد بين المعطوف والمعطوف عليه (وأنا حبيب الله) أي محبه ومحبوبه قال الطيبي قرر أولا ما ذكر من فضائلهم بقوله وهو كذلك ثم نبه على أنه أفضلهم وأكملهم وجامع لما كان متفرقا فيهم في الحبيب خليل ومكلم ومشرف انتهى (وأنا حامل لواء الحمد) بالإضافة (وأول مشفع) اسم مفعول من التشفيع أي مقبول الشفاعة (وأنا أول من يحرك حلق الجنة) بفتح الحاء ويكسر جمع حلقة (فيفتح الله لي) أي بابها قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي قوله (حدثني أبو مودود) اسمه عبد العزيز بن أبي سليمان (عن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام) الاسرائيلي المدني مقبول من الرابعة (عن أبيه) أي يوسف بن عبد الله بن سلام صحابي صغير وقد ذكره العجلي في ثقات التابعين (عن جده) أي عبد الله بن سلام الصحابي المشهور (قال) أي عبد الله بن سلام (مكتوب في التوراة) خبر مقدوم (صفة محمد) أي نعته صلى الله عليه وسلم
[ 62 ]
(وعيسى ابن مريم يدفن معه) عطف على المبتدأ أي في حديث قال الحافظ أي ومكتوب فيها أيضا أن عيسى يدفن معه فيه أن عيسى عليه الصلاة والسلام بعد نزوله وموته يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ما روى عن عائشة في حديث قال الحافظ لا يثبت أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه فقال لها وأنى لك بذلك وليس في ذلك الموضع إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم وفي أخبار المدينة من وجه ضعيف عن سعيد بن المسيب قال إن قبور الثلاثة في صفة بيت عائشة وهناك موضع قبر يدفن فيه عيسى عليه السلام ويؤيده أيضا حديث عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عيسى ابن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى ابن مريم في قبر واحد بين أبي بكر وعمر رواه ابن الجوزي في كتاب الوفاء ذكره الشيخ ولي الدين في المشكاة ولم أقف عن سنده (قد بقي في البيت) أي في حجرة عائشة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (هكذا قال) هذا قول الترمذي وضمير قال راجع إلى شيخه زيد أخزم (عثمان بن الضحاك) هذا بيان لقوله هكذا (والمعروف الضحاك بن عثمان المديني) قال في التقريب عثمان بن الضحاك المدني يقال هو الحزامي ضعيف قاله أبو داود قال الترمذي الصواب ضحاك بن عثمان يعني أنه قلب قوله (أضاء منها) أي أشرق من المدينة (كل شئ) بالرفع على أنه فاعل أضاء وهو لازم وقد يتعدى (أظلم) ضد أضاء (وما نفضنا) من النفض وهو تحريك الشئ ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما (وإنا لفي دفنه) أي مشغولون بعد والجملة حالية (حتى أنكرنا قلوبنا) بالنصب على المفعولية قال التوربشتي يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء والألفة لانقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان يمدهم من الرسول صلى الله عليه وسلم من التأييد والتعليم ولم يرد أنهم
[ 63 ]
لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق انتهى وقال في اللمعات لم يرد عدم التصديق الإيماني بل هو كناية عن عدم وجدان النورانية والصفاء الذي كان حاصلا من مشاهدته وحضوره صلى الله عليه وسلم لتفاوت حال الحضور والغيبة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الدارمي بلفظ ما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضوء من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رأيت يوما كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (باب ما جاء في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم) أي وقت ولادته صلى الله عليه وسلم قال ابن الجوزي في التلقيح اتفقوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين في شهر ربيع الأول عام الفيل واختلفوا فيما مضى من ذلك لولادته على أربعة أقوال أحدها أنه ولد لليلتين خلتا منه والثاني لثمان خلون منه والثالث لعشر خلون منه والرابع ثنتي عشرة خلت منه انتهى قوله (حدثنا وهب بن جرير) بن حازم (سمعت محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي (عن المطلب بن عبد الله بن مخرمة) بن المطلب بن عبد مناف المطلبي مقبول من السادسة (عن أبيه) أي عبد الله بن قيس يقال له روية وهو من كبار التابعين واستقضاه الحجاج على المدينة سنة ثلاث وسبعين ومات سنة ست وسبعين (عن جده) أي قيس بن مخرمة صحابي كان أحد المؤلفة ثم حسن إسلامه قوله (ولدت) بصيغة المتكلم المجهول (عام الفيل) أي سنة إهلاك أصحابه (قال) أي قيس بن مخرمة (وسأل عثمان بن عفان) أمير المؤمنين ذو النورين رضي الله عنه (قباث) بقاف مضمومة وخفة باء وبمثلثة وقيل بفتح قاف قال كذا في المغني (بن أشيم) بمعجمة وتحتانية وزن أحمد بن عامر الكندي الليثي صحابي عاش إلى أيام عبد الملك بن مروان (فقال) أي قباث بن أشيم (وأنا أقدم منه) أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم (في الميلاد) أي وقت الولادة (قال) أي قباث بن أشيم
[ 64 ]
(ورأيت خذق الطير) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين وبالقاف أي روثهاوفي بعض النسخ حذق الفيل (محيلا) بضم الميم وكسر الحاء المهملة من الإحالة أي متغيرا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد مختصرا (باب ما جاء في بدء نبوة النبي صلى الله عليه وسلم) قوله (حدثنا يونس بن أبي إسحاق) السبيعي قوله (في أشياخ من قريش) أي في جملتهم والمراد منهم أكابرهم شرفا أو سنا (فلما أشرفوا) أي طلعوا (على الراهب) اسمه بحيرا بضم الباء وفتح الحاء ممدودا على المشهور لكن ضبطه الشيخ الجزري بفتح الباء وكسر الحاء المهملة وياء ساكنة وفتح الراء وألف مقصورة وهو زاهد النصارى وقال المظهر كان أعلم بالنصرانية وكذا ذكره الجزري كذا في المرقاة (هبط) من الهبوط أي نزل أبو طالب ومن معه في ذلك الموضع وهو بصري من بلاد الشام على ما ذكره المظهر وفي المشكاة هبطوا بلفظ الجمع (فحلوا رحالهم) أي فتحوها (وكانوا) أي الناس من قريش وغيرهم (قال) أي أبو موسى (فجعل يتخللهم الراهب) أي أخذ يمشي فيما بين القوم ويطلب في خلالهم شخصا (يبعثه لله) أي يجعله نبيا ويظهر رسالته (ما علمك) أي ما سبب علمك (إلا خر) من الخرور أي سقط (وإني أعرفه) أي النبي أيضا (بخاتم النبوة) بفتح التاء ويكسر (أسفل) بالنصب أي في مكان أسفل (من غضروف كتفه) بضم الغين المعجمة والراء بينهما ضاد معجمة وهو رأس لوح الكتف (مثل التفاحة) قيل يروى
[ 65 ]
بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف بالنصب على إضمار الفعل ويجوز الجرعلى الإبدال دون الصفة لأن مثله وغيره لا يتعارفان با ضافة إلى المعرفة (ثم رجع) أي الراهب من عندهم (فلما أتاهم به) أي بالطعام (فكان هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في رعية الإبل) بكسر الراء وسكون العين أي في رعايتها (فقال) أي الراهب لهم (أرسلوا إليه) أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يد للطعام (وعليه غمامة) أي سحابة (تظله) بضم الفوقية من الاظلال أي تجعله تحت ظلها (وجدهم) أي وجد النبي صلى الله عليه وسلم القوم (إلى فئ شجرة) أي ظلها (مال فئ الشجرة عليه) أي مال ظلها واقعا عليه (فقال) أي الراهب (وهو يناشدهم) أي يقسم عليهم قال في النهاية يقال نشدتك الله وأنشدك الله وبالله وناشدتك الله وبالله أي سألتك وأقسمت عليك ونشدته نشدة ونشدانا ومناشدة وتعديته إلى مفعولين إما لأنه بمنزلة دعوت حيث قالوا نشدتك الله وبالله كما قالوا دعوت زيدا أو يزيد أو لأنهم ضمنوه معنى ذكرت انتهى (أيكم وليه) أي قريبه والجملة مبتدأ وخبر (قالوا أبو طالب) أي وليه (فلم يزل) أي الراهب (يناشده) أي يناشد أبا طالب ويطالب رده عليه السلام خوفا عليه من أهل الروم أن يقتلوه في الشام ويقول لأبي طالب بالله عليك أن ترد محمدا إلى مكة وتحفظه من العدو (حتى رده أبو طالب) أي إلى مكة شرفها الله تعالى (وبعث معه أبو بكر بلالا) وفي رواية علي عن أبيه أنه قال فرددته مع رجال وكان فيهم بلال أخرجه رزين (وزوده الراهب من الكعك) هو الخبز الغليظ على ما في الأزهار وقيل هو خبز يعمل مستديرا من الدقيق والحليب والسكر أو غير ذلك الواحدة كعكة والجمع كعكات وقال في القاموس هو خبز معروف فارسي معرب (والزيت) أي
[ 66 ]
لإدام ذلك الخبز وقد روى الترمذي في باب أكل الزيت عن عمر وأبي أسيد مرفوعا كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الجزري إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أو أحدهما وذكر أبي بكر وبلال فيه غير محفوظ وعدة أئمتنا وهما وهو كذلك فإن سن النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك اثنا عشرة سنة وأبو بكر أصغر منه بسنتين وبلال لعله لم يكن ولد في ذلك الوقت انتهى وقال في ميزان الاعتدال قيل مما يدل على بطلان هذا الحديث قوله وبعث معه أبو بكر بلالا وبلال لم يخلق بعد وأبو بكر كان صبيا انتهى وضعف الذهبي هذا الحديث لقوله وبعث معه أبو بكر بلالا فإن أبا بكر إذ ذاك ما اشترى بلالا وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة رجاله ثقات وليس فيه سوى هذه اللفظة فيحتمل أنها مدرجة فيه منقطعة من حديث آخر وهما من أحد رواته كذا في المواهب اللدنية وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعادثم كفله عمه أبو طالب واستمرت كفالته له فلما بلغ ثنتي عشرة سنة خرج به عمه إلى الشام وقيل كانت سنة تسع سنين وفي هذه الخرجة رآه بحير الراهب وأمر عمه أن لا يقدم به إلى الشام خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى المدينة ووقع في كتاب الترمذي وغيره أنه بعث معه بلالا وهو من الغلط الواضح فإن بلالا إذ ذاك لعله لم يكن موجودا وإن كان فلم يكن مع عمه ولا مع أبي بكر وذكر البزار في مسنده هذا الحديث ولم يقل وأرسل معه عمه بلالا ولكن قال رجلا انتهى (باب ما جاء في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وابن كم كان حين بعث) المبعث من البعث وأصله الإثارة ويطلق على التوجيه في أمر ما رسالة أو حاجة ومنه بعثت البعير إذا أثرته من مكانه وبعثت العسكر إذا وجهتهم للقتال وبعثت النائم من نومه إذا أيقظته والمراد هنا الإرسال وقد أطبق العلماء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حيث بعث ابن أربعين سنة قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا ابن أبي عدي) اسمه محمد بن إبراهيم قوله (أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي الوحي (وهو ابن أربعين) أي سنة وكان ابتداء
[ 67 ]
وحي اليقظة في شهر رمضان (فأقام بمكة ثلاثة عشر) وفي رواية البخاري فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة قال الحافظ هذا أصح مما رواه مسلم من طريق عماد بن أبي عماد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة (وبالمدينة عشرا) أي عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين ذكر الترمذي في هذا الباب ثلاث روايات إحداها هذه والثانية قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين والثالثة وتوفاه الله على رأس ستين سنة وقد جمع النووي بين هذه الروايات المختلفة جمعا حسنا فقال ذكر مسلم في الباب ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون والثالثة ثلاث وستون وهي أصحها وأشهرها رواها مسلم ههنا من رواية عائشة وأنس وابن عباس واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون وتأولوا الباقي فرواية ستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضا وحصل فيها اشتباه وقد أنكر عروة على ابن عباس قوله خمس وستون ونسبه إلى الغلط وأنه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة وإنما الخلاف في قدر إقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح أنها ثلاث عشرة فيكون عمره ثلاثا وستين وهذا الذي ذكرنا أنه بعث على رأس أربعين سنة هو الصواب المشهور الذي أطبق عليه العلماء وحكى القاضي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب رواية شاذة أنه صلى الله عليه وسلم بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة والصواب أربعون كما سبق وولد عام الفيل على الصحيح المشهور وقيل بعد الفيل بثلاث سنة وقيل بأربعين سنة وادعى القاضي عياض الإجماع على عام الفيل وليس كما ادعى واتفقوا أنه ولد يوم الاثنين في شهر ربيع الأول وتوفي يوم الاثنين من شهر ربيع الأول واختلفوا في يوم الولادة هل هو ثاني الشهر أم ثامنه أم عاشره أم ثاني عشر ويوم الوفاة ثاني عشرة ضحى انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة) هذه الرواية محمولة على إدخال سنة الولادة وسنة الوفاة وحسبانهما
[ 68 ]
قوله (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التيمي مولاهم أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي واسم أبيه فروخ ثقة فقيه مشهور قال ابن سعد كانوا يتقونه لموضع الرأي من الخامسة قوله (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل البائن) أي المفرط في الطول خارجا عن الاعتدال والبائن اسم فاعل من بان إذا ظهر وهذا يشير إلى أنه قد كان في قده صلى الله عليه وسلم طول والأمر كذلك فإنه كان مربوعا مائلا إلى الطول بالنسبة إلى القصر وهو الممدوح (ولا بالأبيض الأمهق) بفتح الهمزة وسكون الميم هو الكريه البياض كلون الجص (ولا بالادم) من الأدمة بالضم بمعنى السمرة أي ليس بأسمر وهذا يعارض ما في رواية حميد عن أنس في باب الجمة واتخاذ الشعر أنه صلى الله عليه وسلم كان أسمر اللون والجمع بينهما بأن المنفي إنما هو شدة السمرة فلا ينافي إثبات السمرة في رواية حميد عن أنس على أن لفظة أسمر اللون في الرواية المذكورة انفرد بها حميد عن أنس ورواه عنه غيره من الرواة بلفظ أزهر اللون ومن روى صفته صلى الله عليه وسلم غير أنس فقد وصفه بالبياض دون السمرة وهم خمسة عشرة صحابيا قاله الحافظ العراقي وحاصله ترجيح رواية البياض بكثرة الرواة ومزيد الوثاقة ولهذا قال ابن الجوزي هذا حديث لا يصح وهو مخالف للأحاديث كلها وقيل المراد بالسمرة الحمرة لأن العرب قد تطلق على كل من كان كذلك أسمر ومما يؤيد ذلك رواية البيهقي كان أبيض بياضه إلى السمرة والحاصل أن المراد بالسمرة حمرة تخالط البياض وبالبياض المثبت في رواية معظم الصحابة ما يخالط الحمرة وآدم بمد الهمزة وأصله أدم بهمزتين على وزن أفعل أبدلت الثانية ألفا (وليس بالجعد القطط ولا بالسبط الجعد) بفتح فسكون والقطط بفتحتين على الأشهر وبفتح فكسر في المصباح جعد الشعر بضم العين وكسرها جعودة إذا كان فيه التواء وانقباض وفيه شعر قطط شديد الجعودة وفي التهذيب القطط شعر الزنج وقط الشعر يقط من باب ردوفي لغة قطط من باب تعب والسبط بفتح فكسر أو بفتحتين أو بفتح فسكون في التهذيب سبط الشعر سبطا من باب تعب فهو سبط إذا كان مسترسلا وسبط سبوطة فهو سبط كسهل سهولة فهو سهل والمراد أن شعره صلى الله عليه وسلم ليس نهاية في الجعودة ولا في السبوطة بل كان وسطا بينهما وخير الأمور أوساطها (فأقام بمكة عشر سنين) قال الحافظ مقتضى هذا أنه عاش ستين سنة وأخرج مسلم من وجه آخر عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثا وستين وهو موافق لحديث عائشة وبه قال الجمهور وقال الإسماعيلي لا بد
[ 69 ]
أن يكون الصحيح أحدهما وجمع غيره بإلغاء الكسر (وتوفاه الله على رأس ستين سنة) هذا محمول على إلغاء الكسر وهو ما زاد على العقد (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) أي بل دون ذلك وقد ذكر الحافظ في الفتح ههنا روايات مختلفة في عدة شعراته صلى الله عليه وسلم البيض والجمع بينهما لا يخلو عن التكلف والأمر فيه سهل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي (باب ما جاء في ايات إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم الخ) قوله (كان يسلم علي) أي يقول السلام عليك يا رسول الله كما في رواية (ليالي بعثت) ظرف لقوله يسلم ولفظ مسلم إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الان قال النووي في الحديث معجزة له صلى الله عليه وسلم وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة وإن منها لما يهبط من خشية الله وقوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده وفي هذه الاية خلاف مشهور والصحيح أنه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزا بحسبه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (نتداول) يقال تداولته الأيدي أي تناوبته يعني أخذته هذه مرة وهذه مرة والمعنى نتناوب أخذ الطعام وأكله (من قصعة) بفتح القاف أي من صحفه كبيرة (من غدوة) بضم فسكون
[ 70 ]
أي من أول النهار (تقوم عشرة) تفسير وبيان لقوله نتداول أي بعد فراغهم من الأكل منها (وتقعد عشرة) أي للتناول منها (قلنا) أي لسمرة (فما كانت تمد) بصيغة المجهول من الإمداد أي فأي شئ كانت القصعة تمد منه وتزاد فيه ومن أين يكثر الطعام فيها طول النهار وفي هذا السؤال نوع من التعجب (قال من أي شئ تعجب) أي قال سمرة لأبي العلاء لا تعجب (ما كانت تمد إلا من ههنا الخ) يعني لا تكون كثرة الطعام فيها إلا من عالم العلاء بنزول البركة فيها من السماء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي (باب) قوله (أخبرنا الوليد بن أبي ثور) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني (عن السدي) هو إسماعيل بن عبد الرحمن (عن عباد بن أبي يزيد) ويقال عباد بن يزيد الكوفي مجهول من الثالثة قال في تهذيب التهذيب روي عن علي وعنه إسماعيل السدي روى له الترمذي حديثا واحد واستغربه يعني به هذا الحديث قوله (فخرجنا في بعض نواحيها) جمع ناحية وهي الجانب أي في بعض جوانبها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الدارمي (وقالوا عن عباد بن أبي يزيد) أي بزيادة لفظ أبي بين عباد بن يزيد كما قال عباد بن يعقوب وإنما ذكر الترمذي هذا الكلام لأنه يقال لعباد بن أبي يزيد عباد بن يزيد أيضا كما عرفت
[ 71 ]
(باب) قوله (خطب إلى لزق جذع) اللزق بكسر اللام وسكون الزاي وبالقاف قال في المجمع يقال داره لزق دار فلان أي لازقه ولاصقه انتهى وفي مختار الصحاح يقال فلان لزقي وبلزقي ولزيقي أي بجنبي انتهى والجذع بكسر الجيم ساق النخلة (فحن الجذع حنين الناقة) أي صات كصوت الناقة وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها وفي حديث جابر عند البخاري فصاحت النخلة صياح الصبي ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمها إليه تأن أنين الصبي الذي يسكن وفي رواية له فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار (فمسه فسكت) وفي حديث جابر فضمها إليه كما تقدم وفي حديث ابن عمر عند الترمذي في باب الخطبة على المنبر فالتزمه فسكن قوله (وفي الباب عن أبي وجابر الخ) تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة في باب الخطبة على المنبر قوله (حديث أنس هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو عوانة وابن خزيمة وأبو نعيم كما في الفتح قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا محمد بن سعيد) بن سليمان الكوفي أبو جعفر بن الأصبهاني يلقب حمدان ثقة ثبت من العاشرة (عن سماك) بن حرب (عن أبي ظبيان) اسمه حصين بن جندب بن الحارث قوله (بم أعرف) أي من معجزاتك (إن) بكسر الهمزة (دعوت) بصيغة المتكلم (هذا العذق) بكسر العين المهملة هو العرجون بما فيه من الشماريخ وهو للنخل كالعنقود للعنب (تشهد) بصيغة المخاطب جزاء إن والمعنى إن دعوت هذا العذق من
[ 72 ]
هذه النخلة وجاءني نازلا منها فهل أنت تشهد بأني نبي ووقع في المشكاة يشهد بصيغة الغايب قال القاري في المرقاة إن دعوت بكسر الهمزة في أكثر الأصول وفي بعضها بفتحها وهو الأظهر أي بأن دعوت هذا العذق من هذه النخلة يشهد أي حال كون العذق يشهد أني رسول الله وقال الطيبي إن دعوت جواب لقوله بما أعرف أي بأني إن دعوته يشهد انتهى ومقتضاه أن يكون يشهد مجزوما بصيغة الغايب والمعنى تعرف بأني إن دعوته يشهد وقال شارح إن للشرط ويشهد جزاءه أو للمصدرية ويشهد جملة حالية انتهى وظاهره أن يكون يشهد على الأول مخاطبا مجزوما كما في نسخة يعني من المشكاة ليكون جواب الأعرابي بنعم مقدر أو النبي صلى الله عليه وسلم لم ينتظر جوابه إذ ليس له جواب صواب غيره انتهى ما في المرقاة (فدعاه) أي العذق (حتى سقط إلى النبي صلى الله عليه وسلم) أي وقع على الأرض منتهيا إليه صلى الله عليه وسلم (ثم قال) أي للعذق (فعاد) أي رجع إلى ما كان عليه قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) في سنده شريك القاضي وهو صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظة منذ ولي القضاء بالكوفة (باب) قوله (حدثنا أبو عاصم) هو النبيل (أخبرنا عزرة بن ثابت) الأنصاري البصري (حدثنا علباء) بكسر المهملة وسكون اللام بعدها موحدة ومد (ابن أحمر) اليشكري بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف بصري صدوق من القراء من الرابعة (حدثنا أبو زيد بن أخطب) في التقريب عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري صحابي جليلي نزل البصرة مشهور بكنيته قوله (أنه) أي أبا زيد عمرو بن أخطب (عاش مائة وعشرين سنة) أي ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم (وليس في رأسه إلا شعيرات بيض) جملة حالية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده ولفظه
[ 73 ]
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجه ودعا له بالجمال قال أخبرني غير واحد أنه بلغ بضعا ومائة سنة أسود الرأس واللحية إلا نبذ شعر بيض في رأسه (باب) قوله (قال عرضت على مالك بن أنس) أي قرأت هذا الحديث عليه وهو يسمع (قال أبو طلحة) هو زيد بن سهل الأنصاري زوج أم سليم والدة أنس (لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع) فيه العمل على القرائن قال القسطلاني وكأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه فحمل ذلك على الجوع بالقرينة التي كانوا فيها وفيه رد على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع محتجا بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني وهو محمول على تعدد الحال فكان أحيانا يجوع ليتأسى به أصحابه ولا سيما من لا يجد مددا فيصبر فيضاعف أجره وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته جالسا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم (فأخرجت أقراصا) جمع قرص وهو خبز (خمارا) بكسر المعجمة أي نصيفا (ثم دسته) أي أخفته وأدخلته تقول دس الشئ يدسه دسا إذا أدخله في الشئ بقهر وقوة (في يدي) أي تحث إبطي (وردتني ببعضه) أي وألبستني ببعض الخمار يقال ردي الرجل أي ألبسه الرداء (قال) أي أنس (فذهبت به) أي بالخبز (إليه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (في المسجد) أي الموضع الذي هيأه للصلاة في غزوة الأحزاب (أرسلك أبو طلحة) استفهام استخباري (قوموا) قال الحافظ في الفتح ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله
[ 74 ]
فلذلك قال لمن عنده قوموا وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيأكله فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حول النبي صلى الله عليه وسلم استحيي وظهر له أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم معه وحده إلى المنزل فيحصل مقصودهم من إطعامه ويحتمل أن يكون ذلك عن رأي من أرسله عهد إليه إذا رأى كثرة الناس أن يستدعي النبي صلى الله عليه وسلم وحده خشية أن لا يكفيهم ذلك الشئ هو ومن معه وقد عرفوا إيثار النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لا يأكل وحده وقد وجدت أن أكثر الروايات تقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الواقعة ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس بعثني أبو طلحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأدعوه وقد جعل له طعاما وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس أمر أبو طلحة أم سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة ثم أرسلتني إليه وفي رواية يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فدخل أبو طلحة على أمي فقال هل من شئ فقالت نعم عندي كسر من خبز فإن جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه وإن جاء أحد معه قل عنهم وجميع ذلك عند مسلم وذكر الحافظ تلك الروايات (فانطلقوا) وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم انطلقوا فانطلقوا وهم ثمانون رجلا (فأخبرته) أي بمجيئهم (وليس عندنا ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم (قالت أم سليم ورسوله أعلم) أي بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يكن يعلم بالمصلحة لم يفعل ذلك قال الحافظ كأنها عرفت أنه فعل ذلك عمدا ليظهر الكرامة في تكثير ذلك الطعام ودل ذلك على فطنة أم سليم ورجحان عقلها وفي رواية يعقوب فقال أبو طلحة يا رسول الله إنما أرسلت أنسا يدعوك وحدك ولم يكن عندنا ما يشبع من أرى فقال ادخل فإن الله سيبارك فيما عندك (حتى دخلا) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة على أم سليم (هلمي يا أم سليم ما عندك) أي هات ما عندك (ففت) بصيغة المجهول من الفت وهو الدق والكسر بالأصابع أي كسر الخبز وفي بعض النسخ ففتت فالضمير للأقراص (وعصرت أم سليم بعكة) بضم المهملة وتشديد الكاف إناء من جلد مستدير يجعل فيه السمن غالبا والعسل (فأدمته) أي صيرت ما خرج من العكة إداما للمفتوت وفي رواية مبارك بن فضالة فقال هل من سمن فقال أبو طلحة قد كان في العكة سمن فجاء بها فجعلا يعصرانها حتى
[ 75 ]
خرج ثم مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال بسم الله فلم يزل يصنع ذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يتميع وفي رواية سعد بن سعيد فمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا فيها بالبركة وفي رواية النضر بن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال بسم الله اللهم أعظم فيها البركة وعرف بهذا المراد بقوله وقال فيها ما شاء الله أن يقول (ثم قال ائذن) أي بالدخول (لعشرة) أي من أصحابه ليكون أوفق بهم فإن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعده عنهم وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الباب فقال لهم اقعدوا ودخل وفي رواية يعقوب أدخل على ثمانية فما زال حتى دخل عليه ثمانون رجلا ثم دعاني ودعا أمي وأبا طلحة فأكلنا حتى شبعنا قال الحافظ وهذا يدل على تعدد القصة فإن أكثر الروايات فيها أنه أدخلهم عشرة عشرة سوى هذه فقال إنه أدخلهم ثمانية ثمانية انتهى (فأذن) أي أبو طلحة فدخلوا (فأكلوا) أي من ذلك الخبز المأدوم بالسمن (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة (ائذن لعشرة) أي ثانية (والقوم سبعون أو ثمانون رجلا) وفي رواية مبارك بن فضالة حتى أكل منه بضعة وثمانون رجلا وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى حتى فعل ذلك بثمانين رجلا ثم أكل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سورا أي فضلا وزاد مسلم في رواية عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وأفضل ما بلغوا جيرانهم وفي رواية لمسلم ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (باب) قوله (وحانت) أي والحال أنه قد قربت (والتمس الناس الوضوء) بفتح الواو أي طلبوا
[ 76 ]
الماء للوضوء (فأتي) بصيغة المجهول (قال) أي أنس (ينبع) بتثليث الموحدة أي يفور ويخرج (حتى توضأوا من عند آخرهم) قال الكرماني حتى للتدريج ومن للبيان أي توضأ الناس حتى توضأ الذين عند آخرهم وهو كناية عن جميعهم قال وعند بمعنى في لأن عند وإن كانت للظرفية الخاصة لكن المبالغة تقتضي أن تكون لمطلق الظرفية فكأنه قال الذين هم في آخرهم وقال التيمي المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الاخر وقال النووي من هنا بمعنى إلى وهي لغة وتعقبه الكرماني بأنها شاذة قال ثم إن إلى لا يجوز أن تدخل على عند ويلزم عليه وعلى ما قال التيمي أن لا يدخل الأخير لكن ما قاله الكرماني من أن إلى لا تدخل على عند لا يلزم مثله في من إذا وقعت بمعنى إلى وعلى توجيه النووي يمكن أن يقال عند زائدة قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين وابن مسعود وجابر) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي بعد الباب الذي يلي هذا الباب وأما حديث جابن فأخرجه الشيخان قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الطهارة وفي علامات النبوة ومسلم في الفضائل والنسائي في الطهارة (باب) قوله (أول ما ابتدى به) بصيغة المجهول من الابتداء (من النبوة) وفي رواية البخاري في باب بدأ الوحي أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم (حين أراد الله كرامته) أي إكرامه في مختار الصحاح التكريم والإكرام بمعنى والاسم منه الكرامة (أن لا يرى شيئا) أي من الرؤيا (إلا جاءت) الضمير راجع إلى قوله شيئا وإنما أنثه لأن المراد منه الرؤيا (كفلق الصبح) بفتح الفاء واللام أي جاءت مجيئا مثل فلق الصبح والمراد به ضياؤه ونوره وعبر به لأن
[ 77 ]
شمس النبوة قد كانت مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها (وحبب إليه الخلوة) لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي (باب) قوله (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن عبد الله) بن مسعود قوله (تعدون الايات) أي الأمور الخارقة للعاد ات أي الايات كلها (عذابا) أي مطلقا وفي رواية البخاري وأنتم تعدونها تخويفا قال الحافظ الذي يظهر أنه أنكر عليهم عد جميع الخوارق تخويفا وإلا فليس جميع الخوارق بركة فإن التحقيق يقتضي عد بعضها بركة من الله كشبع الخلق الكثير من الطعام القليل وبعضها بتخويف من الله ككسوف الشمس والقمر كما قال صلى الله عليه وسلم آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده وكأن القوم الذين خاطبهم عبد الله بن مسعود بذلك تمسكوا بظاهر قوله تعالى وما نرسل بالايات إلا تخويفا (وإنا كنا نعدها) أي الايات (بركة) أي من الله تعالى (ونحن نسمع تسبيح الطعام) أي في حالة الأكل (قال) أي ابن مسعود (وأتى) بضم الهمزة بالبناء المفعول (بإناء) أي فيه ماء قليل (فوضع) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ينبع) بضم الموحدة وتفتح وتكسر أي يخرج مثل ما يخرج من العين (من بين أصابعه) أي من نفس لحمه الكائن بين أصابعه أو من بينهما بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه والأول أوجه قاله القسطلاني (فقال النبي صلى الله عليه وسلم حي على الوضوء المبارك) بفتح الواو وهو الماء الذي يتوضأ به أي هلموا إلى الماء مثل حي على الصلاة والمراد الفعل أي توضأوا وفي رواية البخاري
[ 78 ]
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال اطلبوا فضلة من ماء فجاءوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده في الإناء ثم قال حي على الطهور المبارك (والبركة من السماء) وفي رواية البخاري والبركة من الله قال الحافظ البركة مبتدأ والخبر من الله وهو إشارة إلى أن الإيجاد من الله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (باب ما جاء كيف ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم) الوحي الإعلام في خفاء وفي اصطلاح الشرع إعلام الله تعالى أنبياءه الشئ إما بكتاب أو برسالة ملك أو منام أو إلهام وقد يجئ بمعنى الأمر نحو وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي وبمعنى التسخير نحو وأوحى ربك إلى النحل أي سخرها لهذا الفعل وهو اتخاذها من الجبال بيوتا إلى آخره وقد يعبر عن ذلك بالإلهام لكن المراد به هدايتها لذلك وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل والإشارة نحو فأوحي إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا وقد يطلق على الموحي كالقرآن والسنة من إطلاق المصدر على المفعول قال الله تعالى إن هو إلا وحي يوحى قال في النهاية يقع الوحي على الكتابة والإشارة والرسالة والإلهام والكلام الخفي يقال وحيت إليه الكلام وأوحيت انتهى قوله (أن الحارث بن هشام) بن المغيرة المخزومي من مسلمة الفتح وهو أخو أبي جهل شقيقه وكان من فضلاء الصحابة استشهد بالشام في خلافة عمر (سأل النبي صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن تكون عائشة حضرت ذلك فيكون من مسندها وأن يكون الحارث أخبرها بذلك فيكون من مرسل الصحابة وهو محكوم بوصله عند الجمهور (كيف يأتيك الوحي) يحتمل أن يكون المسئول عنه صفة الوحي نفسه ويحتمل أن يكون صفة حامله أو ما هو أعم من ذلك وعلى كل تقدير فإسناد الإتيان إلى الوحي مجاز لأن الإتيان حقيقة من وصف حامله (أحيانا) جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله والمراد به هنا مجرد الوقت أي أوقاتا وهو نصب على الظرفية وعامله يأتيني مؤخر عنه (يأتيني مثل صلصلة الجرس) أي يأتيني الوحي إتيانا مثل صوت الجرس أو مشابها
[ 79 ]
صوته لصوت الجرس والصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ثم أطلق على كل صوت له طنين وقيل هو صوت متدارك لا يدرك في أول وهلة والجرس بفتح الجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدواب واشتقاقه من الجرس بإسكان الراء وهو الحس قيل والصلصلة المذكورة صوت الملك بالوحي قال الخطابي يريد أنه صوت متدارك يسمعه ولا يتبينه أول ما يسمعه حتى يفهمه بعد وقيل صوت خفيف لأجنحة الملك والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحي فلا يبقى فيه متسع لغيره (وهو أشد علي) أي هذا القسم من الوحي أشد أقسامه على فهم المقصود لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود وفائدة هذه الشدة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى ورفع الدرجات (يتمثل لي الملك رجلا) التمثل مشتق من المثل أي يتصور واللام في الملك للعهد وهو جبرائيل ورجلا منصوب بالمصدرية أي يتمثل مثل رجل أو بالتمييز أو بالحال والتقدير هيئة رجل (فأعي ما يقول) من الوعي أي فأحفظ القول الذي يقوله (فيفصم عنه) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة أي يقلع وينجلي ما يغشاه وأصل الفصم القطع ومنه قوله تعالى لا انفصام لها وقيل الفصم بالفاء القطع بلا إبانة وبالقاف القطع بإبانة فذكر بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود والجامع بينهما بقاء العلقة (وإن جبينه ليتفصد) بالفاء والصاد المهملة المشددة أي ليسيل (عرقا) بفتحتين أي من كثرة معاناة التعب والكرب عند نزول الوحي إذ أنه أمر طارئ زائد على الطباع البشرية قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم) أي خلقه وخلقه قوله (عن البراء قال ما رأيت من ذي لمة الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الرخصة في الثوب الأحمر للرجال من أبواب اللباس
[ 80 ]
(باب) قوله (حدثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج (سأل رجل البراء) أي ابن عازب بن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي صحابي ابن صحابي نزل الكوفة استصغر يوم بدر وكان هو وابن عمر لدة مات سنة اثنتين وسبعين (أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا مثل القمر) كأن السائل أراد أنه مثل السيف في الطول فرد عليه البراء فقال بل مثل القمر أي في التدوير ويحتمل أن يكون أراد مثل السيف في اللمعان والصقال فقال بل فوق ذلك وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين من التدوير واللمعان وقد أخرج مسلم من حديث جابر بن سمرة أن رجلا قال له أكان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل السيف قال لا بل مثل الشمس والقمر مستديرا وإنما قال مستديرا للتنبيه على أنه جمع الصفتين لأن قوله مثل السيف يحتمل أن يريد به الطول أو اللمعان فرده المسئول ردا بليغا ولما جرى التعارف في أن التشبيه بالشمس إنما يراد به غالبا الإشراق والتشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة دون غيرهما أتى بقوله وكان مستديرا إشارة إلى أنه أراد التشبيه بالصفتين معا الحسن والاستدارة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (باب) قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو البخاري (أخبرنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن
[ 81 ]
عبد الله الكوفي (عن عثمان بن مسلم بن هرمز) ويقال اسم أبيه عبد الله فيه لين من السادسة قوله (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بالطويل) أي المفرط في الطول (ولا بالقصير) زاد البيهقي وهو إلى الطول أقرب وعن عائشة لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الرابعة إذا مشي وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله صلى الله عليه وسلم ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة رواه ابن عساكر والبيهقي (شثن الكفين والقدمين) بفتح المعجمة وسكون المثلثة وبالنون قال في النهاية أي أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر ويحمد ذلك في الرجال لأنه أشد لقبضهم ويذم في النساء انتهى وقال في القاموس شثنت كفه كفرح وكرم شثنا وشثونة وخشنت وغلظت فهو شثن الأصابع بالفتح فإن قلت هذا يخالف ما رواه البخاري عن أنس قال ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم قلت قيل اللين في الجلد والغلظ في العظام فيجتمع له نعومة البدن مع القوة ويؤيده ما رواه الطبراني والبزار من حديث معاذ رضي الله عنه أردفني النبي صلى الله عليه وسلم خلفه في سفر فما مسست شيئا قط ألين من جلده صلى الله عليه وسلم (ضخم الرأس) أي عظيمه (ضخم الكراديس) هي رؤوس العظام واحدها كردوس وقيل هي ملتقى كل عظمين ضخمين كالركبتين والمرفقين والمنكبين أراد أنه ضخم الأعضاء (طويل المسربة) بفتح الميم وسكون السين وضم الراء الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة (تكفا تكفيا) قال في النهاية أي تمايل إلى قدام هكذا روى غير مهموز والأصل الهمز وبعضهم يرويه مهموزا لأن مصدر تفعل من الصحيح تفعل كتقدم تقدما وتكفأ تكفأ والهمزة حرف صحيح فأما إذا اعتل انكسرت عين المستقبل منه نحو تحفى تحفيا وتسمى تسميا فإذا خففت الهمزة التحقت بالمعتل وصار تكفيا بالكسر انتهى ما في النهاية (كأنما ينحط) بتشديد الطاء أي يسقط (من صبب) أي موضع منحدر من الأرض قال في شرح السنة الصبب الحدور وما ينحدر من الأرض يريد أنه كان يمشي مشيا قويا ويرفع رجليه من الأرض رفعا بائنا لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه تنعما كذا في المرقاة (لم أر قبله) أي قبل موته لأن عليا لم يدرك زمانا قبل وجوده (ولا بعده) أي بعد موته قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي في مسند علي
[ 82 ]
(باب) قوله (حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي حليمة) القصري مقبول من الحادية عشرة (أخبرنا عمر بن عبد الله مولى غفرة) بضم المعجمة وسكون الفاء (حدثني إبراهيم بن محمد من ولد علي بن أبي طالب) قال في التقريب إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي صدوق من الخامسة وأبوه محمد هو المعروف بابن الحنفية قوله (إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم) أي ذكر صفته من جهة خلقه (قال ليس بالطويل الممغط) بصيغة اسم الفاعل من الانمغاط قال في النهاية هو بتشديد الميم الثانية المتناهي في الطول من أمغط النهار إذا امتد ومغطت الحبل وغيره إذا مددته وأصله منمغط والنون للمطاوعة فقلبت ميما وأدغمت في الميم ويقال بالعين المهملة بمعناه (ولا بالقصير المتردد) أي المتناهي في القصر كأنه تردد بعض خلقه على بعض وانضم بعضه على بعض وتداخلت أجزاؤه (وكان ربعة) بفتح أوله وسكون ثانيه وقد يحرك أي متوسطا (من القوم) أي مما بين أفرادهم فهو في المعنى تأكيد لما قبله ومن وصفه بالربعة أراد التقريب لا التحديد فلا ينافي أنه كان يضرب إلى الطول كما في خبر ابن أبي حالة كان أطول من المربوع وأقصر من المشذب (ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط) تقدم شرحه قريبا (كان جعدا رجلا) بكسر الجيم ويفتح ويسكن أي لم يكن شعره شديد الجعودة ولا شديد السبوطة بل بينهما (ولم يكن بالمطهم) بتشديد الهاء المفتوحة أي المنتفخ الوجه وقيل الفاحش السمن وقيل النحيف الجسم وهو من الأضداد كذا في النهاية (ولا بالمكلثم) اسم مفعول من الكلثمة وهو اجتماع لحم الوجه بلا جهومة كذا في القاموس وقال في النهاية هو من الوجوه القصير الحنك الدني الجبهة المستدير مع خفة اللحم أراد أنه كان أسيل الوجه ولم يكن مستديرا انتهى وقال الطيبي أي لم يكن مستديرا كاملا بل كان فيه تدوير ما (وكان في
[ 83 ]
الوجه تدوير) أي نوع تدوير أو تدوير ما والمعنى أنه كان بين الإسالة والاستدارة (أبيض) أي هو أبيض اللون (مشرب) اسم مفعول من الإشراب أي مخلوط بحمرة قال في النهاية الإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى اللون الاخر يقال بياض مشرب حمرة بالتخفيف وإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهذا لا ينافي ما في بعض الروايات وليس بالأبيض لأن البياض المثبت ما خالطه حمرة والمنفي ما لا يخالطها وهو الذي تكرهه العرب (أدعج العينين) الدعج والدعجة السوداء في العين وغيرها يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد وقيل الدعج شدة سواد العين في شدة بياضها كذا في النهاية (أهدب الأشفار) بفتح الهمز جمع الشفر بالضم وهو الجفن أي طويل شعر الأجفان ففيه حذف مضاف لأن الأشفار هي الأجفان التي تنبت عليها الأهداب ويحتمل أنه سمي النابت باسم المنبت للملابسة (جليل المشاش) بضم الميم وخفة الشين في القاموس المشاشة بالضم رأس العظم الممكن المضغ جمعها مشاش انتهى وفي النهاية أي عظيم رؤوس العظام كالمرفقين والكتفين والركبتين (والكتد) بفتح التاء وكسرها مجتمع الكتفين وهو الكاهل وهو معطوف على المشاش (أجرد) هو الذي ليس على بدنه شعر ولم يكن كذلك وإنما أراد به أن الشعر كان في أماكن من بدنه كالمسربة والساعدين والساقين فإن ضد الأجرد الأشعر وهو الذي على جميع بدنه شعر (إذا مشى تقلع) أراد قوة مشيه كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا وهي مشية أهل الجلادة والهمة لا كمن يمشي اختيالا ويقارب خطاه فإن ذلك من مشي النساء ويوصفن به (وإذا التفت) أي أراد الالتفات إلى أحد جانبيه (التفت معا) أي بكليته أراد أنه لا يسارق النظر وقيل أراد لا يلوي عنقه يمنة ولا يسرة إذا نظر إلى الشئ وإنما يفعل ذلك الطائش الخفيف ولكن كان يقبل جميعا أو يدبر جميعا قاله الجزري وقال التوربشتي يريد أنه كان إذا توجه إلى الشئ توجه بكليته ولا يخالف ببعض جسده بعضا كيلا يخالف بدنه قلبه وقصده مقصده لما في ذلك من التلون وآثار الخفة (بين كتفيه خاتم النبوة) سيأتي إيضاح الكلام عليه في باب خاتم النبوة (أجود الناس صدرا) إما من الجودة بفتح الجيم بمعنى السعة والانفساح أي أوسعهم قلبا فلا يمل ولا ينزجر من أذى الأمة ومن جفاء الأعراب وإما من الجود بالضم بمعنى الإعطاء ضد البخل أي لا يبخل على أحد شيئا من زخارف الدنيا ولا من العلوم والحقائق والمعارف التي في صدره فالمعنى أنه أسخى الناس قلبا (وأصدق الناس لهجة) بفتح اللام وسكون الهاء ويفتح أي لسانا وقولا (وألينهم عريكة) العريكة الطبيعة يقال فلان لين العريكة إذا كان سلسا مطواعا منقادا قليل الخلاف والنفور (وأكرمهم
[ 84 ]
عشرة) بكسر فسكون أي معاشرة ومصاحبة (من راه بديهة) أي أول مرة أو فجاءة وبغتة (هابه) أي خافه وقارا وهيبة من هاب الشئ إذا خافه ووقره وعظمه (ومن خالطه معرفة أحبه) أي بحسن خلقه وشمائله والمعنى أن من لقيه قبل الاختلاط به والمعرفة إليه هابه لوقاره وسكونه فإذا جالسه وخالطه بان له حسن خلقه فأحبه حبا بليغا (يقول ناعته) أي واصفه عند العجز عن وصفه (مثله) أي من يساويه صورة وسيرة وخلقا وخلقا قوله (ليس إسناده بمتصل) لأن إبراهيم بن محمد لم يسمع من جده على (سمعت الأصمعي) هو عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع أبو سعيد الباهلي البصري صدوق سني من التاسعة قال الحربي كان أهل العربية من أهل البصرة من أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد ويونس بن حبيب والأصمعي وقال المبرد كان الأصمعي بحرا في اللغة وكان دون أبي زيد في النحو قاله الحافظ (يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم) أي في تفسير بعض اللغات الواقعة في الأخبار الواردة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم لا في خصوص هذا الخبر أخذا من قول المصنف في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وسلم دون أن يقول في تفسير هذا الحديث (الممغط الذاهب طولا) أي الذاهب طوله فطولا تمييز محول عن الفاعل وأصل الممغط من مغطت الحبل فانمغط أي مددته فامتد (قال) أي الأصمعي (وسمعت أعرابيا) هذا استدلال على ما قبله (يقول في كلامه) أي في أثنائه (تمغط في نشابته أي مدها الخ) النشابة بضم النون وتشديد الشين المعجمة وموحدة وبتاء التأنيث ودونها السهم وإضافة المد إليها مجاز لأنها لا تمد وإنما يمد وتر القوس واعترض على المصنف بأنه ليس في الحديث لفظ التمغط حتى يتعرض له هنا وإنما فيه لفظ الانمغاط وأجيب بأنه من توضيح الشئ بتوضيح نظيره (وأما المتردد فالداخل بعضه في بعض قصرا) بكسر ففتح (والرجل الذي في شعره حجونة) بمهملة فجيم في القاموس حجن العود يحجنه عطفه فالحجونة الانعطاف (أي ينحني قليلا) هذا
[ 85 ]
تفسير لكلام الأصمعي من أبي عيسى أو أبي جعفر (وهو الكاهل) بكسر الهاء وهو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق وهو الثلث الأعلى مما يلي الظهر وفيه ست فقرات (والصبب الحدور) بفتح الحاء المهملة وهو المكان المنحدر لا بضمها لأنه مصدر (انحدرنا من صبوب وصبب) بفتح الصاد فيهما وكل منهما بمعنى المكان المنحدر وأما الصبوب بضم الصاد فهو مصدر كالحدور بضم الحاء المهملة وقد يستعمل جمع صبب أيضا فتصح إرادته هنا لأنه يقال انحدرنا في صبوب بالضم أي في أمكنة منحدرة (جليل المشاش يريد رؤوس المناكب) أي ونحوهما كالمرفقين والركبتين إذ المشاش رؤوس العظام أو العظام اللينة فتفسيرها برؤوس المناكب فيه قصور (باب) قوله (حدثنا حميد بن الأسود) بن الأشقر البصري أبو الأسود الكرابيسي صدوق يهم قليلا من الثامنة (عن أسامة بن زيد) هو الليثي المدني قوله (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد) بضم الراء من السرد وهو تيان بالكلام على الولاء والاستعجال فيه (سردكم) بالنصب على المصدرية أي كسردكم والمعنى لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتابع الحديث استعجالا بعضه إثر بعض لئلا يلتبس على المستمع زاد الاسماعيلي من رواية ابن المبارك عن يونس إنما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا فهما تفهمه القلوب كذا في الفتح (يبينه) صفة لكلام أي كان يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بكلام يوضحه (فصل) صفة ثانية لكلام أي بين ظاهر يكون بين أجزائه فصل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وذكره البخاري تعليقا
[ 86 ]
(باب) قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الذهلي (عن ثمامة) بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري قوله (يعيد الكلمة) المراد بها ما يشمل الجملة والجمل وجزء الجملة (ثلاثا) معمول لمحذوف أي يتكلم بها ثلاثا لأن الإعادة كانت ثنتين والتكلم كان ثلاثا ولا يصح أن يكون معمولا ليعيد لأن الإعادة لو كانت ثلاثا لكان التكلم أربعا وليس كذلك والمراد أنه كان يكرر الكلام ثلاثا إذا اقتضى المقام ذلك لصعوبة المعنى أو غرابته أو كثرة السامعين لا دائما فإن تكرير الكلام من غير حاجة لتكريره ليس من البلاغة كذا في شرح الشمائل للبيجوري (لتعقل عنه) بصيغة المجهول أي لتفهم تلك الكلمة عنه صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الحاكم (باب) قوله (عن عبيد الله بن المغيرة) بن معيقيب بالمهملة والقاف والموحدة مصغرا كنيته أبو المغيرة السبأي بفتح المهملة والموحدة بعدها همزة مقصورة صدوق من الرابعة (عن عبد الله بن الحارث بن جزء) بفتح الجيم وسكون الزاي بعدها همزة أضبيدي بضم الزاي صحابي كنيته أبو الحارث سكن مصر وهو آخر من مات بها من الصحابة سنة خمس أو ست أو سبع أو ثمان وثمانين والثاني أصح قوله (ما رأيت أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي لأن شأن الكمل إظهار
[ 87 ]
الانبساط والبشر لمن يريدون تألفه واستعطافه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (حدثنا بذلك أحمد بن خالد الخلال) بالمعجمة أبو جعفر البغدادي الفقيه ثقة من العاشرة (حدثنا يحيى بن إسحاق) السيلحيني (عن يزيد بن أبي حبيب) هو أبو رجاء المصري قوله (ما كان ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسما) أي لا يزيد على التبسم قال أهل اللغة التبسم مبادي الضحك والضحك انبساط الوجه حتى تظهر الأسنان من السرور فإن كان بصوت وكان بحيث يسمع من بعد فهو القهقهة وإلا فهو الضحك وإن كان بلا صوت فهو التبسم وتسمى الأسنان في مقدم الفم الضواحك وهي الثنايا والأنياب وما يليها وتسمى النواجذ وهذا الحصر إضافي أي بالنسبة للغالب لما تقرر أنه صلى الله عليه وسلم ضحك أحيانا حتى بدت نواجذه إلا أن يحمل على المبالغة (باب ما جاء في خاتم النبوة) بكسر التاء أي فاعل الختم وهو الإتمام والبلوغ إلى الاخر وبفتح التاء بمعنى الطابع ومعناه الشئ الذي هو دليل على أنه لا نبي بعده وقال القاضي البيضاوي خاتم النبوة أثر بين كتفيه نعت به في الكتب المتقدمة وكان علامة يعلم بها أنه النبي الموعود وصيانة لنبوته عن تطرق القدح إليه صيانة الشئ المستوثق بالختم ذكره العيني وهل ولد النبي صلى الله عليه وسلم بخاتم النبوة أو وضع حين ولد أو عند شق صدره أو حين نبئ أقوال قال الحافظ أثبتها الثالث وبه جزم عياض قوله (عن الجعد بن عبد الرحمن) بن أوس وقد ينسب إلى جده وقد يصغر ثقة من
[ 88 ]
الخامسة قوله (إن ابن أختي) اسمها علية بضم المهملة وسكون اللام بعدها موحدة بنت شريح أخت مخرمة بن شريح (وجع) بكسر الجيم أي مريض وجاء بلفظ الفعل الماضي مبينا للفاعل والمراد أنه كان يشتكي رجله كما ثبت في غير هذا الطريق (فمسح برأسي) الباء زائدة قال عطاء مولى السائب كان مقدم رأس السائب أسود وهو الموضع الذي مسحه النبي صلى الله عليه وسلم من رأسه وشاب ما سوى ذلك رواه البيهقي والبغوي ذكره القسطلاني (من وضوئه) بفتح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه المقدسة (فنظرت إلى الخاتم) وفي رواية للبخاري إلى خاتم النبوة بين (كتفيه) وفي حديث عبد الله بن سرجس عند مسلم أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى (مثل زر الحجلة) الزر بكسر الزاي وتشديد الراء والحجلة بفتح الحاء والجيم واحدة الحجال قال الجذري في النهاية الزر واحد الأزرار التي يشد بها الكلل والستور على ما يكون في حجلة العروس وقيل إنما هو بتقديم الراء على الزاي ويريد بالحجلة القبجة مأخوذ من أرزت الجرادة إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت ويشهد له ما رواه الترمذي في كتابه بإسناده عن جابر بن سمرة وكان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بين كتفيه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة انتهى وقال في مادة (ح ج ل) الحجلة بالتحريك بيت كالقبة يستر بالثياب وتكون له أزرار كبار وتجمع على حجال انتهى وقال النووي زر الحجلة بزاي ثم راء والحجلة بفتح الحاء والجيم هذا هو الصحيح المشهور والمراد بالحجلة واحدة الحجال وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى هذا هو الصواب المشهور الذي قاله الجمهور وقال بعضهم المراد بالحجلة الطائر المعروف ورزها بيضتها وأشار إليه الترمذي وأنكره عليه العلماء وقال الخطابي وروى أيضا بتقديم الراء ويكون المراد البيض يقال أرزت الجرادة بفتح الراء وتشديد الزاي إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت انتهى قوله (وفي الباب عن سلمان وقرة بن إياس المزني وجابر بن سمرة وأبي رمثة وبريدة وعبد الله بن سرجس وعمرو بن أخطب وأبي سعيد) أما حديث سلمان فأخرجه الترمذي في الشمائل وأما حديث قرة بن إياس فأخرجه أحمد
[ 89 ]
وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث أبي رمثة وحديث بريدة فأخرجهما أحمد وأما حديث عبد الله بن سرجس فأخرجه أحمد ومسلم والترمذي في الشمائل وأما حديث عمرو بن أخطب فأخرجه أحمد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في الشمائل قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري في الطهارة وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي الطب وفي الدعوات وأخرجه مسلم في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي في الطب قوله (حدثنا أيوب بن جابر) بن سيار السحيمي بمهملتين مصغر أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي ضعيف من السابعة قوله (غدة) بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة لحم يحدث بين الجلد واللحم يتحرك بالتحريك وقيل هي كل عقدة تكون في الجسد والمراد أنه كان شبيها بالغدة (حمراء) أي مائلا إلى الحمرة (مثل بيضة الحمامة) أي مدورا وفي رواية لمسلم ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده قال القاري أي يشبه لونه لون سائر أعضائه والمعنى لم يخالف لونه لون بشرته وفيه نفي البرص قال البيجوري في شرح الشمائل لا تعارض بين هذه الرواية والرواية السابقة بل ولا غيرها من الروايات كرواية ابن حبان كبيضة نعامة ورواية البيهقي كالتفاحة ورواية ابن عساكر كالبندقة ورواية مسلم جمع بضم الجيم وسكون الميم عليه خيلان كأنها الثاليل وفي صحيح الحاكم شعر مجتمع لرجوع اختلاف هذه الروايات إلى اختلاف الأحوال فقد قال القرطبي إنه كان يكبر ويصغر وكل شبه بما سنح له ومن قال شعر فلان الشعر حوله كما في رواية أخرى وبالجملة فالأحاديث الثابتة تدل على أن الخاتم كان شيئا بارزا إذا قل كان كالبندقة ونحوها وإذا كثر كان كجمع اليد وأما رواية كأثر المحجم أو كركبة عنز أو كشامة خضراء أو سوداء ومكتوب فيها محمد رسول الله أو سر فإنك المنصور فلم يثبت منها شئ كما قاله القسطلاني وتصحيح ابن حبان لذلك وهم انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم (باب) قوله (حموشة) بضم الحاء المهملة والميم أي دقة ولطافة متناسبة لسائر أعضائه (وكان لا
[ 90 ]
يضحك) أي في غالب أحواله (إلا تبسما) هو مقدمة الضحك فيحتمل أن يجعل الاستثناء متصلا أو منقطعا قال الطيبي جعل التبسم من الضحك واستثناه منه فإن التبسم من الضحك بمنزلة السنة من النوم ومنه قوله تعالى فتبسم ضاحكا من قولها أي شارعا في الضحك (وكنت) بصيغة المتكلم (قلت) أي في نفسي ويجوز في هذه الأفعال الثلاثة فتح التاء على صيغة الخطاب (أكحل العينين) أي هو مكحل العينين (وليس بأكحل) بل كانت عينه كحلاء من غير اكتحال قاله القاري وقال في اللمعات قوله أكحل العينين وليس بأكحل الظاهر أن المراد ظننت أنه اكتحل أي استعمل الكحل في عينيه والحال أنه لم يكتحل بل كان كحل في عينيه والكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة والرجل أكحل وكحيل كذا في القاموس فلفظ الحديث لا يخلو عن إشكال والمراد ما ذكرنا فلعله جاء أكحل بمعنى اكتحل انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والحاكم (باب) قوله (أخبرنا أبو قطن) اسمه عمرو بن الهيثم (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم الخ) يأتي شرح هذه الألفاظ في شرح الرواية الاتية قوله (أخبرنا محمد بن جعفر) هو المعروف بغندر قوله (ما ضليع الفم قال واسع الفم) وفي رواية مسلم ما ضليع الفم قال عظيم الفم قال النووي أما قوله في ضليع الفم عظيم الفم
[ 91 ]
فكذا قاله الأكثرون وهو الأظهر قالوا والعرب يمدح بذلك ويذم صغر الفم وهو معنى قول ثعلب في ضليع الفم واسع الفم وأما قوله في أشكل العين فقال القاضي هذا وهم من سماك باتفاق العلماء وغلط ظاهر وصوابه ما اتفق عليه العلماء ونقله أبو عبيد وجميع أصحاب الغريب أن الشكلة حمرة في بياض العينين وهو محمود والشهلة حمرة في سواد العين وأما المنهوس فبالسين المهملة هكذا ضبطه الجمهور وقال صاحب التحرير وابن الأثير روى بالمهملة والمعجمة وهما متقاربان ومعناه قليل لحم العقب كما قال قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم (باب) قوله (عن أبي يونس) اسمه سليم بن جبير الدوسي المصري ثقة من الثالثة قوله (كأن الشمس تجري في وجهه) قال الطيبي شبه جريان الشمس في فلكها بجريان الحسن في وجهه صلى الله عليه وسلم وفيه عكس التشبيه للمبالغة قال ويحتمل أن يكون من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرا ومكانا للشمس (وما رأيت أحدا أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي مع تحقق الوقار والسكون ورعاية الاقتصاد ممتثلا قوله تعالى واقصد في مشيك (تطوى له) بصيغة المجهول أي تزوى وتجمع على طريق خرق العادة تهوينا عليه وتسهيلا لأمره (وإنا لنجهد أنفسنا) قال التوربشتي يجوز فيه فتح النون وضمها يقال جهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها فوق طاقتها فالمعنى إنا لنحمل على أنفسنا من الإسراع عقيبة فوق طاقتها (وإنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (لغير مكترث) اسم الفاعل من الاكتراث يقال ما أكترث له أي ما أبالي به والمعنى غير مبال بمشينا أو غير مسرع بحيث تلحقه مشقة فكأنه يمشي على هينة يقال مبال به أي متعب نفسه فيه قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن حبان وابن سعد
[ 92 ]
(باب) قوله (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس قوله (عرض) بصيغة المجهول أي أظهر (علي) بتشديد الياء وذلك إما في المسجد الأقصى ليلة الاسراء أو في السماوات كما يدل عليه حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم الحديث قال القاضي عياض أكثر الروايات في وصفهم تدل على أنه صلى الله عليه وسلم رأى ذلك ليلة أسري به وقد وقع ذلك مبينا في رواية أبي العالية عن ابن عباس وفي رواية ابن المسيب عن أبي هريرة وليس فيها ذكر التلبية فإن قيل كيف يحجون ويلبون وهم أموات وهم في الدار الاخرة وليست دار عمل قلنا عن هذا الأشكال ثلاثة أجوبة أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية ثانيها أنه صلى الله عليه وسلم أرى حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وتلبيتهم ولهذا قال أيضا في رواية أبي العالية عن ابن عباس عند مسلم كأني أنظر إلى موسى وكأني أنظر إلى يونس ثالثها أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك (فإذا موسى ضرب) بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة أي نحيف خفيف اللحم (كأنه من رجال شنوءة) بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نضر بن الأزد ولقب شنوءة لشنان كان بينه وبين أهله والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو وبالهمز بغير واو قال ابن قتيبة سمي بذلك من قولك رجل فيه شنوه أي تقززة والتقزز بقاف وزايين التباعد من الأدناس قال الداودي رجال الأزد معروفون بالطول كذا في الفتح (شبها) بفتحتين أي نظيرا (عروة بن مسعود) الثقفي وليس هذا أخا لعبد الله بن مسعود فإنه هذلي (ورأيت إبراهيم) أي الخليل عليه السلام (يعني نفسه) هذا تفسير لقوله صاحبكم من كلام الراوي أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله صاحبكم
[ 93 ]
نفسه (دحية) بكسر الدال وقد يفتح وهو من الصحابة وكان من أجمل الناس صوره وفي رواية مسلم دحية بن خليفة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم (باب ما جاء في سن النبي صلى الله عليه وسلم وابن كم كان حين مات) أي في مقدار عمره الشريف قال في القاموس السن بالكسر الضرس ومقدار العمر مؤنثة في الناس وغيرهم قوله (حدثني عمار مولى بني هاشم) هو ابن أبي عمار المكي قوله (توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين) قد عرفت في باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم أن أصح الروايات وأشهرها ثلاث وستون وعرفت هناك تأويل هذه الرواية قوله (هذا حديث حسن الاسناد صحيح) وأخرجه مسلم (باب) قوله (مكث النبي صلى الله عليه وسلم) بفتح الكاف وضمها أي لبث بعد البعثة (ثلاث عشرة سنة يعني
[ 94 ]
يوحى إليه) أي باعتبار مجموعها لأن مدة فترة الوحي ثلاث سنين من جملتها وهذا هو الأصح الموافق لما رواه أكثر الرواة وروي عشر سنين وهو محمول على ما عدا مدة فترة الوحي وروي أيضا خمس عشرة سنة في سبع منها يرى نورا ويسمع صوتا ولم ير ملكا وفي ثمان منها يوحى إليه وهذه الرواية مخالفة للأولى من وجهين الأول في مدة الإقامة بمكة بعد البعثة هل هي ثلاث عشرة أو خمس عشرة ويمكن الجمع بحمل هذه الرواية على حساب سنة البعثة وسنة الهجرة والثاني في زمن الوحي إليه هل هو ثلاث عشرة أو ثمان ويمكن الجمع بأن المراد بالوحي إليه في ثلاث عشرة مطلق الوحي أعم من أن يكون الملك مرئيا أو لا والمراد بالوحي إليه في الثمانية خصوص الوحي مع كون الملك مرئيا فلا تدافع كذا في شرح الشمائل للبيجوري قوله (وفي الباب عن عائشة وأنس بن مالك ودغفل بن حنظلة) أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد الباب الذي يلي هذا الباب وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه الترمذي في باب مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وله حديث آخر رواه مسلم عنه قال قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين وأما حديث دغفل بن حنظلة فأخرجه الترمذي في الشمائل قوله (ولا يصح لدغفل سماع من النبي صلى الله عليه وسلم) زاد في الشمائل وكان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم رجل قال في التقريب دغفل بمهملة ومعجمة وفاء وزن جعفر بن حنظلة بن زيد السدوسي النسابة مخضرم ويقال له صحبة ولم يصح نزل البصرة غرق بفارس في قتال الخوارج قوله (وحديث ابن عباس حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان (باب) قوله (عن عامر بن سعد) البجلي الكوفي مقبول من الثالثة (عن جرير) هو ابن عبد الله البجلي قوله (وأنا ابن ثلاث وستين) أي أنا متوقع أن أموت في هذا السن موافقة لهم قال
[ 95 ]
ميرك تمنى لكن لم ينل مطلوبه بل مات وهو قريب من ثمانين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الترمذي في الشمائل أيضا (باب) قوله (مات وهو ابن ثلاث وستين) هذه الرواية هي أصح الروايات وأشهرها كما تقدم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه) قوله (واسمه عبد الله بن عثمان ولقبه عتيق قال الحافظ المشهور أن اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان ويقال كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة وكان يسمى أيضا عتيقا واختلف هل هو اسم له أصلي أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام أو قيل له ذلك لحسنه أو لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت اللهم هذا عتيقك من الموت أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم بشره بأن الله أعتقه من النار وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه ابن حبان وزاد فيه وكان
[ 96 ]
اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم وقيل كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء وروى الطبراني من حديث أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق رجاله ثقات وأما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومات بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار وعن الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما وقيل بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الاخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياما وقيل غير ذلك ولم يختلفوا أنه استكمل سن النبي صلى الله عليه وسلم فمات وهو ابن ثلاث وستين والله أعلم قوله (عن أبي الأحوص) اسمه عوف بن مالك بن تضلة الجشمي (عن عبد الله) هو ابن مسعود قوله (أبرأ إلى كل خليل من خله) قال في النهاية في الحديث إني أبرأ إلى كل ذي خلة من خلته الخلة بالضم الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي في باطنه والخليل الصديق فعيل بمعنى مفاعل وقد يكون بمعنى مفعول وإنما قال ذلك لأن خلته كانت مقصورة على حب الله تعالى فليس فيها لغيره متسع ولا شركة من محاب الدنيا والاخرة وهذه حال شريفة لا ينالها أحد بكسب واجتهاد فإن الطباع غالبة وإنما يخص الله بها من يشاء من عباده مثل سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ومن جعل الخليل مشتقا من الخلة وهي الحاجة والفقر أراد إني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى وفي رواية أبرأ إلى كل خل من خلته بفتح الخاء وبكسرها وهما بمعنى الخلة والخليل انتهى وفي رواية مسلم ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله قال النووي هما بكسر الخاء فأما الأول فكسره متفق عليه وهو الخل بمعنى الخليل وأما قوله من خله فبكسر الخاء عند جميع الرواة في جميع النسخ وكذا نقله القاضي عن جميعهم قال والصواب الأوجه فتحها قال والخلة والخل والخلال والمخاللة والخلالة والخلوة الاخاء والصداقة أي برئت إليه من صداقته المقتضية المخاللة هذا كلام القاضي والكسر صحيح كما جاءت به الروايات أي أبرأ إليه من مخالتي إياه (ولو كنت متخذا خليلا) وفي رواية لمسلم لو كنت متخذا من أمتي أحدا خليلا وفي حديث أبي سعيد عند البخاري ولو كنت متخذا خليلا غير ربي (لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا) أي أبا بكر لأنه أهل لذلك لولا المانع فإن خلة الرحم ن تعالى لا تسع مخالة شئ غيره أصلا (وإن
[ 97 ]
صاحبكم لخليل الله) وفي رواية لمسلم وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا قال الطيبي في قوله اتخذ الله مبالغة من وجهين أحدهما أنه أخرج الكلام على التجريد حيث قال صاحبكم ولم يقل اتخذني وثانيهما اتخذ الله صاحبكم بالنصب عكس ما لمح إليه حديث أبي سعيد من قوله غير ربي قبل الحديثان على حصول المخاللة من الطرفين انتهى قال القاضي وجاء في أحاديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ألا وأنا حبيب الله واختلف المتكلمون هل المحبة أرفع من الخلة أم الخلة أرفع أم هما سواء فقالت طائفة هما بمعنى فلا يكون الحبيب إلا خليلا ولا يكون الخليل إلا حبيبا وقيل الحبيب أرفع لأنها صفة نبينا صلى الله عليه وسلم وقيل الخليل أرفع وقد ثبتت الخلة خلة نبينا صلى الله عليه وسلم لله تعالى بهذا الحديث ونفى أن يكون له خليل غيره وأثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وأبنيها وغيرهم ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه هذه مباديها وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره إلى آخره هذا كلام القاضي وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم فلا يخالف هذا لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كذا في شرح مسلم للنووي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجه قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير) أما حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة فأخرجهما الترمذي في ما بعد وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وأما حديث ابن الزبير فأخرجه أحمد والبخاري قوله (حدثنا إسماعيل بن أبي أويس) هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس قوله (قال) أي عمر (أبو بكر سيدنا) أي نسبا وحسبا (وخيرنا) أي أفضلنا قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هوبن علية (عن الجريري) هو سعيد بن إياس (عن
[ 98 ]
عبد الله بن شقيق) العقيلي البصري قوله (أبو بكر) أي كان أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم (قلت ثم من) أي بعد أبي بكر من كان أحب إليه (فسكتت) أي عائشة ولم تجب واعلم أن المحبة تختلف بالأسباب والأشخاص فقد يكون للجزئية وقد يكون بسبب الإحسان وقد يكون بسبب الحسن والجمال وأسباب أخر لا يمكن تفصيلها ومحبته صلى الله عليه وسلم لفاطمة بسبب الجزئية والزهد والعبادة ومحبته لعائشة بسبب الزوجية والتفقه في الدين ومحبة أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بسبب القدم في الإسلام وإعلاء الدين ووفور العلم فإن الشيخين لا يخفى حالهما لأحد من الناس وأما أبو عبيدة فقد فتح الله تعالى على يديه فتوحا كثيرة في خلافة الشيخين وسماه صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة والمراد في هذا الحديث محبته عليه السلام لهذا السبب فلا يضر ما جاء في الأحاديث الأخر شدة محبته صلى الله عليه وسلم لعائشة وفاطمة رضي الله عنهما لأن تلك المحبة بسبب آخر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجه قوله (عن سالم بن أبي حفصة) العجلي كنيته أبو يونس الكوفي صدوق في الحديث إلا أنه شيعي غال من الرابعة (وعبد الله بن صهبان) بضم الصاد المهملة وسكون الهاء بعدها موحدة الأسدي أبي العنبس بفتح المهملة وسكون النون وفتح الموحدة الكوفي لين الحديث من السابعة (وابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري الكوفي (وكثير النواء) قال في التقريب كثير بن إسماعيل أو ابن نافع النواء بالتشديد أبو إسماعيل التيمي الكوفي ضعيف من السادسة (عن عطية) هو العوفي قوله (إن أهل الدرجات) جمع الدرجة وهي المرتبة والطبقة (العلى) جمع عليا ككبرى وكبر أي من أهل الجنة (من تحتهم) أي الذين تحت أهل الدرجات العلى وهو فاعل لقوله يرى (في أفق السماء) بضمتين ويسكن الثاني أي ناحيتها وجمعه افاق (منهم) أي من أهل الدرجات العلى (وأنعما) أي زادا وفضلا يقال أحسنت إلى وأنعمت أي زدت على الانعام وقيل معناه صار إلى النعيم ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال كذا في النهاية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه
[ 99 ]
باب قوله (عن ابن أبي المعلى) قا ل في التقريب ابن أبي المعلى الأنصاري عن أبيه لم يسم ولا يعرف من الثالثة وقال في تهذيب التهذيب روى عنه عبد الملك بن عمير (عن أبيه) أي أبي المعلى قال في التقريب أبو المعلى بن لوذان الأنصاري قيل اسمه زيد بن المعلى صحابي له حديث يعني به حديث الباب قوله (خطب يوما) وفي حديث أبي سعيد الاتي جلس على المنبر فقال (خيره) من التخيير أي فرض إليه الخيار (قال) أي أبو المعلى (فبكى أبو بكر) أي حزنا على فراقه صلى الله عليه وسلم (فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أي فيما بينهم (من هذا الشيخ) يعنون أبا بكر (أعلمهم) أي أعلم الصحابة (بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بالمراد من الكلام المذكور (أمن إلينا) فعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل أي أجود وأبذل علينا (في صحبته وذات يده) أي ماله (ولكن ود) بضم الواو وفتحها وكسرها أي مودة (وإخاء إيمان) بكسر الهمزة وبالمد مصدر أخى أي مؤاخاة إيمان (ألا) بالتخفيف للتنبيه (وإن صاحبكم) يريد به صلى الله عليه وسلم نفسه قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وأبو يعلى (ومعنى قوله أمن إلينا يعني أمن علينا) مقصود الترمذي أن إلى في قوله أمن إلينا بمعنى على
[ 100 ]
قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب الترمذي (عن أبي النضر) اسمه سالم بن أبي أمية (عن عبيد بن حنين) بنونين مصغرا المدني أبي عبد الله ثقة قليل الحديث من الثالثة قوله (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر) وللبخاري من حديث ابن عباس خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة فقعد على المنبر ولمسلم من حديث جندب سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بخمس ليال (من زهرة الدنيا) بفتح الزاي وسكون الهاء أي نعيمها وأعراضها وحظوظها شبهت بزهرة الروضة (قال) أي أبو سعيد (فعجبنا) أي تعجبنا (وكان أبو بكر هو أعلمنا به) أي بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بالمراد من الكلام المذكور (إن من أمن الناس علي) بتشديد الياء وأمن أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل بمعنى أن أبذل الناس لنفسه وماله لا من المنة التي تغسل الصنيعة قال النووي قال العلماء معناه أكثرهم جودة وسماحة لنا بنفسه وماله وليس هو من المن الذي هو الاعتداد بالصنيعة لأنه أذى مبطل للثواب ولأن المنة لله ولرسوله في قبول ذلك (في صحبته وماله أبو بكر) كذا في بعض النسخ بالرفع وفي بعضها أبا بكر بالنصب وهو الظاهر ووجه الرفع بتقدير ضمير الشأن أي أنه والجار والمجرور بعد خبر مقدم وأبو بكر مبتدأ مؤخر أو إن بمعنى نعم أو أن من زائدة على رأي الكسائي قالى بن برى يجوز الرفع إذا جعلت من صفة الشئ محذوف تقديره إن رجلا أو إنسانا من أمن الناس فيكون اسم إن محذوفا والجار والمجرور في موضع الصفة وقوله أبو بكر الخبر (ولكن أخوة الاسلام) استدراك عن مضمون الجملة الشرطية وفحواها كأنه قال ليس بيني وبينه خلة ولكن بيننا في الإسلام أخوة فنفى الخلة وأثبت الإخاء قال السيد جمال الدين أي لكن بيني وبينه أخوة الإسلام أو لكن أخوة الإسلام حاصلة أو لكن أخوة الإسلام أفضل كما وقع في بعض الطرق فإن أريد أفضلية أخوة الإسلام ومودته عن الخلة كما هو ظاهر من السياق يشكل فيجب أن يراد أفضليتها من غير الخلة أو يقال أفضل بمعنى فاضل أو يقال أخوة
[ 101 ]
الإسلام التي بيني وبين أبي بكر أفضل من أخوة الإسلام التي بيني وبين غيره أو من أخوة الإسلام التي بينه وبين غيري والأول أحسن انتهى (لا تبقين) بصيغة المجهول من الابقاء (خوخة) قال في النهاية الخوخة باب صغير كالنافذة الكبيرة وتكون بين بيتين ينصب عليها باب انتهى وفي رواية البخاري لا يبقين في المسجد باب الأسد قال الحافظ وفي رواية مالك خوخة بدل باب والخوخة طاقة في الجدار تفتح لأجل الضوء ولا يشترط علوها وحيث تكون سفلى يمكن الاستطراق منها لاستقراب الوصول إلى مكان مطلوب وهو المقصود هنا ولهذا أطلق عليها باب قيل لا يطلق عليها باب إلا إذا كانت تغلق انتهى (إلا خوخة أبي بكر) فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر رضي الله عنه وفيه أن المساجد تصان عن التطرق إليها في آخوخات ونحوها إلا من أبوابها إلا لحاجة مهمة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (باب) قوله (حدثنا محبوب بن محرز القواريري) التميمي العطار أبو محرز الكوفي لين الحديث من التاسعة (عن أبيه) أي يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود قوله (ما لأحد عندنا يد) أي عطاء وإنعام (إلا وقد كافيناه) كذا في النسخ الحاضرة بالياء وكذلك في بعض نسخ المشكاة ووقع في بعضها كافأناه بالهمزة قال القاري في المرقاة قوله كافأناه بهمزة ساكنة بعد الفاء ويجوز إبدالها ألفا ففي القاموس كافأه مكافأة جازاه ذكره في المهموز وكفاه مؤنته كفاية ذكره في المعتل ولا يخفي أن المناسب للمقام هو المعنى الأول وفي بعض النسخ المصححة يعني من المشكاة بالياء ولا يظهر له وجه انتهى قلت المكافأة من الكفاية أيضا تأتي بمعنى المجازاة قال في الصراح في معتل اللام مكافأة باداش كردن وقال في المنجد فيه كافي كفاه مكافأة الرجل جازاه والمعنى جازيناه مثلا بمثل أو أكثر (ما خلا أبا بكر) أي ما عداه أي إلا إياه (فإن له عندنا يدا) قيل أراد باليد النعمة وقد بذلها كلها إياه صلى الله عليه وسلم وهي المال والنفس والأهل والولد (يكافيه الله) أي يجازيه (بها) أي بتلك اليد (ما
[ 102 ]
نفعني مال أبي بكر) ما مصدرية ومثل مقدر أي مثل ما نفعني ماله قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه مختصرا باب في مناقب أبي بكر وعمر كليهما قوله (عن زائدة) هو ابن قدامة قوله (اقتدوا بالذين من بعدي) أي بالخليفتين الذين يقومان من بعدي (أبي بكر وعمر) بدل من الذين أي لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما وفيه إشارة لأمر الخلافة قاله المناوي قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه الترمذي في مناقبه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه وروى سفيان الثوري هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير عن مولى الربعي الخ وصل الترمذي رواية سفيان هذه في مناقب عمار بن ياسر وأحمد في مسنده قوله (فربما ذكره عن زائدة عن عبد الملك بن عمير وربما لم يذكر فيه عن زائدة) هذا بيان تدليس ابن عيينة وكان لا يدلس إلا عن ثقة قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين سفيان بن عيينة الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام المشهور فقيه الحجاز في زمانه كان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة وادعى ابن حبان بأن ذلك كان خاصا به ووصفه النسائي وغيره بالتدليس انتهى
[ 103 ]
قوله (عن سالم أبي العلاء المرادي) قال في التقريب سالم بن عبد الواحد المرادي الأنعمي بضم المهملة أبو العلاء الكوفي مقبول وكان شيعيا من السادسة (عن عمرو بن هرم) الأزدي البصري ثقة من الثالثة قوله (إني لا أدري ما بقائي فيكم) قال الطيبي ما استفهامية أي لا أدري كم مدة بقائي فيكم أقليل أم كثير وفيه تعليق (باب) قوله (أخبرنا الوليد بن محمد الموقري) بضم الميم وبقاف مفتوحة أبو بشر البلقاوي مولى بني أمية متروك من الثامنة (عن علي بن الحسين) هو المعروف بزين العابدين قوله (إذا طلع أبو بكر وعمر) أي ظهرا (هذان سيدا كهول أهل الجنة) الكهول بضمتين جمع الكهل وهو على ما في القاموس من جاوز الثلاثين أو أربعا وثلاثين إلى إحدى وخمسين فاعتبر ما كانوا عليه في الدنيا حال هذا الحديث وإلا لم يكن في الجنة كهل كقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم وقيل سيدا من مات كهلا من المسلمين فدخل الجنة لأنه ليس فيها كهل بل من يدخلها ابن ثلاث وثلاثين وإذا كانا سيدي الكهول فمن أولى أن يكونا سيدي شباب أهلها انتهى قلت وقع في رواية أحمد هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين (من الأولين والاخرين) أي الناس أجمعين (يا علي لا تخبرهما) زاد ابن ماجه في روايته ما داما حيين قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه (والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث) فالحديث ضعيف وفيه انقطاع لأن
[ 104 ]
علي بن الحسين لم يدرك علي بن أبي طالب قوله (وفي الباب عن أنس وابن عباس) وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه قوله أخبرنا محمد بن كثير الثقفي الصنعاني قوله هذان سيدا كهول أهل الجنة) تقدر شرحه وقال الجزري في النهاية الكهل من الرجال من زاد على ثلاثين سنة إلى الأربعين وقيل من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين وقد اكتهل الرجل وكاهل إذا بلغ الكهولة فصار كهلا وقيل أراد بالكهل ههنا الحليم العاقل أي أن الله يدخل أهل الجنة الجنة حلماء عقلاء قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه أبو يعلى والضياء المقدسي في المختارة قوله ذكره أي الحديث داود هو ابن أبي هند عن الحارث بن عبد الله الأعور (باب) قوله (قال أبو بكر ألست أحق الناس بها) أي بالخلافة (ألست أول من أسلم) أي من الرجال قال الحافظ قد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال وذكر ابن
[ 105 ]
إسحاق أنه كان تحقق أنه سيبعث لما كان يسمعه ويرى من أدلة ذلك فلما دعاه بادر إلى تصديقه من أول وهلة (باب) قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي (حدثنا الحكم بن عطية) العيشي بالتحتانية والمعجمة البصري صدوق له أوهام من السابعة قوله (فلا يرفع إليه أحد منهم بصره) أي لهيبته صلى الله عليه وسلم (إلا أبو بكر وعمر) بالرفع على أنه بدل من أحد (ويتبسمان إليه ويتبسم إليهما) وذلك من عادة المحبة وخاصتها إذا نظر أحدها على الاخر يحصل منهما التبسم بلا اختيار كذا في اللمعات وقال في المرقاة التبسم مجاز عن كمال الانبساط فيما بينهم قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (باب) قوله (حدثنا سعيد بن مسلمة) بن هشام بن عبد الملك بن مروان نزيل الجزيرة ضعيف من الثامنة (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد الأموي قوله (خرج ذات يوم) أي من
[ 106 ]
الحجرة الشريفة (أحدهما عن يمينه والاخر عن شماله) قال القاري الظاهر أنه نوع لف ونشر مرتب فوض إلى رأي السامع لظهوره عنده (وهو أخذ) بصيغة اسم الفاعل (بأيديهما) أي بيديهما (هكذا) أي بالوصف المذكور من الاجتماع المسطر (نبعث) أي نخرج من القبور قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه قوله (حدثنا مالك بن إسماعيل) الهندي أبو غسان (حدثني كثير أبو إسماعيل) هو ابن إسماعيل النواء (عن جميع) بالتصغير (بن عمير) كذلك (التيمي) كنيته أبو الأسود الكوفي صدوق يخطئ ويتشيع من الثالثة قوله (أنت صاحبي على الحوض) أي الكوثر (وصاحبي في الغار) أي الكهف الذي بجبل ثور الذي أويا إليه في خروجهما مهاجرين قال في اللمعات يعني صاحبي في الدنيا والاخرة وكونه صاحبا له في الغار فضيلة تفرد بها أبو بكر لم يشاركه فيها أحد انتهى وقال القاري أجمع المفسرون على أن المراد بصاحبه في الاية يعني قوله تعالى ثاني اثنين إذ هما في الغار هو أبو بكر وقد قالوا من أنكر صحبة أبي بكر كفر لأنه أنكر النص الجلي بخلاف صحبة غيره من عمر أو عثمان أو علي رضوان الله عليهم أجمعين (باب) قوله (عن أبيه) أي المطلب بن عبد الله بن حنطب (عن عبد الله بن حنطب) يدل من قوله
[ 107 ]
عن جده قال في التقريب عبد الله بن حنطب بن الحارث بن عبيد بن عمر بن مخزوم مختلف في صحبته وله حديث مختلف في إسناده انتهى (هذان السمع والبصر) أي نفسهما مبالغة كرجل عدل أو هما في المسلمين أو في الدين كالسمع والبصر في الأعضاء فحذف كاف التشبيه للمبالغة ولذا يسمى تشبيها بليغا أو هما في العزة عندي بمنزلتهما قال القاضي ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم سماهما بذلك لشدة حرصهما على استماع الحق واتباعه وتهالكهما على النظر في الايات المنبثة في الأنفس والافاق والتأمل فيها والاعتبار بها كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الطبراني قال الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه محمد مولى بني هاشم ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات انتهى قوله (هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم) قال في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا قال ابن أبي حاتم له صحبه وكذا قال ابن عبد البر وزاد وحديثه مضطرب الإسناد وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة فقد رواه داود بن صبيح والفضل بن الصباح عن ابن أبي فديك حدثني غير واحد عن عبد العزيز وهكذا رواه علي بن مسلم ويوسف بن يعقوب الصغار عن ابن أبي فديك قال حدثني غير واحد منهم على ابن عبد الرحمن بن عثمان وعمر بن أبي عمرو عن عبد العزيز انتهى وفي الجامع الصغير للسيوطي أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس رواه أبو يعلى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده قال ابن عبد البر وما له غيره ورواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس والخطيب عن جابر انتهى (باب) قوله (مروا أبا بكر فليصل بالناس) وفي رواية البخاري قالت لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن فقال مروا أبا بكر (لم يسمع الناس من البكاء) أي لم يستطيع أن يسمع الناس من شدة البكاء وفي رواية البخاري إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم
[ 108 ]
يستطع أن يصلي بالناس وفي حديث ابن عمر في هذه القصة قالت إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء (ففعلت حفصة) أي ذلك (إنكن لأنتن صواحب يوسف) أي الصديق عليه السلام وصواحب جمع صاحبة والمراد أنهن مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحد وهي عائشة فقط كما أن صواحب صيغة جمع والمراد زليخا فقط ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرت لهن الإكرام بالضيافة ومرادها زيادة على ذلك وهو أن ينظرن إلى حسن يوسف ويعذرنها في محبته وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرف الإمامة عن أبيها كونه لا يسمع المأمومين القراءة لبكائه ومرادها زيادة على ذلك وهو أن لا يتشاءم الناس به وقد صرحت هي فيما بعد ذلك فقالت لقد راجعته وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم يقع في قلبي أن يحب الناس بعده رجلا قام مقامه أبدا الحديث كذا في الفتح (ما كنت لأصيب منك خيرا) قال الحافظ إنما قالت حفصة ذلك لأن كلامها صادف المرة الثالثة من المعاودة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يراجع بعد ثلاث فلما أشار إلى الإنكار عليها بما ذكر من كونهن صواحب يوسف وجدت حفصة في نفسها من ذلك لكون عائشة هي التي أمرتها بذلك ولعلها تذكرت ما وقع لها معها أيضا في قصة المغافير قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك والبخاري والنسائي في التفسير قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى وابن عباس وسالم بن عبيد) أما حديث عبد الله بن مسعود فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه وغيره قال الحافظ بإسناد حسن وأما حديث سالم بن عبيد فأخرجه ابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه (باب) قوله (عن عيسى بن ميمون الأنصاري) في التقريب عيسى بن ميمون المدني مولى
[ 109 ]
القاسم بن محمد يعرف بالواسطي ويقال له ابن تليدان بفتح المثناة وفرق بينهما ابن معين وابن حبان وابن ميمون ضعيف من السادسة وقال في الخلاصة قال البخاري منكر الحديث (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق قوله (لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره) قال في اللمعات فيه دليل على فضله في الدين على جميع الصحابة فكان تقديمه في الخلافة أيضا أولى وأفضل ولهذا قال سيدنا علي المرتضى قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر ديننا فمن الذي يؤخرك في دنيانا انتهى قوله (هذا حديث غريب) ذكره ابن الجوزي في موضوعاته وقال فيه عيسى بن ميمون لا يحتج به وأحمد بن بشير متروك قال الحافظ السيوطي في تعقباته الحديث أخرجه الترمذي وأحمد بن بشير احتج به البخاري ووثقه الأكثرون وقال الدارقطني ضعيف يعتبر بحديثه وعيسى قال فيه حماد بن سلمة ثقة وقال يحيى مرة لا بأس به وضعفه غيرهما ولم يتهم بكذب فالحديث حسن وشاهده الأحاديث الصحيحة في تقديمه إماما للصلاة في مرض الوفاة وقال الحافظ ابن كثير في مسند الصديق إن لهذا الحديث شواهد يقتضي صحته وأخرج أبو يعلى من وجه آخر عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ليصل بالناس قالوا يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لو أمرت غيره أن يصلي قال لا ينبغي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر انتهى (باب) قوله (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني قوله (من أنفق زوجين) أي شيئين من أي صنف من أصناف المال من نواع واحد وقد جاء مفسرا مرفوعا بعيرين شاتين حمارين درهمين (في سبيل الله) اختلف في المراد بقوله في سبيل الله فقيل أراد الجهاد وقيل ما هو أعم منه (نودي في الجنة) وفي رواية البخاري نودي من أبواب الجنة (يا عبد الله هذا خير) ليس اسم التفضيل بل المعنى هذا خير من الخيرات والتنوين فيه للتعظيم (فمن كان من أهل الصلاة) أي
[ 110 ]
المؤدين للفرائض المكثرين من النوافل وكذا ما يأتي فيما قيل (ومن كان من أهل الصيام) أي الذي الغالب عليه الصيام وإلا فكل المؤمنين أهل للكل (دعى من باب الريان) بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري اسم علم لباب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين قال الحافظ معنى الحديث أن كل عامل يدعى من باب ذلك العمل وقد جاء ذلك صريحا من وجه آخر عن أبي هريرة لكل عامل باب من أبواب الجنة يدعى منه بذلك العمل أخرجه أحمد وابن أبي شيبة بإسناد صحيح قال ووقع في الحديث ذكر أربعة أبواب من أبواب الجنة وقد ثبت أن أبواب الجنة ثمانية وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس رواه أحمد بن حنبل عن الحسن مرسلا إن لله بابا في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة ومنها الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخله منه من لا حساب عليه ولا عذاب وأما الثالث فلعله باب الذكر فإن عند الترمذي ما يرمي إليه ويحتمل أن يكون باب العلم ويحتمل أن يكون المراد بالأبواب التي يدعى منها أبواب من داخل أبواب الجنة الأصلية لأن الأعمال الصالحة أكثر عددا من ثمانية انتهى وجاء في رواية عن أبي هريرة بيان الداعي فروى البخاري عنه مرفوعا من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب أي قيل هلم الحديث (ما على من دعى من هذه الأبواب من ضرورة) كلمة ما للنفي ومن زائدة وهي اسم ما أي ليس ضرورة واحتياج على من دعى من باب واحد من تلك الأبواب إن لم يدع من سائرها لحصول المقصود وهو دخول الجنة وهذا نوع تمهيد قاعدة السؤال في قوله (فهل يدعي أحد من تلك الأبواب كلها) أي سألت عن ذلك بعد معرفتي بأن لا ضرورة ولا احتياج لمن يدعى من باب واحد إلى الدعاء من سائر الأبواب إذ يحصل مراده بدخول الجنة (قال نعم) أي يكون جماعة يدعون من جميع الأبواب تعظيما وتكريما لهم لكثرة صلاتهم وجهادهم وصيامهم وغير ذلك من أبواب الخير (وأرجو أن تكون منهم) قال العلماء الرجاء من الله ومن نبيه واقع محقق وبهذا التقرير يدخل الحديث في فضائل أبي بكر ووقع في حديث ابن عباس عند ابن حبان في نحو هذا
[ 111 ]
الحديث التصريح بالوقوع لأبي بكر ولفظه قال أجل وأنت هو يا أبا بكر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي قوله (أن نتصدق) أي في بعض الجهات (ووافق ذلك عندي مالا) أي صادف أمره بالتصدق حصول مال عندي فعندي حال من مال والجملة حال مما قبله يعني والحال أنه كان لي مال كثير في ذلك الزمان (اليوم أسبق أبا بكر) أي بالمبارزة أو بالمبالغة (إن سبقته يوما) أي من الأيام وإن شرطية دل على جوابها ما قبلها أو التقدير إن سبقته يوما فهذا يومه وقيل إن نافية أي ما سبقته يوما قبل ذلك فهو استئناف تعليل (قال) أي عمر (قلت مثله) أي أبقيت مثله يعني نصف ماله (بكل ما عنده) أي من المال (الله ورسوله) مفعول أبقيت أي رضاهما (لا أسبقه إلى شئ) أي من الفضائل لأنه إذا لم يقدر على مغالبته حين كثرة ماله وقلة مال أبي بكر ففي غير هذا الحال أولى أن لا يسبقه قوله (هذا حديث حسن حيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (باب) قوله (عن أبيه) أي سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (فكلمته في شئ) أي من أمرها (فأ مرها بأمر) وفي رواية البخاري فأمرها أن ترجع إليه (أرأيت) أي أخبرني (إن لم أجدك)
[ 112 ]
في رواية البخاري إن جئت ولم أجدك كأنها تقول الموت (فأتى أبا بكر) فيه إشارة إلى فضله رضي الله عنه وفيه إشارة أيضا إلى أنه هو الخليفة من بعده وأصرح من هذا دلالة على أنه هو الخليفة من بعده ما رواه الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال قلنا يا رسول الله إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك قال إلى أبي بكر الصديق وفيه ضعيف وروى الإسماعيلي في معجمه من حديث سهل بن أبي حثمة قال بايع النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فسأله إن أتى عليه أجله من يقضيه فقال أبو بكر ثم سأله من يقضيه بعده قال عمر الحديث قاله العيني قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان (باب) قوله حدثنا محمد بن حميد هو الرازي أخبرنا إبراهيم بن المختار التيمي أبو اسماعيل الرازي صدوق ضعيف الحفظ من الثامنة عن إسحاق بن راشد الجزري أبي سليمان ثم في حديثه عن الزهري بعض الوهم من السابعة قوله أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في المناقب لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر وفي الهجرة لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر وكذا عند الترمذي كما تقدم قال الخطابي وابن بطال وغيرهما في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر رضي الله عنه وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة ولا سيما وقد ثبت ان ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلا أبو بكر تنبيه أخرج أحمد والنسائي بإسناد قوي عن سعد بن أبي وقاص قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي وقد ورد في الأمر بسد الأبواب إلا باب علي أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في الفتح وقال بعد ذكرها وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها انتهى فهذه الأحاديث تخالف أحاديث الباب قال الحافظ ويمكن الجمع بين القصتين وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال ورد في روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي ورد روايات أهل المدينة في في قصة أبي بكر فإن ثبتت روايات
[ 113 ]
أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري يعني الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك والمعنى أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده ويؤيد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القران من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلا لعلي بن أبي طالب لأن بيته كان في المسجد ومحصل الجمع أن الأمر بسد الأبواب وقع مرتين ففي الأولى استثنى علي لما ذكره وفي الأخرى استثنى أبو بكر ولكن لا يتم ذلك إلا بأن يحمل ما في قصة علي على الباب الحقيقي وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه وكأنهم لما أمروا بسد الأبواب سدوها وأحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بسدها فهذا طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في مشكل الآثار في أوائل الثلث الثالث منه وأبو بكر الكلاباذي في معاني الأخير وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلا من داخل المسجد انتهى كلام الحافظ قوله وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه الترمذي فيما تقدم قريبا (باب) قوله أخبرنا معن هو ابن عيسى القزاز أخبرنا اسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي ضعيف من الخامسة عن عمه إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي مقبول من الثالثة قوله فسمي يؤمئذ عتيقا قال ابن الجوزي في التلقيح في تسميته بعتيق ثلاثة أقوال احدها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر روته عائشة والثاني أنه اسم سمته به أمه قاله موسى بن طلحة والثالث أنه سمي به لجمال وجهه قال الليث بن سعد وقال ابن قتيبة لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه انتهى قلت الوجه الأول هو الراجح المعول عليه
[ 114 ]
(باب) قوله أخبرنا تليد بفتح الفوقية وكسر اللام وسكون التحتية وبدال مهملة المحاربي الكوفي الأعرج رافضي ضعيف من الثامنة قال صالح جزرة كانوا يسمونه بليدا يعني بالموحدة عن عطية هو العوفي قوله ما من نبي إلا وله وزيران من أهل السماء ووزيران من أهل الأرض الوزير الموازر لأنه يحمل الوزر أي الثقل عن أميره والمعنى أنهه إذا أصابه أمر شاروهما كما أن الملك إذا حزبه أمر مشكل شاور وزيره ومنه قوله تعالى واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري قال في النهاية الوزير هو الذي يوازره فيحمل عنه ما حمله من الأثقال والذي يلتجئ الأمير إلى رأيه وتدبيره فهو ملجأ له ومفزع فأما وزيراي من أهل السماء فجبرئيل وميكائيل فيه دلالة ظاهرة على فضله صلوات الله وسلامه عليه على جبرئيل وميكائيل عليهما السلام كما أن فيه إيماء إلى تفضيل جبرئيل وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر فيه دلالة ظاهرة على فضلهما على غيرهما من الصحابة وهم أفضل الأمة وعلى أن أبا بكر أفضل من عمر لأن الواو وإن كان لمطلق الجمع ولكن ترتبه في لفظه الحكيم لا بد له من أثر عظيم قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه الحكم وصححه وأقروه والحكيم في نوادره عن ابن عباس وغيره وابن عساكر وأبو يعلى وغيرهما عن أبي ذر بأسانيد ضعيفة كذا في التيسير قوله بينما رجل راكب بقرة إذ قالت لم اخلق لهذا وفي رواية البخاري بينما رجل يسوق
[ 115 ]
بقرة إذ ركبها فضربها فقالت إنا لم نخلق لهذا قال الحافظ استدل به على أن الدواب لا تستعمل إلا فيما جرت العادة باستعمالها فيه ويحتمل أن يكون قولها إنما خلقنا للحرث للإشارة إلى معظم ما خلق له ولم ترد الحصر في ذلك لأنه غير مراد اتفاقا لأن من أجل ما خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق قال رسول الله ثلى الله عليه وسلم آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر هو محمول على أنه كان أخبرهما بذلك فصدقاه أو أطلق ذلك لما اطلع عليه من أنهما يصدقان بذلك إذا سمعاه ولا يترددان فيه وما هما في القوم يؤمئذ أي عند حكاية النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان (مناقب أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه) قوله أخبرنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت الأنصاري أبو زيد المدني وقد ينسب إلى جده صدوق له أوهام من السابعة قوله اللهم أعز الإسلام أي قوه وانصره واجعله غالبا على الكفر بأبي جهل أو بعمر الخطاب أي للتنويع لا للشك قال أي رسول الله ضلى الله عليه وسلم وكان أحبهما إليه أي إلى الله سبحانه وتعالى وفي حديث ابن عباس الآتي فأصبح فغدا عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وأخرج البخاري في قيس عن عبد الله بن مسعود قال ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر قال الحافظ أي لما كان فيه من الجلد والقوة في أمر الله وروى ابن أبي شيبة
[ 116 ]
والطبراني من طريق القاسم بن عبد الرحمن قال قال عبد الله بن مسعود كان إسلام عمر عزا وهجرته نصرا وإمارته رحمة والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر وقد ورد سبب إسلامه مطولا فيما أخرجه الدارقطني من طريق القاسم بن عثمان عن أنس قال خرج عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بين زهرة فذكر قصة دخول عمر على أخته وإنكاره إسلامها وإسلام زوجها سعيد بن زيد وقراءته سورة طه ورغبته في الإسلام فخرج خباب فقال أبشر يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوة رسول الله لك اللهم أعز الإسلام بعمرو بن هشام وفي فضائل الصحابة لخيثمة من طريق أبي وائل عن ابن مسعود وقال قال اللهم أيد الإسلام بعمر ومن حديث علي مثله بلفظ أعز وفي حديث عائشة مثله أخرجه الحاكم بإسناد صحيح انتهى قوله هذا حديث حسن صحيح غريب قال الحافظ بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا وصححه ابن حبان أيضا وفي إسناده خارجة بن عبد الله صدوق فيه مقال لكن له شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الترمذي أيضا ومن حديث أنس يعني المذكور في كلامه المتقدم (باب) قوله إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه أي أجراه على لسانه وذلك أمر أمر خلقي جبلي له وفي حديث ابي ذر عند ابن ماجه إن الله وضع الحق على لسان عمر قال الطيبي ضمن جعل معنى أجرى فعداه بعلى وفيه معنى ظهور الحق واستعلائه على لسانه وفي وضع الجعل موضع أجرى إشعار بأن ذلك كان خلقيا ثابتا مستقرا قال أي نافع ما نافيه نزل أي حدث بالناس أي فيهم فقالوا فيه أي قال الصحابة في ذلك الأمر برأيهم واجتهاهم وقال في عمر أي برأيه واجتهاده على نحو ما قال عمر أي موافقا لقوله قوله وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي هريرة أما حديث الفضل بن عباس فلينظر من أخرجه وأما حديث ابي ذر
[ 117 ]
فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن ماجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو يعلى والحاكم وقال على شرط مسلم وأقروه وأخرجه ايضا أحمد والبزار والطبراني في الأوسط قال الهيثمي رجال البزار رجال الصحيح غير الجهم بن أبي الجهم وهو ثقة قوله هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه أحمد (باب) قوله عن النضر أبي عمر هو عبد الرحمن الخزاز بمعجمات متروك من السادسة قوله اللهم أعز الإسلام بأبي جهل بن هشام اسمه عمرو بن هشام قال أي ابن عباس فأصبح أي دخل عمر في الصباح بعد دعائه عليه السلام قبله فغدا عمر أي أقبل غاديا أي ذاهبا في أول النهار على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطيبي هو إما خبر أي غدا مقبلا على النبي صلى الله عليه وسلم أو ضمن غدا معنى أقبل ونحوه قوله تعالى وغدوا على حرد قادرين فأسلم أي عمر زاد أحمد في رواية ثم صلى في المسجد ظاهرا قال القاري أي صلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة المجهول أي صلى المؤمنون في المسجد ظاهرا أي عيانا غير خفي أو غالبا غير مخوف قوله هذا حديث غريب وأخرجه أحمد (باب) قوله أخبرنا عبد الله بن داود الواسطي أبو محمد التمار ضعيف من التاسعة حدثني عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر في التقريب عبد الرحمن القرشي التيمي ابن اخي محمد بن
[ 118 ]
المنكدر مجهول من الثامنة قوله أما بالتخفيف للتنبيه إنك إن قلت ذاك أي إذا قلت ذلك الكلام وعظمتني من بين الأنام فأجازيك بمثل هذا المرام من التبشير في هذا المقام ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر هو إما محمول على أيام خلافته أو مقيد ببعد أبي بكر أو المراد في باب العدالة أو طريق السياسة ونحو ذلك جمعا بين الألفاظ الواردة في السنة قاله القاري وقال في اللمعات وجوه الخيرة مختلفة متعددة فلا منافاة بين كون كل منهما خيرا مع كون أبي بكر أفضل من جهة كثرة الثواب وقال المناوي أي أن ذلك سيكون له في بعض الأزمنة الآتية وهو من إفضاء الخلافة إليه إلى موته فإنه حينئذ أفضل أهل الأرض قوله هذا حديث غريب وأخرجه الحاكم وليس إسناده بذاك أي ليس بالقوي قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الرحمن بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا وقال العقيلي لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به انتهى قلت وفي سند هذا الحديث أيضا عبد الله بن داود وهو ضعيف كما عرفت وقال البخاري فيه نظر ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالبا قاله الذهبي قال وتكلم فيه ابن حبان وابن عدي في ترجمته أي في ترجمة عبد الله بن داود هذا عبد الرحمن ابن أخي محمد بن المنكدر عن عمه عن جابر أن عمر قال لأبي بكر يوما يا سيد المسلمين فقال أما إذا قلت فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقال بعد ذكره هذا كذب انتهى قوله وفي الباب عن أبي الدرداء لينظر من أخرجه قوله عن أيوب هو السختياني ينتقص صفة من الانتقاص صفة لقوله رجلا وفي بعض النسخ يتنقص من التنقص يقال فلان يتنقص فلانا ويتنقصه أي يقع فيه ويذمه يحب النبي صلى الله عليه وسلم يعني لا يحب النبي صلى الله عليه وسلم من يذم ويشتم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وظن محمد بن سيرين هذا صحيح عندي وقال ابن معين في تليد بن سليمان أنه كذاب كان يشتم عثمان وكل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دجال لا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب
[ 119 ]
(باب) قوله أخبرنا المقرئ بضم الميم اسمه عبد الله بن يزيد المكي وكنيته أبو عبد الرحمن عن حيوة بن شريح بن صفوان عن بكر بن عمرو المعافري المصري عن مشرح كمنبر قوله لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب فيه إبانة عن فضل ما جعله الله لعمر من اوصاف الأنبياء وخلال المرسلين قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه احمد والحاكم وابن حبان وأخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد كذا في الفتح (باب) قوله رأيت كأني أتيت بقدح لبن الخ تقدم هذا الحديث في الرؤيا وتقدم هناك شرحه قوله فإذا أنا بقصر هو الدار الكبيرة المشيدة لأنه يقصر فيه الحرم فقلت أي للملائكة فظننت
[ 120 ]
أني أنا هو أي الشاب فقالوا أي الملائكة عمر بن الخطاب لم يصرح بكونه له ابتداء تبيانا لفضل قريش قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه أحمد وابن حبان (باب) قوله بريدة بالرفع بدل من أبي أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أي ذات يوم فدعا بلالا أي بعد صلاة الصبح بم أي بأي شئ ما دخلت الجنة قط يستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم رأى بلالا كذلك مرات إلا سمعت خشخشتك الخشخشة حركة لها صوت كصوت السلاح أمامي أي قدامي دخل البارحة هي أقرب ليلة مضت فسمعت خشخشتك أمامي قيل مشيه بين يديه صلى الله عليه وسلم على سبيل الخدمة كما جرت العادة بتقدم بعض الخدم بين يدي مخدومه وإنما أخبره عليه الصلاة والسلام بما رآه ليطيب قلبه ويداوم على ذلك العمل ولترغيب السامعين إليه فأتيت على قصر مربع مشرف أي له شرفة والشرفة من القصر ما أرشرف من بنائه قال في الصراح شرفة الضم كنكرة جمعها شرف قالوا لعمر بن الخطاب فيه فضيلة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ما أذنت أي ما أردت التأذين إلا صليت ركعتين أي نفلا قبل الأذان والأظهر ما أذنت إلا صليت قبل الإقامة ركعتين وهو قابل لاستثناء المغرب إذ ما من عام إلا وخص قاله القاري قلت قول القاري هو قابل لاستثناء المغرب ليس بصحيح فإنه قد رود في مشروعية الركعتين قبل إقامة المغرب أحاديث صحيحة صريحة حدث بفتحتين هو لغة الشئ الحادث نقل إلى ناقضات الوضوء إلا توضأت عندها أي عند إصابة الحدث ورأيت عطف على توضأت قال بن
[ 121 ]
الملك أي ظننت وقال ابن حجر المكي أي اعتقدت وقال القاري الأظهر أن يكون من الرأي أي اخترت أن لله علي ركعتين أي شكرا له تعالى إزالة الأذية وتوفيق الطهارة قال الطيبي كناية عن مواظبته عليهما بهما أي بهما نلت ما نلت أو عليك بهما قاله الطيبي قال القاري وهو أحسن مما قيل بهاتين الخصلتين دخلت الجنة ثم الظاهر أن ضمير التثنية راجع إلى القريبين المذكورين وهما دوام الطهارة وتمامها بأداء شكر الوضوء ولا يبعد أن يرجع إلى الصلاة بين كل أذانين والصلاة بعد كل طهارة أو إلى الصلاة بين الأذانين ومجموع دوام الوضوء وشكره انتهى قوله وفي الباب عن ابر ومعاذ وأنس وأبي هريرة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال الخ أم الحديث جابر فأخرجه أحمد والشيخان وأما حديث معاذ وهو ابن جبل فأخرجه أحمد والطبراني ورجالهما رجلا صحيح وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي قبل هذا الباب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله هذا حديث حسن صحيح غريب وأخرجه أحمد قوله ومعنى هذا الحديث أني دخلت البارحة الجنة يعنى رأيت في المنام كأني دخلت الجنة يعنى أنه هذه القصة وقعت في المنام لا في اليقظة هكذا روي في بعض الحديث روى الشيخان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة الحديث ويروى عن ابن عباس قال رؤيا الأنبياء وحي مقصود الترمذي بذكر هذا الأثر أن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم في المنام في شأن عمر هو حق وصدق لا شبة فيه فإن رؤيا الأنبياء وحي وروى أحمد في مسنده عن معاذ بن جبل قال إن كان عمر لمن أهل الجنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما رأى في يقظته أو نومه فهو حق وأنه قال بينما أنا في الجنة إذ رأيت فيها دارا فقلت لمن هذه فقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (باب) قوله فلما انصرف أي رجع النبي صل الله عليه وسلم جاءت جارية سوداء أي حضرت عنده صلى الله عليه وسلم
[ 122 ]
سالما وفي بعض النسخ صالحا أي منصورا بين يديل أي قدامك وفي حضورك بالدف بضم الدال وتشديد الفاء وهو أفصح وأشهر وروي الفتح أيضا هو ما يطبل به والمراد به الدف الذي كان في زمن المتقدمين وأما مفيه الجلاجل فينبغي أن يكون مكروها اتفاقا وفيه دليل على أن الوفاء بالنذر الذي فيه قربة واجب والسرور بمقدمه صلى الله عليه وسلم قربة سيما من الغزو الذي فيه تهلك الأنفس وعلى أن الضرب بالدف مباح وفي قولها وأتغنى دليل على أن سماع صوف المرأة بالغناء مباح إذا خلا عن الفتنة إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فيه دلالة ظاهرة على أن ضرب الدف لا يجوز إلا بالنذر ونحوه مما ورد فيه الإذن من الشارع كضربه في إعلان النكاح فما استعمله بعض مشائخ اليمن من ضرب الدف حال الذكر فمن أقبح القبيح والله ولي دينه وناصر نبيه قاله القاري وهي تضرب جملة حالية تحت استها بهمز وصل مكسورة وسكون سين إليتها ثم قعدت عليه أي على الدف قال التوربشتي وإنما مكنها صلى الله عليه وسلم من ضرب الدف بين يديه لأنها نذرت فدل نذرها على أنها عدت انصرافه على حال السلامة نعمة من نعم الله عليها فانقلب الأمر فيه من صنعة الحق ومن المكروه الى المستحب ثم إنه لم يكره من ذلك ما يقع به الوفاء بالنذر وقد حصل ذلك بأدنى ضرب ثم عاد الأمر في الزيادة إلى حد المكروه ولم ير أن يمنعها لأنه لو منعها صلى الله عليه وسلم كان يرجع إلى حد التحريم ولذا سكت عنها وحمد انتهاءها عما كانت فيه بمجئ عمر انتهى قال القاري وفيه أنه كان يمكن أن يمنعها منها لا يرجع إلى حد التحريم وقال الطيبي فإن قلت كيف قرر إمساكها عن ضرب الدف ههنا بمجئ عمر ووصفه بقوله إن الشيطان ليخاف منك يا عمر ولم يقرر انتهار أبي بكر رضي الله عنه الجاريتين اللتين كانتا تدففان أيام منى قلت منع أبو بكر بقوله دعهما وعلله بقوله فإنها أيام عيد وقرر ذلك هنا فدل ذلك على أن الحالات والمقامات متفاوتة فمن حالة تقتضي الاستمرار ومن حالة لا تقتضيه انتهى إن الشيطان ليخاف منك يا عمر وفي حديث عمر عند الشيخين والذي نفسي بيد ما لقيت الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك قال الحافظ فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا
[ 123 ]
يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فالأولى أن يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر بوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحصن وقال النووي هذا الحديث محمول على ظاهره وأن الشيطان يهرب إذا رآه انتهى إن كنت جالسا استئناف تعليل وهي تضرب حال قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه أحمد وذكر الحافظ حديث بريدة هذا في الفتح وسكت عنه قوله وفي الباب عن عمر وعائشة أما حديث عمر فأخرجه الشيخان وفيه والذي نفسي بيده ما لقيط الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا المعجمتان صوتا شديدا وضجة لا يفهم معناها (فإذا حبشية) بفتحتين أي جارية أو امرأة منسوب إلى الحبش (تزفن) بسكون الزاي وكسر الفاء ويضم أي ترقص وتلعب (والصبيان حولها) أي ينظرون إليها ويتفرجون عليها (تعالي) بفتح اللام وسكون التحتية أي هلمي وتقدمي (فوضعت لحيي) بالإضافة إلى ياء المتكلم تثنية لحي بالفتح وسكون الحاء المهملة منبت اللحية من الإنسان (على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو مجتمع رأس الكتف والعضد (إليها) أي الحبشية (ما بين المنكب إلى رأسه) ظرف لأنظر حذف منه في أي فيما بين المنكب إلى رأسه صلى الله عليه وسلم (فجعلت أقول لا لأنظر منزلتي عنده) أي لا لعدم الشبع حرصا على
[ 124 ]
النظر إليها بل كان قصدي من هذا القول لأنظر منزلتي وغاية مرتبتي ومحبتي عنده صلى الله عليه وسلم (إذ طلع عمر) أي ظهر (فارفض الناس عنها) بتشديد الضاد المعجمة من الارفضاض أي تفرقوا عنها من هيبة عمر (إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فروا) كأنه قال ذلك باعتبار كونه في صورة اللهو واللعب ولا بد أن يكون فيه شئ ولكنه ليس بحرام وإلا كيف رآه النبي صلى الله عليه وسلم وأراه عائشة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن عدي (باب) قوله (أنا أول من تنشق عنه الأرض) أي للبعث فلا يتقدم أحد عليه بعثا فهو من خصائصه (ثم أببكر) أي الصديق لكمال صداقته له (ثم عمر) أي الفاروق لفرقه بين الحق والباطل (ثم آتى أهل البقيع) مقبرة بالمدينة (فيحشرون) بصيغة المجهول من الحشر بمعنى الجمع (معي) أي يجمعون معي لكرامتهم على ربهم قال الحكيم هذا معنى بعيد لا أعلمه يوافق إلا في حال واحد فإن حشر المصطفى صلى الله عليه وسلم غير حشر الشيخين لأن حشره حشر سادة الرسل بل هو إمامهم ومقامهم في العرضة في مقام الصديقين وفي صفهم فالظاهر أن المراد الانضمام في اقتراب بعضهم من بعض في محل القربة (ثم انتظر أهل مكة) أي المؤمنين منهم (حتى أحشر بين الحرمين) أي حتى يكون لي ولهم اجتماع بين الحرمين كذا في التيسير قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم قوله (وعاصم بن عمر العمري ليس عندي بالحافظ) في التقريب عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري أبو عمر المدني ضعيف من السابعة وهو أخو عبيد الله العمري (عند أهل الحديث) كذا في النسخ الحاضرة والظاهر أن يكون وعند أهل الحديث بالواو عطفا على عندي
[ 125 ]
(باب) قوله (قد كان يكون في الأمم محدثون) بفتح الدال المشددة جمع محدث قال الحافظ واختلف في تأويله فقيل ملهم قاله الأكثر قالوا المحدث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقى في روعه شئ من قبل الملأ الأعلى فيكون كالذي حدثه غيره به وبهذا جزم أبو أحمد العسكري وقيل من يجري الصواب على لسانه من غير قصد وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ولفظه قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة على لسانه رويناه في فوائد الجوهري وحكاه القابسي واخرون انتهى (فإن يك في أمتي أحد) أي من المحدثين (فعمر بن الخطاب) وفي بعض النسخ يكون عمر بن الخطاب والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من الموافقات التي نزل القران مطابقا لها ووقع له بعد النبي صلى الله عليه وسلم عدة إصابات قيل لم يورد هذا القول موردا لترديد فإن أمته أفضل الأمم وإذا ثبت أن ذلك وجد في غيرهم فإمكان وجوده فيهم أولى وإنما أورده مورد التأكيد كما يقول الرجل إن يكن لي صديق فإنه فلان يريد اختصاصه بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء وقيل الحكمة فيه أن وجودهم في بني إسرائيل كان قد تحقق وقوعه وسبب ذلك احتياجهم حيث لا يكون حينئذ فيهم نبي واحتمل عنده صلى الله عليه وسلم أن لا تحتاج هذه الأمة إلى ذلك لاستغنائها بالقرآن عن حدوث نبي وقد وقع الأمر كذلك حتى إن المحدث منهم إذا تحقق وجوده لا يحكم بما وقع له بل لا بد له من عرضه على القرآن فإن وافقه أو وافق السنة عمل به وإلا تركه وهذا وإن جاز أن يقع لكنه نادر ممن يكون أمره منهم مبنيا على اتباع الكتاب والسنة وتمحضت الحكمة في وجودهم وكثرتهم بعد العصر الأول في زيادة شرف هذه الأمة بوجود أمثالهم فيه وقد تكون الحكمة في تكثيرهم مضاهاة بني إسرائيل في كثرة الأنبياء فيهم فلما فات هذه الأمة كثرة الأنبياء فيها لكون نبيها خاتم الأنبياء عوضوا بكثرة الملهمين قاله الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وأخرجه البخاري عن أبي هريرة (يعني مفهمون) اسم مفعول من التفهيم
[ 126 ]
باب قوله (عن عمرو بن مرة) الجملي المرادي (عن عبد الله بن سلمة) بكسر اللام المرادي قوله (يطلع) بتشديد الطاء من الاطلاع أي يشرف أو يظهر أو يدخل (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب عن أبي موسى وجابر) أما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في أواخر مناقب عثمان رضي الله عنه وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والبزار ورجال أحد أسانيد أحمد رجال موثقون قوله (هذا حديث غريب) في سنده محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف وعبد الله بن سلمة المرادي وهو صدوق تغير حفظه قوله (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف (يرعى غنما له) أي قطعة غنم له (إذ جاء الذئب) وفي رواية البخاري عدا عليه الذئب (فأخذ) أي الذئب (شاة) أي من الغنم وذهب بها (فانتزعها منه) أي استنقذ الشاة من الذئب (كيف تصنع بها يوم السبع) قال عياض يجوز ضم الموحدة وسكونها إلا أن الرواية بالضم وقال الجزري في النهاية قال ابن الأعرابي السبع بسكون الباء الموضع الذي إليه يكون المحشر يوم القيامة أراد من لها يوم القيامة والسبع أيضا الذعر سبعت فلانا إذا ذعرته وسبع الذئب الغنم إذا فرسها أي من لها يوم الفزع وقيل هذا التأويل يفسد بقول الذئب في تمام الحديث يوم لا راعي لها غيري والذئب لا يكون لها راعيا يوم القيامة وقيل أراد من لها عند الفتن حين يتركها الناس هملا لا راعي لها نهبة للذئاب والسباع
[ 127 ]
فجعل السبع لها راعيا إذ هو منفرد بها ويكون حينئذ بضم الباء وهذا إنذار بما يكون من الشدائد والفتن التي يهمل الناس فيها مواشيهم فتستمكن منها السباع بلا مانع وقال أبو موسى بإسناده عن أبي عبيدة يوم السبع عيد كان لهم في الجاهلية يشتغلون بعيدهم ولهوهم وليس بالسبع الذي يفترس الناس قالاوأملاه أبو عامر العبدري الحافظ بضم الباء وكان من العلم والاتقاق بمكان انتهى (فآمنت بذلك) أي بتكلم الذئب (وما هما في القوم يومئذ) أي لم يكونا يومئذ حاضرين وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقة بهما لعلمه بصدق إيمانهما وقوة يقينهما وكمال معرفتهما بقدرة الله تعالى قوله (عن سعد) هو ابن إبراهيم المذكور في السند المتقدم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 128 ]
(باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه وله كنيتان الخ) قال ابن الجوزي كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو فلما ولدت له في الإسلام رقية غلاما سماه عبد الله واكتنى به أسلم عثمان قديما قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى الحبشة الهجرتين ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر خلفه على ابنته رقية وكانت مريضة وضرب له بسهمه وأجره فكان كمن شهدها وزوجه أم كلثوم بعد رقية وقال لو كان عندي ثالثة زوجتها عثمان وسمي ذا النورين لجمعه بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقال الحافظ أما كنيته بأبي عمر فهو الذي استقر عليه الأمر وقد نقل يعقوب بن سفيان عن الزهري أنه كان يكنى أبا عبد الله بابنه عبد الله الذي رزقه من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات عبد الله المذكور صغيرا وله ست سنين وحكى ابن سعد أن موته كان سنة أربع من الهجرة وماتت أمه رقية قبل ذلك سنة اثنتين والنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وقد اشتهر أن لقبه ذو النورين وروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في الأفراد من حديث علي أنه ذكر عثمان فقيل ذاك امرؤ يدعى في السماء ذا النورين انتهى قوله (كان على حراء) ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم (اهدأ) بصيغة الأمر من هدأ بمعنى سكن أي أسكن (فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد) أو للتنويع أو بمعنى الواو قال النووي في هذا الحديث معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم منها إخباره أن هؤلاء شهداء وماتوا كلهم غير النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء فإن عمر وعثمان وعليا وطلحة والزبير قتلوا ظلما شهداء فقتل الثلاثة مشهور وقتل الزبير بوادي السباع بقرب البصرة منصرفا تاركا للقتال وكذلك طلحة اعتزل الناس تاركا للقتال فأصابه سهم فقتله وقد ثبت أن من قتل ظلما فهو شهيد والمراد شهداء في أحكام الاخرة وعظم ثواب الشهداء وأما في الدنيا فيغسلون ويصلى عليهم وفيه بيان فضيلة هؤلاء وفيه إثبات التمييز في الحجارة وجواز التزكية والثناء على الإنسان في وجهه إذا لم يخف عليه فتنة بإعجاب ونحوه انتهى قوله (وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد
[ 129 ]
الخ) أما حديث عثمان فأخرجه الترمذي فيما بعد وأما حديث سعيد بن زيد فأخرجه الترمذي في مناقبه وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه أبو يعلى ووقع فيه لفظ أحد مكان حراء كما في الفتح وأخرجه أيضا أحمد بلفظ أحد وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه مسلم وأبو يعلى وأما حديث بريدة فأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح قوله (وهذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم بسند الترمذي ولفظه وزاد في رواية سعد بن أبي وقاص قال النووي أما ذكر سعد بن أبي وقاص في الرواية الثانية فقال القاضي إنما سمي شهيدا لأنه مشهود له بالجنة انتهى وقال القاري مات سعد في قصره بالعقيق فتوجيه هذه الرواية أن يكون بالتغليب أو كما قال السيد جمال الدين أنه ينبغي أن يقال كان موته بمرض من الأمراض التي تورث حكم الشهادة (باب) قوله (حدثنا أبو هشام) اسمه محمد بن يزيد بن محمد بن كثير (عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب) بضم المعجمة وبالموحدتين (عن طلحة بن عبيد الله) بن عثمان التيمي كنيته أبو محمد أحد العشرة مشهور استشهد يوم الجمل سنة ست وثلاثين وهو ابن ثلاث وستين قوله (لكل نبي رفيق) هو الذي يرافقك قال الخليل ولا يذهب اسم الرفقة بالتفرق (ورفيقي يعني في الجنة عثمان) خبر للمبتدأ والجملة معترضة بينهما من كلام طلحة أو غيره تفسيرا وبيانا لمكان الرفاقة والأظهر أنه في كلامه صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق الشامل للدنيا والعقبى جزاء وفاقا ثم هو لا ينافي كون غيره أيضا رفيقا له صلى الله عليه وسلم كما ورد عن ابن مسعود في رواية الطبراني ولفظه إن لكل نبي خاصة من أصحابه وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر وعمر نعم يستفاد منه أن لكل نبي رفيقا وأنه له رفقاء ولا مانع في ذلك في مقام الجمع ومع هذا في تخصيص ذكره إشعار بعظيم منزلته ورفع قدره قاله القاري قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه عن أبي هريرة ولفظه لكل نبي
[ 130 ]
رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان (ليس إسناده بالقوي وهو منقطع) والانقطاع بين الحارث بن عبد الرحمن وطلحة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته أرسل عن طلحة انتهى وفيه شيخ من بني زهرة وهو مجهول (باب) قوله (أخبرنا عبد الله بن جعفر) بن غيلان بالمعجمة الرقي أبو عبد الرحمن القرشي مولاهم ثقة لكنه تغير بآخره فلم يفحش اختلاطه من العاشرة (حدثنا عبيد الله بن عمرو) الرقي (عن أبي إسحاق) هو السبيعي قوله (لما حصر) بصيغة المجهول أي أحيط به وحاصره المصريون الذين أنكروا عليه توليته عبد الله بن سعد بن أبي سرح والقصة مشهورة وقد وقع في رواية النسائي قال لما حصر عثمان في داره واجتمع الناس قام فأشرف عليهم (أشرف عليهم) أي اطلع عليهم (أذكركم بالله) من التذكير وذكر البخاري هذا الحديث تعليقا وفيه أنشدكم الله وفي رواية ثمامة الاتية أنشدكم الله والإسلام (حين انتفض) أي تحرك (حراء) بتقدير حرف النداء (في جيش العسرة) بضم العين وسكون السين المهملتين وهو جيش غزوة تبوك سمي بها لأنه ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ وكان وقت إيناع الثمرة وطيب الظلال فعسر ذلك عليهم وشق والعسر ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة كذا في النهاية وقيل سمي به لما فيه من قلة الزاد ومفازة بعيده وعدو كثير قوي (والناس مجهدون) اسم مفعول من الاجهاد أي موقعون في الجهد والمشقة قال في النهاية يقال أجهد فهو مجهد بالفتح أي أنه أوقع في الجهد والمشقة (فجهزت ذلك الجيش) من
[ 131 ]
التجهيز أي هيأت جهاز سفره (قالوا نعم) أي صدقوه وللنسائي من طريق الأحنف بن قيس أن الذين صدقوه بذلك هم علي بن أبي طالب وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص (أن رومة) بضم الواو وسكون الواو فميم بئر عظيم شمالي مسجد القبلتين بوادي العقيق ماؤه عذب لطيف في غاية العذوبة واللطافة تسميها الان العامة بئر الجنة لترتب دخول الجنة لعثمان على شرائها قاله صاحب اللمعات وقال الكرماني كان رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها فاشتراها منه عثمان بعشرين ألف درهم (فابتعتها) أي اشتريتها (قالوا اللهم نعم) قال المطرزي قد يؤتي باللهم قبل إلا إذا كان المستثنى عزيزا نادرا وكان قصدهم بذلك الاستظهار بمشيئة الله تعالى في إثبات كونه ووجوده إيماء إلى أنه بلغ من الندور حد الشذوذ وقيل كلمتي الحجد والتصديق في جواب المستفهم كقوله اللهم لا ونعم قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي والدارقطني وذكره البخاري في صحيحه تعليقا قوله (أخبرنا السكن بن المغيرة) البزاز البصري صدوق من السابعة (أخبرنا الوليد بن أبي هشام) أخو هشام أبي المقدام المدني صدوق من السادسة (عن فرقد أبي طلحة) مجهول من الرابعة (عن عبد الرحمن بن خباب) بخاء معجمة وموحدتين الأولى ثقيلة السلمي بضم السين وقيل بفتحها وهم من زعم أنه ابن خباب بن الأرت صحابي نزل البصرة له حديث قاله الحافظ قلت هو هذا الحديث قوله (وهو يحث) بضم الحاء وتشديد المثلثة أي يحض المؤمنين ويحرضهم (على جيش العسرة) أي على تجهيزه (علي) بتشديد الياء (مائة بعير بأحلاسها وأقتابها) الأحلاس جمع حلس بالكسر وسكون اللام وهو كساء رقيق يجعل تحت البرذعة والأقتاب جمع قتب بفتحتين وهو رحل صغير على قدر سنام البعير وهو للجمل كا كاف لغيره يريد على هذه الإبل بجميع أسبابها
[ 132 ]
وأدواتها (على مائتا بعير) أي غير تلك المائة لا بانضمامها كما يتوهم قاله القاري قلت في رواية أحمد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان على مائة بعير بأحلاسها وأقتابها قال ثم حث فقال عثمان على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها قال ثم نزل مرقاة من المنبر ثم حث فقال عثمان بن عفان على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها فرواية أحمد هذه ترد قول القاري هذا (على ثلثمائة بعير) قال القاري فالمجموع ستمائة بعير قلت لا بل المجموع ثلاثمائة بعير كما عرفت آنفا (ما على عثمان) ما هذه نافية بمعنى ليس وفي قوله (ما عمل بعد هذه) موصولة اسم ليس أي ليس عليه ولا يضره الذي يعمل في جميع عمره بعد هذه الحسنة والمعنى أنها مكفرة لذنوبه الماضية مع زيادة سيأته الاتية كما ورد في ثواب صلاة الجماعة وفيه إشارة إلى بشارة له بحسن الخاتمة وقيل ما فيه إما موصولة أي ما بأس عليه الذي عمله من الذنوب بعد هذه العطايا في سبيل الله أو مصدرية أي ما على عثمان عمل من النوافل بعد هذه العطايا لأن تلك الحسنة تنوب عن جميع النوافل قال المظهر أي ما عليه أن لا يعمل بعد هذه من النوافل دون الفرائض لأن تلك الحسنة تكفيه عن جميع النوافل كذا في المرقاة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن سمرة) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا الحسن بن واقع) بواو وقاف ابن القاسم أبو علي الرملي خراساني الأصل ثقة من العاشرة (أخبرنا ضمرة) بن ربيعة الفلسطيني أبو عبد الله أصله دمشقي صدوق يهم قليلا من التاسعة (عن ابن شوذب) اسمه عبد الله (عن عبد الله بن القاسم) شيخ لعبد الله بن شوذب صدوق من الثالثة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روي عن كثير بن أبي كثير مولى ابن سمرة وغيره وعنه عبد الله بن شوذب وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات له عند الترمذي في تجهيز
[ 133 ]
عثمان جيش العسرة (عن عبد الرحمن بن سمرة) بن حبيب بن عبد شمس العبشمي كنيته أبو سعيد صحابي من مسلمة الفتح يقال كان اسمه عبد كلال افتتح سجستان ثم سكن البصرة ومات بها سنة خمسين أو بعدها قوله (قال الحسن بن واقع وفي موضع آخر من كتابي في كمه) يعني أن هذا الحديث كان في موضعين من كتابه في أحدهما بألف دينار وفي الثاني بألف دينار في كمه (فنثرها) أي وضع الدنانير متفرقات (في حجره) بكسر الحاء وفتحها واحد الحجور أي في حضنه صلى الله عليه وسلم (يقلبها) أي الدنانير (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) أي فلا على عثمان بأس الذي عمل بعد هذه من الذنوب فإنها مغفورة مكفرة ونحوه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حاطب بن أبي بلثعة لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال الطيبي وغيره قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قوله (حدثنا أبو زرعة) الرازي اسمه عبيد الله بن عبد الكريم (أخبرنا الحسن بن بشر) البجلي الكوفي (حدثنا الحكم بن عبد الملك) القرشي البصري قوله (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان) وهي البيعة التي كانت تحت الشجرة بالحديبية وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا سميت بها لأنه نزل في أهلها لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الاية (كان عثمان بن عفان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة) أي رسولا منه إليهم مرسلا من الحديبية إلى مكة بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وأنه إنما جاء زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته فخرج عثمان رضي الله عنه إلى مكة حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم (فبايع) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله) قال الطيبي هو من باب قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنزلة عند الله ومكانة وأن
[ 134 ]
حاجته حاجته تعالى الله عن الاحتياج علوا كبيرا (فضرب بإحدى يديه على الأخرى) أي في البيعة عن جهة عثمان والمعنى أنه جعل إحدى يديه نائبة عن يد عثمان (من أيديهم) أي من أيدي بقية الصحابة فغيبة عثمان ليست بمنقصة بل سبب منقبة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البيهقي قوله (حدثنا سعيد بن عامر) الضبعي (قال عبد الله أخبرنا سعيد بن عامر) أي قال عبد الله بن عبد الرحمن في روايته أخبرنا سعيد بن عامر وأما عباس بن محمد وغيره فقالوا في رواياتهم حدثنا سعيد بن عامر (عن يحيى بن أبي الحجاج المنقري) بكسر الميم وسكون النون الأهتمي البصري لين الحديث من التاسعة (عن أبي مسعود الجريري) بضم الجيم مصغرا اسمه سعيد بن إياس (عن ثمامة بن حزن) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ثم نون (القشيري) بالتصغير البصري والد أبي الورد ثقة من الثانية مخضرم وقد علي عمر بن الخطاب وله خمسون وثلاثون سنة قوله (شهدت الدار) أي حضرت دار عثمان التي حاصروه فيها (فقال ائتوني بصاحبيكم الذين ألباكم علي) من ألبت عليه الناس أي جمعتهم عليه وحملتهم على قصده فصاروا عليه ألبا واحدا أي اجتمعوا عليه يقصدونه (أنشدكم) بضم الشين أي أسألكم (بالله والإسلام) أي بحقهما يقال نشدت فلانا أنشده إذا قلت له نشدتك الله أي سألتك بالله كأنك ذكرته إياه (وليس بها) أي بالمدينة والواو للحال (ماء يستعذب) أي يعد عذبا أي حلوا (غير بير رومة) برفع غير وجوز نصبه والبئر مهموز ويبدل (فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين) بكسر الدال جمع دلو وهو كناية عن
[ 135 ]
الوقف العام وفيه دليل على جواز وقف السقايات وعلى خروج الموقوف عن ملك الواقف حيث جعله مع غيره سواء روى البغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه قال لما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القربة بمد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ عثمان رضي الله عنه فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أتجعل لي فيها ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين (بخير) متعلق بيشتري والباء للبدل قال الطيبي وليست مثلها في قولهم اشتريت هذا بدرهم ولا في قوله تعالى أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فالمعنى من يشتريها بثمن معلوم ثم يبدلها بخير منها أي بأفضل وأكمل أو بخير حاصل (له) أي لأجله (منها) أي بئر رومة (من صلب مالي) بضم الصاد أي أصله أو خالصه (حتى أشرب من ماء البحر) أي مما فيه ملوحة كماء البحر والإضافة فيه للبيان أي ماء يشبه البحر (هل تعلمون أن المسجد) أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة (فيزيدها) أي تلك البقعة (أن أصلي فيها) أي في تلك البقعة فضلا عن سائر المسجد (كان على ثبير مكة) بفتح مثلثة وكسر موحدة وتحتية ساكنة فراء جبل بمكة وفي المصباح جبل بين مكة ومنى وهو يرى من منى وهو على يمين الذاهب منها إلى مكة وقال الطيبي ثبير جبل بالمزدلفة على يسار الذاهب إلى منى وهو جبل كبير مشرف على كل جبل بمعنى وبمكة جبال كل منها اسمه ثبير (بالحضيض) أي أسفل الجبل وقرار الأرض (فركضه برجله) أي ضربه بها (أسكن ثبير) أي يا ثبير (قال) أي عثمان (الله أكبر) كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته تعجب من إقرارهم بكونه على الحق وإصرارهم على خلاف مقتضاه (ثلاثا) أي قال الله أكبر إلى آخره ثلاث مرات لزيادة المبالغة في إثبات الحجة على الخصم وذلك لأنه لما أراد أن
[ 136 ]
يظهر لهم أنه على الحق وأن خصماءه على الباطل على طريق يلجئهم إلى الإقر بذلك أورد حديث ثبير مكة وأنه من أحد الشهيدين مستفهما عنه فأقروا بذلك وأكدوا إقرارهم بقولهم اللهم نعم فقال الله أكبر تعجبا وتعجيبا وتجهيلا لهم واستهجانا لفعلهم وفي رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عثمان عند أحمد والنسائي أنشد الله رجلا شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بيعة الرضوان يقول هذه يد الله وهذه يد عثمان وفي رواية ثمامة بن حزن عن عثمان عند الدار قطني أنه قال هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني ابنتيه واحدة بعد أخرى رضي بي ورضي عني قالوا نعم وأخرج ابن منده من طريق عبيد الحميري قال أشرف عثمان فقال يا طلحة أنشدك الله أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فأخذ بيدي فقال هذا جليسي في الدنيا والاخرة قال نعم وللحاكم في المستدرك من طريق أسلم أن عثمان حين حصر قال لطلحة أتذكر إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم إن عثمان رفيقي في الجنة قال نعم وفي هذا الحديث مناقب ظاهرة لعثمان رضي الله عنه وفيه جواز تحدث الرجل بمناقبه عند الاحتياج إلى ذلك لدفع مضرة أو تحصيل منفعة وإنما يكره ذلك عند المفاخرة والمكاثرة والعجب قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي والدارقطني قوله (أخبرنا أيوب) هو السختياني (عن أبي الأشعث) اسمه شراحيل بن أدة ثقة من الثانية (أن خطباء قامت بالشام) وفي رواية أحمد لما قتل عثمان رضي الله عنه قام خطباء بإيلياء قوله (فقام آخرهم رجل) الظاهر أن قوله رجل بدل من آخرهم وفي رواية أحمد فقام من آخرهم رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (يقال له مرة بن كعب) قال في التقريب كعب بن مرة ويقال مرة بن كعب السلمي صحابي سكن البصرة ثم الأردن مات سنة بضع وخمسين (وذكر) أي النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية أحمد لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قمت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة (فقربها) بتشديد الراء أي قرب النبي صلى الله عليه وسلم الفتن يعني وقوعها (فمر رجل مقنع) بفتح النون المشددة أي مستتر في ثوب جعله كالقناع (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا) أي هذا الرجل المقنع (يومئذ) أي يوم وقوع تلك الفتن (على الهدى) من قبيل قوله تعالى أولئك على هدى من
[ 137 ]
ربهم وفي رواية أحمد هذا وأصحابه يومئذ على الحق (فقمت إليه) أي لأعرفه (فأقبلت عليه) أي على النبي صلى الله عليه وسلم (بوجهه) أي بوجه عثمان والمعنى أدرت وجهه إليه ليتبين الأمر عليه وفي رواية أحمد فانطلقت فأخذت بمنكبه وأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقلت هذا) أي هذا هو الرجل الذي يومئذ على الهدى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد قوله (وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في ما بعد وأما حديث عبد الله بن حوالة فأخرجه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه أحمد وابن ماجه (باب) قوله (حدثنا حجين بن المثنى) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية وبالنون اليمامي سكن بغداد وولي قضاء خراسان ثقة من التاسعة (عن معاوية بن صالح) بن حدير (عن ربيعة بن يزيد) الدمشقي (عن عبد الله بن عامر) بن يزيد بن تميم اليحصبي بفتح التحتانية وسكون المهملة وفتح الصاد المهملة بعدها موحدة الدمشقي المقري ثقة من الثالثة (عن النعمان بن بشير) بن سعد بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي له ولأبويه صحبته سكن الشام ثم ولي إمرة الكوفة ثم قتل بحمص سنة خمس وستين وله أربع وستون سنة قوله (إنه) الضمير للشأن (لعل الله يقمصك) بتشديد الميم أي يلبسك (قميصا) أراد به خلعة الخلافة وفي رواية ابن ماجه يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخعله (فإن أرادوك على خلعه) أي حملوك على نزعه (فلا تخلعه لهم) يعني إن قصدوا عزلك عن الخلافة فلا تعزل نفسك عنها لأجلهم لكونك على الحق وكونهم على الباطل فلهذا الحديث كان عثمان رضي
[ 138 ]
الله عنه ما عزل نفسه حين حاصروه يوم الدار قال الطيبي استعار القميص للخلافة ورشحها بقوله على خلعه قوله (وفي الحديث قصة طويلة) لم أقف على من أخرج هذا الحديث بالقصة الطويلة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه (باب) قوله (أخبرنا العلاء بن عبد الجبار العطار) الأنصاري مولاهم البصري نزيل مكة ثقة من التاسعة (حدثنا الحارث بن عمير) أبو عمير البصري نزيل مكة من الثامنة وثقه الجمهور وفي أحاديثه مناكير ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما فلعله تغير حفظه في الاخر كذا في التقريب (عن عبيد الله بن عمر) هو العمري قوله (ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي) جملة حالية معترضة بين القول ومقوله (أبو بكر وعمر وعثمان) أي على هذا الترتيب عند ذكرهم وبيان أمرهم رضي الله عنهم وروى البخاري من وجه آخر عن ابن عمر كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان قال الحافظ قوله كنا نخير أي نقول فلان خير من فلان قال وفي رواية عبيد الله بن عمر عن نافع الاتية في مناقب عثمان كنا لا نعدل بأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم وقوله لا نعدل بأبي بكر أي لا نجعل له مثلا ولأبي داود من طريق سالم عن ابن عمر كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي أفضل أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر ثم عمر ثم عثمان زاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فلا ينكره وفي الحديث تقديم عثمان بعد أبي بكر وعمر كما هو المشهور عند جمهور أهل السنة وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان وممن قال به سفيان الثوري ويقال إنه رجع عنه وقال به ابن خزيمة وطائفة قبله وبعده وقيل لا يفضل أحدهما على الاخر قاله مالك في المدونة وتبعه جماعة منهم يحيى القطان ومن المتأخرين ابن حزم وحديث الباب حجة للجمهور انتهى قلت المذهب المنصور في هذا الباب هو مذهب الجمهور فإن قلت قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم يدل بظاهره على أن عليا ليس بأفضل ممن سواه والأمر ليس كذلك فإن مذهب أهل السنة أن عليا أفضل الناس بعد الثلاثة
[ 139 ]
وعليه الإجماع قلت أجاب ابن عبد البر بأن قوله ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ غلط أن كان سنده صحيحا قال الحافظ قد طعن فيه ابن عبد البر واستند إلى ما حكاه عن هارون بن إسحاق قال سمعت ابن معين يقول من قال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعرف لعلي سابقيته وفضله فهو صاحب سنة قال فذكرت له من يقول أبو بكر وعمر وعثمان ويسكتون فتكلم فيهم بكلام غليظ وتعقب بأن ابن معين أنكر رأى قوم وهم العثمانية الذين يغالون في حب عثمان وينتقصون عليا ولا شك في أن من اقتصر على ذلك ولم يعرف لعلي بن أبي طالب فضله فهو مزموم وتعقب أيضا بأنه لا يلزم ومن سكوتهم إذ ذاك عن تفضيله عدم تفضيله على الدوام وبأن الإجماع المذكور إنما حدث بعد الزمن الذي قيده ابن عمر فيخرج حديثه عن أن يكون غلطا ثم لم ينفرد بهذا القول نافع عن ابن عمر بل تابعه ابن الماجشون أخرجه خيثمة من طريق يوسف بن الماجشون عن أبيه عن ابن عمر كنا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر وعثمان ثم ندع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نفاضل بينهم ومع ذلك فلا يلزم من تركهم التفاضل إذ ذاك أن لا يكونوا اعتقدوا بعد ذلك تفضيل علي على من سواه وقد اعترف ابن عمر بتقديم علي على غيره فقد أخرج أحمد عنه قال كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر وإسناده حسن وقد اتفق العلماء على تأويل كلام ابن عمر ثم نترك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ لما تقرر عند أهل السنة قاطبة من تقديم علي بعد عثمان ومن تقديم بقية العشرة المبشرة على غيرهم ومن تقديم أهل بدر على من لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن ابن عمر إنما أراد بهذا النفي أنهم كانوا يجتهدون في التفضيل فليظهر لهم فضائل الثلاثة ظهورا بينا فيجزمون به ولم يكونوا حينئذ اطلعوا على التنصيص انتهى كلام الحافظ ملخصا قوله (وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن ابن عمر) رواه البخاري وغيره بألفاظ قوله (حدثنا شاذان الأسود بن عامر) شاذان لقب الأسود بن عامر (عن سنان بن هارون) البرجي أبي بشر الكوفي صدوق فيه لين من الثامنة (عن كليب بن وائل) التيمي المدني
[ 140 ]
نزيل الكوفة صدوق من الرابعة قوله (يقتل) بصيغة المجهول (هذا) أي عثمان (فيها) أي في تلك الفتنة (لعثمان بن عفان) بيان هذا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وفيه يقتل فيها هذا يومئذ ظلما قال فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان قال الحافظ إسناده صحيح (باب) قوله حدثنا صالح بن عبد الله بن ذكوان الباهلي عن عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وكسر الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم بصري تابعي وسط وهو ثقة باتفاقهم كذا في الفتح قوله فرأى قوما جلوسا أي جالسي فمن هذا الشيخ أي فمن هذا العالم الكبير أنشدك بضم الشين المعجمة أسألك أتعلم أن عثمان في يوم أحد الخ الذي يظهر من سياقه أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده ولذلك كبر مستحسنا لما اجابه ابن عمر فلم يشهدها أي فلم حضرها فقال أي الرجل الحاج الله أكبر كلمة يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته قاله الطيبي فقال له ابن عمر تعالى حتى أبين لك ما سألت عنه كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبروا إلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها أما الفرار فبالعفو وأما التخلف فبالأمر وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب المرين الدنيوي وهو السهم والأخروي وهو الأجر وأما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لعثمان من
[ 141 ]
يده فأشهد أن الله قد عفا عنه وغفر له يريد قوله تعالى إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم عنده أو تحته أي تحت عقده وأو للشك ابنة رسول الله صلى الله عيله وسلم هي رقية فروى الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال خلف النبي صلى الله عليه وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج الى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة فلو كان أحد أز ببطن مكة من عثمان أي على من بها مكان عثمان أي بدله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان أي عبد أن بعثه والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا وذلك في غيبة عثمان وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل فكان ذلك سبب البيعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى أي أشار بها هذا يد عثمان أي بدلها وضرب بها على يده أي اليسرى وقال هذه لعثمان أي هذا البيعة عن عثمان قال أي ابن عمر له أي للرجل الحاج السائل اذهب بهذا الآن معك أقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان وقال الطيبي قال ابن عمر ذلك تحكما به أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري (باب) قوله (حدثنا الفضل بن أبي طالب البغدادي) هو الفضل بن جعفر (أخبرنا عثمان بن زفر)
[ 142 ]
بن مزاحم التيمي أبو زفر أو أبو عمر الكوفي صدوق من كبار العاشرة قوله (أتى) بصيغة المجهول (تركت الصلاة) أي صلاة الجنازة (قبل هذا) أي قبل هذا الرجل قوله (ومحمد بن زياد هذا هو صاحب ميمون بن مهران) أي تلميذه (ضعيف في الحديث جدا) بكسر الجيم وشدة الدال أي بالغ الغاية في الضعف يقال فلان عظيم جدا أي بالغ الغاية في العظم والنصب على المصدر قال في التقريب محمد بن زياد اليشكري الطحان الأعور اتفاقا الميموني الرقي ثم الكوفي كذبوه (باب) قوله (فدخل حائطا) أي بستانا (أملك علي) بتشديد الياء (الباب) أي احفظه علي وفي رواية للبخاري وأمرني بحفظ باب الحائط (قال أبو بكر) أي أنا أبو بكر (وبشرته بالجنة) زاد
[ 143 ]
البخاري في رواية فحمد الله وكذا في عمر (افتح له) أي الباب (على بلوى تصيبه) أشار النبي صلى الله عليه وسلم بهذا إلى ما أصاب عثمان في آخر خلافته من الشهادة يوم الدار قال النووي في الحديث فضيلة هؤلاء الثلاثة وأنهم من أهل الجنة وفضيلة لأبي موسى وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم لاخباره بقصة عثمان والبلوي وأن الثلاثة يستمرون عن الإيمان والهدى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان قوله (وفي الباب عن جابر وابن عمر) أما حديث جابر فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني وفيه إبراهيم بن عمر بن أبان وهو ضعيف قوله (حدثنا أبي) أي وكيع بن الجراح (ويحيى بن سعيد) هو القطان عن إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (حدثني أبو سهلة) مولى عثمان بن عفان ثقة من الثالثة وليس له عند الترمذي وابن ماجه غير هذا الحديث قوله (قد عهد إلي عهدا) أي أوصاني أن لا أخلع بقوله وإن أرادوك عن خلعه فلا تخلعه لهم (فأنا صابر عليه) أي على ذلك العهد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجه وفي سند الترمذي سفيان بن وكيع وهو متكلم فيه ولكنه قد تابعه محمد بن عبد الله بن نمير وعلي بن محمد عند ابن ماجه
[ 144 ]
(باب مناقب علي بن أبي طالب) ابن عبد المطلب القرشي الهاشمي وهو ابن عم رسول الله شقيق أبيه واسمه عبد مناف على الصحيح ولد قبل البعثة بعشر سنين على الراجح وكان قد رباه النبي من صغره لقصة مذكورة في السيرة النبوية فلازمه من صغره فلم يفارقه إلى أن مات وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم وكانت ابنة عمة أبيه وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي وقد أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي قال أحمد وإسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر ما جاء في علي وروى يعقوب بن سفيان بإسناد صحيح عن عروة قال أسلم علي وهو ابن ثمان سنين وقال ابن إسحاق عشر سنين وهذا أرجحهما وقيل غير ذلك (يقال وله كنيتان أبو تراب وأبو الحسن) وفي بعض النسخ وله كنيتان يقال له أبو تراب وأبو الحسن وهو الظاهر وفي حديث سهل بن سعد عند البخاري دخل علي على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي أين ابن عمك قالت في المسجد فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص التراب إلى ظهره فجعل يمسح عن ظهره فيقول اجلس يا أبا تراب مرتين قوله (عن مطرف بن عبد الله) أي ابن الشخير (واستعمل عليهم علي بن أبي طالب) أي جعله أميرا عليهم وفي رواية أحمد أمر عليهم علي بن أبي طالب (فمضى في السرية) هي طائفة من جيش أقصاها أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السريا (فأصاب جارية) أي وقع عليها وجامعها واستشكل وقوع علي على الجارية بغير استبراء وأجيب بأنه محمول على أنها كانت بكرا غير بالغ ورأى أن مثلها لا يستبرأ كما صار إليه غيره من الصحابة ويجوز أن تكون حاضت عقب صيرورتها له ثم طهرت بعد يوم وليلة ثم وقع عليها وليس في السياق ما يدفعه (فأنكروا عليه) أي على علي ووجه إنكارهم أنهم رأوا أنه أخذ من المغنم فظنوا أنه غل وفي حديث بريدة عند البخاري قال بعث النبي عليا إلى خالد ليقبض الخمس وكنت أبغض عليا وقد اغتسل فقلت لخالد ألا
[ 145 ]
ترى إلى هذا فلما قدمنا على النبي ذكرت ذلك له فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم قال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك (وتعاقد) أي تعاهد (وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر الخ) وفي رواية أحمد قال عمران وكنا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله (إلى رحالهم) أي إلى منازلهم وبيوتهم (فأقبل إليه) وفي رواية أحمد فأقبل رسول الله على الرابع (والغضب يعرف في وجهه) جملة حالية وفي رواية أحمد وقد تغير وجهه (ما تريدون من علي الخ) وفي رواية أحمد دعوا عليا دعوا عليا (إن عليا مني وأنا منه) أي في النسب والصهر والمسابقة والمحبة وغير ذلك من المزايا ولم يرد محض القرابة وإلا فجعفر شريكه فيها قاله الحافظ في الفتح وقال النووي في شرح قوله في شأن جليبيب رضي الله عنه هذا مني وأنا منه معناه المبالغة في أتحاد طريقتهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى تنبيه احتج الشيعة بقوله إن عليا مني وأنا منه على أن عليا رضي الله عنه أفضل من سائر الصحابة رضي الله عنهم زعما منهم أن رسول الله جعل عليا من نفسه حيث قال إن عليا مني ولم يقل هذا القول في غير علي قلت زعمهم هذا باطل جدا فإنه ليس معنى قوله إن عليا مني أنه جعله من نفسه حقيقة بل معناه هو ما قد عرفت آنفا وأما قولهم لم يقل هذا القول في غير علي فباطل أيضا فإنه قد قال هذا القول في شأن جليبيب رضي الله تعالى عنه ففي حديث أبي برزة أن النبي كان في مغزى له فأفاء الله عليه فقال لأصحابه هل تفقدون من أحد قالوا نعم فلانا وفلانا وفلانا الحديث وفيه قال لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه فطلب في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتى النبي فوقف عليه فقال قتل سبعة ثم قتلوه هذا مني وأنا منه ورواه مسلم وقال هذا القول في شأن الأشعريين ففي حديث أبي موسى قال قال رسول الله إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم رواه مسلم
[ 146 ]
وقال هذا القول في شأن بني ناجية ففي حديث سعد أن رسول الله قال لبني ناجية أنا منهم وهم مني رواه أحمد في مسنده (وهو ولي كل مؤمن من بعدي) كذا في بعض النسخ بزيادة من ووقع في بعضها بعدي بحذف من وكذا وقع في رواية أحمد في مسنده وقد استدل به الشيعة على أن عليا رضي الله عنه كان خليفة بعد رسول الله من غير فصل واستدلالهم به عن هذا باطل فإن مداره عن صحة زيادة لفظ بعدي وكونها صحيحة محفوظة قابلة للاحتجاج والأمر ليس كذلك فإنها قد تفرد بها جعفر بن سليمان وهو شيعي بل هو غال في التشيع قال في تهذيب التهذيب قال الدوري كان جعفر إذا ذكر معاوية شتمه وإذا ذكر عليا قعد يبكي وقال ابن حبان في كتاب الثقات حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا إسحاق بن أبي كامل حدثنا جرير بن يزيد بن هارون بين يدي أبيه قال بعثني أبي إلى جعفر فقلت بلغنا أنك تسب أبا بكر وعمر قال أما السب فلا ولكن البغض ما شئت فإذا هو رافضي الحمار انتهى فسبه أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ينادي بأعلى نداء أنه كان غاليا في التشيع لكن قال ابن عدي عن زكرياء الساجي وأما الحكاية التي حكيت عنه فإنما عنى به جارين كانا له قد تأذى بهما يكنى أحدهما أبا بكر ويسمى الاخر عمر فسئل عنهما فقال أما السب فلا ولكن بغضا مالك ولم يعن به الشيخين أو كما قال انتهى فإن كان كلام ابن عدي هذا صحيحا فغلوه منتف وإلا فهو ظاهر وأما كونه شيعيا فهو بالاتفاق قال في التقريب جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع انتهى وكذا في الميزان وغيره وظاهر أن قوله بعدي في هذا الحديث مما يقوى به معتقدا الشيعة وقد تقرر في مقره أن المبتدع إذا روى شيئا يقوى به بدعته فهو مردود قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في مقدمته والمختار أنه إن كان داعيا إلى بدعته ومروجا له رد وإن لم يكن كذلك قبل إلا أن يروي شيئا يقوى به بدعته فهو مردود قطعا انتهى فإن قلت لم يتفرد بزيادة قوله بعدي جعفر بن سليمان بل تابعه عليها أجلح الكندي فروى الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث من طريق أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال بعث رسول الله بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الاخر خالد بن الوليد الحديث وفي آخره لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي قلت أجلح الكندي هذا أيضا شيعي قال في التقريب أجلح بن عبد الله بن حجية يكنى أبا حجية الكندي يقال اسمه يحيى صدوق شيعي انتهى وكذا في الميزان وغيره
[ 147 ]
والظاهر أن زيادة بعدي في هذا الحديث من وهم هذين الشيعيين ويؤيده أن الإمام أحمد روى في مسنده هذا الحديث من عدة طرق ليست في واحدة منها هذه الزيادة فمنها ما رواه من طريق الفضل بن دكين حدثنا ابن أبي عيينة عن الحسن عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن بريدة قال غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة الحديث وفي آخره فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله قال من كنت مولاه فعلي مولاه ومنها ما رواه من طريق أبي معاوية حدثنا الأعمش عن سعيد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه قال بعثنا رسول الله في سرية الحديث وفي آخره من كنت وليه فعلي وليه ومنها ما رواه من طريق وكيع حدثنا الأعمش عن سعد بن عبيدة عن ابن بريدة عن أبيه أنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي الحديث آخره من كنت وليه فعلي وليه فظهر بهذا كله أن زيادة لفظ بعدي في هذا الحديث ليست بمحفوظة بل هي مردودة فاستدلال الشيعة بها على أن عليا رضي الله عنه كان خليفة بعد رسول الله من غير فصل باطل جدا هذا ما عندي والله تعالى أعلم وقال الحافظ ابن تيمية في منهاج السنة وكذلك قوله هو ولي كل مؤمن بعدي كذب على رسول الله بل هو في حياته وبعد مماته ولي كل مؤمن وكل مؤمن وليه في المحيا والممات فالولاية التي هي ضد العداوة لا تختص بزمان وأما الولاية التي هي الإمارة فيقال فيها والي كل مؤمن بعدي كما يقال في صلاة الجنازة إذا اجتمع الولي والوالي قدم الوالي في قول الأكثر وقيل يقدم الولي وقول القائل علي ولي كل مؤمن بعدي كلام يمتنع نسبته إلى النبي فإنه إن أراد الموالاة لم يحتج أن يقول بعدي وإن أراد الإمارة كان ينبغي أن يقول وآل علي كل مؤمن انتهى فإن قلت لم يتفرد جعفر بن سليمان بقوله هو ولي كل مؤمن بعدي بل وقع هذا اللفظ في حديث بريدة عند أحمد في مسنده ففي آخره لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي قلت تفرد بهذا اللفظ في حديث بريدة أجلح الكندي وهو أيضا شيعي قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد قوله (سمعت أبا الطفيل) اسمه عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي (يحدث عن أبي سريحة) بفتح أوله وكسر الراء اسمه حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة قوله (من كنت مولاه فعلي مولاه) قيل معناه من كنت أتولاه فعلي يتولاه من الولي ضد العدو أي من كنت أحبه فعلي يحبه وقيل معناه من يتولاني فعلي يتولاه ذكره القاري عن بعض علمائه وقال
[ 148 ]
الجزري في النهاية قد تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو الرب والمالك والسيد والمنعم والمعتق والناصر والمحب والتابع والجار وابن العم والحليف والعقيد والصهر والعبد والمعتق والمنعم عليه وأكثرها قد جاء في الحديث فيضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه وقد تختلف مصادر هذه الأسماء فالولاية بالفتح في النسب والنصرة والمعتق والولاية بالكسر في الإمارة والولاء في المعتق والموالاة من والي القوم ومنه الحديث من كنت مولاه فعلي مولاه يحمل على أكثر الأسماء المذكورة قال الشافعي رضي الله عنه يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم وقول عمر لعلي أصبحت مولى كل مؤمن أي ولي كل مؤمن وقيل سبب ذلك أن أسامة قال لعلي لست مولاي إنما مولاي رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه انتهى وفي شرح المصابيح للقاضي قالت الشيعة هو المتصرف وقالوا معنى الحديث أن عليا رضي الله عنه يستحق التصرف في كل ما يستحق الرسول التصرف فيه ومن ذلك أمور المؤمنين فيكون إمامهم قال الطيبي لا يستقيم أن تحمل الولاية على الإمامة التي هي التصرف في أمور المؤمنين لأن المتصرف المستقل في حياته هو هو لا غيره فيجب أن يحمل على المحبة وولاء الإسلام ونحوهما انتهى كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والنسائي والضياء وفي الباب عن بريدة أخرجه أحمد وعن البراء بن عازب أخرجه أحمد وابن ماجه وعن سعد بن أبي وقاص أخرجه ابن ماجه وعن علي أخرجه أحمد قوله (حدثنا المختار بن نافع) التيمي ويقال العكلي أبو إسحاق التمار الكوفي ضعيف من السادسة (أخبرنا أبو حيان) اسمه يحيى بن سعيد بن حيان (عن أبيه) أي سعيد بن حيان التيمي الكوفي وثقه العجلي من الثالثة قوله (رحم الله أبا بكر) إنشاء بلفظ الخبر (زوجني ابنته) أي عائشة (وحملني إلى دار الهجرة) أي المدينة على بعيره ولو على قبول ثمنه (وأعتق بلالا) أي الحبشي المؤذن لما رآه يعذب في الله (رحم الله عمر) بن الخطاب (وإن كان مرا) أي كريها عظيم المشقة على
[ 149 ]
قائله ككراهة مذاق الشئ المر (تركه الحق وما له صديق) أي صيره قوله الحق والعمل به على حالة ليس له محب وخليل لعدم انقياد أكثر الخلق للحق قال الطيبي قوله تركه الخ جملة مبينة لقوله يقول الحق وإن كان مرا لأن تمثيل الحق بالمرارة يؤذن بأستبشاع الناس من سماع الحق استبشاع من يذوق العلقم فيقل لذلك صديقه وقوله وما له صديق حال من المفعول إذا جعل ترك بمعنى خلى وإذا ضمن معنى صير كان هذا مفعولا ثانيا والواو فيه داخلة على المفعول الثاني كما في بعض الأشعار (رحم الله عثمان) أي ابن عفان (تستحييه الملائكة) أي تستحي منه وكان أحي هذه الأمة (رحم الله عليا) أي ابن أبي طالب (اللهم أدر الحق) أمر من الإدارة أي اجعل الحق دائرا وسائرا (حيث دار) أي علي ومن ثم كان أقضى الصحابة وأعلمهم قوله (هذا حديث غريب) في سنده المختار بن نافع وهو ضعيف كما عرفت قوله (عن شريك) هو ابن عبد الله النخعي القاضي (عن منصور) هو ابن المعتمر قوله (بالرحبة) أي رحبة الكوفة والرحبة فضاء وفسحة بالكوفة كان علي يقعد فيها لفصل الخصومات (وأرقائنا) جمع رقيق أي عبيدنا (وضياعنا) جمع ضيعة وهي العقار وهو من عطف الخاص على العام (سنفقههم) من التفقيه وهو التفهيم والفقه الفهم (لتنتهن) أي عما قلتم (قد امتحن الله قلوبهم) أي اختبرها كذا وقع في بعض النسخ بجمع الضمير وهو راجع إلى قوله ناس من أبنائنا وإخواننا وأرقائنا ووقع في بعض النسخ قلبه بإفراد الضمير وهو الظاهر والضمير راجع إلى من
[ 150 ]
(يخصفها) أي يخرزها من الخصف وهو الضم والجمع (ثم التفت إلينا علي فقال إن رسول الله قال من كذب علي الخ) مقصود علي بالالتفات إليهم وذكر حديث من كذب علي أنه قد سمع الحديث المذكور من رسول الله ولم يكذب عليه (باب) قوله (حدثنا جعفر بن سليمان) هو الضبعي قوله (إن كنا) إن مخففة من المثقلة (معشر الأنصار) بالنصب على الاختصاص (ببغضهم علي بن أبي طالب) لأنه لا يبغض عليا إلا منافق كما في الحديث الاتي (وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي) قال الحافظ اسمه عمارة بن جوين متروك ومنهم من كذبه شيعي (باب) قوله (عن عبد الله بن عبد الرحمن أبي نصر) الضبي الكوفي ثقة من الخامسة له في الترمذي حديثان أحدهما هذا والاخر في موت المرأة وزوجها راض عنها (عن المساور الحميري) مجهول من السادسة (عن أمه) قال في التقريب أم مساور الحميري لا يعرف حالها من الرابعة قوله (وفي
[ 151 ]
الباب عن علي) أخرجه أحمد ومسلم عن زر بن حبيش قال قال علي رضي الله عنه والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلى أن لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قال الذهبي في ترجمة المساور فيه جهالة وخبره منكر (باب) قوله (حدثنا شريك) هو ابن عبد الله القاضي (عن أبي ربيعة) الأيادي (عن ابن بريدة) هو عبد الله (عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب قوله (إن الله أمرني بحب أربعة) أي من الرجال على الخصوص (وأخبرني أنه) أي الله تبارك وتعالى (سمهم لنا) أي بين أسماءهم لنا حتى نحن نحبهم أيضا تبعا لمحبة الله ورسوله (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (علي) أي ابن أبي طالب (منهم) أي الأربعة (يقول ذلك ثلاثا) أي للإشعار بأنه أفضلهم أو يحبه قدر ثلاثتهم قاله القاري (وأبو ذر) الغفاري (والمقداد) أي ابن عمرو بن ثعلبة الكندي (وسلمان) أي الفارسي (وأمرني) أي الله سبحانه وتعالى (وأخبرني أنه) أي الله سبحانه وتعالى (يحبهم) قال القاري قوله أمرني بحبهم الخ فذلكة مفيدة لتأكيد ما سبق قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه والحاكم (باب) قوله (حدثنا إسماعيل بن موسى) الفزاري (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن حبشي)
[ 152 ]
بضم حاء مهملة ثم موحدة ساكنة ثم معجمة بعدها ياء ثقيلة (بن جنادة) بضم جيم وخفة نون وإهمال دال السلولي بفتح المهملة صحابي نزل الكوفة قوله (علي مني وأنا من علي) تقدم معناه في شرح حديث عمران بن حصين أول أحاديث مناقب علي (ولا يؤدي عني) أي نبذ العهد (إلا أنا أو علي) كان الظاهر أن يقال لا يؤدي عني إلا علي فأدخل أنا تأكيدا لمعنى الإتصال في قوله علي مني وأنا منه قال التوربشتي كان من دأب العرب إذا كان بينهم مقاولة في نقض وإبرام وصلح ونبذ عهد أن لا يؤدي ذلك إلا سيد القوم أو من يليه من ذوي قرابته القريبة ولا يقبلون ممن سواهم فلما كان العام الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه أن يحج بالناس رأى بعد خروجه أن يبعث عليا كرم الله وجهه خلفه لينبذ إلى المشركين عهدهم ويقرأ عليهم سورة براءة وفيها إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا إلى غير ذلك من الأحكام فقال قوله هذا تكريما له بذلك انتهى قال القاري واعتذارا لأبي بكر في مقامه هنالك ولذا قال الصديق لعلي حين لحقه من ورائه أمير أو مأمور فقال بل مأمور وفيه إيماء إلى أن إمارته إنما تكون متأخرة عن خلافة الصديق كمالا يخفى عن ذوي التحقيق قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه قوله (حدثنا علي بن صالح) بن صالح (بن حي) الهمداني أبو محمد الكوفي أخو الحسن بن صالح وهما توأمان ثقة عابد من السابعة قوله (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم) بمد الهمزة من المؤاخاة أي جعل المؤاخاة في الدين (بين أصحابه) أي اثنين اثنين كأبي الدرداء وسلمان قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده حكيم بن جبير وهو ضعيف ورمى بالتشيع وأخرجه أحمد في المناقب عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين الناس وترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا فقال يا رسول الله اخيت بين الناس وتركتني قال ولم تراني تركتك تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدعيها بعد إلا كذاب
[ 153 ]
كذا في المرقاة قوله (وفيه عن زيد بن أبي أوفى) أي وفي الباب عن زيد بن أبي أوفى وهو صحابي ولم أقف على من أخرج حديثه (باب) قوله (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (عن عيسى بن عمر) الأسدي الهمداني بسكون الميم كنيته أبو عمر الكوفي القاري ثقة من السابعة قوله (كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير) أي مشوي أو مطبوخ أهدي إليه صلى الله عليه وسلم (يأكل معي) بالرفع ويجوز الجزم (فجاء علي فأكل معه) قال التوربشتي هذا الحديث لا يقاوم ما أوجب تقديم أبي بكر والقول بخيريته من الأخبار الصحاح منضما إليها إجماع الصحابة لمكان سنده فإن فيه لأهل النقل مقالا ولا يجوز حمل أمثاله على ما يخالف الإجماع لا سيما والصحابي الذي يرويه ممن دخل في هذا الإجماع واستقام عليه مدة عمره ولم ينقل عنه خلافه فلو ثبت عنه هذا الحديث فالسبيل أن يأول على وجه لا ينقض عليه ما اعتقده ولا يخالف ما هو أصح منه متنا وإسنادا وهو أن يقال يحمل قوله بأحب خلقك على أن المراد منه ائتني بمن هو من أحب خلقك إليك فيشاركه فيه غيره وهم المفضلون بإجماع الأمة وهذا مثل قولهم فلان أعقل الناس وأفضلهم أي من أعقلهم وأفضلهم ومما يبين لك أن حمله على العموم غير جائز هو أن النبي صلى الله عليه وسلم من جملة خلق الله ولا جائز أن يكون عليا أحب إلى الله منه فإن قيل ذلك شئ عرف بأصل الشرع قلنا والذي نحن فيه عرف أيضا بالنصوص الصحيحة وإجماع الأمة فيأول هذا الحديث على الوجه الذي ذكرناه أو على أنه أراد بأحب خلقه إليه من بني عمه وذويه وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلق القول وهو يريد تقييده ويعم به ويريد تخصيصه فيعرفه ذوو الفهم بالنظر إلى الحال أو الوقت أو الأمر الذي هو فيه انتهى قال القاري الوجه الأول هو المعول ونظيره ما ورد أحاديث بلفظ أفضل الأعمال في أمور لا يمكن جمعها إلا بأن يقال في بعضها إن التقدير من أفضلها قوله (هذا حديث غريب الخ) قال في المختصر له طرق كثيرة كلها ضعيفة وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصححه واعترض عليه
[ 154 ]
كثير من أهل العلم ومن أراد استيفاء البحث فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء وكذا في الفوائد المجموعة للشوكاني وقال الزيلعي في تخريج الهداية ص 189 ج 1 وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو حديث ضعيف كحديث الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث من كنت مولاه فعلي مولاه بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا انتهى وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة الحاكم قال الخطيب أبو بكر أبو عبد الله الحاكم كان ثقة يميل إلى التشيع فحدثني إبراهيم بن محمد الأرموي وكان صالحا عالما قال جمع الحاكم أحاديث وزعم أنها صحاح على شرط البخاري ومسلم منها حديث الطير ومن كنت مولاه فعلي مولاه فأنكرها عليه أصحاب الحديث فلم يلتفتوا إلى قوله قال الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياني صاحب الحاكم يقول كنا في مجلس السيد أبي الحسن فسئل أبو عبد الله الحاكم عن حديث الطير فقال لا يصح ولو صح لما كان أحد أفضل من علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال الذهبي ثم تغير أي الحاكم وأخرج حديث الطير في مستدركه ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جدا أفردتها بمصنف ومجموعها يوجب أن يكون الحديث له أصل وأما حديث من كنت مولاه فله طرق جيدة وقد أفردت ذلك أيضا انتهى (والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن) وهو السدي الكبير قوله (أخبرنا عوف) هو ابن أبي جميلة (عن عبد الله بن عمرو بن هند) المرادي الجملي الكوفي صدوق من الثالثة لم يثبت سماعه من علي قوله (كنت إذا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي إذا طلبت منه شيئا (أعطاني) أي المسئول أو جوابه (وإذا سكت) أي عن السؤال أو التكلم (ابتدأني) أي بالتكلم أو الإعطاء قوله (هذا حديث حسن غريب) هذا الحديث منقطع لأن عبد الله بن عمرو لم يثبت سماعه من علي كما عرفت وأخرجه النسائي في الخصائص وابن خزيمة في صحيحه والحاكم
[ 155 ]
(باب) قوله (حدثنا محمد بن عمر بن الرومي) إعلم أنه وقع في النسخة الأحمدية وغيرها أخبرنا محمد بن عمر الرومي بإسقاط كلمة ابن وهو غلط والصواب محمد بن عمر بن الرومي بذكرها ففي التقريب محمد بن عمر بن عبد الله بن فيروز الباهلي مولاهم ابن الرومي البصري لين الحديث من العاشرة وكذا في تهذيب التهذيب والخلاصة وكذا وقع عند الترمذي في مناقب زيد بن حارثة (عن الصنابحي) هو عبد الرحمن بن عسيلة قوله (أنا دار الحكمة وعلي) أي ابن أبي طالب (بابها) أي الذي يدخل منه إليها قال الطيبي لعل الشيعة تتمسك بهذا التمثيل أن أخذ العلم والحكمة منه مختص به لا يتجاوز إلى غيره إلا بواسطته رضي الله عنه لأن الدار إنما يدخل من بابها وقد قال تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) ولا حجة لهم فيه إذ ليس دار الجنة بأوسع من دار الحكمة ولها ثمانية أبواب انتهى وقال القاري معنى الحديث على باب من أبوابها ولكن التخصيص يفيد نوعا من التعظيم وهو كذلك لأنه بالنسبة إلى بعض الصحابة أعظمهم وأعلمهم ومما يدل على أن جميع الأصحاب بمنزلة الأبواب قوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم من الإيماء إلى اختلاف مراتب أنوارها في الاهتداء ومما يحقق ذلك أن التابعين أخذوا أنواع العلوم الشرعية من القراءة والتفسير والحديث والفقه من سائر الصحابة غير علي رضي الله عنه أيضا فعلم عدم انحصار البابية في حقه اللهم إلا أن يختص بباب القضاء فإنه ورد في شأنه أنه أقضاكم كما أنه جاء في حق أبي أنه أقرؤكم وفي حق زيد بن ثابت أنه أفرضكم وفي حق معاذ بن جبل أنه أعلمكم بالحلال والحرام قلت قال الحافظ في التلخيص حديث أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم رواه عبد بن حميد في مسنده من طريق حمزة النصيبي عن نافع عن ابن عمر وحمزة ضعيف جدا ورواه الدارقطني في غرائب مالك من طريق حميد بن زيد عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وحميد لا يعرف ولا أصل له في حديث مالك ولا من فوقه وذكره البزار من رواية عبد الرحيم بن زيدالعمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن عمر وعبد الرحيم كذاب ومن حديث أنس أيضا وإسناده واهي ورواه القضاعي في مسند الشهاب له من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وفي إسناده جعفر بن عبد الواحد الهاشمي
[ 156 ]
وهو كذاب ورواه أبو ذر الهروي في كتاب السنة من حديث مندل عن جويبر عن الضحاك بن مزاحم منقطعا وهو في غاية الضعف قال أبو بكر البزار هذا الكلام لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن حزم هذا خبر مكذوب موضوع باطل وقال البيهقي في الإعتقاد عقب حديث أبي موسى الأشعري الذي أخرجه مسلم بلفظ النجوم أمنة السماء فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون قال البيهقي روى في حديث موصول بإسناد غير قوي يعني حديث عبد الرحيم العمي وفي حديث منقطع يعني حديث الضحاك بن مزاحم مثل أصحابي كمثل النجوم في السماء من أخذ بنجم منها اهتدى قال والذي رويناه ههنا من الحديث الصحيح يؤدي بعض معناه قال الحافظ صدق البيهقي هو يؤدي صحة التشبيه للصحابة بالنجوم خاصة أما في الاقتداء فلا يظهر في حديث أبي موسى نعم يمكن أن يتلمح ذلك من معنى الاهتداء بالنجوم وظاهر الحديث إنما هو إشارة إلى الفتن الحادثة بعد انقراض عصر الصحابة من طمس السنن وظهور البدع وفشو الفجور في أقطار الأرض انتهى قوله (هذا حديث غريب منكر) اختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال ابن الجوزي وغيره إنه موضوع وقال الحاكم وغيره إنه صحيح قال الحافظ ابن حجر والصواب خلاف قولهما معا وأن الحديث من قسم الحسن لا يرتقى إلى الصحة ولا ينحط إلى الكذب كذا في الفوائد المجموعة للشوكاني قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح وتعقبه الذهبي قوله (حدثنا حاتم بن إسماعيل) المدني (عن بكير بن مسمار) الزهري المدني قوله (فقال ما منعك أن تسب أبا تراب) أي عليا رضي الله عنه قال النووي قال العلماء الأحاديث الواردة التي في ظاهرها دخل على صحابي يجب تأويلها قالوا ولا يقع في روايات الثقات إلا ما يمكن تأويله فقول معاوية هذا ليس فيه تصريح بأنه أمر سعدا بسبه وإنما سأله عن السبب المانع له من السب كأنه يقول هل امتنعت تورعا أو خوفا أو غير ذلك فإن كان تورعا وإجلالا له عن السب فأنت مصيب محسن وإن كان غير ذلك فله جواب آخر ولعل سعدا قد كان في طائفة يسبون فلم يسب
[ 157 ]
معهم وعجز عن الإنكار وأنكر عليهم فسأله هذا السؤال قالوا ويحتمل تأويلا آخر أن معناه ما منعك أن تخطئه في رأيه واجتهاده وتظهر للناس حسن رأينا واجتهادنا وأنه أخطأ انتهى (أما ما ذكرت ثلاثا قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبه) كلمة ما مصدرية وذكرت بتأويل المصدر مع فاعله ومفعوله مبتدأ والخبر مجذوف أي أما ذكري ثلاث كلمات قالهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن علي فمانع عن سبه فلن أسبه (لأن تكون لي واحدة منهن) أي من الثلاث (من حمر النعم) بضم الحاء وسكون الميم أي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب فهي كناية عن خير الدنيا كله (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي) هذا بيان للكلمات الثلاث التي ذكرها سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (وخلفه) أي جعله خليفة والواو للحال (في بعض مغازيه) أي في غزوة تبوك (أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) أي نازلا مني منزلة هارون من موسى والباء زائدة وفي رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي رضيت رضيت أخرجه أحمد كذا في الفتح وفي الحديث إثبات فضيلة لعلي ولا تعرض فيه لكونه أفضل من غيره أو مثله وليس فيه دلالة لاستخلافه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا لعلي حين استخلفه في المدينة في غزوة تبوك ويؤيد هذا أن هارون المشبه به لم يكن خليفة بعد موسى بل توفي في حياة موسى وقبل وفاة موسى بنحو أربعين سنة على ما هو مشهور عند أهل الأخبار والقصص قالوا وإنما استخلفه حين ذهب لميقات ربه للمناجاة كذا في شرح مسلم للنووي (فتطاولنا لها) أي للراية يقال تطاول إذا تمدد قائما لينظر إلى بعيد (وبه رمد) بالتحريك أي هيجان العين (فبصق) أي بزق وفي حديث سهل بن سعد عند الشيخين ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع (وأنزلت هذه الاية ندع أبناءنا وأبناءكم الخ) وفي رواية مسلم ولما نزلت هذه الاية قل تعالوا ندع أبناءنا الخ) قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الترمذي في تفسير سورة آل عمران مختصرا
[ 158 ]
(باب) قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) القطواني (عن يونس بن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن البراء) أي ابن عازب قوله (بعث النبي صلى الله عليه وسلم) أي أرسل (إذا كان القتال فعلي) فالأمير علي (يشي به) في القاموس وشى به إلى السلطان وشيا ووشاية أي نم وسعى (فقرأ الكتاب) وفي حديث بريدة عند أحمد فقرئ عليه (فتغير لونه) أي لون وجهه لغضبه صلى الله عليه وسلم (في رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله) أي أراد بذلك وجود حقيقة المحبة وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة وفي الحديث تلميح بقوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق قوله (هذا حديث حسن غريب) تقدم هذا الحديث في باب من يستعمل على الحرب من أبواب الجهاد (باب) قوله (عن الأجلح) هو ابن عبد الله بن حجية (دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف) قيل أي دعاه يوم أرسله إلى الطائف (فانتجاه) قال في القاموس ناجاه مناجاة ونجاء ساره وانتجاه خصه
[ 159 ]
بمناجاته (فقال الناس) أي المنافقون او عوام الصحابة قاله القارى (ما انتجيته) أي ما خصصته بالنجوى (ولكن الله انتجاه) أي أني بلغته عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه على سبيل النجوى فحينئذ انتجاه الله لا انتجيته فهو نظير قوله تعالى وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) قال الطيبي كان ذلك أسرارا إلهية وأمورا غيبية جعله من خرانتها انتهى قال القاري وفيه أن الظاهر أن الأمر المتناجي به من الأسرار الدينوية المتعلقة بالأخبار الدينية من أمر الغزو ونحوه إذ ثبت في صحيح البخاري أنه سئل علي كرم الله وجهه هل عندكم شئ ليس في القرآن فقال والذي خلق الحبة وبرأ النسمة ما عندنا إلا ما في القرآن إلا فهما يعطاه رجل في كتابه وما في الصحيفة وقيل ما في الصحيفة فقال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر (باب) قوله (عن عطية) بن سعد العوفي قوله (لا يحل لأحد يجنب) بضم التحتية وسكون الجيم وكسر النون من الاجناب (في هذا المسجد) أي المسجد النبوي يعني لا يحل لأحد أن يمر جنبا في هذا المسجد (غيري وغيرك) بالنصب على الاستثناء واعلم أنه وقع في بعض النسخ لا يحل لأحد يجنب بغير أن وكذا وقع في المشكاة قال الطيبي ظاهره أن يجنب أن يكون فاعلا لقوله لا يحل وقوله في هذا المسجد ظرف ليجنب وفيه إشكال ولذلك أوله ضرار بن صرد صفة لأحد (قلت لضرار) بكسر الضاد المعجمة (بن صرد) بضم ففتح فتنوين يكنى أبا نعيم الكوفي الطحان سمع المعتمر بن سليمان وغيره وروى عنه علي بن المنذر (يستطرقه) أي يتخذه طريقا قال القاضي ذكر في شرحه أنه لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك وهذا إنما يستقيم إذا جعل يجنب صفة
[ 160 ]
لأحد ومتعلق الجار محذوفا فيكون تقدير الكلام لا يحل لأحد تصيبه الجنابة يمر في هذا المسجد غيري وغيرك وكان عمر دارهما خاصة في المسجد قال الطيبي والإشارة في هذا المسجد مشعرة بأن له اختصاصا بهذا الحكم ليس لغيره من المساجد وليس ذلك إلا لأن باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتح إلى المسجد وكذا باب علي قوله (هذا حديث حسن غريب) أورد ابن الجوزي هذا الحديث في موضوعاته وقال فيه كثير النواء وهو غال في التشيع عن عطية العوفي وهو ضعيف قال السيوطي في تعقباته أخرجه الترمذي والبيهقي في سننه من طريق سالم بن أبي حفصة عن عطية فزالت تهمة كثير وقال الترمذي حسن غريب وقال النووي إنما حسنه الترمذي بشواهده قال وورد من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه البزار وعمر بن الخطاب أخرجه أبو يعلى وأم سلمة أخرجه البيهقي في سننه وعائشة أخرجه البخاري في تاريخه والبيهقي وجابر بن عبد الله أخرجه ابن عساكر في تاريخه ومن مرسل أبي حازم الأشجعي أخرجه الزبير بن بكار في أخبار المدينة انتهى (وقد سمع محمد بن إسماعيل) أي الإمام البخاري (مني هذا الحديث) وقد سمع منه أيضا حديث ابن عباس في قول الله عز وجل ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها قال اللينة النخلة الحديث قال الترمذي بعد إخراجه في تفسير سورة الحشر سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث انتهى (باب) قوله (حدثنا علي بن عابس) بموحدة مكسورة بعدها مهملة الأسدي الكوفي ضعيف من التاسعة (عن مسلم الملائي) بميم مضمومة وخفة لام وبمد وبياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثياب قال في التقريب مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الأعور أبو عبد الله الكوفي ضعيف من الخامسة قوله (بعث النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وصلى علي يوم الثلاثاء) فيه دليل على أن
[ 161 ]
أول من أسلم من الذكور هو علي رضي الله عنه (وقد روى هذا الحديث عن مسلم) هو ابن كيسان الملائي (عن حبه) بفتح حاء مهملة ثم موحدة ثقيلة بن جوين بجيم مصغرا العرني بضم المهملة وفتح الراء بعدها نون الكوفي صدوق له أغلاط وكان غاليا في التشيع من الثانية وأخطأ من زعم أن له صحبة (عن علي نحو هذا) أخرج الحاكم عن حبة بن جوين عن علي عبدت الله مع رسوله سبع سنين قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة قال السيوطي في تعقباته قد أخرجه الحاكم لكن تعقبه الذهبي بأن خديجة وأبا بكر وبلالا وزيدا آمنوا أول ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ولعل السمع أخطأ ويكون علي قال عبدت الله مع رسوله ولي سبع سنين ولم يضبط الراوي ما سمع انتهى قوله (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري قوله (عن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى) تقدم شرحه قريبا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي أنت مني بمنزلة هارون من موسى الخ) قال الطيبي تحريره من جهة علم المعاني أن قوله مني خبر للمبتدأ ومن اتصاليته ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة كما في قوله تعالى فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به أي فإن آمنوا إيمانا مثل إيمانكم يعني أنت متصل بي ونازل مني منزلة هارون من موسى وفيه تشبيه ووجه الشبه منه لم يفهم أنه رضي الله عنه فيما شبهه به صلى الله عليه وسلم فبين بقوله إلا أنه لا نبي بعدي أن اتصاله به ليس من جهة النبوة فبقي الاتصال من جهة الخلافة لأنها تلي النبوة في المرتبة إما أن يكون حال حياته أو بعد مماته فخرج من أن يكون بعد مماته لأن هارون عليه السلام مات قبل موسى فتعين
[ 162 ]
أن يكون في حياته عند مسيره إلى غزوة تبوك قوله (وفي الباب عن سعد وزيد بن أرقم وأبي هريرة وأم سلمة) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فقد أخرجه الترمذي قبل هذا بأربعة أبواب وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه الطبراني بإسنادين في أحدهما ميمون أبو عبد الله البصري وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وأما حديث أبي هريرة فلينظر من أخرجه وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو يعلى والطبراني قال الهيثمي في إسناد أبي يعلى محمد بن سلمة بن كهيل وثقه ابن حبان وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح وقال عن عامر بن سعد عن أبيه وعن أم سلمة وقال الطبراني عن عامر بن سعد عن أبيه عن أم سلمة فالله أعلم انتهى وفي الباب أيضا عن أبي سعيد وأسماء بنت عميس وابن عباس وحبشي بن جنادة وابن عمر وعلي نفسه وجابر بن سمرة وأبي أيوب والبراء بن عازب كما في مجمع الزوائد (باب) قوله (حدثنا إبراهيم بن المختار) الرازي (عن أبي بلج) بفتح موحدة وسكون لام بعدها جيم الفزاري الكوفي ثم الواسطي الكبير اسمه يحيى بن سليم أو ابن أبي سليم أو ابن أبي الأسود صدوق ربما أخطأ من الخامسة (عن عمرو بن ميمون) الأودي قوله (أمر بسد الأبواب) أي المفتوحة في المسجد (إلا باب علي) ولذا قال لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك قال في اللمعات حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بالوضع وقال وضعته الروافض في معارضة حديث أبي بكر ورد الشيخ ابن حجر عليه وقال لحديث علي طرق كثيرة بلغت بعضها حد الصحة وبعضها مرتبة الحسن ولا معارضة بينه وبين حديث أبي بكر لأن الأمر بسد الأبواب وفتح باب علي كان في أول الأمر والأمر بسد الخوخات إلا خوخة أبي بكر كان في آخر الأمر في مرضه حين بقي من عمره ثلاثة أو أقل انتهى ما في اللمعات قلت أراد بالشيخ ابن حجر الحافظ ابن حجر العسقلاني وقد بسط الحافظ الكلام في هذا في فتح الباري في المناقب وقد تقدم تلخيصه في مناقب أبي بكر
[ 163 ]
قوله (حدثنا علي بن جعفر بن محمد بن علي) بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي العلوي أخو موسى مقبول (أخبرني أخي موسى بن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي المعروف بالكاظم صدوق عابد (عن أبيه جعفر بن محمد) المعروف بالصادق (عن أبيه محمد بن علي) المعروف بالباقر (عن أبيه علي بن الحسين) المعروف بزين العابدين قوله (وأباهما) أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه (وأمهما) أي فاطمة رضي الله عنها (كان معي في درجتي يوم القيامة) فإن المرء مع من أحب قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد (باب) قوله (أول من صلى) أي أول من أسلم من الصبيان (علي) أي ابن أبي طالب وفي رواية لأحمد عن زيد بن أرقم أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب
[ 164 ]
قوله (عن عمرو بن مرة) الجملي المرادي (أول من أسلم علي) وفي رواية لأحمد في مسنده أول من أسلم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وفي أخرى له أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه (فأنكره وقال أول من أسلم أبو بكر الصديق) لا وجه للإنكار فإن أبا بكر أول من أسلم من الرجال وعليا أول من أسلم من الصبيان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد قوله (وأبو حمزة اسمه طلحة بن يزيد) بفتح التحتية الأولى وكسر الزاي وسكون التحتية الثانية وبالدال المهملة وكذلك في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة ووقع في النسخة الأحمدية وغيرها طلحة بن زيد بفتح الزاي وسكون التحتية وبالدال المهملة وهو غلط وليس في جامع الترمذي راو اسمه طلحة بن زيد وطلحة بن زيد هذا هو أبو حمزة الأيلي بفتح الهمزة وسكون الياء مولى الأنصار نزل الكوفة وثقه النسائي من الثالثة (باب) قوله (لقد عهد) أي أوصى (النبي الأمي) بدل من النبي (أنه) الضمير للشأن (لا يحبك إلا مؤمن) أي لا يحبك حبا مشروعا مطابقا للواقع من غير زيادة ونقصان ليخرج النصيري والخارجي فمن أحبه وأبغض الشيخين مثلا فما أحبه حبا مشروعا أيضا (ولا يبغضك إلا منافق) أي حقيقة أو حكما (أنا من القرن الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم) أي من الجماعة الذين دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
[ 165 ]
اللهم وال من والاه كما في حديث البراء زيد بن أرقم عند أحمد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (ويعقوب بن إبراهيم) الدورقي (أخبرنا أبو عاصم) النبيل (عن أبي الجراح) البهزي بفتح موحدة وهاء ساكنة وزاي مجهول من السابعة (حدثني جابر بن صبيح) كذا وقع في النسخ الموجودة بضم الصاد المهملة وبفتح الموحدة مصغرا وكذا وقع في الميزان ووقع في الخلاصة وتهذيب التهذيب جابر بن صبح مكبل وضبطه الحافظ في التقريب بضم المهملة وسكون الموحدة وهو راسبي بصري صدوق من السابعة (حدثتني أم شراحيل) لا يعرف حالها من الثالثة (حدثتني أم عطية) الأنصارية صحابية مشهورة سكنت البصرة واسمها نصيبة بالتصغير ويقال بفتح أولها بنت كعب ويقال بنت الحارث قوله (فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يقول) أي حين إرساله أو عند توقع إقباله (اللهم لا تمتني) بضم فكسر من الإماتة أي لا تقبض روحي (حتى تريني) بضم فكسر من الإراءة (عليا) أي رجوعه بالسلامة قوله (هذا حديث غريب حسن) في سنده مجهول ومجهولة كما عرفت (باب) مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله) أي ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب أحد العشرة المبشرة بالجنة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة وقتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين رمي بسهم جاء من طرق كثيرة أن مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات وكان يومئذ أول قتيل قوله (عن محمد بن إسحاق) هو صا حب المغازي قوله (كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعان الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب ما جاء في الدرع من أبواب الجهاد
[ 166 ]
قوله (حدثنا صالح بن موسى) بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله التيمي الكوفي متروك من الثامنة (عن الصلت بن دينار) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام وبالمثناة فوق هو الأزدي الهنائي البصري أبو شعيب المجنون مشهور بكنيته متروك ناصبي من السادسة (عن أبي نضرة) العبدي قوله (من سره) أي أحبه وأعجبه وأفرحه (فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله) هذا معدود من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه استشهد في وقعة الجمل كما هو معروف وقال القاري يحتمل أن يكون إيماء إلى حصول الشهادة في ماله الدالة على حسن خاتمته وكماله قوله (هذا حديث غريب) في سنده متروكان كما عرفت وأخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم قوله (اخبارنا أبو عبد الرحمن منصور) اسمه النضر الباهلى وقيل غيرذلك في بسبه الكوفى ضعيف من التاسعة (عن عقبة بن علقمة اليشكرى) بفتح التحتانية وسكون المعجمة وضم الكاف كنية أبو الجنوب بفتح الجيم وضم النون آخره موحدة كوفى ضعيف من الثالثة قوله (من في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي من فمه وقوله اذنى للمبالغة على طريق رايت بعينى (طلحة والزبير جاراى في الجنة) فيه بشارة لهما رضى الله عنهما بالجنة مع زيادة فضل جواره صلى الله عليه وآله وسلم قوله (هذا حديث غريب) في سنده ضعيفان كما عرفت واخرجه ايضا الحاكم وقال صحيح ورد عليه
[ 167 ]
قوله (حدثنا عمرو بن عاصم) هو الكلابي القيسي (طلحة ممن قضى نحبه) قال في النهاية النحب النذر كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب فوفى به وقيل النحب الموت كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت انتهى وقال التوربشتي النذر والنحب المدة والوقت ومنه قضى فلان نحبه إذا مات وعلى المعنيين يحمل قوله سبحانه فمنهم من قضى نحبه فعلى النذر أي نذره فيما عاهد الله عليه من الصدق في مواطن القتال والنصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الموت أي مات في سبيل الله وذلك أنهم عاهدوا الله أن يبذلوا نفوسهم في سبيله فأخبر أن طلحة ممن وفى بنفسه أو ممن ذاق الموت في سبيله وإن كان حيا قوله (هذا حديث غريب) تقدم هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب (باب) قوله (قالوا لأعرابي جاهل) أي عن أحكام الشريعة (سله) أي سل النبي صلى الله عليه وسلم (وكانوا لا يجترئون) من الاجتراء وهو الإقدام على الأمر والجسارة عليه (يوقرونه) من التوقير أي يبجلونه (ويهابونه) أي يخافونه (ثم إني اطلعت من باب المسجد) أي أتيت منه فجاءة (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (هذا) أي طلحة (هذا حديث حسن غريب) تقدم هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب
[ 168 ]
قوله (ووضعه في كتاب الفوائد) قال الحافظ في مقدمة الفتح في ذكر تصانيف الإمام البخاري ما لفظه ومن تصانيفه كتاب الفوائد ذكره الترمذي في أثناء كتاب المناقب من جامعه (باب مناقب الزبير بن العوام) ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي أحد العشرة المبشرة بالجنة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله وروى الحاكم بإسناد صحيح عن عروة قال أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين وكان قتل الزبير في شهر رجب سنة ست وثلاثين انصرف من وقعة الجمل تاركا للقتال فقتله عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي التميمي غيلة وجاء إلى علي متقربا إليه بذلك فبشره بالنار قوله (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي قوله (جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه) أي في التفدية (فقال بأبي وأمي) أي فداك أبي وأمي وفي هذه التفدية تعظيم لقدره واعتداد بعمله واعتبار بأمره وذلك لأن الانسان لا يفدى إلا من يعظمه فيبذل نفسه أو أعز أهله له وقد تقدم وجه الجمع بين هذا الحديث وحديث علي ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد بن أبي وقاص في باب ما جاء في فداك أبي وأمي من أبواب الاداب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان مطولا (باب) قوله (حدثنا معاوية بن عمرو) بن المهلب المعنى (أخبرنا زائدة) بن قدامة (عن عاصم)
[ 169 ]
بن أبي النجود (عن زر) بن حبيش قوله (إن لكل نبي حواريا) بتشديد الياء ويجوز تخفيفها أي ناصرا مخلصا (وإن حواري الزبيربن العوام) أي خاصتي من أصحابي وناصري قاله في النهاية قال النووي في شرح مسلم قال القاضي اختلف في ضبطه فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها والحواري الناصر وقيل الخاصة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان عن جابر ويأتي (ويقال الحواري الناصر) قال العيني الحواري بفتح الحاء والواو المخففة وبتشديد الياء وهو لفظ مفرد ومعناه الناصر انتهى (باب) قوله (وأبو نعيم) اسمه الفضل بن دكين (عن سفيان) هو الثوري قوله (إن لكل نبي حواريا) أي خاصة من أصحابه وقيل الحواري الناصر ومنه الحواريون من أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام أي خلصاؤه وأنصاره وأصله من التحوير وهو التبييض وقيل إنهم كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ومنه الخبز الحواري الذي نخل مرة بعد مرة وقال الأزهري الحواريون خلصاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة الحواري الوزير وإذا أضيف الحواري إلى ياء المتكلم تحذف الياء وحينئذ ضبطه جماعة بفتح الياء وأكثرهم بكسرها قالوا والقياس الكسر لكنهم حين استثقلوا الكسرة وثلاث ياءات حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة وقد قرئ في الشواد إن ولي الله بالفتح كذا في عمدة القاري (وحواري الزبير) فإن قلت الصحابة كلهم أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم خلصاء فما وجه التخصيص به قلنا هذا قاله حين قال يوم الأحزاب من يأتيني بخبر القوم قال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم فقال أنا وهكذا مرة ثالثة ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره (وزاد أبو نعيم فيه) أي في حديثه (يوم الأحزاب) أي يوم الخندق (قال من يأتينا بخبر القوم الخ) وفي رواية
[ 170 ]
وهب بن كيسان عن جابر عند النسائي لما اشتد الأمر يوم بني قريظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يأتينا بخبرهم الحديث وفيه أن الزبير توجه إلى ذلك ثلاث مرات ومنه يظهر المراد بالقوم ولفظ البخاري من طريق أبي نعيم عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من يأتيني بخبر القوم يوم الأحزاب فقال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم فقال الزبير أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي حواريا وحواري الزبير قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (باب) قوله (عن صخر بن جويرية) هو أبو نافع مولى بني تميم أو بني هلال قال أحمد ثقة وقال القطان ذهب كتابه ثم وجده فتكلم فيه لذلك من السابعة قوله (صبيحة الجمل) أي صبيحة وقعة الجمل وهو يوم حرب بين علي وعائشة على باب البصرة وكانت راكبة جمل (ما مني عضو إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في الغزوات معه (حتى انتهى ذلك) أي الجرح (إلى فرجه) أي إلى فرج الزبير وقائل حتى انتهى الخ هو عبد الله بن الزبير (باب مناقب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف) ابن عبد بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد العشرة المبشرة بالجنة وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل غير ذلك فسماه النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم عبد الرحمن أسلم قبل أن يدخل
[ 171 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا وشهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في غزوة تبوك ذهب للطهارة فجاء وعبد الرحمن قد صلى بهم ركعة فصلى خلفه وأتم الذي فاته وقال ما قبض نبي حتى يصلي خلف رجل صالح من أمته ومات سنة اثنتين وثلاثين ودفن بالبقيع وترك ثمانية عشر ذكرا وبنتا واحدة قوله (حدثنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي (عن عبد الرحمن بن حميد) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني ثقة من السادسة قوله (أبو بكر في الجنة الخ) قال المناوي تبشير العشرة لا ينافي مجئ تبشير غيرهم أيضا في غير ما خبر لأن العدد لا ينفي الزائد وقال القاري الظاهر أن هذا الترتيب هو المذكور على لسانه صلى الله عليه وسلم كما يشعر إليه ذكر اسم الراوي بين الأسماء وإلا كان مقتضى التواضع أن يذكره في آخرهم فينبغي أن يعتمد عليه في ترتيب البقية من العشرة انتهى وحديث عبد الرحمن بن عوف هذا أخرجه ايضا احمد في مسنده قوله (أخبرنا أبو مصعب) اسمه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني (عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) كذا وقع في بعض النسخ بذكر عن سعيد بن زيد وهو غلط وإلا يلزم التكرار بين قوله هذا وبين قوله الاتي وقد روى هذا الحديث عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ووقع في بعض النسخ عن عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بحذف عن سعيد بن زيد وهو الصواب (وهذا أصح من الحديث الأول) أي حديث عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن سعيد بن زيد أصح من حديث عبد الرحمن بن حميد عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف
[ 172 ]
قوله (حدثنا صالح بن مسمار) السلمي أبو الفضل ويقال أبو العباس المروزى الكشميهني صدوق من صغار العاشرة (عن موسى بن يعقوب) الزمعي (عن عمر بن سعيد) بن أبي حسين الكوفي المكي ثقة من السادسة قوله (حدثه في نفر) حال أي حدثه حال كونه في نفر (عشرة في الجنة أبو بكر في الجنة الخ) قد وقع في هذا الحديث ذكر العشرة وبشارتهم ولعل هذا هو السبب في شهرتهم بهذه البشارة وإن لم تكن مخصوصة بهم (ننشدك الله) أي نسألك بالله ونقسم عليك (يا أبا الأعور) هو كنيته سعيد بن زيد (قال) أي أبو عيسى (هو) أي أبو الأعور وحديث سعيد بن زيد هذا أخرجه أيضا أحمد من طرق وابن ماجه والدارقطني والضياء (باب) قوله (حدثنا بكر بن مضر) المصري (عن صخر بن عبد الله) بن حرملة المدلجي حجازي مقبول غلط ابن الجوزي فنقل عن ابن عدي أنه اتهمه وإنما المتهم صخر بن عبد الله الحاجبي (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن قوله (إن أمركن) أي شأنكن (لمما) اللام للتأكيد وما موصولة (يهمني) بضم الياء وكسر الهاء أو بفتح الياء وضم الهاء أي يوقعني في الهم قال في القاموس همه الأمر هما حزنه كأهمه (بعدي) أي بعد وفاتي حيث لم يترك لهن ميراثا وهن قد آثرن الحياة الآخرة
[ 173 ]
على الدنيا حين خيرن (ولن يصبر عليكن) أي على بلاء مؤنتكن (إلا الصابرون) أي على مخالفة النفس من اختيار القلة وإعطاء الزيادة (قال) أي أبو سلمة (فسقى الله أباك) أي عبد الرحمن بن عوف (من سلسبيل الجنة) قال في القاموس السلسبيل اللبن الذي لا خشونة فيه والخمر وعين في الجنة انتهى قال الله تعالى ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا (تريد عبد الرحمن بن عوف) أي تريد عائشة بقولها أباك عبد الرحمن بن عوف (وقد كان وصل) من الصلة أي عبد الرحمن بن عوف (أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) مفعول لقوله وصل (بمال بيعت بأربعين ألفا) وفي المشكاة وكان ابن عوف تصدق على أمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعين ألفا وروى أحمد في مسنده عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه إن الذي يحثو عليكن بعدي هو الصادق البار اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة قوله وأحمد بن عثمان الملقب بأبي الجوزاء (حدثنا قريش بن أنس) الأنصاري ويقال الأموي أبو أنس البصري صدوق تغير بآخره قد رست سنين من التاسعة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة قوله (بيعت بأربعمائة ألف) هذا مخالف للرواية المتقدمة فقيل أن المراد في هذه الرواية الدرهم وفي الرواية المتقدمة الدينار (مناقب أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه) واسم أبي وقاص مالك بن وهيب ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة مات
[ 174 ]
بالعقيق سنة خمس وخمسين وقيل بعد ذلك إلى ثمانية وخمسين وعاش نحوا من ثمانين سنة وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة وهو آخرهم وفاة قوله (عن قيس) هو ابن أبي حازم (اللهم استجب) أي الدعاء (لسعد) بن أبي وقاص (إذا دعاك) أي كلما دعاك وكان سعد بن أبي وقاص معروفا بإجابة الدعوة روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد وحديث سعد هذا أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم (باب) قوله (أخبرنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة (عن مجالد) بن سعيد (عن عامر) الشعبي قوله (هذا خالي) أي من قوم أمي (فليرني) بضم ياء وكسر راء من الإراءة (امرؤ) أي شخص (خاله) أي ليظهر أن ليس لأحد خال مثل خالي (وكان سعد من بني زهرة) بضم الزاي حي من قريش (وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم) أي امنة (لذلك) أي لأجل أن سعدا كان من بني زهرة وكانت أم النبي صلى الله عليه وسلم أيضا منهم (قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا خالي) قال البخاري في مناقب سعد بن أبي وقاص وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في الفتح لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال (باب) قوله (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان (ويحيى بن سعيد) الأنصاري قوله (قال علي
[ 175 ]
ما جمع الخ) تقدم هذا الحديث وحديث سعد الاتي في باب ما جاء في فداك أبي وأمي من أبواب الاداب قوله (وفي الباب عن سعد) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (عن سعد بن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي قوله (أرم سعد فداك أبي وأمي) فيه جواز التفدية بالأبوين وبه قال جماهير العلماء وكرهه عمر بن الخطاب والحسن البصري وكرهه بعضهم في التفدية بالمسلم من أبويه والصحيح الجواز مطلقا لأنه ليس فيه حقيقة فداء وإنما هو كلام وإلطاف وإعلام لمحبته له ومنزلته وقد وردت الأحاديث بالتفدية مطلقا قاله النووي قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان (باب) قوله (أخبرنا الليث) هو ابن سعد (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري قوله (سهر) كفرح
[ 176 ]
أي لم ينم (مقدمة المدينة ليلة) قال الطيبي قوله مقدمه مصدر ميمي ليس بظرف لعمله في المدينة ونصبه على الظرفية على تقدير مضاف وهو الوقت أو الزمان وليلة بدل البعض المقدر من أي سهر ليلة من الليالي وقت قدومه المدينة من بعض الغزوات (يحرسني) بضم الراء أي يحفظني بقية الليلة لأنام مستريح الخاطر مطمئن القلب (خشخشة السلاح) بكسر السين المهملة أي صوت صدم بعضه بعضا (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال سعد بن أبي وقاص) أي أنا سعد بن أبي وقاص (ثم نام) زاد البخاري في رواية حتى سمعنا غطيطه وفي الحديث الأخذ بالحذر والاحتراس من العدو وأن على الناس أن يحرسوا سلطانهم خشية القتل وفيه الثناء على من تبرع بالخير وتسميته صالحا وإنما عانى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مع قوة توكله للاستنان به في ذلك وقد ظاهر بين درعين مع أنهم كانوا إذا اشتد البأس كان أمام الكل وأيضا فالتوكل لا ينافي تعاطي الأسباب لأن التوكل عمل القلب وهي عمل البدن وقد قال إبراهيم عليه السلام ولكن ليطمئن قلبي قاله الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (باب مناقب أبي الأعور واسمه سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة قال ابن عبد البر كان إسلامه قديما قبل عمر وبسبب زوجته كان إسلام عمر وهاجر هو وامرأته فاطمة بنت الخطاب وتوفي بالعقيق فحمل إلى المدينة فدفن بها سنة خمسين أو إحدى وخمسين وكان يوم مات ابن بضع وسبعين سنة قوله (حدثنا هشيم) هو ابن بشير بن القاسم (حدثنا حصين) بن عبد الرحمن السلمي
[ 177 ]
(عن عبد الله بن ظالم المازني) التميمي صدوق لينه البخاري من الثالثة قوله (لم آثم) بفتح المثلثة أي لم أقع في الإثم (بحراء) ككتاب وكعلي عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النبي صلى الله عليه وسلم (اثبت حراء) أي يا حراء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أي قال سعيد بن زيد أحدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم (وسعد) أي ابن أبي وقاص رضي الله عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة في مناقب عثمان وأخرجه مسلم والنسائي أيضا من حديثه قوله (حدثنا الحجاج بن محمد) المصيصي الأعور (عن الحر) بضم الحاء المهملة وتشديد الراء (بن الصباح) بصاد مهملة ثم تحتانية واخره مهملة النخعي الكوفي ثقة من الثالثة (عن عبد الرحمن بن الأخنس) الكوفي مستور من الثالثة قاله في التقريب وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي (مناقب أبي عبيدة عامر) بن الجراح رضي الله عنه ابن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث بن فهر يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك أسلم مع عثمان بن مظعون وهو أحد العشرة مات وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق
[ 178 ]
قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن صلة بن زفر) العبسي الكوفي قوله (جاء العاقب والسيد) وفي رواية البخاري جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه قال فقال أحدهما لصاحبه لا تفعل فوالله لئن كان نبيا فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا قالها إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلا أمينا قال الحافظ أما السيد فكان اسمه الأيهم بتحتانية ساكنة ويقال شرحبيل وكان صاحب رحالهم ومجتمعهم ورئيسهم في ذلك وأما العاقب فاسمه عبد المسيح وكان صاحب مشورتهم وكان معهم أيضا أبو الحرث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب مدراسهم قال ابن سعد دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فامتنعوا فقال إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم فانصرفوا على ذلك (ابعث معنا أمينك) أي ارسل معنا أمينك والأمين الثقة المرضي (أمينا حق أمين) أي أمينا مستحقا لأن يقال له أمين (فأشرف لها الناس) وفي رواية للبخاري فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ أي تطلعوا للولاية ورغبوا فيها حرصا على تحصيل الصفة المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد روي عن ابن عمر وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل أمة أمين) أما رواية ابن عمر فلينظر من أخرجها وأما رواية أنس فأخرجها الشيخان (وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) قال الحافظ صفة الأمانة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدا في ذلك لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره كالحياء لعثمان والقضاء لعلي ونحو ذلك قوله (قال حذيفة قلب صلة بن زفر من ذهب) القلب بفتح القاف وسكون اللام وبالموحدة معروف وهو عضو صنوبري الشكل في الجانب الأيسر من الصدر وهو أهم أعضاء
[ 179 ]
الحركة الدموية يعني أن قلبه منور كالذهب وروى ابن أبي حاتم أيضا قول حذيفة هكذا قال الحافظ في تهذيب التهذيب روى ابن أبي حاتم من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة قال قلب صلة بن زفر من ذهب يعني أنه منور كالذهب انتهى واعلم أنه وقع في بعض النسخ قلت صلة بن زفر بالقاف واللام والمثناة الفوقية وهو غلط قوله (قلت لعائشة أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إليه الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في مناقب أبي بكر قوله (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي قوله (نعم الرجل أبو بكر الخ) يأتي هذا الحديث مطولا في مناقب معاذ بن جبل ويأتي هناك شرحه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي اعلم أنه لم يقع في بعض النسخ قوله مناقب أبي عبيدة إلى قوله إنما نعرفه من حديث سهيل (مناقب أبي الفضل عم النبي صلى الله عليه وسلم وهو العباس) بن عبد المطلب رضي الله عنه) وكان أسن من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين أو بثلاث وكان إسلامه على المشهور قبل فتح مكة وقيل قبل ذلك ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وله بضع وثمانون سنة
[ 180 ]
قوله (عن يزيد بن أبي زياد) القرشي الهاشمي (عن عبد الله بن الحارث) بن نوفل الهاشمي (حدثني عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب) بن هاشم الهاشمي صحابي سكن الشام ومات سنة اثنتين وستين يقال اسمه المطلب قوله (مغضبا) بصيغة اسم المفعول (ما أغضبك) أي أي شئ جعلك غضبان (ما لنا) أي معشر بني هاشم (ولقريش) أي بقيتهم (بوجوه مبشرة) بصيغة اسم المفعول من الإبشار قال الطيبي كذا في جامع الترمذي وفي جامع الأصول مسفرة يعني على أنه اسم فاعل من الأسفار بمعنى مضيئة قال التوربشتي هو بضم الميم وسكون الباء وفتح الشين يريد بوجوه عليها البشر من قولهم فلان مردم مبشر إذا كانت له أدمة وبشرة محمودتين انتهى والمعنى تلاقي بعضهم بعضا بوجوه ذات بشر وبسط (وإذا لقونا) بضم القاف (لقونا بغير ذلك) أي بوجوه ذات قبض وعبوس وكان وجهه أنهم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله (حتى احمر وجهه) أي اشتد حمرته من كثرة غضبه (لا يدخل قلب رجل الإيمان) أي مطلقا وأريد به الوعيد الشديد أو الإيمان الكامل فالمراد به تحصيله على الوجه الأكيد (حتى يحبكم لله ولرسوله) أي من حيث أظهر رسوله والله أعلم حيث يجعل رسالته وقد كان يتفوه أبو جهل حيث يقول إذا كان بنو هاشم أخذوا الراية والسقاية والنبوة والرسالة فما بقي لبقية قريش (من أذى عمي) أي خصوصا (فقد آذاني) أي فكأنه آذاني (فإنما عم الرجل صنو أبيه) بكسر الصاد وسكون النون أي مثله وأصله أن يطلع نخلتان أو ثلاث من أصل عرق واحد فكل واحدة منهن صنو يعني ما عم الرجل وأبوه إلا كصنوين من أصل واحد فهو مثل أبي أو مثلي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
[ 181 ]
(باب) قوله (حدثنا عبيد الله) هو ابن موسى العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن عبد الأعلى) بن عامر الثعلبي الكوفي قوله (العباس مني وأنا منه) قال في المرقاة أي من أقاربي أو من أهل بيتي أو متصل بي انتهى وقال في اللمعات رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل باعتبار الشرف والفضل والنبوة والعباس أصل من جهة النسب والعمومة قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الحاكم وهذا الباب مع حديثه لم يقع في بعض النسخ (باب) قوله ((اخبرنا شبابة) هو ابن سوار المدائني (اخبرنا ورقاء) بن عمر اليشكرى قوله (وان عم الرجل صنو ابيه) أي مثله اصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه واذاؤه كايذائه قوله (هذا حديث حسن غريب) اخرجه الطبراني عن ابن عباس (باب) أخبرنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري (عن عمرو بن مرة) الجملي
[ 182 ]
المرادي (عن أبي البختري) اسمه سعيد بن فيروز قوله (وكان عمر كلمه) النبي صلى الله عليه وسلم (في صدقته) أي في أخذ صدقة العباس وفي حديث أبي هريرة عند الشيخين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس الحديث وفيه وأما العباس فهي علي ومثلها معها ثم قال يا عمر أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه قوله (أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء) الخفاف أبو نصر العجلي مولاهم البصري نزيل بغداد صدوق ربما أخطأ أنكروا عليه حديثا في فضل العباس يقال دلسه عن ثور من التاسعة قاله الحافظ (عن ثور بن يزيد) الحمصي قوله (فأتني أنت وولدك) بفتحتين وبضم وسكون أي أولادك (حتى أدعو لهم) أي للأولاد معك قال الطيبي وهو كذا في الترمذي وفي جامع الأصول وفي بعض نسخ المصابيح لكم انتهى والمعنى حتى أدعو لكم جميعا (وولدك) أي وينفع بها أولادك (فغدا) أي العباس (وغدونا) أي نحن معاشر الأولاد (معه) والمعنى فذهبنا جميعنا إليه صلى الله عليه وسلم (فألبسنا) أي النبي صلى الله عليه وسلم جميعنا أو نحن الأولاد مع العباس (مغفرة ظاهرة وباطنة) أي ما ظهر من الذنوب وما بطن منها (لا تغادر) أي لا تترك تلك المغفرة (ذنبا) أي غير مغفور (اللهم احفظه في ولده) أي أكرمه وراع أمره كيلا يضيع في شأن ولده زاد رزين واجعل الخلافة باقية في عقبه قال التوربشتي أشار النبي صلى الله عليه وسلم بذلك إلى أنهم خاصته وأنهم بمثابة النفس الواحدة التي يشملها كساء واحد وأنه يسأل الله تعالى أن يبسط عليهم رحمته بسط الكساء عليهم وأنه يجمعهم في الاخرة تحت لوائه وفي هذه الدار تحت رايته لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دعوة رسوله وهذا معنى رواية رزين واجعل الخلافة باقية في عقبة قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه رزين
[ 183 ]
(باب مناقب جعفر بن أبي طالب أخي علي ر ضي الله عنهما) هو شقيقه وكان أسن من علي بعشر سنين واستشهد بمؤته وقد جاوز الأربعين ويقال له ذو الجناحين لأنه قد عوض بجناحين عن قطع يديه في غزوة مؤتة حيث أخذ اللواء بيمينه فقطعت ثم أخذه بشماله فقطعت ثم احتضنه فقتل روى البخاري في صحيحه أن ابن عمر كان إذا سلم على ابن جعفر قال السلام عليك يا ابن ذي الجناحين قوله (عن أبيه) هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني قوله (رأيت جعفرا) أي في المنام (يطير في الجنة مع الملائكة) ولذا سمي بجعفر الطيار وبذي الجناحين قوله (هذا حديث غريب الخ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم وفي إسناده ضعف لكن له شاهد من حديث علي عند ابن سعد وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مر بي جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أخرجه الحاكم بإسناد على شرط مسلم وأخرج أيضا هو والطبراني عن ابن عباس مرفوعا دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرا يطير مع الملائكة وفي طريق أخرى عنه أن جعفرا مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله من يديه وإسناد هذه جيد وطريق أبي هريرة في الثانية قوي إسناده على شرط مسلم انتهى ما في الفتح قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الحاكم والطبراني وتقدم لفظه آنفا (باب) قوله (ما احتذى النعال) بكسر النون جمع النعل أي ما انتعل والإحتذاء الإنتعال (ولا
[ 184 ]
انتعل) عطف تفسير لأن الاحتذاء هو الانتعال (ولا ركب المطايا) جمع المطية وهي الدابة التي تركب (ولا ركب الكور) بضم الكاف وسكون الواو وهو رحل الناقة بأداته وهو كالسرح والته للفرس (أفضل من جعفر) أي أحد أفضل من جعفر وفيه فضيلة ظاهرة لجعفر رضي الله عنه وقد ذكر البخاري في مناقبه قول أبي هريرة في فضيلته وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب قال الحافظ قوله أخير بوزن أفضل ومعناه وهذا التقييد يحمل عليه المطلق الذي جاء عن عكرمة عن أبي هريرة قال ما احتذى النعال ولا ركب المطايا الحديث قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الحاكم قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس قوله (أشبهت خلقي) بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام (وخلقي) بضمهما وفي مرسل ابن سيرين عند ابن سعد أشبه خلقك خلقي وخلقك خلقي أما الخلق فالمراد به الصورة فقد شاركه فيها جماعة ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأما شبهه في الخلق بالضم فخصوصية إلا أن يقال إن مثل ذلك حصل لفاطمة عليها السلام فإن في حديث عائشة ما يقتضي ذلك ولكن ليس بصريح كما في قصة جعفر هذه وهي منقبة عظيمة لجعفر قال الله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم (وفي الحديث قصة) أخرج البخاري هذا الحديث مع القصة في باب القضاء وغيره قوله (حدثنا إبراهيم أبو إسحاق المخزومي) المدني وإبراهيم هذا هو إبراهيم بن الفضل ويقال إبراهيم بن إسحاق وهو متروك قوله (إن كنت) إن مخففة من المثقلة (أنا أعلم بها) أي
[ 185 ]
بالآيات والجمل حالية (منه) أي من الرجل الذي أسأله (يا أسماء) هي بنت عميس (فإذا أطعمتنا أجابني) إنما كان يجيبه عن سؤاله مع معرفته بأنه إنما سأله ليطعمه ليجمع بين المصلحتين ولاحتمال أن يكون السؤال وقع حينئذ وقع منه على الحقيقة قاله الحافظ (وكان جعفر يحب المساكين) أي محبة زائدة على محبة غيره إياهم (فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنيه بأبي المساكين) أي ملازمهم ومداومهم وفي الحديث دلالة على أن حب الكبراء وأرباب الشرف المساكين وتواضعهم لهم يزيد في فضلهم ويعد ذلك من مناقبهم قوله (هذا حديث غريب) وأخرج البخاري نحوه من وجه اخر وأما رواية الترمذي هذه فهي ضعيفة (باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب والحسين) ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما) كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثير من المناقب وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس فجهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته والقصة مشهورة
[ 186 ]
قوله (عن يزيد بن أبي زياد) القرشي الهاشمي الكوفي (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون المهملة قوله (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) بفتح الشين المعجمة وبالموحدة الخفيفة جمع شاب وهو من بلغ إلى ثلاثين ولا يجمع فاعل على فعال غيره ويجمع على شيبة وشبان أيضا قال المظهر يعني هما أفضل من مات شابا في سبيل الله من أصحاب الجنة ولم يرد به سن الشباب لأنهما ماتا وقد كهلا بل ما يفعله الشباب من المروءة كما يقال فلان فتى وإن كان شيخا يشير إلى مروءته وفتوته أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب وليس فيهم شيخ ولا كهل قال الطيبي ويمكن أن يراد هما الان سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان قوله (حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (وابن فضيل) هو محمد بن فضيل بن غزوان (عن يزيد) بن أبي زياد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وهذا الحديث مروي عن عدة من الصحابة من طرق كثيرة ولذا عده الحافظ السيوطي من المتواترات قوله (أخبرنا خالد بن مخلد) القطواني (عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر) مجهول من السادسة (أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال) بفتح النون والموحدة ويقال محمد بن أبي سهل قال علي ابن المديني مجهول وذكره ابن حبان في الثقات (أخبرني الحسن بن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي المدني مقبول من الثالثة (أخبرني أبي) بياء المتكلم أي والدي (أسامة بن زيد) بدل من قبله قوله (طرقت النبي صلى الله عليه وسلم) في القاموس الطرق الإتيان بالليل كالطروق انتهى ففي الكلام تجريد أو تأكيد والمعنى أتيته (في بعض الحاجة) أي لأجل حاجة من الحاجات (وهو مشتمل) أي
[ 187 ]
محتجب (فكشفه) أي أزال ما عليه من الحجاب أو المعنى فكشف الحجاب عنه على أنه من باب الحذف والإيصال (على وركيه) بفتح فكسر وفي القاموس بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ (هذان ابناي) أي حكما (وابنا ابنتي) أي حقيقة (اللهم إني أحبهما الخ) لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل أسامة وغيره على زيادة محبتهما قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة الحسن بن أسامة بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وصححه ابن حبان والحاكم قوله (عن محمد بن أبي يعقوب) هو محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب البصري الضبي ويقال إنه تميمي وهو ثقة باتفاق قوله (أن رجلا من أهل العراق) أي الكوفة فإنها والبصرة تسميان عراق العرب (عن دم البعوض يصيب الثوب) وفي رواية البخاري في الأدب سأله رجل عن المحرم يقتل الذباب قال الحافظ يحتمل أن يكون السؤال وقع عن الأمرين (فقال ابن عمر انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أورد ابن عمر هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشئ اليسير وتفريطهم في الشئ الجليل (هما ريحانتاي) بالتثنية شبههما بذلك لأن الولد يشم ويقبل وفي حديث أنس الاتي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في الأوسط وقال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه فقلت تحبهما يا رسول الله قال وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما قال الكرماني وغيره الريحان الرزق أو المشموم قال العيني لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى قلت الأمر كما قال العيني قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري
[ 188 ]
قوله (حدثنا أبو خالد الأحمر) اسمه سليمان بن حيان (حدثنا رزين) بفتح الراء وكسر الزاي ابن حبيب الجهني أو البكري الكوفي الرماني بضم الراء التمار بياع الأنماط ويقال رزين الجهني الرماني غير رزين بياع الأنماط والجهني هو الذي أخرج له الترمذي ووثقه أحمد وابن معين والاخر مجهول وكلاهما من السابعة (حدثتني سلمى) البكرية لا تعرف من الثالثة روت عن عائشة وأم سلمة وعنها رزين الجهني ويقال البكري قاله الحافظ وقد وهم القاري وهما شنيعا فقال سلمى هذه هي زوجة أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قابلة إبراهيم بن نبي الله صلى الله عليه وسلم قوله (ما يبكيك) بضم التحتية وكسر كافيه (تعني في المنام) هذا من كلام سلمى أو ممن دونها أي تريد أم سلمة بالرؤية في المنام (وعلى رأسه ولحيته التراب) أي أثره من الغبار (مالك) أي من الحال (شهدت) أي حضرت (آنفا) بمد الهمزة ويجوز قصرها أي هذه الساعة القريبة قوله (هذا حديث غريب) هذا الحديث ضعيف لجهالة سلمى قوله (أخبرنا عقبة بن خالد) السكوني (حدثني يوسف بن إبراهيم التميمي أبو شيبة الجوهري الواسطي ضعيف من الخامسة قوله (فيشمهما) من باب سمع ونصر أي فيحضران فيشمهما (ويضمهما إليه) أي بالاعتناق والاحتضان قوله (هذا حديث غريب) في سنده يوسف بن إبراهيم وهو ضعيف كما عرفت لكن له شواهد
[ 189 ]
باب قوله (حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) هو محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري (عن الحسن) البصري (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر) في رواية البخاري بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب جاء الحسن وفي رواية علي بن زيد عن الحسن في دلائل البيهقي يخطب أصحابه يوما إذ جاء الحسن بن علي فصعد إليه المنبر (إن أبنى هذا سيد) فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة وهو مشتق من السؤدد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي الأشخاص الكثيرة (يصلح الله على يديه) وفي رواية البخاري وغيره لعل الله أن يصلح به (بين فئتين) تثنية فئة وهي الفرقة مأخوذة من فأوت رأسه بالسيف وفأيت إذا شققته وجمع فئة فئات فئون زاد البخاري في رواية عظيمتين قال العيني وصفهما بالعظيمتين لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن رضي الله عنه وفرقة مع معاوية وهذه معجزة عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة وأقام الحسن أياما مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقه سلم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الاخر وقيل في غرة جمادى الأولى وكانت خلافته ستة أشهر إلا أياما وسمي هذا العام عام الجماعة وهذا الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي قال أي أبو عيسى الترمذي (يعني الحسن بن علي) أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله ابني هذا الحسن بن علي بن أبي طالب
[ 190 ]
(باب) قوله (سمعت أبا) أي سمعت والدي (بريدة) بدل من ما قبله (ويعثر ان) في القاموس عثر كضرب ونصر وعلم وكرم أي كبا انتهى والمعنى أنهما يسقطان على الأرض لصغرهما وقلة قوتهما (صدق الله) أي في قوله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي اختبار وابتلاء من الله تعالى لخلقه ليعلم من يطيعه ممن يعصيه (فلم أصبر) أي عنهما لتأثير الرحمة والرقة في قلبي (حتى قطعت حديثي) أي كلامي في الخطبة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي قوله (عن سعيد بن راشد) وعند ابن ماجه عن سعيد بن أبي راشد قال الحافظ في تهذيب التهذيب سعيد بن أبي راشد ويقال ابن راشد روى عن يعلى بن مرة الثقفي وغيره وعنه عبد الله بن عثمان بن خثيم ذكره ابن حبان في الثقات قوله (حسين مني وأنا من حسين) قال القاضي كأنه صلى الله عليه وسلم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصه بالذكر وبين أنهما كالشئ الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة وأكد ذلك بقوله (أحب الله من أحب حسينا) فإن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله (حسين سبط) بالكسر (من الأسباط) قال في النهاية أي أمة من الأمم في الخير والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل وأحدهم سبط فهو واقع على الأمة والأمة واقعة عليه انتهى وقال القاضي السبط ولد
[ 191 ]
الولد أي هو من أولاد أولادي أكد به البعضية وقررها ويقال للقبيلة قال تعالى وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أي قبائل ويحتمل أن يكون المراد ههنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة ويكون من نسله خلق كثير فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى وكان الأمر كذلك قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والحاكم قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الإمام الذهلي قوله (لم يكن أحد منهم) أي من أهل البيت (أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي) هذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس قال أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين الحديث وفيه فقال أنس كان (أي الحسين) أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ويمكن الجمع بأن يكون أنس قال ما وقع في رواية الزهري يعني رواية الباب في حياة الحسن لأنه يومئذ كان أشد شبها بالنبي صلى الله عليه وسلم من أخيه الحسين وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن ويحتمل أن يكون كل منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه فقد روى الترمذي وابن حبان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال الحسن كشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه وكان أشبههم وجها بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤيد حديث علي هذا انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي البجلي قوله (يشبهه) بضم التحتية وسكون المعجمة وكسر الموحدة أي يشابهه من الأشباه ويماثله قال في القاموس شابهه وأشبهه ماثله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق وابن عباس وابن الزبير) أما حديث أبي بكر الصديق فأخرجه البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مناقب الحسن وأما حديث ابن عباس فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن الزبير فأخرجه البزار وفيه علي بن عابس وهو ضعيف
[ 192 ]
قوله (عن حفصة بنت سيرين) أم الهذيل الأنصارية البصرية قوله (كنت عند ابن زياد) هو عبيد الله بن زياد بن أبي سفيان وكان أمير الكوفة عن يزيد بن معاوية وقتل الحسين في إمارته (فجعل يقول) أي فجعل (عبيد الله بن زياد يشير بقضيب) أي بغصن (ويقول ما رأيت مثل هذا حسنا) قال الشيخ الأجل الشاه ولي الله الدهلوي وفي رواية البخاري فجعل ينكت وقال في حسنه شيئا وإذا حملت لفظ الترمذي على معنى تلك الرواية فالوجه أن يقال ما رأيت مثل هذا حسنا يعني ما رأيت حسنا مثل حسن هذا يتهكم به وقوله (لم يذكر) معناه لماذا يذكر في الناس بالحسن وليس له حسن انتهى (قال) أي أنس بن مالك (أما) بالتخفيف للتنبيه (إنه) أي الحسين (من أشبههم) أي من أشبه أهل البيت قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري قوله (عن هانئ بن هانئ) الهمداني بسكون الميم الكوفي مستور من الثالثة كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان في ترجمته قال ابن المديني مجهول وقال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات قوله (أشبه) فعل ماض أي شابه في الصورة (ما بين الصدر إلى الرأس) قال الطيبي بدل من الفاعل المضمر في أشبه من المفعول بدل البعض وكذا قوله الاتي (ما كان أسفل من ذلك) أي كالساق والقدم فكأن الأكبر أخذ الشبه الأقد م لكونه أسبق والباقي للأصغر قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان قوله (حدثنا أبو معاوية) اسمه محمد بن خازم (وعن عمارة بن عمير) التيمي قوله
[ 193 ]
(نضدت) بصيغة المجهول أي جعلت بعضها فوق بعض مرتبة (في الرحبة) بفتح الراء محلة بالكوفة (تخلل الرؤوس) بحذف إحدى التائين أي تدخل بيتها (في منخري عبيد الله بن زياد) أي في ثقبي أنفه قال في القاموس المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس ثقب الأنف (فمكثت) أي لبثت الحية (هنيهة) بضم هاء وفتح نون وسكون تحتية وفتح هاء أخرى أي زمانا يسيرا وإنما أورد الترمذي هذا الحديث في مناقب الحسنين لأن فيه ذكر المجازاة لما فعله عبيد الله بن زياد برأس الحسين رضي الله عنه قال العيني إن الله تعالى جازى هذا الفاسق الظالم عبيد الله بن زياد بأن جعل قتله على يدي إبراهيم بن الأشتر يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين على أرض يقال لها الجازر بينها وبين الموصل خمسة فراسخ وكان المختار بن أبي عبيدة الثقفي أرسله لقتال ابن زياد ولما قتل ابن زياد جئ برأسه وبرؤوس أصحابه وطرحت بين يدي المختار وجاءت حية دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في ابن مرجانة وهو ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه وجعلت تدخل وتخرج من رأسه بين الرؤوس ثم إن المختار بعث برأس ابن زياد ورؤوس الذين قتلوا معه إلى مكة إلى محمد بن الحنفية وقيل إلى عبد الله بن الزبير فنصبها بمكة وأحرق ابن الأشتر جثة ابن زياد وجثث الباقين (باب) قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (وإسحاق بن منصور) هو الكوسج (أخبرنا محمد بن يوسف) الضبي الفريابي (عن ميسرة بن حبيب) النهدي أبي حازم الكوفي صدوق
[ 194 ]
من السابعة قوله (متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم) يقال متى عهدك بفلان أي متى رؤيتك إياه (ما لي) أي ليس لي (فنالت مني) أي ذكرتني بسوء زاد أحمد وسبتني (فصلى) أي النبي صلى الله عليه وسلم النوافل (ثم انفتل) أي انصرف (فتبعته) بكسر الموحدة أي مشيت خلفه زاد أحمد فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب فأتبعته (فسمع صوتي) أي صوت حركة رجلي (حذيفة) خبر مبتدأ محذوف أي أهذا أو هو أو أنت حذيفة (ما حاجتك غفر الله لك ولأمك) وفي رواية أحمد ما لك فحدثته بالأمر فقال غفر الله لك ولأمك (قال إن هذا ملك لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة) وفي رواية أحمد ثم قال أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل قال قلت بلى قال فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض الخ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قوله (حدثنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة (أبصر) أي رأى (اللهم إني أحبهما فأحبهما) الأول بصيغة المتكلم والثاني بصيغة الأمر من الاحباب قوله (على عاتقة) بكسر تاء وهو ما بين المنكب والعنق (نعم المركب) أي هو (ركبت) أي ركبته قوله (وهو يقول) جملة حالية (اللهم إني أحبه فأحبه) فيه حث على حبه وبيان لفضيلته رضي الله عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
[ 195 ]
(مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم) قال الشيخ عبد الحق في اللمعات اعلم أنه قد جاء أهل البيت بمعنى من حرم الصدقة عليهم وهم بنو هاشم فيشمل آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث فإن كل هؤلاء يحرم عليهم الصدقة وقد جاء بمعنى أهله صلى الله عليه وسلم شاملا لأزواجه المطهرات وإخراج نسائه صلى الله عليه وسلم من أهل البيت في قوله (ويطهركم تطهيرا) مع أن الخطاب معهن سباقا وسياقا فإخراجهن مما وقع في البين يخرج الكلام عن الاتساق والانتظام قال الإمام الرازي إنها شاملة لنسائه صلى الله عليه وسلم لأن سياق الاية ينادي على ذلك فإخراجهن عن ذلك وتخصيصه بغيرهن غير صحيح والوجه في تذكير الخطاب في قوله (ليذهب عنكم ويطهركم) باعتبار لفظ الأهل أو لتغليب الرجال على النساء ولو أنث الخطاب لكان مخصوصا بهن ولا بد من القول بالتغليب على أي تقدير كان وإلا لخرجت فاطمة رضي الله عنها وهي داخلة في أهل البيت بالاتفاق انتهى قوله (أخبرنا زيد بن الحسن) القرشي الكوفي صاحب الأنماط ضعيف من الثامنة روى له الترمذي حديثا واحدا في الحج قال الحافظ (عن جعفر بن محمد) المعروف بالصادق (عن أبيه) أي محمد بن علي بن حسين المعروف بالباقر قوله (في حجته) أي في حجته الوداع (على ناقته القصواء) بفتح القاف ممدود اللقب ناقته صلى الله عليه وسلم وما كانت مجدوعة الأذن (إني تركت فيكم من إن أخذتم
[ 196 ]
به) أي اقتديتم به واتبعتموه وفي بعض النسخ تركت فيكم ما إن أخذتم به أي إن تمسكتم به علما وعملا (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) قال التوربشتي عترة الرجل أهل بيته ورهطه الأدنون ولاستعمالهم العترة على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله أهل بيتي ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه انتهى قال القاري والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم لقوله صلى الله عليه وسلم أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ولقوله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال ابن الملك التمسك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه ومعنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم زاد السيد جمال الدين إذا لم ى كن مخالفا للدين قوله (وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد) أما حديث أبي ذر فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد وزيد بن أرقم فأخرجه الترمذي فيما بعد وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه الطبراني وفيه زيد بن الحسن الأنماطي قال أبو حاتم منكر الحديث ووثقه ابن حبان وبقية رجال أحد الإسنادين ثقات قاله الهيثمي قوله (وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان) سعيد بن سليمان هذا هو الواسطي قوله (عن عمر بن آبى سلمة ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال نزلت هذه الآية الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الاحزاب
[ 197 ]
قوله (عن عطية) هو العوفي قوله (أحدهما) وهو كتاب الله (أعظم من الاخر) وهو العترة (كتاب الله) بالنصب وبالرفع (حبل ممدود) أي هو حبل ممدود ومن السماء إلى الأرض يوصل العبد إلى ربه ويتوسل به إلى قربه (وعترتي) أي والثاني عترتي (أهل بيتي) بيان لعترتي قال الطيبي في قوله إني تارك فيكم إشارة إلى أنهما بمنزلة التوأمين الخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يوصي الأمة بحسن المخالقة معهما وإيثار حقهما على أنفسهم كما يوصي الأب المشفق الناس في حق أولاده ويعضده ما في حديث زيد بن أرقم عند مسلم أذكركم الله في أهل بيتي كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي (ولن يتفرقا) أي كتاب الله وعترتي في مواقف القيامة (حتى يردا علي) بتشديد الياء (الحوض) أي الكوثر يعني فيشكرانكم صنيعكم عندي (فانظروا كيف تخلفوني) بتشديد النون وتخفف أي كيف تكونون بعدي خلفاء أي عاملين متمسكين بهما قال الطيبي لعل السر في هذه التوصية واقتران العترة بالقرآن أن إيجاب محبتهم لائح من معنى قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فإنه تعالى جعل شكر إنعامه وإحسانه بالقرآن منوطا بمحبتهم على سبيل الحصر فكأنه صلى الله عليه وسلم يوصي الأمة بقيام الشكر وقيل تلك النعمة به ويحذرهم عن الكفران فمن أقام بالوصية وشكر تلك الصنيعة بحسن الخلافة فيهما لن يفترقا فلا يفارقانه في مواطن القيامة ومشاهدها حتى يرد الحوض فشكرا صنيعه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ هو بنفسه يكافئه والله تعالى يجازيه بالجزاء الأوفى ومن أضاع الوصية وكفر النعمة فحكمه على العكس وعلى هذا التأويل حسن موقع قوله فانظروا كيف تخلفوني فيهما والنظر بمعنى التأمل والتفكر أي تأملوا واستعملوا الروية في استخلافي إياكم هل تكونون خلف صدق أو خلف سوء قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم من وجه آخر ولفظه ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي الحديث
[ 198 ]
قوله (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة (عن كثير النواء) بفتح النون بتشديد الواو ممدودا هو كثير بن إسماعيل ضعيف (عن أبي إدريس) المرهبي (عن المسيب بن نجبة) بفتح النون والجيم والموحدة الكوفي مخضرم من الثانية قوله (إن كل نبي أعطي سبعة نجباء) بإضافة سبعة إلى نجباء وهو جمع نجيب قال في النهاية النجيب الفاضل من كل حيوان وقد نجب ينجب نجابة إذا كان فاضلا نفيسا في نوعه (رفقاء) جمع رفيق وهو المرافق (أو قال رقباء) أي حفظه يكونون معه وهو جمع رقيب وأو للشك من الراوي (وأعطيت أنا أربعة عشر) أي نجيبا رقيبا بطريق الضعف تفضلا (من هم) أي الأربعة عشر (قال أنا) قال الطيبي فاعل قال ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ضمير علي رضي الله عنه يعني هو عبارة عنه نقله بالمعنى أي مقوله أنا كذا في المرقاة وأرجع صاحب أشعة اللمعات ضمير قال إلا علي حيث قال كفت علي آن جهارده من وهر دويسر من (وابناي) أي الحسنان (وجعفر) أي أخو علي (وحمزة) بن عبد المطلب (وأبو بكر وعمر الخ) الواو لمطلق الجمع قوله (حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث) السجستاني صاحب السنن (عن عبد الله بن سليمان النوفلي) مقبول من السابعة (عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس) الهاشمي ثقة من السادسة لم يثبت سماعه من جده قوله (لما يغذوكم) أي يرزقكم به (من نعمه) بكسر النون وفتح العين جمع نعمة وهو بيان لما (يحب الله) وفي المشكاة لحب الله أي لأن محبوب المحبوب محبوب
[ 199 ]
(وأجلوا أهل بيتي بحبي) أي إياهم أو لحبكم إياي قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أما معاذ بن جبل فهو ابن عمر بن أوس من بني أسد الخزرجي يكنى أبا عبد الرحمن شهد بدرا والعقبة وكان أميرا للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن ورجع بعده إلى المدينة ثم خرج إلى الشام مجاهدا فمات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وأما زيد بن ثابت فهو ابن الضحاك بن زيد بن لوذان من بني مالك ابن النجار الأنصاري النجاري المدني قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن إحدى عشرة سنة وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فضلاء الصحابة ومن أصحاب الفتوى توفي سنة خمس وأربعين بالمدينة وأما أبي بن كعب فهو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية الأنصاري الخزرجي النجاري يكنى أبا المنذر وأبا الطفيل كان من السابقين من الأنصار شهد العقبة وبدرا وما بعدهما مات سنة ثلاثين وقيل غير ذلك وأما أبو عبيدة بن الجراح فقد تقدم ترجمته في مناقبه قوله (أخبرنا حميد بن عبد الرحمن) هو الرؤاسي الكوفي (عن داود العطار) هو داود بن عبد الرحمن العطار قوله (أرحم أمتي) أي أكثرهم رحمة (وأشدهم في أمر الله) أي أقواهم في دين الله (وأفرضهم) أي أكثرهم علما بالفرائض (وأقرؤهم) أي أعلمهم بقراءة القرآن قوله (هذا حديث غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث رجاله ثقات انتهى وأخرجه
[ 200 ]
أيضا أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه وأخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن عمر (وقد رواه أبو قلابة عن أنس الخ) أخرج هذه الرواية ابن ماجه قوله (قال وسماني) أي هل نص علي باسمي أو قال أقرأ علي واحد من أصحابك فاخترتني أنت فلما قال له نعم بكى إما فرحا وسرورا بذلك وإما خشوعا وخوفا من التقصير في شكر تلك النعم قال أبو عبيد المراض بالعراض على أبي ليتعلم أبي منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القرآن سنة وللتنبيه على فضيلة أبي بن كعب وتقدمه في حفظ القرآن وليس المراد أن يستذكر منه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا بذلك العرض قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي (وقد روى هذا الحديث عن أبي كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه الحاكم والطبراني قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان قوله (جمع القرآن) أي استظهره حفظا (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه (أربعة) أراد أنس بالأربعة أربعة من رهطه وهم الخزرجيون إذ روى أن جمعا من المهاجرين أيضا جمعوا القرآن (وأبو زيد) اختلف في اسمه فقيل أوس وقيل ثابت بن زيد وقيل قيس بن السكن بن قيس بن زعور بن حرام الأنصاري النجاري ويرجحه قول أنس أحد عمومتي فإنه من قبيلة بني حرام (أحد عمومتي) بضم العين والميم أي أحد أعمامي قال النووي في شرح مسلم قال المازري هذا الحديث مما تعلق به بعض الملاحدة في تواتر القرآن وجوابه من وجهين أحدهما أنه ليس فيه تصريح بأن غير الأربعة لم يجمعه فقد يكون مراده الذين علمهم من الأنصار أربعة وأما غيرهم من المهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم ولو نفاهم كان المراد نفي علمه ومع هذا فقد روى غير مسلم حفظ جماعات من الصحابة
[ 201 ]
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم والجواب الثاني أنه لو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة لم يقدح في تواتره فإن أجزاءه حفظ كل جزء منها خلائق لا يحصون يحصل التواتر ببعضهم وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعهم جميعه بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك ولم يخالف في هذا مسلم ولا ملحد انتهى مختصرا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (نعم الرجل أسيد بن حضير) بضم أولهما مصغرين ابن سماك بن عتيك الأنصاري صحابي جليل شهد بدرا وما بعدها من المشاهد مات بالمدينة سنة عشرين ودفن بالبقيع (نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس) بمعجمة وميم مشددة وآخره مهملة أنصاري خزرجي خطيب الأنصار من كبار الصحابة بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة واستشهد باليمامة (نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح) بفتح الجيم وضم الميم أنصاري خزرجي شهد العقبة وبدرا وهو وأبوه عمرو وهو الذي قتل مع معاذ بن عفراء أبا جهل قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي قوله (عن حذيفة بن اليمان قال جاء العاقب والسيد الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في مناقب أبي عبيدة بن الجراح
[ 202 ]
(باب مناقب سلمان الفارسي رضي الله عنه) قصته طويلة ملخصها أنه هرب من أبيه لطلب الحق وكان مجوسيا فلحق براهب ثم براهب ثم بآخر وكان يصحبهم إلى وفاتهم حتى دله الأخير إلى الحجاز وأخبره بظهور رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقصده مع بعض الأعراب فغدروا به وباعوه في وادي القرى ليهودي ثم اشتراه منه يهودي آخر من بني قريظة فقدم به المدينة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى علامات النبوة أسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب عن نفسك عاش مائتين وخمسين سنة وقيل مائتين وخمس وسبعين سنة ومات سنة ست وثلاثين بالمدائن وأول مشاهده الخندق قوله (عن الحسن بن صالح) بن حي الهمداني (عن الحسن) هو البصري قوله (إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة) المقصود أنهم من أهل الجنة فبالغ فيه قيل المراد اشتياق أهل الجنة من الحوار والغلمان والملائكة كذا في اللمعات وقال الطيبي سبيل اشتياق الجنة إلى هؤلاء الثلاثة سبيل اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ (باب مناقب عمار بن ياسر وكنيته أبو اليقظان رضي الله عنه) واسم أمه سمية بالمهملة مصغرا أسلم هو وأبوه قديما وعذبوا لأجل الإسلام وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام ومات أبوه قديما وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع علي رضي الله عنهم وكان قد ولي شيئا من أمور الكوفة لعمر فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها
[ 203 ]
قوله (مرحبا بالطيب المطيب) يقال مرحبا به أي أصاب رحبا وسعة وكني بذلك عن الانشراح والمراد بالطيب المطيب الطاهر المطهر وفيه مبالغة كظل ظليل وقال في اللمعات لعله إشارة إلى أن جوهر ذاته ظاهر طيب ثم طيبه وهذبه الشرائع والعمل بها فصار نورا على نور قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجه قوله (عن عبد العزيز بن سياه) بكسر المهملة بعدها تحتانية خفيفة الأسدي الكوفي صدوق يتشيع من السابعة قوله (ما خير عمار) بصيغة المجهول من التخيير أي ما جعل مخيرا (إلا اختار أرشدهما) أي أصلحهما وأصوبهما وأقربهما إلى الحق وفي بعض النسخ أشدهما أي أصعبهما قال القاري قيل هذا بالنظر إلى نفسه فلا ينافي رواية ما اختير عمار بين أمرين إلا اختار أيسرهما فإنه بالنظر إلى غيره والأظهر في الجمع بين الروايات أنه كان يختار أصلحهما وأصوبهما فيما تبين ترجيحه وإلا فاختار أيسرهما انتهى قيل في هذا الحديث دليل على أن الرشد مع علي رضي الله عنه في خلافته وأن معاوية أخطأ في اجتهاده ولم يكن على الرشد لأن عمارا رضي الله عنه اختار موافقة علي وكان معه يوم صفين حتى استشهد في ذلك الحرب قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه قوله (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (عن مولى لربعي) اسمه هلال قال في التقريب هلال مولى ربعي مقبول من السادسة قوله (فاقتدوا بالذين من بعدي وأشار إلى أبي
[ 204 ]
بكر وعمر) تقدم شرح هذا في مناقب أبي بكر (واهتدوا بهدي عمار) أي ابن ياسر والهدي بفتح الهاء وسكون الدال السيرة والطريقة والمعنى أي سيروا سيرته واختاروا طريقته وكأن الاقتداء أعم من الاهتداء حيث يتعلق به القول والفعل بخلاف الاهتداء فإنه يختص بالفعل (وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه) أي صدقوا حديثه واعتقدوه صدقا وحقا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد قوله (وقد روى سالم المرادي الكوفي عن عمرو بن هرم الخ) وصله الترمذي في مناقب أبي بكر الصديق قوله (أبشر) بصيغة الأمر من الإبشار أي سر واستبشر (تقتلك الفئة الباغية) المراد بالفئة أصحاب معاوية والفئة الجماعة والباغية هم الذين خالفوا الإمام وخرجوا عن طاعته بتأويل باطل وأصل البغي مجاوزة الحد وفي حديث أبي سعيد عند البخاري في قصة بناء المسجد النبوي كنا نحمل لبنة لبنة وعمار لبنتين لبنتين فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه ويقول ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال الحافظ في الفتح فإن قيل كان قتله بصفين وهو مع علي والذين قتلوه مع معاوية وكان معه جماعة من الصحابة فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار فالجواب أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة وهم مجتهدون لا لوم عليهم في إتباع ظنونهم فالمراد بالدعاء إلى الجنة الدعاء إلى سببها وهو طاعة الإما وكذلك كان عمار يدعوهم إلى طاعة علي وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم انتهى قوله (وفي الباب عن أم سلمة الخ) قال الحافظ روى حديث تقتل عمار الفئة الباغية جماعة من الصحابة منهم قتادة بن النعمان وأم سلمة عند مسلم وأبو هريرة عند الترمذي وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو
[ 205 ]
رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه وكلها عند الطبراني وغيره وغالب طرقها صحيحة أو حسنة وفيه عن جماعة اخرين يطول عددهم انتهى (باب مناقب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه) اسمه جندب بن جنادة وهو من أعلام الصحابة وزهادهم والمهاجرين وأسلم قديما بمكة يقال كان خامسا في الإسلام ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق ثم سكن الربذة إلى أن مات بها سنة اثنتين في خلافة عثمان وكان يتعبد قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم قوله (عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي) البصري ثقة من الثالثة قوله (ما أظلت) أي على أحد (الخضراء) أي السماء (ولا أقلت) بتشديد اللام أي حملت ورفعت (الغبراء) أي الأرض (أصدق من أبي ذر) مفعول أقلت وصفة للأحد المقدر وهو نوع من التنازع والمراد بهذا الحصر التأكيد والمبالغة في صدقه أي هو متناه في الصدق لا أنه أصدق من غيره مطلقا إذ لا يصح أن يقال أبو ذر أصدق من أبي بكر رضي الله عنه وهو صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أصدق من أبي ذر وغيره كذا قالوا قال القاري وفيه أنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء مستثنى شرعا وأما الصديق لكثرة تصديقه لا يمنع أن يكون أحد أصدق في قوله وقد جاء في الحديث أقرؤكم أبي وأقضاكم علي ولا يدع أن يكون في المفضول ما لا يوجد في الفاضل أو يشترك هو والأفضل في صفة من الصفات على وجه التسوية قوله (وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي ذر) أما حديث أبي الدرداء فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث أبي ذر فأخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم قوله (حدثنا العباس) بن عبد العظيم (أخبرنا النضر بن محمد) بن موسى الجرشي (حدثني
[ 206 ]
أبو زميل) اسمه سماك بن الوليد (عن مالك بن مرثد) بن عبد الله الزمانى (عن ابيه) أي مرثد بن عبد الله الزماني بكسر الزاي وتشديد الميم مقبول من الثالثة قوله (من ذي لهجة) بفتح فسكون وقيل بفتحتين وهي اللسان وقيل طرفه والمعنى من ذي نطق وقيل لهجة اللسان ما ينطق به أي من صاحب كلام وكلمة من زائدة (أصدق) أي أكثر صدق (ولا أوفى) أي بكلامه من الوعد والعهد (من أبي ذر) أي ولا أقلت الغبراء أحدا ذا لهجة وصدق ولا أوفى بكلامه من أبي ذر (شبه عيسى ابن مريم) بالجر بدل أي شبيهه وفي الاستيعاب من الحديث من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر انتهى فالتشبيه يكون من جهة التواضع قاله القاري قلت حديث من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم فلينظر إلى أبي ذر أخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة كذا في الجامع الصغير قال المناوي في شرحه قوله فلينظر إلى أبي ذر فإنه في مزيد التواضع ولين الجانب وخفض الجناح يقرب منه (فقال عمر بن الخطاب كالحاسد) أي على طريقة الغبطة (أفتعرف) من التعريف (ذلك) أي ما ذكرت من منقبته (له) أي لأبي ذر والمعنى هل تعلمن ذلك له (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (نعم) أي أعلمكم ذلك له (فاعرفوه) أي فاعلموه قال التوربشتي قوله أصدق من أبي ذر مبالغة في صدقه لا أنه أصدق من كل على الإطلاق لأنه لا يكون أصدق من أبي بكر بالإجماع فيكون عاما قد خص قال الطيبي يمكن أن يراد به أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام فلا يرخي عنان كلامه ولا يحابي مع الناس ولا يسامحهم ويظهر الحق البحت والصدق المحض ومن ثمة عقبه بقوله ولا أوفى أي يوفي حق الكلام إيفاء لا يغادر شيئا منه قوله (هذا حديث حسن غريب) قال ميرك هو حديث رجالة موثوقون قوله (فقال أبو ذر يمشي في الأرض بزهد عيسى ابن مريم) قال القاري ولا منافاة بين أن يكون متواضعا وزاهدا بل الزهد هو الموجب للتواضع
[ 207 ]
(باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه) قوله (عن ابن أخي عبد الله بن سلام قال لما أريد قتل عثمان الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الأحقاف قوله (أخبرنا الليث) ابن سعد (عن معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي الحمصي (عن ربيعة بن يزيد) الدمشقي (عن يزيد بن عميرة) بفتح العين الحمصي الزبيدي أو الكندي وقيل غير ذلك ثقة من الثانية قوله (يا أبا عبد الرحمن) كنية معاذ (إن العلم والإيمان مكانهما) أي في
[ 208 ]
مكانهما (من ابتغاهما) أي طلبهما (والتمسوا العلم) أي أطلبوه أو المراد من العلم علم الكتاب والسنة (عند أربعة رهط) أي نفر والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة (عند عويمر) بضم العين وفتح الواو مصغرا اسم الدبي رداء (الذي كان يهوديا فأسلم) صفة كاشفة قال الطيبي ليس بصفة مميزة لعبد الله لأنه لا يشارك في اسمه غيره بل هو مدح له في التوصية بالتماس العلم منه لأنه جمع بين الكتابين (أنه) أي عبد الله بن سلام (عاشر عشرة في الجنة) أي مثل عاشر عشرة ونحوه أبو يوسف وأبو حنيفة إذ ليس هو من العشرة المبشرة كذا ذكره ميرك وهو قول الطيبي أو المعنى يدخل بعد تسعة نفر من الصحابة في الجنة ذكره السيد جمال الدين قال القاري وفيه أن يلزم تقدمه على بعض العشرة فلعله العاشر من الذين أسلموا من اليهود أو مما عدا العشرة المبشرة فيدخل الجنة بعد تسعة عشر من الصحابة قوله (وفي الباب عن سعد) أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار وفيه عاصم بن بهدلة وفيه خلاف وبقية رجالهم رجال الصحيح قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي (باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) هو عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب بن شمخ بن هذيل أبو عبد الرحمن الهذلي وأمه أم عبد بنت عبدود بن سوا من هذيل أيضا أسلمت وصحبت فلذلك نسب إليها أحيانا ومات أبوه في الجاهلية وكان هو من السابقين وقد روى ابن حبان من طريقه أنه كان سادس ستة في الإسلام وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي بيت المال بالكوفة لعمر وعثمان وقدم في أواخر عمره المدينة ومات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين وقد جاوز الستين وكان من علماء الصحابة وممن انتشر علمه بكثرة أصحابه والاخذين عنه قوله (حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبو إسحاق
[ 209 ]
الكوفي ضعيف من الحادية عشرة (حدثني أبي) هو إسماعيل بن يحيى متروك من العاشرة (عن أبيه) هو يحيى بن سلمة بن كهيل بالتصغير الحضرمي أبو جعفر الكوفي متروك وكان شيعيا من التاسعة قوله (وتمسكوا بعهد ابن مسعود) أي بوصيته وفي المشكاة وتمسكوا بعهد بن أم عبد قال التوربشتي يريد عهد عبد الله بن مسعود وهو ما يعهد إليه فيوصيهم به وأرى أشبه الأشياء بما يراد من عهده أمر الخلافة فإن أول من شهد بصحتها وأشار إلى استقامتها من أفاضل الصحابة وأقام عليها الدليل فقال لا نؤخر من قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نرضى لدنيانا من ارتضاه لديننا ومما يؤيد هذا المعنى المناسبة الواقعة بين أول الحديث وآخره ففي أوله اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وفي آخره وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ومما يدل على صحة ما ذهبنا إليه قوله في حديث حذيفة وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه هذا إشارة إلى ما أسر إليه من أم الخلافة في الحديث الذي نحن فيه ويشهد لذلك الاستدراك الذي أوصله بحديث الخلافة فقال لو استخلفت عليكم فعصيتموه عذبتم ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وحذيفة هو الذي يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتدوا بالذين من بعدي ولم أر في التعريض بالخلافة في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوضح من هذين الحديثين ولا أصح من حديث أبي سعيد سدوا عني كل خوخة إلا خوخة أبي بكر رضي الله عنه قوله (وأبو الزعراء) بفتح الزاي وسكون المهملة وبالراء (اسمه عبد الله بن هانئ) في التقريب عبد الله بن هانئ أبو الزعراء الأكبر الكوفي وثقه العجلي من الثانية (اسمه عمرو بن عمرو) في التقريب عمرو بن عمرو أو ابن عامر بن مالك بن نضلة الجشمي بضم الجيم وفتح المعجمة أبو الزعراء بفتح الزاي وسكون المهملة الكوفي ثقة من السادسة انتهى ويقال له أبو الزعراء الأصغر وهو يروي عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك وعكرمة وعبيد الله بن عبيد الله (وهو) أي أبو الزعراء عمرو بن عمرو (ابن أخي أبي الأحوص) اسم أبي الأحوص هذا عوف بن مالك بن نضلة الجشمي (صاحب ابن مسعود) أي تلميذه وهو بالجر بدل من أبي الأحوص
[ 210 ]
قوله (حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق) السبيعي الكوفي (عن أبيه) أي يوسف بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) السبيعي (سمع أبا موسى) أي الأشعر ي (لقد قدمت أنا وأخي) كان لأبي موسى أخوان أبو رهم وأبو بردة وقيل أن له أخا آخر اسمه محمد وأشهرهم أبو بردة واسمه عامر وقد خرج عنه أحمد في مسنده حديثا (وما نرى) بضم النون وفتح الراء أي لأنظن (حينا) أي زمانا وفي رواية البخاري في المناقب فمكثنا حينا ما نرى (لما نرى من دخوله الخ) اللام فيه للتعليل وكلمة ما مصدرية أي لأجل رؤيتنا من دخول عبد الله بن مسعود ودخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك يدل على خصوصيته بملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على فضله وخيره قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي (وقد رواه سفيان الثوري عن أبي إسحاق) أخرج هذه الرواية مسلم في صحيحه قوله (أخبرنا إسرائيل) هو ابن يونس (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي قوله (حدثنا بأقرب الناس) أي أخبرنا برجل أقرب الناس (هديا) بفتح الهاء وسكون الدال أي طريقة وسيرة (ودلا) بفتح الدال المهملة وتشديد اللام أي سيرة وحالة وهيئة وكأنه مأخوذ مما يدل ظاهر حاله على حسن فعاله (وسمتا) السمت بفتح السين وسكون الميم وهو الهيئة الحسنة (حتى يتوارى منا) يريد أنا نشهد ما يستبين لنا من ظاهر حاله ولا ندري وما بطن له قال ذلك من غاية استغراب طريقته وحاله وحسنه وكماله (ولقد علم المحفوظون) أي الذين حفظهم الله من تحريف في قول أو فعل (أن ابن أم عبد) هو عبد الله بن مسعود وكانت أمه تكنى أم عبد (من أقربهم) أي من أقرب الناس (زلفا) كذا في النسخ الحاضرة
[ 211 ]
زلفا بالألف والظاهر أن يكون زلفى بالياء وهو اسم مصدر بوزن قربى ومعناه أي هو من أقربهم إليه تعالى قربة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله (حدثنا زهير) هو ابن معاوية (أخبرنا منصور) بن المعتمر (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن الحارث) هو ابن عبد الله الأعور قوله (لو كنت مؤمرا) بتشديد الميم المكسورة أي عاجل أحدا أميرا (من غير مشورة) بفتح فسكون ففتح وفي الجامع الصغير لو كنت مؤمرا على أمتي أحدا من غير مشورة منهم لأمرت عليهم ابن أم عبد قال التوربشتي ومن أي وجه روى هذا الحديث فلا بد أن يأول على أنه صلى الله عليه وسلم أراد به تأميره على جيش بعينه أو استخلافه في أمر من أموره حال حياته ولا يجوز أن يحمل على غير ذلك فإنه وإن كان من العلم والعمل بمكان وله الفضائل الجمة والسوابق الجلة فإنه لم يكن من قريش وقد نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن هذا الأمر في قريش فلا يصح حمله إلا على الوجه الذي ذكرناه قوله (هذا حديث إنما نعرفه من حديث الحارث عن علي) وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم والحارث فيه ضعف كما مر مرارا قوله (خذوا القرآن) وفي رواية الشيخين استقرأوا القرآن أي أطلبوا القراءة (من ابن مسعود الخ) بيان للأربعة وتخصيص هؤلاء الأربعة بأخذ القرآن عنهم إما لأنهم كانوا أكثر ضبطا له وأتقن لأدائه أو لأنهم تفرغوا لأخذه منه مشافهة وتصدوا لأذائه من بعده فلذلك ندب إلى الأخذ
[ 212 ]
عنهم لا أنه لم يجمعه غيرهم قاله الحافظ وسالم مولى أبي حذيفة هذا هو سالم بن معقل كان من أهل فارس من اصطخر وكان من السابقين الأولين وقد أشير في هذا الحديث إلى أنه كان عارفا بالقرآن وكان يؤم المهاجرين بقباء لما قدموا من مكة وشهد بدرا وما بعدها وكان مولى لامرأة من الأنصار فتبناه أبو حذيفة لما تزوجها فنسب إليه واستشهد باليمامة وأما مولاه أبو حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان من أكابر الصحابة وشهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقتل أبوه يومئذ كافرا فساءه ذلك فقال كنت أرجو أن يسلم كما كنت أرى من عقله واستشهد باليمامة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (حدثنا الجراح بن مخلد) العجلي البصري القزاز ثقة من العاشرة (حدثنا معاذ بن هشام) ابن أبي عبد الله الدستوائي البصري (حدثني أبي) أي هشام الدستوائي (عن خيثمة بن أبي سبرة) في التقريب خيثمة بن عبد الرحمن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الجعفي الكوفي ثقة وكان يرسل من الثالثة قوله (أن ييسر) من التيسير أي يسهل (جليسا صالحا) أي مجالسا يصلح أن يجلس معه ويستفاد من المجالسة (فوفقت) بضم الواو وبكسر الفاء المشددة وفتح الفوقية أي جعلت وفقا لنا وهو من الموافقة التي هي كالالتحام يقال أتانا لتيفاق الهلال وميفاقه أي حين أهل لا قبله ولا بعده وهي نقطة تدل على صدق الاجتماع والالتيام قاله النووي (التمس الخير) أي العلم المقرون بالعمل المعبر عنهما بالحكمة التي قال الله فيها ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقد يقال لا خير خير منه أو لا خير غيره (وأطلبه) عطف تفسير (أليس فيكم) أي في بلدكم (سعد بن مالك) هو سعد بن أبي وقاص (مجاب الدعوة) قد تقدم ذكره وبيان إجابة دعوته في مناقبه (صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) بفتح الطاء أي ما يطهر به فإنه كان صاحب مطهرته صلى الله عليه وسلم ونعليه وكذا صاحب وسادته ونحوها مما يدل على كمال خدمته وقربه (وحذيفة صاحب سر
[ 213 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم) المراد بالسر ما أعلمه به النبي صلى الله عليه وسلم أمورا من أحوال المنافقين وأمورا من الذي يجري بين هذه الأمة فيما بعده وجعل ذلك سرا بينه وبينه (وعمار الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه) قال ابن التين المراد بقوله على لسان نبيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ويح عمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار قال الحافظ وهو محتمل ويحتمل أن يكون المراد بذلك حديث عائشة مرفوعا ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما أخرجه الترمذي ولأحمد من حديث ابن مسعود مثله أخرجهما الحاكم فكونه يختار أرشد الأمرين دائما يقتضي أنه قد أجير من الشيطان الذي من شأنه الأمر بالغي ولابن سعد في الطبقات من طريق الحسن قال قال عمار نزلنا منزلا فأخذت قربتي ودلوي لأستقي فقال النبي صلى الله عليه وسلم سيأتيك من يمنعك من الماء فلما كنت على رأس الماء إذا رجل أسود كأنه عرس فصرعته فذكر الحديث وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الشيطان فلعل ابن مسعود أشار إلى هذه القصة ويحتمل أن تكون الاشارة بالإجارة المذكورة إلى ثباته على الايمان لما أكرهه المشركون على النطق بكلمة الكفر فنزلت فيه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان (وسلمان صاحب الكتابين) سلمان هذا هو سلمان الفارسي ويقال سلمان الخير والمراد بالكتابين الإنجيل والقرآن فإنه آمن بالإنجيل قبل نزول القرآن وعمل به ثم آمن بالقرآن أيضا تنبيه توارد أبو الدرداء في وصف المذكورين غير سلمان مع أبي هريرة بما وصفهم به فروى البخاري في صحيحه من طريق علقمة قال قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت اللهم يسر لي جليسا صالحا فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي قلت من هذا قالوا أبو الدرداء قلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا فيسرك لي قال ممن أنت قلت من أهل الكوفة قال أو ليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة أو ليس فيكم الذي أجاره الله من الشيطان يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره ثم قال كيف يقرأ عبد الله والليل إذا يغشى الحديث
[ 214 ]
(باب مناقب حذيفة بن اليمان رضي الله عنه) هو حذيفة بن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم وهو من القدماء في الإسلام ولي بعض أمور الكوفة لعمرو ولي إمرة المدائن ومات بعد قتل عثمان بيسير بها قوله (أخبرنا إسحاق بن عيسى) هو ابن الطباع (عن أبي اليقظان) اسمه عثمان بن عمير البجلي الكوفي (عن زاذان) كنيته أبو عمر الكندي الكوفي قوله (قالوا) أي بعض الصحابة بعد امتناعه من الاستخلاف (لو استخلفت) قال الطيبي لو هذه للتمني أي ليتنا أو الامتناعية وجوابه محذوف أي لكان خيرا (إن استخلفت عليكم) أي أحدا (فعصيتموه) أي استخلافي أو مستخلفي (عذبتم) بصيغة المجهول من التعذيب قال الطيبي عذبتم جواب الشرط ويجوز أن يكون مستأنفا والجواب فعصيتموه والأول أوجه لما يلزم من الثاني أن يكون الاستخلاف سببا للعصيان والمعنى أن الاستخلاف المستعقب للعصيان سبب للعذاب وقوله ولكن ما حدثكم حذيفة فصدقوه وما أقرأكم عبد الله أي ابن مسعود فاقرؤوه من الأسلوب الحكيم لأنه زيادة على الجواب كأنه قيل لا يهمكم استخلافي فدعوه ولكن يهمكم العمل بالكتاب والسنة فتمسكوا بهما وخص حذيفة لأنه كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنذرهم من الفتن الدنيوية وعبد الله بن مسعود لأنه كان منذرهم من الأمور الأخروية وقال القاري الأظهر أنه استدراك من مفهوم ما قبله والمعنى ما استخلف عليكم أحدا ولكن الخ ثم وجه اختصاصهما بهذا المقام أنهما شاهدان على خلافة الصديق على ما تقدم ففيه إشارة إلى الخلافة دون العبادة لئلا يترتب على الثاني شئ من المعصية الموجبة للتعذيب بخلاف الأول فإنه يبقى للاجتهاد مجال انتهى كلام القاري قلت أشار القاري بقوله (على ما تقدم) إلى ما ذكرنا في شرح حديث ابن مسعود في مناقبه قوله (قال عبد الله) أي ابن عبد الرحمن الدارمي المذكور (يقولون هذا عن أبي وائل) أي يقولون هذا الحديث مروي عن أبي وائل عن حذيفة (قال) أي إسحاق بن عيسى (لا) أي ليس
[ 215 ]
الأمر كما يقولون (عن زاذان) أي بل هو مروي عن زاذان عن حذيفة وأبو وائل هذا هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي (مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه) هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من بني كلب أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها ذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة وأن أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا يفدياه فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه إليهما أو يثبت عنده فاختار أن يبقى عنده واستشهد في غزوة مؤتة قوله (حدثنا محمد بن بكر) هو البرساني البصري (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (أنه فرض) أي قدر في إمارته وظيفة (لأسامة) أي ابن زيد بن حارثة (في ثلاثة آلاف وخمسمائة) أي من أموال بيت المال رزقا له (في ثلاثة آلاف) أي بنقص خمسمائة من وظيفة أسامة (لم فضلت أسامة علي) أي في الوظيفة المشعرة بزيادة الفضيلة (ما سبقني إلى مشهد) أراد بالمشهد مشهد القتال ومعركة الكفار (لأن زيدا) أي والد أسامة (من أبيك) فيه دليل على أنه لا يلزم من كون أحد أحب أن يكون أفضل (فاثرت) من الإيثار أي اخترت (حب رسول الله صلى الله عليه وسلم) بكسر الحاء وقد يضم أي محبوبه (على حبي) أي مع قطع النظر عن ملاحظة الفضيلة بل رعاية لجانب المحبة وإيثارا للمودة ومخالفة لما تشتهيه النفس من مزية الزيادة الظاهرة
[ 216 ]
قوله (قال ما كنا ندعو زيد بن حارثة الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في تفسير سورة الأحزاب قوله (حدثنا الجراح بن مخلد) العجلي البصري القزاز (أخبرنا محمد بن عمر ابن الرومي) الباهلي البصري (عن أبي عمرو الشيباني) اسمه سعد بن إياس الكوفي (أخبرني جبلة) بجيم وموحدة مفتوحتين (بن حارثة) الكلبي أخو زيد صحابي قوله (أبعث) أي أرسل (زيدا) بدل من أخي (هوذا) هو عائد إلى زيد وذا إشارة إليه أي هو حاضر مخير (لم أمنعه) أي فإني أعتقته (لا أختار عليك) أي على ملازمتك (قال) أي جبلة (فرأيت) أي تعلمت بعد ذلك (رأى أخي) أي زيد (أفضل من رأيي) حيث اختار الملازمة لحضرة المتفرع عليه الدنيا والاخرة قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب الترمذي (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن عبد الله بن دينار) العدوي قوله (بعث بعثا) أي أرسل جيشا وهو البعث الذي أمر بتجهيزه في مرض وفاته وقال أنفذ وأبعث أسامة فأنفذه أبو بكر رضي الله عنه بعده قاله الحافظ (وأمر) بتشديد الميم أي جعل أميرا (فطعن الناس) بفتح العين يقال طعن يطعن بالفتح في العرض والنسب وبالضم بالرمح واليد ويقال هما لغتان فيهما (في إمرته) بكسر الهمزة وسكون الميم أي في إمارته (في إمرة أبيه من قبل) يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة وعند النسائي عن
[ 217 ]
عائشة قالت ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم (وأيم الله) بهمزة وصل وقيل قطع أي والله (إن) مخففة من الثقيلة أي الشأن (كان) أي أبوه (لخليقا للإمارة) أي لجديرا وحقيقا لها لفضله وسبقه وقربه مني (وإن كان) أي أبوه وإن هذه أيضا مخففة من الثقيلة (وإن هذا) أي أسامة (بعده) أي بعد أبيه زيد بن حارثة وفيه جواز إمارة المولى وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل لأنه كان في الجيش الذي كان عليهم أسامة أبو بكر وعمر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي (باب مناقب اسامة بن زيد رضي الله عنه) كان الصحابة يسمونه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده لأن كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه بعد أن كبره مات بالمدينة سنة أربع وخمسين قوله (عن محمد بن إسحاق) هو صاحب المغازي (عن محمد بن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي المدني ثقة من الثالثة قوله (لما ثقل) بضم القاف أي ضعف هبطت أي نزلت من مسكني الذي كان في عوالي المدينة (وهبط الناس) أي الصحابة جميعهم من منازلهم قيل إنما قال هبطت لأنه كان يسكن العوالي والمدينة من أي جهة توجهت إليها صح فيها الهبوط لأنها واقعة في غائط من
[ 218 ]
الأرض ينحدر إليها السيل وأطرافها ونواحيها من الجوانب كلها مستعلية عليها (وقد اصمت) على بناء المفعول من الإصمات يقال اصمت العليل إذا اعتقل لسانه (فأعرف أنه يدعو لي) أي لمحبته قوله (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني المروزي (عن طلحة بن يحيى) بن طلحة بن عبيد الله التيمي قوله (أن ينحي) بتشديد الحاء المكسورة من التنحية أي يزيل (مخاط أسامة) بضم الميم وهو ما يسيل من الأنف (دعني) أي اتركني (أنا الذي أفعل) أي ذلك قوله (أخبرنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب الترمذي (أخبرنا موسى بن إسماعيل) المنقري (حدث عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني قوله (كنت جالسا) أي عند باب النبي صلى الله عليه وسلم (يستأذنان) أي يطلبان الإذن في دخولهما (ما جاء بهما) أي ما سبب مجيئهما (ما جئناك نسألك عن أهلك) أي عن أزواجك وأولادك بل نسألك عن أقاربك ومتعلقيك (من قد أنعم الله عليه) أي بالإسلام والهداية (وأنعمت عليه) أي أنا بالعتق والتبني وهذا وإن ورد في حق زيد لكن أبنه تابع له في حصول الإنعامين قال الطيبي أي أهلك أحب إليك مطلق ويراد به
[ 219 ]
المقيد أي من الرجال بينه ما بعده وهو قوله أحب أهلي إلي من قد أنعم الله عليه وفي نسخ المصابيح قوله ما جئناك نسألك عن أهلك مقيد بقوله من النساء وليس في جامع الترمذي وجامع الأصول هذه الزيادة ولم يكن أحد من الصحابة إلا وقد أنعم الله عليه وأنعم عليه رسوله إلا أن المراد المنصوص عليه في الكتاب وهو قوله تعالى وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه وهو زيد لا خلاف في ذلك ولا شك وهو وإن نزل في حق زيد لكنه لا يبعد أن يجعل أسامة تابعا لأبيه في هاتين النعمتين وحل ما حل من الله تعالى في التنزيل من الإنعام على بني إسرائيل نحو أنعمت عليكم نعم أسداها إلي آبائهم (جعلت عمك آخرهم) أي آخر أهلك (سبقك بالهجرة) أي وكذا بالإسلام فهذا أوجب تقديم الأحبية المترتبة على الأفضلية لا على الأقربية (باب مناقب جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه) هو جرير بن عبد الله بن جابر بن مالك البجلي وكنيته أبو عمرو نزل الكوفة ثم نزل قرقيسيا وبها مات سنة إحدى وخمسين وكان سيدا مطاعا مليحا طوالا بديع الجمال صحيح الإسلام كبير القدر قال صلى الله عليه وسلم على وجهه مسحة ملك وعن عمر رضي الله عنه قال أنه يوسف هذه الأمة ولما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرمه وبسط له ردءه وقال إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه رواه الطبراني في الأوسط من حديث قيس عنه واختلف في وقت إسلامه والصحيح أنه في سنة الوفود سنة تسع وكان موته سنة خمسين وقيل بعدها قوله (حدثنا معاوية بن عمر) بن المهلب الأزدي المعنى (حدثنا زائدة) بن قدامة (عن بيان) بن بشر قوله (ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ما منعني من الدخول إليه إذا كان في بيته فاستأذنت عليه ولا يلزم منه النظر إلى أمهات المؤمنين (إلا ضحك) وفي الرواية الاتية إلا تبسم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه
[ 220 ]
قوله (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (باب مناقب عبد الله بن العباس) هو عبد الله بن العباس أي ابن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا العباس ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وكان من علماء الصحابة حتى كان عمر يقدمه مع الأشياخ وهو شاب قوله (أخبرنا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله الزبيري (عن سفيان) هو الثوري (عن ليث) هو ابن أبي سليم قوله (ودعا له) أي لابن عباس (مرتين) أي مرة بإعطاء الحكمة أو علم الكتاب حين ضمه إلى صدره ومرة بتعليم الفقه حين خدمه بوضع ماء وضوئه قوله (حدثنا قاسم بن مالك المزني) أبو جعفر الكوفي صدوق فيه لين من صغار الثامنة (عن عطاء) هو ابن أبي رباح قوله (أن يؤتيني الله الحكم) بضم الحاء وسكون الكاف أي العلم والفقه والقضاء بالعدل والظاهر أن المراد به هنا الفهم في القرآن وفي بعض النسخ الحكمة وهي بمعنى الحكم ولها معان أخرى كما ستقف عليها (مرتين) أي دعا لي بهذا مرتين قوله (هذا
[ 221 ]
حديث غريب) وأخرجه النسائي قوله (ضمني) بتشديد الميم أي أخذني (إليه) أي إلى صدره كما في رواية البخاري (اللهم علمه الحكمة) قال الحافظ في الفتح اختلف الشراح في المراد بالحكمة هنا فقيل القرآن وقيل العمل به وقيل السنة وقيل الإصابة في القول وقيل الخشية وقيل الفهم عن الله وقيل العقل وقيل ما يشهد العقل بصحته وقيل نور يفرق به بين الإلهام والوسواس وقيل سرعة الجواب مع الإصابة وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التفسير في تفسير قوله تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة والأقرب أن المراد بها في حديث ابن عباس الفهم في القرآن انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه (باب مناقب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما) وهو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث لأنه ثبت أنه كان يوم بدر ابن ثلاث عشرة سنة وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة مات بمكة في سنة ثلاث وسبعين وعمره ست وثمانون سنة وقيل كان سبب موته أن الحجاج دس عليه من مس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى أن مات قوله (حدثنا إسماعيل بن إبراهيم) المعروف بابن علية (عن أيوب) السختياني قوله (قطعة إستبرق) هو الغليظ من الديباج وهو فارسي معرب بزيادة القاف (إلا طارت بي إليه) أي تبلغني إلى ذلك المكان مثل جناح الطائر والباء للتعدية (إن أخاك رجل صالح) الصالح هو القائم بحقوق الله تعالى وحقوق العباد (أو إن عبد الله رجل صالح) أو للشك من الراوي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
[ 222 ]
(باب مناقب عبد الله بن الزبير) ابن العوام الأسدي القرشي وهو أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة أول سنة من الهجرة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان سنين قتله الحجاج بن يوسف بمكة وصلبه يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلت من جمادى الاخرة سنة ثلاث وسبعين قوله (حدثنا أبو عاصم) النبيل (عن عبد الله بن المؤمل) المخزومي المكي ويقال المدني ضعيف الحديث من السابعة قوله (رأى في بيت الزبير) أي ابن العوام (مصباحا) أي سراجا (ما أرى) بضم الهمزة وفتح الراء أي ما أظن (أسماء) هي أخت عائشة زوجة الزبير (إلا قد نفست) بضم النون وكسر الفاء وقد يفتح النون أي ولدت وصارت ذات نفاس (فلا تسموه) أي المولود (وحنكه) بتشديد النون يقال حنكت الصبي إذا مضغت تمرا أو غيره ثم دلكته بحنكه (باب مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه) هو أنس بن مالك بن النضر بن ضم بن زيد بن حرام بن جندب أمه أم سليم بنت ملحان قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهو ابن عشر سنين وانتقل إلى البصرة في خلافة عمر ليفقه الناس بها وهو اخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة إحدى وتسعين وله من العمر مائة وثلاث سنين وقيل تسع وتسعون سنة قال ابن عبد البر وهو أصح ما قيل قوله (حدثنا قتيبة) بن سعيد (أخبرنا جعفر بن سليمان) الضبعي البصري (عن الجعد أبي عثمان) هو ابن دينار اليشكري قوله (أنيس) بضم الهمزة تصغير أنس أي هذا أنيس (قد رأيت
[ 223 ]
منهن اثنتين في الدنيا) هما كثرة المال وكثرة الولد (وأنا أرجو الثالثة في الاخرة) هي المغفرة كما بينها سنان بن ربيعة بزيادة وذلك فيما رواه ابن سعد بإسناد صحيح عنه عن أنس قال اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره وأغفر ذنبه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (قوله (اللهم أكثر ماله وولده) قال النووي في شرح مسلم هذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم في إجابة دعائه وفيه فضائل لأنس وقال الحافظ أما كثرة ولد أنس وماله فوقع عند مسلم في آخر هذا الحديث من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال أنس فوالله إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم وتقدم في حديث الطاعون شهادة لكل مسلم في كتاب الطب قول أنس أخبرتني ابنتي أمينة أنه دفن من صلبي إلى يوم مقدم الحجاج البصرة مائة وعشرون قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي (عن جابر) هو ابن يزيد الجعفي عن أبي نصر اسمه خيثمة بن أبي خيثمة البصري واسم أبي خيثمة هذا عبد الرحمن قوله (كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها) قال في النهاية أي كناه أبا حمزة وقال الأزهري البقلة التي جناها أنس كان في طعمها لذع فسميت حمزة لفعلها يقال رمانة حامزة أي فيها حموضة انتهى وفي القاموس الحمزة الأسد وبقلة
[ 224 ]
قوله (أخبرنا زيد بن الحباب) هو أبو الحسين العكلي (أخبرنا ميمون أبو عبد الله) هو ميمون بن أبان قال الحافظ في تهذيب التهذيب ميمون بن أبان الهذلي ويقال الجشمي أبو عبد الله البصري روى عن ثابت البناني وروى عنه زيد بن الحباب وأبو عاصم ذكره ابن حبان في الثقات انتهى وله (خذ عني) أي خذ علم الكتاب والسنة عني (أوثق مني) صفة لأحد أي أكثر وثوقا مني والظاهر أن أنسا قال هذا لثابت حين لم يبق أحد من الصحابة بالبصرة وكان أنس اخر من بقي بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (عن انس قال ربما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب المزاح من ابواب البرو الصلة سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم) بحذف حرف الاستفهام أي هل سمع منه (وكان له) أي لأنس (بستان) بالضم معرب بوستان وهي أرض أدير عليها جدار وفيها شجر وزرع (يحمل) أي يثمر (في السنة) أي الواحدة وفي بعض النسخ في كل سنة (مرتين) أي ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ولأبي نعيم في الحلية من طريق حفصة بنت سيرين عن أنس قال وإن أرضي لتثمر في السنة مرتين
[ 225 ]
وما في البلد شئ يثمر مرتين غيرها (وكان فيها) أي في ذلك البستان وتأنيث الضمير يتأول الحديقة (ريحان) بفتح الراء وسكون التحتية نبات طيب الرائحة (يجد) أي أنس أو يجد واجد وفي بعض النسخ يجئ قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث رجاله ثقات (باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه) تقدم ترجمته في باب فضل الطهور قوله (اخبرنا عثمان بن عمر) العبدى البصري (اخبرنا ابن ابى ذئب) اسمه محمد بن عبد الرحمن قوله (اسمع منك اشياء) أي كثيرة (فلا احفظها) وفى رواية البخاري في العلم انى اسمع منك حديث كثيرا انساه (فبسطته) زادالخارى فغرف بيديه ثم قال ضم فضممته فما نسيت شيئا قال الحافظ لم يذكر المغروف منه وكانها كانت اشارة محضة وفى الحديث فضيلة ظاهرة لابي هريرة ومعجزة واضحة من علامات النبوة لان النسيان من لوازم الانسان وقد اعترف ابو هريرة بانه كان يكثر منه ثم تخلف عنه ببركة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) اخرجه البخاري حدثنا ابن أبي عدي) اسمه محمد بن إبراهيم (عن سماك) هو ابن حرب (عن أبي الربيع) المدني مقبول من الثامنة قوله (ثم أخذه فجمعه على قلبي) هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 226 ]
هو الذي أخذ الرداء وجمعه على قلب أبي هريرة ولفظ البخاري السابق يدل على أن أبا هريرة هو الذي جمع الرداء وضمه ويمكن الجمع بأنهما جميعا جمعا الرداء وضماه على قلبه وإلا فما في الصحيح فهو المقدم قوله (حدثنا هشيم) هو ابن بشير بن القاسم (أخبرنا يعلى بن عطاء) العامري الليثي الطائفي (عن الوليد بن عبد الرحمن) الجرشي الحمصي قوله (كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كنت أكثرنا لزوما له صلى الله عليه وسلم منا (وأحفظنا لحديثه) أي أكثر وأقوى حفظا لحديثه منا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد قوله (أخبرنا أحمد بن سعيد الحراني) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أحمد بن سعيد الحراني صوابه أحمد بن أبي شعيب الحراني وقع في بعض نسخ الترمذي أحمد بن شعيب فحرفها بعضهم أحمد بن سعيد فنشأ منه هذا الوهم وإنما أخرج الترمذي عن الدارمي عنه انتهى وقال في ترجمة أحمد بن أبي شعيب ما لفظه أحمد بن عبد الله بن أبي شعيب بن مسلم الحراني أبو الحسن القرشي مولاهم روي عن أبو داود والبخاري والترمذي والنسائي بواسطة والدارمي وغيرهم قال أبو حاتم ثقة صدوق (أخبرنا محمد بن سلمة) الحراني روى عنه أحمد بن أبي شعيب الحراني وغيره ثقة (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التيمي (عن مالك بن أبي عامر) الأصبحي قوله (يا أبا محمد) كنية طلحة (أرأيت) أي أخبرني (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه) الظاهر أن أما بفتح الهمزة وتشديد الميم وأن مصدرية وهي مع ما بعدها مبتدأ والخبر محذوف أي أما
[ 227 ]
كونه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع منه فهو المتعين (يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي كان ملازما له صلى الله عليه وسلم لا يغيب عنه (وكنا نحن أهل بيوتات) جمع الجمع لبيوت وهو جمع البيت (وغنى) بالجر عطف على بيوتات (طرفي النهار) أي أوله وآخره (لا أشك إلا أنه سمع الخ) الظاهر أن إلا ههنا زائدة كما في قول الشاعر حراجيج ما تنفك إلا مناخة على الخسف أو ترمي بها بلدا قفرا أي لا شك في أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده رواية البخاري في التاريخ وأبي يعلى بلفظ الله ما لشك أنه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم أو المراد بالشك الظن أي لا أظن إلا أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري في التاريخ وأبو يعلى بلفظ قال كنت عند طلحة بن عبيد الله فقيل له ما تدري هذا اليماني أعلم برسول الله منكم أو هو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل قال فقال والله ما نشك أنه سمع ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم إنا كنا أقواما لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم طرفي النهار ثم نرجع وكان أبو هريرة مسكينا لا مال له ولا أهل إنما كانت يده مع يد النبي صلى الله عليه وسلم فكان يدور معه حيثما دار فما نشك أنه قد سمع ما لم نسمع قال الحافظ في الفتح إسناده حسن قوله (قلت من دوس) بفتح الدال المهملة وسكون الواو أبو قبيلة (ما كنت أرى) بضم الهمزة أي أظن
[ 228 ]
قوله (أخبرنا المهاجر) بن مخلد أبو مخلد مولى البكرات بفتح الموحدة والكاف مقبول من السادسة قوله (بتمرات) بفتحات جمع تمرة (فضمهن) أي فأخذهن بيده أو وضع يده عليهن (ثم دعا لي) أي لأجلي خصوصا (فيهن بالبركة) أي بالبركة فيهن وكثرة الخير في أكلهن مع بقائهن (قال) أي بطريق الاستئناف (فاجعلهن) أي أدخلهن (في مزودك) بكسر الميم وهو ما يجعل فيه الزاد من الجراب وغيره (أن تأخذ منه) أي من المزود (شيئا) أي من التمرات (فيه) أي في المزود (فخذه) أي الشئ (ولا تنثره) بضم المثلثة وتكسر ففي القاموس نثر الشئ ينثره وينثره نثرا ونثارا رماه متفرقا (فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق) بفتح الواو وسكون السين أي ستين صاعا على ما هو المشهور أو حمل بعير على ما ذكره في القاموس قال الطيبي يجوز أن يحمل حملت على الحقيقة وأن يحمل على معنى الأخذ أي أخذته مقدار كذا بدفعات انتهى قال القاري والحمل على الحقيقة أولى فإنه أبلغ في المدعي (وكنا) أي أنا وأصحابي (ونطعم) من الإطعام أي غيرنا (وكان) أي المزود (لا يفارق حقوي) أي وسطي وقيل الحقو الإزار والمراد هنا موضع شد الإزار وقال الطيبي الحقو معقد الإزار وسمي الإزار به للمجاورة (حتى كان يوم) بالرفع على أن كان تامة وجوز نصبه على أن التقدير حتى كان الزمان يوم (قتل عثمان) بصيغة المصدر مضافا إلى مفعوله أبو بصيغة المجهول وعثمان نائب الفاعل (فإنه) أي المزود
[ 229 ]
قوله (حدثنا أحمد بن سعيد) الأشقر (المرابطي) كذا وقع في النسخ الحاضرة المرابطي ووقع في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة والرباطي فليحرر (أخبرنا أسامة بن زيد) الليثي المدني (عن عبد الله بن رافع) كنيته أبو رافع مولى أم سلمة قوله (لم) أي لأي شئ (كنيت) بصيغة المجهول من التكنية يقال كنا يكنى كنية وكنية وكني وتكنية وأكني إكناء زيدا أبا فلان وكناه أو كناه بأبي فلان إذا سماه به (أما تفرق مني) أي ألا تخاف مني (كانت لي هريرة) تصغير هرة وهي السنور (في شجرة) أي على شجرة (فكنوني أبا هريرة) فيه دلالة على أن أهل أبي هريرة كنوه به وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناه به وقد تقدم شئ من الكلام في هذا في باب فضل الطهور قوله (عن أبي هريرة قال ليس أحد أكثر حديثا إلخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الرخصة في كتاب العلم (باب مناقب معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أسلم قبل الفتح وأسلم أبواه بعده وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وكتب له وولي إمرة دمشق عن عمر بعد موت أخيه يزيد بن أبي سفيان سنة تسع عشرة
[ 230 ]
واستمر عليها بعد ذلك إلى خلافة عثمان ثم زمان محاربته لعلي وللحسن ثم اجتمع عليه الناس في سنة إحدى وأربعين إلى أن مات سنة ستين فكانت ولايته بين إمارة ومحاربة ومملكة أكثر من أربعين سنة متوالية قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الذهلي (حدثنا أبو مسهر) اسمه عبد الأعلى بن مسهر (عن سعيد بن عبد العزيز) التنوخي الدمشقي ثقة إمام سواه أحمد بالأوزاعي وقدمه أبو مسهر لكنه اختلط في آخر عمره من السابعة (عن ربيعة بن يزيد) الدمشقي (عن عبد الرحمن بن أبي عميرة) بفتح العين المهملة وكسرة الميم المزني ويقال الأزدي مختلف في صحبته سكن حمص كذا في التقريب وقيل في تهذيب التهذيب له عند الترمذي حديث واحد في ذكر معاوية قال الحافظ قال ابن عبد البر لا تصح صحبته ولا يصح إسناد حديثه انتهى قوله (لمعاوية) أي ابن أبي سفيان (اللهم اجعله هاديا) أي للناس أو دالا على الخير (مهديا) بفتح الميم وتشديد الياء أي مهتديا في نفسه (واهد به) أي بمعاوية قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ إسناده ليس بصحيح كما عرفت آنفا في ترجمة عبد الرحمن بن أبي عميرة قوله (حدثنا محمد بن يحيى) الذهلي (حدثنا عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل) بنون وفاء مصغرا أبو جعفر النفيلي الحراني ثقة حافظ من كبار العاشرة (أخبرنا عمرو بن واقد) الدمشقي أبو حفص مولى قريش متروك من السابعة (عن يونس بن حلبس) بمهملتين في طرف وموحدة وزن جعفر قوله (لما عزل عمر بن الخطاب عمير بن سعد) الأنصاري الأوسي صحابي كان عمر يسميه نسيج وحده بفتح النون وكسر المهملة بعدها تحتانية ساكنة ثم جيم ثم واو مفتوحة ومهملة ساكنة وهي كلمة تطلق على الفائق (عن حمص) كورة بالشام (ولى معاوية) أي ابن أبي سفيان وحديث عمير بن سعد هذا في سنده عمرو بن واقد الدمشقي وهو متروك كما عرفت اعلم أنه قد
[ 231 ]
ورد في فضائل معاوية أحاديث كثيرة لكن ليس فيها ما يصح من طريق الإسناد وبذلك جزم إسحاق بن راهويه والنسائي وغيرهما وقد صنف بأن أبي عاصم جزءا في مناقبه وكذلك أبو عمر غلام ثعلب وأبو بكر النقاش وأورد ابن الجوزي في الموضوعات بعض الأحاديث التي ذكروها ثم ساق عن إسحاق بن راهويه أنه قال لم يصح في فضائل معاوية شئ وأخرج ابن الجوزي أيضا من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي ما تقوله في علي ومعاوية فأطرق ثم قال اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ففتش أعداؤه له عيبا فلم يجدوا فعمدوا إلى رجل قد حاربه فأطروه كيادا منهم لعلي فأشار بهذا إلى ما اختلقوه لمعاوية من الفضائل مما لا أصل له كذا في الفتح (مناقب عمرو بن العاص) ابن وائل السهمي الصحابي المشهور أسلم عام الحديبية وولي إمرة مصر مرتين وهو الذي فتحها مات بمصر سنة نيف وأربعين وقيل بعد الخمسين قوله (أسلم الناس) التعريف فيه للعهد والمعهود مسلمة الفتح من أهل مكة (وآمن عمرو بن العاص) أي قبل الفتح بسنة أو سنتين طائعا راغبا مهاجرا إلى المدينة فقوله صلى الله عليه وسلم هذا تنبيه على أنهم أسلموا رهبة وآمن عمرو رغبة فإن الإسلام يحتمل أن يشوبه كراهة والإيمان لا يكون إلا عن رغبة وطواعية ذكره الطيبي وغيره وقال ابن الملك إنما خصه بالإيمان رغبة لأنه وقع إسلامه في قلبه في الحبشة حين اعترف النجاشي بنبوته فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنا من غير أن يدعوه أحد إليه فجاء إلى المدينة في الحال ساعيا فآمن أمره النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة فيهم الصديق والفاروق وذلك لأنه كان مبالغا قبل إسلامه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وإهلاك أصحابه فلما آمن أراد صلى الله عليه وسلم أن يزيل عن قلبه أثر تلك الوحشة المتقدمة حتى يأمن من جهته ولا ييأس من رحمة الله تعالى
[ 232 ]
قوله (وليس إسناده بالقوي) لضعف ابن لهيعة قوله (حدثنا إسحاق بن منصور هو الكوسج (أخبرنا أبو أسامة) اسمه حماد بن أسامة قوله (من صالحي قريش) أي من خيارهم والصالح من يؤدي فرائض الله وحقوق الناس (باب مناقب خالد بن الوليد) ابن المغيرة بن عبد الله عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر جميعا في مرة بن كعب يكنى أبا سليمان وكان من فرسان الصحابة أسلم بين الحديبية والفتح وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة مشاهد ظهرت فيها نجابته ثم كان قتل أهل الردة على يديه ثم فتوح البلاد الكبار ومات على فراشه سنة إحدى وعشرين وبذلك جزم ابن نمير وذلك في خلافة عمر بحمص ونقل عن دحيم أنه مات بالمدينة وغلطوه قوله (فجعل الناس يمرون) أي علينا من كل جانب (فأقول فلان) أي اسميه باسمه (ويقول) أي في مار غيره (فيقول بئس عبد الله هذا) وهذا من باب ما روى أبو يعلى وغيره
[ 233 ]
مرفوعا اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس (حتى من خالد بن الوليد) أي استمر هذا السؤال والجواب حتى مر خالد (قلت هذا خالد بن الوليد) وفي هذا إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان في خيمة وأبو هريرة خارجها وإلا فمثل خالد بن الوليد لا يخفى عليه صلى الله عليه وسلم (نعم عبد الله) أي هذا (خالد بن الوليد) مبتدأ (سيف من سيوف الله) خبره أو التقدير نعم عبد الله خالد بن الوليد هو سيف من سيوف الله والجملة على التقديرين مبينة لسبب المدح قال القاري أي كيف سله الله على المشركين وسلطه على الكافرين أو ذو سيف من سيوف الله عز وجل حيث يقاتل مقاتلة شديدة في سبيله مع أعداء دينه انتهى وقال المناوي أي هو في نفسه كالسيف في إسراعه لتنفيذ أوامر الله تعالى لا يخاف فيه لومة لائم قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) أخرجه أحمد عنه قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد وسيف من سيوف الله سله الله عز وجل على الكفار والمنافقين وقد ورد في كون خالد بن الوليد سيف من سيوف الله أحاديث أخرى منها حديث أنس بن مالك عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذ جعفر فأصيب ثم أخذ ابن رواحة فأصيب وعيناه تذرفان حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم (باب مناقب سعد بن معاذ) ابن النعمان بن امرئ القيس بن عبد الأشهل الأنصاري الأوسي ثم الأشهلي وهو كبير الأوس كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج أسلم على يد مصعب بن عمير لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى
[ 234 ]
المدينة يعلم المسلمين فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا فأسلموا فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام وشهد بدرا بلا خلاف فيه وشهد أحدا والخندق ورماه يومئذ حبان بن العراقة في أكحله فعاش شهرا ثم تنفض جرحه فمات منه وكان موته بعد الخندق بشهر وبعد قريظة بليال قوله (أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير) بصيغة المجهول والذي أهداه له أكيدر درمة كما بينه أنس في حديثه عند البخاري في باب قبول الهدية من المشركين (أتعجبون من هذا) أي تعجبون من لين هذا (لمناديل سعد بن معاذ) جمع منديل وهو الذي يحمل في اليد وقال ابن الأعرابي وغيره هو مشتق من الندل وهو النقل لأنه ينقل من واحد إلى واحد وقيل من الندل وهو الوسخ لأنه يندل به إنما ضرب المثل بالمنديل لأنها ليست من علية الثياب بل هي تتبدل في أنواع من المرافق يتمسح بها الأيدي وينفض بها الغبار عن البدن ويعطى بها ما يهدى وتتخذ لفائف للثياب فصار سبيلها سبيل الخادم وسبيل سائر الثياب سبيل المخدوم فإذا كان أدناها هكذا فما ظنك بعليتها فإن قلت ما وجه تخصص سعد به قلت لعل منديله كان من جنس ذلك الثوب لونا ونحوه أو كان الوقت يقتضي استمالة سعد أو كان اللامسون المتعجبون من الأنصار فقال منديل سيدكم خير منه أو كان سعد يحب ذلك الجنس من الثياب قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي في أوائل أبواب اللباس قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وجنازة سعد بن معاذ بين أيديهم) أي قدامهم والواو للحال (اهتز له) أي لموت سعد بن معاذ كما في رواية الشيخين قال النووي اختلف العلماء في تأويله فقالت طائفة هو على ظاهره واهتزاز العرش تحر كه فرحا بقدوم روح سعد وجعل الله تعالى في العرش تمييزا حصل به هذا ولا مانع منه كما قال تعالى وإن منها لما يهبط من خشية الله وهذا القول هو ظاهر
[ 235 ]
الحديث وهو المختار وقال آخرون المراد اهتزاز أهل العرش وهم حملته وغيرهم من الملائكة فحذف للمضاف والمراد بالاهتراز الاستبشار والقبول ومنه قول العرب فلان يهتز المكارم لا يريدون اضطراب جسمه وحركته وإنما يريدون ارتياحه إليها وإقباله عليها وقال الحربي هو كناية عن تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشئ المعظم إلى أعظم الأشياء فيقولون أظلمت لموت فلان الأرض وقامت له القيامة وقال جماعة المراد اهتزاز سرير الجنازة وهو النعش وهذا القول باطل يرده صريح هذه الروايات التي ذكرها مسلم اهتز لموته عرش الرحمن وإنما قال هؤلاء هذا التأويل لكونهم لم تبلغهم هذه الروايات التي في مسلم انتهى قوله (وفي الباب عن أسيد بن خضير وأبي سعيد ورميثة) قال العيني قد روى اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن جماعة غير جابر منهم أبو سعيد الخدري وأسيد بن حضير ورميثة وأسماء بنت يزيد بن السكن وعبد الله بن بدر وابن عمر بلفظ اهتز العرش فرحا بسعد ذكرها الحاكم وحذيفة بن اليمان وعائشة عند ابن سعد والحسن ويزيد بن الأصم مرسلا وسعد بن أبي وقاص في كتاب أبي عروبة الحراني انتهى وقال الحافظ قد جاء حديث اهتزاز العرش لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة وأكثر انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (لما حملت جنازة سعد بن معاذ) أي لما حملها الناس ورأوها خفيفة (ما أخف جنازته) ما للتعجب (وذلك) أي استخفافه واستحقاره (لحكمه في بني قريظة) أي بأن تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم فنسبه المنافقون إلى الجور والعدوان وقد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم له بالإصابة في حكمه (فبلغ ذلك) أي كلامهم (إن الملائكة كانت تحمله) أي ولذا كانت جنازته خفيفة على الناس قال الطيبي كانوا يريدون بذلك حقارته وازدراءه فأجاب صلى الله عليه وسلم بما يلزم من تلك الخفة تعظيم شأنه وتفخيم أمره
[ 236 ]
(مناقب قيس بن سعد بن عبادة) يكنى أبا عبد الله الأنصاري الخزرجي كان من كرام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحد الفضلاء الأجلة وأهل الرأي والمكيدة في الحرب وكان شريف قومه وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة مكان صاحب الشرطة من الأمراء وكان واليا لعلي بن أبي طالب على مصر ولم يفارق عليا إلى أن قتل ومات بالمدينة سنة ستين قوله (حدثني أبي) أي عبد الله بن المثنى بن عبد الله الأنصاري (عن ثمامة) بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري قوله (بمنزلة صاحب الشرط) بضم شين وفتح راء جمع الشرط بضم فساكن وهو سر هنك وكان قيس نصبه النبي صلى الله عليه وسلم ليحبس واحدا أو يضرب آخر ويأخذ ثالثا قاله في المجمع وفيه أيضا صاحب الشرط هم أول الجيش ممن يتقدم بين يدي الأمير لتنفيذ أوامره انتهى وقال في القاموس الشرطة بالضم واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة معروفون سموا بذلك لأنهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها انتهى (قال الأنصاري) هو محمد بن عبد الله الأنصاري (يعني مما يلي من أموره) أي إنما كان قيس بن سعد منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير لأجل أنه كان يلي من أموره صلى الله عليه وسلم قوله (حدثنا محمد بن يحيى) الامام الذهلي (أخبرنا الأنصاري) هو محمد بن عبد الله المذكور (لم يذكر) أي محمد بن يحيى
[ 237 ]
(مناقب جابر بن عبد الله) كنيته أبو عبد الله الأنصاري السلمي من مشاهير الصحابة وأحد المكثرين من الرواية شهد بدرا وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة غزوة وقدم الشام ومصر وكف بصره في آخر عمره وروى عنه خلق كثير مات بالمدينة سنة أربع وسبعين وله أربع وتسعون وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة في قول قوله (جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد البخاري يعودني (ليس براكب بغل ولا برذون) جملة حالية والبرذون بكسر الموحدة وسكون الراء وفتح الذال المعجمة الدابة وخصه العرب بنوع من الخيل والبراذين جمعه وقال الطيبي هو التركي من الخيل خلاف العراب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (حدثنا ابن أبي عمر) اسمه محمد بن يحيى (عن أبي الزبير) المكي اسمه محمد بن مسلم بن تدرس قوله (استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة) البعير أي ليلة باع جابر بعيره من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه النسائي (ومعنى ليلة البعير ما روى من غير وجه عن جابر أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) حديث جابر هذا أخرجه الشيخان مطولا
[ 238 ]
وأخرجه الترمذي مختصرا في باب اشتراط الدابة عند البيع (يقول جابر ليلة بعت من النبي صلى الله عليه وسلم البعير استغفر لي خمسا وعشرين مرة) وفي رواية ابن ماجه من طريق أبي نضرة عن جابر فقال أتبيع ناضحك هذا والله يغفر لك زاد النسائي من هذا الوجه وكانت كلمة تقولها العرب افعل كذا والله يغفر لك ولأحمد قال سليمان يعني بعض رواته فلا أدري كم من مرة يعني قال له والله يغفر لك وللنسائي من طريق أبي الزبير عن جابر استغفر لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة البعير خمسا وعشرين مرة كذا في الفتح (وترك بنات) أي تسعا (يعولهن) من عال رجل عياله يعولهم إذ قام بما يحتاجون إليه من ثوب وغيره (يبر جابرا) أي يحسن إليه من البر وهو الصلة والجنة والخير والاتساع في الإحسان من باب علم وضرب (مناقب مصعب) بن عمير بضم الميم وسكون الصاد وفتح العين المهملتين (بن عمير) بالتصغير القرشي العدوي كان من أجلة الصحابة وفضلائهم هاجر إلى أرض الحبشة في أول من هاجر إليها ثم شهد بدرا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بعد العقبة الثانية إلى المدينة يقرئهم القرآن ويفقههم في الدين وهو أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل الهجرة وكان في الجاهلية من أنعم الناس عيشا وألينهم لباسا فلما أسلم زهد في الدنيا فتخشف جلده تخشف الحية وقيل إنه بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بعد أن بايع العقبة الأولى فكان يأتي الأنصار في دورهم ويدعوهم إلى الإسلام فيسلم الرجل والرجلان حتى فشا الإسلام فيهم فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم فأذن له ثم قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع السبعين الذين قدموا عليه في العقبة الثانية فأقام بمكة قليلا ثم عاد إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول من قدمها وقتل يوم أحد شهيدا وله أربعون سنة أو أكثر وفيه نزل رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وكان إسلامه بعد دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم قوله (حدثنا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله الزبيري (عن أبي وائل) هو شقيق بن
[ 239 ]
سلمة قوله (هاجرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم) أي بأمره وإذنه أو المراد بالمعية الاشتراك في حكم الهجرة إذ لم يكن معه حسا إلا الصديق وعامر بن فهيرة (نبغي وجه الله) أي جهة ما عنده من الثواب لا جهة الدنيا (فوقع أجرنا على الله) أي إنابتنا وجزاءنا وفي رواية فوجب أجرنا على الله وإطلاق الوجوب على الله بمعنى إيجابه على نفسه بوعده الصادق وإلا فلا يجب على الله شئ (لم يأكل من أجره شيئا) كناية عن الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح وكأن المراد بالأجر ثمرته فليس مقصورا على أجر الاخرة قال الحافظ في الفتح هذا مشكل على ما تقدم من تفسير ابتغاء وجه الله ويجمع بأن إطلاق الأجر على المال في الدنيا بطريق المجاز بالنسبة لثواب الاخرة وذلك أن القصد الأول هو ما تقدم لكن منهم من مات قبل الفتوح كمصعب بن عمير ومنهم من عاش إلى أن فتح عليهم ثم انقسموا فمنهم من أعرض عنه وواسى به المحاويج أولا فأولا بحيث بقي على تلك الحالة الأولى وهم قليل منهم أبو ذر وهؤلاء ملتحقون بالقسم الأول ومنهم من تبسط في بعض المباح فيما يتعلق بكثرة النساء والسراري أو الخدم والملابس ونحو ذلك ولم يستكثر وهم كثيرا ومنهم ابن عمر ومنهم من زاد فاستكثر بالتجارة وغيرها مع القيام بالحقوق الواجبة والمندوبة وهم كثير أيضا منهم عبد الرحمن بن عوف وإلى هذين القسمين أشار خباب فالقسم الأول والملتحق به توفر له أجره في الاخرة والقسم الثاني مقتضى الخبر أنه يحسب عليهم ما وصل إليهم من مال الدنيا من ثوابهم في الاخرة ويؤيده ما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن عمر ورفعه ما من غازية تغزو فتغنم وتسلم إلا تعجلوا ثلثي أجرهم الحديث ومن ثم آثر كثير من السلف قلة المال وقنعوا به إما ليتوفر لهم ثوابهم في الاخرة وإما ليكون أقل لحسابهم عليه انتهى (ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون التحتانية وفتح النون والمهملة أي أدركت ونضجت يقال أينع الثمر يونع وينع وينيع فهو مونع ويانع إذا أدرك ونضج (فهو يهدبها) بكسر الدال وضمها أي يقطعها ويجتنيها من هدب الثمرة إذا اجتناها وحكى ابن التين تثليث الدال (وإن مصعب بن عمير مات) وعند البخاري في الرقاق منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد وكذا عند مسلم في الجنائز (الإذخر) بكسر الهمزة والخاء وهو حشيش معروف طيب الرائحة
[ 240 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي قوله (أخبرنا ابن إدريس) اسمه عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي (مناقب البراء بن مالك) ابن النضر بن ضميم هو أخو أنس لأبيه وأمه شهد أحدا وما بعدها مع النبي صلى الله عليه وسلم وكان شجاعا قتل مائة مبارزة كذا في التلقيح قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) القطواني (حدثنا سيار) بن حاتم العنزي أبو سلمة البصري (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي البصري (حدثنا ثابت) هو البناني (وعلي بن زيد) هو ابن جدعان قوله (كم من أشعث) أي متفرق شعر الرأس (أغبر) أي مغبر البدن (ذي طمرين) بكسر فسكون أي صاحب ثوبين خلقين (لا يؤبه له) بضم الياء وسكون واو وقد يهمز وفتح موحدة وبهاء أي لا يبالي به ولا يلتفت إليه يقال ما وبهت له بفتح الباء وكسرها وبهاء وبها بالسكون والفتح وأصل الواو الهمزة كذا في النهاية قال ابن الملك (كم) خبرية مبتدأ ومن مبين لها وخبره لا يؤبه وقال القاري الظاهر أن الخبر هو قوله (لو أقسم على الله لأبره) أي لأمضاه على الصدق وجعله بارا في الخلق (منهم البراء بن مالك) فيه فضيلة ظاهرة للبراء بن مالك قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة والضياء
[ 241 ]
(مناقب أبي موسى) اسمه عبد الله بن قيس أسلم بمكة وهاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ولاه عمر بن الخطاب البصرة سنة عشرين فافتتح أبو موسى الأهواز ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزل عنها فانتقل إلى الكوفة فأقام بها وكان واليا على أهل الكوفة إلى أن قتل عثمان ثم انقبض أبو موسى إلى مكة بعد التحكيم فلم يزل بها إلى أن مات سنة اثنتين وخمسين قوله (لقد أعطيت) بصيغة المجهول (مزمارا) بكسر الميم أي صوتا حسنا ولحنا طيبا قال الحافظ المراد بالمزمار الصوت الحسن وأصله الالة أطلق اسمه على الصوت للمشابهة (من مزامير آل داود) أي من ألحانه قال النووي في شرح مسلم قال العلماء المراد بالمزمار هنا الصوت الحسن وأصل الزمر الغناء وآل داود هو داود نفسه وآل فلان قد يطلق على نفسه وكان داود صلى الله عليه وسلم حسن الصوت جداانتهى والحديث رواه الترمذي هكذا مختصرا ورواه أبو يعلى من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه بزيادة فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة مرا بال موسى وهو يقرأ في بيته فقاما يستمعان لقراءته ثم إنهما مضيا فلما أصبح لقي أبو موسى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا موسى مررت بك فذكر الحديث فقال أما لو علمت بمكانك لحبرته لك تحبيرا قوله (هذا حديث غريب حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وفي الباب عن بريدة وأبي هريرة وأنس) أما حديث بريدة فأخرجه أحمد في مسنده وفيه أن الأشعري أو أن عبد الله بن قيس أعطي مزمارا من مزامير داود (وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي) وأما حديث أنس فأخرجه ابن سعد بإسناد على شرط مسلم أن أبا موسى قام ليلة يصلي فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم صوته وكان حلو الصوت فقمن يستمعن فلما أصبح قيل له فقال لو علمت لحبرته لهن تحبيرا كذا في الفتح
[ 242 ]
(مناقب سهل بن سعد) ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي يكنى أبا العباس وكان اسمه حزنا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلا مات النبي صلى الله عليه وسلم وله خمس عشرة سنة ومات سهل بالمدينة سنة إحدى وتسعين وقيل ثمان وثمانين وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة قوله (حدثنا الفضيل بن سليمان) النميري قوله (وهو يحفر الخندق) أي حول المدينة (اللهم لا عيش إلا عيش الاخرة) أي لا عيش باق ولا عيش مطلوب إلا عيش الاخرة (فاغفر للأنصار والمهاجرة) وفي رواية الشيخين فاغفر للمهاجرين والأنصار وكلاهما غير موزون ولعله صلى الله عليه وسلم تعمد ذلك كذا في الفتح وفيه قال ابن بطال هو قول ابن رواحة يعني تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يكن من لفظه لم يكن بذلك النبي صلى الله عليه وسلم شاعرا قال وإنما يسمى شاعرا من قصده وعلم السبب والوتد وجميع معانيه من الزحاف ونحو ذلك كذا قال وعلم السبب والوتد إلى آخره إنما تلقوه من العروض التي اخترع ترتيبها الخليل بن أحمد وقد كان شعر الجاهلية والمخضرمين والطبقة الأولى والثانية من شعراء الإسلام قبل أن يصنفه الخليل كما قال أبو العتاهية أنا أقدم من العروض يعني أنه نظم الشعر قبل وضعه وقال أبو عبد الله بن الحجاج الكاتب قد كان شعر الورى قديما من قبل أن يخلق الخليل قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (إن
[ 243 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول الخ) وفي رواية البخاري من طريق أبي إسحاق عن حميد عن أنس يقول خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهم إن العيش عيش الاخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة فقالوا مجيبين له نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا قال الحافظ وفيه أن في إنشاد الشعر تنشيطا في العمل وبذلك جرت عادتهم في الحرب وأكثرما يستعملون في ذلك الرجز قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان باب ما جاء في فضل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه قوله (لا تمس النار مسلما رآني أو رأى من رآني) قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة ما معربه خصص هذا الحديث هذه البشارة بالصحابة والتابعين اتفاقا منهم ولا يختص به العشرة المبشرة ولا من بشرهم بدخول الجنة من غيرهم بل يشمل جميع المؤمنين والمسلمين ولكن الصحابي والتابعي والمسلم هو من مات على الإسلام وهذا الخبر لا يعلم إلا من بيان المخبر الصادق وتبشيره به ومن هذه الجهة خصصت جماعة يقال لها المبشرة ويمكن أن يكون هذه إشارة إلى الموت على الإيمان كما في حديث آخر من زار قبري وجبت له الجنة انتهى قال صاحب الدين الخالص بعد نقل كلام الشيخ هذا ظاهر الحديث تخصيص الصحابة والتابعين بهذه
[ 244 ]
البشارة وليس في لفظه ما يدل على شمول سائر المسلمين إلى يوم الدين بل قصر تبع التابعين عن الدخول فيه والحديث أفاد أن البشارة خاصة بمن رأى الصحابي فمن لم يره وكان في زمنه فالحديث لا يشمله انتهى قلت الأمر كما قال صاحب الدين الخالص (قال طلحة) أي ابن خراش (وقال موسى) أي ابن إبراهيم بن كثير الأنصاري وهو من أوساط أتباع التابعين (قال يحيى) أي ابن حبيب بن عربي البصري وهو من كبار الاخذين عن تبع الأتباع ممن لم يلق التابعين (وقد رأيتني) بصيغة الخطاب (ونحن نرجو الله) أي أن يدخلنا في هذه البشارة والظاهر أن موسى بن إبراهيم لا يخصص هذه البشارة بالصحابة والتابعين رضي الله عنهم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الضياء (عن موسى) أي ابن إبراهيم بن كثير قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن عبيدة) بفتح المهملة وكسر الموحدة قوله (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) تقدم شرحه في الشهادات (ثم يأتي قوم تسبق أيمانهم شهاداتهم أو شهاداتهم أيمانهم) كذا في النسخ الموجودة بلفظ أو وفي رواية الشيخين بالواو قال النووي هذا ذم لمن يشهد ويحلف مع شهادته واحتج به بعض المالكية في رد شهادة من حلف معها وجمهور العلماء أنها لا ترد ومعنى الحديث أنه يجمع بين اليمين والشهادة فتارة تسبق هذه وتارة هذه انتهى وقال ابن الجوزي المراد أنهم لا يتورعون ويستهينون بأمر الشهادة واليمين وقال في المجمع أراد حرصهم عليها وقلة مبالاة بالدين بحيث تارة يكون هذاوتاره عكسه
[ 245 ]
قوله (وفي الباب عن عمر وعمران بن حصين) تقدم حديثهما في الشهادات (وبريدة) أخرجه أحمد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي (ما جاء في فضل من بايع تحت الشجرة) قوله (لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة) هذه البيعة هي بيعة الرضوان وكانت تحت شجرة سمرة بالحديبية وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل ألفا وثلاثمائة وقيل وأربعمائة وقيل خمسمائة الأوسط أصح قاله الحافظ ابن كثير قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد (في سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) قوله (لا تسبوا أصحابي) الخطاب بذلك للصحابة لما ورد أن سبب الحديث أنه كان بين خالد بن الوليد وعبد الرحمن بن عوف شئ فسبه خالد فالمراد بأصحابي أصحاب مخصوصون
[ 246 ]
وهم السابقون على المخاطبين في الإسلام وقيل نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به من السب منزلة غيرهم فخاطبه خطاب غير الصحابة قال القاري ويمكن أن يكون الخطاب للأمة الأعم من الصحابة حيث علم بنور النبوة أن مثل هذا يقع في أهل البدعة فنهاهم بهذه السنة (لو أن أحدكم) فيه إشعار بأن المراد بقوله أولا أصحابي أصحاب مخصوصون وإلا فالخطاب كان للصحابة وقد قال لو أن أحدكم أنفق وهذا كقوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الاية ومع ذلك فنهى بعض من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وخاطبه بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخاطبه عن سب من سبقه من باب الأولى وغفل من قال إن الخطاب بذلك لغير الصحابة وإنما المراد من سيوجد من المسلمين المفروضين في العقل تنزيلا لمن سيوجد منزلة الموجود القطع بوقوعه ووجه التعقب عليه وقوع التصريح في نفس الخبر بأن المخاطب بذلك خالد بن الوليد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك بالاتفاق كذا في الفتح (أنفق مثل أحد ذهبا) زاد البرقاني في المصافحة من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم قال وهي زيادة حسنة (ما أدرك) وفي رواية البخاري ما بلغ (مد أحدهم ولا نصيفه) أي المد من كل شئ والنصيف بوزن رغيف هو النصف كما يقال عشر وعشير وثمن وثمين وقيل النصيف مكيال دون المد والمد بضم الميم مكيال معروف وفي شرح مسلم للنووي معناه لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ ثوابه في ذلك ثواب نفقة أحد أصحابي مدا ولا نصف مد وسبب تفضيل نفقتهم أنها كانت في وقت الضرورة وضيق الحال بخلاف غيرهم ولأن إنفاقهم كان في نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده وكذا جهادهم وسائر طاعتهم وقد قال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة الاية وهذا كله مع ما كان فيهم في أنفسهم من الشفقة والنور والخشوع والتواضع والإيثار والجهاد في الله حق جهاده وفضيلة الصحبة ولو لحظة لا يوازيها عمل ولا ينال درجتها بشئ والفضائل لا تؤخذ بقياس ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه
[ 247 ]
قوله (حدثنا محمد بن يحيى) الإمام الذهلي (حدثنا عبيدة) بفتح أوله (ابن أبي رايطة) بتحتانية المجاشعي الكوفي الحذاء صدوق من الثامنة (عن عبد الرحمن بن زياد) أمير خراسان روى عن عبد الله بن مغفل وعنه عبيدة بن أبي رايطة قال ابن معين لا أعرفه ووثقه ابن حبان قوله (الله الله) بالنصب فيهما أي اتقوا الله ثم اتقوا الله (في أصحابي) أي في حقهم والمعنى لا تنقصوا من حقهم ولا تسبوهم أو التقدير أذكركم الله ثم أنشدكم الله في حق أصحابي وتعظيمهم وتوقيرهم كما يقول الأب المشفق الله الله في حق أولادي ذكره الطيبي (لا تتخذوهم غرضا) بفتح الغين المعجمة والراء أي هدفا ترموهم بقبيح الكلام كما يرمي الهدف بالسهم (فبحبي أحبهم) أي بسبب حبه إياي أحبهم أو بسبب حبي إياهم أحبهم (ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم) أي إنما أبغضهم بسبب بغضه إياي (يوشك) بكسر المعجمة (أن يأخذه) أي يعاقبه في الدنيا أو في الاخرى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قوله (عن خداش) هو ابن عياش (ليد خلن الجنة) جواب قسم مقدر أي والله ليدخلن الجنة (إلا صاحب الجمل الأحمر) زاد ابن أبي حاتم قال فانطلقنا نبتدره فإذا رجل قد أضل بعيره فقلنا تعال فبايع قال أصيب بعيري أحب إلي من أن أبايع وروى مسلم في صحيحه عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يصعد الثنية ثنية المراد فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلكم مغفور له إلا
[ 248 ]
صاحب الجمل الأحمر فأتيناه فقلنا تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر صاحبكم قال وكان رجل ينشد ضالة له قال النووي قال القاضي قيل هذا الرجل هو الجد بن قيس المنافق قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن أبي حاتم قوله (إن عبدا لحاطب) أي ابن أبي بلتعة (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (كذبت) أي في قولك ليدخلن حاطب النار والكذب هو الإخبار عن الشئ على خلاف ما هو عمدا كان أو سهواسواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل وخصته المعتزلة بالعمد وهذا يرد عليهم وقال بعض أهل اللغة ولا يستعمل الكذب إلا في الإخبار عن الماضي بخلاف ما هو وهذا الحديث يرد عليه وفي الحديث فضيلة أهل بدر والحديبية وفضيلة حاطب بن أبي بلتعة لكونه منهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (أخبرنا عثمان بن ناجية) الخراساني مستور من الثالثة روى له الترمذي هذا الحديث وحده (عن عبد الله بن مسلم أبي طيبة) بفتح المهملة وسكون التحتية وبالموحدة المروزي السلمي (عن أبيه) أي بريدة بن الحصيب قوله (ما من أحد من أصحابي) من الأولى زائدة لتأكيد نفي الاستغراق والثانية بيانية (إلا بعث) بصيغة المجهول أي إلا حشر ذلك الأحد من أصحابي (قائدا) أي لأهل تلك الأرض في الجنة (ونورا لهم) أي هاديا لهم
[ 249 ]
قوله (هذا حديث غريب) في سنده عثمان بن ناجية وهو مستور كما عرفت والحديث اخرجه أيضا الضياء في المختارة قوله (حدثنا أبو بكر محمد بن نافع) اسمه محمد بن أحمد البصري العبدي (أخبرنا النضر بن حماد) الفزاري ويقال العتكي أبو عبد الله الكوفي ضعيف من التاسعة (أخبرنا سيف بن عمر) التميمي صاحب كتاب الردة ويقال له الضبي ويقال غير ذلك الكوفي ضعيف في الحديث عمدة في التاريخ أفحش ابن حبان القول فيه من الثامنة مات في زمن الرشيد (عن عبيد الله بن عمر) العمري قوله (إذا رأيتم الذين يسبون) أي يشتمون (أصحابي) أي أحدهم (لعنة الله على شركم) قال الزمخشري هذا من كلام المصنف فهو على وزان وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وقول حسان فشركما لخيركما فداء وفيه إشارة إلى أن لعنهم يرجع إليهم فإنهم أهل الشر والفتنة وأن الصحابة من أهل الخير المستحقين للرضى والرحمة قال الحافظ في الفتح اختلف في ساب الصحابي فقال عياض ذهب الجمهور إلى أنه يعزر وعن بعض المالكية يقتل وخص بعض الشافعية ذلك بالشيخين والحسنين فحكى القاضي حسين في ذلك وجهين وقواه السبكي في حق من كفر الشيخين وكذا من كفر من صرح النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانه أو تبشيره بالجنة إذا تواتر الخبر بذلك عنه لما تضمن من تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقال النووي في شرح مسلم اعلم أن سب الصحابة حرام من فواحش المحرمات سواء من لابس الفتن منهم وغيره لأنهم مجتهدون في تلك الحرب ومتأولون كما أوضحناه في أول فضائل الصحابة من هذا الشرح قال القاضي وسب أحدهم من المعاصي الكبائر ومذهبنا ومذهب الجمهور أنه يعزر ولا يقتل وقال بعض المالكية يقتل انتهى
[ 250 ]
(ما جاء في فضل فاطمة) أي بنت محمد أي بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمها خديجة عليها السلام ولدت فاطمة في الإسلام وقيل قبل البعثة وتزوجها علي رضي الله عنه بعد بدر في السنة الثانية وولدت له وماتت سنة إحدى عشرة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسته أشهر وقد ثبت في الصحيح من حديث عائشة وقيل بل عائشة بعده ثمانية وقيل ثلاثة وقيل شهرين وقيل شهرا واحدا ولها أربع وعشرون سنة وقيل غير ذلك فقيل إحدى وقيل خمس وقيل تسع وقيل عاشت ثلاثين سنة قوله (عن ابن أبي مليكة) اسمه عبد الله بن عبيد الله قوله (إن بني هشام بن المغيرة) وقع في رواية مسلم هاشم بن المغيرة والصواب هشام لأنه جد المخطوبة وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح وحسن إسلامهما وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام وقد أسلم أيضا وحسن إسلامه (استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب) وجاء أيضا أن عليا رضي الله عنه استأذن بنفسه على ما أخرجه الحاكم بإسناد صحيح إلى سويد بن غفلة قال خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال أعن حسبها تسألني فقال لا ولكن أتأمرني بها قال لا فاطمة مضغة مني ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع فقال علي رضي الله عنه لا آتي شيئا تكرهه واسم المخطوبة جويرة أو العوراء أو جميلة (فلا إذن لهم ثم لا إذن ثم لا إذن) كرر ذلك تأكيدا وفيه إشارة إلى تأييد مدة منع الإذن وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها فقال ثم لا اذن أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرا لا اذن بعدها ثم كذلك أبدا (فإنها بضعة مني) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة ووقع في حديث سويد بن غفلة كما تقدم مضغة بضم الميم وبالغين المعجمة والسبب فيه أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخوتها واحدة بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا
[ 251 ]
حصلت لها الغيرة (يريبني) بفتح الياء وفي رواية البخاري يريبني بضمها من باب الأفعال (ما رابها) وفي رواية البخاري ما أرابها قال في النهاية يريبني ما يريبها أي يسوؤني ما يسوؤها ويزعجني ما يزعجها يقال رابني هذا الأمر وأرابني إذ رأيت منه ما تكره انتهى وفي رواية الزهري عند الشيخين وأنا أتخوف أن تفتن في دينها يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حق زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين (ويؤذيني ما آذاها) فيه تحريم أذي من يتأذى النبي صلى الله عليه وسلم بتأذيه لأن أذي النبي صلى الله عليه وسلم حرام حرام اتفاقا قليله وكثيره وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شئ فتأذت به فهو يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم بشهادة هذا الخبر الصحيح ولا شئ أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الاخرة أشد قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (كان أحب النساء) بالرفع أنه اسم كان أو بالنصب على أنه خبرها (فاطمة) بالنصب أو بالرفع (قال إبراهيم) أي ابن سعيد الجوهري (يعني من أهل بيته) أي كان أحب النساء الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل بيته فاطمة وكان أحب الرجال إليه صلى الله عليه وسلم من أهل بيته علي قوله (عن أيوب) هو ابن أبي تميمة السختياني قوله (أن عليا) أي ابن أبي طالب (ذكر بنت أبي جهل) أي خطبها (وينصبني ما أنصبها) أي يتعبني ما أتعبها من النصب وهو التعب
[ 252 ]
قوله (ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعا) أي عن المسور بن مخرمة وعبد الله بن الزبير جميعا قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه والذي يظهر ترجيح رواية الليث لكونه توبع ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة انتهى قوله (حدثنا أسباط بن نصر الهمداني) بسكون الميم أبو يوسف ويقال أبو نصر صدوق كثير الخطأ يغرب من الثامنة (عن السدي) بضم السين وشدة الدال اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن وهو الكبير (عن صبيح) بضم الصاد المهملة مصغرا (مولى أم سلمة) ويقال مولى زيد بن أرقم مقبول من السادسة قوله (أنا حرب لمن حاربتم) أي أنا محارب لمن حاربتم جعل النبي صلى الله عليه وسلم نفسه نفس الحرب مبالغة كرجل عدل (وسلم) بكسر أوله ويفتح أي مسالم ومصالح قوله (وصبيح مولى أم سلمة ليس بمعروف) وذكره ابن حبان في الثقات قال الحافظ وقال البخاري لم يذكر سماعا من زيد كذا في تهذيب التهذيب قوله (عن زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرا وهو ابن الحارث اليامي قوله (جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء) أي غطاهم بكساء (وحامتي) قال
[ 253 ]
في النهاية حامة الإنسان خاصته ومن يقرب منه وهو الحميم أيضا (إنك على خير) تقدم معناه في تفسير الأحزاب في شرح حديث عمر بن أبي سلمة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن جرير قوله (وفي الباب عن أنس وعمر بن أبي سلمة وأبي الحمراء) أما حديث أنس وحديث عمر بن أبي سلمة فأخرجهما الترمذي في تفسير سورة الأحزاب وأما حديث أبي الحمراء فأخرجه ابن جرير وابن مردويه قوله (أخبرنا إسرائيل) هو ابن يونس (ما رأيت أحد أشبه سمتا) بفتح فسكون (ودلا) بفتح دال وتشديد لام (وهديا) بفتح فسكون قال في فتح الودود هذه الألفاظ متقاربة المعاني فمعناها الهيئة والطريقة وحسن الحال ونحو ذلك انتهى وفسر الراغب الدال بحسن الشمائل وأصله من دل امرأة وهو شكلهاوما يستحسن منها قال التوربشتي كأنها أشارت بالسمت إلى ما يرى على الإنسان من الخشوع والتواضع لله وبالهدي ما يتحلى من السكينة والوقار وإلى ما يسلكه من المنهج المرضي وبالدال حسن الخلق ولطف الحديث (قالت) أي عائشة (وكانت إذا دخلت) أي فاطمة (قام إليها) أي مستقبلا ومتوجها إليها (فقبلها) وفي رواية أبي داود فأخذ بيدها فقبلها (وأجلسها في مجلسه) أي تكريما لها (فقبلته) وفي رواية أبي داود فأخذت بيده فقبلته (فأكبت
[ 254 ]
عليه) أي مالت إليه (إن كنت) إن مخففة من المثقلة (أن هذه) أي فاطمة رضي الله عنها (فإذا هي من النساء) أي هي واحدة منهن لا أعقلهن لأنها تضحك في هذه الحالة (أرأيت) أي أخبريني (ما حملك على ذلك) ما استفهامية أي أي شئ حملك على ذلك (إني أذن لبذرة) مؤنث بذر ككتف وهو الذي يفشي السر ويظهر ما يسمعه (أنه ميت من وجعه هذا) أي أنه يموت من مرضه هذا والوجع محركة المرض (إني أسرع أهله لحوقا به) اللحوق الضمام شئ بشئ واللحاق بالفتح إدراك شخص غيره قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم قوله (فسئلت) كذا في النسخ الحاضرة بصيغة المجهول أي عائشة وفي المشكاة سألت قال القاري أي أنا وفي نسخة يعني من المشكاة بصيغة التأنيث أي عمتي (قالت) أي عائشة (فاطمة) أي هي كانت أحب (فقيل من الرجال) أي هذا جوابك من النساء فمن أحب إليه من الرجال (قالت زوجها) أي علي بن أبي طالب (إن كان ما علمت صواما قواما) إن مخففة من المثقلة أي أنه كان في علمي كثير الصيام وكثير القيام بالليل (قال) أي أبو عيسى (وأبو الجحاف) بفتح الجيم وتثقيل المهملة وآخره فاء (داود بن أبي عوف) أي اسمه داود بن أبي عوف (ويروى
[ 255 ]
عن سفيان الثوري حدثنا أبو الجحاف وكان مرضيا) وقال ابن عدي له أحاديث وهو من غالية التشيع وعامة حديثه في أهل البيت وهو عندي ليس بالقوي ولا ممن يحتج به وقال العقيلي كان من غلاة الشيعة وقال الأزدي زائغ ضعيف كذا في تهذيب التهذيب (من فضل عائشة رضي الله علنها) هي الصديقة بنت الصديق وأمها أم رومان وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوهما ومات النبي ولها نحو ثمانية عشر عاما وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة فأكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام والاداب شيئا كثيرا حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها رضي الله عنها وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين وقيل في التي بعدها ولم تلد للنبي شيئا على الصواب وسألته أن تكنى فقال اكتني بابن أختك فاكتنت أم عبد الله وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أنه كناها بذلك لما أحضر إليه ابن الزبير ليحنكه فقال هو عبد الله وأنت أم عبد الله قالت فلم أزل أكنى به قوله (كان الناس يتحرون) من التحري وهو القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشئ بالفعل والقول (يوم عائشة) أي يوم نوبتها لرسول الله زاد البخاري ومسلم يبتغون بذلك مرضاة رسول الله (قالت) أي عائشة (فاجتمع صواحباتي) أرادت بهن بقية أزواج النبي اللاتي كن في حزب أم سلمة ففي رواية البخاري أن نساء رسول الله كن حزبين فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة والحزب الاخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله في بيت عائشة فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله يكلم الناس الخ (يأمر الناس) بالجزم والراء مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع
[ 256 ]
يهدون إليه أين ما كان أي من حجرات الأمهات ومرادهن أنه لا يقع التحري في ذلك لا لهن ولا لغيرهن بل بحسب ما يتفق الأمر فيهن ليرتفع التمييز الباعث للغيرة عنهن (فذكرت ذلك أم سلمة) أي لرسول الله (ثم عاد إليها) أعاد النبي إلى أم سلمة في يوم نوبتها (لا تؤذيني في عائشة) أي في حقها وهو أبلغ من لا تؤذي عائشة لما تفيد من أن ما آذاها فهو يؤذيه (ما أنزل) بصيغة المجهول (علي) بتشديد الياء (وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها) بالجر صفة لامرأة فإن قلت ما وجه التوفيق بين هذا الحديث وبين ما في حديث كعب بن مالك عند البخاري فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الاخر من الليل ورسول الله عند أم سلمة قلت قال القاضي جلال الدين لعل ما في حديث عائشة كان قبل القصة التي نزل الوحي فيها في فراش أم سلمة انتهى قال السيوطي في الإتقان ظفرت بما يؤخذ منه جواب أحسن من هذا فروى أبو يعلى في مسنده عن عائشة قالت أعطيت تسعا الحديث وفيه وإن كان الوحي لينزل عليه وهو أهله فينصرفون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين انتهى وفي الحديث منقبة ظاهرة لعائشة وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة كذا قرره ابن بطال عن المهلب وتعقبه ابن المنير بأن النبي لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك وإنما لم يمنعهم النبي لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية قوله (وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد الخ) رواه البخاري في فضل عائشة من طريق عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد عن هشام عن أبيه قال كان الناس يتحرون الخ
[ 257 ]
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري (وقد روي عن هشام بن عروة عن عوف بن الحارث) بن الطفيل بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة مفتوحة الأزدي مقبول من الثالثة (عن رميثة) بضم الراء وفتح الميم مصغرا بنت الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدية أخت عوف رضيع عائشة مقبولة (عن أم سلمة شيئا من هذا) أخرجه أحمد (وقد روى سليمان بن بلال عن هشام بن عروة الخ) أخرجه البخاري من طريق إسماعيل عن أخيه عن سليمان قوله (عن عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي) الكناني وقيل هو أخو محمد ثقة من السادسة (عن ابن أبي حسين) اسمه عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي المكي ثقة من السادسة (عن ابن أبي مليكة) اسمه عبد الله بن عبيد الله قوله (إن جبرائيل جاء) أي في المنام (بصورتها) أي بصورة عائشة والباء للتعدية (في خرقة حرير) الخرقة بكسر المعجمة وسكون الراء القطعة من الثوب ووقع عند الاجري من وجه آخر عن عائشة لقد نزل جبرائيل بصورتي في راحته حين أمر رسول الله أن يتزوجني ويجمع بين رواية الترمذي وبين هذه الرواية بأن المراد أن صورتها كانت في الخرقة والخرقة في راحته ويحتمل أن يكون نزل بالكيفيتين لقولها في نفس الخبر نزل مرتين كذا جمع الحافظ وغيره بين هاتين الروايتين (فقال هذه) أي هذه الصورة (زوجتك في الدنيا والاخرة) فيه فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان (وقد روى أبو أسامة عن هشام بن
[ 258 ]
عروة الخ) أخرجه البخاري من طريق عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن هشام الخ قوله (وهو يقرأ) بفتح الياء من الثلاثي المجرد أو بضم الياء من الإقراء (قالت) أي عائشة (ترى ما لا نرى) ما موصولة أي ترى يا رسول الله الذي لا نراه من الملائكة وغيرهم وتقدم بقية الكلام على هذا الحديث في باب تبليغ السلام من أبواب الاستئذان قوله (أخبرنا زكريا) هو ابن أبي زائدة قوله (إن جبرائيل يقرأ عليك السلام) أي يسلم عليك قوله (حدثنا زياد بن الربيع) اليحمدي أبو خداش البصري (حدثنا خالد بن سلمة المخزومي) المعروف بالفأفأ (عن أبي بردة) ابن أبي موسى قوله (ما أشكل علينا) أي ما اشتبه وأغلق علينا (أصحاب رسول الله) قال الطيبي بالجر بدل من المجرور ويجوز النصب على الاختصاص (حديث) أي معنى حديث أو فقد حديث
[ 259 ]
يتعلق بمسألة مهمة (منه) أي من ذلك الحديث ومتعلقاته (علما) أي نوع علم بأن يوجد الحديث عندها تصريحا أو تأويلا لأن يؤخذ الحكم منه تلويحا قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأما حديث خذوا شطر دينكم عن الحميراء يعني عائشة فقال الحافظ ابن الحجر العسقلاني لا أعرف له إسنادا ولا رواية في شئ من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير ولم يذكر من خرجه وذكر الحافظ عماد الدين بن كثير أنه سأل المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه وقال السخاوي ذكره في الفردوس بغير إسناد وبغير هذا اللفظ ولفظه خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء وبيض له صاحب مسند الفردوس ولم يخرج له إسنادا وقال السيوطي لم أقف عليه كذا في المرقاة قوله (أخبرنا معاوية عن عمرو) بن المهلب الأزدي المعنى (عن زائدة) هو ابن قدامة (عن عبد الملك بن عمير) اللخمي الكوفي (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله قوله (ما رأيت أحدا أفصح من عائشة) قال في النهاية الفصيح في اللغة المنطلق اللسان في القول الذي يعرف جيد الكلام من رديئه يقال رجل فصيح ولسان فصيح وكلام فصيح وقد فصح فصاحة وأفصح عن الشئ إفصاحا إذا بينه وكشفه انتهى وقال في تلخيص المفتاح الفصاحة يوصف بها المفرد والكلام والمتكلم فالفصاحة في المفرد خلوصه من تنافر الحروف والغرابة ومخالفة القياس والفصاحة في الكلام خلوصه من ضعف التأليف وتنافر الكلمات والتعقيل مع فصاحتها والفصاحة في المتكلم ملكة يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الطبراني ورجاله رجال الصحيح قوله (حدثنا إبراهيم بن يعقوب) الجوزجاني
[ 260 ]
قوله (استعمله) أي جعله عاملا (على جيش ذات السلاسل) بالمهملتين والمشهور أنها بفتح الأولى على لفظ جمع السلسلة وضبطه كذلك أبو عبيد البكري قيل سمي المكان بذلك لأنه كان به رمل بعضه على بعض كالسلسلة وضبطها ابن الأثير بالضم وقال هو بمعنى السلسال أي السهل (أي الناس أحب إليك) زاد في رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص فأحبه أخرجه ابن عساكر ووقع عند ابن سعد سبب هذا السؤال وأنه وقع في نفس عمرو لما أمره النبي على الجيش وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم عنده في المنزلة عليهم فسأله لذلك (قلت من الرجال) أي أي الناس أحب إليك من الرجال قال (أبوها) زاد البخاري في المغازي قلت ثم من قال عمر فعد رجالا فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (قال من الرجال) وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان من طريق قيس ابن أبي حازم عن عمرو بن العاص قلت إني لست أعني النساء قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان وابن عساكر قوله (فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) الثريد بفتح المثلثة وكسر
[ 261 ]
الراء معروف وهو أن يثرد الخبز بمرق اللحم وقد يكون معه اللحم من أمثالهم الثريد أحد اللحمين وربما كله أنفع وأقوى من نفس اللحم النضيج إذا ثرد بمرقته قال التوربشتي قيل إنما مثل الثريد لأنه أفضل طعام العرب ولا يرون في الشبع أغنى غناء منه وقيل إنهم كانوا يحمدون الثريد فيما طبخ بلحم وروى سيد الطعام اللحم فكأنها فضلت على النساء كفضل اللحم على سائر الأطعمة والسر فيه أن الثريد مع اللحم جامع بين الغذاء واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة في المضغ وسرعة المرور في المرئ فضرب به مثلا ليؤذن بأنها أعطيت مع حسن الخلق والخلق وحلاوة النطق فصاحة اللهجة وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل والتحبب إلى البعل فهي تصلح للتبعل والتحدث والاستئناس بها والإصغاء إليها وحسبك أنها عقلت عن النبي ما لم تعقل غيرها من النساء وروت ما لم يرو ومثلها من الرجال ومما يدل على أن الثريد أشهى الأطعمة عندهم وألذها قول الشاعر إذا ما الخبز تأدمه بلحم فذاك أمانة الله الثريد قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي موسى) أما حديث عائشة فأخرجه النسائي في عشرة النساء وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في باب فضل الثريد من أبواب الأطعمة قوله (وعبد الله بن عبد الرحمن بن معمر) بن حزم الأنصاري (هو أبو طوالة) بضم المهملة المدني قاضي المدينة لعمر بن عبد العزيز ثقة من الخامسة قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن عمرو بن غالب) الهمداني الكوفي مقبول من الثالثة قال الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وقال أبو عمرو الصدفي وثقه النسائي انتهى قوله (أن رجلا نال من عائشة) أي ذكرها بسوء يقال نال من فلان إذا وقع فيه (قال) أي
[ 262 ]
عمار (أغرب مقبوحا منبوحا) أي أبعد كأنه أمر بالغرو والاختفاء والمنبوح من يطرد ويرد (أتؤذي حبيبة رسول الله) يعني عائشة الصديقة رضي الله عنها قوله (عن أبي حصين) اسمه عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن عبد الله بن زياد الأسدي) أبو مريم الكوفي ثقة من الثالثة قوله (هي زوجته في الدنيا والاخرة يعني عائشة) كذا رواه الترمذي مختصرا ورواه البخاري من وجه آخر عن الحكم سمعت أبا وائل قال لما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والاخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها قال العيني قوله بعث علي أي ابن أبي طالب وكان علي رضي الله عنه بعث عمار بن ياسر والحسن ابنه إلى الكوفة لأجل نصرته في مقاتلة كانت بينه وبين عائشة بالبصرة ويسمى بيوم الجمل بالجيم وقوله ليستنفرهم أي ليستنجدهم ويستنصرهم من الاستنفار وهو الاستنجاد والاستنصار وقوله خطب جواب لما قوله إنها أي أن عائشة زوجة النبي في الدنيا والاخرة وروى ابن حبان من طريق سعيد بن كثير عن عائشة أن النبي قال لها أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والاخرة انتهى وقال الحافظ بعد ذكر حديث عائشة هذا فلعل عمارا كان سمع هذا الحديث من النبي وقال وقوله في الحديث لتتبعوه أو إياها قبل الضمير لعلي لأنه الذي كان عمار يدعو إليه والذي يظهر أنه لله والمراد باتباع الله حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه ولعله أشار إلى قوله تعالى وقرن في بيوتكن فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي ولهذا كانت أم سلمة تقول لا يحركني ظهر بعير حتى ألقي النبي والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس وأخذ القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنهم أجمعين وكان رأي علي الإجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري
[ 263 ]
قوله (عن حميد) هو الطويل قوله (قال أبوها) أي أبو بكر الصديق لسابقته في الإسلام ونصحه لله ورسوله وبذله نفسه وماله في رضاهما قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه ابن ماجه (فضل خديجة رضي الله عنها) هي أم المؤمينن خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية كانت تحت أبي هالة بن زارارة ثم تزوجها عتيق بن عائذ ثم تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ولها يومئذ من العمر أربعون سنة وبعض أخرى وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خمس وعشرون سنة ولم ينكح صلى الله عليه وسلم قبلها امرأة ولا نكح عليها حتى ماتت وهي أول من آمن من كافة الناس ذكرهم وأنثاهم وجميع أولاده منها غير إبراهيم فإنه من مارية وماتت بمكة قبل الهجرة بخمس سنين وقيل بأربع سنين وقيل بثلاث وكان قد مضى من النبوة عشر سنين وكان لها من العمر خمس وستون سنة وكانت مدة مقامها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة ودفنت بالحجون قوله عن عائشة قالت ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الخ تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب حسن العهد من أبواب البر والصلة
[ 264 ]
قوله (ما حسدت امرأة ما حسدت خديجة) ما الأولى نافية والثانية مصدرية أي ما حسدت مثل حسدي خديجة والمراد من الحسد هنا الغيرة (وما تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعدما ماتت) أشارت عائشة بذلك إلى أن خديجة لو كانت حية في زمانها لكانت غيرتها منها أشد وأكثر (وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرها الخ) كان لغيرة عائشة على خديجة أمران الأول كثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما كما في الحديث السابق والثاني هذه البشارة لأن اختصاص خديجة بهذه البشارة مشعر بمزيد محبة من النبي صلى الله عليه وسلم فيها (ببيت من قصب) بفتح القاف والمهملة بعدها موحدة قال قال في النهاية القصب في هذا الحديث لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف والقصب من الجوهر ما استطال منه في تجويف (لا صخب فيه ولا نصب) الصخب بفتح الصاد المهملة الخاء المعجمة بعدها موحدة الصياح والمنازعة برفع الصوت والنصب بفتح النون والصاد المهملة بعدها موحدة التعب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (أخبرنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي (عن عبد الله بن جعفر) بن أبي طالب قوله (خير نسائها خديجة بنت خويلد وخير نسائها مريم بنت عمران) قال القرطبي الضمير عائد على غير مذكور لكنه يفسره الحال والمشاهدة يعني به الدنيا وقال الطيبي الضمير الأول يعود على هذه الأمة والثاني على الأمة التي كانت فيها مريم ولهذا كرر الكلام تنبيها على أن حكم كل واحدة منهما غير حكم الأخرى وكلى الفصلين كلام مستأنف ووقع في رواية مسلم عن وكيع عن هشام في هذا الحديث وأشار وكيع إلى السماء والأرض فكأنه أراد أن بين أن المراد نساء الدنيا وأن الضميرين يرجعان إلى الدنيا وبهذا جزم القرطبي أيضا قال الحافظ قد جزم كثير من
[ 265 ]
الشراح أن المراد نساء زمانها لما تقدم في أحاديث الأنبياء في قصة موسى وذكر آسية من حديث أبي موسى رفعه كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية فقد أثبت في هذا الحديث الكمال لآسية كما أثبته لمريم فامتنع حمل الخيرية في حديث الباب على الإطلاق وجاء ما يفسر المراد صريحا فروى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين وهو حديث حسن الإسناد انتهى وقال النووي الأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها وأما التفصيل بينهما فمسكوت عنه قوله (وفي الباب عن أنس وابن عباس) أما حديث أنس فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي بإسناد صحيح والحاكم عنه مرفوعا أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (حدثنا أبو بكر بن زنجوية) هو محمد بن عبد الملك بن زنجوية البغدادي الغزال ثقة من الحادية عشرة قوله (حسبك) أي يكفيك (من نساء العالمين) أي الواصلة إلى مراتب الكاملين في الاقتداء بهن وذكر محاسنهن ومناقبهن وزهدهن في الدنيا وإقبالهن على العقبى قال الطيبي حسبك مبتدأ ومن نساء متعلق به ومريم خبره والخطاب إما عام أو لأنس أي كافيك معرفتك فضلهن عن معرفة سائر النساء قال الحافظ في الفتح قال السبكي الكبير الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع به وقال ابن تيمية جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة وكأنه رأى التوقف وقال ابن القيم أن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة وهي
[ 266 ]
فضيلة لا يشاركها فيها غير أخوتها وإن أريد شرع السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها قال الحافظ امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي صلى الله عله وسلم وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام فلها مثل أجر من جاء بعدها ولا يقدر قدر ذلك إلا الله وقيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة انتهى وقال القاري في المرقاة قال السيوطي في النقاية نعتقد أن أفضل النساء مريم وفاطمة وأفضل أمهات المؤمنين خديجة وعائشة وفي التفضيل بينهما أقوال ثالثها التوقف قال القاري التوقف في حق الكل أولى إذا ليس في المسألة دليل قطعي والظنيات متعارضة غير مقيدة للعقائد المبينة على اليقينيات انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم في مستدركه (في فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) قوله (أخبرنا سلم بن جعفر) البكراوي قوله (ماتت فلانة) أي صفة وقيل حفصة (قيل له أتسجد هذه الساعة) في تهذيب الكمال عن عكرمة قال توفيت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال إسحاق بن راهويه أظنه سماها صفية بنت حيي بالمدينة فأتيت ابن عباس فأخبرته فسجد فقلت له أتسجد ولما تطلع الشمس فقال ابن عباس لا أم لك أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم الاية الخ (إذا رأيتم آية) أي علامة مخوفة قال الطيبي قالوا المراد بها العلامات المنذرة بنزول البلايا والمحن التي يخوف الله بها عباده ووفاة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الايات لأنهن ضممن إلى شرف الزوجية شرف الصحبة وقد قال صلى الله عليه وسلم أنا أمنة أصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة أهل الأرض الحديث فهن
[ 267 ]
أحق بهذا المعنى من غيرهن فكانت وفاتهن سالبة للأمنة وزوال الأمنة موجب للخوف (فاسجدوا) قال الطيبي هذا مطلق فإن أريد بالاية خسوف الشمس والقمر فالمراد بالسجود الصلاة وإن كانت غيرها لمجئ الريح الشديدة والزلزلة وغيرهما فالسجود هو المتعارف ويجوز الحمل على الصلاة أيضا لما ورد كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة انتهى (فأي آية أعظم من ذهاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) لأنهن ذوات البركة فبحياتهن يدفع العذاب عن الناس ويخاف العذاب بذهابهن فينبغي الالتجاء إلى ذكر الله والسجود عند انقطاع بركتهن ليندفع العذاب ببركة الذكر والصلاة قاله القاري قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وقال المنذري في تلخيص السنن في إسناده سلم بن جعفر قال يحيى بن كثير العنبري كان ثقة وقال الموصلي متروك الحديث لا يحتج به وذكر هذا الحديث انتهى قوله (أخبرنا عبد الصمد) بن عبد الوارث (حدثتنا صفية بنت حيي) بضم الحاء المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الأخرى ابن أخطب من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران عليه السلام كانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل يوم خيبر في محرم سنة سبع ووقعت في السبي فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فاشتراها منه بسبعة أرؤس فأسلمت فأعتقها وتزوجها وجعل عتقها صداقها ماتت سنة خمسين ودفنت بالبقيع قوله (وقد بلغني) الواو للحال (فذكرت ذلك) أي الكلام الذي بلغني عنهما (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم مخاطبا لصفية (ألا) حرف التحضيض (وكيف تكونان خيرا مني) الواو للعطف على مقدر أي هما تزعمان أنهما خير مني وكيف تكونان الخ (وزوجي محمد) صلى الله عليه وسلم والواو للحال (وأبي هارون) أي ابن عمران وكانت صفية من أولاد هارون عليه السلام (وعمي موسى) أي ابن عمران وكان هارون أخا موسى لأبيه وأمه
[ 268 ]
فإن قلت أليست حفصة ابنة نبي وهو إسماعيل عليه السلام لأنها قرشية وعمها نبي وهو إسحاق عليه السلام وتحت نبي وهو النبي صلى الله عليه وسلم قلت هذه الصفات مشتركة بين نسائه صلى الله عليه وسلم اللاتي من قريش وصفية أيضا مشاركة لهن لأن موسى وهارون من أولاد يعقوب بن إسحاق عليهم السلام والمقصود دفع المنقصة بأنها أيضا تجمع صفات الفضل والكرم (ثم قالوا) الظاهر أن يكون أنهن قلن فتذكير الضمير باعتبار أنهن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن عدي في الكامل (لا نعرفه إلا من حديث هاشم الكوفي وليس إسناده بذاك) أي ليس بالقوي لضعف هاشم هذا قوله (حدثنا إسحاق بن منصور) هو الكوسج (أن حفصة قالت) أي في حق صفية (بنت يهودي) أي نظر إلى أبيها (قالت) أي صفية (قالت لي حفصة) أي في حقي (وإنك لابنة نبي) أي هارون بن عمران عليه السلام (وإن عمك لنبي) أي موسى بن عمران عليه السلام (وإنك لتحت نبي) أي الان (ففيم تفخر عليك) بفتح الخاء أي في أي شئ تفخر حفصة عليك (ثم قال اتقي الله) أي مخالفته أو عقابه بترك مثل هذا الكلام الذي هو من عادات الجاهلية قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي قوله (عن هاشم بن هاشم) بن عتبة بن أبي وقاص الزهري المدني ويقال هاشم بن
[ 269 ]
هاشم وثقه ابن معين والنسائي (أن عبد الله بن وهب) بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي الأصغر كان عريف قومه بني أسد وقتل أخوه عبد الله الأكبر يوم الدار وهو ثقة من الثالثة قوله (دعا فاطمة عام الفتح) قال القاري الظاهر أن هذا وهم إذ لم يثبت عند أرباب السير وقوع هذه القضية عام الفتح بل كان هذا في عام حجة الوداع أو حال مرض موته عليه السلام انتهى قلت حديث عائشة المتقدم في فضل فاطمة صريح في أنه كان في مرض موته صلى الله عليه وسلم (فناجاها) أي كلمها بالسر (ثم حدثها) أي خفية أيضا (عن بكائها وضحكها) أي عن سببهما (أنه يموت) أي قريبا (ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران) الاستثناء يحتمل التساوي ويحتمل العكس في الفضل وقيل لعله ورد قبل أن يوحى إليه صلى الله عليه وسلم بفضل فاطمة على نساء العالمين كذا في اللمعات (فضحكت) قد سبق في فضل فاطمة في حديث عائشة ثم أخبرني أني أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت فلعله صلى الله عليه وسلم أخبرها عن الأمرين جميعا والله أعلم قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه النسائي في خصائص علي قوله (حدثنا محمد بن يحيى) هو الإمام الذهلي (أخبرنا محمد بن يوسف) الضبي الفريابي (أخبرنا سفيان) الثوري قوله (خيركم خيركم لأهله) أي لعياله وذوي رحمه وقيل لأزواجه وأقاربه وذلك لدلالته على حسن الخلق (وأنا خيركم لأهلي) فأنا خيركم مطلقا وكان أحسن الناس عشرة لهم وكان على خلق عظيم (وإذا مات صاحبكم) أي واحد منكم ومن جملة أهاليكم (فدعوه) أي اتركوا ذكر
[ 270 ]
مساويه فإن تركه من محاسن الأخلاق دلهم صلى الله عليه وسلم على المجاملة وحسن المعاملة مع الأحياء والأموات ويؤيده حديث اذكروا أمواتكم بالخير وقيل إذا مات فاتركوا محبته والبكاء عليه والتعلق به والأحسن أن يقال فاتركوه إلى رحمة الله تعالى فإن ما عند الله خير للأبرار والخير أجمع فيما اختار خالقه وقيل أراد به نفسه أي دعوا التحسر والتلهف علي فإن في لله خلفا عن كل فائت وقيل معناه إذا مت فدعوني ولا تؤذوني وأهل بيتي وصحابتي وأتباع ملتي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي وأخرجه ابن ماجه عن ابن عباس إلى قوله لأهلي قوله (عن الوليد) بن هشام ويقال ابن أبي هشام الكوفي مولى همدان مستور (عن زيد بن زائدة) ويقال ابن زائد بغير هاء مقبول من الثانية قوله (لا يبلغني) بتشديد اللام ويخفف وهو نفي بمعنى النهي أي لا يوصلني (من أحد) أي من قبل أحد (شيئا) أي مما أكرهه وأغضب عليه وهو عام في الأفعال والأقوال بأن شتم أحدا واذاه قال فيه خصلة سوء (فإني أحب أن أخرج إليهم) أي من البيت وألاقيهم (وأنا سليم الصدر) أي من مساويهم جملة حالية قال ابن الملك والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم يتمنى أن يخرج من الدنيا وقلبه راض عن أصحابه من غير سخط على أحد منهم وهذا تعليم للأمة أو من مقتضيات البشرية (فأتى) بصيغة المجهول (بمال) الباء للتعدية (ما أراد محمد بقسمته التي قسمها وجه الله ولا الدار الاخرة) أي أنه لم يعدل في هذه القسمة (فنثيت) يقال نثيت الخبر ونثوته إذا حدثت به وأشعته (حين سمعتها) أي حين سمعت مقولتهما (دعني عنك) أي اتركني عنك ولا تتعرض
[ 271 ]
عندي لمثل هذا وفي الحديث جواز المفاضلة في القسمة والإعراض عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود إلى قوله فإني أحب أن أخرج إليهم وأنا سليم الصدر وقال المنذري في إسناده الوليد بن أبي هشام قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور انتهى وأما باقي الحديث فأخرج نحوه الشيخان (وقد زيد في هذا الإسناد رجل) وهو السدي قوله (أخبرنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا عبد الله بن محمد) بن عبد الله بن جعفر الجعفي أبو جعفر البخاري المعروف بالمسندي ثقة حافظ جمع المسندمن العاشرة (حدثنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي (والحسين بن محمد) بن بهرام التميمي (عن إسرائيل) بن يونس الكوفي (عن السدي) هو إسماعيل بن عبد الرحمن (شيئا من هذا) أي مختصرا (من غير الوجه) كذا في النسخ الحاضرة والظاهر أنه غلط والصواب غريب من هذا الوجه يدل على ذلك كلام الحافظ ابن كثير فإنه قال في تفسيره بعد نقل حديث عبد الله بن مسعود هذا عن سنن أبي داود ما لفظه كذا رواه الترمذي في المناقب عن الذهلي سواء إلا أنه قال زيد بن زائدة ورواه أيضا عن محمد بن إسماعيل عن السدي عن الوليد بن أبي هشام به مختصرا أيضا فزاد في إسناده السدي ثم قال غريب من هذا الوجه انتهى (فضل أبي بن كعب رضي الله عنه) هو أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي كان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد الفقهاء الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 272 ]
وكان أقرأ الصحابة لكتاب الله تعالى كناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا المنذر وعمر أبا الطفيل وسماه النبي صلى الله عليه وسلم سيد الأنصار وعمر سيد المسلمين مات بالمدينة سنة تسع عشرة قوله (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (عن عاصم) بن بهدلة قوله (إن الدين عند الله الحنيفية) أي الشريعة المائلة عن كل دين باطل فهي حنيفية في التوحيد وأصل الحنف الميل والحنيف المائل إلى الإسلام الثابت عليه والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام (المسلمة) أي المنسوبة إلى الإسلام (من يعمل خيرا فلن يكفره) بضم التحتية وفتح الفاء على بناء المجهول أي لن يعدم ثوابه ولن يحرمه بل يشكره الله له ويجازيه به (وقرأ عليه لو أن لابن آدم واديا الخ) تقدم شرحه في باب لو كان لابن آدم واديان من مال من أبواب الزهد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والحاكم قال الحافظ في الفتح إسناده جيد (وروى عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب الخ) وصله أحمد في مسنده (وقد روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي الخ) وصله أحمد والشيخان والنسائي (في فضل الأنصار وقريش) الأنصار جمع نصير مثل شريف وأشراف النصير الناصر وجمعه نصر مثل صاحب
[ 273 ]
وصحب والأنصار اسم إسلامي سمى به النبي الأوس والخزرج وحلفاءهم والأوس ينتسبون إلى الأوس بن حارثة والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة وقيل قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن فأما قريش فاختلف في أن من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي فقال الزبير قالوا قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش قال الزبير قال عمي فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه وكنية فهر أبو غالب وهو جماع قريش وقال ابن هشام النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قريش ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي وهذا قول الجمهور قيل قصي هو قريش وقال عبد الملك بن مروان سمعت أن قصيا كان يقال له قريش ولم يسم أحد قريشا قبله والقولان الأولان حكاهما غير واحد من أئمة علم النسب كأبي عمر بن عبد البر والزبير بن بكار ومصعب وأبي عبيدة والصحيح الذي عليه الجمهور هو النضر وقيل الصحيح فهر وقد اختلف في وجه التسمية بقريش على خمسة عشر قولا ذكرها العيني في شرح البخاري قوله (حدثنا أبو عامر) العقدي (عن زهير بن محمد) التميمي قوله (لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار) قال الخطابي أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطييب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ونسبة الإنسان على وجوه الولادية كالقرشية والبلادية كالكوفية والاعتقادية كالسنية والصناعية كالصيرفية ولا شك أنه لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه إذ ذاك ممتنع قطعا وكيف وأنه أفضل منهم نسبا وأكرمهم أصلا وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال إذ كان دينه ودينهم واحدا فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجائز فيهما الانتقال وكانت المدينة دار الأنصار والهجرة إليها أمرا واجبا أي لولا أن النسبة الهجرية ولا يسعني تركها لانتقلت عن هذا الاسم إليكم ولانتسبت إلى داركم قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار فقد يكون ذهب هذا المذهب إن كان أراد به نسبة الولادة (لو سلك الأنصار واديا) أي طريقا والوادي المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا الطريق حسيا كان أو معنويا (أو شعبا) بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة وهو اسم لما انفرج بين جبلين وقيل الطريق في الجبل قال
[ 274 ]
الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في واد قيل أراد بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد وحسن الجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم فإن متابعته حق على كل مؤمن ومؤمنة لأنه هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق) قال ابن التين المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لأن ذلك إنما يكون للدين ومن أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البغض له فليس داخلا في ذلك وهو تقرير حسن وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي ومن معه والقيامة بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم والعداوة تجر البغض ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد والحسد يجر البغض فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم وإن كان من شاركهم في معنى ذلك مشاركا لهم في الفضل المذكور كل بقسطه وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي قال له لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام لما لهم من حسن العناء في الدين قال صاحب المفهم وأما الحروب الواقعة بينهم فإن وقع من بعضهم بغض لبعض فذاك من غير هذه الجهة بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد كذا في الفتح
[ 275 ]
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري في المناقب ومسلم في الإيمان والنسائي في المناقب وابن ماجه في السنة قوله (جمع ناسا من الأنصار) وعند البخاري من رواية الزهري عن أنس قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق النبي يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله بمقالتهم فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم غيرهم فلما اجتمعوا قال النبي ما حديث بلغني عنكم فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريش ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فقال النبي فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم الحديث (فقال هلم) أي تعالوا وفيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والجمع والإثنين والمؤنث بلفظ واحد مبني على الفتح وبنو تميم تثني وتجمع وتؤنث فنقول هلم وهلمي وهلما وهلموا (فقال ابن أخت القوم منهم) أي هو متصل بأقربائه في جميع ما يجب أن يتصل به كنصرة ومشورة ومودة وسر لا في الإرث فلا يدل على توريث ذوي الأرحام قاله المناوي وقال النووي في شرح مسلم استدل به من يرث ذوي الأرحام وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد وآخرين ومذهب مالك والشافعي وآخرين أنهم لا يرثون وأجابوا بأنه ليس في هذا اللفظ ما يقتضي توريثه وإنما معناه أن بينه وبينهم ارتباطا وقرابة ولم يتعرض للإرث وسياق الحديث يقتضي أن المراد كالواحد منهم في إفشاء سرهم بحضرته ونحو ذلك انتهى (حديث) بالتنوين (عهدهم) بالرفع (بجاهلية) أي قريب زمانهم بجاهلية (ومصيبة) من نحو قتل أقاربهم وبفتح بلادهم (أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة وبالراء من جبرت الوهن والكسر إذا أصلحته وجبرت المصيبة إذا فعلت مع صاحبها ما ينساها به (وأتألفهم) أي أطلب ألفتهم بالإسلام بإعطاء المال لا
[ 276 ]
لكونهم من قريش أو لغرض آخر (أما ترضون أن يرجع الناس) أي غيركم من المؤلفة قلوبهم (بالدنيا) وفي رواية بأموال وفي رواية بالشاة والبعير قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (حدثنا هشيم) بن بشير بن القاسم السلمي قوله (يعزيه) من التعزية أي يحمله على العزاء بالمد وهو الصبر (يوم الحرة) قال الجزري في النهاية الحرة يوم مشهور في الإسلام أيام يزيد بن معاوية لما انتهب المدينة عسكره من أهل الشام الذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصحابة والتابعين وأمر عليهم مسلم بن عقبة المري في ذي الحجة في سنة ثلاث وستين وعقيبها هلك يزيد والحرة هذه أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة وكانت الوقعة بها انتهى وقال الحافظ في الفتح وكان سبب وقعة الحرة أن أهل المدينة خلعوا بيعة يزيد بن معاوية لما بلغهم ما يتعمده من الفساد فأمر الأنصار عليهم عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر وأمر المهاجرون عليهم عبد الله بن مطيع العدوي وأرسل إليهم يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المري في جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا ابن حنظلة وقتل من الأنصار شئ كثير جدا وكان أنس يومئذ بالبصرة فبلغه ذلك فحزن على من أصيب من الأنصار فكتب إليه زيد بن أرقم وكان يومئذ بالكوفة يسليه ومحصل ذلك أن الذي يصير إلى مغفرة الله لا يشتد الحزن عليه فكان ذلك تعزية لأنس فيهم (فكتب إليه) أي كتب زيد بن أرقم إلى أنس (أنا أبشرك ببشرى من الله) البشرى بضم الموحدة وسكون المعجمة اسم من البشارة وهي الإخبار بما يسر (إني سمعت رسول الله) هذا بيان للبشرى وقد تقدم محصل التعزية في كلام الحافظ (ولذراري الأنصار)
[ 277 ]
بتشديد الياء وتخفيفها جمع ذرية قال في القاموس الذرية بالضم ويكسر ولد الرجل والجمع الذريات والذراري وروى البخاري عن أنس بن مالك يقول حزنت على من أصيب بالحرة فكتب إلى زيد بن أرقم وبلغه شدة حزني يذكر أنه سمع رسول الله يقول اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار قوله (وقد رواه قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم) وصله مسلم في صحيحه ولفظه اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار قوله (أخبرنا أبو داود) الطيالسي (وعبد الصمد) بن عبد الوارث (عن أبي طلحة) هو زوج أم أنس بن مالك واسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري البخاري مشهور بكنيته من كبار الصحابة شهد بدرا وما بعدها مات سنة أربع وثلاثين وقال أبو زرعة الدمشقي عاش بعد النبي أربعين سنة (اقرئ قومك السلام) أمر من الإقراء أو من قرأ يقرأ أي أبلغهم السلام (فإنهم) أي قومك (ما علمت) ما موصولة أي بناء على ما علمته فيهم من الصفات (أعفة) بفتح فكسر فتشديد جمع عفيف وهي خبر إن وما علمت معترضة (صبر) بضمتين جمع صابر كبزل وبازل قال الطيبي ما موصولة والخبر محذوف أي الذي علمت منهم أنهم كذلك يتعففون عن السؤال ويتحملون الصبر عند القتال وهو مثل ما في الحديث يقلون عند الطمع ويكثرون عند الفزع وقيل ما مصدرية يعني أنهم يتعففون ويتحملون مدة علمي بحالهم أو في علمي بحالهم أو موصولة أي فيما علمت منهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البزار وفيه أيضا محمد بن ثابت البناني وهو ضعيف
[ 278 ]
قوله (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني المروزي (عن عطية) العوفي قوله (ألا) بالتخفيف للتنبيه (إن عيبتي) أي خاصتي (التي آوي) أي أميل وأرجع (وإن كرشي) أي بطانتي (فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم) الضمير راجع إلى الصنفين من أهل البيت والأنصار على حد قوله تعالى هذا خصمان اختصموا ويحتمل أن يرجع إلي الأخير والأول يفهم بالطريق الأولى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (الأنصار كرشي وعيبتي) في القاموس الكرش بالكسر وككتف لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان مؤنثة وعيال الرجل وصغار ولده والجماعة والعيبة بفتح المهملة وسكون المثناة التحتية بعدها موحدة زنبيل من أدم ونحوه وما يجعل فيه الثياب ومن الرجل موضع سره قال في النهاية أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته والذين يعتمد عليهم في أموره واستعار الكرش والعيبة لذلك لأن المجتر يجمع علفه في كرشه والرجل يضع ثيابه في عيبته وقيل أراد بالكرش الجماعة أي جماعتي وصحابتي يقال عليه كرش من الناس أي جماعة انتهى وقال التوربشتي الكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان والعرب تستعمل الكرش في كلامهم موضع البطن والبطن مستودع مكتوم السر والعيبة مستودع مكنون المتاع والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر ويحتمل أنه ضرب المثل بهما إرادة اختصاصهم به في أموره الظاهرة والباطنة (وإن الناس سيكثرون) بضم المثلثة (ويقلون) بفتح الياء وكسر القاف وتشديد اللام أي ويقل الأنصار قال الحافظ فيه إشارة إلى دخول قبائل العرب والعجم في الإسلام وهم أضعاف أضعاف قبيلة الأنصار فمهما فرض في الأنصار من الكثرة كالتناسل فرض في كل طائفة من أولئك فهم أبدا بالنسبة إلى غيرهم قليل ويحتمل أن يكون اطلع على أنهم يقلون مطلقا فأخبر بذلك فكان كما أخبر لأن الموجودين الان من ذرية علي بن أبي
[ 279 ]
طالب ممن يتحقق نسبه إليه أضعاف من يوجد من قبيلتي الأوس والخزرج ممن يتحقق نسبه وقس على ذلك ولا التفات إلى كثرة من يدعي أنه منهم بغير برهان (فاقبلوا من محسنهم) أي إن أتوا بعذر فيما صدر عنهم (وتجاوزوا عن مسيئهم) أي إن عجزوا عن عذر والتجاوز عن المسئ مخصوص بغير الحدود وحقوق الناس قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله حدثنا أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي أخبرنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن إبراهيم الزهري عن محمد بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي أبي بكر الدمشقي مقبول من السادسة عن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل عمرو بن مسعود بن عامر الثقفي والد الحجاج الأمير وقد ينسب لجده مقبول من الثالثة قوله من يرد من الإرادة هوان قريش بفتح الهاء أي ذلهم وإهانتهم أهانه الله أي ا ذله وأخزاه قال المناوي خرج مخرج الزجر والتهويل ليكون الانتهاء عن أذاهم أسرع امتثالا وإلا فحكم الله المطرد في عدله أنه لا يعاقب على الإرادة انتهى قلت وفي رواية لأحمد من أهان قريشا أهانه الله عز وجل قوله هذا حديث غريب وأخرجه أحمد والحاكم قال المناوي وإسناده جيد قوله والمؤمل بن إسماعيل البصري
[ 280 ]
قوله لا يبغض الأنصار أي جميعهم أو جنسهم قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه الطبراني وزاد ولا يحب ثقيفا رجل يؤمن بالله واليوم الآخر قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني يحيى بن عثمان بن صالح السهمي وهو صدوق وفيه خلاف لا يضر انتهى وأخرجه مسلم في صحيحه عن أبيه هريرة وأبي سعيد قوله (حدثنا أبو يحيى الحماني) بكسر المهملة وتشديد الميم اسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن (عن طارق بن عبد الرحمن) البجلي الأحمسي الكوفي صدوق له أوهام من الخامسة قوله (اللهم أذقت أول قريش) أي يوم بدر والأحزاب (نكالا) بفتح النون أي عذابا بالقتل والقهر وقيل بالقحط والغلاء (فأذق آخرهم نوالا) أي إنعاما وعطاء وفتحا من عندك وقال في اللمعات لعل المراد بالنكال ما أصاب أوائلهم بكفرهم وإنكارهم على رسول الله من الخزي والعذاب والقتل وبالنوال وما حصل لأواخرهم من العزة والملك والخلافة والإمارة ما لا يحيط بوصفه البيان انتهى قوله (حدثنا عبد الوهاب الوراق) هو عبد الوهاب بن عبد الحكم قوله (أخبرنا إسحاق بن منصور) السلولي (عن جعفر الأحمر) هو جعفر بن زياد الأحمر الكوفي صدوق يتشيع من السابعة
[ 281 ]
قوله (ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار) ظاهره تخصيص طلب المغفرة إلى مرتبتين الأبناء وأبناء الأبناء ولو حمل على آخر مراتب الأبناء بالغا ما بلغ إلى مدة بقائهم لم يبعد بل لو حمل الأبناء على معنى الأولاد كان له وجه كذا في اللمعات قلت ويؤيد هذا الأخير رواية أنس المتقدمة بلفظ اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) ورواه مسلم من طريق عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن أنسا حدثه أن رسول الله استغفر للأنصار قال وأحسبه قال ولذراري الانصار ولموالى الانصار لا شك فيه (باب ما جاء في أي دور الأنصار خير) الدور بالضم جمع دار وهي المنازل المسكونة والمحال وتجمع أيضا على ديار وأراد بها هنا القبائل وكل قبيلة اجتمعت في محلة سميت تلك المحلة دارا وسمي ساكنوها بها مجازا على حذف المضاف أي أهل الدور كذا في النهاية قوله (ألا أخبركم بخير دور الأنصار) أي أفضل قبائلهم قال النووي وكانت كل قبيلة منها تسكن محلة فتسمى تلك المحلة دار بني فلان ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان من غير ذكر الدار قال العلماء وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه وفي هذا دليل لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى ولا يكون هذا غيبة انتهى (أو بخير الأنصار) أو للشك من الراوي (بنو النجار) بفتح النون وتشديد الجيم هم من الخزرج والنجار هو تيم الله وسمي بذلك لأنه ضرب رجلا فنجره فقيل له النجار وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن
[ 282 ]
الخزرج أخو الأوس ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء (ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل) هم من الأوس وهو عبد الأشهل بن جشيم بن الحرث بن الخزرج الأصفر بن عمرو بن مالك ابن الأوس بن حارثة (ثم الذين يلونهم بنو الحارث بن الخزرج) أي الأكبر أي ابن عمرو بن مالك بن الأوس المذكور بن حارثة (ثم الذين يلونهم بنو ساعدة) هم من الخزرج المذكور أيضا وساعدة هو ابن كعب بن الخزرج الأكبر (ثم قال بيديه) أي أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما (كالرامي بيديه) أي كالذي يرمي الشئ بيديه فإنه يقبض أصابعه على الشئ ثم يبسطهن (وفي دور الأنصار كلها خير) أي فضل بالنسبة إلى غيرهم من أهل المدينة وهو تعميم بعد تخصيص قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وفي كل دور الأنصار خير) المذكور في هذا الحديث لفظ خير في الموضعين الأول قوله خير دور الأنصار ولفظ خير فيه بمعنى أفعل التفضيل أي أفضل دور الأنصار والثاني قوله هذا ولفظ خير فيه على أصله أي في كل دور الأنصار خير وإن تفاوتت مراتبهم (فقال سعد) أي ابن عبادة وهو من بني ساعدة وكان كبيرهم يومئذ (ما أرى) بفتح الهمزة من الرؤية وهي من إطلاقها على المسموع ويحتمل أن يكون من الاعتقاد ويجوز ضمها بمعنى الظن (إلا قد فضل علينا) أي قد فضل النبي صلى الله عليه وسلم علينا بعض القبائل وإنما قال ذلك لأنه من بني ساعدة ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم بني ساعدة إلا بكلمة ثم بعد ذكره القبائل الثلاثة وفي رواية لمسلم وبلغ ذلك سعد بن عبادة فوجد في نفسه وقال خلفنا فكنا آخر الأربع أسرجوا إلي حماري آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ابن أخيه
[ 283 ]
سهل فقال أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أو ليس حسبك أن تكون رابع أربع فرجع وقال الله ورسوله أعلم وأمر بحماره فحل عنه (فقيل) قال الحافظ لم أقف على اسم الذي قال له ذلك ويحتمل أن يكون هو ابن أخيه سهل (قد فضلكم علي كثير) أي على كثير من القبائل الغير المذكورين من الأنصار قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي (وأبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السين المهملة مصغرا (اسمه مالك بن ربيعة) بن البدن بفتح الموحدة والدال المحملة بعدها نون مشهور بكنيته شهد بدرا وغيرها ومات سنة ثلاثين وقيل بعد ذلك حتى قال المدائني مات سنة ستين قال هو آخر من مات من البدريين قوله (عن مجالد) هو ابن سعيد الهمداني (خير ديار الأنصار بنو النجار) أي أفضل قبائلهم قبيلة بني النجار فإن قلت رواية جابر هذه مخالفة لروايته التي بعدها بلفظ خير الأنصار بنو عبد الأشهل فكيف التوفيق بينهما قلت في الرواية الثانية من مقدرة أي من أفضل قبائل الأنصار قبيلة بني عبد الأشهل
[ 284 ]
(باب ما جاء في فضل المدينة) قوله (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن عمرو بن سليم) الزرقي (عن عاصم بن عمرو) بالواو ويقال عاصم بن عمر بغير الواو حجازي مدني ثقة من الثالثة قوله (حتى إذا كان بحرة السقيا) بضم السين المهملة وسكون القاف موضع بين المدينة ووادي الصفراء والحرة بفتح المهملة أرض ذات حجارة سود (ائتوني بوضوء) بفتح الواو أي بماء الوضوء (إن إبراهيم كان عبدك وخليلك) من الخلة وهي الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فملأنه (ودعا لأهل مكة بالبركة) بقوله وارزقهم من الثمرات الاية (وأنا عبدك ورسولك) لم يذكر الخلة لنفسه مع أنه خليل أيضا تواضعا ورعاية للأدب مع أبيه (أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم) أي فيما يكال بهما بركة (مثلي ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) أي أدعوك أن تضاعف لهم البركة ضعفي ما باركته لأهل مكة بدعاء إبراهيم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد قوي كذا في الترغيب وأخرجه أيضا أحمد قوله (وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن زيد وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما حديث عبد الله بن زيد وهو ابن عاصم فأخرجه مسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر من أبواب الدعوات
[ 285 ]
قوله (أخبرنا أبو نباتة) بنون مضمومة فموحدة ومثناة (يونس بن يحيى بن نباتة) الأموي المدني صدوق من التاسعة أخبرنا سلمة بن وردان الليثي (عن أبي سعيد بن أبي المعلى) بضم الميم وفتح اللام المشددة ويقال ابن المعلى المدني مقبول من الثالثة قوله (ما بين بيتي ومنبري) وقع في حديث سعد بن أبي وقاص عند البزار بسند رجاله ثقات وعند الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ القبر فعلى هذا المراد بالبيت في قوله بيتي أحد بيوته لا كلها وهو بيت عائشة الذي صار فيه قبره وقد رد الحديث بلفظ ما بين المنبر وبيت عائشة روضة من رياض الجنة أخرجه الطبراني (روضة من رياض الجنة) أي كروضة من رياض الجنة في نزول الرحمة وحصول السعادة بما يحصل من ملازمة حلق الذكر لاسيما في عهده فيكون تشبها بغير أداة أو المعنى أن العبادة فيها تؤدي إلى الجنة فيكون مجازا أو هو على ظاهره وأن المراد أنه روضة حقيقة بأن ينتقل ذلك الموضع بعينه في الاخرة إلى الجنة هذا محصل ما أوله العلماء في هذا الحديث وهو على ترتيبها هذا في القوة قوله (عن كثير بن زيد) هو الأسلمي المدني (عن الوليد بن رباح) الدوسي المدني مولى ابن أبي بن ذباب صدوق من الثالثة قوله (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة) زاد الشيخان من طريق حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة ومنبري على حوضي قال الحافظ أي ينقل يوم القيامة فينصب على الحوض قال الأكثر المراد منبره بعينه الذي قال هذه المقالة وهو فوقه وقيل المراد المنبر الذي يوضع له يوم القيامة والأول أظهر وقيل معناه إن قصد منبره والحضور عنده لملازمة الأعمال الصالحة يورد صاحبه إلى الحوض ويقتضي شربه منه
[ 286 ]
قوله (صلاة في مسجدي هذا الخ) تقدم شرح هذا الحديث في باب أي المساجد أفضل من أبواب الصلاة قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (عن أيوب) هو السختياني قوله (من استطاع) أي قدر (أن يموت بالمدينة) أي يقيم بها حتى يدركه الموت ثمت (فليمت بها) أي فليقم بها حتى يموت فهو حث على لزوم الإقامة بها (فإني أشفع لمن يموت بها) أي أخصه بشفاعتي غير العامة زيادة في إكرامه قال الطيبي أمر له بالموت بها وليس ذلك من استطاعته بل هو إلى الله تعالى لكنه أمر بلزومها وا قامة بها بحيث لا يفارقها فيكون ذلك سببا لأن يموت فيها فأطلق المسبب وأراد السبب كقوله تعالى فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قوله (وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية) أخرجه الطبراني في الكبير بنحو حديث ابن عمر قال المنذري ورواته محتج بهم في الصحيح إلا عبد الله بن عكرمة روى عنه جماعة ولم يجرحه أحد وقال البيهقي هو خطأ وإنما هو عن صميته كما تقدم انتهى قلت أشار بقوله ما تقدم إلى حديث صميتة امرأة من بني ليث أنها سمعت رسول الله يقول من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها الحديث أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي
[ 287 ]
قوله (حدثنا محمد بن عبد الأعلى) هو الصنعاني (سمعت عبيد الله بن عمر) العمري قوله (اشتد علي) بتشديد الياء (الزمان) بالرفع والمعنى أصابتني شدة وجهد (وإني أريد أن أخرج إلى العراق) بكسر العين ككتاب اسم بلاد تمتد من عبادان إلى الموصل طولا ومن القادسية إلى حلوان عرضا (فهلا) كلمة تحضيض مركبة من هل ولا فإن دخلت على الماضي كانت للوم على ترك الفعل نحو هلا آمنت وإن دخلت على المضارع كانت للحث على الفعل نحو هلا تؤمن (إلى الشام أرض المنشر) أي موضع النشور وهي الأرض المقدسة من الشام يحشر الله الموتى إليها يوم القيامة وهي أرض المحشر (واصبري لكاع) بفتح اللام وأما العين فمبنية على الكسر قال أهل اللغة يقال امرأة لكاع ورجل لكع بضم اللام وفتح الكاف ويطلق ذلك على اللئيم وعلى العبد وعلى الغبي الذي لا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير وخاطبها ابن عمر بهذا إنكارا عليها لا دلالة عليها لكونها ممن ينتمي إليه ويتعلق به وحثها على سكني المدينة لما فيه من الفضل (من صبر على شدتها ولأوائها) مهموزا وممدودا قال في النهاية اللأواء الشدة وضيق المعيشة (كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة) قال القاضي عياض قال بعض شيوخنا أو هنا للشك والأظهر عندنا أنها ليست للشك لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن النبي بهذا اللفظ ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة بل الأظهر أنه قاله هكذا فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة وهكذا وإما أن يكون أو للتقسيم يكون شهيدا لبعض أهل المدينة وشفيعا لباقيهم إما شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين وإما شهيدا لمن مات في حياته وشفيعا لمن مات بعده أو غير ذلك قال القاضي وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيامة وعلى شهادته على جميع الأمة وقد قال في شهداء أحد أنا شهيد على هؤلاء فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزية وزيادة منزلة وحظوة قال وقد يكون بمعنى الواو فيكون لأهل المدينة شفيعا وشهيدا ذكره النووي في شرح مسلم
[ 288 ]
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه مسلم (وسفيان بن أبي زهير) أخرجه الشيخان والنسائي (وسبيعة الأسلمية) تقدم تخريجه قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم قوله (حدثنا أبي جنادة) بضم الجيم وبالنون وبإهمال الدال (بن سلم) بفتح السين المهملة وسكون اللام ابن خالد بن جابر بن سمرة السوائي أبو الحكم الكوفي صدوق له أغلاط من التاسعة قوله (آخر قرية من قرى الإسلام خرابا) مبتدأ وخبره قوله (المدينة) ويجوز عكسه والمراد بالمدينة المدينة النبوية وهي علم لها بالغلبة فلا يستعمل معرفا إلا فيها وفي الحديث إشارة إلى أن عمارة الإسلام منوطة بعمارتها وهذا ببركة وجوده فيها صلى الله عليه وآله وسلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان (لا نعرفه إلا من حديث جنادة عن هشام) وقع في بعض النسخ بعد هذا قال تعجب محمد بن إسماعيل من حديث أبي هريرة هذا قال المناوي في شرح الجامع الصغير وذكر أي الترمذي في العلل أنه سأل عنه البخاري فلم يعرفه وتعجب منه قوله (أن أعرابيا بايع رسول الله على الإسلام) من المبايعة وهي عبارة عن المعاقدة على الإسلام والمعاهدة كأن كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خلاصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره (فأصابه وعك) بفتح الواو وسكون العين المهملة وقد تفتح بعدها كاف الحمى وقبل ألمها وقيل إرعادها (أقلني بيعتي) استعارة من إقالة البيع وهو إبطاله (فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال
[ 289 ]
النووي في شرح مسلم قال العلماء إنما لم يقله النبي بيعته لأنه لا يجوز لمن أسلم أن يترك الإسلام ولا لمن هاجر إلى النبي للمقام عنده أن يترك الهجرة ويذهب إلى وطنه أو غيره قالوا وهذا الأعرابي كان ممن هاجر وبايع النبي على المقام معه قال القاضي ويحتمل أن بيعة هذا الأعرابي كانت بعد فتح مكة وسقوط الهجرة عليه وإنما بايع على الإسلام وطلب الإقالة منه فلم يقله والصحيح الأول انتهى (فخرج الأعرابي) أي من عند النبي (ثم جاءه) أي ثانيا (فخرج الأعرابي) أي من المدينة راجعا إلى البدو (إنما المدينة كالكير) قال في النهاية الكير بالكسر كير الحداد وهو المبني من الطين وقيل الزق الذي ينفخ به النار والمبني الكور انتهى (تنفي خبثها) بفتح المعجمة والموحدة هو ما تلقيه من وسخ الفضة والنحاس وغيرهما إذا أذيبا والمعنى تطرد المدينة من لا خير فيه وتخرجه (وتنصع) من باب التفعيل والأفعال أي تخلص (طيبها) بالنصب على المفعولية وهو بفتح الطاء وتشديد التحتية جعل مثل المدينة وما يصيب ساكنيها من الجهد والبلاء كمثل الكير وما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب فيه أذكى ما كان وأخلص قال النووي في شرح مسلم قال القاضي الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي لأنه لم يكن يصبر على الهجرة والمقام معه إلا من ثبت إيمانا وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك أقلني بيعتي هذا كلام القاضي وهذا الذي أدعي أنه الأظهر ليس بالأظهر لأن في هذا الحديث الأول في صحيح مسلم أنه قال لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد وهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في أحاديث الدجال أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله منها كل كافر منافق فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ويحتمل أنه في أزمان متفرقة انتهى وقال ابن المنير ظاهر هذا الحديث ذم من خرج من المدينة وهو مشكل فقد خرج منها جمع كثير من الصحابة وسكنوا غيرها من البلاد وكذا من بعدهم من الفضلاء والجواب أن المذموم من خرج عنها كراهة فيها ورغبة عنها كما فعل الأعرابي المذكور وأما المشار إليهم فإنما خرجوا لمقاصد صحيحة كنشر العلم وفتح بلاد الشرك والمرابطة في الثغور وجهاد الأعداء وهم مع ذلك على اعتقاد فضل المدينة وفضل سكناها
[ 290 ]
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الشيخان والنسائي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي قوله (لو رأيت الظباء) جمع ظبي (ترتع) أي ترعى وقيل معناه تسعى وتنشط (ما ذعرتها) أي ما أخفتها وما نفرتها وهو بالذال المعجمة والعين المهملة يقال ذعرته أذعره ذعرا أفزعته وقد ذعر فهو مذعور وكني بذلك عن عدم صيدها (ما بين لابتيها) أي لابتي المدينة قال أهل اللغة وغريب الحديث اللابتان الحرتان واحدتهما لابة وهي الأرض الملبسة حجارة سودا وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما ويقال لابة ولوبة ونوبة بالنون ثلاث لغات مشهورات قاله النووي (حرام) قال القاري أي محترم ممنوع مما يقتضي إهانة الموضع المكرم وعند الشافعية الحرام بمعنى الحرم قلت قول الشافعية بأن المراد بالحرام هنا الحرم وهو المعتمد يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة قوله (وفي الباب عن سعد وعبد الله بن زيد وأنس وأبي أيوب الخ) أما حديث سعد وحديث عبد الله بن زيد فأخرجهما مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الطحاوي وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أحمد وأما حديث رافع بن خديج وجابر وسهل بن حنيف فأخرجهما مسلم وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في شرح البخاري في باب حرم المدينة في أواخر الحج قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي
[ 291 ]
قوله (طلع له أحد) أي ظهر (هذا حبل يحبنا) قال النووي الصحيح المختار أن معناه أن أحدا يحبنا حقيقة جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به كما قال سبحانه وتعالى وإن منها لما يهبط من خشية الله وكما حن الجذع اليابس وكما سبح الحصى وكما في الحجر بثوب موسى قال وهذا وما أشبهه شواهد لما اخترناه واختاره المحققون في معنى الحديث وإن أحدا يحبنا حقيقة وقيل المراد يحبنا أهله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه انتهى (إن إبراهيم حرم مكة) نسبة التحريم إلى إبراهيم باعتبار دعائه وسؤاله ذلك فلا ينافي ما ورد أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس (وإني أحرم ما بين لابتيها) معناه اللابتان وما بينهما والمراد تحريم المدينة ولابتيها قاله النووي واحتج بهذا الحديث وما في معناه محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق وقالوا المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم خلافا لابن أبي ذئب فإنه قال يجب الجزاء وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي وقال في القديم من اصطاد في المدينة صيدا أخذ سلبه ويروي فيه أثرا عن سعد وقال في الجديد بخلافه وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد ليس للمدينة حرم كما كان لمكة فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها كذا في شرح البخاري للعيني واحتج الطحاوي بحديث أنس في قصة أبي عمير ما فعل النفير وقال لو كان صيدها حراما ما جاز حبس الطير وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل قال أحمد من صاد من الحل ثم أدخله المدينة لم يلزمه إرساله لحديث أبي عمير وهذا قول الجمهور لكن لا يرد ذلك على الحنفية لأن صيد الحل عندهم إذا دخل الحرم كان له حكم الحرم ويحتمل أن تكون قصة أبي عمير كانت قبل التحريم واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد ولو كان قطع شجرها حراما ما فعله وتعقب بأن ذلك كان في أول الهجرة وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من خيبر كما
[ 292 ]
يدل عليه حديث أنس يقول خرجت مع رسول الله إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي راجعا وبدا له أحد قال هذا جبل يحبنا ونحبه ثم أشار بيده إلى المدينة قال اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة اللهم بارك في صاعنا ومدنا رواه البخاري في باب فضل الخدمة في الغزو وقال الطحاوي يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى ابن عمر أن النبي نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة فلما انقعت الهجرة زال ذلك وما قاله ليس بواضح لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل وقد ثبت على الفتوى بتحريمها سعد وزيد بن ثابت وأبو سعيد وغيرهم كما أخرجه مسلم كذا في الفتح والقول الراجح المعول عليه قول من قال أن المدينة حرما كما أن لمكة حرما يدل عليه أحاديث كثيرة صحيحة صريحة وهو قول الجمهور قوله (حدثنا الحسين بن حريث) المروزي (أخبرنا الفضل بن موسى) السيناني (عن عيسى بن عبيد) الكندي المروزي (عن غيلان بن عبد الله العامري) لين من السابعة (عن جرير بن عبد الله) البجلي قوله (أي هؤلاء الثلاثة) منصوب على الظرفية لقوله (نزلت) أي للإقامة بها والاستيطان فيها (المدينة) بالجر على البدلية من الثلاثة (أو البحرين) موضع بين بصرة وعمان وقيل بلاد معروفة باليمن وقال الطيبي جزيرة ببحر عمان (أو قنسرين) بكسر القاف وفتح النون الأولى المشددة ويكسر بلد بالشام وهو غير منصرف قال القاري هذا الحديث مشكل فإن التي رآها وهو بمكة أنها دار هجرته وأمر بالهجرة إليها هي المدينة كما في الأحاديث التي أصح من هذا وقد يجمع بأنه أوحي إليه بالتخيير بين تلك الثلاثة ثم عين له إحداها وهي أفضلها انتهى قلت وفي حديث أبي موسى عند البخاري عن النبي رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وعلى أنها اليمامة أو حجر فإذا هي المدينة يثرب قاله الحافظ ووقع
[ 293 ]
عند البيهقي من حديث صهيب رفعه أريت دار هجرتكم سخية بين ظهراني حرتين فإما أن تكون هجرا أو يثرب ولم يذكر اليمامة وللترمذي من حديث جرير قال قال رسول الله إن الله تعالى أوحى إلى أي هؤلاء الثلاثة نزلت فذكر الحديث ثم قال استغربه الترمذي وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر اليمامة لأن قنسرين من أرض الشام من جهة حلب بخلاف اليمامة فإنها إلى جهة اليمن إلا أن حمل على اختلاف المأخذ فإن الأول جرى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بالوحي فيحتمل أن يكون أرى أولا ثم خير ثانيا فاختار المدينة انتهى قوله (هذا حديث غريب) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة غيلان بن عبد الله العامري ذكره ابن حبان في الثقات وقال روى عن أبي زرعة عن جرير حديثا منكرا وأخرجه الترمذي وقال غريب انتهى (لا نعرفه إلا من حديث الفضل بن موسى تفرد به أبو عامر) كذا في النسخ الموجودة تفرد به أبو عامر والظاهر عندي أن يكون تفرد به أبو عمار وهو كنية الحسين بن حريث وأما أبو عامر فليس هو كنية له ولا لأحد من رواة هذا الحديث قوله (إلا كنت له شفيعا أو شهيدا) تقدم شرحه قريبا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وغيره (وصالح بن أبي صالح أخو سهيل بن أبي صالح) أي صالح بن أبي صالح المذكور هو أخو سهيل بن أبي صالح ذكوان السمان ثقة من الخامسة قال في تهذيب التهذيب في ترجمته له في صحيح مسلم حديث واحد في فضل المدينة استغربه الترمذي وحسنه انتهى
[ 294 ]
(في فضل مكة) قوله (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن عقيل) بضم العين (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن عدي بن حمراء) الزهري قيل إنه ثقفي حالف بني زهرة صحابي له حديث في فضل مكة قاله الحافظ في التقريب قوله (واقفا على الحزورة) بالحاء المهملة والزاي قال الطيبي على وزن القسورة موضع بمكة وبعضهم شددها والحزورة في الأصل بمعنى التل الصغير سميت بذلك لأنه كان هناك تل صغير وقيل لأن وكيع بن سلمة بن زهير بن إياد كان ولي أمر البيت بعد جرهم فبنى صرحا كان هناك وجعل فيها أمة يقال لها حزورة فسميت حزورة مكة بها انتهى (فقال) أي مخاطبا للكعبة وما حولها من حرمها (ولولا أني أخرجت منك) أي بأمر من الله (ما خرجت) فيه دلالة على أنه لا ينبغي للمؤمن أن يخرج من مكة إلا أن يخرج منها حقيقة أو حكما وهو الضرورة الدينية أو الدنيوية قال القاري وأما خبر الطبراني المدينة خير من مكة فضعيف بل منكر واه كما قاله الذهبي وعلى تقدير صحته يكون محمولا على زمانه لكثرة الفوائد في حضرته وملازمة خدمته لأن شرف المدينة ليس بذاته بل بوجوده عليه الصلاة والسلام فيه ونزوله مع بركاته وأيضا نفس المدينة ليس أفضل من مكة اتفاقا إذ لا تضاعف فيه أصلا بل المضاعفة في المسجدين ففي الحديث الصحيح الذي قال الحفاظ على شرط الشيخين صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره من المساجد إلا المسجد الحرام صلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجدي هذا بمائة ألف صلاة وصح عن ابن عمر موقوفا وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال مثله بالرأي صلاة واحدة بالمسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وسلام انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه (وحديث
[ 295 ]
الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن حمراء عندي أصح) لأن الزهري أحفظ وأوثق من محمد بن عمرو ومحمد بن عمر وهذا هو ابن علقمة بن وقاص الليثي روى عن أبيه وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهما صدوق له أوهام قلت روى هذا الحديث أيضا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ففي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم على الحزورة فقال علمت أنك خير أرض الله الحديث فالظاهر أن كلا الحديثين صحيحان وليس أحدهما أصح من الاخر قوله (حدثنا محمد بن موسى البشري) الحرشي (أخبرنا الفضيل بن سليمان) النميري أبو سليمان البصري صدوق له خطأ كثير من الثامنة (وأبو الطفيل) اسمه عامر بن وائلة الليثي قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة) أي خطابا لها حين وداعها وذلك يوم فتح مكة (ما أطيبك من بلد) صيغة تعجب (وأحبك إلي) عطف عليه والأولى بالنسبة إلى حد ذاتها أو للإطلاق والثانية للتخصيص (ولولا أن قومي أخرجوني) أي صاروا سببا لخروجي (ما سكنت غيرك) هذا دليل للجمهور على أن مكة أفضل من المدينة خلافا للإمام مالك رحمه الله وقد صنف السيوطي رسالة في هذه المسألة (في فضل العرب) بالتحريك اسم لهذا الجيل المعروف من الناس ولا واحد له من لفظه وسواء أقام بالبادية أو
[ 296 ]
المدن والنسبة إليه عربي قاله في النهاية وقال في القاموس العرب بالضم وبالتحريك خلاف العجم مؤنث وهم سكان الأمصار أو أعم والأعراب منهم سكان البادية لا واحد له قوله (عن سلمان) أي الفارسي (لا تبغضني فتفارق دينك) بالنصب على جواب النهي كما صرح به زين العرب (كيف أبغضك) أي كيف يتصور مني أني أبغضك وأنت حبيب الله ومحبوب أمتك (وبك هدانا الله) أي إلى الإسلام (قال تبغض العرب فتبغضني) أي حين تبغض العرب عموما فتبغضني في ضمنهم خصوصا أو إذا أبغضت جنس العرب فربما يجر ذلك إلى بغضك إياي نعوذ بالله من ذلك والحاصل أن بغض العرب قد يصير سببا لبغض سيد الخلق فالحذر الحذر كيلا يقع في الخطر قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الله بن الأسود) الحارثي أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق من التاسعة ووقع في النسخة الأحمدية عبد الله بن عبد الله بن أبي الأسود وهو غلط (عن مخارق بن عبد الله) ويقال مخارق بن خليفة الأحمسي الكوفي ثقة من الثالثة قوله (من غش العرب) أي خانهم والغش ضد النصح من الغش وهو المشرب الكدر (لم يدخل في شفاعتي) أي الصغرى لعموم الكبرى (ولم تنله مودتي) أي لم تصبه محبتي إياه أو لم تصل ولم تحصل له محبته إياي وقال المناوي غش العرب أن يصدهم عن الهدى أو يحملهم على ما يبعدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فقد قطع الرحم بينهم وبينه فيحرم شفاعته ومودته وغش غير العرب حرام أيضا لكن غش العرب أعظم جرما انتهى
[ 297 ]
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (وليس حصين عند أهل الحديث بذاك القوي) قال الحافظ هو متروك قوله (حدثنا يحيى بن موسى) البلخي المعروف بخت (أخبرنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي (أخبرنا محمد بن أبي رزين) مقبول من الثامنة (عن أمه) هي مجهولة (قالت) أي أم محمد بن أبي رزين (كانت أم الحرير) بالتصغير وقيل بفتح أولها لا يعرف حالها من الرابعة قاله الحافظ وقال الذهبي أم الحرير عن مولاها طلحة بن مالك لا تعرف وعنها امرأة لم تسم انتهى قلت المرأة التي روت عنها غير مسماة هي أم محمد بن أبي رزين قوله (من اقتراب الساعة) أي من علامات قرب القيامة (هلاك العرب) أي مسلمهم أو جنسهم وفيه إيماء إلى أن غيرهم تابع لهم ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس بل ولا يكون في الأرض من يقول الله كذا في المرقاة قوله (ومولاها طلحة بن مالك) الخزاعي أو السلمي صحابي نزل البصرة قال ابن السكن ليس يروي عنه إلا هذا الحديث يعني حديث الباب قوله (هذا حديث غريب) ومع غرابته ضعيف لجهالة أم محمد بن أبي رزين وأم الحرير قوله (حدثنا حجاج بن محمد) المصيصي الأعور (حدثتني أم شريك) العامرية ويقال
[ 298 ]
الدوسية ويقال الأنصارية اسمها غزية ويقال غزيلة صحابية يقال هي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم قوله (ليفرن) أي ليهربن (الناس) أي المؤمنون (من الدجال) أي عند خروجه في آخر الزمان (وأين العرب) وفي بعض النسخ فأين العرب بالفاء قال الطيبي الفاء فيه جزاء شرط محذوف أي إذا كان هذا حال الناس فأين المجاهدون في سبيل الله الذابون عن حريم الإسلام المانعون عن أهله صولة أعداء الله فكنى عنهم بها (قال هم) أي العرب (قليل) أي حينئذ فلا يقدرون عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش) والثلاثة أولاد نوح لصلبه قوله (هذا حديث حسن) تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في تفسير سورة الصافات (ويقال يافث) بكسر الفاء وبالمثلثة (ويافث) بكسر الفاء وبالمثناة الفوقية (ويفث) أي بحذف الألف وبالمثلثة (فضل العجم) بالتحريك ضد العرب قوله (ذكرت الأعاجم) أي بالمدح أو الذم (لأنا بهم أو ببعضهم أوثق) أي أرجى في
[ 299 ]
الإعتماد على طلب الدين (مني بكم أو ببعضكم) قال المظهر أنا مبتدأ وأوثق خبره ومني صلة أوثق والباء في بهم مفعوله وأو عطف على بهم والباء في بكم مفعول فعل مقدر يدل عليه أوثق وأو في أو ببعضكم عطف على بكم إما متعلق أيضا بأوثق إذ هو في قوة الوثوق وزيادة فكأنه فعلان جاز أن يعمل في مفعولين أو بآخر دل عليه الأول والمعنى وثوقي واعتمادي بهم أو ببعضهم أكثر من وثوقي بكم أو ببعضكم قال الطيبي الأول من باب العطف على الانسحاب والثاني من باب العطف على التقدير والمخاطبون بقوله بكم أو ببعضكم قوم مخصوصون دعوا إلى الإنفاق في سبيل الله فتقاعدوا عنه فهو كالتأنيب والتعيير عليهم ويدل عليه قوله تعالى إن تتولوا يستبدل قوما غيركم فإنه جاء عقيب قوله تعالى ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل يعني أنتم هؤلاء المشاهدون بعد ممارستكم الأحوال وعلمكم بأن الإنفاق في سبيل الله خير لكم تدعون إليه فتثبطون عنه وتتولون فإن استمر توليكم يستبدل الله قوما غيركم بذالون لأرواحهم وأموالهم في سبيل الله ولا يكونوا أمثالكم في الشح المبالغ فهو تعريض وبعث لهم على الإنفاق فلا يلزم منه التفضيل قال القاري إن كان مراده أنه لا يلزم التفضيل مطلقا فهو خلاف الكتاب والسنة مع أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وإن كان مراده لا يلزم التفضيل المطلق فهو صحيح إذ يدل على أنهم في بعض الصفات أفضل من العرب ولا بدع أن يوجد في المفضول زيادة فضيلة بالنسبة إلى بعض فضائل الفاضل فجنس العرب أفضل من جنس العجم بلا شبهة وإنما الكلام في بعض الأفراد قوله (وصالح هو ابن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء قال في التقريب صالح بن أبي صالح الكوفي مولى عمرو بن حريث واسم أبيه مهران ضعيف من الرابعة قوله (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت سورة الجمعة الخ) تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في تفسير سورة الجمعة وتقدم هناك شرحه
[ 300 ]
(في فضل اليمن) قال الإمام البخاري في صحيحه سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة والشام لأنها عن يسار الكعبة والمشأمة الميسرة قال الحافظ قوله سميت اليمن لأنها عن يمين الكعبة هو قول أبي عبيدة قاله في تفسير الواقعة وروى عن قطرب قال إنما سمى اليمن يمنا ليمنه والشام شاما لشؤمه وقال الهمداني في الأنساب لما ظعنت العرب العاربة أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنو فقالت العرب تيامنت بنو قطن فسموا اليمن وتشاءم الاخرون فسموا شاما وقيل إن الناس لما تفرقت ألسنتهم حين تبلبلت ببابل أخذ بعضهم عن يمين الكعبة فسموا يمنا وأخذ بعضهم عن شمالها فسموا شاما وقيل إنما سميت اليمن بيمن بن قحطان وسميت الشام بسام بن نوح وأصله شام بالمعجمة ثم عرب بالمهملة انتهى قوله (نظر قبل اليمن) بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جانبه (اللهم أقبل) أمر من الإقبال والباء في قوله (بقلوبهم) للتعدية والمعنى اجعل قلوبهم مقبلة إلينا وإنما دعى بذلك لأن طعام أهل المدينة كان يأتيهم من اليمن ولذا عقبه ببركة الصاع والمد لطعام يجلب لهم من اليمن فقال (وبارك لنا في صاعنا ومدنا) أراد بهما الطعام المكتال بهما فهو من باب إطلاق الظرف وإرادة المظروف أو المضاف مقدر أي طعام صاعنا ومدنا قال التوربشتي وجه التناسب بين الفصلين إن أهل المدينة ما زالوا في شدة من العيش وعوذ من الزاد لا تقوم أقواتهم لحاجتهم فلما دعا الله بأن يقبل عليهم بقلوب أهل اليمن إلى دار الهجرة وهم الجم الغفير دعا الله بالبركة في طعام أهل المدينة
[ 301 ]
ليتسع على القاطن بها والقادم عليها فلا يسأم المقيم من القادم عليه ولا تشق الإقامة على المهاجر إليها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قوله (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف قوله (هم أضعف قلوبا) وفي رواية لمسلم هم ألين قلوبا (وأرق أفئدة) جمع فؤاد وأرق أفعل التفضيل من الرقة وهي ضد القساوة قال النووي المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب بلفظين وهو أولى من تكريره بلفظ واحد وقيل الفؤاد غير القلب وهو عين القلب وقيل باطن القلب وقيل غشاء القلب وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها قلوب الاخرين قوله (الإيمان يمان والحكمة يمانية) وقع في رواية لمسلم الإيمان يمان والفقه يمان والحكمة يمانية قال الحافظ في الفتح ظاهره نسبة الايمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمنى فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها وقوله يمانية هو بالتخفيف وحكى ابن السيد في الاقتضاب أن التشديد لغة وحكى الجوهري وغيره أيضا عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد يمانيا يظل يشدكيرا وينفخ دائما لهب الشواط واختلف في المراد به فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأن مبدأه منها ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة وقيل المراد نسبة الإيمان إلى مكة والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي صلى الله عليه وسلم وهو حينئذ بتبوك ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم والإيمان في أهل الحجاز وقيل المراد بذلك الأنصار لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب الحديث له وتعقبه ابن
[ 302 ]
الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم ومن اتصف بشئ وقوي قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه ولا يلزم من ذلك نفي الإيمان عن غيرهم وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين لقوله في بعض طرقه في الصحيح أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية ورأس الكفر قبل المشرق ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه قال والمراد بالفقه الفهم في الدين والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله انتهى ما في الفتح وقال النووي في شرح مسلم نقلا عن ابن الصلاح في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائلها على بعض صفات الحكمة وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصد عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك وقال أبو بكر بن دريد كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم إن من الشعر حكمة وفي بعض الروايات حكما انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي مسعود) أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح قاله الهيثمي وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان ووقع في بعض النسخ ابن مسعود مكان أبي مسعود وأخرج حديثه الطبراني عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإيمان يمان ومضر عند أذناب الابل وفيه عيسى بن قرطاس وهو متروك قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا زيد بن حباب) هو أبو الحسين العكلي أخبرنا (معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي (أخبرنا أبو مريم الأنصاري) ويقال الحضرمي خادم المسجد بدمشق أو حمص قيل اسمه عبد الرحمن بن صاغر ويقال هو مولى أبي هريرة ثقة من الثانية
[ 303 ]
وقوله (الملك في قريش) بضم الميم أي الخلافة فيهم وقد تقدم الكلام عن هذه المسألة في باب الخلفاء من قريش من أبواب الفتن (والقضاء في الأنصار) أي الحكم الجزئي تطيبا لقلوبهم لأنهم آووا ونصروا وبهم قام عمود الإسلام وفي بلدهم تم أمره واستقام وبنيت المساجد وجمعت الجماعات ذكره ابن الملك وقال في الأزهار قيل المراد بالقضاء النقابة لأن النقباء كانوا منهم وقيل القضاء الجزئي وقيل لأنه صلى الله عليه وسلم قال أعلمكم بالحلال والحرام معاذ وقيل القضاء المعروف لبعثه صلى الله عليه وسلم معاذا قاضيا إلى اليمن انتهى قال القاري والأخير هو الأظهر لقوله (والأذان في الحبشة) أي لأن رئيس مؤذنيه صلى الله عليه وسلم كان بلالا وهو حبشي (والأمانة في الأزد) بسكون الزاي أي أزد شنوءة وهم حي من اليمن ولا ينافي قول بعض الرواة (يعني اليمن) لكن الظاهر المتبادر من كلامه إرادة عموم أهل اليمن فإنهم أرق أفئدة وأهل أمن وإيمان وحديث أبي هريرة هذا أخرجه أيضا أحمد في مسنده قوله (وهذا أصح من حديث زيد بن حباب) لأن عبد الرحمن بن مهدي أوثق وأحفظ من زيد بن حباب قوله (حدثني عمي صالح بن عبد الكبير بن شعيب) بن الحجاب البصري المعولي مجهول من العاشرة (حدثني عمي عبد السلام بن شعيب) بن الحجاب البصري صدوق من التاسعة (عن أبيه) هو شعيب بن الحجاب الأزدي مولاهم أبو صالح البصري ثقة من الرابعة قوله (الأزد) أي أزد شنوءة في القاموس أزد بن الغوث وبالسين أفصح أبو حي باليمن ومن أولاده الأنصار كلهم (أزد الله) أي جنده وأنصار دينه قد أكرمهم الله بذلك فهم يضافون إليه (أن يضعوهم) أي يحقروهم ويذلوهم (ويأبى الله إلا أن يرفعهم) أي ينصرهم ويعزهم ويعليهم على أعداء دينهم قال القاضي يريد بالأزد أزد شنوءة وهو حي من اليمن أولاد أزد بن الغوث بن
[ 304 ]
ليث بن مالك بن كهلان بن سبأ وأضافهم إلى الله تعالى من حيث أنهم حزبه وأهل نصرة رسوله قال الطيبي قوله أزد الله يحتمل وجوها أحدها اشتهارهم بهذا الاسم لأنهم ثابتون في الحرب لا يفرون وعليه كلام القاضي وثانيها أن تكون الإضافة للاختصاص والتشريف كبيت الله وناقة الله على ما يدل عليه قوله يريد الناس أن يضعوهم إلخ وثالثها أن يراد بها الشجاعة والكلام على التشبيه أي الأسد أسد الله فجاء به إما مشاكلة أو قلب السين زايا انتهى قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا وتبعه صاحب الأزهار من شراح المصابيح لكن إنما يتم هذا لو كان الأسد بالفتح والسكون لغة في الأسد بفتحتين كما لا يخفى وهو ليس كذلك على ما يفهم من القاموس انتهى قوله (حدثنا محمد بن كثير) هو إما العبدي البصري أو الثقفي الصنعاني لم يتعين لي (حدثني غيلان بن جرير) المعولي الأزدي البصري ثقة من الخامسة قوله (فلسنا من الناس) أي الكاملين وأنس كان أنصاريا والأنصار كلهم من أولاد الأزد قوله (حدثنا أبو بكر بن زنجوية) اسمه محمد بن عبد الملك بن زنجوية (أخبرني أبي) هو همام بن نافع الحميري الصنعاني مقبول من السادسة (عن ميناء مولى عبد الرحمن بن عوف) قال في التقريب ميناء بكسر الميم وسكون التحتانية ثم نون ابن أبي ميناء الخزاز مولى عبد الرحمن بن عوف متروك ورمى بالرفض وكذبه أبو حاتم من الثانية ووهم الحاكم فجعل له صحبة انتهى
[ 305 ]
قوله (أحسبه) بكسر السين وفتحها أي أظنه (ألعن حميرا) بكسر فسكون ففتح هو ابن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو قبيلة من اليمن والمراد هنا القبيلة أي أدع عليهم بالبعد عن الرحمة (فأعرض عنه) أي عن الرجل بإدبار وجهه عنه (أفواههم سلام وأيديهم طعام) أي أفواههم لم تزل ناطقة بالسلام على كل من لقيهم وأيديهم لم تزل ممتدة بالطعام للجائع والضيف فجعل الأفواه والأيدي نفس السلام والطعام مبالغة وقيل أفواههم ذات سلام أو محل سلام وأيديهم ذات طعام فالمضاف مقدر لصحة العمل والمعنى أنهم يفشون السلام ويطعمون الطعام (وهم أهل أمن وإيمان) أي الناس امنون من أيديهم وألسنتهم وقلوبهم مملوءة بنور الإيمان قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (في غفار وأسلم وجهينة ومزينة) أما غفار فبكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي آخره راء وهم بنو غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وسبق منهم إلى الإسلام أبو ذر الغفاري وآخره أنيس ورجع أبو ذر إلى قومه فأسلم الكثير منهم وأما أسلم فسيأتي بيانهم وأما جهينة فبضم الجيم وفتح الهاء مصغرا وهم بنو جهينة بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة من مشهوري الصحابة منهم عقبة بن عامر الجهني وغيره واختلف في قضاعة فالأكثر أنهم من حمير فيرجع نسبهم إلى قحطان وقيل هم من ولد معد بن عدنان وأما مزينة فبضم الميم وفتح الزاي مصغرا وهو اسم امرأة عمرو بن أدبن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وهي مزينة بنت كلب بن وبرة وهي أم أوس وعثمان ابني عمرو فولد هذين يقال لهم بنو مزينة والمزينون ومن
[ 306 ]
قدماء الصحابة منهم عبد الله بن مغفل بن عبد نهم المزني وعمه خزاعي بن عبد نهم وإياس بن هلال وابنه قرة بن إياس وهذا جد القاضي إياس بن معاوية بن قرة وآخرون قوله (أخبرنا أبو مالك الأشجعي) اسمه سعد بن طارق (عن موسى بن طلحة) بن عبيد الله قوله (الأنصار) تقدم بيانهم في فضل الأنصار وقريش (وأشجع) بالشين المعجمة والجيم وزن أحمر هم بنو أشجع بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس من مشهوري الصحابة منهم نعيم بن مسعود بن عامر بن أنيف (موالي) بتشديد التحتانية إضافة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أي أنصاري وهذا هو المناسب هنا وإن كان للمولى عدة معان ويروى بتخفيف التحتانية والمضاف إليه محذوف أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله ليس لهم مولى دون الله ورسوله (والله ورسوله مولاهم) أي وليهم وناصرهم والمتكفل بهم وبمصالحهم قال الحافظ هذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء القبائل والمراد من آمن منهم والشرف يحصل للشئ إذا حصل لبعضه قيل إنما خصوا بذلك لأنهم بادروا إلى الإسلام فلم يسبوا كما سبى غيرهم وهذا إذا سلم يحمل على الغالب وقيل المراد بهذا الخبر النهي عن استرقاقهم وأنهم لا يدخلون تحت الرق وهذا بعيد انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم (في ثقيف وبني حنيفة) حنيفة قال في القاموس ثقيف كأمير أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن وقال فيه حنيفة كسفينة لقب أثال بن لجيم أبو حي منهم خولة بنت جعفر الحنفية أم محمد بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قوله (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف) البصري
[ 307 ]
قوله (قالوا) أي بعض الصحابة (نبال ثقيف) بكسر النون جمع نبل أي سهامهم ولعله في غزوة الطائف ومحاصرتهم (اللهم اهد ثقيفا) أي إلى الإسلام قوله (أخبرنا عبد القاهر بن شعيب) بن الحجاب أبو سعيد البصري لا بأس به من التاسعة (أخبرنا هشام) بن حسان الأزدي الفردوسي (عن الحسن) البصري قوله (وهو يكره ثلاثة أحياء) جمع حي بمعنى قبيلة (ثقيفا وبني حنيفة وبني أمية) بدل مما قبله وبنو أمية بضم الهمزة وفتح الميم وشدة التحتية قبيلة من قريش قال القاري في المرقاة نقلا عن الأزهار قال العلماء إنما كره ثقيفا للحجاج وبني خليفة لمسيلمة وبني أمية لعبيد الله بن زياد قال البخاري قال ابن سيرين أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين فجعله في طست وجعل ينكته بقضيب وقال الترمذي في الجامع قال عمارة بن عمير لما جئ برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه في رحبة المسجد فانتهيت إليهم فقالوا قد جاءت فإذا حية قد جاءت حتى دخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكثت ساعة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا انتهى ما في المرقاة وحديث عمارة بن عمير هذا تقدم في مناقب الحسين قوله (في ثقيف كذاب ومبير) تقدم هذا الحديث بهذا السند في باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير من أبواب الفتن وقال الترمذي هناك ويقال الكذاب المختار بن أبي عبيد والمبير الحجاج بن يوسف (وعبد الله بن عصم) بضم العين وسكون الصاد المهملتين (يكنى أبا علوان)
[ 308 ]
بضم العين المهملة وسكون اللام (وإسرائيل يروي عن هذا الشيخ) أي عبد الله بن عصم قوله (بكرة) البكر بفتح موحدة فسكون كاف فتى من الإبل بمنزلة غلام من الناس والأنثى بكرة كذا في النهاية (فعوضه منها ست بكرات) بفتحتين أي أعطاه عوضها ست بكرات (فتسخطها) أي كرها ولم يرض بها قال في القاموس تسخطه تكرهه وعطاءه استقله ولم يقع منها موقعا وإنما تسخط الأعرابي لأن طمعه في الجزاء كان أكثر لما سمع من جوده وفيض جوده (فبلغ ذلك) أي سخطه (إن فلانا) كناية عن اسمه (فظل) أي أصبح أو صار (لقد هممت) جواب قسم مقدر أي والله لقد قصدت (أن لا أقبل هدية) أي من أحد (إلا من قرشي) نسبة إلى قريش (أو أنصاري) أي واحد من الأنصار (أو ثقفي) بفتح المثلثة والقاف نسبة إلى ثقيف قبيلة مشهورة (أو دوسي) بفتح الدال المهملة وسكون الواو نسبة إلى دوس بطن من الأزد أي إلا من قوم في طبائعهم الكرم قال التوربشتي كره قبول الهدية ممن كان الباعث له عليها طلب الاستكثار وإنما خص المذكورين فيه بهذه الفضيلة لما عرف فيهم من سخاوة النفس وعلو الهمة وقطع النظر عن الأعواض قوله (وفي الحديث كلام أكثر من هذا) لم أقف عليه (هذا حديث قد روي من غير وجه عن أبي هريرة) وأخرجه أبو داود والنسائي (وهو أيوب بن مسكين ويقال ابن أبي مسكين) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أيوب بن أبي مسكين ويقال مسكين التميمي أبو العلاء القصاب روى عن قتادة وسعيد المقبري وأبي سفيان وغيرهم وعنه إسحاق بن يوسف الأزرق وهشيم ويزيد بن هارون وغيرهم وقال في التقريب في ترجمته صدوق له أوهام من السابعة (ولعل هذا الحديث
[ 309 ]
الذي روى عن أيوب عن سعيد المقبري هو أيوب أبو العلاء) هذا هو الظاهر والله تعالى أعلم قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا أحمد بن خالد) بن موسى الحمصي الوهبي الكندي أبو سعيد صدوق من التاسعة (أخبرنا محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي قوله (وأيم الله) لفظ قسم ذو لغات وهمزتها وصل وقد تقطع تفتح وتكسر كذا في المجمع (أصابوا بالغابة) اسم موضع قوله (حدثنا إبراهيم بن يعقوب) الجوزجاني (أخبرنا وهب بن جرير) بن حازم الأزدي البصري (سمعت عبد الله بن خلاد) بالخاء والدال المهملة قال الحافظ في التقريب صوابه ابن ملاذ بميم ولام خفيفة وذال معجمة الأشعري دمشقي مجهول (يحدث عن نمير) بالتصغير (بن أوس) الأشعري قاضي دمشق ثقة من الثالثة (عن مالك بن مسروح) بمهملتين الشامي مقبول (عن عامر بن أبي عامر الأشعري) تابعي مخضرم من الثانية وقد قيل له صحبة مات في خلافة عبد الملك (عن أبيه) هو أبو عامر الأشعري اسمه عبد الله بن هانئ وقيل ابن وهب وقيل عبيد بن وهب وليس هو عم أبي موسى الأشعري له عن النبي حديث واحد نعم الحي الأزد والأشعريون وعنه ابنه عامر كذا في تهذيب التهذيب
[ 310 ]
قوله (نعم الحي) أي القبيلة (الأسد) بفتح الهمزة وسكون السين وبالدال المهملتين وفي بعض النسخ الأزد بالزاي مكان السين قال التوربشتي هو أبو حي من اليمن ويقال لهم الأزد وهو بالسين أفصح وهما أزدان أزد شنوءة وأزد عمان انتهى والمراد هنا أزد شنوءة (والأشعرون) قال الطيبي هو بسقوط الياء في جامع الترمذي وجامع الأصول وبإثباته في المصابيح قال الجوهري تقول العرب جاءتك الأشعرون بحذف الياء قلت قد وقع في بعض نسخ الترمذي أيضا والأشعريون بإثبات ياء النسبة (لا يفرون في القتال) أي في حال قتالهم مع الكفار وهو حال من القبيلتين على حد هذان خصمان اختصموا) ولا يغلون) بفتح التحتية وضم الغين المعجمة وتشديد اللام أي ولا يخونون في المغنم (هم مني) أي متصلون بي وكلمة من هذه تسمى اتصالية نحو لا أنا من الدد ولا الدد مني وقال النووي معناه المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما في طاعة الله تعالى (قال) أي عامر بن أبي عامر الأشعري (فقال) أي معاوية (قال هم مني وإلي) أي بل قال رسول الله هم مني وإلي قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وفي سنده عبد الله بن ملاذ مكان عبد الله بن خلاد قوله (عن عبد الله بن دينار) العدوي قوله (أسلم سالمها الله) هو من المسالمة وترك الحرب ويحتمل أن يكون دعاء وإخبارا إما دعاء لها أن يسالمها الله ولا يأمر بحربها أو أخبر أن الله قد سالمها ومنع من حربها كذا في النهاية
[ 311 ]
واعلم أن أسلم ثلاث قبائل قال العيني في العمدة أسلم في خزاعة وهو ابن أفصى وهو خزاعة بن حارثة بن عمرو بن عامر بن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد وفي مذحج أسلم بن أوس الله بن سعد العشيرة بن مذحج وفي بجيلة أسلم بن عمرو بن لؤي بن رهم بن معاوية بن أسلم بن أحمس بن الغوث والله أعلم من أراد النبي بقوله هذا (وغفار) بكسر الغين المعجمة يصرف باعتبار الحي ولا يصرف باعتبار القبيلة (غفر الله لها) يحتمل أن يكون دعاء لها بالمغفرة أو إخبارا أن الله قد غفر لها ويؤيده قوله في آخر الرواية الاتية وعصية عصت الله ورسوله وفيهما من جناس الاشتقاق ما يلذ على السمع لسهولته وهو من الاتفاقات اللطيفة وقال الخطابي إن النبي دعا لهاتين القبيلتين لأن دخولهما في الإسلام كان من غير حرب وكانت غفار تتهم بسرقة الحاج فأحب رسول الله أن يمحو عنهم تلك المسبة وأن يعلم أن ما سبق منهم مغفور لهم قوله (وفي الباب عن أبي ذر وأبي برزة الأسلمي وبريدة وأبي هريرة) أما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد ومسلم وأما حديث أبي برزة الأسلمي فأخرجه أحمد وأما حديث بريدة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله (أخبرنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي قوله (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية مصغرا هم بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية بن خفاف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم (عصت الله ورسوله) إنما قال هذا لأنهم الذين قتلوا القراء ببئر معونة بعثهم رسول الله سرية فقتلوهم وكان يقنت عليهم في صلاته ويلعن رعلا وذكوان ويقول عصية عصت الله ورسوله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان
[ 312 ]
قوله (أخبرنا مؤمل) بن إسماعيل العدوي قوله (أخبرنا المغيرة بن عبد الرحمن) الخزامي قوله (لغفار) مبتدأ وما بعده عطف عليه وقوله خير عند الله خبره (ومزينة ومن كان من جهينة) أو قال (جهينة ومن كان من مزينة) أو للشك من الراوي ووقع في رواية الشيخين وشئ من مزينة وجهينة أو شئ من جهينة ومزينة أي بعض منهم وفي هذه الرواية تقييد لما أطلق في رواية الترمذي هذه وفي حديث أبي بكرة الاتي (يوم القيامة) قيد به لأن المعتبر بالخير والشر إنما يظهر في ذلك الوقت (من أسد الخ) متعلق بقوله خير قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن جامع بن شداد) المحاربي أبي صخرة الكوفي ثقة من الخامسة (عن صفوان بن محرز) بضم الميم وإسكان الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي المنقوطة ابن زياد المازني أو الباهلي ثقة عابد من الرابعة قوله (جاء نفر من بني تميم) يعني وفدهم وكان قدومهم في سنة تسع (أبشروا) أمر بهمزة قطع من البشارة والمراد بها أن من أسلم نجا من الخلود في النار ثم بعد ذلك يترتب جزاؤه على وفق عمله إلا أن يعفو الله وقال الكرماني بشرهم بما يقتضي دخول الجنة حيث عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد وما بينهما قال الحافظ كذا قال وإنما وقع التعريف هنا لأهل اليمن
[ 313 ]
وذلك ظاهر من سياق الحديث انتهى (قالوا بشرتنا) القائل ذلك منهم الأقرع بن حابس ذكره ابن الجوزي (فأعطنا) أي من المال (فتغير وجه رسول الله) إما للأسف عليهم كيف آثروا الدنيا وإما لكونه لم يحضره ما يعطيهم فيتألفهم به أو لكل منهما (وجاء نفر من أهل اليمن) قال الحافظ قد ظهر لي أن المراد بهم نافع بن زيد الحميري مع من وفد معه من أهل حمير (اقبلوا البشرى) بضم أوله وسكون المعجمة والقصر أي اقبلوا مني ما يقتضي أن تبشروا وإذا أخذتم به بالجنة كالفقه في الدين والعمل به (فلم يقبلها بنو تميم) قيل بنو تميم قبلوها حيث قالوا بشرتنا غاية ما في الباب أنهم سألوا شيئا وأجيب بأنهم لم يقبلوها حيث لم يهتموا بالسؤال عن حقائقها وكيفية المبدأ والمعاد ولم يعتنوا بضبطها وحفظها ولم يسألوا عن موجباتها وعن الموصلات إليها وقال الطيبي لما لم يكن جل اهتمامهم إلا بشأن الدنيا والاستعطاء دون دينهم قالوا بشرتنا للتفقه وإنما جئنا للاستعطاء فأعطنا ومن ثم قال رسول الله فلم يقبلها بنو تميم (قالوا قد قبلنا) زاد البخاري في التوحيد جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان قال كان الله ولم يكن شئ قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض وكتب في الذكر كل شئ الخ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله (حدثنا أبو أحمد) الزبيري (أخبرنا سفيان) الثوري (عن أبيه) هو أبو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة قوله (خير) أي يوم القيامة كما في حديث أبي هريرة المتقدم (من تميم) بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وفيهم بطون كثيرة جدا (وأسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر وكانوا عددا كثيرا وقد ظهر مصداق ذلك عقب وفاة رسول الله فارتد هؤلاء مع طليحة بن خويلد وارتد بنو تميم أيضا مع سجاح التي ادعت النبوة (وغطفان) بفتح الغين المعجمة والطاء المهملة وتخفيف الفاء هو ابن سعد بن قيس غيلان بن
[ 314 ]
مضر (وبني عامر بن صعصعة) أي ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان (يمد) أي يرفع (بها) أي بهذه الكلمات (قال) أي رسول الله (هم) أي أسلم وغفار ومزينة (خير منهم) أي من تميم وأسد وغطفان وبني عامر بن صعصعة وإنما كانوا خيرا منهم لأنهم سبقوهم إلى الإسلام والمراد الأكثر الأغلب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا بشر بن آدم الخ) وقع قبل هذا في بعض النسخ باب في فضل الشام واليمن (حدثني جدي أزهر) بن سعد (السمان) أبو بكر الباهلي بصري ثقة من التاسعة (عن ابن عون) اسمه عبد الله بن عون بن أرطبان قوله (اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك في يمننا) تقدم وجه تسمية الشام واليمن في باب فضل اليمن والظاهر في وجه تخصيص المكانين بالبركة لأن طعام أهل المدينة مجلوب منهما وقال الأشرف إنما دعا لهما بالبركة لأن مولده بمكة وهو من اليمن ومسكنه ومدفنه بالمدينة وهي من الشام وناهيك من فضل الناحيتين أن أحداهما مولده والأخرى مدفنه فإنه أضافهما إلى نفسه وأتى بضمير الجمع تعظيما وكرر الدعاء (قالوا) أي بعض الصحابة (وفي نجدنا) عطف تلقين والتماس أي قل وفي نجدنا ليحصل البركة لنا من صوبه ايضا قال الخطابى نجد من جهة المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق نواحيها وهي مشرق أهل المدينة وأصل النجد ما ارتفع من الأرض وهو خلاف الغور فإنه ما انخفض منها وتهامة كلها من الغور ومكة من تهامة انتهى قال الحافظ بعد نقل كلام الخطابي هذا وعرف بهذا وهو ما قاله الداودي إن نجدا من ناحية العراق فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص وليس كذلك بل كل شئ ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا والمنخفض غورا انتهى (هنالك) أي في نجد (الزلازل) أي الحسية أو المعنوية وهي
[ 315 ]
تزلزل القلوب واضطراب أهلها (والفتن) أي البليات والمحن الموجبة لضعف الدين وقلة الديانة فلا يناسبه دعوة البركة له وقال المهلب إنما ترك صلى الله عليه وسلم الدعاء لأهل المشرق ليضعفوا عن الشر الذي هو موضوع في جهتهم لاستيلاء الشيطان بالفتن (وبها أو قال منها) شك من الراوي والضمير راجع إلى نجد والتأنيث البقعة (يخرج قرن الشيطان) أي حزبه وأهل وقته وزمانه وأعوانه ذكره السيوطي وقيل يحتمل أن يريد بالقرن قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال وكان أهل المشرق يومئذ أهل كفر فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية فكان كما أخبر وأول الفتن كان من قبل المشرق فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كذا في فتح الباري وقال العيني في شرح حديث ابن عمر إنه صلى الله عليه وسلم قام إلى جنب المنبر فقال الفتنة ههنا من حيث يطلع قرن الشيطان أو قال قرن الشمس ما لفظه وإنما أشار صلى الله عليه وسلم إلى المشرق لأن أهله يومئذ كانوا أهل كفر فأخبر أن الفتنة تكون من تلك الناحية وكذلك كانت هي وقعة الجمل ووقعة صفين ثم ظهور الخوارج في أرض نجد والعراق وما ورائها من المشرق وكانت الفتنة الكبرى التي كانت مفتاح فساد ذات البين قتل عثمان رضي الله تعالى عنه وكان صلى الله عليه وسلم يحذر من ذلك ويعلم به قبل وقوعه وذلك من دلالات نبوته صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري قوله (سمعت يحيى بن أيوب) الغافقي (عن عبد الرحمن بن شماسة) بكسر الشين المعجمة وتخفيف الميم بعدها سين مهملة المهري المصري ثقة من الثالثة قوله (نؤلف) من التأليف أي نجمع (من الرقاع) بكسر الراء جمع رقعة وهي ما يكتب فيه (طوبى للشام) تأنيث أطيب أي راحة وطيب عيش حاصل لها ولأهلها وقال الطيبي طوبى مصدر من طاب كبشرى وزلفى ومعنى طوبى لك أصبت خيرا وطيبا (فقلنا لأي ذلك يا رسول الله) قال القاري بتنوين العوض في أي أي لأي شئ كما في بعض نسخ المصابيح
[ 316 ]
قال الطيبي كذا في جامع الترمذي على حذف المضاف إليه أي لأي سبب قلت ذلك وقد أثبت في بعض نسخ المصابيح لفظ شئ (لأن ملائكة الرحمن) فيه إيماء إلى أن المراد بهم ملائكة الرحمة (باسطة أجنحتها عليها) أي على بقعة الشام وأهلها بالمحافظة عن الكفر قاله القاري وقال المناوي أي تحفها وتحولها بإنزال البركة ودفع المهالك والمؤذيات قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والحاكم قوله (حدثنا هشام بن سعد) المدني (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري قوله (لينتهين) بلام مفتوحة جواب قسم مقدر أي والله ليمتنعن عن الافتخار (أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا) أي على الكفر وهذا الوصف بيان للواقع لا مفهوم له ولعل وجه ذكره أنه أظهر في توضيح التقبيح ويؤيده ما رواه أحمد عن أبي ريحانة مرفوعا من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزا وكرما كان عاشرهم في النار (إنما هم) أي آباءهم (فحم جهنم) قال الطيبي حصر آبائهم على كونهم فحما من جهنم لا يتعدون ذلك إلى فضيلة يفتخر بها (أو ليكونن) بضم النون الأولى عطفا على لينتهين والضمير الفاعل العائد إلى أقوام وهو واو الجمع محذوف من ليكونن والمعنى أو ليصيرن (أهون) أي أذل (على الله) أي عنده (من الجعل) بضم جيم وفتح عين وهو دويبة سوداء تدير الغائط يقال لها الخنفساء فقوله (الذي يدهده الخراء) أي يدحرجه (بأنفه) صفة كاشفة له والخراء بكسر الخاء ممدودا وهو العذرة والحاصل أنه صلى الله عليه وسلم شبه المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بالجعل وآباءهم المفتخر بهم بالعذرة ونفس افتخارهم بهم بالدهدهة بالأنف والمعنى أن أحد الأمرين واقع البتة إما الانتهاء عن الافتخار أو كونهم أذل عند الله تعالى من الجعل الموصوف (إن الله أذهب) أي أزال ورفع (عبية الجاهلية) بضم العين المهملة وكسر الموحدة المشددة وفتح التحتية المشددة أي نخوتها وكبرها قال الخطابي العبية الكبر والنخوة وأصله من العب وهو الثقل يقال عبية وعبية بضم العين وكسرها (وفخرها) أي
[ 317 ]
افتخار أهل الجاهلية في زمانهم (إنما هو) أي المفتخر المتكبر بالإباء (مؤمن تقي وفاجر شقي) قال الخطابي معناه أن الناس رجلان مؤمن تقي فهو الخير الفاضل وإن لم يكن حسيبا في قومه وفاجر شقي فهو الدنئ وإن كان في أهله شريفا رفيعا انتهى وقيل معناه إن المفتخر المتكبر إما مؤمن تقي فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد أو فاجر شقي فهو ذليل عند الله والذليل لا يستحق التكبر فالتكبر منفي بكل حال (الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب) أي فلا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وجه للتكبر لأن بقية الأمور عارضة لا أصل لها حقيقة نعم العاقبة للمتقين وهي مبهمة فالخوف أولى للسالك من الاشتغال بهذه المسالك قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحجرات (وابن عباس) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن حبان قوله (حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة) عبد الله بن محمد (الفروي) بفتح الفاء والراء (المدني) لا بأس به من صغار العاشرة (حدثني أبي) أي موسى بن أبي علقمة الفروي مولى آل عثمان مجهول من التاسعة قوله (قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية) قال الجزري في النهاية يعني الكبر وتضم عينها وتكسر وهي فعولة أو فعيلة فإن كانت فعولة فهي من التعبية لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف ما يسترسل على سجيته وإن كانت فعيلة فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه وقيل إن اللام قلبت ياء كما فعلوا في مقتضى البازي انتهى
[ 318 ]
قوله (هذا حديث حسن) في سنده موسى بن أبي علقمة وهو مجهول لكن تابعه أبو عامر العقدى وغيره قال العبد الضعيف محمد عبد الرحمن المباركفوري عفا الله تعالى عنه : قد فرغنا بعونه المسالك قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي في تفسير سورة الحجرات (وابن عباس) أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تفخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحرج الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن حبان قوله (حدثنا هارون بن موسى بن أبي علقمة) عبد الله بن محمد (الفروي) بفتح الفاء والراء (المدني) لا بأس به من صغار العاشرة (حدثني أبي) أي موسى بن أبي علقمة الفروي مولى آل عثمان مجهول من التاسعة قوله (قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية) قال الجزري في النهاية يعني الكبر وتضم عينها وتكسر وهي فعولة أو فعيلة فإن كانت فعولة فهي من التعبية لأن المتكبر ذو تكلف وتعبية خلاف ما يسترسل على سجيته وإن كانت فعيلة فهي من عباب الماء وهو أوله وارتفاعه وقيل إن اللام قلبت ياء كما فعلوا في مقتضى البازي انتهى
[ 318 ]
قوله (هذا حديث حسن) في سنده موسى بن أبي علقمة وهو مجهول لكن تابعه أبو عامر العقدى وغيره قال العبد الضعيف محمد عبد الرحمن المباركفوري عفا الله تعالى عنه : قد فرغنا بعونه تعالى وحسن توفيقه من تصنيف شرح الجامع للترمذي المسمى بتحفة الاحوذي فالحمد لله على ما أنعم علينا به من شرح صدرنا لشرح هذا الكتاب المستطاب المبارك . اللهم إنا نسألك أن تجعله خالصا لوجهك الكريم وتعفو عما وقع فيه من الخطأ والزلل إنك عفو غفور رحيم ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، واغفر لي ولوالدي ولشيوخي ولاساتذتي ولسائر المسلمين ، وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد وأصحابه أجمعين . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .