الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج22
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثاني:
فتح مكة
الفصل الأول:
هكذا تحرك من مرّ الظهران
الإعلان بالأمان:
قال أبو سفيان وحكيم بن حزام: يا رسول الله، ادعُ الناس بالأمان، أرأيت إن اعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "نعم".
قال العباس: قلت: يا رسول الله!! قد عرفت أبا سفيان وحبه الشرف والفخر، فاجعل له شيئاً.
وعن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن: أن أبا بكر قال: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب السماع، يعني الشرف انتهى.
فقال "صلى الله عليه وآله": "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".
فقال: وما تسع داري؟
زاد ابن عقبة: "ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن" ـ ودار أبي سفيان بأعلى مكة، ودار حكيم بأسفلها ـ "ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن".
فقال أبو سفيان: وما يسع المسجد؟
قال "صلى الله عليه وآله": "ومن أغلق بابه فهو آمن".
فقال أبو سفيان: هذه واسعة([1]).
وقال الحلبي الشافعي: "عقد "صلى الله عليه وآله" في المسجد لأبي رويحة ـ الذي آخى النبي "صلى الله عليه وآله" بينه وبين بلال ـ لواءً، وأمره أن ينادي: ومن دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن. أي وإنما قال ذلك لما قاله له أبو سفيان: وما تسع داري؟ وما يسع المسجد"؟([2]).
وفي نص آخر: أن العباس أخذ أبا سفيان فأباته عنده، فلما أصبح وسمع الأذان سأل العباس عنه، فأخبره، ثم أمره العباس بأن يتوضأ ويصلي.. وعلمه الوضوء.. ففعل.
فلما صلى غدا به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا رسول الله، إني أحب ن
أن تأذن لي إلى قومك، فأنذرهم، وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له.
فقال العباس: كيف أقول لهم؟! بيِّن لي من ذلك أمراً يطمئنون إليه!!
فقال "صلى الله عليه وآله": "تقول لهم: من قال: لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وشهد أن محمداً رسول الله، وكف يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن".
فقال العباس: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فلو خصصته بمعروف.
فقال "صلى الله عليه وآله": "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".
قال أبو سفيان: داري؟
قال: دارك.
ثم قال: "ومن أغلق بابه فهو آمن"([3]).
ونص آخر يقول:
وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأسلما وبايعاه، فلما بايعاه بعثهما رسول الله "صلى الله عليه وآله" بين يديه إلى قريش، يدعوانهم إلى الإسلام.
وقال: من دخل دار أبي سفيان ـ وهو بأعلى مكة ـ فهو آمن، ومن دخل دار حكيم ـ وهو بأسفل مكة ـ فهو آمن، ومن أغلق بابه وكف يده فهو آمن([4]).
ونقول:
إن في هذه النصوص العديد من الإشارات والدلالات، نذكر منها ما يلي:
هل هذا تشريف لأبي سفيان؟!:
قد كان مما أعطاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأبي سفيان: أن جعل الأمان لمن دخل داره، لأن أبا سفيان يحب التفخيم والذكر، كما قاله العباس رحمه الله.
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإن كان قد أنعم لأبي سفيان بهذا الأمر وأعطاه إياه بيد، ولكنه عاد فأخذه منه باليد الأخرى، بأسلوب رصين يجعل الناس يدركون للتوِّ: أنه مجرد إجراء شكلي ليس له مضمون تشريف ولا تكريم، لأنه:
1 ـ أعطى مثل ذلك لحكيم بن حزام أيضاً.
2 ـ ساوى بين دخول دار أبي سفيان، وبين اللجوء إلى راية الأمان، التي جعلها مع أبي رويحة.
3 ـ ساوى أيضاً بينه وبين أية دار في مكة يدخلها صاحبها، ويغلق بابها على نفسه.
4 ـ ساوى بين ذلك وبين أن يضع الإنسان سلاحه، ويكف يده، ليكون ذلك إشارة إلى مجرد اتخاذ وضع غير قتالي.
وبذلك يتضح: أن أبا سفيان ليس فقط لم يحصل على ما أراد من الذكر والفخر، وإنما أُخِذَ منه ما كان قد استلبه بغير حق.. لأن المساواة بين دخول داره وبين دخول دار أي إنسان في مكة، ثم بين ذلك وبين أن يكف الإنسان يده ويضع سلاحه فيها حط من المقام الذي جعله أبو سفيان لنفسه، وجعله كأي إنسان آخر من أهل مكة..
وذلك بعد أن جعله أيضاً مثل حكيم بن حزام.. الأمر الذي لا يرضاه أبو سفيان، ولا يقرّ به له.
ولا بد من أن يرضي ذلك ابن حزام، وربما تذهب به الأوهام إلى أبعد من ذلك، إذا كان يذكي لديه الطموح لمنافسة أبي سفيان، أو لعدم الإقرار له بالتفرد في الزعامة على الأقل.. ومن شأن هذا أن يزعج أبا سفيان، ويؤرقه في مضجعه أيضاً.
إستجداء بعد الإستغناء:
لقد كان أبو سفيان طيلة حوالي عشرين سنة يسعى لإطفاء نور الله، مدَّعياً لنفسه مواقع الشرف والكرامة، متخذاً من هذا الفعل المخزي والمشين سبيلاً للمجد والذكر والفخر، وشيوع الذكر.
ولكنه بين ليلة وضحاها أصبح يستجدي شيئاً من الذكر، وما يوجب له الفخر من نفس هذا العدو الذي لم يزل يحاربه إلى تلك اللحظة، ولو قدر على شيء من ذلك لما تردد فيه..
فما هذه الدنيا التي تذل حتى أشد الناس حباً لها، ولا تعطيهم شيئاً إلا أن يدفعوا ثمنه أعز شيء لديهم، وأغلاه عليهم؟!
حفظ حرم الله تبارك وتعالى:
ولسنا بحاجة إلى التأكيد على أن إعلان الأمان لأهل مكة، وكذلك سائر المواقف والسياسات النبوية في مسيره "صلى الله عليه وآله" إلى مكة، تظهر بما لا مجال معه لأي شبهة وريب: أن المطلوب هو: أن لا تراق أية قطرة دم في حرم الله تبارك وتعالى..
ولا بد من أن يقارن الكثيرون من أهل مكة وغيرهم بين هذه السياسة مع صناديد قريش وكل رجالها، وبين ما فعله أهل مكة أنفسهم بالخزاعيين الأبرياء من الصبيان، والنساء، والرجال الضعفاء. في حين أن قريشاً لو تمكنت من الحرب لأبادت هذا الجيش القادم بأكمله في نفس بيت الله وحرمه..
وضوء وصلاة أبي سفيان:
وقد أظهر النص المتقدم عن البحار عن إعلام الورى: أن أبا سفيان قد توضأ وصلى مع المسلمين.
ونقول:
إن ذلك لا مجال لقبوله، إن كان أبو سفيان على شركه إلى تلك اللحظة، كما ذكرته بعض الروايات، فإنه إنما أسلم بعدما بات عند العباس..
وإن أخذنا برواية البحار وإعلام الورى، وقلنا: بأنه قد أسلم ليلاً، ثم سلمه النبي "صلى الله عليه وآله" إلى العباس ليبيت عنده، فلما أصبح رأى أذان المسلمين وصلاتهم، فصلى معهم.. فلا غبار على الرواية التي نتحدث عنها من هذه الجهة..
إلا أن يقال: إنه قد بات ليلة أخرى غير الليلة التي أُخذ فيها، وكان قد أسلم نهاراً، وهو إنما توضأ وصلى في صبيحة الليلة الثانية، فلا يبقى إشكال في قولهم: إنه توضأ وصلى، حتى على القول الأول.
الدعاة الجدد إلى الإسلام:
وفي النصوص المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" بعث بديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام يدعوان الناس في مكة إلى الإسلام، بل فيها: أن أبا سفيان نفسه قد تبرع بذلك، لكنه كان على جهل تام بما يريد قوله، فطلب أن يعلموه ما يقول للناس في ذلك، فعلمه النبي "صلى الله عليه وآله" أن يطلب من الناس النطق بالشهادتين.
ونقول:
إن هؤلاء وهم رؤوس الشرك يمكن أن يساهموا في إطفاء نار الحرب، وحمل الناس على ترك القتال.. لأن ذلك يحفظ أرواح الناس، خصوصاً إذا كانوا من أهلهم، وعشيرتهم، أو من أحبائهم وأصدقائهم، أو من حلفائهم.
ويمكن أن يقدموا على ذلك من منطق الحفاظ على حرمة البيت والحرم، ولأجل حفظ ماء وجههم أمام الآخرين.. لا لأجل أن للحرم قداسة حقيقة في نفوسهم.
ولكننا لا يمكن أن نصدق: أن رؤوس الشرك يطلبون أن يكونوا دعاة للناس للدخول في هذا الدين، إلا على أساس أنه نفاق واستغلال، لا سيما وأنهم كانوا لا يزالون يحاربون هذا الدين للحظات خلت. بل إن أبا سفيان قد ماطل وسوَّف ولم يزل يقول لرسول الله "صلى الله عليه وآله": إن في النفس شيئاً من الشهادة له بالرسالة. فكيف يعقل أن يتحول في تلك اللحظة نفسها إلى داعية صادق لهذا الدين؟! ولو قيل: لعل الله هو الذي تصرف في قلبه!!
قلنا: لماذا تأخر هذا التصرف إلى الآن؟!
أبو سفيان يرصد كتائب الفتح:
ولما صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالناس الغداة، قال للعباس: "خذه إلى رأس العقبة، فأقعده هناك ليراه الناس جنود الله ويراها".
فقال أبو سفيان: ما أعظم ملك ابن أخيك.
قال العباس: يا أبا سفيان هي نبوة.
قال: نعم([5]).
وزعموا أيضاً: أنه لما توجهوا ذاهبين قال العباس: يا رسول الله، إني لا آمن أبا سفيان أن يرجع عن إسلامه، فاردده حتى يفقه، ويرى جنود الله ـ تعالى ـ معك([6]).
وعن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن أبا سفيان لما ولى، قال أبو بكر: يا رسول الله، لو أمرت بأبي سفيان فحبس على الطريق؟([7]).
ونرى: أن الصحيح هو ما قاله ابن إسحاق ومحمد بن عمر: من أن أبا سفيان لما ذهب لينصرف، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" للعباس: "احبسه بمضيق الوادي (حتى تمر عليه جنود الله)".
قال ابن عقبة، ومحمد بن عمر: فأدركه العباس فحبسه، فقال أبو سفيان: أغدراً يا بني هاشم؟
فقال العباس: إن أهل النبوة لا يغدرون. زاد الواقدي قوله: ولكن لي إليك حاجة.
فقال أبو سفيان: فهلا بدأت بها أولاً؟
فقلت: إن لي إليك حاجة، فيكون أفرخ لروعي؟!
قال العباس: لم أكن أراك تذهب هذا المذهب.
وعبأ رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه الخ.. ([8]).
ولفظ ابن عقبة: إنا لسنا بغدر، ولكن أصبح حتى تنظر جنود الله، وإلى ما أعد الله للمشركين.
قال ابن عقبة: فحبسهم بالمضيق دون الأراك إلى مكة حتى أصبحوا([9]).
كتائب الإسلام إلى مكة:
قالوا: وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" منادياً ينادي، لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته، وتظهر ما معها من الأداة والعدة.
فأصبح الناس على ظهر، وقدَّم بين يديه الكتائب.
قالوا: ومرت القبائل على قادتها. والكتائب على راياتها([10]).
قال محمد بن عمر: وكان أول من قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" خالد بن الوليد في بني سليم وهم ألف، ويقال: تسعمائة، ومعهم لواءان وراية، يحمل أحد اللواءين العباس بن مرداس، والآخر يحمله خفاف بن ندبة، ويحمل الراية الحجاج بن علاط ـ بعين مضمومة ـ (وعند المعتزلي: وراية يحملها المقداد)، فلما مروا بأبي سفيان، كبروا ثلاث تكبيرات، ثم مضوا، فقال أبو سفيان: يا عباس!! من هؤلاء؟
فقال: هذا خالد بن الوليد.
(وفي نص آخر قال أبو سفيان: هذا رسول الله؟ قال: لا، ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدمة)([11]).
قال: الغلام؟
قال: نعم.
قال: ومن معه؟
قال: بنو سليم.
قال: ما لي وبني سليم!
ثم مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفناء العرب([12])، ومعه راية سوداء.
فلما مروا بأبي سفيان كبروا ثلاثاً.
فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟ وفي نص آخر: يا عباس! هذا محمد؟!
قال: هذا الزبير بن العوام.
قال: ابن أختك؟
قال: نعم.
ثم مرت بنو غفار في ثلاثمائة، يحمل رايتهم أبو ذر.
ويقال: إيماء بن رحضة، فلما حاذوه، كبروا ثلاثاً.
فقال أبو سفيان: من هؤلاء؟
قال: بنو غفار.
قال: ما لي ولبني غفار؟
ثم مرت أسلم في أربعمائة، فيها لواءان، يحمل أحدهما بريدة بن الحصيب، والآخر ناجية بن الأعجم، فلما حاذوه كبروا ثلاثاً.
فقال: من هؤلاء؟
قال العباس: أسلم.
قال: ما لي ولأسلم؟ (ما كان بيننا وبينهم تِرَةٌ قط.
قال العباس: هم قوم مسلمون دخلوا في الإسلام).
ثم مرت بنو كعب بن عمرو في خمسمائة، يحمل رايتهم بسر بن سفيان فلما حاذوه، كبروا ثلاثاً.
فقال: من هؤلاء؟
قال العباس: بنو عمرو بن كعب بن عمرو، إخوة أسلم.
قال: نعم. هؤلاء حلفاء محمد.
ثم مرت مزينة في ألف. فيها ثلاثة ألوية، ومائة فرس. يحمل ألويتها النعمان بن مقرن، وعبد الله بن عمرو بن عوف، وبلال بن الحارث، فلما حاذوه كبروا ثلاثاً.
قال: من هؤلاء؟
قال العباس: مزينة.
قال: ما لي ولمزينة؟ قد جاءتني تقعقع من شواهقها([13]).
ثم مرت جهينة في ثمانمائة، فيها أربعة ألوية، يحملها أبو روعة معبد بن خالد، وسويد بن صخر، ورافع بن مكيث وعبد الله بن بدر، فلما حاذوه كبروا ثلاثاً.
فقال: من هؤلاء؟
قال: جهينة.
قال: ما لي ولجهينة؟
ثم مرت كنانة بنو ليث وضمرة، وسعد بن بكر في مائتين، يحمل لواءهم أبو واقد الليثي، فلما حاذوه كبروا ثلاثاً.
فقال: من هؤلاء؟
قال العباس: بنو بكر.
قال: نعم، أهل شؤم والله! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم. (زاد في نص آخر قوله: أما والله ما شووِرت فيهم ولا علمته، ولقد كنت له كارهاً حيث بلغني، ولكنه أمر حتم).
قال العباس: قد خار الله ـ تعالى ـ لكم في غزو محمد "صلى الله عليه وآله" أتاكم أمنكم، ودخلتم في الإسلام كافة.
ثم مرت أشجع وهم آخر من مر، وهم ثلاثمائة معهم لواءان، يحمل أحدهما: معقل بن سنان، والآخر: نعيم بن مسعود. فلما حاذوه كبروا ثلاثاً.
قال أبو سفيان: من هؤلاء؟
قال العباس: هؤلاء أشجع.
قال أبو سفيان: هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد.
قال العباس: وأدخل الله ـ تعالى ـ الإسلام في قلوبهم، فهذا فضل من الله.
ثم قال أبو سفيان: أبعدُ ما مضى محمد؟
فقال العباس: لا، لم يمض بعد، لو أتت الكتيبة التي فيها محمد رأيت فيها الحديد والخيل والرجال، وما ليس لأحد به طاقة.
قال: ومن له بهؤلاء طاقة؟
وجعل الناس يمرون، كل ذلك يقول أبو سفيان: ما مر محمد؟
فيقول العباس: لا، حتى طلعت كتيبة رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخضراء التي فيها المهاجرون والأنصار ـ وسميت الخضراء لما فيها من الحديد، والعرب تطلق الخضرة على السواد والعكس ـ وطلع سواد شديد، وغبرة من سنابك الخيل، وجعل الناس يمرون، كل ذلك يقول: أما مر محمد؟
فيقول العباس: لا.
وفي هذه الكتيبة: الرايات والألوية، مع كل بطن من بطون الأنصار لواء وراية، وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق، ولعمر بن الخطاب فيها زجل([14]) بصوت عال وهو يزعها([15]) ويقول: رويداً حتى يلحق أولكم آخركم.
وعند الواقدي: (فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل! من هذا المتكلم؟!
قال: عمر بن الخطاب.
فقال أبو سفيان: لقد أَمِرَ أَمْرُ بني عدي بعد ـ والله ـ قلة وذلة.
فقال العباس: يا أبا سفيان، إن الله يرفع من يشاء بما يشاء. وإن عمر ممن رفعه الإسلام، ويقال: كان في الكتيبة ألف دارع)([16]).
ويقال: ألفا دارع.
وأعطى رسول الله "صلى الله عليه وآله" رايته سعد بن عبادة، فهو أمام الكتيبة، فلما مر سعد براية رسول الله "صلى الله عليه وآله" نادى أبا سفيان فقال: اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً.
وفي نص آخر: اليوم تستحل الكعبة([17]).
قال أبو سفيان: يا عباس، حبذا يوم الذمار([18]).
فمرت القبائل، وطلع رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو على ناقته القصواء. قال محمد بن عمر: ـ طلع ـ بين أبي بكر الصديق، وأسيد بن الحضير ـ وهو يحدثهما ـ فقال العباس: هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله"([19]).
وفي الصحيح عن عروة: أن كتيبة الأنصار جاءت مع سعد بن عبادة، ومعه الراية: قال: ولم ير مثلها، ثم جاءت كتيبة هي أقل الكتائب، فيهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأصحابه، وراية رسول الله "صلى الله عليه وآله" مع الزبير.
قال في العيون: كذا وقع عند جميع الرواة.
ورواه الحميدي في كتابه: هي أجل الكتائب، وهو الأظهر انتهى([20]).
فقال أبو سفيان: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيماً.
قال العباس: قلت: يا أبا سفيان إنها النبوة.
قال: فنعم إذاً([21]).
عن العباس ـ رضي الله عنه ـ قال: لما بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" قلت لأبي سفيان بن حرب: أسلم بنا.
قال: لا والله حتى أرى الخيل تطلع من كداء.
قال العباس: قلت ما هذا؟
قال: شيء طلع بقلبي، لأن الله لا يطلع خيلاً هناك أبداً.
قال العباس: فلما طلع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من هناك ذكرت أبا سفيان به، فذكره([22]).
قالوا: فلما مر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأبي سفيان، قال: يا رسول الله أمرت بقتل قومك؟! ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟!
قال: "ما قال"؟!
قال: كذا وكذا، وإني أنشدك الله في قومك، فأنت أبر الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "كذب سعد يا أبا سفيان، اليوم يوم المرحمة، اليوم يوم يعظم الله فيه الكعبة، اليوم يوم تكسى فيه الكعبة، اليوم يوم أعز الله فيه قريشاً". وأرسل إلى سعد فعزله عن اللواء([23]).
وعند ابن إسحاق: أن سعداً لما قال ما قال، سمعه رجل من المهاجرين.
قال ابن هشام: هو عمر بن الخطاب.
فقال: يا رسول الله، أتسمع ما قال سعد؟ ما نأمن أن يكون له في قريش صولة([24]).
زاد الدياربكري قوله: فقال "صلى الله عليه وآله" لعلي بن أبي طالب "عليه السلام": أدركه، وخذ الراية، وكن أنت الذي تدخل بها([25]).
واستبعد ذلك الحافظ من عمر هنا؛ لكونه كان معروفاً بشدة البأس عليهم([26]).
وعند محمد بن عمر: أن عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، قالا ذلك لرسول الله "صلى الله عليه وآله"([27]).
وقال ضرار بن الخطاب الفهري ـ فيما ذكره محمد بن عمر، وأبو عثمان سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي ـ شعراً يستعطف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أهل مكة، حين سمع قول سعد، قال أبو الربيع: وهو من أجود شعر قاله.
وعن جابر: أن امرأة من قريش عارضت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بهذا الشعر، فكأن ضراراً أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قريش:
يـا نـبـي الهــدى إليــك لجـــــا حي قـريــش ولات حـين لجـــاء
حـين ضاقـت عليهم سعــة الأر ض وعـــــاداهم إلـــه الســـماء
والتقت حلقتا البطـان على القـو م ونـودوا بالصيـلــم([28]) الصـلعـاء
إن سعـداً يـريـد قاصمـة الظهـ‍ـ ـر بأهـل الحـجـون والـبـطـحـاء
خـزرجـي لو يستـطيع من الغي‍ـ ـظ رمـانــا بـالـنـسر والـعـــواء
وغـر الصـدر([29]) لا يهـم بشــيءٍ غـير سفـك الـدمـا وسبي النسـاء
قـد تلظى على البطـاح وجاءت عـنـــه هـنـد بالســوءة الســواء
إذ يـنـادي بـذل حـي قـريــش وابـن حـرب بـذا مـن الـشــهداء
فـلـئـن أقـحـم الـلـواء ونادى يـا حمــاة الأدبـــار أهــل اللـواء
ثـم ثـابـت إلـيـه من بهـم الخـز رج والأوس أنـجــم الهـيــــجاء
لتكـونـن بـالـبـطـاح قـريــش فـقـعـة الـقــاع في أكــف الإمـاء
فـأنـهـيـنـه فـإنـه أســد الأس‍ـ ـد لـدى الغـاب والـغ في الــدماء
إنـه مـطـرق يـريـد لـنـا الأمــ‍ ــر سكـوتـاً كـالحـيـة الـصـــماء
فأرسل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى سعد، فنزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس بن سعد، ورأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه([30]).
وفي رواية: دخل ولد سعد بلوائه حتى غرزه بالحجون([31]).
وزعموا أيضاً: أن سعداً أبى أن يسلم اللواء إلا بأمارة من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأرسل النبي "صلى الله عليه وآله" بعمامته، فدفع اللواء إلى ابنه قيس.
ويقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر علياً "عليه السلام"، فأخذ الراية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن([32]).
وروي: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أعطى الراية للزبير إذ نزعها من سعد([33]).
زاد الدياربكري قوله: وجعله مكان سعد على الأنصار مع المهاجرين.
وعن الزبير: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" دفعها إليه فدخل بلواءين([34]).
قال الحافظ: والذي يظهر في الجمع: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرسل علياً لينزعها، وأن يدخل بها([35]).
ثم خشي تغير خاطر سعد، فأمر بدفعها لابنه قيس، ثم إن سعداً خشي أن يقع من ابنه شيء يكرهه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فسأل رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يأخذها، فحينئذ أخذها الزبير([36]).
ويؤيد ذلك: ما رواه البزار بسند على شرط البخاري عن أنس قال: كان قيس في مقدمة رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما قدم مكة، فكلم سعد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يصرفه عن الموضع الذي هو فيه مخافة أن يقدم على شيء فصرفه عن ذلك. انتهى([37]).
وفي نص آخر: أن أبا سفيان سعى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" (وزاحم حتى مرَّ تحت الرماح)، وأخذ بغرزه([38])، فقبَّله، وقال: بأبي أنت وأمي، أما تسمع ما يقول سعد؟ إنه يقول:
الــــيوم يـــــوم المـلـحـمـــة الـيـــوم تـســبــى الحـــرمــــة
فقال لعلي "عليه السلام": أدركه، فخذ الراية منه، وكن أنت الذي يدخل بها، وادخلها إدخالاً رفيقاً.
فأخذها علي "عليه السلام"، وأدخلها كما أمر ([39]).
ونقول:
قد احتوت النصوص المتقدمة أموراً عديدة ينبغي الوقوف عندها. وقد آثرنا أن نقتصر هنا على بعض منها، وهي الأمور التالية:
العباس هو المشير أم أبو بكر؟!:
يلاحظ: أن بعض الروايات المتقدمة تذكر: أن العباس هو الذي اقترح أن يرى أبو سفيان عرض جنود الله تعالى.
لكن رواية أخرى تذكر: أن أبا بكر هو المشير بذلك.
غير أننا نعلم: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن بحاجة إلى رأي أحد..
فإذا كانا قد بادرا إلى اقتراح من هذا القبيل، فذلك يشير إلى نقص فيهما، لأنهما يخالفان بذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([40]).
والصحيح هو: أن هذا هو قرار رسول الله "صلى الله عليه وآله" ، و لم يحتج فيه إلى أحد.
وقد صرحت بعض الروايات: بأنه بمجرد أن أعلن أبو سفيان بالشهادتين أمر النبي "صلى الله عليه وآله" العباس بأن يأخذه إلى العقبة ليراه جنود الله عز وجل، ويراهم.
أهداف حضور العرض:
وقد صرح رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالهدف الذي كان يتوخاه من حضور أبي سفيان عرض جنود الله تعالى، وهو أمران:
أولهما: أن يراه الناس جنود الله، لتقوى بذلك عزائمهم، ويصح يقينهم بوعد الله تعالى لهم بالفتح والنصر، منذ الحديبية.
ثانيهما: أن يرى هو جنود الله، لتذل وتتطامن نفسه الأمَّارة بالسوء، التي تمنيه النصر، وتدعوه إلى محاربة الله ورسوله، وعباده المؤمنين، وليكبته الله تبارك وتعالى بذلك، ويشفي به صدور قوم مؤمنين طالما اضطهدهم، وألحق بهم أنواعاً من الأذايا والبلايا والرزايا.
أبو سفيان يصر على أن ما يراه (مُلْكٌ):
وحين يعبِّر أبو سفيان للعباس عن انبهاره بما يرى، تراه يقول: ما أعظم ملك ابن أخيك.
فهو يزعم للعباس: بأن ما يراه إنما هو من مظاهر السلطان والملك، ولا يريد ان يعترف للنبي "صلى الله عليه وآله" بالنبوة، لأنه قد يستطيع أن يصنع لنفسه ملكاً يضاهيه، أو أن يكيد لهذا الملك ويسقطه، أو يسلبه ممن هو له.
أما النبوة فهي شرف لا يمكن سلبه، ولا مجال للسعي للحصول عليه؛ لأن الإختيار فيه لا يعود إليه، ولا إلى أحد يمكن الوصول إليه، بل إلى الله تبارك وتعالى. وأبو سفيان لم يزل محارباً له سبحانه، منتهكاً لحرماته..
ولذلك تراه يصر على توصيف كل ما يراه بأنه (ملك)، متجاهلاً كل ما يراه من معجزات وكرامات لرسول الله "صلى الله عليه وآله".. لأنه يرى: أن ذلك من مصلحته، كما أن مصلحته ـ بزعمه الفاسد ـ هي بإنكار النبوة، أو التشكيك فيها على الأقل.
أغدراً يا بني هاشم؟!:
إن أبا سفيان لم يزل يصف النبي "صلى الله عليه وآله" بأفضل الصفات، وبأنه أبر الناس وأوصلهم، وأرحمهم، وبأنه الحليم الكريم، و.. و.. وقد عرفه الناس بأنه الوفي الذي لا يغدر، والواضح الذي لا يمكر، والطاهر الذي لا يفجر.
وقد رفض "صلى الله عليه وآله" بعد عهد الحديبية أن يستجيب لطلب أبي بصير بأن لا يسلمه لأهل مكة، وقال له: "لا يصح في ديننا الغدر"([41]).
وقد كان وفاؤه هذا معروفاً لدى المشركين. وقد شهد بذلك مكرز بن حفص الذي بعثته قريش مع جماعة، ليستعلموا منه "صلى الله عليه وآله" عن سبب مجيئه إلى مكة في عمرة القضاء، فقالوا له: "والله، ما عُرفتَ صغيراً ولا كبيراً بالغدر".
إلى أن تقول الرواية: فقال مكرز: "هو الذي تعرف به البر والوفاء"([42]).
ولكن أبا سفيان برغم هذا كله، بمجرد أن أشار إليه العباس بأن يقف لحاجة له معه، بادر لوصف جميع بني هاشم بالغدر.. مع أن طلب الوقوف ليس فيه ما يشير إلى غدر، ولا إلى سواه.
ولكن خوف أبي سفيان قد أعاده إلى غفلته، وأيقظ فيه سوء سريرته، فتعامل مع الأمور وفق طبعه هو، لا وفق ما يعلمه من النبي "صلى الله عليه وآله" ومن بني هاشم..
والذي دل على ذلك: أنه قد برر وستر بهذا الخوف ما صدر منه من اتهام بني هاشم بالغدر، فإنه حين قال له العباس: لي إليك حاجة.
قال له أبو سفيان: فهلا بدأت بها أولاً.
فقلت: إنّ لي إليك حاجة، فيكون أفرخ لروعي.
العدة والعدد:
وقد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" أمر العباس بأن يوقف أبا سفيان على رأس العقبة ليراه عباد الله ويراهم.. ثم عبأ "صلى الله عليه وآله" أصحابه، وأمرهم بإظهار الأداة والعدة..
ولا يحتاج هذا الإجراء إلى بيان، فهو المنطق الذي يفهمه عبيد الدنيا، الذين يفهمون الأمور بمقاديرها، ويقومونها بأحجامها، وهيآتها المادية، لا بمضمونها ومعناها الواقعي.
كتائب أم قبائل:
وقد أمر النبي "صلى الله عليه وآله" منادياً ينادي: لتصبح كل قبيلة قد أرحلت، ووقفت مع صاحبها عند رايته. ثم صارت القبائل تمر على قادتها والقبائل على راياتها..
والسؤال هنا هو: عن السبب في هذه التبعية التي تعتمد على التصنيف العشائري مع أن الإسلام يرفض المنطق القبلي والعشائري.
ونقول في الجواب:
إن للعشائرية والقبائلية حالتين:
إحداهما: غير مضرة ولا مسيئة لأحد، وربما تكون محبوبةً ومرضيةً يتجاوز في محبوبيتها درجة الإستحباب لتصل إلى الوجوب.
ولتصبح بذلك منشأ للعقوبات والمثوبات الإلهية، لأن لها دوراً في بناء الحياة، وفي تصحيح مسارها.. مثل صلة الأرحام، وقضاء حوائجهم، وقد حَفِظَ الإسلام هذه الصلة والخصوصية، ورضيها.
ولكنه نزع منها أو فقل: غيَّر فيها نزعة العصبية وكرّسها في أن تكون عصبية للحق، وللدين، والسعي لرضا الله تعالى، والالتزام بأوامره في حفظ نفس هذه الصلة أيضاً.
الثانية: العصبية للعشيرة، وللنسب، والإندفاع في تلبية طموحات ذلك المتعصب، وأهوائه إلى حد الظلم والعدوان على الآخرين، لمجرد الإستجابة للداعي النسبي، أو العشائري. وهذا مرفوض ومدان في الإسلام.
ومن الواضح: أن ترتيب الكتائب وفق التصنيف العشائري هو من الصنف الأول أي أنه لا يوجب ضرراً، بل هو مفيد وسديد، ويوجب تنافساً في السعي إلى تحقيق رضا الله تبارك وتعالى فيما ندبهم إليه.. وهو يدفع أيضاً إلى التناصر في ساحات الجهاد، ويقلل من حجم الخسائر بين أهل الإيمان.
بل لقد كان لهذا التنظيم فائدة أخرى هامة جداً، وخصوصاً في فتح مكة.. حيث رأى أبو سفيان: كيف أن مختلف قبائل العرب، التي طالما علّق آماله على نصرها، تنضوي تحت لواء الإسلام، وتأتي لفتح بلد كان يعتبره آخر ما يمكن أن يفكر أحد بجمع الجيوش لدخوله..
ولذلك كان أبو سفيان كلما مرت به قبيلة من تلك القبائل، على هيئتها وبعدتها القتالية، يعرب عن حيرته في دوافع تلك القبيلة إلى أن تكون في موقع المحارب له، ثم أن تبلغ في عدائها له وللمشركين إلى هذا الحد، وهو أن تدخل مكة، فيقول: ما لي ولقبيلة كذا.. ثم يكرر هذا القول بالنسبة للقبيلة التي تليها.. وهكذا.
وقد يقول عن بعض القبائل: "ما كان بيننا وبينها ترة قط".
وقال عن بعضها: "جاءتني تقعقع من شواهقها".
بل هو حين مر به بنو بكر قال: أهل شؤم والله، هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم.
ولعل أكثر ما آلم قلبه هو: أنه قد مرت به قبائل كانت من أشد الناس عداوة لمحمد "صلى الله عليه وآله".. فما الذي قلب الأمور، وكيف تغيرت الأحوال؟!
من هؤلاء:
ولكن يبقى لنا سؤال عن طبيعة أسئلة أبي سفيان للعباس عن الأشخاص وعن القبائل.. فقد كانت معرفة أبي سفيان تضاهي معرفة العباس بهم وبها، فقد كانا يعرفان خالداً وعمر بن الخطاب، و.. و.. الخ.. ويعرفان سليماً وبني بكر، وبني أشجع الخ..
فهل كانت أسئلة تقديرية، أم أنه كان متجاهلاً في أسئلته لا جاهلاً، ليظهر للعباس أنه قد فوجئ بالأمر؟! أم أن هناك بعض الأسباب الأخرى التي لم تخطر على بالنا؟!
كل ذلك نجعله في بقية الأماكن ولكن النتيجة واحدة على كل حال، وهي فتح الله تعالى لنبيه "صلى الله عليه وآله"، ونصره على أهل الشرك والضلال.
خالد.. غلام!!:
وقد ورد في الروايات المتقدمة: أن أبا سفيان وصف خالد بن الوليد بالغلام حين رآه يقود كتيبته وهو يدخل مكة([43]).
ولا ندري ما المبرر لإطلاق هذا الوصف عليه، فقد كان عمره عالياً، وقد يكون من أتراب أبي سفيان نفسه، إن لم يكن أسن منه.
وهل يصح أن يوصف بـ "الغلام" من يزعمون: أنه كان أحد أشراف قريش في الجاهلية([44])، وإليه كانت القبة التي كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش؟([45]).
وإليه ـ حسب زعمهم أيضاً ـ كانت أعنة خيل قريش في الجاهلية([46]).
إلا إذا كان يقصد بـ "الغلام" الشيخ، على اعتبار أن هذه الكلمة من الأضداد التي تطلق على الفتى الطار الشارب والكهل([47]).
ولكن قد يقال: إنه تأويل غير مقبول؛ لأن أبا سفيان لما سمع باسم خالد قال مستفهماً: "الغلام؟ قال: نعم".
فقد يفيد هذا السياق: أن هذه الكلمة مما عرف إطلاقها على خالد.. فكأنها كانت من ألقابه لمناسبة اقتضت ذلك.
اللواء والراية:
قدمنا بعض الحديث عن اللواء والراية، واتحادها أو عدمه، في أوائل غزوة أحد، وربما في مواضع أخرى أيضاً..
وسياق الحديث في بعض النصوص المتقدمة يشير إلى اختلافهما أيضاً. ويظهر من بعضها خلاف ذلك.
فهو يجمع بين الألوية والرايات، فيقول عن بني سليم: كان معهم لواءان وراية.
وأضاف المعتزلي راية أخرى أيضاً.
ولكنه تحدث عن خصوص الألوية في مواضع أخرى، فقد قال عن بني مزينة: إن لهم ثلاثة ألوية.
وعن جهينة: إن فيهم أربعة ألوية.
وعن أشجع: كان فيهم لواءان.
وعن بني سليم: كان معهما لواءان، ولم يذكر رايات.
وذكر لبعض الفئات: راية أو أكثر، ولم يذكر لها لواء مثل المهاجرين، وأفناء العرب، وكذلك الحال بالنسبة لقبيلة غفار.
وكل ذلك يزيد في إبهام الأمر بالنسبة للاصطلاح الذي جرى عليه الرواة هنا.
ولعل ذلك يعزز ما قلناه من عدم الفرق بين اللواء والراية، وإن كان بعض الرواة قد يستنسب خصوصية في مورد، فيبادر إلى التفريق بينهما في تعابيره لأجلها، وإن لم يكن لها مدخلية حقيقية في أصل المعنى.
الرايات السود:
وقد ذكر فيما تقدم: أن راية المهاجرين وأفناء العرب كانت سوداء..
وقالوا أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد عقد يوم حنين ويوم الفتح راية سوداء([48]).
وسيأتي أيضاً عن أبي هريرة: أنه "صلى الله عليه وآله" دخل مكة يومئذٍ "وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء ولواؤه أسود"([49]).
ونقول:
إننا لم نجد مبرراً لعقد رسول الله "صلى الله عليه وآله" راية لعمه، خصوصاً بملاحظة الرواية الصحيحة التي صرحت: بأن العباس كان من الطلقاء..
ولو أغمضنا النظر عنها؛ فإن عقد راية له معناه: أن يطبل العباسيون ويزمروا لها ما شاؤوا.
ولكانت قد حفلت كتب التاريخ بذكرها تبركاً، أو تزلفاً لهم!! ولم نجد لذلك أثراً، لا في تبجحات العباسيين، ولا في تزلفات المتزلفين.
وبالمناسبة نقول:
قد يظهر من الكميت: أن الراية التي كان المسلمون يرفعونها في حروبهم ضد الكفار كانت سوداء، فهو يقول:
وإلا فـارفـعـوا الرايات ســوداً على أهل الضـلالــة والـتـعــدي
وقد كانت راية علي "عليه السلام" في صفين سوداء أيضاً([50])، وقد خاطب صلوات الله وسلامه عليه حضين بن المنذر بقوله:
لمـن رايــة سـوداء يخـفـق ظلها إذا قيـل: قـدمهـا حضين تقدمـا([51])
لقد عزَّ عمر بعد قلة وذلة:
وقد تكلمنا فيما سبق عن مقام وموقع عمر في الجاهلية وفي الإسلام، وليس لنا أن نعيد ما ذكرناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب، في فصل "حتى الشعب"، تحت فقرة بعنوان: "هل عز الإسلام بعمر حقاً"؟!
وقد أظهرت النصوص الصريحة: أن عمر بن الخطاب لم يكن من بيوت العز والشرف والسؤدد، بل كان في قلة وذلة، وكان هو في نفسه عسيفاً، أي تابعاً مستهاناً به.
ولكن بالإسلام ينال الناس الشرف والعزة، إلا إذا تخلفوا عن الإلتزام بمناهجه، وعن العمل بتعاليمه.. فلا بد من ملاحظة سيرة حياتهم، وتقييمهم على هذا الأساس.
أبو سفيان يصر على موقفه:
وقد ذكرنا في فصول متقدمة: كيف تعامل أبو سفيان مع ما جرى على خزاعة، حين قتلت بنو بكر وقريش طائفة من نسائها وصبيانها، وضعفاء الرجال فيها، ونقضوا بذلك عهدهم مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وكان رأيه جحد هذا الأمر، وإنكاره.. وسافر من مكة إلى المدينة لكي يوهم المسلمين ببراءة قريش من هذا الأمر، وحصر الأمر فيه بآحاد من بني بكر.
وها هو يعود ليزعم: أنه كان لما جرى على خزاعة كارهاً..
وليت شعري إذا كان له كارهاً، حيث بلغه، فلماذا سعى في طل دماء أولئك المقتولين ظلماً، وجحد أن يكون لقريش أي أثر فيه، وسافر إلى المدينة لإيهام المسلمين بهذا الأمر؟!
ولكنه أمر حُتِمَ:
واللافت: أن أبا سفيان يعود هنا فيلقي بالمسؤولية على القدر، ويتحاشى أن ينسب إلى أولئك المجرمين القتلة أية مسؤولية عن قتل أولئك الأبرياء، فهو يقول: "ولكنه أمر حتم".
ونقول له:
إنه أمر صنعته إرادات وأيدي زعماء قريش، وزعماء بني بكر، ولم يرحموا فيه صغيراً ولا كبيراً، ولم يجبرهم عليه أحد.
فهو لم يكن محتوماً لولا ركوبهم لخيول الهوى والعصبية، وطاعتهم للشيطان.
هذا.. وقد عوَّدنا الأقوياء حين يضعفون ويعجزون، وكذلك الذين يستشعرون بعض القوة، ثم يظهر لهم ما هم فيه من الوهن والفشل ـ عودونا ـ أن يبرروا ذلك بالإحالة على القدر، أو على الجبر التكويني الإلهي، لتغطية ذلك العجز والوهن، والتستر على ما هم فيه من فشل وخيبة..
وقد كانت عقيدة الجبرية في المشركين، وورثها الناس عنهم، وربما يكون لأهل الكتاب أيضاً دور في ترسيخها فيهم.
قال تعالى عن المشركين: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم..}([52]).
بل إن اليهود قد جعلوا الله تعالى محكوماً بقدره، ومقهوراً ومجبراً فيما يفعل، فقد قال سبحانه عنهم: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ..}([53]).
وقد استخدم الحكام وأهل الأطماع هذه العقيدة لخدمة مصالحهم، وتسيير أمورهم، وحل مشاكلهم، والخروج من بعض المآزق التي أوقعوا أنفسهم فيها.
وبرروا بها إقدامهم على كثير من الأمور غير المشروعة أيضاً.
ثم وُضِعَتْ الأحاديث الكثيرة على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله" لتأييد هذه العقيدة ونشرها..
من أجل هذا وذاك ظهرت هذه العقيدة في مفردات كثيرة من مواقف وكلمات وتصرفات الخلفاء والحكام، والشخصيات المعروفة ـ باستثناء علي وأهل بيته "عليهم السلام" ـ فراجع ما ينقل من ذلك عن عمر، وأبي بكر ، وعائشة، وخالد بن الوليد، ومعاوية، وعمر بن سعد، والمنصور و.. و.. الخ..
وبها بررت عائشة حرب الجمل التي خاضتها ضد أمير المؤمنين "عليه السلام"([54]).
وبها برر عمر بن الخطاب بعض أعماله حتى حين مزق كتاباً سجل فيه حكماً في مسألة إرثية..
وبها برر عثمان تمسكه بالحكم إلى أن قتل.
وبها احتج معاوية لعهده بالخلافة بعده ليزيد الخمور والفجور.
وبها برر عمر بن سعد قتله للإمام الحسين "عليه السلام".
وبها استدل خالد بن الوليد لقتل مالك بن نويرة، ومن معه من المسلمين.
وبها برر معاوية والمنصور العباسي منع الناس من حقوقهم في بيت مال المسلمين.
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه([55]).
هذا.. وقد تصدى أمير المؤمنين وأهل البيت "عليهم السلام" وكذلك شيعتهم "رضوان الله عليهم" لهذه العقيدة الفاسدة، بكل ما أمكنهم.. كما تصدوا لكل فاسدٍ وافد، وبينوا زيفه بالأدلة وبالشواهد..
بنو بكر أهل شؤم:
وقد قال أبو سفيان عن بني بكر، حين مروا به: "نعم، أهل شؤم والله! هؤلاء الذين غزانا محمد بسببهم".
ونقول:
إنه كلام غير سليم، وهو يستبطن نوعاً من التدليس للحقيقة، والمغالطة فيها، فلاحظ ما يلي:
أولاً: إن بني بكر لم يكونوا وحدهم حين قتلوا الأطفال، والنساء، والضعفاء من رجال خزاعة، بل كان معهم من قريش جماعة فيهم زعماء، وكبار، ولم يكن بنو بكر ليجبروهم على اتخاذ موقفهم، بل اتخذوه بملء اختيارهم.
فما معنى: أن يعتبرهم شؤماً، فضلاً عن أن يجعلهم سبب غزو محمد "صلى الله عليه وآله" لقريش؟!
ثانياً: لو صح قول أبي سفيان هذا، فقد كان بإمكانه أن يتلافى ما حصل، بالعمل على القصاص من المجرمين، أو على الأقل أن يعطي أولئك القتلة الظالمون خزاعة دية قتلاها..
ثالثاً: لماذا ساهم هو في التستر على مرتكبي الجريمة، وفي السعي لخداع المسلمين، وإعطائهم انطباعاً خاطئاً عن حقيقة ما جرى؟!
موقف النبي ' من كلام سعد:
وعن قول سعد بن عبادة: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، اليوم أذل الله قريشاً، نقول:
إنه مرفوض جملة وتفصيلاً، بعد أن صدرت الأوامر الصارمة من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وظهرت رغبته الأكيدة بحفظ حرمة بيت الله، وحرمه.
وهذا ينم عن جهل، أو عن عصبية جاهلية اعترت سعداً في ذلك الموقف.. إلا إذا كان يريد أن يخيف أبا سفيان، أو أنه أطلق كلماته تلك انسياقاً مع مشاعره الجياشة، وانسجاماً مع عواطفه الثائرة، بعد كل ما رآه من بغي وطغيان، وظلم مارسته قريش ضد الإسلام وأهله طيلة أكثر من عشرين سنة.
وفي جميع الأحوال نقول:
إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يريد حفظ حرم الله والتأكيد على كرامة بيته، لأن في ذلك حفظ الإسلام.. حتى لو أدى ذلك إلى أن يتمكن بعض الظلمة من أن يفلتوا من العقوبة التي يستحقونها في هذه الدنيا، ولم يكن يريد حفظ أقاربه وقومه، بما هم قوم وأقارب، فقد أثبتت الأيام: أنه "صلى الله عليه وآله" لا يفكر بهذه الطريقة، ولا ينطلق في مواقفه من مثل هذه المفاهيم والمعاني.
كما أنه يريد: أن يفسح المجال للناس الذين استضعفهم أولئك المستكبرون، ليمارسوا حريتهم في الاختيار وفي الممارسة، وأن يمنع حدوث أي شيء يؤسس لأحقاد، أو لطلب ثارات، قد تتسبب في تفجير أوضاع خطيرة على مستقبل الدين وأهله..
وقد نسبت بعض الروايات إلى النبي "صلى الله عليه وآله" قوله: "كذب سعد". وهي كلمة قوية وحادة، إن كان يريد أن سعداً تعمد أن يكذب.
وإن كان يريد أنه لم يصب الواقع، لاشتباه الأمر عليه، فظن أن يوم المرحمة هو يوم الملحمة، فليس في هذه الكلمة إهانة لسعد، بل هو يريد تخطئته وحسب.
يوم المرحمة ويوم عزَّ قريش:
ولا شك في أن الرحمة الإلهية قد شملت أهل مكة بهذا الفتح الذي فرض عليهم الإسلام، وأدى إلى هيمنة أحكامه وشرائعه، التي هي محض الحق والعدل، وبها يكون لهم بلوغ درجات الكرامة والفضل.
إنه يوم رفع الظلم، والجبرية، ويوم إعلان الحرب على الفساد والمفسدين، وإبطال حكومة الأهواء والنزوات، وإسقاط هيمنة العصبيات والشهوات.
وهو أيضاً: يوم تعظيم الكعبة وكسوتها.. بعد أن خرجت من يد المشركين بربهم، الذين هتكوا حرمة حرم الله بذبح أطفال، ونساء، وضعفاء رجال خزاعة فيه.. وتجرؤوا على الله بعبادة الأصنام في بيته والدعوة إلى الشرك به تعالى فيه..
وهو يوم عزّ قريش التي أعلنت براءتها من الشرك، والتزامها بالإيمان بالله، وبأنبيائه ورسله، وقبول دينه، فمنحها ذلك حصانة، وعزة، حتى لو كان إيمانها لا يزال في مراحله الأولى، الذي يقتصر على مجرد الإعلان اللساني، ولم يلامس بعد شغاف القلوب، ولم يتمازج مع الأرواح، ولا طبعت به النفوس.
أخذ الراية من سعد:
ولم يكن أخذ الراية من سعد يهدف إلى إهانته، أو المسّ بمقامه. ولذلك أخذت منه لكي تعطى لمن هو أولى بها منه ومن كل أحد، ألا وهو علي بن أبي طالب "عليه السلام"، ليُدْخِلَها إلى مكة إدخالاً رفيقاً، بعيداً عن أجواء الإثارة والتحدي، والرهج([56])، والحركات المؤذية للناس..
ويعيدها إلى قيس بن سعد بن عبادة، ليركزها عند الحجون، لأن إعطاء الراية للولد يرضي الوالد، ويحفظ ماء وجهه، ويطمئنه إلى أن المقصود ليس هو الطعن بمقامه، وإنما تهدئة الأمور، وتبريد الأجواء.
وبذلك نستطيع أن ندرك: أن الروايات التي ذكرت أخذ الراية من سعد، لتعطى لعلي "عليه السلام"، أو لقيس بن سعد ليست متنافرة.
كما أنها لا تتضمن إهانة أو حطاً من مقام سعد. وإن كان محبو أبي بكر وعمر قد يرضيهم إعطاؤها هذا الطابع، لأن سعداً لا يحظى بالإحترام، والتقدير لديهم، ولا يتمتع بالحصانة التي تمنع من نسبة ذلك إليه، لأنه بنظرهم يستحق كل مهانة، لأنه نافس أبا بكر على الخلافة في يوم السقيفة، في حديث معروف ومشهور..
ومما يدل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقصد ذلك: ما تقدم من أنه "صلى الله عليه وآله" نزع اللواء من يده، وجعله إلى ابنه قيس. وقد قالوا: ورأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن اللواء لم يخرج من يد سعد، حتى صار إلى ابنه.
سعد لم يكن ينوي البطش بأهل مكة:
ومما يؤكد: على أن سعداً لم يكن ينوي البطش بأهل مكة، وإنما قال ما قال على سبيل التهديد والتخويف لأبي سفيان.. أو لأنه فهم أن الأمور ستؤول إلى ذلك، ما رووه: من أنه بعد أن صار اللواء إلى ولده خاف أن يقدم ولده على شيء من العنف، فطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأخذ اللواء حتى من ولده([57]).
وأما احتمال أن يكون قد طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأخذ اللواء من ولده قيس بسبب انزعاجه من عزله وتولية ولده، فهو احتمال رديء يؤدي إلى إتهام سعد في دينه، من حيث إنه يتضمن اعتراضاً منه على النبي "صلى الله عليه وآله".
وأما القول: بأن لا شيء يدل على أن سعداً قد خاف على ولده من أن يرتكب مخالفة فيبادر إلى الطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأخذ منه الراية أيضاً.
فيقال في جوابه: إنه يمكن أن يكون راوي الحديث قد رأى قرائن ودلالات، أعطته الانطباع بأن سعداًيضاً يريد حفظ ولده من أن يقع في خلاف ما يريده رسول الله "صلى الله عليه وآله".
علي × صاحب اللواء:
ولسنا بحاجة إلى إعادة التذكير بأن علياً "عليه السلام" كان صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كل مشهد، وفي يوم فتح مكة أيضاً. وقد تقدم ذلك في أوائل غزوة أُحد.
وقد صرحت النصوص هنا: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أضاف إلى علي لواء سعد بن عبادة أيضاً.
غير أن ثمة من يدَّعي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أعطى راية سعد للزبير، وزعموا: أن الزبير دخل مكة بلواءين.
وهي رواية الزبيريين لصالح سيدهم وكبيرهم، بل يظهر من ملاحظة بعض الروايات: أن الزبير قد روى ذلك أيضاً لنفسه، في محاولة منه لجر النار إلى قرصه..
غير أننا نقول:
لنفترض: أن لهذا الكلام نصيباً من الصحة، فلعل أمير المؤمنين "عليه السلام" بعد أن أدخل الراية إلى مكة إدخالاً رفيقاً، إمتثالاً لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ لعله ـ أعطاها بعد ذلك للزبير، مكتفياً هو بحمل لواء الجيش كله، حسبما ألمحنا إليه..
فإنهم يقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر علياً، فأخذ الراية، فذهب بها إلى مكة حتى غرزها عند الركن([58]). فلعله جعلها مع الزبير مدة يسيرة بعد ذلك إلى أن جاء قيس بن سعد، فأخذها من الزبير وأوصلها إلى الحجون.
عمر بن الخطاب يتعاطف مع قريش:
واللافت هنا: أن عمر بن الخطاب الذي أظهر حرصه على قتل أبي سفيان قبل قليل، ولم يزل يظهر الشدة على المشركين، ويطالب بسفك دمهم، هو الذي سمع سعداً يقول: اليوم يوم الملحمة الخ.. فجاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال له: "يا رسول الله، اسمع ما قال سعد!! ما نأمن أن يكون له في قريش صولة"([59]).
ثم تابعه على ذلك عبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان([60]).
ثم دس ضرار بن الخطاب بشعره المتقدم مع امرأة لتنشده النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو يستعطفه فيه أيضاً على أهل مكة، بعد أن سمع هو الآخر مقالة سعد بن عبادة.
فما هذا الحرص من خصوص هؤلاء على سلامة قريش من صولات سعد؟!
ولماذا يكون عمر شديداً هناك، في حين كان واضحاً لكل أحد أن المصلحة هي في عدم التعرض لأحد من أولئك الناس، وأن الأمر فيهم لرسول الله "صلى الله عليه وآله" دون سواه، ثم يكون حريصاً على سلامة قريش هنا، حيث لا يوجد ما يمنع سعداً من أن تكون له في قريش صولة إلا تدخُّل النبي "صلى الله عليه وآله" معه لمنعه من ذلك.. مع توفر الدواعي للبطش بقريش، وكسر عنفوانها، ومجازاتها على بعض ما صدر منها من ظلم، وما ارتكبته من جرائم في حق سائر أهل الإيمان في المنطقة بأسرها.
وأما استبعاد البعض: أن يكون عمر قد فعل ذلك، لكونه كان معروفاً بشدة البأس عليهم([61])، فقد تقدم في غزوة أُحد ما يفيد في بيان عدم صحة هذا الكلام، حيث قلنا: إن هناك ما يشير إلى وجود عطف متبادل فيما بين المشركين وبين عمر.
وأما المواقف التي كان يظهر فيها عمر شدته عليهم، فإنما هي في المواقع التي كان يعلم أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اتخذ قراراً بعدم التعرض لهم. ولأجل ذلك لم نجده "صلى الله عليه وآله" أذن له ولو مرة واحدة بإلحاق الأذى بأي فرد منهم، رغم كثرة طلبه ذلك منه "صلى الله عليه وآله".
أبو سفيان يُقَبِّل غرز رسول الله ':
وقد أشرنا أكثر من مرة إلى مشروعية التقبيل للأنبياء والأولياء وآثارهم، وقد ذُكر في الروايات الكثير من الشواهد والدلالات على ذلك، والروايات المتقدمة أظهرت سعي أبي سفيان، ومزاحمته للناس حتى مر تحت الرماح، ووصل إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وأخذ بغرزه فقبله..
ولم يمنعه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من ذلك، ولا أشار إلى أي تحفظ على هذا التقبيل، فيدخل تحت قاعدة مشروعية فعل ما سكت المعصوم عن الاعتراض على فاعله..
ومن جهة أخرى، فإن أبا سفيان الذي لم يزل يجد في داخله إرهاصات الانتقام من النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين استكباراً منه، وظلماً وعتواً قد أصبح في موقع المستجدي لعطفهم، والمتملق لهم، والمُقَبِّل لغرز النبي "صلى الله عليه وآله"، والمعلن بالمدح والثناء عليه، فهو يقول له: أنت أبر الناس، وأوصل الناس، وأرحم الناس.
فهل يعتبر هذا الرجل، ويكف عن التآمر، والكيد، وبث الفتن والأحقاد؟!
تأثير المرأة على رسول الله '!!:
وقد تقدم في بعض الروايات: أن ضرار بن الخطاب الفهري حين سمع مقالة سعد أرسل أبياتاً مع امرأة من قريش، فعارضت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بها، "فكأن ضراراً أرسل به المرأة ليكون أبلغ في انعطاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قريش".
ونقول:
إن هذا تفكير تافه وسخيف، يتناسب مع ذهنية المشركين الذين لا يعرفون معنى النبوة، ولا يعيشون آفاقها.
فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإن كان إنساناً كامل المزايا الإنسانية ومنها العاطفة الجياشة، ولكن عاطفته هذه تبقى خاضعة لعقله، ومحكومة بالشرع والدين، وبرضا الله تبارك وتعالى..
فإذا كان هذا العطف متوافقاً مع الباطل، ويسخط الله، فإنه يتحول إلى غضب حازم، وقرار جازم لا يحابي، ولا يجامل، ولا تخالطه عاطفة، ولا عصبيات باطلة.
وإن كان متوافقاً مع الحق، ومع رضا الله، فرضاه تعالى هو الذي يحرك النبي "صلى الله عليه وآله"، والحق هو الذي يهيمن على تلك الحركة.
إيحاءات لا تجدي شيئاً:
وقد ذكرت بعض الروايات المتقدمة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد دخل مكة وهو بين أبي بكر (الصديق) وأسيد بن حضير، وهو يحدثهما..
فقال العباس لأبي سفيان: هذا رسول الله!!
ونقول:
إن مجرد أن يمشي النبي "صلى الله عليه وآله" بين هذا وذاك لا يدل على فضيلة لأيٍ منهما.
إلا إذا ثبت: أنه "صلى الله عليه وآله" هو الذي طلب منهما أن يكونا معه وإلى جانبه.
وثبت أيضاً: أنه أراد تكريمهما بذلك..
ولم يثبت أي من هذين الأمرين.. لكننا نعرف أن من المألوف أن يسعى الناس أنفسهم للتقرب من العظماء، فكيف لا يتقربون من الأنبياء؟ ولا سيما في مثل هذا الفتح العظيم.
بل إن التحدث عن أن هذا الأمر يشير إلى خصوصية امتاز بها أبو بكر وأسيد بن حضير على من سواهما يوجب الريب فيما يدَّعيه أتباع ومحبو نفس هؤلاء، من تقدم لعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وسواهما على أسيد بن حضير، فكيف اختص أسيد بهذه الفضيلة دون هؤلاء، بما فيهم عمر بن الخطاب؟!
وأما قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يحدث أبا بكر، وأسيد بن حضير.. فإن كان على تقدير أن يكون أحدهما قد سأل النبي "صلى الله عليه وآله" عن أمر مّا، فكان النبي "صلى الله عليه وآله" يجيبه عنه، فهو مقبول..
وأما إن كان يراد تعظيم أبي بكر وأسيد، ولو بقيمة تصغير شأن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقد خاب من اعتدى وافترى على مقام النبوة الأقدس.
على أن من الجائز أن يكونا قد حشرا نفسيهما في هذا الموقع، وبادرا إلى طرح بعض الأسئلة لكي يرى الناس أن لهما من رسول الله "صلى الله عليه وآله" موقعاً خاصاً.
أسلم بنا:
وعن قول العباس لأبي سفيان، حين بُعث النبي "صلى الله عليه وآله": أسلم بنا، نقول:
إنه لمن الغريب حقاً: أن يكون ابن عبد المطلب سيد الحجاز، وشيخ بني عبد مناف يعيش هذه التبعية الذليلة والمهينة أمام أبي سفيان، حتى إنه يعتبر إسلام أبي سفيان أساساً لإسلامه، وإسلام من هم على شاكلته من الناس.. فأبو سفيان هو المتصرف بهم، حتى في قضايا الإيمان والإسلام.
ويا ليت العباس كان قد تستر على هذا الضعف المهين، أو أخفى طرفاً من هذه التبعية المشينة، فإن إظهارها بهذه الطريقة، وكأنها من الأمور العادية والمسلمة، حيث يقول: أسلم بنا!! فذلك يؤلم روح الإنسان الحر، ويؤذي مشاعره، لأنه يعتبر ذلك إهانة للإنسانية واستخفافاً بالضمير، وتحقيراً للعقل.
وعلى كل حال، فإن العباس بقي على تبعيّته لأبي سفيان طيلة عشرين سنة، بل إنه حتى حين لم يعد له مناص هو وأبو سفيان من إعلان الإسلام لم يضعف اهتمامه بحفظ أبي سفيان، ولم يفتر عن السعي في مصالحه، وما يرضيه.. ولم نجده متحمساً لحفظ أهل الإيمان، حتى لابن أخيه علي "عليه السلام" حين اعتدى عليه المعتدون بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، بمقدار عشر حماسته لأبي سفيان في يوم الفتح.. وذلك ظاهر لا يخفى.
الفصل الثاني:
دخول مكة
أدوار مخترعة للعباس &:
هذا.. وقد رووا: عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وعن عروة: أن العباس قال: يا رسول الله!! لو أذنت لي فأتيتهم ـ أي أهل مكة ـ فدعوتهم فأمنتهم ، فركب العباس بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله" الشهباء، وانطلق.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ردوا عليّ أبي، ردوا عليّ أبي، فإن عم الرجل صنو أبيه. إني أخاف أن تفعل به قريش ما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود، دعاهم إلى الله ـ تعالى ـ فقتلوه، أما والله لئن ركبوها منه لأضرمنها عليهم ناراً".
فكره العباس الرجوع، وقال: يا رسول الله، إن تُرْجِع أبا سفيان راغباً في قلة الناس، فيكفر بعد إسلامه.
فقال: "احبسه" فحبسه.
فذكر عرض القبائل ومرورها بأبي سفيان، وفيه: فقال أبو سفيان: امض يا عباس.
فانطلق العباس حتى دخل مكة، فقال: يا أهل مكة!! أسلموا تسلموا قد استبطنتم بأشهب بازل([62]).
وفي حديث عروة: وكفهم الله عز وجل ـ عن العباس ـ انتهى.
قال: ثم إن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لأبي سفيان: تقدم إلى مكة فأعلمهم الأمان([63]).
قال العباس: فقلت لأبي سفيان بن حرب: أنج ويحك، فأدرك قومك قبل أن يدخل عليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فخرج أبو سفيان، فتقدم الناس كلهم حتى دخل مكة من كداء، فصرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، أسلموا تسلموا، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
قالوا: قاتلك الله! وما تغني دارك؟!
قال: ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.
فقامت إليه هند بنت عتبة زوجته، فأخذت بشاربه، وقالت: أقتلوا الحميت الدسم الأحمس، قُبِّح من طليعة قوم.
فقال أبو سفيان: ويلكم! لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به([64]).
وفي نص آخر: أن أبا سفيان أقبل يركض حتى دخل مكة وقد سطع الغبار من فوق الجبال([65])، ثم صاح: يا آل غالب، البيوت البيوت. من دخل داري فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم..
إلى أن قالت الرواية: أن أبا سفيان قال لها: ويلك إني رأيت ذات القرون، ورأيت فارس أبناء الكرام، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير، يسلمن (يسلمون) آخر النهار، ويلك اسكتي، فقد والله جاء الحق، ودنت البلية([66]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم وقفات، نذكرها فيما يلي:
خوف النبي ' على العباس:
وبالنسبة لما ذكر من خوف النبي "صلى الله عليه وآله" على عمه العباس، وطلبه أن يردوه عليه، نقول:
إننا نكاد نطمئن إلى أنها رواية مفتعلة في معظمها ، فلاحظ ما يلي:
1 ـ كيف يرضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يذهب العباس إلى أهل مكة، ويأذن له بأن يركب بغلته.. إذ لم يكن ليركب العباس بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله" من دون إذنه.. ثم يغير قراره مباشرة، ويطلب من الناس إرجاع العباس.
فإن لم يكن ملتفتاً في بادئ الأمر إلى أن أهل مكة قد يؤذون عمه، وقد يجري له معهم كما جرى لعروة بن مسعود حيث قتلته ثقيف حينما دعاهم إلى الله تعالى، فذلك يشير إلى نقص لا يصح نسبته إلى النبي "صلى الله عليه وآله".. وإن كان قد التفت إلى ذلك وكان قراراً مصيباً، فلماذا عدل عنه؟! وإن كان قراراً خاطئاً فلماذا اتخذه، وأصدر أمره على أساسه؟!
وهل يمكن أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" متردداً إلى هذا الحد؟ ثم ألا يوجب ذلك وهن أمره، وضعف أثره؟
ومن تكون هذه حاله، كيف يستطيع أن يجمع هذه الجموع ويحقق هذه الإنجازات؟!
2 ـ إن عروة بن مسعود حين دعا ثقيفاً إلى الله لم يكن وراءه من تخشاه ثقيف ولا كان معه، عشرة آلاف مقاتل، ولا كان قد أخذ من زعمائهم من هو مثل أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام..
أما العباس، فكان كل ذلك متوفراً بالنسبة إليه، فلا معنى لقياس حاله بحال ابن مسعود الثقفي، الذي قتلته ثقيف..
3 ـ إن واضع الرواية لم تكن لديه خبرة كافية بالتاريخ. فإن ما ذكره من خشية النبي "صلى الله عليه وآله" من أن يجري على عمه مثل ما جرى على عروة بن مسعود، حيث قتلته ثقيف حين ذهب إليهم يدعوهم إلى الله، لا يمكن أن يصح، لأن عروة ـ كما صرحت به النصوص ـ إنما قتلته ثقيف في سنة تسع بعد رجوع أبي بكر من الحج([67]).
وقد كان فتح مكة في شهر رمضان من سنة ثمان كما هو معلوم، أو بعد حرب الطائف كما ذكره ابن إسحاق([68]). وقد كان الفتح في شوال سنة ثمان.
وسيأتي ذلك كله مع مصادره بعد غزوة الطائف إن شاء الله تعالى.
4 ـ ما معنى: أن لا يرضى العباس أن يمتثل لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حيث كره الرجوع، رغم أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمره به.
5 ـ ما معنى: أن يأمر أبو سفيان العباس بأن يمضي معه، فيطيعه، ويدخل معه مكة، وذلك بعد أن رأى أبو سفيان عرض القبائل ومرورها.. ولا يرضى بإطاعة أمر الرسول "صلى الله عليه وآله" له بالرجوع؟!
فهل كان النبي "صلى الله عليه وآله" غافلاً عن أن المصلحة هي في أن يرى أبو سفيان ذلك العرض، ثم يذهب هو والعباس بعده إلى أهل مكة؟!
ولو صح ذلك، فكيف نرد على الروايات المصرحة: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر العباس ـ فور إسلام أبي سفيان ـ أن يوقفه عند العقبة، ويريه عرض القبائل؟! بل الروايات تقول: إن العباس هو الذي اقترح ذلك، فقبله منه النبي "صلى الله عليه وآله".
فإن هذا يعني: أن أمر النبي "صلى الله عليه وآله" للعباس بدخول مكة، ثم تراجعه عن قراره ـ حسبما يزعمون ـ قد كان بعد العرض الذي رآه أبو سفيان، وهو ينافي قولهم: إنه رأى العرض بعد إرجاع النبي "صلى الله عليه وآله" للعباس..
6 ـ لماذا يراد تضخيم دور العباس بتصوير أنه مستهدف من قبل المشركين، حتى كأن سيوفهم ورماحهم مشرعة لتغمد في صدره ونحره، حتى ليقول عروة: "وكفهم الله عز وجل عن العباس ". إذ متى استهدف المشركون العباس بسوء؟
7 ـ إن الروايات تظهر: أن أبا سفيان هو الذي دعا أهل مكة للإسراع بالاستسلام، وهو الذي أخبرهم بالأمان، ثم دخل الجيش مكة.
ولم نجد أية فرصة للعباس ليقول لأهل ذلك البلد شيئاً، سوى تلك الكلمة التي يزعمون: أن أبا سفيان أمره بأن يقولها، وهي نفسها التي قالها لهم أبو سفيان أيضاً.
8 ـ إننا لم نعهد النبي الكريم "صلى الله عليه وآله" يتصرف بهذه اللهفة على العباس، أو على غيره انطلاقاً من الداعي النَسَبي، فضلاً عن أن يبرر تصرفه هذا بأمر عادي جداً. حيث يقول: "فإن عم الرجل صنو أبيه"، مع ملاحظة أن أبا لهب كان عم النبي "صلى الله عليه وآله" أيضاً، فهل هو الآخر صنو أبيه أيضاً في مواقفه، وفي حربه له ولدينه؟!
9 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" لم يرسل العباس لدعوة أهل مكة لدينه. بل أرسله بالأمان لهم على دمائهم وأموالهم. فهم يرونه محسناً لهم.. حتى لو خطّأوه في دعوتهم إلى هذا الأمان. مع أنهم سوف يرون موقفه هذا هو عين الصواب.
سهم العباس في عكاظ.. أكذوبة أخرى:
ومما يدخل في سياق تعظيم العباس وتفخيمه، ما زعموه من أن النبي "صلى الله عليه وآله" لما فتح مكة أوحى الله إليه: إن عمك له عليك يد سابقة، وجميل متقدم، وهو ما أنفق عليك في وليمة عبد الله بن جدعان، مع ما له عليك في سائر الأزمان. وفي نفسه سهم من سوق عكاظ، فامنحه إياه في مدة حياته، وولده بعد وفاته.
ثم قال: ألا لعنة الله على من عارض عمي في سوق عكاظ، ونازعه فيه. ومن أخذه فأنا بريء منه، وعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين.
فلم يكترث عمر بذلك، وحسد العباس على دخول سوق عكاظ، وغصبه منه([69]).
ونقول:
إن لنا على هذا النص العديد من المؤاخذات.
أولاً: قال العلامة الشيخ محمد تقي التستري ما محصله: إن مضمون هذا الحديث يدل على كذبه.
ولو كان صحيحاً، فلِم لَم يذكر مضامينه المفيد، والمرتضى، ولم يرد في كتاب آخر، أو خبر؟!([70]).
ثانياً: ما معنى: أن ينفق العباس على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في وليمة شخص آخر وهو عبد الله بن جدعان؟ فإن المفروض: أن يكون من ينفق في الوليمة هو صاحبها، وأن لا يرضى بأن يشاركه غيره في الإنفاق، لأن ذلك يتضمن انتقاصاً من مقامه، وتشكيكاً في قيامه بما يتوجب عليه.
ثالثاً: ما معنى: أن يحسد عمر العباس على دخول عكاظ؟ فإن المفروض هو: أن يحسده على حصته في ذلك السوق، لا على مجرد الدخول فيه، علماً بأن الناس كلهم يقدرون على دخول سوق عكاظ، ومنهم عمر نفسه؟! إلا أن يكون المقصود هو دخوله بعنوان كونه مالكاً وشريكاً في جزء منه، لا مطلقاً.. ولكن لماذا لا يفصح هذا القائل عن مراده، ويورد الكلام بصورة مبهمة؟!
رابعاً: هل كان ذلك السوق مملوكاً لأشخاص، أم كان مجرد مكان عام واسع يجتمع به الناس، ويبيعون ويشترون، ويتناشدون الأشعار وما إلى ذلك؟!
خامساً: قد دعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ربه أن لا يجعل لفاسق ولا لفاجر عنده نعمة([71]). فما بالك بالمشرك؟! كما أنه "صلى الله عليه وآله" كان لا يقبل هدية من المشرك([72]).
فذلك الدعاء يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن لأحد منهم قبل الدعاء وبعده أية يد عنده.
وإذا كان الله تعالى قد مدح الأتقى حيث قال: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}([73])، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو الأولى بهذا المدح، لأنه المصداق الأتم لما ذكرته الآيات من أوصاف حميدة..
فما معنى أن يكون للعباس يد عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، مما كان أنفقه عليه في وليمة ابن جدعان، مع ما له عليه في سائر الأزمان؟! ألم يكن العباس مشركاً آنئذٍ وبعد ذلك إلى عشرات السنين؟!
وألا ينافي ذلك نص الآية الكريمة التي نفت ـ على سبيل المدح ـ أن يكون لأحد عند ذلك المؤمن نعمة تجزى، فبطريق أولى أن لا يكون لأحد عند النبي "صلى الله عليه وآله" أية نعمة تستحق الجزاء والمكافأة؟!
كيف دخل النبي ' مكة؟!:
قالوا: لما ذهب أبو سفيان إلى مكة بعد ما عاين جنود الله ـ تعالى ـ تمر عليه، واصل المسلمون سيرهم، حتى انتهوا إلى ذي طوى، فوقفوا ينتظرون رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى تلاحق الناس، وأقبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كتيبته الخضراء، وهو على ناقته القصواء، معتجراً([74]) بشق برد حبرة([75]) حمراء([76]). وقد أردف أسامة بن زيد وقد طأطأ رأسه تواضعاً لله تعالى، وهو يقرأ سورة الفتح([77]).
وعن أنس قال: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشعاً([78]).
وعن أبي هريرة قال: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ وعليه عمامة سوداء، ورايته سوداء، ولواؤه أسود حتى وقف بذي طوى، وتوسط الناس، وإن عثنونه([79]) ليمس واسطة رحله، أو يقرب منها تواضعاً لله عز وجل، حين رأى ما رأى من فتح الله تعالى، وكثرة المسلمين، ثم قال: "اللهم إن العيش عيش الآخرة"([80]).
قال: وجعلت الخيل تمعج([81]) بذي طوى في كل وجه، ثم ثابت وسكنت حين توسطهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"([82]).
وعن أنس وعمرو بن حريث: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" دخل مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام([83]).
وعن عمرو بن حريث قال: كأني أنظر إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة، وعليه عمامة سوداء خرقانية، وقد أرخى طرفها بين كتفيه([84]).
وقد أشرنا أكثر من مرة إلى الإختلاف بين اللواء والراية، وغير ذلك..
وبالنسبة لما روي عن أبي هريرة: من أن لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" أسود ورايته سوداء، في فتح مكة.. نقول:
قد رووا عن جابر أيضاً، أنه قال: كان لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم دخل مكة أبيض([85]).
وعن عائشة: "كان لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح أبيض، ورايته سوداء، تسمى العقاب، وكانت قطعة مرط([86]) مرحل([87])"([88]).
وعنها أيضاً قالت: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح من كداء من أعلى مكة([89])، وخرج من أسفلها وهو ثنية كدى.
وعند الواقدي: أنه "صلى الله عليه وآله" أمر الزبير أن يدخل من كدى، وأمر خالداً أن يدخل من الليط (موضع بأسفل مكة)، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل من كداء، والراية مع ابنه قيس، ومضى "صلى الله عليه وآله" فدخل من أذاخر([90]).
وقالوا: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أذاخر حتى نزل بأعلى مكة، وضربت له هناك قبة([91]).
ورووا: عن ابن عمر: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة عام الفتح، رأى النساء يلطمن وجوه الخيل بالخمر، فتبسم إلى أبي بكر، فقال: "يا أبا بكر كيف قال حسان"؟!
فأنشده أبو بكر قول حسان:
عـدمـت بـنـيـتـي إن لم تـروهـا تـثـير الـنـقـع مـن كـتـفي كـداء
يـنـازعـن الأعـنـة مسـرجــات يـلـطـمـهـن بـالخــمـر الـنسـاء
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ادخلوها من حيث قال حسان"([92]).
قال الصالحي الشامي: وفي الصحيح وغيره عن عروة: "أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه"([93]).
وقال في الصحيح أيضاً عن العباس: أنه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله ها هنا أمرك رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن تركز الراية؟
قال: نعم([94]).
قال: وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" خالد بن الوليد ـ وكان على المجنبة اليمنى، وفيها أسلم، وسليم، وغفار، ومزينة، وجهينة، وقبائل من العرب ـ أن يدخلوا من الليط، وهو أسفل مكة، وأمره أن يغرز رايته عند أدنى البيوت([95])، وبها بنو بكر، وبنو الحارث بن عبد مناة، والأحابيش الذين استنفرتهم قريش([96]).
وأمّر أبا عبيدة بن الجراح على الحسَّر([97]). والحاسر في مقابل الدارع.
وقال الصالحي الشامي: وقع في الصحيح عن عروة قال: وأمر النبي "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ خالد بن الوليد أن يدخل من أعلى مكة من كداء، ودخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أسفل مكة من كدى، أي بالقصر([98]). وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة.
ففي الصحيح وغيره: أن خالد بن الوليد دخل من أسفل مكة، ودخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أعلاها، وبه جزم ابن عقبة، وابن إسحاق وغيرهما([99]).
وعن عبد الله بن رباح: أن أبا عبيدة كان على البياذقة، يعني الرجالة([100]).
وعند ابن إسحاق وعبد الله بن أبي نجيح أن أبا عبيدة بن الجراح أقبل بالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قالوا: وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمراءه أن يكفوا أيديهم، ولا يقاتلوا إلا من قاتلهم([101]).
النبي ' يقرأ سورة الفتح:
عن قراءة النبي "صلى الله عليه وآله" سورة الفتح حين دخوله مكة نقول:
إن هذه السورة قد نزلت في شأن الحديبية في ذي القعدة سنة ست([102]).
وقد قرأها النبي "صلى الله عليه وآله" على المسلمين، ليذكرهم برعاية الغيب لهم، وتحقق ما وعدهم به وإذا كان المشركون يتتبعون أخبار رسول الله "صلى الله عليه وآله"، خصوصاً ما له ارتباط بحركة الصراع معه، فلا بد من أن يكون قد تناهى إلى مسامعهم نزول هذه السورة التي تعنيهم بصورة مباشرة، وجديَّة وحقيقية، لأنها تتضمن الوعد بالفتح، وبأمور أخرى هامة وحساسة جداً، وفيها ما يمسهم هم كأشخاص في تعاملهم معه "صلى الله عليه وآله".
فإذا قرأ هذه السورة في حال دخوله مكة، فإن أهل الإيمان سوف يزدادون إيماناً، وأهل الكفر والشرك سوف يغرقون في بحر من التأمل الذي قد ينتهي بقناعة تتكون لديهم بعدم جدوى استمرار الجحود، وبأن لا فائدة من تبييت النوايا السيئة، ولن ينتهي كيدهم ومكرهم وتآمرهم إلى أية نتيجة..
بل إن قراءة هذه السورة في حال دخول مكة لا بد من أن يسوق المسلمين والمشركين معاً إلى ترقب تحقق سائر المضامين التي ذكرت في آياتها التي نزلت قبل سنوات، والتي حضر وقت تحققها.
وستكون لحظات ممتعة، ولذيذة لكل أحد، وهو يرى أمراً غيبياً عرفه، وسمعه ووعاه، يتحقق أمام عينيه.
الفتح جائزة المذنب:
وقد جاء في أول سورة الفتح قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً وَيَنصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً}([103]). فليلاحظ:
أولاً: إن الله تبارك وتعالى يقول: إن سبب هذا الفتح الذي منحه إياه، هو أنه أراد أن يغفر له ذنبه.. فهل يعقل أن يعطى المذنب جائزة بهذه العظمة، والأهمية والخطورة على جرأته عليه، وعلى ذنب ارتكبه؟! بحيث يكون مغفرة الذنب سبباً لهذه الجائزة!!
ثانياً: كيف نتصور أن يكون الله تعالى قد فتح لنبيه "صلى الله عليه وآله" ليغفر له ذنبه؟!
ثالثاً: لو سلمنا: أن هذا الفتح سبب لمغفرة الذنب الصادر، فكيف يكون سبباً لمغفرة الذنب الذي سوف يصدر؟!
إن هذا الأسئلة ستكون محرجة جداً إذا كان المراد بالذنب هو الجرأة على الله، وارتكاب ما نهى عنه، ومخالفة أوامره. والمراد بالمغفرة الستر، والمراد بالذنب ما اعتبره المشركون ذنباً له "صلى الله عليه وآله"، وهو دعوته إلى الإسلام، ورفضه الشرك، وما وقع من حروب معهم، وقتل لرجالهم وإسقاط لأطروحتهم..
فجاء فتح مكة ليكسر شوكتهم، ويخمد نارهم، وليدخلوا في دين الله، وليروا أن مصلحتهم تقضي بالتقرب منه "صلى الله عليه وآله"، والاستفادة من الخيرات التي تهيأت لهم في ظل الإسلام.
وأصبحوا يصرحون: بأنهم هم المخطئون وهو المصيب.
وعوضاً عن توصيفه بالغادر وقاطع الرحم، والمذنب في عيب آلهتهم والكاذب و.. و.. الخ.. صاروا يصفونه بالوفي، والحليم، والكريم، والوَصول والصادق و.. و.. الخ..
كما أن ما كانوا يعدونه ذنباً لو فعله في أيام شركهم، قد غفروه له، بل صاروا يعدونه حسناً وإحساناً وحقاً بعد هذا الفتح العتيد.
العيش عيش الآخرة:
وقد ذكرت الروايات: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال حين دخل مكة: "العيش عيش الآخرة".
ونقول:
ربما نستفيد من هذا القول: أنه "صلى الله عليه وآله" يريد إفهام أهل مكة، والمسلمين الفاتحين وغيرهم: أن هذا الفتح العظيم يجب أن يقودنا قبل اتخاذ أي موقف منه إلى إجراء دراسة لنتائجه وآثاره الدنيوية والأخروية، بهدف الموازنة فيما بينها، لكي ينصب الاهتمام على الأهم، فيحافظون عليه، ويعملون على ترشيده، وتنميته، وتقويته، وليس لأحد أن يتلهى بالتفاهات، والقشور، ويضيع فيها، ويضيِّع هذا الإنجاز العظيم أيضاً..
وقد سارع رسول الله "صلى الله عليه وآله" لرسم معالم الحق والحقيقة، والسداد والرشاد في هذا الفتح، وحدد المكامن الحقيقية والراسخة والخالدة فيه، وبيَّن أنها ليست ـ حتماً ـ في هذه الحياة الدنيا، وإنما هي في الدار الآخرة.
فإن الفتح إذا كان يفتح أبواباً لأنواعٍ أفضلَ من العيش في الدنيا، فإن الأبواب التي يفتحها للعيش الخالد والرضي في الآخرة، في ظل الرضا الإلهي ستكون هي الأرقى والأفضل..
وهو إنما يقدم هذه المعادلة للناس من موقع النبوة المطلعة بعمق على واقع حقيقة الدنيا والآخرة، من خلال الوحي الإلهي الذي يكشف هذه الحقائق ويبينها للأنبياء "عليهم السلام"، كأفضل ما يكون الكشف والبيان.
وقد كان لا بد من إطلاق هذا البيان لأمة تؤمن بالغيب، ولطوائف من الناس يتحفزون للخروج من أسر الشرك إلى الحرية في رحاب التوحيد..
فيربط على قلوب أهل الإيمان، والمعلنين بالإسلام، ويزيد في وضوح الرؤية لأولئك الخارجين من أحضان الشرك والجحود إلى آفاق الإسلام الرحبة..
تواضع رسول الله ' وتخشعه لربه:
وقد كانت تلك البيانات بالقول دروساً تحمل في طياتها الوعي الرسالي للمفاهيم والحقائق..، والتربية الروحية، والرشاد والسداد في الفكر، والوعي، والاعتقاد..
وقد رافقتها حالة سلوكية لا بد من أن تترك أثرها العميق على روح وفكر أهل الإيمان، وأهل الكفر والشرك والطغيان على حد سواء..
إذ ربما لم يكن يخطر على بال أحد: أن تتجلى حالة الخشوع والخضوع، والتطامن والتواضع لله سبحانه في هذه اللحظات بالذات، بل ربما يتوقع الناس: أن يروا هيبة الملك، وعظمة النصر، والهيمنة والحزم، ونظرات التصميم والعزم في كل حركة ولفتة في خصوص هذا الظرف الحساس، الذي يحتاج إلى إصدار الأوامر، وتوزيع المهام، وإظهار القوة والشوكة لقطع دابر أي تفكير بالتمرد، أو الغدر، أو الكيد والمكر الذكي والخفي..
ولكن الجميع رأوا مظهراً آخر من مظاهر العبودية لله سبحانه، وصورة رائعة من صور الخضوع والخشوع له، حتى إن هذا الفاتح المنتصر يطأطئ رأسه تخشعاً وتواضعاً إلى حد أن عثنونه يلامس واسطة رحله، أو يقرب منها، وذلك لما رآه من الفتح، وكثرة المسلمين.
إن هذا النبي "صلى الله عليه وآله" وكل إنسان مؤمن واع لحقيقة إيمانه يدرك: أنه لا يكثر بالناس أمام الله، بل يكون أمام الله وحيداً فريداً، وإنما يكثر بالله وحده لا شريك له..
إنه يريد من الله تعالى أن ينصره وينصر من معه، ولا يريد أن ينتصر بهم.
كما أنه حين دخل حرم الله مع هذه العساكر، إنما أراد بذلك حفظ حرمة الحرم والبيت، ومنع هتك حرمته من قبل العتاة والقساة بشركهم، وكفرهم، وظلمهم، وإفسادهم في الأرض، ومحاربتهم لدين الله تعالى..
ويلاحظ هنا: أن النص المتقدم يقول: استشرفه الناس، فوضع رأسه على رحله متخشعاً، أي أنه حين يستشرف الناس أحداً فإنه يشعر بأنه أصبح محط أنظارهم وملتقى أبصارهم، وأن الخطرات والصور تتزاحم في داخل مخيلتهم عن مزاياه، وعن مظهره وخفاياه، وعن حجم قدراته، وسائر صفاته، فيرى لنفسه نوعاً من الخصوصية، ودرجة من المحورية.
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يجد نفسه أمام أنظار هؤلاء الناس، بل وجد نفسه أمام الله وحده، فهو يرعاه، ويراه، ويراقب حاله ومسراه، فتواضع له وتَخَشَّعَ، وطأطأ برأسه ولم يكد يرفع.
راية الزبير:
وبالنسبة لبعض التفاصيل نقول:
هناك حديث عن رايةٍ كانت مع الزبير، وأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان قد أمره أن يركزها بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه، ونحن لا ننكر أن يكون ذلك قد حصل فعلاً.. غير أننا نقول:
أولاً: لا شك في أنها ليست هي راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" التي هي للجيش كله، فإن تلك كانت مع علي أمير المؤمنين "عليه السلام" كما دلت عليه النصوص الكثيرة التي ذكرناها في أوائل غزوة أحد.
ثانياً: إن ملاحظة النصوص تعطي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يختار مواقع معينة ليركز فيها إحدى راياته، ولعل ذلك يهدف إلى إظهار الهيمنة على تلك المنطقة، وبسط النفوذ على ذلك المحيط، لكي لا ينتهز الفرصة أوباش الناس، أو طلاب اللبانات للعبث بأمن الناس، أو للتعدي على ممتلكاتهم، ولتكون مثابة لجند الإسلام في تلك المنطقة، ونقطة تجمع وانطلاق.
وهذا يفسر لنا أمره "صلى الله عليه وآله" خالد بن الوليد ومن معه بان يدخلوا من الليط ـ وهو أسفل مكة ـ وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت كما ذكرته النصوص المتقدمة أيضاً.
ثالثاً: إنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر قيس بن سعد أن يغرز رايته في الحجون أيضاً، وأمر خالداً بغرز رايته أسفل مكة، عند أدنى البيوت، فهل ذلك يدل على ان خالداً أو قيساً كانا يحملان راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
الأمر لسعد، والراية لقيس:
وثمة مفارقة أخرى تظهر في النصوص المتقدمة، وهي: أن أحدها يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" أمر سعد بن عبادة أن يدخل من كداء والراية مع ابنه قيس([104]).
فإن الأمر إنما يصدر لصاحب الراية التي يتبعها الناس، ويتحلقون حولها، فإصدار الأمر لسعد مع كون الراية مع قيس يصبح غير ظاهر الوجه..
ويزيد الأمر إشكالاً بملاحظة ما قدمناه من أن الروايات تقول: إن علياً "عليه السلام" هو الذي أخذ الراية من سعد وادخلها إلى مكة إدخالاً رفيقاً حتى غرزها عند الركن، إلا أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد وزع الناس مرة أخرى في داخل مكة، وأمرهم أن ينزلوا في مواقع معينة في أنحاء مختلفة، فأعطى الراية لقيس ليوصلها إلى ذلك المكان، وأبقى القيادة العملية لأبيه سعد.
النساء يلطمن وجوه الخيل:
وحديث لطم النساء وجوه الخيل بخمرهن، ومطابقته لما ورد في شعر حسان بن ثابت ـ إن صح ـ فهو من الدلائل الموجبة لرسوخ يقين أهل الإيمان، وتخفيف حدة أهل الكفر والشرك، وتضاؤل ميلهم إلى الجحود والتحدي، أو المماطلة في قبول الإسلام ديناً..
فإذا أصروا على مواقفهم، وأرادوا المكر بأهل الدين وبالمؤمنين، فذلك يكون من موجبات خزيهم، وبوار حجتهم..
كيفية الدخول والخروج من مكة:
قال الحلبي بعد أن ذكر أن النبي "صلى الله عليه وآله" دخل مكة يوم الفتح من أعلاها، أي من "كداء"، وخرج من أسفلها: "وبهذا استدل أئمتنا على أنه يستحب دخول مكة من الأولى، والخروج من الثانية"([105]).
ونقول:
إن هذا الاستدلال غير مقبول:
أولاً: إن هذا الدخول وذلك الخروج لا يدل بمجرده على الاستحباب، إذ لعله أمر اقتضته أحوال عسكرية، أو طبيعة التركيبة السكانية، أو طرقات ذات خصوصيات تفرض الدخول من هنا، والخروج من هناك.
نعم لو علمنا: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يأخذ أي شيء بنظر الاعتبار، سوى مراعاة ما يستحب له في الأحوال العادية..
وسلمنا: أن هناك استحباباً فيما يرتبط بكيفية أو بطريق الدخول والخروج من مكة، كان للحكم بالاستحباب وجه..
ثانياً: إذا كان الدخول مستحباً من نقطة بعينها، فلماذا أمر "صلى الله عليه وآله" الكتائب الأخرى بالدخول إلى مكة من جهات أخرى لا يستحب الدخول منها؟! وهل يمكن أن يأمرهم بمخالفة المستحب؟! وماذا لو كانوا يريدون رعاية الحكم الاستحبابي، ثم جاء أمره لهم بمخالفة المستحب؟!
ثالثاً: سيأتي: أن عروة يروي ـ كما في صحيح البخاري([106]) ـ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دخل من أسفل مكة، فكيف جزم هؤلاء باستحباب دخولها من أعلاها؟!
الفصل الثالث:
القتال في مكة
خالد يقاتل في مكة!!:
وقالوا: إن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمر، دعوا إلى قتال رسول الله "صلى الله عليه وآله" وجمعوا أناساً بالخندمة (وهو جبل بمكة)، وضوى إليهم ناس من قريش، وناس من بني بكر، وهذيل، ولبسوا السلاح، يقسمون بالله لا يدخلها محمد عنوة أبداً.
وكان رجل من بني الديل، يقال له: جماش بن قيس بن خالد، لما سمع بدخول رسول الله "صلى الله عليه وآله" جعل يصلح سلاحه.
فقالت له امرأته (وكانت قد أسلمت سراً): لمن تعدُّ هذا؟
قال: لمحمد وأصحابه.
قالت: والله، ما أرى يقوم لمحمد وأصحابه شيء.
قال: والله إني لأرجو أن أُخدمك بعضهم، فإنك محتاجة إليه.
قالت: ويلك، لا تفعل، ولا تقاتل محمداً. والله ليضلن عنك رأيك لو قد رأيت محمداً، وأصحابه.
قال: سترين. ثم قال:
إن يـقـبلوا اليـوم فـما لي عـلــة هـذا ســـلاح كــامــل وألَّـــــه
وذو غـراريـن سـريـع الـسـلـه
ثم شهد الخندمة مع صفوان، وسهيل بن عمرو، وعكرمة، فلما دخل خالد بن الوليد من حيث أمره رسول الله "صلى الله عليه وآله" وجد الجمع المذكور، فمنعوه الدخول، وشهروا له السلاح، ورموه بالنبل، وقالوا: لا تدخلها عنوة.
فصاح في أصحابه، فقاتلهم، وقُتِل منهم أربعة وعشرون رجلاً من قريش، وأربعة من هذيل([107]).
وقالوا: أصيب من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، وانهزموا أقبح الانهزام، حتى قتلوا بالحزوَّرة، وهم مولون في كل وجه. وانطلقت طائفة منهم فوق رؤوس الجبال، وأتبعهم المسلمون([108]).
وجعل خالد يتمثل بهذه الأبيات، وهو يقاتل خارجة بن خويلد الكلبي:
إذا مـا رســول الله فينـا رأيـتــه كلجـة بـحـر نـال فيهـا سريـرها
إذا مـا ارتـديـنـا الفارسية فوقها رديـنـيـة يهـدي الاصـم خريرها
رأيـنـا رسـول الله فـيـنـا محمداً لهـا ناصـراً عـزت وعز نصيرها([109])
وكان شعار المهاجرين من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة، وحنين، والطائف: يا بني عبد الرحمن. وشعار الخزرج: يا بني عبد الله.، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله([110]).
وجعل أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام يصيحان: يا معشر قريش، علام تقتلون أنفسكم؟! من دخل داره فهو آمن، ومن وضع السلاح فهو آمن، فجعل الناس يقتحمون الدور، ويغلقون عليهم، ويطرحون السلاح في الطرق، حتى يأخذه المسلمون([111]).
ورجع جماش منهزماً حتى انتهى إلى بيته، فدقه، ففتحت له امرأته، فدخل وقد ذهبت روحه، فقالت له: أين الخادم الذي وعدتني؟ ما زلت منتظرة لك منذ اليوم ـ تسخر منه.
فقال: دعي هذا عنك، واغلقي عليَّ بابي، ثم قال:
إنـك لـو شهـدت يوم الخندمــة إذ فـر صـفـوان وفـر عكــرمــة
وأبـو يـزيـد كالعجوز المؤتمـــة واسـتـقبلتهـم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل سـاعـد وجمـجـمـه ضـربـاً فـلا تسمـع إلا الغمغمـة
لهم نـهـيـت خلفـنـا وهمهـمـه لم تنطـقي في اللـوم أدنى كـلـمة([112])
وأقبل الزبير بمن معه من المسلمين حتى انتهى إلى الحجون، فغرز الراية عند منزل رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ولم يقتل من المسلمين إلا رجلان من أصحاب الزبير، أخطآ الطريق، فسلكا غيره فقتلا. وهما كرز بن جابر الفهري، وحبيش الكعبي([113]).
وزعم بعضهم: أنهما كانا مع خالد بن الوليد فشذّا عنه فقتلا([114]).
ومضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فدخل مكة من أذاخر، فلما ظهر على أذاخر، نظر إلى البارقة([115]) مع فضض([116]) المشركين، فقال: "ما هذه البارقة؟! ألم أنهَ عن القتال"؟
قالوا: يا رسول الله، خالد بن الوليد قوتل ولو لم يقاتَل ما قاتل، وما كان يا رسول الله ليعصيك، ولا يخالف أمرك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قضاء الله خير"([117]).
وصرح الدياربكري: بأن المهاجرين هم الذين قالوا له "صلى الله عليه وآله": نظن أن خالداً قوتل، وبُدئ بالقتال، فلم يكن بد أن يقاتل من قاتله([118]).
وفي المنتقى: وكل الجنود لم يلقوا جنوداً غير خالد([119]).
وعن أبي هريرة قال: لما كان يوم فتح مكة، وبشت([120]) قريش أوباشاً لها وأتباعاً، فقالوا: نقدم هؤلاء، فإن كان لهم شيء كنا معهم، وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا. فرآني رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "يا أبا هريرة".
قلت: لبيك.
قال: "اهتف بالأنصار، ولا يأتيني إلا أنصاري".
قال: ففعلت ما أمرني به، فأتوه، فقال: "انظروا قريشاً وأوباشهم فاحصدوهم حصداً" (حتى توافوني بالصفا. أي دخلوا من أعلى مكة)([121]) ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى.
فانطلقنا فما أحد يوجه إلينا شيئاً، وما منا أحد يريد أحداً منهم إلا أخذه. (أو قال: فما نشاء نقتل أحداً منهم إلا قتلناه) ([122]).
فجاء أبو سفيان بن حرب، فقال: يا رسول الله، أبيدت خضراء قريش، لا قريش بعد اليوم.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن".
فألقى الناس سلاحهم([123]).
وقالوا: ووجه "صلى الله عليه وآله" اللوم على خالد، وقال له: قاتلت، وقد نهيت عن القتال؟!
قال: هم يا رسول الله بدأونا بالقتال، ورمونا بالنبل، ووضعوا فينا السلاح، وقد كففت ما استطعت، ودعوتهم إلى الإسلام وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس، فأبوا، حتى إذا لم أجد بداً من أن أقاتلهم قاتلتهم، فظفرنا الله بهم، فهربوا في كل وجه.
فقال "صلى الله عليه وآله": كف عن الطلب.
قال: قد فعلت.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": قضاء الله خير.
وقال "صلى الله عليه وآله": كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر إلى صلاة العصر، فحبطوهم ساعة، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله "صلى الله عليه وآله"([124]).
وكان "صلى الله عليه وآله" نهى أن يقتل من خزاعة أحد([125]).
قال الدياربكري: "أما خالد بن الوليد فدخل من الليط أسفل مكة، فلقيه قريش وبنو بكر والأحابيش، فقاتلوه، فقتل منهم قريباً من عشرين رجلاً، ومن هذيل ثلاثة أو أربعة، وانهزموا، وقتلوا بالحزوَّرة، حتى بلغ قتلهم باب المسجد، وهرب فضيضهم حتى دخلوا الدور، وارتفعت طائفة منهم على الجبال، واتبعهم المسلمون بالسيوف، وهربت طائفة منهم إلى البحر، وإلى صوب اليمن"([126]).
وروى الطبراني عن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" خطب فقال: إن الله عز وجل حرم هذا البلد([127]). فبينما هو كذلك قيل: هذا خالد يقتل.
فقال "صلى الله عليه وآله": قم يا فلان.. الى آخر الحديث التالي..
وقال الدياربكري: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقدم خالد بن الوليد، فأنالهم شيئاً من قتل، فجاء رجل من قريش، فقال: يا رسول الله، هذا خالد بن الوليد قد أسرع في القتل.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لرجل من الأنصار عنده: يا فلان.
قال: لبيك يا رسول الله.
قال: ائت خالد بن الوليد، قل له: إن رسول الله يامرك أن لا تقتل بمكة أحداً.
فجاء الأنصاري، فقال: يا خالد إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يأمرك أن تقتل من لقيت.
فاندفع خالد فقتل سبعين رجلاً من مكة.
فجاء إلى النبي "صلى الله عليه وآله" رجل من قريش، فقال: يا رسول الله، هلكت قريش، لا قريش بعد اليوم.
قال: ولم؟!
قال: هذا خالد لا يلقى أحداً من الناس إلا قتله.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": ادع لي خالداً.
فلما أتى إليه خالد، قال: يا خالد، ألم أرسل إليك أن لا تقتل أحداً؟‍!
قال: بل أرسلت إلي أن أقتل من قدرت عليه.
قال: ادع لي الأنصاري.
فدعاه له، فقال: ألم آمرك أن تأمر خالداً أن لا يقتل أحداً؟!
قال: بلى. ولكنك أردت أمراً وأراد الله غيره، فكان ما أراد الله..
فسكت "صلى الله عليه وآله"، ولم يقل للأنصاري شيئاً، وقال: يا خالد!
قال: لبيك، يا رسول الله!
قال: لا تقتل أحداً.
قال: لا([128]).
ونقول أخيراً:
روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، والقاساني جميعاً عن الأصفهاني، عن المنقري، عن فضيل بن عياض، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة لم يسبِ لهم ذرية، وقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن([129]).
ولنا مع ما ذكر العديد من الوقفات، وإليك بعضها:
من الخندمة إلى البحر:
الخندمة: جبل معروف بمكة، يقع خلف جبل أبي قبيس، ويمتد منه إلى المُعَلَّاة على طول شعب علي، وشعب عامر.
فلو صح ما زعموه: من أن جماعة من أهل مكة قد تصدوا لخالد، فنقول:
1 ـ المفروض هو: أن يواجههم خالد بما يردعهم، ويبطل حركتهم، ومقاومتهم. وأما أن يلاحقهم بعد هزيمتهم إلى الحزوَّرة، ثم يمتد قتلهم حتى باب المسجد، وإلى الجبال، حتى يضطر بعضهم إلى الهرب إلى البحر، وإلى صوب اليمن.. فهذا لا مبرر له على الإطلاق..
2 ـ إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان قد نهى خالداً عن القتال. ولامه على فعله هذا ، وقال له: لم قاتلت،وقد نهيت عن القتال؟!
فاعتذر له: بأنهم هم بدأوا بالقتال..
ولكنه عذر غير مقبول، إذ إن بدأهم له بالقتال لا يمنعه من أن يراجع رسول الله "صلى الله عليه وآله" في أمرهم..
3 ـ إن ظاهر الكلام الذي جرى بين رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبين خالد يدل على أن خالداً كان لا يزال يلاحقهم ويطلبهم ليقتلهم حتى تلك اللحظة، ولذلك قال له النبي "صلى الله عليه وآله": كف عن الطلب.
واحتمال بعض الإخوة أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد قال له ذلك، لاعتقاده ـ ولو على ظاهر الأمر ـ باستمراره في طلب أهل مكة ليقتلهم إلى تلك اللحظة لا مجال لقبوله. فإن الأمر بالكف عن الشيء ظاهر بأنه مستمر في فعله، ويطلب منه الكف عنه، كما أنه لا مجال للقول بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اعتقد بذلك ـ بأنه لا يزال يطلبهم ـ فنهى خالداً عن ذلك، مع كون اعتقاده "صلى الله عليه وآله" مخالفاً للواقع.. فإن ما يعتقده النبي "صلى الله عليه وآله" هو عين ما يحصل ويجري.
ولا يمكن أن يعتقد بما هو خطأ. كما أن احتمال أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد علم بأن خالداً قد كف عن طلبهم، لكنه أمره بالكف كي لا يكون ترك الأمر به ذريعة لخالد في استئناف الطلب.. مرفوض أيضاً، إذ كان ينبغي أن يقول له: لا تطلبهم بعد الآن، لا أن يقول له: كف عن الطلب الذي قلنا: إن ظاهره هو أنه كان لا يزال يطلبهم فعلاً كما أوضحنا..
4 ـ ما معنى قول خالد: إنه دعاهم إلى الإسلام، وأن يدخلوا فيما دخل فيه الناس؟! هل كان هذا من المهمات التي أوكلت إليه أيضاً؟!.
5 ـ إذا كان أبو سفيان زعيم مكة يأمر الناس بالإستسلام، فما معنى أن يبادر أوباش من الناس لقتال هذه الألوف التي جاءتهم على حين غفلة منهم؟!
وهل يمكن أن يفكر أوباش من الناس بإحراز أي نصر على عشرة آلاف مقاتل؟! وهم على غير استعداد، ولا سيما مع ذلك النداء الذي صدر لهم من أهم زعيم في مكة، ومعه بديل بن ورقاء الزعيم الخزاعي، وحكيم بن حزام، وهو زعيم أيضاً في قريش، فضلاً عن العباس؟!
أوقف الطلب:
والأعجب من ذلك: أن بعض النصوص المتقدمة تعطي: أن خالداً كان لا يزال يلاحق الفارين في الجبال، والشعاب، حتى حين طلبه النبي "صلى الله عليه وآله"، وطالبه بما فعل؛ فقد قال له "صلى الله عليه وآله": أوقف الطلب.
ونعتقد: أن هذا التصرف من خالد يتضمن جرأة غير عادية.. فإنه بالرغم من إقدامه على مخالفة نهي النبي "صلى الله عليه وآله" عن القتال، ورغم إحساسه بتغيظ النبي "صلى الله عليه وآله" مما يجري، وإحضاره للمساءلة، يتابع نشاطه العسكري المخالف لإرادة وتوجيهات رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليحقق أكبر قدر ممكن من أهدافه التي توخاها من مباشرة ذلك القتال.. وكأنه يرى أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يعلم بحقيقة ما يجري من خلال إعلام الله تعالى له!!
كفوا السلاح إلا خزاعة:
ثم إننا لا نكاد نحتمل صحة ما زعموه من أنه "صلى الله عليه وآله" قد طلب من جيشه أن يكفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد كانت سياسة رسول الله "صلى الله عليه وآله" في دخول مكة هي أن يدخلها بعنفوان يضع حداً لاستكبار المستكبرين فيها ويمنعهم من التفكير بالمقاومة، مع حرص شديد وتصميم أكيد على عدم إراقة أي نقطة دم فيها، وذلك حفاظاً منه على حرمة بيت الله وحرمه.. فكيف يمكن أن نتصوره يسمح لخزاعة بأن تنفذ مذبحة في بني بكر في نفس حرم الله وفي جوار بيته؟!
2 ـ إن السماح لخزاعة بالفتك ببني بكر ينافي الأمان الذي أعطاه النبي "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة، حيث لم يستثن منه بني بكر..
3 ـ من هم الخزاعيون الذين سمح لهم النبي "صلى الله عليه وآله" بقتل بني بكر؟ هل هم خزاعيو مكة، أم خزاعيون جاؤوا معه؟
4 ـ لماذا سمح لخزاعة بقتل بني بكر، ولم يسمح لها بقتل قريش، التي شاركت بني بكر في المجزرة التي ارتكبت في حق الخزاعيين.. وقريش هي التي أرسلت زعيمها أبا سفيان إلى المدينة ليدلس الأمر على المسلمين، ويضيع دماء المظلومين!!
5 ـ لقد أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأن ينادى في الناس: من ألقى سلاحه فهو آمن، أو دخل بيته، أو كان تحت راية أبي رويحة الخ.. فهل سمع هؤلاء الناس هذا النداء، وأصروا على القتال وحمل السلاح؟!
وإذا كانوا أصروا على ذلك، فلماذا يهربون إلى البحر وإلى اليمن؟!
وإذا كانوا قد ألقوا سلاحهم، فلماذا يلاحقونهم بالقتل إلى الحزوَّرة، والمسجد، وإلى البحر، أو إلى اليمن؟!
احصدوهم حصداً:
وأغرب من ذلك كله، ما زعمه أبو هريرة: من أنه "صلى الله عليه وآله" طلب منه أن يهتف بالأنصار، ولا يأتيه إلا أنصاري، فجاؤوه، فأمرهم أن يحصدوا قريشاً وأوباشهم حصداً، ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى.
قال أبو هريرة: فما نشاء نقتل أحداً منهم إلا قتلناه.
ونحن لا نشك في أن هذا من المكذوبات المتناهية في الجرأة والوقاحة.
فأولاً: إن هذا لا يتلاءم مع إعلانه "صلى الله عليه وآله" بالأمان لكل من دخل داره وأغلق بابه، ودخل المسجد، ودار أبي سفيان، وابن حزام، ومن يلتجي إلى راية أبي رويحة، ومن ألقى سلاحه، فهل يريد منهم أن يلقوا سلاحهم ليحصدهم الأنصار حصداً؟!
أو هل كان النبي "صلى الله عليه وآله" غادراً؟! والعياذ بالله. أو هل كان قاسياً إلى هذا الحد؟!
ثانياً: لم نسمع أن الأنصار فتكوا بقريش، أو قتلوا منهم، بل سمعنا أن خالداً فعل ذلك، وخالد من المهاجرين، ولم يكن الأنصار معه، بل كان معه بنو سليم.
ثالثاً: هل صحيح أن النبي الكريم، والوَصول، والرحيم والحليم كان يتعامل وفق المنطق القبائلي والعشائري والعنصري، فيحرض الأنصار على قريش، وأوباشها، حيث يطلب أن لا يأتيه إلا أنصاريّ؟!
وما معنى: أن يأمرهم بالإطباق على قريش كما تطبق إحدى اليدين على الأخرى؟!
رابعاً: إذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم يُقتل أحد من الذين حرضوا على قتل خزاعة، مثل صفوان، وعكرمة، وسهيل بن عمرو؟! وكيف أفلتوا من يد الأنصار؟ وكيف يلوم "صلى الله عليه وآله" خالداً على ما فعل؟! ولماذا يسأله عن ذلك؟! أو لماذا يسأل عن شأن تلك البارقة التي رآها؟! ألم يكن هو الذي أمر بها وأثارها؟! كما يزعمون!!
المهاجرون يظنون أن خالداً قوتل:
لقد صرحت بعض النصوص: بأن المهاجرين أجابوا النبي "صلى الله عليه وآله" بأنهم يظنون أن خالداً قوتل.
وهذا معناه: أنهم لم يحضروا ما جرى، ولا تحققوا منه بأي من وسائل التحقق، بل أطلقوا كلامهم على سبيل التخمين والحدس.
والسؤال هو: إذا كان المهاجرون لا يعرفون أزيد مما يعرفه أي إنسان آخر لم يحضر الواقعة، فلماذا يتصدون للدفاع عن خالد؟! ولماذا لم يجب النبي "صلى الله عليه وآله" أحد من غير المهاجرين؟!
بل إن قوله "صلى الله عليه وآله": ألم أنهَ عن القتال؟ يعطي: أنه كان قد رتب الأمور بنحو ينمع أهل مكة من أن يفكروا في أي حركة قتالية، فإن كان ثمة من قتال، فهو يتوقع أن يكون مصدره أولئك الذين نهاهم عنه.
ومعنى ذلك: أنه سيكون قتالاً عدوانياً، قد عصي فيه أمر رسول الله، وخولفت به تعليماته..
خالد لا يعصي رسول الله ':
وأما قولهم عن خالد: وما كان ليعصيك، ولا يخالف أمرك، فهو غير ظاهر الوجه، فإن خالداً كان حديث عهد بالإسلام، ولم يتعمق الإيمان بعد في داخل نفسه، ولا ظهرت دلائل انقياده التام لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقد أظهرت الوقائع اللاحقة: أنه كان من أعظم الناس جرأة على مخالفة أوامر الله ورسوله، فراجع ما صنع ببني جذيمة في عهد النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم ما صنعه بعد ذلك بمالك بن نويرة، حيث قتله، وزنى بزوجته في نفس ليلة قتله، كما ألمحنا إليه أكثر من مرة.
كل الجنود لم يلقوا جنوداً غير خالد:
ويبقى السؤال يراود ذهن كل عاقل عن السر في أن جميع تلك الحشود التي دخلت مكة، وهي أكثر من عشرة أضعاف التسع مائة الذين كانوا بقيادة خالد، لم تواجه أية مشكلة، ولم يلقوا أي مسلح. ألا يضع ذلك علامة استفهام على زعمهم القائل: إن هذه الثلة اليسيرة وقفت لتتحدى الذي يرفده عشرة أضعافه من المقاتلين الذين يتدفقون على مكة من كل جهة؟!
قضاء الله خير:
ولا يمكننا أن نقتنع بأن النبي الكريم "صلى الله عليه وآله" قد أنحى باللائمة على قضاء الله تعالى، واعتبره هو المسؤول عما جرى في أمر عصي الله فيه بمخالفة أمر رسوله "صلى الله عليه وآله"..
وقد تضمنت هذه المعصية: هتك حرمة الحرم، وقتل أناس كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أعطاهم الأمان..
وهل يصح وصف ذلك كله: بأنه خير، وبأنه قضاء من الله، الذي يريد أن يوحي بأنه تعالى هو الذي فعله، أو أنه هو الذي قضاه على الأقل؟!
ولم يقتصر الأمر على مجرد مهاجمة أولئك الناس، بل تجاوز ذلك إلى ملاحقتهم حتى قتلوا على باب المسجد، واتبعوهم إلى الجبال، بل لقد اضطروا الى الهرب إلى البحر، وإلى التفكير بالهرب إلى اليمن..
وقد كان من الوضوح بمكان: أن المقاومة لهجوم خالد وصحبه كانت في غاية الضعف، كما تشير إليه رواية أبي هريرة، التي يقول فيها: "فما نشاء أن نقتل أحداً منهم إلا قتلناه..".
بل ذكر أبو هريرة في روايته المتقدمة ما يدل على أن الذين قصدوهم بالقتل لم يقاوموا أصلاً، فقد قال: "فانطلقنا فما أحد يوجه إلينا شيئاً، وما منا أحد يريد أحداً منهم إلا أخذه..".
فكيف يصح بعد هذا أن يقال: إن المشركين كانوا هم البادئين بالقتال؟!
بل إن الرواية التي ذكرت: أن ذلك الأنصاري قد أبلغ خالداً بعكس ما أمره رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهي خير دليل على أن المبادرة لقتل الناس في مكة كانت من خالد نفسه..
ولكنهم عوضاً من تقبيح فعل خالد، برؤوه من جرمه وألقوا المسؤولية على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واتهموه بذلك الفعل القبيح، الذي ظهر قبحه من نفس نهي النبي "صلى الله عليه وآله" للمسلمين عن فعله..
لم يسبِ ' لقريش ذرية:
وحين نقرأ في تلك الرواية المتقدمة عن أبي عبد الله الصادق "عليه السلام" حول ما يرتبط بسيرة علي "عليه السلام" في أهل الجمل:
"كانت السيرة فيهم من أمير المؤمنين علي "عليه السلام" ما كان من رسول الله "صلى الله عليه وآله" في أهل مكة يوم فتح مكة، فإنه لم يسب لهم ذرية، وقال: من أغلق بابه فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، الخ.."([130]).
فقد دلت هذه الرواية: على أن سياسته "صلى الله عليه وآله" في أهل مكة يوم الفتح هي الكف عنهم، وهذا لا يتلاءم أبداً مع دعواهم أنه قال للأنصار: "احصدوهم حصداً" كما أن ذلك يدل على أن مكة قد فتحت عنوة، لا صلحاً.
الأنصاري الخائن:
وعن قصة ذلك الأنصاري الذي زعمت الرواية: أنه لم يكن أميناً في إبلاغ أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى خالد.. نقول:
إن لنا على تلك الرواية ملاحظات عديدة هي:
1 ـ لماذا لم يعاقب النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك الأنصاري على فعله الذي أدى إلى إزهاق أرواح كان النبي "صلى الله عليه وآله" الذي لا ينطق عن الهوى يريد حفظها؟!
كما أنه قد كان سبباً في سل السيوف، وإراقة الدماء في حرم الله تعالى، وفي جوار بيته، وإنما اكتفى "صلى الله عليه وآله" بالسكوت، فلم يوجه لذلك الكاذب على رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولو كلمة تأنيب أو تخطئة على أقل تقدير، وقد كان من المناسب جداً أن يذكِّره بقوله "صلى الله عليه وآله": فمن كذب عليَّ عامداً متعمداً فليتبوأ مقعده من النار([131]).
2 ـ إن ما فعله ذلك الأنصاري، من شأنه أن يجرِّئ الناس على مخالفة أمر النبي "صلى الله عليه وآله"، وتبديل أوامره ونواهيه بأضدادها.. وذلك يفتح الباب أمام مفاسد كبيرة وخطيرة.
3 ـ قد رأينا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد تبرأ مما صنعه خالد ببني جذيمة، فلماذا لم يتبرأ من الكاذب، ومن الكذب الذي نسبه ذلك الأنصاري إليه؟! والذي أدى إلى سفك الدماء في حرم الله تعالى، وكان "صلى الله عليه وآله" يريد حفظها.
4 ـ واللافت هنا: أن هذا الأنصاري الذي تسبب بإزهاق أرواح العشرات من الناس في حرم الله تعالى، لم يستطع التاريخ أن يفصح لنا عن اسمه، أو عن اسم قبيلته على الأقل، بل اكتفى بوصفه بأنه "أنصاري".
5 ـ ويزيد الأمر إبهاماً، وإثارة للشبهة: أن هذه الرواية قد ذكرت رقماً يزيد على ضِعْفِ العدد الذي ذكرته سائر الروايات.. لأنها تقول: إن الذين قتلوا بسبب كذبة هذا الأنصاري هم سبعون رجلاً.
6 ـ هل نستطيع أن نفهم ما جرى على أن هذا النوع من الروايات يقصد به الطعن في الأنصار، وإظهار أنهم قد ظلموا قريشاً وأهل مكة، وتعاملوا معهم من منطلق الحقد والضغينة؟!
فكل ما يجري على الأنصار بعد ذلك ـ كما حصل في وقعة الحرة، وسواها ـ يصبح مبرراً، وتقل بشاعته، ولا يعود مستهجناً.
أردت أمراً، وأراد الله غيره:
والغريب في الأمر: أن يستدل ذلك الأنصاري على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بقوله: أردت أمراً، وأراد الله غيره، وذلك:
1 ـ لأن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يمكن أن يريد أمراً يخالف ما يريده الله تبارك وتعالى، فهو لا يريد إلا ما يرضي ربه، ولا يفعل ولا يقول إلا ما أذن الله تعالى له بفعله وقوله، على قاعدة: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([132]).
وهو "صلى الله عليه وآله" مسدد من الله، ومؤيد بتأييداته.
2 ـ ثم إن قتل الناس في حرم الله لم يرده الله تعالى بلا ريب، فلا يصح نسبته إليه، بل أراده أولئك العصاة لأوامر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والكاذبون عليه، الذين توعدهم الله بالعذاب الأليم في نار جهنم.
3 ـ ولو فرضنا: أن ذلك الأنصاري أصاب في استدلاله هذا، لكان ينبغي أن يلتفت رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى هذا الدليل قبل كل أحد، ولكان ذلك يمنع النبي "صلى الله عليه وآله" من توجيه الأسئلة لخالد حول ما اقترف، ومن مطالبة الأنصاري بمبرراته التي استند إليها فيما فعل..
4 ـ هل سكت النبي "صلى الله عليه وآله" حين قال له الأنصاري ذلك عن قناعة بما قاله هذا الكاذب على الرسول "صلى الله عليه وآله"، أم أن سكوته كان لأجل عجزه عن مواجهة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل؟! أم أن ذلك السكوت كان احتجاجياً، يريد به الإعراض عن ذلك الكاذب، والدلالة على عدم جدوى النقاش معه في هذا الأمر؟! بل قد تكون مواصلة النقاش معه فيه مضرة، ولها آثار سلبية على المسلمين، وربما على غيرهم أيضاً..
قد يقال: إن الإحتمال الأول هو الأوفر حظاً من بين سائر الإحتمالات.
ولكننا نقول:
إن هذا الإحتمال هو الأسوأ والأكثر ضرراً من حيث إنه يشير إلى غفلة النبي "صلى الله عليه وآله" عن أمر يعرفه سائر الناس العاديين.. كما إنه يشير إلى جهل النبي "صلى الله عليه وآله" حتى بمثل هذا الأمر البديهي.
وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآلـه" لا يصدر ولا يـورد، ولا يأمر ولا ينهى إلا وفق ما يريده الله تعـالى، فإن الأمر يصبح أكثر إشكالاً، لأنه يؤدي إلى نسبة هذه العظائم إليه سبحانـه، تعالى الله عما يقوله الجاهلون علواً كبيراً.
نهى أن يُقتل من خزاعة أحد:
وقد صرحت النصوص التي ذكرناها: بأنه "صلى الله عليه وآله" نهى أن يقتل من خزاعة أحد.
ونقول:
قد يقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" نهى عن القتال والقتل مطلقاً، سواء لخزاعة أو لغيرها.. وأعطى الأمان لجميع أهل مكة باستثناء أشخاص بأعيانهم، سيأتي الحديث عنهم؛ لأنهم قد ارتكبوا جرائم لا مجال للعفو عنها.. فلا خصوصية لخزاعة هنا، ولا معنى لحصر الكلام فيها.
ويمكن أن يجاب: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد عمم الأمان ليشمل خزاعة وجميع أهل مكة، ثم خص خزاعة بالذكر، لأنها كانت داخلة في عقد النبي "صلى الله عليه وآله" وعهده، كما ظهر مما جرى في الحديبية.. فلهم أمان الحلف، بالإضافة إلى الأمان الذي يشملهم مع أهل مكة..
فخزاعة: لا يصح قتال أحد منها حتى لو بادر إلى حمل السلاح والقتال، فيجب مراعاة حاله، وتحاشي قتله، ومراجعة النبي "صلى الله عليه وآله" في أمره، لأن لخزاعة أحكاماً تختلف عن أحكام سائر مشركي مكة المحاربين، وقد اصبحوا الآن أسرى في أيدي المسلمين، يحكم فيهم النبي "صلى الله عليه وآله" بما يقتضيه حالهم..
وأما خزاعة: فليسوا محاربين كمشركي مكة، بل هم حلفاء، ولهم عهد وعقد.
وحتى لو اتفق ووقع القتل على أحد منهم، ولو عن غير قصد، فلعلهم ممن تشملهم أحكام الديات أيضاً.
شعار النبي ' في فتح مكة:
روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال:
شعارنا: "يا محمد، يا محمد".
وشعارنا يوم بدر: "يا نصر الله إقترب، إقترب".
وشعار المسلمين يوم أحد: "يا نصر الله إقترب".
ويوم بني النضير: "يا روح القدس أرح".
ويوم بني قينقاع: "يا ربنا لا يغلبنك".
ويوم الطائف: "يا رضوان".
وشعار يوم حنين: "يا بني عبد الله، [يا بني عبد الله]".
ويوم الأحزاب: "حم، لا يبصرون (أو لا ينصرون)".
ويوم بني قريظة: "يا سلام أسلمهم".
ويوم المريسيع، وهو يوم بني المصطلق: "ألا إلى الله الأمر".
ويوم الحديبية: "ألا لعنة الله على الظالمين".
ويوم خيبر، يوم القموص: "يا علي آتهم من علٍ".
ويوم الفتح: "نحن عباد الله حقاً حقاً".
ويوم تبوك: "يا أحد يا صمد".
ويوم بني الملوح: "أمت، أمت".
ويوم صفين: "يا نصر الله".
وشعار الحسين "عليه السلام": "يا محمد".
وشعارنا: "يا محمد"([133]).
وسند الحديث صحيح.
وروي أيضاً:
أن شعار المسلمين يوم بدر: "يا منصور أمت".
وشعار يوم أحد للمهاجرين: "يا بني عبد الله، يا بني عبد الرحمن".
وللأوس: "يا بني عبد الله"([134]).
ونقول:
كنا قبل سنوات قد كتبنا بحثاً حول "نقش الخواتيم لدى الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم"..
وقد بدا واضحاً: أن ما كانوا ينقشونه عليها متوافق مع طبيعة المرحلة التي يمرون بها، والتحديات التي تواجههم.
وهذه العبارات المختارة لتكون شعاراً في هذه الحرب أو تلك تشير إلى نفس هذا الأمر، وتؤكد على هذه الحقيقة..
ولو أردنا أن نشرح هذا التوافق والإنسجام فيما بين الشعار وبين ما يراد له أن يدل عليه ويشير إليه لاحتجنا إلى عشرات الصفحات، ولكان علينا أن ندَّخر المزيد من الوقت والجهد في إيضاح هذه المعاني وبيان هذه الدلالات.
فلا محيص لنا عن الإكتفاء هنا بلمحة عابرة عن بعض ما يرمي إليه الشعار الذي اختير ليوم فتح مكة فقط، وهو:
"نحن عباد الله حقاً حقاً"، فنقول:
يتضح بعض ما نريد الإلماح إليه كما يلي:
1 ـ لقد كان مشركو مكة وجبابرتها، وعتاتها، ورموز الظلم والكيد والتعدي على حرمات الله فيها، يحاربون الله ورسوله، ويهتكون حرمة بيت الله، وينتهكون حرمة الحرم. ثم هم يدَّعون أنهم سدنة البيت، وأولياؤه، وحماة الحرم وأبناؤه.
وقد رد الله تعالى ذلك عليهم، فقال: {وَمَا لهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}([135]).
ولنا حول موضوع البيت وولايته حديث ذكرناه في كتابنا "دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام"، ولعلنا نحتاج لإيراد موجز عنه فيما يأتي من مطالب إن شاء الله تعالى..
2 ـ إن الكعبة بيت الله، والحرم المكي حرم الله، ولا بد من أن تتجلى في هذه الأماكن المقدسة، والمشاعر المعظمة عبودية الإنسان لربه بكل أبعادها، ومختلف تجلياتها.
وخير من يجسد هذه العبودية هم المؤمنون بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد، ولا يشركون به شيئاً، فإن الشرك ينقص من مقام العبودية هذا.. بل هو يصرفها إلى غير الله تبارك وتعالى إلى حد التمحض في ذلك الغير..
ولأجل ذلك اختار "صلى الله عليه وآله" بيان هذه الحقيقة، وإسقاط هذه المغالطة التي يمارسها المدَّعون لها كذباً وزوراً..
3 ـ إن اختيار العبودية لتكون أول مفهوم يطرح في هذه المناسبة يؤكد على أن هذا الفتح العظيم لم يخرج هؤلاء الفاتحين عن حالة التوازن، ولم يدفعهم للتصرف بكبرياء، ولم يوجب لديهم حالة من الغرور والادِّعاء لأنفسهم فوق ما تمكله من قدرات. بل زادهم ذلك تواضعاً، وخضوعاً له، واستسلاماً لإرادته ومشيئته تعالى، تماماً كما يستسلم كل عبد لسيده، وليس لأهوائهم ونزواتهم.
4 ـ إن هذا يعطي الآخرين الذين اساؤوا وآذوا نفحة من الشعور بالطمأنينة، وبالأمل والسكينة، من حيث أنهم سيفهمون أن القرار بشأنهم لن يكون عشوائياً، تتحكم فيه النزوات، والأهواء والعصبيات، بل هو قرار إلهي، وحكم رباني.. فإذا أصلحوا علاقتهم بالله، وتابوا وعادوا إلى الالتزام بأوامره وزواجره، وإذا اعتقدوا: أنه غفور رحيم، وقوي عزيز، وأنه الغفور التواب و.. و.. فإن بإمكانهم أن يأملوا قبول توبتهم، والنظر إليهم بعين الرحمة والمغفرة..
فيكون نفس هذا الشعار الذي نادى به المسلمون في فتح مكة دعوة لأهلها إلى قبول الحق، والدخول في دين الله والتوبة والإستغفار، وطلب الرحمة..
كما إنه شعار يتضمن إنذاراً لهم بضرورة التخلي عن المكابرة والجحود.. لأن ذلك سوف يعرضهم لغضب الله وسخطه، وستجري عليهم وفيهم أحكامه وشرائعه، وفق سنن العدل، وعلى أساس قاعدة: {أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ..}([136]). وقاعدة: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}([137]).
فتحت مكة عنوة لا صلحاً:
وقد زعموا: أن مكة فتحت صلحاً، وبه قال الشافعي([138]).
فلما واجههم ما أثبته التاريخ من قتل خالد ثمانية وعشرين رجلاً من قريش وهذيل كما ذكرته الروايات أو سبعين من أهل مكة كما في رواية أخرى قالوا: إن هذه المقاتلة التي وقعت لخالد لا تنافي كون مكة فتحت صلحاً، لأنه صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة.
وأما قوله: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن دخل تحت لواء أبي رويحة فهو آمن" فهو من زيادة الإحتياط لهم في الأمان.
وقوله: احصدوهم حصداً محمول على من أظهر من الكفار القتال، ولم يقع قتال، ومن ثم قتل خالد من قاتل من الكفار.
وإرادة علي كرم الله وجهه قتل الرجلين اللذين أمنتهما أخته أم هانىء كما سيأتي لعله تأول فيهما شيئاً، أو جرى منهما قتال له.
وتأمين أم هانىء لهما، من تأكيد الأمان الذي وقع للعموم.
فلا حجة في كل ما ذكر على أن مكة فتحت عنوة كما قاله الجمهور.
وقيل: أعلاها فتح صلحاً: أي الذي سلكه أبو هريرة والأنصار، لعدم وجود المقاتلة فيه، وأسفلها الذي سلكه خالد فتح عنوة لوجود المقاتلة فيه([139]).
ونقول:
إن ذلك غير صحيح، بل فتحت عنوة، ونستند في ذلك إلى ما يلي:
أولاً: إن نفس إعطاء الأمان لأهل مكة، إن دخلوا المسجد، أو بيوتهم، أو غير ذلك يدل على أنهم قد قهروا بدخول النبي "صلى الله عليه وآله" بلدهم، وأن معارضتهم سوف تنتهي إلى استرجاع هذا الأمان، واستمرار حالة الحرب.
ثانياً: قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة: ما ترون أني صانع بكم؟!
قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم.
قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فإن قوله: ما ترون أني صانع بكم يدل على أنه هو الذي يقرر مصيرهم، ويصنع بهم ما يشاء، بعد أن أصبحوا في يده بعد الفتح. ولو كان ثمة صلح، فإن بنود الصلح وشروطه هي التي تحدد ذلك، ولا يبقى لأحد طرفي الصلح أي خيار في مصير الطرف الآخر..
ثالثاً: لم يرد في أي نص تاريخي: أن ثمة صلحاً بين النبي وبين أحد من أهل مكة، فالقول بحصول شيء من ذلك ما هو إلا تخرص ورجم بالغيب.
رابعاً: إن اعتبارهم طلقاء في قوله "صلى الله عليه وآله": اذهبوا فأنتم الطلقاء، يدل على أنه قد أسرهم، ثم أطلق سراحهم، فإن الطليق هو الأسير إذا أُطلق ولم يُسترق([140]).
خامساً: إن مما يشير إلى ذلك أيضاً: ما رواه الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي قال: قلت لعلي بن الحسين "صلوات الله عليهما": إن علياً "عليه السلام" سار في أهل القبلة بخلاف سيرة رسول الله "صلى الله عليه وآله" في أهل الشرك.
قال: فغضب ثم جلس، ثم قال: سار والله فيهم بسيرة رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح، إن علياً "عليه السلام" كتب إلى مالك وهو على مقدمته يوم البصرة بأن لا يطعن في غير مقبل، ولا يقتل مدبراً، ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن([141]).
وعلي "عليه السلام" إنما انتهى إلى هذه النتيجة بعد أن انتصر عليهم في ساحات القتال والنزال، وأصبحوا في يده، وكذلك الحال بالنسبة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"..
إستدلالات وتأويلات:
1 ـ بالنسبة للاستدلالات المذكورة آنفاً نقول:
قد استدل القائلون بفتح مكة صلحاً: بأن ما جرى في مر الظهران يعتبر صلحاً.
ونقول:
أولاً: قد ذكرنا فيما تقدم: أن أبا سفيان قد اعتقل من قبل أولئك الذين أرسلهم النبي "صلى الله عليه وآله"، وحدد لهم مكانه بدقة.. ولم يذكر التاريخ ولو كلمة واحدة عن أية مفاوضات جرت بين أبي سفيان وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله" حول دخول مكة عنوة أو صلحاً، أو عدم دخولها.
ثانياً: إن أبا سفيان بعد أن أعلن إسلامه، لم يكن يصح أن يعتبر نفسه مسلماً، ثم أن يعتقد بأن له الحق في أن يصالح رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو أن يفاوضه في شأن مكة، أو في شأن غيرها..
ثالثاً: إن إهدار دم جماعة ممن ارتكبوا جرائم في حق الدين وأهله، ما هو إلا قرار نبوي خالص، وقد كانت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان في جملة الذين أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمهم. ولم يكن أبو سفيان ليرضى بقتل زوجته، أو بقتل عكرمة بن أبي جهل، أو صفوان بن أمية وغيرهم، بل هو ينقض ألف صلح وعقد وعهد من أجل حفظهم، فكيف يعقد صلحاً تكون نتيجته قتل كثير من أصفيائه وأحبته؟!
2 ـ بالنسبة للتأويلات التي ذكروها نقول:
ألف: ادَّعى القائل بفتح مكة صلحاً: بأن الأمان الذي أعطاه "صلى الله عليه وآله" لمن دخل المسجد، أو دار أبي سفيان، أو أغلق بابه، أو ألقى سلاحه، أو لجأ إلى راية أبي رويحة.. قد أعطي لهم زيادة في الإحتياط.
وهو كلام غير دقيق.
فأولاً: إن معنى هذا الأمان هو أن من لم يفعل ذلك، فلا أمان له، وسيكون التعامل معه على أنه محارب، يجوز قتله وأسره، ويحل ماله.
ثانياً: لو كان الأمان قد أعطي زيادة في الإحتياط، لكان من الضروري أن ينادى بالأمان العام أولاً، ثم يخصص ذلك ويقول: وخصوصاً من دخل المسجد، أو ألقى سلاحه، أو أو الخ.. مع أن ذلك لم يحصل، إذ لم يناد أحد بشيء من ذلك.
ب: وزعموا: أن ما نسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من أنه قال للأنصار: احصدوهم حصداً، محمول على من أظهر من الكفار القتال، ولم يقع قتال.. ولذلك قتل خالد من قاتله من الكفار.
ونقول:
إننا وإن كنا قد ناقشنا النص المذكور بما دل على عدم صحته، غير أننا نزيد هنا:
أولاً: إن هذا الحمل تبرعي، ليس في النص المذكور أية إشارة إليه.
ثانياً: إن النصوص تشير إلى أن من قتلهم خالد لم يكونوا قد أظهروا القتال حسبما تقدم.
ثالثاً: لقد كان الأولى بهؤلاء أن يقفوا عند عبارة "احصدوهم حصداً"، ليؤكدوا كذبها من حيث إنها لا تتناسب مع النهج النبوي، والسلوك الإيماني.. وقد عرفنا أن النبي "صلى الله عليه وآله" كانت تذهب نفسه حسرات على قومه، وكان يدعو لهم بالهداية، حتى وهم يقاتلونه.
ولم يكن يريد سحقهم واستئصالهم، بل كان كل همه "صلى الله عليه وآله" منصرفاً إلى كسر شوكتهم، وإسقاط مقاومتهم، ثم العمل على إقناعهم بالإسلام، ثم إيصال الإسلام إلى كل من لهم به صلة نسب، أو مصلحة، أو صداقة، أو غيرها..
ج: وذكروا: أن سعي علي "عليه السلام" لقتل الرجلين اللذين اجارتهما أم هاني، لعله لأجل أنه تأول بهما شيئاً، أو جرى منهما قتال. وتأمين أم هاني لهم من تأكيد الأمان الذي جرى للعموم..
ونقول:
سيأتي الحديث عن هذه القضية عن قريب، ونكتفي هنا بما يلي:
أولاً: صرح الحلبي: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد أهدر دم هذين الرجلين اللذين أجارتهما، وهما: الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية([142]). فلم يكن علي "عليه السلام" متأولاً في أمرهما شيئاً خلاف ما نص عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثانياً: ما زعمه: من أن تأمين أم هاني لهما قد جاء تأكيداً للأمان العام، لا يصح، إذ لماذا لا تحتج أم هاني على علي "عليه السلام" بذلك الأمان العام لتحرجه به، بلا حاجة إلى أن تشتكيه إلى النبي "صلى الله عليه وآله"؟!
يضاف إلى ذلك: أنه لا يوجد أي نص يشير إلى وجود ذلك الأمان العام المزعوم، بل قد تقدم أن تحديد النبي "صلى الله عليه وآله" المسجد، ودار أبي سفيان و.. و.. لتكون مواضع الأمان، ينفي وجود أمان عام.
الشهداء من المسلمين:
قالوا: "واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر، دخلوا في أسفل مكة، وأخطأوا الطريق، فقتلوا"([143]).
ونقول:
إنه يبدو لنا: أن هذه النصوص، وأمثالها تشتمل على نوع من التضليل، وذلك:
أولاً: لأن الذي دخل من أسفل مكة هو خالد بن الوليد([144])، وخالد هو الذي قاتل أهل مكة حين دخل، وقتل منهم العشرات، فإذا كان هؤلاء الثلاثة قد قتلوا في أسفل مكة، فهذا يعني: أنهم قتلوا مع خالد بالذات، حين دافعه أهل مكة عن أنفسهم، إذ لا يعقل أن يقتل منهم ما يقرب من ثلاثين قتيلاً، ويلاحقهم خالد ومن معه إلى المسجد، وإلى الجبال، بل لقد هرب بعضهم إلى جهة اليمن كما تقدم، ثم لا تكون منهم أية مقاومة، ولا يُقتل ولا يُجرح أحد ممن كان مع خالد.
والذي نراه هو: أن ثمة تزويراً رخيصاً يهدف إلى إيقاع الناس في الغلط والاشتباه، فإن محبي خالد بعد أن ظهر لهم أن خالداً قد خالف أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقتل من قتل من الناس بغير رضا ولا رخصة منه "صلى الله عليه وآله"، بل مع وجود منعه ونهيه.. خافوا أن يجعل قتل هؤلاء الثلاثة على عهدة خالد، وبتسبيب منه.. فأبعدوهم عنه.
ثم رووا: أنه دخل من أعلى مكة، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" دخل من أسفلها حسبما تقدم، لكي تتعارض الروايات، ويأتي أهل الخير ليجمعوا بينها، بما يبعد الشبهة عن خالد، أو يوجب الشبهة في حقيقة ما ارتكبه، أو ما كان سبباً فيه.
ثانياً: إننا لا نرى مبرراً لضلال هؤلاء الثلاثة لطريقهم، ولا لقتلهم بسبب ذلك، فإنه إن كان خالد قد دخل من أسفل مكة فقد كانوا معه، ولا مجال لأن يضلوا الطريق عنه دون سواهم، وهم في ضمن جيش يعد بالمئات والألوف، وإن كان النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي دخل من أسفلها فقد كانوا معه، وفي حمايته، فلماذا يقتلون؟! وكيف؟!
لا غنائم في يوم الفتح:
عن عبيد بن عمير قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" في يوم فتح مكة: لم تحل لنا غنائم مكة([145]).
وعن يعقوب بن عتبة قال: لم يغنم رسول الله "صلى الله عليه وآله" من مكة شيئاً، وكان يبعث السرايا خارجة من الحرم، وعرفة، والحل، فيغنمون ويرجعون إليه([146]).
ونقول:
قد يقال: إن هذا يدل على أن مكة قد فتحت صلحاً، إذ لو فتحت عنوة لحلت غنائمها..
ونجيب:
أولاً: إن مكة قد فتحت عنوة، لكن العنوة لا تعني لزوم وقوع قتال وقتلى، بل الفتح عنوة هو ما يكون بالقهر والقوة، وبالرغم والهيمنة السلطوية. وذلك حاصل في فتح مكة.. لكن النبي "صلى الله عليه وآله" ـ حفظاً منه لحرمة بيت الله وحرمه ـ منع المقاتلين من مباشرة أي عمل قتالي إلا بإذنه، وقتل الناس الذي صدر من خالد كان معصية لأوامر الرسول"صلى الله عليه وآله" في هذا المجال.
على أن نفس أن يهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دم حوالي عشرين شخصاً، وقد قتل بالفعل عدد منهم.. يدل على أنه كان يتصرف من موقع الفاتح المنتصر، لا من موقع المصالح، الذي يفرض شروطه على الطرف الآخر.. إذ لم يكن المشركون ليرضوا بقتل عدد من كبار زعمائهم وأصحاب القرار فيهم، ولا يمكن أن يسجلوا ذلك في بنود صلح مع من يطالب بقتلهم.
ثانياً: إنه لا مانع من أن يكون لمكة خصوصية في أحكام الجهاد والفتح، فتكون غنائمها حراماً حتى لو فتحت عنوة. وقد تبينت خصوصية مكة في كثير من الأحكام.
قريش لا تُقتل صبراً ولا تُغزى:
عن مطيع بن الأسود قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول يوم فتح مكة: "لا يُقتل قريشي صبراً بعد اليوم إلى يوم القيامة"([147]).
وعن أبي حصين الهذلي قال: لما قُتل النفر الذين أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بقتلهم سمع النوح عليهم بمكة، وجاء أبو سفيان بن حرب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: فداك أبي وأمي، البقية في قومك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لا يُقتل قريشي صبراً بعد اليوم".
قال محمد بن عمر: يعني على الكفر([148]).
عن الحارث بن مالك، (ويقال له: ابن البرصاء)، قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: "لا تغزى قريش بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة على الكفر"([149]).
وعن الحارث أيضاً، قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول يوم فتح مكة: "لا تغزى هذه بعد اليوم إلى يوم القيامة..".
قال العلماء: معنى قوله: "لا تغزى" يعني على الكفر([150]).
ونقول:
إننا لا نستطيع أن نأخذ بظاهر هذا الكلام، بل لا بد من تأويله إن أمكن، أو الحكم عليه بالسقوط والبطلان، واعتباره مجعولاً لأهداف رخيصة، تتناقض مع التشريع الإلهي ومع التوجيه الرباني..
لعل المقصود هو الإخبار لا الإنشاء:
وقد يقال: إن المقصود الإخبار عن أن الشرك والكفر لن يدخل مكة، ولن يسيطر عليها، بحيث يحتاج إخراجه منها إلى غزوها، وليس المقصود إنشاء تحريم غزوها حتى مع عودتها للكفر، فإن ذلك يعني: القبول بسيطرة الكفر عليها، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.
ولو فرض لزوم الرضى به، فليس من المصلحة الجهر بمثل هذا الأمر، ولا سيما بالنسبة لأهل مكة الذين كان معظمهم لا يزال على الشرك والكفر، أو أنه أعلن الإسلام نفاقاً، بعد أن غُلِبَ أهل مكة على أمرهم بدخول رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة على تلك الحال القوية، التي لا قدرة لهم على مواجهتها.
ولا بد من أن يكون هذا المعنى هو المراد أيضاً بقوله "صلى الله عليه وآله" ـ فيما رووه عنه ـ: "لا يُقتل قرشي صبراً بعد اليوم" يعني: على الكفر.
ويزيد الأمر وضوحاً إذا علمنا: أنه لو أريد الأخذ بالإحتمال الآخر، وهو: أن تكون قريش في منأى عن القتل صبراً، فإننا نصبح أمام محذورين مهمين:
أحدهما: أن إعلاناً من هذا القبيل يدخل في سياق تغذية روح العنصرية، التي رفضها الإسلام جملة وتفصيلاً، إنسجاماً منه مع حكم العقل، وقضاء الفطرة، ومع ما قررته الآيات الكريمة التي تقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}([151]).
مع ملاحظة: أن القرشية أو غيرها من مثيلاتها من الخصوصيات مثل العرق واللون، ليست من الأمور الإختيارية التي يمكن اعتبارها حيثية يصح إناطة التشريعات المرتبطة بالأعمال بها..
الثاني: إنه لا شك في أن المرتد عن فطرة محكوم بالقتل من الناحية الشرعية، سواء كان قرشياً أو غير قرشي. وهو إنما يقتل صبراُ، ولم يقل أحد: أن هذه الكلمة قد ألغت هذا الحكم، مع أنه من موارد القتل على الكفر لمن هو من قريش أيضاً.
هذا ما وعدني ربي:
عن عبد الله بن مغفل قال: رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة على ناقته، وهو يقرأ سورة الفتح، يرجِّع صوته بالقراءة.
قال معاوية بن قرة: لولا أن يجتمع الناس حولي لرجَّعت كما رجَّع عبد الله بن مغفل، يحكي قراءة النبي "صلى الله عليه وآله".
قال شعبة: فقلت لمعاوية: كيف كان ترجيعه؟
قال: ثلاث مرات([152]).
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح: "هذا ما وعدني ربي" ثم قرأ: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللهِِ وَالْفَتْحُ}([153])"([154]).
قالوا: ونزل يوم فتح مكة: {وَقُلْ جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}([155]).
فارتجت مكة من قول أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله": "جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً"([156]).
ونقول:
1 ـ قد تحدثنا عن بعض ما يرتبط بقراءته "صلى الله عليه وآله" سورة الفتح عن قريب، فلا ضرورة للإعادة، فنحن نكتفي بما ذكرناه هناك..
2 ـ بالنسبة إلى ما ادَّعوه في ترجيعه "صلى الله عليه وآله" في قراءة السورة المذكورة نقول:
إنه لا شك في أنه ترجيع لا يصل إلى حد ما نراه من ترجيع غنائي يقوم به القراء في زماننا، وقد وصف ابن قتيبة لنا قراءة بعض قراء زمانه، وإذ بها تشبه ما نراه في هذا الزمان.
فقد قال في معرض حديثه عن حمزة بن حبيب الزيات، وهو أحد القراء السبعة:
"..هذا إلى نبذه في قراءته مذاهب العرب، وأهل الحجاز لإفراطه في المد، والهمز والإشباع، وإفحاشه في الإضجاع والإدغام. وحمله المتعلمين على المركب الصعب، وتعسيره على الأمة ما يسر الله.
وقد شغف بقراءته عوام الناس وسوقهم،وليس ذلك إلا لما يرونه من مشقتها، وصعوبتها..
إلى أن قال: ورأوه عند قراءته مائل الشدقين، دارَّ الوريدين، راشح الجبينين، توهموا: أن ذلك لفضيلة في القراءة، وحذق فيها.
وليس هكذا كانت قراءة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا خيار السلف، ولا التابعين، ولا القراء العالمين، بل كانت قراءتهم سهلة رسلة"([157]).
وقد تحدثنا في موضع آخر عن موضوع التغني بالقرآن، وأن ذلك ليس فقط لم يثبت عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل النصوص تثبت خلافه..
3 ـ إن الآيات القرآنية التي نزلت، والتي رددها المسلمون حتى ارتجت مكة، تبين: أن المعيار عند صاحب هذا الفتح هو انتصار الحق على الباطل، وليس المهم فتح البلاد، وامتلاك أزِمَّة الأمر والنهي في العباد، ولا أي شيء آخر من أمور الدنيا.. إلا إذا كان يقوي هذا الحق ويحميه، ويزهق الباطل ويضعفه، ويبطل أي حركة فيه..
الفصل الرابع:
منزل الرسول ' وجوار أم هاني
أين نزل النبي ' في مكة؟!:
روي عن ابن عباس أنه قال: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة يوم الإثنين([158]).
وعن أبي جعفر قال: كان أبو رافع قد ضرب لرسول الله "صلى الله عليه وآله" قبة بالحجون (أي عند شعب أبي طالب) من أدم، فأقبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى انتهى إلى القبة، ومعه أم سلمة، وميمونة زوجتاه([159]).
وعن أسامة بن زيد أنه قال: يا رسول الله! أنَّى تنزل غداً؟ تنزل في دارك؟
قال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دار"؟
وكان عقيل ورث أبا طالب هو وأخوه طالب، ولم يرثه جعفر ولا علي، لأنهما كانا مسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، أسلم عقيل بعد([160]).
وعن أبي هريرة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "منزلنا إن شاء الله تعالى ـ إذا فتح الله ـ بخيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر".
يعني بذلك: المحصب.
وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"([161]).
وعن أبي رافع قال: قيل للنبي "صلى الله عليه وآله": ألا تنزل منزلك من الشعب؟
فقال: "وهل ترك لنا عقيل منزلاً"؟
وكان عقيل قد باع منزل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومنزل إخوته من الرجال والنساء بمكة، فقيل لرسول الله "صلى الله عليه وآله": فانزل في بعض بيوت مكة غير منازلك.
فأبى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال: "لا أدخل البيوت".
ولم يزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مضطرباً بالحجون لم يدخل بيتاً، وكان يأتي المسجد لكل صلاة من الحجون([162]).
وعن عطاء: لما هاجر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة لم يدخل بيوت مكة، فاضطرب بالأبطح، في عمرة القضية، وعام الفتح، وفي حجته([163]).
هذا منزلنا يا جابر:
عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت ممن لزم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدخلت معه يوم الفتح، فلما أشرف رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أذاخر، ورأى بيوت مكة، وقف عليها، فحمد الله وأثنى عليه، ونظر إلى موضع قبته، فقال:
"هذا منزلنا يا جابر، حيث تقاسمت قريش علينا في كفرها".
قال جابر: فذكرت حديثاً كنت سمعته منه قبل ذلك بالمدينة: " منزلنا إذا فتح الله علينا مكة في خيف بني كنانة، حيث تقاسموا على الكفر".
وكنا بالأبطح، وجاه شعب أبي طالب، حيث حصر رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبنو هاشم ثلاث سنين([164]).
ونقول:
إننا هنا نشير إلى الأمور التالية:
الحكمة في اختيار موضع النزول:
قال الصالحي الشامي:
"الحكمة في نزول النبي "صلى الله عليه وآله" بخيف بني كنانة، الذي تقاسموا فيه على الشرك، أي تحالفوا فيه على إخراج النبي "صلى الله عليه وآله" وبني هاشم إلى شعب أبي طالب، وحصروا بني هاشم وبني المطلب فيه، كما تقدم ذلك في أبواب البعثة، ليتذكر ما كان فيه من الشدة، فيشكر الله تعالى على ما أنعم عليه من الفتح العظيم، وتمكنه من دخول مكة ظاهراً على رغم من سعى في إخراجه منها، ومبالغة في الصفح عن الذين أساؤوا، ومقابلتهم بالمن والإحسان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء"([165]).
غير أننا نقول:
إن الأمر لا يقتصر على ما ذكر آنفاً، فهناك أمور أخرى نشير إليها في الفقرات التالية:
النبي ' يصل الماضي بالحاضر:
قد عرفنا فيما سبق: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد نزل في نفس الموقع الذي حصره فيه أهل الكفر هو وسائر بني هاشم، حينما تظاهروا عليه وعليهم بالإثم والعدوان، وقد مكثوا فيه حوالي ثلاث سنوات يقاسون الآلام، ولا يقدرون على الاتصال بأحد من الناس، إلا خفية، وقد مُنِعَ الناس من إقامة أية صلة بهم، حتى صلة البيع والشراء لأبسط الأشياء، فضلاً عن منعهم الناس من مجالستهم، ومن التزوج منهم، والتزويج إليهم، وما إلى ذلك.
وها هو "صلى الله عليه وآله" قد عاد إلى مكة، ومعه أكثر من عشرة آلاف مقاتل.. وأصبح محاصروه بالأمس هم أسراه، وطبيعي أن يتوقعوا محاصرتهم من قبله، جزاءً لهم على ما كسبت أيديهم.
نعم، لقد أصبح من لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منه، أو يقيم معه أية صلة ولو عابرة، موضع الحفاوة والتكريم، والتبجيل والتعظيم، ويتلهف الناس للاقتراب منه، والتماس البركة به، وبكل شيء ينسب إليه، ويتمنون أن تشملهم منه نظرة أو لفتة، حتى لو كانت عابرة..
بل إن أعداءه بالأمس، الذين تشهد تلك الشعاب التي نزل فيها على شدة ظلمهم له، وبغيهم عليه، يتوافدون إليه في نفس المكان الذي اضطهدوه فيه بالأمس، لتقديم فروض الولاء، والتفنن فيما يزجونه إليه من مدح وثناء. فيتذكرون ما ارتكبوه في حقه، وفي حق الشيوخ والأطفال والنساء من صحبه وأهله، فهل يخجلون من أنفسهم؟! أو هل يندمون؟! وهل يتوبون إلى الله ويستغفرون؟!
وهل يفيدهم ذلك في إعادة النظر والمقارنة بين ما كانوا عليه، وما آلت أمورهم إليه؟! فيضعون الأمور في نصابها، ويتأكد لديهم أن الله هو الراعي، والحامي، والمدبر لنبيه، والمعين والناصر لعباده وأوليائه..
أين نزل رسول الله '؟!:
وقال الصالحي الشامي أيضاً:
"لا مخالفة بين حديث نزوله "صلى الله عليه وآله" بالمحصب، وبين حديث أم هانئ: أنه "صلى الله عليه وآله" نزل في بيت أم هانئ. لأنه "صلى الله عليه وآله" لم يقم في بيت أم هانئ، وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى، ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته عند شعب أبي طالب. وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين قبل الهجرة كما تقدم"([166]).
إرث عقيل لأبي طالب دون علي وجعفر:
وعن إرث عقيل لأبي طالب دون علي وجعفر نقول:
إن هذا الكلام لا يمكن أن يصح:
أولاً: لأننا قدمنا في هذا الكتاب الكثير الكثير من الدلائل والشواهد على إيمان أبي طالب "عليه السلام".. وقد كتب في إثبات إيمانه عشرات المؤلفات، بأقلام العلماء من السنة والشيعة، بالإضافة إلى بحوث كثيرة جداً كتبت حول هذا الموضوع.
ثانياً: إن المسلم يرث الكافر بلا ريب، ولكن الكافر لا يرث المسلم، فعلي "عليه السلام" يرث أبا طالب، لأنهما كانا مسلمين، ولا يرثه عقيل لأنه كان كافراً حين موت أبي طالب المؤمن.. فراجع كتابنا: "ظلامة أبي طالب"، ففيه بعض ما يفيد في هذا المجال.
إن قلتَ: لعلهم قد جروا في هذا الإرث على أحكام الجاهلية وقوانينها..
قلتُ:
ألف: إن الذين ذكروا هذا الأمر لا يقصدون بكلامهم أحكام الجاهلية.
ب: لم يكن لأهل الجاهلية أحكام وقوانين في هذا الأمر، بل كان هناك ظلمٌ وتعدٍ على المؤمنين، فلو فرضنا: أن عقيلاً كان قوياً بحيث استطاع أخذ أموال النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي وجعفر "عليهما السلام"، فهل كان قوياً إلى حد أنه يأخذ حصة أخواته وأخيه طالب، الذين لم يكونوا قد أسلموا بعد، حسب قول هؤلاء الرواة؟!
ولماذا رضي سائر أقارب النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي وجعفر "عليهما السلام" بتسلط خصوص عقيل على أموال أبيه، وعلى أموال ابن عمه ـ أعني رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ دونهم.
ثالثاً: إن عقيلاً لم يبع خصوص ما ورثه هو من أبيه، بل باع أيضاً منزل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومنزل إخوته من الرجال والنساء، كما صرحت به النصوص المتقدمة.
فإن كان علي وجعفر "عليهما السلام" قد أسلما، وسلمنا جدلاً أنهما لا يرثان ـ وسلمنا على مضض أيضاً بموت أبي طالب على الشرك ـ فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن من ورثة أبي طالب.. فلماذا يبيع عقيل أملاكه، ولماذا رضي العباس من عقيل بأن يفعل ذلك، والعباس أقرب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" منه، فكيف لم يعترض عليه؟!
كما أن أم هاني أخت علي "عليه السلام" كانت هي وأخواتها ـ كما يزعمون ـ على الشرك أيضاً، فلماذا باع عقيل منزلها ومنازل ورباع أخواتها؟! ولماذا باع منزل طالب أيضاً؟!
فلماذا لم يمنعوه من إتمام هذا البيع، ولماذا تركوا أهل مكة يشترون من هذا البائع ما ليس له؟!
رابعاً: كان بإمكان النبي "صلى الله عليه وآله" أن ينزل في أحد بيوت مكة على سبيل العارية، أو الشراء، فلماذا لم يفعل ذلك؟!
بل لقد كان يمكنه أن ينزل في بيت عمه العباس، أو في أي بيت آخر من بيوت المؤمنين الذين كانوا في مكة، وما أكثرهم!! وسيدخل ذلك عليهم السرور بلا ريب.
وقد نزل على أبي أيوب حين هاجر "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة مدة شهر أو أشهر أو سنة.
خامساً: إن قول الرسول "صلى الله عليه وآله": "لا أدخل البيوت" ثم لم يدخل بيتاً أبداً لا في عمرة القضاء، ولا في عام الفتح، ولا في حجة الوداع، يشير إلى أن الأمر ليس لأجل عدم وجود بيت ينزل فيه، بل هو يتعدى ذلك ليكون قراراً إلهياً نبوياً، وقد بدا بمثابة قاعدة يلتزم بها..
وأما دخوله بيت أم هاني فلم يكن دخول سكنى، بل دخول تكريم لها ولأخيها علي "عليه السلام".
الإخبار بالغيب عن موضع نزوله ':
إن الحديث المتقدم عن اختيار موضع نزوله "صلى الله عليه وآله" في مكة يدل على أن القرار بذلك لم يكن وليد ساعته، بل يدخل ضمن خطة كانت قد رسمت منذ وقت طويل، حيث إنه "صلى الله عليه وآله" كان قد أخبر جابراً بذلك في المدينة، قبل مدة، فلما سمعه جابر يذكر ذلك في مكة تذكَّر ما كان في المدينة.
وإذا كان "صلى الله عليه وآله" لا ينطق عن الهوى، ولا يفعل إلا ما يريده الله سبحانه، ويرضاه، فالنتيجة هي أن ذلك لا بد من أن يكون من مفردات السياسة الإلهية في تربية أهل الإيمان، وتقديم العبر والعظات للناس جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، فيقيم الحجة على الكافر ليكبته بها، ويرسخ يقين المؤمن ليسعده به، ويبعث فيه نفحة أخرى من الوعي للحقائق ويثبِّته بالقول الثابت والصادق.
لا ينزل النبي ' بيوت مكة:
كأن هؤلاء الناس حين يذكرون امتناع النبي "صلى الله عليه وآله" عن النزول في بيوت مكة، يريدون الإيحاء بأن السبب في ذلك: أنه لم يكن له "صلى الله عليه وآله" بيت ينزل فيه، لأن عقيلاً كان قد باع الرباع والمنازل.
والحقيقة هي: أن هذا يدخل في سياق تزوير الحقائق الذي طالما شاهدناه في المواضع المختلفة.. إذ عدم وجود بيت يملكه النبي "صلى الله عليه وآله" لا يعني أن يتخذ قراراً بعدم دخول أي بيت من بيوت مكة، ولو كضيف على عمه العباس إن لم يكن يريد شراء بيت فيها.. تماماً كما جرى له "صلى الله عليه وآله" حينما هاجر إلى المدينة، فإنه نزل على أبي أيوب الأنصاري.. وبقي عنده شهراً، أو سبعة أشهر، أو سنة([167]).
ولنفترض: أن عقيلاً قد باع البيوت، لكن أم هاني كان لها بيت تسكن فيه، وبيت عمه العباس لا يزال على حاله، ولم يبعه عقيل، وكذلك بيوت سائر بني هاشم. ألم يكن يمكنه أن ينزل في أحدها؟! ألم يكن العباس وغيره من المؤمنين الذين كانوا في مكة، وما أكثرهم، في غاية اللهفة لنيل هذا الشرف العظيم؟! وهو نزول النبي "صلى الله عليه وآله" في بيوتهم، وإذا كان "صلى الله عليه وآله" قد أكرم أم هاني، فأكل عندها.. فلماذا لا يكرمها بالنزول في بيتها أياماً يسيرة؟!
فإن كانت لا تزال على شركها، ولا يريد أن تكون لها منة عليه، فلماذا أكل وصلى واغتسل عندها؟!([168]) ألا يدل ذلك على أنها كانت مسلمة؟!
والخلاصة: إن ذلك كله يدل على أن ما يذكرونه من الاستناد إلى ما فعله عقيل من بيع البيوت والرباع لم يكن هو السبب في اتخاذ هذا القرار.
النبي ' لا يدخل دور مكة:
وفي سياق آخر نقول:
بالنسبة لما تقدم: من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يدخل دور مكة، لا في الفتح ولا في عمرة القضاء، ولا في حجة الوداع: فقد روي عن الإمام الصادق "عليه السلام" أنه كره المقام بمكة، وذلك أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أُخرج عنها، والمقيم بها يقسو قلبه([169]).
وروي أيضاً عن الإمام الصادق "عليه السلام" أنه قال: "إذا قضى أحدكم نسكه فليركب راحلته، وليلحق بأهله، فإن المقام بمكة يقسي القلب"([170]).
وعن الإمام الصادق "عليه السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نهى أهل مكة أن يؤاجروا دورهم، وأن يعلقوا عليها أبواباً. وقال: {سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}([171]).
وفي حديث آخر: لم يكن ينبغي أن يصنع على دور مكة أبواباً، لأن للحاج أن ينزل في دورهم في ساحة الدار، حتى يقضوا مناسكهم.
وإن أول من جعل لدور مكة أبواباً معاوية"([172]).
وعن جعفر بن عقبة، عن أبي الحسن الرضا "عليه السلام": إن علياً "عليه السلام" لم يبت بمكة بعد أن هاجر منها حتى قبضه الله عز وجل إليه.
قال: قلت: ولم ذلك؟
قال: يكره أن يبيت بأرض هاجر منها رسول الله "صلى الله عليه وآله". وكان يصلي العصر ويخرج منها ويبيت بغيرها([173]).
ولسنا بحاجة إلى التذكير: بأن امتناع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من المبيت بمكة لم يكن استجابة لحنق شخصي فرض عليه هذا القرار، بل هو ـ كما أشرنا إليه ـ قرار يرضاه الله ويريده، وهو من مظاهر طاعة الله سبحانه.. وقد كان "صلى الله عليه وآله" قد ذكر هذا القرار وهو في المدينة قبل الفتح، وقد ذكره مرة أخرى في مكة..
وفي جميع الأحوال نقول:
إن التحدي الذي واجهه الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" لم يكن لشخصه، إنما هو لنبوته ولرسوليته، ولذلك أُخرج من مكة.
وحين فتح مكة، فإن أهلها انقادوا له لأنه قوي، لا مجال لمقاومته، ولم تقبل قلوبهم نبوته ورسوليته، إلا على سبيل الإقرار اللساني.. ولذلك احتاج إلى أن يتألفهم على هذا الدين، ويصبر على الكثير من الأذايا والبلايا التي أوصلوها إليه بنحو أو بآخر. وكان كثير منهم يتخذ سبيل النفاق، فهو يظهر الإسلام، ثم يكيد له ولأهله الحقيقيين المخلصين.
أي أن محمداً "صلى الله عليه وآله" كرسول، لم يدخل مكة بعد.. بل ما جرى هو مجرد نسيم هب على مكة، لا بد من العمل على أن يتحول إلى ريح تقل سحاباً ثقالاً بماء الحق والصدق الذي ينعش الأرواح، وتحيا به النفوس..
فدخول النبي "صلى الله عليه وآله" إلى منازل يستولي عليها أولئك الذين حاربوه لربما يستتبع الكثير من التخمينات والحيثيات التي تثير مخاوف أهل مكة وشكوكهم، ولكنه إذا لم يدخل منزلاً، واكتفى بخيمة تنصب له، فإن ذلك سوف يطمئنهم إلى أن هذا النبي "صلى الله عليه وآله" لا يريد المقام في البلاد ولا يرغب في الهيمنة على العباد، وإنما يريد أن يفسح الطريق أمام الناس للتعرف على الإسلام، وأن يمنع أعداءه من التعرض له بفنون من المكر والكيد ليمنعوه من الوصول إلى العقول والقلوب..
إنه لا يريد أموالاً، ولا بلاداً، ولا داراً، ولا عقاراً، بل يريد لهم العيش الرغيد والسعيد في بلادهم وديارهم، وبين أهلهم، فهو حتى في أحرج ساعة تواجههم، يقدم لهم الدليل تلو الدليل على أنه لا مطمع له بشيء من دنياهم، وأنه يتعامل معهم بالإنصاف، وبالرحمة، والإيثار، لا بمنطق المنتصر الحانق الذي يتعامل بالنقمة، ويريد أخذ الثار.
تكريم النبي ' لأم هاني:
عن ابن عباس قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لأم هانئ يوم الفتح: "هل عندك من طعام نأكله"؟
قالت: ليس عندي إلا كسر يابسة، وإني لأستحي أن أقدمها إليك.
فقال: "هلمِّي بهنّ" فكسَّرهنَّ في ماء.
وجاءت بملح فقال: "هل من أدم"؟.
فقالت: ما عندي يا رسول الله إلا شيء من خل.
فقال: "هلميه"، فصبَّه على الطعام، وأكل منه، ثم حمد الله، ثم قال: "نعم الأدم الخلّ، يا أم هانئ لا يفقر بيت من أدمٍ فيه خلّ"([174]).
ونقول:
ما أروع وأجمل هذا التكريم النبوي العفوي، وما أجلّ هذه المبادرة للإعلان عن صافي المودة، وجميل الوفاء والإخاء لامرأة فاضلة ونبيلة، يريد أن يعلن للناس كلهم، وللأجيال اللاحقة، بعظيم احترامه وتقديره لها ولفضلها ونبلها، فيخصها بشرف لم ينله أحد من رجالات مكة وعظمائها، فيدخل منزلها، ويصلي ويأكل عندها.. ويعاملها بعفوية ظاهرة، ومودة طافحة بالإجلال والتعظيم، والمودة والتكريم..
وقد تجلت وحدة الحال في قوله "صلى الله عليه وآله" لها: هل عندك من طعام نأكله؟!
ولم يكن لديها إلا كسر يابسة من خبز، وإلا شيء من خلٍّ، جعله "صلى الله عليه وآله" إداماً.. ثم أثنى على هذا الإدام، وبيَّن أن له قيمة كامنة في عمق ذاته، فقال: "نعم الإدام الخل".
ثم شفع ذلك ببشارة نبوية، من شأنها أن تدخل السرور والرضا على قلب هذه المرأة الجليلة، فقال: "يا أم هاني، لا يفقر بيت من أدم فيه خلّ".
علي × وأم هاني:
وفي الروايات حديث عن إجارة أم هاني لرجلين من المشركين، وقبول النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك منها. ونحن نذكر أولاً هذه النصوص، ثم نشير إلى بعض ما يمكن أن يقال حولها، فنقول:
بلغ علياً "عليه السلام": أن أم هاني بنت أبي طالب آوت ناساً من بني مخزوم، منهم: الحارث بن هشام، وقيس بن السائب، (وعند الواقدي عبد الله بن ربيعة)، فقصد "عليه السلام" نحو دارها مقنَّعاً بالحديد، فنادى: "أخرجوا من آويتم".
فجعلوا يذرقون كما تذرق الحبارى، خوفاً منه.
فخرجت إليه أم هانئ ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبد الله، أنا أم هانئ، بنت عمِّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأخت علي بن أبي طالب، إنصرف عن داري.
فقال أمير المؤمنين "عليه السلام": "أخرجوهم".
فقالت: والله لأشكونَّك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فنزع المغفر عن رأسه، فعرفته، فجاءت تشتد حتى التزمته، وقالت: فديتك، حلفت لأشكونك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقال لها: "إذهبي، فبري قسمك، فإنه بأعلى الوادي".
قالت أم هانئ: فجئت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وهو في قبة يغتسل، وفاطمة "عليها السلام" تستره، فلما سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلامي، قال: "مرحباً بك يا أم هانئ وأهلاً".
قلت: بأبي أنت وأمي، أشكو إليك ما لقيت من علي "عليه السلام" اليوم.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قد أجرتُ من أجرتِ".
فقالت فاطمة "عليها السلام": "إنما جئت يا أم هانئ تشتكين علياً "عليه السلام" في أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله"؟!
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قد شكر الله لعلي "عليه السلام" سعيه، وأجرتُ من أجارت أم هانئ، لمكانها من علي بن أبي طالب"([175]).
وعند الواقدي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن حين تكلمت أم هانئ مع فاطمة "عليها السلام"..
ثم جاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأجار لأم هاني من أجارت، ثم طلب من فاطمة "عليها السلام" أن تسكب له غسلاً، فاغتسل، ثم صلى ثمان ركعات([176]).
وعن الحارث بن هشام قال: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة، دخلت أنا وعبد الله بن أبي ربيعة دار أم هانئ، ثم ذكر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أجاز جوار أم هانئ.
قال: فانطلقنا، فأقمنا يومين، ثم خرجنا إلى منازلنا، فجلسنا بأفنيتها لا يعرض لنا أحد، وكنا نخاف عمر بن الخطاب، فوالله إني لجالس في ملاءة مورَّسة([177]) على بابي ما شعرت إلا بعمر بن الخطاب، فإذا معه عدة من المسلمين، فسلم ومضى.
وجعلت أستحي أن يراني رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأذكر رؤيته إياي في كل موطن مع المشركين، ثم أذكر بره ورحمته وصلته، فألقاه وهو داخل المسجد، فلقيني بالبشر، فوقف حتى جئته فسلمت عليه، وشهدت بشهادة الحق، فقال: الحمد لله الذي هداك ، ما كان مثلك يجهل الإسلام.
قال الحارث: فوالله ما رأيت مثل الإسلام جُهل([178]).
وعن أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما كان عام يوم الفتح فرَّ إليَّ رجلان من بني مخزوم فأجرتهما، قالت: فدخل عليَّ عليٌّ فقال: أقتلهما.
قالت: فلما سمعته يقول ذلك أغلقت عليهما باب بيتي، ثم أتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو بأعلى مكة، فلما رآني رسول الله "صلى الله عليه وآله" رحَّب وقال: "ما جاء بك يا أم هانئ".
قالت: قلت: يا رسول الله، كنت أمنت رجلين من أحمائي، فأراد علي "عليه السلام" قتلهما.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قد أجرنا من أجرت".
ثم قام رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى غسله، فسترته فاطمة "عليها السلام"، ثم أخذ ثوباً فالتحف به، ثم صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثمان ركعات سبحة الضحى ([179]).
لكن في الحلبية وغيرها: فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين، وفاطمة ابنته تستره بثوب، فسلمت عليه، فقال: من هذه؟
إلى أن قال: وفي الرواية الأولى: فلما اغتسل أخذ ثوبه وتوشح به، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى.
ثم أقبل علي، فقال: مرحباً يا أم هاني، ما جاء بك؟.
فأخبرته الحديث.
فقال: "أجرنا من أجرت الخ.." ([180]).
وقيل: إن الرجلين هما: الحارث بن هشام، وزهير بن أمية بن المغيرة([181]).
وعنهما: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" اغتسل يوم فتح مكة في بيتها، وصلى ثمان ركعات، قالت: لم أره صلى صلاة أخف منها، غير أنه يتم ركوعها وسجودها([182]).
وأطلقوا على صلاته هذه اسم "صلاة الفتح". وكان الأمراء يصلونها إذا فتحوا بلداً. ولا يفصل بينهما. وتصلى بغير إمام.
قال السهيلي: ولا يجهر فيها بالقراءة([183]).
وسموها أيضاً صلاة الضحى، وصلاة الإشراق، وقد اختلفوا في أمرها بين منكر ومثبت. فراجع([184]).
وعن معاوية بن وهب، قال: لما كان يوم فتح مكة ضُربت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" خيمة سوداء من شعر بالأبطح، ثم أفاض عليه الماء من جفنة يرى فيها أثر العجين، ثم تحرى القبلة ضحى، فركع ثمان ركعات، لم يركعهما رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل ذلك ولا بعد ([185]).
وأما الحديث عن أنها "رحمها الله" قد ذهبت إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو بأعلى مكة، فوجدته يغتسل وفاطمة "عليها السلام" تستره([186]). ويؤيده ما روي عنها: من أن أبا ذر ستره لما اغتسل([187]). فيحمل على أن ذلك قد تكرر منه. ويحتمل أن يكون نزل في بيتها بأعلى مكة، وكانت هي في بيت آخر في مكة، فجاءت إليه فوجدته يغتسل الخ..([188]).
ونقول:
إننا نعلق على ما تقدم بما يلي:
الأمان.. والجوار:
تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اعلن بالأمان لأهل مكة، وعين مواضع يلجأ إليها المستأمنون، مثل: المسجد، ودار أبي سفيان، وراية أبي رويحة، وإلقاء السلاح، ودخول الإنسان داره وإغلاق بابه، وما إلى ذلك..
ولكننا نقرأ هنا: أن علياً "عليه السلام" يلاحق هذين الرجلين إلى دار أخته أم هاني ليقتلهما.
ونقرأ أيضاً: أن أم هاني قد أجارتهما، ولكن علياً "عليه السلام" لم يقتنع منها بذلك، حتى قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه جوارها..
فالإعلان السابق لا يشير إلى وجود حرب وقتال، بل هناك أمان وسلام.
وحادثة علي "عليه السلام" وأم هانئ تدل على: أن حالة الحرب كانت قائمة، وأن الحاكم هو أعرافها وقوانينها.. فكيف نوفق بين هاتين الحالتين المتخالفتين؟!
ويمكن أن نجيب بما يلي:
أولاً: لماذا لم يلجأ هذان الرجلان إلى أي من تلك المواضع التي حددها رسول الله "صلى الله عليه وآله" لطالبي الأمان؟!
ألا يدل ذلك: على أنهما كانا في حالة قتالية، احتاجا إلى الخروج منها إلى جوار أم هاني؟!
ثانياً: إننا نعرف مدى طاعة علي "عليه السلام" لأوامر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومدى دقته في تنفيذها مما جرى في خيبر، حيث قال له النبي "صلى الله عليه وآله": اذهب ولا تلتفت.
فسار "عليه السلام" قليلاً ثم وقف ولم يلتفت، وسأل النبي "صلى الله عليه وآله": علام أقاتلهم؟! الخ..([189]).
فملاحقته لهذين الرجلين يدل على: أنهما كانا محاربين، ويدل على ذلك أيضاً ثناء رسول الله "صلى الله عليه وآله" على علي "عليه السلام": "قد شكر الله سعيه، وأجرت من أجارت أم هاني لمكانها من عليمأم هاني لمكانها"([190]).
وعند الحلبي: "قد آمنا من آمنت، وأجرنا من أجرت، فلا نقتلهما"([191]).
ثم هو يقول: "فلا نقتلهما". وهو تعبير يشير إلى أن التصميم على قتلهما كان من قبل النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه.
من الذين آوتهم أم هاني؟!:
ذكرت بعض الروايات: أن الرجلين اللذين آوتهما أم هاني هما الحارث بن هشام، وزهير بن أبي أمية.
وبعضها ذكرت: الحارث وعبد الله بن ربيعة.
وذكرت ثالثة: الحارث، وقيس بن السائب.
والظاهر: أنها "رحمها الله" آوت الجميع، وربما كان معهم غيرهم أيضاً وذلك لرواية الطبرسي المتقدمة، التي تقول: "آوت ناساً من بني مخزوم، منهم الحارث الخ..".
لقاء علي × بأم هاني:
واللافت هنا: أن علياً "عليه السلام" يأتي إلى دار أخته مقنعاً بالحديد، ولا يعرِّف أخته بنفسه في بادئ الأمر، ولكنه لا يقتحم الدار، ولعله لأنه لا يريد أن يروع أخته، بل ينادي من خارج الدار: أخرجوا من آويتم!!
فخرجت إليه أخته، فلم يبادر إلى تعريفها بنفسه، بل تركها تعرِّف هي بنفسها، بأنها بنت عم النبي "صلى الله عليه وآله"، وأخت علي "عليه السلام"، ثم تأمره بالانصراف عن دارها..
ولكن علياً "عليه السلام" لا يزال مصراً على موقفه، ويعيد النداء: أخرجوهم.
فلم تضعف، ولم تتراجع، بل قالت له: والله، لأشكونك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وفي هذه اللحظة ينزع علي "عليه السلام" المغفرة عن رأسه، فعرفته أخته، فجاءته تشتد حتى التزمته.
فنلاحظ: أن علياً "عليه السلام" قد أجرى الأمور على طبيعتها، وفي أية حالة أخرى، وفي أي بيت أو شخص آخر، وهو "عليه السلام" رغم أنه كان يواجه أخته لم يتراجع عن أداء واجبه الشرعي مراعاةً لها، أو انسياقاً مع عاطفته تجاهها، كما أنه أراد لها أن تبر بقسمها الذي أطلقته.
وهي ترى أنها محقة في إعطائها الأمان لأولئك المشركين فلم يمنعها من ممارسة حقها في الدفاع عنهما، بل كان هو الذي دلها على مكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالتحديد، وطلب منها أن تذهب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وتشكوه عنده، ليأتي القرار بالعفو من مصدره الأساس، وهو رسول الله "صلى الله عليه وآله". وبذلك يسقط التكليف عن أمير المؤمنين بصورة تلقائية..
خوف الجبناء:
لقد أظهرت بعض الروايات المتقدمة: مدى خوف أولئك الظالمين من سيف عدل علي "عليه السلام"، رغم أن عددهم كان وافراً، حتى جعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفاً من رجل واحد، ولم يجرؤوا على الخروج إلى ساحة المواجهة؟
فبماذا قوي علي "عليه السلام" عليهم؟! أليس بإيمانه الراسخ بالله، واعتزازه وثقته بربه ودينه؟! وعزوفه عن زخارف هذه الدنيا؟! وطلبه لما عند الله الذي هو خير وأبقى؟!
لم تصرح أم هاني بما تطلب:
وفي رواية الطبرسي: أن أم هاني لم تصرح لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بما تشكوه من علي "عليه السلام"، بل هي بمجرد أن ذكرت له: أنها لقيت من علي "عليه السلام" أمراً شديداً عليها، قال لها رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قد أجرتُ من أجرتِ".
ألا يشير إلى أنه "صلى الله عليه وآله" كان عارفاً بتفاصيل ما يجري، من دون حاجة إلى إخبار أحد؟! كما أن فيه إشارة لأم هاني بأن تثق بالغيب، وتيقن بأنه "صلى الله عليه وآله" يستمد معرفته من الوحي الإلهي، الذي يسدده ويرعاه..
موقف الزهراء ÷ من أم هاني:
ولم تكن الزهراء "عليها السلام" بصدد تأنيب أم هاني لشكواها علياً "عليه السلام"، وإنما أرادت أن تطمئن إلى سلامة أهداف أم هاني من هذه الشكوى، وأنها لم تكن بصدد الدفاع عن أعداء الله، ولا لأنه أخاف أعداء الله، بل هي تسعى كما يسعى أخوها علي "عليه السلام" إلى دفع شر أولئك الأشرار بأقل قدر ممكن من الخسائر.
وإنما قلنا ذلك: لأننا نعلم أن أم هاني المؤمنة بالله، والتي تلجأ إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا يمكن أن تشتكي ناصر رسول الله ومن يخيف أعداءه وأعداء الله.
وقد كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أوضح لها: أن علياً "عليه السلام" يسعى إلى رضا الله تعالى، فكان أن تصرفت بنحو لم يغضب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل هي قد فعلت ما هو حقها، والمتوقع منها..
أم هاني لا تجير على رسول الله ':
والنقطة التي تحتاج إلى بيان هي: أن أم هاني لم تجر أولئك المشركين لتحميهم من قرار رسول الله "صلى الله عليه وآله" وحكمه فيهم.
بل أجارتهم لتحميهم من سائر المقاتلين حتى يصلوا سالمين إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم يكون هو الذي يحكم فيهم بما يرضي الله سبحانه.
والشاهد على ما نقول: شكواها لرسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه.
ولكنّ أبا سفيان حين ذهب إلى المدينة يطلب تأكيد عهد الحديبية بعد نقضه طلب من الزهراء "عليها السلام" أن تجير بين الناس، لأنه أراد ذلك منها ليحمي به أولئك القتلة للنساء، والصبيان، والضعفاء من حكم رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيهم.
فهو جوار ضد حكم وقرار رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الظالمين والناكثين.. وليس لحمايتهم من الناس إلى أن يصلوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليكون هو الحاكم فيهم.
ما مثلك يجهل الإسلام:
وذكروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال للحارث بن هشام: "ما مثلك يجهل الإسلام".
ويبدو أنهم أرادوا بهذا الكلام التنويه برجاحة عقل الحارث، وسلامة تفكيره، وسداد رأيه، باعتبار ثناء حظي به على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله" من بين الكثير من أقرانه.
غير أننا نرى: أن هذا الكلام لا يقصد منه الثناء عليه بقدر ما يقصد به تقريعه، وتأنيبه على اتباعه لأهوائه، وعلى ضعفه أمام شهواته وانقياده لميوله ورغباته، وترك ما يحكم به عقله، وما ترشده إليه فطرته، وتقوده إليه الدلائل الظاهرة، والحجج القاهرة..
خوف المشركين من عمر:
وقد تحدث الحارث بن هشام: بأنه بعد أن أجاز النبي "صلى الله عليه وآله" جوار أم هاني، خرج أولئك النفر إلى منازلهم، وجلسوا بأفنيتها، لا يعرض لهم أحد، لكنهم كانوا يخافون من عمر.. ثم مر بهم عمر في نفر من المسلمين، فسلم ومضى..
ونقول:
إن هذا الثناء التبرعي على عمر قد يُفهم هنا على أنه ذم له، من حيث دلالته على أن عمر يتطفل على الناس، ويبادر إلى أذيتهم، حتى مع علمه بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أجاز جوار بعض الناس فيهم، فهو إذن إنسان متهور، لا يبالي بما يصدر عنه، ولا يراعي أبسط قواعد التعامل الصحيح والموزون حتى مع رسول الله "صلى الله عليه وآله".. أو أن ذلك كان على الأقل هو الانطباع الشائع فيهم عن عمر بن الخطاب.
رنة إبليس.. وحديث نائلة و..:
عن ابن عباس قال: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة رنَّ([192]) إبليس رنة، فاجتمعت إليه ذريته، فقال: إيأسوا أن تردّوا أمة محمد إلى الشرك بعد يومكم هذا، ولكن أفشوا فيها ـ يعني مكة ـ النوح والشعر([193]).
وقيل: إنه رن ثلاث رنات: رنة حين لُعن، فتغيرت صورته عن صورة الملائكة، ورنة حين رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يصلي قائماً بمكة، ورنة حين افتتح "صلى الله عليه وآله" مكة، فاجتمعت ذريته فقال: إيأسوا أن تردوا أمة محمد إلى الشرك الخ..([194]).
وعن مكحول: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما دخل مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر، فقال جبريل "عليه السلام": تَعوَّذ يا محمد بهؤلاء الكلمات:
"أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما بث في الأرض، وما يخرج منها، ومن شر الليل والنهار، ومن شر كل طارق يطرق إلا بخير، يا رحمن"([195]).
وعن ابن أبزى قال: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء، تخمش وجهها، وتدعو بالويل، فقال "صلى الله عليه وآله": "تلك نائلة، أيست أن تُعْبَد ببلدكم هذا أبداً"([196]).
ونقول:
ألف: أما بالنسبة للحديث عن رنة إبليس، فقد ورد في ذيله: أن إبليس قال لذريته: إيأسوا من أن تردوا أمة محمد إلى الشرك، ولكن أفشوا فيها ـ يعني مكة ـ النوح والشعر.
ونحن نشك في صحة ذلك، إذ ليس في النوح والشعر ما يصلح لأن يكون بديلاً ـ حسب منطق إبليس لعنه الله ـ عن الشرك بالله، مهما بالغنا في الحديث عما يوجبه الشعر من الفساد والإفساد، فلذلك نقول:
إن الصحيح هو ما روي عن الإمام الباقر "عليه السلام": إن إبليس رن أربع رنات: يوم لُعن، ويوم أُهبط إلى الأرض، ويوم بُعث النبي "صلى الله عليه وآله"، ويوم الغدير([197]).
وهذا الحديث هو الأولى بالصحة، والأقرب إلى الاعتبار، فإن يوم الغدير قد جعل إبليس ييأس من طمس الحق، لأن ولاية أمير المؤمنين "عليه السلام" هي سبب بقاء هذا الدين، وبها تمت النعمة على الخلق، حسبما نصت عليه الآيات الكريمة، فراجع كتابنا: "الغدير.. والمعارضون" ففيه بعض ما يفيد في هذا الموضوع.
ب: بالنسبة لحديث رمي الجن للنبي "صلى الله عليه وآله" بالنار حين دخول مكة، فنزل جبرئيل وعلَّم النبي "صلى الله عليه وآله" أن يتعوذ بكلمات الله التامات، نقول:
روي: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يعوِّذ الحسنين، فيقول: أعيذكما بكلمات الله التامات، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.
وكان إبراهيم يعوذ بها إسماعيل وإسحاق "عليهم السلام"([198]).
على أن هذه الرواية إنما رويت عن مكحول، الذي لم يكن في زمان رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلماذا لم يروها صحابة رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنفسهم؟
فلعلهم كانوا قد شاهدوا ذلك بأنفسهم، لكي يصفوا لنا الجن، وأشكالهم، وسماتهم!! ولنعرف إن كان الشرر قد أصاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أم لم يصبه؟!
وبعد.. فيا ليتهم ذكروا لنا كيف انصرف الجن عنه "صلى الله عليه وآله"؟!
وهل تصدى أحد من المسلمين لهم حتى أجبرهم على الإنصراف؟! أم أن تلك العوذة التي جاءه بها جبرئيل "عليه السلام" هي التي أوجبت انصرافهم؟!
ج: وأما حديث مجيء نائلة في صورة عجوز شمطاء (عريانة)، فقد ذكروا نفس هذا الحديث بالنسبة للعزى أيضاً.
وذكروا: أن خالداً ضربها بسيفه فقطعها نصفين فماتت.
ويذكرون مثل ذلك أيضاً: عن مناة، وأن سعيد بن زيد قتلها أيضاً..
وقد ناقشنا هذه القضية في قصة قتل العزى، وطرحنا العديد من الأسئلة التي لن تجد لها جواباً مقنعاً ومقبولاً..
على أننا نستغرب: أن لا يكون حديث نائلة قد تداولته الرواة، ونقله لنا العشرات ممن حضروا وشاهدوها، وهي عارية. وهو أمر لافت للأنظار، مثير للفضول.. وكان من المناسب أيضاً أن يذكروا لنا بعض صفاتها، وتركيبتها الجسدية، فإن للجن أحوالاً تختلف عن أحوال الإنس لا محالة..
الفصل الخامس:
ما جرى لأبي قحافة
إسلام أبي قحافة:
عن أسماء بنت أبي بكر الصديق قالت: لما كان عام الفتح، ونزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذي طوى، قال أبو قحافة لابنة له ـ قال البلاذري: اسمها أسماء، وقال محمد بن عمر تسمى: قريبة ـ كانت من أصغر ولده: يا بنية، أشرفي بي على أبي قبيس ـ وقد كف بصره ـ فأشرفت به عليه.
فقال: أي بنية!! ماذا ترين؟
قالت: أرى سواداً مجتمعاً كثيراً، وأرى رجلاً يشتد بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً.
فقال: ذلك الرجل الوازع([199])، ثم قال: ماذا ترين؟
قالت: أرى السواد قد انتشر وتفرق.
فقال: والله إذن انتشرت الخيل، فاسرعي بي إلى بيتي.
فخرجت سريعاً حتى إذا هبطت به الأبطح لقيتها الخيل، وفي عنقها طوق لها من ورق، فاقتلعه إنسان من عنقها.
فلما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسجد، خرج أبو بكر بأبيه يقوده، وكان رأس أبي قحافة ثغامة([200])، فلما رآه رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه"؟
فقال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي أنت إليه.
فأجلسه بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فمسح رسول الله "صلى الله عليه وآله" صدره، وقال: أسلم تسلم، فأسلم.
ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته، فقال: أنشدكم بالله والإسلام طوق أختي، فوالله ما جاء به أحد. ثم قال الثالثة فما جاء به أحد.
فقال: يا أخية، احتسبي طوقك، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل([201]).
وقال البلاذري: ورمى بعض المسلمين أبا قحافة فشجه، وأُخِذَتْ قلادة أسماء ابنته، فأدركه أبو بكر وهو يستدمي، فمسح الدم عن وجهه ([202]).
وروى البيهقي بسند جيد قوي، عن ابن وهب قال: أخبرني ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر: أن عمر بن الخطاب أخذ بيد أبي قحافة، فأتى به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلما وقف به على رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: غيروه، ولا تقربوه سواداً([203]).
وروى مسلم عن جابر نحوه، لكنه لم يذكر من الذي جاء بأبي قحافة([204]).
قال ابن وهب: وأخبرني عمر بن محمد، عن زيد بن أسلم: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هنأ أبا بكر بإسلام أبيه([205]).
وعن أنس قال: كأني أنظر إلى لحية أبي قحافة كأنه ضرام عرفج([206]) من شدة حمرته، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه" ـ تكرمة لأبي بكر ـ([207]).
وعن أنس أيضاً قال: جاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة يحمله حتى وضعه بين يديه، فقال لأبي بكر: "لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه" ـ تكرمة لأبي بكر ـ.
فأسلم ورأسه ولحيته كالثغامة، فقال: غيروهما.
قال قتادة: هو أول مخضوب في الإسلام([208]).
والثغامة: نبت أبيض الثمر والزهر، يشبه بياض الشيب.
وفي نص آخر: غيروا السواد، ولا تتشبهوا باليهود والنصارى.
وفي رواية: اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم([209]).
وعند ذلك قال أبو بكر للنبي "صلى الله عليه وآله": والذي بعثك بالحق لإسلام أبي طالب أقر لعيني من إسلامه، وذلك أن إسلام أبي قحافة كان أقر لعينك ([210]).
عن محمد بن عمر بن سالم، بن الجعابي، عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، عن جده أحمد بن أبي شعيب، عن محمد بن سلمة، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أنس: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لأبي بكر: لو أقررت الشيخ في بيته لأتيناه.
وروى الحاكم أيضاً: عن القاسم بن محمد، عن أبيه، عن أبي بكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال له: هلا تركت الشيخ حتى آتيه.
فقلت: بل هو أحق أن يأتيك.
فقال: إنا لنحفظه لأيادي ابنه عندنا([211]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم وقفات هي:
الحديثان الأخيران:
إننا نبدأ بالحديثين الأخيرين، حيث نلاحظ ما يلي:
أولاً: قال الذهبي معقباً على رواية أبي بكر: "القاسم لم يدرك أباه، ولا أبوه أبا بكر"([212]).
وهذا صحيح، فإن محمداً ولد عام حجة الوداع سنة عشر من الهجرة، وتوفي أبوه في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة.
كما أن محمد بن أبي بكر توفي سنة 38 هـ، وتوفي ولده القاسم سنة 108 هـ أو 109 هـ([213]) وهو ابن سبعين سنة، أو اثنتين وسبعين، فيكون قد ولد سنة وفاة أبيه، أو نحوها.
وقال ابن سعد: إن القاسم قد توفي سنة 112 هـ وعمره سبعون سنة، فيكون عمره حين وفاة والده حوالي أربع سنين([214]).
ثانياً: إن الجعابي لا يمكن أن يروي عن أبي شعيب، لأن الجعابي ولد سنة 285 هـ وتوفي أبو شعيب سنة 292 هـ.
والغريب في الأمر هنا: سكوت الذهبي عن هذا الحديث، بل هو قد وافق الحاكم على تصحيحه، لكن الحاكم قال: إنه صحيح على شرط الشيخين.
أما الذهبي فصححه على شرط البخاري([215]).
ثالثاً: بالنسبة لأيادي أبي بكر عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" نقول:
قد تقدم بعض الحديث عن ذلك، حين الكلام حول هجرة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعن شرائه الراحلتين من أبي بكر بالثمن، فراجع فصل: هجرة النبي "صلى الله عليه وآله".
رابعاً: إن من المعيب جداً أن يزعم هؤلاء: أن آية: {وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}([216]) قد نزلت في أبي بكر([217]). ثم يقولون: إنه قد كانت لأبي بكر أيادٍ عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يستطع أن يجازيه عليها.
أبو بكر يريد طوق أخته:
وأما ما ذكرته الرواية: من أن أبا بكر طلب من الناس أن يرجعوا لأخته طوقها.. وأنه ناشدهم الله ثلاثاً، فلم يجبه أحد، ثم قال: إن الأمانة في الناس اليوم قليل.. ففيه أكثر من مورد يحتاج إلى بحث.
فأولاً: إن أموال المشركين ليست من قبيل الأمانات عند المسلمين، بحيث يجب عليهم ردُّها لأصحابها، بل هي غنائم إن أُخذت من محارب منهم. وإن أُخذت من قبل أن يعلموا بمقتضى الأمان الذي أعطاهم النبي "صلى الله عليه وآله" إياه، أي قبل دخولهم في البيوت وإغلاق الأبواب، وقيل: دخول المسجد، أو دار أبي سفيان، أو اللجوء إلى راية أبي رويحة.
وأقصى ما يمكن أن يقال: هو أن أمرها في كيفية تقسيمها، وفي إرجاعها إلى أصحابها، إن اقتضت المصلحة ذلك، أو تسويغها لآخذيها.. يرجع إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يحق لأبي بكر ولا لغيره أن يطالب من أخذها بها..
ثانياً: هل يمكن أن يرضى القائلون بعدالة الصحابة باتهام أبي بكر لأحد أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالخيانة، أو بقلة الأمانة؟!
ثالثاً: من أين حصل أبو قحافة على الوَرِق (أي الفضة)، ليصنع منه طوقاً لابنته، وهو رجل فقير لا مال له؟! ومن أين يكون له المال، وهو إنما كان صياداً ثم صار ينش الذباب عن مائدة ابن جدعان بشبع بطنه، وستر عورته([218]). ولم نسمع أن حاله قد تغير إلى الأفضل، وبماذا وكيف؟!
وحتى لو كان يملك أموالاً، فهل يمكن أن يُلبس ابنته الصغيرة طوق فضة، ثم يتركها تتجول في أزقة مكة، ولا يسلبها سالب من كل أولئك الناس المعدمين الذين كانت مكة تعج بهم؟! مع العلم بأنه لم يكن لأبي قحافة قبيلة تمنعه، ولم يكن قادراً على ملاحقة المعتدي بسبب عماه.
رابعاً: إنه لم يثبت وجود بنت صغيرة لأبي قحافة في فتح مكة، بل لا يُعرف لأبي قحافة بنت إلا أم فروة، التي كانت تحت تميم الداري، ثم أنكحها أبو بكر الأشعث بن قيس.
وقد زعم الحلبي الشافعي: أن أم فروة هي صاحبة الطوق المأخوذ في فتح مكة([219])، ثم احتمل أن يكون المقصود: بنتاً أخرى اسمها عريبة، زعموا أنها كانت لأبي قحافة([220]).
أربعة أسلموا هم وآباؤهم:
وقال بعضهم: لم يكن أحد من الصحابة، المهاجرين والأنصار، أسلم هو ووالده، وجميع أبنائه وبناته غير أبي بكر([221]).
وقال بعضهم: "لا يعرف في الصحابة أربعة أسلموا، وصحبوا النبي "صلى الله عليه وآله"، وكل واحد أبو الذي بعده إلا في بيت أبي بكر: أبو قحافة، وابنه أبو بكر، وابنه عبد الرحمن، وابن عبد الرحمن محمد، ويكنَّى بأبي عتيق"([222]).
وفي نص آخر: أربعة رأوا النبي "صلى الله عليه وآله"، كلهم ابن الذ ي قبله، وهم من الذكور الذين أسلموا([223]).
ونقول:
إن هذا الكلام غير دقيق، فهناك: "حارثة أبو زيد، فإنه أسلم ـ كما ذكره الحافظ المنذري ـ ورأى النبي "صلى الله عليه وآله"، وابنه زيد، وابنه أسامة، وجاء أسامة بولد في حياته "صلى الله عليه وآله" (أي يحتاج إلى إثبات كونه "صلى الله عليه وآله" رأى ذلك المولود).
إلا أن يقال: كان من شأنهم إذا ولد لأحدهم مولود جاء به إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فيحنكه، ويسميه"([224]).
وكذلك الحال بالنسبة لأياس بن عمرو، بن سلمة، بن لال.
وزعم الحلبي: أنه لا اتفاق على صحبة هؤلاء([225]). فراجع.
إسلام أبوي أبي بكر:
عن عائشة قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو أبي بكر([226]).
وعن علي "عليه السلام": أنه قال في أبي بكر: أسلم أبواه جميعاً، ولم يجتمع لأحد من الصحابة المهاجرين أن أسلم أبواه غيره([227]).
ونقول:
أولاً: قال مسدد: لم يكن في المهاجرين مَن أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر([228]).
ثانياً: ذكر التاريخ لنا عشرات من المهاجرين أسلم آباؤهم أيضاً.. ويكفي أن نذكر:
1 ـ عمار بن ياسر، فإنه أسلم هو وأبوه ياسر، وأمه سمية..
2 ـ عبد الله بن عمرو وأمه زينب بنت مظعون، أسلم هو وأبواه.
3 ـ علي "عليه السلام"، فإنه كان مسلماً هو وأبوه أبو طالب، وأمه فاطمة بنت أسد.
4 ـ عبد الله بن الزبير، وأمه أسماء بنت أبي بكر..
5 ـ سلمة بن أبي سلمة بن عبد الأسد، وأمه أم سلمة..
إلى عشرات آخرين، ذكرهم العلامة الأميني في كتاب الغدير، فيمكن الرجوع إليه.
آيات في بر أبي بكر بأبويه:
روي عن علي "عليه السلام" وعن ابن عباس "رحمه الله" أن قوله تعالى:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}([229]). قد نزل في أبي بكر.
فقد كان حمله وفصاله ثلاثين شهراً، حملته أمه تسعة أشهر، وأرضعته واحداً وعشرين شهراً، أسلم أبواه جميعاً، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره، فأوصاه الله تعالى بهما، ولزم ذلك من بعده.
فلما نُبئ رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو ابن أربعين سنة، صدَّق أبو بكر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، فلما بلغ أربعين سنة قال: "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ" واستجاب الله له، فأسلم ووالداه وأولاده كلهم([230]).
ونقول:
إن للعلامة الأميني ملاحظات على هذا الحديث المزعوم نشير إليها وإلى غيرها في ضمن النقاط التالية:
أولاً: إن كون أم أبي بكر أرضعته واحداً وعشرين شهراً، وحملت به تسعة أشهر.. لا يختص بأبي بكر، فإن سائر الناس تحمل أمهاتهم بهم تسعة أشهر، ولعل كثيرات منهن يرضعن أبناءهن واحداً وعشرين شهراً، فلا خصوصية تستحق التنويه بهذا الأمر، ولذلك نقول:
إن الأقرب في معنى الآية هو: الإخبار عن أمر له آثار تشريعية، ومن حيث هو خصوصيته في التكوين، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين "عليه السلام": من أن ضم هذه الآية إلى قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}([231]).
أو قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}([232]). ينتج: أن أقل مدة الحمل ستة أشهر([233]).
ثانياً: إن أبا بكر أسلم في سنة سبع من البعثة، أي بعد أن تجاوز سن الأربعين بعدة سنوات، حسبما قدمناه في تاريخ إسلامه.. وأما أبوه فلم يسلم إلا بعد سنة الفتح.. أي بعد أكثر من عشرين سنة من البعثة النبوية الشريفة. وحيث كان لأبي بكر ـ كما يقال ـ ست وخمسون سنة أو أكثر..
وأما أمه فأسلمت بعد البعثة أيضاً بسنوات، فما معنى قولهم: إنه حين بلغ أبو بكر أربعين سنة قال: "رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ"؟!. مع أنه قد أسلم هو وأبواه بعد هذا السن بسنوات عديدة.!!
وما معنى قولهم: إن الله تعالى قد استجاب لأبي بكر، فأسلم والداه، وأولاده كلهم؟!
ثالثاً: قد تقدم عدم صحة ما صرحت به الرواية: من أنه لم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غير أبي بكر..
ونضيف إلى ما تقدم أيضاً ما يلي:
1 ـ ما معنى قولهم: "فأوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده"؟! فهل لم تكن الوصية بالوالدين موجودة قبل ذلك التاريخ؟!..
2 ـ قالت عائشة رداً منها على مروان: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن غير أنه أنزل عذري([234]).
فإن قيل: هي تقصد: أنه لم ينزل الله في ذمهم شيئاً من القرآن..
فالجواب: إن عذرها الذي استثنته يراد به آيات حديث الإفك، وإنما يقصد بها: التبرئة والمدح والثناء على من نزلت فيه لا الذم له..
3 ـ هناك نصوص كثيرة تقول: إن هذه الآية قد نزلت في الإمام الحسين "عليه السلام"، وقد ولد لستة أشهر([235]). فراجع.
أبو بكر يضرب أباه:
روي من طريق ابن جريج: أن أبا قحافة سب النبي "صلى الله عليه وآله"، فصكه أبو بكر ابنه صكة، فسقط منها على وجهه.
ثم أتى النبي "صلى الله عليه وآله"، فذكر له ذلك، فقال: أوفعلته؟! لا تعد له.
فقال: والذي بعثك بالحق نبياً، لو كان السيف مني قريباً لقتلته، فنزل قوله تعالى:
{لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ}([236]).
ونقول:
أولاً: روي: أن هذه الآية نزلت في الجرَّاح، الذي كان يتصدى لابنه أبي عبيدة يوم بدر، فكان أبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصده أبو عبيدة فقتله([237]).
ثانياً: قال سفيان عن هذه الآية: إنها نزلت في من يخالط السلطان([238]).
ثالثاً: إن قتل إنسان لا يتوقف على وجود سيف بالقرب منه، فيمكنه أن يقتله بغير السيف كالخنق، أو ضرب رأسه على صخرة، أو بإلقائه من شاهق. كما أن بإمكانه استحضار السيف، لو كان قاصداً لذلك الفعل.
رابعاً: إن ما صدر من أبي بكر لا يتناسب مع ما ادَّعاه: من أنه لو كان السيف قريباً منه لقتل أباه، فإن هذا الحرص على إلحاق الأذى لا يتناسب مع مجرد صكة أوجبت سقوط المصكوك على الأرض.
خامساً: يقول الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}([239]). فما معنى أن يقدم أبو بكر على مخالفة هذه الأوامر الإلهية الصارمة؟!
سادساً: إن الآية المذكورة قد نزلت بعد بدر وأُحد. وآية: {..رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}([240]) قد نزلت في أوائل بعثة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أي قبل أكثر من عشر سنوات([241]).
سابعاً: إن سورة المجادلة مدنية، ولم يأت أبو قحافة إلى المدينة في كل تلك السنوات.
ثامناً: إن ما ذكر في هذه الرواية لا يتناسب مع ما زعموه: من بره بوالديه الذي بلغ إلى حد أن الله تعالى أنزل فيه آيات الثناء، وهي آيات سورة الأحقاف: {وَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ..}.
أسلم تسلم:
ونكاد نلمس قدراً كبيراً من عدم الإنسجام بين ما زعمته الروايات: من أن النبي "صلى الله عليه وآله" أظهر استعداده للذهاب إلى منزل أبي قحافة، الذي كان لا يزال على شركه، تكرمة لابنه، ولأيادي ابنه عنده، وبين قوله لأبي قحافة: "أسلم تسلم"، المتضمن للتهديد بالعقوبة على ما كان يقترفه من جرائم إذا استمر على شركه..
أي أن هذه الكلمة تعني: أن الأمان الذي أعلنه النبي "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة لا يشمل أبا قحافة لو أصر على ما هو عليه..
وقد يفهم من هذا: أن أبا قحافة كان له دور سيئ في مناهضة هذا الدين، وفي الكيد للإسلام والمسلمين.
مفارقات لا علاج لها:
ويلاحظ هنا: وجود العديد من المفارقات في إسلام أبي قحافة.
فرواية تزعم: أن عمر بن الخطاب هو الذي جاء بأبي قحافة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وأخرى تقول: إن أبا بكر هو الذي جاء بأبيه.
وفي حين نجد رواية تقول: إن أبا بكر لم يعلم بإسلام أبيه حتى بشره به رسول الله "صلى الله عليه وآله"([242])
هناك روايات أخرى تتحدث: عن أن أبا بكر هو الذي جاء بإبيه، وأسلم أبوه بحضوره.
ورواية تقول: إنه جاء بأبيه يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وأخرى تقول: أخذ بيد أبيه فأتى به.
الأمانة اليوم قليل:
ثم إن قول أبي بكر: "..فوالله إن الإمانة في الناس اليوم لقليل" لا يخلو عن مجازفة.. خصوصاً مع إضافة كلمة "اليوم" التي قد تُفهم على أن الأمانة كانت موجودة لدى المشركين، وأهل الجاهلية، وقد تناقصت وقلَّت بمجيء الإسلام..
على أن من الواضح: أن خيانة رجل للأمانة لا يعني أن الباقين لا أمانة لهم..
بل ربما كانت الأمانة قليلة، ثم تنامت وزادت أضعافاً كثيرة عما كانت عليه في الجاهلية، وإن لم تبلغ حد الإستقطاب التام.
فما معنى: أن يحكم أبو بكر، بل هو يقسم للناس: بأن الأمانة قد قلَّت فيهم، بمجرد أن سالب طوق أخته لم يبادر إلى الإقرار به؟!
يضاف إلى ذلك كله: أنه إذا كان في الذين نفروا مع الرسول "صلى الله عليه وآله" إلى مكة المسلم وغير المسلم، ومن هو حديث عهد بالإسلام، فلا يمكن أن نتوقع منهم الالتزام التام بحدود الشريعة، وبالأحكام العقلية والأخلاقية، وما تقضي به الفطرة.
إسلام أبي طالب أقر لعينيه من إسلام أبيه:
وتعود نفس الترنيمة السابقة لتردد من جديد وتؤكد إصرار هؤلاء الناس على نسبة الشرك إلى أبي طالب رضوان الله عليه.
وقد ذكرنا في الفصول المتقدمة في الأجزاء الأولى من هذا الكتاب فصولاً أثبتنا فيها إيمان أبي طالب بما لا مجال للريب فيه إلا لمكابر جاحد وشانئ..
أبو قحافة أول مخضوب في الإسلام:
وقد ذكرت بعض الروايات عن قتادة: أن أبا قحافة أول مخضوب في الإسلام([243]).
ونقول:
1 ـ إن قتادة لم يكن في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لنكتفي بقوله في تحديد الشخص الذي كان أول مخضوب في الإسلام. على اعتبار أنه إنما يتحدث عما عاينه وشاهده.
2 ـ إننا نكاد نطمئن إلى أن الخضاب قد كان قبل فتح مكة بزمان.. فإنه كان في زمان قلة المسلمين، وضعفهم، فأريد من خلال أمر المسلمين به الإيحاء بالقوة للأعداء، وبعث الرهبة في قلوبهم. وكان المسلمون في فتح مكة أكثر من عشرة الآف مقاتل، فإن كان ثمة خضاب فهو في عمرة القضاء أو قبلها..
ويؤيد ذلك: الروايات التالية:
1 ـ ما ورد: من أن الخضاب تفرح به الملائكة، ويستبشر به المؤمن، ويغيظ به الكافر([244]).
2 ـ عن أبي عبد الله "عليه السلام": أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال عن الخضاب بالسواد: نور وإسلام، وإيمان، ومحبة إلى نسائكم، ورهبة في قلوب عدوكم([245]).
3 ـ عن أبي عبد الله "عليه السلام": الخضاب بالسواد مهابة للعدو، وأنس للنساء([246]).
4 ـ عن الإمام السجاد "عليه السلام": أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه في غزوة غزاها أن يخضبوا بالسواد، ليقووا به على المشركين([247]).
5 ـ عن أبي الحسن "عليه السلام" قال: في الخضاب ثلاث خصال: مهيبة في الحرب، ومحبة إلى النساء، ويزيد في الباه([248]).
6 ـ سئل أمير المؤمنين "عليه السلام" عن قول النبي "صلى الله عليه وآله": "غيروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود"، فقال:
إنما قال "صلى الله عليه وآله" ذلك، والدين قُلّ. وأما الآن وقد اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامرؤ وما اختار([249]).
وواضح: أن الدين كان قبل فتح مكة، أي في عمرة القضاء والحديبية وقبلهما، أضعف وأقل منه في فتح مكة، فالأمر بالخضاب في عمرة القضاء أولى.
الفصل السادس:
طواف النبي ' وتحطيم الأصنام
طواف النبي ' بالبيت:
قالوا: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة بغير إحرام، وعليه السلاح، ومكث في منزله ساعة من النهار حتى اطمأن الناس، فاغتسل، ثم دعا براحلته القصواء، فأُدنيت إلى باب قبته، وعاد للبس السلاح والمغفر على رأسه، وقد حف الناس به، فركب راحلته والخيل تمعج([250]) بين الخندمة إلى الحجون.
فلما انتهى "صلى الله عليه وآله" إلى الكعبة، فرآها ومعه المسلمون، تقدَّم على راحلته، واستلم الركن بمحجنه([251])، وكبَّر، فكبَّر المسلمون بتكبيره، فرجَّعوا التكبير، حتى ارتجت مكة تكبيراً، حتى جعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يشير إليهم أن اسكتوا، والمشركون فوق الجبال ينظرون.
وطاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالبيت، آخذاً بزمام الناقة محمد بن مسلمة، فأقبل على الحجر فاستلمه، ثم طاف بالبيت([252]).
تحطيم الأصنام في المسجد الحرام:
عن ابن عمر، وسعيد بن جبير، وابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" دخل مكة يوم فتح مكة، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً مرصعة بالرصاص([253]). (وفي الحلبية وغيرها: لكل حي من أحياء العرب صنم. قد شد إبليس (أو الشياطين) أقدامها بالرصاص (والنحاس)([254]).
فأخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله" كفاً من حصى فرماها في عام الفتح، وقال: {جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}([255]) فما بقي صنم إلا خر لوجهه، فأمر بها، فأخرجت من المسجد، فطرحت فكسرت([256])).
وكان هبل أعظمها، وهو وجاه الكعبة، وإساف ونايلة حيث ينحرون ويذبحون الذبائح، وفي يد رسول الله "صلى الله عليه وآله" قوس (عود) (مخصرة) وقد أخذ بسية القوس([257])، فجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلما مر بصنم منها يشير إليه، ويطعن في عينه (أو في بطنه) ويقول: {جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}.
فما يشير إلى صنم إلا سقط لوجهه. وفي لفظ: لقفاه، من غير أن يمسه([258]).
وقال الكلبي: فجعل ينكب لوجهه إذا قال ذلك، وأهل مكة يقولون: ما رأينا رجلاً أسحر من محمد([259]).
وفي ذلك يقول تميم بن أسد الخزاعي:
ففـي الأصنـام مـعـتـبر وعلم لمـن يرجـو الثـواب أو العقـابـا
قال أئمة المغازي: فطاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" سبعاً على راحلته، يستلم الركن الأسود بمحجنه كل طواف، فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته([260]).
وعند ابن أبي شيبة عن ابن عمر، قال: فما وجدنا مناخاً في المسجد حتى أنزل على أيدي الرجال، ثم خرج بها.
قالوا: وجاء معمر بن عبد الله بن نضلة، فأخرج الراحلة فأناخها بالوادي.
ثم انتهى رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المقام، وهو لاصق بالكعبة، والدرع عليه، والمغفر، وعمامته بين كتفيه، فصلى ركعتين.
ثم انصرف إلى زمزم، فاطلع فيها، وقال: "لولا أن تغلب بنو عبد المطلب (على سقايتهم) لنزعت منها دلواً".
فنزع له العباس بن عبد المطلب ـ ويقال الحرث بن عبد المطلب ـ دلواً، فشرب منه، وتوضأ([261])، والمسلمون يبتدرون وضوء رسول الله "صلى الله عليه وآله" يصبونه على وجوههم، والمشركون ينظرون إليهم، ويتعجبون، ويقولون: ما رأينا ملكاً قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به([262]).
زاد في الحلبية قوله: "لا تسقط قطرة إلا وفي يد إنسان، إن كان قدر ما يشربها شربها، وإلا مسح بها جلده، والمشركون يقولون: ما رأينا ملكاً قط أبلغ من هذا ولا سمعنا به"([263]).
وأمر بهبل فكسر وهو واقف عليه، فقال الزبير بن العوام لأبي سفيان بن حرب: يا أبا سفيان، قد كسر هبل، أما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور، حين تزعم أنه أنعم.
فقال أبو سفيان: دع عنك هذا يابن العوام، فقد أرى لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان([264]).
ثم انصرف رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فجلس ناحية من المسجد والناس حوله([265]).
وعن أبي هريرة قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح قاعداً، وأبو بكر قائم على رأس رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالسيف([266]).
إحالات على ما سبق:
ثم إن النصوص المتقدمة قد تضمنت أموراً كنا قد تحدثنا عنها فيما سبق، فلا حاجة إلى إعادة البحث فيها، والتحليل لمضامينها، وهي التالية:
ألف: المسلمون يبتدرون وضوء رسول الله ':
تحدثنا مرات ومرات عن تبرك المسلمين برسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبفضل وضوئه، وتأثير ذلك على عتاة المشركين، فراجع غزوة الحديبية، وراجع أيضاً ما جرى لأبي سفيان حين جاء إلى المدينة بعد نقضهم عهد الحديبية يطلب تجديد العهد، والزيادة في المدة، ومواضع كثيرة أخرى.
ب: ما رأينا ولا سمعنا ملكاً بلغ هذا:
وأما قول المشركين، وهم يرون تبرك الصحابة بفضل وضوء نبيهم: "ما رأينا ولا سمعنا ملكاً قط بلغ هذا"، فقد تحدثنا حين ذكرنا مقالة أبي سفيان حين قدم المدينة، وقد رأى مثل ذلك، وثم حين رأى ما يشبهه في مرِّ الظهران، فلا بأس بالرجوع إلى تلك الموارد وسواها.
ج: أبو بكر قائم بالسيف على رأس رسول الله ':
ثم إننا قد تحدثنا في بعض فصول هذا الكتاب، وبالتحديد في غزوة الحديبية: عن أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يرضى بأن يقوم الناس على رأسه بالسيف، وذكرنا بعض الشواهد على ذلك فلا بأس بالرجوع إلى ذلك المورد للاطلاع على ما ذكرناه.
د: المشركون فوق الجبال ينظرون:
وأخيراً نقول:
قد سبق في عمرة القضاء الإشارة إلى أن المشركين كانوا ينظرون من أعالي الجبال إلى المسلمين حين دخلوا مكة، فأمرهم "صلى الله عليه وآله" أن يظهروا لهم بعض القوة.
وقد تكرر نفس هذا المشهد في فتح مكة حيث كان المشركون يراقبون من أعالي الجبال المحيطة بالكعبة حركة النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين فيها..
وقد أظهر المسلمون التكبير حتى ارتجت مكة من ذلك، وهذا التكبير يرعب أهل الشرك، ويمثل طعنة لهم في أكثر المواضع حساسية وألماً لهم، لأنه يستهدف أساس الشرك، وحبة قلبه.
ثم شاهدوا طوافه "صلى الله عليه وآله" على راحلته، واستلامه الركن بالمحجن حسبما تقدم..
والأشد عليهم، والأكثر ألماً، والأعظم أثراً: أنهم قد شاهدوا تحطيم أصنامهم على يد علي "عليه السلام" الذي رأوه يصعد على كتفي النبي "صلى الله عليه وآله"، ومن ثم على ظهر الكعبة..
وهم يعرفون علياً "عليه السلام" حق المعرفة، في مكة قبل الهجرة، وفي شعب أبي طالب، وسواه، وحين الهجرة في مبيته على الفراش ليلة الغار، وبعد الهجرة في ساحات الجهاد، في بدر وأحد والخندق، وذات السلاسل، يضاف إلى ذلك جهاده لحلفائهم من اليهود في خيبر وبني النضير وقريظة وسواها، وهو يقتل شجعانهم، وفراعنتهم، ويبير كيدهم، ويبطل أحدوثتهم..
تأسي عمر برسول الله ':
قد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استلم الحجر الأسود، ولم يزل المسلمون يستلمونه تأسياً برسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى يومنا هذا.
ولكن عمر بن الخطاب، وإن كان قد استلم الحجر أيضاً، ولكنه قد اطلق في هذا المورد كلاماً خطيراً، لم تزل آثاره ظاهرة إلى يومنا هذا..
فقد ذكروا: أنه حج في أمرته، فلما افتتح الطواف واستلم الحجر الأسود وقبله، قال: قبلتك وإني لأعلم أنَّك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولكن كان رسول الله بك حفياً، ولولا أني رأيته "صلى الله عليه وآله" يقبلك ما قبلتك!! (أو ما يقرب من هذه الكلمات).
وكان علي أمير المؤمنين "عليه السلام" حاضراً، فقال له: بلى والله، إنه ليضر وينفع.
قال: وبم قلت ذلك يا أبا الحسن؟!
قال: بكتاب الله تعالى.
قال: أشهد أنك لذو علم بكتاب الله، فأين ذلك من الكتاب؟
قال: قول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا..}([267]).
ثم ذكر كيف أخذ الله تعالى على العباد ميثاقهم بالعبودية، وألقمها الحجر الأسود.. إلى أن تقول الرواية:
فقال عمر: لا عشت في أمة لست فيها يا با الحسن([268]).
ولكن اعتراض أمير المؤمنين "عليه السلام"، واعتراف عمر، لم ينه القضية، بل بقي العمريون يصرحون: بأنه حجر لا يضر ولا ينفع، وينهون الناس عن استلامه([269]).
والأحاديث حول أن الله تعالى أودع الحجر مواثيق الخلائق، وأنه يشهد لمن وافاه بالموافاة كثيرة([270]).
وهذا الموقف من عمر قد أعطى الانطباع لدى الكثيرين من أتباعه ومحبيه بأن القيمة الحقيقية للبناء، والحجر والشجر، وكل ما هو جسم مادية وليست معنوية، فلا قداسة لها في نفسها، ولا تكتسب قداسة من إضافاتها إلى ما هو مقدس، كما أنها لا تزيدها تلك الإضافات قداسة، ولا تعطيها قيمة معنوية زائداً على ما لها من قيمة ما دية.
وخلاصة الأمر: إن كلمة عمر الآنفة الذكر قد أفرغت تقبيله للحجر من أي مضمونٍ معنوي، ورفدٍ روحي، وتوهج مشاعريٍ، وجعلته عملاً خاوياً، وجافاً، لا يتضمن سوى المحاكاة الفارغة لفعل صدر عن رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ورغم أن إجابة علي "عليه السلام" قد تضمنت العودة إلى أغوار المضمون الروحي، وأوغلت في مداه العقائدي، ومعناه الإيماني، حين شرحت كيف أن الله سبحانه قد أودع الحجر الأسود مواثيق الخلائق منذ عالم الذر، فإن ذلك لم يمنع محبي الخليفة الثاني من الإصرار على المنحى الذي نحاه عمر بن الخطاب.. وسعوا إلى التنظير له بعد تعميمه وتوسعته، حتى اعتبروا التبرك بالأماكن المقدسة، أو بأي شيء يرتبط برسول الله "صلى الله عليه وآله وبآثاره، من الشرك، الذي يستحق فاعله العقوبة بأقصى مدى.. فما ظنك بالتبرك بآثار الأوصياء والأولياء والصالحين!!
وقد ضربوا بعرض الحائط مئات النصوص التي تحدثت عن توجيه النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه للناس من الصحابة والتابعين إلى التبرك بآثار الأنبياء والمرسلين، وجميع عباد الله الصالحين، ومفردات ما جرى من ذلك عبر الأجيال..
وقد جمع العلامة الأحمدي طائفة من هذه النصوص في كتابه (التبرك) وجمع غيره أيضاً الكثير منها فراجع.
استلام الركن بالمحجن:
وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" استلم الحجر، ثم طاف بالبيت.
وتقدم أيضاً: أنه كان يستلم الركن بمحجنه.
فهل المراد بالركن هنا: الركن اليماني؟ أم ركن الحجر الأسود؟!
لقد صرحت الرواية المتقدمة: بأن المراد به الركن الأسود.
ولكن قد يقال: لعل الركن الذي استلمه "صلى الله عليه وآله" بالمحجن هو اليماني، الذي يستحب استلامه.. فإذا أطلق الكلام في استحباب استلام الركن، فاليماني هو المتبادر إلى الذهن.
وفي البحار وغيره أطلق القول: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد استلم الركن بالمحجن.. الأمر الذي يرجح احتمال إرادة اليماني..
ولكن الرواة أضافوا كلمة: "الأسود" إلى الرواية التي ذكرت آنفاً اجتهاداً منهم، أو لحاجة في أنفسهم.
ولكن هذا يبقى مجرد احتمال.
استلم الحجر ثم ركب راحلته:
كما أن ظاهر عبارة الرواية التي تقدمت: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استلم الحجر قبل الطواف.. ثم طاف وهو راكب، وصار يستلم الركن بمحجنه..
فإذا صح هذا، فيرد السؤال عن سر عودته إلى الركوب، وترجيحه الطواف كذلك على الطواف ماشياً!
وقد يقال في الجواب: إن المراد هو التشريع العملي للطواف في حال الركوب، فإن الناس قد يصعب عليهم قبول بعض مفردات التشريع، ويرون أنها مظنة النقص، بل هي عندهم مظنة الخطر.. فإذا رأوا النبي "صلى الله عليه وآله" يمارسها بنفسه، فإن تأسيهم به يهوِّن الأمر عليهم. وذلك نظير قصر الصلاة، وإفطار المريض، والإفطار في السفر، فإنك تجد تحرُّجاً من الناس في الإقدام على ذلك، ويصعب عليهم فعله، ولأجل ذلك جاء التعبير بنفي "الجناح" في قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ..}([271]).
ولعل جميع الآيات التي عبرت بـ "لا جناح"، واردة في موارد توهم الحرمة فيها، أو التحرج من مباشرة الفعل الوارد بعدها([272]).
ويمكن أن يضاف إلى ذلك أيضاً: أن ثمة تعمداً من رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يراه مشركو مكة، الذين كانوا ينظرون إلى ما يجري حتى من على الجبال المحيطة، والحشود المجتمعة، وهو في حالة متميزة، يمارس أمراً لعلهم لم يعهدوه من ذي قبل، وهو الطواف على الراحلة.. وهو أمر شرعه الله بالوحي الذي لا يزالون يجحدونه وينكرونه، رغم ما يرونه من آيات باهرة ومعجزات ظاهرة، ودلالات للعقل قاهرة.
محاولة اغتيال رسول الله ':
قال ابن هشام: حدثني بعض أهل العلم: أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو يطوف بالبيت عام الفتح؛ فلما دنا منه قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أفضالة"؟
قال: نعم.
قال: "ماذا كنت تحدث به نفسك"؟
قال: لا شيء، كنت أذكر الله، فضحك رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم قال: "إستغفر الله". ثم وضع يده على صدره فسكن.
وكان فضالة يقول: والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق شيء أحب إلي منه.
ورجع فضالة إلى أهله، قال: فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها.
فقالت: هلم إلى الحديث.
فقال: لا. وانبعث فضالة يقول:
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا يــأبـى عـــلي الله والإســــــلام
إذ مـا رأيـت محـمـداً وقـبـيـله بالـفـتــح يـوم تـكـسر الأصنـام
لرأيـت ديـن الله أضحى بـيـنـا والشـرك يغشى وجهه الإظــلام([273])
ونقول:
ليس غريباً أن نرى بين الفينة والفينة من يتآمر على حياة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو من يحدث نفسه بقتله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين..
وقد ظهرت هذه المحاولات في المشركين، وفي اليهود، والمنافقين، وفي جميع تلك المحاولات كانت تظهر لهم الرعاية الإلهية له "صلى الله عليه وآله".
وقد كان الشيطان ينسيهم ذلك، ويزين لهم تكرار المحاولة، قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ}([274]).
وقال: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ}([275]).
وقد يترك الشيطان أولئك الناس إلى غيرهم، ليزين هذا الأمر لفريق أو لشقي جديد، فتواجهه أو تواجههم الخيبة، ويقيم الله عليه أو عليهم الحجة.
تبقى الإشارة هنا: إلى هؤلاء الذين تنتهي بهم شقوتهم وعنادهم للحق وأهله إلى حد التفكير باغتيال سيد الرسل، مع ما يرونه من آيات باهرة، ومعجزات قاهرة، فإنك تراهم يدَّعون لأنفسهم أحوالاً رائعة ومميزة، ودرجات عالية من الإيمان والإخلاص كما هو الحال بالنسبة لدعاوى فضالة الآنفة الذكر، ولكن النفس لا تسكن إلى صحة دعاواهم تلك، فلا بد أن يبقى الريب بهم، والحذر منهم. فإن هذا هو القرار الحازم، حتى لو كان لا بد من السكوت عن الجهر باتهامهم.
فهذا هو الخيار الحكيم، والرأي الصحيح والسليم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أين كان مقام إبراهيم ×؟!:
وقد ادعت الروايات المتقدمة: أنه "صلى الله عليه وآله" بعد أن طاف صار إلى خلف مقام إبراهيم، وكان لاصقاً بالكعبة، فصلى ركعتين.
ونقول:
إن دعوى لصوق المقام بالكعبة لا تصح، فإن المقام كان حينئذٍ بعيداً عن الكعبة، والنبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي أرجعه إلى موضعه الملاصق للكعبة.
والمقام هو حَجَرٌ فيه آثار قدمي إبراهيم الخليل "عليه السلام"، حيث إن الله تعالى أمره أن يؤذِّن في الناس بالحج، فأخذ "عليه السلام" ذلك الحجر فوضعه بحذاء البيت، لاصقاً به، بحيال الموضع الذي هو فيه اليوم.
ثم قام عليه فنادى بأعلى صوته بما أمره الله عز وجل به، فلما تكلم بالكلام لم يحتمله الحجر، فغرقت رجلا إبراهيم فيه، فقلع "عليه السلام" رجليه من الحجر قلعاً.
فلما كثر الناس، وصاروا إلى الشر والبلاء ازدحموا عليه، فرأوا أن يضعوه في هذا الموضع الذي هو فيه اليوم، ليخلو المطاف لمن يطوف بالبيت.
فلما بعث الله عز وجل محمداً "صلى الله عليه وآله" رده إلى الموضع الذي وضعه فيه إبراهيم "عليه السلام"، فما زال فيه حتى قبض رسول الله "صلى الله عليه وآله" وفي زمن أبي بكر، وأول ولاية عمر.
ثم قال عمر: قد ازدحم الناس على هذا المقام، فأيكم يعرف موضعه في الجاهلية؟
فقال له رجل: أنا أخذت قدره بقدر.
قال: والقدر عندك؟
قال: نعم.
قال: فأت به.
فجاء به، فأمر بالمقام فحمل ورد إلى الموضع الذي هو فيه الساعة([276]).
لقد كدت تركن إليهم:
وعن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: سألته عن قول الله {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً}([277]).
قال: لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصناماً من المسجد، وكان منها صنم على المروة، وطلبت إليه قريش أن يتركه، وكان استحيا، فهمَّ بتركه، ثم أمر بكسره، فنزلت هذه الآية([278]).
ونقول:
أولاً: إن ما ذكرته الرواية من مناسبة نزول الآية تعارضه روايات أخرى حول هذا الموضوع، ولعل من بينها ما هو أصح وأولى بالقبول.
1 ـ فمنها ما روي في مصادر شيعة أهل البيت "عليهم السلام" ما يدل على أن هذه الآية قد نزلت بإياك أعني واسمعي يا جارة، فلاحظ ما يلي:
ألف: روي عن الإمام الرضا "عليه السلام": إن هذه الآية مما نزل بإياك أعني، واسمعي يا جارة، خاطب الله تعالى بذلك نبيه "صلى الله عليه وآله"، وأراد أمته([279]).
ب: وعن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} عنى بذلك غيره([280]).
2 ـ ومنها ما دل على أنها نزلت في من أراد أن يصرف النبي "صلى الله عليه وآله" عن التنويه بشأن علي "عليه السلام".
ونشير هنا: إلى أن هذه الروايات لا تتنافى مع سابقاتها وذلك ظاهر، ومن هذه الروايات:
ألف: عن عبد الله بن عثمان البجلي، عن رجل: أن النبي "صلى الله عليه وآله" اجتمعا([281]) عنده وابنتيهما، فتكلموا في علي "عليه السلام". وكان([282]) من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يلين في بعض القول، فأنزل الله: {..لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}([283]) ثم لا تجد لك مثل علي ولياً([284]).
ب: عن أبي جعفر "عليه السلام": {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}([285]) في علي بن أبي طالب "عليه السلام"([286]).
ج: وعن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه صلوات الله عليهما: أن القوم أرادوا النبي "صلى الله عليه وآله" ليربط راية([287]) في علي (وليمسك عنه بعض الإمساك، حتى إن بعض نسائه ألححن عليه في ذلك، فكاد يركن إليهم بعض الركون، فأنزل الله عز وجل: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً}.
قال محمد بن العباس: (المخاطب بذلك ظ) رسول الله "صلى الله عليه وآله". ولكن في التخويف لأمته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين([288]).
3 ـ أما روايات أهل السنة فهي مختلفة في ما بينها، ولكنها هي الأخرى متفقة على خلاف ما ورد في تلك الرواية التي نتحدث عنها أيضاً.
ومع غض النظر عن ذلك كله نقول:
ألف: روي: أن هذه الآية نزلت قبل الهجرة، حين جاء أمية بن خلف، وأبو جهل إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وطلبوا منه أن يستلم آلهتهم، لكي يدخلوا معه في دينه. وكان يشتد عليه فراق قومه فرقَّ لهم. فنزلت الآية([289]).
ب: عن سعيد بن جبير: كان النبي "صلى الله عليه وآله" يستلم الحجر، فقالوا: لا ندعك تستلمه حتى تستلم آلهتنا.
فقال "صلى الله عليه وآله": وما عليَّ لو فعلت، والله يعلم مني خلافه، فنزلت([290]).
ج: عن ابن شهاب: أن المشركين كانوا يقولون لرسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا طاف: استلم آلهتنا كي لا تضرك، فكاد يفعل، فنزلت([291]).
د: عن جبير بن نفير: أن قريشاً طلبوا منه "صلى الله عليه وآله" أن يطرد الذين اتبعوه من سقاط الناس ومواليهم، ليكونوا هم اصحابه، فركن إليهم، فنزلت([292]).
هـ: عن ابن عباس: أن ثقيفاً قالوا لرسول الله "صلى الله عليه وآله": أجِّلنا سنة، حتى نهدي لألهتنا، فإذا قبضنا الذي يهدى للآلهة أحرزناه، ثم أسلمنا، وكسرنا الآلهة، فهمَّ أن يؤجلهم، فنزلت([293]).
ثانياً: إن الآيات تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يركن، بل هو لم يقترب من الركون إليهم، لأن تثبيت الله له كان حاصلاً فعلاً ومن أول الأمر.. وذلك بقرينة كلمة (لولا) الدالة على نفي الحصول.
فكل الروايات المفيدة لركونه "صلى الله عليه وآله"، أو مقاربته للركون لا تصح، لأنها تنافي ظاهر الآية الكريمة.
ثالثاً: إن الحديث في الآية إنما هو عن أمر أُنزل وأُوحي إليه من الله تعالى، وهم يريدون منه "صلى الله عليه وآله" أن يفتري على الله غيره..
وهذا لا ينطبق على مورد الرواية السابقة، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقل لهم: إن الله أوحى إليه أن أترك الصنم على المروة، بل هو ـ حسب ما تقوله الرواية ـ قد همَّ بتركه، لأنه استحيا منهم.
رابعاً: إن هذه السورة مكية، وقد ذكرنا في ثنايا هذا الكتاب: أن السور كانت تنزل دفعة واحدة، ثم تبدأ تطبيقاتها بالحصول تدريجاً إلى أن تنزل "بسم الله الرحمن الرحيم" مرة أخرى، فيعرف الناس: أن السورة السابقة قد انتهت، وأن سورة جديدة قد بدأت([294]).
وحتى لو قلنا بما يقوله أولئك الناس: من أنه "صلى الله عليه وآله" كان يقول: ضعوا هذه الآية في مكان كذا من سورة كذا([295])، فإننا لا نرى مبرراً لبقاء هذه الآيات معلقة في الهواء، في حين أن عشرات السور تنزل عليه، ثم بعد عشرين سنة تنزل آية أو أكثر، فيقول: ضعوها في السورة الفلانية في الموضع الفلاني.
خامساً: ما هي خصوصية الصنم الذي كان على المروة حتى تطلب قريش من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يتركه؟! ولماذا لم تطلب منه أن يترك لها هبلاً أو غيره مما هو بنظرها أهم وأعظم من سائر الأصنام؟!
صنم لكل قبيلة، وحيّ، وبيت!!:
وقد صرحت الروايات: بأن ثلاث مائة وستين صنماً كانت موجودة في المسجد الحرام، وبأنه كان لكل قبيلة ولكل حي صنم، بل كان في كل بيت صنم أيضاً.
وقد نعى الله تعالى على لسان يوسف "عليه السلام" على المشركين هذا الأمر بالذات، فقال: {..أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}([296]).
وللعلامة الطباطبائي رحمه الله إشارات لطيفة في معنى هذه الآية، لا بأس بمراجعتها([297]).
ونكتفي هنا بالقول: بأن هناك أموراً ثلاثة وقع فيها أولئك الناس، لا يقبلها عقل، ولا ترضاها فطرة، وهي:
1 ـ عبادة غير الله من مخلوقات الله تعالى العاقلة، ممن لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، مثل البشر، والملائكة والجن..
2 ـ عبادة الأحجار، والأشجار، وسواها مما لا يعقل، ولا يبصر ولا يسمع، ولا يضر، ولا ينفع.
3 ـ التعدد والتفرق في الأرباب. فإن تفرق الأرباب يعني:
أولاً: إما اعتقادهم لجامعية كل واحد منها لصفات الألوهية غير المحدودة والمطلقة في كل شيء.. فيصبح تعددها عبثاً مع نشوء أسئلة كثيرة عن حالها لو تعارضت إراداتها فيما بينها في جميع أنحاء التصرفات، وأسئلة عن وحدة إدراكها للمصالح أو المفاسد، وعن شمول قدرتها على التصرف بكل شيء، حتى في موارد تعلق إرادات الأرباب الأخرى أيضاً، بل هناك أسئلة عن حالها، لو تعلقت إرادتها بإلغاء سائر الأرباب.
ثانياً: وإما اعتقاد إطلاق القدرة وسائر صفات الألوهية في رب واحد، أو أرباب بعينها، وعدم صلاحية ما عداه أو ما عداها، بسبب ما تعانيه ـ بنظره ـ من نقصٍ وعجزٍ، وجهلٍ، وفقرٍ، وما إلى ذلك ..
وهذا يعني: أن يكون لكل واحد رب يخصه، ثم هو ينكر ما عداه؛ فهو لا يعترف بأرباب سائر القبائل، ولا بالأرباب التي يعبدها سائر الناس في بيوتهم، وأحيائهم، وبلادهم. وبذلك تصبح نفس تلك الأرباب سبباً للضعف، والتفرُّق، والتلاشي، والتمزق للوحدة الإجتماعية، ومادة للخلاف، والتناحر، والتباين، والتدابر فيما بين الناس.
كف حصى يرمي به الرسول ':
وعن أخذ النبي "صلى الله عليه وآله" كفاً من حصى، ثم رميه له باتجاه الأصنام، وقراءته الآية الشريفة نقول:
إن هذا الفعل يختزن التعبير عن رفض الباطل عملاً، فضلاً عن القول، وقد كان رمي الجمرات في منى يعطي معنى رفض الباطل عملاً، فضلاً عن القول بالإضافة إلى دلالات أخرى لا مجال لشرحها الآن، غير أن الناس استمروا على تداول هذه الطريقة للتعبير عن هذا المعنى في مواقفهم الرافضة لأقوال أو أفعال بعينها..
غير أن ما يميز هذه الواقعة هو:
أولاً: أنها قد صدرت من نبي كريم، شأنه هداية البشر إلى ما يرضي الله تبارك وتعالى.
ثانياً: إن رمي هذه الحصيات قد رافقه ظهور المعجزة، وهو أن تلك الأصنام قد خرت لوجهها.
ثالثاً: إنه رمي يتجاوز مجرد إعلان الرفض والإدانة إلى كونه إظهاراً وتجسيداً لانتصار الحق، وزهوق الباطل، بصورة حقيقية، وواقعية، وعملية.
رابعاً: إن هذه الواقعة قد بينت مدى معاناة هذا النبي الكريم والعظيم "صلى الله عليه وآله" مع قومه، الذين لم تنفع جميع تلك الآيات والمعجزات في ردعهم عن جحودهم، وعن تعمد الإفتراء والتجني، والإتهام له بالسحر، والكهانة، والشعر، وبغير ذلك مما هم على يقين من زيفه وبطلانه..
كما أن كل ما عاينوه من ألطاف وتأييدات إلهية لهذا النبي الكريم "صلى الله عليه وآله"، وانتصارات له تصل إلى حد الإعجاز لم يستطع أن يردعهم عن غيهم، وعن تعمد الباطل في حقه.
فهم حتى حين يرون بأم أعينهم كيف تتبخر آخر آمالهم، وتتلاشى حتى أضغاث أحلامهم، ويرون الكرامة تلو الكرامة، والمعجزة إثر المعجزة، ويسقط من يدهم آخر حجر، وينمحي عن صفحة الواقع العملي للشرك آخر أثر.. ما فتئوا يقولون: ما رأينا أسحر من محمد!!
فهل ترى قوماً أسوأ رأياً ومحضراً منهم؟! وهل هناك أصبر من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
علي × يكسر أصنام الكعبة:
قال الصالحي الشامي: عن علي "عليه السلام" قال: انطلق رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى أتى بي الكعبة، فقال: "اجلس"، فجلست بجنب الكعبة، فصعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" على منكبي، فقال: "انهض"، فنهضت، فلما رأى ضعفي تحته قال: "اجلس"، فجلست.
ثم قال: "يا علي، اصعد على منكبي"، ففعلت، فلما نهض بي خيّل إلي لو شئت نلت أفق السماء.
فصعدت فوق الكعبة، وتنحى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "ألق صنمهم الأكبر"، (وفي نص آخر: لما ألقى الأصنام، لم يبق إلا صنم خزاعة) وكان من نحاس موتد بأوتاد من حديد إلى الأرض، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "عالجه"، ويقول لي: "إيه إيه" {جَاء الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}.
فلم أزل أعالجه حتى استمكنت منه.
زاد في سائر المصادر قوله:
حتى إذا استمكنت منه، قال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله": اقذف به، فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير. ثم نزلت، فانطلقت أنا ورسول الله "صلى الله عليه وآله" نستبق حتى توارينا بالبيوت، خشية أن يرانا أحد من الناس، أو من قريش([298]).
قال الحاكم: فما صعدت حتى الساعة([299]).
وقيل: إن هذا الصنم كان من قوارير صفر، وقيل: من نحاس ([300]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام": ارم به، فحمله رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى صعد فرمى به فكسره، فجعل أهل مكة يتعجبون، ويقولون: ما رأينا أسحر من محمد([301]).
"ثم إن علياً "عليه السلام" أراد أن ينزل، فألقى نفسه من صوب الميزاب، تأدباً وشفقة على النبي "صلى الله عليه وآله".
ولما وقع على الأرض تبسم، فسأله النبي "صلى الله عليه وآله" عن تبسمه.
فقال لأني ألقيت نفسي من هذا المكان الرفيع، وما أصابني ألم.
قال: كيف يصيبك ألم وقد رفعك محمد، وأنزلك جبريل"؟!([302]).
وفي نص آخر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان بمنزل خديجة، فدعا علياً "عليه السلام" في إحدى الليالي، فذهبا إلى الكعبة فكسرا الأصنام، فلما أصبح أهل مكة قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟ الخ..([303]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: يا علي، اصعد على منكبي، واهدم الصنم.
فقال: يا رسول الله، بل اصعد أنت، فإني أكرمك أن أعلوك.
فقال "صلى الله عليه وآله": إنك لا تستطيع حمل ثقل النبوة، فاصعد أنت..
إلى أن قال: ثم نهض به.
قال علي "عليه السلام": فلما نهض بي، فصعدت فوق ظهر الكعبة الخ..([304]).
وجاء في نص آخر قوله "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": لو أن ربيعة ومضر جهدوا أن يحملوا مني بضعة وأنا حي ما قدروا، ولكن قف يا علي، فضرب بيده إلى ساقيه، فرفعه حتى تبين بياض إبطيه، ثم قال: ما ترى يا علي؟
قال: أرى أن الله قد شرفني بك، حتى لو أردت أن أمس السماء لمسستها الخ..([305]).
وفي نص آخر: قال علي "عليه السلام": أراني كأن الحجب قد ارتفعت، ويخيل إليَّ أني لو شئت لنلت أفق السماء.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": طوبى لك تعمل للحق، وطوبى لي أحمل للحق([306]).
علي × يكسر الأصنام:
وقال بعض الشعراء، وقد نسب القندوزي الحنفي هذا الشعر إلى الإمام الشافعي، ونسبه عطاء الله بن فضل الله الحسيني الهروي في الأربعين إلى حسان بن ثابت:
قيـل لي قـل في عـليٍّ مـدحـــاً ذكـره يخـمــد نــاراً مـؤصـــده
قـلـت لا أقـدم في مدح امرئ ضـــل ذو الــلــب إلى أن عبـده
والـنـبـي المصطـفى قـال لـنـا لـيـلـــة المـعـراج لمـا صــعـــده
وضـع الله بـظـهــري يــــده فـأحــسَّ الـقـلـب أن قـد بــرده
وعـلي واضـــع أقــــدامـــه فـــــي محـل وضــع الله يــــده([307])
وفي حديث يزيد بن قعنب عن فاطمة بنت أسد: أنها لما ولد علي "عليه السلام" في جوف الكعبة، وارادت أن تخرج به هتف بها هاتف: يا فاطمة سميه علياً، فهو علي..
إلى أن قال عن علي "عليه السلام": وهو الذي يكسر الأصنام، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي الخ.. ([308]).
وفي بعض المصادر: أنه "عليه السلام" جمع الحطب، وأوقد ناراً، ثم وضع قدمه على عضد النبي "صلى الله عليه وآله"، وصار يأخذ الأصنام عن جدار الكعبة، ويلقيها في النار([309]).
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات، ومحاكمات هي التالية:
تحطيم الأصنام قبل الهجرة، ويوم الفتح:
ورد في الرواية الأولى المتقدمة عن علي "عليه السلام": أنه بعد أن ذكر تكسير الأصنام، قال:
ونزلت من فوق الكعبة، وانطلقت أنا والنبي "صلى الله عليه وآله" نسعى حتى توارينا بالبيوت، وخشينا أن يرانا أحد من قريش، أو من الناس([310]).
قال الحلبي الشافعي: "وهذا يدل على أن ذلك لم يكن يوم فتح مكة، فليتأمل"([311]).
ونقول:
وهي ملاحظة صحيحة، فإن هذه الرواية تتحدث عن تحطيم الأصنام قبل الهجرة إلى المدينة، وأنه "صلى الله عليه وآله" انطلق إليها من منزل خديجة، كما في بعض الروايات، وهذا معناه:
أن النبي "صلى الله عليه وآله" وعلياً "عليه السلام" قد حطما الأصنام مرتين:
الأولى: في مكة، وبصورة سرية، كما فعل إبراهيم الخليل "عليه السلام" بأصنام قومه الذين قالوا: من فعل هذا بآلهتنا.. وكذلك قال المكيون، فاستحق علي "عليه السلام" بذلك أن يقول في حقه النبي "صلى الله عليه وآله": إنه أول من حطم الأصنام بعد إبراهيم الخليل "عليه السلام".
والثانية: في فتح مكة، أمام أعين مشركي مكة أنفسهم.
ولعل الرواة قد خلطوا بين الواقعتين.. والأمر في ذلك سهل.
لماذا التعرض للأصنام سراً؟!
ويرد سؤال: لماذا يتعرض النبي "صلى الله عليه وآله"للأصنام سراً قبل الهجرة؟ مع علمه بأن ذلك لا يرغم أهل مكة على تغيير موقفهم، بل قد يزيدهم ذلك إصراراً على غيهم، وعلى مناصرة أصنامهم، والتشدد في المحافظة عليها.
ويمكن أن يجاب: بأن المقصود: هو تقديم العبرة لهم بصورة عملية، وإقامة الحجة عليهم بها، ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة.. ولعله يكون من بينهم من يستفيق من سكرته، ويثوب إلى رشده، فيدرك عجز تلك الأصنام عن الدفاع عن نفسها، فكيف تتمكن من الدفع عن غيرها؟!
فما يُدَّعى لها من قدرات وآثار، ما هي إلا مزاعم ليس فقط لا تستند إلى برهان، بل لقد أثبت البرهان بوارها وبطلانها.
وهذا البرهان والحجة ليس مجرد معادلة ذهنية، وافتراضات تجريدية، بل هو عمل جوارحي، وفعل مباشر يستهدف الأصنام نفسها.. ولا يستهدف غيرها، ليقال لعلها لم تنتصر له، لأنها كانت غاضبة عليه، فتركته نهباً للبلاء، وحجبت رعايتها له، ولطفها به.
وهذا هو نفس الدرس الذي أراد إبراهيم "عليه السلام" أن يلقنه لقومه حين حطم أصنامهم.
وقد جاءت كلمة قوم إبراهيم "عليه السلام": "من فعل هذا بآلهتنا"؟ متوافقة مع قول أهل مكة.. وهي كلمة مهمة، لأنها تتضمن اعترافاً بوجود من هو أقوى من هذه الآلهة، وإقراراً بعجزها عن منعه من إلحاق الأذى بها، وحاجتها إلى غيرها ليحميها منه.
وبما أن عمل هذا القوي قد كان بصورة سرية، فذلك يعني: أنه يتجنب الاصطدام بالناس العاديين، وهذا يدل على: أن قدراته ليست ذاتية ولا مطلقة، فهو إذن ليس من جنس الآلهة، لكي يلتمس لها بعض العذر في عجزها عن مواجهته وردعه.
علي × ينوء بثقل النبوة:
تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي طلب من علي "عليه السلام" أن يجلس، ليصعد "صلى الله عليه وآله" على ظهره.. وإذ به "عليه السلام" ينوء بثقل النبوة..
وهنا سؤلان:
أولهما: ألم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" يعلم بأن للنبوة ثقلاً ينوء به علي "عليه السلام"؟! فإن كان يعلم بذلك، فما هي الحكمة في أن يطلب منه علي "عليه السلام" أن يجلس أولاً، ليصعد هو على ظهره؟!
ثانيهما: هل للنبوة ثقل؟! وما هو نوعه، وحقيقته؟! وهل هو ثقل مادي كسائر الأثقال؟!
ونقول في الجواب على السؤال الأول:
إننا ننزه رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن أن ينسب إليه عدم المعرفة بأن للنبوة ثقلاً ينوء به علي "عليه السلام".. ولذلك نرجح الروايات الأخرى التي صرحت: بأن علياً "عليه السلام" آثر أن يُصعد النبي "صلى الله عليه وآله" على ظهره، لأنه يجل النبي ويكرمه عن أن يصعد هو على ظهره، فأخبره "صلى الله عليه وآله" بأن ثقل النبوة يمنع من ذلك.
غير أن ذلك لا يمنعنا من أن نقول أيضاً:
إن علياً "عليه السلام" كان يعلم بأن للنبوة ثقلاً ينوء به مثله. ولعله أراد من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يصرِّح بذلك، ليعلم الناس: أن صعوده على ظهر النبي "صلى الله عليه وآله"، لا يتنافى مع إجلاله وتعظيمه له..
أو لعله نظر إلى قانون البداء، الذي ربما يكون له تأثيره في مثل هذا المورد، في صورة حدوث أمر يقتضي إظهار معنى في علي "عليه السلام"، أو في النبي "صلى الله عليه وآله"، أو في سياق آخر، فينشأ عنه تمكين علي "عليه السلام" من القيام بثقل النبوة، أو يقضي بتخفيف ذلك الثقل، بحيث يتمكن علي "عليه السلام" من النهوض به.
وأما بالنسبة للسؤال الثاني، فنقول:
إنه ليس بإمكانننا تحديد ماهية هذا الثقل، غير أننا نقول:
لا ريب في أن النبي "صلى الله عليه وآله" يركب الراحلة، والبغلة، والفرس، وغيرها، ولكنه يعلن: أنه لو اجتمعت ربيعة ومضر على أن يحملوا بضعة منه وهو حي لما قدروا على ذلك.
وهذا معناه: أن للنبوة في مضمونها المعنوي خصوصية تحتم التدخل الإلهي في قدرة البشر، لتعجزهم عن حمل النبي "صلى الله عليه وآله"، لأن ذلك قد يثير خطرات تسيء إلى معنى النبوة، ونحن وإن ننزه علياً "عليه السلام" عن مثل هذه الخطرات، لأنه نفس النبي "صلى الله عليه وآله" في طهره وصفائه.. ولكننا لا نستطيع أن ننزه عنها غير علي "عليه السلام" ممن رأوا ذلك وسمعوه.
هل خُيِّل إلى علي ×؟!:
إن التخييل لعلي "عليه السلام" هو إراءته عين الواقع، فلا تخييل للإمام المعصوم خارج دائرة إراءة الحقائق، فالتعبير بكلمة "خيل إليَّ" إن كان يراد به الرفق ببعض ضعفاء النفوس، الذين قد لا يتمكنون من فهم الأمور بصورة معقولة ومقبولة، فهو مقبول.. وإن كان الأمر على خلاف ذلك، فلا بد من الإعراض عن هذه الرواية والأخذ بالروايات التي استبعدت كلمة "خيل إليَّ"، وذكرت أنه لو أراد أن ينال السماء لنالها، وقد تقدمت.
ومما يشير إلى أن القضية حقيقية، وليست مجرد تخييل قول النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": "رفعك محمد، وأنزلك جبريل"، فإن من يكون هذا حاله، لو أراد أن ينال السماء لنالها، من دون شك ولا شبهة.
تعمل للحق، وأحمل للحق:
وحين قال النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": طوبى لك تعمل للحق، وطوبى لي أحمل للحق.. فإنه يكون قد أوضح لكل قريب وبعيد: أن مباشرة تحطيم الأصنام لم يكن عملاً أملته روح التشفي والإنتقام، أو دعته إليه الرغبة في جمع كل ثمرات الإنتصار، والحرص على الإمساك بجميع خيوط المجد والفخار..
وإنما أملاه عليه واجب الدين والحق، والإخلاص لله تعالى.
لماذا لم يباشر النبي ' تحطيم الأصنام؟!:
ثم إن ما يدعو إلى التأمل هنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" تولى بنفسه مع أخيه علي "عليه السلام" هذا العمل مع أنه كان من الممكن أن يوكل هذا الأمر إلى بعض من كان معه من المسلمين.. فلماذا كان ذلك؟ وما الحكمة فيه؟!.
ونقول:
لعل نفس مبادرة نبي الله "صلى الله عليه وآله" ووصيه "عليه السلام" إلى تحطيم مظاهر الشرك في بيت الله تعالى، يقطع الطريق على أي تأويل أو اتهام لأحد في أن يكون هو الذي بادر إلى تحطيم الأصنام، أو أنه بالغ وتجاوز الحد في إجراء التوجيهات التي صدرت له من قبله "صلى الله عليه وآله" بشأنها..
وقد يُدَّعى: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يتخذ موقفاً حاداً منها، وإنما كان كل همه هو التسلط على مكة، وقهر قريش، وكسر عنفوانها. ولعله كان لا يمانع في أن يعتقد الناس بأنها تقرب إلى الله زلفى.
أو لا يمانع في اقتنائها للذكرى، أو لأي سبب آخر.
فجاءت مبادرته لتحطيمها بنفسه، لتدل على أن وجودها كله مبغوض لله تبارك وتعالى، ولا يجوز الاحتفاظ بها تحت أي عنوان من العناوين.
لو نزع دلواً من زمزم:
وأما ما ينسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من أنه قال: لولا أن تُغلب بنو عبد المطلب (على سقايتهم) لنزعت منها دلواً.. فهو غير ظاهر المعنى.
فأولاً: إن مجرد أن ينزع النبي "صلى الله عليه وآله" دلواً من ماء لا يوجب نزع السقاية من بني عبد المطلب، ولا أن تصبح الأمور على درجة الفلتان والتسيب، بحيث يُغلبون على سقايتهم.
ويجاب عن ذلك: بما قاله بعض الإخوة من أنه يحتمل أن يتخذ المسلمون من عمل النبي "صلى الله عليه وآله" سنة، فينتزع من يشاء منهم دلواً منها، أو دلاء، فتذهب السقاية من أربابها.
ثانياً: قد يقال: لو أوجب نزع الدلو من زمزم ذلك لكان أخذ المفتاح من بني شيبة ـ سواء أخذ بالقوة، أو بالحسنى ـ يوجب نزع حجابة البيت منهم..
فإن كان "صلى الله عليه وآله" قد عالج ذلك بإعلانه أن الحجابة لبني شيبة، وأنه لا يجوز لأحد أن يأخذ المفتاح منهم.. فإنه يمكنه أن يعالج أمر زمزم بنفس الطريقة، فينزع دلواً من زمزم، ثم يعلن عدم جواز مزاحمة بني عبد المطلب في أمر السقاية..
إلا أن يقال: إن ثمة فرقاً بين الأمرين، فإن أخذه "صلى الله عليه وآله" لمفتاح الكعبة معناه: إرجاع أمر ولاية الكعبة إلى صاحبها الحقيقي، والاعتراف بولايته على الكعبة معناه: الإعتراف بولايته على كل ما عداها. لأنها تمثل محورية لا مجال لإنكارها في هذا الأمر. فاقتضت المصلحة أن يتعامل مع بني شيبة بهذه الطريقة.
وليس الأمر في السقاية من زمزم بهذه المثابة..
ولأجل ذلك لم يكن من المصلحة أن يكتفي بالطلب إلى حامل المفتاح أن يفتحه له.. بل كانت المصلحة في أخذ المفتاح منه، ثم يكون هو الذي يعطيه إياه بنحو تكون شرعية حجابته للكعبة مستندة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" دون سواه.
على أن فرقاً آخر بين الحجابة والسقاية، وهو: أنه لا يمكن التعدي على موضوع الحجابة، ولا مجال لغلبة الناس عليها، لأنها مرهونة بمفتاح الكعبة، الذي يكون لدى شخص بعينه، أما السقاية، فيمكن لكل أحد أن يستقي من بئر زمزم، فيمكن الغلبة على الماء.
النداء بتكسير الأصنام في البيوت:
قالوا: ولم يكن رجل من قريش في مكة إلا وفي بيته صنم، إذا دخل مسحه، وإذا خرج مسحه تبركاً به([312]).
وقالوا: ونادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وآله" بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدعن في بيته صنماً إلا كسره أو حرقه([313]).
قال: فجعل المسلمون يكسرون تلك الأصنام.
وكان عكرمة بن أبي جهل لا يسمع بصنم في بيت من بيوت قريش إلا مشى إليه حتى يكسره. وكان أبو تجراة يعملها في الجاهلية ويبيعها([314]).
عكرمة يكسر الأصنام:
ونقول:
إن ما زعموه من أن عكرمة كان يكسر الأصنام في بيوت مكة يثير لدى الباحث أكثر من سؤال حول ما إذا كان هذا الرجل، الذي يزعمون أنه قاتل المسلمين يوم الفتح، وفر من المعركة، مخلصاً في فعله هذا أو أنه يتزلف للمسلمين به، ويخطط للوصول إلى منافع والحصول على امتيازات يطمح إليها.. وهذا هو الأقرب إلى الاعتبار، إذ كيف انقلب هذا المقاتل للدين ولأهله بين لحظة وأخرى إلى ولي حميم، ومتحمس صارم وحازم إلى هذا الحد؟!
الفصل السابع:
النبي ' في داخل الكعبة
مفتاح الكعبة مع النبي ':
عن أبي هريرة، وعلقمة بن أبي وقاص الليثي، ومحمد بن عمر عن شيوخه، يزيد بعضهم على بعض، قال عبد الله: كان عثمان بن طلحة قد قدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالمدينة مسلماً مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص قبل الفتح([315]).
فلما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من طوافه أرسل بلالاً إلى عثمان بن طلحة يأتيه بمفتاح الكعبة، فجاء بلال إلى عثمان، فقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يأمرك أن تأتي بالمفتاح([316]).
فقال: نعم، هو عند أمي سلافة.
فرجع بلال إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبره أنه قال: نعم، وأن المفتاح عند أمه.
فبعث إليها رسول الله "صلى الله عليه وآله" رسولاً فجاء، فقالت: لا، واللات والعزى، لا أدفعه إليك أبداً.
فقال عثمان: يا رسول الله، أرسلني أخلصه لك منها، فأرسله، فقال: يا أمّه ادفعي إليَّ المفتاح، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أرسل إليَّ، وأمرني أن آتيه به.
فقالت أمه: لا. واللات والعزى، لا أدفعه إليك أبداً.
فقال: لا لات ولا عزى، إنه قد جاء أمر غير ما كنا عليه، وإنك إن لم تفعلي قُتلت أنا وأخي، فأنت قتلتِنا. فوالله لتدفَعِنَّهُ، أو ليأتين غيري فيأخذه منك، فأدخلته في حجزتها([317])، وقالت: أي رجل يدخل يده ههنا؟([318]).
وقالت له: أنشدك الله أن يكون ذهاب مأثرة قومك على يديك([319]).
قال الزهري: فأبطأ عثمان ورسول الله "صلى الله عليه وآله" قائم ينتظره، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق، ويقول: "ما يحبسه فيسعى إليه رجل" انتهى.
فبينما هما على ذلك وهو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر وعمر في الدار، وعمر رافع صوته حين أبطأ عثمان: يا عثمان اخرج.
فقالت أمه: يا بني خذ المفتاح، فإن تأخذه أنت أحب إليَّ من أن يأخذه تيم وعدي.
فأخذه عثمان، فخرج يمشي به حتى إذا كان قريباً من وجه رسول الله
"صلى الله عليه وآله" عثر عثمان فسقط منه المفتاح، فقام رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المفتاح فحنى عليه بثوبه([320]).
وعند الواقدي: أن عثمان جاء بالمفتاح إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فناوله إياه([321]).
وعن ابن عمر: أن بني أبي طلحة كانوا يقولون: لا (يستطيع أن) يفتح الكعبة إلا هم، فتناول رسول الله "صلى الله عليه وآله" المفتاح، ففتح الكعبة بيده([322]).
مفتاح الكعبة أُخذ قهراً:
وروي بسند جيد عن أبي السفر، قال: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة دعا شيبة بن عثمان بالمفتاح ـ مفتاح الكعبة ـ فتلكأ، فقال لعمر: "قم فاذهب معه، فإن جاء به وإلا فاجلد رأسه".
فجاء به فأجاله في حجره([323]).
وقال أبان: وحدَّثني بشير النبال، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: لما كان فتح مكة قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "عند من المفتاح"؟
قالوا: عند أم شيبة.
فدعا شيبة، فقال: "اذهب إلى أمك، فقل لها: ترسل بالمفتاح".
فقالت: قل له: قتلت مقاتلنا وتريد أن تأخذ منا مكرمتنا؟
فقال: لترسِلِنّ به أو لأقتلنك، فوضعته في يد الغلام، فأخذه. ودعا عمر، فقال له: "هذا تأويل رؤياي من قبل".
ثم قام "صلى الله عليه وآله" ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر، ثم دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح، وقال: رده إلى أمك([324]).
وفي نص آخر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعث علياً "عليه السلام" إلى عثمان بن طلحة، فأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم أمنعه منه، فصعد إلى السطح، فتبعه عليّ "عليه السلام" ولوى يده، وأخذ المفتاح منه قهراً، وفتح الباب([325]).
فلما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}([326]). أمره "صلى الله عليه وآله" أن يدفع المفتاح إليه، متلطفاً به، (ويعتذر إليه. وقال له: قل له: خذوها يا بني طلحة بأمنة الله، فاعملوا فيها بالمعروف، خالدة تالدة الخ..)([327]).
فجاء علي "عليه السلام" بالمفتاح متلطفاً، فقال له: أكرهت وآذيت، ثم جئت ترفق؟!
فقال "عليه السلام": لأن الله أمرنا بردها عليك.
فأسلم، فأقره النبي "صلى الله عليه وآله" في يده([328]).
وفي نص آخر: أنه بعد أن أخذ علي "عليه السلام" المفتاح قهراً، ودخل النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الكعبة، فصلى ركعتين ثم خرج. سأله العباس أن يعطيه المفتاح، فنزلت الآية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}"([329]).
وستأتي روايات أخرى حول نزول هذه الآية في بني شيبة، وذلك حين الحديث عن إعطائهم حجابة البيت ومفتاح الكعبة، وذلك بعد خطبة النبي "صلى الله عليه وآله" على باب الكعبة، فانتظر..
إزالة الصور والتماثيل من داخل الكعبة:
روي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دخل البيت في فتح مكة، ولم يدخله في حج ولا عمرة. ودخل وقت الظهر([330]).
وفي حديث صفية بنت شيبة: وجد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في البيت حمامة من عيدان، فكسرها بيده، ثم طرحها([331]).
وفي حديث جابر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما دخل البيت رأى فيه تمثال إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق. وقد جعلوا في يد إبراهيم الأزلام يستقسم بها، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قاتلهم الله، لقد علموا ما كان إبراهيم يستقسم بالأزلام".
ثم دعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بزعفران فلطخه بتلك التماثيل([332]).
ورووا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر عمر بن الخطاب ـ وهو بالبطحاء ـ أن يأتي الكعبة فيمحو كل صورة فيها، فلم يدخلها حتى محيت الصور، وكان عمر قد ترك صورة إبراهيم.
فلما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" رأى صورة إبراهيم (وعند الديار بكري: رأى فيها صور الملائكة، وغيرهم، فرأى إبراهيم مصوراً في يده الأزلام يستقسم بها)، فقال: "يا عمر، ألم آمرك ألا تدع فيها صورة؟ قاتلهم الله، جعلوه شيخاً يستقسم بالأزلام".
زاد الحلبي وغيره قوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}([333])، ثم أمر بتلك الصور فطمست([334]).
ثم رأى صورة مريم، فقال: "امسحوا ما فيها من الصور، قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون"([335]).
وحسب نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" رأى الصور وهي صور الملائكة، وصور إبراهيم وإسماعيل في أيديهما الأزلام يستقسمان بها، أي وإسحاق، وبقية الأنبياء، وصورة مريم، فقال: "قاتل الله قوماً يصورون ما لا يخلقون، قاتلهم الله، لقد علموا أنهما لم يستقسما بالأزلام قط"([336]).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وعن عكرمة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة، يعني الأصنام، فأمر بها فأخرجت: صورة إبراهيم، وإسماعيل في أيديهما الأزلام، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قاتلهم الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط".
زاد ابن أبي شيبة: ثم أمر بثوب فبُلَّ ومحا به صورهما([337]).
وعن أسامة بن زيد: أنه "صلى الله عليه وآله" دعا بدلو من ماء فضرب به الصور([338]).
وفي نص آخر: أن الذي جاء بذنوب([339]) الماء هو الفضل بن العباس، وأنه جاء به من زمزم، فطمس به الصور([340]).
وعن ابن عمر: أن المسلمين تجردوا في الأُزر وأخذوا الدلاء، وانجروا على زمزم يغسلون الكعبة ظهرها وبطنها، فلم يدعوا أثراً من المشركين إلا محوه وغسلوه([341]).
وعن الواقدي قوله: أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان أن يقدما البيت، وقال لعمر: لا تدع صورة حتى تمحوها إلا صورة إبراهيم.
فلما دخل "صلى الله عليه وآله" ورآها قال: يا عمر، ألم آمرك ألا تدع فيها صورة إلا محوتها.
فقال عمر: كانت صورة إبراهيم.
قال: فامحها([342]).
صلاة النبي ' داخل الكعبة وخارجها:
ورووا: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أقبل يوم الفتح من أعلى مكة، على ناقته القصواء، وهو مردف أسامة، ومعه بلال، وعثمان بن طلحة، حتى أناخ في المسجد عند البيت، وقال لعثمان: ائتني بالمفتاح. فذهب إلى أمه، فأبت أن تعطيه إياه.
فقال: لتعطينَّه أو لأخرجن هذا السيف من صلي. فلما رأت ذلك أعطته إياه، فجاء به، ففتح عثمان له الباب، قالوا:
1 ـ فدخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأسامة، وبلال، وعثمان بن طلحة.
وزاد بعضهم: الفضل بن عباس، ولم يدخلها أحد معهم، فاغلقوا عليهم الباب([343]).
2 ـ ولما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" الكعبة كبر في زواياها، وأرجائها، وحمد الله تعالى، وقد اختلفوا في أمر صلاته في الكعبة.
وفي رواية: أنه "صلى الله عليه وآله" كبر في نواحي البيت، ولم يصل([344]).
3 ـ وفي رواية أخرى: أنه صلى ركعتين([345]).
4 ـ عن عبد الرحمن بن صفوان قال: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة انطلقت فوافقت رسول الله "صلى الله عليه وآله" خرج من الكعبة، وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله "صلى الله عليه وآله" وسطهم، فسألت من كان معه، فقلت: كيف صنع رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين دخل الكعبة؟
قال: صلى ركعتين([346]).
5 ـ روي: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما خرج من البيت صلى ركعتين قِبل الكعبة، وقال: هذه القبلة([347]).
وعن السائب يزيد قال: حضرت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الفتح صلى في قبل الكعبة، فخلع نعليه فوضعهما عن يسارة، ثم استفتح بسورة المؤمنين، فلما جاء ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة فركع([348]).
النبي ' لم يدخل الكعبة إلا يوم الفتح:
إن أول سؤال يواجهنا في النصوص المتقدمة هو: ما السبب في أنه "صلى الله عليه وآله" لم يدخل الكعبة إلا في يوم الفتح؟!
ويمكن أن يقال في الجواب: إن الدخول إلى الكعبة يوم الفتح من شأنه أن يؤكد لقريش أن أمر الحرم لم يعد إليها، بل هو قد عاد إلى أهله رغماً عن المعتدين والغاصبين. وعلى الناس كلهم أن يلتزموا بما يرسمه لهم مَنْ لا {يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([349])..
فأولى الناس ببيت الله، هو نبيه المبعوث لتعليم الأمة وهدايتها، وهو لم يجعل الدخول والخروج من البيت شغله الشاغل، بل إنه لم يدخل إليه إلا حين استعاده من أيدي الأرجاس، ليزيل عنه ومنه رجسهم، ومظاهر شركهم، وليعيده إلى ما كان عليه من الطهر، والنزاهة، والخلوص..
فإن على الناس كلهم أن لا يتخذوا الدخول إليه والخروج منه سنة، أو عادة وطريقة.. وأن لا يجعلوا ذلك من موارد التنافس والتفاخر والتباهي، إذ المطلوب الأهم هو أن تحفظ قداسة البيت، ويصان عزه، وتتأكد مكانته في النفوس، وعظمته في القلوب. واعتياد الدخول والخروج إليه ربما يكون مضراً بهذا الهدف.
إزالة الصور من داخل الكعبة:
إن ملاحظة الروايات المتقدمة التي تتحدث عن إزالة الصور من داخل الكعبة تثير علامات استفهام كبيرة حول حقيقة ما فعله عمر بن الخطاب في أمر الصور في داخل الكعبة، حين أمره النبي "صلى الله عليه وآله" بمحوها.
فهل محاها حقاً، أم أن الذي محاها هو أسامة، أم الفضل بن العباس؟!
ولو قبلنا: أن عمر قد امتثل أمر النبي "صلى الله عليه وآله" ومحا الصور، فلماذا ترك صورة إبراهيم "عليه السلام" وهو يستقسم بالأزلام؟!
وقد حاول الحلبي أن يرفع التنافي بين الروايات، فقال: إن عمر محا الصور كلها باستثناء صورة إبراهيم، وإسماعيل، ومريم والملائكة([350]).
وأغرب من ذلك: أن نجد الزهري ينسب إبقاء صورة إبراهيم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه، فيقول: "لما دخل النبي "صلى الله عليه وآله" فرأى فيها صور الملائكة وغيرها، ورأى صورة إبراهيم "عليه السلام"، قال: قاتلهم الله، جعلوه شيخاً يستقسم بالأزلام.
ثم رأى صورة مريم، فوضع يده عليها، ثم قال: امسحوا ما فيها من الصور إلا صورة إبراهيم"([351]).
والسؤال هنا هو: إذا كان وجود الصور جائزاً فما الحاجة إلى محوها؟ وإن كان حراماً، فلماذا ترك صورة إبراهيم "عليه السلام"؟!
وإن كان لا مانع من بقاء الصور لكنه لاحظ عنواناً ثانوياً، وهو أنه يخشى من أن تدخل في اعتقادات الناس، وينتهي الأمر بهم إلى نوع من الشرك في العبادة، فذلك المحذور موجود من خلال إبقائه صورة إبراهيم "عليه السلام" أيضاً.
وسؤال آخر، وهو: كيف أبقى صورة إبراهيم "عليه السلام" وهو يستقسم بالأزلام؟ مع أن ذلك أمر مكذوب على إبراهيم "عليه السلام"؟! وإذا كان قد أزال من الصورة الأشكال التي تشير إلى الإستقسام، فلماذا لم يذكر لنا ذلك في التاريخ والرواية؟!
وثمة سؤال آخر أيضاً، وهو: لماذا لم تبق صورة إبراهيم "عليه السلام" بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ ومن الذي أزالها من الكعبة؟! ولماذا لم يعترض المسلمون وعلماء الأمة على من أبطل وأزال أمراً أبقاه رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
وأما الجمع بين الروايات الذي قرره الحلبي، فهو لا ينفع شيئاً، بعد أن كان أصل إبقاء الصور ممنوعاً..
على أن إزالة صور الأشخاص، والملائكة، وغيرهم من ذوي الأرواح أولى من إزالة غيرها، لأن الناس يفتنون بصور الناس والملائكة أكثر من فتنتهم بصور الأشجار، والأبنية، والأواني ونحوها.
على أن مفتاح الكعبة قد كان مع بني شيبة، والنبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي أخذه، ففتحها ودخل، فما معنى قولهم: إنه أرسل عمر بن الخطاب ليمحو الصور من داخل الكعبة؟! فهل كان مع عمر مفتاح خاص به؟! أم أن بني شيبة هم الذين فتحوا باب الكعبة؟!.
إلا أن يقال: إن المراد: أن عمر قد دخل معه "صلى الله عليه وآله" إلى الكعبة فوكله بمحو تلك الصور، فمحاها وترك صورة إبراهيم "عليه السلام".
ولكننا نقول:
إن هذا كلام غير صحيح، فقد ذكروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين قد اشتغلوا بمحو الصور بواسطة الماء الذي كانوا يأتون به من زمزم..
يضاف إلى ذلك: أنهم ذكروا أسماء الذين دخلوا مع النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الكعبة، وليس فيهم عمر بن الخطاب.. فما معنى حشر اسمه في هذا المورد؟! إلا أن يكون الهدف هو ذر الرماد في العيون، ونسبة فضيلة إليه ليس له فيها نصيب.
التكبير في زوايا الكعبة:
والتكبير في زوايا الكعبة هو المناسب لموقعية الكعبة، وشأنها، ومقامها، وهو المنسجم مع الوظيفة التي تؤديها، والدلالات التي تتكفل بها، فهي رمز التوحيد، ومثال حي لتعظيم الله تبارك وتعالى، وهي أهم موقع لتنزيهه عن الأنداد والشركاء، فكيف إذا كانت قد تعرضت للإهانة وللتدنيس بوضع الأصنام فيها، ورسم صور الأنبياء على جدرانها، وهم يستقسمون بالأزلام؟! افتراءً من أولئك الكفرة على أقدس الناس في أقدس مكان، وأفضل بقعة على وجه الأرض.
صلاة النبي ' في داخل الكعبة:
إن الروايات المتقدمة: متناقضة فيما بينها، فقد دلت طائفة منها على أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صلى في داخل الكعبة ركعتين، وفي بعضها: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يصل فيها.
كما أن هناك اختلافات في نفس دخول النبي "صلى الله عليه وآله" إليها، فقد زعموا: أنه "صلى الله عليه وآله" دخل الكعبة بعد هجرته أربع مرات: يوم الفتح، يوم ثاني الفتح، وفي حجة الوداع، وفي عمرة القضاء. وفي كل هذه الدخلات خلاف، إلا الدخول الذي كان يوم فتح مكة([352]).
وقالوا: إن سبب الاختلاف في صلاته داخل الكعبة هو: تعدد دخوله إليها، حيث صلى في بعضها، ولم يصل في بعضها الآخر([353]).
ونقول:
لكن ظاهر النصوص هو: أنها تتحدث عن الدخول الأول إلى الكعبة الشريفة، وهو الذي كان محط أنظار الرواة، ونقلة الأخبار.
وحول الصلاة في داخل الكعبة نقول:
إنهم يقولون: أن المراد بالصلاة هو الدعاء([354]).
والجواب: أن التعبير: بأنه صلى ركعتين، في الرواية التي تقول عن بلال: "ذهب عني أن أسأله كم صلى" تكذب هذا الإحتمال([355]).
ثم إننا نقول:
إن هذه الإختلافات، خصوصاً إذا كانت في أمور التشريع، تحتاج إلى حسم الأمور فيها بصورة تقطع العذر، وتزيل الشبهة. ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى أئمة الهدى ومصابيح الدجى، فقد روى الشيخ "رحمه الله" عن الطاطري، عن محمد بن أبي حمزة، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال:
"سمعته يقول: لا تصلّ المكتوبة في جوف الكعبة، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يدخلها في حج ولا عمرة، ولكن دخلها في فتح مكة، فصلى فيها ركعتين بين العمودين، ومعه أسامة"([356]).
سؤال.. وجوابه:
قد يقال: إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد دخل الكعبة يوم عمرة القضاء، فماذا كان موقفه من الأصنام التي كانت بداخلها؟! هل أزالها؟! أم تركها؟! وهل يجوز له ترك الأصنام في الكعبة؟!
ويمكن أن يجاب: بأن المفروض: هو أن لا يتعرض لها في عمرة القضاء، كما لم يتعرض للأصنام التي كانت في المسجد، وعلى الكعبة، لأن أي تعرض لها لا بد من أن يعتبره المشركون نقضاً للعهد. وسيعطي المبرر لقريش للتشنيع عليه، وإسقاط مصداقيته بين الناس. فلا بد من أن تترك الأمور إلى الوقت المناسب، وحيث لا يبقى لقريش أي ذريعة.
أبو بكر وعمر لم يدخلا الكعبة:
وقد صرحت الروايات بأسماء الذين دخلوا الكعبة، وأسماء الذين حطموا الأصنام على ظهر الكعبة، وفي المسجد الحرام، ولم نجد لأبي بكر ولا لعمر ذكراً، لا مع هؤلاء، ولا مع أولئك. فأين كان هذان الرجلان في هذه اللحظات الحساسة؟!
وما الذي منعهما من المشاركة في هذا الأمر الجليل؟! هل كانا لا يرغبان في خدش مشاعر قومهما في هذه اللحظات الحرجة بالذات؟! أم أنهما كانا يؤديان واجباً آخر؟!
إننا لو سألنا عن علي بن أبي طالب لقيل لنا: إنه كان يلاحق المشركين الذين أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمهم، لينفذ فيهم حكم الله تعالى، وقد تمكن من قتل بعضهم ممتثلاً بذلك أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وهو لم يرع فيهم أخته أم هاني..
أو يقال لنا: إنه حامل راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقائد جيوشه، فالمفروض أن يكون منشغلاً بتدبير أمر ذلك الجيش العرمرم.
أو يقال لنا: إنه كان مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد أصعده "صلى الله عليه وآله" على كتفيه إلى ظهر الكعبة ليحطم الأصنام عليها، وقد فعل ذلك..
ولكن لو سألنا عن أبي بكر وعمر أين هما؟ فما هو الجواب الذي يمكن أن نتوقعه منهما، وعنهما؟!
ولماذا غابا عن الأنظار في هذه اللحظات الحرجة بالذات؟! أم تراهما قد ذهبا لتفقد الأهل والعشيرة، والمنازل والرباع؟!
أو أنهما يتجاذبان أطراف الحديث مع الخلان والإخوان؟!
لا ندري!!
فإن التاريخ لم يفصح لنا عن شيء في هذا المجال.. إما خيانة منه!! أو عجزاً، وفشلاً!! وكلاهما غير مرضيّ له، ولا مقبول منه.
لا نريد الحديث عن التناقضات:
وقد أشرنا في مناسبات عديدة: إلى أن التناقض فيما بين الروايات يدل على أن واحدة منها هي الصحيحة في مورد الإختلاف، ويحكم على سائرها بالخطأ أو الكذب في نفس ذلك المورد.
مع احتمال: أن يكون الجميع مكذوباً، أو مخطئاً، والصحيح شيء آخر.
ولكن الحكم على مورد الإختلاف بالخطأ، أو الكذب، كلاً أو بعضاً لا يعني أن سائر الفقرات كذلك، لجواز أن تكون صحيحة أيضاً.
أي أن سقوط فقرة من الرواية عن الحجية، لا يعني سقوط سائر فقراتها عنها..
ولأجل وضوح هذا الأمر، وتكرر ذكرنا له في الموارد المختلفة، آثرنا أن نعتمد من الآن فصاعداً على وعي القارئ لهذه الحقيقة، ونكل إليه أمر رصد تلك التناقضات والإختلافات، ثم التعامل معها بصورة صحيحة وواقعية.
هذا تأويل رؤياي:
تحدثنا في جزء سابق: عن أن النبي "صلى الله عليه وآله" ـ كما ورد في القرآن الكريم ـ كان في عام الحديبية قد أخبر أصحابه بأنه رأى رؤيا مفادها: أن المسلمين يدخلون المسجد الحرام آمنين محلقين.. ثم سار بهم نحو مكة، فصدهم المشركون في ذلك العام، وكان عهد الحديبية، فثارت ثائرة كثير من أصحابه "صلى الله عليه وآله"، وكان أشدهم عمر بن الخطاب.
ثم كانت عمرة القضاء التي دخل المسلمون فيها إلى المسجد الحرام محلقين، قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً}([357])
ولعل المسلمين قد اعتبروا ما جرى في عمرة القضاء هو تأويل تلك الرؤيا([358]).
ولكن الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق "عليه السلام" تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" حين تسلم مفتاح الكعبة في فتح مكة، دعا عمر بن الخطاب، وقال له: "هذا تأويل رؤياي".
فاللافت هنا:
أولاً:
دعوته "صلى الله عليه وآله" خصوص عمر بن الخطاب، دون كل من عداه، ليسمعه هذا القول.. مما يعني: أن عمر بن الخطاب كان لا يزال يشكك في صدق رؤيا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، مع أن رؤياه "صلى الله عليه وآله" من الوحي.
ثانياً: إن الأمن الحقيقي في مكة قد حصل يوم الفتح، وبلغ ذروته حين تسلم "صلى الله عليه وآله" مفتاح الكعبة، الذي يشير إلى انتهاء كل شيء واستسلام عتاة المشركين، وقريش بالذات.
ثم جاءت حجة الوداع فدخل المسلمون إلى مكة آمنين أمناً حقيقياً، لا شبهة فيه، وكانوا محلقين رؤوسهم ومقصرين.
عثمان بن طلحة في فتح مكة:
تقدم أنهم زعموا: أن عثمان بن طلحة أسلم بالمدينة مع خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وبقي فيها إلى أن جاء مع النبي "صلى الله عليه وآله" إلى مكة يوم الفتح([359]).
ولكن الروايات المتقدمة قد تناقضت في بيانها لموقف عثمان بن طلحة، حتى لقد نسب إليه بعضها: أنه رفض تسليم المفتاح، وقال: لو أعلم أنه رسول الله لم أمنعه.
فإن كان حقاً قد أسلم قبل ذلك، فهذا ارتداد صريح كما قاله ابن ظفر في ينبوع الحياة([360]).
على أن بعض الروايات المتقدمة قد صرحت: بأنه إنما أسلم حين أرجع علي "عليه السلام" المفتاح إليه برفق.
ولعل ملاحظة الروايات المتقدمة وسواها تعطي: أن ثمة خلطاً بين عثمان بن طلحة، وبين شيبة بن طلحة، فلعل المفتاح كان عند شيبة أولاً، فرفض إعطاءه للنبي "صلى الله عليه وآله"، ثم أودعه عند أمه سلافة، ثم أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان بن طلحة فأخذه منها، بعد أن جرى معها له ما جرى.
وسيأتي قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعطى المفتاح إلى عثمان..
ويصرح البعض: بأن عثمان دفعه إلى أخيه شيبة، فهي في ولده إلى اليوم([361]).
آية: أداء الأمانات إلى أهلها:
وقد زعمت بعض الروايات المتقدمة: أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}([362]) أرسل "صلى الله عليه وآله" المفتاح إليهم مع علي "عليه السلام"، وأمره أن يدفعه إلى عثمان بن طلحة متلطفاً، فأخذه منه، وأسلم..
وسيأتي بعد إيراد خطبة النبي "صلى الله عليه وآله" الشهيرة على باب الكعبة، بيان بعض ما فيها من إشارات ودلالات ترتبط بجعل حجابة البيت وإعطاء المفتاح لبني شيبة، وسنتحدث إن شاء الله عن شأن نزول هذه الآية أيضاً هناك، فانتظر.
لمن هذا التهديد؟!:
إن قوله في رواية بشر النبال عن الإمام الصادق "عليه السلام": لترسلن به (يعني المفتاح) أو لأقتلنك، إن كان من كلام النبي "صلى الله عليه وآله" يهدد به شيبة، فلا بد من الإجابة على سؤال:
ما معنى هذا التهديد من النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" لعثمان بالقتل في حين أن أمه هي التي امتنعت عن تسليم مفتاح الكعبة إليه، وقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؟.
وقد يجاب عن ذلك: بأن من الممكن أن يكون المفتاح بيد شيبة، ثم أودعه عند أمه، في محاولة منه للضغط الهادف إلى الإحتفاظ بهذه المكرمة، فيصح تهديده، باعتبار أنه هو المسؤول عن أمر المفتاح.
ولكن هذا الجواب إنما يصح لو أن شيبة الذي كان لا يزال على شركه هو صاحب المفتاح، أما إن كان صاحبه والمسؤول عنه هو أخوه عثمان الذي كان قد أسلم قبل ذلك التاريخ، فلا يصح تهديده بالقتل إلا إذا كان امتناعه عن تسليم المفتاح قد بلغ حد التمرد على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والإرتداد عن الدين.
وإن كانت عبارة التهديد المتقدمة قد صدرت عن شيبة أو عثمان نفسه، في مواجهة أمه سلافة.. فلا يرد إلا إشكال من ناحية عصيان أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل يصبح الإشكال أخلاقياً، كما هو ظاهر.
غير أننا نرجح: أن الرواية: تتحدث عن تهديد صادر من رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى ولدها.. كما هو ظاهر سياق الكلام.
ويؤيده: أن رواية أخرى ـ تقدمت أيضاً ـ قد ذكرت: أن عثمان بن طلحة قد قال لأمه: "إن لم تفعلي قتلت أنا وأخي؛ فأنت قتلتِنا".
كما أننا نرجح: أن يكون علي "عليه السلام" هو الذي أخذ المفتاح من عثمان بن طلحة بالقوة والقهر، وأن حديث إسلام عثمان هذا قبل ذلك في المدينة، مع عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد، موهون في أكثر من جهة وسبب حسبما أوضحناه في موضعه، ولتكن هذه الروايات الدالة على تمرده على رسول الله "صلى الله عليه وآله" من دلائل وهن هذه المزاعم..
الفصل الثامن:
الخطبة الأولى في مكة
خطبة الرسول ' في مكة:
لقد خطب النبي "صلى الله عليه وآله" خطبة هامة بمجرد خروجه من الكعبة أعزها الله تعالى، فقد روي عن الإمام الصادق "عليه السلام" أنه قال:
"فتح باب الكعبة، فأمر بصور في الكعبة فطمست، ثم أخذ بعضادتي الباب، فقال: الخ.." ([363]).
وزعموا: أن خالد بن الوليد في هذه الحال كان على باب الكعبة يذب عنه "صلى الله عليه وآله" الناس([364]).
وقالوا: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما خرج من البيت استكفَّ له الناس، وأشرف على الناس حول الكعبة وهم جلوس، فقام على بابه فقال:
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، صدق وعده".
وفي نص آخر أنه قال: "الحمد لله الذي صدق وعده". ثم اتفقوا "ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش ماذا تقولون؟ ماذا تظنون (أني فاعل بكم؟
فقال سهيل بن عمرو:)؟([365]).
قالوا: نقول خيراً، ونظن خيراً. نبي كريم، وأخ كريم، وابن أخ كريم، وقد قدرت.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فإني أقول كما قال أخي يوسف: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}([366]). إذهبوا فأنتم الطلقاء".
فخرجوا كأنما نشروا من القبور، فدخلوا في الإسلام.
ثم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ألا إن كل ربا في الجاهلية أو دمٍ أو مأثرة أو مال يُدَّعى فهو تحت قدمي هاتين، وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث، إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج (فإنهما مردودتان إلى أهليهما).
ألا وفي قتيل العصا والسوط والخطأ شبه العمد الدية مغلظة، مائة ناقة، منها أربعون في بطونها أولادها.
ألا وإن الله تعالى قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية، وتكبرها بآبائها، كلكم لآدم وآدم من تراب"([367]).
ثم تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}([368]).
"يا أيها الناس!! الناس رجلان، فبر تقي كريم، وكافر شقي هين على الله.
ألا إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض، ووضع هذين الأخشبين ، فهي حرام بحرام الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولن تحل لأحد كائن بعدي، لم تحل لي إلَّا ساعة من نهار ـ يقصرها "صلى الله عليه وآله" بيده هكذا ـ ولا ينفر صيدها، ولا يعضد عضاهها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد، ولا يختلى خلاها".
فقال العباس، وكان شيخاً مجرباً: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنه لابد لنا منه للقين، وظهور البيوت.
فسكت رسول الله "صلى الله عليه وآله" ساعة ثم قال: "إلا الإذخر فإنه حلال.
ولا وصية لوارث، وإن الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولا يحل لامرأة أن تعطي من مال زوجها إلا بإذن زوجها، والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة، والمسلمون يد واحدة على من سواهم، تتكافأ دماؤهم، وهم يردّ عليهم أقصاهم، ويعقل عليهم أدناهم، ومشدّهم على مضعفهم، ومثريهم على قاعدهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، ولا يتوارث أهل ملتين مختلفتين، ولا جلب ولا جنب.
ولا تؤخذ صدقات المسلمين إلا في بيوتهم وبأفنيتهم، ولا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها. والبينة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر، ولا تسافر امرأة مسيرة ثلاث إلا مع ذي محرم، ولا صلاة بعد العصر، وبعد الصبح، وأنهاكم عن صيام يومين: يوم الأضحى، ويوم الفطر، وعن لبستين ألا يحتبي أحدكم في ثوب واحد يفضي بعورته إلى السماء، وألا يشتمل الصماء".
فقام رجل فقال: يا رسول الله، إني قد عاهرت في الجاهلية.
فقال: "من عاهر بامرأة لا يملكها، أو أمة قوم آخرين لا يملكها، ثم ادَّعى ولده بعد ذلك فإنه لا يجوز له، ولا يرث ولا يورث، ولا إخالكم إلا قد عرفتموها.
يا معشر المسلمين كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه".
فخبطوهم ساعة، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم تحل لأحد قبله.
ثم قال لهم: "كفوا السلاح".
فقام أبو شاة، فقال: اكتب لي يا رسول الله.
فقال: "اكتبوا لأبي شاة".
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم"([369]).
وفي نص آخر أنه قال: إن الله تبارك وتعالى حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين، وإنها لا تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لى ساعة من نهار، وإنها لا تحل لأحد بعدي.. فقام أبو شاة رجل من اليمن الخ..([370]).
نص آخر للخطبة:
وذكر الشيخ الطبرسي "رحمه الله" نصاً آخر للخطبة، وهو التالي: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة دخل صناديد قريش الكعبة، وهم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ووقف قائماً على باب الكعبة، فقال:
"لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده،
ألا إن كل مال ومأثرة ودم يدَّعى تحت قدمي هاتين، إلا سدانة الكعبة، وسقاية الحاج، فإنهما مردودتان إلى أهليهما.
ألا إن مكة محرمة بتحريم الله، لم تحل لأحد كان قبلي، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار. وهي محرمة إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد".
ثم قال: "ألا لبئس جيران النبي كنتم، لقد كذّبتم، وطردتم، وأخرجتم، وآذيتم، ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني!!
اذهبوا فأنتم الطلقاء".
فيخرج القوم، فكأنما أُنشروا من القبور، ودخلوا في الإسلام، وقد كان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة، وكانوا له فيئاً، فلذلك سمِّيَ أهل مكة الطلقاء([371]).
عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة قال: سمعت أبا عبد الله "عليه السلام" يقول: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة قام على الصفا، فقال:
"يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، لا تقولوا: إن محمداً منا، فوالله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون، فلا أعرفكم تأتوني يوم القيامة تحملون الدنيا على رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة، ألا وإني قد أعذرت فيما بيني وبينكم، وفيما بين الله عز وجل وبينكم، وإن لي عملي ولكم عملكم"([372]).
وقفات مع الخطبة الشريفة:
إن هذه الخطبة الشريفة تحتاج إلى دراسة متأنية لاستكناه معانيها، والوقوف على مراميها، ولعل بيان ذلك يفرض إفراد كتاب مستقل، ويستغرق وقتاً طويلاً، ويحتاج إلى جهد مضنٍ، يبذله أناس أكفاء، ومتمرسون أفذاذ..
فماذا عسانا نقدم في هذه النظرة العابرة والمحدودة، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.. فتلك هي بعض اللمحات المختارة من هذا الروض الفواح بالأطياب.. والزاخر بالمعاني العذاب، كأنها الشهد المذاب..
وسنذكر هذه اللمحات اليسيرة في فقرات تبين وجهتها عناوين نختارها لها، وهي التالية:
عتقهم دليل فتح مكة عنوة:
علق الدياربكري على قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة: إذهبوا، فأنتم الطلقاء، فقال:
"فأعتقهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة، فلذلك تسمى أهل مكة "الطلقاء" أي الذين أطلقوا، فلم يسترقوا، ولم يؤسروا، والطليق هو الأسير إذا أطلق"([373]).
وكنا قد تحدثنا عن هذا الأمر في فصل سابق، وقلنا: إن هذه الكلمة من أدلة فتح مكة عنوة، لا صلحاً.. فلا بأس بمراجعة ما ذكرناه هناك..
الطلقاء.. والخلافة:
إنه لا ريب في أن الإمامة شأن إلهي وقرار رباني، لا خيار لأحد فيه، وهي تثبت بالنص القاطع للعذر عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولكن السياسة الإلهية قد قضت بوضع معايير، وحدود، وضوابط، وقيود، من شأنها أن تسقط أي تعلل، وترد أية شبهة، حتى حينما يحاصر الطامعون والحاقدون النص بحرابهم، وسيوفهم، أو يثيرون حوله الشبهات والأقاويل، وينسجون حوله الترهات والأباطيل.
وقد صرحت النصوص بكثير من الأمور التي حددها للناس أمين الله على وحيه، وعزائم أمره، ومن هذه الأمور:
أن الطلقاء لا يحق لهم الاضطلاع بأمر الإمامة..
ويبدو أن هذا الأمر كان متسالماً عليه لدى السلف، فقد روي عن عمر بن الخطاب: أنه اعترف بذلك، وأنه قال:
هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أُحد، ثم في كذا وكذا، وليس لطليق ولا لولد طليق، ولا لمسلمة الفتح شيء([374]).
وقال أيضاً: "إن هذا الأمر لا يصلح للطلقاء، ولا لأبناء الطلقاء"([375]).
وعن أمير المؤمنين "عليه السلام" في كتاب له إلى معاوية: "واعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد معهم الإمامة، ولا يدخلون في الشورى"([376]).
وكتب ابن عباس لمعاوية: "ما أنت وذكر الخلافة؟! وإنما أنت طليق وابن طليق. والخلافة للمهاجرين الأولين، وليس الطلقاء منها في شيء".
وفي نص آخر: ما أنت والخلافة، وأنت طليق الإسلام الخ.. ([377]).
وقال ابن عباس لأبي موسى: "اعلم يا أبا موسى أن معاوية طليق الإسلام"([378]).
وكتب المسور بن مخرمة إلى معاوية أيضاً: "وما أنت والخلافة يا معاوية، وأنت طليق، وأبوك من الأحزاب"([379]).
وهذا المعنى بالذات روي عن سعنة بن عريض في كلام له مع معاوية([380]).
ونفس هذا المضمون قاله صعصعة بن صوحان لمعاوية([381]).
وجاء في كلام لعبد الرحمن بن غنم الأشعري الصحابي، يعاتب فيه أبا هريرة، وأبا الدرداء قوله: "وأي مدخل لمعاوية في الشورى، وهو من الطلقاء الذين لا تجوز لهم الخلافة"؟!([382]).
تعظيم بيت الله:
إن الله سبحانه وتعالى قد جعل الكعبة ومكة حرماً آمناً. ولكن هل حصل ذلك بدعاء إبراهيم حينما قال: {رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً}؟!([383]).
وفي آية أخرى: {رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً}([384]).
مع ملاحظة: أن الآية الثانية تشير إلى أن هذا الدعاء قد كان بعد صيرورة مكة بلداً، وأما الآية الأولى، فليس فيها دلالة على ذلك، بل هي تتلاءم مع ما قبل صيرورة مكة بلداً، ومع ما بعد صيرورتها بلداً.
ولكن ثمة ما يدل: على أن إبراهيم قد دعا بذلك مرتين، وفي زمانين مختلفين، كما ربما يظهر من كلام العلامة الطباطبائي وغيره([385]).
إذ ليس ثمة ما يحتم أن يكون إبراهيم يطلب من الله تشريع الأمن لمكة، وأن يجعلها حرماً، ثم يلتزم الناس بأوامره سبحانه، لتنشأ عن ذلك حالة الأمن لها.. إذ لعله كان يطلب حصول الأمن الخارجي لذلك البلد والمنع من تعرضها للنكبات على أيدي الجبارين، وأن يوجد حرمة وهيبة لها في نفوس الناس تردعهم عن التعرض لها بسوء، إذ لو كان "عليه السلام" يطلب أمراً تشريعياً لكان ذلك البلد قبل إبراهيم كسائر البلاد، مع أن ثمة ما يدل على أنها كانت حراماً أيضاً قبل ذلك، فقد ورد في خطبة الرسول "صلى الله عليه وآله" المتقدمة في فتح مكة: أن الله قد "حرَّم مكة يوم خلق السماوات والأرض، فهي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي"([386]). فراجع.
ويؤيد ذلك، بل يدل عليه: أن إبراهيم "عليه السلام" قد وصف البيت بـ "المحرم" بمجرد إسكانه لذريته في تلك البقعة، فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ..}([387]).
ومن الواضح: أن إبراهيم على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام لم يؤسس البيت، بل رفع قواعده، وقد تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب: أن البيت قد وضع من لدن آدم "عليه السلام" وهو البيت العتيق، وهو أول بيت وضع للناس، كما دلت عليه الآيات الكريمة.
كلكم لآدم، وآدم من تراب:
وقد ظهر من خلال تلك الخطبة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يعالج أدواءً كان يراها رأي العين في الناس، ويعرف ما لها من آثار سلبية على حياتهم، وعلى علاقاتهم، وطريقة تعاملهم مع بعضهم، وعلى روحياتهم.. ومن ذلك ظاهرة الطبقية والتمييز على أسس قبائلية، وعرقية، وغير ذلك..
فذكَّرهم بأصلهم الأصيل، الذي يعطي الدليل الصريح والصحيح على عدم وجود تميز بين الناس فالأصل هو آدم، وأصل آدم هو التراب. فإن حصل تميز من أي نوع، فلا بد أن يكون بأمور عارضة اختارها الإنسان وصنعها، وأما القبائل والشعوب، فلم يكن لأحد في صيرورتها كذلك أي اختيار، بل هي فعل إلهي، فما معنى: أن يدَّعي الناس لأنفسهم امتيازات استناداً إلى أمر لم يختاروه، ولا بذلوا أي جهدٍ في سبيل الحصول عليه؟!
ولذلك يلاحظ: أنه بعد أن قال "صلى الله عليه وآله": كلكم لآدم وآدم من تراب ثنَّى بذكر الآية الكريمة، التي تقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}([388]). فقد صرح بأن الإختلاف في الشعوب والقبائل هو من صنع الله تعالى، موضحاً: أنه سبحانه إنما جعل فيهم هذه الخصوصيات من أجل أن يستفيد بعضهم من بعض، ويكتسبوا من هذا التنوع معرفة إلى معارفهم.. ويكون ذلك سبباً في إنشاء العلاقات، وإقرار الروابط المفيدة، والرشيدة.. ولم يجعل ذلك سبباً للتفاخر والتعالي، والإنفصال والتباعد.
ثم بيّن أن التفاضل إنما هو بتقوى الله تبارك وتعالى حين قال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهَ أَتْقَاكُمْ}.
السلاح في مكة في عام الفيل ويوم الفتح:
وقد ورد في كلام رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما يلي: "إن الله تعالى حبس الفيل، وسلط عليهم (أو عليها)، رسوله والمؤمنين.."([389]).
وقد تقدمت في غزوة الحديبية بعض الإشارات إلى بعض ما تضمنته قصة حبس الفيل من دلالات وعبر فراجع ما ذكرناه هناك، حين التعرض لقوله "صلى الله عليه وآله" عن ناقته: "حبسها حابس الفيل".
غير أننا نشير هنا: إلى أن ما ورد في هذه الخطبة، حول نفس هذا الأمر، قد أريد به لفت النظر إلى أمر مهم، وهو:
أن دخوله "صلى الله عليه وآله" مكة بالسلاح، وبدون إحرام، وعلى هيئة القتال، ليس على حد دخول أبرهة الذي جاء للعدوان على بيت الله، وهتك حرمة الحرم، إذ ليس كل دخول لمكة بالسلاح هتك لحرمتها، أو مناف لما يدعوهم الله إليه من تعظيمها، إذ لو كان كذلك لتدخل الله تبارك وتعالى لمنعه "صلى الله عليه وآله" من ذلك، كما تدخل لمنع أبرهة وجيشه منه، حيث حبس الفيل عن مكة، ليكون آية للمعتدين، وعبرة للمعتبرين، فلما اصروا على هتك حرمتها، ولم يعودوا إلى الله، ولم يتوبوا إليه، أرسل عليهم {طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.
وذلك يدل وشواهد كثيرة أخرى على: أن دخول النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين كان دخول تعظيم للحرم ودفاع عن مكة والكعبة. وليس دخول إهانة أو استهانة..
وحمل السلاح إنما هو من أجل رفع الحيف عن مكة وعن البيت، وإبعاد مظاهر الشرك، الذي هو أعظم مظاهر الإهانة، وتطهيرها من الظلم والعدوان، وإخراجها من أيدي العتاة والمستكبرين.
والخلاصة: أن تسليط المسلمين على مكة، إنما هو لإعزازها، وإعزاز الكعبة، ولإحقاق الحق، وإبطال الباطل، واقتلاع الشرك والوثنية، وإعلاء كلمة الله تعالى، ونشر التوحيد، وتوجيه الناس إلى عبادة الله.
أما أهداف أصحاب الفيل، فهي أهداف شريرة وباطلة، وهي إطفاء نور الله، وترسيخ قواعد الباطل والشرك والوثنية.
لا ينفر صيدها!! ولا يختلى شوكها!!:
قال العلامة الأحمدي "رحمه الله تعالى" حول قوله "صلى الله عليه وآله" في خطبته لا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها، ما يلي:
"هذه الجمل بيان لأخفى ما يحرم من مكة وأدنى ما هو حرام، لأنها حرم، فيحرم شوكها ولقطتها، ويحرم نفر الحيوان البري الذي يصاد في غيرها؛ ليعلم من ذلك حرمة الباقي.
فإنه إذا حرم الشوك الذي لا نفع فيه إلا الإحراق حرم ما سواه بالأولوية.
وإذا حرم نفر الحيوان البري يعلم منه حرمة جرحه، وقتله، وأخذه و.. وقتل الإنسان، وإخافته، وإزعاجه.
وإذا حرم لقطتها، حرم أموال الناس بأي نحو أخذت إلا برضا صاحبها، وإذا كانت أموال الناس حراماً في غير هذه البلدة، كانت حرمتها فيها أشد وآكد"([390]). وهذا كلام سديد رحم الله قائله، وحشره مع محمد وآله الطاهرين.
الإعلان الأول: التوحيد:
إن أول إعلان أطلقه "صلى الله عليه وآله" في خطبته الأولى في مكة هو التوحيد، ورفض الشريك لله تبارك وتعالى فقال "صلى الله عليه وآله": "لا إله إلا الله وحده لا شريك له".
والتوحيد هو غاية الغايات، وأساس الكمالات، ومنشأ السعادات، شرط أن يكون حقيقياً، وتاماً، وراسخاً، وشاملاً لكل مناحي الحياة، في الفكر، وفي القول، وفي العمل، فلا يوحد الله بالقول، ثم تكون شهوته ونفسه، أو ولده، أو زوجته، أو زعيمه، أو أي شيء آخر هو الذي يتحكم بقراراته، ويهيمن على مواقفه، وعلى حركته في الحياة..
ولا يكون ممن وصفهم الله تعالى بقوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ}([391]).
لك بها دار في الجنة:
ويقولون: إنه حين فرغ "صلى الله عليه وآله" من خطبته قام أبو أحمد، عبد الله بن جحش على جمل له على باب المسجد، وهو يصيح: أنشد بالله يا بني عبد مناف حلفي، وأنشد بالله يا بني عبد مناف داري.
فدعا النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان بن عفان فأسر إليه بشيء، فذهب عثمان إلى أبي أحمد فسارَّه، فنزل أبو أحمد عن بعيره، وجلس مع القوم.
فما يُسمع أبو أحمد ذاكرها حتى لقي الله تعالى.
وكان أبو أحمد قد حالف بني حرب بن أمية. وكان أبو سفيان قد باع دار أبي أحمد بأربع مائة دينار، فثارت ثائرة أبي أحمد، وقال أبياتاً يلوم فيها أبا سفيان.
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": لك بها دار في الجنة([392]).
ونقول:
أولاً: إن عبد الله بن جحش قد استشهد في غزوة أحد([393])، أي قبل فتح مكة بحوالي خمس سنوات.
وأما القول: بأن أبا أحمد هو عبيد الله بن جحش ـ كما ربما يظهر من الكلمات([394]) ـ فلا يصح أيضاً؛ لأن من المجمع عليه: أن عبيد الله بن جحش كان ممن هاجر إلى الحبشة، وتنصر، ومات هناك، وهو زوج أم حبيبة، التي زوجها النجاشي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا نجد خلافاً في ذلك([395]).
والظاهر: أن الصحيح هو: أن اسم أبي أحمد "عبد" بن جحش، بغير إضافة، وقالوا: كان ضريراً، وكانت عنده الفارعة بنت أبي سفيان([396]).
ثانياً: ما أبعد ما بين موقف هذا الرجل، حيث وعده النبي "صلى الله عليه وآله" بدار في الجنة في مقابل داره، فنزل عن بعيره، وجلس مع القوم، فما سمع ذاكرها حتى لقي الله تعالى.. وبين موقف سمرة بن جندب الذي كانت له نخلة في دار شخص آخر، فصار يدخل إليها من دون إذن، ورفض الإنصياع لطلب صاحب الدار بالإستئذان، ورفض طلب النبي "صلى الله عليه وآله" منه أن يستأذن، ثم رفض أن يبيعها لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بعذق في الجنة، فلم يزل يزيده حتى بلغ عشرة أعذاق.
فقال: لا أريد.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إنك رجل مضار، ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن.
ثم أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالنخلة فقلعت، ثم رمى بها إليه، وقال له: اذهب فاغرسها حيث شئت([397]).
صدق وعده، ونصر عبده:
1 ـ وقد بيَّن "صلى الله عليه وآله": أن هذا الفتح العظيم قد كان وعداً من الله، وقد أنجز تبارك وتعالى وعده، وهذا يمثل دلالة أخرى لعبَّاد الأصنام الذين ما زالوا يحاربونه حتى تلك اللحظة، ويجهدون للاحتفاظ بشركهم وبأصنامهم، على أن عليهم أن يتخلوا عن حالة الصلف والعناد، فهم أحقر وأعجز من أن يتمكنوا من تحدي إرادة الله تبارك وتعالى..
وها هم يرون بأم أعينهم كيف أن الله أنجز وعده لنبيه الكريم "صلى الله عليه وآله"، رغم كل ما كادوه به.
2 ـ ثم إنه تعالى لم ينسب النصر إلى نفسه، ولا تبجح ـ والعياذ بالله ـ بتدبيره الذكي، وخطته المحكمة، ولا فاخر بجيشه الكبير، بل نسبه إلى الله دون سواه، بل هو لم يفسح المجال لاحتمال أن يكون لغير الله أدنى تأثير في هذا النصر حين صرح: بأن الله وحده قد هزم الأحزاب المختلفة التي كانت تتألب عليه، وتجمع الجموع من كل قبيلة وحي، ومن مختلف البلاد التي تجد فيها من يعينها، ويشاركها في عدوانها على الحق وأهله..
3 ـ وقد احتفظ "صلى الله عليه وآله" لنفسه بسمة العبودية التي يأنف الناس من إطلاقها على أنفسهم إلا بضروب من التأويلات، وفنون من الإيحاءات، ولو بمثل دعوى التواضع، وهضم النفس.
والحرب مع المشركين هي في واقعها حرب مع حالة الإستكبار عن الإنصياع لهذه الحقيقة، والإباء عن الإعتراف بها. فإنهم لا يريدون أن يكونوا عبيداً لله، بل يريدون أن يكونوا عبيداً لشهواتهم، ولأهوائهم، ولعتاتهم، وساداتهم، وكبرائهم، الذين يتخذونهم أرباباً من دون الله تعالى.
ولكن الرسول العظيم، والنبي الكريم "صلى الله عليه وآله" كان يرى أن أعظم وسام، وأسمى مقام هو وسام ومقام العبودية لله سبحانه، وكلما تحقق الإنسان في هذه العبودية، وأوغل فيها كلما سما في مدارج الكمال، وحصل على مقام القرب والزلفى من الله، ويكون مع الله، ويكون الله تعالى معه، يحب ما يحب، ويكره ما يكره، ويريد ما يريد.. فإن لله عباداً إذا أرادوا أراد([398]).
وفي الحديث القدسي: عبدي أطعني تكن مثلي، تقول للشيء: كن، فيكون([399]).
نعم.. إنه "صلى الله عليه وآله" لم يعط لنفسه ألقاباً، ولا منحها أوصافاً، بل هو لم يشر إليها بأية كلمة تدل على أن لها أي درجة من الإستقلال، والإنفصال، ولو بمقدار كلمة "أنا"، بل حين تحدث عن نفسه قد وصفها بما دل على سلب أية خصوصية من هذا القبيل، ألا وهو وصف العبودية له تعالى..
إلا الإِذْخِر:
وذكروا: أن العباس هو الذي استثنى الإذخر، من بين الأمور التي حرم على الناس العدوان عليها.. قالوا: "فقال العباس، وكان شيخاً مجرباً: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنه لا بد لنا منه، للقين، وظهور البيوت.
فسكت رسول الله "صلى الله عليه وآله" ساعة، ثم قال: إلا الإذخر، فإنه حلال".
ونقول:
إن هذا الموقف يحتاج إلى تبصر وتأمل، ولكننا نكتفي هنا بالإلماح إلى بعض ما يظهر لنا فيه.
فأولاً: هل كان النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، الذي لم يزل يخبر الناس بالمغيبات، لا يعرف أن الإذخر مما يحتاج إليه للقين، ولأسقف البيوت؟! وعرف ذلك العباس دونه؟!
ثانياً: هل عرف ذلك العباس ولم يعرفه سائر شيوخ قريش، وسواها من ساكني مكة، من بني بكر وخزاعة، و.. و..؟!
ثالثاً: هل كان النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" يحلل ويحرم من عند نفسه؟! أم كان يتكلم بوحي من الله تعالى؟!
فإن كان ما يأتي به هو الوحي الإلهي، فما معنى تدخل العباس فيه؟ فهل لم يكن الله ـ والعياذ بالله ـ يعرف قيمة الإذخر، وأهميته لأهل مكة، حتى نطق العباس؟ أم انه كان يعرف ذلك، لكنه كان يريد تصعيب الأمور عمداً على أهل مكة؟! ثم تراجع استجابة لطلب العباس؟!
وإن كان ما يأتي به إنما يأتي به من عند نفسه، فلماذا يقول القرآن عنه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}؟!([400]).
وكيف نستطيع أن نفرق بين ما يكون من عند نفسه، وما يكون من عند ربه، فنتدخل في الأول، ونسكت في الثاني؟!
وإذا كان يتكلم من عند نفسه، فهل هو يخطئ فيه، ويسهو و.. و.. الخ..؟! أم أنه معصوم فيه؟!
فإن كان يخطئ فيه، فلا شيء يدعو إلى الوثوق بما يأتي به. وهل يمكن تجزئة العصمة؟ وإن كان معصوماً فيه، فلماذا يتدخل العباس أو غيره في شأن لا يمكن أن يقع فيه خطأ ولا سهو، ولا تقصير؟!..
رابعاً: لماذا سكت النبي "صلى الله عليه وآله" هذا الوقت الطويل ولم ينطق بالحكم مباشرة ألا يدل سكوته هذا على أنه قد تبرم وتضايق من تدخل العباس في أمر إلهي، ووحي رباني، وحكم شرعي، لا يحق لأحد التدخل فيه؟!
أم أنه سكت ليتأمل في صحة كلام العباس، وخطئه، فلما ظهر له وجه الصواب فيه أقره؟!
ألا يعدّ هذا النوع من الإحتمالات إهانة لمقام النبوة الأقدس، وإساءة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، ما بعدها إساءة؟!
خامساً: هل جاء قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن الإذخر: "فإنه حلال" حكاية لحكم الله الواقعي، أم جاء مجاراةً للعباس، وإرضاءً لخاطره الشريف، وإنفاذاً لأمره، الذي جاء بطريقة تضمنت إساءة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وخروجاً عن حدود الآداب.
سادساً: إذا كان الناس يحتاجون الإذخر، وهو الحشيش الأخضر لظهور البيوت، فإنهم يحتاجون الأشجار لأمور أخرى، مثل صنع الأبواب، وعمل الكراسي، والمناضد، وسائر الحاجات.. فلماذا منع من قطع الشجر أيضاً، مع أن الحاجة إلى قطعه أشد من الحاجة إلى الحشيش الأخضر؟
كما أنهم يحتاجون إلى العظاة ـ هو الشجر الذي له شوك ـ لأجل الوقود وإنضاج الأطعمة، والتدفئة، ونحو ذلك، فلماذا لم يرخص لهم به أيضاً. واقتصرت الرخصة على الإذخر؟!
إن الحقيقة هي: أن هؤلاء الناس يريدون أن يمنحوا العباس شرفاً، فمنحوه ما يوجب نقصاً وتقززاً وقرفاً. وأرادوا أن يَسِموه بسمات الأخيار والأبرار، فوصموه بما يهين ويشين من وصمات الأشقياء والأشرار..
اجتهاد الرسول ':
وقد زعم بعض الناس: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان متعبداً بالاجتهاد فيما لا نص فيه.. وقد استدلوا على ذلك بأدلة واهية.. ومن ذلك في فتح مكة حسبما ذكره الآمدي:
1 ـ روي عنه: أنه "صلى الله عليه وآله" قال في مكة: لا يختلى خلاها، ولا يعضد شجرها.
فقال العباس: إلا الإذخر.
فقال "عليه السلام": إلا الإذخر.
قال: "ومعلوم أن الوحي لم ينزل عليه في تلك الحالة، فكان الإستثناء بالإجتهاد"([401]).
وقال في موضع آخر: "معلوم أن ذلك لم يكن إلا من تلقاء نفسه، لعلمنا: بأن الوحي لم ينزل عليه في تلك الحالة، ولولا أن الحكم مفوض إليه لما ساغ ذلك"([402]).
ولكن الآمدي نفسه قد ذكر: أن بعضهم أجاب عن ذلك بقوله: "إن الإذخر ليس من الخلا، فلا يكون داخلاً فيما حرم. وعلى هذا، فإباحته تكون بناءً على استصحاب الحال. والإستثناء من العباس والنبي "عليه السلام" كان تأكيداً. وبتقدير أن يكون مستثنىً حقيقة مما حرم بطريق التأسيس، لكن من المحتمل أن يكون ذلك بوحي سابق، وهو الأولى، لقوله تعالى في حق رسول الله: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}([403]). أما أن يكون ذلك من تلقاء نفسه من غير دليل فلا"([404]).
ونقول:
ألف: إن من الواضح: أن العباس قد قطع على النبي "صلى الله عليه وآله" كلامه، ولم يمهله ليستثني الإذخر ولا غيره.. ولعل سكوت النبي "صلى الله عليه وآله" لفترة قصيرة في تلك اللحظة كان لإظهار انزعاجه من هذه المداخلة، التي تخرج عن حدود المقبول في التعامل مع الأنبياء، بل ومع غيرهم أيضاً..
ب: على أننا في غنى عن التذكير بأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان واقفاً على ملاكات الأحكام، عارفاً بحدود الحلال والحرام، فلا حاجة إلى الوحي الفعلي والتفصيلي في كل كبيرة وصغيرة، ولذلك فوض الله تعالى إليه حق وضع الأحكام وتشريعها في الوقت الذي تكتمل فيه عناصره..
وقد أوضحنا ذلك في كتابنا: "الولاية التشريعية" فراجع.
2 ـ واستدلوا ـ كما ذكره الآمدي أيضاً ـ بما روي عنه "صلى الله عليه وآله": "أنه أمر منادياً يوم فتح مكة: "أن اقتلوا ابن حبابة، وابن أبي سرح، ولو كانا متعلقين بأستار الكعبة" ثم عفا عن ابن أبي سرح، بشفاعة عثمان. ولو كان قد أمر بقتله بوحي لما خالفه بشفاعة عثمان"([405]).
وأجابوا أيضاً: "يجوز أن يكون قد أبيح القتل، وتركه بالوحي، بدليل ما سبق في الآية"([406]).
أي بدليل أنه "صلى الله عليه وآله" لا يقول ما يقول إلا بوحي، لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
غير أننا بنحو آخر من البيان نقول:
إن الحكم بالقتل كان متعلقاً بهؤلاء الناس، من حيث أن جرمهم يوجب ذلك.. فإذا استجدت أمور، مثل ظهور التعصب القبلي أو حدوث انشقاقات خطيرة توجب فساداً كبيراً، وتضييعاً لحقوق الكثيرين، وصداً عن سبيل الله، بحيث يمنع ذلك من دخول بعض الناس في الإسلام أو نحو ذلك، فإن الحكم بالقتل يرتفع ويحل محله العفو. أي أن الحكم يتبدل بسبب تبدل طرأ على موضوعه.
وهذا نظير ما لو استحق ولدك عقوبة على ذنب ارتكبه، فإذا شفع له إنسان عزيز تحب أن تكرمه وتظهر للناس موقعه ومكانته، فإنك تعفو عنه من أجله، وكذلك الحال فيما إذا شفع فيه إنسان ظالم يخشى من أن يتسبب رد أمره ورود ظلم أو أذى على أناس أبرياء، فإنك تغض النظر عن عقوبة ذلك المذنب، وتظهر أنك قد عفوت عنه رعاية لهذه الخصوصية.
فظهر أن هناك حكمين قد اختلفا بسبب اختلاف موضوعيهما، وقضية ابن سرح من هذا القبيل.
كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر:
وأما ما ورد في الخطبة: من أنه "صلى الله عليه وآله" قال فيها: "..كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر، من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه".
فخبطوهم ساعة، وهي الساعة التي أحلت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم تحل لأحد قبله.
فنقول فيه:
أولاً: إن هذا النص إنما ورد في بعض نصوص الخطبة دون بعض.. وهذا وإن كان لا يدل على عدم صحة هذه الفقرة، ولكنه يفسح المجال للتأمل في صحتها، وإن وجد ما يقتضي ذلك. كما هو الحال في هذا المورد كما سنرى.
ثانياً: إذا كانت بنو بكر قد هاجمت جزاعة وقتلت منها، فإن قريشاً قد شاركت في هذا الأمر، وكانت مع من هاجم، ثم أرسلت أبا سفيان ليخدع المسلمين، ويبطل دم المقتولين المظلومين.. فلماذا لا يشرك قريشاً مع بني بكر في إعطاء خزاعة حق قتلهم؟
ثالثاً: إذا كان ثأر خزاعة عند بني بكر، وقريش بريئة منه، فلماذا اعتبر النبي "صلى الله عليه وآله" ما جرى نقضاً للعهد من قبل قريش بالذات؟! وما المبرر لجمع هذا الجيش العظيم، ومهاجمة مكة، وفتحها؟!
ولماذا نهى خالد بن الوليد عن القتال؟ وأمره أن يكف عن ملاحقة الناس؟!
وكيف سيفهم الناس ذلك كله، خصوصاً أهل مكة الذين استسلموا ولم يسلموا، ولما يدخل الإيمان في قلوبهم؟!
رابعاً: إن وقت صلاة العصر إذا كان يبدأ من حين الإنتهاء من صلاة الظهر إلى حين الغروب، فإن معنى قوله: "من ضحوة نهار الفتح إلى صلاة العصر منه" يصبح غير واضح المعنى. إلا إذا أريد الحديث عن وقت فضيلة العصر..
وعلى كل حال، فقد أشرنا إلى ما هو الحق في وقت صلاة العصر في فصل: المسير إلى حصون قريظة، تحت عنوان: لماذا لم يعنف النبي "صلى الله عليه وآله" تاركي الصلاة؟!
خامساً: لم يذكر لنا التاريخ شيئاً عن قتلى بني بكر على يد خزاعة، ولا قتلى خزاعة على يد المدافعين من بني بكر، فهل يعقل أن تستمر معركة ساعات طوالاً، ولا يسقط فيها عشرات القتلى والجرحى؟!
سادساً: الضحوة: هي ارتفاع النهار، فإذا كانوا قد خبطوهم من ضحوة النهار إلى وقت صلاة العصر، فإن ذلك يكون ساعات لا ساعة واحدة، وكيف إذا كان "يقصرها بيده هكذا"؟!
وأخيراً ما معنى: أن يكرر نفس العبارة في نفس تلك الخطبة، فيذكرها في وسطها، ثم يذكرها في آخرها؟!.
اكتبوا لأبي شاة:
وقوله "صلى الله عليه وآله": اكتبوا لأبي شاة، وعشرات الروايات الأخرى الآمرة بتقييد العلم وبكتابته حجة دامغة على الذين منعوا من كتابة الحديث بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
على أن ما زعموه مبرراً لذلك، وهو: أنهم خافوا من اختلاط الحديث بالقرآن، أو أنه لا كتاب مع كتاب الله، ما هو إلا رد للنص من أجل مآرب خاصة، لا نريد الإفاضة في بيانها. وقد ذكرنا طائفة مما يفيد في هذا البحث في الجزء الأول من هذا الكتاب، فراجع.
التبرك بالرسول ':
عن عبد الله بن عبيدة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد خطبته عدل إلى جانب المسجد، فأتي بدلو من ماء زمزم، فغسل منها وجهه، ما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان، إن كانت قدر ما يحسوها حساها، وإلا مسح جلده.
والمشركون ينظرون، فقالوا: ما رأينا ملكاً قط أعظم من اليوم. ولا قوماً أحمق من القوم([407]).
الفصل التاسع:
مفتاح الكعبة.. والبيعة في مكة
مفتاح الكعبة مع الرسول ':
ثم خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" من البيت والمفتاح في يده، وخالد بن الوليد يذب الناس عن الباب حتى خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وعن برة بنت أبي تجراة، قالت: نظرت رسول الله "صلى الله عليه وآله" وفي يده المفتاح، ثم جعله في كمه([408]).
قال الزهري: إنه بعد أن خطب النبي "صلى الله عليه وآله" خطبته المتقدمة، نزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومعه المفتاح، فتنحى من المسجد، فجلس عند السقاية([409]).
وكان "صلى الله عليه وآله" قد قبض مفتاح السقاية من العباس، ومفتاح البيت من عثمان. فأرجع المفتاح إلى عثمان ودفع السقاية إلى العباس([410]).
مفتاح الكعبة لبني شيبة:
وقالوا: قال عثمان بن طلحة: لقيني رسول الله "صلى الله عليه وآله" بمكة قبل الهجرة، فدعاني إلى الإسلام، فقلت: يا محمد، العجب لك حيث تطمع أن أتبعك، وقد خالفت دين قومك، وجئت بدين محدث.
وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية الإثنين والخميس، فأقبل يوماً يريد أن يدخل الكعبة مع الناس، فأغلظت عليه، ونلت منه.
فحلم عني، ثم قال: "يا عثمان، لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت".
فقلت: لقد هلكت قريش وذلت.
قال: "بل عمرت يومئذ وعزت".
ودخل الكعبة، فوقعت كلمته مني موقعاً، فظننت أن الأمر سيصير كما قال، فأردت الإسلام، فإذا قومي يزبرونني زبراً شديداً.
فلما كان يوم الفتح قال لي: "يا عثمان، ائت بالمفتاح".
فأتيته به. فأخذه مني، ثم دفعه إلي وقال: "خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم، يا عثمان، إن الله استأمنكم على بيته، فكلوا مما وصل إليكم من هذا البيت بالمعروف".
فلما وليت ناداني، فرجعت إليه، فقال: "ألم يكن الذي قلت لك؟
فذكرت قوله لي بمكة قبل الهجرة: "لعلك سترى هذا المفتاح يوماً بيدي أضعه حيث شئت".
فقلت: بلى. أشهد أنك رسول الله.
فقام علي بن أبي طالب، ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية!
(وفي رواية: أن العباس تطاول يومئذٍ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم. أي منهم علي "عليه السلام")([411]).
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أين عثمان بن طلحة؟
فدعي، فقال: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء".
قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله "صلى الله عليه وآله" مضطبع ([412]) بثوبه عليه، وقال: "غيبوه. إن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام"([413]).
وعن ابن جريح: أن علياً "عليه السلام" قال للنبي "صلى الله عليه وآله": اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}([414]).
فدعا عثمان، فقال: "خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة".
وفي لفظ: "تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم"([415]).
وعن جابر ومجاهد: أنه "صلى الله عليه وآله" دخل في الكعبة يوم الفتح، فخرج "صلى الله عليه وآله" وهو يتلو هذه الآية، فدعا عثمان بن طلحة، فدفع إليه المفتاح، وقال "صلى الله عليه وآله": "خذوها يا بني أبي طلحة بأمانة الله سبحانه وتعالى لا ينزعها منكم إلا ظالم"([416]).
وعن سعيد بن المسيب: "لا يظلمكموها إلا كافر"([417]).
وفي لفظ ابن سابط: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعثمان بن طلحة: "إني لم أدفعها إليكم، ولكن الله تعالى دفعها إليكم"([418]).
وعن الزهري: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما خرج من البيت قال علي "عليه السلام": "إنا أُعطينا النبوة والسقاية والحجابة، ما قوم بأعظم نصيباً منَّا".
فكره رسول الله "صلى الله عليه وآله" مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة، فدفع المفتاح إليه وقال: "غيبوه"([419]). فلذلك يغيب المفتاح([420]).
وعند الحلبي: أن علياً "عليه السلام" أخذ المفتاح وقال: يا رسول الله، إجمع لنا الحجابة مع السقاية.
فقال "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": أكرهت وآذيت، وأمره "صلى الله عليه وآله" أن يرد المفتاح على عثمان ويعتذر إليه، فقد أنزل الله في شأنك. أي أنزل الله عليه ذلك وهو في جوف الكعبة. وقرأ عليه الآية، ففعل ذلك علي"([421]).
وسياق هذه الرواية يدل: على أن علياً كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان، فلما نزلت الآية أمره "صلى الله عليه وآله" أن يرد المفتاح لعثمان..([422]).
وعن ابن جريح عن ابن مليكة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح: "إنما أعطيتكم ما تُرزؤون، ولم أعطكم ما تَرزؤون".
يقول: "أعطيتكم السقاية لأنكم تغرمون فيها، ولم أعطكم البيت".
قال عبد الرزاق: أي أنهم يأخذون من هديته([423]).
وعند الحلبي: إنما أعطيتكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس، أي وهو السقاية، لا ما تأخذون منه من الناس أموالهم، وهي الحجابة، لشرفكم، وعلو مقامكم([424]).
واللافت هنا: أن الواقدي يذكر نفس هذه القضية، بعين ألفاظها، وينسبها إلى العباس لا إلى علي "عليه السلام"([425]).
عن ابن أبي مليكة: أن العباس ـ رضي الله عنه ـ قال للنبي "صلى الله عليه وآله": يا نبي الله!! اجمع لنا الحجابة مع السقاية.
ونزل الوحي على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "ادعوا لي عثمان بن طلحة"، فدعي له، فدفع له النبي "صلى الله عليه وآله" المفتاح، وستر عليه.
قال: فرسول الله "صلى الله عليه وآله" أول من ستر عليه، ثم قال: "خذوها يا بني طلحة، لا ينتزعها منكم إلا ظالم"([426]).
وفي رواية: "أنه لما دعا عثمان بن طلحة، وقال له: أرني المفتاح، فأتاه به، فلما بسط يده إليه قام العباس، فقال: يا رسول الله، اجعله لي مع السقاية، فكف عثمان يده.
فقال "صلى الله عليه وآله": أرني المفتاح، فبسط يده يعطيه.
فقال العباس مثل كلمته الأولى، فكف عثمان يده.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا عثمان، إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح.
فقال: هاك بأمانة الله".
(فأعطاه إياه، ونزلت الآية. قال ابن ظفر في الينبوع: وهذا أولى)([427]).
ولعل هذا كان قبل دخوله "صلى الله عليه وآله" الكعبة، فيكون طلب العباس رضي الله عنه أن يكون المفتاح له تكرر قبل دخوله الكعبة وبعده([428]).
وبعد أن ذكر الحلبي: أن علياً "عليه السلام" دفع المفتاح إلى عثمان.. ثم ذكر أن النبي "صلى الله عليه وآله" طلب من عثمان أن يأتي به، قال عثمان: فأتيته به، فأخذه ثم دفعه إليّ وقال: خذوها خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم الخ..
قال الحلبي: "ولا مانع أن يكون ذلك بعد أن دفعه علي كرم الله وجهه له بأمره "صلى الله عليه وآله"، وكأنه "صلى الله عليه وآله" أحب أن يؤدي الأمانة بيده الشريفة من غير واسطة.."([429]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم عدة وقفات، نجملها على النحو التالي:
السقاية:
ذكرت الرواية المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قبض مفتاح السقاية من العباس.
والسؤال هو: هل كان للسقاية من زمزم مفتاح أيضاً؟! أم المقصود هو جعل السقاية في عداد الحجابة؟!
والذي نعرفه هو: أن السقاية كانت أحواضاً من أدم، يوضع فيها الماء العذب من زمزم لسقاية الحاج، وقد يطرح فيها التمر، لتزيد عذوبة الماء، ويلذ طعمه لشاربه.
فلعلهم كانوا قد وضعوا موانع تمنع الناس من الوصول إلى تلك الأحواض، وجعلوا لها أقفالاً ومفاتيح.
توضيح أكرهت وآذيت:
ذكرت بعض الروايات المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام" حين طلب منه أن يجمع لهم الحجابة إلى السقاية: أكرهت وآذيت. وأمره أن يرد المفتاح إلى عثمان، ويعتذر إليه.
ونقول:
المقصود: أن علياً "عليه السلام" أكره وآذى عثمان بن طلحة حين امتنع عن دفع المفتاح، حيث لحقه إلى سطح الكعبة، ولوى يده، وأخذ المفتاح منه، وهو إكراه وأذى يحبه الله سبحانه، وفي سياق امتثال أوامره تعالى، فإن امتناع عثمان عن إعطاء المفتاح يفرض إكراهه على ذلك، لأن امتناعه يمثل تمرداً على رسول الله "صلى الله عليه وآله" الذي لا ينطق عن الهوى.. فإذا لجّ في ذلك، فلا بد من إيذائه لدفع أذاه، ورد كيده..
فكأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريد تطييب خاطر عثمان وبني شيبة، ورد المفتاح إليهم تألفاً على الإسلام، كما كان يتألف أبا سفيان، وغيره من رؤوس الكفر والشرك.
أعطيتكم ما تُرزؤون:
وقول رسول الله "صلى الله عليه وآله" للعباس: أعطيتكم ما ترزؤون. أي ما تبذلون فيه اموالكم للناس، لا ما تأخذون فيه من الناس أموالاً يوضح: أن إعطاء الحجابة لبني شيبة يراد منه إفساح المجال لهم لأخذ ما يقدمه الناس لهم، وهذا يؤيد ما ذكرناه آنفاً من أن المقصود من بذل تلك المنافع لهم هو: تألفهم على الإسلام، وسل سخيمتهم عليه، ليعيشوا في أجوائه بسكينة ورضاً.
ولو أن بني هاشم أخذوا الحجابة منهم، لوجد المنافقون والحاسدون والطامعون مجالاً خصباً لاتهام النبي "صلى الله عليه وآله" بمحاباة أهل قرابته، وابتغاء المنافع لهم، وتخصيصهم بالمغانم، والأموال، والمناصب، الأمر الذي قد يؤثر على ضعفاء العقول، ومن هو رقيق الدين، حديث الإيمان والإسلام.
ولا نشك في أن علياً "عليه السلام" كان يدرك هذه الحقيقة، فلم يكن ليفكر بطلب الحجابة لنفسه، ولا لبني هاشم أصلاً كما سنرى.. ولكن الأمر بالنسبة للعباس ليس كذلك، فقد دلتنا بعض النصوص على أنه كان يسعى للحصول على بعض المنافع.
وقد أشرنا إلى شيء من ذلك فيما سبق، ولسنا بصدد تحقيق هذا الأمر.
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات:
وحول نزول آية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}([430]) نقول:
إن هذه الآية قد وردت في سورة النساء التي انتهى نزولها قبل فتح مكة بعدة سنوات، ولو قبلنا جدلاً بأن هذه الآية قد أُلحقت بموضعها من السورة بعد سنوات من تمامية نزولها، وهو أمر لا شاهد له سوى الإدعاء والتحكم، فإننا نقول:
قد روي في شأن نزول هذه الآية ما يدل على أنها لم تنزل في شأن عثمان بن طلحة في فتح مكة فلاحظ ما يلي:
1 ـ عن زيد بن أسلم: أُنزلت هذه الآية في ولاة الأمر، وفيمن ولي من أمور الناس شيئاً([431]).
2 ـ عن شهر بن حوشب قال: نزلت في الأمراء خاصة، {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..}([432]).
3 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..} قال: يعني السلطان، يعطون الناس([433]).
علي × لا يطلب الحجابة:
وقد ذكرت الروايات: أن علياً "عليه السلام" طلب الحجابة لنفسه أو لبني هاشم، وقد تضمنت تلك الروايات نفسها أموراً تدل على أنها مفتراة، ونحن نجمل ملاحظاتنا عليها على النحو التالي:
1 ـ إن ثمة تناقضاً ظاهراً بين الروايات، بل قد تجد التناقض في الرواية الواحدة ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
ألف: أن الرواية تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" أخذ المفتاح من عثمان، ثم دفعه إليه، وقال: خذوها خالدة تالدة الخ..
ثم إن الرواية نفسها تتبع ذلك بالقول: فقام علي بن أبي طالب "عليه السلام" ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أين عثمان بن طلحة؟
فدعي، فقال "صلى الله عليه وآله": هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء.
قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله "صلى الله عليه وآله" مضطبع بثوبه عليه..
فهل أعطى النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان المفتاح قبل طلب علي "عليه السلام"؟! أم بعده؟!
وهل كان المفتاح مع علي "عليه السلام"؟! أم مع النبي "صلى الله عليه وآله"؟!
وهل استعاد النبي "صلى الله عليه وآله" المفتاح من عثمان، وصار معه، واضطبع عليه بثوبه؟ أم استعاده من علي "عليه السلام"، كما هو صريح بعض الروايات المتقدمة؟!
ب: هل قال النبي "صلى الله عليه وآله": ادعوا لي عثمان، فدعوه، فأعطاه المفتاح حين كلمه علي "عليه السلام" في أمر الحجابة؟! أم حين كلمه العباس؟!
ج: هل نزلت آية: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا..} لحظة استلام النبي "صلى الله عليه وآله" المفتاح قبل دخول الكعبة؟! أم نزلت حين كان النبي "صلى الله عليه وآله" داخل الكعبة؟!
د: هل إن طلب العباس من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يجعل الحجابة له كان قبل دخول النبي "صلى الله عليه وآله" للكعبة؟! أم كان بعد خروجه منها؟!
طريقة جمع فاشلة:
وقد احتمل الحلبي الشافعي: أن يكون طلب العباس للحجابة قد تكرر، فكان مرة قبل دخول النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الكعبة، ومرة بعد خروجه منها([434]).
وهو كلام غير مقبول.. فإن هذا الطلب قد جوبه بالرفض، وجعل الحجابة لبني شيبة، ونزول آية أداء الأمانة إلى أهلها.. فبعد هذا وذاك لا يبقى مجال لتكرار الطلب من العباس، فإنه سيكون أمراً منافياً للتسليم لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومخالفاً للأدب معه، فلا يقدم عليه العباس، ولا غيره، فإن الكل يعلم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يخالف ما يأمره الله تبارك وتعالى به.
أو فقل: إن الآية قد نزلت لتحسم أمر المفتاح، فمعنى معاودة الطلب هو رفض القرار الإلهي أو الاعتراض عليه، وهذا مما لا يمكن أن يقدم عليه مثل العباس.
السدانة والسقاية مردودتان إلى أهليهما:
وقد صرحت الخطبة المتقدمة: بأن الحجابة (السدانة) والسقاية مردودتان إلى أهليهما..
وتقدم أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" بعد أن طمس الصور التي كانت في داخل الكعبة، أخذ بعضادتي الباب، فخطب خطبته الآنفة الذكر.. وقد ورد في خطبته تلك قوله: "إلا سدانة البيت، وسقاية الحج، فإنهما مردودتان إلى أهليهما".
فرد السقاية والسدانة إلى أهليهما قد حصل قبل أن يغادر النبي "صلى الله عليه وآله" باب الكعبة..
ولكن الروايات المتقدمة تدَّعي: أنه "صلى الله عليه وآله" قد وضع المفتاح في كمه، وتنحى ناحية المسجد، فجلس عند السقاية، ثم رد الحجابة والسقاية على أهليهما.
وهناك طلب العباس، أو علي "عليه السلام"، أو كلاهما ـ حسب زعمهم ـ الحجابة لنفسه، أو لعشيرته..
فكيف يطلبانها بعد أن صرح "صلى الله عليه وآله" بردها إلى أهلها قبل أن يغادر باب الكعبة؟!
أعطينا النبوة والسقاية والحجابة:
وأما ما نسب إلى علي "عليه السلام" من أنه قال: أعطينا النبوة، والسقاية، والحجابة. ما قوم بأعظم نصيباً منا، فهو:
إما لم يحصل إن كان يقصد به إعطاء المفتاح لهم، وإيكال أمر الحجابة إليهم. لأن ما حصل هو مجرد أخذ النبي "صلى الله عليه وآله" المفتاح لفتح باب الكعبة، لإزالة ما في داخلها مما يسيء إليها، ولم يعط النبي "صلى الله عليه وآله" الحجابة لأحد. لا لبني هاشم ولا لغيرهم، ولا تعرض لهذا الأمر بعد، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ولم تظهر منه أية إشارة إلى الجهة التي سوف يوكل إليها أمر الحجابة..
وإما أنه قد حصل، ولكن قد قصد به معنى آخر، وهو: أن أمر الحجابة والسقاية قد أصبح لرسول الله يضعه حيث يشاء.
فرسول الله "صلى الله عليه وآله" من بني هاشم، وله النبوة، وله أمر السقاية والحجابة، فيصح للهاشمي أن يقول: "أعطينا النبوة، والسقاية، والحجابة، ما قوم بأعظم نصيباً منا". ولا يخفى أنه بهذا المعنى تكون كل الأمور بيد النبي "صلى الله عليه وآله"، فلا خصوصية للسقاية والحجابة.
إلا أن يدّعى: أن الخصوصية كون المقام مقام جعل هذين الأمرين ـ السقاية والحجابة ـ في أهليهما دون غيرهما من الأمور!!
والحاصل: أن المقصود إن كان هذا المعنى، فلا معنى لما تذكره الرواية من أن النبي "صلى الله عليه وآله" كره مقالته.. بل المتوقع منه هو أن يؤيدها، ويصدقها.
وإن كان المقصود: هو المعنى الأول، فذلك لا يقصده علي "عليه السلام"، لأنه أمر لا واقع له.
البيعة في فتح مكة:
عن الأسود بن خلف: أنه رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يبايع الناس يوم الفتح. قال: جلس عند قرن مَسْفَلَة، فبايع الناس على الإسلام، فجاءه الكبار والصغار، والرجال والنساء، فبايعهم على الإيمان بالله تعالى، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله([435]).
وقال ابن جرير: اجتمع الناس بمكة لبيعة رسول الله "صلى الله عليه وآله" على الإسلام، فجلس لهم ـ فيما بلغني ـ على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل من مجلس رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخذ على الناس السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا([436]).
فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء، وفيهن هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان متنقبة متنكرة خوفاً من رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يخبرها بما كان من صنيعها بحمزة، فهي تخاف أن يأخذ بحدثها ذلك.
فلما دنين من رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "بايعنني على ألا تشركن بالله شيئاً".
فرفعت هند رأسها وقالت: والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال.
فقال: "ولا تسرقن".
فقالت: والله إني كنت أصبت من مال أبي سفيان الهنة، وما كنت أدري أكان ذلك حلالاً أم لا؟
فقال أبو سفيان ـ وكان شاهداً لما تقول ـ: أما ما أصبت فيما مضى فأنت منه في حل، عفا الله عنك.
ثم قال: "ولا تزنين".
فقالت: يا رسول الله، أوتزني الحرة؟!
ثم قال: "ولا تقتلن أولادكن".
قالت: قد ربيناهم صغاراً، وقتلتَهم كباراً، فأنت وهم أعلم.
فضحك رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعمر، ثم قال: "ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن".
فقالت: والله، إن إتيان البهتان لقبيح، ولبعض التجاوز أمثل.
ثم قال: "ولا تعصين".
فقالت: في معروف.
وفي الحلبية: لما قال "صلى الله عليه وآله": ولا تعصين في معروف.
قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك([437]).
وفيها أيضاً: أن هنداً قالت: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟
قال: لا تصحن (أو لا تنحن)، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنشرن شعراً، ولا تحلقن قرناً، ولا تشققن جيباً، ولا تدعين بالويل([438]).
ثم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعمر: "بايعهن، واستغفر لهن الله، إن الله غفور رحيم".
فبايعهن عمر، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يصافح النساء، ولا يمس جلدة امرأة لم يحلها الله تعالى له، أو ذات محرم.
وروى الشيخان، عن عائشة قالت: لا والله ما مست يد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يد امرأة قط.
وفي رواية: ما كان يبايعهن إلا كلاماً، ويقول: إنما قولي لامرأة واحدة كقولي لمائة امرأة([439]).
زاد في نص آخر قوله: ولا تلحقن بأزواجكن غير أولادهم([440]).
وجاءه "صلى الله عليه وآله" رجل، فأخذته الرعدة، فقال له "صلى الله عليه وآله": هون عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد([441]).
وروى علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي)، عن أبان، عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة بايع الرجال. ثم جاء النساء يبايعنه، فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللهِِ شَيْئاً وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَهَ إِنَّ اللَهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([442]).
فقالت هند: أما الولد فقد ربيناهم صغاراً، وقتلتهم كباراً.
وقالت أم حكيم بنت الحارث بن هشام، و كانت عند عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله، ما ذلك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟
قال: لا تلطمن خداً، ولا تخمشن وجهاً، ولا تنتفن شعراً، ولا تشققن جيباً، ولا تسودن ثوباً، ولا تدعين بويل.
فبايعهن رسول الله "صلى الله عليه وآله" على هذا.
فقالت: يا رسول الله، كيف نبايعك؟
قال: إنني لا أصافح النساء.
فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها، فقال: أدخلن أيديكن في هذا الماء، فهي البيعة.
وفي الكافي: رواه عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله "عليه السلام" مثله([443]).
وفي مدارك التنزيل: أنه "صلى الله عليه وآله" لما فرغ من بيعة الرجال أخذ في بيعة النساء وهو على الصفا، وعمر جالس أسفل منه يبايعهن بأمره، ويبلغهن عنه.
فقال "صلى الله عليه وآله": أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً.
فبايع عمر النساء على أن لا يشركن بالله شيئاً الخ.. ([444]).
ما الذي أضحك عمر بن الخطاب؟!:
وذكروا: أن هنداً لما قالت: قد ربيناهم صغاراً، وقتلتهم كباراً، فأنت وهم أعلم. ضحك عمر حتى استلقى، وتبسم رسول الله "صلى الله عليه وآله"([445])، ولم يذكروا عن سبب ضحك أو تبسم عمر شيئاً.
والظاهر هو: أن ثمة تصرفاً وحذفاً متعمداً، ويدل عليه ما رواه الطبرسي وغيره، قال:
"فقال: ولا تزنين.
فقالت هند: أوتزني الحرة؟
فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينها وبينه في الجاهلية.
فقال "صلى الله عليه وآله": ولا تقتلن أولادكن.
فقالت هند: ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم كباراً، فأنتم وهم أعلم.
وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتله علي بن أبي طالب "عليه السلام" يوم بدر.
فضحك عمر حتى استلقى، وتبسم النبي "صلى الله عليه وآله".."([446]).
ولكن النص الذي أورده الدياربكري قد حرَّف الحقيقة، وأصبح بحيث يوحي: بأن ضحك النبي "صلى الله عليه وآله" إنما كان لأجل أنه عرفها وهي متنقبة ومتنكرة، فقد قال: "فقالت هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، فإن أصبت من ماله هناةً؟
فقال أبو سفيان: ما أصبت فهو لك حلال.
فضحك النبي "صلى الله عليه وآله" وعرفها، وقال لها: وإنك لهند؟!
فقالت: نعم، فاعف عما سلف يا نبي الله، عفا الله عنك"([447]).
إلا أن يقال: إنه "صلى الله عليه وآله" قد ضحك لما عرفها، فلا مانع من أن يضحك مرة أخرى حين قالت ما قالت من أجل ما يعرفه عنها.
مع تذكيرنا القارئ الكريم بأننا لا نوافق على زعمهم: من أنه "صلى الله عليه وآله" لم يعرفها في بادئ الأمر.
بل نقول:
إنه قد ضحك منها، لظنها أنه لم يكن قد عرفها.
أوتزني الحرة؟!:
إننا لا نحب أن نذكر بعض الأمور التي قد يسعى البعض لتصنيفها في عداد الأمور الشخصية، التي يحسن التستر عليها ما دام أنها لا فائدة من إثارة الحديث حولها، لا من الناحية التربوية والسلوكية، ولا من الناحية الإيمانية والإعتقادية، كما لا أثر لها في استفادة المعنى والمفهوم الذي يفيد في تحديد النهج، أو يؤثر على المسار السياسي، أو ما إلى ذلك.
غير أننا نقول:
إن هناك ميزات أو حالات شخصية لبعض الأفراد يفيد التعرف عليها في وضوح المفهوم العقائدي أحياناً، وربما يؤثر على المسار والسلوك حتى في النواحي السياسية لأمة بأسرها. من حيث إنه يطبعه في إطار تلك الخصوصية بطابع الشرع والتدين والإعتقاد، والممارسة السياسية وغيرها..
ويأتي موضوع هند بنت عتبة في هذا السياق.. لأن هنداً هي أم معاوية مؤسس الدولة الأموية، التي حكمت الأمة عشرات السنين باسم خلافة النبوة، وباسم الدين والشرع.
فإذا أثبتت الأحداث والنصوص: أن معاوية كان من الطلقاء..
وأثبتت وجود شكوك وشبهات في طهارة مولده، من خلال ما ينسب لأمه، فإن تصديه لأمر الخلافة، بل لأي مقام هو أقل من ذلك بمراتب، يصبح بلا مبرر حتى بنظر من لا يرون أن الإمامة إنما تجب بالنص والتعيين من الله ورسوله..
بالإضافة إلى آثار أخرى تترتب على ظهور هذه الشكوك..
من أجل ذلك نقول:
إن النصوص حول هذا الموضوع كثيرة نختار منها ما يلي:
قالوا:
1 ـ كانت هند تُذكر في مكة بفجور وعهر([448]).
2 ـ كانت كما يقول الكلبي: مغيلمة (أي تغلبها شهوتها)، وكانت تميل إلى السودان من الرجال([449]).
3 ـ قد اعترف معاوية نفسه: بأن بعض قريش في الجاهلية يزعمون: أن معاوية للعباس بن المطلب.. وقد عرَّض إسحاق بن طلحة بذلك ليزيد بن معاوية([450]).
4 ـ وقد كتب زياد بن أبيه لمعاوية: "وأما تعييرك لي بسمية، فإن كنت ابن سمية، فأنت ابن جماعة"([451]).
5 ـ وقال الإمام الحسن "عليه السلام" لمعاوية: "وقد علمت الفراش الذي ولدت عليه"([452]).
6ـ وتقدم: أن عمر تبسم حين قالت: أوتزني الحرة، لما جرى بينه وبينها في الجاهلية([453]).
إسلام هند بعد أبي سفيان بليلة:
قالوا: "وفي إسلام أبي سفيان قبل هند، وإسلامها قبل انقضاء عدتها، أي لأنها أسلمت بعده بليلة واحدة، وإقرارها على نكاحهما حجة لشافعي.."([454]).
ونقول:
قد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أرجع زينب على أبي العاص حين أسلم قبل انقضاء عدتها.
كما أن من الواضح: أن مئات من الناس قبل إسلام هند وأبي سفيان قد أسلموا قبل إسلام نسائهم، ولم يفرق النبي "صلى الله عليه وآله" بينهم لأنهن أسلمن قبل انقضاء عدتهن، فلا حاجة للاستدلال بهند وزوجها.
إني لا أصافح النساء:
وجاء: أن بعض النساء ـ وصرح الواقدي بأنها هند ـ قالت: يا رسول الله، نماسحك، أو قالت: هلم نبايعك يا رسول الله.
فقال "صلى الله عليه وآله": لا أصافح النساء. وإنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة.
وفي نص آخر: لألف امرأة([455]).
ونقول:
لعل طلب النساء منه "صلى الله عليه وآله" أن يبايعنه بطريقة المصافحة قد تكرر من قبل عدة نساء، فتكررت الإجابة، فعبر تارة بمائة امرأة، وأخرى بألف..
وعن عائشة: لم يصافح رسول الله "صلى الله عليه وآله" امرأة قط، وإنما كان يبايعهن بالكلام([456]).
وعن الشعبي: بايع رسول الله "صلى الله عليه وآله" النساء وعلى يده ثوب.
وقيل: إنه غمس يده في إناء، وأمرهن فغمسن أيديهن فيه. فكانت هذه البيعة.
قال ابن الجوزي: والقول الأول أثبت([457]).
ونقول:
لقد كانت هناك عدة بيعات للنساء مع رسول الله "صلى الله عليه وآله".
إحداها: يوم الفتح.
وبيعة أخرى: حين قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، فقد روت أم عطية: أنه "صلى الله عليه وآله" جمع نساء الأنصار في بيت، ثم أرسل إليهن عمر بن الخطاب، فقام على الباب، فسلم، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليكن، يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً.. وقرأ إلى قوله تعالى: {..فِي مَعْرُوفٍ..}([458]).
فقلن: نعم.
فمد يده من خارج، ومددن أيديهن من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد.
قال الحلبي: ولعل ذلك كان بحائل، والفتنة مأمونة([459]).
والخلاصة: أن البيعة قد تكررت قبل الهجرة وبعدها، وفي يوم الفتح، وفي غيره، فلعله "صلى الله عليه وآله" بايعهن مرة بواسطة غمس اليد في الإناء، وأخرى بالكلام..
وأما البيعة بالمصافحة من وراء الثوب، فنحن لا نستطيع أن ننسبها إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد تقدم التصريح بأنه لا يصافح النساء، ولعل عمر هو الذي فعل ذلك، فنسب ذلك إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، لأنه زعم لهن أنه مرسل من قبله "صلى الله عليه وآله".
ودعوى ذلك من قبل الشعبي، الذي قد يتهم: بأنه يريد تبرير فعل بعض من كان يسعى لتأييد سلطانهم، وإحكام بنيانهم، تبقى غير قابلة للإعتماد، فإن الشعبي لم يكن في زمان النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا ندري عمن نقل هذه الكذبة الظاهرة.
جرأة هند:
أما ما أظهرته هند من جرأة في محضر رسول الله "صلى الله عليه وآله".. حتى إنها كانت تعقب على كل كلمة قالها، وكل شرط أخذه "صلى الله عليه وآله" على النساء، فقد يحسب البعض أنه أمر تستحق المدح والثناء عليه، كما أنه يشير إلى أنها تعيش معنى الحرية بمفهومها الأوسع..
ويؤيد ذلك: أننا لم نجد من النبي "صلى الله عليه وآله" ما يشير إلى أي تبرم، أو تضايق، أو اعتراض على أقوالها ومداخلاتها..
غير أننا نقول:
إن هذا الذي فعلته هند إن دل على شيء، فإنما يدل على أنها لا توقر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا تلتزم بحدود الآداب معه، بل في كلماتها ما يدل على حقدها الدفين، وبغضها الراسخ لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إنها تقول: "والله إنك لتأخذ علينا ما لا تأخذه على الرجال" وهذا يمثل محاولة منها للتشكيك بإنصاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعدله.. بل هي تريد الإيحاء بأنه "صلى الله عليه وآله" قاسٍ وظالم، ولا ينطلق في ممارساته من موازين العدل، ولا مما تقضي به الفطرة، ويحكم به العقل، لأنه يأخذ على النساء ما لا يأخذه على الرجال.. مع أن الرجال أقوى من النساء.
2 ـ ثم إنه لما قال "صلى الله عليه وآله": "ولا تقتلن أولادكن". قالت: "ربيناهم صغاراً، وقتلتهم كباراً، فأنت وهم أعلم".
فقد تضمن كلامها هذا: التلويح بثاراتها عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والتصريح بأن النبي قاتل الأبناء والأحبة، حين كبروا.
والتشكيك في أن يكون محقاً في قتله إياهم، حيث قالت: فأنت وهم أعلم.
وهل نسيت هند: أنها وزوجها، وأهلها، وعشيرتها كانوا باستمرار هم الذين يهاجمون رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويسعون في محو ذكره، وإبطال أمره، واستئصال شأفته؟!
وهل نسيت هند: كبد الحمزة حين حاولت أن تأكلها، فلاكتها ولم تستطع أن تسيغها، فلفظتها، حتى سميت بآكلة الأكباد؟!
وأخيراً، فإننا نلاحظ: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد تجاهل هذه المرأة تجاهلاً تاماً، ولم يعلق على كلماتها بشيء، رغم أنها كانت جارحة له، حسبما أوضحناه.
وذلك هو الخلق النبيل، وتلك هي سعة الصدر، والسماحة، والصفح، والعفو عند المقدرة. ومن أولى من رسول الله"صلى الله عليه وآله" بذلك كله؟
عمر في بيعة النساء:
وزعموا: أن عمر بن الخطاب كان يبايع النساء بأمره "صلى الله عليه وآله"، ويبلغهن عنه..
ولا نجد حاجة لأمر كهذا، ولو احتاج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى من يعينه في بيعة النساء، فلماذا لا يحتاج إلى مثل هذا المعين في بيعة الرجال؟ فإنه لا فرق بين الجنسين من حيث كثرة العدد، ولا في أي شيء يوجب المعونة هنا، والإستغناء عنها هناك.
فلعل عمر قد حشر نفسه في هذا الأمر، وحاول أن يعيد كلمات النبي "صلى الله عليه وآله" على مسامعهن، ليظهر لهن أن له موقعاً، أو يوهم الناس أنه يقوم بعملٍ ما في هذا الفتح العظيم، الذي لم نجد له فيه مكاناً، ولا سمعنا له فيه صوتاً، لا في تحطيم الأصنام، ولا في ملاحقة المطلوبين للعدالة، الذين أهدر رسول الله "صلى الله عليه وآله" دمهم.. بل وجدناه فقط مع النساء كما يقولون.
وعمر رجل مغرم بالنساء بصورة غير عادية، وقد ذكرنا في موضع سابق من هذا الكتاب: أنه كان إذا أراد الحاجة تقول له زوجته: تذهب إلى بنات فلان تنظر إليهن([460]).
وهو الذي يقول: إنه لم يبق فيه شيء من أمر الجاهلية، إلا أنه لا يبالي أي الناس نكح، وأيهم أنكح([461]).
وقصته مع عاتكة بنت زيد، التي كانت جميلة، ومات زوجها فخطبها عمر، فرفضته، فعقد لنفسه ـ بزعمه ـ ثم ذهب إليها فعاركها حتى وطأها أشهر من أن تذكر([462]).
بيعة معاوية.. وإسلامه!!:
وكان من جملة من بايع النبي "صلى الله عليه وآله" معاوية.
فقد روي عنه قوله: لما كان عام الحديبية وقع الإسلام في قلبي، فذكرت ذلك لأمي.
فقالت: إياك أن تخالف أباك، فيقطع عنك القوت.
فأسلمت، وأخفيت إسلامي.
فقال لي يوماً أبو سفيان، وكأنه شعر بإسلامي: أخوك خير منك، وهو على ديني.
فلما كان عام الفتح أظهرت إسلامي، ولقيته "صلى الله عليه وآله"، فرحب بي الخ..([463]). ثم يستمر الحلبي في ذكر فضائل معاوية ومآثره..
ونقول:
أولاً: إن هذا الحديث مروي عن معاوية نفسه، وهو غير مأمون على الرواية مطلقاً، فكيف إذا كان يحدث عن نفسه، ويريد أن يثبت لها فضيلة، أو يدفع عنها رذيلة؟
ثانياً: إن هذا الكلام غير صحيح، إذ إن معاوية لو كان قد أسلم قبل ذلك لم يصح أن يعتبره المسلمون من الطلقاء. وقد تقدمت طائفة من النصوص التي تصرح بذلك، وهي مروية عن: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب "عليه السلام"، وابن عباس، والمسور بن مخرمة، وسعنة بن عريض، وصعصعة بن صوحان، وعبد الرحمن بن غنم.. فراجع ما قدمناه في فصل سابق، في فقرة بعنوان: "الطلقاء.. والخلافة".
والذي يبدو لنا: أن معاوية قد أراد أن يتخلص من وصمة العار هذه، فاخترع لنفسه هذا الحديث..
الفصل العاشر:
أحداث.. ومتابعات
لا هجرة بعد الفتح:
قالوا: إن مكة شرفها الله تعالى كانت قبل الفتح دار حرب، وكانت الهجرة منها واجبة إلى المدينة، فلما فتحت مكة صارت دار إسلام، فانقطعت الهجرة منها.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا"([464]).
وعن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي، وهي مجاورة بثبير، فسألها عن الهجرة، فقالت: "لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله ورسوله، مخافة أن يفتن عنه.
فأما اليوم فقد أظهر الله تعالى الإسلام، فالمؤمن يعبد ربه حيث كان، ولكن جهاد ونية"([465]).
البيعة على الجهاد:
وعن يعلى بن صفوان بن أمية قال: جئت بأبي يوم الفتح، فقلت: يا رسول الله بايع أبي على الهجرة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بل أبايعه على الجهاد فقد انقضت الهجرة"([466]).
عن مجاهد مرسلاً، قال: جاء يعلى بن صفوان بن أمية بعد الفتح، فقال: يا رسول الله، اجعل لأبي نصيباً في الهجرة.
فقال: "لا هجرة بعد اليوم".
فأتى العباس، فقال: يا أبا الفضل، ألست قد عرفت بلائي؟
قال: بلى ، وماذا؟
قال: أتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأبي ليبايعه على الهجرة فأبى، فقام العباس معه في قيظ ما عليه رداء، فقال لرسول الله "صلى الله عليه وآله": أتاك يعلى بأبيه لتبايعه على الهجرة فلم تفعل.
فقال: "إنه لا هجرة اليوم".
قال: أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعه.
فمد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يده فبايعه، فقال: "قد أبررت عمي ولا هجرة"([467]).
ونقول:
إن لنا ههنا وقفات للتوضيح والبيان وهي التالية:
1 ـ قد ذكرنا حين الكلام حول هجرة العباس وإسلامه:
أن الهجرة باقية ما دام هناك خوف على النفس من أعداء الله تعالى وأعداء أهل الإيمان، وقد صرح بذلك أمير المؤمنين "عليه السلام" في خطبة له، قرر فيها "عليه السلام": أن الهجرة من أرض يضطهد فيها أهل الإيمان باقية وقائمة.
وصرح أيضاً "عليه السلام": بأن الهجرة هي لمن عرف حجة الله في الأرض، وليست لأهل الضلال والإنحراف، ومن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض، وتعصب وكابر([468]).
2 ـ إن الهجرة التي نفاها رسول الله "صلى الله عليه وآله" هي الهجرة من مكة بعد فتحها، ولم يرد نفي موضوع الهجرة، وقد أوضح حديث عائشة المتقدم ذلك.
3 ـ إن الذين كانوا يأتون إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد الفتح، ويصرون أن يبايعوه على الهجرة إنما كانوا يفعلون ذلك لأنهم عرفوا أن للهجرة قيمة في الإسلام، وأن للمهاجر مقاماً منيفاًَ، وموقعاً رفيعاً وشريفاً. فأرادوا أن ينالوا شرفاً ليس فيهم، ومقاماً ليس لهم، فمُنعوا من ذلك على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولذلك صاروا يوسطون الآخرين للحصول على ما مُنعوا منه، فلم تنفعهم الوساطات شيئاً.
ولكن إذا كان أهل الحق والصدق يواجهون في بلد آخر ضغوطاً واضطهاداً من أجل دينهم، ثم هاجروا فراراً بدينهم إلى بلد الإسلام، وحيث يحميهم النبي"صلى الله عليه وآله" أو الإمام "عليه السلام"، فإن لهم مقام المهاجر إلى الله ورسوله، وأجره، وشرفه، وعزته..
إن ظهر النبي ' على مكة آمن به:
عن ابن إسحاق السبيعي قال: قدم ذو الجوشن الكلابي على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال له: "ما يمنعك من الإسلام"؟.
قال: رأيت قومك كذبوك، وأخرجوك، وقاتلوك، فانظر، فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يا ذا الجوشن، لعلك إن بقيت قليلاً أن ترى ظهوري عليهم".
قال: فوالله إني لبضرية([469])، إذ قدم علينا راكب من قبل مكة، فقلنا ما الخبر؟
قال: ظهر محمد على أهل مكة. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قلت: وأسلم بعد ذلك، وروى عن النبي "صلى الله عليه وآله"([470]).
وقال الحسن البصري: "لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة، قالت العرب: أما ظفر محمد بأهل الحرم، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل، فليس لكم به يد. فكانوا يدخلون في دين الله أفواجاً، بعد أن كانوا يدخلون فيه واحداً واحداً، واثنين. فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام"([471]).
ونقول:
إن لنا الحق في أن نسجل بعض الملاحظات، التي نوجزها كما يلي:
إسلام العرب:
1 ـ إن ما تقدم يوضح لنا حقيقة هامة هي: أن إسلام العرب لم يكن عن قناعة، وإنما لأنه لم يعد لهم بمحمد يد. أي أنهم كانوا يتوقعون أن تتمكن قريش من التغلب عليه، وإذ بها قد عجزت عن ذلك. فجاءهم ما لا قبل لهم به، فاضطروا إلى إظهار الإسلام.
2 ـ ومن الواضح: أن المقصود بالعرب هو: قسم منهم، ولعلهم الأعراب الذين حكى الله عنهم هذا المعنى، فقال: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ..}([472]).
وإلا فقد كان في العرب طوائف كبيرة دخلت في الإسلام طوعاً، قبل فتح مكة، وحيث لم يكن هناك ما يدعو إلى الخوف منه، بل لأنهم وجدوا في الإسلام ضالتهم، وما بهر عقولهم، وما من شأنه أن يحل مشاكلهم.
3 ـ وفي حديث ذي الجوشن الكلابي دلالة ظاهرة على موقع القوة التي تصنع النصر في تفكير ذلك الرجل، واعتبارها هي المعيار. وإليها يستند القرار بالإيمان والكفر، مع أن القوة المادية قد تتوفر للحق وأهله، وقد لا تتوفر لهم، بل تكون لدى أهل الباطل. فالقوة لا تستطيع أن تعطي الإنسان أية فرصة لتمييز الحق من الباطل، كيف وقد قتل الأقوياء أنبياء الله وأوصياءهم، واعتدوا على الضعفاء، وعلى النساء والصبيان وقتلوهم؟
4 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قد قدم لذي الجوشن دليلاً على صحة نبوته، تَمَثَّلَ في إخباره الغيبي القريب عن ظهوره وانتصاره على أهل مكة، فقال له "صلى الله عليه وآله": "لعلك إن بقيت قليلاً أن ترى ظهوري عليهم".
هذا عدا عن أنه قد رأى كما رأى غيره معجزات وكرامات كثيرة له "صلى الله عليه وآله" لا تبقي أمام عقله أي فرصة للتهرب من الإعتراف بنبوته..
أذان بلال فوق الكعبة:
وعن ابن عباس، ورواه عن بعض أهل العلم، وعن عروة، وعن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، وعن ابن أبي مليكة، ومحمد بن عمر عن شيوخه: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما حان وقت الظهر أمر بلالاً أن يؤذن بالظهر يومئذٍ فوق الكعبة، ليغيظ بذلك المشركين، وقريش فوق رؤوس الجبال، وقد فرَّ جماعة من وجوههم وتغيبوا.
(قال الواقدي: خوفاً أن يقتلوا، فمنهم من يطلب الأمان، ومنهم من قد أومن).
وأبو سفيان بن حرب، وعتَّاب ـ ولفظ ابن أبي شيبة: خالد بن أسيد، والحارث بن هشام ـ جلوس بفناء الكعبة.
فقال عتَّاب ـ أو خالد ـ بن أسيد: لقد أكرم الله أسيداً أن لا يكون يسمع هذا، فيسمع ما يغيظه.
وقال الحارث: أما والله، لو أعلم أنه محق لاتبعته.
فقال أبو سفيان: لا أقول شيئاً، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصا.
وقال بعض بني سعيد بن العاص: لقد أكرم الله سعيداً إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة.
وقال الحكم بن أبي العاص: هذا والله الحدث العظيم، أن يصيح عبد بني جمح على بنية أبي طلحة.
وقال الحارث بن هشام: إن يكن الله تعالى يكرهه فسيعيره.
وفي رواية: أن سهيل بن عمرو قال مثل قول الحارث.
فأتى جبريل رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبره خبرهم، فخرج عليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "قد علمت الذي قلتم".
فقال الحارث وعتاب: نشهد إنك رسول الله، ما اطلع على هذا أحد كان معنا، فنقول: أخبرك([473]).
وفي رواية: أن الحارث بن هشام قال: ما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً؟!
ولا مانع من وجود الأمرين منه، أي وتقدم في عمرة القضاء وقوع مثل ذلك من جماعة لما أذن بلال رضي الله عنه على ظهر الكعبة أيضاً.
أي وقال غير هؤلاء من كفار قريش: لقد أكرم الله فلاناً ـ يعني أباه ـ إذ قبضه قبل أن يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة.
إلى أن قال: فخرج عليهم النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال لهم: لقد علمت الذي قلتم.
ثم ذكر ذلك لهم، فقال: أما أنت يا فلان فقد قلت كذا، وأما أنت يا فلان فقد قلت كذا، وأما أنت يا فلان فقد قلت كذا.
فقال أبو سفيان: أما أنا يا رسول الله فما قلت شيئاً، فضحك رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقالوا: نشهد أنك رسول الله، والله ما اطلع على هذا أحد معنا فنقول أخبرك([474]).
..وصار بعض قريش يستهزئون ويحكون صوت بلال غيظاً، وكان من جملتهم أبو محذورة، وكان من أحسنهم صوتاً، فلما رفع صوته بالأذان مستهزئاً سمعه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأمر به، فمثل بين يديه، وهو يظن أنه مقتول.
فمسح رسول الله "صلى الله عليه وآله" ناصيته وصدره بيده الشريفة، قال: فامتلأ قلبي والله إيماناً ويقيناً، فعلمت أنه رسول الله.
فألقى عليه "صلى الله عليه وآله" الأذان، وعلمه إياه، وأمره أن يؤذن لأهل مكة، وكان سنه ست عشرة سنة، وعقبه بعده يتوارثون الأذان بمكة.
وتقدم: أن أذان أبي محذورة وتعليمه الأذان كان مرجعه "صلى الله عليه وآله" من حنين، وتقدم طلب تأمل الجمع بينهما([475]).
وعند الراوندي: أنه "صلى الله عليه وآله" أمر بلالاً عند وقت صلاة الظهر، فصعد على الكعبة، فقال عكرمة: أكره أن أسمع صوت أبي رباح ينهق على الكعبة.
وحمد خالد بن أسيد الله على أن أبا عتاب توفي ولم ير ذلك.
وقال أبو سفيان: لا أقول شيئاً، لو نطقت لظننت أن هذه الجدر ستخبر به محمداً.
فبعث إليهم النبي "صلى الله عليه وآله"، فأُتي بهم، فقال عتاب: نستغفر الله ونتوب إليه، قد والله يا رسول الله قلنا، فأسلم وحسن إسلامه، فولاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة([476]).
وفي نص آخر: أنه لما بلغ بلال: "أشهد أن محمداً رسول الله" قالت جويرية بنت أبي جهل: قد لعمري رفع لك ذكرك، أما الصلاة فسنصلي، والله لا نحب مَن قتل الأحبة أبداً. ولقد كان جاء أبي بالذي جاء به محمداً من النبوة فردها، ولم يرد خلاف قومه([477]).
قالوا أيضاً: دخل النبي "صلى الله عليه وآله" مكة، وكان وقت الظهر، فأمر بلالاً فصعد على ظهر الكعبة فأذن، فما بقي صنم بمكة إلا سقط على وجهه، فلما سمع وجوه قريش الأذان قال بعضهم في نفسه: الدخول في بطن الأرض خير من سماع هذا.
وقال آخر: الحمد لله الذي لم يعش والدي إلى هذا اليوم.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": "يا فلان قد قلت في نفسك كذا ويا فلان قلت في نفسك كذا".
فقال أبو سفيان: أنت تعلم أني لم أقل شيئاً.
فقال "صلى الله عليه وآله": "اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون"([478]).
ونقول:
قد تكلمنا حول هذه النصوص في عمرة القضاء، وأكثرها بعمرة القضاء أنسب، ولسياقها أقرب. وإنما أوردناها هنا مجاراة لكتَّاب السيرة. وسوف لا نعلق عليها ههنا بشيء، بل نكتفي بما ذكرناه هناك، ونقتصر هنا على الإشارة التالية:
وقد ذكر النص المتقدم، وتقدم أيضاً عن مصادر عديدة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دخل البيت يوم الفتح وقت الظهر([479]).
فإذا كان الوقت ظهراً، وكان علي "عليه السلام" في هذا الوقت على ظهر الكعبة، فمن أولى منه بالأذان على ظهرها، أو ما هي الحاجة لإصعاد بلال على ظهر الكعبة من جديد، من أجل الأذان؟!
ولذلك نقول: إنه قد روى يزيد بن قعنب، عن فاطمة بنت أسد: أنها لما ولد علي "عليه السلام" في جوف الكعبة، وأرادت أن تخرج به هتف بها هاتف: يا فاطمة سميه علياً، فهو علي..
إلى أن قال عن علي "عليه السلام": "وهو الذي يكسر الأصنام، وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي الخ.."([480]).
فالذي أذن فوق ظهر الكعبة حين دخول النبي "صلى الله عليه وآله" إليها، هو علي بن أبي طالب "عليه السلام".
ولكن ذلك لا يمنع من أن يكون بلال قد أذن في المسجد الحرام، أو على ظهر الكعبة في سائر الأوقات، فأغاظ المشركين.
النبي ' لا يعود إلى مكة:
عن أبي هريرة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما فرغ من طوافه، أتى الصفا فعلا منه حتى يرى البيت، فرفع يديه، وجعل يحمد الله تعالى ويذكره، ويدعو ما شاء الله أن يدعو. والأنصار تحته، فقال بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته.
قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء لم يخف علينا: فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى يقضى، فلما قُضيَ الوحي، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يا معشر الأنصار".
قالوا: لبيك يا رسول الله.
قال: "قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة في عشيرته".
قالوا: قد قلنا ذلك يا رسول الله.
قال: "فما أسمَّى إذن!! كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، المحيا محياكم، والممات مماتكم".
فأقبلوا إليه يبكون، يقولون: والله يا رسول الله، ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله.
فقال رسول الله: "فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم"([481]).
ونقول:
إن الأنصار حين قالوا، أو قال بعضهم: أدركته رغبة في قريته، ورأفة في عشيرته، قد جروا على مقتضيات الطبع البشري الإنساني، الذي يختزن الحنين إلى الأوطان، والرحمة، والرأفة بذوي الأرحام، وقد غفلوا عن أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد صنعه الله تعالى على عينه، وأصبح فانياً في الطاعة والعبودية له تعالى، يرى ما يرى، ويرضيه ما يرضيه، ويغضبه ما يغضبه، ولا يريد إلا ما يريد.
وهو أيضاً رسوله الذي جاءهم بالهدى ودين الحق، الذي لا يحابي قومه على حساب دينه وعقيدته، ولا يحن إلى شيء إلا إذا كان في ذلك الحنين رضا الله وطاعته.
وهو حين هاجر، إنما هاجر إلى الله، والله أحب إليه من عشيرته، وذوي رحمه، وبلده..
ولتكن هذه العناصر الثلاثة: عبوديته لله تعالى، ورسوليته الهادية إلى طريق الحق والخير، وهجرته إلى الله تعالى، هي الأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة على أنه لا يرغب إلا بأن يكون مع الله، وفي دار هجرته إليه، لا في بلده، ولا مع قومه، ولا يتخذ عشيرته وذوي رحمه بطانة من دون المؤمنين.. بل المؤمنون هم أهله، وعشيرته، دون الناس كلهم.
إذن يخزيك الله:
عن أبي إسحاق السبيعي، عن ابن عباس قالا: رأى أبو سفيان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يمشي والناس يطأون عقبه، فقال بينه وبين نفسه: لو عاودت هذا الرجل القتال، وجمعت له جمعاً؟
فجاء رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى ضرب بيده في صدره، فقال: "إذن يخزيك الله".
فقال: أتوب إلى الله تعالى، وأستغفر الله مما تفوهت به، ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة، إني كنت لأحدث نفسي بذلك([482]).
عن سعيد بن المسيب قال: لما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة ليلة الفتح، لم يزالوا في تكبير وتهليل، وطواف بالبيت حتى أصبحوا، فقال أبو سفيان لهند: أترين هذا من الله؟
قالت: نعم، هذا من الله.
قال: ثم أصبح فغدا أبو سفيان إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": قلت لهند: أترين هذا من الله؟!
قالت: نعم هذا من الله.
فقال أبو سفيان: أشهد أنك عبد الله ورسوله، والذي يُحلَف به ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله عز وجل وهند([483]).
عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال: خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأبو سفيان جالس في المسجد، فقال أبو سفيان: ما أدري بما يغلبنا محمد؟
فأتاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" فضرب صدره وقال: "بالله تعالى نغلبك".
فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله([484]).
وعن ابن عباس قال: لقي رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبا سفيان بن حرب في الطواف، فقال: "يا أبا سفيان، هل كان بينك وبين هند كذا وكذا"؟
فقال أبو سفيان: فشت علي هند سري، لأفعلن بها ولأفعلن.
فلما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من طوافه لحق بأبي سفيان فقال: "يا أبا سفيان، لا تكلم هنداً، فإنها لم تفش من سرك شيئاً".
فقال أبو سفيان: أشهد أنك رسول الله "صلى الله عليه وآله"([485]).
مع ما سبق: أبو سفيان والإيمان:
1 ـ إن من يراجع حياة أبي سفيان يخرج بحقيقة مفادها: أن هذا الرجل بما تصدى له من أعمال، وفيما كان له من ممارسات قد عاين الكثير الكثير من دلائل النبوة الظاهرة، ومعجزاتها القاهرة، وآياتها الباهرة.
ولكنه كان يصر على رفضها، ويتعمد تجاهلها، ويسير في طريق اللجاج، والمكابرة، والعناد، والجحود للحق، والسعي لطمسه، ومواصلة الحرب مع أهله..
والذي ذُكر في الروايات آنفاً ما هو إلا رشحة يسيرة من تلك الدلالات، والعبر والعظات.
وهذا يؤكد لنا حقيقة هامة، وهي:
أن هذا الصلف والعناد للحق يدعونا إلى تصديق تلك الطائفة من النصوص المختلفة والكثيرة، التي تؤكد: أنه لم يغير نهجه، وأنه لم يسلم، وإنما استسلم، ولما يدخل الإيمان في قلبه، وأنه لم يزل كهفاً لأهل النفاق، وأنه كان يحلف: أنه ما من جنة ولا نار، وإنما هو الملك والدنيا([486]).
2 ـ أما قول أبي سفيان: "ما أيقنت أنك نبي حتى الساعة" فمعناه: أنه كان إلى تلك اللحظة يتخذ سبيل النفاق، وأنه لم يكن قد أسلم قبل ذلك، رغم نطقه بالشهادتين في مرّ الظهران قبل دخول النبي "صلى الله عليه وآله" مكة..
فإذا جاء بعد النطق بالشهادتين ما دل على ما يوجب الحكم بخروجه من الدين، فلا شيء يمكن ان يثبت عودته إلى الإسلام بصورة يقينية، ويبقى الأمر رهناً بما يصدر عنه من دلالات وشواهد تؤيد هذا الإحتمال، أو ذاك.
فإن بلغ الأمر إلى درجة اليقين بعودته إلى الإسلام، فذلك هو المطلوب، وإلا، فإن مجرد الاحتمالات لا تفيد شيئاً في إثبات إسلامه.
3 ـ إن ما حدَّث به أبو سفيان نفسه من الرغبة بالعودة إلى قتال رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما جاء على سبيل الحسد للنبي "صلى الله عليه وآله"، لما رآه من عزته "صلى الله عليه وآله" وعظمته، وخضوع الناس لأمره ونهيه، وسعيهم للتقرب إليه، ولم يعرض لأبي سفيان ما يزيل هذا الحسد من نفسه.
ولعل ما كان يراه من مزيد شوكته، وتأكد عظمته من شأنه: أن يزيد من تأجج نار الحسد في قلبه، ويلهب صدره حنقاً وغيظاً، ويملأ قلبه حقداً وبغضاً.
الم. غلبت الروم:
وبعد.. فلا شك في أن فتح مكة كان من أعظم النعم التي حبا الله بها نبيه وأوليائه، إذ بذلك سقط الشرك وانتهى أمره، وخضدت شوكته في الجزيرة العربية كلها، وأفسح المجال لدخول الناس في الإسلام أفواجاً.
وفرح المسلمون بنصر الله تبارك وتعالى أعظم الفرح. وكان ذلك في السنة التي غلبت الروم على فارس.. وظهر مصداق قوله تعالى: ?الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ وَعْدَ اللَهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ?([487]).
وقد جاءت هذه البشارة في أوائل الهجرة حيث كانت فارس قد غلبت الروم. فبشر الله في هذه الآيات بفتح مكة وبنصر الله لهم على الشرك منذئذٍ.
وذلك لأن معظم الناس سوف يقلبون على هذا الدين، ويحتاجون إلى الإيمان به وبالنبوة إلى المعجزة الميسورة والواضحة، التي لا تحتاج إلى فكر ودراسة وتأمل، ولا تحتمل التأويل، ولا يمكن ألقاء الشبهة فيها.. وأكثرهم يعيش البساطة، ولا يملك من العلم والفكر، ما يمكنه من أدراك حقائق القرآن العالية، أو ما يجعله يتفاعل مع الإستدلالات العلمية المعمقة. وهم لا يعرفون شيئاً عن مصطلحات الفلاسفة، وأساليب استدلالهم، فجاء هذا الإخبار الغيبي ليسهل عليهم هذا الإيمان، وليرسخه في نفوسهم، ويعمقه في وجدانهم، وضميرهم. وهو من مفردات الرحمة الآلهية لهم.
وأما ادِّعاء أن المقصود بالآية فرح المسلمين بنصر الروم لأنهم أهل كتاب على المشركين لأنهم مجوس، فهو غير مقبول.. فإن المجوس أهل كتاب أيضاً، وإن كانوا قد ضيعوه كما ورد في بعض الروايات([488]).
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الباب الثاني: فتح مكة
الفصل الأول: هكذا تحرك من مر الظهران........................ 7 ـ 54
الفصل الثاني: دخول مكة............................................ 55 ـ 80
الفصل الثالث: القتال في مكة.................................... PAGEREF _Toc148279410 \h 81 ـ 124
الفصل الرابع: منزل الرسول ' وجوار أم هاني......... PAGEREF _Toc148279433 \h 125 ـ 156
الفصل الخامس: ما جرى لأبي قحافة........................ PAGEREF _Toc148279456 \h 157 ـ 178
الفصل السادس: طواف النبي ' وتحطيم الأصنام....... PAGEREF _Toc148279470 \h 179 ـ 218
الفصل السابع: النبي ' في داخل الكعبة.................... PAGEREF _Toc148279498 \h 219 ـ 244
الفصل الثامن: الخطبة الأولى في مكة....................... PAGEREF _Toc148279515 \h 245 ـ 274
الفصل التاسع: مفتاح الكعبة.. والبيعة في مكة........... PAGEREF _Toc148279534 \h 275 ـ 306
الفصل العاشر: أحداث.. ومتابعات........................... PAGEREF _Toc148279554 \h 307 ـ 326
الفهارس............................................................ 327 ـ 340
2 ـ الفهرس التفصيلي
الباب الثاني: فتح مكة
الفصل الأول: هكذا تحرك من مرّ الظهران
الإعلان بالأمان:.................................................................. PAGEREF _Toc150145348 \h 9
هل هذا تشريف لأبي سفيان؟!:.............................................. PAGEREF _Toc150145349 \h 12
إستجداء بعد الإستغناء:........................................................ PAGEREF _Toc150145350 \h 13
حفظ حرم الله تبارك وتعالى:................................................. PAGEREF _Toc150145351 \h 13
وضوء وصلاة أبي سفيان:................................................... PAGEREF _Toc150145352 \h 14
الدعاة الجدد إلى الإسلام:...................................................... PAGEREF _Toc150145353 \h 14
أبو سفيان يرصد كتائب الفتح:............................................... PAGEREF _Toc150145354 \h 15
كتائب الإسلام إلى مكة:....................................................... PAGEREF _Toc150145355 \h 17
العباس هو المشير أم أبو بكر؟!:............................................. PAGEREF _Toc150145356 \h 28
أهداف حضور العرض:...................................................... PAGEREF _Toc150145357 \h 29
أبو سفيان يصر على أن ما يراه (مُلْكٌ):................................... PAGEREF _Toc150145358 \h 30
أغدراً يا بني هاشم؟!:.......................................................... PAGEREF _Toc150145359 \h 30
العدة والعدد:..................................................................... PAGEREF _Toc150145360 \h 32
كتائب أم قبائل:.................................................................. PAGEREF _Toc150145361 \h 32
من هؤلاء:........................................................................ PAGEREF _Toc150145362 \h 34
خالد.. غلام!!:................................................................... PAGEREF _Toc150145363 \h 34
اللواء والراية:................................................................... PAGEREF _Toc150145364 \h 36
الرايات السود:................................................................... PAGEREF _Toc150145365 \h 37
لقد عزَّ عمر بعد قلة وذلة:.................................................... PAGEREF _Toc150145366 \h 38
أبو سفيان يصر على موقفه:................................................. PAGEREF _Toc150145367 \h 39
ولكنه أمر حُتِمَ:.................................................................. PAGEREF _Toc150145368 \h 39
بنو بكر أهل شؤم:.............................................................. PAGEREF _Toc150145369 \h 43
موقف النبي ' من كلام سعد:................................................ PAGEREF _Toc150145370 \h 44
يوم المرحمة ويوم عزَّ قريش:............................................... PAGEREF _Toc150145371 \h 45
أخذ الراية من سعد:............................................................. PAGEREF _Toc150145372 \h 46
سعد لم يكن ينوي البطش بأهل مكة:........................................ PAGEREF _Toc150145373 \h 47
علي × صاحب اللواء:........................................................ PAGEREF _Toc150145374 \h 48
عمر بن الخطاب يتعاطف مع قريش:...................................... PAGEREF _Toc150145375 \h 49
أبو سفيان يُقَبِّل غرز رسول الله ':......................................... PAGEREF _Toc150145376 \h 51
تأثير المرأة على رسول الله '!!:........................................... PAGEREF _Toc150145377 \h 52
إيحاءات لا تجدي شيئاً:........................................................ PAGEREF _Toc150145378 \h 52
أسلم بنا:........................................................................... PAGEREF _Toc150145379 \h 54
الفصل الثاني: دخول مكة
أدوار مخترعة للعباس &:.................................................... PAGEREF _Toc150145382 \h 57
خوف النبي ' على العباس:.................................................. PAGEREF _Toc150145383 \h 59
سهم العباس في عكاظ.. أكذوبة أخرى:..................................... PAGEREF _Toc150145384 \h 62
كيف دخل النبي ' مكة؟!:.................................................... PAGEREF _Toc150145385 \h 65
النبي ' يقرأ سورة الفتح:..................................................... PAGEREF _Toc150145386 \h 71
الفتح جائزة المذنب:............................................................ PAGEREF _Toc150145387 \h 72
العيش عيش الآخرة:........................................................... PAGEREF _Toc150145388 \h 73
تواضع رسول الله ' وتخشعه لربه:........................................ PAGEREF _Toc150145389 \h 74
راية الزبير:...................................................................... PAGEREF _Toc150145390 \h 76
الأمر لسعد، والراية لقيس:.................................................... PAGEREF _Toc150145391 \h 77
النساء يلطمن وجوه الخيل:................................................... PAGEREF _Toc150145392 \h 78
كيفية الدخول والخروج من مكة:............................................ PAGEREF _Toc150145393 \h 78
الفصل الثالث: القتال في مكة
خالد يقاتل في مكة!!:.......................................................... PAGEREF _Toc150145396 \h 83
من الخندمة إلى البحر:......................................................... PAGEREF _Toc150145397 \h 91
أوقف الطلب:.................................................................... PAGEREF _Toc150145398 \h 93
كفوا السلاح إلا خزاعة:....................................................... PAGEREF _Toc150145399 \h 93
احصدوهم حصداً:.............................................................. PAGEREF _Toc150145400 \h 95
المهاجرون يظنون أن خالداً قوتل:.......................................... PAGEREF _Toc150145401 \h 96
خالد لا يعصي رسول الله ':................................................. PAGEREF _Toc150145402 \h 96
كل الجنود لم يلقوا جنوداً غير خالد:......................................... PAGEREF _Toc150145403 \h 97
قضاء الله خير:.................................................................. PAGEREF _Toc150145404 \h 97
لم يسبِ ' لقريش ذرية:....................................................... PAGEREF _Toc150145405 \h 98
الأنصاري الخائن:.............................................................. PAGEREF _Toc150145406 \h 99
أردت أمراً، وأراد الله غيره:............................................... PAGEREF _Toc150145407 \h 102
نهى أن يُقتل من خزاعة أحد:.............................................. PAGEREF _Toc150145408 \h 103
شعار النبي ' في فتح مكة:................................................. PAGEREF _Toc150145409 \h 104
فتحت مكة عنوة لا صلحاً:.................................................. PAGEREF _Toc150145410 \h 109
إستدلالات وتأويلات:........................................................ PAGEREF _Toc150145411 \h 111
الشهداء من المسلمين:........................................................ PAGEREF _Toc150145412 \h 115
لا غنائم في يوم الفتح:....................................................... PAGEREF _Toc150145413 \h 116
قريش لا تُقتل صبراً ولا تُغزى:........................................... PAGEREF _Toc150145414 \h 118
لعل المقصود هو الإخبار لا الإنشاء:..................................... PAGEREF _Toc150145415 \h 120
هذا ما وعدني ربي:.......................................................... PAGEREF _Toc150145416 \h 121
الفصل الرابع: منزل الرسول ' وجوار أم هاني
أين نزل النبي ' في مكة؟!:................................................ PAGEREF _Toc150145419 \h 127
هذا منزلنا يا جابر:........................................................... PAGEREF _Toc150145420 \h 129
الحكمة في اختيار موضع النزول:........................................ PAGEREF _Toc150145421 \h 130
النبي ' يصل الماضي بالحاضر:......................................... PAGEREF _Toc150145422 \h 131
أين نزل رسول الله '؟!:................................................... PAGEREF _Toc150145423 \h 132
إرث عقيل لأبي طالب دون علي وجعفر:............................... PAGEREF _Toc150145424 \h 132
الإخبار بالغيب عن موضع نزوله ':.................................... PAGEREF _Toc150145425 \h 135
لا ينزل النبي ' بيوت مكة:................................................ PAGEREF _Toc150145426 \h 135
النبي ' لا يدخل دور مكة:................................................. PAGEREF _Toc150145427 \h 136
تكريم النبي ' لأم هاني:.................................................... PAGEREF _Toc150145428 \h 139
علي × وأم هاني:............................................................. PAGEREF _Toc150145429 \h 140
الأمان.. والجوار:............................................................. PAGEREF _Toc150145430 \h 145
من الذين آوتهم أم هاني؟!:.................................................. PAGEREF _Toc150145431 \h 147
لقاء علي × بأم هاني:....................................................... PAGEREF _Toc150145432 \h 148
خوف الجبناء:................................................................. PAGEREF _Toc150145433 \h 149
لم تصرح أم هاني بما تطلب:.............................................. PAGEREF _Toc150145434 \h 149
موقف الزهراء ÷ من أم هاني:............................................ PAGEREF _Toc150145435 \h 150
أم هاني لا تجير على رسول الله ':...................................... PAGEREF _Toc150145436 \h 150
ما مثلك يجهل الإسلام:...................................................... PAGEREF _Toc150145437 \h 151
خوف المشركين من عمر:.................................................. PAGEREF _Toc150145438 \h 152
رنة إبليس.. وحديث نائلة و..:.............................................. PAGEREF _Toc150145439 \h 152
الفصل الخامس: ما جرى لأبي قحافة
إسلام أبي قحافة:............................................................. PAGEREF _Toc150145442 \h 159
الحديثان الأخيران:........................................................... PAGEREF _Toc150145443 \h 163
أبو بكر يريد طوق أخته:.................................................... PAGEREF _Toc150145444 \h 165
أربعة أسلموا هم وآباؤهم:................................................... PAGEREF _Toc150145445 \h 166
إسلام أبوي أبي بكر:......................................................... PAGEREF _Toc150145446 \h 167
آيات في بر أبي بكر بأبويه:................................................ PAGEREF _Toc150145447 \h 168
أبو بكر يضرب أباه:......................................................... PAGEREF _Toc150145448 \h 172
أسلم تسلم:...................................................................... PAGEREF _Toc150145449 \h 174
مفارقات لا علاج لها:....................................................... PAGEREF _Toc150145450 \h 175
الأمانة اليوم قليل:............................................................. PAGEREF _Toc150145451 \h 175
إسلام أبي طالب أقر لعينيه من إسلام أبيه:.............................. PAGEREF _Toc150145452 \h 176
أبو قحافة أول مخضوب في الإسلام:.................................... PAGEREF _Toc150145453 \h 176
الفصل السادس: طواف النبي ' وتحطيم الأصنام
طواف النبي ' بالبيت:...................................................... PAGEREF _Toc150145456 \h 181
تحطيم الأصنام في المسجد الحرام:....................................... PAGEREF _Toc150145457 \h 182
إحالات على ما سبق:........................................................ PAGEREF _Toc150145458 \h 185
ألف: المسلمون يبتدرون وضوء رسول الله ':.............. PAGEREF _Toc150145459 \h 185
ب: ما رأينا ولا سمعنا ملكاً بلغ هذا:............................ PAGEREF _Toc150145460 \h 186
ج: أبو بكر قائم بالسيف على رأس رسول الله ':........... PAGEREF _Toc150145461 \h 186
د: المشركون فوق الجبال ينظرون:............................ PAGEREF _Toc150145462 \h 186
تأسي عمر برسول الله ':.................................................. PAGEREF _Toc150145463 \h 187
استلام الركن بالمحجن:..................................................... PAGEREF _Toc150145464 \h 190
استلم الحجر ثم ركب راحلته:.............................................. PAGEREF _Toc150145465 \h 191
محاولة اغتيال رسول الله ':.............................................. PAGEREF _Toc150145466 \h 192
أين كان مقام إبراهيم ×؟!:................................................. PAGEREF _Toc150145467 \h 194
لقد كدت تركن إليهم:......................................................... PAGEREF _Toc150145468 \h 195
صنم لكل قبيلة، وحيّ، وبيت!!:........................................... PAGEREF _Toc150145469 \h 202
كف حصى يرمي به الرسول ':.......................................... PAGEREF _Toc150145470 \h 203
علي × يكسر أصنام الكعبة:................................................ PAGEREF _Toc150145471 \h 205
علي × يكسر الأصنام:...................................................... PAGEREF _Toc150145472 \h 208
تحطيم الأصنام قبل الهجرة، ويوم الفتح:................................ PAGEREF _Toc150145473 \h 210
لماذا التعرض للأصنام سراً؟!............................................. PAGEREF _Toc150145474 \h 211
علي × ينوء بثقل النبوة:.................................................... PAGEREF _Toc150145475 \h 212
هل خُيِّل إلى علي ×؟!:..................................................... PAGEREF _Toc150145476 \h 214
تعمل للحق، وأحمل للحق:.................................................. PAGEREF _Toc150145477 \h 214
لماذا لم يباشر النبي ' تحطيم الأصنام؟!:............................... PAGEREF _Toc150145478 \h 215
لو نزع دلواً من زمزم:...................................................... PAGEREF _Toc150145479 \h 216
النداء بتكسير الأصنام في البيوت:........................................ PAGEREF _Toc150145480 \h 217
عكرمة يكسر الأصنام:...................................................... PAGEREF _Toc150145481 \h 218
الفصل السابع: النبي ' في داخل الكعبة
مفتاح الكعبة مع النبي ':................................................... PAGEREF _Toc150145484 \h 221
مفتاح الكعبة أُخذ قهراً:...................................................... PAGEREF _Toc150145485 \h 223
إزالة الصور والتماثيل من داخل الكعبة:................................. PAGEREF _Toc150145486 \h 225
صلاة النبي ' داخل الكعبة وخارجها:................................... PAGEREF _Toc150145487 \h 229
النبي ' لم يدخل الكعبة إلا يوم الفتح:..................................... PAGEREF _Toc150145488 \h 231
إزالة الصور من داخل الكعبة:............................................. PAGEREF _Toc150145489 \h 232
التكبير في زوايا الكعبة:..................................................... PAGEREF _Toc150145490 \h 235
صلاة النبي ' في داخل الكعبة:........................................... PAGEREF _Toc150145491 \h 235
سؤال.. وجوابه:............................................................... PAGEREF _Toc150145492 \h 237
أبو بكر وعمر لم يدخلا الكعبة:............................................ PAGEREF _Toc150145493 \h 237
لا نريد الحديث عن التناقضات:........................................... PAGEREF _Toc150145494 \h 239
هذا تأويل رؤياي:............................................................ PAGEREF _Toc150145495 \h 239
عثمان بن طلحة في فتح مكة:.............................................. PAGEREF _Toc150145496 \h 241
آية: أداء الأمانات إلى أهلها:................................................ PAGEREF _Toc150145497 \h 242
لمن هذا التهديد؟!:............................................................ PAGEREF _Toc150145498 \h 242
الفصل الثامن: الخطبة الأولى في مكة
خطبة الرسول ' في مكة:.................................................. PAGEREF _Toc150145501 \h 247
نص آخر للخطبة:............................................................ PAGEREF _Toc150145502 \h 252
وقفات مع الخطبة الشريفة:................................................. PAGEREF _Toc150145503 \h 254
عتقهم دليل فتح مكة عنوة:.................................................. PAGEREF _Toc150145504 \h 254
الطلقاء.. والخلافة:........................................................... PAGEREF _Toc150145505 \h 255
تعظيم بيت الله:................................................................ PAGEREF _Toc150145506 \h 257
كلكم لآدم، وآدم من تراب:.................................................. PAGEREF _Toc150145507 \h 258
السلاح في مكة في عام الفيل ويوم الفتح:............................... PAGEREF _Toc150145508 \h 259
لا ينفر صيدها!! ولا يختلى شوكها!!:................................... PAGEREF _Toc150145509 \h 261
الإعلان الأول: التوحيد:..................................................... PAGEREF _Toc150145510 \h 262
لك بها دار في الجنة:......................................................... PAGEREF _Toc150145511 \h 262
صدق وعده، ونصر عبده:................................................. PAGEREF _Toc150145512 \h 265
إلا الإِذْخِر:..................................................................... PAGEREF _Toc150145513 \h 266
اجتهاد الرسول ':........................................................... PAGEREF _Toc150145514 \h 269
كفوا السلاح إلا خزاعة عن بني بكر:.................................... PAGEREF _Toc150145515 \h 272
اكتبوا لأبي شاة:............................................................... PAGEREF _Toc150145516 \h 274
التبرك بالرسول ':.......................................................... PAGEREF _Toc150145517 \h 274
الفصل التاسع: مفتاح الكعبة.. والبيعة في مكة
مفتاح الكعبة مع الرسول ':............................................... PAGEREF _Toc150145520 \h 277
مفتاح الكعبة لبني شيبة:..................................................... PAGEREF _Toc150145521 \h 278
السقاية:......................................................................... PAGEREF _Toc150145522 \h 284
توضيح أكرهت وآذيت:..................................................... PAGEREF _Toc150145523 \h 284
أعطيتكم ما تُرزؤون:........................................................ PAGEREF _Toc150145524 \h 285
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات:............................................. PAGEREF _Toc150145525 \h 286
علي × لا يطلب الحجابة:................................................... PAGEREF _Toc150145526 \h 287
طريقة جمع فاشلة:........................................................... PAGEREF _Toc150145527 \h 288
السدانة والسقاية مردودتان إلى أهليهما:.................................. PAGEREF _Toc150145528 \h 289
أعطينا النبوة والسقاية والحجابة:.......................................... PAGEREF _Toc150145529 \h 290
البيعة في فتح مكة:........................................................... PAGEREF _Toc150145530 \h 291
ما الذي أضحك عمر بن الخطاب؟!:..................................... PAGEREF _Toc150145531 \h 295
أوتزني الحرة؟!:.............................................................. PAGEREF _Toc150145532 \h 297
إسلام هند بعد أبي سفيان بليلة:............................................. PAGEREF _Toc150145533 \h 299
إني لا أصافح النساء:........................................................ PAGEREF _Toc150145534 \h 299
جرأة هند:...................................................................... PAGEREF _Toc150145535 \h 302
عمر في بيعة النساء:......................................................... PAGEREF _Toc150145536 \h 303
بيعة معاوية.. وإسلامه!!:................................................... PAGEREF _Toc150145537 \h 305
الفصل العاشر: أحداث.. ومتابعات
لا هجرة بعد الفتح:........................................................... PAGEREF _Toc150145540 \h 309
البيعة على الجهاد:............................................................ PAGEREF _Toc150145541 \h 309
إن ظهر النبي ' على مكة آمن به:........................................ PAGEREF _Toc150145542 \h 312
إسلام العرب:.................................................................. PAGEREF _Toc150145543 \h 313
أذان بلال فوق الكعبة:....................................................... PAGEREF _Toc150145544 \h 314
النبي ' لا يعود إلى مكة:................................................... PAGEREF _Toc150145545 \h 319
إذن يخزيك الله:............................................................... PAGEREF _Toc150145546 \h 321
مع ما سبق: أبو سفيان والإيمان:.......................................... PAGEREF _Toc150145547 \h 323
الم، غلبت الروم:.............................................................. PAGEREF _Toc150145548 \h 324
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc150145552 \h 329
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc150145554 \h 331
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص218 عن ابن عقبة، وقال في هامشه: أخرجه الطبراني في الكبير 8/9 وانظر المجمع 6/172 وأخرج صدره مسلم في الجهاد باب (31 و 84 و 86) وأبو داود في الخراج باب (25) وأحمد 2/292 و 538 والبيهقي 6/234 و9/117و 118و 171 والطبراني في الكبير 8/9 وابن أبي شيبة 14/475 وعبد الرزاق (9739) والطبراني في الصغير 2/72 والدار قطني 3/60 والطحاوي في المعاني 3/321 والبيهقي في الدلائل 5/32 و 37 و 56 والسيرة الحلبية ج3 ص80 وتاريخ الخميس ج2 ص81.
([2]) السيرة الحلبية ج3 ص80.
([3]) البحار ج21 ص129 عن إعلام الورى.
([4]) مجمع البيان ج10 ص556, والبحار ج21 ص104 وتاريخ الخميس ح2 ص81.
([5]) البحار ج21 ص119 عن الخرايج والجرايح، والمغازي للواقدي ج2 ص118.
([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص218 عن ابن عقبة.
([7]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص218 عن ابن أبي شيبة.
([8]) المغازي للواقدي ج2 ص818 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص452.
([9]) السيرة الحلبية ج3 ص80 والبحار ج21 ص104 و 118 و 119 و 129 وتاريخ الخميس ج2 ص81 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص218 وراجع: مجمع البيان ج10 ص556.
([10]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص219 عن ابن عقبة.
([11]) البحار ج1 ص130.
([12]) الأفناء: الأخلاط من الناس لا يُعرف من أي القبائل هم.
([13]) تقعقع الشيء: أحدث صوتاً عند تحريكه.
([14]) الزجل: رفع الصوت.
([15]) وزع فلاناً: زجره ونهاه. ووزع الجيش: رتب فرقه، وسواهم صفاً واحداً.
([16]) المغازي للواقدي ج2 ص821.
([17]) السيرة الحلبية ج3 ص82.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص220 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص82 والمغازي للواقدي ج2 ص818 ـ 821.
([19]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 وفي هامشه عن: ابن عبد البر في الدرر (216) والبيهقي في الـدلائـل 5/38 وابن كثـير في البدايـة 4/290. والبحار ج21 = = ص 130 و 104 و 107 و 108 عن شرح النهج للمعتزلي وغيره، والسيرة الحلبية ج3 ص80 و 81 ومجمع البيان ج10 ص556 وتاريخ الخميس ج2 ص81 و 84.
([20]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 و 267 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص82 و 83.
([21]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 وفي هامشه قال: انظر المجمع 6/173. وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص81 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص104 و 118 و 119 والمغازي للواقدي ج2 ص822.
([22]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 عن الطبراني ومجمع الزوائد ج6 ص173.
([23]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 والسيرة الحلبية ج3 ص82 والبحار ج21 ص109 عن المعتزلي، والمغازي للواقدي ج2 ص821 و 822.
([24]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 وتاريخ الخميس ج2 ص82.
([25]) تاريخ الخميس ج2 ص82.
([26]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221.
([27]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 والسيرة الحلبية ج3 ص82 والبحار ج21 ص109 عن المعتزلي، والمغازي للواقدي ج2 ص822.
([28]) الصيلم: السيف المصقول.
([29]) وغر الصدر: امتلأ غيظاً.
([30]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 والسيرة الحلبية ج3 ص82 والمغازي للواقدي ج2 ص822 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص82.
([31]) المغازي للواقدي ج2 ص822.
([32]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 والمغازي للواقدي ج2 ص822.
([33]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 عن ابن عبد البر والسيرة الحلبية ج3 ص82 والمغازي للواقدي ج2 ص822 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص82.
([34]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 عن أبي يعلى، وموسى بن عقبة.
([35]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 و 223 والسيرة الحلبية ج3 ص82.
([36]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 و 223 وتاريخ الخميس ج2 ص82.
([37]) المصدران السابقان.
([38]) الغرز: ركاب الرجل.
([39]) مجمع البيان ج10 ص557 والبحار ج21 ص105 و 130 عن إعلام الورى، وعن مناقب آل أبي طالب.
([40]) الآية 1 من سورة الحجرات.
([41]) تاريخ الخميس ج2 ص24.
([42]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص191 وفي هامشه عن الطبقات الكبرى ج2 ص92 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص321 والمغازي للواقدي ج2 ص734.
([43]) الإصابة ج1 ص413 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص406 عن الزبير بن بكار.
([44]) الأعلام للزركلي ج2 ص300.
([45]) تاريخ مدينة دمشق ج16 ص254 وج24 ص118والبداية والنهاية ج5 ص366.
([46]) الأعلام للزركلي ج2 ص300 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص254 وج24 ص118 والبداية والنهاية ج5 ص366.
([47]) راجع: أقرب الموارد ج2 ص884.
([48]) صبح الأعشى ج3 ص370 عن كتاب الحاوي الكبير للماوردي.
([49]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 والمغازي للواقدي ج2 ص824.
([50]) راجع: السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات هامش ص126.
([51]) الغارات ج2 ص790 و 792 ومواقف الشيعة للأحمدي ج1 ص125 ودستور معالم الحكم لابن سلامة ص196 وتاريخ مدينة دمشق ج14 ص293 و 296 وج16 ص210 وتهذيب الكمال ج6 ص556 والإصابة ج5 ص93 والأعلام للزركلي ج2 ص262 وأنساب الأشراف ص269 و 307 والأنساب للسمعاني ج1 ص45 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص26 والمنتخب في ذيل المذيل للطبري ص146 والجمل للمفيد ص172 .
([52]) الآية 148 من سورة الأنعام.
([53]) الآية 64 من سورة المائدة.
([54]) المحاسن والمساوي للبيهقي ج1 ص471 وراجع: شواهد التنزيل ج2 ص38 و 39 وتفسير نور الثقلين ج4 ص276 ومجمع البيان ج8 ص357 وراجع: البحار ج35 ص222 وفي هامشه عن الطرائف ص20.
([55]) إن ما تقدم من أمثلة وشواهد، ومن أحاديث أيضاً موجود في المصادر المختلفة بصورة متفرقة، فمن أراد أن يقف على متفرقاته ويجمع بين شتاته، فليلتقط بعضه من المصادر التالية: تأويل مختلف الحديث ص5 و 6 و 29 و 45 و 48 و 82 و 83 و 128 و 235 و 236 والهـدى إلى دين المصطـفى ج2 ص162 و 271 = = والمصنف للصنعاني ج10 ص119 و 122 و 18 وج6 ص356 وحياة الصحابة ج2 ص12 و 95 و 94 و 230 وج3 ص487 و 492 و 501 و 529. وراجع: الغدير ج7 ص147 و 154 و 158 وج8 ص132 وج9 ص34 و 95 و 192 وج10 ص333 و 245 و 249 وج5 ص365 وج6 ص128 و 117 ونور القبس ص31 و 266 و 65 وعيون الأخبار لابن قتيبة ج4 ص69 ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش تفسير الخازن) ج1 ص401 وقاموس الرجال ج6 ص36 والفتوح لابن أعثم ج4 ص239 وربيع الأبرار ج2 ص64 و 65 وج1 ص821 والمعجم الصغير ج1 ص158 و 74 و 130 و 255 وج2 ص67 و 55 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج5 ص148 و 543 وج7 ص163 و 417 وج3 ص72 و 66 وكلمة الأديان الحية ص77 و 80 والإلمام ج6 ص119 ولسان الميزان ج1 ص448 والكفاية في علم الرواية ص166 وجامع بيان العلم ج1 ص20 وج2 ص148 و 149 و 150 وضحى الإسلام ج3 ص81 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص340 وج12 ص78 و 79 والإمامة والسياسة ص183 والأخبار الدخيلة (المستدرك) ج1 ص193 و 197 ومقارنة الأديان (اليهودية) ص271 و 249 وأنيس الأعلام ج1 ص279 و 257 والتوحيد وإثبات صفات الرب ص80 ـ 82 والمقدمة لابن خلدون ص143 و 144 والأغاني ج3 ص76 والعقد الفريد ج1 ص206 وج2 ص112 وتاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الاستقامة) ج2 ص445 وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص43 و 49 عن العديد من المصادر وتذكرة الخواص ص104 و 105 وتاريخ بغداد ج1 ص160 وبهج الصباغة ج7 ص120 والدر المنثور ج6 والمغازي للواقدي ج3 ص904 والموطأ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ج3 ص92 و 93 ومصابيح السنة للبغوي ج2 ص67 ومناقب الشافعي ج1 ص17 وصحيح البخاري ج8 ص208 والمعتزلة ص7 و 39 = = و40 و 87 و 91 و 201 و 265 عن المنية، والأمل ص126 والخطط للمقريزي ج4 ص181 والملل والنحل ج1 ص97 و 98 والعقائد النسفية ص85 ووفيات الأعيان ص494.
وفي "الإمام الصادق والمذاهب الأربعة" ج3 ص45 عن الطبري ج6 ص33 وج3 ص207 وعن الترمذي ص508.
وفي حياة الصحابة نقله عن المصادر التالية: كنز العمال ج3 ص138 و 139 وج8 ص208 وج1 ص86 وصحيح مسلم ج2 ص86 وأبي داود ج2 ص16 والترمذي ج1 ص201 وسنن ابن ماجة ج1 ص209 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص50 وج6 ص349 ومسند أحمد ج5 ص245 ومجمع الزوائد ج6 ص3 وج1 ص135 وتاريخ الأمم والملوك للطبري (مقتل برير) ج4 ص124 وج3 ص281 والبداية والنهاية ج7 ص79.
ونقل أيضاً عن: جامع البيان ج6 ص60 وعن تفسير القرآن العظيم ج1 ص594 وعن أنساب الأشراف ج5 ص24.
([56]) الرهج: الشغب.
([57]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص222 و 223 وتاريخ الخميس ج2 ص82 عن البزار.
([58]) المغازي للواقدي ج2 ص822 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص222.
([59]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221 وتاريخ الخميس ج2 ص82.
([60]) تقدمت المصادر لذلك.
([61]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص221.
([62]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص223 عن ابن أبي شيبة، والطبراني، وتهذيب تاريخ دمشق ج7 ص236 ومعاني الآثار ج3 ص315 وعن المصنف ج14 ص484.
([63]) البحار ج21 ص119.
([64]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص223 والسيرة الحلبية ج3 ص81 وراجع: البحار ج21 ص130 وراجع ص119 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص822 و 823 وتاريخ الخميس ج2 ص81.
([65]) سطع الغبار: إرتفع.
([66]) البحار ج21 ص130 و 131 عن المناقب، وإعلام الورى، وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص822 و 823.
([67]) الإصابة ج2 ص477 عن موسى بن عقبة.
([68]) الإصابة ج2 ص477 عن ابن إسحاق، والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص112 وتاريخ الخميس ج2 ص117 عن الإكتفاء.
([69]) قاموس الرجال ج5 ص233.
([70]) راجع: قاموس الرجال ج5 ص234.
([71]) أبو طالب مؤمن قريش للخنيزي.
([72]) راجع: المستدرك للحاكم ج3 ص484 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وصححاه، ومجمع الزوائد ج8 ص278 وحياة الصحابة ج2 ص258 و 259 و260 عنه، وعن كنز العمال، والتراتيب الإدارية ج2 ص86 والمعجم الصغير ج1 ص9 والوسائل ج12 ص216 وكنز العمال (طبعة أولى) ج6 ص57 و 59 عن أحمد، والطبراني، والحاكم، وسعيد بن منصور، وأبي داود، والترمذي، والطيالسي، والبيهقي، وابن عساكر، والمصنف للصنعاني ج10 ص446 و 447 وفي هامشه عن مغازي ابن عقبة، وعن الترمذي ج2 ص389 ومجمع البيان المجلد الأول ص535.
([73]) الآية 19 من سورة الليل.
([74]) اعتجر فلان بالعمامة: لفها على رأسه وردّ طرفها على وجهه.
([75]) الحبرة: ثوب مخطط من القطن أو الكتان.
([76]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن ابن إسحاق وغيره، والسيرة الحلبية ج3 ص84 والمغازي ج2 ص823 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص84.
([77]) تاريخ الخميس ج2 ص84.
([78]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن الحاكم وأبي يعلى، وابن عدي في الكامل 4/571، وانظر مجمع الزوائد 6/196 والسيرة الحلبية ج3 ص84.
([79]) العثنون: ما نبت على الذقن وتحته.
([80]) تاريخ الخميس ج2 ص83. وراجع: الدر المنثور ج6 ص67 عن ابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي في الشمائل، والبيهقي في سننه، والنسائي، وراجع: تفسير القرآن العظيم لابن كثير.
([81]) معج الفرس: أسرع، أو سار لشدة عدوه مرة في الشق الأيمن ومرة في الشق الأيسر.
([82]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن ابن سعد 3/1/180والمغازي ج2 ص824.
([83]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن أحمد، ومسلم، والأربعة، وفي هامشه عن: مسلم 2/990 (451/1358) (453/1359) والبيهقي في الدلائل 5/67 وابن أبي شيبة 8/234 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص84.
([84]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن مسلم.
([85]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن الأربعة وأشار في هامشه إلى البخاري 7/611 (4290) والسيرة الحلبية ج3 ص84.
([86]) المرط: كساء من خز أو صوف أو كتان.
([87]) المرحل: ما ينقش عليه صورة رحل الإبل.
([88]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 عن ابن إسحاق ، وقال في هامشه: أخرجه أبو داود في الجهاد باب (76)، والحاكم 2/104 وابن أبي شيبة 12/514، والبيهقي 6/392. وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص84 و 85.
([89]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص226 عن البخاري والبيهقي، والسيرة الحلبية ج3 ص85.
([90]) المغازي للواقدي ج2 ص825 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص82.
([91]) تاريخ الخميس ج2 ص83.
([92]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 عن البيهقي في الدلائل 5/66 والطحاوي في المعاني 4/296 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص83.
([93]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 وفي هامشه عن البخاري 7/598 (4280) وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص83 و 85 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص105 وتاريخ الخميس ج2 ص81 و 82.
([94]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 عن البخاري 7/598.
([95]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 والسيرة الحلبية ج3 ص83 وتاريخ الخميس ج2 ص82 ومجمع البيان ج10 ص557 والبحار ج21 ص105.
([96]) تاريخ الخميس ج2 ص82.
([97]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 عن أحمد والسيرة الحلبية ج3 ص83 وتاريخ الخميس ج2 ص82 و 84.
([98]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 والسيرة الحلبية ج3 ص85..
([99]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 ومجمع البيان ج10 ص557 والبحار ج21 ص105.
([100]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 عن مسلم في الجهاد (86) وتاريخ الخميس ج2 ص82 عن المواهب اللدنية، والمنتقى
([101]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص227 والسيرة الحلبية ج3 ص83 وتاريخ الخميس ج2 ص82 ومجمع البيان ج10 ص557 والبحار ج21 ص105 والمغازي للواقدي ج2 ص825.
([102]) راجع: الدر المنثور ج6 ص67 عن ابن إسحاق، والحاكم، والبيهقي في الدلائل، والكشاف ج3 ص540.
([103]) الآيات 1 ـ 3 من سورة الفتح.
([104]) المغازي للواقدي ج2 ص825 وتاريخ الخميس ج2 ص82.
([105]) السيرة الحلبية ج3 ص85.
([106]) راجع صحيح البخاري وسبل الهدى والرشاد ج5 ص267.
([107]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص228 عن ابن إسحاق، والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص83، وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص825 وتاريخ الخميس ج2 ص83.
([108]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص228 عن ابن إسحاق، والمغازي للواقدي ج2 ص826.
([109]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص228 والمغازي للواقدي ج2 ص826.
([110]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص228 عن ابن هشام والسيرة الحلبية ج3 ص85.
([111]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص228 والمغازي للواقدي ج2 ص826.
([112]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص228 و 229 والسيرة الحلبية ج3 ص83 والمغازي للواقدي ج2 ص827 و 828 وتاريخ الخميس ج2 ص83.
([113]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص229.
([114]) تاريخ الخميس ج2 ص83 عن الإكتفاء.
([115]) البارقة: السلاح.
([116]) الفضض من الشيء: ما تفرق منه.
([117]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص228 و 229 والسيرة الحلبية ج3 ص83 والمغازي للواقدي ج2 ص826 و 828 وتاريخ الخميس ج2 ص83.
([118]) تاريخ الخميس ج2 ص83.
([119]) تاريخ الخميس ج2 ص83.
([120]) بشَّت: جمعت جموعاً من قبائل شتى.
([121]) السيرة الحلبية ج3 ص83 وتاريخ الخميس ج2 ص84 عن المواهب اللدنية، والمنتقى عن أحمد ومسلم والنسائي عن أبي هريرة.
([122]) السيرة الحلبية ج3 ص84 وتاريخ الخميس ج2 ص84 عن المواهب اللدنية والمنتقى عن أحمد، ومسلم، والنسائي عن أبي هريرة.
([123]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص229 و 230 عن أحمد، ومسلم، والبيهقي، وغيرهم، والسيرة الحلبية ج3 ص83 و 84 وتاريخ الخميس ج2 ص84 عن المواهب اللدنية، والمنتقى عن أحمد، ومسلم، والنسائي عن أبي هريرة.
([124]) السيرة الحلبية ج3 ص84 والمغازي للواقدي ج2 ص839 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص83. وسبل الهدى والرشاد ج5 ص233 و 234 وعن موارد الظمآن للهيثمي (1699) ومجمع الزوائد ج6 ص177 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج4 ص487.
([125]) المغازي للواقدي ج2 ص839.
([126]) تاريخ الخميس ج2 ص82 و 83.
([127]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص229 والمعجم الكبير ج11 ص48.
([128]) تاريخ الخميس ج2 ص84 عن شفاء الغرام، والمعجم الكبير ج11 ص48 ومجمع الزوائد ج3 ص284 وج7 ص34 وعن الأوسط للطبراني ص154 = = وعن الدر المنثور للسيوطي ج3 ص271 و 272 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص83 و 84.
([129]) البحار ج21 ص136 وفي هامشه عن الكافي ج3 ص329.
([130]) الكافي ج 5 ص12 وراجع البحار ج21 ص136 عنه.
([131]) راجع المصادر التالية: الكافي ج1 ص62 الإعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص118 والخصال ص255 وتحف العقول ص193 وشرح أصول الكافي ج2 ص305 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج27 ص207 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص153 ومستدرك الوسائل ج9 ص91 و 92 و 93 وج17 ص288 و 340 وكتاب سليم بن قيس ص181 وشرح الأخبار ج1 ص228 وج2 ص277 وكتاب الغيبة للنعماني ص81 والمسترشد ص232 والإستنصار للكراجكي ص11 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص393 وج2 ص246 والعمدة لابن البطريق ص224 والطرائف لابن طاووس ص454 والصراط المستقيم ج3 ص156 و 258 وعوالي اللآلي ج1 ص186 ووصول الأخيار إلى أصول الأخبار للشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي ص167 وكتاب الأربعين للشيرازي ص309 والبحار ج2 ص161 و 225 و 229 وج34 ص169 وج36 ص273 وج37 ص223 وج50 ص80 وكتاب الأربعين للماحوزي ص241 والنص والإجتهاد ص521 وجامع أحاديث الشيعة ج1 ص15 و 142 وج13 ص579 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص80 ومكاتيب الرسول ج2 ص76 ومسند أحمد ج4 ص252 وج5 ص412 وصحيح مسلم ج1 ص8 وسنن الترمذي ج4 ص268 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص72 وشرح مسلم للنووي ج1 ص65 ومجمع الزوائد ج1 ص148 والمصنف للصنعاني ج6 ص109 والمصنـف لابن أبي شيبـة ج6 ص204 و 205 والآحـاد والمثـاني للضحاك ج5 ص344 و 352 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص444 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص18 والجامع الصغير ج1 ص26 و 357 وكنز العمال ج3 ص625 وج5 ص126 وج10 ص222 و 231 وتذكرة الموضوعات للفتني ص6 وفيض القدير ج1 ص171 وج2 ص604 وتفسير القرطبي ج1= = ص32 وتفسير الثعالبي ج1 ص139 والأحكام لابن حزم ج2 ص197 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص234 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص222 وج64 ص37 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص81 و 87 و 88 ذكر أخبار إصبهان ج2 ص6 وأعيان الشيعة ج1 ص114 وج8 ص128 وكشف الغمة ج1 ص344.
([132]) الآيتان 3 و 4 من سور النجم.
([133]) الكافي ج5 ص47.
([134]) الكافي ج5 ص47.
([135]) الآية 34 من سورة الأنفال.
([136]) الآية 6 من سورة المجادلة.
([137]) الآيتان 7 و 8 من سورة الزلزلة.
([138]) السيرة الحلبية ج3 ص81.
([139]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص84.
([140]) تاريخ الخميس ج2 ص85.
([141]) الكافي ج5 ص33 والبحار ج21 ص139 عنه.
([142]) السيرة الحلبية ج3 ص81 وراجع ص93.
([143]) البحار ج21 ص133 عن إعلام الورى، والأنوار العلوية للنقدي ص202 وإعلام الورى ج1 ص226 و 227.
([144]) راجع: المصنف لابن أبي شيبة ج8 ص533 وشرح معاني الآثار ج3 ص315 وكنز العمال ج10 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص332 و 238 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص550 و 560 وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج17 ص274 والطبقات الكبرى ج7 ص395 والثقات ج2 ص49 ومعجم البلدان ج5 ص28 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص334 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص865 وعيون الأثر ج2 ص191 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص227 ومعجم ما استعجم ج1 ص129.
([145]) سبل الهدى والرشاد ج5ص260 عن الواقدي ومسند أحمد ج6 ص466.
([146]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 عن الواقدي، والتنبيه والإشراف ص233 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج16 ص77 و 232.
([147]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص257 عن مسلم، وقال في هامشه: أخرجه مسلم في الجهاد باب 33 حديث (88)، والدارمي 2/198 والحميدي (568). والطبراني في الكبير 7/88 وأحمد 3/412، والطحاوي في المعاني 326 والبيهقي في الدلائل 5/79 وابن أبي شيبة 12/173، 14/90 انتهى.
وراجع: مسند أحمد ج4 ص313 والأدب المفرد ص178 والفايق في غريب الحديث ج3 ص436 والثقات ج2 ص53 وتهذيب التهذيب ج6 ص302 والبداية والنهاية ج4 ص351 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص581 والنهاية في غريب الحديث ج3 ص365 ولسان العرب ج15 ص124 ومسند الحميدي ج1 ص258.
([148]) المغازي للواقدي ج2 ص862 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص257 عن الواقدي.
([149]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص257 عن الواقدي، وفي هامشه عن: المغازي للواقدي 2/862 وابن سعد 2/1/99، والطبراني في الكبير 3/292 وابن أبي شيبة 14/490 والبيهقي في الدلائل 5/75 انتهى.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص103 والطبقات الكبرى ج2 ص137 وأسد الغابة ج1 ص346 وغريب الحديث ج3 ص190 والنهاية في غريب الحديث ج3 ص365 ولسان العرب ج15 ص124.
([150]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 عن أحمد، والترمذي، وصححه، والمغازي للواقدي ج2 ص862.
([151]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([152]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 عن البخاري في التفسير، وفضائل القرآن، والتوحيد، والمغازي، وعن مسلم في الصلاة، والنسائي، والحاكم، والسيرة الحلبية ج3 ص97.
([153]) الآية 1 من سورة النصر.
([154]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 عن الطبراني.
([155]) الآية 81 من سورة الإسراء.
([156]) البحار ج21 ص114 عن تفسير القمي.
([157]) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص58 ـ 63.
([158]) السيرة الحلبية ج3 ص85.
([159]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 عن الواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص85 وراجع: مجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص105 والمغازي للواقدي ج2 ص829.
([160]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 و231 وقال في هامشه: أخرجه البخاري 3/526 في الحج (1588) (3058، 4282، 6764)، ومسلم في الحج (439، 440) وأبو داود حديث (2010) وفي الفرائض باب (10) وابن ماجة (2730) والطحاوي في معاني الآثار 4/49، وأحمد 5/202 والدار قطني 3/62.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص85 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ق1 ص79 والمصنف للصنعاني ج6 ص15 وج10 ص344.
([161]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص231 عن البخاري وأحمد، وقال في هامشه: أخرجه البخاري (4284) (1589)، ومسلم في الحج (355) والبيهقي في الدلائل 5/93 وأحمد 2/263، 322، 353، والطبراني في الكبير 11/62 وانظر مجمع الزوائد 3/250.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص85.
([162]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص231 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج3 ص85 والمغازي للواقدي ج2 ص829.
([163]) المغازي للواقدي ج2 ص829.
([164]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص230 عن الواقدي ومجمع الزوائد ج9 ص23 والسيرة الحلبية ج3 ص85 والمغازي للواقدي ج2 ص828.
([165]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267.
([166]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص268.
([167]) راجع: البدء والتاريخ ج4 ص178 ووفاء الوفاء ج1 ص265 والسيرة الحلبية ج2 ص64.
([168]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267.
([169]) البحار ج96 ص80 وسفينة البحار ج8 ص92 و 93 وعن علل الشرائع ص446.
([170]) البحار ج96 ص81 وسفينة البحار ج8 ص93 وعن علل الشرائع ص446.
([171]) الآية 25 من سورة الحج. والحديث في سفينة البحار ج8 ص93 عن قرب الإسناد والبحار ج96 ص81 عن قرب الإسناد ص65.
([172]) البحار ج96 ص82 عن علل الشرائع ص396 وسفينة البحار ج8 ص93.
([173]) سفينة البحار ج8 ص93 عن علل الشرائع ص396 وعن عيون أخبار الرضا ج2 ص84 والبحار ج96 ص82 عنهما.
([174]) مجمع الزوائد ج6 ص176 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص235 عن الطبراني.
([175]) البحار ج21 ص131 و 132 عن إعلام الورى وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص829 و 830 .
([176]) المغازي للواقدي ج2 ص830.
([177]) مورسة: مصبوغة بلون أحمر.
([178]) سبل الهدى و الرشاد ج5 ص149 و 150 عن الواقدي, والمغازي للواقدي ج2 ص831 والسيرة الحلبية ج3 ص102.
([179]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص231 وفي هامشه عن صحيح مسلم (صلاة المسافرين) (82) وعن أبي داود (2763) وعن مسند أحمد ج6 ص341 و 342 و 343 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص75 ومستدرك الحاكم ج4 ص45 والسيرة الحلبية ج3 ص93 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص830 وتاريخ الخميس ج2 ص84.
([180]) السيرة الحلبية ج3 ص93 وتاريخ الخميس ج2 ص84.
([181]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص84 .
([182]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص231 و 232 عن البخاري، والبيهقي، وتاريخ الخميس ج2 ص84 عن المواهب اللدنية، والبخاري.
([183]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص269.
([184]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص93 فإنه ذكر شطراً من اختلافاتهم في هذا الأمر.
([185]) البحار ج21 ص135 عن الكافي ج1 ص125 و 126.
([186]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص268 عن مسلم.
([187]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص268 عن ابن خزيمة
([188]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص268.
([189]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171وصحيح مسلم ج7 ص21 ومسند أحمد ج5 ص333 والخصائص للنسائي ص6 وحلية الأولياء ج1 ص62 والسنن الكبرى ج9 ص107 وتذكرة الخواص ص24 وأسد الغابة ج4 ص28 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص564 والبداية والنهاية ج4 ص184 فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 وراجع: الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج2 ص184 و 188.
([190]) البحار ج21 ص131 و 132 عن إعلام الورى.
([191]) السيرة الحلبية ج3 ص93.
([192]) رنَّ: صوَّت وصاح.
([193]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص232 عن أبي يعلى، وأبي نعيم.
([194]) المغازي للواقدي ج2 ص841 و 842.
([195]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص232 عن ابن أبي شيبة.
([196]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص232 عن البيهقي في دلائل النبوة ج5 ص75 والمغازي للواقدي ج2 ص841.
([197]) البحار ج37 ص121 عن قرب الإسناد ص7.
([198]) البحار ج43 ص282 عن حلية الأولياء، وسنن ابن ماجة، والسمعاني في الفضائل.
([199]) الوازع: الموكَّل بإصلاح الصفوف في الحرب.
([200]) الثغام: شجر أبيض الزهر واحدته: ثغامة. يقال: صار الرأس ثاغماً. أي أبيض.
([201]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص232 و 233 عن الواقدي، وأحمد والطبراني، والبيهقي، ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص95 والرياض النضرة ج1 ص65 و 66 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص88 و 89 والمغازي للواقدي ج2 ص824 و 825 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص82 و 95 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص23 ومسند أحمد ج6 ص349.
([202]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص233.
([203]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص233 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص96 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص244 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع معه) نفس الجزء والصفحة. ومسند أحمد ج6 ص349 والرياض النضرة ج1 ص65 و 66.
([204]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص233 عن مسلم، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص88 وتاريخ الخميس ج2 ص95.
([205]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص233 ومستدرك الحاكم ج3 ص244 والسيرة الحلبية ج3 ص88.
([206]) العرفج: شجر صغير سريع الإشتعال بالنار. وهو نبات الصيف .
([207]) المستدرك على الصحيحين ج3 ص245 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه.
([208]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص223 عن أحمد، وابن حبان.
([209]) السيرة الحلبية ج3 ص88 وفيه أحاديث أخرى عن الخضاب.
([210]) السيرة الحلبية ج3 ص88 وراجع: الإصابة ج4 ص116 و 117 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص69 وحياة الصحابة ج2 ص344 ومجمع الزوائد ج6 ص174 عن الطبراني، والبزار، ومسند أحمد ج1 ص131 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج4 ص142 و 95 ونصب الراية ج6 ص281 و 282 والمصنف للصنعاني ج6 ص39 والحاكم وصححه على شرط الشيخين، وعن أبي يعلى، وأبي بشر سفويه في فوائده، وعمر بن شبَّة.
([211]) المستدرك على الصحيحين ج3 ص244 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس الجزء والصفحة ومجمع الزوائد ج9 ص50 عن البزار.
([212]) تلخيص المستدرك ج3 ص244.
([213]) صفة الصفوة ج2 ص90.
([214]) الطبقات الكبرى ج5 ص74.
([215]) راجع: المستدرك للحاكم وتلخيصه للذهبي ج3 ص244.
([216]) الآية 19 من سورة الليل.
([217]) راجع: الدر المنثور ج6 ص358 ـ 360 والسيرة الحلبية ج1 ص299 والعثمانية ص35 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص273.
([218]) تلخيص الشافي ج3 ص238، ودلائل الصدق ج2 ص130، والإفصاح ص135 وراجع الغدير ج8 ص51.
([219]) السيرة الحلبية ج3 ص89.
([220]) السيرة الحلبية ج3 ص89.
([221]) السيرة الحلبية ج3 ص89.
([222]) السيرة الحلبية ج3 ص89.
([223]) المصدر السابق.
([224])المصدر السابق.
([225])المصدر السابق.
([226]) تاريخ الخلفاء ص100 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص24 وتاريخ الإسلام للذهبي (عهد الخلفاء الراشدين) ص106.
([227]) الرياض النضرة ج1 ص68 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص194 وعن الواحدي، ونور الأبصار.
([228]) تهذيب التهذيب ج7 ص357.
([229]) الآية 15 من سورة الأحقاف.
([230]) الجامع لأحكام القرآن ج16 ص193 و 194 والكشاف ج4 ص303 وفتح القدير ج5 ص20 والرياض النضرة ج1 ص68 وتفسير الخازن ج4 ص132 وتفسير النسفي (مطبوع بهامش الخازن) ج4 ص132 وعن مرقاة الوصول ص121 والدر المنثور ج6 ص40 و 41 عن ابن عساكر، وعن ابن مردويه.
([231]) الآية 14 من سورة لقمان.
([232]) الآية 233 من سورة البقرة.
([233]) راجع: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص157 وتيسير الوصول ج2 ص9 و 11 والموطأ ج2 ص176 وعمدة القاري ج21 ص18 والبرهان ج14 ص174. وراجع: المصنف للصنعاني ج7 ص350 و352 والسنن الكبرى للبيهقي ج7 ص442 وتذكرة الخواص ص148 والدر المنثور ج1 ص288 وج6 ص40 والمناقب للخوارزمي ص94 ومختصر جامع بيان العلم ص265 والرياض النضرة ج3 ص142 وكفاية الطالب ص226 وتفسير النيسابوري ج6 ص120 وذخائر العقبى ص82 والتفسير الكبير للرازي ج28 ص15 والأربعين للرازي ص466 وكنز العمال ج5 ص457 وج6 ص205 وعن ابن أبي حاتم، والعقيلي، وابن السمان، وعبد بن حميد، وجامع بيان العلم ص311.
([234]) الدر المنثور ج6 ص41 عن البخاري، وصحيح البخاري (ط 1309 هـ) ج3 ص121 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص159 وفتح القدير ج4 ص21 وراجع: الغدير ج8 ص247.
([235]) تفسير البرهان ج4 ص172 و 173 و 174.
([236]) الآية 22 من سورة المجادلة، وراجع الحديث في: الدر المنثور ج6 ص186 عن المنذر، والجامع لأحكام القرآن ج17 ص307 وتفسير الآلوسي ج28 ص36 والكشاف ج4 ص497 ومرقاة الوصول ص121.
([237]) الدر المنثور ج6 ص186 عن ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم ، وأبي نعيم في الحلية، والبيهقي في سننه، وابن عساكر.
([238]) الدر المنثور ج6 ص186 عن ابن مردويه.
([239]) الآية 15 من سورة لقمان.
([240]) الآية 15 من سورة الأحقاف.
([241]) التفسير الكبير ج29 ص276 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص330.
([242]) المحاسن والمساوئ ج1 ص57.
([243]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص223 عن أحمد، وابن حبان.
([244]) البحار ج73 ص97 و 99 عن ثواب الأعمال ص21 والخصال ج2 ص90 ومكارم الأخلاق (ط دار البلاغة) ص79.
([245]) البحار ج73 ص100 ومكارم الأخلاق (ط دار البلاغة) ص79.
([246]) البحار ج73 ص100 ومكارم الأخلاق (ط دار البلاغة) ص80.
([247]) البحار ج73 ص100 و 101 ومكارم الأخلاق (ط دار البلاغة) ص80.
([248]) البحار ج73 ص102 ومكارم الأخلاق (ط دار البلاغة) ص81.
([249]) نهج البلاغة (بتحقيق عبده) ج4 ص5 والوسائل (ط أهل البيت) ج2 ص87 والبحار ج73 ص104 وشرح النهج للمعتزلي ج18 ص122 ومكارم الأخلاق.
([250]) معجت الخيل: كانت سريعة السير سهلة.
([251]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص233 ومستدرك الحاكم ج3 ص244 والسيرة الحلبية ج3 ص88.
([252]) المحجن: العصا المنعطفة الرأس كالصولجان.
([253]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص234 والبحار ج21 ص117 عن إرشاد المفيد ص63 وعن الخرائج والجرائح.
([254]) السيرة الحلبية ج3 ص85 و 86 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص86 عن أبي نعيم.
([255]) الآية 81 من سورة الإسراء.
([256]) البحار ج21 ص117 عن إرشاد المفيد ص63 وعن الخرائج والجرائح.
([257]) سية القوس: ما عطف من طرفيها.
([258]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص234 عن أبي نعيم، والبيهقي، وابن إسحاق، وابن مندة، والواقدي، وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص832 وتاريخ الخميس ج2 ص86 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص71 وعن البخاري في المظالم، باب هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص85 و 86 والبحار ج21 ص92 و 106 و 116 عن مجمع البيان ج6 ص435 وعن أمالي ابن الشيخ ص214.
([259]) البحار ج21 ص92 و 110 عن مجمع البيان ج6 ص435 وعن سعد السعود ص220.
([260]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص85 والمغازي للواقدي ج2 ص832 وتاريخ الخميس ج2 ص84 والبحار ج96 ص210.
([261]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 والمغازي للواقدي ج2 ص832.
([262]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص87 و 88 وتاريخ الخميس ج2 ص85.
([263]) السيرة الحلبية ج3 ص88.
([264]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 وتاريخ الخميس ج2 ص87 عن روضة الأحباب.
([265]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 والمغازي للواقدي ج2 ص832.
([266]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص235 عن البزار ومجمع الزوائد ج6 ص176 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص86.
([267]) الآية 172 من سورة الأعراف.
([268]) راجع: البحار ج96 ص216 و 217 وراجع ص221 و 227 و 228 عن علل الشرايع ص49 وراجع ص426 وتفسير العياشي ج2 ص38.
([269]) راجع: البحار ج96 ص217 و 218 عن علل الشرايع ص425.
([270]) البحار ج96 ص215 ـ 228.
([271]) الآية 101 من سورة النساء.
([272]) راجع الآيات: 158 و 229 و 230 و 233 و 234 و 235 و 236 و 240 و 282 من سورة البقرة، و 23 و 24 و 102 من سورة النساء .
([273]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص236، وقال: ذكره أبو عمر في الدرر، ولم يذكر في الإستيعاب، وهو على شرطه، وذكره القاضي في الشفاء بنحوه. والسيرة الحلبية ج3 ص102 وتاريخ الخميس ج2 ص87.
([274]) الآية 8 من سورة فاطر.
([275]) الآية 24 من سورة النمل، والآية 38 من سورة العنكبوت.
([276]) البحار ج96 ص232 عن علل الشرايع ص423.
([277]) الآية 74 من سورة الإسراء.
([278]) نور الثقلين ج3 ص198 والبرهان (تفسير) ج2 ص434 والبحار ج21 ص124 وتفسير العياشي ج2 ص306 ومجمع البيان المجلد الثالث ج6 ص431.
([279]) نور الثقلين ج3 ص197 و 198 والبرهان (تفسير) ج2 ص434.
([280]) نور الثقلين ج3 ص198.
([281]) أي اجتمع عنده أبو بكر وعمر وابنتاهما. والواو في قوله: وابنتيهما للمعية.
([282]) كذا في المصدر.
([283]) الآيتان 74 و 75 من سورة الإسراء.
([284]) نور الثقلين ج3 ص198 و 199 والبرهان (تفسير) ج2 ص434.
([285]) الآية 73 من سورة الإسراء.
([286]) البرهان (تفسير) ج2 ص434.
([287]) لم أفهم معنى هذه العبارة ولعلها محرفة أو مصحفة. لكن العبارة التي بعدها توضح المراد.
([288]) البرهان ج2 ص434.
([289]) الدر المنثور ج4 ص194 عن ابن إسحاق، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
([290]) راجع: مجمع البيان المجلد الثالث ج6 ص431 والدر المنثور ج4 ص194 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([291]) الدر المنثور ج4 ص194 عن ابن أبي حاتم.
([292]) الدر المنثور ج4 ص194 عن ابن أبي حاتم، ومجمع البيان المجلد الثالث ج6 ص431.
([293]) الدر المنثور ج4 ص194 عن ابن جرير، وابن مردويه، ومجمع البيان المجلد الثالث ج6 ص431.
([294]) راجع: الدر المنثور ج1 ص7 وج3 ص208 عن أبي داود، والبزار، والدار قطني في الافراد، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي في المعرفة وفي شعب الإيمان، وفي السنن الكبرى، وعن أبي عبيد، والواحدي، وفتح الباري ج9ص39 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص16 ونيل الأوطار ج2 ص228 ومستدرك الحاكم ج1 ص231 و232 وصححه على شرط الشيخين، وتلخيص المستدرك للذهبي، بهامشه، وأسباب النزول للواحدي ص9و10 والسنن الكبرى ج2 ص42 و43 ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني، الجزء 4 ص433 والإتقان ج1 ص78 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص56و57 وراجع ص55 عن بعض من تقدم، والجامع لأحاكم القرآن ج1 ص95 وعمدة للقارئ ج5 ص292 ونصب الراية ج1 ص327 والمستصفى ج1 ص103 وفواتح الرحموت بهامشه ج2 ص14 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص34 والتفسير الكبير ج1 ص208 وغرائب القرآن، بهامش الطبري ج1 ص77 والمصنف للصنعاني ج2 ص92 ومجمع الزوائد ج6 ص310 وج2 ص109 عن أبي داود والبزار وكنز العمال ج2 ص368 عن الدارقطني في الافراد والتمهيد في علوم القرآن ج1 ص212 عن الحاكم واليعقوبي، وسنن أبي داود ج1 ص209 والمنتقى ج1 ص380 وتبيين الحقائق ج1 ص113 وكشف الأستار ج3 ص40 ومشكل الآثار ج2 ص153 وتفسير العياشي ج1 ص19 وعنه في التمهيد في علوم القرآن ج1 ص212 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص56 ومصباح الفقيه [كتاب الصلاة] ص276 والجامع لأحاكم القرآن ج1 ص95.
([295]) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص272 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص43 والإتقان ج1 ص62 والبرهان للزركشي ج1 ص241 عن الترمذي، والحاكم. والتمهيد ج1 ص213 وتاريخ القرآن للصغير ص81 عن: مدخل إلى القرآن الكريم لدراز ص34. لكن في غرائب القرآن للنيسابوري، بهامش جامع البيان للطبري ج1 ص24 ومناهل العرفان ج1 ص240 هكذا: "ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يذكر فيه كذا". ومستدرك الحاكم ج2 ص330 و221 وتلخيصه للذهبي بهامشه وغريب الحديث ج4 ص104، والبرهان للزركشي ج1 ص234 و 235 وراجع ص61 وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج1 ص24 وفتح الباري ج9 ص19و 20و 39و 38، وكنز العمال ج2 ص367 عن أبي عبيد في فضائله، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي داود، والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي داود، وابن الأنباري معاً في المصاحف، والنحاس في ناسخه، وابن حبان، وأبي نعيم في المعرفة، والحاكم وسعيد بن منصور، والنسائي، والبيهقي، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى ج2 ص12 عن بعض من ذكر، والدر المنثور ج3 ص207 و208 عن بعض من ذكر، وعن أبي الشيخ، وابن مردويه ومشكل الآثار ج2 ص152 والبيان ص268 عن بعض من تقدم، وعن الضياء في المختارة، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج2 ص48 وراجع: بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص103 ومناهل العرفان ج1 ص347 ومباحث في علوم القرآن ص142 عن بعض من تقدم، وتاريخ القرآن للصغير ص92 عن أبي شامة في المرشد الوجيز.. وجواهر الأخبار والآثار بهامش البحر الزخار ج2 ص245 عن أبي داود والترمذي وسنن أبي داود ج1 ص209 والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص42 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص10 ومسند أحمد ج1 ص57و69.
([296]) الآية 39 من سورة يوسف.
([297]) الميزان (تفسير) ج11 ص175 ـ 178.
([298]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص236 عن ابن أبي شيبة، والحاكم، وتاريخ الخميس ج2 ص86 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص429 والتبصرة لابن الجوزي ص442 ومناقب الأخيار ص3 ومسند أحمد ج1 ص84 ومستدرك الحاكم ج3 ص5 وج2 ص367 وتلخيص المستدرك بهامشه، والمصنف لابن أبي شيبة ج14 ص488 ونظم درر السمطين ص125 والسيرة الحلبية ج3 ص86 عن خصائص العشرة للزمخشري وبدايع الأمثال ص148 وينابيع المودة ص139 و 420 وراجع: وتاريخ بغداد ج13 ص302 والمناقب للخوارزمي ص73 وخصائص الإمام علي "عليه السلام" للنسائي (ط التقدم بمصر) ص31 وصفة الصفوة ج1 ص119 وتذكرة الخواص ص31 ومجمع الزوائد ج6 ص24 ومفتاح النجا ص27 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدس) ص85 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج5 ص54 وفرائد السمطين، وتفريح الأحباب ص316 وبذل القوة للسندي الحنفي ص224 وكنز العمال (ط حيدر آباد) ج5 ص151وغالية المواعظ ج2 ص88.
([299]) مستدرك الحاكم ج2 ص367 وتاريخ الخميس ج2 ص86 عن الطبراني، وأحمد، والترمذي، والصالحاني، والسيرة الحلبية ج3 ص86.
([300]) السيرة الحلبية ج3 ص86 وتاريخ الخميس ج2 ص86.
([301]) السيرة الحلبية ج3 ص86 وتاريخ الخميس ج2 ص86.
([302]) تاريخ الخميس ج2 ص86 عن الزرندي، والصالحاني، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص202.
([303]) إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص689.
([304]) السيرة الحلبية ج3 ص86.
([305]) المناقب لابن المغازلي ص202 والمناقب المرتضوية ص188 والبحار ج38 ص86 وكشف اليقين ص447 والطرائف ص80 والعمدة لابن البطريق ص364 و 365.
([306]) تاريخ الخميس ج2 ص86 وإحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص162.
([307]) تاريخ الخميس ج2 ص87 وينابيع المودة (ط إسلامبول) ص139 وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص683 وج18 ص163.
([308]) إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص57 عن بشائر المصطفى، وعن تجهيز الجيش للدهلوي العظيم آبادي.
([309]) أنيس الجليس للسيوطي (ط سنة 1291 هـ) ص148 وإحقاق الحق (الملحقات) ج18 ص167.
([310]) السيرة الحلبية ج3 ص86.
([311]) السيرة الحلبية ج3 ص86.
([312]) المغازي للواقدي ج2 ص870 و871.
([313]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ق1 ص99 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص248 والسيرة الحلبية ج3 ص103 والمغازي للواقدي ج2 ص870 و 871.
([314]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص870 و 871.
([315]) المغازي للواقدي ج2 ص834 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص236 عن الواقدي وابن أبي شيبة.
([316]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص236 عن الواقدي، وابن أبي شيبة، والسيرة الحلبية ج3 ص86.
([317]) الحجزة: موضع شد الإزار من الوسط.
([318]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص236 و 237 عن الواقدي وابن أبي شيبة، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص98 والمغازي للواقدي ج3 ص833.
([319]) السيرة الحلبية ج3 ص98.
([320]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص237 عن عبد الرزاق والطبراني، وفي هامشه عن: أبي داود (2027)، وعن المطالب العالية (4364).
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص98 و 99 والمغازي للواقدي ج2 ص833.
([321]) المغازي للواقدي ج2 ص833.
([322]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص237 عن الفاكهي، وتاريخ الخميس ج2 ص88.
([323]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص237 عن ابن أبي شيبة.
([324]) البحار ج21 ص132 عن إعلام الورى.
([325]) تاريخ الخميس ج2 ص87 و 88 والسيرة الحلبية ج3 ص98.
([326]) الآية 58 من سورة النساء.
([327]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص88.
([328]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص98 والبحار ج21 ص116 و 117 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص404 و 405.
([329]) البحار ج21 ص116 و 117 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص404 و 405.
([330]) راجع: البحار ج21 ص136 و 132 و 133 وفي هوامشه عن تهذيب الأحكام للطوسي ج1 ص245 وعن المناقب لابن شهرآشوب، وإعلام الورى، وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص83.
([331]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص239 عن ابن إسحاق، والسيرة الحلبية ج3 ص87 وتاريخ الخميس ج2 ص84.
([332]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص239 والسيرة الحلبية ج3 ص87 وتاريخ الخميس ج2 ص86.
([333]) الآية 67 من سورة آل عمران.
([334]) السيرة الحلبية ج3 ص87 وتاريخ الخميس ج2 ص85.
([335]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص237 و 238 عن أبي داود، وابن سعد، والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص86 و 87 وراجع: قرب الإسناد ص61 والبحار ج21 ص111.
([336]) السيرة الحلبية ج3 ص87.
([337]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص238 عن البخاري وابن أبي شيبة وفي هامشه عن: البخاري (3352) ومسند أحمد ج1 ص365 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج14 ص487 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص73 والبحار ج21 ص106 وتاريخ الخميس ج2 ص56.
([338]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص270 عن مسند الطيالسي، والسيرة الحلبية ج3 ص87 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص834.
([339]) الذنوب: الدلو الكبير.
([340]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص272 عن الأزرقي.
([341]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص272 عن ابن أبي شيبة.
([342]) المغازي للواقدي ج2 ص734 والسيرة الحلبية ج3 ص87 عن سبط بن الجوزي.
([343]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص238 و 239 عن مصادر كثيرة ذكرت الحديث يزيد بعضهم، أو ينقص وهم: البخاري، ومسلم، ومالك، وموسى بن عقبة، والنسائي، وأبي عوانة، وابن ماجة، وأحمد، والطبراني، وابن أبي شيبة، والطحاوي، وابن قانع، والأزرقي، وأبي داود، والبزار، والحاكم، والبهقي.. وفي هامشه عن البخاري في المغازي ج7 ص611.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص87 والمغازي للواقدي ج2 ص834 و 835 وتاريخ الخميس ج2 ص87 و 88.
([344]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص239 وتاريخ الخميس ج2 ص86 و 89 والسيرة الحلبية ج3 ص87 عن الترمذي.
([345]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص835 والسيرة الحلبية ج3 ص87 وتاريخ الخميس ج2 ص88 و 89 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص239 و 240 و 241 وذكر تفاصيل واختلافات الرواة في العديد من المصادر، وهي التي تقدمت في الهامش السابق.
وقد ذكر الصالحي الشامي: أن صلاة النبي "صلى الله عليه وآله" ركعتين داخل الكعبة قد ورد في رواية يحيى بن سعيد عند الشيخين. وفي رواية أبي نعيم الفضل بن دكين عند البخاري والنسائي، ورواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد عند ابن خزيمة ، ورواية عمر بن علي عند الإسماعيلي، ورواية عبد الله بن نمير عند الإمام أحمد، كلهم عن سيف بن أبي سليمان عن مجاهد عن ابن عمر: وتابع سيفاً عن مجاهد خصيف عند الإمام أحمد، وتابع مجاهداً عن ابن عمر بن أبي مليكة عند الإمام أحمد والنسائي، وعمرو بن دينار عند الإمام أحمد، وفي حديث جابر: دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" البيت يوم الفتح، فصلى فيه ركعتين، ورواه الإمام أحمد برجال الصحيح، والطبراني عن عثمان بن طلحة. ورواه الإمام أحمد، والأزرقي عن عبد الله بن الزبير. ورواه الطبراني بسند جيد، وابن قانع وأبو جعفر الطحاوي من طريقين عن عثمان.
([346]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص241 عن الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وعن البزار، قال الصالحي الشامي ورواه أبو دادو، والطحاوي عن عمر بن الخطاب. والبزار عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، ورواه الطبراني.
([347]) سبل الهدى والرشاد ج 5 ص 241 و 271 وفي هامشه عن: البخاري ج1 ص688 (504 و 505) ومسلم ج2 ص966 (388 و 389/1329) (390/1329) ومالك ج1 ص398 (193) وعن مسند أحمد ومجمع الزوائد، والطبراني في الكبير، والسيرة الحلبية ج3 ص87 وتاريخ الخميس ج2 ص89 والمغازي للواقدي ج2 ص835.
([348]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 و 246 عن ابن أبي شيبة في المصنف.
([349]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([350]) السيرة الحلبية ج3 ص87.
([351]) المغازي للواقدي ج2 ص834.
([352]) تاريخ الخميس ج2 ص87.
([353]) السيرة الحلبية ج3 ص87.
([354]) المصدر السابق.
([355]) المصدر السابق.
([356]) البحار ج21 ص136 و 132 و 133 عن تهذيب الأحكام للطوسي ج1 ص245 وعن إعلام الورى، وعن المناقب لابن شهرآشوب. وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص83.
([357]) الآية 27 من سورة الفتح.
([358]) الدر المنثور ج6 ص80 و 81 عن ابن مردويه، وابن جرير، وعن ابن أبي شيبة.
([359]) تاريخ الخميس ج2 ص88 والسيرة الحلبية ج3 ص98 و 100.
([360]) تاريخ الخميس ج2 ص87.
([361]) شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص409 عن ابن كثير.
([362]) الآية 58 من سورة النساء.
([363]) البحار ج21 ص135 عن الكافي ج1 ص227.
([364]) تاريخ الخميس ج2 ص89 عن تاريخ مكة للأزرقي.
([365]) هذه الفقرة في: السيرة الحلبية ج3 ص98 والبحار ج21 ص132 عن إعلام الورى.
([366]) الآية 92 من سورة يوسف.
([367]) راجع: دلائل النبوة للبيهقي ج9 ص118.
([368]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([369]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص242 و 243، وقال: أخرجه البخاري (2434)، ومسلم في الحج (447، 448)، وأبو داود (2017) (3649، 4505) والترمذي (2667) وأحمد 2/238 والبيهقي 8/52 والدارقطني 3/97.
وذكر الصالحي الشامي: أن رواة الخطبة المشار إليهـا هم: الإمام أحمـد، وأبو داود، = = والنسائي، وابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والبخاري في صحيحه عن مجاهد. وابن أبي شيبة.. وابن إسحاق عن صفية بنت شيبة، والبيهقي عن عبد الله بن عمر، وابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبيدة.
وواضح: أن نصوص الخطبة تتفاوت، من حيث الإختصار والتطويل، والتقديم، والتأخير، واختلافات أخرى. وكيف كان فهي موجودة في المصادر التالية:
السيرة الحلبية ج3 ص98 والبحار ج21 ص132 و 135 و 136 و 105 و 106 والكافي ج3 ص227 و 228 و 328 وعن صحيح مسلم ج2 ص988 و 989 وعن صحيح البخاري ج1 ص39 وج3 ص165 وج4 ص127 وج5 ص194 وج9 ص6 و 17 ومجمع البيان ج1 ص206 وج10 ص557 عن إعلام الورى، وسنن أبي داود ج2 ص212 وج3 ص319 وج4 ص172 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص39 ومسند أحمد ج1 ص259 وج2 ص238 ومقدمة ابن الصلاح ص170 ومعالم السنن ج4 ص184 وجامع بيان العلم ج2 ص84 وتدريب الراوي ج2 ص66 والسنة قبل التدوين ص305 عن فتح الباري ج1 ص183 و 184 و 217 وج5 ص63 وج12 ص181 ـ 183 والتراتيب الإدارية ج2 ص249 ومعادن الجواهر ج1 ص10 والمحدث الفاصل ص363 و 364 وإرشاد الساري ج1 ص168 وعمدة القاري ج1 ص567 وج2 ص163 وج12 ص275 وج24 ص42 وأسد الغابة ج2 ص384 وج5 ص224 وتيسير الوصول ج3 ص176 وصحائف الصحابة ص31 والفقيه والمتفقه ج1 ص91 وسنن الدارقطني ج3 ص97 وتدوين السنة ص88 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج14 ص495 وتاريخ الخميس ج2 ص84 و 85 و 90 وتهذيب الآثار ج1 ص255 ورسالات نبوية ص53 والدر المنثور ج1 ص122 وفتوح البلدان للبلاذري ص57 ومعجم البلدان ج5 ص183 وسنن ابن ماجة ج2 ص1038 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 = = ق1 ص99 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص52 والإصابة ج2 ص135 وج4 ص10 والكفاية للخطيب ص53 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص306 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص281 وزاد المعاد ج2 ص166 و 185 و 203 والإستيعاب ج4 ص106 والتاج الجامع للأصول ج2 ص172 والفتح الرباني ج23 ص241 و 242 والبداية والنهاية ج4 ص304 ومدينة البلاغة ج1 ص72 والمغازي للواقدي ج2 ص835 و 836 و 837 وجامع أحاديث الشيعة ج10 ص102 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص118 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج2 ص327 وغير ذلك.
([370]) تقييد العلم ص86.
([371]) البحار ج21 ص105 و 106 و 132 ومجمع البيان ج10 ص557 عن إعلام الورى.
([372]) البحار ج21 ص111 عن كتاب صفات الشيعة للصدوق ص4.
([373]) تاريخ الخميس ج2 ص85.
([374]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص342 وأسد الغابة ج4 ص387 وفتح الباري ج13 ص207.
([375]) الإصابة ج2 ص305.
([376]) الإمامة والسياسة ج1 ص85 و (في طبعة) 71 و (في أخرى) 81 والعقد الفريد ج4 ص136 ونهج البلاغة ج2 ص5 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج3 ص76 وج14 ص36.
([377]) راجع: الإمامة والسياسة ج1 ص100 و (في طبعة أخرى) 85 و (في طبعة ثالثة) 97 وشرح النهج للمعتزلي ج8 ص66.
([378]) شرح النهج للمعتزلي ج2 ص246.
([379]) الإمامة والسياسة ج1 ص98 و (في طبعة أخرى) 75 و (في طبعة ثالثة) 85.
([380]) الغدير ج10 ص31.
([381]) مروج الذهب ج3 ص52.
([382]) الإستيعاب ج2 ص402 وأسد الغابة ج3 ص318.
([383]) الآية 126 من سورة البقرة.
([384]) الآية 35 من سورة إبراهيم.
([385]) تفسير الميزان ج12 ص68 و 69 والتفسير الكبير للرازي ج4 ص55.
([386]) راجع نص خطبة النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة في المصادر المختلفة المتقدمة.
([387]) الآية 37 من سورة إبراهيم.
([388]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([389]) راجع: المحلى لابن حزم ج10 ص497 وصحيح ابن حبان ج9 ص28 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص232.
([390]) مكاتيب الرسول ج3 ص594.
([391]) الآية 106 من سورة يوسف.
([392]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص840 و 841.
([393]) طبقات ابن سعد ج3 ق1 ص64 وأسد الغابة ج3 ص131 والإصابة ج2 ص287 وصفة الصفوة ج1 ص386 والسيرة الحلبية ج2 ص300.
([394]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص300.
([395]) راجع: أسد الغابة ج3 ص131 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج2 ص272 ـ 274 والإصابة ج4 ص4 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص62 والتنبيه والإشراف ص223.
([396]) راجع: الإصابة ج4 ص3 و 4 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص12 و 13 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص62.
([397]) الكافي ج5 ص294 وراجع ص292 وراجع أيضاً: من لا يحضره الفقيه ج3 ص233 و 103 وتهذيب الأحكام ج7 ص147 والوسائل ج17 ص340 و 341 والبحار ج100 ص127 والفائق ج2 ص442 ومصابيح السنة للبغوي ج2 ص14 والنظم الإسلامية ص321 عن أبي داود، وعن عون المعبود ج2 ص352.
([398]) أضواء على السنة المحمدية لأبي رية ص125ونظرات في التصوف والكرامات لمحمد جواد مغنية 89.
([399]) مستند الشيعة ج1 ص6 والإمام علي للهمداني ص362 والفوائد الرجالية لبحر العلوم ج1 ص29 وراجع: الفوائد العلية ج2 ص394 والجواهر السنية 361 والبحار ج102 ص165 وشجرة طوبى ج1 ص33 ومشارق أنوار اليقين ص10.
([400]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([401]) الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص144 و 145..
([402]) الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص184.
([403]) الآيتان 3 و 4 من سورة النجم.
([404]) الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص144 و 145..
([405]) الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص182.
([406]) الإحكام في أصول الأحكام ج4 ص184
([407]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص243 عن ابن أبي شيبة.
([408]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص242 عن الواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص100 والمغازي للواقدي ج2 ص835.
([409]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص243 عن عبد الرزاق، والطبراني، والمغازي للواقدي ج2 ص837 و 838.
([410]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص243 عن الواقدي، عن شيوخه، والمغازي للواقدي ج2 ص837 و 838.
([411]) راجع هذه الفقرة في: السيرة الحلبية ج3 ص100 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص244 وفي هامشه عن البداية والنهاية ج4 ص301.
([412]) اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر.
([413]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن ابن سعد والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص100 و 101 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص837 وتاريخ الخميس ج2 ص85 و 88 وعن البداية والنهاية ج4 ص301.
([414]) الآية 58 من سورة النساء.
([415]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 و 245 عن ابن عائذ، والأزرقي، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص100.
([416]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن الأزرقي وقال في هامشه: أخرجه الطبراني في الكبير ج11 ص120، وانظر المجمع ج3 ص285 وابن سعد ج2 ق1 ص99 وأبا نعيم في تاريخ أصفهان ج1 ص248 والسيوطي في الدر المنثور ج2 ص175 و 174 عن ابن جرير وابن المنذر.
([417]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 والسيرة الحلبية ج3 ص101.
([418]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن ابن عائذ، وابن أبي شيبة، والسيرة الحلبية ج3 ص101.
([419]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن عبد الرزاق، والطبراني.
([420]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن الفاكهي.
([421]) السيرة الحلبية ج3 ص100.
([422]) السيرة الحلبية ج3 ص100.
([423]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن عبد الرزاق والسيرة الحلبية ج3 ص100 وتاريخ الخميس ج2 ص85.
([424]) السيرة الحلبية ج3 ص100.
([425]) راجع: المغازي ج2 ص833 وتاريخ الخميس ج2 ص85 عن البحر العميق.
([426]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن عبد الرزاق.
([427]) تاريخ الخميس ج2 ص87 والدر المنثور ج2 ص174 عن ابن مردويه، والسيرة الحلبية ج3 ص101.
([428]) السيرة الحلبية ج3 ص101.
([429]) السيرة الحلبية ج3 ص101.
([430]) الآية 58 من سورة النساء.
([431]) الدر المنثور ج2 ص175 عن المصنف لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
([432]) الدر المنثور ج2 ص175 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([433]) الدر المنثور ج2 ص175 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([434]) السيرة الحلبية ج3 ص101.
([435]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص247 عن أحمد، والبيهقي، وفي هامشه عن: مسند أحمد ج3 ص415 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص94.
([436]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص247 وتاريخ الخميس ج2 ص89.
([437]) السيرة الحلبية ج3 ص96.
([438]) السيرة الحلبية ج3 ص96.
([439]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص247 و 248 عن ابن جرير، وفي هامشه عن: مسند أحمد ج6 ص357 وزاد المسير ج8 ص145 والبداية والنهاية ج4 ص319 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص94 و 96 والبحار ج21 ص98 عن مجمع البيان ج9 ص275 و 276 وتاريخ الخميس ج2 ص89.
([440]) السيرة الحلبية ج3 ص96.
([441]) السيرة الحلبية ج3 ص94.
([442]) الآية 12 من سورة الممتحنة.
([443]) الكافي ج3 ص66 والبحار ج21 ص134 و 113 و 117 وج64 ص178 عنه وعن تفسير القمي ج2 ص364، والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص211 وتفسير الصافي ج5 ص166 وتفسير نور الثقلين ج5 ص307 وتفسير الميزان ج19 ص246 وتحف العقول (ط2) ص457 عن أبي جعفر.
([444]) تاريخ الخميس ج2 ص89.
([445]) السيرة الحلبية ج3 ص96.
([446]) مجمع البيان ج9 ص275 و 276 والبحار ج21 ص98.
([447]) تاريخ الخميس ج2 ص89.
([448]) شرح النهج للمعتزلي ج1 ص336 الخطبة رقم (25) والبحار ج33 ص200 والغدير ج10 ص170.
([449]) راجع: الغدير (ط سنة 1424 هـ) ج11 ص242 وتذكرة الخواص ص203.
([450]) ربيع الأبرار ج3 ص551 وتذكرة الخواص ص203 والغدير ج10 ص170.
([451]) شرح النهج للمعتزلي ج16 ص183.
([452]) تذكرة الخواص ص201 و 202.
([453]) وراجع: تذكرة الخواص ص203.
([454]) السيرة الحلبية ج3 ص96 و 97.
([455]) السيرة الحلبية ج3 ص97 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص148 والمغازي للواقدي ج2 ص850 و 851.
([456]) البحار ج21 ص98 ومجمع البيان ج9 ص275 و 276 عن صحيح البخاري.
([457]) السيرة الحلبية ج3 ص97 والبحار ج21 ص98 ومجمع البيان ج9 ص99 و 276 والمغازي للواقدي ج2 ص851.
([458]) الآية 12 من سورة الممتحنة.
([459]) السيرة الحلبية ج3 ص97.
([460]) راجع: المصنف لعبد الرزاق ج7 ص303 ومجمع الزوائد ج4 ص304 عن الطبراني.
([461]) طبقات ابن سعد (ط بيروت سنة 1377 هـ) ج3 ص982.
([462]) طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج8 ص194 وكنز العمال ج13 ص633.
([463]) السيرة الحلبية ج3 ص94 و 95.
([464]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 عن البخاري، ومسلم.
([465]) المصدر السابق.
([466]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 عن أحمد، والنسائي
([467]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص260 و 261 عن ابن أبي أسامة.
([468]) راجع: خطبة رقم 187 في نهج البلاغة، والبحار ج66 ص227 والإيجاز والإعجاز للثعالبي ص32.
([469]) ضرية: اسم مكان. قرية في طريق مكة، من البصرة من نجد (معجم البلدان).
([470]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص261 عن ابن سعد، وفي هامشه عن: مسند أحمد ج4 ص68 والمصنف لابن أبي شيبة ج14 ص375 والطبقات لابن سعد ج6 ص31.
([471]) البحار ج21 ص99 ومجمع البيان ج10 ص554.
([472]) الآية 14 من سورة الحجرات.
([473]) دلائل النبوة للبيهقي ج5 ص78 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص248 و 249 عن أي يعلى، وابن هشام، والبيهقي عن ابن إسحاق، وابن أبي شيبة، والأزرقي والواقدي، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص101 و 102 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص846 وتاريخ الخميس ج2 ص87 و 88.
([474]) السيرة الحلبية ج3 ص101 و 102.
([475]) السيرة الحلبية ج3 ص 102.
([476]) البحار ج21 ص118 و 119 و 133 عن الخرائج والجرائح، وعن إعلام الورى.
([477]) المغازي للواقدي ج2 ص846 والسيرة الحلبية ج3 ص102 عن تاريخ الأزرقي.
([478]) البحار ج21 ص119 عن الخرائج والجرائح.
([479]) راجع ما ذكرناه تحت عنوان: إزالة الصور والتماثيل من داخل الكعبة.
([480]) إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص57 عن بشائر المصطفى، وعن تجهيز الجيش للدهلوي العظيم آبادي.
([481]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص246 عن الطيالسي، وابن أبي شيبة، ومسلم، وأحمد. وأشار في هامشه إلى: مسلم 3/1407 في الجهاد والسير باب فتح مكة 86 ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص56 ومعاني الآثار ج3 ص325. وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص89.
([482]) تهذيب تاريخ ابن عساكر ج6 ص406 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص102 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص246 عن ابن سعد، وعن الحاكم في الإكليل، وعن البيهقي.
([483]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص246 و 147 عن الذهلي في كتابه: جمع حديث الزهري.
([484]) معاني الآثار ج4 ص314 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص102 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص247 عن ابن سعد، والحارث بن أبي أسامة، وابن عساكر، والضعفاء للعقيلي ج1 ص226 وج3 ص57 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص406 ولسان الميزان ج4 ص178.
([485]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص247 عن العقيلي، وابن عساكر.
([486]) راجع: ترجمة أبي سفيان في الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة)، وفي قاموس الرجال، وغير ذلك.
([487]) الآيات 1 ـ 7 من سورة الروم.
([488]) الكافي ج3 ص567 السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص188 والأمالي للصدوق ص424 والتفسير الصافي ج2 ص334 وتفسير نور الثقلين ج2 ص202 وج3 ص475 وتفسير الميزان ج9 ص253 وراجع: الخلاف ج5 ص542 والمبسوط ج2 ص37 الوسائل (آل البيت) ج20 ص365 وتذكرة الفقهاء (ط.ج) ج9 ص279 ومصادر ذلك كثرة اقتصرنا على ذكر بعضها.