تحفة الأحوذي
المباركفوري ج 6
[ 1 ]
تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي للامام الحافظ أبي العلاء محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري 1283 - 1353 ه . طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين الهندية والمصرية ، مع ملحق خاص بالاحاديث المستدركة من جامع الترمذي الجزء السادس تتمة أبواب الاشربة - أبواب البر والصلة - أبواب الطب . أبواب الفرائض - أبواب الوصايا - أبواب الولاء والهبة - أبواب القدر أبواب الفتن - أبواب الرؤيا - أبواب الشهادات - أبواب الزهد . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة الدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1410 ه - 1990 م يطلب من : دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ص . ب : 9424 / 11 تلكس : 41245 L e Nasher هاتف : 366135 - 815573
[ 3 ]
باب ما جاء في الزهادة في الدنيا 12 باب ما جاء في الرخصة في الشرب قائما قوله (كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في زمانه (ونحن نمشي) جملة حالية (ونشرب) عطف على نأكل (ونحن قيام) قيد للأخير وفي هذا الحديث دلالة على جواز الأكل ماشيا وحديث أنس المذكور في الباب المتقدم يدل على المنع فيحمل حديث أنس على كراهية التنزيه وحديث ابن عمر على الجواز مع الكراهة جمعا بين الحديثين قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة والدارمي قوله (وروى عمران بن حدير) بمهملات مصغرا السدوسي أبو عبيدة البصري ثقة من السادسة (وأبو البزري) بفتح الموحدة والزاي بعدها راء (اسمه يزيد بن عطارد) مقبول من الرابعة قوله (حدثنا هشيم) هو ابن بشير بن القاسم بن دينار السلمي (ومغيرة) هو ابن مقسم
[ 4 ]
الضبي مولاهم أبو هشام الكوفي قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب من زمزم وهو قائم) قال السيوطي هذا لبيان الجواز وقد يحمل على أنه لم يجد موضعا للقعود زدحام الناس على ماء زمزم أو ابتلال المكان قوله (وفي البا ب عن علي وسعد عبد الله بن عمرو وعائشة) أما حديث علي فأخرجه أحمد والبخاري عنه أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت كذا في المنتقي وأما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الترمذي وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام كما في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا محمد بن جعفر) هو المدني البصر المعروف بغندر (عن حسين المعلم) هو ابن ذكوان العوذي قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أبصرته حال كونه (يشرب قائما) أي مرة أو مرتين لبيان الجواز أو لمكان الضرورة (وقاعدا) أي في سائر أوقاته وأحاديث الباب كلها تدل على جواز الشرب قائما وأحاديث الباب المتقدم تدل على النهي عنه قال الحافظ في الفتح وسلك العلماء في ذلك مسالك أحدها الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي وهذه طريقة أبي بكر الأثرم فقال حديث أنس يعني في النهي جيد الاسناد ولكن قد جاء عنه خلافه يعني في الجواز قال ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن التثبت قد يروي هو ومن دونه الشئ فيرجح عليه فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن عمر وسالم مقدم على
[ 5 ]
نافع في التثبت وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث ثم أسند عن أبي هريرة قال لا بأس بالشرب قائما قال الأثرم فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة وإلا لما قال لا بأس به قال ويدل علي وهذه أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس لأحد شرب قائما أن يستقئ المسلك الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز وقد عكس ذلك ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالإحتمال وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس وإذا كان ذلك الأخير من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده المسلك الثالث الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل فقال أبو الفرج الثقفي المراد بالقيام هنا المشي يقال قام في الأمر إذا مشى فيه وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ومنه قوله تعالى إلا ما دمت عليه قائما أو مواظبا بالمشي عليه وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها وسلك اخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في اخرين قال الحافظ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرا فقال إن ثبتت الكراهة حملت على الارشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا واضحا فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينهما بهذا وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما انتهى كلام الحافظ وقال النووي الصواب أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار الى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت
[ 6 ]
التاريخ وأني له بذلك فإن قيل كيف يكون الشرب قائما مكروها وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب أن فعله صلى الله عليه وسلم إذا كان بيانا للجواز لا يكون مكروها بل البيان واجب عليه صلى الله عليه وسلم فكيف يكون مكروها وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وطاف على بعير مع أن الاجماع على أن الوضوء ثلاثا ثلاثا والطواف ماشيا أكمل ونظائر هذا غير منحصرة فكان صلى الله عليه وسلم ينبه على جواز الشئ مرة أو مرات ويواظب على الأفضل منه وهكذا كان أكثر وضوئه ثلاثا ثلاثا وأكثر طوافه ماشيا وأكثر شربه جالسا وهذا واضح لا يتشكك فيه من له أدنى نسبة إلى علم وأما قوله صلى الله عليه وسلم فمن نسي فليستقئ فمحمول على الاستحباب والندب فيستحب لمن شرب قائما أن يتقيأه لهذا الحديث الصحيح الصريح فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب حمل على الاستحباب وأما قول القاضي عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب ناسيا ليس عليه أن يتقيأ فأشار بذلك إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع كونها مستحبة فإن ادعى مدع منع الاستحباب فهو مجازف لا يلتفت إليه فمن أين له الاجماع على منع الاستحباب وكيف تترك هذه السنة الصحيحة الصريحة بالتوهمات والدعاوي والترهات ثم اعلم أنه تستحب الاستقاءة لمن شرب قائما ناسيا ومتعمدا وذكر الناسي في الحديث ليس المراد به أن القاصد يخالفه بل للتنبيه به على غيره بطريق الأولى لأنه إذا أمر بالناسي وهو غير مخاطب فالعامد المخاطب المكلف الأولى وهذا واضح لا شك فيه 13 باب ما جاء في التنفس في الاناء قوله (عن أبي عصام) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أبو عصام المزني البصري روى عن أنس في التنفس في الاناء وعنه شعبة وهشام الدستوائي وعبد الوارث بن سعيد ذكره ابن حبان في الثقات انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن أبو عصام هذا لا يعرف اسمه وانفرد به مسلم وليس له في كتابه سوى هذا الحديث انتهى (كان يتنفس في الاناء ثلاثا) ووقع في رواية مسلم يتنفس في الشراب ثلاثا ووقع في رواية أخرى له مثل رواية الترمذي قال النووي معناه في أثناء شربه من الاناء أو في اثناء شربه الشراب (ويقول) إن النبي صلى الله عليه وسلم (هو) أي تعدد
[ 7 ]
التنفس أو التثليث أمرا من مرأ الطعام إذا وافق المعدة أي أكثر انصياغا وأقوى هضما ومعناه بالفارسية كواراتر (وأروي) من الري بكسر الراء غير مهموز أي أكثر ريا وأدفع للعطش ومعناه بالفارسية سيراب كننده تر ووقع في رواية مسلم أنه أروى وأبرأ وأمرأ بزيادة أبرأ قال النووي معنى أبرأ أي أبرأ من ألم العطش وقيل أبرأ أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد انتهى وقال الحافظ في الفتح أبرأ بالهمز من البراءة أو من البرء أي يبرئ من الأذى والعطش ووقع في رواية أبي داود أهنأ بدل قوله أروى من الهنأ قال والمعنى أنه يصير هنيا مريا بريا أي سالما أو مبريا من مرض أو عطش ويؤخذ من ذلك أنه أقمع للعطش وأقوى على الهضم وأقل أثرا في ضعف الأعضاء وبرد المعدة واستعمال أفعل التفضيل في هذا يدل على أن للمرتين في ذلك مدخلا في الغضل المذكور ويؤخذ منه أن النهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه النتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأصحاب السنن قاله الحافظ قوله (ورواه هشام الدستوائي عن أبي عصام عن أنس) أخرجه مسلم (وروى عزرة بن ثابت عن ثمامة عن أنس ألخ) أخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله كان في يتنفس الاناء أي في أثناء شربه من الاناء كما تقدم قوله (هذا حديث صحيح) تقدم تخريجه انفا قوله (عن يزيد بن سنان الجزري) بفتح جيم وزاي وبراء منسوب إلى جزيرة وهي بلاد بين الفرات ودجلة كذا في المغني ضعيف من كبار السابعة (عن ابن لعطاء بن أبي رباح) لم أقف على اسمه
[ 8 ]
قوله (لا تشربوا واحدا) أي شربا واحدا (كشرب البعير) أي كما يشرب البعير دفعة واحدة لأنه يتنفس في الاناء (ولكن اشربوا مثنى وثلاث) أي مرتين مرتين أو ثلاثة ثلاثة (وسموا) أي قولوا بسم الله الرحمن الرحيم (إذا أنتم شربتم) أي أردتم الشرب (وأحمدوا إذا أنتم رفعتم) أي الاناء عن الفم في كل مرة أو في الاخر قاله القاري قلت قاله الحافظ في الفتح أخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن عن أبي هرير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب في ثلاثة أنفاس إذا أدنى الاناء إلى فيه يسمي الله فإذا أخره حمد الله بفعل ذلك ثلاثا وأصله في ابن ماجة وله شاهد من حديث ابن مسعود عند البزار والطبراني وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس وسموا إذا أنتم شربتم وأحمدوا إذا أنتم وقعتم وهذا يحتمل أن يكون شاهدا لحديث أبي هريرة المذكور ويحتمل أن يكون المراد به في الابتداء والانتهاء فقط والله أعلم انتهى كلام الحافظ لقوله (هذا حديث غريب) قال الحافظ في الفتح سنده ضعيف انتهى 14 باب ما ذكر في الشرب بنفسين قوله (عن رشدين) بكسر الراء (بن كريب) بالتصغير قوله (كان إذا شرب يتنفس مرتين) فيه ثبوت الشرب بنفسين لكن قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث هذا ليس نصا في الاقتصار على المرتين بل يحتمل أن يراد به التنفس في أثناء الشرب فيكون قد شرب ثلاث مرات وسكت عن التنفس الأخير لكونه من ضرورة الواقع انتهى قوله (هذا حديث غريب) وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب قال الحافظ في
[ 9 ]
الفتح سنده ضعيف والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة (قال) أي أبو عيسى الترمذي (وسألت عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي الحافظ صاحب المسند (ما أقربهما) بصيغة التعجب (ورشدين كريب أرجحهما عندي) إعلم أن رشدينا ومحمدا هما أخوان ابنان لكريب وكلاهما ضعيفان لكنهما ليسا متساويين في الضعف فعند الدارمي رشدين أرجح من محمد وعند البخاري بالعكس ووافقه أبو حاتم فقال يكتب حديثه وهو أحب إلي من أخيه رشدين وقال الترمذي ربما قال الدارمي 15 باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب قوله (عن أيوب وهو ابن حبيب) الزهري المدني ثقة من السادسة (سمع أبا المثنى الجهني) المدني مقبول من الثالثة (نهى عن النفخ في الشراب) قال الجزري في النهاية إنما نهى عنه من أجل ما يخاف أن يبدر من ريقه فيقع فيه فربما شرب بعده غيره فيتأذى به (القذاة أراها) أي أبصرها والقذاة منصوب على شريطة التفسير (في الاناء) أي الذي فيه الشراب فلا بدلي أن أنفخ في الشراب لتذهب تلك القذاة (فقال أهرقها) بسكون الهاء من الاراقة بزيادة الهاء أي فارق تلك القذاة عن الشراب ولا تنفخ فيه قال القاري أي بعض الماء لتخرج تلك القذاة منها والماء قد يؤنث كما ذكره المظهر في حاشية البيضاوي عند قوله تعالى فسالت أودية بقدرها وأشار إليه صاحب القاموس يقول مويه ومويهة (فقال) أي الرجل (فإني لا أروي) بفتح الواو (من نفس
[ 10 ]
واحد) بفتح الفاء أي بتنفس واحد أي لا يحصل لي الري من الماء في تنفس واحد فلا بد لي أن أتنفس في الشراب (قال فأبن القدح) أي أبعده أمر من الابانة (عن فيك) أي عن فمك زاد في رواية ثم تنفس وفي الحديث دليل على إباحة الشرب من نفس واحد لأنه لم ينه الرجل عنه بل قال ما معناه إن كنت لا تروي من واحد فأبن القدح وقد ورد النهي عن ذلك كما عرفت في الباب المتقدم ومجرد الجواز لا ينافي الكراهة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والدارمي ومحمد بن الحسن في موطئه قوله (نهى أن يتنفس) بصيغة المجهول أي لخوف بروز شئ من ريقه فيقع في الماء وقد يكون متغير الفم فتعلق الرائحة بالماء لرقته ولطافته فيكون الأحسن في الأدب أن يتنفس بعد إبانة الاناء عن فمه وأن لا يتنفس فيه (أو ينفخ) بصيغة المجهول أيضا لأن النفخ إنما يكون لأحد معنيين فإن كان من حرارة الشراب فليصبر حتى يبرد وإن كان من أجل قذى يبصره فليمطه بأصبع أو بخلال أو نحوه ولا حاجة إلى النفخ فيه بحال (فيه) أي في الاناء الذي يشرب منه واناء يشمل إناء الطعام والشراب فلا ينفخ في الاناء ليذهب ما في الاناء من قذاة ونحوها فإنه لا يخلو النفخ غالبا من بذاق يستقذر منه وكذا لا ينفخ في الاناء لتبريد الطعام الحار بل يصبر إلى أن يبرد وقال المهلب ومحل هذا الحكم إذا أكل وشرب مع غيره وأما لو أكل وحده أو مع أهله أو من يعلم أنه لا يتقذر شيئا مما يتناوله فلا بأس قال الحافظ والأولى تعميم المنع لأن لا يؤمن مع ذلك أن تفضل فضلة أو يحصل التقذر من الاناء أو نحو ذلك انتهى قلت بل هو المتعين عندي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره
[ 11 ]
باب ما جاء في كراهية التنفس في الاناء قوله إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الانا هذا بظاهره مخالف لحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الاناء ثلاثا قال الجزري في النهاية الحديثان صحيحان وهما باختلاف تقديرين أحدهما أن يشرب وهو يتنفس في الاناء من غير أن يبينه عن فيه وهو مكروه وا خر أن يشرب من الاناء ثلاثة أنفاس يفصل فيها فاه عن الاناء يقال أكرع في الاناء نفسا أو نفسين أي جرعة أو جرعتين انتهى كلام الجزري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 17 باب ما جاء في النهي عن اختناث الأسقية جمع السقاة وهو القربة قال الجزري في النهاية خنثت السقاء إذا أثنيت فمه إلى خارج وشربت منه وقبعته إذا اثنيته إلى داخل قوله (عن أبي سعيد رواية) أي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه) أي النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن اختناث الأسقية) إنما نهي عنه لأنه ينتنها فإن إدامة الشرب هكذا مما يغير ريحها وقيل لا يؤمن أن يكون فيها هامة وقيل لئلا يترشش الماء على الشارب لسعة السقاء وقد جاء في حديث آخر إباحته ويحتمل أن يكون النهي خاصا بالسقاء الكبير دون الاداوة أو ذا للضرورة والحاجة والنهي عن الاعتياد أو الثاني ناسخ للأول كذا في النهاية وغيرها
[ 12 ]
قوله (وفي الباب عن جابر وابن عباس وأبي هريرة) أما حديث جابر فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة إلا مسلما عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من في السقاء وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجة 18 باب ما جاء في الرخصة في ذلك قوله (حدثنا عبد الله بن عمر) هو العمري (عن عيسى بن عبد الله بن أنيس) بالتصغير الأنصاري المدني مقبول من الرابعة (عن أبيه) هو عبد الله بن أنيس قال المنذري في تلخيص السنن أبو عيسى هذا هو عبد الله بن أنيس الأنصاري وهو غير عبد الله بن أنيس الجهني فرقي بينهما علي بن المديني وخليفة بن خياط شباب وغيرهما انتهى وقال الحافظ في تهذيب التهذيب وجعلهما واحدا أبو علي بن الكن وغير واحد وهو المعتمد فإن كونه أنصاريا لا ينافي كونه جهنيا لما تقدم في الجهني أنه حليف الأنصار انتهى (فخنثها) أي اثني فيها إلى الخارج (ثم شرب من فميها) أي من فمها قوله (وفي الباب عن أم سليم) أخرجه أحمد عنها قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها فقطعت فاها فإنه لعندي وأخرجه الترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الاثار وابن شاهين قوله (هذا حديث ليس إسناده بصحيح) وأخرجه أبو داود
[ 13 ]
قوله عن (يزيد بن جابر) الأزدي الدمشقي ثقة فيه من السادسة (عن عبد الرحمن بن ابي عمرة) الأنصاري البخاري القاص قال ابن سعد ثقة كثير الحديث كذا في الخلاصة (عن جدته كبشة) قال في تهذيب التهذيب كبشة يقال كبيشة بالتصغير بنت ثابت بن المنذر الأنصارية أخت حسان يقال لها البرصاء روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشرب قائما من فم القربة وعنها عبد الرحمن بن أبو عمرة وهي جدة انتهى قوله (فشرب من قربة) أي من فمها (فقمت إلى فيها) أي إلى فمها (فقطعته) لعله للتبرك به لوصول النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديث الباب تدل على جواز الشرب من في القربة وأحاديث الباب المتقدم تدل على خلافها قال الحافظ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء متيسر ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ وعلى ذلك تحمل الأحاديث المذكورة يعني أحاديث الاباحة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي انتهى قال الحافظ ابن حجر ويؤيد أن أحاديث الجواز كلها فيها أن القربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من مطلق القربة ولا دلالة في أحاديث الجواز على الرخصة مطلقا بل على تلك الصورة وجدها وحملها على ا لضرورة جمعا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ وقد سبق إبن العربي إلى نحو ما أشار إليه شيخنا فقال يحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وسلم في حال ضرورة إما عند الحرب وإما عند عدم الاناء أو مع وجوده لكن لم يتمكن لشغلة من التفريغ من السقاء في الاناء انتهى كلام الحافظ قلت قد رد القاضي الشوكاني على ما جمع به الحافظ العراقي بما فيه كلام ثم قال فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة
[ 14 ]
19 باب ما جاء أن الأيمنين أحق بالشرب قوله (قد شيب بماء) أي مزج بالماء وإنما كانوا يمزجونه بالماء لأن اللبن يكون عند حلبه حارا وتلك البلاد في الغالب حارة فكانوا يمزجونه بالماء لذلك وقال النووي قوله شيب أي خلط وفيه جواز ذلك وإنما ينهي عن شربه إذا أراد بيعه لأنه غش قال العلماء والحكمة في شربه أن يبرد أو يكثر أو للمجموع انتهى (ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن) يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف أي الأيمن مقدم أو أحق ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا وقال النووي ضبط الأيمن بالنصب والرفع وهما صحيحان النصب على تقدير أعطى الأيمن والرفع على تقدير الأيمن أحق أو نحو ذلك وفي الرواية الأخرى الأيمنون وهو يرجح الرفع انتهى وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب هلم جرا وهو مستحب عند الجمهور وقال ابن حزم يجب ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهل بن سعد وغيره وقال النووي فيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الاكرام وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيرا أو مفضولا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن الشيب في الامامة في الصلاة انتهى وقال الحافظ في الحديث إن سنة الشرب العامة تقديم الأيمن في كل موطن وإن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل المعنى في جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه أن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهته وقد يعارض حديث أنس يعني المذكور في الباب وحديث سهل يعني الذي أشار إليه الترمذي في الباب حديث سهل بن أبي خيثمة الاتي في القسامة كبر كبر وتقدم في الطهارة حديث ابن عمر في الأمر بمناولة السواك الأكبر وأخص من ذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلي بسند قوي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقي قال ابدأوا بالكبير
[ 15 ]
ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن أو يخص من عموم هذه الأمر بالبداءة بالكبير أما إذا جلس بعض عن يمين الرئيس وبعض عن يساره ففي هذه الصورة يقدم الصغير على الكبير والمفضول على الفاضل ويظهر من هذا أن الأيمن ما امتاز لمجرد الجلوس في الجهة اليمنى بل بخصوص كونها يمين الرئيس فالفضل إنما فاض عليه من الأفضل انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن ابن عباس وسهل بن سعد وابن عمر وعبد الله بن بسر) أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والترمذي في الدعوات وابن ماجة وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال الغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام والله يا رسول الله لا اوثر بنصيبي منك احدا قال فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه وأما حديث عبد الله بن بسر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة 20 باب ما جاء أن ساقي القوم اخرهم شربا قوله (عن عبد الله بن رباح) هو الأنصاري أبو خالد المدني قوله (ساقي القوم اخرهم شربا) فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في لشرب حتى يفرغوا عن آخرهم وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخص نفسه وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة إليهم ودفع المضار عنهم والنظر لهم في دق أمورهم وجلها وتقديم مصلحتهم على مصلحته وكذا من يفرق على القوم فاكهة فيبدأ بسقي كبير القوم أو بمن عن يمينه إلى أخرهم وما بقي شربه ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث ابدأ بنفسك لأن ذاك عام وهذا خاص فيبني العام على
[ 16 ]
الخاص قوله (وفي الباب عن ابن أبي أو في) أخرجه أبو داود بمثل حديث أبي قتادة قال المنذري رجال إسناده ثقات قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة هكذا مختصرا وأخرجه مسلم مطولا وفيه فقلت لا اشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن ساقي القوم اخرهم 21 باب ما جاء أي الشراب كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (كان أحب الشراب) بالرفع ونصبه أحب (الحلو البارد) بالنصب ورفعه أرفع قال القاري ومعنى أحب ألذ لأن ماء زمزم أفضل وكذا اللبن عنده أحب كما سيأتي اللهم إلا أن يراد هذا الوصف على الوجه الأعم فيشمل الماء القراح واللبن والماء المخلوط به أو بغيره كالعسل أو المنقوع فيه تمر أو زبيب وبه يحصل الجمع بينه وبين ما رواه أبو نعيم في الطب عن ابن عباس كان أحب الشراب إليه اللبن وما أخرجه ابن السني وأبو نعيم في الطب عن عائشة رضي الله تعالى عنها كان أحب الشراب إليه العسل انتهى كلام القاري قلت وقيل المراد بقوله أحب الشراب في هذه الأحاديث أي من أحب الشراب أو كون هذه الأشياء أحب إليه صلى الله عليه وسلم كان من جهات مختلفة والله أعلم وحديث عائشة هذا أخرجه أحمد والحاكم
[ 17 ]
قوله (حدثنا أحمد بن محمد) هو أبو العباس السمسار المعروف بمردويه (ويونس) هو ابن يزيد بن أبي النجاد الأيلي قوله (الحلو) بضم الحاء المهملة وسكون اللام ضد المر (البارد) لأنه أطفأ للحرارة وأبعث على الشكر وأنفع للبدن
[ 18 ]
27 كتاب البر والصلة 1 باب ما جاء في بر الوالدين قال في النهاية البر بالكسر الإحسان وهو في حق الوالدين وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم يقال بر يبر فهو بار وجمعه بررة قال والبر والبار بمعنى وجمع البر أبرار وهو كثيرا ما يخص بالأولياء والزهاد والعباد انتهى وقال في القاموس البر ضد العقوق بررته وأبره كعلمته وضربته وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار والتعطف عليهم والرفق بهم وقطع الرحم ضد ذلك يقال وصل رحمه يصلها وصلا وصلة قوله (أخبرنا بهز) بفتح موحدة وسكون هاء فزاي (ابن حكيم) أي ابن معاوية بن حيدة القشيري البصري (حدثني أبي) أي حكيم (عن جدي) أي معاوية ابن حيدة وهو صحابي نزل البصرة ومات بخراسان (من أبر) بفتح الموحدة وتشديد الراء على صيغة المتكلم أي من أحسن إليه ومن أصله (قال أمك) بالنصب أي بر أمك وصلها أولا (قلت ثم من) أي ثم من أبر (ثم
[ 19 ]
الأقرب فالأقرب) أي إلى آخر ذوي الأرحام قال النووي فيه الحث على بر الأقارب وأن الأم أحقهم بذلك ثم بعدها الأب ثم الأقرب فالأقرب قالوا وسبب تقديم الأم كثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها انتهى وفي التنزيل إشارة إلى هذا التأويل في قوله تعالى حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا فالتثليث في مقابلة ثلاثة أشياء مختصة بالأم وهي تعب الحمل ومشقة الوضع ومحنة الرضاع قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم (وعبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي والدارمي مرفوعا لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر وله في هذا الباب أحاديث أخرى (وعائشة) أخرجه البغوي في شرح السنة والبيهقي في شعب الإيمان (وأبي الدرداء) أخرجه الترمذي في باب الفضل في رضا الوالدين قوله (وهذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود قوله (قد تكلم شعبة في بهز بن حكيم وهو ثقة عند أهل الحديث) قال الذهبي في الميزان وثقة ابن المديني ويحيى والنسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال أبو زرعة صالح وقال البخاري يختلفون فيه وقال ابن عدي لم أر له حديثا نكرا ولم أر أحدا من الثقات يختلف في الرواية عنه وقال صالح جزرة بهز عن أبيه عن جده إسناد أعرابي وقال أحمد بن بشير أتيت بهزا فوجدته يلعب بالشطرنج وقال الحاكم ثقة إنما أسقط من الصحيح لأن روايته عن أبيه عن جده شاذة لا متابع له عليها وقال أبو داود هو حجة عندي
[ 20 ]
2 باب منه قوله (عن الوليد بن العيزار) بن حريث العبدي الكوفي ثقة من الخامسة قوله (أي الأعمال أفضل) قال الحافظ محصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان الجهاد في ابتداء الاسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من أدائها وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة انتهى (قال الصلاة لميقاتها) وفي رواية الصحيحين لوقتها وفي رواية لهما على وقتها وفي رواية الحاكم والدارقطني والبيهقي في أول وقتها قال النووي في شرح المهذب إن رواية في أول وقتها ضعيفة انتهى (قلت ثم ماذا) قال الطيبي ثم لتراخي الرتبة لا لتراخي الزمان أي ثم بعد الصلاة أي العمل أفضل (قال بر الوالدين) أي أو أحدهما قال بعض العلماء هذا الحديث موافق لقوله تعالى أن اشكر لي ولوالديك وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة حيث قال من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ومن دعا لوالديه عقبهما فقد شكر لهما كذا في الفتح (الجهاد في سبيل الله) قال ابن بزبزة الذي يقتضيه النظر تقديم الجهاد على جميع أعمال البدن لأن فيه بذل النفس إلا أن الصبر على المحافظة على الصلوات وأدائها في أوقاتها والمحافظة على بر الوالدين أمر لازم متكرر دائم لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصديقون (ثم سكت عني رسول الله صلى الله عليه وسلم) هو مقول عبد الله بن مسعود (ولو استزدته) أي النبي صلى الله عليه وسلم يعني لو سألته أكثر من هذا (لزادني) في الجواب
[ 21 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وفي المرقاة روى الدارقطني والحاكم وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال الصلاة لأول وقتها قال الحاكم والبيهقي في خلافياته صحيح على شرطهما قوله (وقد رواه الشيباني) هو سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني وقد تقدم هذا الحديث بشرحه في باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل 3 باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين قوله (الوالد أوسط أبواب الجنة) قال القاضي أي خير الأبواب وأعلاها والمعنى أن أحسن ما يتوسل به إلى دخول الجنة ويتوسل به إلى وصول درجتها العالية مطاوعة الوالد ومراعاة جانبه وقال غيره إن للجنة أبوابا وأحسنها دخولا أوسطها وإن سبب دخول ذلك الباب الأوسط هو محافظة حقوق الوالد انتهى فالمراد بالوالد الجنس أو إذا كان حكم الوالد هذا فحكم الوالدة أقوى وبالاعتبار أولى (فأضع) فعل أمر من الاضاعة (ذلك الباب) بترك المحافظة عليه (أو أحفظه) أي داوم على تحصيله
[ 22 ]
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه وأبو داود الطيالسي والحاكم في مستدركه وصححه وأقره الذهبي قوله (رضا الرب في رضا الوالد) وكذا حكم الوالدة بل هو أولى ورواه الطبراني بلفظ رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما (وسخط الرب) بفتحتين ضد الرضا (في سخط الوالد) لأنه تعالى أمر أن يطاع الأب ويكرم فمن أطاعه فقد أطاع الله ومن أغضبه فقد أغضب الله وهذا وعيد شديد يفيد أن العقوق كبيرة قوله (وهذا أصح) أي الموقوف أصح من المرفوع وأخرجه ابن حبان مرفوعا في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه الترمذي في الباب المتقدم ولم أقف على حديث عنه يطابق الباب نصا وصراحة
[ 23 ]
4 باب ما جاء في عقوق الوالدين يقال عق والده يعقه عقوقا إذا آذاه وعصاه وخرج عليه وأصله من العق وهو الشق والقطع قوله (ألا أحدثكم بأكبر الكبائر) الكبائر جمع الكبيرة وهي السيئة العظيمة التي خطيئتها في نفسها كبيرة وعقوبة فاعلها عظيمة بالنسبة إلى معصية ليست بكبيرة وقيل الكبيرة ما أوعد عليه الشارع بخصوصه وقيل ما عين له حد وقيل النسبة إضافية فقد يكون الذنب كبيرة بالنسبة لما دونه صغيرة بالنسبة إلى ما فوقه وقد يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال وقد بسط الحافظ الكلام في تفسير الكبيرة والصغيرة وما يتعلق بهما في الفتح في باب عقوق الوالدين من الكبائر من كتاب الأدب والنووي في شرح مسلم في باب الكبائر وأكبرها من كتاب الايمان وقوله (أكبر الكبائر) ليس على ظاهره من الحصر بل من فيه مقدرة فقد ثبت في أشياء أخر أنها أكبر من الكبائر منها حديث أنس في قتل النفس أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وحديث ابن مسعود أي الذنب أعظم فذكر فيه الزنا بحليلة الجار وحديث عبد الله بن أنيس الجهني مرفوعا قال من أكبر الكبائر فذكر منها اليمين الغموس أخرجه الترمذي بسند حسن وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد وحديث أبي هريرة رفعه إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن وحديث بريدة رفعه من أكبر الكبائر فذكر منها منع فضل الماء ومنع الفحل أخرجه البزار بسند ضعيف وحديث ابن عمر رفعه أكبر الكبائر سوء الظن بالله أخرجه ابن مردويه بسند ضعيف ذكره الحافظ في الفتح (وعقوق الوالدين) بضم العين المهملة مشتق من العق وهو القطع والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك ومنه تقديمهما عند تعارض الأمرين وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن أستمر عند ها ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك أن لو تركها
[ 24 ]
وفعله وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة (قال وجلس) أي للاهتمام بهذا الأمر وهو يفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه (وكان متكئا) جملة حالية وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس والتهاون بها أكثر فإن الاشراك ينبو عنه قلب المسلم والعقوق يصرف عنه الطبع وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه وليس ذلك لعظمهما بالنسبة إلى ما ذكر معها من الاشراك قطعا بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا وهذا الحديث يأتي أيضا بسنده ومتنه في الشهادات قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه أبو داود قوله (من الكبائر أن يشتم الرجل والديه) ولفظ البخاري إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه وهذا يقتضي أن سب الرجل والديه من أكبر الكبائر ورواية الترمذي تقتضي أنه كبيرة وبينهما فرق من حيث أن الكبائر متفاوتة وبعضها أكبر من بعض (وهل يشتم) بكسر عينه ويضم أي يسب (الرجل والديه) أي هل يقع ذلك وهو استبعاد من السائل لأن الطبع المستقيم يأبى ذلك فبين في الجواب أنه وإن لم يتعاط السب بنفسه في الأغلب الأكثر لكن قد يقع التسبب فيه وهو مما يمكن وقوعه كثيرا (قال نعم) أي يقع حقيقة تارة وهو نادر ومجاز أخرى وهو كثير لكن ما تعرفونه ثم بينه بقول (يسب أبا الرجل فيسب) أي الرجل (أباه) أي أبا من سبه (ويشتم) أي تارة أخرى وقد يجمع ويشتم أيضا (أمه) أي أم الرجل (فيشتم) أي الرجل (أمه) أي أم سابه وفي الجمع بين الشتم والسب تفنن ففي القاموس شتمه يشتمه ويشتمه سبه وقد يفرق بينهما ويقال السب أعم فإنه شامل للعن أيضا بخلاف الشتم
[ 25 ]
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري في الأدب ومسلم في الايمان وأبو داود في الأدب 5 باب ما جاء في إكرام صديق الوالد قوله (حدثنا أحمد بن محمد) هو المعروف بمردويه (حدثنا الوليد بن أبي الوليد) قال في التقريب الوليد بن أبي الوليد عثمان وقيل ابن الوليد مولى عثمان أو إبن عمر المدني أبو عثمان لين الحديث من الرابعة قوله (إن أبر البر) أي أفضله بالنسبة إلى والده وكذا الوالدة أو هي بالأولى (أن يصل لرجل أهل ود أبيه) بضم الواو بمعنى المودة أي أصحاب مودته ومحبته قال النووي الود هنا مضموم الواو وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب والإحسان إليهم بإكرامهم وهو متضمن لبر الأب وإكرامه لكونه بسببه وتلتحق به أصدقاء الأم والأجداد والمشائخ والزوج والزوجة وقد سبقت الأحاديث في إكرامه صلى الله عليه وسلم خلائل خديجة رضي الله تعالى عنها انتهى قوله (وفي الباب عن أبي أسيد) أخرجه أبو داود وابن ماجة وهو بضم الهمزة وفتح السين المهملة مصغرا قوله (هذا حديث إسناده صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود
[ 26 ]
6 باب في بر الخالة قوله (الخالة بمنزلة الأم) في الحضانة عند فقد الأم وأماتها لأنها تقرب منها في الحنو والاهتمام إلى ما يصلح الولد قوله (وفي الحديث قصة طويلة) أخرجه الشيخان بقصته الطويلة ولفظهما هكذا عن البراء بن عازب قال صالح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية على ثلاثة أشياء على أن من أتاه من المشركين رده إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه وعلى أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام فلما دخلها ومضى الأجل خرج فتبعته ابنة حمزة تنادي يا عم يا عم فتناولها علي فأخذ بيدها فاختصم فيها علي وزيد وجعفر قال علي أنا أخذتها وهي بنت عمي وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتي وقال زيد بنت أخي فقضى بها النبي صلى الله عليه وسلم لخالتها وقال الخالة بمنزلة الأم وقال لعلي أنت مني وأنا منك وقال لجعفر أشبهت خلقي وخلقي وقال لزيد أنت أخونا ومولانا انتهى قوله (إني أصبت ذنبا عظيما) يجوز أنه أراد عظيما عندي لأن عصيان الله تعالى عظيم وإن كان الذنب صغيرا ويجوز أن يكون ذنبه كان عظيما من الكبائر وإن هذا النوع من البر يكون مكفرا له وكان مخصوصا بذلك الرجل علمه النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الوحي قاله الطيبي (هل لك من أم) أي ألك أم فمن زائدة أو تبعيضية قال (فبر ها) بفتح الموحدة وتشديد الراء من بررت فلانا بالكسر أبره بالفتح أي أحسنت إليه والمعنى أن صلة الرحم من جملة الحسنات التي يذهبن السيئات وحديث ابن عمر هذا
[ 27 ]
أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم إلا أنهما قالا هل لك والدان بالتثنيه وقال الحاكم صحيح على شرطهما كذا في الترغيب قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه أبو داود بلفظ الخالة أم قوله (أبو بكر بن حفص هو ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص) في التقريب عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو بكر المدني مشهور بكنيته من الخامسة 7 باب ما جاء في دعوة الوالدين قوله (ثلاث دعوات) مبتدأ (مستجابات) خبر (لاشك فيهن) أي في استجابتهن (ودعوة الوالد على ولده) أي لضرره وحديث أبي هريرة هذا أورده السيوطي في الجامع الصغير وقال رواه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة قوله (وأبو جعفر الذي روى عن أبي هريرة يقال له أبو جعفر المؤذن ولا نعرف اسمه) في التقريب أبو جعفر المؤذن الأنصاري المدني مقبول من الثالثة ومن زعم أنه محمد بن علي بن الحسين فقد وهم
[ 28 ]
8 باب ما جاء في حق الوالدين قوله (لا يجزي) بفتح أوله وسكون الياء في اخره أي لا يكافئ (ولد والدا) أي إحسان والد (إلا أن يجده مملوكا) منصوب على الحال من الضمير المنصوب في يجده (فيشتريه فيعتقه) بالنصب فيهما قال الجزري في النهاية ليس معناه استئناف العتق فيه بعد الشراء لأن الاجماع منعقد على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال وإنما معناه أنه إذا اشتراه فدخل في ملكه عتق عليه فلما كان الشراء سببا لعتقه أضيف العتق إليه وإنما كان هذا جزاء له لأن العتق أفضل م ا ينعم به أحد على أحد إذا خلصه بذلك من الرق وجبر به النقص الذي فيه وتكمل له أحكام الأحرار في جميع التصرفات انتهى قلت في قوله لأن الاجماع منعقد على أن الأب يعتق على الابن إذا ملكه في الحال نظر فإن بعض أهل الظاهر ذهبوا إلى أن الأب لا يعتق على الابن بمجرد الملك بل لا بد من إنشاء العتق احتجوا بهذا الحديث قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة 9 باب ما جاء في قطيعة الرحم قوله (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري
[ 29 ]
قوله (فقال) أي أبو الدرداء (خيرهم) مبتدأ (وأوصلهم) عطف على المبت (أبو محمد) خبر وهو كنية عبد الرحمن بن عوف والمعنى خير الناس وأوصلهم في علمي أبو محمد عبد الرحمن بن عوف (أنا الله) كان هذا توطته للكلام حيث ذكر العلم الخاص ثم ذكر الوصف المشتق من مادة الرحم فقال (وأنا الرحمن) أي المنصف بهذه الصفة (خلقت الرحم) أي قدرتها أو صورتها مسجدة (وشققت) أي أخرجت وأخذت اسما (لها) أي للرحم (من اسمي) أي الرحمن وفيه إيماء إلى أن المناسبة الاسمية واجبة الرعاية في الجملة وإن كان المعنى على أنها أثر من اثار رحمة الرحمن ويتعين على المؤمن التخلق بأخلاق الله تعالى والتعلق بأسمائه وصفاته ولذا قال (فمن وصلها وصلته) أي إلى رحمتي أو محل كرامتي (ومن قطعها بتته) بتشديد الفوقية الثانية أي قطعته من رحمتي الخاصة من البت وهو القطع قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام كما في الفتح (وابن أبي كوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى الجهني الأنصاري شهد أحدا وما بعدها وأخرج حديثه البيهقي في شعب الإيمان مرفوعا لا تنزل الرحمة على قوم فيهم قاطع رحم و أخرجه أيضا البخاري في الأدب المفرد (وعامر بن ربيعة) لم أقف على من أخرجه (وأبي هريرة) أخرجه الشيخان (وجبير بن مطعم) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي في الباب الاتي قوله (حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي من رواية أبي سلمة عن عبد الرحمن بن عوف وقال الترمذي حديث حسن صحيح قال المنذري وفي تصحيح الترمذي له نظر فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا قاله يحيى بن معين وغيره ورواه أبو داود وابن حبان في صحيحه من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن رداد الليثي عن عبد الرحمن بن عوف وقد أشار الترمذي إلى هذا ثم حكى عن البخاري أنه قال وحديث معمر خطأ انتهى والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد والحاكم (ع 4 ن رداد) بفتح الراء وتشديد الدال المهملة بعدها
[ 30 ]
ألف ثم دال مهملة وقال بعضهم أبو الرداد وهو أصوب حجازي مقبول من الثانية (ومعمر كذا يقول) أي عن أبي سلمة عن رداد عن عبد الرحمن (قال محمد) يعني الامام البخاري (وحديث معمر خطأ) وقال ابن حبان في ثقات التابعين وما أحسب معمرا حفظه روى هذا الخبر اصحاب الزهري عن أبي سلمة عن ابن عوف كذا في تهذيب التهذيب 10 باب ما جاء في صلة الرحم بفتح الراء وكسر الحاء المهملة يطلق على الأقارب وهم من بينه وبين الاخر نسب سواء كان يرثه أم لا وسواء كان ذا محرم أم لا وقيل هم المحارم فقط والأول هو المرجح لأن الثانية ستلزم خروج أولاد الأعمام وأولاد الأخوال من ذوي الأرحام وليس كذلك يقال وصرحمه يصلها وصلا وصلة والهاء فيها عوض عن الواو المحذوفة فكأنه با حسان إليهم قوصل ما بينه من علاقة القرابة والصهر قال ابن أبي جمرة تكون صلة الرحم بالمال وبالعون على الحاجة وبدفع الضرر وبطلاقة الوجه وبالدعاء والمعنى الجامع إيصال ما أمكن من الخير ودفع ما أمكن من الشر بحسب الطاقة وهذا إنما يستمر إذا كان أهل الرحم أهل استقامة فإن كانوا كفارا أو فجارا فمقاطعتهم في الله هي صلتهم بشرط بذل الجهد في وعظهم ثم إعلامهم إذا أصروا أن ذلك بسبب تخلفهم عن الحق ولا يسقط مع ذلك صلتهم بالدعاء لهم بظهر الغيب أن يعودوا إلى الطريق المثلى قوله (وفطر بن خليفة) المخزومي مولاهم أبو بكر الحناط صدوق رمي بالتشيع من الخامسة قوله (ليس الواصل) أي بالرحم (بالمكافئ) بكسر فاء وهمز أي المجازي لأقاربه إن صلة فصلة وإن قطعا فقطع والمراد به نفي الكمال (ولكن) بتشديد النون (الواصل) بالنصب أي الواصل الكامل (الذي إذا انقطعت رحمه) وفي رواية البخاري إذا قطعت رحمه (وصلها)
[ 31 ]
هذا من باب الحث على مكارم الأخلاق كقوله تعالى إدفع بالتي هي أحسن السيئة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم صل من قطعك وأحسن إلى من أساءك الحديث رواه البخاري عن علي رضي الله عنه قال الطيبي التعريف في الواصل للجنس أي ليس حقيقة الواصل ومن يعتد بوصله من يكافئ صاحبه بمثل فعله ونظيرة قولك هو ليس بالرجل بل الرجل من يصدر منه المكارم والفضائل انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود قوله (وفي الباب عن سليمان) لينظر من أخرجه (وعائشة) أخرجه البخاري ومسلم مرفوعا بلفظ الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله قوله لا يدخل الجنة قاطع أي للرحم وقد أخرجه البخاري في الأدب المفرد وقال فيه قاطع رحم قال النووي وغيره يحمل تارة على من يستحل القطيعة وأخرى على أن لا يدخلها مع السابقين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود 11 باب ما جاء في حب الوالد ولده قوله (سمعت ابن أبي سويد) اسمه محمد قال في التقريب محمد بن أبي سويد الثققي الطائفي مجهول من الرابعة وليس هو ابن سويد راوي قصة غيلان انتهى قلت ابن سويد الذي روى قصة غيلان اسمه أيضا محمد وقد أخرج الترمذي قصة
[ 32 ]
غيلان في باب الرجل يسلم وعنده عشر نسوة من أبواب النكاح ومحمد بن سويد الذي روى قصته ثقة كما في تهذيب التهذيب (خولة بنت حكيم) بدل من المرأة الصالحة وهي ابنة حكيم بن أمية السلمية يقال لها خويلة أيضا بالتصغير صحابية مشهورة يقال إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبل تحت عثمان بن مظعون كذا في التقريب قوله (وهو محتضن) من الاحتضان أي جاعل في حضنه والحضن ما دون الابط إلى الكشح أو الصدر والعضدان وما بينهما كذا في القاموس (أحد ابني ابنته) فاطمة رضي الله عنها وهو إما الحسن أو الحسين رضي الله عنهما (إنكم لتبخلون وتجبنون وتجهلون) الصيغ الثلاث من باب التفعيل أي تحملون على البخل والجبن والجهل فإن من ولد له جبن عن القتال لتربية الولد وبخل له وجهل حفظا لقلبه والجبن والجبان ضد الشجاعة والشجاع (وإنكم لمن ريحان الله) قال في النهاية الريحان يطلق على الرحمة والرزق والراحة بالرزق سمي الولد ريحانا انتهى وقال في المجمع ويجوز إرادة الريحان المشموم لأنهم يشمون ويقبلون وهو من باب الرجوع ذمهم أولا ثم رجع إلى المدح أي مع كونهم مظنة أن يحملوا الاباء على البخل والجبن عن الغزو من ريحان الله أي رزقه انتهى وقال العيني في العمدة وجه التشبيه أن الولد يشم ويقبل فكأنهم من جملة الرياحين وقال الكرماني الريحان الرزق أو المشموم قال العيني لا وجه هنا أن يكون بمعنى الرزق على ما لا يخفى وروى الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه وروى الطبراني في الأوسط من طريق أبي أيوب قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والحسن والحسين يلعبان بين يديه فقلت أتحبهما يا رسول الله قال وكيف لا وهما ريحانتاي من الدنيا أشمهما انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي في مناقب الحسن والحسين (والأشعث بن قيس) أخرجه أحمد في مسنده ص 211 ج 5 قوله (ولا نعرف لعمر بن عبد العزيز سماعا من خولة) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في
[ 33 ]
ترجمته روى عن خولة بنت حكيم مرسلا انتهى فحديث عمر بن عبد العزيز هذا عن خولة منقطع 12 باب ما جاء في رحمة الولد قوله (أبصر الأقرع بن حابس) هو من المؤلفة وممن حسن إسلامه (وهو يقبل الحسن) جملة حالية أي رأى الأقرع النبي صلى الله عليه وسلم حال كونه يقبل الحسن فقال أي الأقرع (ما قبلت منهم أحدا) إما للاستكبار أو للاستحقار (إنه) الضمير للشأن (من لا يرحم لا يرحم) الأول بصيغة المعروف والثاني بصيغة المجهول أي من لا يرحم الناس لا يرحمه الله وفي رواية البخاري ثم نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال من لا يرحم لا يرحم قال الحافظ هو بالرفع فيهما على الخبر وقال عياض هو للأكثر وقال أبو البقاء من موصولة ويجوز أن تكون شرطية فيقرأ بالجزم فيهما انتهى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه البخاري في الجنائز ومسلم في الفضائل (وعائشة) أخرجه البخاري ومسلم قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الأدب ومسلم في الفضائل
[ 34 ]
13 باب ما جاء في النفقة على البنات قوله (عن أيوب بن بشير) بن سعد بن النعمان كنيته أبو سليمان المدني له رؤية وثقه أبو داود وغيره (عن سعيد الأعشى) هو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الأعشى الزهري المدني مقبول من السادسة كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقة ابن حبان قوله (من كانت له ثلاثة بنات أو ثلاث أخوات) أو للتنويع لا للشك وكذا في قوله أو ابنتان أو أختان قوله (فأحسن صحبتهن واتقي الله فيهن) أي في أداء حقوقهن قوله (عن سعيد بن عبد الرحمن) هو سعيد الأعشى المذكور في الإسناد السابق قوله (فيحسن إليهن) وقع في حديث عقبة بن عامر في الأدب المفرد فصبر عليهن وكذا وقع في ابن ماجة زاد وأطعمهن وسقاهن وكساهن وفي حديث ابن عباس عند الطبراني فأنفق عليهن وزوجهن وأحسن أدبهن وفي حديث جابر عند أحمد وفي الأدب المفرد يؤدبهن ويرحمهن ويكفلهن زاد الطبراني فيه ويزوجهن قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الألفاظ وهذه الأوصاف يجمعها لفظ الإحسان قوله (وفي الباب عن عائشة) لها حديثان في الباب أخرجهما الترمذي في هذا الباب (وعقبة بن عامر) أخرجه ابن ماجه والبخاري في الأدب المفرد (وأنس) أخرجه الترمذي في هذا
[ 35 ]
الباب (وجابر) أخرجه أحمد والبخار في اللأدب المفرد والبزار والطبراني في الأوسط (وابن عباس) أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه من رواية شرحبيل عنه والحاكم وقال صحيح الإسناد كذا في الترغيب قوله (وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان) اشتهر بكنيته له ولأبيه صحبة أستصغر بأحد ثم شهد ما بعدها وكان من الحفاظ المكثرين ما ت سنة أربع وسبعين ودفن بالبقيع (وسعد بن أبي وقاص هو سعد بن مالك بن وهيب) هو أحد العشرة المبشرة بالجنة أسلم قديما وهو ابن سبع عشرة سنة وقال كنت ثالث الاسلام وأنا أول من رمى السهم في سبيل الله شهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله عليه وسلم مات في قصره بالعقيق قريبا من المدينة فحمل على رقاب الرجال إلى المدينة ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين وإنما ذكر الترمذي ههنا سعد بن ابي وقاص لأنه كان مشاركا في اسم أبي سعيد واسم أبيه فذكر ترجمته ليتميز عنه قوله (وقد زادوا في هذا الإسناد) أي الاسناد الثاني بين سعيد بن عبد الرحمن وأبي سعيد الخدري (رجلا) هو أيوب بن بشير فروى أبو داود في سننه قال حدثنا مسدد حدثنا خالد أخبرنا سهيل يعني ابن أبي صالح عن سعيد الأعشى عن أيوب بن بشير الأنصاري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عال ثلاث بنات فأدبهن الحديث ثم قال حدثنا يوسف بن موسى أخبرنا جرير عن سهيل بهذا الإسناد بمعناه قال المنذري في تلخيص السنن وأخرجه الترمذي من حديث سهيل عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد قال وقد زادوا في هذا الاسناد رجلا وأخرجه أيضا من حديث سفيان بن عيينة عن سهيل عن أيوب بن بشير عن سعيد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد وقال البخاري في تاريخه وقال ابن عيينة عن سهيل عن أيوب عن سعيد الأعشى ولا يصح انتهى قوله (حدثنا العلاء بن مسلمة) بن عثمان الرواس مولى بني تميم بغدادي يكنى أبا سالم متروك ورماه ابن حبان بالوضع من العاشرة (حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز) هو ابن أبي رداد
[ 36 ]
قوله (من ابتلي بشئ من البنات) بصيغة المجهول أي امتحن قال الحافظ في الفتح اختلف في المراد بالابتلاء هل هو نفس وجودهن أو ابتلي بما يصدر منهن وكذلك هل هو على العموم في البنات أو المراد من اتصف منهن بالحاجة إلى ما يفعل به وقال النووي تبعا لابن بطال إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهون البنات فجاء الشرع بزجرهم عن ذلك ورغب في إبقائهن وترك قتلهن بما ذكر من الثواب الموعود به من أحسن إليهن وجاهد نفسه في الصبر عليهن وقال الحافظ العراقي في شرح الترمذي يحتمل أن يكون معنى الابتلاء هنا الاختبار أي من اختبر بشئ من البنات لينظر ما يفعل أيحسن إليهن أو يسئ ولهذا قيده في حديث أبي سعيد بالتقوى فإن من لم يتق الله لا يأمن أن يتضجر بمن وكله الله إليه أو يقصر عما أمر بفعله أو لا يقصد بفعله امتثال أمر الله وتحصيل ثوابة والله أعلم (كن له حجابا من النار) أي يكون جزاؤه على ذلك وقاية بينه وبين نار جهنم حائلا بينه وبينها وفيه تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا عن القيام بمصالح أنفسهن بخلاف الذكور لما فيهم من قوة البدن وجزالة الرأي وإمكان التصرف في الأمور المحتاج إليها في أكثر الأحوال قوله (هذا حديث حسن) في سنده العلاء بن مسلمة وهو متروك فتحسين الترمذي له لشواهده قله (فلم تجد عندي شيئا غير تمرة) وفي رواية البخاري غير تمرة واحدة قال العيني فإن قلت وقع في رواية عراك بن مالك عن عائشة جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت تمرة إلى فيها لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها فأعجبني شأنها الحديث أخرجه مسلم فما الجمع بينهما قلت قيل يحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى تمرة واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين ويحتمل تعدد القصة انتهى (فأعطيتها إياها) أي التمرة ولم تستحقرها لقوله تعالى فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
[ 37 ]
ولقوله عليه السلام أتقوا النار ولو بشق تمرة (ولم تأكل منها) أي مع جوعها إذ يستبعد أن تكون شبعانة مع جوع ابنتيها (فأخبرته) أي بما جرى (من ابتلى بشئ من هذه البنات) زاد في رواية البخاري فأحسن إليهن (كن له) أي للمبتلي (سترا) بكسر أوله أي حجابا دافعا (من النار) أي دخولها واختلف في المراد با حسان هل يقتصر به على قدر الواجب أو بما زاد عليه والظاهر الثاني وشرط الاحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي قوله (حدثنا محمد بن عبيد) هو الطنافسي (حدثنا محمد بن عبد العزيز الراسبي) أبو روح البصري ثقة من السابعة (عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس) بن مالك مجهول الحال من الخامسة قوله (من عال جاريتين) زاد في رواية مسلم حتى تبلغا قال النووي معنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما مأخوذ من العول وهو القرب منه ابدأ بمن تعول (دخلت أنا وهو) أي الذي عالهما (الجنة) بالنصب (كهاتين و أشار بإصبعيه) أي السبابة والوسطى وسيأتي توضيح قوله كهاتين في الباب الذي يليه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم وابن حبان في صحيحه (غير حديث) أي غير واحد من الحديث (والصحيح هو عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) وكذا رواه مسلم في صحيحه قال حدثني عمرو الناقد أخبرنا أبو أحمد الزبيري أخبرنا محمد بن عبد العزيز عن
[ 38 ]
عبيد بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك إلخ وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس هذا كنيته أبو معاذ قال في التقريب ثقة من الرابعة 14 باب ما جاء في رحمة اليتيم وكفالته أي الذي مات أبوه وهو صغير يستوي فيه المذكر والمؤنث قيل اليتيم من الناس من مات أبوه ومن الدواب من مات أمه قوله (من قبض يتيما بين المسلمين) أي تسلم وأخذ وفي رواية شرح السنة من اوى يتيما كما في المشكاة (إلى طعامه وشرابه) الضميران لمن والمعنى من يضم اليتيم إليه ويطعمه (أدخله الله الجنة البتة) أي إدخالا قاطعا بلا شك وشبهة (إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر) المراد منه الشرك لقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء كذا ذكره الطيبي وقال ابن الملك أي الشرك وقيل مظالم الخلق قال القاري في المرقاة والجمع هو الأظهر للإجماع على أن حق العباد لا يغفر بمجرد ضم اليتيم البتة مع أن من جملة حقوق العباد أكل مال اليتيم نعم يكون تحت المشيئة فالتقدير إلا أن يعمل ذنبا لا يغفر إلا بالتوبة أو بالاستحلال ونحوه وحاصله أن سائر الذنوب التي بينه وبين الله تغفر إن شاء الله تعالى قوله (وفي الباب عن مرة) أخرجه البخاري في الأدب المفرد والطبراني كما في الفتح (وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجة مرفوعا بلفظ خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو نعيم في الحلية (وأبي أمامة) أخرجه أحمد والترمذي (وسهل بن سعد) أخرجه الترمذي في هذا الباب
[ 39 ]
قوله (وحنش هو حسين بن قيس وهو أبو علي الرحبي) بفتح الراء والموحدة قال الحافظ في التقريب حسين بن قيس الرحبي أبو علي الواسطي لقبه حنش بفتح المهملة والنون ثم معجمة متروك من السادسة انتهى (وسليمان التيمي يقول حنش) يعني يذكره بلقبه حنش (وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال أحمد متروك وقال أبو زرعة وابن معين ضعيف وقال البخاري لا يكتب حديثه وقال السعدي أحاديثه منكرة جدا وقال الدارقطني متروك كذا في الميزان قوله (حدثنا عبد الله بن عمران) بن رزين بن وهب المخزومي العابدي (أبو القاسم المكي القرشي) صدوق معمر من العاشرة قوله (أنا وكافل اليتيم) أي مربيه قال في النهاية الكافل هو القائم بأمر اليتيم المربي له (في الجنة) خبر أنا ومعطوفة (كهاتين) قال ابن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الاخرة أفضل من ذلك وفي رواية البخاري في اللعان وفرج بينهما شيئا أي بين السبابة والوسطى وفيه إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى وهو نظير الحديث الاخر بعثت أنا والساعة كهاتين الحديث وزعم بعضهم أنه صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك استوت اصبعاه في تلك الساعة ثم عادتا على حالهما الطبيعية الأصلية تأكيدا لأمر كفالة اليتيم قال الحافظ ومثل هذا لا يثبت بالإحتمال ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة أنه ليس بين الوسطى والسبابة أصبع أخرى وقد وقع في رواية لأم سعيد عند الطبراني معي في الجنة كهاتين يعني المسبحة والوسطى إذا اتقى ويحتمل أن يكون المراد قرب المنزلة حالة دخول الجنة لما أخرجه أبو يعلي من حديث أبي هريرة رفعه أنا أول من يفتح باب الجنة فإذا امرأة تبادرني فأقول من أنت فتقول أنا امرأة تأيمت على أيتام لي ورواته لا بأس بهم وقوله تبادرني أي لتدخل معي أو تدخل في إثري ويحتمل أن يكون المراد مجموع الأمرين سرعة الدخول وعلو المنزلة قال العراقي في شرح الترمذي لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي أو منزلة النبي لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما ومرشدا وكذلك كافل
[ 40 ]
اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل ولا دنياه ويرشده ويعلمه ويحسن أدبه فظهرت مناسبة ذلك ذكره الحافظ في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود 15 باب ما جاء في رحمة الصبيان جمع الصبي قوله (حدثنا عبيد بن واقد) القيسي أو الليثي أبو عباد ضعيف من التاسعة (عن زربى) بفتح الزاي وسكون الراء بعدها موحدة ثم تحتانية مشددة ابن عبد الله الأزدي مولاهم أبي يحيى البصري ضعيف من الخامسة قوله (ليس هنا) قيل أي ليس على طريقتنوهو كناية عن التبرئة ويأتي تفسيره من الترمذي في اخر الباب (من لم يرحم صغيرنا) أي من لا يكون من أهل الرحمة لأطفالنا (ولم يوقر) من التوقير أي لم يعظم (كبيرنا) هو شامل للشاب والشيخ قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو أخرجه الترمذي في هذا الباب (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي في باب رحمة الولد (وابن عباس) أخرجه الترمذي في هذا الباب (وأبي أمامة) أخرجه أحمد في مسنده ص 752 ج 5 قوله (وزربى له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره) وقال البخاري في حديثه نظر قوله (ويعرف شرف كبيرنا) عطف على يرحم أي لم يعرف شرف كبيرنا سنا أو علما وفي بعض النسخ ولم يعرف قوله (ويوقر كبيرنا ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر) بالجزم في الأفعال الثلاثة عطف علي يرحم أي ولم يوقر كبيرنا ولم يأمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر
[ 41 ]
وقوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (وحديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب حديث حسن صحيح) فإن قلت محمد بن إسحاق مدلس وقد رواه عن عمرو بن شعيب بالعنعنة فكيف صحح الترمذي حديثه لهذا قلت الظاهر أنه صححه بتعدد طرقه وشواهده وحديث عمرو بن شعيب هذا أخرجه أيضا أحمد وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد والحاكم (وقد روي عن عبد الله بن عمرو عن غير هذا الوجه أيضا) أخرجه أبو داود من طريق ابن أبي شيبة وابن السرح عن سفيان عن إبن أبي نجيح عن ابن عامر عن عبد الله بن عمرو (قال بعض أهل العلم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ليس منا إلخ) تقدم الكلام مفصلا في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم ليس منا في باب النهي عن ضرب الخدود وشق الجيوب من أبواب الجنائز 16 باب ما جاء في رحمة الناس قوله (من لم يرحم الناس لا يرحمه الله) وفي رواية البخاري من لا يرحم لا يرحم مع
[ 42 ]
عند الطبراني من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء وفي حديث الأشعث بن قيس عند الطبراني في الأوسط من لم يرحم المسلمين لم يرحمه الله قال ابن بطال فيه الحض على استعمال الرحمة لجميع الخلق فيدخل المؤمن والكافر والبهائم والمملوك منها وغير المملوك ويدخل في الرحمة التعاهد با طعام والسقي والتخفيف في الحمل وترك التعدي بالضرب انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف) أخرجه الترمذي في باب قطيعة الرحم (وأبي سعيد) أخرجه الترمذي في باب الرياء والسمعة من أبواب الزهد (وابن عمر) أخرجه أحمد (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي في هذا الباب (وعبد الله بن عمرو) أخرجه أيضا الترمذي في هذا الباب قوله (كتب به) أي بالحديث (إلى) بتشديد الياء (وقرأته عليه) أي قرأت الحديث على منصور والمعنى أن منصورا كتب الحديث إلى شعبة أولا ثم لقيه شعبة وقرأ الحديث عليه (سمع) أي منصور قوله (لا تنزع الرحمة) بصيغة المجهول أي لا يسلب الشفقة على خلق الله ومنهم نفسه التي هي أولى بالشفقة والمرحمة عليها من غيرها بل فائدة شفقته على غيره راجعة إليها لقوله تعالى إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم (إلا من شقي) قال الطيبي لأن الرحمة في الخلق رقة القلب والرقة في القلب علامة الايمان فمن لا رقة له لا إيمان له ومن لا إيمان له شقي فمن لا يرزق الرقة شقي انتهى قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد و أبو داود وابن حبان
[ 43 ]
في صحيحه والحاكم في مستدركه قال المناوي إسناده صحيح قوله (وأبو عثمان الذي روى عن أبي هريرة لا نعرف اسمه يقال هو والد موسى بن أبي عثمان إلخ) قال في التقريب أبو عثمان التبان مولى المغيرة بن شعبة قيل اسمه سعيد وقيل عمران مقبول من الثالثة قوله (عن أبي قابوس) غير منصرف للعجمة والعلمية قطع بهذا غير واحد ممن يعتمد عليه كذا في مرقاة الصعود وأبو قابوس هذا هو مولى عبد الله بن عمرو بن العاص مقبول من الرابعة قوله (الراحمون) لمن في الأرض من آدمى وحيوان محترم بنحو شفقة وإحسان ومو اساة (يرحمهم الرحمن) أي يحسن إليهم ويتفضل عليهم والرحمة مقيدة باتباع الكتاب والسنة فإقامة الحدود والانتقام لرحمة الله لا ينافي كل منهما الرحمة (ارحموا من في الأرض) قال الطيبي أتي بصيغة العموم ليشمل جميع أصناف الخلق فيرحم البر والفاجر والناطق والبهم والوحوش والطير انتهى وفيه إشارة إلى أن إيراد من لتغليب ذوي العقول لشرفهم على غيرهم أو للمشاكلة المقابلة بقوله (يرحمكم من في السماء) وهو مجزوم على جواب الأمر أي الله تعالى وقيل المراد من سكن فيها وهم الملائكة فإنهم يستغفرون للمؤمنين قال الله تعالى الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين امنوا ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم وفي السراج المنير وقد روي بلفظ ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء والمراد بأهل السماء الملائكة ومعنى رحمتهم لأهل الأرض دعائهم لهم بالرحمة والمغفرة كما قال تعالى ويستغفرون لمن امن الرحم شجنة بكسر المعجمة وسكون الجيم بعدها نون وجاء بضم أوله وفتحه رواية ولغة وأصل الشجنة عروق الشجر المشتبكة والشجن بالتحريك واحد الشجون وهي طرق
[ 44 ]
الأودية ومنه قولهم الحديث ذو شجون أي يدخل بعضه في بعض (من الرحمن) أي أخذ اسمها من هذا الاسم كما في حديث عبد الرحمن بن عوف في السنن مرفوعا أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي والمعنى أنها أثر من اثار الرحمة مشتبكة بها فالقاطع لها منقطع من رحمة الله تعالى وقال الاسماعيلي معنى الحديث أن الرحم اشتق اسمها من اسم الرحمن فلها به علقة وليس معناه أنها من ذات الله تعالى الله عن ذلك ذكره الحافظ في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره والحديث أخرجه أحمد والحاكم أيضا وأعلم أن هذا الحديث هو الحديث المسلسل بالأولية قال ابن الصلاح في مقدمته فلما تسلم المسلسلات من ضعف أعني في وصف التسلسل لا في أصل المتن ومن المسلسل ما ينقطع تسلسله في وسط إسناده وذلك نقص فيه وهو كالمسلسل بأول حديث سمعته على ما هو الصحيح في ذلك انتهى 17 باب ما جاء في النصيحة قوله (الدين النصيحة) أي عماد الدين وقوامه هو النصيحة (ثلاث مرار) أي ذكرها ثلاثا للتأكيد بها والاهتمام بشأنها (قالوا) أي الصحابة رضي الله عنهم (لمن) أي النصيحة لمن (قال لله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم) قال الجزري في النهاية النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها وأصل النصح في اللغة الخلوص ويقال نصحته ونصحت له ومعنى نصيحة الله صحة الاعتقاد في وحدانيته وإخلاص النية في عبادته والنصيحة لكتاب الله هو التصديق به والعمل بما فيه ونصيحة رسوله التصديق بنبوته ورسالته والانقياد لما أمر به ونهى عنه ونصيحة الأئمة أن يطيعهم
[ 45 ]
في الحق ولا يرى الخروج عليهم إذا جاروا ونصيحة عامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم انتهى وقد بسط النووي في شرح هذا الحديث في شرح مسلم بسطا حسنا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم من حديث تميم الداري قوله (وفي الباب عن ابن عمر وتميم الداري وجرير وحكيم بن أبي يزيد عن أبيه وثوبان) أما حديث ابن عمر فأخرجه البزار وأما حديث تميم الداري فأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود وأما حديث جرير فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث حكيم بن أبي يزيد عن أبيه فلينظر من أخرجه وأما حديث ثوبان فأخرجه الطبراني في الأوسط قوله (على إقام الصلاة) أي إقامتها وإدامتها وحذف تاء الا قامة عند الاضافة للإطالة (وإيتاء الزكاة) أي إعطائها قال النووي إنما اقتصر على الصلاة والزكاة لكونهما أمي العبادات المالية والبدنية وهما أهم أركان الاسلام بعد الشهادتين وأظهرها انتهى لا يقال لعل غيرهما من الصوم والحج لم يكونا واجبين حينئذ لأنه أسلم عام توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم (والنصح) بضم فسكون أي وبالنصيحة (لكل مسلم) أي من خاصة المسلمين وعامتهم قال النووي في شرح مسلم ومما يتعلق بحديث جرير منقبة ومكرمة لجرير رواها الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده اختصارها أن جريرا أمر مولاه أن يشتري له فرسا بثلثمائة درهم وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن فقال جرير لصاحب الفرس فرسك خير من ثلثمائة در هم أتبيعه بأربعمائة قال ذلك إليك يا أبا عبد الله فقال فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحبه يرضى وجرير يقول فرسك خير إلى أن بلغ ثمان مائة درهم فاشتراه بها فقيل له في ذلك فقال إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم انتهى قوله (حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 46 ]
18 باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم قوله (المسلم أخو المسلم) أي فليتعامل المسلمون فيما بينهم وليتعاشروا معاملة الاخوة ومعاشرتهم في المودة والرفق والشفقة والملاطفة والتعاون في الخير ونحو ذلك مع صفاء القلوب والنصيحة بكل حال (لا يخونه) من الخيانة خبر في معنى الأمر (ولا يخذله) بضم الذال المعجمة من الخذلان وهو ترك النصرة والإعانة قال النووي معناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه لزمه إعانته إذا أمكنه ولم يكن له عذر شرعي (كل المسلم على المسلم حرام عرضه) بكسر العين المهملة وسكون الراء قال الجزري في النهاية العرض موضع المدح والذم من الانسان سواء كان في نفسه أو في سلفه أو من يلزمه أمره وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب وقال ابن قتيبة عرض الرجل نفسه وبدنه لا غير انتهى (التقوى ها هنا) زاد في رواية مسلم ويشير إلى صدره قال في مجمع البحار أي لا يجوز تحقير المتقي من الشرك والمعاصي والتقوى محله القلب يكون مخفيا عن الأعين فلا يحكم بعدمه لأحد حتى يحقره أو يقال محل التقوى هو القلب فمن كان في قلبه التقوى لا يحقر مسلما لأن المتقي لا يحقر مسلما انتهى (بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه المسلم) أي حسبه وكافيه من خلال الشر ورذائل الأخلاق احتقار أخيه المسلم فقوله بحسب امرئ مبتدأ والباء فيه زائدة وقولهأن يحتقر خبره قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم
[ 47 ]
قوله (المؤمن للمؤمن) التعريف للجنس والمراد بعض المؤمن للبعض ذكره الطيبي (كالبنيان) أي البيت المبني (يشد بعضه) أي بعض البنيان والجملة حال أو صفة أو استئناف بيان لوجه الشبه وهو الأظهر (بعضا) قال الكرماني نصب بعضا بنزع الخافض وقال غيره بل هو مفعول يشد قال الحافظ ولكل وجه قال ابن بطال والمعاونة في أمور الاخرة وكذا في اللأمور المباحة من الدنيا مندوب إليها وقد ثبت حديث أبي هريرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه والحديث هكذا أخرجه الترمذي وغيره مختصرا وزاد البخاري ثم شبك بين أصابعه إلخ قال الحافظ هو بيان لوجه التشبيه أيضا أي يشد بعضهم بعضا مثل هذا الشد انتهى وقال النووي هذا الحديث صريح في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم بعضا وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير أثم ولا مكروه وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وفي الباب عن علي وأبي أيوب) أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد والشيخان قوله (إن أحدكم مراة أخيه) بكسر ميم ومد همز أي الة لإراءة محاسن أخيه ومعايبه لكن بينه وبينه فإن النصيحة في الملأ فضيحة وأيضا هو يرى من أخيه ما لا يراه من نفسه كما يرسم في المراة ما هو مختف عن صاحبه فيراه فيها أي إنما يعلم الشخص عيب نفسه بإعلام أخيه كما يعلم خلل وجهه بالنظر في المراة (فإن رأى) أي أحدكم (به) أي بأخيه (أذى) أي عيبا مما يؤذيه أو يؤذي غيره (فليمطه) من الاماطة والمعنى فليزل ذلك الأذى (عنه) أي عن أخيه إما بإعلامه حتى يتركه أو بالدعاء له حتى يرفع عنه وحديث أبي هريرة هذا ضعيف لضعف يحيى بن عبيد الله وأخرج
[ 48 ]
نحوه أبو داود من وجه اخر قال المنذري وفيه كثير بن زيد أبو محمد المدني مولى الاسلمتين قال ابن معين ليس بذلك القوي يكتب حديثه وقال النسائي ضعيف قوله (ويحي بن عبيد الله ضعفه شعبة) قال في التقريب يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن موهب التيمي المدني متروك وأفحش الحاكم فرماه بالوضع انتهى وقال الذهبي في الميزان في ترجمته قال شعبة رأيته يصلي صلاة لا يقيمها فتركت حديثه انتهى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الطبراني في الأوسط والضياء بلفظ المؤمن مراة المؤمن قال المناوي بإسناد حسن 19 باب ما جاء في السترة على المسلم قوله (حدثت عن أبي صالح) بصيغة المجهول وهذا يدل على أن بين الأعمش وأبي صالح واسطة ولم يسمع هذا الحديث منه ولم يذكر من حدثه عنه وقد روى أبو عوانة وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما بينه الترمذي فما بعد وهذا يدل على أن الأعمش سمع هذا الحديث من أبي صالح من غير واسطة فالتوفيق أن الأعمش رواه عنه بواسطة ثم لقيه فسمعه منه من غير واسطة والله تعالى أعلم قوله (من نفس إلخ) قد تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب الستر على المسلم من أبواب الحدود وفي عقد الترمذي هذا الباب هناك وإيراده هذا الحديث فيه ثم عقده ها هنا وإيراده فيه تكرار
[ 49 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة 20 باب ما جاء في الذب عن المسلم في القاموس ذب عنه أي دفع عنه ومنع قوله (عن أبي بكر الهشلي) الكوفي صدوق رمي با رجاء من السابعة (عن مرزوق أبي بكر التيمي) مقبول من السادسة قوله (من رد عن عرض أخيه) أي منع غيبة عن أخيه (رد الله عن وجهه النار) أي صرف الله عن وجه الراد نار جهنم قال المناوي أي عن ذاته العذاب وخص الوجه لأن تعذيبه أنكى في الايلام وأشد في الهوان قوله (وفي الباب عن أسماء بنت يزيد) أخرجه البيهقي في شعب الايمان عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذب عن لحم أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار كذا عزاه صاحب المشكاة إلى البيهقي قال القاري في المرقاة وفي التصحيح رواه الطبراني محيى السنة وفي سنده ضعف وقال الحافظ المنذري في الترغيب رواه أحمد بسند حسن وابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهم نقله ميرك انتهى ما في المرقاة قوله (هذا حديث حسن) ورواه أحمد وابن أبي الدنيا وأبو الشيخ في كتاب التوبيخ ولفظه من ذب عن أخيه رد الله عنه عذاب النار يوم القيامة وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حقا علينا نصر المؤمنين
[ 50 ]
21 باب ما جاء في كراهية الهجرة بكسر الهاء وسكون الجيم وهي مفارقة كلام أخيه المؤمن مع تلاقيهما وإعراض كل واحد منهما عن صاحبه عند الاجتماع وليس المراد بالهجر هنا مفارقة الوطن إلى غيره فإن هذه تقدم حكمها قوله (لا يحل للمسلم أن يهجر) بضم الجيم (أخاه) أي المسلم وهو أعم من أخوة القرابة والصحابة قال الطيبي وتخصيصه بالذكر إشعار بالعلية والمراد به أخوة الاسلام ويفهم منه أنه إن خالف هذه الشريطة وقطع هذه الرابطة جاز هجرانه فوق ثلاثة انتهى قيل وفيه أنه حينئذ يجب هجرانهم (فوق ثلاث) وفي رواية الشيخين فوق ثلاث ليال والمراد بأيامها قال النووي في شرح مسلم قال العلماء في هذا حديث تحريم الهجر بين المسلمين أكثر من ثلاث ليال وإباحتها في الثلاث الأول بنص الحديث والثاني بمفهومه قالوا وإنما عفا عنها في الثلاث لأن الادمى مجبول من الغضب وسوء الخلق ونحو ذلك فعفا عن الهجر الثلاث ليذهب ذلك العارض وقيل إن الحديث لا يقتضي إباحة الهجر الثلاثة وهذا على مذهب من يقول لا يحتج بالمفهوم ودليل الخطاب انتهى فإن قلت لم هجرت عائشة ابن الزبير أكثر من ثلاثة أيام قلت قد أجاب الطبري بأن المحرم إنما هو ترك السلام فقط وأن الذي صدمن عائشة ليس فيه أنها امتنعت من السلام على ابن الزبير ولا من رد السلام عليه لما بدأها بالسلام قال وكانت عائشة لا تأذن لأحد من الرجال أن يدخل عليها إلا بإذن ومن دخل كان بينه وبينها حجاب إلا إن كان ذا محرم منها ومع ذلك لا يدخل عليها حجابها إلا بإذنها فكانت في تلك المدة منعت ابن الزبير من الدخول عليها كذقال قال الحافظ في الفتح ولا يخفى ضعف المأخذ الذي سلكه من أوجه لا فائدة للإطالة بها والصواب ما أجاب به غيره أن عائشة رأت أن ابن الزبير ارتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله لأحجرن عليها فإن فيه تنقيصا لقدرها ونسبة لها إلى
[ 51 ]
ارتكاب ما لا يجوز من التذبير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع اتصاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته كما تقدم التصريح به في أوائل مناقب قريش فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهم لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وازدراء بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر كثير عائشة وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا وكذلك ما صدر من كثير من السلف في استجازتهم ترك مكالمة بعضهم بعضا مع علمهم بالنهي عن المهاجرة اه ما في الفتح (يلتقيان) أي يتلاقيان (فيصد هذا ويصد هذا) قال النووي معنى يصد يعرض أي يوليه عرضه بضم العين وهو جانبه والصد بضم الصاد وهو أيضا الجانب والناحية اه (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أي هو أفضلهما قال النووي فيه دليل لمذهب الشافعي ومالك ومن وافقهما أن السلام يقطع الهجر ويرفع الاثم فيها ويزيله وقال أحمد وابن القاسم المالكي ترك الكلام إن كان يؤذيه لم يقطع السلام هجره قال أصحابنا ولو كاتبه أو راسله عند غيبته عنه هل يزول إثم الهجر فيه وجهان أحدهما لا يزول لأنه لم يكلمه وأصحهما يزول لزوال الوحشة اه قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود) أخرجه البزار ورواته رواه الصحيح قال المنذري في الترغيب (وأنس) أخرجه الترمذي في باب الحسد (وأبي هريرة) أخرجه أحمد ومسلم بلفظ لا هجرة بعد ثلاث وأخرجه أبو داود والنسائي عنه مرفوعا بلفظ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار (وهشام بن عامر) أخرجه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح وأبو يعلى الطبراني وابن حبان في صحيحه وأبو بكر بن أبي شيبة كذا في الترغيب (وأبي هند الداري) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك والشيخان وأبو داود
[ 52 ]
22 باب ما جاء في مواساة الأخ قال في القاموس اساه بماله مواساة أناله منه وجعله فيه أسوة أو لا يكون ذلك إلا من كفاف فإن كان من فضلة فليس بمواساة 1 ه وقال في الصراح مواساة بمال وتن باكسى غموار كي كردن يقال اسيته بمالي وواسيته لغة ضعيفة فيه قوله (اخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع) أي جعل بينهما أخوة (فقال) أي سعد بن الربيع (له) أي لعبد الرحمن بن عوف (هلم) أي تعال قال الخليل أصله لم من قولهم لم الله شعثه أي جمعه أراد لم نفسك إلينا أي أقرب وها للتنبيه وحذفت ألفها وجعلا اسما واحدا يستوي فيه الواحد والجمع والتأنيث في لغة أهل الحجاز وأهل نجد يعرفونها فيقولون للأثنين هلما وللجمع هلموا وللمرأة هلمي وللنساء هلممن والأول أفصح كذا في الصراح (أقاسمك) بالجزم جواب هلم (قد استفضله) قال في القاموس أفضلت منه الشئ واستفضلت بمعنى (وعليه وضر صفرة) بفتح الواو والضاد المعجمة واخره راء هو في الأصل الأثر والمراد بالصفر صفرة الخلوق والخلوق طيب يصنع من زعفران وغيره (فقال مهيم) أي ما شأنك أو ما هذا وهي كلمة استفهام مبنية على السكون (قال نواة) بالنصب بتقدير الفعل أي أصدقتها نواة ويجوز الرفع على تقدير مبتدأأي الذي أصدقها نواة (قال حميد أو قال وزن نواة من ذهب) هذا شك من حميد فقال أو لم ولو بشاة) قال الحافظ ليست لو هذه الامتناعية وإنما هي التي للتقليل
[ 53 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقال أحمد بن حنبل وزن نواة من ذهب وزن ثلاثة دراهم وثلث وقال إسحاق وزن نواة من ذهب وزن خمسة دراهم إلخ) اختلف في المراد بقوله نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر كما يوزن بنوى الخروب وأن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء ويؤيده أن في رواية للبيهقي من طريق سعيد بن بشر عن قتادة وزن نواة من ذهب قومت خمس دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكام ابن قتيبة وجزم به إبن فارس وجعله البيضاوي الظاهر واستبعد لأنه يستلزم أن يكون ثلاثة مثاقيل ونصفا ووقع في رواية حجاج بن أرطاة عن قتادة عند البيهقي قومت ثلاثة دراهم وثلثا وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ويؤيد هذا ما وقع عند الطبراني في الأوسط في اخر حديث أنس قال جاء وزنها ربع دينار وقد قال الشافعي النواة ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن بن عوف دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة واخرون كذا في الفتح 23 باب ما جاء في الغيبة قوله (قال قيل يا رسول الله ما الغيبة) بكسر الغين المعجمة (قال ذكر ك) أي أيها
[ 54 ]
المخاطب خطابا عاما (أخاك) أي المسلم (بما يكره) أي بما لو سمعه لكرهه قال النووي اعلم أن الغيبة من أقبح القبائح وأكثرها انتشارا في الناس حتى لا يسلم منها إلا القليل من الناس وذكرك أخاك بما يكره عام سواء كان في بدنه أو دينه أو دنياه أو نفسه أو خلقه أو ماله أو ولده أو والده أو زوجه أو خادمه أو ثوبه أو مشيه وحركته وبشاشته وعبوسته وطلاقته أو غير ذلك مما يتعلق به سواء ذكرته بلفظك أو كتابك أو رمزت أو أشرت إليه بعينك أو يدك أو رأسك ونحو ذلك وضابطه أن كل ما أفهمت به غيرك نقصان مسلم فهو غيبة محرمة ومن ذلك المحاكاة بأن يمشي متعرجا أو مطأطأ أو على غير ذلك من الهيئات مريد حكاية هيئة من ينقصه بذلك (قال أرأيت) أي أخبرني (إن كان فيه) أي في الأخ (ما أقول) من المنقصة والمعنى أيكون حينئذ ذكره بها أيضا غيبة كما هو المتبادر من عموم ذكره بما يكره (قال إن كان فيه ما تقول) أي من العيب (فقد اغتبته) أي لا معنى للغيبة إلا هذا وهو أن تكون المنقصة فيه (وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) بفتح الهاء المخففة وتشديد التاء على الخطاب أي قلت عليه البهتان وهو كذب عظيم يبهت فيه من يقال في حقه قوله (وفي الباب عن أبي برزة وابن عمر وعبد الله بن عمرو) وأما حديث أبي برزة فأخرجه أحمد في مسنده ص 124 ج 4 وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والطبراني والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا في الترغيب وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الأصبهاني قال المنذري بإسناد حسن من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا لا يأكل حتى يطعم ولا يرحل حتى يرحل له فقال النبي صلى الله عليه وسلم اغتبتموه فقالوا يا رسول الله إنما حدثنا بما فيه قال حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه 24 باب ما جاء في الحسد وهو تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أولا فإن
[ 55 ]
سعى كان باغيا وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد اسباب الكراهة التي نهي المسلم عنها في حق المسلم نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهداتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن علية رفعه ثلاث لا يسلم منها أحد الطيرة والظن والحسد قيل فما المخرج منها يا رسول الله قال إذا تطيرت فلا ترجع وإذا ظننت فلا تحقق وإذا حسدت فلا تبغ وعن الحسن البصري قال ما من ادمي إلا وفيه الحسد فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شئ كذا في فتح الباري قوله (لا تقاطعوا) أي يقاطع بعضكم بعضا والتقاطع ضد التواصل (ولا تدابروا) قال الخطابي لا تتهاجروا فيهجر أحدكم أخاه مأخوذ من تولية الرجل الاخر دبره إذا أعرض عنه حين يراه وقال ابن عبد البر قيل للإعراض مدابرة لأن من أبغض أعرض ومن أعرض ولي دبره والمحب بالعكس انتهى (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأن البغض لا يكتسب ابتداء (ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى بعضكم زوال نعمة بعض سواء أرادها لنفسه أو لا (وكونوا عباد الله إخوانا) أي يا عباد الله بحذف حرف النداء وفيه إشارة إلى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بذلك وقيل قوله عباد الله خبر لقوله كونوا وإخوانا خبر ثان له قال القرطبي المعنى كونوا كإخوان النسب في الشفقة والرحمة والمحبة والمواساة والمعاونة والنصيحة (ولا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) تقدم شرحه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك والبخاري وأبو داود والنسائي وأخرجه مسلم أخصر منه قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق والزبير بن العوام وابن عمر وابن مسعود وأبي
[ 56 ]
هريرة) أما حديث أبي بكر الصديق فأخرجه أحمد في مسنده ص 3 ج 1 وأما حديث الزبير بن العوام فأخرجه أحمد والترمذي والبزار بإسناد جيد والبيهقي وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الشيخان وغيرهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مالك والشيخان وأبو داود وأخرجه الترمذي مختصرا في باب ظن السوء قوله (لا حسد) قال العلماء الحسد قسمان حقيقي ومجازي فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التى على غيره من غير زوالها عن صاحبها فإن كانت من أمور الدنيا كانب مباحة وإن كانت طاعة فهي مستحبة والمراد بالحسد في هذا الحديث معناه المجازي أي لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين وما في معناهما (إلا في اثنتين) بتاء التأنيث أي لا حسد محمودا في شئ إلا في خصلتين وعلى هذا فقوله (رجل) بالرفع والتقدير خصلة رجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه (اتاه الله) بالمد في أوله أي أعطاه الله من الايتاء وهو الاعطاء (مالا) نكرة ليشمل والقليل والكثير (فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار) قال النووي أي ساعاته وواحدة إنا وأنا وإني وإنو أربع لغات انتهى وقال في الصراح اناء الليل ساعاته واحدها إني مثل معي وأمعاء وإني وأنو أيضا يقال مضى إنوان وإنيان من الليل انتهى (فهو يقوم به) المراد بالقيام به العمل مطلقا أعم من تلاوته داخل الصلاة أو خارجها من تعليمه والحكم والفتوى بمقتضاه ولأحمد من حديث يزيد بن الأخنس السلمي رجل أتاه الله القران فهو يقوم به اناء الليل واناء النهار ويتبع ما فيه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد روي عن ابن مسعود) أخرج روايته البخاري في العلم وفي الزكاة وفي الأحكام وفي الاعتصام ومسلم في الصلاة والنسائي في العلم وابن ماجة في الزهد (وأبي هريرة إلخ) أخرج روايته البخاري في فضائل القران والنسائي
[ 57 ]
25 باب ما جاء في التباغض قوله (إن الشيطان) يحتمل الجنس والأظهر أن المراد به إبليس رئيسهم (قد أيس) قال في القاموس أيس منه كسمع إياسا قنط انتهى أي يئس وصار محروما (أن يعبده المصلون) أي من أن يعبده المؤمنون وزاد في رواية مسلم في جزيرة العرب قال القاري في المرقاة اختصر القاضي كلام الشراح وقال عبادة الشيطان عبادة الصنم لأنه الامر به والداعي إليه بدليل قوله يا أبت لا تعبد الشيطان والمراد بالمصلين المؤمنون كما في قوله عليه الصلاة والسلام نهيتكم عن قتل المصلين سموا بذلك لأن الصلاة أشرف الأعمال وأظهر الأفعال الدالة على الايمان ومعنى الحديث أيس من أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويريد إلى شركه في جزيرة العرب ولا يرد على ذلك ارتداد أصحاب مسيلمة ومانعي الزكاة وغيرهم ممن ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يعبدوا الصنم انتهى قال القاري وفيه أن دعوة الشيطان عامة إلى أنواع الكفر غير مختص بعبادة الصنم فالأولى أن يقال المراد أن المصلين لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصارى انتهى (ولكن في التحريش) خبر لمبتدأ محذوف أي هو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش (بينهم) أي في إغراء بعضهم على بعض والتحري بالشر بين الناس من قتل وخصومة والمعنى لكن الشيطان غير ايس من إغراء المؤمنين وحملهم على الفتن بل له هو مطمع في ذلك قال النووي هذا الحديث من المعجزات النبوية ومعناه ايس أن يعبده أهل جزيرة العرب ولكنه يسعى في و التحريش بينهم بالخصومات والشحناء والحروب والفتن ونحوها انتهى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي في الباب الذي قبله (وسليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه) لينظر من أخرجه
[ 58 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم 26 باب ما جاء في إصلاح ذات البين قال في المجمع ذات الشئ نفسه وحقيقته والمراد ما أضيف إليه ومنه إصلاح ذات البين أي إصلاح أحوال بينكم حتى يكون أحوال ألفة ومحبة واتفاق كعليم بذات الصدور أي بمضمراتها لما كانت الأحوال ملابسة للبين قيل لها ذات البين وإصلاحها سبب الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق بين المسلمين فهو درجة فوق درجة من اشتغل بخويصة نفسه بالصيام والصلاة فرضا ونفلا انتهى قوله (عن بن خثيم) بضم الخاء المعجمة وفتح المثلثة مصغرا هو عبد الله ابن عثمان قوله (يحدث الرجل امرأته ليرضيها) قال القاري حذف قرينته للاكتفاء أو للمقايسة أو وقع اختصارا من الراوي انتهى قلت وقع في حديث أم كلثوم عند مسلم قالت ولم أسمعه يرخص في شئ مما يقول الناس إلا في ثلا ث الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها قال النووي في شرح مسلم قال القاضي لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو فقالت طائفة هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة وقالوا الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم بل فعله كبيرهم وإني سقيم وقوله إنها أختي وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم أيتها العير إنكم لسارقون قالوا ولا خلاف أنه قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين
[ 59 ]
هو وقال اخرون منهم الطبري لا يجوز الكذب في شئ أصلا قالوا وما جاء من الاباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها أو يكسوها كذا وينوي إن قدر الله ذلك وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه وإذا سعى في الاصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه ما ت إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية أو غدا يأتينا مدد أي طعام أو نحو هذا من المعاريض المباحة فكل هذا جائز وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض وأما كذبه لزوجته وكذبها له فالمراد به في إظهار الود والوعد بما لا يلزم ونحو ذلك فأما المخادعة في منع حق عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها فهو حرام بإجماع المسلمين انتهى كلام النووي قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد قوله (وفي الباب عن أبي بكر رضي الله عنه) لينظر من أخرجه قوله (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهوي المدني (عن أمه أم كلثوم بنت عقبة) بن أبي معيط الأموية أسلمت قديما وهي أخت عثمان لأمه صحابية لها أحاديث ماتت في خلافة علي قوله (ليس بالكاذب من أصلح بين الناس) أي ليس بالكاذب المذموم من أصلح بين الناس بل هذا محسن (فقال خيرا) أي قولا متضمنا للخير دون الشر بأن يقول ل صلاح مثلا بين زيد وعمرو يا عمرو يسلم عليك زيد ويمدحك ويقول أنا أحبه وكذلك يجئ إلى زيد ويبلغ من
[ 60 ]
عمرو مثل ما سبق (أو نمى خيرا) شك من الراوي قال الجزري في النهاية يقال نميت الحديث أنميه إذا بلغته على وجه الاصلاح وطلب الخير فإذا بلغته على وجه الافساد والنميمة قلت نميته بالتشديد هكذا قال أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما من العلماء وقال الحربي نمى مشددة وأكثر المحدثين يقولونها مخففة وهذا لا يجوز ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يلحن ومن خفف لزمه أن يقول خير بالرفع قال الجزري وهذا ليس بشئ فإنه ينتصب بنمى كما انتصب بقال وكلاهما على زعمه لازمان وإنما نمى متعد يقال نميت الحديث أي رفعته وأبلغته انتهى قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي 27 باب ما جاء في الخيانة والغش قال في القاموس غشه لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه والغش بالكسر الاسم منه والغل والحقد وانتهى قوله (عن لؤلؤة) مولاة الأنصار مقبولة من الرابعة (عن أبي صرمة) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء المازني الأنصاري صحابي اسمه مالك بن قيس وقيل قيس بن صرمة وكان شاعرا قوله (من ضار) بشد الراء أي أوصل ضررا إلى مسلم (ضار الله به) أي أوقع به الضرر البالغ (ومن شاق) بشد القاف أي أوصل مشقة إلى أحد بمحاربة وغيرها (شق الله عليه) أي أدخل عليه ما يشق عليه قيل إن الضرر والمشقة متقاربان لكن الضرر يستعمل في إتلاف المال والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن كتكليف عمل شاق
[ 61 ]
قوله (وفي الباب عن أبي بكر) أخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة قوله (حدثني أبو سلمة الكندي) مجهول من السابعة (عن مرة بن شراحيل الهمداني وهو الطيب) قال في التقريب مرة بن شراحيل الهمداني أبو إسماعيل الكوفي هو الذي يقال له مرة الطيب ثقة عابد من الثانية قوله (ملعون) أي مبعد من رحمة الله (من ضار مؤمنا) أي ضررا ظاهرا (أو مكر به) أي بإيصال الضرر إليه خفية قوله (هذا حديث غريب) في سنده أبو سلمة الكندي وهو مجهول كما عرفت انفا 28 باب ما جاء في حق الجوار قال في الصراح جوار بالكسر والضم والكسر أفصح همسا بكى كردن قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (عن داود بن شابور) بالمعجمة والموحدة أبي سليمان المكي وقيل إن اسم أبيه عبد الرحمن وشابور جده ثقة من السابعة روى عن سويد بن حجير وطاوس وغيرهما وعنه شعبة وابن عيينة وثقه أبو زرعة الرازي وابن معين (وبشير أبي إسماعيل) هو ابن سليمان الكندي الكوفي والد الحكم ثقة يغرب من السادسة
[ 62 ]
قوله (أهديتم) بتقدير همزة الاستفهام (ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) أي يأمر عن الله بتوريث الجار من جاره واختلف في المراد بهذا التوريث فقيل يجعل له مشاركة في المال بفرض سهم يعطاه مع الأقارب وقيل المراد أن ينزل منزلة من يرث بالبر والصلة والأول أظهر فإن الثاني استمر والخبر مشعر بأن التوريث لم يقع ويؤيده ما أخرجه البخاري من حديث جابر نحو حديث الباب بلفظ حتى ظننت أنه يجعل له مير اثا واسم الجار يشمل المسلم والكافر والعابد والفاسق والصديق والعدو والغريب والبلدي والنافع والضار والقريب والأجنبي والأقرب دارا والأبعد وله مراتب بعضه أعلى من بعض فأعلاها من اجتمعت فيه الصفات الأول كلها ثم أكثرها وهلم جرا إلى الواحد وعكسه من اجتمعت فيه الصفات الأخرى كذلك فيعطى كل حقه بحسب حاله وقد تتعارض صفتان فأكثر فيرجع أو يساوي وقد حمله عبد الله بن عمرو الراوي على العموم فإنه أمر لما ذبحت له شاة أن يهدي منها لجاره اليهودي وقد أخرج الطبراني من حديث جابر مرفوعا الجيران ثلاثة جار له حق وهو المشرك له حق الجوار وجار له حقان وهو المسلم له حق الجواز وحق الاسلام وجار له ثلاثة حقوق مسلم له رحم له حق الجوار والإسلام والرحم هذا تلخيص ما في فتح الباري قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عباس الخ) أما حديث عائشة فأخرجه البخاري ومسلم عنها وعن ابن عمر قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل عليه السلام يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه وأخرجه الترمذي عن عائشة وحدها وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني وأبو يعلى عنه مرفوعا ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع قال المنذري رواته ثقات وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد عنه مرفوعا بلفظ أول خصمين يوم القيامة جاران قال المنذري ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعا من كان يؤمن بالله وباليوم الاخر فلا يؤذي جاره الحديث وأما حديث أنس فأخرجه مسلم عنه مرفوعا بلفظ والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث المقداد فأخرجه أحمد وفيه لأن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره الحديث قال
[ 63 ]
المنذري رواته ثقات وأما حديث أبي شريح فأخرجه البخاري عنه مرفوعا والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل ومن يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بواثقه وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على ناقته الجدعاء في حجة الوداع يقول أوصيكم بالجار حتى أكثر فقلت إنه يورثه قال المنذري إسناده جيد ورواته رواة الصحيح انتهى وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها الحافظ المنذري في كتابه الترغيب قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد (وقد روي هذا الحديث عن مجاهد عن عائشة وأبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال المنذري قد روي هذا المتن من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قوله (عن يحيى بن سعيد) هو الأنصاري (عن أبي بكر بن محمد وهو ابن عمرو بن حزم) الأنصاري البخاري المدني القاضي اسمه وكنيته واحد ثقة عابد من رجال الكتب الستة (عن عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية المدنية أكثرت عن عائشة ثقة من الثالثة قوله (صلوات الله عليهما) ضمير التثنية راجع إلى رسول الله وإلى جبرائيل صلوات الله عليهما والسلام (يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) تقدم شرحه وحديث عائشة هذا أخرجه البخاري ومسلم قوله (خير الأصحاب عند الله) أي أكثرهم ثوابا عنده (خيرهم لصاحبه) أي أكثرهم إحسانا إليه ولو بالنصيحة (وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره) أي ولو برفع الأذى عنه
[ 64 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال على شرط مسلم كذا في الترغيب 29 باب ما جاء في الاحسان إلى الخادم قوله (إخوانكم) أي خولكم كما في رواية وفي رواية هم إخوانكم والمعنى هم مماليككم قاله القاري وفي رواية للبخاري في كتاب الايمان إخوانكم خولكم قال القسطلاني بفتح أوله المعجم والواو أي خدمكم أو عبيدكم الذين يتخولون الأمور أي يصلحونها انتهى (جعلهم الله فتية) بكسر الفاء وسكون الفوقية بعدها تحتية مفتوحة جمع فتى أي غلمة وفي النسخة المصرية قنية بالقاف والنون أي ملكا لكم قال في القاموس القنية بالكسر والضم ما اكتسب (تحت أيديكم) مجاز عن القدرة أو الملك (فليطعمه من طعامه وليلبسه من لباسه) قال النووي الأمر بإطعاهم من طعامه وإلباسهم من لباسه محمول على الاستحباب ويجب على السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو دونه أو فوقه حتى لو قتر السيد على نفسه تقتيرا خارجا عن عادة أمثاله إما زهدا أو شحا لا يحل تقتيره على المملوك وإلزامه بموافقته إلا برضاه انتهى قلت الأمر كما قال النووي ففي الموطأ ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق وهو يقتضي الرد إلى العرف فمن زاد عليه كان متطوعا (ولا يكلفه) من العمل (ما يغلبه) أي ما يعجز عنه لصعوبته (فإن كلفه ما يغلبه فليعنه) من الاعانة أي بنفسه أو بغيره
[ 65 ]
قوله (وفي الباب عن علي وأم سلمة وابن عمر وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث أم سلمة فأخرجه البيهقي في شعب الايمان عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الصلاة وما ملكت أيمانكم كذا في المشكاة وفيه وروى أحمد وأبو داود عن علي نحوه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني بنحو حديث أم سلمة ففي الجامع الصغير للسيوطي الصلاة وما ملكت أيمانكم الصلاة وما ملكت أيمانكم حم ن هحب عن أنس حم عن أم سلمة طب عن ابن عمر انتهى يعني أخرجه أحمد في مسنده والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه عن أنس وأحمد في مسنده وابن ماجة عن أم سلمة والطبراني عن ابن عمر قال المناوي في التيسير في شرح الجامع الصغير بأسانيد صحيحة وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه انفا وفي الباب أحاديث أخرى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما وقوله (عن فرقد) بن يعقوب السبخي بفتح المهملة والموحدة وبخاء معجمة البصري صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ قوله لا يدخل الجنة سئالملكة بفتح الميم واللام بمعنى الملك يقال ملكه يملكه ملكا مثلثة وملكة محر كومملكة بضم اللام أو يثلث كذا في القاموس وقال الجزري في النهاية يقال فلان حسن الملكة إذا كان حسن الصنيع إلى مماليكه وسئ الملكة أي الذي يسئ صحبة المماليك قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة (وقد تكلم غير واحد في فرقد السبخي من
[ 66 ]
قبل حفظه) قال الذهبي في الميزان قال أبو حاتم ليس بقوي وقال ابن معين ثقة وقال البخاري في حديثه مناكير وقال النسائي ليس بثقة وقال أيضا هو والدارقطني ضعيف وقال يحيى القطان ما يعجبني الرواية عن فرقد انتهى 30 باب النهي عن ضرب الخدام وشتمهم قوله (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى المروزي أبو عباس السمسمار مردوية الحافظ (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (عن فضيل بن غزوان) ابن جرير الضبي الكوفي وثقه ابن معين (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة وقد بين الترمذي اسمه فيما بعد وهو صدوق عابد قوله (نبي التوبة) بدل من قوله أبو القاسم قال في مجمع البحار نبي التوبة لأنه تواب يستغفر كل يوم سبعين أو مائة وقال فيه أيضا نبي التوبة والرحم أي جاء بقبولها بالقول والاعتقاد لا يقتل الأنفس وجاء بالتراحم نحو رحماء بينهم انتهى (من قذف مملوكه) أي رماه بالزنا (بريئا مما قال له) أي والحال أن مملوكه برئ مما قال سيده وفي رواية الشيخين وهو برئ مما قال (أقام الله عليه) أي على السيد القاذف (الحد يوم القيامة) وفي رواية الشيخين جلد يوم القيامة (إلا أن يكون كما قال) أي أن يكون العبد كما قال السيد في الواقع ولم يكن بريئا فإن لا يقيم الله عليه الحد لكونه صادقا في نفس الأمر وهو تصريح بما علم ضمنا وهو استثناء منقطع قال النووي فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا وهذا مجمع عليه ولكن يعزر قاذفه لأن العبد ليس بمحصن سواء فيه من هو كامل الرق أو فيه شائبة الحرية والمدير والمكاتب وأم الوالد انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود
[ 67 ]
قوله (وفي الباب عن سويد بن مقرن وعبد الله بن عمر) وأما حديث سويد بن مقرن فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه مسلم عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ضرب غلاما له حدا لم يأته أو لطمه فإن كفار ته أن يعتقه قوله (حدثنا مؤمل) بن إسماعيل العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري روى عن شعبة والثوري وجماعة وعنه أحمد وإسحاق وطائفة وثقه ابن معين وقال البخاري منكر الحديث كذا في الخلاصة وقال الحافظ صدوق سئ الحفظ (حدثنا سفيان) هو الثوري قوله (أبا مسعود) أي يا أبا مسعود (لله) بفتح اللام (أقدر عليك منك عليه) أي أتم وأبلغ من قدرتك على عبدك قال الطيبي لله مبتدأ وأقدر خبره وعليك صلة أقدر ومنك متعلق أفعل وقوله عليه لا يجوز أن يتعلق بقوله أقدر لأنه أخذ ماله ولا بمصدر مقدر عند قوله منك أي من قدرتك كما ذهب إليه المظهر لأن المعنى يأباه بل هو حال من الكاف أي أقدر منك حال كونك قادرا عليه كذا في المرقاة (قال أبو مسعود فما ضربت مملوكا لي بعد ذلك) ولفظ مسلم هكذا كنت ضرب غلاما لي فسمعت من خلفي صوتا احلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وتقدم لفظه انفا
[ 68 ]
31 باب ما جاء في أدب الخادم قوله (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى المروزي (حدثنا عبد الله) أي ابن المبارك (عن سفيان) هو الثوري (عن أبي هارون العبدي) اسمه عمارة بن جوين بضم الجيم مصغرا مشهور بكنيته متروك ومنهم من كذبه شيعي كذا في التقريب قوله (إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله) أي استغاث به واستشفع باسمه تعالى (فارفعوا أيديكم) أي امنعوها عن ضربه تعظما لذكره تعالى قال الطيبي هذا إذا كان الضرب لتأديبه وأما إذا كان حدا فلا وكذا إذا استغاث مكرا انتهى والحديث أخرجه البيهقي في شعب الايمان لكن عنده فليمسك بدل فارفعوا أيديكم كذا في المشكاة قوله (وقال يحيى بن سعيد) القطان (ضعف شعبة أبا هارون العبدي) قال الذهبي في الميزان في ترجمته تابعي لين بمرة كذبه حماد بن زيد وقال شعبة لأن أقدم فتضرب عنقي أحب إلي من أن أحدث عن أبي هارون وقال أحمد ليس بشئ وقال ابن معين لا يصدق في حديثه وقال النسائي متروك الحديث وقال الدارقطني يتلون خارجي وشيعي فيعتبر بما روى عنه الثوري وقال ابن حبان يروى عن أبي سعيد ما ليس من حديثه وقال الجوزجاني أبو هارون كذاب مفتر (قال يحيى) وهو ابن سعيد القطان 32 باب ما جاء في العفو عن الخادم قوله (عن أبي هانئ الخولاني) اسمه حميد بن هانئ المصري لا بأس به وهو أكبر شيخ
[ 69 ]
لابن وهب قاله الحافظ (عن عباس بن جليد) بضم جيم مصغرا (الحجري) بفتح المهملة وسكون الجيم مصري ثقة من الرابعة (عن عبد الله بن عمر) بلا واو قوله (فصمت عنه النبي صلى الله عليه وسلم) أي سكت ولم يجبه ولعل السكوت لانتظار الوحي وقيل لكراهة السؤال فإن العفو مندوب إليه مطلقا دائما لا حاجة فيه إلى تعيين عدد مخصوص والله تعالى أعلم (قال كل يوم سبعين مرة) أي أعف عنه كل يوم سبعين عفوة فنصب سبعين على المصدر والمراد به الكثرة دون التحديد كذا قيل والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود قال القاري قال ميرك وفي بعض النسخ يعني نسخ الترمذي حسن صحيح ورواه أبو يعلى بإسناد جيد كذا ذكره المنذري انتهى قوله (وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن وهب بهذا الاسناد وقال عن عبد الله بن عمرو) أي بالواو وروى أبو داود في سننه حديث الباب من طريق أحمد بن سعيد الهمداني عن ابن وهب عن أبي هانئ الخولاني عن العباس بن جليد الحجري عن عبد الله بن عمر قال المنذري هكذا وقع في سماعنا وفي غيره عن عبد الله بن عمر وأخرجه الترمذي كذلك وقال حسن غريب قال وروى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن وهب بهذا الاسناد وقال عن عبد الله بن عمرو وذكر بعضهم أن أبا داود أخرجه من حديث عبد الله بن
[ 70 ]
عمرو العباس بن جليد بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء اخر الحروف وبعدها دال مهملة مصري ثقة ذكره ابن يونس في تاريخ المصريين وذكر أنه يروي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الحارث بن جزء وذكر ابن أبي حاتم أنه يروي عن ابن عمر وذكر الأمير أبو نصر أنه يروي عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن جزء وأخرج البخاري هذا في تاريخه من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاص ومن حديث عباس بن جليد عن ابن عمر وقال وهو حديث فيه نظرة انتهى كلام المنذري 33 باب ما جاء في أدب الولد قوله (حدثنا يحيى بن يعلى) الأسلمي الكوفي القطراني قال الحافظ شيعي ضعيف (عن ناصح) هو ابن عبد الله أو ابن عبد الرحمن التميمي المحلمي بالمهملة وتشديد اللام أبو عبد الله الحائك صاحب سماك بن حرب ضعيف من كبار السابعة كذا في التقريب وزعم الترمذي بأن ناصحا هذا هو ابن العلاء الكوفي وهو وهم منه كما ستقف عليه قوله (لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق بصاع) أي والله تأديب الرجل ولده تأديبا واحدا خير له من تصدقه بصاع وإنما قلنا تأديبا واحدا ليلائم قوله خير من أن يتصدق بصاع وإنما يكون خيرا له لأن الأول واقع في محله لا محالة بخلاف الثاني فإنه تحت الاحتمال أو لأن الأول إفادة علمية حالية والثاني عملية مالية أو لأن أثر الثاني سريع الفناء ونتيجة الأول طويلة البقاء أو لأن الرجل بترك الأول قد يعاقب وبترك الثاني لم يعاتب ذكره القاري وقال المناوي لأنه إذا أدبه صارت أفعاله من صدقاته الجارية وصدقة الصاع ينقطع ثوابها انتهى قوله (هذا حديث غريب) وهو حديث ضعيف لأن ناصحا الراوي عن سماك ليس بقوي
[ 71 ]
(وناصح بن علاء الكوفي ليس عند أهل الحديث بالوقى الخ) كذا قال الترمذي إن ناصحا هذا هو ابن العلاء الكوفي وهذا وهم من الترمذي فإن ناصحا هذا هو ابن عبد الله الكوفي قال الذهبي في الميزان ناصح بن عبد الله الكوفي المحلمي الحائك عن سماك بن حرب ويحيى بن أبي كثير ضعفه النسائي وغيره وقال البخاري منكر الحديث وقال الفلاس متروك وقال ابن معين ليس بشئ وقال مرة ليس بثقه قال الذهبي وكان من العابدين ذكره الحسن بن صالح فقال رجل صالح نعم الرجل ثم ذكر الذهبي حديث جابر بن سمرة المذكور في الباب وذكر إسناده هكذا يحيى بن يعلى الأسلمي عن ناصح بن عبد الله عن سماك عن جابر بن سمرة مرفوعا لأن يؤدب الرجل ولده الخ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة ناصح بن عبد الله المحلمي المذكور ما لفظه روى له الترمذي حديثه عن سماك عن جابر لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع وقال ناصح هو ابن العلاء الكوفي ليس بالقوي عند أهل الحديث وناصح شيخ اخر بصري هو أثبت من هذا قال المزي هكذا قال الترمذي وهو وهم وإنما ابن العلاء هو البصري لا الكوفي وسنذكره قلت وقال أبو عبد الله الحاكم ناصح بن العلاء هو البصري ثقة وإنما المطعون عليه ناصح بن عبد الله المحلمي فإنه روى عن سماك بن حرب المناكير وقال الحاكم أبو أحمد ناصح بن عبد الله ذاهب الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال ابن حبان تفرد بالمناكير عن المشاهير انتهى كلام الحافظ قوله (حدثنا عامر بن أبي عامر الخزاز) بمعجمات قال الذهبي في الميزان عامر بن أبي عامر صالح بن رستم الخزاز عن يونس بن عبيدة وغيره قال أبو حاتم ليس بالقوي وقال ابن عدي في حديثه بعض النكرة ثم ذكر الذهبي حديثه المذكور في الباب وقال الحافظ في التقريب صدوق سئ الحفظ أفرط فيه ابن حبان فقال يضع انتهى (حدثنا أيوب بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العا ص أبو موسى المكي الأموي ثقة (عن أبيه) أي موسى بن عمرو قال في التقريب مستور وقال الخزرجي وثقه ابن حبان (عن جده) يحتمل أن يعود الضمير على أيوب ويحتمل أن يعود على موسى وسيأتي تفصيله في اخر الباب
[ 72 ]
قوله (ما نحل) أي ما أعطى والد ولدا (من نحل) بضم النون ويفتح أي عطية أو إعطاء ففي النهاية النحل العطية والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق يقال نحله ينحله نحلا بالضم والنحلة بالكسر العطية (أفضل من أدب حسن) أي من تعليمه ذلك ومن تأديبه بنحو توبيخ وتهديد وضرب على فعل الحسن وتجنب القبيح فإن حسن الأدب يرفع العبد المملوك إلى رتبة الملوك قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البيهقي في شعب الايمان (وهذا عندي حسن مرسل) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص بعد نقل كلام الترمذي هذا الضمير في جده يعود على موسى فالحديث عن رواية سعيد وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أن له رؤية وأما عمرو وهو الأشدق فلا صحبة له بل ولم يولد إلا في زمان عثمان والحديث على كل حال مرسل وقال في ترجمة سعيد بن العاصي قال ابن سعد قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولسعيد تسع سنين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقال فيها أيضا يحتمل أن يكون ضمير الجد على أيوب وهذا ظاهر ويحتمل أن يعود على موسى فيكون الحديث من مسند سعيد بن العاص فيستفاد منه أن الترمذي أخرج لسعيد أيضا وهو مع ذلك مرسل إذ لم يثبت سماع سعيد انتهى 34 باب ما جاء في قبول الهدية والمكافأة عليها قال في القاموس كافأه مكافأة جازاه وقال في الصراح مكافأة باذاش دادن قوله (حدثنا يحيى بن أكثم بفتح الهمزة وبالمثلثة) ابن محمد بن قطن التميمي المروزي أبو محمد القاضي فقيه صدوق إلا أنه رمي بسرقة الحديث ولم يقع ذلك له وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة روى عنه الترمذي والبخاري في غير صحيحه وعلي بن خشرم وهو من أقرانه وغيرهم وكان قد غلب على المأمون حتى لم يتقدمه أحد عنده من الناس جميعا فكانت الوزراء لا
[ 73 ]
تعمل في تدبير الملك إلا شيئا بعد مطالعته (حدثنا عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي نزل الشام مرابطا ثقة مأمون قوله (كان يقبل الهدية ويثيب عليها) من أثاب يثيب أي يعطي الذي يهدي له بدلها والمراد بالثواب المجازاة وأقله ما يساوي قيمة الهدية واستدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب الثواب على الهدية إذا أطلق الواهب وكان ممن يطلب مثله الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى ووجه الدلالة منه مواظبته صلى الله عليه وسلم ومن حيث المعنى أن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدى فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم وقال في الجديد كالحنفية الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع بثمن مجهول ولأن موضوع الهبة التبرع فلو أبطلناه لكان في معنى المعاوضة وقد فرق الشرع والعرف بين البيع والهبة فما استحق العوض أطلق عليه لفظ البيع بخلاف الهبة وأجاب المالكية بأن الهبة لو لم تقتضي الثواب أصلا لكانت بمعنى الصدفة وليس كذلك فإن الأغلب من حال الذي يهدي أنه يطلب الثواب ولا سيما إذا كان فقيرا كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وجابر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي بلفظ أن أعرابيا أهدى لرسوالله صلى الله عليه وسلم بكرة فعوضه منها ست بكرات الحديث وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود والنسائي عنه قال قال المهاجرون يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير ولا أحسن مواساة في قليل منهم ولقد كفونا المؤنة قال أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم قالوا بلى قال فذاك بذاك وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما كذا قال المنذري في الترغيب وذكر لفظه وفيه ومن أتي إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه نموه وأما حديث جابر فأخرجه الترمذي في باب المتشبع بما لم يعطه
[ 74 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري في الهبة وأبو داود في البيوع 35 باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك قوله (حدثنا الربيع بن مسلم) الجمحي أبو بكر البصري ثقة من السابعة (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم المدني نزيل البصرة ثقة ثبت ربما أرسل من الثالثة قوله (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) قال القاضي وهذا إما لأن شكره تعالى إنما يتم بمطاوعته وامتثال أمره وأن مما أمر به شكر الناس الذين هم وسائط في إيصال نعم الله إليه فمن لم يطاوعه فيه لم يكن مؤديا شكر نعمه أو لأن من أخل بشكر من أسدى نعمة من الناس مع ما يرى من حرصه على حب الثناء والشكر على النعماء وتأذيه بالإعراض والكفران كان أولى بأن يتهاون في شكر من يستوي عنده الشكر والكفران انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه روي هذا الحديث برفع الله وبرفع الناس وروي أيضا بنصبهما وبرفع الله ونصب الناس وعكسه أربع روايات انتهى قوله (عن ابن أبي ليلى) اسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى روى عن عطية بن سعد العوفي الجدلي (عن عطية) بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا
[ 75 ]
قوله (من لم يشكر الناس الخ) قال الخطابي هذا يتأول على وجهين أحدهما أن من كان من طبعه وعادته كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله تعالى وترك الشكر له والوجه الاخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين با خر انتهى قوله (وفي زالباب عن أبي هريرة والأشعت بن قيس والنعمان بن بشير) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب فلعله أشار إلى حديث اخر له وأما حديث الأشعث بن قيس فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أشكر الناس لله تبارك وتعالى أشكرهم للناس وفي رواية لا يشكر الله من لا يشكر الناس قال المنذري ورواته ثقات قال ورواه الطبراني من حديث أسامة بن زيد بنحو الأولى وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله الحديث قال المنذري بإسناد لا بأس به قال ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب اصطناع المعروف باختصار قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والضياء 36 باب ما جاء في صنائع المعروف قال في القاموس الصنيع الاحسان كالصنيعة والجمع الصنائع قوله (عن مالك بن مرثد) بفتح الميم والمثلثة بينهما ر اء ساكنة ابن عبد الله الزماني ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي مرثد وهو مقبول الثالثة قوله (تبسمك في وجه أخيك) في الدين (لك صدقة) يعني إظهارك البشاشة والبشر إذا
[ 76 ]
لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة (وأمر بالمعروف) أي بما عرفه الشرع بالحسن (ونهيك عن المنكر) أي ما أنكره وقبحه (صدقة) كذلك (وإرشادك الرجل في أرض الضلال) أضيفت إلى الضلال كأنها خلقت له وهي التي لا علامة فيها للطريق فيضل فيها الرجل (لك صدقة) بالمعنى المقرر (وبصرك للرجل الردئ البصر) بالهمز ويدغم أي الذي لا يبصر أصلا أو يبصر قليلا والبصر محركة حس العين كذا في القاموس والمعنى إذا أبصرت رجلا ردئ البصر فإعانتك إياه صدقة لك وفي المشكاة نصرك بالنون قال القاري وضع النصر موضع القياد مبالغة في الاعانة كأنه ينصره على كل شئ يؤذيه (وإماطتك) أي إزالتك (الحجر والشوك والعظم) أي ونحوها (عن الطريق) أي المسلوك أو المتوقع السلوك (وإفراغك) أي صبك (من دلوك) بفتح فسكون واحد الدلاء التي يستقى بها (في دلو أخيك) في الاسلام قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وجابر وحذيفة وعائشة وأبي هريرة) أما حديث ابن مسعود فلينظر من أخرجه وأما حديث جابر وحذيفة فأخرجه الشيخان عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنها قالا قول قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن حبان في صحيحه 37 باب ما جاء في المنحة قال في القاموس منحه كمنعه وضربه أعطاه والاسم المنحة بالكسر ومنحه الناقة جعل له
[ 77 ]
وبرها ولبنها وولدها وهي المنحة والمنيحة انتهى وقال الحافظ في الفتح المنيحة بالنون والمهملة وزن عظيمة هي في الأصل العطية قال أبو عبيدة المنيحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له وا خر أن يعطيه ناقة أو شاء ينففح بحلبها ووبرها زمنا ثم يردها وقال القزاز قيل لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة والأول أعرف انتهى قوله (حدثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق) قال في التقريب إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم من السابعة (عن أبيه) أي يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق وقد ينسب لجده ثقة من السابعة (سمعت عبد الرحمن بن عوسجة) الهمداني الكوفي ثقة من الثالثة قوله (من منح أي أعطى (منيحة لبن أو ورق) بكسر الراء وسكونها أي فضة قال الجزري في النهاية منحة الورق القرض ومنحة اللبن أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بلبنها ويعيدها وكذلك إذا أعطاه لينتفع بوبرها وصوفها زمانا ثم يردها ومنه الحديث المنحة مردودة انتهى (أو هدى زقاقا) قال في النهاية الزقاق بالضم الطريق يريد من دل الضال أو الأعمى على طريقه وقيل أراد من تصدق بزقاق من النخل وهي السكة منها والأول أشبه لأن هدى من الهداية لا من الهدية انتهى قلت وقع في حديث النعمان بن بشير الذي أشار إليه الترمذي أهدى زقاقا من الاهداء فالمراد بالزقاق في هذا الحديث هو السكة من النخل وبالإهداء التصدق (كان له) أي ثبت له (مثل عتق رقبة) أي كان ما ذكر له مثل عتاق رقبة ووجه الشبه نفع الخلق والإحسان إليهم قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه
[ 78 ]
قوله (وفي الباب عن النعمان بن بشير) أخرجه أحمد في مسنده عنه مرفوعا من منح منيحة ورقا أو ذهبا أو سقى لبنا أو أهدى زقاقا فهو كعدل رقبة 38 باب ما جاء في إماطة الأذى عن الطريق أي إزالة ما يؤذي الناس عن الطريق قوله (فأخره) بتشديد الخاء المعجمة بعدها راء أي عزل عن الطريق (فشكر الله له) قال الجزري في النهاية في أسماء الله تعالى الشكور هو الذي يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء فشكره لعباده مغفرته لهم قوله (وفي الباب عن أبي برزة) أخرجه مسلم وابن ماجة (وابن عباس) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (وأبي ذر) أخرجه مسلم وابن ماجة وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب في باب إماطة الأذى من كتاب الأدب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في أبواب المظالم والقصاص ومسلم في كتاب البر والصلة والاداب
[ 79 ]
39 باب ما جاء أن المجالس أمانة هذا لفظ حديث أخرجه الخطيب في تاريخه عن علي مرفوعا كما في الجامع الصغير وروى أبو داود في سننه عن جابر بن عبد الله مرفوعا للجالس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس سفك دم حرام أو فرح حرام أو اقتطاع مال بغير حق وهو حديث ضعيف والباء في قوله المجالس بالإمانة تتعلق بمحذوف والتقدير تحسن المجالس أو حسن المجالس وشرفها بأمانة حاضريها على ما يقع فيها من قول وفعل فكأن المعنى ليكن صاحب المجلس أمينا لما يسمعه أو يراه قوله (أخبرني عبد الرحمن بن عطاء) القرشي مولاهم أبو محمد المديني ويقال له ابن أبي لبيب صدوق فيه لين من السادسة (عن عبد الملك بن جابر بن عتيك) الأنصاري المدني ثقة من الرابعة قوله (إذا حدث الرجل) أي عند أحد (الحديث) أي الذي يريد إخفاءه (ثم التفت) أي يمينا وشمالا أحتياطا (فهي) أي ذلك الحديث وأنت باعتبار خبره وقيل لأن الحديث بمعنى الحكاية وقيل أي الكلمة التي حدث بها (أمانة) أي عند من حدثه أي حكمه حكم الأمانة فيجب عليه كتمه قال ابن رسلان لأن التفاته إعلام لمن يحدثه أنه يخاف أن يسمع حديثه أحد وأنه قد خصه سره فكان الالتفات قائما مقام اكتم هذا عني أي خذه عني واكتمه وهو عندك أمانة انتهى قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا في إسناده عبد الرحمن بن عطاء المدني قال البخاري عنده مناكير وقال أبو حاتم الرازي شيخ قيل له أدخله البخاري في كتاب الضعفاء قال يحول من ههنا وقال الموصلي عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر لا يصح انتهى
[ 80 ]
40 باب ما جاء في السخاء بفتح السين وهو إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وبذلك ما يقتنى بغير عوض وهو من جملة محاسن الأخلاق بل هو من أعظمها والبخل ضده قاله العيني قوله (حدثنا حاتم بن وردان) بن مروان السعدي أبو صالح البصري ثقة من الثامنة (حدثنا أيوب) هو السختياني قوله (إنه ليس لي من شئ) وفي رواية للبخاري مالي مال (إلا ما أدخل علي) بتشديد الباء (الزبير) هو ابن العوام كان زوجها (أفأعطى) وفي رواية للبخاري أفأتصدق (لا توكي) من أوكى يوكي إيكاه يقال أوكي ما في سقائه إذا شده بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة وأوكى علينا أو بخل (فيوكي عليك) بفتح الكاف بصيغة المجهول وفي رواية مسلم فيوكي الله عليك قال الجزري في النهاية أي لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك فتنقطع مادة الرزق عنك انتهى فدل الحديث على أن الصدقة تنمي المال وتكون سببا إلى البركة والزيادة فيه وأن من شح ولم يتصدق فإن الله يوكي عليه ويمنعه من البركة في ماله والنماء فيه (يقول لا تحصى فيحصى عليك) هذا تفسير لقوله لا توكي فيوكي عليك من بعض الرواة وضمير يقول راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وروى البخاري في صحيحه من طريق عبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال انفقي ولا تحصى فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك قال الحافظ الاحصاء معرفة قدر الشئ وزنا أو عددا وهو من باب المقابلة والمعنى النهي عن منع الصدقة خشية النفاد فإن ذلك أعظم الأسباب لقطع مادة البركة لأن الله يثيب على العطاء بغير حساب وقيل المراد با حصاء عد الشئ لأن يدخر ولا ينفق منه وإحصاء الله قطع البركة عنه أو حبس بمادة الرزق أو المحاسبة عليه في الاخرة انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الأوسط
[ 81 ]
بنحو حديث أبي هريرة الاتي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الزكاة وفي الهبة ومسلم في الزكاة وأبو داود والنسائي (وروى بعضهم هذا الحديث بهذا الاسناد عن ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر) رواه الشيخان في صحيحهما من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أسماء (وروى غير واحد هذا عن أيوب ولم يذكروا فيه عن عباد ابن عبد الله بن الزبير) قال الحافظ وقد روى أيوب هذا الحديث عن ابن أبي مليكة عن أسماء بغير واسطة أخرجه أبو داود والترمذي وصححه النسائي وصرح أيوب عن ابن أبي مليكة بتحديث أسماء له بذلك فيحمل على أنه سمعه من عباد عنها ثم حدثته به انتهى قوله (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري القاضي قوله (السخي) هو الذي اختار رضا المولى في بذله على الغني (قريب من الله) أي من رحمته (قريب من الجنة) بصرف المال وإنفاقه فيما ينبغي (قريب من الناس) لأن السخي يحبه جميع الناس ولو لم يحصل لبعضهم نفع من سخاوته كحبه العادل (والبخيل) هو الذي لا يؤدي الواجب عليه (بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار) معنى هذه الجملة ظاهر من ما قبلها والأشياء تتبين بأضدادها (والجاهل السخي) قال القاري أراد به ضد العابد وهو من يؤدي الفرائض دون النوافل لأن ترك الدنيا رأس كل عبادة وإنما عبر عنه بالجاهل لأنه أراد به أنه مع
[ 82 ]
كونه جاهلا غير عالم بما لم يجب عليه وجوب عين (أحب إلى الله عز وجل من عابد) أي كثير النوافل سواء يكون عالما أم لا (بخيل) لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة وأيضا النجيل الشرعي هو من ترك الواجب الشرعي المالي والسخي ضده ولا شك أن من قام بالفرائض وترك النوافل أفضل ممن قام بالنوافل وترك الفرائض قال وهذا الذي قررنا أولى من قول الطيبي يفهم منه أن جاهلا غير عابد أحب من عالم عابد رعاية للمطابقة فيا لها من حسنة غطت خصلتين ذميمتين ويا لها من سيئة غطت حسنتين كريمتين قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البيهقي في شعب الايمان عن جابر بن عبد الله والطبراني في الأوسط عن عائشة قال المناوي بأسانيد ضعيفة يقوي بعضها بعضا (لا نعرفه من حديث يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة إلا من حديث سعيد بن محمد) الوراق المذكور وهو ضعيف قوله (وقد خولف سعيد بن محمد في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الخ) أي خالفه غيره في رواية هذا الحديث عن يحيى بن سعيد فرواه هو عن يحيى عن الأعرج عن أبي هريرة متصلا وجعله من مسند أبي هريرة ورواه غيره عن يحيى عن عائشة مرسلا يعني منقطعا وجعله من مسند عائشة تنبيه قد أورد الحافظ السيوطي هذا الحديث في كتابه الجامع الصغير نقلا عن الترمذي بلفظ ولجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل قال المناوي في شرحه لأن الأول سريع الانقياد إلى ما يؤمر به من نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخلاف الثاني انتهى قلت في نسخ الترمذي الموجودة عندنا كلها من عابد بخيل وكذلك في المشكاة وكذلك في الترغيب للمنذري وليس في واحد منها من عالم بخيل فالظاهر أنه من وهم الناسخ والله تعالى أعلم
[ 83 ]
41 باب ما جاء في البخيل (النجل) قوله (عن عبد الله بن غالب الحداني بضم المهملة وتشديد الدال البصري العابد صدوق قليل الحديث من الثالثة قوله خصلتان لا تجتمعان في مؤمن البخل وسوء الخلق قيل أي لا ينبغي أن يجتمعا فيه وقال التوربشتي تأويل هذا الحديث أن نقول المراد به اجتماع الخصلتين فيه مع بلوغ النهاية بحيث لا ينفك عنهما ويوجد منه الرضاء بهما فأما الذي يبخل حينا ويسوء خلقه في وقت أو في مر دون أمر ويندر منه فيندم ويلوم نفسه أو تدعوه النفس إلى ذلك فينازعها فإنه بمعزل عن ذلك انتهى وقوله خصلتان لا تجتمعان في مؤمن خبر موصوف والمبتدأ البخل وسوء الخلق قاله ابن الملك وقال ابن حجر خصلتان مبتدأ سوغه إبدال المعرفة منه في قوله البخل وسوء الخلق والخبر لا تجتمعان وقال القاري الظاهر أن لا تجتمعان صفة مخصصة مسوغة لكون المبتدأ نكرة والخبر قوله البخل وسوء الخلق قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد قوله (لا يدخل الجنة) أي دخولا أوليا (خب) بفتح الخاء ويكسر أي خداع يفسد بين
[ 84 ]
الناس بالخداع (ولا بخيل) يمنع الواجب من المال (ولامنا من المنة أي يمن على الفقراء بعد العطاء أو من المن بمعنى القطع لما يجب أن يوصل وقيل لا يدخل الجنة مع هذه الصفة حتى يجعل طاهرا منها إما بالتوبة عنها في الدنيا أو بالعقوبة بقدرها تمحيصا في العقبى أو بالعفو عنه تفضلا وإحسانا ويؤيده قوله تعالى ونزعنا ما في صدورهم من غل كذا في المرقاة قوله (عن بشر بن رافع) الحارثي كنيته أبو الأسباط النجراني فقيه ضعيف الحديث من السابعة قوله (المؤمن غر) بكسر الغين المعجمة وتشديد الراء (كريم) أي موصوف بالوصفين أي له الاغترار بكرمه وله المسامحة في حظوظ الدنيا لا لجهله (والفاجر خب لئيم) أي بخيل لجوع سئ الخلق وفي كل منهما الوصف الثاني سبب الأول وهو نتيجة الثاني فتأمل فكلاهما من باب التذييل والتكميل وفي النهاية أي ليس بذي مكر فهو ينخدع لانقياده ولينه وهو ضد الخب يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة الفطنة للشر وترك البحث عنه وليس ذلك منه جهلا ولكنه كرم وحسن خلق كذا في المرقاة وقال المناوي أي يغره كل أحد ويغيره كل شئ ولا يعرف الشر وليس بذي مكر فهو ينخدع لسلامة صدره وحسن ظنه قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وأبن داود والحاكم 42 باب ما جاء في النفقة على الأهل قوله (نفقة الرجل على أهله) وفي رواية للشيخين إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو
[ 85 ]
يحتسبها قال الحافظ المراد بالاحتساب القصد إلى طلب الأجر وقال القرطبي في قوله يحتسبها أفادة بمنطوقه أن الأجر في الانفاق إنما يحصل بقصد القربة واجبة أو مباحة وأفاد بمفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر لكن تبرأ ذمته من الواجبة لأنها معقولة المعنى (صدقة) قال الحافظ المراد بالصدقة الثواب وإطلاقها عليه مجازي وقرينته الاجماع على جواز الانفاق على الزوجة الهاشمية مثلا وهو من مجاز التشبيه والمراد به أصل الثواب لا في كميته وكيفيته قال وقوله على أهله يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب ويحتمل أن يختص بالزوجة ويلحق به من عداها بطريق الأولى لأن الثواب إذا ثبت فيما هو واجب فثبوته فيما ليس بواجب أولي وقال الطبري ما ملخصه الانفاق على الأهل واجب والذي يعطيه يؤجر على ذلك بحسب قصده ولا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة بل هي أفضل من صدقة التطوع وقال المهلب النفقة على الأهل واجبة وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعمرو بن أمية وأبي هريرة) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم في باب فضل النفقة على العيال والمملوك من كتاب الزكاة وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورواته ثقات ذكره المنذري في الترغيب في باب النفقة على الزوجة والعيال وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الايمان وفي المغازي وفي النفقات ومسلم في الزكاة والنسائي في الزكاة وفي عشرة النساء قوله (أفضل الدينار) يراد به العموم (ودينار ينفقه الرجل على دابته) أي دابة مربوطة (في سبيل الله) من نحو الجهاد ودينار ينفقه الرجل على اصحابه) أي حال كونهم مجاهدين (في سبيل الله) يعني الانفاق على هؤلاء الثلاثة على الترتيب أفضل من الانفاق على غيرهم ذكره ابن الملك
[ 86 ]
قيل ولا دلالة في الحديث على الترتيب لأن الواو لمطلق الجمع إلا أن يقال الترتيب الذكري الصادر من الحكيم لا يخلو عن حكمة (قال أبو قلابة بدأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ثم قال) وفي رواية مسلم ثم قال أبو قلابة (وأي رجل) وفي بعض النسخ فأي رجل (يعفهم الله به) من الاعفاف أي يكفهم به عما لا يحل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم 43 باب ما جاء في الضيافة وغاية الضيافة إلى كم هي قوله (أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعته أذناي حين تكلم به) فائدة ذكره التوكيد (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر) المراد بقوله يؤمن الايمان الكامل وخصه بالله واليوم الاخر إشارة إلى المبدأ والمعاد أي من امن بالله الذي خلقه وامن بأنه سيجازيه بعمله (فليكرم ضيفه) قالوا إكرام الضيف بطلاقة الوجه وطيب الكلام وا طعام ثلاثة أيام في الأول بمقدوره وميسوره والباقي بما حضره من غير تكلف ولئلا يثقل عليه وعلى نفسه وبعد الثلاثة يعد من الصدقات إن شاء فعل وإلا فلا (جائزته) هي العطاء مشتقة من الجواز لأنه حق جوازه عليهم وانتصابه بأنه مفعول ثان للإكرام لأنه في معنى الاعطاء أو هو كالظرف أو منصوب بنزع الخافض أي بجائزته (قال يوم وليلة) أي جائزته يوم وليلة وجواز وقوع الزمان خبرا عن الجنة باعتبار أن له حكم الظرف وإما فيه مضاف مقدر تقديره أي زمان جائزته يوم وليلة (والضيافة ثلاثة أيام وما كان بعد ذلك فهو صدقة) قال ابن بطال سئل عنه مالك فقال يكرمه ويتحفه يوما وليلة وثلاثة أيام ضيافة قال الحافظ اختلفوا هل الثلاث غير الأول أو يعد منها فقال أبو عبيد يتكلف له في
[ 87 ]
اليوم الأول بالبر وا لطاف وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل ومنه الحديث الاخر أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم وقال الخطابي معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يوما وليلة وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره فإذا مضى الثلاث فقد قضي حقه فما زاد عليها مما يقدمه له يكون له صدقة وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد مسلم بلفظ الضيافة ثلاثة أيام وجائزتة يوم وليلة وهذا يدل على المغايرة ويؤيده ما قال أبو عبيد وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى كأنه قيل كيف يكرمه قال جائزتة ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة فينبغي أن يحمل على هذا عملا بالروايتين انتهى ويحتمل أن يكون المراد بقوله وجائزته بيانا لحالة أخرى وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها أو تارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يوما وليلة ولعل هذا أعدل الأوجه انتهى كلام الحافظ قال النووي أجمع المسلمون على الضيافة وأنها من متأكدات الاسلام ثم قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى والجمهور وهي سنة ليست بواجبة وقال الليث وأحمد هي واجبة يوما وليلة على أهل البادية وأهل القرى دون أهل المدن وتأول الجمهور هذه الأحاديث وأشباهها على الاستحباب ومكارم الأخلاق وتأكد حق الضيف كحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم أي متأكد الاستحباب وتأولها الخطابي رحمه الله وغيره على المضطر انتهى قلت قد اختار القاضي الشوكاني وجوب الضيافة واستدل عليه بدلائل عديدة فقال في النيل والحق وجوب الضيافة لأمور ثم ذكرها فمنها إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك وهذا لا يكون في غير واجب ومنها قوله فما كان وراء ذلك فهو صدقة فإنه صريح أن ما قبل ذلك غير صدقة بل واجب شرعا ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ليلة الضيف حق واجب فهذا تصريح بالوجوب لم يأت ما يدل على تأويله قلت وجوب الضيافة هو الظاهر الراجح عندي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الشيخان وأصحاب السنن
[ 88 ]
قوله (ولا يحل له أن يثوي عنده) هو بكسر الواو وبفتحها في الماضي وبكسرها في المضارع من الثواء وهو الاقامة بمكان معين (حتى يحرجه) من الاحراج أو من التحريج أي لا يضيق صدره با قامة عنده بعد الثلاثة وفي رواية لمسلم حتى يؤثمه أي يوقعه في الاثم لأنه قد يغتابه لطول مقامه أو يعرض له بما يؤذيه أو يظن به ظنا سيئا وفي رواية لأحمد عن أبي شريح قيل يا رسول الله وما يؤثمه قال يقيم عنده لا يجد شيئا يقدمه (حتى يشتد على صاحب المنزل) أي يثقل عليه (حتى يضيق عليه) من الضييق قوله (وفي الباب عن عائشة) لينظر من أخرجه (وأبي هريرة) أخرجه الشيخان (واسمه خويلد بن عمر) صحابي نزل المدينة مات سنة ثمان وستين على الصحيح 44 باب ما جاء في السعي على الأرملة واليتيم الأرملة بفتح الهمزة وسكون الراء وفتح الميم وقال في القاموس امرأة أراملة محتاجة أو مسكينة والجمع أرامل وأرملة والأرمل العزب وهي بهاء ولا يقال للعزبة الموسرة أرملة انتهى قوله (الساعي على الأرملة) قال النووي المراد بالساعي الكاسب لهما العامل لمؤنتهما
[ 89 ]
والأرملة من لا زوج لها سواء تزوجت قبل ذلك أم لا وقيل التي فارقها زوجها قال ابن قتيبة سمعت أرملة لما يحصل لها من الارمال وهو الفقر وذهاب الزاد بتفقد الزوج يقال أرمل إذا فني زاده قال القاري وهذا مأخذ لطيف في إخراج الغنية عموم الأرملة وإن كان ظاهر إطلاق الحديث يعم الغنية والفقيرة قال الطيبي وإنما كان معنى الساعي على الأرملة ما قاله النووي لأنه صلى الله عليه وسلم عداه بعلي مضمنا فيه معنى الانفاق (والمسكين) هو من لا شئ له وقيل من له بعض الشئ وقد يقع على الضعيف وفي معناه الفقير بل بالأولى عند بعضهم (كالمجاهد في سبيل الله) أي ثواب القائم بأمرهما وإصلاح شأنهما والإنفاق عليهما كثواب الغازي في جهاده فإن المال شقيق الروح وفي بذلة مخالفة النفس ومطالبة رضا الرب (أو كالذي يصوم النهار ويقوم الليل) وفي رواية للبخاري أو القائم الليل الصائم النهار قال العيني شك من الراوي وفي رواية معن بن عيسى وابن وهب وابن بكير واخرين عن مالك بلفظ أو كالذي يصوم النهار ويقوم بالليل وفي رواية ابن ماجة من رواية الدراوردي عن ثور مثله ولكن بالواو لا بأو انتهى قوله (عن ثور بن زيد) باسم الحيوان المعروف الديلي بكسر المهملة بعدها تحتانية المدني ثقة من السادسة (عن أبي الغيث) إسمه سالم المدني مولى إبن مطيع ثقة من الثالثة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان وغيرهما اعلم أن الاسناد الأول مرسل والثاني موصول قال الحافظ في الفتح وأكثرهم ساقه على لفظ رواية مالك عن صفوان بن سليم به مرسلا ثم قال وعن ثور بسنده مثله انتهى قوله (ثور بن يزيد شامي وثور بن زيد مدني) يعني أن هذين رجلان الأول شامي والثاني مدني وقد عرفت ترجمة ثور بن زيد انفا وأما ترجمة ثور بن يزيد فقال الحافظ ثور بن يزيد بزيادة تحتانية في أول اسم أبيه أبو خالد الحمصي ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر من السابعة
[ 90 ]
45 باب ما جاء في طلاقة الوجه وحسن البشر قال في القاموس البشر بالكسر الطلاقة وقال فيه طلق ككرم وهو طلق الوجه مثلثة وكنيف وأمير أي ضاحكه ومشرقه قوله (كل معروف صدقة) قال الراغب المعروف اسم كل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معا ويطلق على الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال ابن أبي جمرة يطلق اسم المعروف على ما عرف بأدلة الشرع أنه من أعمال البر سواء جرت به العادة أم لا قال والمراد بالصدقة الثواب فإن قارنته النية أجر صاحبه جزما وإلا ففيه احتمال قال وفي هذا الكلام إشارة إلى أن الصدقة لا تنحصر في الأمر المحسوس منه فلا تختص بأهل اليسار مثلا بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة (وإن من المعروف) أي من جملة أفراده (أن تلقي أخاك) أي المسلم (بوجه) بالتنوين (طلق) يعني تلقاه منبسط الوجه متهلله (وأن تفرغ) من الافراغ أي نصب (من دلوك) أي استقاءك (في إناء أخيك) لئلا يحتاج إلى الاستقاء أو لاحتياجه إلى الدلو قوله (وفي الباب عن أبي ذر) أخرجه الترمذي في باب صنائع المعروف قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد قال القاري في المرقاة وفي كثير من نسخ الترمذي حسن فقط وليس في سنده غير المنكدر بن محمد بن المنكدر قال الذهبي فيه لين وقد وثقه أحمد كذا ذكره ميرك انتهى قلت قال الحافظ في التقريب المنكدر بن محمد بن المنكدر القرشي التيمي المدني لين الحديث من الثامنة
[ 91 ]
46 باب ما جاء في الصدق والكذب قوله (عليكم بالصدق) أي الزموا الصدق وهو الاخبار على وفق ما في الواقع (فإن الصدق) أي على وجه ملازمته ومداومته (يهدي) أي صاحبه (إلى البر) بكسر الموحدة أصله التوسع في فعل الخير وهو اسم جامع للخيرات من اكتساب الحسنات واجتناب السيئات ويطلق على العمل الخالص الدائم المستمر معه إلى الموت وإن البر يهدي إلى الجنة قال ابن بطال مصداقه في كتاب الله تعالى إن الأبرار لفي نعيم (وما يزال الرجل يصدق) أي في قوله وفعله (ويتحرى الصدق) أي يبالغ ويجتهد فيه (حتى يكتب) أي يثبت (عند الله صديقا) بكسر الصاد وتشديد الدال أي مبالغا في الصدق ففي القاموس الصديق من يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق وفي الحديث إشعار بحسن خاتمته وإشارة إلى أن الصديق يكون مأمون العاقبة (فإن الكذب يهدي إلى الفجور) قال الراغب أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث فيه المعاصي وهو اسم جامع للشر انتهى وفي القاموس فجر فسق وكذب وعصي وخالف (حتى يكتب عند الله كذابا) قال الحافظ في الفتح المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض وقد ذكره مالك بلاغا عن ابن مسعو د وزاد فيه زيادة مفيدة ولفظه لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين انتهى قال النووي قال العلماء في هذا الحديث حث على تحري الصدق والاعتناء به وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به قوله (وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعبد الله بن الشخير وابن عمر) أما حديث أبي بكر
[ 92 ]
فأخرجه ابن حبان في صحيحه مرفوعا عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار وأما حديث عمر وحديث عبد الله بن الشخير فلينظر من أخرجهما وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (قلت لعبد الرحيم بن هارون الغساني) هو أبو هشام الواسطي نزيل بغداد ضعيف كذبه الدارقطني من التاسعة (حدثكم) بحذف همزة الاستفهام ويأتي جوابه في اخر الحديث (عبد العزيز بن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو صدوق عابد ربما وهم ورمي بالإرجاء من السابعة قوله (إذا كذب العبد تباعد عنه الملك) يحتمل أن حرف التعريف جنسية ويحتمل أنها عهدية والمعهود الحافظ (ميلا) وهو ثلث الفرسخ أو قطعة من الأرض أو مد البصر ذكره ابن الملك (من نتن ما جاء به) أي عفونته وهو بفتح النون وسكون التاء في القاموس هو ضد الفوح والمعنى من نتن شئ جاء ذلك الشئ بالنتن أي من نتن الكذب أو جاء العبد به والباء للتعدية قوله (فأقر عبد الرحيم بن هارون وقال نعم) هذا متعلق بقوله قلت لعبد الرحيم بن هارون الغساني حدثكم إلخ قوله (هذا حديث حسن جيد غريب) وأخرجه أبو نعيم في الحلية وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت (تفرد به عبد الرحيم بن هارون) قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل هذه العبارة
[ 93 ]
ذكره ابن حبان في الثقات وقال يعتبر بحديثه إذا حدث عن الثقات من كتابه فإن فيما حدث من حفظه بعض المناكير وقال الدارقطني متروك الحديث يكذب انتهى 47 باب ما جاء في الفحش والتفحش قال في النهاية الفحش هو كل ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصي وكثيرا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا وكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال وقال في القاموس الفاحشة الزنا وما يشتد قبحه من الذنوب وكل ما نهى الله عز وجل عنه وقد فحش ككرم فحشا والفحش عدوان الجواب ومنه لا تكوني فاحشة لعائشة رضي الله تعالى عنها قوله (ما كان الفحش) أي ما اشتد قبحه من الكلام (إلا شانه) أي عيبه الفحش وقيل المراد بالفحش العنف لما في رواية عبد بن حميد والضياء عن أنس أيضا ما كان الرفق في شئ إلا زانه ولا نزع من شئ إلا شانه (وما كان الحياء في شئ إلا زانه) أي زينه قال الطيبي قوله في شئ فيه مبالغة أي لو قدر أن يكون الفحش أو الحياء في جماد لزانه أو شانه فكيف بالإنسان قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه مسلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجة قوله (خياركم) بكسر الخاء المعجمة جمع خيرهم ضد الأشرار (أحاسنكم أخلاقا) أي
[ 94 ]
شمائل مرضية (فاحشا ولا متفحشا) الفاحش ذو الفحش في كلامه وأفعاله والمتفحش من يتكلفه ويتعمده أي لم يكن الفحش له جبليا ولا كسبيا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 48 باب ما جاء في اللعنة قوله (لا تلاعنوا) بحذف إحدى التاءين (بلعنة الله) أي لا يلعن بعضكم بعضا فلا يقل أحد لمسلم معين عليك لعنة الله مثلا (ولا بغضبه) بأن يقول غضب الله عليك (ولا بالنار) بأن يقول أدخلك الله النار أو النار مثواك وقال الطيبي أي لا تدعوا على الناس بما يبعدهم الله من رحمته إما صريحا كما تقولون لعنة الله عليه أو كناية كما تقولون عليه غضب الله أو أدخله الله النار فقوله لا تلاعنوا من باب عموم المجاز لأنه في بعض أفراده حقيقة وفي بعضه مجاز وهذا مختص بمعين لأنه يجوز اللعن بالوصف الأعم كقوله لعنة الله على الكافرين أو بالأخص كقوله لعنة الله على اليهود أو على كافر معين مات على الكفر كفرعون وأبي جهل انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وعمران بن حصين) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أبي هريرة فأخر جه مسلم بلفظ لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في باب اللعن والطعن وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه مسلم وغيره قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والحاكم وقال صحيح الاسناد
[ 95 ]
قوله (حدثنا محمد بن يحيى الأزدي البصري) قال في التقريب محمد بن يحيى بن عبد الكريم بن نافع الأزي البصري نزيل بغداد ثقة من كبار الحادية عشر (حدثنا محمد بن سابق) التميمي أبو جعفر أو أبو سعيد البزار الكوفي نزيل بغداد صدوق من كبار العاشرة قوله (ليس المؤمن) أي الكامل (بالطعان) أي عيابا الناس (ولا اللعان) ولعل اختيار صيغة المبالغة فيها لأن الكامل قل أن يخلو عن المنقصة بالكلية (ولا الفاحش) أي فاعل الفحش أو قائله وفي النهاية أي من له الفحش في كلامه وفعاله قيل أي الشاتم والظاهران المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره (ولا البذي) قال القاري بفتح موحدة وكسر ذال معجمة وتشديد تحتيته وفي نسخة يعني من المشكاة بسكونها وهمزة بعدها وهو الذي لا حياة له كما قاله بعض الشراح وفي النهاية البناء بالمد الفحش في القول وهو بذي اللسان وقد يقال بالهمز وليس بكثير انتهى قال القاري فعلى هذا يخص الفاحش بالفعل لئلا يلزم التكرار أو يحمل على العموم والثاني يكون تخصيصا بعد تعميم لزيادة الاهتما به لأنه متعد وقد يقال عطف تفسير ولا زائدة انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والبخاري في تاريخه وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في شعب الايمان قال ميرك ورجاله رجال الصحيحين سوى محمد بن يحيى شيخ الترمذي وثقة بن حبان والدارقطني قوله (حدثنا بشر بن عمر) بن الحكم الزهراني بفتح الزاي الأزدي أبو محمد البصري ثقة من التاسعة (حدثنا أبان بن يزيد) العطار البصري أبو يزيد ثقة له أفراد من السابعة قوله (أن رجلا لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية أبي داود أن رجلا نازعته الريح رداءه فلعنها (لا تلعن الريح فإنها مأمورة) أي بأمر ما والمنازعة من خاصيتها و لوازم وجودها عادة
[ 96 ]
أو فإنها مأمورة حتى بهذه المنازعة أيضا إبتلاء لعباده (وإنه) أي الشأن (من لعن شيئا ليس) أي ذلك الشأن (له) أي اللعن (بأهل) أي بمستحق (رجعت اللعنة عليه) أي على اللاعن لأن اللعنة وكذا الرحمة تعرف طريق صاحبها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه (لا نعلم أحدا أسنده غير بشر بن عمر) قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وبشر بن عمر هذا هو الزهراني احتج به البخاري ومسلم 49 باب ما جاء في تعليم النسب قال في القاموس النسب محركة والنسبة بالكسر وبالضم القرابة أو في الاباء خاصة انتهى قوله (عن عبد الملك بن عيسى الثقفي) ابن عبد الرحمن بن جارية بالجيم التحتانية مقبول من السادسة (عن يزيد مولى المنبعث) بضم الميم وسكون النون وفتح الموحدة وكسر المهملة بعدها مثلثة مدني صدوق من الثالثة قوله (تعلموا من أنسابكم) أي من أسماء ابائكم وأجدادكم وأعمامكم وأخوالكم وسائر أقاربكم (ما) أي قدر ما (تصلون به أرحامكم) فيه دلالة على أن الصلة تتعلق بذوي الأرحام كلها لا بالوالدين فقط كما ذهب إليه البعض والمعنى تعرفوا أقاربكم من ذوي الأرحام ليمكنكم صلة الرحم وهي التقرب لديهم والشفقة عليهم والإحسان إليهم فتعلم النسب مندوب (فإن صلة الرحم محبة) بفتحات وتشديد موحدة مفعلة من الحب مصدر المبني للمفعول قال القاري وفي
[ 97 ]
نسخة يعني من المشكاة بكسر الحاء أي مظنة للحب وسبب للود (في الأهل) أي في أهل الرحم (مثراة في المال) بفتح الميم وسكون المثلثة وفي النهاية هي مفتعلة من الثري وهو الكثرة أي سبب لكثرة المال وهو خبر ثان (منسأة) بفتح الهمزة مفعلة من النساء وهو التأخير (في الأثر) بفتحتين أي لأجل والمعنى أنها سبب لتأخير الأجل وموجب لزيادة العمر وقيل باعث دوام واستمرار في النسل والمعنى أن يمن الصلة يفضي إلى ذلك وقال في اللمعات والمراد بتأخير الأجل بالصلة إما حصول البركة والتوفيق في العمل وعدم ضياع العمر فكأنه زاد أو بمعنى أنه سبب لبقاء ذكره الجميل بعده أو وجود الذرية الصالحة والتحقيق أنها سبب لزيادة العمر كسائر أسباب العالم فمن أراد الله تعالى زيادة عمره وفقه لصلة الأرحام والزيادة إنما هو بحسب الظاهر بالنسبة إلى الخلق وأما في علم الله فلا زيادة ولا نقصان وهو وجه الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم جف القلم بما هو كائن وقوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت انتهى قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد في مسنده والحاكم وقال صحيح 50 باب ما جاء في دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب لفظ الظهر مقحم للتأكيد أي في غيبة المدعو له عنه وإن كان حاضرا معه بأن دعا له بقلبه حينئذ أو بلسانه ولم يسمعه قوله (ما دعوة أسرع إجابة) تمييز وفي رواية أبي داود إن أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب (من دعوة غائب لغائب) لخلوصه وصدق النية وبعده عن الرياء والسمعة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود
[ 98 ]
51 باب ما جاء في الشتم قوله (المستبان) بتشديد الموحدة تثنية اسم الفاعل من باب الافتعال أي المتشاتمان وهما اللذان سب كل منهما الاخر ولكن الاخر أراد رد الاخر أو قال شيئا من معائبه الموجودة فيه هو مبتدأ خبره جملة (ما قالا) أي إثم قولهما (فعلى البادئ) أي على المبتدئ فقط والفاء إما لكون ما شرطية أو لأنها موصولة متضمنة للشرط ثم البادئ بالهمز وإنما كان الا ثم كله عليه لأنه كان سببا لتلك المخاصمة وقيل إثم ما قالا للبادئ أكبر مما يحصل المظلوم (ما لم يعتد المظلوم) فإن جاوز الحد بأن أكثر المظلوم شتم البادئ وإيذاءه صار إثم المظلوم أكثر من إثم البادئ وقيل إذا تجاوز فلا يكون الاثم على البادئ فقط بل يكون الاخر اثما أيضا باعتدائه وحاصل الخلاف يرجع إلى خلاف الاعتداء وفي شرح السنة من أربى الربا من يسب سبتين بسبة وفي رواية لأحمد والبخاري في الأدب عن عياض بن حماد المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان والتهاتر التعالج في القول قوله (وفي الباب عن سعد وابن مسعود وعبد الله بن مغفل) أما حديث سعد فأخرجه ابن ماجة وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه الطبراني قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم
[ 99 ]
قوله (حدثنا أبو داود الحفري) بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة اسمه عمر بن سعد بن عبيد ثقة عابد من التاسعة قوله (لا تسبوا الأموات) المسلمين (فتؤذوا) أي بسبكم (الأحياء) أي من أقاربهوفي حديث عائشة عند البخاري وغيره لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا قال العيني في العمدة قوله الأموات الألف واللام للعهد أي أموات المسلمين ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم وأخرجه أبو داود أيضا في كتاب الأدب من سننه ولا حرج في ذكر مساوئ الكفار ولا يؤمر بذكر محاسن موتاهم إن كانت لهم من صدقة وإعتاق وإطعام طعام ونحو ذلك اللهم إلا أن يتأذى بذلك مسلم من ذريته فيجتنب ذلك حينئذ كما ورد في حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي أن رجلا من الانصار وقع في أبي العباس كان في الجاهلية فلطمه العباس فجاء قومه فقالوا والله لنلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر فقال أيها الناس أي أهل الأرض أكرم عند الله قالوا أنت قال فإن العباس مني وأنا منه فلا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا فجاء القوم فقالوا يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك وفي كتاب الصمت لابن أبي الدنيا في حديث مرسل صحيح الاسناد من رواية محمد بن علي الباقر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسب قتلى بدر من المشركين وقال لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شئ مما تقولون وتؤذون الأحياء ألا إن البذاء لؤم وقال ابن بطال ذكر شرار الموتى من أهل الشرك خاصة جائز لأنه لا شك أنهم في النار وقال سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الفتنة فالأغتياب له ممنوع وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له فكذلك الميت انتهى قوله (فروى بعضهم) كوكيع وأبي نعيم (مثل رواية الحفري) يعني عن سفيان عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعيبة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سب الأموات وفيه حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن زياد قال سمعت المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاتسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء (وروى بعضهم) كعبد
[ 100 ]
الرحمن بن مهدي (عن سفيان عن زياد بن علاقة قال سمعت رجلا يحدث عند المغيرة بن شعبة الخ) في مسند أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيا ن عن زياد ابن علاقة قال سمعت رجلا عند المغيرة بن شعبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء فالظاهر أن زياد بن علاقة سمع هذا الحديث أولا من رجل يحدثه عند المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم سمع المغيرة هذا الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم فحدث به زياد بن علاقة فروى زياد عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم 52 باب قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري قوله (سباب المسلم) بكسر السين وتخفيف الموحدة أي سبه وشتمه وهو مصدر قال إبراهيم الحربي السباب أشد من السب وهو أن يقول في الرجل ما فيه وما ليس فيه يريد بذلك عيبه وقال غيره السباب هنا مثل القتال فيقتضي المفاعلة (فسوق) الفسق في اللغة الخروج وفي الشرع الخروج عن طاعة الله ورسوله وهو في عرف الشرع أشد من العصيان قال الله تعالى وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان ففي الحديث تعظيم حق المسلم والحكم على من سبه بغير حق بالفسق (وقتاله كفر) قال القاري في المرقاة لما يعني مجادلته ومحاربته بالباطل (كفر) بمعنى كفران النعمة والإحسان في أخوة الاسلام أو أنه ربما يؤول هذا الفعل بشؤمه إلى الكفر أو أنه فعل الكفرة أو أراد به التغليظ والتهديد والتشديد في الوعيد كما في قوله صلى الله عليه وسلم من ترك صلاة متعمدا فقد كفر نعم قتله مع استحلال قتله كفر صريح ففي النهاية السب الشتم يقال سبه يسبه سبا وسبابا قيل هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما من غير تأويل وقيل إنما ذلك على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الفسق والكفر وفي شرح السنة إذا استباح دمه من غير تأويل ولم ير الاسلام عاصما له فهو ردة وكفر انتهى ما في المرقاة قال الحافظ في الفتح لم يرد حقيقة الكفر التي هي الخروج عن الملة بل أطلق عليه الكفر مبالغة في التحذير معتمدا على ما تقرر من القواعد أن مثل ذلك لا يخرج عن الملة مثل حديث الشفاعة ومثل قوله تعالى
[ 101 ]
إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي والحاكم وابن ماجة 53 باب ما جاء في قول المعروف قال في النهاية المعروف هو اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والمعروف النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس والمنكر ضد ذلك جميعة انتهى قوله (عن عبد الرحمن بن إسحاق) ابن الحارث الواسطي يقال الكوفي ضعيف من السابعة قوله (إن في الجنة غرفا) جمع غرفة أي علالي في غاية من اللطافة ونهاية من الصفاء والنظافة (ترى) بالبناء للمفعول (ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها) لكونها شفافة لا تحجب ما ورائها وفي رواية أحمد وابن حبان والبيهقي يري ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها (لمن أطلب الكلام) وروى ألان وروى ألين كأجود على الأصل وروى لين بتشديد الياء والمعنى لمن له خلق حسن مع الأنام قال تعالى وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما فيكون من عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هو الموصوفين بقوله (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) (وأطعم الطعام) للعيال والفقراء والأضياف ونحو ذلك (وأدام الصيام) أي أكثر منه بعد الفريضة بحيث تابع بعضها بعضا ولا يقطعها رأسا قاله ابن الملك إلى قوله تعالى والذين إذا أنفقو ا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين وقيل أقله أن يصوم من
[ 102 ]
كل شهر ثلاثة أيام وفيه وفيما قبله إشارة ذلك قواما مع أن قوله تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسر فوار ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) مع أن قوله تعالى (بما صبروا) صريح في الدلالة على الصوم (وصلى بالليل) لله (والناس) أي غلبهم (نيام) جمع نائم أو غافلون عنه لأنه عبادة لا رياء يشوب عمله ولا شهود غير الله أشارة إلى قوله تعالى والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما المنبئ وصفهم بذلك عن أنهم في غاية من الاخلاص لله قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والبيهقي في شعب الايمان عن أبي مالك الأشعري 54 باب ما جاء في فضل المملو ك الصالح قوله (نعم ما) ما نكرة غير موصولة ولا موصوفة بمعنى شئ أي نعم شيئا (لأحدهم) وفي رواية البخاري نعما المملوك قال الحافظ في الفتح بفتح النون وكسر العين وإدغام الميم في الأخرى ويجوز كسر النون وتكسر النون وتفتح أيضا مع إسكان العين وتحريك الميم فتلك أربع لغات (أن يطيع ربه ويؤدي حق سيده) مخصوص بالمدح والمعنى نعم شيئا له إطاعة الله وأداء حق سيده (يعني المملوك) هذا تفسير من بعض الرواة لقوله لأحدهم (وقال كعب صدق الله ورسوله) كعب هذا هو كعب الأحبار قال الحافظ في التقريب كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق المعروف بكعب الأحبار ثقة من الثانية مخضرم كان من أهل اليمن فسكن الشام مات في خلافة عثمان وقد زاد على المائة وليس له في البخاري رواية وفي مسلم رواية لأبي هريرة عنه من طريق الأعمش عن أبي صالح انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته وقد وقع ذكر الرواية عنه في مواضع في مسلم في أواخر كتاب الايمان وفي حديث أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران قال فحدثت به كعبا فقال كعب ليس عليه حساب لا على مؤمن مزهد انتهى
[ 103 ]
قوله (وفي الباب عن أبي موسى وابن عمر) أما حديث أبموسى فأخرجه البخاري عنه مرفوعا المملوك الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي إلى سيده الذي عليه من الحق والنصيحة والطاعة له أجران وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود عنه مرفوعا إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان بلفظهما المملوك أن يتوفاه الله يحسن عبادة ربه وطاعة سيده نعما له وقوله (عن زاذان) هو أبو عمر الكندي البزار ويكني أبا عبد الله أيضا صدوق يرسل وفيه شيعية من الثانية قوله (ثلاثة على كثبان المسك) جمع كثيب بمثلته رمل مستطيل محدودب (أراه) بضم الهمزة يعني أظنه والظاهر أن الضمير المنصوب راجع إلى ابن عمر وقائله هو زاذان والمعنى إني أظن أن ابن عمر قال بعد لفظ على كثبان المسك لفظ يوم القيامة (عبد) قن ذكر أو أنثى (أدى حق الله وحق مواليه) أي قام بالحقين معا فلم يشغله أحدهما عن الاخر (ورجل ينادي) أي يؤذن محتسبا كما جاء في رواية قوله (هذا حديث حسن) أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير بإسناد لا بأس به ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب هم على كثيب من مسك حتى يفرغ من حساب الخلائق رجل قرأ القران ابتغاء وجه الله وأم به قوما وهم به راضون وداع يدعو إلى الصلوات ابتغاء وجه الله وعبد أحسن فيما بينه وبين ربه وفيما بينه وبين مواليه ورواه في الكبير بنحوه إلا أنه قال في اخره ومملوك لم يمنعه رق الدنيا من طاعة ربه
[ 104 ]
قوله (وأبو اليقظان اسمه عثمان بن قيس) قال في التقريب عثمان بن عمير بالتصغير ويقال ابن قيس والصواب أن قيسا جد أبيه وهو عثمان بن أبي حميد أيضا البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ضعيف واختلط وكان يدلس ويغلو في التشيع من السادسة 55 باب ما جاء في معاشرة الناس قوله (عن ميمون بن أبي شبيب) الربعي أبو نصر الكوفي صدوق كثير الارسال من الثالثة قوله (اتق الله) أي بالإتيان بجميع الواجبات والانتهاء عن سائر المنكرات فإن التقوى أساس الدين وبه يرتقي إلى مراتب اليقين (حيث ما كنت) أي في الخلاء وفي النعماء والبلاء فإن الله عالم بسر أمرك كما أنه مطلع على ظواهرك فعليك برعاية دقائق الأدب في حفظ أوامره ومراضيه والاحتراز عن مساخطه ومساويه وأتقوا الله إن الله كان عليكم رقيبا (وأتبع) أمر من باب الأفعال وهو متعد إلى مفعولين (السيئة) الصادرة منك صغيرة وكذا كبيرة على ما شهد به عموم الخبر وجرى عليه بعضهم لكن خصه الجمهور بالصغائر (الحسنة) صلاة أو صدقة أو استغفارا أو نحو ذلك (تمحها) أي تدفع الحسنة السيئة وترفعها والإسناد مجازي والمراد يمحو الله بها آثارها من القلب أو من ديوان الحفظة وذلك لأن المرض يعالج بضده فالحسنات يذهبن السيئات (وخالق الناس) أمر من المخالفة مأخوذ من الخلق مع الخلق أي خالطهم وعاملهم (بخلق حسن) أي تكلف معاشرتهم بالمجاملة في المعاملة وغيرها من نحو طلاقة وجه وخفض جانب وتلطف وإيناس وبذل ندى وتحمل أذى فإن فاعل ذلك يرجي له في الدنيا الفلاح وفي الاخرة الفوز بالنجاة والنجاح
[ 105 ]
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أبو داود والدارمي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والدارمي والحاكم في الايمان وقال على شرطهما ونوزع والبيهقي في شعب الأيمان قوله (عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أخرجه أحمد والبيهقي في شعب الايمان 56 باب ما جاء في ظن السوء قال في الصراح سوء مساءة مسائية الذوهلين كردن سوء بالضم اسم فيه وقرئ قوله تعالى عليهم دائرة السوء يعني الهزيمة والشر ويقال هذا رجل سوء على الاضافة ثم تدخل عليه الألف واللام فتقول هذا رجل السوء قال الأخفش لا يقال الرجل السوء ويقال الحق اليقين وحق اليقين جميعا لأن السوء ليس بالرجل واليقين هو الحق قال ولا يقال هذا رجل السوء بضم السين انتهى قوله (إياكم والظن) أي اتقوا سوء الظن بالمسلمين قال تعالى يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن وهو ما يستقر عليه صاحبه دون ما يخطر بقلبه (إن بعض الظن) وهو أن يظن ويتكلم (إثم) فلا تجسسوا أو احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين قال تعالى وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا قال القاضي هو تحذير عن
[ 106 ]
الظن فيما يجب فيه القطع أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه انتهى أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار ويؤيده قوله فإن الظن أكذب الحديث ويقويه حديث كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع والظاهر أن المراد التحذير عن الظن بسوء في المسلمين وفيما يجب فيه القطع من الاعتقاديات (فإن الظن) أقام المظهر مقام المضمر حثا على تجنبه (أكذب الحديث) أي حديث النفس لأنه بإلقاء الشيطان في نفس الانسان قال في المجمع معنى كون الظن أكذب الحديث مع أن الكذب خلاف الواقع فلا يقبل النقص وضده أن الظن أكثر كذبا أو أن إثم هذا الكذب أزيد من إثم الحديث الكاذب أو أن المظنونات يقع الكذب فيها أكثر من المجزومات انتهى قال الحافظ وقد استشكلت تسمية الظن حديثا وأجيب بأن المراد عدم مطابقة الواقع سواء كان قولا أو فعلا ويحتمل أن يكون المراد ما ينشأ عن الظن فوصف الظن به مجازا انتهى ما في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان مطولا 57 باب ما جاء في المزاح في القاموس مزح كمنع مزحا مزاحا ومزاحة بضمهما داعب ومازحه ممازحة ومزاحا بالكسر وتمازحا انتهى وفي الصراح مزح لاغ كردن قال النووي اعلم أن المزاح المنهي هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر الله والكفر في مهمات الدين ويؤول في كثير من الأوقات إلى الايذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار فأما ما سلم من هذه الأمور فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على الندرة لمصلحة تطييب نفس المخاطب ومؤانسته وهو سنة مستحبة فاعلم هذا فإنه مما يعظم الاحتياج إليه انتهى قوله (حدثنا عبد الله بن الوضاح الكوفي) أبو محمد اللؤلؤي مقبول من كبار الحادية عشر
[ 107 ]
(عن أبي التياح) بمثناة ثم تحتانية ثقيله واخره مهملة اسمه يزيد بن حميد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة بصري مشهور بكنيته ثقة ثبت من الخامسة قوله (إن) مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشان أي إنه (ليخالطنا) بفتح اللام وتسمى لام الفارقة وفي نسخة للشمائل ليخاطبنا والمعنى ليخالطنا غاية المخالطة ويعاشرنا نهاية المعاشرة ويجالسنا ويمازحنا (حتى إن) مخففة من المثقلة (كان ليقول لأخ لي) أي من أمي وأبوه أبو طلحة زيد بن سهل الأنصاري (يا أبا عمير) بالتصغير (ما فعل) بصيغة الفاعل أي ما صنع (النغير) بضم ففتح تصغير نغر بضم النون وفتح الغين المعجمة طائر يشبه العصفور أحمر المنقار وقيل هو العصفور وقيل هو الصعو صغير المنقار أحمر الرأس وقيل أهل المدينة يسمونه البلبل والمعنى ما جرى له حيث لم أره معك وزاد في رواية الصحيحين وكان له نغير يلعب به فمات ففي قوله صلى الله عليه وسلم تسلية له على فقده بموته قال الطيبي حتى غاية قوله يخالطنا وضمير الجمع لأنس وأهل بيته أي انتهت مخالطته لأهلنا كلهم حتى الصبي وحتى الملاعبة معه وحتى السؤال عن فعل النغير وقال الراغب الفعل التأثير من جهة مؤثرة والعمل كل فعل يكون من الحيوان بقصد وهو أخص من الفعل لأن الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها بغير قصد وقد ينسب إلى الجمادات انتهى كلامه فالمعنى ما حاله وشأنه ذكره الطيبي تنبيه قال الحافظ في الفتح ذكر أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص الفقيه الشافعي في أول كتابه أن بعض الناس عاب على أهل الحديث أنهم يروون أشياء لا فائدة فيها أو مثل ذلك بحديث أبي عمير هذا قال وما درى أن في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها ثم ساقها مبسوطة فلخصتها مستوفيا بمقاصده ثم أتبعته بما تيسر من الزوائد عليه ثم ذكر الحافظ ما لخصه وما زاد عليه فإن شئت الوقوف عليه فراجع الفتح في شرح حديث أنس المذكور في باب الكنية للصبي قبل أن يولد له قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 108 ]
قوله (عن أسامة بن زيد) الليثي مولاهم كنيته أبو زيد المدني صدوق يهم من السابعة قوله (إنك تداعبنا) من الدعابة أي تمازحنا ومن ذلك قوله لعجوز لا تدخل الجنة عجوز أي لا تبقى عجوزا عند دخولها وكأنهم استبعدوه منه لذلك أكدوا الكلام بأن والأظهر أن منشأ سؤالهم أنه صلى الله عليه وسلم نها هم عن المزاح كما سيجئ في باب المراء عن ابن عباس رضي الله عنه (قال إني لا أقول إلا حقا) أي عدلا وصدقا لعصمتي عن الزلل في القول والفعل ولا كل أحد منكم قادر على هذا الحصر لعدم العصمة فيكم قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (يا ذا الأذنين) معناه الحض والتنبيه على حسن الاستماع لما يقال له لأن السمع بحاسة الأذن ومن خلق الله له الأذنين وغفل ولم يحسن الوعي لم يعذر وقيل إن هذا القول من جملة مداعباته صلى الله عليه وسلم ولطيف أخلاقه قاله صاحب النهاية كذا في المرقاة قلت ما قال صاحب النهاية هو الظاهر عندي وهو الذي فهمه الترمذي وشيخ شيخه والحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري قوله (حدثنا خالد بن عبد الله الواسطي) الطحان المزني مولاهم ثقة ثبت في الثامنة قوله (إن رجلا) قيل وكان به بله (استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سأله الحملان والمراد به أن يعطيه حمولة يركبها (إني حاملك على ولد ناقة) قاله مباسطا له بما عساه أن يكون شفاء لبلهه بعد ذلك (ما أصنع بولد الناقة) حيث توهم أن الولد لا يطلق إلا على الصغير وهو غير قابل للركوب
[ 109 ]
(هل تلد الابل) أي جنسها من الصغار والكبار (إلا النوق) بضم النون جمع الناقة وهي أنثى الابل والمعنى أنك لو تدبرت لم تقل ذلك ففيه مع المباسطة له الاشارة إلى إرشاده وإرشاد غيره بأنه ينبغي لمن سمع قولا أن يتأمله ولا يبادر إلى رده إلا بعد أن يدرك غوره قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه أبو داود 58 باب ما جاء في المراء بكسر الميم أي الجدال قوله (أخبرني سلمة بن وردان الليثي) أبو يعلى المدني ضعيف من الخامسة قوله (من ترك الكذب) أي وقت مرائه كما يدل عليه القرينة الاتية ويحتمل الاطلاق والله أعلم (وهو باطل) جملة معترضة بين الشرط والجزاء للتنفير عن الكذب فإن الأصل فيه أنه باطل أو جملة خالية من المفعول أي والحال أنه باطل لا مصلحة فيه من مرخصات الكذب كما في الحرب أو إصلاح ذاب البين والمعاريض أو حال من الفاعل أي وهو ذو باطل بمعنى صاحب بطلان (بني له) بصيغة المجهول وله نائبه أي بنى الله له قصرا (في ربض الجنة) قال في النهاية هو بفتح الباء ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي تكون حول المدن وتحت القلاع انتهى وقال القاري في المرقاة أي نواحيها وجوانبها من داخلها ولا من خارجها وأما قول الشارح هو ما حولها خارجا عنها تشبيها بالأبنية التي حول المدن وتحت القلاع فهو صريح اللغة لكنه غير صحيح المعنى فإنه خلاف المنقول ويؤدي إلى المنزلة بين المنزلتين حسا كما قاله المعتزلة معنى فالصواب أن المراد به أدناهاكما يدل عليه قوله (ومن ترك المراء) بكسر الميم أي الجدال (وهو محق) أصادق ومتكلم بالحق (في وسطها) بفتح السين ويسكن أي في أوسطها لتركه كسر قلب من يجادله ودفعه رفعة نفسه وإظهار نفاسة فضله وهذا يشعر بأن معنى صدر الحديث أن من ترك
[ 110 ]
المراء وهو مبطل فوضع الكذب موضع المراء لأنه الغالب فيه أو المعنى أن من ترك الكذب ولو لم يترك المراء بني له في ربض الجنة لأنه حفظنفسه عن الكذب لكن ما صانها عن مطلق المراء فلهذا يكون أحط مرتبة منه انتهى مفي المرقاة (ومن حسن) بتشديد السين أي أحسن بالرياضة (خلقه) بضمتين ويسكن اللام أي جميع أخلاقه التي من جملتها ترك المراء وترك الكذب (بني له في أعلاها) أي حسا ومعنى وهذا يدل على أن الخلق مكتسب وإن كان أصله غريزيا ومنه خبر صحيح اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي وكذا خبر مسلم اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت قال الامام حجة الاسلام حد المراء الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما لفظا أو معنى أو في قصد المتكلم وترك المراء بترك الاعتراض و انكار فكل كلام سمعته فإن كان حقا فصدق به وإن كان باطلا ولم يكن متعلقا بأمور الدين فاسكت عنه قوله (هذا حديث حسن) قال ميرك نقلا عن التصحيح وسلمة تكلم فيه لكن حسن حديثه الترمذي وللحديث شواهد انتهى قلت ومنها حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه رواه أبو داود واللفظ له وابن ماجة والترمذي كذا في الترغيب ومن عادات الترمذي أنه يحسن الحديث الضعيف للشواهد وقد بينته في المقدمة قوله (حدثنا فضالة بن الفضل) بن فضالة التميمي أبو الفضل الكوفي صدوق ربما أخطأ من صغار العاشرة (عن ابن وهب بن منبة) مجهول من السادسة وكان لوهب ثلاثة أولاد عبد الله وعبد الرحمن وأيوب كذا في التقريب وقال في الميزان ابن وهب بن منبه عن أبيه لا يعرف وعنه أبو بكر بن عياش فبنو وهب عبد الله وعبد الرحمن وأيوب وليسوا بالمشهورين انتهى (عن أبيه) أي وهب ابن منبه بن كامل اليماني أبي عبد الله الأبناوي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون ثقة من الثالثة (كفى بك إثما أن لا تزال مخاصما) لأن كثرة المخاصمة تقضي إلى ما يذم صاحبه
[ 111 ]
قوله (هذا حديث غريب) قال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده ضعيف قوله (حدثنا المحاربي) هو عبد الرحمن بن محمد (عن ليث) هو ابن أبي سليم (عن عبد الملك) بن أبي بشير البصري نزيل المداين ثقة من السادسة قوله (لا تمار) بضم أوله من المماراة أي لا تجادل ولا تخاصم (أخاك) أي المسلم (ولا تمازحه) أي مزاحا يقضي إلى إيذائه من هتك العرض ونحوه (ولا تعده موعدا) أي وعدا أو زمان وعد أو مكانه (فتخلفه) من الاخلاف وهو منصوب قال الطيبي إن روي منصوبا كان جوابا للنهي على تقدير أن فيكون مسببا عما قبله فعلى هذا التنكير في موعد للنوع من الموعد وهو ما يرضاه الله تعالى بأن يعزم عليه قطعا ولا يستثنى فيجعل الله ذلك سببا للإخلاف أو ينوي في الوعد كالمنافق فإن اية النفاق الخلف في الوعد كما ورد إذا وعد أخلف ويحتمل أن يكون النهي عن مطلق الوعد لأنه كثيرا ما يفضي إلى الخلف ولو روي مرفوعا كان النهي الوعد المستعقب للخلاف أي لا تعده موعدا فأنت تخلفه على أنه جملة خبرية معطوفة على إنشائية قال النووي أجمعوا على أن من وعد إنسانا شيئا ليس بمنهي عنه فينبغي أن يفي بوعده وهل ذلك واجب أو مستحب فيه خلاف ذهب الشافعي وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب فلو تركه فاته الفضل وارتكب المكروه كراهة شديدة ولا أثم يعني من حيث هو خلف وإن كان يأثم إن قصد به الأذى قال وذهب جماعة إلى أنه واجب منهم عمر بن عبد العزيز وبعضهم إلى التفصيل ويؤيد الوجه الأول ما أورده في الاحيا حيث قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وعد وعدا قال عسى وكان ابن مسعود لا يعد وعدا إلا ويقول إن شاء الله تعالى وهو الأولى ثم إذ افهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر كان عند الوعد عازما على أن لا يعني به فهذا هو النفاق انتهى قوله (هذا حديث غريب) في سنده ليث بن أبي سليم قال الحافظ صدوتق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك
[ 112 ]
59 باب ما جاء في المداراة قال في النهاية المداراة بلا همز ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك وقد يهمز قوله (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي ثقة فاضل من الثالثة وقد وقع في النسخة الأحمدية محمود بن المنكدر وهو غلط والصواب محمد بن المنكدر قوله (بئس ابن العشيرة وأخو العشيرة) أو للشك فقبل يحتمل أن يكون الشك من سفيان فإن جميع أصحاب المنكدر رووه عنه بدون الشك وفي رواية للبخاري بئس أخو العشيرة وابن العشيرة من غير شك قال الطيبي العشيرة القبيلة أي بئس هذا الرجل من هذه العشيرة كما يقال يا أخا العرب لرجل منهم قال النووي واسم هذا الرجل عيينة بن حصن ولم يكن اسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الأسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف بحاله وكان منه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة من أعلام النبوة لأنه ارتد بعده صلى الله عليه وسلم وجئ به أسيرا إلى الصديق (ألان له القول) وفي المشكاة تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه أي أظهر له طلاقة الوجه وبشاشة البشرة وتبسم له قال النووي وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الاسلام وفيه مداراة من يتقى فحشه وجواز غيبة الفاسق وفي شرح السنة فيه دليل على أن ذكر الفاسق بما فيه ليعرف أمره فيتقى لا يكون من الغيبة ولعل الرجل كان مجاهرا بسوء أفعاله ولا غيبة لمجاهر قال النووي ومن الذين يجوز لهم الغيبة المجاهر بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يجهر به ولا يجوز بغيره (إن من شر الناس) وفي رواية إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة (من تركه الناس) أي ترك الناس التعرض له (أو ودعه) أو للشك من بعض الرواة (اتقاء فحشه) وفي رواية اتقاء شره أي
[ 113 ]
كيلا يؤذيهم بلسانه وفيه رخصة المداراة لدفع الضرر وقد جمع هذا الحديث كما قاله الخطابي علما وأدبا وليس قوله عليه السلام في أمته بالأمور التي يسهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك ويفصح به ويعرف الناس أمورهم فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة ولكنه لما جبل عليه من الكرم وأعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يجبه بالمكروه وليقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله وفي مداراته ليسلموا من شره وغائلته وقال القرطبي فيه جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة ثم قال تبعا للقاضي حسين والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحسنت والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا انتهى وهذه فائدة جليلة ينبغي حفظها والمحافظة عليها فإن أكثر الناس عنها غافلون وبالفرق بينهما جاهلون قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما 60 باب ما جاء في الاقتصاد في الحب والبغض قوله (حدثنا سويد بن عمرو الكلبي) أبو الوليد الكوفي العابد من كبار العاشرة ثقة وأفحش ابن حبان القول فيه ولم يأت بدليل (عن حماد بن سلمة) ابن دينار البصري أبي سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه باخره من كبار الثامنة قوله (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (أحبب حبيبك هونا ما) من باب الأفعال أي أحببه حبا قليلا فهوما منصوب على المصدر صفة لما اشتق منه أحبب وقال في المجمع أي حبا مقتصدا لا إفراط فيه ولفظ ما للتقليل (عسى أن يكون بغيضيك يوما ما الخ) قال المناوي في شرح الجامع الصغير إذ ربما انقلب ذلك بتغير الزمان والأحوال بغضافلا تكون قد اسرفت في حبه فتندم عليه إذا أبغضته أو حبا فلا تكون قد أسرفت في بغضه فتستحي منه إذا أحببته ولذلك قال الشاعر
[ 114 ]
فهونك في حب وبغض فربما بدا صاحب من جانب بعد جانب قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الاسناد إلا من هذا الوجه الخ) قال المناوي في شرح الجامع الصغير وأخرجه البيهقي في شعب الايمان عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن ابن عمر بن الخطاب وعن ابن عمرو بن العاص والدارقطني في الأفراد وابن عدي في الكامل والبيهقي في شعب الايمان عن علي مرفوعا والبخاري في الأدب المفرد والبيهقي عن علي موقوفا عليه قال الترمذي هذا هو الصحيح انتهى 61 باب ما جاء في الكبر بكسر الكاف وسكون الموحدة ثم راء قال الراغب الكبر والتكبير والاستكبار متقارب فالكبر الحالة التي يختص بها الأنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق وا ذعان له بالتوحيد والطاعة والتكبر يأتي على وجهين أحدهما أن تكون الأفعال الحسنة زائدة على محاسن الغير ومن ثم وصف سبحانه وتعالى بالمتكبر والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا بما ليس فيه وهو وصف عامة الناس نحو قوله (كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار) والمستكبر مثله وقال الغزالي الكبر على قسمين فإذا ظهر على الجوارح يقال تكبر وإذا لم يظهر يقال في نفسه كبر فالأصل هو الخلق في النفس وهو الاسترواح والركون إلى رؤية النفس فوق المتكبر عليه فإن الكبر يستدعي متكبرا عليه ليرى نفسه فوقه في صفات الكمال ومتكبرا به وبه يفصل الكبر عن العجب فإن العجب لا يستدعي غير المعجب به بل لو لم يخلق إلا وحده تصور أن يكون معجبا ولا يتصور أن يكون متكبرا قوله (حدثنا أبو هشام الرفاعي) اسمه محمد بن يزيد بن محمد بن كثير العجلي الكوفي قاضي المدائن ليس بالقوى من صغار العاشرة وذكره ابن عدي في شيوخ البخاري وجزم الخطيب بأن البخاري روى عنه لكن قد قال البخاري رأيتهم مجمعين على ضعفه كذا في
[ 115 ]
التقريب قوله (من كان في قلبه مثقال حبة) أي مقدار وزن حبة قال في المجمع المثقال في الأصل مقدار من الوزن أي شئ كان من قليل أو كثير والناس يطلقونه في العرف على الدينار خاصة وليس كذلك انتهى (من خردل) قيل إنه الحبة السوداء وهو تمثيل للقلة كما جاء مثقال ذرة قال النووي قد اختلف في تأويل قوله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر فذكر الخطابفيه وجهين أحدهما أن المراد التكبر عن الايمان فصاحبه لا يدخل الجنة أصلا إذا مات عليه والثاني أنه لا يكون في قلبه كبر حال دخوله الجنة كما قال الله عز وجل ونزعنا ما في صدورهم من غل وهذان التأويلان فيهما بعد فإن هذا الحديث ورد في سباق النهي عن الكبر المعروف وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم ودفع الحق فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين أنه لا يدخلها دون مجازاة إن جازاه وقيل هذا جزاؤه لو جازاه وقد تكرم بأنه لا يجازيه بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إما أولا وإما ثانيا بعد تعذيب أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها وقيل لا يدخلها مع المتقين أول وهلة انتهى (لايدخل النار من كان في قلبه الخ) المراد به دخول الكفار وهو دخول الخلود والتأبيد قال الطيبي في قوله صلى الله عليه وسلم مثقال حبة إشعار بأن الايمان قابل للزيادة والنقصان قلت الأمر كما قال الطيبي فلاشك في أن هذا الحديث يدل على أن الايمان يزيد وينقص قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وسلمة بن الأكوع وأبي سعيد) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني والبزار بإسناد حسن كذا في الترغيب وله حديث اخر عند ابن ماجة وابن حبان وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه الترمذي في هذا الباب كما سيأتي وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم عنه مرفوعا بلفظ احتجت الجنة والنار فقالت النار في الجبارون والمتكبرون وقالت الجنة في ضعفاء المسلمين ومساكينهم فقضى الله بينهما إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء ولكليهما على ملؤها
[ 116 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (حدثنا يحيى بن حماد) بن أبي زياد الشيباني مولاهم البصري ختن أبي عمرانة ثقة عابد من صغار التاسعة (عن أبان بن تغلب) قال النووي يجوز صرف أبان وترك صرفه وإن الصرف أفصح وتغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام أبي سعيد الكوفي تكلم فيه للتشيع من السابعة (عن فضيل بن عمرو) الفقيمي بالفاء والقاف مصغرا أبي النصر الكوفي ثقة من السادسة قوله (فقال رجل) قال النووي في شرح مسلم هو مالك بن مزارة الرهاوي قاله القاضي عياض وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر قال وقد جمع أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال الحافظ في اسمه أقوالا من جهات ثم سردها النووي (إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنا ونعلي حسنا) أي من غير أن أراعي نظر الخلق وما يترتب عليه من الكبر والخيلاء والسمعة والرياء ثم النعل ما وقيت به القدم وهي مؤنثة سماعية ذكرها ابن الحاجب في رسالته فيما يجب تأنيثه فالتذكير هنا باعتبار معناها وهو ما وقيت به القدم ولعل سبب ذلك السؤال ما ذكره الطيبي أنه لما رأى الرجل العادة في المتكبرين لبس الثياب الفاخرة ونحو ذلك سأل ما سأل (قال) مجيبا له (إن الله يحب الجمال) وفي رواية إن الله جميل يحب الجمال أي حسن الأفعال كامل الأوصاف وقيل أي مجمل وقيل جليل وقيل مالك النور والبهجة وقيل جميل الأفعال بكم والنظر إليكم يكلفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه وقال المناوي إن الله جميل أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال يحب الجمال أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره والعفاف عن سواه انتهى (ولكن الكبر) أي ذا الكبر بحذف المضاف كقوله تعالى ولكن البر من امن (من بطر الحق) أي دفعه ورده (وغمص الناس)
[ 117 ]
أي احتقرهم ولم يره شيئا من غمصته غمصا وفي رواية الكبر بطر الحق وغمط الناس قال في المجمع الغمط الاستهانة والاستحقار وهو كالغمص وأصل البطر شدة الفرح والنشاط والمراد هنا قيل سوء احتمال الغنى وقيل الطغيان عند النعمة والمعنيان متقاربان وفي النهاية بطر الحق هو أن يجعل ما يجعله الله حقا من توحيده وعبادته باطلا وقيل هو أن يتجبر عند الحق فلا يراه حقا وقيل هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله وقال التوربشتي وتفسير على الباطل أشبه لما ورد في غير هذه الرواية إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس أي رأى الحق سفها قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم قوله (عن عمر بن راشد) وقع في النسخة الأحمدية عمرو بن راشد بالواو والصواب بغير الواو وقال الحافظ في التقريب عمر بن راشد بن شجرة بفتح المعجمة والجيم اليمامي ضعيف من السابعة ووهم من قال إن اسمه عمرو وكذا من زعم إنه ابن أبي خثعم انتهى (عن إياس بن سلمة بن الأكوع) الأسلمي كنيته أبو سلمة ويقال أبو بكر ثقة من الثالثة قوله (لا يزال الرجل يذهب بنفسه) قال المظهر وغيره الباء للتعدية أي يعلي نفسه ويرفعها ويبعدها عن الناس في المرتبة ويعتقدها عظيمة القدر أو المصاحبة أي يرافق نفسه في ذهابها إلى الكبر ويعززها ويكرمها كما يكرم الخليل الخليل حتى تصير متكبرة وفي أساس البلاغة يقال ذهب به مره مع نفسقال القاري ومن قبيل الأول قوله تعالى ذهب الله بنورهم أي أذهب نورهم وخلاصة المعنى أنه لا يزال يذهبها عن درجتها ومرتبتها إلى مرتبة أعلى وهكذا (حتى يكتب) أي اسمه أو يثبت رسمه (في الجبارين) أي في ديوان الظالمين والمتكبرين أو معهم في أسفل السافلين (فيصيبه) بالنصب وقيل بالرفع أي فينال الرجل من بليات الدنيا وعقوبات العقبى (ما أصابهم) أي الجبارين كفرعون وهامان وقارون قوله (هذا حديث حسن غريب) ذكره المنذري في الترغيب ونقل تحسين الترمذي وأقره قوله (حدثنا علي بن عيسى بن يزيد البغدادي) الكراجكي بفتح الكاف وكسر الجيم
[ 118 ]
التي بعد الألف وقد تبدل شيئا مقبول من الحادية عشر (أخبرنا ابن أبي ذئب) سقط هذا من بعض النسخ والصواب ثبوته (عن القاسم بن عباس) ابن محمد بن معتب بن أبي لهب الهاشمي أبي العباس المدني ثقة من السادسة قوله (يقولون لي في التيه) بالكسر الكبر أي في نفسي الكبر (وقد ركبت الحمار) الواو حالية (ولبست الشملة) بفتح الشين وسكون الميم قال في النهاية هو كساء يتغطى به ويتلفف فيه وقال في الصراح شمله كليم خردكه بخود دركشند (من فعل هذا) أي المذكور من ركوب الحمار ولبس الشملة وحلب الشاة (فليس فيه من الكبر شئ) فإن هذه الأفعال لا يأنف منها إلا المتكبرون 62 باب ما جاء في حسن الخلق قوله (عن يعلى بن مملك) بوزن جعفر المكي مقبول من الثالثة (عن أم الدرداء) زوج أبي الدرداء اسمها هجيمة وقيل حميمة الأوصابية الدمشقية وهي الصغرى جهيمة وأما الكبرى فاسمها خيرة ولا رواية لها في الكتب الستة والصغرى ثقة فقيهة من الثالثة كذا في التقريب قوله (ماشئ) أي ثوابه أو صحيفته أو عينه المجسد (من خلق حسن) فإنه تعالى يحبه ويرضى عن صاحبه (فإن الله يبغض) وفي نسخة ليبغض (الفاحش) الذي يتكلم بما يكره سماعه أو من يرسل لسانه بما لا ينبغي (البذئ) قال المنذري في الترغيب البذي بالذال المعجمة ممدودا هو المتكلم بالفحش وروى الكلام وقال في النهاية البذاء بالمد الفحش في القول بذا يبذو وأبذي يبذي فهو بذي اللسان وقد يقال بالهمز وليس بالكثير انتهى قال
[ 119 ]
القاري ومن المقرر أن كل ما يكون مبغوضا لله ليس له وزن وقدر كما أن كل ما يكون محبوبا له يكون عنده عظيما قال تعالى في حق الكفار فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وفي الحديث المشهور كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان اللهم العظيم وبهذا تمت المقابلة بين القرينتين انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأنس وأسامة بن شريك) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولفظه إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار وأبي يعلي بإسناد جيد رواته ثقات ولفظ أبي يعلي قال لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما قال بلى يا رسول الله قال عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما وله حديث اخر ذكره المنذري في الترغيب وأما حديث أسامة بن شريك فأخرجه الطبراني وابن حبان في صحيحه قال المنذري رواه الطبراني محتج بهم في الصحيح انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه أبو داود لكن اقتصر على الجملة الأولى كذا في الترغيب قوله (حدثنا قبيصة بن الليث) بن قبيصة برمة الأسدي الكوفي صدوق من التاسعة (عن عطاء) بن نافع الكيخاراني قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين عطاء الكيخاراني ثقة وكذا قال النسائي له عندهم حديث واحد في حسن الخلق كذا في تهذيب التهذيب وقال في التقريب ثقة من الرابعة قوله (وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به إلخ) وفي حديث عائشة عند أبي داود إن المؤمن
[ 120 ]
ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البزار بإسناد جيد كذا في الترغيب قوله (حدثني أبي) أي إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي ثقة من السابعة (عن جدي) أي يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الزعافري أبي داود الأودي مقبول من الثالثة قوله (عن أكثر ما يدخل الناس الجنة) أي عن أكثر أسباب إدخالهم الجنة مع الفائزين (تقوى الله) وله مراتب أدناها التقوى عن الشرك (وحسن الخلق) أي مع الخلق وأدناه ترك أذاهم وأعلاه الاحسان إلى من أساء إليه منهم (الفم والفرج) لأن المرء غالبا بسببهما يقع في مخالفة الخالق وترك المخالفة مع المخلوق قال الطيبي قوله تقوى الله إشارة إلى حسن المعاملة مع الخالق بأن يأتي جميع ما أمره به وينتهي عن ما نهى عنه وحسن الخلق إشارة إلى حسن المعاملة مع الخلق وهاتان الخصلتان موجبتان لدخول الجنة ونقيضهما لدخول النار فأوقع الغم والفرج مقابلا لهما أما الفم فمشتمل على اللسان وحفظه ملاك أمر الدين كله وأكل الحلال رأس التقوى كله وأما الفرج فصوته من أعظم مراتب الدين قال تعالى والذين هم لفروجهم حافظون لأن هذه الشهوة أغلب الشهوات على الانسان وأعصاها على العقل عند الهيجان ومن ترك الزنا خوفا من الله تعالى مع القدرة وارتفاع الموانع وتيسر الأسباب لا سيما عند صدق الشهوة وصل إلى درجة الصديقين قال تعالى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ومعنى الأكثرية في الجملتين أن أكثر أسباب السعادة الأبدية الجمع بين الخلتين وأن أكثر أسباب الشقاوة السرمدية الجمع بين هاتين الخصلتين قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي في الزهد وغيره وكذا في الترغيب
[ 121 ]
قوله (هو بسط الوجه إلخ) قال ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم قد روى عن السلف تفسير حسن الخلق فعن الحسن قال حسن الخلق الكرم والبذلة والاحتمال وعن الشعبي قال حسن الخلق البلة والعطية والبشر الحسن وكان الشعبي كذلك وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد شعرا فقال : تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فيتق الله سائله هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله وقال الامام أحمد حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد وعنه أنه قال حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس وقال إسحاق بن راهويه هو بسط الوجه وأن لا تغضب ونحو ذلك قال محمد بن نصر 63 باب ما جاء في الاحسان والعفو الاحسان ضد الاساءة قال في الصراح إحسان نكوثي كردن يقال أحسن إليه كقوله تعالى وأحسن كما أحسن الله إليك وأحسن به كقوله تعالى وقد أحسن بي وقال في المجمع العفو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وأصله المحو والطمس عفا يعفو انتهى قوله (عن أبيه) هو مالك بن نضلة قال في التقريب ويقال مالك بن عوف ابن نضلة الجثمي بضم الجيم وفتح المعجمة صحابي قليل الحديث قوله (فلا يقريني) بفتح أوله تفسيره قوله (ولا يضيفني) بضم أوله (أفأجزيه) بفتح الهمز وسكون الياء أي أكافئه بترك القرى منع الطعام كما فعل بي أم أقريه وأضيفه (قال لا) أي لا تجزه وتكافئه (أقره) أي أضفه وفيه حث على القرى الذي هو من مكارم الأخلاق ومنها دفع
[ 122 ]
السيئة بالحسنة كقوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن السيئة (رث الثياب) قال في النهاية متاع رث ومنال رث خلق بال وفي القاموس الرثاثة والرثوثة البذاذة وفي رواية أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ثوب دون (قلت من كل المال) من للتبعيض والمعنى بعض كل المال (من الابل والغنم) بيان لمن المراد منه البعض وفي رواية من الابل والبقر والغنم والخيل والرقيق (قال فلير عليك) بصيغة المجهول أي فليبصر وليظهر وفي رواية فإذا أتاك الله مالا فلير أثر نعمة الله عليك وكرامته والمعنى لبس ثوبا جيدا ليعرف الناس أنك غني وأن الله أنعم عليك بأنواع النعم وفي شرح السنة هذا في تحسين الثياب بالتنظيف والتجديد عند الامكان من غير أن يبالغ في النعامة والدقة ومظاهرة الملبس على اللبس على ما هو عادة العجم قال القاري اليوم زاد العرب على العجم قلت الأمر في هذا الزمان أيضا كما قال القاري وقال البغوي وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهي عن كثير من الارفاه انتهى وروى البيهقي عن أبي هريرة وزيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الشهرتين رقة الثياب وغلظها ولينها وخشونتها وطولها وقصرها ولكن سداد فيما بين ذلك واقتصاد قوله (وفي الباب عن عائشة وجابر وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وفيه ما انتقم رسول الله لنفسه في شئ قط إلا أن ينتهك حرمة الله فينتقم الله بها وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان أيضا وفيه قصة الأعرابي الذي اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم وعفوه صلى الله عليه وسلم عنه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي قوله (عن الوليد بن عبد الله بن جميع) بضم الجيم وفتح الميم مصغرا الزهري المكي نزيل الكوفة صدوق يهم ورمي بالتشيع من الخامسة
[ 123 ]
قوله (لا تكونوا إمعة) بكسر الهمزة وتشديد الميم والهاء للمبالغة وهمزته أصلية ولا يستعمل ذلك في النساء فلا يقال امرأة إمعة كذا في النهاية وقال صاحب الفائق هو الذي يتابع كل ناعق ويقول لكل أحد أنا معك لأنه لا رأي له يرجع إليه ومعناه المقلد الذي يجعل دينه تابعا لدين غيره بلا رؤية ولا تحصيل برهان انتهى كلامه قال القاري بعد نقل هذا الكلام عن الفائق ما لفظه وفيه إشعار بالنهي عن التقليد المجرد حتى في الأخلاق فضلا عن الاعتقادات والعبادات وفي القاموس الا مع كهلع وهلعة ويفتحان الرجل يتابع كل واحد على رأيه لا يثبت على شئ ومتبع الناس إلى الطعام من غير أن يدعى والمحقب الناس دينه والمتردد في غير صنعة ومن يقول أنا مع الناس ولا يقال امرأة إمعة أو قد يقال وأتأمع واستأمع صار إمعة وقيل هو الرجل الذي يكون لضعف رأيه مع كل واحد والمراد هنا من يكون مع ما يوافق هواه ويلائم أرب نفسه وما يتمناه وقيل المراد هنا الذي يقول أنا مع الناس كما يكونون معي إن خيرا فخير وإن شرا فشر قال القاري وهذا المعنى هو المتعين كما يدل عليه قوله (تقولون إن أحسن الناس) أي إلينا أو إلى غيرنا (أحسنا) أي جزاء أو تبعا لهم (وإن ظلموا) أي ظلمونا أو ظلموا غيرنا فكذلك نحن (ظلمنا) على وفق أعمالهم قال الطيبي قوله تقولون الخ بيان وتفسير لإمعة لأن معنى قوله إن أحسن الناس وإن ظلموا أنا مقلد الناس في إحسانهم وظلمهم ومقتفي أثرهم (ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا الخ) قال في القاموس توطين النفس تمهيدها وتوطنها تمهدها انتهى وفي المنجد وطن نفسه على الأمر وللأمر هيأها لفعله وحملها عليه انتهى وفي أساس البلاغة أوطن الأرض ووطنها واستوطنها ومن المجاز وطنت نفسي على كذا فتوطنت قال الشاعر ولا خير فيمن لا يوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب قال الطيبي إن تحسنوا متعلق بقوله وطنوا وجواب الشرط محذوف يدل عليه إن تحسنوا والتقدير وطنوا أنفسكم على الاحسان إن أحسن الناس فأحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا لأن عدم الظلم إحسان
[ 124 ]
64 باب ما جاء في زيارة الاخوان قوله (والحسين بن) سلمة بن إسماعيل بن يزيد بن (أبي كبشة) بموحدة ومعجمة الأزدي الطحان (البصري) صدوق من التاسعة (حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي) مولاهم أبو يعقوب السلمي بكسر المهملة وفتح اللام وقيل بفتح أوله ثم سكون البصري الضبعي صدوق من التاسعة (حدثنا أبو سنان القسملي) بفتح القاف وسكون المهملة وفتح الميم وتخفيف اللام هو عيسى بن سنان الحنفي الفلسطيني نزيل البصرة لين الحديث من السادسة (عن عثمان بن أبي سودة) المقدسي ثقة من الثالثة قوله (من عاد مريضا) أي محتسبا (أو زار أخا له) أي في الدين (في الله) أي لوجه الله لا للدنيا (مناد) أي ملك (أن طبت) دعاء له بطيب عيشه في الدنيا والأخرى (وطلب ممشاك) مصدر أو مكان أو زمان مبالغة قال الطيبي كناية عن سيره وسلوكه طريق الاخرة بالتعري عن رذائل الأخلاق والتحلي بمكارمها (وتبوأت) أي تهيأت (من الجنة) أي من منازلها العالية (منزلا) أي منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة بما فعلت وقال الطيبي دعاء له بطيب العيش في الأخرى كما أن طبت دعاء له بطيب العيش في الدنيا وإنما أخرجت الأدعية في صورة الأخبار إظهار للحرص على عيادة الأخيار قوله (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه ابن ماجة والترمذي واللفظ له وقال حديث حسن وابن حبان في صحيحه
[ 125 ]
قلت ليس في النسخ الموجودة عندنا لفظ حسن بل فيها حديث غريب (شيئا من هذا) أي شيئا مختصرا من هذا الحديث 65 باب ما جاء في الحياء هو بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعتري الأنسان من خوف ما يعاب به وقد يطلق على مجرد ترك الشئ بسبب والترك إنما هو من لوازمه وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق قوله (حدثنا عبدة بن سليمان) الكلابي أبو محمد الكوفي ويقال اسمه عبد الرحمن ثبت ثقة من صغار الثامنة (وعبد الرحيم) الظاهر أنه عبد الرحيم بن سليمان الكناني أو الطائي أبو علي الأشل المروزي نزيل الكوفة ثقة له تصانيف من صغار الثامنة (ومحمد بن بشر) بكسر الموحدة قال الحافظ في تهذيب التهذيب محمد بن بشر بن الفرافصة بن المختار الحافظ العبدي أبو عبد الله الكوفي روي عن محمد بن عمرو بن علقمة وغيره وعنه أبو كريب وغيره انتهى وقال في التقريب ثقة حافظ من التاسعة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام من السادسة قوله (الحياء من الايمان) أي بعضه أو من شعبه (والإيمان) أي أهله قال الطيبي جعل أهل الايمان عين الايمان دلالة على أنهم تمحضوا منه وتمكنوا من بعض شعبه الذي هو أعلى الفرع منه كما جعل الايمان مقرا ومبوأ لأهله في قوله تعالى والذين تبؤوا الدار والإيمان لتمكنهم من الايمان واستقامتهم عليه (والبذاء) بفتح الباء خلاف الحياء والناشئ منه الفحش في القول والسوء في الخلق (من الجفاء) وهو خلا ف البر الصادر منه الوفاء (والجفاء) أي أهله التاركون
[ 126 ]
للوفاء الثابتون على غلاظة الطبع وقساوة القلب (في النار) أما مدة أو أبدا لأنه في مقابل الايمان الكامل أو مطلقه فصاحبه من أهل الكفران أو الكفر قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي بكرة وأبي امامة وعمران بن حصين) أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وله أحاديث أخرى في هذا الباب وأما حديث أبي بكرة فأخرجه البخاري في الأدب وابن ماجة والحاكم والبيهقي وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والحاكم والطبراني وأما حديث عمران بن حصين بلفظ فأخرجه الشيخان عنه مرفوعا الحياء لا يأتي إلا بخير وفي رواية الحياء خير كله تنبيه قال النووي في شرح مسلم حديث كون الحياء كله خير أو لا يأتي إلا بخير يشكل على بعض الناس من حيث أن صاحب الحياء قد يستحي أن يواجه بالحق من يجله ويعظمه فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على الاخلال ببعض الحقوق وغير ذلك مما هو معروف في العادة والجواب ما أجاب به عنه جماعة من الأئمة منهم الشيخ أبو عمرو بن الصلاح إن هذا المانع الذي ذكرناه ليس بحياء حقيقة بل هو عجز وخور وإنما تسميته حياء من إطلاق بعض أهل العرف أطلقوه مجازا لمشابهته الحياء الحقيقي وإنما حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق ونحو هذا ويدل عليه ما روينا في رسالة الامام أبي القاسم القشيري عن السيد الجليل أبي القاسم الجنيد رحمه الله قال الحياء رؤية الالاء أي النعم ورؤية التقصير فيتولد بينهما حالة تسمى الحياة وقال القاضي عياض وغيره إنما جعل الحياء من الايمان لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا كسائر أعمال البر وقد يكون غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم فهو من الايمان لهذا ولكونه باعثا على أفعال البر ومانعا من المعاصي انتهى وقال الطيبي ويمكن أن يحمل التعريف على العهد ويكون إشارة إلى ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم الاستحياء من الله أن يحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى الحديث انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ورجاله رجال الصحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي كذا في الترغيب والمرقاة
[ 127 ]
66 باب ما جاء في التأني والعجلة العجلة والعجل محركتين السرعة والتأني ترك الاستعجال من تأنى في الأمر إذا توقف فيه قوله (حدثنا نوح بن قيس) بن رباح الأزدي أبو روح البصري أخو خالد صدوق رمى بالتشيع (عن عبد الله بن عمران) التيمي الطلحي البصري مقبول من السادسة وقال في تهذيب التهذيب روى له الترمذي حديثا واحدا في فضل السمت الحسن وغيره (عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة المزني حنيف بني مخزوم صحابي سكن البصرة قوله (السمت الحسن) أي السيرة المرضية والطريقة المستحسنة قيل السمت الطريق ويستعار لهيئة أهل الخير وفي الفائق السمت أخذ المنهج ولزوم المحجة (والتؤدة) بضم التاء وفتح الهمزة أي التأني في جميع الأمور (والاقتصاد) أي التوسط في الأحوال والتحرز عن طرفي الافراط والتفريط قال التوربشتي الاقتصاد على ضربين أحدهم ما كان متوسطا بين محمود ومذموم كالمتوسط بين الجور والعدل والبخل والجود وهذا الضرب أريد بقوله تعالى ومنهم مقتصد والثاني محمود على الاطلاق وذلك فيما له طرفان إفراط وتفريط كالجود فإنه بين الاسراف والبخل والشجاعة فإنها بين النهور والجبن وهذا الذي في الحديث هو الاقتصاد المحمود على الاطلاق (جزء) أي كلها أو كل منها (من أربعة وعشرين جزءا) ويؤيد الأخير ما رواه الضياء عن أنس مرفوعا السمت الحسن جزء من خمسة وسبعين جزءا من النبوة مع زيادة إفادة أن المراد بالعدد المذكور التكثير لا التحديد وينصره حديث ابن عباس عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الهدى الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمس وعشرين جزءا من النبوة على أنه يمكن الاختلاف بحسب اختلاف الكمية والكيفية الحاصلة في المتصف به (من النبوة) أي من أجزائها قال الخطابي الهدى والسمت حالة الرجل ومذهبه والاقتصاد سلوك القصد في الأمور والدخول فيها برفق على سبيل تمكن الدوام عليها يريد أن هذه الخصال من شمائل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأنها جزء من أجزاء فضائلهم فاقتدوا بهم فيها وتابعوهم عليها وليس معناها أن النبوة
[ 128 ]
تجحزأ ولا أن من جمع هذه الخصال كان نبيا فإن النبوة غير مكتسبة وإنما هي كرامة يخص الله بها من يشاء من عباده والله أعلم حيث يجعل رسالته ويحتمل أن يكون معناه أن هذه الخلال مما جاءت به النبوة ودعا إليها الأنبياء وقيل معناه أن من جمع هذه الخصال لقيسه الناس بالتوقير والتعظيم وألبسه الله لباس التقوى الذي ألبس أنبياءه عليهم الصلاة والسلام فكأنها جزء من النبوة قال التوربشتي والطريق إلى معرفة ذلك العدد ووجهه بالاختصاص من قبل الرأي والاستنباط مسدود فإنه من علوم النبوة قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه أبو داود والحاكم قوله (والصحيح حديث نصر بن علي) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن عمران روي عن عبد الله بن سرجس وقيل عن عاصم الأحول عنه انتهى قوله (حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع) بفتح الموحدة وكسر الزاي البصري ثقة من العاشرة (عن قرة بن خالد) السدوسي البصري ثقة ضابط من السادسة (عن أبي جمرة) اسمه نصر بن عمران قوله (لأشج عبد القيس) بالإضافة وأسماء المنذر بن عائذ كان وافد عبد القيس وقائدهم ورئيسهم وعبد القيس قبيلة (إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة) ويجوز فيه وجهان النصب على البدلية والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هما الحلم والأناة قال النووي الحلم هو العقل والأناة هي التثبت وترك العجلة وهي مقصورة يعني بوزن نواة وسبب قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا إلى المدينة بادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته ولبس أحسن ثيابه ثم أقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقربه النبي صلى الله عليه وسلم وأجلسه إلى جانبه ثم قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم تبايعون على أنفسكم وقومكم فقال القوم نعم فقال
[ 129 ]
الأشج يا رسول الله إنك لم تزاود الرجل عن شئ أشد عليه من دينه نبايعك على أنفسنا ونرسل إليهم من يدعوهم فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه قال صدقت إن فيك خصلتين الحديث قال القاضي عياض فالأناءة تربصه حتى نظر في مصالحه ولم يعجل والحلم هذا القول الذي قاله الدال على صحة عقله وجودة نظره للعواقب انتهى وحديث ابن عباس هذا أخرجه مسلم في صحيحه قوله (وفي الباب عن الأشج العصري) أخرجه أحمد في مسنده والعصري بمهملتين وهو أشج عبد القيس المذكور قال في تهذيب التهذيب الأشج العصري اسمه المنذر بن عائد بن المنذر بن الحارث بن النعمان بن زياد بن عصر العصري أشج عبد القيس كان سيد قومه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له إن فيك لخصلتين يحبهما الله تعالى الحديث انتهى قوله (حدثنا عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي) الأنصاري المدني ضعيف من الثامنة (عن أبيه) أي عباس بن سهل (عن جده) أي سهل بن سعد قوله (الأناة من الله والعجلة من الشيطان) قال المناوي في شرح الجامع الصغير أي هو الحامل عليها بوسوسته لأن العجلة تمنع من التثبت والنظر في العواقب وذلك موقع في المعاطب وذلك من كيد الشيطان ووسوسته ولذلك قال المرقش يا صاحبي تلوما لا تعجلا إن النجاح رهين أن لا تعجلاإ وقال عمرو بن العاص لا يزال المرء يجتني من ثمرة العجلة الندامة ثم العجلة المذمومة ما كان في غير طاعة ومع عدم التثبت وعدم خوف الفوت ولهذا قيل لأبي العيناء لا تعجل فالعجلة من الشيطان فقال لو كان كذلك لما قال موسى وعجلت إليك رب لترضى والحزم ما قال بعضهم لا تعجل عجلة الأخرق ولا تحجم إحجام الواني الفرق انتهى قيل ويستثنى من ذلك ما لا شبهة في خيريته قال تعالى إنهم كانوا يسارعون في الخيرات قال القاري بون بين المسارعة والمبادرة إلى الطاعات وبين العجلة في نفس العبادات فالأول محمود والثاني مذموم انتهى
[ 130 ]
قوله (هذا حديث غريب) كذا في النسخ الموجودة وكذ ا في المشكاة وقال القاري قال ميرك وفي بعض النسخ حسن غريب (وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد المهيمن بن عباس وضعفه من قبل حفظه) قال القاري أي وقع طعن البعض فيه من جهة حفظه فإنه عدل ثقة فأمره سهل انتهى قلت في قول القاري فإنه عدل ثقة نظرا لظاهر فقد عرفت انفا أن الحافظ قال في التقريب إنه ضعيف وقال في تهذيب التهذيب قال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال ابن حبان لما فحش الوهم في روايته بطل الاحتجاج به وقال النسائي في موضع اخر متروك الحديث وقد ذكر الحافظ فيه أقوال غير هؤلاء كلها تدل على أنه ليس بثقة 67 باب ما جاء في الرفق بالكسر ضد العنف وهو المداراة مع الرفقاء ولين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها قوله (من أعطى) بصيغة المجهول (حظه) بالنصب على أنه مفعول ثان أي نصيبه (من الرفق) أي اللطف (ومن حرم) على بناء المفعول (حظه) بالنصب على أنه مفعول ثان (فقد حرم حظه من الخير) إذ به تنال المطالب الدنيوية والأخروية وبفوته تفوتان ففيه فضل الرفق والحث على التخلق به وذم العنف وقال في اللمعات يعني أن نصيب الرجل من الخير على قدر نصيبه من الرفق وحرمانه منه على قدر حرمانه منه انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وجرير بن عبد الله وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه
[ 131 ]
الشيخان عنها مرفوعا أن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ولها أحاديث أخرى في هذا الباب أما حديث جرير بن عبد الله فأخرجه مسلم وأبو داود كذا في الترغيب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وفيه فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين قوله (عن أبي معبد) اسمه نافذ بفاء معجمة مولى ابن عباس المكي ثقه من الرابعة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد 68 باب ما جاء في دعوة المظلوم قوله (عن أبي معبد) اسمه نافذ بفاء ومعجمة مولى ابن عباس المكي ثقة من الرابقعة قوله (بعث معاذا) بضم الميم أي أرسله أميرا وقاضيا (أتق دعوة المظلوم) أي اجتنب دعوة من تظلمه وذلك مستلزم لتجنب سائر أنواع الظلم (فإنه) أي الشأن (ليس بينها وبين الله) أي قبولها لها (حجاب) أي مانع بل هي معروضة عليه تعالى وقيل هو كناية عن سرقة القبول قال الطيبي رحمه الله هذا تعليل للاتقاء وتمثيل للدعوة لمن يقصد إلى السلطان متظلما فلا يحجب عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة قوله (وفي الباب عن أنس وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأبي سعيد) أما حديث أنس فأخرجه أحمد في مسنده وأبو يعلى والضياء المقدسي عنه مرفوعا اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا فإنه ليس دونها حجاب قال المناوي في التيسير إسناده صحيح وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب دعاء الوالدين وقد تقدم وأما حديث عبد اللة بن عمرو وحديث أبي
[ 132 ]
سعيد فلينظر من أخرجهما 69 باب ما جاء في خلق النبي صلى الله عليه وسلم قوله (خدمت) من باب ضرب ونصر (عشر سنين) وفي رواية مسلم تسع سنين قال النووي معناه أنها تسع سنين وأشهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة عشر سنين تحديدا لا تزيد ولا تنقص وخدمه أنس في أثناء السنة الأولى ففي رواية التسع لم يحسب الكسر بل اعتبر السنين الكوامل وفي رواية العشر حسبها سنة كاملة وكلاهما صحيح انتهى (فما قال لي أف) بضم الهمز وكسر الفاء المشددة منونة وغير منونة وفيها لغات كثيرة قال النووي في شرح مسلم ذكر القاضي وغيره فيها عشر لغات أف بفتح الفاء وضمها وكسرها بلا تنوين وبالتنوين فهذه ست وأف بضم الهمزة وإسكان الفاء وإف بكسر الهمزة وفتح الفاء وأفي وأفه بضم همزتهما قالوا وأصل الأف والتف وسخ الأظفار وتستعمل هذه الكلمة في كل ما يستقذر وهي اسم فعل تستعمل في الواحد والاثنين والجمع والمؤنث والمذكر بلفظ واحد قال الله تعالى ولا تقل لهما أف قال الهروي يقال لكل ما سضجر منه ويستثقل أف له وقيل معناه الاحتقار مأخوذ من الأنف وهو القليل انتهى وقال في القاموس أف كلمة تكره وأفق تأفيفا وتأفق قالها ولغاتها أربعون ثم ذكرها (وما قال لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ تركته لم تركته) يعني لم يقل لشئ صنعته لم صنعته ولا لشئ لم صنعه وكنت مأمورا به لم لا صنعته واعلم أن ترك اعتراض النبي صلى الله عليه وسلم على أنس رضي الله تعالى عنه فيما خالف أمره إنما يفرض فيما يتعلق بالخدمة وا داب لا فيما يتعلق بالتكاليف الشرعية فإنه لا يجوز ترك الاعتراض فيه وفيه أيضا مدح أنس فإنه لم يرتكب أمرا يتوجه إليه من النبي صلى الله عليه وسلم اعتراض ما (وما مسست) بكسر السين الأولى ويفتح (خزا) قال في النهاية الخز المعروف أولا ثياب تنسج من صوف وإبريسم وهي مباحة وقد لبسها الصحابة والتابعون فيكون النهي عنها لأجل التشبه بالعجم وزي المترفين وإن أريد بالخز النوع الاخر وهو المعروف الان فهو حرام لأن جميعه معمول من الابريسم وعليه يحمل الحديث الاخر قوم يستحلون الخز والحرير
[ 133 ]
انتهى (ولا حريرا) أي مطلقا (ولا شممت) بكسر الميم ويفتح قال الحافظ مسست بكسر المهملة الأولى على الأفصح وكذا شممت بكسر الميم وفتحها لغة ويقال في المضارع أمسه وأشمه بالفتح فيهما على الأفصح وبالضم على اللغة المذكورة وفي الحديث بيان كمال خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن عشرته وحلمه وصفحه قوله (وفي الباب عن عائشة والبراء) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ من طرق متعددة وأما حديث البراء فأخرجه البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (لم يكن فاحشا) أي ذا فحش في أقواله وأفعاله (ولا متفحشا) أي متكلفا فيه ومتعمدا كذا في النهاية قال القاضي نفت عنه تولي الفحش والتفوه به طبعا وتكلفا (ولا صخابا) أي صياحا (ولا يجزي بالسيئة السيئة) بل بالحسنة (ولكن يعفو) أي في الباطن (ويصفح) أي يعرض في الظهر عن صاحب السيئة لقوله تعالى واعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرج نحوه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو قوله (وأبو عبد الله الجدلي اسمه إلخ) قال الحافظ في التقريب أبو عبد الله الجدلي اسمه عبد أو عبد الرحمن بن عبد ثقة رمي بالتشيع من كبار الثالثة
[ 134 ]
70 باب ما جاء في حسن العهد وفي صحيح البخاري باب حسن العهد من الايمان قال أبو عبيد العهد هنا رعاية الحرمة وقال عياض هو الاحتفاظ بالشئ والملازمة له وقال الراغب حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال قوله (ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) بكسر الغين المعجمة من غار يغار نحو خاف يخاف (ما غرت على خديجة) ما الأولى نافية والثانية موصولة أو مصدرية أي ما غرت مثل التي غرتها أو مثل غيرتي عليها والغيرة الحمية والأنف قال الحافظ قوله على خديجة يريد من خديجة فأقام على مقام من وحروف الجر تتناوب في رأي أو على سببية أو بسبب خديجة وفيه ثبوت الغيرة وأنها غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلا عمن دونهن وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم لكن كانت تغار من خديجة أكثر وقد بينت سبب ذلك وإنه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غير ها أكثر منها وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة وقال القرطبي مرادها بالذكر لها مدحها والثناء عليها (وما بي أن أكون أدركتها) الجملة حالية وما نافية وفي رواية للشيخين وما رأيتها وهي تقتضي عدم الغيرة لعدم الباعث عليها غالبا ولذا قالت (وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها) وفي رواية للنسائي من كثرة ذكره إياها وثنائه عليها (وإن) من مخففة المثقلة (ليذبح الشاة) أي شاة من الشياه (فيتتبع) أي يتطلب قال في القاموس تتبعه تطلبه وقال فيه طلبه وتطلبه واطلبه كافتعله حاول وجوده وأخذه (بها) أي بالشاة المذبوحة يعني بأعضائها وفي رواية للشيخين وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة (صدائق خديجة) أي أصدقائها جمع صديقة وهي المحبوبة (فيهديها لهن) من الاهداء أي يتحفهن إياها ومطابقة الحديث للباب في إهداء النبي صلى الله عليه وسلم اللحم لأصدقاء خديجة وخلائلها رعيا منه لذمامها وحفظا لعهدها وقد أخرج الحاكم والبيهقي في الشعب من طريق صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت جاءت عجوز إلى
[ 135 ]
النبي الله صلى الله عليه وسلم فقال كيف أنتم كيف حالكم كيف كنتم بعدنا قالت بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله فلما خرجت قلت يارسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الاقبال فقال يا عائشة إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الايمان قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان 71 باب ما جاء في معالي الأخلاق جمع المعلاة قال في القاموس المعلاة كسب الشرف وقال في الصراح علاء بالفتح والمد بلندي درقدر ونزلت على بالضم والقصر معلاة بالفتح كذلك والجمع المعالي قوله (حدثنا أحمد بن الحسن بن خراش البغدادي) أبو جعفر صدوق من الحادية عشرة (حدثنا حبان بن هلال) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة أبو حبيب البصري ثقة ثبت من التاسعة (حدثنا مبارك بن فضالة) بفتح الفاء وتخفيف المعجمة أبو فضالة البصري صدوق يدلس ويسوي من السادسة (حدثني عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري أخو يحيى المدني ثقة من الخامسة قوله (إن من أحبكم إلي) أي في الدنيا (أحاسنكم أخلاقا) نصبه على التمييز وجمعه لإرادة الأنواع أو لمقابلة الجمع بالجمع (وإن من أبغضكم إلي) أي في الدنيا وأبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون) وفي حديث أبي ثعلبة الخشني عند البيهقي وأبعدكم متى مساويكم أخلاقا الثرثارون الحديث قال القاري ويروي أساويكم جمع أسوء كأحاسن جمع أحسن وهو مطابق لما في أصل المصابيح وقال القاضي أفعل التفضيل إذا أضيف على معنى أن المراد به زائد على المضاف إليهم في الخصلة التي هودهم مشتركون فيها جاز الافراد والتذكير في الحالات كلها وتطبقه لما هو وصف له لفظا ومعنى وقد جمع الوجهان في الحديث فأفرد أحب وبغض وجمع أحاسن وأساوئ
[ 136 ]
في رواية من روى أساويكم بدل مساويكم وهو جمع مسوئ كمحاسن في جمع محسن وهو إما مصدر ميمي نعت به ثم جمع أو اسم مكان بمعنى الأمر الذي فيه السوء فأطلق على المنعوت به مجازا وقال الدارقطني أراد بأبغضكم بغيضكم وبأحبكم التفضيل فلا يكون المخاطبون بأجمعهم مشتركين في البغض والمحبة وقال الحاجبي تقديره أحب المحبوبين منكم وأبغض المبغوضين منكم ويجوز إطلاق العام وإرادة الخاص للقرينة قال الطيبي إذا جعل الخطاب خاصا بالمؤمنين فكما لا يجوز أبغضكم لا يجوز بغيضكم لاشتراكهم في المحبة فالقول ما ذهب إليه ابن الحاجب لأن الخطاب عام يدخل فيه البر والفاجر والموافق والمنافق فإذا أريد به المنافق الحقيقي فالكلام ظاهر وإذا أريد به غير الحقيقي كما سبق في باب علامات النفاق فمستقيم أيضا كما يدل عليه قوله الثرثارون وفي النهاية الثرثارون هم الذي يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق والثرثرة كثرة الكلام وترديده (والمتشدقون) قال في النهاية المتشدقون هم المتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز وقيل أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم انتهى والشدق جانب الفم (والمتفيهقون) هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع كذا في النهاية قيل وهذا من الكبر والرعونة وقال المنذري في الترغيب الثرثار بثائين مثلثين مفتوحتين هو الكثير الكلام تكلفا والمتشدق هو المتكلم بملئ شدقه تفاصحا وتعظيما لكلامه والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء وهو بمعنى المتشدق لأنه الذي يملأ فمه بالكلام ويتوسع فيه إظهارا لفصاحته وفضله واستعلاء على غيره ولهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبر انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط عنه مرفوعا إن أحبكم إلى أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العيب كذا في الترغيب قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه عن أبي ثعلبة الخشني كذا في الترغيب
[ 137 ]
قوله (والمتشدق هو الذي يتطاول على الناس في الكلام ويبذو عليهم) كذا فسره الترمذي وتفسيره المشهور هو ما ذكره المنذري وصاحب النهاية (وهذا أصح) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة مبارك بن فضالة روي عن أبن المنكدر وعبد ربه بن سعيد وغيرهما انتهى فالظاهر أن مبارك بن فضالة روى هذا الحديث أولا عن ابن المنكدر بواسطة عبد ربه بن سعيد ثم لقيه فرواه عنه بغير واسطة 72 باب ما جاء في اللعن والطعن قال في القاموس لعنه كمنعه طرده وأبعده وقال في المجمع اللعنة هي الطرد وابعاد ولعن الكافر إبعاده عن الرحمة كل الابعاد ولعن الفاسق إبعاده عن رحمة تخص المطيعين انتهى وقال في القاموس طعنه بالرمح كمنعه ونصره طعنا ضربه ووخزه فهو مطعون وطعين وفيه بالقول طعنا وطعنانا انتهى وقال في النهاية لا يكون المؤمن طعانا أي وقاعا في أعراض الناس بالذم والغيبة ونحوهما وهو فعال من طعن فيه وعليه بالقول يطعن بالفتح والضم إذا عابه ومنه الطعن في النسب انتهى قوله (عن كثير بن زيد) الأسلمي ثم السهمي مولاهم المدني يقال له ابن صافنة وهي أمه روى عن سالم بن عبد الله بن عمر وغيره وعنه أبو عامر العقدي وغيره صدوق يخطئ من السابعة قوله (لا يكون المؤمن لعانا) أي كثير اللعن وهو الطرد والمراد به هنا الدعاء بالبعد عن رحمة الله تعالى وإنما أتى بصيغة المبالغة لأن الاحتراز عن قليله نادر الوقوع في المؤمنين قال ابن الملك وفي صيغة المبالغة إيذان بأن هذا الذم لا يكون لمن يصدر منه اللعن مرة أو مرتين وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعا لا ينبغي تصديق أن يكون لعانا
[ 138 ]
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه الترمذي في باب ما جاء في اللعنة قوله (هذا حديث حسن غريب) ذكر المنذري هذا الحديث في ترغيبه ونقل تحسين الترمذي وسكت عنه قوله (لا ينبغي للمؤمن) أي لا يجوز له وقد جاء في الكتاب والسنة لا ينبغي بمعنى لا يجوز كما في قوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا وتقدم تحقيقه في المقدمة ووقع في بعض نسخ الترمذي بعد هذا وهذا الحديث مفسر يعني أن هذه الرواية بهذا اللفظ مفسرة للرواية السابقة بلفظ لا يكون المؤمن لعانا يعني أن النفي فيها بمعنى النهي تنبيه اعلم أن الترمذي رحمه الله قد عقد فيمتقدم بابا بلفظ باب ما جاء في اللعنة ثم عقد ههنا هذا الباب ففيه تكرار فلو أدخل حديث هذا الباب في الباب المتقدم وأسقط هذا الباب لكان أولى 73 باب ما جاء في كثرة الغضب قال في القاموس الغضب بالتحريك ضد الرضا كالمغضبة غضب كسمع عليه وله إذا كان حيا وغضب به إذا كان ميتا وقال بعض المحققين الغضب فوران دم القلب أو عرض يتبعه ذلك لدفع المؤذيات وللانتقام بعد وقوعها قوله (علمني شيئا) أي أرشدني بخصوصي إلى عموم ما ينفعني دينا ودنيا ويقربني إلى الله زلفى (ولا تكثر على) من الاكثار وعلي صلة له والمعنى لا تعلمني أشياء كثيرة (لعلي أعيه) أي أحفظه قال في القاموس وعاه يعيه حفظه وجمعه (لا تغضب) قيل لعل السائل كان غضوبا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كل أحد بما هو أولى به فلهذا اقتصر في وصيته له على ترك الغضب وقال الخطابي
[ 139 ]
معنى قوله لا تغضب اجتنب أسباب الغضب ولا تتعرض لما يجلبه وأما نفس الغضب فلا يتأتى النهي عنه لأنه أمر طبعي لا يزول من الجبلة وقيل معناه لا تغضب لأن أعظم ما ينشأ عنه الغضب الكبر لكونه يقع عند مخالفة أمر يريده فيحمله الكبر على الغضب فالذي يتواضع حتى يذهب عنه عزة النفس يسلم من شر الغضب وقيل معناه لا تفعل ما يأمر ك به الغضب وقال ابن التين جمع صلى الله عليه وسلم في قوله لا تغضب خير الدنيا والاخرة لأن الغضب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه فينتقص ذلك من الدين (فردد ذلك) أي الرجل السؤال يلتمس أنفع من ذلك أو أبلغ أو أعم فلم يزده على ذلك (مرارا) أي مرة بعد أخرى (كل ذلك يقول لا تغضب) في رواية عثمان بن أبي شيبة قال لا تغضب ثلاث مرات وفيها بيان عدد المرار قال الحافظ فإن قلت هذا الحديث لا يطابق الباب فإن قوله لا تغضب يدل على النهي عن الغضب لان مطلق الغضب غريزة لا يمكن الاجتناب عنه فالمطابقة ظاهرة (وفي الباب عن أبي سعيد وسليمان بن صرد) أما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في باب خبر النبي صلى الله عليه وسلم بما هو كائن إلى يوم القيامة من أبواب الفتن وأما حديث سليمان بن صرد فأخرجه الشيخان قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والبخاري (وأبو حصين اسمه عثمان بن عاصم الأسدي) قال في التقريب عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي الكوفي أبو حصين بفتح المهملة ثقة ثبت سني وربما دلس من الرابعة 74 باب في كظم الغيظ قد سقط هذا الباب من بعض النسخ قوله (أخبرنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم المصري أبو يحيى بن مقلاص ثقة ثبت من السابعة (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني) نزيل مصر لا بأس به إلا في روايات زبان عنه من
[ 140 ]
الرابعة (عن أبيه) أي معاذ بن أنس الجهني الأنصاري صحابي نزل مصر وبقي إلى خلافة عبد الملك قوله (من كظم غيظا) أي اجترع غضبا كامنا فيه قال في النهاية كظم الغيظ تجرعه واحتمال سببه والصبر عليه انتهى (وهو يستطيع أن ينفذه) بتشديد الفاء أي يمضيه وفي حديث أبي هريرة عند ابن ابي الدنيا وهو يقدر على إنفاذه فيجوز تخفيف الفاء والجملة حالية وجواب الشرط (دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق) أي شهره بين الناس وأثنى عليه وتباهي به ويقال في حقه هذا الذي صدرت منه هذه الخصلة العظيمة (حتى يخيره) أي يجعله مخيرا (في أي الحور شاء) أي في أخذ أيهن شاء وهو كناية عن إدخاله الجنة المنيعة وإيصاله الدرجة الرفعية قال الطيبي وإنما حمد الكظم لأنه قهر للنفس الأمارة بالسوء ولذلك مدحهم الله تعالى بقوله والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ومن نهى النفس عن هواه فإن الجنة مأواه والحور العين جزاه قال القاري وهذا الثناء الجميل والجزاء الجزيل هذا ترتب على مجرد كظم الغيظ فكيف إذا انضم العفو إليه أو زاد بالإحسان عليه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود وابن ماجة 75 باب ما جاء في إجلال الكبير أي تعظيمه والمصدر مضاف إلى المفعول قوله (حدثنا يزيد بن بيان العقيلي) بالضم أبو خالد البصري ضعيف من التاسعة وقال في تهذيب التهذيب يزيد بن بيان العقيلي أبو خالد البصري المعلم الضرير المؤذن روى عن أبي الرحال الأنصاري عن أنس حديث ما أكرم شاب شيخا لسنه الحديث (حدثني أبو الرحال الأنصاري) بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة البصري اسمه محمد بن خالد وقيل خالد بن محمد
[ 141 ]
اعلم أن كون أبي الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة هو الصواب في هذا السند وأما قول الترمذي في اخر هذا الباب وأبو الرجال الأنصاري اخر فهو بكسر الراء وتخفيف الجيم فاحفظ هذا وقد وقع في النسخة الأحمدية في هذا السند أبو الرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم قال في هامشها قوله أبو الرجال بالجيم وفي اخر الباب بالحاء هذا ما وجدته في الكتب الدهلوية وفي نسخة صحيحة منقولة من العرب عكسه وعليهما فيها علامة الصحة انتهى قلت ما في النسخة الصحيحة المنقولة من العرب من كون أبي الرحال بالحاء المهملة في هذا السند وكون أبي الرجال بالجيم في اخر الباب هو الصواب لما عرفت انفا في عبارة تهذيب التهذيب من أن يزيد بن بيان العقيلي روى حديث الباب عن أبي الرحال ولأن الحافظ رمز على أبي الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة بحرف ت ورمز على أبي الرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم بحروف خ م س ق ولأن الحافظ قال في ترجمة أبي الرحال بالحاء المهملة روى عن أنس وغيره وعنه يزيد بن بيان العقيلي وغيره فهذه الوجوه الثلاثة تدل بمجموعها على أن في هذا السند أبا الرحال بالحاء المهملة دون أبي الرجال بالجيم وأبو الرحال بفتح الراء وتشديد الحاء المهملة الأنصاري البصري اسمه محمد بن خالد وقيل خالد بن محمد ضعيف من الخامسة وأما أبو الرجال فقال في التقريب محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري أبو الرجال بكسر الراء وتخفيف الجيم مشهور بهذه الكنية وهي لقبه وكنيته في الأصل أبو عبد الرحمن ثقة من السابعة قوله (ما أكرم) أي ما أعظم ووقر (لسنه) أي لأجل سنه لا لأمر اخر قاله المناوي وقال القاري أي كبر عمره لأن الغالب عليه زيادة علم وعمل مع سبق إيمانه انتهى (إلا قيض الله) بتشديد التحتية ومنه قوله تعالى ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين أي سلط ووكل (له) أي للشاب (من يكرمه) أي قرينا يعظمه ويخدمه لأن من خدم خدم (عند سنه) أي حال كبره مجازاة له على فعله بأن يقدر له عمرا يبلغ به إلى الشيخوخة ويقدر له من يكرمه قوله (هذا حديث غريب) في سنده ضعيفان كما عرفت فالحديث ضعيف
[ 142 ]
76 باب ما جاء في المتهاجرين قوله (عن سهيل بن أبي صالح) ذكوان السمان أبي يزيد المدني صدوق تغير حفظه باخره روى له البخاري مقرونا وتعليقا من السادسة قوله (تفتح أبواب الجنة) أي حقيقة لأن الجنة مخلوقة الآن وفتح أبوابها ممكن أو هو بمعنى إزالة المانع ورفع الحجب وفي شرح مسلم قال القاضي قال الباجي معنى فتحها كثرة الصفح والغفران ورفع المنازل وإعطاء الثواب الجزيل قال القاضي ويحتمل أن يكون على ظاهره وأن فتح أبوابها علامة لذلك انتهى قلت هذا الاحتمال هو الظاهر فالأولى أن يحمل الحديث على ظاهره (يوم الاثنين والخميس) أي لكثرة الرحمة النازلة فيهما الباعثة على الغفرا ن (إلا المهتجرين) أي المتقاطعين (يقول ردوا) وفي رواية مسلم انظروا أي أمهلوا أي لا تعطوا منها أنصباء هذين المتهاجرين المتعاديين وأخروا مغفرتهما من ذنوبهما مطلقا زجرا لهما أو من ذنب الهجران فقط (حتى يصطلحا) أي يتصالحا ويزول عنهما الشحناء فلا يفيد التصالح للسمعة والرياء والظاهر أن مغفرة كل واحد متوقفة على صفائه وزوال عدوانه سواء صفا لصاحبه أم لا قال الطبيبي وأتى باسم الإشارة بدل الضمير لمزيد التمييز والتعيين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود قوله (ذروا هذين) أي ادعوهما (ومعنى قوله المتهاجرين يعني المتصارمين) أي المتقاطعين قال في القاموس صرمه يصرمه صرما ويضم قطعه قطعا بائنا وفلانا قطع كلامه انتهى قوله (وهذا مثل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام
[ 143 ]
رواه مسلم عن عبد الله بن عمر ورواه الترمذي من حديث أبي أيو ب الأنصاري في باب كراهية الهجرة 77 باب ما جاء في الصبر قوله (سألوا النبي صلى الله عليه وسلم) أي شيئا (فأعطاهم) أي إياه (ثم سألوا فأعطاهم) زاد في رواية الشيخين حتى نفد ما عنده (فقال ما يكون عندي من خير) أي مال ومن بيان لما وما خبرية متضمنة للشرط أي كل شئ من المال موجود عندي أعطيكم (فلن أدخره عنكم) أي أحبسه وأخبؤه وأمنعكم إياه منفردا به عنكم (ومن يستغن) أي يظهر الغنى بالاستغناء عن أموال الناس والتعفف عن السؤال حتى يحسبه الجاهل غنيا من التعفف (يغنه الله) أي يجعله غنيا أي بالقلب ففي الحديث ليس الغني عن كثرة العرض إنما الغني غني النفس أو يعطيه ما يغنيه عن الخلق (ومن يستعفف) قال الجزري في النهاية الاستعفاف طلب العفاف والتعفف وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها وقيل الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشئ يقال عف يعف عفه فهو عفيف انتهى (يعفه الله) أي يجعله عفيفا من لاعفاف وهو إعطاء العفة وهي الحفظ عن المناهي يعني من قنع بأدنى قوت وترك السؤال تسهل عليه القناعة وهي كنز لا يفنى وقال في المجمع يعفه من الإعفاف وبفتح فاء مشددة وضمه بعض إتباعا بضم الهاء انتهى (ومن يتصبر) أي يطلب توفيق الصبر من الله لأنه قال تعالى واصبر وما صبرك إلا بالله أو يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه وهو تعميم بعد تخصيص لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه (يصبره الله) بالتشديد أي
[ 144 ]
يسهل عليه الصبر فتكون ويؤيد إرادة ومعنى العموم قوله (وما أعطي أحد شيئا هو خير) أي أفضل (وأوسع من الصبر) قال القاري و ذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات ولذا قدم على الصلاة في قوله تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة) ومعنى وكونه أوسع أنه تتسع به المعارف والمشاهد والأعمال والمقاصد انتهى قوله (في الباب عن أنس) أخرجه البراني والحاكم كذا في الترغيب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الزكاة وفي الرقاق ومسلم وأبو داود في الزكاة والنسائي في الزكاة وفي الرقاق قوله (ويروي) بصيغة المجهول وفي بعض النسخ وقد روي (فلن أدخره عنكم) وفي بعض النسخ بالذال المعجمة 78 باب ما جاء في ذي الوجهين قوله (إن من شر الناس عند الله يوم القيامة ذا الوجهين) ولفظ البخاري تجد من أشر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه قال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالبا طل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود وقال غيره الفرق بينهما أن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى والمحمود أن
[ 145 ]
يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليه ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح ويؤيد هذه التفرقة رواية الأسماعيلي من طريق ابن عمير عن الأعمش الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء قوله (وفي الباب عن عمار وأنس) أما حديث عمار فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت والطبراني والأصبهاني وغيرهم كذا في الترغيب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما 79 باب ما جاء في النمام قال الجزري في النهاية النميمة نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والشر وقد نم الحديث ينمه وينمه فهو نمام والاسم النميمة ونم الحديث إذا ظهر فهو متعد ولازم انتهى قوله (فقيل له هذا يبلغ الأمراء الحديث عن الناس) ولفظ البخاري فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى عثمان (لا يدخل الجنة) أي في أول وهلة كما في نظائره (قتات) بقاف ومثناة ثقيلة وبعد الألف مثناة أخرى ووقع بلفظ نمام في رواية أبي وائل عن حذيفة عند مسلم قال في النهاية القتات هو النمام يقال قت الحديث يقته إذا زوره وهيأه وسواه وقيل النمام الذي يكون مع القوم يتحدثون فينم عليهم والقتات الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم والقساس الذي يسأل عن لأخبار ثم ينمها انتهى قال الحافظ في الفتح قال الغزالي ما ملخصه ينبغي لمن حملت إليه نميمة أن لا يصدق من نم له ولا يظن بمن نم عنه ما نقل عنه ولا
[ 146 ]
يبحث عن تحقيق ما ذكر له وأن ينهاه ويقبح له فعله وأن يبغضه إن لم ينزجر وأن لا يرضى لنفسه ما نهى النمام عنه فينم هو على النمام فيصير نماما قال النووي وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية وإلا فهي مستحبة أو واجبة كمن أطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصا ظلما فحذره منه وكذا من أخبر الإمام أو من له ولاية يسيرة نائبة مثلا فلا منع عن ذلك وقال الغزالي ما ملخصه النميمة في الأصل نقل القول إلى القول فيه ولا اختصاص لها بذلك بل ضابطها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو غيرهما سواء كان المنقول قولا أم فعلا وسواء كان عيبا أم لا حتى لو رأى شخصا يخفي ماله فأفشى كان نميمة واختلف في الغيبة والنميمة هل هما متغايرتان أو متحدتان والراجح التغاير وأن بينهما عموما وخصوصا وجهيا وذلك لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أم بغير علمه والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه فامتازت النميمة بقصد الإفساد ولا يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركنا فيما عدا ذلك ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبا انتهى ما في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود 80 باب ما جاء في العي بكسر العين المهملة وتشديد التحتية قال في القاموس عي في المنطق كرضى عيابا بكسر حصر انتهى وقال في الصراح عي بالكسر درما ندكي به سخن وهو خلاف البيان يقال عي في منطقة وعيي أيضا فهو عيي على فعيل وعي أيضا على فعل وهم أعياء وأعيياء انتهى قوله (عن أبي غسان محمد بن مطرف) قال الحافظ في تهذيب التهذيب محمد بن مطرف بن داود بن مطرف بن عبد الله بن سارية التيمي الليثي أبو غسان المدني يقال إنه من موالي عمر نزل عسقلان أحد علماء الأثبات روى عن حسان بن عطية وغيره وعنه يزيد بن هارون وغيره (عن حسان بن عطية) المحاربي مولاهم الدمشقي ثقة فقيه عابد من الرابعة
[ 147 ]
قوله (الحياء والعي) أي العجز في الكلام والمراد به في هذا المقام هو السكوت عما فيه إثم من النثر والشعر لا ما يكون للخلل في اللسان قاله القاري وقال في المجمع العي التحير في الكلام وأراد به ما كان بسبب التأمل في المقال والتحرز عن الوبال انتهى قلت وفسر الترمذي العي فيما بعد بقلة الكلام يعني حذرا عن الوقوع في الإثم أو في ما لا يعني (شعبتان من الإيمان) أي أثران من أثاره فإن المؤمن يحمله الإيمان على الحياء فيترك القبائح حياء من الله تعالى ويمنعه عن الاجتراء على الكلام شفقة عن عثرة اللسان فهما شعبتان من شعب الإيمان والحاصل أن الأيمان منشأهما ومنشأ كل معروف وإحسان (والبذاء) بفتح موحدة فذال معجمة فحش الكلام أو خلاف الحياء (والبيان) أي الفصاحة الزائدة عن مقدار حاجة الإنسان من التعمق في النطق وإظهار التفاصح للتقدم على الأعيان وقال في المجمع أراد بالبيان ما يكون سببه الاجتراء وعدم المبالاة بالطغيان والتحرز عن الزور والبهتان انتهى (شعبتان من النفاق) قال في التيسير أي هما خصلتان منشأهما النفاق أو مؤديان إليه وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلف للناس بكثرة التملق والثناء عليهم وإظهار التفصح وذلك ليس من شأن أهل الإيمان وقد يتملق الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب ب) قال القاري في المرقاة رجاله رجال الصحيح كذا نقله ميرك عن التصحيح وقد رواه الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه انتهى وقال المناوي في شرح الجامع الصغير قال الترمذي حسن وقال غيره صحيح انتهى (قال والعي قلة الكلام الخ) أي قال الترمذي في تفسير هذه الألفاظ وأراد بقوله العي قلة الكلام أي تحرزا عن الوقوع في الإثم أو في ما لا ينبغي
[ 148 ]
81 باب ما جاء في إن من البيان سحرا قوله (أن رجلين) قال الحافظ في الفتح لم أقف على تسميتهما صريحا وقد زعم جماعة أنهما الزبرقان بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالقاف واسمه الحصين ولقب الزبرقان من لحسنه والزبرقان من أسماء القمر وهو ابن بدر بن امرئ القيس بن خلف وعمرو بن الأهيم واسم الأهيم سنان بن سمي يجتمع مع الزبرقان في كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم فهما تميميان قدما في وفد بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة واستندوا في تعيينهما إلى ما أخرجه البيهقي في الدلائل وغيره من طريق مقسم عن ابن عباس قال جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهيم وقيس بن عاصم ففخر الزبرقان فقال يا رسول الله أنا سيد بني تميم والمطاع فيهم والمجاب أمنعهم من الظلم واخذ منهم بحقوقهم وهذا يعلم ذلك يعني عمرو بن الأهيم فقال عمرو إنه لشديد المعارضة مانع لجانبه مطاع في إذنه فقال الزبرقان والله يا رسول الله لقد علم من غير ما قال وما منعه أن يتكلم إلا الحسد فقال عمرو أنا أحسدك والله يا رسول الله إنه لئيم الخال حديث المال أحمق الوالد مضيع في العشيرة والله يا رسول الله لقد صدقت في الأولى وما كذبت في الآخرة ولكني رجل إذا رضيت قلت أحسن ما عملت وإذا غضبت قلت أقبح ما وجدت فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن من البيان سحراوأخرجه الطبراني من حديث أبي بكرة قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد عليه وفد بني تميم عليهم قيس بن عاصم والزبرقان وعمرو بن الأهيم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو ما تقول في الزبرقان فذكر نحوه وهذا لا يلزم منه أن يكون الزبرقان وعمر وهما المراد بحديث ابن عمر فإن المتكلم إنما هو عمرو بن الأهيم وحده وكان كلامه في مراجعته الزبرقان فلا يصح نسبة الخطبة إليهما إلا على طريق التجوز انتهى ما في الفتح (فخطبا) أي كلمات محسنات جامعة للبلاغة والفصاحة (إن من البيان سحرا أو إن بعض البيان سحرا) أو للشك من الراوي قال الخطابي البيان اثنان أحدهما ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان والآخر ما دخلته الصنعة بحيث يروق للسامعين ويستميل قلوبهم وهو الذي يشبه بالسحر إذا خلب القلب وغلب على النفس حتى يحول الشئ عن حقيقته ويصرفه عن جهته فيلو ح للناظر في معرض غيره
[ 149 ]
وهذا إذا صرف إلى الحق يمدح وإذا صرف إلى الباطل يذم قال فعلى هذا فالذي يشبه بالسحر منه هو المذموم ويعقب بأنه لا مانع من تسمية الآخر سحرا لأن السحر يطلق على الاستمالة وقد حمل بعضهم الحديث على المدح والحث على تحسين الكلام وتحبير الألفاظ وحمله بعضهم على الذم لمن تصنع في الكلام وتكلف لتحسينه وصرف الشئ عن ظاهره فشبه بالسحر الذي هو تخييل الغير حقيقة وإلى هذا أشار مالك حيث أدخل هذا الحديث في الموطأ في باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله وحمل الحديث على هذا صحيح لكن لا يمنع حمله على المعنى الآخر إذا كان في تزيين الحق وبهذا جزم ابن العربي وغيره من فضلاء المالكية قوله (وفي الباب عن عمار وابن مسعود وعبد الله بن الشخير) أما حديث عمار فأخرجه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم عنه مرفوعا هلك المتنطعون قالها ثلاثا وأما حديث عبد الله بن الشخير فلينظر من أخرجه وفي الباب أيضا عند أحمد وأبي داود عن ابن عباس مرفوعا إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما قال المناوي إسناده صحيح وعند أبي داود وعن بريدة بن الحصيب مرفوعا إن من البيان سحرا وإن من العلم جهلا وإن من الشعر حكما وإن من القول عيبا قال المناوي في إسناده من يجهل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومالك وأحمد وأبو داود 82 باب ما جاء في التواضع قال في القاموس تواضع تذلل وتخاشع قوله (ما نقصت صدقة) ما نافية ومن في قوله (من مال) زائدة أو تبعيضية أو بيانية أي ما نقصت صدقة مالا أو بعض مال أو شيئا من مال بل تزيد أضعاف ما يعطى منه بأن ينجبر بالبركة الخفية أو بالعطية الجلية أو بالمثوبة العلية (وما زاد الله رجلا بعفو) أي بسبب عفوه عن شئ مع
[ 150 ]
قدر ته على الانتقام (إلا عزا) في الدنيا فإن من عرف بالعفو عظم في القلوب أو في الاخرة بأن يعظم ثوابه أو فيهما (وما تواضع أحد لله) بأن أنزل نفسه عن مرتبة يستحقها لرجاء التقرب إلى الله دون غرض غيره (إلا رفعه الله) في الدنيا والاخرة قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وأبي كبشة الأنماري) أما حديث عبد الرحمن بن عوف وحديث أبي كبشة الأنماري فلينظر من أخرجهما وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني عنه مرفوعا ما من ادمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك فإذا تواضع قيل للملك ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك ضع حكمته قوله (واسمه عمر بن سعد) قال الحافظ اي تهذيب التهذيب جزم الترمذي في الجامع بأن اسمه عمر بن سعد وحكى البخاري الخلاف فيمن اسمه عمر انتهى وقال في التقريب أبو كبشة الأنماري هو سعيد بن عمرو أو عمرو بن سعيد وقيل عمر أو عامر بن سعد صحابي نزل الشام له حديث وروى عن أبي بكر انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده ومسلم 83 باب ما جاء في الظلم قال الراغب الظلم عند أهل اللغة وضع الشئ في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة وإما بعدول عن وقته أو مكانه قوله (عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون المدني نزيل بغداد مولى ال الهدير ثقة فقيه مصنف من السابعة (الظلم) أي جنسه الشامل المتعدي والقاصر الصادر من الكافر والفاجر (ظلمات) أي أسباب ظلمة لمرتكبه أو موجبات شدة لصاحبه يوم القيامة
[ 151 ]
ومفهومه أن العدل بأنواعه أنوار (يوم القيامة) لأن الدنيا مزرعة الاخرة وفي شرح مسلم للنووي قال القاضي هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا كما أن المؤمن يسعى بنور هو مسبب عن إيمانه في الدنيا قال تعالى يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ويحتمل أن يراد بالظلمات هنا الشدائد وبه فسروا قوله تعالى قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر أي شدائدهما ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات وقال ابن الجوزي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ مال الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالبا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعي المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى إكتفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئا قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وأبي موسى وأبي هريرة) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث عائشة فأخرجه البخاري في كتاب المظالم وغيره ومسلم في كتاب البيوع وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في تفسير سورة هود وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في باب شأن الحساب والقصاص من أبواب صفة القيامة قوله (هذا حديث حسن غريب من حديث ابن عمر) وأخرجه الشيخان 84 باب ما جاء في ترك العيب للنعمة قوله (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط) قال الحافظ أي مباحا أما الحرام فكان يعيبه ويذمه وينهى عنه وذهب بعضهم إلى أن العيب إن كان من جهة الخلقة كره وإكان من جهة الصنعة لم يكره لأن صنعة الله لا تعاب وصنعة الادميين تعاب قال الحافظ والذي يظهر التعميم فإن فيه كسر قلب الصانع قال النووي من اداب الطعام المتأكدة أن لا يعاب كقوله
[ 152 ]
مالح حامض قليل الملح غليظ رقيق غير ناضج وغير ذلك (وإلا) أي وإن لم يشتهه (تركه) يعني مثل ما وقع له في الضب كل قال ابن بطال هذا من حسن الأدب لأن المرء قد لا يشتهي الشئ ويشتهيه غيره وكل مأذون في أكله من قبل الشرع ليس فيه عيب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وأبو حازم هو الأشجعي الخ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب سلمان أبو حازم الأشجعي الكوفي روى عن مولاته غزة الأشجعية وأبي هريرة وغيرهما وعنه الأعمش وغيره وقال في التقريب ثقة من الثالثة 85 باب ما جاء في تعظيم المؤمن وقوله (عن أوفى بن دلهم) البصري العدوي صدوق من السابعة قوله (صعد) بكسر العين أي طلع (فنادى بصوت رفيع) أي عال (قال) بيان لقوله فنادى (يا معشر من أسلم بلسانه) يشترك فيه المؤمن والمنافق (ولم يفض) من الافضاء أي لم يصل الايمان أي أصله وكماله (إلى قلبه) فيشمل الفاسق وهو الأظهر كما سيأتي من قوله تتبع عورة أخيه المسلم ولا أخوة بين المسلم والمنافق فما اختاره الطيبي من حصر حكم الحديث على المنافق خلاف الظاهر الموافق والحكم بالأعم هو الوجه الأتم قاله القاري وفيه ما فيه فتأمل (لا تؤذوا المسلمين) أي الكاملين في الاسلام وهم الذين أسلموا بلسانهم وامنو بقلوبهم (ولا تعيروهم) من التعيير وهو التوبيخ والتعيب على ذنب سبق لهم من قديم العهد سواء علم توبتهم منه أم لا و أما التعيير في حال المباشرة أو بعيده قبل ظهور التوبة فواجب لمن قدر عليه وربما يجب الحد أو التعزير فهو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ولا تتبعوا) من باب الافتعال أي لا
[ 153 ]
تجسسوا (عوراتهم) فيما تجهلونها ولا تكشفوها فيما تعرفونها (فإنه) أي الشأن (من تتبع) بصيغة الماضي المعلوم من باب التفعل أي من طلب وفي بعض النسخ يتبع بصيغة المضارع المعلوم من باب الافتعال هنا وفيما بعد من الموضعين (عورة أخيه) أي ظهور عيب أخيه (المسلم) أي الكامل بخلاف الفاسق فإنه يجب الحذر والتحذير عنه (يتبع الله عورته) ذكره على سبيل المشاكلة أي كشف عيوبه ومن أقبحها تتبع عورة الأخ المسلم وهذا في الاخرة (ومن يتبع الله عورته يفضحه) من فضح كمنع أي يكشف مساويه (ولو في جوف رحله) أي ولو كان في وسط منزله مخفيا من الناس قال تعالى إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون (ما أعظمك وأعظم حرمتك) هما صيغتا التعجب والحرمة بالضم وبضمتين وكهمزة ما لا يحل انتهاكه كذا في القاموس (والمؤمن) أي الكامل قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة أوفى بن دلهم حسن الترمذي حديثه يا معشر من امن بقلبه وليس له عنده غيره انتهى (وقد روي عن أبي برزة الأسلمي الخ) رواه أحمد في مسنده 124 ج 4 وأبو داود ورواه أبو يعلى بإسناد حسن من حديث البراء كما في الترغيب 86 باب ما جاء في التجارب جمع التجربة قال في القاموس جربه تجربة إختبره قوله (لا حليم إلا ذو عثرة) بفتح العين وسكون المثلثة قال القاري أي صاحب زلة
[ 154 ]
قدم أو لغزة قلم في تقريره أو تحريره وقيل أي لا حليم كاملا إلا من وقع في زلة وحصل منه الخطأ والتخجل فعفى عنه فعرف به رتبة العفو فيحلم عند عثرة غيره لأنه عند ذلك يصير ثابت القدم انتهى (ولا حكيم إلا ذو تجربة) أي صاحب امتحان في نفسه وفي غيره قال القاري قال الشارح أي لا حكيم كاملا إلا من جرب الأمور وعلم المصالح والمفاسد فإنه لا يفعل فعلا إلا عن حكمة إذ الحكمة إحكام الشئ وإصلاحه عن الخلل انتهى قال ويمكن أن يقال المعنى لا حليم إلا وقد يعثر كما قيل نعوذ بالله من غضب الحليم ولا حكيم من الحكماء الطبية إلا صاحب التجربة في الأمور الدائبة الذاتية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه قال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده صحيح 87 باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه قال الزمخشري في الفائق المتشبع أي المتشبه بالشبعان وليس به واستعير للتحلي بفضيلة لم يرزقها قوله (من أعطى) بصيغة المجهول (عطاء) مفعول مطلق أو عطية وفي رواية شيئا فهو مفعول كان (فوجد) أي سعة مالية (فليجز) بسكون الجيم أي فليكافئ (به) أي بالعطاء (ومن لم يجد) أي سعة من المال (فليثن) بضم الياء أي عليه وفي رواية به أي فليمدحه أو فليدع له (فإن من أثنى) وفي رواية فإن أثنى به (فقد شكر) وفي رواية شكره أي جازاه في الجملة (ومن كتم) أي النعمة بعدم المكافأة بالعطاء أو المجازاة بالثناء (فقد كفر) أي النعمة من الكفران أي ترك أداء حقه وفي رواية وإن كتمه فقد كفره (ومن تحلى) أي تزين وتلبس (بما لم يعطه) بفتح الطاء والضمير المرفوع يرجع إلى من والمنصوب إلى ما (كان كلابس ثوبي زور) وفي رواية فإنه كلابس
[ 155 ]
ثوبي زور أي كمن كذب كاذبين أو أظهر شيئين كاذبين قاله صلى الله عليه وسلم لمن قالت يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح أن أتشبع بما لم يعطني زوجي أي أظهر الشبع فأحد الكذبين قولها أعطاني زوجي والثاني إظهارها أن زوجي يحبني أشد من ضرتي قال الخطابي كان رجل في العرب يلبس ثوبين من ثياب المعاريف ليظنه الناس أنه رجل معروف محترم لأن المعاريف لا يكذبون فإذا راه الناس على هذه الهيئة يعتمدون على قوله وشهادته على الزور لأجل تشبيهه نفسه بالصادقين وكان ثوباه سبب زوره فسميا ثوبي زور أو لأنهما ليسا لأجله وثني باعتبار الرداء والإزار فشبه هذه المرأة بذلك الرجل وقال الزمخشري في الفائق شبه المتشبع بلابس ثوبي زور أي ذي زور وهو الذي يتزيا بزي أهل الصلاح رياء وأضاف الثوبين إليه لأنهما كالملبوسين وأراد بالتثنية أن المتحلي بما ليس فيه كمن ليس ثوبي الزور ارتدى بأحدهما واتزر بالاخر كما قيل قال القاري في المرقاة إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا فالإشارة بالإزار والرداء إلى أنه متصف بالزور من رأسه إلى قدمه ويحتمل أن تكون التثنية إشارة إلى أنه حصل بالتشبع حالتان مذمومتان فقدان ما تتشبع به وإظهار الباطل كذا في الفتح وقال أبو عبيدة هو المرائي يلبس ثياب الزهاد ويرى أنه زاهد وقال غيره هو أن يلبس قميصا يصل بكميه كمين اخرين يرى أنه لابس قميصين فكأنه يسخر من نفسه ومعناه إنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن وقيل إنما شبه بالثوبين لأن المتحلي كذب كذبين فوصف نفسه بصفة ليست فيه ووصف غيره بأنه خصه بصلة فجمع بهذا القول بين كذبين قال القاري وبهذا تظهر المناسبة بين الفصلين في الحديث مع موافقته لسبب وروده فكأنه قال ومن لم يعط وأظهر أنه قد أعطى كان مزورا مرتين انتهى قوله (وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر وعائشة) أما حديث أسماء فأخرجه البخاري في باب المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة من كتاب النكاح ومسلم في كتاب اللباس وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم في كتاب اللباس قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن حبان في حيحه قال المناوي في التيسير إسناده صحيح
[ 156 ]
88 باب ما جاء في الثناء بالمعروف قوله (حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري) أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة من العاشرة (والحسين بن الحسن المروزي) قال في التقريب الحسين بن الحسن بن حرب السلمي أبو عبد الله المروزي نزيل مكة صدوق من العاشرة (بمكة) وفي بعض النسخ وكان سكن بمكة (حدثنا الأحوص بن جوا ب) بفتح الجيم وتشديد الواو الضبي يكني أبا الجواب كوفي صدوق ربما وهم من التاسعة (عن سعير بن الخمس) قال في التقريب سعير اخره راء مصغر ابن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم ثم مهملة التميمي أبو مالك وأبو الأحوص صدوق من السابعة 89 باب قوله (من صنع) بصيغة المجهول (معروفا) كذا وقع في النسخ الموجودة بالنصب ووقع في المشكاة والجامع الصغير معروف بالرفع قال القاري في المرقاة وفي نسخة يعني من المشكاة معروفا بالنصب أي أعطى عطاء (فقال لفاعله) أي بعد عجزه عن إثابته أو مطلقا (جزاك الله خيرا) أي خير الجزاء أو أعطاك خيرا من خيري الدنيا والاخرة (فقد أبلغ في الثناء) أي بالغ في أداء شكره وذلك أنه اعترف بالتقصير وأنه ممن عجز عن جزائه وثنائه ففوض جزاءه إلى الله ليجزيه الجزاء الأوفى قال بعضهم إذا قصرت يداك بالمكافأة فليطل لسانك بالشكر والدعاء قوله (هذا حديث حسن جيد غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان قال المناوي في شرح الجامع الصغير إسناده صحيح (وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) لم أقف على ما
[ 157 ]
روي عن أبي هريرة بمثل حديث الباب نعم روى الترمذي وغيره عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يشكر الناس لم يشكر الله 28 كتاب الطب 1 باب ما جاء في الحمية بالكسر بالفارسية برهيز كردن حمي المريض ما يضره منعه إياه فاحتمى وتحمى امتنع وقال فيه الحمية بالكسر ما حمي من شئ قوله (عن يعقوب بن أبي يعقوب) المدني صدوق من الثالثة قوله (ولنا دوال معلقة) جمع دالية وهي العذق من البسر يعلق فإذا أرطب أكل (مه مه) أي أكفف وهو اسم فعل (فإنك ناقه) قال في القاموس نقه كفرح ومنع نقها ونقوها صح وفيه ضعف وأفاق فهو ناقه (فجعلت لهم سلقا وشعيرا) وفي رواية أبي داود وصنعت شعيرا وسلقا فجئت به والمعنى طبخت لهم سلقا وشعيرا والسلق بالكسر بالفارسية جقندر يعني من هذا فأصب من الاصابة أي أدرك من هذا أو كل منه
[ 158 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره (لا نعرفه إلا من حديث فليح بن سليمان) قال المنذري في قول الترمذي هذا نظر فقد رواه غير فليح ذكره الحافظ أبو القاسم الدمشقي انتهى قوله (وأبو داود) هو الطيالسي (عن أيوب بن عبد الرحمن) قال في التقريب أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة وقيل أيوب بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة صدوق من السادسة (عن أم المنذر الأنصارية) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أم المنذر الأنصارية إحدى خالات النبي صلى الله عليه وسلم صلت معه القبلتين وهي التي دخل عليها ومعه علي في قصة الدوالي والسلق والشعير روى عنها يعقوب بن أبي يعقوب المدني قال الطبراني اسمها سلمى بنت قيس وقال الترمذي هي أم المنذر بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ويقال هي سلمى بنت قيس أخت سليط من بني مازن بن النجار انتهى (وقال محمد بن بشار في حديثه حدثنيه أيوب بن عبد الرحمن) في كلام الترمذي هذا نظر فتفكر وتأمل قوله (حدثنا محمد بن يحيى هو الامام الذهلي (حدثنا إسحاق بن محمد الفروي) قال في التقريب إسحاق بن محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة الفروي المدني الأموي صدوق عف نساء حفظه من العاشرة انتهى
[ 159 ]
قوله (إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا) أي حفظه من متاع الدنيا ومناصبه أي حال بينه وبين ذلك بأن يبعده عنه ويعسر عليه (حصوله كما يظل أحدكم يحمي سقية الماء) أي شربه إذا كان يضره والأطباء تحمي شرب الماء في أمراض معروفة قوله (وفي الباب عن صهيب) أخرجه بن ماجة في باب الحمية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البيهقي في شعب الايمان والحاكم وقال صحيح ووهم ابن الجوزي قاله المناوي قوله (وقتادة بن النعمان الظفري) بمعجمة وفاء مفتوحين صحابي شهد بدرا 2 باب ما جاء في الدواء والحث عليه قوله (قال قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى) وفي رواية أبي داود قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطير فسلمت ثم قعدت فجاء الأعراب من ههنا وههنا فقالوا يا رسول الله أنتداوى (قال نعم يا عباد الله تداووا) فيه إثبات الطب والعلاج وأن التداوي مباح غير مكروه كما ذهب إليه بعض الناس قاله الخطابي وقال العيني فيه إباحة التداوي وجواز الطب وهو رد على الصوفية أن الولاية لا تتم إلا إذا رضي بجميع ما نزل به من البلاء ولا يجوز له مداوته وهو خلاف ما أباحه الشارع انتهى (فإنه لم يضع) أي لم يخلق (داء إلا وضع له شفاء
[ 160 ]
أو دواء) شك في الراوي (قال الهرم) بفتح الهاء والراء أي هو الهرم قال الخطابي جعل الهرم داء وإنما هو ضعف الكبر وليس هو من الأدواء التي هي أسقام عارضة للأبدان من قبل اختلاف الطبائع وتغير الأمزجة وإنما شبهه بالداء لأنه جالب التلف والأدواء التي قد يتعقبها الموت والهلاك انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي خزامة عن أبيه وابن عباس) أما حديث ابن مسعود فأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم والطحاوي ص 883 ج 2 وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري بلفظ ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء وأما حديث أبي خزامة عن أبيه فأخرجه أحمد وابن ماجة وأخرجه الترمذي أيضا في باب لا يرد الرقي والدواء من قدر الله شيئا وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي 683 ج 2 وأبو نعيم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجة 3 باب ما جاء ما يطعم المريض قوله (حدثنا محمد بن السائب بن بركة) المكي ثقة من السادسة (عن أمه) قال في التقريب أم محمد والدة محمد بن السائب بن بركة مقبول من الثالثة قوله (إذا أخذ أهله) بالنصب على المفعولية (لوعك) بالرفع على الفاعلية قال في النهاية الوعك الحمى وقيل ألمها (أمر بالحساء) بالفتح والمد وهو طبيخ يتخذ من دقيق وماء ودهن وقد يحلى ويكون رقيقا يحسى قال القاري وذكر بعضهم السمن بدل الدهن وأهل مكة يسمونه
[ 161 ]
بالحريرة (فحسوا منه) قال في القاموس حسا زيد المرق شربه شيئا بعد شئ (إنه ليرتو فؤاد الحزين) أي يشد قلبه ويقويه (ويسرو عن فؤاد السقيم) أي يكشف عن قلبه الألم ويزيله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة والحاكم (وقد روى الزهري عن عروة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا) ولفظه عند البخاري أنها كانت تأمر بالتلبين للمريض وللمحزون على الهالك وكانت تقول إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن التلبين تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن قوله (حدثنا بذلك الحسين الجريري أخبرنا أبو إسحاق الطالقاني عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري الخ) قال المزي كذا في النسخ يعني نسخ الترمذي ليس فيه عقيل قال الحافظ في الفتح وكذا أخرجه الاسماعيلي من رواية نعيم بن حماد ومن رواية عبد الله بن سنان كلاهما عن ابن المبارك ليس فيه عقيل وأخرجه أيضا من رواية علي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك بإثباته وهذا هو المحفوظ وكان لم يذكر فيه عقيلا جرى على الجاد لأن يونس مكثر عن الزهري وقد رواه عن عقيل أيضا الليث بن سعد وتقدم حديثه في كتاب الأطعمة انتهى قوله (حدثنا بذلك أبو إسحاق) كذا في النسخ الحاضرة عندنا ولم يظهر لي وجه وقوع هذا اللفظ ههنا فتفكر 4 باب ما جاء لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب قوله (حدثنا بكر بن يونس بن بكير) الشيباني الكوفي قال في التقريب ضعيف وقال في
[ 162 ]
الخلاصة قال البخاري منكر الحديث (عن موسى بن علي) بالتصغير رباح بن اللخمي البصري صدوق ربما أخطأ قاله الحافظ ووثقه النسائي وأبو حاتم وابن معين وغيرهم (عن أبيه) هو علي بن رباح قال في التقريب علي بن رباح ابن قصير اللخمي البصري ثقة والمشهور فيه علي بالتصغير وكان يغضب منها انتهى وقال في الخلاصة قال علي بن عمر الحافظ لقبه علي بالضم قوله (لا تكرهوا) نهي من الاكراه (مرضاكم) جمع مريض (على الطعام) أي على تناول الأكل والشرب (فإن الله تبارك وتعالى يطعمهم ويسقيهم) أي يمدهم بما يقع موقع الطعام والشراب ويرزقهم صبرا على ألم الجوع والعطش فإن الحياة والقوة من الله حقيقة لا من الطعام ولا الشراب ولا من جهة الصحة قال القاضي أي يحفظ قواهم ويمدهم بما يفيد فائدة الطعام والشراب في حفظ الروح وتقويم البدن ونظيره قوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني وإن كان ما بين الاطعامين والطعامين بونا بعيدا قوله (هذا حديث حسن غريب إلخ) وأخرجه ابن ما جة والحاكم وقد عرفت أن في سنده بكر بن يونس وهو ضعيف 5 باب ما جاء في الحبة السوداء أي الشونيز قوله (عليكم بهذه الحبة السوداء) أي الزموا استعمالها بأكل وغيره (فإن فيها شفاء من كل داء) يحدث من الرطوبة لكن لا تستعمل في داء صرفا بل تارة تستعمل مفردة وتارة مركبة بحسب ما يقتضيه المرض قاله المناوي (إلا السام) بمهملة غير مهموزة (والسام الموت) وفي رواية البخاري قال ابن شهاب السام الموت والحبة السوداء الشونيز
[ 163 ]
(قوله وفي الباب عن بريد وابن عمر وعائشة) أما حديث بريدة فأخرجه أبو نعيم في الطب وأخرج المستغفري في كتاب الطب عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الحبة السوداء فيها شفاء قال وفي لفظ قيل وما الحبة السوداء قال الشونين قال وكيف أصنع بها قال تأخذ إحدى وعشرين حبة فتصرها في خرقة ثم تضعها في ماء ليلة فإذا أصبحت قطرت في المنخر الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين فإذا كان من الغد قطرت في المنخر الأيمن اثنين وفي الأيسر واحدة فإذا كان في اليوم الثالث قطرت في الأيمن واحدة وفي الأيسر اثنتين كذا في فتح الباري وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد قال المناوي إسناده صحيح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وابن ماجة والحاكم تنبيه أحاديث الباب هل هي محمولة على عمومها أو أريد منها الخصوص فقال الخطابي هذا من عموم اللفظ الذي يراد به الخصوص وليس يجمع في طبع شئ من النبات والشجر جميع القوى التي تقابل الطبائع كلها في معالجة الأدواء على اختلافها وتباين طبعها وإنما أراد أنه شفاء من كل داء يحدث من الرطوبة والبرودة والبلغم وذلك أنه حار يابس فهو شفاء بإذن الله للداء المقابل له في الرطوبة والبرودة وذلك أن الدواء أبذأ بالمضاد والغذاء بالمشاكل انتهى وقال الطيبي ونظيره قوله تعالى في حق بلقيس وأوتيت من كل شئ وقوله تعالى تدمر كل شئ في إطلاق العموم وإرادة الخصوص انتهى وقيل هي باقية على عمومها وأجيب عن قول الخطابي ليس يجمع في طبع شئ الخ بأنه ليس من الله بمستنكر أن يجمع العالم في واحد وأما قول الطيبي ونظيره الخ ففيه أن الايتين يمنع حملهما على العموم على ما هو عند كل أحد معلوم وأما أحاديث الباب فحملها على العموم متعين لقوله صلى الله عليه وسلم فيها إلا السام كقوله تعالى إن الانسان لفي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات الاية قلت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث بريدة المذكور ما لفظه ويؤخذ من ذلك أن معنى كون الحبة شفاء من كل داء أنها لا تستعمل في كل داء صرفا بل ربما استعملت مفردة وربما استعملت مركبة وربما استعملت مسحوقة وغير مسحوقة وربما استعملت أكلا وشربا وسعوطا وضمادا وغير ذلك قال وقال أبو محمد بن أبي جمرة تكلم الناس في هذا الحديث وخصوا عمومه وردوه إلى
[ 164 ]
قول أهل الطب والتجربة ولا خفاء بغلط قائل ذلك لأنا إذا صدقنا أهل الطب ومدار علمهم غالبا إنما هو على التجربة التي بناؤها على ظن غالب فتصديق من لا ينطق عن الهوى أولى بالقبول من كلامهم انتهى قال وقد تقدم توجيه حمله على عمومه بأن يكون المراد بذلك ما هو أعم من الافراد والتركيب ولا محذور في ذلك ولا خروج عن ظاهر الحديث والله أعلم انتهى 6 باب ما جاء في شرب أبوال الابل أي للتداوي قوله (إن ناسا من عربنة الخ) تقدم هذا الحديث مطولا في باب بول ما يؤكل لحمه وتقدم هناك شرحه قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه ابن المنذر عنه مرفوعا عليكم بأبوال الابل فإنها نافعة لذربة بطونهم والذربة بفتح المعجمة وكسر الراء جمع ذرب والذرب بفتحتين فساد المعدة كذا في الفتح 7 باب ما جاء فيمن قتل نفسه بسم أو غيره قوله (حدثنا عبيدة) بفتح أوله (بن حميد) هو الكوفي المعروف بالحذاء قوله (أراه) بضم الهمزة أي أظنه (رفعه) أي رفع الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل
[ 165 ]
نفسه بحديدة) أي بالة من حديد (وحديدته) أي تلك بعينها أو مثلها (يتوجأ) بهمزة في اخره تفعل من الوجأ وهو الطعن بالسكين ونحوه والضمير في قوله (بها) للحديدة أي يطعن بها (بطنه) أي في بطنه (في نار جهنم) أي حال كونه في نار جهنم (ومن قتل نفسه بسم) وفي رواية مسلم ومن شرب سما فقتل نفسه والسم بضم السين وفتحها وكسرها ثلاث لغات أفصحهن الفتح وجمعه سمام قال في القاموس السم هذا القاتل المعروف (فسمه) مبتدأ (في يده يتحساه) بمهملتين بوزن يتغذى أي يشربه في تمهل ويتجرعه (في نار جهنم خالدا مخلدا) قال الحافظ قد تمسك به المعتزلة وغيرهم ممن قال بتخليد أصحاب المعاصي في النار وأجاب أهل السنة عن ذلك بأجوبة منها توهيم هذه الزيادة قال الترمذي بعد أن أخرجه رواه محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فلم يذكر خالدا مخلدا وكذا رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يشير إلى رواية الباب يعني رواية أبي هريرة التي رواها البخاري في أواخر الجنائز بلفظ الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار قال وهو أصح لأن الروايات قد صحت أن أهل التوحيد يعذبون ثم يخرج منها ولا يخلدون وأجاب غيره بحمل ذلك على من إستحله فإنه يصير باستحلاله كافرا والكافر مخلد بلا ريب وقيل ورد مورد الزجر والتغليظ وحقيقته غير مرادة وقيل المعنى إن هذا جزاءه لكن قد تكرم الله على الموحدين فأخرجهم من النار بتوحيدهم وقيل التقدير مخلدا فيها إلى أن يشاء الله وقيل المراد بالخلود طول المدة لا حقيقة الدوام كأنه يقول يخلد مدة معينة وهذا أبعدها انتهى كلام الحافظ
[ 166 ]
قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي (سمعت أبا صالح) اسمه ذكوان قوله (يجأ) بفتح أوله وتخفيف الجيم وبالهمز أي يطعن وقد تسهل الهمزة والأصل في يجأ يوجأ (ومن تردى من جبل) أي أسقط نفسه منه لما يدل عليه قوله فقتل نفسه على أنه تعمد ذلك وإلا فمجرد قوله تردى لا يدل على التعمد (خالدا) حال مقدرة (مخلدا فيها أبدا) تأكيد بعد تأكيد وقد تقدم بيان تمسك المعتزلة بهذا والجواب عنه قوله (هذا حديث صحيح) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه البخاري ومسلم والترمذي بتقديم وتأخير والنسائي ولأبي داود من حسا سما فسمه في يده يتحساه في نار جهنم انتهى (وهو) أي حديث شعبة عن الأعمش قال سمعت أبا صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ (أصح من الحديث الأول) أي من حديث عبيدة بن حميد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أراه رفعه الخ لأن عبيدة لم يتابعه أحد على روايته وأما شعبة فقد تابعه على روايته وكيع وأبو معاوية (هكذا روى هذا الحديث عن الأعمش الخ) أي بزيادة خالدا مخلدا فيها أبدا (وهكذا رواه أبو الزناد الخ) أي بغير ذكر خالدا مخلدا فيها أبدا ورواية أبي الزناد هذه وصلها البخاري في صحيحه كما ذكرنا (وهذا) أي حديث أبي هريرة الذي لم يذكر فيه خالدا مخلدا فيها أبدا (أصح) أي من حديثه الذي ذكرت فيها زيادة خالدا مخلدا فيها (لأن الروايات إنما تجئ بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها ولا يذكر أنهم يخلدون فيها) مقصود الترمذي أن هذه الزيادة وهم فإنها تخالف الروايات التي تجئ بأن أهل التوحيد يعذبون في النار ثم يخرجون منها
[ 167 ]
قلت هذه الزيادة زادها الأعمش وهو ثقة حافظ وزيادة الثقة مقبولة فتأويل هذه الزيادة أولى من توهيمها قوله (نهى عن الدواء الخبيث) قيل هو النجس أو الحرام أو ما يتنفر عنه الطبع (يعني السم) هذا تفسير الخبيث من أبي هريرة أو ممن دونه قال الحافظ في الفتح وحمل الحديث على ما ورد في بعض طرقه أولى وقد روي في اخر الحديث متصلا به يعني السم انتهى وقال الخطابي خبث الدواء يكون من وجهين أحدهما خبث النجاسة وهو أن يدخله المحرم كالخمر ونحوها من لحوم الحيوان غير المأكول اللحم و قد يصف الأطباء بعض الأبوال وعذره بعض الحيوان لبعض العلل وهي كلها خبيثة نجسة وتناولها محرم إلا ما خصت السنة من أبوال الابل وقد رخص فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفر عرينة وعكل وسبيل السنن أن يقر كل شئ منها في موضعه وأن لا يضرب بعضها ببعض وقد يكون خبث الدواء أيضا من جهة الطعم والمذاق ولا ينكر أن يكون كره ذلك لما فيه من المشقة على الطباع ولتكره النفس إياه والغالب أن طعوم الأدوية كريهة ولكن بعضها أيسر احتمالا وأقل كراهة انتهى قال الماوردي وغيره السموم على أربعة أضرب منها ما يقتل كثيره وقليله فأكله حرام للتداوي ولغيره كقوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فأكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويا ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله ومنها ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعله بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع به في التداوي والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم 8 باب ما جاء في كراهية التداوي بالمسكر قوله (إنه شهد) أي حضر قال في القاموس شهده كسمعه شهودا حضره انتهى (وسأله
[ 168 ]
سويد بن طارق أو طارق بن سويد) قال في تهذيب التهذيب طارق بن سويد ويقال سويد بن طارق الحضرمي ويقال الجعفي له صحبة حديثه عند أهل الكوفة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأشربة (عن الخمر) أي عن شربها أو صنعها (فنهاه) وفي رواية مسلم فنهاه أو كره أن يصنعها (فقال إنا لتتداوى بها) وفي رواية مسلم إنما أصنعها للدواء (إنها ليست بدواء ولكنها داء) وفي رواية ابن ماجة إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء قال النووي فيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها لأنها ليست بدواء فكأنه يتناولها بلا سبب وهذا هو الصحيح عند أصحابنا أنه يحرم التداوي بها وكذا يحرم شربها وأما إذا غص بلقمة ولم يجد ما يسيغها به إلا خمرا فيلزمه الاساغة بها لأن حصول الشفاء بها حينئذ مقطوع به بخلاف التداوي انتهى وقد أباح التداوي بها عند الضرورة بعضهم واحتج في ذلك بإباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعرينة التداوي بأبوال الابل وهي محرمة إلا أنها لما كانت مما يستشفي بها في بعض العلل رخص لهم في تناولها قال الخطابي قد فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأمرين اللذين جمعهما هذا القائل فنص على أحدهما بالحظر وعلى الاخر با باحة وهو بول الابل والجمع بين ما فرقه النص غير جائزا وأيضا فإن الناس كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها ويشفون بها ويتبعون لذتها فلما حرمت عليهم صعب عليهم تركها والنزوع عنها فغلظ الأمر فيها بإيجاب العقوبة على متناوليها ليرتدعوا وليكفوا عن شربها وحسم الباب في تحريمها على الوجوه كلها شربا وتداويا لئلا يستبيحوها بعلة التساقم والتمارض وهذا المعنى مأمون في أبوال الابل لانحسام الدواعي ولما على الطباع من المؤنة في تناولها ولما في النفوس من استقذارها والنكرة لها فقياس أحدهما على الاخر لا يصح ولا يستقيم انتهى قال الحافظ ابن القيم في الهدى المعالجة بالمحرمات قبيحة عقلا وشرعا أما الشرع فما ذكرنا من هذه الأحاديث (يعني حديث الباب وحديث أبي الدرداء عند أبي داود مرفوعا أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بالمحرم وحديث ابن مسعود عند البخاري إن الله لم يجعل شفائكم فيما حرم عليكم وحديث النهي عن الدواء الخبيث وغير ذلك) وأما العقل فهو أن الله سبحانه إنما حرمه لخبثه فإنه لم يحرم على هذه الأمة طيبا عقوبة لها كما حرمه على بني إسرائيل بقوله فبظلم
[ 169 ]
من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وإنما حرم على هذه الأمة ما حرم لخبثه وتحريمه لهم حمية لهم وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل فإنه وإن أثر في إزالتها لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب بقوة الخبث الذي فيه فيكون المداوى به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب وقد بسط ابن القيم الكلام ههنا بسطا حسنا من شاء الوقوف عليه فليراجع الهدى تنبيه قال العنبي في العمدة الاستشفاء بالحرام جائز عند التيقن بحصول الشفاء كتناول الميتة في المخمصة والخمر عند العطش وإساغة اللقمة وإنما لا يباح ما لا يستيقن حصول الشفاء به وقال إذا فرضنا أن أحدا عرف مرض شخص بقوة العلم وعرف أنه لا يزيله إلا تناول المحرم يباح له حينئذ أن بتناوله كما يباح شرب الخمر عند العطش الشديد وتناول الميتة عند المخمصة قلت دفع العطش وانحدار اللقمة بشرب الخمر متيقن وأما حصول الشفاء بالتداوي ولو بالحلال فليس بمتيقن فقياس التداوي بالحرام على شرب الخمر عند العطش الشديد وانحدار اللقمة فاسد الاعتبار قال الشيخ ابن العابدين في رد المحتار ما محصله إن إساغة اللقمة بالخمر ودفع العطش به متحقق النفع ولذلك من لم يسغ اللقمة ولم يدفع العطش عند وجود الخمر ومات يأثم بخلاف التداوي وإن كان بالحلال فإنه ليس بمتحقق النفع بل مظنون النفع ولذلك من ترك التداوي ومات لا يأثم انتهى وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي فإن قيل التداوي حال ضرورة والضرورة تبيح المحظور فالتداوي بالحرام مباح قلنا التداوي ليس حال ضرورة وإنما الضرورة ما يخاف معه الموت من الجوع فأما التطبب في أصله فلا يجب فكيف يباح فيه الحرام انتهى محصلا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة 9 باب ما جاء في السعوط وغيره السعوط بفتح السين وضم العين المهملتين ما يجعل في الأنف مما يتداوى به قوله (حدثنا محمد بن مدويه) هو محمد بن أحمد بن مدوية بميم وتثقيل القرشي (اخبرنا
[ 170 ]
عبد الرحمن بن حماد) بن شعيب الشعيئي أبو سلمة العنبري البصري صدوق ربما أخطأ من صغار التاسعة (أخبرنا عباد بن منصور) الناجي أبو سلمة البصري القاضي صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير باخره من السادسة قوله (إن خير ما تداويتم به السعوط) قال الحافظ في الفتح استعط أي استعمل السعوط هو أن يستلقي على ظهره ويجعل بين كتفيه ما يرفعهما لينحدر برأسه ويقطر في أنفه ماء أو دهن فيه دواء مفرد أو مركب ليتمكن بذلك من الوصول إلى دماغه لاستخراج ما فيه من الداء بالعطاس انتهى (واللدود) بفتح اللام هو الدواء الذي يصب في أحد جانبي المريض ويسقاه أو يدخل هناك بأصبع وغيرها ويحنك به قال النووي (الحجامة) بكسر أوله بمعنى الاحتجام (والمشي) بفتح فكسر فتشديد تحتية فعيل من المشي وفي بعض نسخ المشكاة بضم فبكسر وجوزه في المغرب وقال وهو ما يؤكل أو يشرب طلاق البطن قال التوربشتي وإنما سمي الدواء المسهل مشيا لأنه يحمل شاربه على المشي والتردد إلى الخلاء (لده أصحابه) أي جعلوا في جانب فمه دواء بغير اختباره وهذا هو اللدود فأما ما يصب في الحلق فيقال له الوجود وقد وقع عند الطبراني من حديث العباس أنهم أذابوا قسطا أي بزيت فلدوه به (فلما فرغوا قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (لدوهم) بصيغة الأمر (قال) أي ابن عباس (فلدرا) بصيغة الماضي المجهول وفي حديث عائشة عند الشيخين لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فأشار أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال لا يبقى منكم أحد إلا لد غير العباس فإنه لم يشهدكم اللفظ لمسلم قال النووي إنما أمر صلى الله عليه وسلم بلدهم عقوبة لهم حين خالفنه في إشارته إليهم لا تلدوني ففيه أن الاشارة المفهمة كصريح العبارة في نحو هذه المسألة وفيه تعزير المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به إلا أن يكون فعلا محرما انتهى قيل وإنما كره اللد مع أنه كان يتداوى لأنه تحقق أنه يموت في مرضه ومن حقق ذلك كره له التداوي قال الحافظ وفيه نظر والذي يظهر أن ذلك كان قبل التخيير والتحقق وإنما أنكر التداوي لأنه كان غير ملائم لدائه لأنهم ظنوا أن به ذات الجنب فداووه بما يلائمه ولم يكن به ذلك كما هو ظاهر في سياق الخبر كما ترى
[ 171 ]
قوله (وخير ما أكتحلتم به) بالنصب وجوز رفعه (الإثمد) بكسر الهمزة والميم بينهما ثاء مثلثة ساكنة وحكى فيه ضم الحمرة حجر معروف أسود يضرب إلى الهمزة يكون في بلاد الحجاز وأجوده يؤتى من أصبهان قاله الحافظ وقال التوربشتي هو الحجر المعدني وقيل هو الكحل الأصفهاني ينشف الدمعة والقروح ويحفظ صحة العين ويقوي غصنها لا سيما للشيوخ والصبيان (فإنه) أي الاثمد أو الاكتحال به (يجلو البصر) من الجلاء أي يحسن النظر ويزيد نور العين وينظف الباصرة لدفع الردية النازلة إليها من الرأس (ينبت) من الانبات (الشعر) بفتح الشين والعين المهملة ويجوز إسكانها والمراد به هنا الهدب وهو بالفارسية شره وهو الذي ينبت على أشفار العين (مكحلة) بضمتين بينهما ساكنة اسم الة الكحل وهو الميل على خلاف القياس والمراد منها ههنا ما فيه الكحل (يكتحل بها) كذا في النسخ الموجودة بها وفي جميع روايات الشمائل منها فالباء بمعنى من كما قيل في قوله تعالى يشرب بها عباد الله قوله (هذا حديث حسسن غريب) وأخرجه الترمذي في باب الحجامة 10 باب ما جاء في كراهية الكي قال في القاموس كواه يكويه كيا أحرق جلد بحديدة ونحوها وهي المكواة والكية موضع الكي والكاوياء ميسم واكتوى استعمل الكي في بدنه انتهى قوله (نهي عن الكي) قال الحافظ في الفتح النهي فيه محمول على الكراهة أو على خلاف الأولى لما يقتضيه مجموع الأحاديث وقيل إنه خاص بعمران لأنه كان به الباسور وكان موضعه
[ 172 ]
خطرا فنهاه عن كيه فلما اشتد عليه كواه فلم ينجح وقال ابن قتيبة الكي نوعان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر والقدر لا يدافع والثاني كي الجرح إذا نغل أي فسد والعضو إذا قطع فهو الذي يشرع التداوي به فإن كان الكي لأمر محتمل فهو خلاف الأولى لما فيه من تعجيل التعذيب بالنار لأمر غير محقق وحاصل الجمع أن الفعل يدل على الجواز وعدم الفعل لا يدل على المنع بل يدل على أن تركه أرجح من فعله وكذا الثناء على تاركه وأما النهي عنه فإما على سبيل الاختيار والتنزيه وإما عما لا يتعين طريقا إلى الشفاء انتهى كلام الحافظ (فما أفلحنا ولا أنجحنا) من الانجاح أي فما فزنا ولا صرنا ذانجح وفي رواية أبي داود فما أفلحن ولا أنجحن بنون الأناث فيهما يعني تلك الكيات التي اكتوينا بهن وخالفنا النبي صلى الله عليه وسلم وفي فعلهن وكيف يفلح وينجح شئ خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات الأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال المنذري في تصحيح الترمذي نظر فقد ذكر غير واحد من الائمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث سنده قوي قوله (حدثنا عبد القدوس بن محمد) بن عبد الكبير بن شعيب بن الحجاب العطار البصري صدوق من الحادية عشر (أخبرنا عمرو بن عاصم) هو الكلابي القيسي أبو عثمان البصري (أخبرنا همام) هو ابن يحيى الأزدي العوذي قوله (نهينا) بصيغة المجهول وهو في حكم المرفوع كما تقرر في مقره أي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعقبة بن عامر وابن عباس) أما حديث ابن مسعود وحديث عقبة بن عامر فأخر جهما الطحاوي في معاني الاثار وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الشفاء في ثلاث في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنا أنهى أمتي عن الكي
[ 173 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الطحاوي في معاني الاثار 11 باب ما جاء في الرخصة في ذلك أي في الكي قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى) أي بيده أو أمر بأن يكوي أحد (أسعد) بفتح الهمزة والعين بينهما مهملة (ابن زرارة) بضم الزاي وفتح الراءين بينهما ألف وفي اخره تاء (من الشوكة) أي من أجلها وهي على ما في النهاية حمرة تعلو الوجه والجسد والحديث على الرخصة في الكي وقد تقدم وجه الجمع بين احاديث هذا الباب وأحاديث الباب المتقدم في كلام الحافظ وقال الشوكاني في النيل قد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله سبحانه وتعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على تركه كحديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين وما أحب أن أكتوي فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة قوله (وفي الباب عن أبي وجابر) أخرج أحمد ومسلم عن جابر قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه وعن جابر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين رواه ابن ماجه وروى مسلم معناه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطحاوي في معاني الاثار
[ 174 ]
12 باب ما جاء في الحجامة في المصباح حجمه الحاجم حجما من باب قتل شرطه واسم الصناعة حجامة بالكسر انتهى والشرط بالفارسية نشترزون قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل) قال الشوكاني في النيل قال أهل اللغة الأخدعان عرقان في جانبي العنق يحجم منه والكاهل ما بين الكتفين وهو مقدم الظهر قال ابن القيم في الهدى الحجامة على الأخدعين تنفع من أمراض الرأس وأجزائه كالوجه والأسنان والأذنين والعينين والأنف إذا كان حدوث ذلك من كثرة الدم أو فساده أو منهما جميعا قال والحجامة لأهل الحجاز والبلاد الحارة لأن دماءهم رقيقة وهي أميل إلى ظاهر أبدانهم لجذب الحرارة الخارجية إلى سطح الجسد واجتماعهما في نواحي الجلد ولأن مسام أبدانهم واسعة ففي القصد لهم خطر انتهى وقال أهل العلم بالطب فصد الباسليق ينفع حرارة الكبد والطحال والرئة ومن الشوصة وذات الجنب وسائر الأمر اض الدموية العارضة من أسفل الركبة إلى الورك وفصد الأكحل ينفع الامتلاء العارض في جميع البدن إذا كان دمويا ولا سيما إن كان فسد وفصد القيفال ينفع من علل الرأس والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وقصد الودجين لوجع الطحال والربو ووجع الجبين والحجامة على الكاهل تنفع من وجع المنكب والحلق وتنوب عن فصد الباسليق والحجامة على الأخدعين تنفع من كإمراض الرأس والوجه كالأذنين والعينين و الأسنان والأنف والحلق وتنوب عن فصد القيفال والحجامة تحت الذقن تنفع من وجع الأسنان والوجه والحلقوم وتنقي الرأس والحجامة على ظهر القدم تنوب عن فصد الصافن وهو عرق عند الكعب وتنفع من قروح الفخدين والساقين وانقطاع الطمث والحكة العارضة في الأنثيين والحجامة على أسفل الصدر نافعة من دماميل الفخد و جربه وبثوره ومن النقرس والبواسير وداء الفيل وحكة الظهر ومحل ذلك كله إذا كان عن دم هائج وصادف وقت الاحتياج إليه والحجامة على المقعدة تنفع الأمعاء وفساد الحيض (وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين) قد عقد البخاري بابا في صحيحه بلفظ باب أي ساعة يحتجم وذكر فيه أثر أبي موسى أنه احتجم ليلا
[ 175 ]
وحديث ابن عباس احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم قال الحافظ ورد في الأوقات اللائقة بالحجامة أحاديث ليس فيها شئ على شرطه فكأنه أشار إلى أنها تصنع عند الاحتياج ولا تتقيد بوقت دون وقت لأنه ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وهو يقتضي كون ذلك وقع منه نهارا وعند الأطباء أن أنفع الحجامة ما يقع في الساعة الثانية أو الثالثة وأن لا يقع عقب استفراغ عن جماع أو حمام أو غيرهما ولا عقب شبع ولا جوع وقد ورد في تعيين الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند ابن ماجة رفعه في أثناء حديث وفيه فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت والأحد أخرجه من طريقين ضعيفين وله طريق ثالثة ضعيفة أيضا عند الدارقطني في الأفراد وأخرجه بسند جيد عن ابن عمر موقوفا ونقل الخلال عن أحمد أنه كره الحجامة في الأيام المذكورة وإن كان الحديث لم يثبت وحكى أن رجلا احتجم يوم الأربعاء فأصابه برص لكونه تهاون بالحديث وأخرج أبو داود من حديث أبي بكرة أنه كان يكره الحجامة يوم الثلاثاء وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الثلاثاء يوم الدم وفيه ساعة لا يرقأ فيها وورد في عدد من الشهر أحاديث منها ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء وهو من رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل بن أبي صالح وسعيد وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه وله شاهد من حديث ابن عباس عند أحمد والترمذي ورجاله ثقات لكنه معلول وله شاهد آخر من حديث أنس عند ابن ماجة وسنده ضعيف وهو عند الترمذي من وجه اخر عن أنس لكن من فعله صلى الله عليه وسلم ولكون هذه الأحاديث لم يصح منها شئ قال حنبل بن إسحاق كان أحمد يحتجم أي وقت هاج به الدم وأي ساعة كانت وقد اتفق الأطباء على أن الحجامة في النصف الثاني من الشهر ثم في الربع الثالث من أرباعه أنفع من الحجامة في أوله وآخره قال الموفق البغدادي وذلك أن الأخلاط في أول الشهر تهيج وفي آخره تسكن فأولى ما يكون الاستفراغ في أثنائه قوله (وفي الباب عن ابن عباس ومعقل بن يسار) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وروى البخاري عنه قال احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم في رأسه من شقيقة كانت به وله في هذا الباب غير هذين الحديثين وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد عنه مرفوعا الحجامة يوم الثلاثاء لسبع عشرة من الشهر دواء لداء السنة وليس إسناده بذاك كذا في المنتقي
[ 176 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وفي النيل قال النووي عند الكلام على هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم وصححه الحاكم أيضا ولكن ليس في حديث أبي داود المذكور الزيادة وهي قوله وكان يحتجم لسبع عشرة الخ انتهى قوله (حدثنا محمد بن فضيل) هو الضبي مولاهم الكوفي (حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق) هو أبو شيبة الواسطي (عن القاسم بن عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن مسعود) قال في التقريب القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود المسعودي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة عابد من الرابعة (عن أبيه) أي عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود الهذلي الكوفي ثقة من صغار الثانية مات سنة تسع وسبعين وقد سمع من أبيه قاله في التقريب قوله (حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة) بالجر منونة ويجوز فتحها مضافة إلى قوله (أسرى به) على بناء المفعول (أنه لم يمر على ملإ) أي جماعة عظيمة تملأ العين (أن) تفسيرية (مر) أمر مخاطب من أمر يأمر قال القاري بيان للأمر الذي اتفق عليه الملأ الأعلى والأمر للندب ويدل على تأكيده أمرهم جميعا وتقريره صلى الله عليه وسلم ونقله عنهم والظاهر أنه بأمر من الله لهم أيضا (أمتك بالحجامة) قال أهل المعرفة إن المخاطب بأحاديث الحجامة غير الشيوخ لقلة الحرارة في أبدانهم وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن ابن سيرين قال إذا بلغ الرجل أربعين سنة لم يحتجم قال الطبري وذلك لأنه يصير من حينئذ في انتقاص من عمره وانحلال من قوة جسده فلا ينبغي أن يزيده وهنا بإخراج الدم انتهى وهو محمول على من لم تتعين حاجته إليه وعلى من لم يعتده وقد قال ابن سينا في أرجوزته ومن يكون تعود الفصادة فلا يكن يقطع تلك العادة إ ثم أشار إلى أنه يقلل ذلك بالتدريج إلى أن ينقطع جملة في عشر الثمانين وقال ابن سينا في أبيات أخرى
[ 177 ]
ووفر على الجسم الدماء فإنها لصحة جسم من أجل الدعائمإ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس قوله (فكان اثنان يغلان عليه وعلى أهله) بضم التحتية وكسر المعجمة من الاغلال أي يعطيان الغلة وهي ما يحصل من أجرة العبد قال في القاموس الغلة الدخلة من كراء دار وأجرة غلام وفائدة أرض انتهى (ويخف) من الاخفاف (الصلب) أي الظهر (ويجلو عن البصر) القذي والرمص ونحو ذلك (وقال) أي ابن عباس (إن رسول الله صلى الله عليه و سلم حين عرج به) أي حين أسرى به إلى السماء (ما مر) أي هو (عليك بالحجامة) أي الزمها لزوما مؤكدا (إن خير ما تحتجمون فيه) أي من الأيام (يوم سبع عشرة) لفظ يوم مضاف مرفوع على أنه خبر إن (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لده العباس) هذا مخالف لما في حديث عائشة عند الشيخين لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم فما في الصحيحين أصح وأرجح (فكلهم أمسكوا) أي أسكتوا ففي القاموس أمسك عن الكلام سكت (غير عمه العباس) قيل لأنه كان صائما أو لتكريمه قلت علة عدم لدود العباس مصرحة في حديث عائشة بقوله فإنه لم يشهدكم فهي المعتمد عليها (قال النضر اللدود الوجود) جعل النضر اللدود والوجود واحدا وفرق بينهما الحافظ كما عرفت وهو الصحيح قوله (وفي الباب عن عائشة) لينظر من أخرجه
[ 178 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم بتمامه مفرقا في ثلاثة أحاديث وقال في كل منهما صحيح الإسناد كذا في الترغيب للمنذري 13 باب ما جاء في التداوي بالحناء قوله (أخبرنا فائد مولى لال أبي رافع) قال في التقريب فائد مولى عبادل باللام صدوق انتهى وقال فيه عبيد الله بن علي بن أبي رافع المدني يعرف بعبادل ويقال فيه علي بن عبيد الله لين الحديث وقال في الخلاصة فائد مولى عبادل وهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع وعبادل لقبه ويقال فيه علي بن عبيد الله والصواب عبيد الله بن علي روى عن جدته أم رافع وعنه مولاه فائد وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم لا يحتج به وليس بمنكر الحديث وقال ابن معين لا بأس به (عن جدته) سلمى أم رافع زوج أبي رافع لها صحبة قوله (ما كان) أي الشأن (يكون) أي يوجد ويقع (برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة) قال الطيبي يحتمل أن يكون الثاني زائدا وأن يكون غير زائد بالتأويل أي ما كان قرحة تكون برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى والقرحة بفتح القاف ويضم جراحة من سيف وسكين ونحوه ومنه قوله تعالى إن يمسسكم قرح وقد قرئ فيه بالوجهين والأكثر على الفتح (ولا نكبة) بفتح النون جراحة من حجر أو شوك ولا زائدة للتأكيد (أن أضع عليه الحناء) لأنه ببرودته يخفف حرارة الجراحة وألم الدم قوله (هذا حديث غريب) لم يحكم عليه الترمذي بشئ من الصحة أو الحسن أو
[ 179 ]
الضعف والظاهر أنه حديث حسن والله تعالى أعلم والحديث أخرجه ابن ماجه أيضا قوله (وعبيد الله بن علي أصح) من علي بن عبيد الله وقال الحافظ في التقريب علي بن عبيد الله بن أبي رافع الصواب عبيد الله بن علي بن أبي رافع 14 باب ما جاء في كراهية الرقية بضم الراء وسكون القاف قال الجزري في النهاية الرقية العوذة التي يرقى بها صاحب الافة كالحمى والصرع وغير ذلك من الافات قوله (عن عقار بن المغيرة بن شعبة) قال في التقريب عقار بفتح أوله وتشديد القاف واخره راء ابن المغيرة بن شعبة الثقفي الكوفي صدوق من الثالثة قوله (من اكتوى أو استرقى فهو برئ من التوكل) لفعله ما الأولى التنزه عنه وهذا فيمن فعل معتمدا عليها لا على الله قاله المناوي قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وابن عباس وعمران بن حصين) أما حديث ابن مسعود فأخر أبو داود بطوله وفيه إن الرقى والتمائم والتولة شرك الحديث وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في صفة القيامة بعد باب صفة أواني الحوض وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الطحاوي عنه مرفوعا يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب قيل يا رسول من هم قال هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون
[ 180 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وأحاديث الباب تدل على كراهة الرقية وفي الباب أحاديث أخرى وسيأتي في الباب الاتي وجه الجمع بينها وبين الأحاديث التي تدل على جواز الرقية 15 باب ما جاء في الرخصة في ذلك قوله (رخص في الرقية من الحمة) قال الجزري بالتخفيف السم وقد يشدد وأنكره الأزهري ويطلق على إبرة العقرب للمجاورة لأن السم منها يخرج وأصلها حمو أو حمي بوزن صرد والهاء فيها عوض من الواو المحذوفة أو الياء انتهى (والعين) أي ومن إصابة عين الجن أو الإنس (والنملة) بفتح النون وسكون الميم قال الجزري النملة قروح تخرج في الجنب انتهى قال التوربشتي الرخصة إنما تكون بعد النهي وكان صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الرقي لما عسى أن يكون فيها من الألفاظ الجاهلية فانتهى الناس عن الرقي فرخص لهم فيها إذا عريت عن الألفاظ الجاهلية انتهى وحديث أنس هذا أخرجه أيضا أحمد ومسلم وابن ماجة قوله (عن يوسف بن عبد الله بن الحارث) الأنصاري مولاهم كنيته أبو الوليد البصري ثقة من الخامسة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبيه وأنس بن مالك وغيرهما وعنه عاصم الأحول وغيره انتهى قوله (وهذا) أي حديث يحيى بن ادم وأبي نعيم عن سفيان عن عاصم عن يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أنس (أصح من حديث معاوية بن هشام عن سفيان) أي عن عاصم
[ 181 ]
الأحوال عن عبد الله بن الحارث الخ قوله (وفي الباب عن بريدة وعمران بن حصين وجابر وعائشة وطلق بن علي وعمرو بن حزم وأبي خزامة عن أبيه) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم وابن ما جة بلفظ لا رقية إلا من عين أو حمة وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقي فجاء ال عمرو بن حزم فقالوا يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب وأنت نهيت عن الرقي فعرضوها عليه فقال ما أرى بها بأسا من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسترقى من العين ولها حديث اخر أخرجه الشيخان أيضا قالت رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية من كل ذي حمة وأما حديث طلق بن علي فأخرجه الطحاوي عنه قال كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلدغتني عقرب فجعل يمسحها ويرقيه وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه ابن ماجة عنه قال عرضت أو أعرضت النهشة من الحية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها وأما حديث أبي خزامة عن أبيه فأخرجه الترمذي في باب لا ترد الرقى والدواء من قد ر الله شيئا قوله (لا رقية إلا من عين أو حمة) ليس معناه أنه لا يجوز الرقية من غيرهما لأنه قد ثبت الرقية من غيرهما إنما معناه لا رقية أولى وأنفع منهما والحديث أخرجه أيضا أحمد وأبو داود قوله (وروى شعبة هذا الحديث عن حصين عن الشعبي عن بريدة) ووقع في بعض النسخ عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله بعد قوله عن بريدة قال البخاري في صحيحه في باب من أكتوى حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا ابن فضيل قال حدثنا حصين عن عامر عن عمران بن حصين قال لا رقية إلا من عين أو حمة فذكرته لسعيد بن جبير فقال حدثنا ابن عباس فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضت على الأمم الحديث قال الحافظ قوله عن عمران بن حصين قال لا رقية إلا من عين أو حمة كذا رواه محمد بن فضيل عن حصين موقوفا ووافقه هشيم وشعبة عن حصين على
[ 182 ]
وقفه ورواية هشيم عند أحمد ومسلم ورواية شعبة عند الترمذي تعليقا ووصلها بن أبي شيبة ولكن قالا عن بريدة بدل عمران ابن حصين وخالف الجميع مالك بن مغول عن حصين فرواه مرفوعا وقال عن عمران بن حصين أخرجه أحمد وأبو داود وكذا قال ابن عيينة عن حصين أخرجه الترمذي وكذا قال إسحاق بن سليمان عن حصين أخرجه ابن ماجة انتهى وأحاديث الباب تدل على جواز الرقية فهي مخالفة لأحاديث النهي المتقدمة في الباب المتقدم قال الحافظ ابن الأثير الجزري في النهاية وجه الجمع بينهما أن الرقي يكره منها ما كان بغير اللسان العربي وبغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة وأن يعتقد أن الرقيا نافعة لا محالة فيتكل عليها وإياها أراد بقوله ما توكل من استرقى ولا يكره منها ما كان في خلاف ذلك كالتعوذ بالقران وأسماء الله تعالى والرقى المروية ولذلك قال للذي رقى بالقران وأخذ عليه أجرا من أخذ برقية باطل فقد أخذ ت برقية حق وكقوله في حديث جابر إنه عليه الصلاة والسلام قال اعرضوها على فعرضناها فقال لا بأس بها إنما هي مواثيق كأنه خاف أن يقع فيها شئ مما كانوا يتلفظون به ويعتقدونه من الشرك في الجاهلية وما كان بغير اللسان العربي مما لا يعرف له ترجمة ولا يمكن الوقوف عليه فلا يجوز استعماله وأما قوله لا رقية إلا من عين أو حمة فمعناه لا رقية أولى وأنفع وهذا كما قيل لا فتى إلا علي وقد أمر عليه الصلاة والسلام غير واحد من أصحابه بالرقية وسمع بجماعة يرقون فلم ينكر عليهم وأما الحديث الاخر في صفة أهل الجنة الذين يدخلونها بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فهذه من صفة الأولياء المعرضين عن أسباب الدنيا الذين لا يلتفتون إلى شئ من علائقها وتلك درجة الخواص لا يبلغها غيرهم فأما العوام فمرخص لهم في التداوي والمعالجات ومن صبر على البلاء وانتظر الفرج من الله بالدعاء كان من جملة الخواص ومن لم يصبر رخص له في الرقية والعلاج والدواء ألا ترى أن الصديق لما تصدق بجميع ماله لم ينكر عليه علما منه بيقينه وصبره ولما أتاه الرجل بمثل بيضة الحمام من الذهب وقال لا أملك غيره ضربه به بحيث لو أصابه لعقره وقال فيه ما قال انتهى ما قاله الجزري في النهاية 16 باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين قوله (يتعوذ من الجان وعين الانسان) أي يقول أعوذ بالله من الجان وعين الانسان (حتى
[ 183 ]
نزلت المعوذتا أي قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس (أخذ بهما وترك ما سواهما) مما كان يتعوذ به من الكلام غير القران لما تضمنتاه من الاستعاذة من كل مكروه قوله (وفي الباب عن أنس) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن ماجة والضياء 17 باب ما جاء في الرقية من العين قال في النهاية يقال أصابت فلانا عين إذا نظر إليه عدو أو حسود فأثرت فيه فمرض بسببها يقال عانه يعينه عينا فهو عائن إذا أصابه بالعين والمصاب معين انتهى قوله (عن عروة وهو أبو حاتم بن عامر) قال في التقريب عروة بن عامر المكي مختلف في صحبته له حديث في الطيرة وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (عن عبيدة بن رفاعة الزرقي) ويقال فيه عبيد الله ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وثقه العجلي قوله (أن أسماء بنت عميس) بالتصغير (إن ولد جعفر) قال القاري بضم واو فسكون لام وفي نسخة يعني من المشكاة بفتحهما أي أولاد جعفر منها أو من غيرها (تسرع) بضم التاء وكسر الراء ويفتح أي تعجل (إليهم العين) أي تؤثر فيهم سريعا لكمال حسنهم الصوري والمعنوي والعين نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر قاله الحافظ (أفأسترقي لهم) أي أطلب الرقية أو من يرقي لهم (فإنه) تعليل للجواب ومعناه نعم
[ 184 ]
استرقى عن العين فإنها أولى وأحرى بأن تسترقي (لو كان شئ سابق القدر) أي غالبه في السبق (لسبقته العين) أي لغلته العين قال الطيبي المعنى إن فرض شئ له قوة وتأثير عظيم سبق القدر لكان عينا والعين لا يسبق فكيف بغيرها انتهى ومذهب أهل السنة أن العين يفسد ويهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص اخر قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين الخ) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي في باب الرخصة في الرقية وأما حديث بريدة فقد تقدم تخريجه في الباب المذكور قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة والطحاوي 18 باب قوله (يقول أعيذكما) هذا بيان وتفسير لقوله يعوذ (بكلمات الله) قيل هي القران وقيل أسماؤه وصفاته (التامة) قال الجزري إنما وصف كلام الناس وقيل معنى التمام ههنا أنها تنفع المتعوذ بها وتحفظه من الافات وتكفيه انتهى (من كل شيطان وهامة) الهامة كل ذات سم يقتل والجمع الهوام فأما ما يسم ولا يقتل فهو السامة كالعقرب والزنبور وقد يقع الهوام على ما يدب من الحيوان وإن لم يقتل كالحشرات كذا في النهاية (ومن كل عين لامة) أي من عين تصيب بسوء
[ 185 ]
قال في النهاية اللهم طرف من الجنون يلم با نسان أي يقرب منه ويعتريه ومنه حديث الدعاء أعوذ بكلمات الله التامة من شر كل سامة ومن كل عين لامة أي ذات لمم ولذلك لم يقل ملمة وأصلها من ألممت بالشئ ليزاوج قوله من شر كل سامة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة 19 باب ما جاء أن العين حق أي الاصابة بالعين شئ ثابت موجود أو هو من جملة ما تحقق كونه قال المازري أخذ الجمهور بظاهر الحديث وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى لأن كل شئ ليس محالا في نفسه ولا يؤدي إلى قلب حقيقة ولا إفساد دليل فهو من متجاوزات العقول فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن نكاره معنى وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الاخرة قوله (أبو حفص عمرو بن علي) هو الفلاس الصيرفي الباهلي البصري (أخبرنا يحيى بن كثير) بن درهم (أبو غسان العنبري) مولاهم البصري ثقة من التاسعة ووقع في النسخة الأحمدية أخبرنا يحيى بن كثير أخبرنا أبو غسان العنبري بزيادة لفظ نا بين أخبرنا يحيى بن كثير وأبو غسان العنبري وهو غلط (أخبرنا علي بن المبارك) هو الهنائي (عن يحيى بن كثير) هو الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي (حدثني حية بن حابس) بمهملتين وقبل السين موحدة التميمي مقبول من الثالثة ووهم من زعم أن له صحبة كذا في التقريب (حدثني أبي) أي حابس التميمي قال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه إبنه حية حديث لا شئ في الهام صرح البخاري بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم وتبعه أبو حاتم وذكره البغوي في الصحابة وقال لا أعلم
[ 186 ]
له غير هذا الحديث انتهى قوله (لا شئ في الهام) أي لا شئ مما يعتقدون في الهام قال النووي الهامة هي بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور يره وقيل بتشديدها قاله جماعة وحكاه القاضي عن أبي زيد الأنصاري الامام في اللغة قال وفيها تأويلان أحدهما أن العرب كانت تتشاءم بها وهي الطائر المعروف من طير الليل وقيل هي البومة قالوا كانت إذا سقطت على دار احدهم فراها ناعية له نفسه أو بعض أهله وهذا تفسير مالك بن أنس والثاني أن العرب كانت تعتقد أن عظام الميت وقيل روحه ينقلب هامة تطير وهذا تفسير أكثر العلماء وهو المشهور ويجوز أن يكون المراد النوعين فإنهما جميعا باطلان فبين النبي صلى الله عليه وسلم إبطال ذلك وضلالة الجاهلية فيما يعتقده من ذلك (والعين) أي أثرها (حق) لا بمعنى أن لها تأثيرا بل بمعنى أنها سبب عادي كسائر الأسباب العادية بخلق الله تعالى عند نظر العائن إلى شئ وإعجابه ما شاء من ألم أو هلكة قال المازري وقد زعم بعض الطبائعيين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعين فيهلك أو يفسد قالوا ولا يمتنع هذا كما لا يمتنع انبعاث قوة سمية من الأفعى والعقرب تتصل باللديغ فيهلك وإن كان غير محسوس لنا فكذا العين قال وهذا غير مسلم لأنا بينا في كتب علم الكلام أن لا فاعل إلا الله تعالى وبينا فساد القول بالطبائع وبينا أن المحدث لا يفعل في غيره شيئا وإذا تقرر هذا بطل ما قالوه ثم تقول هذا المنبعث من العين إما جوهر وإما عرض فباطل أن يكون عرضا لأنه لا يقبل الانتقال وباطل أن يكون جوهرا لأن الجواهر متجانسة فليس بعضها بأن يكون مفسدا لبعضها بأولى من عكسه فبطل ما قالوه قال أو قرب طريقه قالها من ينتحل الاسلام منهم أن قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية من العين فتتصل بالمعين وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه وتعالى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السم عادة أجراها الله تعالى وليست ضرورة ولا طبيعة إلجاء العقل إليها ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى أجرى الله سبحانه وتعالى العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص اخر وهل ثم جواهر خفية أم لا هذا من مجوزات العقول لا يقطع فيه بواحد من الأمرين وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وبأضافته إلى الله تعالى فمن قطع من أطباء الاسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه وإنما هو من الجائزات
[ 187 ]
قوله (حدثنا أحمد بن إسحاق) بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي أبو إسحاق البصري ثقة كان يحفظ من التاسعة (أخبرنا وهيب) بالتصغير ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغير قليلا باخره من السابعة كذا في التقريب (عن ابن طاوس) هو عبد الله بن طاوس بن كيسان اليماني أبو محمد ثقة فاضل عابد من السادسة قوله (لو كان شئ سابق القدر) بالتحريك أي لو أمكن أن يسبق شئ القدر في إفناء شئ وزواله قبل أوانه المقدر له (لسبقته) أي القدر (العين) لكنها لا تسبق القدر فإنه تعالى قدر المقادير قبل الخلق قال الحافظ جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين لا أنه يمكن أن يرد القدر شئ إذ القدر عبارة عن سابق علم الله وهو لاراد لأمره وحاصله لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين لكنها لا تسبق فكيف غيرها انتهى قال النووي فيه إثبات القدر وهو حق بالنصوص وإجماع أهل السنة ومعناه أن الأشياء كلها بقدر الله تعالى ولا تقع إلا على حسب ما قدرها الله تعالى وسبق بها عمله فلا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر إلا بقدر الله تعالى وفيه صحة أمر العين وأنها قوية الضرر انتهى (وإذا استغسلتم) بصيغة المجهول أي إذا طلبتم للاغتسال (فاغسلوا) أطرافكم عند طلب المعيون ذلك من العائن وهذا كان أمرا معلوما عندهم فأمرهم أن لا يمتنعوا منه إذا أريد منهم وأدنى ما في ذلك رفع الوهم الحاصل في ذلك وظاهر الأمر الوجوب وحكى المازري فيه خلافا وصحح الوجوب وقال متى خشي الهلاك وكان اغتسال العائن مما جرت العادة بالشفاء به فإنه يتعين وقد تقرر أنه يجبر على بذل الطعام للمضطر وهذا أولى ولم يبين في هذا الحديث صفة الاغتسال وقد وقعت في حديث سهل بن حنيف عند أحمد والنسائي وصححه ابن حبان من طريق الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن أباه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو ماء حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الحجفة اغتسل سهل ابن حنيف وكان أبيض حسن الجسم والجلد فنظر إليه عامر بن ربيعة فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة فليط أي صرع وزنا ومعنى أي سهل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل تتهمون به من أحد قالوا عامر بن ربيعة فدعا عامرا فتغيظ عليه فقال علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذ رأيت ما يعجبك بركت ثم قال اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح ثم يصب ذلك الماء عليه رجل من خلفه على رأسه وظهره ثم يكفأ القدح ففعل به
[ 188 ]
ذلك فراح سهل مع الناس ليس به بأس لفظ أحمد من رواية أبي أويس عن الزهري ولفظ النسائي من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري بهذا السند أنه يصب صبة على وجهه بيده اليمنى وكذلك سائر أعضائه صبة صبة في القدح وقال في اخره ثم يكفأ القدح وراءه على الأرض ووقع في رواية ابن ماجة من طريق ابن عيينة عن الزهري عن أبي أمامة أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو غيسل فذكر الحديث وفيه فليدع بالبركة ثم دعا بماء فأمر عامرا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه قال سفيان قال معمر عن الزهري وأمر أن يكفأ الأناء من خلفه قال المازري المراد بداخلة الازار الطرف المتدلي الذي يلي حقوه الأيمن وقد ظن بعضهم أن داخلة الازار كناية عن الفرج انتهى وزاد عياض أن المراد ما يلي جسده من الازار وقيل أراد موضع الازار من الجسد وقيل أراد وركه لأنه معقد الازار والحديث في الموطأ وفيه عن مالك حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل أنه سمع أباه يقول اغتسل سهل فذكر نحوه وفيه فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر فقال ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوعك سهل مكانه واشتد وعكه وفيه ألا بركت إن العين حق توضأ له فتوضأ له عامر فراح سهل ليس به بأس تنبيه قال المازري هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه وقال ابن العربي إن توقف متشرع قلنا له الله ورسوله أعلم وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو متفلسف فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها وقد تفعل بمعنى لا يدرك ويسمون ما هذا سبيله الخواص وقال ابن القيم هذه الكيفية لا ينتفع بها من أنكرها ولا من سخر منها ولا من شك فيها أو فعلها مجربا غير معتقد وإذا كان في الطبيعة خواص لا يعرف الأطباء عللها بل هي عندهم خارجة عن القياس وإنما تفعل بالخاصية فما الذي تنكر جهلتهم من الخواص الشرعية هذا مع أن في المعالجة بالاغتسال مناسبة لا تأباها العقول الصحيحة فهذا ترياق سم الحية يؤخذ من لحمها وهذا علاج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن كأن أثر تلك العين كشعلة نار وقعت على جسد ففي الاغتسال إطفاء لتلك الشعلة ثم لما كانت هذه الكيفية الخبيثة تظهر في المواضع الرقيقة من الجسد لشدة النفوذ فيها ولا شئ أرق من المغابن فكان في غسلها إبطال لعملها ولا سيما أن ل رواح الشيطانية في تلك المواضع اختصاصا وفيه أيضا وصول أثر الغسل إلى القلب من أرق المواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار التي أثارتها العين بهذا الماء وهذا الغسل المأمور به ينفع بعد استحكام النظرة فأما عند الاصابة وقبل الاستحكام فقد أرشد الشارع إلى ما يدفعه بقوله في قصة سهل بن حنيف المذكورة كما مضى ألا بركت عليه وفي رواية ابن ماجة فليدع بالبركة ومثله عند ابن
[ 189 ]
السني من حديث في الحديثي عامر بن ربيعة وأخرجه البزار وابن السني من حديث أنس رفعه من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم (وحديث حية بن حابس حديث غريب) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (وروى شيبان) هو ابن عبد الرحمن النحوي 20 باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ قوله (عن جعفر بن إياس) كنيته أبو بشر بن أبي وحشية بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة وتثقيل التحتانية ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد من الخامسة (عن أبي نضرة) هو العبدي قوله (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فنزلنا بقوم) وفي رواية عند الدارقطني بعث سرية عليها أبو سعيد وفي رواية الأعمش عند غير الترمذي بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم ليلا فأفادت عدد السرية ووقت النزول كما أفادت رواية الدارقطني تعيين أمير السرية (فسألناهم القرى) بكسر القاف مقصورا الضيافة (فلم يقرونا) أي فلم يضيفونا قال في القاموس قرى الضيف قرى بالكسر والفتح والمد أضافخ كاقتراه (فلدغ سيد هم) بضم اللام على البناء للمفعول واللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة وهو اللسع وزنا ومعنى وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات
[ 190 ]
الحمة من حية أو عقرب وغيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب وقد أفادت رواية الترمذي هذه تعيين العقرب فإن قلت عند النسائي من رواية هشيم أنه مصاب في عقله أو لديغ قلت هذا شك من هشيم ورواه الباقون أنه لديغ ولم يشكوا خصوصا تصريح الأعمش بالعقرب فإن قلت جاء في رواية أبي داود والنسائي والترمذي من طريق خارجة بن الصلت عن عمه أنه مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق في الحديد فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير فارق لنا هذا الرجل وفي لفظ عن خارجة بن الصلت عن عمه يعني علاقة بن صحار أنه رقي مجنونا موثقا بالحديد بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل بوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال خذهما ولعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق قلت هما قضيتان لأن الراقي هناك أبو سعيد وهنا علاقة بن صحار وبينهما اختلاف كثير (فأتونا) أي فجاؤونا (فقالوا هل فيكم من يرقى من العقرب) قال في القاموس رقاه رقيا ورقيا نفث في عوذته وقال فيه العوذة الرقية كالمعاذة والتعويذ انتهى وفي رواية للبخاري فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شئ لا ينفعه شئ فقال بعضهم لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شئ فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شئ لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شئ (فقرأت عليه الحمد سبع مرات) وفي رواية للبخاري فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين قال الحافظ يتفل بضم الفاء وبكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق قال ابن أبي حمزة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله (فبرأ) وفي رواية للبخاري فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة (وما علمت أنها رقية) أي كيف علمت وفي رواية البخاري وما يدريك أنها رقية (واضربوا لي معكم بسهم) أي اجعلوا لي منه نصيبا وكأنه أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع له في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك وفي الحديث جواز الرقية بشئ
[ 191 ]
من كتاب الله تعالى ويلحق به ما كان من الدعوات المأثورة أو مما يشابهها ولا يجوز بألفاظ مما لا يعلم معناها من الألفاظ الغير العربية قال ابن القيم إذا ثبت أن لبعض الكلام خواص ومنافع فما الظن بكلام رب العالمين ثم بالفاتحة التي لم ينزل في القران ولا غيره من الكتب مثلها لتضمنها جميع معاني الكتاب فقد اشتملت على ذكر أصول أسماء الله ومجامعها وإثبات المعاد وذكر التوحيد والافتقار إلى الرب في طلب الاعانة به والهداية منه وذكر أفضل الدعاء وهو طلب الهداية إلى صراطه المستقيم المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته بفعل ما أمر به واجتناب ما نهي عنه والاستقامة عليه ولتضمنها ذكر أصناف الخلائق وقسمتهم إلى منعم عليه لمعرفته بالحق والعمل به ومغضوب عليه لعدوله عن الحق بعد معرفته وخال لعدم معرفته له مع ما تضمنه من إثبات القدر والشرع والأسماء والصفات والمعاد والتوبة وتزكية النفس وإصلاح القلب والرد على جميع أهل البدع وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يستشفى بها من كل داء انتهى ملخصا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة (ورخص الشافعي للمعلم أن يأخذ على تعليم القران أجرا) وبه قال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور واخرون من السلف ومن بعدهم ومنعه أبو حنيفة وأجازه في الرقية قاله النووي في شرح مسلم وقال الحافظ قد نقل عياض جواز الاستئجار لتعليم القران عن العلماء كافة إلا الحنفية انتهى قلت وقد أجاز المتأخرون من الحنفية أيضا أخذ الأجرة على تعليم القران ويرى أن يعتد الشافعي (له) أي يجوز للمعلم (أن يشترط) أي أخذ الأجرة (على ذلك) أي على تعلم القران وقوله (واحتج بهذا الحديث) الاحتجاج بهذا الحديث على جواز أخذ الأجرة على الرقية واضح وأما الاحتجاج به على جواز أخذ الأجرة على تعليم القران فاعترض عليه القرطبي حيث قال لا نسلم أن جواز أخذ الأجر في الرقي يدل على جواز التعليم بالأجر انتهى لم يذكر القرطبي سند للمنع ولا يظهر وجه صحيح لعدم التسليم والله تعالى أعلم وقد استدل للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القران في حديث سهل بن سعد رواه الشيخان وهذا لفظ
[ 192 ]
البخاري وفي رواية لمسلم اذهب فقد زوجتكها فعلمها من القران واستدل للجمهو ر أيضا بحديث ابن عباس إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله رواه البخاري قال الحافظ استدل به للجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القران وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم وأجازوه في الرقي كالدواء قالوا لأن تعليم القران عبادة والأجر فيه على الله وهو القياس في الرقى إلا أنهم أجازوه فيها لهذا الخبر وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب وسياق للقصة التي في الحديث يأبى هذا التأويل وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القران وقد رواها أبو داود وغيره وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال وهو مردود وبأن الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الاطلاق بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب (يعني حديث ابن عباس المتقدم انفا وحديث أبي سعيد المذكور في هذا الباب) وبأن الأحاديث المذكورة أيضا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الأحاديث الصحيحة انتهى كلام الحافظ وقال الشوكاني في النيل استدل الجمهور بحديث ابن عباس على جواز أخذ الأجرة على تعليم القران وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك وادعى بعضهم نسخه الأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب والجمع ممكن إما بحمل الأجر المذكور هنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم أو المراد أخذ الأجر على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو يحمل الاجر هنا على عمومه فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه انتهى قلت الروايات التي تدل على منع أخذ الأجرة على تعليم القران ضعاف لا تصلح للاحتجاج ولو سلم أنها بمجموعها تنتهض للاحتجاج فالأحاديث التي تدل على الجواز أصح
[ 193 ]
منها وأقوى ثم إن هذه الروايات وقائع أحوال محتملة للتأويل كما قال الحافظ فلا حاجة إلى ما ذكره الشوكاني من وجوه الجمع هذا ما عندي والله تعالى أعلم قوله (مروا بحي من العرب) إعلم أن طبقات أنساب العرب ست الشعب بفتح الشين وهو النسب الأبعد كعدنان مثلا وهو أبو القبائل الذين ينسبون إليه ويجمع على شعوب والقبيلة وهي ما انقسم به الشعب كربيعة ومضر والعمارة بكسر العين وهي ما انقسم فيه أنساب القبيلة كقريش وكنانة ويجمع على عمارات وعمائر والبطن وهي ما انقسم فيه أنساب العمارة كبني عبد مناف وبني مخزوم ويجمع على بطون وأبطن والفخد وهي ما انقسم فيه أنساب البطن كبني هاشم وبني أمية ويجمع على أفخاذ والفصيلة بالصاد المهملة وهي ما انقسم فيه أنساب الفخد كبني العباس وأكثر ما يدور على الألسنة من الطبقات القبيلة ثم البطن وربما عبر عن كل واحد من الطبقا ت الست بالحي إما على العموم مثل أن يقال حي من العرب وإما على الخصوص مثل أن يقال حي من بني فلان وقال الهمداني في الأنساب الشعب والحي بمعنى (حتى تجعلوا لنا جعلا) بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطى على عمل (فجعلوا على ذلك قطيعا من غنم) قال ابن التين القطيع الطائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشئ المتقطع من غنم كان أو غيرها وقال بعضهم إن الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين ووقع في رواية الأعمش فإنا نعطيكم ثلاثين شاة وهو مناسب لعدد السرية كما تقدم وكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا الجعل بإزائه (وما يدريك) هي كلمة تقال عند التعجب من الشئ وتستعمل في تعظيم الشئ أيضا وهو لائق هنا قاله الحافظ وفي رواية بعد قوله وما يدريك أنها رقية قلت ألقي في روعي والدارقطني فقلت يا رسول الله شئ ألقي في روعي (ولم يذكر نهيا منه) أي من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قوله (وهذا) أي حديث شعبة عن أبي بشر عن أبي المتوكل عن أبي سعيد (أصح من
[ 194 ]
حديث الأعمش عن جعفر بن إياس) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا وقال ابن ماجة إنها يعني طريق شعبة الصواب ورجحها الدارقطني في العلل ولم يرجح في السنن شيئا وكذا النسائي والذي يترجح في نقدي أن الطريقين محفوظان لاشتمال طريق الأعمش على زيادات في المتن ليست في رواية شعبة ومن تابعه فكأنه كان عند أبي بشر عن شيخين فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ولم يصب ابن العربي في دعواه أن هذا الحديث مضطرب فقد رواه عن أبي سعيد أيضا معبد بن سيرين كما سيأتي في فضائل القران وسليمان بن قتة كما أخرجه أحمد والدارقطني انتهى 21 باب ما جاء في الرقى والأدوية قوله (عن أبي خزامة عن أبيه) اسمه يعمر قال الذهبي في تجريد أسماء الصحابة يعمر السعدي سعد هذيم والد أبي خزامة أنه قال أرأيت دواء نتداوى به أو رقي نسترقي بها هل يرد ذلك من قدر الله انتهى قوله (أرأيت رقي نسترقيها إلخ) يأتي هذا الحديث في باب لا ترد الرقى والدواء من قدر الله شيئا من أبواب القدر ويأتي هناك شرحه قوله (عن ابن أبي خزامة) مجهول كما في التقريب وغيره (وقد روى عن ابن عيينة كلتا الروايتين) يعني عن أبي خزامة عن أبيه وابن أبي خزامة عن أبيه
[ 195 ]
22 - باب ما جاء في الكمأة والعجوة الكمأة بفتح الكاف وسكون الميم بعدهما همزة مفتوحة قال الخطابي وفي العامة من لا يهمزه واحدة الكمأة بفتح ثم سكون ثم همزة مثل تمرة وتمر وعكس ابن الأعرابي فقال الكمأة الجمع والكمأ الواحد على غير قياس قال ولم يقع في كلامهم نظير هذا سوى خبأة وخبء وقيل الكمأة قد تطلق على الواحد وعلى الجمع وقد جمعوها على أكمؤ قال الشاعر ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا والعساقل بمهملتين وقاف ولام الشراب وكأنه أشار إلى أن الأكمؤ محل وجدانها الفلوات والكمأة نبات لا ورق لها ولا ساق توجد في الأرض من غير أن تزرع والعرب تسمى الكمأة أيضا نبات الرعد لأنها تكثر بكثرته ثم تنفطر عنها الأرض وهي كثيرة بأرض العرب وتوجد بالشام ومصر فأجودها ما كانت أرضه رملة قليلة الماء ومنها صنف قتال يضرب لونه إلى الحمرة وهي باردة رطبة في الثانية رديئة للمعدة بطيئة الهضم وإدمان أكلها يورث القولنج والسكتة والفالج وعسر البول والرطب منها أقل ضررا من اليابس وإذا دفنت في الطين الرطب ثم سلقت بالماء والملح والسعتر وأكلت بالزيت والتوابل الحارة قل ضررها ومع ذلك ففيها جوهر مائي لطيف بدليل خفتها فلذلك كان ماؤها شفاء للعين كذا في الفتح ويقال للكمأة بالفارسية سماروغ كهمبي والعجوة بفتح العين وسكون الجيم نوع من التمر الجياد بالمدينة المنورة قوله (حدثنا سعيد بن عامر) هو الضبعي أبو محمد البصري قوله (العجوة) هي نوع من تمر المدينة يضرب إلى السواد من غرس للنبي صلى الله عليه وسلم كذا في
[ 196 ]
النهاية (من الجنة) قال المناوي يعني هذه العجوة تشبه عجوة الجنة في الشكل والاسم لا في اللذة والطعم انتهى والمقصود بيان فضل العجوة على سائر أنواع التمر لأنها من أنفع تمر الحجاز على الاطلاق وهو صنف كريم ملذذ متين للجسم والقوة من ألين التمر وأطيبه وألذه (وفيها شفاء من السم) إما لخاصة هذا النوع أو ببركة دعائه صلى الله عليه وسلم (والكمأة من المن) قال النووي اختلف في معناه فقال أبو عبيد وكثيرون شبهها بالمن الذي كان ينزل على بني إسرائيل لأنه كان يحصل لهم بلا كلفة ولا علاج والكمأة تحصل بلا علاج ولا كلفة ولا زرع بزر ولا سقي ولا غيره وقيل هي من المن الذي أنزل الله تعالى على بني إسرائيل حقيقة عملا بظاهر اللفظ انتهى (وماؤها شفاء للعين) أي شفاء لداء العين في شرح مسلم للنووي قيل هو نفس الماء مجردا وقيل معناه أن يخلط ماؤها بدواء ويعالج به العين وقيل إن كان لتبريد ما في العين من حرارة فماؤها مجردا شفاء وإن كان لغير ذلك فمركب مع غيره والصحيح بل الصواب أن ماءها مجردا شفاء للعين مطلقا فيعصر ماؤها ويجعل في العين منه وقد رأيت أنا وغيري في زمننا من كان عمي وذهب بصره حقيقة فكحل عينه بماء الكمأة مجردا فشفي وعاد إليه بصره وهو الشيخ العدل الأمين الكمال بن عبد الله الدمشقي صاحب صلاح ورواية للحديث وكان استعماله لماء الكمأة اعتقادا في الحديث وتبركا به انتهى قوله (وفي الباب عن سعيد بن زيد وأبي سعيد وجابر) أما حديث سعيد ابن زيد فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث أبي سعيد وحديث جابر فأخرجهما أحمد والنسائي وابن ماجة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة قوله (عن عبد الملك بن عمير) هو اللخمي الكوفي (عن عمرو بن حريث) ابن عمرو بن عثمان بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القرشي المخزومي صحابي صغير مات سنة خمس وثمانين (عن سعيد بن زيد) قال في الخلاصة سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة
[ 197 ]
المشهود لهم بالجنة والمهاجرين الأولين شهد المشاهد كلها بعد بدر وذكره البخاري فيمن شهد بدرا في الصحيح وقال الأكثرون لم يشهدها له ثمانية وثلاثون حديثا اتفقا على حديثين وانفرد البخاري باخر وعنه عمرو بن حريث وعروة وأبو عثمان النهدي تخلف عن بدر فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهم روى ذلك من طرق قال خليفة مات سنة إحدى وخمسين قال الواقدي بالعقيق فحمل إلى المدينة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في التفسير والطب وأخرجه مسلم في الأطعمة والنسائي في الطب والوليمة والتفسير وابن ماجة في الطب قوله (قالوا الكمأة جدري الأرض) بضم جيم وفتح دال وكسر راء وتشديد ياء هو حب يظهر في جسد الصبي من فضلات تتضمن المضرة تدفعها الطبيعة ويقال له بالهندية جيجك قال الطيبي شبهوها به في كونها فضلات تدفعها الأرض إلى ظاهرها ذما لها (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين) قال الطيبي كأنهم لما ذموها وجعلوها من الفضلات التي تتضمن المضرة وتدفعها الأرض إلى ظاهرها كما تدفع الطبيعة الفضلات بالجدري قابله صلى الله عليه وسلم بالمدح بأنه من المن أي مما من الله به عباده أو شبهها بالمن وهو العسل الذي ينزل من السماء إذ يحصل بلا علاج واحتياج إلى بذر وسقي أي ليست بفضلات بل من فضل الله ومنه أو ليست مضرة بل شفاء كالمن النازل انتهى قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجة والطبراني من طريق ابن المنكدر عن جابر قال كثرت الكمأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فامتنع قوم من أكلها وقالوا هي جدري الأرض فبلغه ذلك فقال إن الكمأة ليست من جدري الأرض لا إن الكمأة من المن كذا في الفتح
[ 198 ]
قوله (حدثت) بصيغة المتكلم المجهول من الحديث فيه انقطاع (أخذت ثلاثة أكمؤ) بفتح فسكون فضم ميم فهمز أي ثلاثة أشخص منها (أو خمسا أو سبعا) كذا في بعض النسخ بالألف وهو الظاهر ووقع في النسخة الأحمدية أو خمس أو سبع بغير الالف ولا يظهر له وجه إلا بالتكلف فتفكر (فعصرتهن) أي في وعاء (فبرأت) بفتح الراء ويكسر أي شفيت وحديث أبي هريرة هذا موقوف وفيه انقطاع (الشونيز) بضم المعجمة وسكون الواو وكسر النون وسكون التحتانية بعدها زاي وقال القرطبي قيد بعض مشائخنا الشين بالفتح وحكى عياض عن ابن الأعرابي أنه كسرها فأبدل الواو ياء فقال الشينيز كذا في الفتح وقال في القاموس الشينيز والشونوز والشونيز والشهنيز الحبة السوداء أو فارسي الأصل انتهى ويقال له بالهندية كلونحي (دواء من كل داء) قيل أي من كل داء من الرطوبة والبلغم وذلك لأنه حار يابس فينفع في الأمراض التي تقابله فهو من العام المخصوص وقيل هو على عمومه أنه يدخل في كل داء بالتركيب قال الكرماني ومما يدل على تعيين العموم الاستثناء بقوله (إلا السام) بسين مهملة ثم ألف وميم مخففة أي الموت فإنه لا دواء له وهذا أيضا موقوف وفيه انقطاع (قال قتادة) أي في كيفية استعمال الشونيز (فينقعه) أي فيلقيه في الماء ليبتل (فيستعط به) قال في القاموس سعطه الدواء كمنعه ونصره وأسعطه إياه سعطة واحدة وإسعاطة واحدة أدخله في أنفه فاستعط انتهى (في منخره الأيمن) في القاموس المنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وضمهما وكمجلس ثقب الأنف (والثاني) أي اليوم الثاني (والثالث) أي اليوم الثالث وقول قتادة هذا ليس من مجرد رأيه بل ورد فيه حديث مرفوع وقد أشار إليه الترمذي في باب الحبة السوداء وذكرنا لفظه هناك
[ 199 ]
23 باب ما جاء في أجر الكاهن قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب الخ) قد تقدم هذا الحديث بإسناده ومتنه مع شرحه في باب كراهية مهر البغي من أبواب النكاح وفي باب ثمن الكلب من أبواب البيوع 24 باب ما جاء في كراهية التعليق قوله (حدثنا عبيد الله) هو ابن موسى العبسي مولاهم الكوفي (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أخو عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن عيسى وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري الكوفي ثقة من السادسة روى عن أبيه وعبد الله بن حكيم وغيرهما وعنه أخوه محمد وغيره كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (على عبد الله بن عكيم) بالتصغير (أبي معبد الجهني) الكوفي مخضرم من الثانية وقد سمع كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى جهينه مات في إمرة الحجاج كذا في التقريب (وبه) أي بعبد الله والباء للإلصاق (حمرة) أي مما يعلو الوجه والجسد قاله القاري وقال في القاموس الحمرة ورم من جنس الطواعين (ألا تعلق شيئا) بحذف إحدى التاءين أي ألا تتعلق شيئا قال في القاموس علقه تعليقا جعله معلقا لتعلقه انتهى وفي المشكاة ألا تعلق تميمة (قال الموت أقرب من ذلك) وفي المشكاة فقال نعوذ بالله من ذلك قال القاري وسببه أنه نوع من الشرك وقال الطيبي ولعله إنما عاذ بالله من تعليق
[ 200 ]
العوذة لأنه كان من المتوكلين وإن جاز لغيره انتهى (من تعلق شيئا) أي من علق على نفسه شيئا من التعاويذ والتمائم وأشباهها معتقدا أنها تجلب إليه نفعا أو تدفع عنه ضرا قاله في النهاية (وكل إليه) بضم واو وتخفيف كاف مكسورة أي خلي إلى ذلك الشئ وترك بينه وبينه والحديث استدل به من قال بكراهية تعليق التمائم وقد اختلف في ذلك أهل العلم قال السيد الشيخ أبو الطيب صديق بن حسن القنوجي في كتابه الدين الخالص اختلف العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم في جواز تعليق التمائم التي من القران وأسماء الله تعالى وصفاته فقالت طائفة يجوز ذلك وهو قول ابن عمرو بن العاص وهو ظاهر ما روي عن عائشة وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية وحملوا الحديث (يعني حديث ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرقى والتمائم اللتولة شرك) رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان والحاكم وقال صحيح وأقره الذهبي على التمائم التي فيها شرك وقالت طائفة لا يجوز ذلك وبه قال ابن مسعود وابن عباس وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم وبه قال جماعة من التابعين منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وجزم به المتأخرون واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه قال بعض العلماء وهذا هو الصحيح لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل الأول عموم النهي ولا مخصص للعموم الثاني سد الذريعة فإن يفضي إلى تعليق من ليس كذلك الثالث أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك قال وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف يتبين لك بذلك غربة الاسلام خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذها المساجد والإقبال إليها بالقلب والوجه وصرف الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه كما قال تعالى ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله ونظائرها في القران أكثر من أن تحصر انتهى قلت غربة الاسلام شئ وحكم المسألة شئ اخر والوجه الثالث المتقدم لمنع التعليق ضعيف جدا لأنه لا مانع من نزع التمائم عند قضاء الحاجة ونحوها لساعة ثم يعلقها والراجح في الباب أن ترك التعليق أفضل في كل حال بالنسبة إلى التعليق الذي جوزه بعض أهل العلم بناء على أن يكون بما ثبت لا بما لم يثبت لأن التقوى لها مراتب وكذا في الاخلاص وفوق كل رتبة في الدين رتبة أخرى والمحصلون لها أقل ولهذا ورد في الحديث في حق السبعين ألفا يدخلون الجنة
[ 201 ]
بغير حساب أنهم هم الذين لا يرقون ولا يسترقون مع أن الرقى جائزة وردت بها الأخبار واثار والله أعلم بالصواب والمتقي من يترك ما ليس به بأس خوفا مما فيه بأس انتهى كلامه بلفظه قوله (وحديث عبد الله بن عكيم إنما نعرفه من حديث ابن أبي ليلى) وأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم قوله (وفي الباب عن عقبة بن عامر) أخرجه أحمد وأبو بعلي والطبراني عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له قال في مجمع الزوائد رجالهم ثقات 25 باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء قوله (حدثنا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي (عن سعيد بن مسروق) هو والد سفيان الثوري (هو عباية) بفتح أوله والموحدة الخفيفة وبعد الألف تحتانية خفيفة (بن رفاعة) بكسر راء وخفة فاء وإهمال عين ابن رافع بن خديج الأنصاري الزرقي كنيته أبو رفاعة المدني ثقة من الثالثة (عن جده رافع بن خديج) بفتح معجمة وكسر دال مهملة وبجيم ابن رافع بن عدى الأوسي الأنصاري صحابي جليل أول مشاهده أحد ثم الخندق روى عنه ابنه عبد الرحمن وابنه رفاعة على خلاف فيه وحفيده عباية بن رفاعة وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب قوله (الحمى فور من النار) بفتح الفاء وسكون الواو وبالراء وفي رواية الحمى من فيح جهنم بفتح الفاء وسكون التحتانية بعدها مهملة وفي أخرى من فوح بالواو بدل التحتانية
[ 202 ]
قال الحافظ كلها بمعنى والمراد سطوع حرها ووهجه واختلف في نسبة الحمى إلى جهنم فقيل حقيقة واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم وقدر الله ظهورها بأسباب تقتضيها ليعتبر العباد بذلك كما أن أنواع الفرح واللذة من نعيم الجنة أظهرها في هذه الدار عبرة ودلالة وقد جاء في حديث أخرجه البزار من حديث عائشة بسند حسن وفي الباب عن أبي أمامة عند أحمد وعن أبي ريحانة عند الطبراني وعن ابن مسعود في مسند الشهاب الحمى حظ المؤمن من النار وهذا كما تقدم في حديث الأمر با براد أن شدة الحر من فيح جهنم وأن الله أذن لها بنفسين وقيل بل الخبر ورد مورد التشبيه والمعنى أن حر الحمى شبيه بحر جهنم تنبيها للنفوس على شدة حر النار وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها وهو ما يصيب من قرب منها من حرها كما قيل بذلك في حديث الابراد والأول أولى انتهى قوله (فأبردوها) قال الحافظ المشهور في ضبطها بهمزة وصل والراء مضمومة وحكى كسرها يقال بردت الحمى أبردها بردا بوزن قتلتها أقتلها قتلا أي اسكنت حرارتها قال شاعر الحماسة إذا وجدت لهيب الحب في كبدي أقبلت نحو سقاء القوم أبترد هبني بردت ببرد الماء ظاهره فمن لنار على الأحشاء تتقد وحكى عياض رواية بهمزة قطع مفتوحة وكسر الراء من أبرد الشئ إذا عالجة فصيره باردا مثل أسخنه إذا صيره سخنا وقد أشار إليها الخطابي وقال الجوهري إنها لغة رديئة انتهى ووقع في حديث ابن عمر في رواية فأطفئوها بهمزة قطع ثم طاء مهملة وفاء مكسورة ثم همزة أمر من الاطفاء (بالماء) قال الخطابي ومن تبعه اعترض بعض سخفاء الأطباء على هذا الحديث بأن قال اغتسال المحموم بالماء خطر يقربه من الهلاك لأنه يجمع المسام ويحقن البخار ويعكس الحرارة إلى داخل الجسم فيكون ذلك سببا للتلف قال الخطابي غلط بعض من ينسب إلى العلم فانغمس في الماء لما أصابته الحمى فاحتقنت الحرارة في باطن بدنه فأصابته علة صعبة كادت تهلكه فلما خرج من علته قال قولا سيئا لا يحسن ذكره وإنما أوقعه في ذلك جهله بمعنى الحديث والجواب أن هذا الاشكال صدر عن صدر مرتاب في صدق الخبر فيقال له أولا من أين حملت الأمر على الاغتسال وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية فضلا عن اختصاصها بالغسل وإنما في الحديث الارشاد إلى تبريد الحمى بالماء فإن أظهر الوجود أو اقتضت صناعة الطب أن إنغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضره فليس هو المراد وإنما قصد صلى الله عليه وسلم استعمال الماء على وجه
[ 203 ]
ينفع فليبحث عن ذلك الوجه ليحصل الانتفاع به وهو كما وقع في أمره العائن بالاغتسال وأطلق وقد ظهر من الحديث الاخر أنه لم يرد مطلق الاغتسال وإنما أراد الاغتسال على كيفية مخصوصة وأولى ما يحمل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق فإنها كانت ترش على بدن المحموم شيئا من الماء بين يديه وثوبه فيكون ذلك من باب النشرة المأذون فيها والصحابي ولا سيما مثل أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بالمراد من غيرها قلت يأتي لفظ حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنها في هذا الباب وقال المازري لا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجا إلى التفصيل حتى إن المريض يكون الشئ دواءه في ساعة ثم يصير داء له في الساعة التي تليها لعارض يعرض له من غضب يحمي مزاجه مثلا فيتغير علاجه ومثل ذلك كثير فإذا فرض وجود الشفاء لشخص بشئ في حالة ما لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والزمان والعادة والغذاء المتقدم والتأثير المألوف وقوة الطباع ثم ذكر نحو متقدم قالوا وعلى تقدير أن يرد التصريح بالاغتسال في جميع الجسد فيجاب بأنه يحتمل أن يكون أراد أنه يقع بعد إقلاع الحمى وهو بعيد ويحتمل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص فيكون من الخواص التي اطلع صلى الله عليه وسلم عليها بالوحي ويضمحل عند ذلك جميع كلام أهل الطب وقد أخرج الترمذي من حديث ثوبان مرفوعا إذا أصاب أحدكم الحمى فإن الحمى قطعة من النار فليطفئها عنه بالماء فليستنفع في نهر جار فليستقبل جريته الحديث وفيه وليغمس فيه ثلاث غمسات ثلاثة أيام فإن لم يبرأ في ثلاث فخمس فإن لم يبرأ في خمس فسبع فإن لم يبرأ في سبع فتسع فإنها لا تكاد تجاوز تسعا بإذن الله قال ويحتمل أن يكون لبعض الحميات دون بعض في بعض الأماكن دون بعض لبعض الأشخاص دون بعض وهذا أوجه فإن خطابه صلى الله عليه وسلم قد يكون عاما وهو الأكثر وقد يكون خاصا كما قال لا تستقبلوا القبلة بغائط ولابول ولكن شرقوا أو غربوا فقوله شرقوا أو غربوا ليس عاما لجميع أهل الأرض بل هخاص لمن كان بالمدينة النبوية وعلى سمتها فكذلك هذا يحتمل أن يكون مخصوصا بأهل الحجاز وما والاهم إذ كان أكثر الحميات التي تعرض لهم من العرضية الحادثة عن شدة الحرارة وهذه ينفعها الماء البارد شربا واغتسالا لأن الحمى حرارة غريبة تشتعل في القلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى جميع البدن وهي قسمان عرضية وهي الحادثة عن ورم أو حركة أو إصابة حرارة الشمس أو القيظ الشديد ونحو ذلك ومرضية وهي ثلاثة أنواع وتكون عن مادة ثم منها ما يسخن جميع البدن فإن كان مبدأ تعلقها بالروح فهي حمى يوم لأنها تقع غالبا في يوم ونهايتها إلى ثلاث وإن
[ 204 ]
كان تعلقها بالأعضاء الأصلية فهي حمى دق وهي أخطرها وإن كان تعلقها بالأخلاط سميت عفنية وهي بعدد الأخلاط الأربعة وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة بسبب الافراد والتركيب وإذا تقرر هذا فيجوز أن يكون المراد النوع الأول فإنها تسكن بالانغماس في الماء البارد وشرب الماء المبرد بالثلج وبغيره ولا يحتاج صاحبها إلى علاج اخر وقد قال جالينوس في كتاب حيلة البرء لو أن شابا حسن اللحم خصب البدن ليس في أحشائه ورم استحم بماء بارد أو سبح فيه وقت القيظ عند منتهى الحمى لانتفع بذلك وقال أبو بكر الرازي إذا كانت القوى قوية والحمى حادوالنضج بين ولا ورم في الجوف ولا فتق فإن الماء البارد ينفع شربه فإن كان العليل خصب البدن والزمان حار أو كان معتادا باستعمال الماء البارد اغتسالا فليؤذن له فيه وقد نزل ابن القيم حديث ثوبان على هذه القيود فقال هذه الصفة تنفع في فصل الصيف في البلاد الحارة في الحمى العرضية أو الغب الخالصة التي لا ورم معها ولا شئ من الأعراض الرديئة والمواد الفاسدة فيطفئها بإذن الله فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لبعده عن ملاقاة الشمس ووفور القوى في ذلك الوقت لكونه عقب النوم والسكون وبرد الهواء قال والأيام التي أشار إليها هي التي يقع فيها بحران الأمراض الحادة غالبا ولا سيما في البلاد الحارة تنبيه قال ابن القيم قوله بالماء فيه قولان أحدهما أنه كل ماء وهو الصحيح والثاني أنه ماء زمزم واحتج أصحاب هذا القول بما رواه البخاري في صحيحه عن أبي جمرة نضر بن عمران الضبعي قال كنت أجالس ابن عباس بمكة فأخذتني الحمى فقال إبردها عنك بماء زمزم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء أو قال بماء زمزم راوي هذا قد شك فيه ولو جزم به لكان أمرا لأهل مكة بماء زمزم إذ هو متيسر عندهم ولغيرهم بما عندهم من الماء ثم اختلف من قال إنه على عمومه هل المراد به الصدقة بالماء أو استعماله على قولين والصحيح أنه استعماله وأظن أن الذي حمل من قال المراد الصدقة به أنه أشكل عليه استعمال الماء البارد في الحمى ولم يفهم وجهه مع أن لقوله وجها حسنا وهو أن الجزاء من جنس العمل فكما أخمد لهيب العطش عن الظمان بالماء البارد أخمد الله لهيب الحمى عنه جزاء وفاقا ولكن يؤخذ هذا من فقه الحديث وإشارته وأما المراد به فاستعماله انتهى وحديث رافع بن خديج هذا أخرجه أيضا أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة قوله (وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر وابن عمر وابن عباس وامرأة الزبير وعائشة) أما
[ 205 ]
حديث أسماء فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وقد تقدم لفظه وأما حديث إمرأة الزبير فلينظر من أخرجه وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا قوله (حدثنا عبدة بن سليمان) هو الكلابي قوله (إن الحمى من فيح جهنم) الفيح سطوع الحر وفورانه ويقال بالواو وفاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت كذا في النهاية قوله (عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام الأسدية زوجة هشام بن عروة روت عن جدتها أسماء بنت أبي بكر وغيرها وعنها زوجها هشام بن عروة وغيره ثقة من الثالثة كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (عن أسماء بنت أبي بكر) الصديق زوج الزبير بن العوام وكانت تسمى ذات النطاقين قوله (وفي حديث أسماء كلام أكثر من هذا) روى الشيخان عن فاطمة عن أسماء هذا الحديث مطولا ولفظه عند مسلم أنها كانت تؤتى بالمرأة الموعوكة فتدعو بالماء فتصبه في جيبها وتقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابردوها بالماء وقال إنها من فيح جهنم فأشار الترمذي بقوله وفي حديث أسماء كلام أكثر من هذا إلى ما في هذا الحديث من الزيادة (وكلا الحديثين صحيح) أخرجهما الشيخان 26 باب قوله (حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة) الأنصاري الأشهلي مولاهم أبو إسماعيل المدني ضعيف من السابعة (عن داود بن حصين) الأموي مولاهم أبو سليمان المدني ثقة إلا في
[ 206 ]
عكرمة ورمى برأي الخوارج من السادسة كذا في التقريب قوله (كان يعلمهم من الحمى) أي من أجلها (أن يقول) أي المريض أو عائده (من شر كل عرق) بكسر فسكون منونا (نعار) بفتح النون وتشديد العين المهملة أي فوار الدم يقال نعر العرق ينعر بالفتح فيهما إذا فار منه الدم استعاذ منه لأنه إذا غلب لم يمهل وقال الطيبي نعر العرق بالدم إذا ارتفع وعلا وجرح نعار ونعور إذا صوت دمه عند خروجه قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن أبي شيبة وابن ماجة وابن أبي الدنيا وابن السني في عمل اليوم والليلة والحاكم وصححه والبيهقي في الدعوات كذا في المرقاة (ويروي عرق يعار) رواه ابن ماجة ضبط يعار في النسخة الأحمدية بفتح التحتية وتشديد العين المهملة ومعناه صوات قال الجزري في النهاية يقال يعرت العنز يتعر بالكسر يعار بالضم أي صاحت انتهى وأما قول بعض الناس يعار بضم الياء التحتية وفتح العين وتشديد الراء من العرارة وهي الشدة وسوء الخلق ومنه إذا استعر عليكم شئ من الغنم أي ند واستعصى وأما يعار فلم تجد له في كتب اللغة معنى يناسب هذا المقام انتهى فمما لا يلتفت إليه 27 باب ما جاء في الغيلة قال الجزري في النهاية الغيلة بالكسر الاسم من الغيل بالفتح وهو أن يجامع الرجل زوجته وهي مرضع وكذلك إذا حملت وهي مرضع وقيل يقال فيه الغيلة والغيلة بمعنى وقيل الكسر للاسم والفتح للمرة وقيل لا يصح الفتح إلا مع حذف الهاء وقد أغال الرجل وأغيل والولد مغال ومغيل واللبن الذي يشر به الولد يقال له الغيل أيضا انتهى قوله (أخبرنا يحيى بن إسحاق) هو البجلي أبو زكريا السيلحيني (حدثنا يحيى بن أيوب)
[ 207 ]
هو الغافقي المصري (عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) الأسدي المدني يتيم عروة ثقة من السادسة (عن عائشة) أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها (عن بنت وهب وهي جدامة) بمضمومة ودال مهملة قال في التقريب جدامة بنت وهب ويقال جندل الأسدية أخت عكاشة بن محصن لأمه صحابية لها سابقة وهجرة قال الدارقطني من قالها بالذال المعجمة صحف انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمتها روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الغيلة روت عنها عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (أردت أن انهي عن الغيال) بكسر الغين المعجمة وفي الرواية الآتية الغيلة قال النووي في شرح مسلم قال أهل اللغة الغيلة ههنا بكسر الغين ويقال لها الغيل بفتح الغين مع حذف الهاء والغيال بكسر الغين وقال جماعة من أهل اللغة الغيلة بالفتح المرة الواحدة وأما بالكسر فهي الاسم من الغيل وقيل إن أريد بها وطء المرضع جاء الغيلة والغيلة بالكسر والفتح واختلف العلماء في المراد بالغيلة في هذا الحديث وهي الغيل فقال مالك في الموطأ والأصمعي وغيره من أهل اللغة هي أن يجامع امرأته وهي مرضع يقال منه أغال الرجل وأغيل أذا فعل ذلك وقال ابن السكيت هو أن ترضع المرأة وهي حامل يقال منه غالت وأغليت قال العلماء سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي عنها أنه يخا ف منه ضرر الولد الرضيع قالوا والأطباء يقولون إن ذلك اللبن داء والعرب تكرهه وتتقيه (فإذا فارس) بكسر الراء وعدم الصرف (يفعلون) أي الغيال (ولا يقتلون أولادهم) وفي الرواية الآتية ولا يضر أولادهم قال القاضي كان العرب يحترزون عن الغيلة ويزعمون أنها تضر الولد وكان ذلك من المشهورات الذائعة عندهم فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهي عنها لذلك فرأى أن فارس والروم يفعلون ذلك ولا يبالون به ثم إنه لا يعود على أولادهم بضرر فلم ينه انتهى قال النووي في الحديث جواز الغيلة فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنها وبين سبب ترك النهي قوله (وفي الباب عن أسماء بنت يزيد) أخرجه أبو داود عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس فيدعثره عن فرسه وسكت عنه هو المنذري وأخرجه أيضا ابن ماجة قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة
[ 208 ]
(وقد رواه مالك عن أبي الأسود) اسمه محمد بن عبد الرحمن بن نوفل قوله (حدثنا عيسى بن أحمد) بن عيسى بن وردان العسقلاني من عسقلان بلخ ثقة يقرب من الحادية عشرة (حدثنا ابن وهب) هو عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم أبو محمد المصري الفقيه ثقة حافظ عابد من التاسعة (عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل) ووقع في النسخة الأحمدية عن أبي الأسود ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل بزيادة الواو بين أبي الأسود ومحمد بن عبد الرحمن وهو غلط قوله (لقد هممت) أي قصدت (حتى ذكرت) بصيغة المجهول (يصنعون ذلك) أي الغيلة (ولا يضر أولادهم) بالنصب على المفعولية وفي حديث جدامة هذا دليل على جواز الغيلة وحديث أسماء بنت يزيد المذكور يدل على المنع واختلف العلماء في وجه الجمع بينهما فقال الطيبي نفيه لأثر الغيل في الحديث السابق يعني حديث جدامة كان إبطالا لاعتقاد الجاهلية كونه مؤثرا وإثباته له هنا يعني في حديث أسماء لأنه سبب في الجملة مع كون المؤثر الحقيقي هو الله تعالى انتهى وقيل النهي في قوله لا تقتلوا أولادكم سرافي حديث أسماء للتنزيه ويحمل قوله لقد هممت أن أنهي في حديث جدامة على التحريم فلا منافاة وقال السندي حديث أسماء يحتمل أنه قال على زعم العرب قبل حديث جدامة ثم علم أنه لا يضر فأذن به كما في رواية جدامة وهذا بعيد لأن مفاد حديث جدامة أنه أراد النهي ولم ينه وحديث أسماء فيه نهي فكيف يكون حديث أسماء قبل حديث جدامة وأيضا لو كان على زعم العرب لما استحسن القسم بالله كما عند ابن ماجة فالأقرب أنه صلى الله عليه وسلم نهى عنه بعد حديث جدامة حيث حقق أنه لا يضر إلا أن الضرر قد يخفي إلى الكبر انتهى
[ 209 ]
قوله (حدثنا إسحاق بن عيسى) بن نجيح البغدادي أبو يعقوب بن الطباع سكن أذنه صدوق من التاسعة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مالك وأحمد وغيرهما كما تقدم 28 باب ما جاء في دواء ذات الجنب قوله (كان ينعت الزيت والورس من ذات الجنب) أي يمدح التداوي بهما لذات الجنب قال أبو حنيفة اللغوي الورس يزرع زرعا وليس ببري ولست أعرفه بغير أرض العرب لا من أرض العرب بغير بلاد اليمن وقوته في الحرارة واليبوسة في أول الدرجة الثانية وأجوده الأحمر اللين القليل النخالة ينفع من الكلف والحكة والبثور الكائنة من سطح البدن إذا طلي به وله قوة قابضة صابغة وإذا شرب نفع من الوضح ومقدار الشربة منه وزن درهم وهو في مزاجه ومنافعه قريب من منافع القسط البحري وإذا لطخ به على البهق والحكة والبثور والسفعة نفع منها والثوب المصبوغ بالورد يقوى على الباه انتهى (ويلد) أي يلقي في الفم (من الجانب الذي يشتكيه) قال أبو عبيد عن الأصمعي اللدود ما يسقي الإنسان في أحد شقي الفم أخذ من لديدي الوادي وهما جانباه وأما الوجود فهو في وسط الفم انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة بلفظ نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجنب ورسا وقسطا وزيتا يلد به (وأبو عبد الله اسمه ميمون هو شيخ بصري) قال في
[ 210 ]
التقريب ميمون أبو عبد الله البصري مولى ابن سمرة ضعيف وقيل اسم أبيه استاد وفرق بينهما ابن أبي حاتم من الرابعة قوله (حدثنا رجاء بن محمد) بن رجاء (العذري) بضم عين مهملة وسكون ذال معجمة البصري السقطي ثقة من الحادية عشرة كذا في التقريب ووقع في النسخة الأحمدية العدوي بفتح عين ودال مهملتين وهو غلط (حدثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين) بفتح راء وكسر زاي وسكون ياء وبنون الخزاعي مولاهم أبو عثمان البصري صدوق ربما أخطأ من التاسعة قوله (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتداوى من ذات الجنب بالقسط البحري والزيت) قال الحافظ ابن القيم ذات الجنب عند الأطباء نوعان حقيقي وغير حقيقي فالحقيقي ورم حار يعرض في نواحي الجنب في الغشاء المستبطن للأضلاع وغير الحقيقي ألم يشبهه يعرض في نواحي الجنب عن رياح غليظة مؤذية تحتقن بين الصفاقات فتحدث وجعا قريبا من وجع ذات الجنب الحقيقي إلا أن الوجع في هذا القسم ممدود وفي الحقيقي ناخس قال ويلزم ذات الجنب الحقيقي خمسة أعرا ض وهي الحمى والسعال والوجع الناخس وضيق النفس والنبض المنشاري والعلاج الموجود في الحديث ليس هو لهذا القسم لكن للقسم الثاني الكائن عن الريح الغليظة فإن القسط البحري وهو العود الهندي على ما جاء مفسرا في أحاديث اخر صنف من القسط إذا دق دقا ناعما وخلط بالزيت المسخن ودلك به مكان الريح المذكور أو لعق كان دواء موافقا لذلك نافعا له محللا لمادته مذهبا لها مقويا للأعضاء الباطنة مفتحا للسدد والعود المذكورة في منافعه كذلك قال المسيحي العود حار يابس قابض يحبس البطن ويقوي الأعضاء الباطنة ويطرد الريح ويفتح السدد نافع من ذات الجنب ويذهب فضل الرطوبة والعود المذكور جيد للدماغ قال ويجوز أن ينفع القسط من ذات الجنب الحقيقية أيضا إذا كان حدوثها عن مادة بلغمية لا سيما في وقت انحطاط العلة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والحاكم بلفظ تداووا من ذات الجنب
[ 211 ]
بالقسط البحري والزيت المسخن (وذات الحثب يعني السل) كذا فسر الترمذي ذات الجنب بالسل وقال الجزري في النهاية ذات الجنب هي الدبيلة والدمل الكبيرة التي تظهر في باطن الجنب وتنفجر إلى داخل وقلما يسلم صاحبها وذو الجنب الذي يشتكي جنبه بسبب الدبيلة إلا أن ذو للمذكر وذوات للمؤنث وصارت ذات الجنب علما لها وإن كانت في الأصل صفة مضافة والمجنون الذي أخذته ذات الجنب وقيل أراد بالمجنوب الذي يشتكي جنبه مطلقا انتهى وقد عرفت ما ذكره ابن القيم في تفسير ذات الجنب وكما تفسيرها بالسل فلم أر أحدا فسرها به غير الترمذي والسل بكسر العين وشدة اللام في اللغة الهزال وفي الطب قرحة في الرئة وإنما سمي المرض به لأن من لوازمه هزال البدن ولما كانت الحمى الدقية لازمة لهذه القرحة ذكر القرشي أن السل قرحة الرئة مع الدق وعده من الأمراض المركبة كذا قال النفيس وقال القرشي في شرح الفصول يقال السل لحمى الدق ولدق الشيخوخة ولقرحة الرئة 29 باب قوله (عن يزيد بن خصيفة) هو يزيد بن عبد الله بن خصيفة قال في التقريب يزيد بن عبد الله بن خصيفة بضم معجمة وفتح صاد مهملة وبفاء مصغرا ابن عبد الله بن يزيد الكندي المدني وقد ينسب لجده ثقة من الخامسة (عن عمرو بن عبد الله بن كعب) بن مالك الأنصاري السلمي المدني ثقة من السادسة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن نافع بن جبير بن مطعم وعنه يزيد بن خصيفة روى له الأربعة حديثا واحدا وهو حديث عثمان بن أبي العاص في الدعاء انتهى (عن عثمان بن أبي العاص) الثقفي الطائفي صحابي شهير استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ومات في خلافة معاوية بالبصرة قوله (قال أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني) ولمسلم وغيره من رواية الزهري
[ 212 ]
عن نافع عن عثمان أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا يجده في جسده منذ أسلم (امسح) أي موضع الوجع (بيمينك سبع مرات) وفي رواية مسلم فقال له ضع يدك على الذي يألم من جسدك وللطبراني والحاكم ضع يمينك على المكان الذي تشتكي فامسح بها سبع مرات (وقل أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد) وفي رواية مسلم وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر وللترمذي في الدعوات وحسنه والحاكم وصححه عن محمد بن سالم قال قال لي ثابت البناني يا محمد إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي ثم قل بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا قال فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك (قال) أي عثمان (ففعلت) أي ما قال لي (فأذهب الله ما كان بي) أي من الوجع (فلم أزل امر به أهلي وغيرهم) لأنه من الأدوية الإلهية والطب النبوي لما فيه من ذكر الله والتفويض إليه والاستعاذة بعزته وقدرته وتكراره يكون أنجح وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي لاستقصاء إخراج المادة وفي السبع خاصية لا توجد في غيرها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة 30 باب ما جاء في السنا سقط هذا الباب من بعض النسخ قوله (حدثنا محمد بن بكر) بن عثمان البرساني أبو عثمان البصري صدوق يخطئ من التاسعة (حدثنا عبد الحميد بن جعفر) بن عبد الله بن الحكم بن رافع الأنصاري صدوق رمي بالقدر وربما وهم من السادسة (حدثني عتبة بن عبد الله) أو ابن عبيد الله ويقال اسمه زرعة بن عبد الرحمن مجهول من السادسة
[ 213 ]
قوله (بما تستمشين) أي بأي دواء تستطلقين بطنك حتى يمشي ولا يصير بمنزلة الواقف فيؤذي باحتباس النجو ولهذا سمي الدواء المسهل مشيا على وزن فعيل وقيل لأن المسهول يكثر المشي والاختلاف للحاجة وقال الجزري في النهاية أي بما تسهلين بطنك ويجوز أن يكون أراد المشي الذي يعرض عند شرب الدواء إلى المخرج انتهى (قالت بالشبرم) بضم شين معجمة فسكون موحدة وراء مضمومة وهو من جملة الأدوية اليتوعية وهو قشر عرق شجرة وهو حار يابس في الدرجة الرابعة وأجوده المائل إلى الحمرة الخفيف الرقيق الذي يشبه الجلد الملفوف وبالجملة فهو الأدوية التي أوصى الأطباء بترك استعمالها لخطرها وفرط إسهالها وقال الجزري في النهاية الشبرم حب يشبه الحمص يطبخ ويشرب ماؤه للتداوي وقيل إنه نوع من الشيح انتهى (قال حار) بحاء مهملة وتشديد راء بينهما ألف (جار) بالجيم قال الحافظ ابن القيم قوله صلى الله عليه وسلم حار جار ويروى حار يار قال أبو عبيد وأكثر كلامهم بالياء قال وفيه قولان أحدهما أن الحار الجار بالجيم الشديد الاسهال فوصفه بالحرارة وشدة الإسهال وكذلك هو ما قاله أبو حنيفة الدينوري والثاني وهو الصواب أن هذا من الإتباع الذي يقصد به تأكيد الأول ويكون بين التأكيد اللفظي والمعنوي ولهذا يراعون فيه إتباعه في أكثر حروفه كقولهم حسن بسن أي كامل الحسن وقولهم حسن قسن بالقاف ومنه شيطان ليطان وحار جار مع أن الجار معنى اخر وهو الذي يجر الشئ الذي يصيبه من شدة حرارته وجذبه له كأنه ينزعه ويسلخه ويار إما لغة في جار كقولهم صهري وصهريج والصهاري والصهاريج وإما إتباع مستقل انتهى (ثم استمشيت بالسنا) فيه لغتان المد والقصر وهو نبت حجازي أفضله المكي وهو دواء شريف مأمون الغائلة قريب من الاعتدال حار يابس في الدرجة الأولى يسهل الصفراء والسوداء ويقوي جرم القلب وهذه فضيلة شريفة فيه وخاصيته النفع من الوسواس السوداوي ومن الشقاق العارض في البدن ويفتح العضل وانتشار الشعر ومن القمل والصداع العتيق والجرب والبثور والحكة والصرع وشرب مائه مطبوخا أصلح من شربه مدقوقا ومقدار الشربة منه إلى ثلاثة دراهم ومن مائه إلى خمسة دراهم وإن طبخ معه شئ من زهر البنفسج والزبيب الأحمر المنزوع العجم كان أصلح (فقال النبي صلى الله عليه وسلم) أي بعد ما سألني ثانيا أو حين ذكرت له من غير سؤال استعلاما واستكشافا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم قال الحافظ في تهذيب
[ 214 ]
التهذيب في ترجمة عتبة بن عبد الله الراوي عن أسماء ما لفظه عتبة بن عبد الله ويقال ابن عبيد الله حجازي روى عن أسماء بنت عميس حديثا في الاستمشاء بالسنا وعنه عبد الحميد بن جعفر روى له الترمذي هذا الحديث الواحد وقد رواه ابن ماجة من حديث عبد الحميد عن زرعة بن عبد الرحمن عن مولى لمعمر التيمي عن أسماء فيحتمل أن يكون هذا المبهم هو عتبة هذا قال ليس هو المبهم فإن كلام البخاري في تاريخه في ترجمة زرعة يقتضي أن زرعة هو عتبة المذكور اختلف في اسمه على عبد الحميد وعلى هذا فرواية الترمذي منقطعة لسقوط المولى منها انتهى 31 باب ما جاء في العسل قوله (عن أبي المتوكل) اسمه علي بن داود الناجي قوله (إن أخي إستطلق بطنه) بضم المثناة وسكون الطاء المهملة وكسر اللام بعدها قاف أي كثر خروج ما فيه يريد الإسهال ووقع في رواية لمسلم إن أخي عرب بطنه وهي بالعين المهملة والراء المكسورة ثم الموحدة أي فسد هضمه لاعتلال المعدة ومثله ذرب بالذال المعجمة بدل العين وزنا ومعنى (فقال إسقه) بكسر الهمزة (عسلا) ظاهره الأمر بسقيه صرفا ويحتمل أن يكون ممزوجا (صدق الله) أي فيما قال فيه شفاء للناس كذا قيل وقال ابن الملك أي كون شفاء ذلك البطن في شربه العسل قد أوحى إلي والله تعالى صادق فيه وهذا التوجيه أولى مما قيل من أن المراد به قوله تعالى فيه شفاء للناس لأن الآية لا تدل على أنه شفاء من كل داء قال القاري ظاهره الإطلاق وإثبات الوحي يحتاج إلى دليل (وكذب بطن أخيك) قال الخطابي وغيره أهل الحجاز يطلقون الكذ ب في موضع الخطأ يقال كذب سمعك أي زل فلم يدرك حقيقة ما قيل له فمعنى كذب بطنه أي لم يصلح لقبول الشفاء بل زل عنه والجواب أن ذلك جهل من قائله بل هو كقوله تعالى بل كذبوا بما لم
[ 215 ]
وقد اعترض بعد الملاحدة فقال العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال يحيطوا بعلمه فقد اتفق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه بأختلاف السن والعادة والزمان والغذاء المألوف والتدبير وقوة الطبيعة وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع منها الهيضة التي تنشأ عن تخمة واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها فإن احتاجت إلى مسهل معين اعينت ما دام بالعليل قوة فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته فوصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء لما في العسل من الجلاء ودفع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها وللمعدة خمل كخمل المنشفة فإن علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها فكان ذواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط ولا شئ في ذلك مثل العسل لا سيما إن مزج بالماء الحار وإنما لم يفده في أول مرة لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب الداء إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية وإن جاوزه أوهى القوة وأحدث ضررا اخر فكأنه شرب منه أولا مقدارا لا يفي بمقاومة الداء فأمر بمعاودة سقيه فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله تعالى وفي قوله صلى الله عليه وسلم وكذب بطن أخيك إشارة إلى أن هذا الدواء نافع وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه ولكن لكثرة المادة الفاسدة فمن ثم أمره بمعاودة شرب العسل لاستفراغها فكان كذلك وبرأ بإذن الله قال الخطابي والطب نوعان طب اليونان وهو قياسي وطب العرب والهند وهو تجاربي وكان أكثر ما يصفه النبي صلى الله عليه وسلم لمن يكون عليلا على طريقة طب العرب ومنه ما يكون مما أطلع عليه بالوحي وقد قال صاحب كتاب المائة في الطب إن العسل تارة يجري سريعا إلى العروق وينفذ معه جل الغذاء ويدر البول فيكون قابضا وتارة يبقى في المعدة فيهيجها لذعها حتى يدفع الطعام ويسهل البطن فيكون مسهلا فإنكار وصفه المسهل مطلقا قصور من المنكر وقال غيره طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن البرء لصدوره عن الوحي وطب غيره أكثره حدس أو تجربة وقد يتخلف الشفاء عن بعض ما يستعمل طب النبوة وذلك لمانع قام بالمستعمل من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول وأظهر الأمثلة في ذلك القران الذي هو شفا لما في الصدور ومع ذلك فقد لا يحصل لبعض الناس شفاء صدره لقصوره في الاعتقاد والتلقي بالقبول بل لا يزيد المنافق إلا رجسا إلى رجسه ومرضا إلى مرضه فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة كما أن شفاء القران لا يناسب إلا القلوب الطيبة كذا في الفتح (فسقاه فبرأ) بفتح الراء والهمز بوزن قرأ وهي لغة أهل الحجاز وغيرهم يقولها بكسر الراء بوزن علم وقد قع في رواية أبي الصديق الناجي في اخره فسقاه فعافاه الله ذكره الحافظ
[ 216 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما 32 باب قوله (عن يزيد أبي خالد) قال في التقريب أبو خالد الدالاني الأسدي الكوفي اسمه يزيد بن عبد الرحمن صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس من السابعة انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن المنهال بن عمرو وغيره وعنه شعبة وغيره ووقع في النسخة الأحمدية يزيد بن خالد وهو غلط (سمعت المنهال ابن عمرو) الأسدي مولاهم الكوفي صدوق ربما وهم من الخامسة قوله (ما من عبد مسلم) ما للنفي ومن زائدة (يعود مريضا) وفي المشكاة ما من مسلم يعود مسلما أي يزوره في مرضه (لم يحضر أجله) صفة مريض (فيقول) أي العائد (أسأل الله العظيم) أي في ذاته وصفاته (أن يشفيك) بفتح أوله مفعول ثان (إلا عوفي) وفي رواية أبي داود إلا عافاه من ذلك المرض والحصر غالبي أو مبني على شروط لا بد من تحققها قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين
[ 217 ]
33 باب قوله (حدثنا مرزوق أبو عبد الله الشامي) قال في التقريب مرزوق أبو عبد الله لحمصي تزل البصرة لا بأس به من السادسة (حدثنا سعيد رجل من أهل الشام) قال الحافظ في التقريب سعيد بن زرعة الحمصي الجرار بالجيم ومهملتين الخزاف بمعجمة وزاي مستور من الثالثة انتهى وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنه مرزوق أبو عبد الله الشامي والحسن بن همام قال أبو حاتم مجهول وذكره ابن حبان في الثقات له في الترمذي حديث واحد في استقبال الجرية للحمى انتهى قوله (إذا اصاب أحدكم الحمى) أي أخذته (فإن الحمى قطعة من النار) أي لشدة ما يلقى المريض فيها من الحرارة الظاهرة والباطنة وقال الطيبي جواب إذا فليعلم إنها كذلك (فليطفها) كذا في النسخ الموجودة بحذف الهمزة والظاهر أن يكون فليطفئها بإثبات الهمزة وكذلك في المشكاة وكذا في مسند أحمد (عنه بالماء) أي البارد قال ويحتمل أن يكون الجواب فليطفئها وقوله فإن الحمى معترضة (فليستنقع في نهر جار) بيان ل طفاء قال في القاموس استنقع في الغدير نزل واغتسل كأنه ثبت فيه ليتبرد انتهى (فليستقبل جريته) بكسر الجيم قال الطيبي يقال ما أشد جرية هذا الماء بالكسر (فيقول) أي حال الاستقبال (وصدق رسولك) أي اجعل قوله هذا صادقا بأن تشفيني ذكره الطيبي (بعد صلاة الصبح) ظرف ليستنقع وكذا قوله (قبل طلوع الشمس وليغمس) بفتح الياء وكسر الميم (فيه) أي في النهر أو في مائه (ثلاث غمسات) بفتحتين (ثلاثة أيام) قال الطيبي قوله وليغمس بيان لقوله فليستنقع جئ به لتعلق المرات (فإن لم يبرأ) بفتح الراء (في ثلاث) أي ثلاث غمسات أو في ثلاثة أيام (فخمس) بالرفع قال الطيبي أي
[ 218 ]
فالأيام التي ينبغي أن ينغمس فيها خمس أو فالمرات انتهى (فسبع) بالرفع كما تقدم انفا (فتسع) كذلك (فإنها) أي الحمى (لا تكاد) أي تقرب (تجاوز تسعا) أي بعد هذا العمل (بإذن الله) أي إرادته أو بأمره لها بالذهاب وعدم العود وقد تقدم الكلام فيما يتعلق بعلاج الحمى بالماء البارد في باب تبريد الحمى بالماء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وابن أبي الدنيا وابن السني وأبو نعيم كذا في المرقاة 34 باب التداوي بالرما سقط هذا الباب من بعض النسخ قوله (عن أبي حازم) اسمه سلمة بن دينار قوله (دووي) بصيغة المجهول من المداوة (فخشى) بصيغة المجهول من باب نصر (به جرحه) أي أدخل في جرحه والحديث رواه الترمذي هكذا مختصرا وروى البخاري في كتاب الجهاد عن أبي حازم أنه سمع سهل بن سعد وهو يسأل عن جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان يسكب الماء وبما دووي قال كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تغسله وعلي يسكب الماء بالمجن فلما رأت فاطمة أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخذت قطعة من حصير فأحرقتها فألصقتها فاستمسك الدم وكسر ت رباعيته يومئذ وجرح وجهه وكسرت البيضة على رأسه قال ابن بطال قد زعم أهل الطب أن الحصير كلها إذا أحرقت تبطل زيادة الدم بل الرماد كله كذلك لأن الرماد من شأنه القيض ولهذا ترجم الترمذي لهذا الحديث التداوي بالرماد وقال المهلب فيه أن قطع الدم بالرماد كان معلوما عندهم لا سيما إن
[ 219 ]
كان الحصير من دبس السعد فهي معلومة بالقبض وطيب الرائحة فالقبض يسد أفواه الجرح وطيب الرائحة يذهب بزهم الدم وأما غسل الدم أولا فينبغي أن يكون إذا كان الجرح غير غائر وأما لو كان غائرا فلا يؤمن معه ضرر الماء إذا صب فيه وقال الموفق عبد اللطيف الرماد فيه تجفيف وقلة لذع والمجفف إذا كان فيه قوة لذع ربما هيج الدم وجلب الورم ووقع عند ابن ماجة من وجه اخر عن سهل بن سعد أحرقت له حين لم يرقأ قطعة حصير خلق فوضعت رماده عليه فرقئ الكلم قال أبو عيسى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما 35 باب سقط لفظ الباب من بعض النسخ قوله (عن موسى بن محمد بن إبراهيم) بن الحارث التميمي المدني منكر الحديث من السادسة قوله (إذا دخلتم على المريض) أي لعيادته (فنفسوا له في أجله) أي أذهبوا لحزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لا بأس طهور أو يطول الله عمرك ويشفيك ويعافيك أو وسعوا له في أجله فيتنفس عنه الكرب والتنفيس التفريج وقال الطيبي أي طمعوه في طول عمره واللام للتأكيد وقال في اللمعات التنفيس التفريج أي فرجوا له وأذهبوا كربه فيما يتعلق بأجله بأن تدعوا له بطول العمر وذهاب المرض وأن تقولوا لا بأس ولا تخف سيشفيك الله وليس مرضك صعبا وما أشبه ذلك فإنه وإن لم يرد شيئا من الموت المقدر ولا يطول عمره لكن يطيب نفسه ويفرجه ويصير ذلك سببا لانتعاش طبيعته وتقويتها ويضعف المرض انتهى (فإن ذلك) أي
[ 220 ]
تنفيسكم له (لا يرد شيئا) أي من القضاء والقدر (ويطيب) بالتشديد (نفسه) بالنصب على المفعولية يعني لا بأس عليكم بتنفيسكم له فإن ذلك التنفيس لا أثر له إلا في تطييب نفسه فلا يضركم ذلك ومن ثم عدوا من اداب العيادة تشجيع العليل بلطيف المقال وحسن الحال قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة وفي سنده موسى بن محمد بن إبراهيم وهو منكر الحديث كما عرفت
[ 221 ]
29 كتاب الفرائض بالهمز جمع فريضة أي المقدرات الشرعية في المتروكات المالية في شرح السنة الفرض أصله القطع يقال فرضت لفلان إذا قطعت له من المال شيئا وفي المغرب الفريضة اسم ما يفرض على المكلف وقد يسمى بها كل مقدر فقيل الأنصباء المواريث فرائض لأنها مقدرة لأصحابها ثم قيل بعلم بمسائل الميراث علم الفرائض وللعالم بها فرضى وفارض 1 باب ما جا في من ترك مالا فلورثته قوله (من ترك مالا فلأهله) وفي بعض النسخ فلورثته (ومن ترك ضياعا) بفتح الضاد ويكسر أي عيالا قال الخطابي الضياع هنا وصف لورثة الميت بالمصدر أي ترك أولادا أو عيالا ذوي ضياع أي لا شئ لهم والضياع في الأصل مصدر ضاع ثم جعل اسما لكل ما يعرض للضياع (فإلى) أي مرجعه ومأواه أو فليأت إلي أي أنا أتولى أمورهم بعد وفاتهم وأنصرهم فوق ما كان منهم لو عاشوا فأذب المستأكلة من الظلمة أن يحوموا حوله فيخلص لورثته
[ 222 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وابن ماجة (وقد رواه الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أطول من هذا وأتم) روى البخاري في صحيحه من طريق يونس عن ابن شهاب قال حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن مات وعليه دين ولم يترك وفاء فعلينا قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته (وفي الباب عن جابر وأنس) أما حديث جابر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والدارقطني والحاكم وأما حديث أنس فلينظر من أخرجه 2 باب ما جاء في تعليم الفرائض قوله (تعلموا الفرائض والقران) قيل المراد بالفرائض هنا علم الميراث وقيل ما افترض الله تعالى على عباده بقرينة ذكر القرا ن (وعلموا الناس) المذكور (فإني مقبوض) يقبضني الله تعالى ويميتني قوله (هذا حديث فيه اضطراب) وقد بينه الترمذي بقوله (وروى أبو أسامة الخ) قال الحافظ في الفتح قد ورد في الحث على تعلم الفرائض حديث ليس على شرط المصنف أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وصححه الحاكم من حديث ابن مسعود رفعه تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يحدان من يفصل بينها ورواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي اختلافا كثيرا فقال الترمذي إنه
[ 223 ]
مضطرب والاختلاف عليه أنه جاء عنه من طريق ابن مسعود وجاء عنه من طريق أبي هريرة و في أسانيدها عنه أيضا اختلاف ولفظه عند الترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا لفرائض فإنها نصف العلم وإنه أول ما ينزع من أمتي وفي الباب عن أبي بكرة أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق راشد الحماني عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه رفعه تعلموا القران والفرائض وراشد مقبول لكن الراوي عنه مجهول وعن أبي سعيد الخدري بلفظ تعلموا الفرائض وعلموها الناس أخرجه الدارقطني من طريق عطية وهو ضعيف قال ابن الصلاح لفظ النصف في هذا الحديث بمعنى أحد القسمين وإن لم يتساويا وقال ابن عيينة إذا سئل عن ذلك إنه يبتلي به كل الناس وقال غيره لأن لهم حالتين حالة حياة وحالة موت والفرائض تتعلق بأحكام الموت انتهى ما في الفتح ملخصا قلت قوله ولفظه عند الترمذي من حديث أبي هريرة تعلموا الفرائض الخ فيه أن هذا ليس لفظ حديث أبي هريرة المذكور في الباب نعم رواه ابن ماجة والحاكم والدارقطني عنه بنحو هذا اللفظ كما ذكره الحافظ في التلخيص 3 باب ما جاء في ميراث البنات قوله (جاءت امرأة سعد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة أي الأنصاري الخزرجي وكان اخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف ودفن هو وخارجة بن زيد في قبر واحد ذكره صاحب المشكاة (قتل أبوهما معك) أي مصاحبا لك قال في اللمعات معك ظرف مستقر أي كانا معك لا ظرف لغو متعلق بقتل (شهيدا) تمييز ويجوز أن يكون حالا مؤكدة لأن السابق في معنى الشهادة (وأن عمهما أخذ مالهما) أي على طريق الجاهلية في حرمان النساء من الميراث (فلم
[ 224 ]
يدع لهما مالا) أي ولم يترك عمهما لهما مالا ينفق عليهما أو تجهزان به للزواج (ولا تكحان) أي لا تزوجان عادة أو غالبا أو مع العزة (قال يقضي الله في ذلك) أي يحكم به في القران (فنزلت اية الميراث) أي قوله تعالى يوصيكم الله في أولادكم وأعط أمهما الثمن وذلك لقوله تعالى (فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم) (وما بقي فهو لك) أي بالعصوبة وهذا أول ميراث في الاسلام قال البيضاوي رحمه الله واختلف في البنتين فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حكمهما حكم الواحدة أي لا حكم الجماعة لأنه تعالى جعل الثلثين لما فوقهما وقال الباقون حكمهما حكم ما فوقهما لأنه تعالى لما بين أن حظ الذكر مثل حظ الأنثيين إذا كان معه أنثى وهو الثلثان اقتضى ذلك أن فرضهما الثلثان ثم لما أوهم ذلك أن يزاد النصيب بزيادة العددرد ذلك الوهم بقوله (فإن كن نساء فوق اثنتين) ويؤيد ذلك أن البنت الواحدة لما استحقت الثلث مع أخيها فبالحرى أن تستحقه مع أخت مثلها وأن البنتين أمس رحما من الأختين وقد فرض لهما الثلثين بقوله (فلهما الثلثان مما ترك) انتهى والحديث يوافق الجمهور ولعله لم يبلغ ابن عباس أو ما صح عنده قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة 4 باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب قوله (جاء رجل إلى أبي موسى وسليمان بن ربيعة) في رواية النسائي جاء رجل إلى أبي موسى الأشعري وهو الأمير وإلى سليمان بن ربيعة الباهلي قال الحافظ كانت هذه القصة في زمن
[ 225 ]
عثمان رضي الله تعالى عنه لأنه الذى أمر أبا موسى على الكوفة وكان ابن مسعود قبل ذلك أميرها ثم عزل قبل ولاية أبى موسى عليها بمدة قال وقد ذكر وا أن سلمان المذكور كان على قضاء الكوفة (فقالا للابنة النصف وللأخت من الأب والأمام ما بقي) يعني النصف الباقي لقوله تعالى (إن امرء هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك) وفيه أن الولد يشمل البنت فكأنه غفل عن هذا أو أردان أن الولد مختص بالذكر أو قال للأخت النصف على جهة التعصيب كذا في المرقاة إلى عبد الله) أي ابن مسعود (فإنه سيتابعنا) أي يوافقنا (قال عبد الله له ضللت إذا) أي إن وافقتهما في هذا الجواب (وما أنا من المهتدين) أي حينئذ إلى الصواب (ولكي أفضي فيها) أي في المسألة (تكملا لثلثين با ضافة ونصبه على المفعول له أي لتكميل الثلثين) وقال الطيبي رحمه الله (إما مصدر مؤكد لأنك إذا أضفت السدس إلى النصف فقد كملته ثلثين ويجوز أن يكون حالا مؤكدة (وللأخت ما بقي) أي لكونها عصبة مع البنات وبيانه أن حق البنات الثلثان كما تقدم وأخذت الصبية الواحدة النصف لقوة القرابة فبقي سدس من حق البنات فتأخذه بنات الابن واحدة كانت أو متعددة وما بقي من التركة فلأولى عصبة فبنات الابن من ذوات الفروض مع الواحدة من الصلبيات كذا ذكره السيد في شرح الفرائض قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة والدارمي والطحاوي (وأبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة صدوق ربما خالف من السادسة مات سنة عشرين ومائة
[ 226 ]
5 باب ما جاء في ميراث الاخوة من الأب والأم قوله (وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ) بكسر إن والواو للحال (وأن أعيان بني الأم) بفتح أن والواو للعطف أي وقضى بأن أعيان بني الأم والمراد من أعيان بني الأم الاخوة والأخوات لأب واحد وأم واحدة من عين الشئ وهو النفيس منه (يرثون) وفي بعض النسخ يتوارثون (دون بني العلات) وهم الاخوة لأب وأمهات شتى والمعنى أن بني الأعيان إذا اجتمعوا مع بني العلات فالميراث لبني الأعيان لقوة القرابة وازدواج الوصلة قال الطيبي قوله إنكم تقرأون إخبار فيه معنى الاستفهام يعني إنكم أتقرأون هذه الاية هل تدرون معناها فالوصية مقدمة على الدين في القراءة متأخرة عنه في القضاء وا خرة فيها مطلق يوهم التسوية فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقديم الدين عليها وقضى في الاخوة بالفرق انتهى (الرجل يرث أخاه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه) استيئناف كالتفسير لما قبله وذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص وفيه يرث الرجل أخوه لأبيه وأمه دون أخيه لأبيه وعزاه للترمذي وابن ماجة والحاكم فإن قلت إذا كان الدين مقدما على الوصية فلم قدمت عليه في التنزيل قلت اهتماما بشأنها الكشاف لما كانت الوصية مشبهة بالميراث في كونها مأخوذة من غير عوض كان إخراجها مما يشق على الورثة ويتعاظم ولا تطيب أنفسهم بها كان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن نفوسهم مطمئنة إلى أدائه فلذلك قدمت على الدين بعثا على وجوبها والمسارعة إلى إخراجها مع الدين ولذلك جئ بكلمة أو للتسلية بينهما في الوجوب قاله القاري قلت وسيأتي وجه تقديم الوصية على الدين في القراءة مفصلا في باب يبدأ بالدين قبل الوصية قوله (أن أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات) تقدم شرحه انفا
[ 227 ]
قوله (وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث) ذكر الحافظ كلامهم فيه في تهذيب التهذيب وقال في التقريب الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الحوتي الكوفي أبو زهير صاحب علي كذبه الشعبي في رائه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين انتهى وقال في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث الحارث عن علي والحارث فيه ضعف وقد قال الترمذي إنه لا يعرف إلا من حديثه لكن العمل عليه وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس به انتهى (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم) وفي بعض النسخ عند عامة أهل العلم 6 باب ميراث البنين مع البينات كذا في بعض النسخ باب بغير ترجمة ووقع في بعضها باب ميراث البنين مع البنات قوله (حدثنا عبد الرحمن بن سعد) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد ابن عثمان الدشتكي أبو محمد الرازي المقري ثقة من العاشرة (حدثنا عمرو بن أبي قيس) الرازي الوزوق كوفي نزل الزي صدوق له أوهام من الثامنة قوله (وأنا مريض في بني سلمة) بفتح المهملة وكسر اللام هم قوم جابر وهم بطن من الخزرج (بين ولدي) كذا وقع في رواية الاتية ولا في رواية الترمذي هذه بزيادة لفظ بين ولدي ولم يقع هذا اللفظ في الرواية و احد من بقية الأئمة الستة بل وقع في بعض طرق حديث جابر المذكور في الصحيحين فقلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة ووقع في رواية للبخاري إنما لي أخوات فبين
[ 228 ]
رواية الترمذي هذه وهذه الروايات مخالفة ظاهرة في الصحيح فهو مقدم (فلم يرد على شيئا فنزلت يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين الاية وفي الرواية الاتية فلم يجيني شيثا وكان له تسع أخوات حتى نزلت اية الميراث يستفتونك قل الله يفتيكم الخ قال ابن العربي بعد أن ذكر الروايتين في إحداهما فنزلت (يستفتونك) وفي أخرى اية المواريث هذا تعارض لم يتفق بيانه إلى الان ثم أشار إلى ترجيح اية المواريث وتوهيم يستفتونك قال الحافظ ويظهر أن يقال إن كلا من الايتين لما كان فيها ذكر الكلالة نزلت في ذلك لكن الاية الأولى لما كانت الكلالة فيها خاصة بميراث الاخوة من الأم كما كان ابن مسعود يقرأ (وله أخ أو أخت من أم) وكذا قرأ سعد بن أبي وقاص أخرجه البيهقي بسند صحيح استفتوا عن ميراث غيرهم من الاخوة فنزلت الأخيرة فيصبح أن كلامن الايتين نزل في قصة جابر لكن المتعلق به من الاية الأولى ما يتعلق بالكلالة وأمسبب نزول أولها فورد من حديث جابر أيضا في قصة ابنتي سعد بن الربيع ومنع عمهما أن ترثا من أبيهما فنزلت يوصيكم الله الاية انتهى 7 باب ميراث الأخوات سقط هذا الباب من بعض النسخ قوله (قد أغمي) بصيغة المجهول (علي) بتشديد الياء قال في النهاية أغمي على المريض غشي عليه كأن المرض ستر عقله وغطاه انتهى وقال الكرماني الاغماء والغشى بمعنى واحد قال العيني وليس كذلك فإن الغشي مرض يحصل من طول التعب وهو أخف من الاغماء والفرق بينه وبين الجنون والنوم أن العقل يكون في الاغماء مغلوبا وفي الجنون يكون مسلوبا وفي النوم
[ 229 ]
يكون مستورا انتهى (فصب علي من وضوئه) بفتح الواو وقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد صب علي بعض الماء الذي توضأ به أو مما بقي منه والأول المراد فللمصنف يعني البخاري في الاعتصام ثم صب وضوئه علي ولأبي داود فتوضأ وصبه علي انتهى (فأفقت) أي من إغمائي (يستفتونك) أي يستخبرونك في الكلالة والاستفتاء طلب الفتوى (قل الله يفتيكم في الكلالة) قال الجزري في النهاية قد تكرر في الحديث ذكر الكلالة وهو أن يموت الرجل ولا يدع والدا ولا ولدا يرثانه وأصله من تكلله النسب إذا أحاط به وقيل الكلالة الوارثون الذين ليس فيهم ولد و لا والد فهو واقع على الميت وعلى الوارث بهذا الشرط وقيل الأب والابن طرفان للرجل فإذا مات ولم يخلفهما فقد مات عن ذهاب طرفيه فسمي ذهاب الطرفين كلالة وقيل كل ما احتف بالشئ من جوانبه فهو إكليل وبه سميت لأن الوراث يحيطون به من جوانبه انتهى وقال القسطلاني الكلالة الميت الذي لا ولد له ولا والد وهو قول جمهور اللغويين وقال به علي وابن مسعود أو الذي لا والد له فقط وهو قول عمر أو الذي لا ولد له فقط وهو قول بعضهم أو من لا يرثه أب ولا أم وعلى هذه الأقوال فالكلالة إسم للميت وقيل الكلالة اسم للورثة ما عدا الأبوين والولد قاله قطرب واختاره أبو بكر رضي الله تعالى عنه وسموا بذلك لأن الميت بذهاب طرفيه تكلله الورثة أي أحاطوا به من جميع جهاته انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الطهارة وفي التفسير وفي الطب وفي الفرائض وفي الاعتصام ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الفرائض والنسائي فيه وفي الطهارة وفي التفسير وفي الطب وأخرجه الترمذي أيضا في التفسير 8 باب في ميراث العصبة قوله (ألحقوا) بفتح همزة وكسر حاء أي أوصلو ا (الفرائض) أي الحصص المقدرة في كتاب
[ 230 ]
الله تعالى من تركة الميت وهي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس (بأهلها) أي المبينة في الكتاب والسنة (فما بقي) بكسر القاف أي فما فضل بينهم من المال (فهو لأولى رجل) أي لأقرب رجل من الميت (ذكر) تأكيد أو احتراز من الخنثى وقيل أي صغير أو كبير وفي شرح مسلم للنووي قال العلماء المراد بالأولى الأقرب مأخوذ من الولي بإسكان اللام على وزن الرمي وهو القرب وليس المراد بأولى هنا أحق بخلاف قولهم الرجل أولى بماله لأنه لو حمل هنا على أحق لخلا عن الفائدة لأنا لا ندري من هو الأحق ووصف الرجل بالذكر تنبيها على سبب استحقاقه وهي الذكورة التي هي سبب العصوبة وسبب الترجيح في الأرث ولهذا جعل للذكر مثل حظ الأنثيين وحكمته أن الرجال تلحقهم مؤن كثيرة بالقيام بالعيال والضيفان وإرفاد القاصدين ومواساة السائلين وتحمل الغرامات وغير ذلك وقد أجمعوا على أن ما بقي بعد الفروض فهو للعصبات يقدم الأقرب فالأقرب فلا يرث عاصب بعيد مع وجود قريب فإذا خلف بنتا وأخا وعما فللبنت النصف فرضا والباقي للأخ ولا شئ للعم وجملة عصبات النسب الابن والأب ومن يدلى بهما ويقدم منهم الأبناء ثم بنوهم وإن سفلوا ثم الأب ثم الجد ثم الاخوة لأبوين أو لأب وهم في درجة في شرح السنة فيه دليل على أن بعض الورثة يحجب البعض والحجب نوعان ح جب نقصان وحجب حرمان قوله (هذا حديث حسن) بل هو صحيح فإنه أخرجه الشيخان (وقد روى بعضهم عن ابن طاؤس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل) قال الحافظ في الفتح قيل تفرد وهيب بوصله ورواه النوري عن ابن طاؤس لم يذكر أبن عباس بل أرسله أخرجه النسائي والطحاوي وأشار النسائي إلى ترجيح الارسال ورجح عند صاحبي الصحيح الموصول لمتابعة روح بن القاسم وهيبا عندهما ويحيى بن أيوب عند مسلم وزياد بن سعد وصالح عند الدارقطني واختلف على معمر فرواه عبد الرزاق عنه موصولا أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة ورواه عبد الله بن المبارك عن معمر والثوري جميعا مرسلا أخرجه الطحاوي ويحتمل أن يكون حمل رواية معمر على رواية الثوري وإنما صححاه لأن الثوري وإن كان أحفظ منهم لكن العدد الكثير يقاومه وإذا تعارض الوصل والأرسال ولم يرجح أحد الطريقين قدم الوصل انتهى
[ 231 ]
9 باب ما جاء في ميراث الجد قوله (فقال إن ابن ابني مات فمالي من ميراثه) أي وله بنتان ولهما الثلثان وكان معلوما عندهم (قال لك السدس) أي بالفرضية (يقال لك سدس اخر) أي بالعصوبة (قال إن السدس الأخر) قال القاري في شرح المشكاة بكسر الخاء وفي نسخة يعني من المشكاة بالفتح والمراد به الاخر بالكسر (لك طعمة) يعني رزق لك بسبب عدم كثرة أصحاب الفروض وليس بفرض لك فإنهم إن كثروا لم يبق هذا السدس الأخير لك قال الطيبي صورة هذه المسألة أن الميت ترك بنتين وهذا السائل فلهما الثلثان فبقي الثلث فدفع عليه الصلاة والسلام إلى السائل سدسا بالفرض لأنه جد الميت وتركه حتى ذهب فدعاه ودفع إليه السدس الأخير كيلا يظن أن فرضه للثلث ومعنى الطعمة هنا التعصيب أي رزق لك ليس بفرض وإنما قال في السدس الاخر طعمة دون الأول لأنه فرض والفرض لا يتغير بخلاف التعصيب فلما لم يكن التعصيب شيئا مستقرا ثابتا اسماه طعمة انتهى اعلم أنه قد اختلف الصحابة في الجد اختلافا طويلا ذكره الحافظ في الفتح والتلخيص والقاضي الشوكاني في النيل فإن شئت الوقوف على ذلك فارجع إلى هذه الكتب قوله (هذا حديث صحيح حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قال المنذري في لتلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما إن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين انتهى قلت قد أسند ابن أبي حاتم في كتابه المراسيل عن هؤلاء الأئمة أن الحسن لم يسمع من عمران بن حصين شيئا قوله (وفي الباب عن معقل بن يسار) أخرجه أحمد عن الحسن أن عمر سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجد فقام معقل بن يسار المزني فقال قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ماذا قال السدس قال مع من قال لا أدري قال لادريت فما تغني إذن وأخرجه أبو داود والنسائي
[ 232 ]
وابن ماجة ولكنه منقطع لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر فإنه ولد في سنة إحدى وعشرين وقتل عمر في سنة ثلا ث وعشرين وقيل سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار 10 باب ما جاء في ميراث الجدة قوله (حدثنا سفيان) هو ابن عيينة (قال قبيصة بن ذويب) قال في التقريب قبيصة بن ذويب بالمعجمة مصغر ابن حلحة الخزاعي أبو سعيد أو أبي إسحاق المدني نزيل دمشق من أولاد الصحابة وله رؤية مات سنة بضع وثمانين قوله (جاء الجدة أم الأم أو أم الأب) شك من الراوي وقد ذكر القاضي حسين أم الجدة التي جاءت إلى الصديق أم الأم وأن التي جاءت إلى عمر أم الأب وفي رواية ابن ماجة ما يدل له كذا في التلخيص (ما أجد لك في الكتاب) أي في كتاب الله (ثم جاءت التي تخالفها) وفي نسخة الجدة الأخرى وفي رواية ابن ماجة ثم جاءت الجدة الأخرى من قبل الأب إلى عمر تسأله ميراثها (وأيتكما انفردت به) أي انفردت بالسدس وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا قال الطيبي رحمه الله فإن اجتمعتما الخ بيان للمسألة والخطاب في فإن اجتمعتما وأيتكما للجنس لا يختص بهاتين الجدتين فالصديق إنما حكم بالسدس لها لأنه ما وقف على الشركة والفاروق لما وقف على الاجتماع حكم بالاشتراك كذا في المرقاة
[ 233 ]
قوله (عن عثمان بن إسحاق بن خرشة) قال في التقريب عثمان بن إسحاق بن خرشة بمعجمتين بينهما راء مفتوحات القرشي العامري المدني وثقه الدوري في رواية ابن معين من الخامسة قوله (مالك في كتاب الله) أي في كلامه (ومالك في سنة رسول الله) أي في حديثه (فقام محمد بن مسلمة) بفتح فسكون (فأنفذه لها) أي فأنفذ الحكم بالسدس للجدة وأعطاه إياها (ثم جاءت الجدة الأخرى) أي من قبل الأب كما في رواية ابن ماجة (ولكن هو ذلك) قال القاري بكسر الكاف وفي نسخة يعني من المشكاة بالفتح على خطاب العام (السدس) صفة ذلك أو عطف بيان له أي ميراثك ذلك السدس بعينه تقسمانه بينكما (فإن اجتمعتما) وهذا تصريح بما علم ضمنا وتوضيح لمنطوق ما فهم مفهوما والخطاب للجدة من طرف الأم والجدة من طرف الأب (وأيتكما خلت به) أي انفردت بالسدس قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم من هذا الوجه وإسناد صحيح لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق ولا يمكن شهوده للقصة قاله ابن عبد البر بمعناه وقد اختلف في مولده والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة وقد أعله عبد الحق تبعا بن حزم بالانقطاع وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الاختلاف فيه عن الزهري يشبه أن يكون الصواب قول مالك ومن تابعه انتهى (وهو أصح من حديث ابن عيينة) لأن مالكا أتقن وأثبت من سفيان بن عيينة
[ 234 ]
قوله (وفي الباب عن بريدة) أخرجه أبو داود والنسائي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل للجدة السدس إذا لم تكن دونها أم وفي إسناده عبيد الله العتكي مختلف فيه وصححه ابن السكن 11 باب ما جاء في ميراث الجدة مع ابنها قوله (أطعمها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا) أي أعطاها تبرعا قاله الطيبي رحمه الله قوله إنها أول جدة مقول القول والضمير راجع إلى الجدة المذكورة في المسألة أي قال ابن مسعود في مسألة الجدة مع الابن هذا القول قال المظهر يعني أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أبي الميت سدسا مع وجود أبي الميت مع أنه لا ميراث لها معه قوله (هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه) في سنده محمد بن سالم الهمداني أبو سهل الكوفي وهو ضعيف والحديث أخرجه أيضا الدارمي قوله (وقد ورث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجدة مع ابنها ولم يورثها بعضهم) قال في اللمعات أعلم أن الجدات سواء كانت أبويات أو أميات يسقطن بالأم أما الأميات فلوجود إدلائها الأمومة واتحاد السبب الذي هو الأمومة وأما الأبويات فلاتحاد السبب مع زيادة القربى وتسقط الأبويات دون الأميات بالأب أيضا وهو قول عثمان وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم ونقل عن عمر وابن مسعود وأبي موسى الأشعري أن أم الأب ترث مع الأب واختاره شريح والحسن وابن سيرين لهذا الحديث وقيل الجدة ليس لها ميراث والذي أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم طعمة أطعمها ولم يكن ميراثا كما يشعر به لفظ الحديث وأقربهن وأبعدهن في ذلك سواء انتهى
[ 235 ]
12 باب ما جاء في ميراث الخال قوله (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون وسكون الياء وبالفاء الأنصاري الأوسي صدوق من الخامسة (قال كتب معي) وفي رواية عن أبي أمامة أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث إلا خال فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر أي في جوابه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله ورسوله مولى من لا مولى له) وفي حديث المقدام بن معد يكرب الذي أشار إليه الترمذي أنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأفك عانه (والخال وارث من لا وارث له) أي إن مات ابن أخته ولم يخلط غير خاله فهو يرثه قوله (وفي الباب عن عائشة والمقدام بن معد يكرب) أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث المقدام فأخرجه أبو داود عنه مرفوعا أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دينا أو ضيعة فإلي ومن ترك مالا فلورثته وأنا مولى من لا مولى له أرث ماله وأفك عانه والخال مولى من لا مولى له يرث ماله ويفك عانيه وفي رواية له أنا وارث من لا وارث له أفك عنيه وأرث ماله والخال وارث من لا وارث له يفك عنيه ويرث ماله والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أحمد والنسائي وابن ماجة والحاكم وابن حبان وصححاه وحسنه أبو زرعة الرازي وأعله البيهقي بالاضطراب قوله (هذا حديث حسن) وأخرحه أحمد وابن ماجة وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه
[ 236 ]
قوله (أخبرنا أبو عاصم) اسمه الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم الشيباني أبو عاصم النبيل البصري ثقة ثبت من التاسعة (عن ابن جريج) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل من السادسة (عن عمرو بن مسلم) الجندي اليماني صدوق له أوهام من السادسة قوله (الخال وارث من لا وارث له) فيه دليل لمن قال بتوريث ذوي الأرحام وهو القول الراجح وقد تعسف القاضي أبو بكر ابن العربي في الجواب عن هذا الحديث فقال المراد بالخال السلطان قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي والدا رقطني وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه قوله (واختلف فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام الخ) إعلم أن ذا الرحم هو كل قريب ليس بذي فرض ولا عصبة فأكثر الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وابن عباس في رواية عنه مشهورة وغيرهم يرون توريث ذوي الأرحام وتابعهم في ذلك من التابعين علقمة والنخعي وشريح والحسن وابن سيرين وعطاء ومجاهد وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وأبو يوسف رحمه الله ومحمد رحمه الله وزفر ومن تابعهم وقال زيد بن ثابت وابن عباس في رواية شاذة لا ميراث لذوي الأرحام ويوضع المال عند عدم صاحب الفرض والعصبة في بيت المال وتابعهما في ذلك من التابعين سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وبه قال مالك والشافعي كذا في المرقاة وقال الشوكاني في النيل احتج الأولون بأحاديث الباب وبعموم قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وقوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون
[ 237 ]
الرجال والنساء والأقربين يشملهم والدليل على مدعي التخصيص وأجاب الاخرون عن ذلك فقالوا عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل وإلا استلزم إبطال الاستدلال بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر اخر فما هو وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الافراد ومن جملة ما استدلوا به على إبطال ميراث ذوي الأرحام حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال سألت الله عز وجل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما أخرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة ولها طرق موصولة ذكرها الحافظ في التلخيص والشوكاني في النيل وكلها ضعيفة قال الشوكاني بعد ذكرها وكل هذه الطرق لا تقوم بها حجة وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة فغايته أنه لا ميراث لهما وذلك لا يستلزم إبطال ميراث ذوي الأرحام انتهى 13 باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث قوله (عن عبد الرحمن بن الأصبهاني) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الأصبهاني الكوفي الجهني ثقة من الرابعة مات في إمارة خالد القشيري على العراق (عن مجاهد بن وردان) المدني صدوق قوله (وقع من عذق نخلة) قال في المجمع العذق بالفتح النخلة وبالكسر العرجون بما فيه من الشماريخ ويجمع على عذاق (فادفعوه إلى بعض أهل القرية) وفي رواية أبي داود اعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته قال القاري أي فإنه أولى من احاد المسلمين قال القاضي رحمه
[ 238 ]
الله إنما أمر أن يعطي رجلا من قريته تصدقا منه أو ترفقا أو لأنه كان لبيت المال ومصرفه مصالح المسلمين وسد حاجاتهم فوضعه فيهم لما رأى من المصلحة فإن الأنبياء كما لا يورث عنهم لا يرثون عن غيرهم وقال بعض الشراح الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم لا يرثون ولا يورث عنهم عن التلبس بالدنيا الدنية وانقطاع أسبابهم عنها وأما ما وقع في حديث المقدام وأنا مولى من لا مولى له أرث ماله فإنه لم يرد به حقيقة الميراث وإنما أراد أن الأمر فيه إلي في التصدق به أو صرفه في مصالح المسلمين أو تمليك غيره انتهى كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن بريدة) أخرجه أبو داود عنه قال مات رجل من خراعة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بميراثه فقال التمسوا له وارثا أو ذا رحم فلم يجدوا له وارثا ولا ذا رحم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطوه الكبير من خراعة قال المنذري وأخرجه النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل ابن أحمر ليس بالقوي والحديث منكر هذا اخر كلامه وقال الموصلي فيه نظر وقال أبو زرعة الرازي شيخ وقال يحيى بن معين كوفي ثقة انتهى والحديث أخرجه أيضا أحمد في مسنده قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي فأقره 14 باب في ميراث المولى لأسفل قوله (عن عوسجة) المكي مولى ابن عباس ليس بمشهور من الرابعة (ولم يدع وارثا) أي لم يترك احدا يرثه (لا عبدا) استثنا منقطع أي لكن ترك عبدا (فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ميراثه) هذا الاعطاء مثل ما سبق في حديث عائشة رضي الله عنها أعطوا ميراثه رجلا من أهل قريته بطريق التبرع لأنه صار ماله لبيت المال قال المظهر قال شريح وطاؤس يرث المعتق من المتق كما يرث العتيق من المعتق
[ 239 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قال المنذري في تلخيص السنن قال البخاري عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه عمرو بن دينار ولم يصح وقال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور وقال النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحدا يروي عنه غير عمرو وقال أبو زرعة الرازي ثقة قوله (والعمل عند أهل العلم في هذا الباب إذا مات رجل ولم بترك عصبة) أي وارثا (أن ميراثه يجعل في بيت مال المسلمين) هذا إذا كان بيت المال منتظما وأما إذا لم يكن منتظما فيجعل في المصالح العامة كالمدارس الدينية وغيرها والله تعالى أعلم 15 باب ما جاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر قوله (عن علي بن حسين) قال في التقريب علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور قال ابن عيينة عن الزهري ما رأيت قرشيا أفضل منه من الثالثة انتهى قوله (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) فيه دليل على أن المسلم لا يرث الكافر ولا الكافر المسلم وعليه عامة أهل العلم قوله (وفي الباب عن جابر وعبد الله بن عمرو) أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة عنه مرفوعا لا يتوارث
[ 240 ]
أهل ملتين شيئا وأخرجه أيضا الدارقطني وابن السكن وسند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في التلخيص هو حديث متفق عليه وأخرجه أصحاب السنن أيضا وأغرب ابن تيمية في المنتقى فادعى أن مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع ادعى أن النسائي لم يخرجه انتهى قوله (هكذا رواه معمر وغير واحد عن الزهري نحو هذا) أرووا عن الزهري عن علي بن حسين عن عمرو بن عثمان بالواو (وروى مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر بن عثمان) أي بغير الواو (وحديث مالك وهم) أي خطأ (وهم فيه مالك) أي أخطأ فيه (وروى بعضهم عن مالك فقال عن عمرو ابن عثمان) أي بالواو (وأكثر أصحاب مالك قالوا عن مالك عن عمر بن عثمان) أي بغير الواو قال الحافظ في التقريب عمر بن عثمان بن عفان في حديث أسامة صوابه عمرو تفرد مالك بقوله عمر وقال في تهذيب التهذيب عمر بن عثمان بن عفان المدني عن أسامة بن زيد بحديث لا يرث المسلم الكافر قاله مالك عن الزهري عن علي بن الحسين عنه وقال عامة الرواة عن علي عن عمرو بن عثمان وهو المحفوظ وقال في الفتح اتفق الرواة عن الزهري أن عمرو بن عثمان بفتح أوله وسكون الميم إلا أن مالكا وحده قال عمر بضم أوله وفتح الميم وشذت روايات عن غير مالك على وفقه وروايات عن مالك على وفق الجمهور (وعمرو بن عثمان هو مشهور من ولد عثمان ولا نعرف عمر بن عثمان) قال الحافظ في تهذيب التهذيب إن لعمر بن عثمان وجودا في الجملة كما قال ابن عبد البر إن أهل النسب لا يختلفون أن لعثمان ابنا يسمى عمر واخر يسمى عمرا وقد ذكر ابن سعد عمر بن عثمان وقال كان قليل الحديث وذكر عمرو بن عثمان وقال كان ثقة وله أحاديث وذكر الزبير بن بكار أن عثمان لما مات ورثه بنوه عمرو وأبان وعمر وخالد والوليد وسعيد وبناته وزوجتاه لكن لا يدل ذلك على أنه روى هذا الحديث عن أسامة بن زيد انتهى
[ 241 ]
قوله (والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم) قال النووي في شرح مسلم أجمع المسلمون على أن الكافر لا يرث المسلم وأما المسلم فلا يرث الكافر أيضا عند جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وذهبت طائفة إلى توريث المسلم من الكافر وهو مذهب معاذ بن جبل ومعاوية وسعيد بن المسيب ومسروق وغيرهم وروي أيضا عن أبي الدرداء والشعبي والزهري والنخعي نحوه على خلاف بينهم في ذلك والصحيح عن هؤلاء كقول الجمهور واحتجوا بحديث الاسلام يعلو ولا يعلى عليه وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح الصريح ولا حجة في حديث الاسلام يعلو ولا يعلى عليه لأن المراد به فضل الاسلام على غيره ولم يتعرض فيه الميراث فكيف يترك به نص حديث لا يرث المسلم الكافر ولعل هذه الطائفة لم يبلغها هذا الحديث انتهى (واختلف أهل العلم في ميراث المرتد فجعل بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم المال لورثته من المسلمين الخ) قال النووي والمرتد لا يرث المسلم با جماع وأما المسلم فلا يرث المرتد عند الشافعي ومالك وربيعة وابن أبي ليلى و غيرهم بل يكون ماله فيئا للمسلمين وقال أبو حنيفة والكوفيون والأوزاعي وإسحاق يرثه ورثته من المسلمين وروي ذلك عن علي وابن مسعود وجماعة من السلف لكن قال الثوري وأبو حنيفة ما كسبه في ردته فهو لبيت المال وما كسبه في الاسلام فهو للمسلمين وقال الاخرون الجميع لورثته من المسلمين انتهى 16 باب لا يتوارث أهل ملتين قوله (حدثنا حصين بن نمير) بالنون مصغرا الواسطي أبو محصن الضرير كوفي الأصل لا بأس به رمي بالنصب من الثامنة قوله (لا يتوارث أهل ملتين) قال ابن الملك يدل بظاهره على أن اختلاف الملل في الكفر يمنع التوارث كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وإليه ذهب الشافعي قلنا المراد هنا
[ 242 ]
الاسلام والكفر فإن الكفرة كلهم ملة واحدة عند مقابلتهم بالمسلمين وإن كانوا أهل ملل فيما يعتقدون انتهى وقال الامام محمد رحمه الله في موطئه لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم والكفر ملة واحدة يتوارثون به وإن اختلفت مللهم فيرث اليهودي من النصراني والنصراني من اليهودي وهو قول أبي حنيفة رحمه الله و العامة من فقهائنا انتهى وقال النووي في شرح مسلم توريث الكفار بعضهم من بعض كاليهودي من النصراني وعكسه والمجوسي منهما وهما منه قال به الشافعي رحمه اللهوأبو حنيفة رحمه الله واخرون ومنعه مالك قال الشافعي لكن لا يرث حربي من ذمى ولا ذمى من حربي قال أصحابنا وكذا لو كانا حربيين في بلدين متحاربين لم يتوارثا انتهى وقال الشوكاني في النيل ظاهر قوله لا يتوارث أهل ملتين أنه لا يرث ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك انتهى قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث جابر إلا من حديث ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال في التقريب صدوق سئ الحفظ جدا وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر قال في النيل سند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح 17 باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل قوله (عن إسحاق بن عبد الله) قال في التقريب إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي مولاهم المدني متروك من الرابعة قوله (القاتل لا يرث) فيه دليل على أن القاتل لا يرث من المقتول سواء كان قتل خطأ أو عمدا وإليه ذهب أكثر أهل العلم قوله (هذا حديث لا يصح) وأخرجه ابن ماجة والنسائي في السنن الكبرى وقال إسحاق
[ 243 ]
متروك قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن القاتل لا يرث كان القتل خطأ أو عمدا الخ) قال الشوكاني في النيل تحت حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا يرث القاتل شيئا أخرجه أبو داود والنسائي استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث من المال ولا من الدية وقال مالك والنخعي والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية ولا يخفى أن التخصيص لا يقبل إلا بدليل وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عند الطبراني نص في محل النزاع فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إعقلها ولا ترثها وقد كان قتل امرأته خطأ وكذلك حديث عدي الجذامي عند البيهقي في سننه بلفظ أن عديا كانت له امرأتان اقتتلتا فرمى إحداهما فماتت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فذكر له ذلك فقال له اعقلها ولا ترثها وأخرج البيهقي أيضا أن رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال له إخوته لا حق لك فارتفعوا إلى علي رضي الله عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر وغرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا وأخرج أيضا عن جابر بن زيد أنه قال أيما رجل قتل رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث لها منهما وقال قضي بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين وقد ساق البيهقي في الباب اثارا عن عمر وابن عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقا انتهى 18 باب ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها قوله (كتب إليه أن ورث امرأة أشيم الضبابي) بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الباء الموحدة
[ 244 ]
الأولى منسوب إلى ضباب بن كلاب قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم خطأ قال الشوكاني في النيل فيه دليل على أن الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب لعموم قوله فيه بين ورثة القتيل والزوجة من جملتهم وكذلك قوله في حديث قرة بن دعموص هل لأمي فيها حق قال نعم انتهى قلت حديث عمرو بن شعيب الذي أشار إليه الشوكاني أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عنه عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن العقل ميراث بين ورثه القتيل على فرائضهم وحديث قرة بن دعموص أخرجه البخاري في تاريخه عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أنا وعمي فلت يا رسول الله عند هذا دية أبي فمره يعطننها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه دية أبيه فقلت هل لأمي فيها حق قال نعم وكانت ديته مائة من الابل وحديث سعيد بن المسيب المذكور في الباب أخرجه الترمذي أيضا في باب المرأة ترث من دية زوجها من أبواب الديات وتقدم هناك شرحه 19 باب ما جاء أن الميراث (الأموال) للورثة والعقل للعصبة وفي بعض النسخ على العصبة وهو الظاهر قوله (قضى) أي حكم (في جنين امرأة من بني لحيان) قال النووي المشهور كسر اللام في لحيان وروى فتحها ولحيان بطن من هذيل (بغرة) بضم الغين المعجمة وشدة الراء منونا (عبد أو أمة) بدل من غرة وأو للتنويع لا للشك وقد تقدم تفسير الغرة في باب دية الجنين من أبواب الديات (ثم إن المرأة التي قضى عليها) بصيغة المجهول أي حكم عليها وهي المرأة الجانية (توفيت) أي ماتت قال في اللمعات في شرح هذه العبارة كلام وهو أن الظاهر أن يكون المراد بالمرأة التي قضى عليها أي على عاقلتها بغرة المرأة الجانية فيكون الضمائر في بنيها وزوجها لها وكذا في قوله والعقل على عصبتها وتخصيص التوريث لبنيها وزوجها لأنهم هم كانوا من ورثتها وإلا فالظاهر أن ميراثها لورثتها أيا ما كان ويرد عليه أن بيان وفاة الجانية ليس بكثير المناسبة في هذا المقام بل المراد موت الجنين مع أمها كما ورد في رواية فقتلها وما في بطنها فقال الطيبي في توجيهه إن علي في قوله قضى عليها وضع موضع اللام كما في قوله تعالى ولتكونوا شهداء على الناس
[ 245 ]
فيكون المراد بالمرأة المجني عليها والضمائر لها إلا في قوله على عصبتها فإنه للجاني وهذا إذا كانت القضية واحدة قال الطيبي وهو الظاهر انتهى وقال النووي في شرح مسلم قال العلماء هذا الكلام (يعني قوله ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت الخ) قد يوهم خلاف مراده فالصواب أن المرأة التي ماتت هي المجني عليها أم الجنين لا الجانية وقد ضرح به في الحديث بعده بقوله فقتلها وما في بطنها فيكون المراد بقوله التي قضي عليها بالغرة هي التي قضى لها بالغرة فعبر بعليها عن لها وأما قوله على عصبتها فالمراد القاتلة أي على عصبة القاتلة انتهى وحديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب أخرجه البخاري في الفرائض وفي الديات ومسلم وأبو داود والنسائي في الديات قوله (وروى يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ونحوه) روى البخاري في صحيحه قال حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا يونس عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أي أبا هريرة قال اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر قتلها وما في بطنها فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى دية المرأة على عاقلتها وقد رواه مسلم أيضا قال حدثنا أبو الطاهر قال أخبرنا ابن وهب رحمه الله قال وأخبرنا حرملة بن يحيى التجيبي قال أنبأنا ابن وهب قال أخبرني يونس بهذا الاسناد (عن أبي سلمة عن أبي هريرة ومالك عن الزهري) قال في هامش النسخة الأحمدية هذه العبارة لا توجد في النسخ الدهلوية ولكن وجدتها في النسخة الصحيحة التي جئت بها من العرب انتهى قلت ويدل على صحة هذه النسخة أن مالكا روى هذا الحديث موصولا ومرسلا ففي صحيح البخاري في باب الكهانة من كتا ب الطب حدثنا قتيبة عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى فطرحت فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة عبد
[ 246 ]
أو وليدة وعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة الحديث 20 باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل قوله (عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز) بن مروان الأموي المدني نزيل الكوفة صدوق يخطئ من السابعة (عن عبد الله بن موهب) قال في التقريب عبد الله بن موهب الشامي أبو خالد قاضي فلسطين لعمر بن عبد العزيز ثقة لكن لم يسمع من تميم الداري من الثالثة (وقال بعضهم عن عبد الله بن وهب) قال في التقريب عبد الله بن وهب عن تميم الداري صوابه عبد الله بن موهب قوله (ما السنة في الرجل) أي ما حكم الشرع في شأن الرجل (من أهل الشرك) أي الكفر (يسلم على يد رجل) وفي رواية على يدي الرجل أي هل يصير مولى له أم لا (هو) أي الرجل المسلم الذي أسلم على يديه الكافر (أولى الناس بمحياه ومماته) أي بمن أسلم في حياته ومماته يعني يصير مولى له قال المظهر فعند أبي حنيفة والشافعي ومالك والثوري رحمهم الله لا يصير مولى ويصير مولى عند عمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيب وعمرو بن الليث لهذا الحديث ودليل الشافعي وأتباعه قوله عليه الصلاة والسلام الولاء لمن أعتق وحديث تميم الداري يحتمل أنه كان في بدء الاسلام لأنهم كانوا يتوارثون با سلام و النصرة ثم نسخ ذلك ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام هو أولى الناس بمحياه ومماته يعني بالنصرة في حال الحياة وبالصلاة بعد الموت فلا يكون حجة انتهى كذا في المرقاة وقال الخطابي قد يحتج به من يرى توريث الرجل ممن يسلم على يده من الكفار وإليه ذهب أصحاب الرأي إلا أنهم قد زادوا في ذلك شرطا وهو أن يعاقده ويواليه فإن أسلم على يده ولم يعاقده ولم يواله فلا شئ له وقال
[ 247 ]
إسحاق بن راهويه كقول أصحاب الرأي إلا أنه لم يذكر الموالاة قال الخطابي ودلالة الحديث مهمة وليس فيه أنه يرثه وإنما فيه أنه أولى الناس بمحياه ومماته فقد يحتمل أن يكون ذلك في الميراث وقد يحتمل أن يكون ذلك في رعي الذمام وا يثار والبر والصلة وما أشبهها من الأمور وقد عارضه قوله صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق وقال أكثر الفقهاء لا يرثه وضعف أحمد بن حنبل حديث تميم الداري هذا وقال عبد العزيز راوية ليس من أهل الحفظ والإتقان انتهى قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن موهب الخ) وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي وابن ماجة (وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذويب ورواه يحيى بن حمزة عن عبد العزيز بن عمر وزاد فيه عن قبيصة بن ذويب قال البخاري في صحيحه في باب إذا أسلم على يديه من كتاب الفرائض ويذكر عن تميم الداري رفعه قال هو أولى الناس بمحياه ومماته قال الحافظ في الفتح قد وصله البخاري في تاريخه وأبو داود وابن أبي عاصم والطبراني والباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز بالعنعنة كلهم من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذويب عن تميم الداري قال قلت يا رسول الله ما السنة في الرجل الحديث (وهو عندي ليس بمتصل) قال البخاري في صحيحه واختلفوا في صحة هذا الخبر انتهى وقد بسط الحافظ الكلام على هذا الحديث في الفتح والعيني في العمدة قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم) كإسحاق بن راهويه وغيره (وقال بعضهم يجعل ميراثه في بيت المال وهو قول الشافعي واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن الولاء لمن أعتق) وقول الشافعي ومن تبعه هو الظاهر لأن حديث تميم الداري المذكور في الباب على تقدير صحة لا يقاوم حديث عائشة إنما الولاء لمن أعتق وعلى التنزل فتردد في الجمع هل يخص عموم الحديث المتفق على صحته بهذا فيستثني منه من أسلم أو تؤول الأولوية في قوله أولى الناس بمعنى النصرة
[ 248 ]
والمعاونة وما أشبه ذلك لا بالميراث ويبقى الحديث المتفق على صحته على عمومه جنح الجمهور إلى الثاني ورجحانه ظاهر وبه جزم ابن القصار في ما حكاه ابن بطال فقال لو صح الحديث لكان تأويله أنه أحق بموالاته في النصر وا عانة والصلاة عليه إذا مات ونحو ذلك ولو جاء الحديث بلفظ أحق بميراثه لوجب تخصيص الأول والله أعلم 21 باب ما جاء في إبطال ميراث ولد الزنا قوله (أيما رجل عاهر) بصيغة الماضي من باب المفاعلة أي زنا قال الجزري في النهاية العاهر الزاني وقد عهر يعهر عهرا وعهورا إذا أتى المرأة ليلا للفجور بها ثم غلب على الزنا مطلقا (فالولد ولد زنا لا يرث) أي من الأب (ولا يورث) بفتح الراء وقيل بكسرها قال ابن الملك أي لا يرث ذلك الولمن الواطئ ولا من أقاربه إذ الوراثة بالنسب ولا نسب بينه وبين الزاني ولا ير ث الواطئ ولا أقاربه من ذلك الولد والحديث في سنده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ولكن قال الترمذي رواه غيره عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده 22 باب فيمن ير ث الولاء بفتح الواو يعني ولاء العتق وهو إذا مات المعتق ورثه معتقه أو ورثه معتقه قوله (يرث الولاء) أي مال العتيق (من يرث المال) أي من العصبات الذكور والمراد العصبة بنفسه قال المظهر هذا مخصوص أي يرث الولاء كل عصبة يرث مال الميت والمرأة وإن كانت ترث إلا أنها ليست بعصبة بل العصبة الذكور دون الاناث ولا ينتقل الولاء إلى بيت المال
[ 249 ]
ولا ترث النساء بالولاء إلا إذا أعتقن أو أعتق عتيقهن أحدا انتهى وقال في اللمعات أي إذا مات عتيق الأب أو عتيق عتيقه يرث الابن ذلك الولاء وهذا مخصوص بالعصبة ولا ترث النساء الولاء إلا ممن أعتقته أو أعتق من أعتقته انتهى قوله (هذا حديث ليس إسناده بالقوى) لأن فيه ابن لهيعة 23 باب ما جاء ما يرث النساء من الولاء قوله (حدثنا هارون أبو موسى المستملي البغدادي) هو هارون بن عبد الله البزاز الحافظ المعروف بالحمال (أخبرنا محمد بن حرب) الخولاني الحمصي الأبرش ثقة من التاسعة (أخبرنا عمر بن روية) بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة (التغلبي) بمثناه الحمصي صدوق من الرابعة (عن عبد الواحد بن عبد الله بن بسر النصري) قال في التقريب عبد الواحد بن عبد الله بن كعب بن عمير النصري بالنون أو بسر بضم الموحدة وسكون المهملة الدمشقي ويقال الحمصي ثقة من الخامسة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته ويعرف أبوه بابن بسر أي بضم الموحدة بالمهملة قوله (المرأة تحوز) أي تجموتحيط (ثلاثة مواريث) جمع ميراث (عتيقها) أي ميراث عتيقها فإنه إذا أعتقت عبدا ومات ولم يكن له وارث ترث ماله بالولاء (لقيطها) أي مقوطها فإن الملتقط يرث من اللقيط على مذهب إسحاق ابن راهويه وعامة العلماء على أنه لا ولاء للملتقط لأنه عليه الصلاة والسلام خصه بالمعتق بقوله لا ولاء إلا ولاء العتاقة قال الخطابي أما اللقيط فإنه في قول عامة الفقهاء حر فإذا كان حرا فلا ولاء عليه لأحد والميراث إنما يستحق بنسب أو ولاء وليس بين اللقيط وملتقطه واحد منهما وكان إسحاق بن راهويه يقول ولاء اللقيط لملتقطه ويحتج بحديث واثله وهذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل فإذا لم يثبت الحديث لم يلزم القول به فكان ما ذهب إليه عامة العلماء أولى انتهى (وولدها الذي لا عنت عنه) أي عن قبله ومن أجله في شرح السنة هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل واتفق أهل العلم على أنها تأخذ ميراث عتيقها وأما الولد الذي نفاه الرجل باللعان فلا خلاف أن أحدهما لا يرث الاخر لأن التوارث بسبب النسب انتفى باللعان وأما نسبه من جهة الأم فثابت ويتوارثان قال القاضي رحمه الله وحيازة الملتقطة ميراث لقيطها محمولة على أنها أولى بأن يصرف إليها ما خلفه من غيرها صرف مال
[ 250 ]
بيت المال إلى احاد المسلمين فإن تركته لهم لا أنها ترثه وراثة المعتقة من معتقها وأما حكم ولد الزنا فحكم المنفي بلا فرق إنتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث حسنه الترمذي وصححه الحاكم وليس فيه سوى عمر بن روبة مختلف فيه قال البخاري فيه نظر ووثقة جماعة انتهى وحديث واثلة هذا أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجة
[ 251 ]
30 كتاب الوصايا قال في الفتح الوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصي وعلى ما يوصي به من مال أو غيره من عهد ونحوه فتكون بمعنى المصدر وهو الايصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الاسم وفي الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت وقد يصحبه التبرع قال الأزهري الوصية من وصيت الشئ بالتخفيف أصيه إذا وصلته سميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصاة بالتخفيف بغير همز وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات انتهى 1 باب ما جاء في الوصية بالثلث قوله (مرضت عام الفتح) صوابه عام حجة الوداع قال الحافظ في فتح الباري اتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة فقال في فتح مكة أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحافظ على أنه وهم فيه قال ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلا وفي الثانية كانت له ابنة فقط انتهى (أشفيت منه) أي أشرفت يقال اشفي على كذا أي قاربه وصار على شفاه ولا يكاد يستعمل إلا في الشر (يعودني) حال (وليس يرثني) أي من أصحاب الفروض (إلا ابنتي) لأنه كان له عصبة كثيرة ذكره المظهر
[ 252 ]
قال الطيبي ويؤيد هذا التأويل قوله ورثتك ولعل تخصيص البنت بالذكر لعجزها والمعنى ليس يرثني ممن أخاف عليه إلا ابنتي (فأوصي) بالتخفيف والتشديد (بمالي كله) أي بتصدقه للفقراء (فالشطر) بالجر أي فبالنصف قال ابن الملك يجوز نصبه عطفا على الجار والمجرور ورفعه أي فالشطر كا ف وجره عطفا على مجرور الباء (قلت فالثلث) بالجر وجوز النصب والرفع على ما سبق (قال الثلث) بالنصب قال النووي رحمه الله يجوز نصب الثلث الأول ورفعه بالنصب على الاغراء أو على تقدير أعط الثلث وأما الرفع فعلى أنه فاعل أي يكفيك الثلث أو أنه مبتدأ محذوف الخبر أو عكسه (والثلث) بالرفع لا غير على الابتداء خبره (كثير) قال السيوطي روي بالمثلثة والموحدة وكلاهما صحيح قال ابن الملك فيه بيان أن الايصاء بالثلث جائز له وأن النقص منه أولى (إنك) استئناف تعليل (إن تذر) بفتح الهمزة والراء وبكسر الهمزة وسكون الراء أي تترك (ورثتك أغنياء) أي مستغنين عن الناس (عالة) أي فقراء (يتكففون الناس) أي يسألونهم بالأكف ومدها إليهم وفيه إشارة إلى أن ورثته كانوا فقراء وهم أولى بالخير من غيرهم قال النووي رحمه الله أن تذر بفتح الهمزة وكسرها روايتان صحيحتان وفي الفائق إن تذر مرفوع المحل على الابتداء أي تركك أولادك أغنياء خير والجملة بأسرها خبر إنك (لن تنفق نفقة) مفعول به أو مطلق (إلا أجرت فيها) بصيغة المجهول أي صرت مأجورا بسبب تلك النفقة (حتى اللقمة) بالنصب وبالجر وحكي بالرفع (ترفعها إلى في امرأتك) وفي رواية حتى ما تجعل في في أمرأتك أي في فمها والمعنى لابتغاء رضائه تعالى يؤجر وإن كان محل الانفاق محل الشهوة وحظ النفس لأن الأعمال بالنيات ونية المؤمن خير من عمله كذا في المرقاة (أخلف عن هجرتي) أي أبقى بسبب المرض خلفا بمكة قاله تحسرا وكانوا يكرهون المقام بمكة بعد ما هاجروا منها (وتركوها لله) إنك لن تخلف بعدي فتعمل عملا الخ يعني أن كونك مخلفا لا يضرك مع العمل الصالح (لعلك إن تخلف) أي بأن يطول عمرك (حتى ينتفع بك أقوام) أي من المسلمين بالغنائم
[ 253 ]
مما سيفتح الله على يديك من بلاد الشرك (ويضر) مبني للمفعول (بك اخرون) من المشركين الذين يهلكون على يديك وقد وقع ذلك الذي ترجى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشفي سعد من ذلك المرض وطال عمره حتى انتفع به أقوام من المسلمين واستضربه اخرون من الكفار حتى مات سنة خمسين على المشهور وقيل غير ذلك قال النووي هذا الحديث من المعجزات فإن سعدا رضي الله عنه عاش حتى فتح العراق وغيره وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا رجالهم وسبيت نساءهم وأولادهم وغنمت أموالهم وديارهم وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم انتهى (اللهم أمضى لأصحابي هجرتهم) أي تممها لهم ولا تنقصها (لكن البائس سعد بن خولة) البائس من أصابه بؤس أي ضرر وهو يصلح للذم والترحم قيل إنه لم يهاجر من مكة حتى مات بها فهو ذم والأكثر أنه هاجر ومات بها في حجة الوداع فهو ترحم (يرثي له) من رثيت الميت مرثية إذا عددت محاسنه ورثات بالهمز لغة فيه فإن قيل نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المراثي كما رواه أحمد وابن ماجة وصححه الحاكم فإذا نهى عنه كيف يفعله فالجواب أن المرثية المنهي عنها ما فيه مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تهييج الحزن وتجديد اللوعة أو فعلها مع الاجتمالها أو على الاكثار منها دون ما عدا ذلك والمراد هنا توجعه عليه السلام وتحزنه على سعد لكونه مات بمكة بعد الهجرة منها لا مدح الميت لتهييج الحزن كذا ذكره القسطلاني (أن مات بمكة) بفتح الهمزة أي لأجل موته بأرض هاجر منها وكان يكره موته بها فلم يعط ما تمنى قال ابن بطال وأما قوله يرثي له فهو من كلام الزهري تفسير لقوله صلى الله عليه وسلم لكن البائس الخ أي رثي له حين مات بمكة وكان يهوى أن يموت بغيرها قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الشيخان قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس للرجل أن يوصي بأكثر من الثلث) قال
[ 254 ]
الحافظ في الفتح استقر الاجماع على منع الوصية بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن ليس له وارث خاص فذهب الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث وجوز له الزيادة الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الاية فقيدتها السنة لمن له وارث فبقي من لا وارث له على الاطلاق (وقد استحب بعض أهل العلم أن ينقص من الثلث الخ) قال الشوكاني في النيل المعروف من مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي إن كان الورثة فقراء استحب أن ينقص منه وإن كانوا أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا 2 باب ما جاء في الضرار في الوصية قوله (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي الجهضمي حفيد نصر بن علي الاتي في هذا السند ثقة ثبت طلب للقضاء فامتنع من العاشرة (حدثنا نصر بن علي) ابن صهبان الأزدي الجهضمي البصري ثقة من السابعة (حدثنا الأشعث بن جابر) قال في التقريب أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني الأزدي بصري يكني أبا عبد الله وقد ينسب إلى جده وهو الحملي صدوق من الخامسة (قال إن الرجل ليعمل) أي ليعبد (والمرأة) بالنصب عطفا على اسم إن وخبر المعطوف محذوف بدلالة خبر المعطوف عليه ويجوز الرفع وخبره كذلك وقد تنازع في قوله (بطاعة الله) المحذوف والمذكور (ستين سنة) أي مثلا أو المراد منه التكثير (ثم يحضرهم الموت) وفي رواية يحضرهما بضمير التثنية وهو الظاهر أي علامته (فيضاران في الوصية) من المضاء أي يوصلان الضرر إلى الوارث بسبب الوصية للأجنبي بأكثر من الثلث أو بأن يهب جميع ماله لواحد من الورثة كيلا يورث وارث اخرون من ماله شيئا فهذا مكروه وفرار عن حكم الله تعالى ذكره ابن الملك وقال بعضهم كأن يوصي لغير الوصية أو يوصي بعدم إمضاء ما أوصى به حقا بأن ندم من وصيته أو ينقض بعض الوصية (فيجب لهما النار) أي فتثبت والمعنى يستحقان العقوبة ولكنهما تحت المشيئة (ثم قرأ علي) بتشديد الياء قائله شهر بن حوشب أي قرأ على أبو هريرة استشهادا وإعتضادا (من بعد وصية) متعلق بما تقدم من قسمة المواريث (يوصى بها أو دين) ببناء المجهول
[ 255 ]
(غير مضار) حال عن يوصي مقدر لأنه لما قيل يوصي علم أن ثم موصيا أي غير موصل الضرر إلى ورثته بسبب الوصية (إلى قوله ذلك الفوز العظيم) يعني (وصية من الله والله عليم حليم تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) إلى اخر الاية والشاهد إنما هو الاية الأولى وإنما قرأ الاية الثانية لأنها تؤكد الأولى وكذا ما بعدها من الثالثة وكأنه أكتفى بالثانية عن الثالثة قاله القاري قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة قال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي وشهر بن حوشب قد تكلم فيه غير واحد من الائمة ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين 3 باب ما جاء في الحث على الوصية قوله (ما حق امرئ مسلم) كلمة ما بمعنى ليس (يبيت ليلتين) جملة فعلية وقعت صفة أخرى لامرئ (وله ما يوصي فيه) جملة حالية أي وله شئ يريد أن يوصي فيه (إلا ووصيته مكتوبة عنده) مستثنى خبر ليس والواو فيه للحال قاله العيني تبعا للطيبي وقال الحافظ قوله يبيت كأن فيه حذفا تقديره أن يبيت وهو كقوله تعالى ومن اياته يريكم البرق الاية ويجوز أن يكون يبيت صفة لمسلم وبه جزم الطيبي قال هي صفة ثانية انتهى قال العيني معترضا عليه هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضا وإنما قدر أن في قوله يريكم لأنه في موضع الابتداء لأن قوله (ومن اياته) في موضع الخبر والفعل لا يقع مبتدأ فيقدر أن فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذ وقوعه مبتدأ فمن له ذوق من العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال انتهى قلت قال القسطلاني لم يجب الحافظ عن ذلك في إنتقاض الاعتراض بشئ بل بيض له ككثير من الاعتراضات التي أوردها العيني عليه لكن يدل لما قاله رواية النسائي من طريق
[ 256 ]
فضيل بن عياض عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حيث قال فيها أن يبيت فصرح بأن المصدرية انتهى قلت ويدل له أيضا ما رواه أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ حق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه الحديث وما رواه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين الحديث فقول العيني هذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى الخ ليس مما يلتفت إليه وقد قال بما قال الحافظ غيره من أهل العلم قال في العدة ويحتمل أن يكون خبر المبتدأ يبيت بتأويله بالمصدر تقديره ما حقه بيتوتته ليلتين إلا وهو بهذه الصفة وهذا معنى قوله في المصابيح أن يبيت ليلتين ارتفع بعد حذف أن مثل قوله تعالى ومن اياته يريكم البرق ذكره القسطلاني قال الحافظ قوله ليلتين كذا لأكثر الرواة وفي رواية لأبي عوانة والبيهقي يبيت ليلة أو ليلتين وفي رواية لمسلم والنسائي يبيت ثلاث ليال فكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا التحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة وفيه إشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية للتأخير ولذلك قال ابن عمر في رواية سالم لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك إلا ووصيتي عندي انتهى قال النووي رحمه الله فيه الحث على الوصية وقد أجمع المسلمون على الأمر بها لكن مذهبنا ومذهب الجماهير أنها مندوبة لا واجبة وقال داود وغيره من أهل الظاهر هي واجبة لهذا الحديث ولا دلالة لهم فيه فليس فيه تصريح بإيجابها لكن إن كان على الانسان دين أو حق أو عنده وديعة ونحوها لزمه الايصاء بذلك قال الشافعي رحمه الله تعالى معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم إلا أن تكون وصيته مكتوبة عنده ويستحب تعجيلها وإن يكتبها في صحيفة ويشهد عليه فيها ويكتب فيها ما يحتاج إليه فإن تجدد له أمر يحتاج إلى الوصية به ألحقه بها وقوله صلى الله عليه وسلم ووصيته مكتوبة عنده معناه مكتوبة وقد أشهد عليه بها لا أنه يقتصر على الكتابة بل لا يعمل بها ولا ينفع إلا إذا كان أشهد عليه بها هذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال الامام محمد بن نصر المروزي من أصحابنا يكفي الكتاب من غير إشهاد لظاهر الحديث انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد والشيخان وابن ماجه
[ 257 ]
4 باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص قوله (عن طلحة بن مصرف) بميم مضمومة وفتح صاد وكسر راء مشددة على الصواب وحكى فتحها وبفاء كذا في المغني وطلحة بن مصرف هذا هو ابن عمرو ابن كعب اليامي بالتحتانية الكوفي ثقة قارئ فاضل من الخامسة قوله (قلت لابن أبي أوفى) هو عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد بن الحارث الأسلمي صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم دهرا مات سنة سبع وثمانين وهو اخر من مات بالكوفة من الصحابة قوله (قال لا) هكذا أطلق الجواب وكأنه فهم أن السؤال وقع عن وصية خاصة فلذلك ساغ نفيها لا أنه أراد نفي الوصية مطلقا لأنه أثبت بعد ذلك أنه بكتاب الله (وكيف كتبت الوصية وكيف أمر الناس) وفي رواية البخاري في فضائل القران كيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص وبذلك يتم الاعتراض أي كيف يؤمر المسلمون بشئ ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي لعل ابن أبي أوفى أراد لم يوص بثلث ماله لأنه لم يترك بعده مالا وأما الأرض فقد سلبها في حياته وأما السلاح والبغلة ونحو ذلك فقد أخبر بأنها لا تورث عنه بل جميع ما يخلفه صدقة فلم يبق بعد ذلك ما يوصي به من الجهة المالية وأما الوصايا بغير ذلك فلم يرد ابن أبي أوفى نفيها ويحتمل أن يكون المنفي وصيته إلى علي بالخلافة كما وقع التصريح به في حديث عائشة عند البخاري وغيره ذكروا عندها أن عليا كان وصيا فقالت متى أوصى إليه الحديث وقد أخرج ابن حبان حديث الباب من طريق ابن عيينة عن مالك بن مغول بلفظ يزيل الاشكال فقال سئل ابن أبي أوفى هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما ترك شيئا يوصي فيه قيل فكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص قال أوصى بكتاب وقال القرطبي استبعاد طلحة واضح لأنه أطلق فلو أراد شيئا بعينه لخصه به فاعترضه بأن الله كتب على المسلمين الوصية وأمروا بها فكيف لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بما يدل على أنه أطلق في موضع التقييد (أوصى بكتاب الله تعالى) أي بالتمسك به
[ 258 ]
والعمل بمقتضاه ولعله أشار لقوله صلى الله عليه وسلم تركت فيكم ما إن تمسكتم به لم تضلوا كتاب الله وأما ما صح في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث لا يبقين بجزيرة العرب دينان وفي لفظ أخرجوا اليهود من جزيرة العرب وقوله أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم به ولم يذكر الراوي الثالثة وكذا ما ثبت في النسائي أنه صلى الله عليه وسلم كان اخر ما تكلم به الصلاة وما ملكت إيمانكم وغير ذلك من الأحاديث التي يمكن حصرها بالتتبع فالظاهر أن ابن أبي أوفى لم يرد نفيه ولعله اقتصر على الوصية بكتاب الله لكونه أعظم وأهم ولأن فيه تبيان كل شئ إما بطريق النصر وإما بطريق الاستنباط فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى وما اتاكم الرسول فخذوه الاية أو يكون لم يحضر شيئا من الوصايا المذكورة أو لم يستحضرها حال قوله والأولى أنه إنما أراد بالنفي الوصية بالخلافة أو بالمال وساغ إطلاق النفي أما في الأول فبقرينه الحال وأما في الثانية فلأنه المتبادر عرفا وقد صح عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لم يوص أخرجه ابن أبي شيبة من طريق أرقم بن شرحبيل عنه مع أن ابن عباس هو الذي روى حديث أنه صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاث والجمع بينهما على ما تقدم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الوصايا وفي المغازي وفي فضائل القران وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه في الوصايا 5 باب ما جاء لاوصية لوارث قله (أخبرنا شرحبيل بن مسلم الخولاني) الشامي صدوق فيه لين من الثالثة قوله (قد أعطى كل ذي حق حقه) أي بين له حظه ونصيبه الذي فرض له (فلا وصية لوارث) قال الأمير اليماني في السبل الحديث دليل على منع الوصية للوارث وهو قول الجماهير من العلماء وذهب الهادي وجماعة إلى جوازها مستدلين بقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت الآية قالوا ونسخ الوجوب لا ينافي الجواز قلنا نعم لو لم يرد هذا الحديث فإنه ينافي
[ 259 ]
جوازها إذ وجوبها قد علم نسخه من آية المواريث كما قال ابن عباس كان المال للولد والوصية للوالدين فنسخ الله سبحانه من ذلك ما أحب فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس وجعل للمرأة الثمن والربع وللزوج الشطر والربع انتهى قلت حديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري في صحيحه في الوصايا وغيره قال الحافظ هو موقوف لفظا إلا أنه في تفسيره إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير انتهى واعلم أن حديث الباب أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس وزاد في آخره إلا أن يشاء الورثة قال الحافظ في بلوغ المرام إسناده حسن وقال في الفتح رجاله ثقات لكنه معلول فقد قيل إن عطاء الذي رواه عن ابن عباس هو الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس وأخرجه الدارقطني أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة قال الحافظ في التلخيص إسناده واه وفي هذه الزيادة دليل على أنها تصح وتنفذ الوصية للوارث إن أجازها الورثة قال العيني في العمدة قال المنذري إنما يبطل الوصية للوارث في قول أكثر أهل العلم من أجل حقوق سائر الورثة فإن أجازوها جازت كما إذا أجازوا الزيادة على الثلث وذهب بعضهم إلى أنها لا تجوز وإن أجازوها لأن المنع لحق الشرع فلو جوزناها كنا قد استعملنا الحكم المنسوخ وذلك غير جائز وهو قول أهل الظاهر انتهى (الولد للفراش) أي للأم قال في النهاية وتسمى المرأة فراشا لأن الرجل يفترشها أي الولد منسوب إلى صاحب الفراش سواء كان زوجا أو سيدا أو واطئ شبهة وليس للزاني في نسبه حظ إنما الذي جعل له من فعله استحقاق الحد وهو قوله (وللعاهر الحجر) قال التوربشتي يريد أن له الخيبة وهو كقولك له التراب والذي ذهب إلى الرجم فقد أخطأ لأن الرجم لا يشرع في سائره (وحسابهم على الله تعالى) قال المظهر يعني نحن نقيم الحد على الزناة وحسابهم على الله إن شاء عفا عنهم وإن شاء عاقبهم هذا مفهوم الحديث وقد جاء من أقيم عليه الحد في الدنيا لا يعذب بذلك الذنب في القيامة فإن الله تعالى أكرم من أن يثني العقوبة على من أقيم عليه الحد ويحتمل أن يراد به من زنى أو أذنب ذنبا آخر ولم يقم عليه الحد فحسابه على الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه قال القاري ويمكن أن يقال ونحن نجري أحكام الشرع بالظاهر والله تعالى أعلم بالسرائر فحسابهم على الله وجزاؤهم عند الله أو بقية محاسبتهم ومجازاتهم من الإصرار على ذلك الذنب ومباشرة سائر الذنوب تحت مشيئة الله (ومن ادعى إلى غير أبيه) بتشديد الدال أي انتسب إلى غير
[ 260 ]
أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه (أو انتمى إلى غير مواليه) أي انتسب إليهم وصار معروفا بهم من نميته إلى أبيه نميا نسبته إليه وانتمى هو (فعليه لعنة الله التابعة إلى يوم القيامة) وفي رواية أبي داود عن أنس المتتابعة إلى يوم القيامة (لا تنفق) نفي وقيل نهي (امرأة من بيت زوجها إلا بإذن زوجها) أي صريحا أو دلالة (قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذاك أفضل أموالنا) يعني فإذا لم تجز الصدقة بما هو أقل قدرا من الطعام بغير إذن الزوج فكيف تجوز بالطعام الذي هو أفضل (العارية) بالتشديد ويخفف (مؤداة) بالهمزة ويبدل قال التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها واختلفوا في تأويله على حسب اختلافهم في الضمان فالقائل بالضمان يقول تؤدي عينا حال القيام وقيمة عند التلف وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها (والمنحة) بكسر فسكون ما يمنحه الرجل صاحبه أي يعطيه من ذات در ليشرب لبنها أو شجرة ليأكل ثمرها أو أرضا ليزرعها وفي رواية المنيحة (مردودة) إعلام بأنها تتضمن تمليك المنفعة لا تمليك الرقبة (والدين مقضي) أي يجب قضاؤه (والزعيم) أي الكفيل (غارم) أي يلزم نفسه ما ضمنه والغرم أداء شئ يلزمه والمعنى ضامن ومن ضمن دينا لزمه أداؤه (وفي الباب عن عمرو بن خارجة وأنس بن مالك) أما حديث عمرو بن خارجة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه ابن ماجه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وحسنه الحافظ أيضا في التلخيص وقال في الفتح في إسناده إسماعيل بن عياش وقد قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث عند الترمذي وقال الترمذي حديث حسن وفي الباب عن عمر بن خارجة عند الترمذي والنسائي وعن أنس عند ابن ماجه وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند الدارقطني وعن جابر عند الدارقطني أيضا وقال الصواب إرساله
[ 261 ]
وعن علي عند ابن أبي شيبة ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح لا وصية لوارث ويؤثرون عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متو اترا وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة لكن الحجة في هذا الإجماع على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره انتهى (قال أحمد بن حنبل إسماعيل بن عياش أصلح بدنا من بقية) أي أصلح حالا منه (وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (ولا تأخذوا عن إسماعيل بن عياش ما حدث عن الثقات ولا غير الثقات) قال النووي في شرح مقدمة صحيح مسلم هذا الذي قاله أبو إسحاق الفزاري في إسماعيل خلاف قول جمهور الأئمة قال عباس سمعت يحيى بن معين يقول إسماعيل بن عياش ثقة وكان أحب إلى أهل الشام من بقية وقال ابن أبي خيثمة سمعت يحيى بن معين يقول هو ثقة والعراقيون يكرهون حديثه وقال البخاري ما روي عن الشاميين أصح وقال عمرو بن علي إذا حدث عن أهل بلاده فصحيح وإذا حدث عن أهل المدينة مثل هشام بن عروة ويحيى بن سعيد وسهيل بن أبي صالح فليس بشئ وقال يعقوب بن سفيان كنت أسمع أصحابنا يقولون علم الشام عند إسماعيل بن عياش والوليدة بن مسلم قال يعقوب وتكلم قوم في إسماعيل وهو ثقة عدل أعلم الناس بحديث الشام ولا يدفعه دافع وأكثر ما تكلموا قالوا يغرب عن ثقات المكيين والمدنيين وقال يحيى بن معين إسماعيل ثقة فيما روى عن الشاميين وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم وقال أبو حاتم هو لين يكتب حديثه لا أعلم أحدا كف عنه إلا أبا إسحاق الفزاري انتهى
[ 262 ]
قوله (وأنا تحت جرانها) بكسر الجيم قال في القاموس جران البعير بالكسر مقدم عنفه من مذبحه إلى منحره (وهي تقصع بجرتها) الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء قال في القاموس الجرة بالكسر هيئة الجر وما يفيض به البعير فيأكله ثانية وقد اجتر وأجر واللقمة يتعلل بها البعير إلى وقت علفه والقصع البلع قال في القاموس قصع كمنع ابتلع جرع الماء والناقة بجرتها ردتها إلى جوفها أو مضغتها أو هو بعد الدسع وقبل المضغ أو هو أن تملأ بها فاها أو شدة المضغ (وإن لعابها يسيل بين كتفي) وفي رواية وإن لغامها بضم اللام بعدها غين معجمة وبعد الألف ميم هو اللعاب قال في القاموس لغم الجمل كمنع رمي بلعابه لزبده قال والملاغم ما حول الفم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وفي سنده شهر بن حوشب وهو مختلف فيه 6 باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية قوله (وأنتم تقرون الوصية قبل الدين) أي في قوله تعالى من بعد وصية يوصي بها أو دين وقوله من بعد وصية يوصين بها أو دين وقوله من بعد وصية توصون بها أو دين وقوله من بعد وصية يوصى بها أو دين (4) قال الطيبي رحمه الله قوله أنتم تقرأون إخبار فيه معنى الاستفهام يعني أنتم أتقرأون هذه الآية هل تدرون معناها فالوصية مقدمة على الدين في القراءة متأخرة عنه في القضاء انتهى وتقدم وجه تقديم الوصية على الدين في القراءة مع كونها متأخرة عنه في القضاء في باب ميراث الإخوة من الأب والأم وسيأتي مفصلا
[ 263 ]
قوله (والعمل على هذا عند عامة أهل العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية) قال الحافظ في الفتح ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة وهي ما لو أوصي الشخص بألف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى من بعد وصية يوصية يوصى بها أو دين) فقد قيل في ذلك وإنفاذ الوصية وأتي بأو للإباحة وهي كقولك جالس زيدا أو عمرا أي لك مجالسة فكل واحد منهما اجتمعا أو افترقا وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام بتقد يمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور أحدها الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها بحسب الزمان كعاد وثمود ثالثها بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال فالبدن مقدم على المال خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى عزيز حكيم (5) وقال بعض السلف عز فلما عز حكم سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى من النبيين والصديقين (6) وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل وقال غيره قدمت الوصية لأنها شئ يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض كان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين حظ غريم يطلب بقوة وله مقال كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إن لصاحب الدين مقالا وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها بخلاف الدين انتهى وحديث علي المذكور ضعيف قال في النيل قد أخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي عليه سلام الله ورضوانه قال قضى محمد أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرأون الوصية قبل الدين والحديث وإن كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالاتفاق الذي سلف انتهى
[ 264 ]
7 باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت قوله (عن أبي حبيبة الطائي) قال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أبي الدرداء حديث مثل الذي يهدي ويعتق عند الموت الخ وعنه أبو إسحاق السبيعي ولا يعرف له غيره وذكره ابن حبان في الثقات انتهى وقال في التقريب مقبول من الثالثة قوله (أما أنا فلو كنت لم أعدل بالمجاهدين) أي لم أساو بهم الفقراء أو المساكين وغيرهم والمعنى لو كنت أنا موصيا لم أو ص إلا للمجاهدين (مثل الذي يعتق) وفي رواية يتصدق (عند الموت) أي عند احتضاره وفي المشكاة مثل الذي يتصدق عند موته يعتق (كمثل الذي يهدي إذا شبع) قال الطيبي في هذا الإهداء نوع استخفاف بالمهدي إليه انتهى والأظهر أن المراد أنه مرتبة ناقصة لأن التصدق والإعتاق حال الصحة أفضل كما أن السخاوة عند المجاعة أكمل قاله القاري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي والدارمي وفي الباب عن أبي سعيد مرفوعا لأن يتصدق المرء في حياته بدرهم خير له من أن يتصدق بمائة عند موته رواه أبو داود وفي سنده شرحبيل بن سعد الأنصاري قال المنذري لا يحتج بحديثه
[ 265 ]
8 باب قوله (أن بريرة) بوزن عظيمة هي مولاة لعائشة تقدم ترجمتها في باب اشتراط الولاء والزجر عن ذلك من أبواب البيوع (تستعين عائشة) جملة حالية (ولم تكن قضت) أي أدت (من كتابتها) أي من بدل كتابتها (ارجعي إلى أهلك) المراد به مواليها (فإن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت) ظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم بطلبها ولاء من أعتقها غيرها وقد رواه أبو أسامة عن هشام بلفظ يزيل الإشكال فقال إن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعي فأعتقي كذا في النيل (فذكرت ذلك) أي الذي قالته عائشة (فأبوا) أي امتنعوا أن يكون الولاء لعائشة (إن شاءت) أي عائشة (أن تحتسب) هو من الحسبة بكسر المهملة أي تحتسب الأجر عند لله (ويكون) بالنصب عطف على تحتسب (لنا ولاؤك) لا لها (فذكرت) أي عائشة (ابتاعي فأعتقي) هو كقوله في حديث ابن عمر لا يمنعك ذلك (فإنما الولاء لمن أعتق) فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقضيه إنما الحصرية واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبينه مخالفة خلافا للحنفية ولا للملتقط خلافا لإسحاق (ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية للبخاري فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد (ما بال أقوام) أي ما حالهم (ليست في كتاب الله) أي في حكم الله الذي كتبه على عباده وشرعه لهم قال ابن خزيمة أي ليس في حكم
[ 266 ]
الله جوازها أو وجوبها لا أن كل من شرط شرطا لم ينطق به الكتاب باطل لأنه قد يشترط في البيع الكفيل فلا يبطل الشرط ويشترط في الثمن شروط من أوصافه أو نجومه ونحو ذلك فلا يبطل فالشروط المشروعة صحيحة وغيرها باطل (فليس له) أي ذلك الشرط أي لا يستحقه وفي رواية النسائي من شرط شرطا ليس في كتاب الله لم يجز له (وإن اشترط مائة مرة) ذكر المائة للمبالغة في الكثرة لا أن هذا العدد بعينه هو المراد واعلم أن هذا الحديث قد استنبط أهل العلم منه فوائد كثيرة قال ابن بطال أكثر الناس في تخريج الوجوه في حديث بريرة حتى بلغوها نحو مائة وجه وقال النووي صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد منها فذكر أشياء قال الحافظ ولم أقف على تصنيف ابن خزيمة ووقفت على كلام ابن جرير من كتابه تهذيب الآثار ولخصت منه ما تيسر بعون الله تعالى وقد بلغ بعض المتأخرين الفوائد من حديث بريرة إلى أربعمائة أكثرها مستبعد متكلف كما وقع نظير ذلك للذي صنف في الكلام على حديث المجامع في رمضان فبلغ به ألف فائدة وفائدة انتهى وقد ذكر الحافظ في الفتح كثيرا من فوائد هذا الحديث في كتاب المكاتب وفي كتاب النكاح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في مواضع عديدة في أوائل كتاب الصلاة في باب ذكر البيع والشراء على المنبر في المسجد وفي الزكاة في باب الصدقة على موالي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وفي العتق والمكاتب والهبة والبيوع والفرائض والطلاق والشروط والأطعمة وكفارة الأيمان وأخرجه في الطلاق من حديث ابن عباس وفي الفرائض من حديث ابن عمر وأخرج مسلم طرفا منه من حديث أبي هريرة وأخرجه البخاري أيضا في باب البيع والشراء مع النساء من طريق عروة عن عائشة وفي باب إذا اشترط في البيع شروطا من حديث هشام عن أبيه عنها وأخرجه مسلم أيضا مطولا ومختصرا أخرجه أبو داود في العتق والنسائي في البيوع وفي العتق والفرائض وفي الشروط وابن ماجه في العتق
[ 267 ]
31 كتاب الولاء والهبة الخ الولاء بالفتح والمد حق ميراث المعتق بالكسر من المعتق بالفتح 1 باب ما جاء أن الولاء لمن أعتق قوله (الولاء لمن أعطى الثمن) وفي رواية البخاري لمن أعطى الورق قال الحافظ أي أعطى الثمن وإنما عبر بالورق لأنه الغالب (أو لمن ولي النعمة) أي نعمة العتق قال الحافظ معنى قوله ولي النعمة أعتق وفي رواية البخاري وغيره وولي النعمة بواو العطف ولفظه أو في رواية الترمذي هذه للشك من الراوي ومعنى الحديث أن من اشترى العبد وأعتقه فولاؤه له قال ابن بطال هذا الحديث يقتضي أن الولاء لكل معتق ذكرا كان أو أنثى وهو مجمع عليه قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي
[ 268 ]
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) قال النووي رحمه الله قد أجمع المسلمون على ثبوت الولاء لمن أعتق عبده أو أمته عن نفسه وأنه يرث به وأما العتيق فلا يرث سيده عند الجماهير وقال جماعة من التابعين يرثه كعكسه انتهى 2 باب ما جاء في النهي عن بيع الولاء وهبته قوله (نهى عن بيع الولاء وهبته) تقدم هذا الحديث في باب كراهية بيع الولاء وهبته من أبواب البيوع وتقدم هناك شرحه قوله (ويروى عن شعبة قال لوددت أن عبد الله بن دينار حين يحدث بهذا الحديث أذن لي الخ) الظاهر أن سبب وده ذلك أن هذا الحديث قد اشتهر عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم لما أخرجه في صحيحه الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث انتهى وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجميع طرق هذا الحديث عن عبد الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسا ممن حدث به عن عبد الله بن دينار (وروى يحيى بن سليم هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر) وصله ابن ماجه ولم ينفرد به يحيى بن سليم فقد تابعه أبو ضمرة أنس بن عياض ويحيى بن سعيد الأموي كلاهما عن عبيد الله بن عمر أخرجه أبو عوانة في صحيحه من
[ 269 ]
طريقهما لكن قرن كل منهما نافعا بعبد الله بن دينار كذا في الفتح 3 باب ما جاء في من تولى غير مواليه أو ادعى إلى غير أبيه قوله (من زعم أن عندنا شيئا نقرؤه إلا كتاب الله وهذه الصحيفة) أي غيرهما وفي رواية للبخاري ما عندنا شئ إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا تصريح من علي رضي الله عنه بإبطال ما تزعمه الرافضة والشيعة ويخترعونه من قولهم إن عليا رضي الله عنه أوصى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كثيرة من أسرار العلم وقواعد الدين وكنوز الشريعة وإنه صلى الله عليه وسلم خص أهل البيت بما لم يطلع عليه غيرهم وهذه دعاوى باطلة واختراعات فاسدة لا أصل لها ويكفي في إبطالها قول علي رضي الله عنه هذا انتهى (صحيفة) بدل من هذه الصحيفة (فيها أسنان الإبل) أي بيان أسنانها (وأشياء من الجراحات) أي من أحكامها (فقد كذب) خبر لقوله من زعم (وقال) أي علي (فيها) أي في الصحيفة (المدينة حرم) بفتحتين (ما بين عير) بفتح العين المهملة وإسكان المثناة تحت جبل معروف بالمدينة (إلى ثور) بفتح الثاء المثلثة قال في القاموس ثور جبل بالمدينة ومنه الحديث الصحيح المدينة حرم ما بين عير إلى ثور وأما قول عبيد بن سلام وغيره من الأكابر الأعلام إن هذا تصحيف والصواب إلى أحد لأن ثورا إنما هو بمكة تغير جيد لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وتكرر سؤالي عنه طوائف من العرب العارفين بتلك الأرض فكل أخبر أن اسمه ثور ولما كتب إلى الشيخ عفيف الدين المطري عن والده الاحافظ الثقة قال إن خلف أحد عن شماليه جبلا صغيرا مدورا يسمى ثورا يعرفه أهل المدينة خلفا عن سلف انتهى ما في القاموس وقال الحافظ في الفتح قال المحب الطبري في الأحكام بعد حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير فذكر مثل ما في القاموس وفيه دليل على أن المدينة حرم كحرم مكة وفي هذا أحاديث عديدة مروية في الصحيحين وغيرهما وذكرها صاحب المنتقى قال
[ 270 ]
الشوكاني استدل بما في هذا لأحاديث من تحريم شجر المدينة وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن للمدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فأشبه الحمى وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم مكة وذهب أبو حنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس بحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكام من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر والأحاديث ترد عليهم واستدلوا بحديث يا أبا عمير ما فعل النغير وأجيب بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو أنه من صيد الحل انتهى (فمن أحدث) أي أظهر في المدينة (حدثا) بفتحتين وهو الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعناه ولا معروف في السنة (أو آوى) بالمد ويقصر قال في النهاية أوى فآوى بمعنى واحد والمقصود منهما لازم ومتعد يقال أويت إلى المنزل وأويت غيري وأويته وأنكر بعضهم المقصوري المتعدي وقال الأزهري هي لغة فصيحة ومحدثا بكسر الذال وفتحها على الفاعل والمفعول فمعنى الكسر من نصر جانبا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه ومعنى الفتح هو الأمر المبتدع نفسه ويكون معنى الإيواء فيه المرضى به والصبر عليه فإنه إذا رضي ببدعته وأقر فاعله عليها ولم ينكرها فقد آواه قاله العيني وقال القاري بكسر الدال على الرواية الصحيحة أي مبتدعا وقيل أي جانبا إلى آخر ما قاله العيني (فعليه) أي فعلى كل منهما (لعنة الله) أي طرده وإبعاده قال عياض استدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغة في الإبعاد عن رحمة الله قال والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر (والملائكة) أي دعاؤهم عليه بالبعد عن رحمته (والناس أجمعين) أي من هذا الحدث والمؤدي أو هما داخلان أيضا لأنهما ممن يقول ألا لعنة الله على الظالمين والظلم هو وضع الشئ في غير موضعه (لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا) بفتح أولهما واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري وعن الحسن البصري بالعكس وعن الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية وقيل غير ذلك قال عياض معناه لا يقبل قبول رضا وإن قبل قبول جزاء وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما وقد يكومعنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدي بخلاف غيره من المذنبين بأن يفدي من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري (ومن ادعى) أي انتسب (أو تولى غير مواليه) بأن يقول عتيق لغير معتقه
[ 271 ]
أنت مولاي ولك ولائي قال البيضاوي الظاهر أنه أراد به ولاء العتق لعطفه على قوله من ادعى إلى غير أبيه والجمع بينهما بالوعيد فإن العتق من حيث إنه لحمة كلحمة النسب فإذا نسب إلى غير من هو له كان كالدعي الذي تبرأ عمن هو منه وألحق نفسه بغيره فيستحق به الدعاء عليه بالطرد والإبعاد عن الرحمة انتهى وهذا صريح في غلظتحريم انتماء الإنسان إلى غير أبيه أو انتماء العتيق إلى غير مواليه لما فيه مكفر النعمة وتضييع حقوق الإرث والولاء والعقل وغير ذلك مع ما فيه من قطيعة الرحم والعقوق (وذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم (واحدة) أي أنها كالشئ الواحد لا يختلف باختلاف المراتب ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها (يسعى بها) أي يتولاها ويلي أمرها (أدناهم) أي أدنى المسلمين مرتبة والمعنى أن ذمة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر شريف أو وضيع فإذا أمن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمة لم يكن لأحد نقضه فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحر والعبد لأن المسلمين كنفس واحدة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الحج وفي الجزية وفي الفرائض وفي الاعتصام وأخرجه مسلم في الحج (وروى بعضهم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي نحوه) أخرجه أحمد والنسائي وروى البخاري في الحج من طريق سفيان الثوري عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي قال الحافظ هذه رواية أكثر أصحاب الأعمش عنه وخالفهم شعبة فرواه عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث عن سويد عن علي قال الدار قطني في العلل والصواب رواية الثوري ومن تبعه 4 باب ما جاء في الرجل ينتفي من ولده أي بالتعريض وقد ترجم البخاري في الطلاق على حديث الباب إذا عرض بنفي الولد
[ 272 ]
قوله (جاء رجل) وفي رواية للبخاري جاء أعرابي قال الحافظ واسم هذا الأعرابي ضمضم بن قتادة (إن امرأتي ولدت غلاما أسود) زاد مسلم في رواية وإني أنكرته أي استنكرته بقلبي ولم يرد أنه أنكر كونه ابنه بلسانه وفي رواية أخرى لمسلم وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه ويؤخذ منه أن التعريض بالقذف ليس قذفا وبه قال الجمهور واستدل الشافعي بهذا الحديث لذلك وعن المالكية يجب به الحد إذا كان مفهوما وأجابوا عن الحديث أن التعريض الذي يجب به القذف عندهم هو ما يفهم منه القذف كما يفهم من التصريح وهذا الحديث لا حجة فيه لدفع ذلك فإن الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم لما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن كذا في الفتح (قال حمر) بضم فسكون جمع أحمر (فهل فيها أورق) قال الحافظ الأورق الذي فيه سواد ليس بحالك بل يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء (إن فيها لورقا) بضم فسكون جمع أورق (أنى أتاها ذلك) أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر (لعل عرقا) بكسر أوله (نزعها) المعنى يحتمل أن يكون في أصولها من هو باللون المذكور فاجتذبه إليه فجاء على لونه والمراد بالعرق الأصل من النسب شبهبعرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي إن أصله متناسب وكذا معرق في الكرم أو اللؤم وأصل النزع الجذب وقد يطلق على الميل (قال فهذا) أي الغلام الأسود (لعل عرقا نزعه) أي لعله في أصولك أو في أصول امرأتك من يكون في لونه أسود فأشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه زاد مسلم في رواية لم يرخص له في الانتفاء منه قال النووي رحمه الله في هذا الحديث إن الولد يلحق الزوج وإن خالف لونه لونه حتى لو كان الأب أبيض والولد أسود أو عكسه لحقه ولا يحل له نفيه بمجرد المخالفة في اللون وكذا لو كان الزوجان أبيضين فجاء الولد أسودا وعكسه الاحتمال أنه نزعه عرق من أسلافه انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه
[ 273 ]
5 باب ما جاء في القافة جمع قائف قال الجزري في النهاية القائف الذي يتتبع الآثار ويعرفها ويعرف شبه الرجل بأخيه وأبيه والجمع القافة يقال فلان يقوف الأثر ويقتافه قيافة مثل قفا الأثر واقتفاه انتهى قوله (دخل عليها مسرورا) أي فرحانا (تبرق) بفتح التاء وضم الراء أي تضئ وتستنير من السرور والفرح (أسارير وجهه) قال في النهاية الأسارير الخطوط التي تجتمع في الجبهة وتتكسر واحدها سر أو سرر وجمعها أسرار وأسرة وجمع الجمع أسارير انتهى (ألم تري) ب حذف النون أي ألم تعلمي يعني هذا مما يتعين أن تعلمي فاعلمي (مجززا) بضم الميم وكسر الزاي الثقيلة وحكى فتحها وبعدها زاي أخرى هذا هو المشهور ومنهم من قال بسكون الحاء المهملة وكسر الراء ثم زاي وهو ابن الأعور بن جعدة المدلجي نسبة إلى مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة وكانت القيافة فيهم وفي بني أسد والعرب تعترف لهم بذلك وليس ذلك خاصا بهم على الصحيح وقد أخرج يزيد بن هارون في الفرائض بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب أن عمر كان قائفا أورده في قصته وعمر قرشي ليس مدلجيا ولا أسديا لا أسد قريش ولا أسد خزيمة وكان مجززا عارفا بالقيافة وذكره ابن يونس فيمن شهد فتح مصروقال لا أعلم له رواية كذا في الفتح (نظر آنفا) بالمد ويجوز القصر أي قريبا أقرب وقت (فقال) أي مجزز المدلجي (هذه الأقدام بعضها من بعض) قال النووي رحمه الله وكانت الجاهلية تقدح في نسب أسامة لكونه أسود شديد السواد وكان زيد أبيض كذا قاله أبو داود عن أحمد بن صالح فلما قضى هذا القائف بإلحاق نسبه مع اختلاف اللون وكانت الجاهلية تعتمد قول القائف فرح النبي صلى الله عليه وسلم لكونه زاجرا لهم عن الطعن في النسب قال القاضي قال غير أحمد بن صالح كان زيد أزهر اللون وأم أسامة هي أم أيمن واسمها بركة وكانت حبشية سوداء انتهى وقال الحافظ في الفتح قال عياض لو صح أن أم أيمن كانت سوداء لم ينكروا سواد ابنها أسامة لأن السوداء قد تلد من الأبيض أسود قال الحافظ يحتمل أنها كانت صافية فجاء أسامة شديد السواد فوقع الإنكار لذلك انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والمناقب
[ 274 ]
والفرائض ومسلم في النكاح وأبو داود والنسائي في الطلاق قوله (وقد غطيا) من التغطية أي سترا (رؤوسهما) أي بقطيفة كما في رواية (وبدت) أي ظهرت قال الحافظ وفي هذه الزيادة دفع توهم من يقول لعله حاباهما بذلك لما عرف من كونهم كانوا يطعنون في أسامة انتهى قوله (وقد احتج بعض أهل العلم بهذا الحديث في إقا مة أمر القافة) قال العيني في العمدة في الحديث إثبات الحكم بالقافة وممن قال به أنس بن مالك وهو أصح الروايتين عن عمر وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي والليث والشافعي وأحمد وأبو ثور وقال الكوفيون والثوري وأبو حنيفة وأصحابه الحكم بها باطل لأنها حدس ولا يجوز ذلك في الشريعة وليس في حديث الباب حجة في إثبات الحكم بها لأن أسامة قد كان ثبت نسبه قبل ذلك ولم يحتج الشارع في إثبات ذلك إلى قول أحد وإنما تعجب من إصابة مجزز كما يتعجب من ظن الرجل الذي يصيب ظنه حقيقة الشئ الذي ظنه ولا يجب الحكم بذلك وترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه لأنه لم يتعاط بذلك إثبات ما لم يكن ثابتا وقد قال تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم انتهى وقال الشوكاني في النيل ص 412 ج 6 وما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز لا يقال إن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعا وإنما لما وقعت القالة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى الله عليه وسلم بذلك فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وسلم على قوله هذه الأقدام بعضها من بعض وهو في قوة هذا ابن هذا فإن ظاهره أنه تقرير للإلحاق بالقافة مطلقا لا إلزام للخصم بما يعتقده ولا سيما النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه إنكار كونها طريقا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على معنى كافر إلى كنية ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وسلم
[ 275 ]
إنكاره قبل السكوت عنه وقد أطال الحافظ بن القيم الكلام في إثبات الحكم بالقافة في زاد المعاد وقال في أثناء كلامه قال سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن سعيد بن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر فقال القائف قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما قال الشعبي وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثانه ذكره سعيد أيضا وروى الأثرم بإسناده عن سعيد بن المسيب في رجلين اشتركا في طهر امرأة فحملت فولدت غلاما يشبههما فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فدعا القافة فنظروا فقالوا نراه يشبههما فألحقه بهما وجعله يرثهما ويرثانه ولا يعرف قط في الصحابة من خالف عمر وعليا رضي الله عنهما في ذلك بل حكم عمر بهذا في المدينة وبحضرة المهاجرين والأنصار فلم ينكر منهم منكر 6 باب في حث النبي صلى الله عليه وسلم على التهادي الهدية كغنية ما أتحف به قوله (حدثنا محمد بن سواء) بفتح السين وتخفيف الواو والد السدوسي العنبري أبو الخطاب البصري المكفوف صدوق رمي بالقدر من التاسعة (عن سعيد) هو ابن أبي سعيد المقبري قوله (تهادوا) بفتح الدال أمر من التهادي بمعنى المهاداة أي ليعط الهدية ويرسلها بعضكم لبعض (فإن الهدية تذهب وحر الصدر) بفتح الواو والحاء المهملة أي غشه ووساوسه وقيل الحقد والغيظ وقيل العداوة وقيل أشد الغضب كذا في النهاية (ولا تحقرن جارة لجارتها) قال الكرماني لجارتها متعلق بمحذوف أي لا تحقرن جارة هدية مهداة لجارتها (ولو شق فرسن شاة) بكسر الشين المعجمة أي نصيفه أو بعضه كقوله صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ولو بشق تمرة والفرسن بكسر الفاء والسين المهملة بينهما راء ساكنة وآخره نون هو عظم قليل اللحم وهو للبعير موضع الحافر للفرس ويطلق على الشاة مجازا ونونه زائدة وقيل أصلية وأشير بذلك إلى المبالغة في إهداء الشئ اليسير وقبوله لا إلى حقيقة الفرسن لأنه لم يجر العادة باهدائه أي لا تمنع جارة من الهدية
[ 276 ]
لجارتها الموجود عندها لاستقلاله بل ينبغي أن تجود لها بما تيسر وإن كان قليلا فهو خير من العدم وذكر الفرسن على سبيل المبالغة ويحتمل أن يكون النهي إنما وقع للمهدى إليها وأنها لا تحتقر ما يهدى إليها ولو كان قليلا وحمله على الأعم من ذلك أولى وفي الحديث الحض على التهادي ولو باليسير لما فيه من استجلاب المودة وإذهاب الشحناء ولما فيه من التعاون على أمر المعيشة والهدية إذا كانت يسيرة فهي أدل على المودة وأسقط للمؤنة وأسهل على المهدي لاطراح التكلف والكثير قد لا يتيسر كل وقت والمواصلة باليسير تكون كالكثير قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد (أبو معشر اسمه نجيح الخ) قال في التقريب نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني أبو معشر وهو مولى بني هاشم مشهور بكنيته ضعيف من السادسة أسن واختلط مات سنة سبعين ومائة ويقال كان اسمه عبد الرحمن بن الوليد بن الهلال انتهى واعلم أن حديث الباب أخرجه البخاري في صحيحه في أول الهبة من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة قال الحافظ في الفتح وأخرجه الترمذي من طريق أبي معشر عن سعيد عن أبي هريرة لم يقل عن أبيه وزاد في أوله تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر الحديث وقال غريب وأبو معشر يضعف وقال الطرقي إنه أخطأ فيه حيث لم يقل فيه عن أبيه كذا قال وقد تابعه محمد بن عجلان عن سعيد وأخرجه أبو عوانة نعم من زاد فيه عن أبيه أحفظ وأضبط فروايتهم أولى انتهى 7 باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة قوله (مثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها الخ) فيه دلالة على تحريم الرجوع في الهبة
[ 277 ]
وهو مذهب جماهير العلماء وبوب البخاري باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته وقد استثنى الجمهور ما يأتي عن الهبة للولد ونحوه وذهبت الهادوية وأبو حنيفة إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة إلا الهبة لذي رحم قالوا والحديث المراد به التغليظ في الكراهة قال الطحاوي قوله كالعائد في قيئه وإن اقتضى التحريم لكن الزيادة في الرواية الأخرى وهي قوله كالكلب يدل على عدم التحريم لأن الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه والمراد التنزه عن فعل يشبه فعل الكلب وتعقب باستبعاد التأويل ومنافرة سياق الحديث له وعرف الشرع في مثل هذه العبارة الزجر الشديد كما ورد النهي في الصلاة عن إقعاء الكلب ونقر الغراب والتفات الثعلب ونحوه ولا يفهم من المقام إلا التحريم والتأويل البعيد لا يلتفت إليه وحديث ابن عمر المذكور أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن عباس وأشار إليه الترمذي قوله (وفي الباب عن ابن عباس) تقدم تخريجه آنفا (وعبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي وابن ماجة قوله (لا يحل لرجل الخ) هذا ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والقول بأنه مجاز عن الكراهة الشديدة صرف له عن ظاهره (ثم يرجع) بالنصب عطف على يعطي (فيها) أي في عطيته (إلا الوالد) بالنصب على الاستثناء (فيما يعطي ولده) استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهبه لابنه وكذلك الأم وهو قول أكثر الفقهاء إلا أن المالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إن كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق وقال الشافعي للأب الرجوع مطلقا وقال أحمد لا يحل لواهب أن يرجع في هبته مطلقا وقال الكوفيو ن إن كان الموهوب صغيرا لم يكن للأب الرجوع وكذا إن كان كبيرا وقبضها قالوا وإن كانت الهبة لزوج من زوجته أو بالعكس أو لذي رحم لم يجز الرجوع في شئ من ذلك ووافقهم إسحاق في ذي الرحم وقال للزوجة أن ترجع بخلاف الزوج والاحتجاج لكل واحد من ذلك يطول ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أن الولد وماله لأبيه
[ 278 ]
فليس في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك كذا في الفتح (ومثل الذي يعطي العطية) أي لغير ولده (أكل) أي استمر على الموكل كل شئ (حتى إذا شبع) بكسر الموحدة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه قوله (قال الشافعي لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها إلا الوالد الخ) هذا هو الظاهر والله أعلم
[ 279 ]
32 كتاب القدر القدر بفتح القاف والدال المهملة عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور وهو مصدر قدر يقدر قدرا وقد تسكن داله 1 باب ما جاء من التشديد في الخوض في القدر قال في شرح السنة الايمان بالقدر فرض لازم وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرها وشرها وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته غير أنه يرضى الايمان والطاعة ووعد عليهما الثواب ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقا ب والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين فرقة خلقهم للنعيم فضلا وفرقة للجحيم عدلا وسأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال أخبرني عن القدر قال طريق مظلم لا تسلكه وأعاد السؤال فقال بحر عميق لا تلجه وأعاد السؤال فقال سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه ولله در من قال تبارك من أجرى الأمور بحكمه كما شاءلا ظلما ولا هضما فما لك شئ غير ما الله شاءه فإن شئت طب نفسا وإن شئت متكظما
[ 280 ]
قوله (ونحن نتنازع) أي حال كوننا نتباحث (في القدر) أي في شأنه فيقول بعضنا إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب كما قالت المعتزلة والاخر يقول فما الحكمة في تقدير بعض للجنة وبعض للنار فيقول الاخر لأن لهم فيه نوع اختيار كسبي فيقول الاخر من أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه وما أشبه ذلك (فغضب حتى احمر وجهه) أي نهاية الاحمرار (حتى) أي حتى صار من شدة حمرته (كأنما فقئ) بصيغة المجهول أي شق أو عصر (في وجنتيه) أي خديه (الرمان) أي حبه فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه وإنما غضب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى وطلب سره منهي ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدريا أو جبريا والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره (أبهذا) أي بالتنازل في القدر وهمزة الاستفهام للانكار وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام (أم بهذا أرسلت إليكم) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة وهي ل نكار أيضا ترقيا من الأهون إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار قاله القاري (إنما هلك من كان قبلكم) أي من الأمم جملة مستأنفة جوابا عما اتجه لهم أن يقولوا لم تنكر هذا الانكار البليغ (حين تنازعوا في هذا الأمر) هذا يدل على أن غضب الله وإهلاكهم كان من غير إمهال ففيه زيادة وعيد (عزمت) أي أقسمت أو أوجبت (عليكم) قيل أصله عزمت بإلقاء اليمين وإلزامها عليكم (ألا تنازعوا) بحذف إحدى التائين (فيه) أي في القدر لا تبحثوا فيه بعد هذا قال ابن الملك إن هذه يمتنع كونها مصدرية وزائدة لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة وأن لا تزاد مع لا فهي إذا مفسرة كأقسمت أن لا ضربت وتنازعوا جزم بلا الناهية ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد الجملة كذا قاله زين العرب قوله (وفي الباب عن عمرو وعائشة وأنس) أما حديث عمرو فأخرجه أبو داود بلفظ لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم وكذا أحمد والحاكم وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وابن ماجه
[ 281 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده صالح بن بشير بن وادع المري أبو بشر البصري وهو ضعيف وقال الذهبي ضعفوه ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة فيها سوى الترمذي وروى إبن ماجه نحوه عن إبن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ويؤيده حديث ابن مسعود مرفوعا عند الطبراني بإسناد حسن بلفظ إذا ذكر القدر فأمسكوا ويؤيده أيضا حديث ثوبان عند الطبراني في الكبير بلفظ اجتمع أربعون من الصحابة ينظرون في القدر الحديث وفي الباب عن ابن عباس عند ابن جرير بلفظ خرج النبي صلى الله عليه وسلم فسمع أناسا من أصحابه يذكرون القدر الحديث وعن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس عند الطبراني في الكبير (وصالح المري له غرائب يتفرد بها) قال في التقريب صالح بن بشير بن وادع المرى بضم الميم وتشديد الراء أبو البشر البصري القاص الزاهد ضعيف من السابعة 2 باب ما جاء في حجاج آدم وموسى عليهما السلام قوله (حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي) البصري ثقة من العاشرة (أخبرنا أبي) أي سليمان بن طرخان التيمي أبو المعتمر البصري نزل في التيم فنسب إليهم ثقة عابد قوله (احتج ادم وموسى) أي تحاجا وفي حديث عمر عند أبي داود قال قال موسى يا رب أرنا ادم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة فأراه الله ادم فقال أنت أبونا الحديث قيل هذا ظاهره أنه وقع في الدنيا قال الحافظ فيه نظر فليس قول البخاري عند الله صريحا في أن ذلك يقع يوم القيامة فإن العندية عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وقوع ذلك في كل من الدارين وقد وردت العندية في القيامة بقوله تعالى في مقعد صدق عند مليك مقتدر وفي الدنيا بقوله صلى الله عليه وسلم أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني انتهى وقد بوب الامام البخاري في صحيحه باب تحاج ادم وموسى عند الله تعالى قال الحافظ الذي ظهر لي أن البخاري لمح في الترجمة بما وقع في بعض طريق الحديث وهو ما أخرجه أحمد من طريق يزيد بن هرمز عن أبي هريرة بلفظ احتج ادم وموسى عند ربهما الحديث (فقال موسى) جملة مبينة لمعنى ما قبلها (يا ادم أنت الذي خلقك الله بيده) قال القاري أي بقدرته قلت لا حاجة إلى هذا التأويل بل هو محمول على ظاهره وقد
[ 282 ]
تقدم ما يتعلق بهذا في مواضع عديدة قال وخصه بالذكر إكراما وتشريفا وأنه خلقه إبداعا من غير واسطة أب وأم (ونفخ فيك من روحه) الأضافة للتشريف والتخصيص أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه (أغويت الناس) قال الحافظ معنى أغويت كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الاخراج من الجنة ولو لم يقع الاخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الاغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ويطلق أيضا على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به (وأخرجتهم من الجنة) أي خطيئتك التي صدرت منك (فقال ادم أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه) أي اختارك بتكليمه إياك (كتبه الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض) أي قدره وقضاه قبل خلق السموات والأرض وفي رواية البخاري قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال الحافظ والجمع بينه (يعني الرواية التي ليست مقيدة بأربعين سنة) وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم وقال ابن التين يحتمل أن يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة إلى نفخ الروح في ادم وأجاب غيره أن ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح واخرها ابتداء خلق ادم (فحج ادم موسى) برفع ادم على أنه الفاعل أي غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر وأن الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما ادم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل كذا في شرح مسلم للنووي قوله (وفي الباب عن عمر وجندب) أما حديث عمر فأخرجه أبو داود وأبو عوانة وأما حديث جندب فأخرجه النسائي
[ 283 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان وغيرهما 3 باب ما جاء في الشقاء والسعادة قوله (أمر مبتدع أو مبتدأ) لفظه أو للشك من الراوي والمعنى أن ما نعمل هل هو أمر مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى وإنما يعلمه بعد وقوعه (أو فيما قد فرغ منه) بصيغة المجهول (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيما قد فرغ منه) أي قد فرغ الله تعالى عن قضائه وقدره (وكل ميسر) أي كل موفق ومهيأ لما خلق له يعني لأمر قدر ذلك الأمر له من الخير والشر (أما من كان) أي في علم الله أو كتابه أو اخر أمره وخاتمة عمله (من أهل السعادة) أي الايمان في الدنيا والجنة في العقبى (فإنه يعمل للسعادة) وفي حديث علي أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل السعادة (وأما من كان من أهل الشقاء) وهو ضد السعادة (فإنه يعمل للشقاء) وفي حديث علي فسييسر لعمل الشقاوة قوله (وفي الباب عن علي وحذيفة بن أسيد وأنس وعمران بن حصين) أما حديث علي فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فأخرجه مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه مسلم
[ 284 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البزار والفريابي من حديث أبي هريرة أن عمر قال يا رسول الله فذكر نحو حديث الباب كما في الفتح قوله (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله (وهو ينكت في الأرض) وفي رواية للبخاري ومعه عود ينكت به في الأرض قال الحافظ وفي رواية منصور ومعه مخصرة بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الصاد المهملة هي عصا أو قضيب يمسكه الرئيس ليتوكأ عليه ويدفع به عنه ويشير به لما يريد وسميت بذلك لأنها تحمل تحت الخصر غالبا للاتكاء عليها انتهى قال في المجمع فجعل ينكت بقضيب أي يضرب الأرض بطرفه وهو أن يؤثر فيها بطرفه فعل المفكر المهموم (ما منكم من أحد إلا قد علم قال وكيع إلا قد كتب) بصيغة المجهول فيهما (مقعده من النار ومقعده من الجنة) وفي رواية البخاري مقعده من النار أو من الجنة قال الحافظ أو للتنويع ووقع في رواية سفيان ما قد يشعر بأنها بمعنى الواو ولفظه إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار وكأنه يشير إلى ما تقدم من حديث ابن عمر الدال على أن لكل أحد مقعدين وفي رواية منصور إلا كتب مكانها من الجنة والنار (أفلا نتكل يا رسول الله) الفاء معقبة لشئ محذوف تقديره فإذا كان كذلك أفلا نتكل وزاد في رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل أي نعتمد على ما قدر علينا (قال لا) أي لا تتكلوا وحاصل السؤال ألا نترك مشقة العمل فإنا سنصير إلى ما قدر علينا وحاصل الجواب لا مشقة لأن كل أحد ميسر لما خلق له وهو يسير على من يسره الله وقال الطيبي الجواب من الأسلوب الحكيم منعهم عن ترك العمل وأمرهم بالتزام ما يجب على العبد من العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور المغيبة فلا يجعلوا العبادة وتركها سببا مستقلا لدخول الجنة والنار بل هي علامات فقط
[ 285 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 4 باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم (وهو الصادق المصدوق) الأولى أن تجعل هذه الجملة اعتراضية لا حالية لتعم الأحوال كلها وأن يكون من عادته ذلك فما أحسن موقعه ههنا ومعناه الصادق في جميع أفعاله حتى قبل النبوة لما كان مشهورا فيما بينهم بمحمد الأمين المصدوق في جميع ما أتاه من الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت يا وزيد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي العاص بن الربيع فصدقني وقال في حديث أبي هريرة صدقك وهو كذوب وقال علي رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث الافك سل الجارية تصدقك ونظائره كثيرة كذا قال السيد جمال الدين وفيه رد على ما قيل إن الجمع بينهما تأكيد إذ يلزم من أحدهما الاخر اللهم إلا أن يخص به (إن أحدكم) بكسر الهمزة فتكون من جملة التحديث ويجوز فتحها وفي رواية إن خلق أحدكم أي مادة خلق أحدكم وما يخلق منه أحدكم (يجمع خلقه في بطن أمه) أي يقرر ويحرز في رحمها وقال في النهاية ويجوز أن يريد بالجمع مكث النطفة في الرحم (في أربعين يوما) يتخمر فيها حتى يتهيأ للخلق قال الطيبي وقد روي عن ابن مسعود في تفسير هذا الحديث أن النطفة إذا وقعت في الرحم فأراد الله أن يخلق منها بشرا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ثم تمكث أربعين ليلة ثم تنزل دما في الرحم فذلك جمعها والصحابة أعلم الناس بتفسير ما سمعوه وأحقهم بتأويله وأكثرهم احتياطا فليس لمن بعدهم أن يرد عليهم قال ابن حجر والحديث رواه بن أبي حاتم وغيره وصح تفسير الجمع بمعنى اخر وهو ما تضمنه قوله عليه الصلاة والسلام إن الله تعالى إذا أراد خلق عبد فجامع الرجل المرأة طار ماؤه في كل عرق وعضو منها فإذا كان يوم السابع جمعه الله ثم أحضره كل عرق له دون ادم في أي صورة ما شاء ركبك ويشهد لهذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لمن قال له ولدت امرأتي غلاما أسود لعله نزعه عرق وأصل النطفة الماء القليل سمي بها المني لقلته وقيل لنطافته
[ 286 ]
أي سيلانه لأنه ينطف نطفا أي يسيل (ثم يكون) أي خلق أحدكم (علقة) أي دما غليظا جامدا (مثل ذلك) إشارة إلى محذوف أي مثل ذلك الزمان يعني أربعين يوما (ثم يكون مضغة) أي قطعة لحم قدر ما يمضغ (مثل ذلك) يعني أربعين يوما ويظهر التصوير في هذه الأربعين (ثم يرسل الله إليه الملك) أي إلى خلق أحدكم أو إلى أحدكم يعني في الطور الرابع حين ما يتكامل بنيانه ويتشكل أعضاؤه والمراد با رسال أمره بها والتصرف فيها لأنه ثبت في الصحيحين إنه موكل بالرحم حين كان نطفة أو ذاك ملك اخر غير ملك الحفظ (ويؤمر بأربع) وفي الصحيحين بأربع كلمات أي بكتابتها وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا (يكتب رزقه) يعني أنه قليل أو كثير (وأجله) أي مدة حياته أو انتهاء عمره (وعمله) أي من الخير والشر (وشقي أو سعيد) خبر مبتدأ محذوف أي يكتب هو شقي أو سعيد (حتى ما يكون) في الموضعين بالرفع لا لأن ما النافية كافة عن العمل بل لأن المعنى على حكاية حال الرجل لا الاخبار عن المستقبل كذا قاله السيد جمال الدين وقال المظهر حتى هي الناصبة وما نافية ولفظة يكون منصوبة بحتى وما غير مانعة لها عن العمل وقال ابن الملك الأوجه أنها عاطفة ويكون بالرفع على ما قبله (بينه وبينها) أي بين الرجل والجنة (إلا ذراع) تمثيل لغاية قربها (ثم يسبق عليه الكتاب) ضمن معنى يغلب ولذا عدى بعلى وإلا فهو متعد بنفسه أي يغلب عليه كتاب الشقاوة والتعريف للعهد والكتاب بمعنى المكتوب أي المقدر أو التقدير أي التقدير الأزلي (حتى ما يكون) بالوجهين المذكورين (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وفي البا ب عن أبي هريرة وأنس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وأما حديث أنس فأخرجه أيضا البخاري
[ 287 ]
5 باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة قوله (كل مولود) قال القاري أي من الثقلين وقال الحافظ أي من بني ادم وصرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ كل بني ادم يولد على الفطرة وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ذكرها ابن عبد البر (يولد على الملة) وفي رواية الشيخين على الفطرة وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الاسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد قال أبو عبيد كأنه عني أنه لو كان يولد عن الاسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلا لم يرثاه والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعفيه النسخ والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا وأشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الاسلام قال ابن عبد البر وهو المعروف عند عامة السلف وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها الاسلام واحتجوا بقول أبي هريرة في اخر حديث الباب اقرأوا إن شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم الحديث وقد رواه غيره فزاد فيه حنفاء مسلمين فظهر من هذا كله أن المراد بالملة في هذه الرواية هي ملة الاسلام (فأبواه يهودانه) بتشديد الواو أي يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهوديا والفاء إما للتعقيب وهو ظاهر وإما للتسبب أي إذا كان كذا فمن تغير كان بسبب أبويه غالبا (وينصرانه) بتشديد الصاد أي يعلمانه النصرانية ويجعلانه نصرانيا (ويشركانه) بتشديد الراء أي يعلمانه الشرك ويجعلانه مشركا (فمن هلك قبل ذلك) أي قبل أن
[ 288 ]
يهوده أبواه وينصراه ويشركاه (قال الله أعلم بما كانوا عاملين به) قال ابن قتيبة معنى قوله بما كانوا عاملين أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشئ وقال غيره أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شئ لو وجد كيف يكون مثل قوله ولو ردوا لعادوا ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الاخرة لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل قال النووي في شرح مسلم أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب قال الأكثرون هم في النار تبعا بائهم وتوقفت طائفة فيهم والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين راه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا يا رسول الله وأولاد المشركين قال وأولاد المشركين رواه البخاري في صحيحه ومنها قوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولا يتوجه على المولود التكليف حتى يبلغ وهذا متفق عليه انتهى كلام النووي قلت ويؤيد هذا المذهب الثالث ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم قال الحافظ إسناده حسن قال وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه البزار ويؤيده أيضا ما روى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت قلت يا رسول الله من في الجنة قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة قال الحافظ إسناده حسن ويؤيده أيضا ما روى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم مع ابائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الاسلام فنزل ولا تزر وازرة وزر أخرى قال هم على الفطرة أو قال هم في الجنة
[ 289 ]
قال الحافظ وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكن قاطعا للنزاع ورافعا لكثير من الاشكال انتهى وقد اختار الامام البخاري هذا المذهب الثالث قال الحافظ تحت قوله باب ما قيل في أولاد المشركين هذه الترجمة تشعر بأنه كان متوقفا في ذلك وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة وقد رتب أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة يعني حديث كل مولود يولد على الفطرة ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك يعني حديث سمرة بن جندب فإن قوله في سياقه وأما الصبيان حوله فأولاد الناس قد أخرجه في التعبير بلفظ وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة فقال بعض المسلمين وأولاد المشركين فقال وأولاد المشركين انتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان 6 باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء قوله (لا يرد القضاء إلا الدعاء) القضاء هو الأمر المقدر وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقى عنه يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم في الرقى هو من قدر الله وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجودا وعدما ولما بلغ عمر الشام وقيل له إن بها طاعونا رجع فقال أبو عبيدة أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين فقال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم نفر من قضاء الله إلى قضاء الله أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل يؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر أن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وقيل الدعاء كالترس والبلاء كالسهم والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل (ولا يزيد في العمر) بضم الميم وتسكن (إلا البر) بكسر الباء وهو الاحسان والطاعة قيل يزاد حقيقة قال
[ 290 ]
تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب وقال يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وذكر في الكشاف أنه لا يطول عمر الانسان ولا يقصر إلا في كتاب وصورته أن يكتب في اللوح إن لم يحج فلان أو يغز فعمره أربعون سنة وإن حج وغزا فعمره ستون سنة فإذا جمع بينهما فبلغ الستين فقد عمر وإذا أفرد أحدهما فلم يتجاوز به الأربعين فقد نقص من عمره الذي هو الغاية وهو الستون وذكر نحوه في معالم التنزيل وقيل معناه إنه إذا بر لا يضيع عمره فكأنه زاد وقيل قدر أعمال البر سببا لطول العمر كما قدر الدعاء سببا لرد البلاء فالدعاء للوالدين وبقية الأرحام يزيد في العمر إما بمعنى أنه يبارك له في عمره فييسر له في الزمن القليل من الأعمال الصالحة ما لا يتيسر لغيره من العمل الكثير فالزيادة مجازية لأنه يستحيل في الاجال الزيادة الحقيقية قال الطيبي إعلم أن الله تعالى إذا علم أن زيدا يموت سنة خمس مائة استحال أن يموت قبلها أو بعدها فاستحال أن تكون الاجال التي عليها علم الله تزيد أو تنقص فتعين تأويل الزيادة أنها بالنسبة إلى ملك الموت أو غيره ممن وكل بقبض الأرواح وأمره بالقبض بعد اجال محدودة فإنه تعالى بعد أن يأمره بذلك أو يثبت في اللوح المحفوظ ينقص منه أو يزيد على ما سبق علمه في كل شئ وهو بمعنى قوله تعالى يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعلى ما ذكر يحمل قوله عز وجل ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فا شارة بالأجل الأول إلى ما في اللوح المحفوظ وما عند ملك الموت وأعوانه وبالأجل الثاني إلى ما في قوله تعالى وعنده أم الكتاب وقوله تعالى إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والحاصل أن القضاء المعلق يتغير وأما القضاء المبرم فلا يبدل ولا يغير انتهى قوله (وفي الباب عن أبي أسيد) بضم الهمزة وفتح السين مصغرا الساعدي وأما أبو أسيد بفتح الهمزة وكسر السين فله حديث واحد وهو كلوا الزيت وادهنوا به الحديث وحديث أبي أسيد الذي أشار إليه الترمذي لم أقف عليه فلينظر من أخرجه (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن حبان والحاكم وقال صحيح الاسناد عن ثوبان وفي روايتهما لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يذنبه كذا في المرقاة
[ 291 ]
قوله (لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن الضريس) بمعجمة ثم مهملة مصغرا البجلي الرازي القاضي صدوق من التاسعة (وأبو مودود اثنان) أي رجلان (أحدهما يقال له فضة) قال الحافظ بكسر الفاء وتشديد المعجمة أبو مودود البصري نزيل خراسان مشهور بكنيته فيه لين من الثامنة (والاخر عبد العزيز بن أبي سليمان) الهذلي مولاهم أبو مودود المدني القاص مقبول من السادسة (وكانا في عصر واحد) قال في تهذيب التهذيب وذكر أبو حاتم اخر يقال له أبو مودود اسمه بحر بن موسى روى عن الحسن البصري وعنه الثوري وغيره وقال أبو مودود المدني أحب إلى من أبي مودود بحر ومن أبي مودود فضة انتهى 7 باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر) من الاكثار (أن يقول) أي هذا القول (يا مقلب القلوب) أي مصرفها تارة إلى الطاعة وتارة إلى المعصية وتارة إلى الحضرة وتارة إلى الغفلة (ثبت قلبي على دينك) أي اجعله ثابتا على دينك غير مائل عن الدين القويم والصراط المستقيم (فقلت يا نبي الله امنا بك) أي بنبوتك ورسالتك (وبما جئت به) من الكتاب والسنة (فهل تخاف علينا) يعني أن قولك هذا ليس لنفسك لأنك في عصمة من الخطأ والزلة خصوصا من تقلب القلب عن الدين والملة وإنما المراد تعليم الأمة فهل تخاف علينا من زوال نعمة الايمان أو الانتقال من الكمال إلى النقصان (قال نعم) يعني أخاف عليكم (يقلبها) أي القلوب (كيف شاء) مفعول مطلق أي تقليبا يريده أو حال من الضمير المنصوب أي يقلبها على أي صفة شاءها (وفي الباب عن النواس بن سمعان وأم سلمة وعائشة وأبي ذر) أما حديث النواس بن سمعان بكسر السين وفتحها وسكون الميم فأخرجه أحمد وأما حديث أم سلمة فأخرجه أيضا أحمد وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن جرير
[ 292 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة 8 باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار قوله (عن أبي قبيل) اسمه حيي بضم الحاء مهملة وبيائين مصغرا قال في التقريب حيي بن هانئ بن ناضر بنون ومعجمة أبو قبيل بفتح القاف وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة المعافري البصري صدوق يهم من الثالثة (عن شفي بن ماتع) قال في التقريب شفي بضم الشين المعجمة وبالفاء مصغرا ابن ماتع بمثناة الأصبحي ثقة من الثالثة أرسل حديثا فذكره بعضهم في الصحابة خطأ مات في خلافة هشام قاله خليفة قوله (وفي يده) با فراد والمراد به الجنس وفي المشكاة يديه بالتثنية والواو للحال (أتدرون ما هذان الكتابان) الظاهر من الاشارة أنهما حسيان وقيل تمثيل واستحضار للمعنى الدقيق الخفي في مشاهدة السامع حتى كأنه ينظر إليه رأى العين فالنبي صلى الله عليه وسلم كما كوشف له بحقيقة هذا الأمر وأطلعه الله عليه اطلاعا لم يبق معه خفاء صور الشئ الحاصل في قلبه بصورة الشئ الحاصل في يده وأشار إليه إشارة إلى المحسوس (فقلنا لا) أي لا ندري (يا رسول الله إلا أن تخبرنا) استثناء مفرغ أي لا نعلم بسبب من الأسباب إلا إخبارك إيانا وقيل الاستثناء منقطع أي لكن إن أخبرتنا علمنا وكأنهم طلبوا بهذا الاستدراك إخباره إياهم (فقال الذي في يده اليمنى) أي لأهله وفي شأنه أو عنه وقيل قال بمعنى أشار فاللام بمعنى إلى (هذا كتاب من رب العالمين) خصه بالذكر دلالة على أنه تعالى مالكهم وهم له مملوكون يتصرف فيهم كيف يشاء فيسعد من يشاء ويشقي من يشاء وكل ذلك عدل وصواب فلا اعتراض لأحد عليه وقيل الظاهر أن هذا كلام
[ 293 ]
صادر على طريق التصوير والتمثيل مثل الثابت في علم الله تعالى أو المثبت في اللوح بالمثبت بالكتاب الذي كان في يده ولا يستبعد إجراؤه على الحقيقة فإن الله تعالى قادر على كل شئ والنبي صلى الله عليه وسلم مستعد دراك المعاني الغيبية ومشاهدة الصور المصوغة لها (فيه أسماء أهل الجنة وأسماء ابائهم وقبائلهم) الظاهر أن كل واحد من أهل الجنة وأهل النار يكتب أسماؤهم وأسماء ابائهم وقبائلهم سواء كانوا من أهل الجنة أو النار للتمييز التام كما يكتب في الصكوك (ثم أجمل على اخرهم) من قولهم أجمل الحساب إذا تمم ورد التفصيل إلى الاجمال وأثبت في اخر الورقة مجموع ذلك وجملته كما هو عادة المحاسبين أن يكتبوا الأشياء مفصلة ثم يوقعوا في اخرها فذلكة ترد التفصيل إلى الاجمال وضمن أجمل معنى أوقع فعدى يعلى أي أوقع الاجمال على من انتهى إليه التفصيل وقيل ضرب با جمال على اخر التفصيل أي كتب ويجوز أن يكون حالا أي أجمل في حال انتهاء التفصيل إلى اخرهم فعلى بمعنى إلى (فلا يزاد فيهم) جزاء شرط أي إذا كان الأمر على ما تقرر من التفصيل والتعيين وا جمال بعد التفصيل في الصك فلا يزاد فيهم (ولا ينقص) يصيغة المجهول (منهم أبدا) لأن حكم الله لا يتغير وأما قوله تعالى ولكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت فمعناه لكل انتهاء مدة وقت مضروب فمن انتهى أجله يمحوه ومن بقي من أجله يبقيه على ما هو مثبت فيه وكل ذلك مثبت عند الله في أم الكتاب وهو القدر كما يمحو ويثبت هو القضاء فيكون ذلك عين ما قدر وجرى في الأجل فلا يكون تغييرا أو المراد منه محو المنسوخ من الأحكام وإثبات الناسخ أو محو السيئات من التائب وإثبات الحسنات بمكافأته وغير ذلك ويمكن أن يقال المحو وا ثبات يتعلقان بالأمور المعلقة دون الأشياء المحكمة كذا في المرقاة (ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه) بصيغة المجهول يعني إذا كان المدار على كتابة الأزل فأي فائدة في اكتساب العمل (فقال سددوا) أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة وهو القصد في الأمر والعدل فيه قاله في النهاية (وقاربوا) أي اقتصدوا في الأمور كلها واتركوا الغلو فيها والتقصير يقال قارب فلان في أموره إذا اقتصد كذا في النهاية والجواب من أسلوب الحكيم أي فيم أنتم من ذكر القدر والاحتجاج به وإنما خلقتم للعبادة فاعملوا وسددوا قاله الطيبي (فإن صاحب الجنة يختم له) يصيغة المجهول (بعمل أهل الجنة) أي يعمل مشعر بإيمانه ومشير بإبقائه
[ 294 ]
(وإن عمل) أي ولو عمل قبل ذلك (أي عمل) من أعمال أهل النار (وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار) أعم من الكفر والمعاصي (وإن عمل أي عمل) أي قبل ذلك من أعمال أهل الجنة (ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه) أي أشار بهما والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال فتطلقه على غير الكلام واللسان فتقول قال بيده أي أخذ وقال برجله أي مشى (فنبذهما) أي طرح ما فيهما من الكتابين وفي الأزهار الضمير في نبذهما لليدين لأن نبذ الكتابين بعيد من دأبه انتهى قال القاري وفيه أن نبذهما ليس بطريق الاهانة بل إشارة إلى أنه نبذهما إلى عالم الغيب ثم هذا كله إذا كان هناك كتاب حقيقي وأما على التمثيل فيكون المعنى نبذهما أي اليدين قلت ولا ملجئ لحمل لفظ الكتاب في هذا الحديث على معناه المجازي ولا مانع من إرادة معناه الحقيقي فالظاهر أن يحمل على الحقيقة قوله (أخبرنا بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم المصري أبو محمد أو أبو عبد الملك ثقة ثبت من الثامنة قوله (وفى الباب عن ابن عمر) أخرجه البزار كذا في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والنسائي قوله (يوفقه لعمل صالح قبل الموت) ثم يقبضه عليه كما في رواية أي يميته وهو متلبس به
[ 295 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم 9 باب لا عدوى ولا هامة ولا صفر قال الجزري في النهاية الهامة الرأس واسم طائر وهو المراد في الحديث وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها وهي من طير الليل وقيل هي البومة وقيل كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طارت وقيل كانوا يزعمون أن عظام الميت وقيل روحه تصير هامة فتطير ويسمونه الصدى فنفاه الاسلام ونهاهم عنه انتهى قوله (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الضبي الكوفي ثقة أرسل عن ابن مسعود وهو من السادسة (أخبرنا أبو زرعة بن عمرو بن جرير) بن عبد الله البجلي الكوفي ثقة من الثالثة وذكر الحافظ في اسمه أقوالا (قال أخبرنا صاحب لنا) لم أقف على اسم صاحبه هذا ولم يذكره الحافظ في مبهمات التقريب وتهذيب التهذيب قوله (فقال لا يعدي شئ شيئا) من الاعداء قال في القاموس العدوى ما يعدي من جرب أو غيره وهو مجاوزته من صاحبه إلى غيره وقال في النهاية العدوى اسم من الاعداء كالدعوى والبقوى من الادعاء والإبقاء يقال أعداه الداء يعديه إعداء وهو أن يصيبه مثل ما يصاحب الداء وذلك أن يكون ببعير جرب مثلا فتتقي مخالطته بإبل أخرى حذرا أن يتعدى ما به من الجرب إليها فيصيبها ما أصابه فقد أبطله الاسلام لأنهم كانوا يظنون أن المرض بنفسه يتعدى فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس الأمر كذلك وإنما الله هو الذي يمرض وينزل الداء انتهى (البعير أجرب الحشفة) قال في القاموس الحشفة محركة ما فوق الختان وقال في المجمع هي رأس الذكر (ندبنه) قد ضبط هذا اللفظ في النسخة الأحمدية بضم نون وسكون دال مهملة وكسر موحدة بصيغة المضارع المتكلم من الادبان ولم يظهر لي معناه اللهم إلا أن يقال إنه مأخوذ من الدبن قال
[ 296 ]
في القاموس الدبن بالكسر حظيرة الغنم وقال في النهاية الدبن حظيرة الغنم إذا كانت من القصب وهي من الخشب زريبة ومن الحجارة صيرة انتهى ثم يقال إن المراد بالدبن هنا معاطن الابل والمعنى ندخل البعير أجرب الحشفة في المعاطن فيجرب الابل كلها ويحتمل أن يكون بذنبه بالباء حرف الجر وبذال معجمة ونون مفتوحتين وموحدة وبالضمير المجرور الراجع إلى البعير والمعنى أن البعير يجرب أولا حشفته بذنبه ثم يجرب الابل كلها والله تعالى أعلم (فمن أجرب الأول) أي إن كان جربها حصل بالإعداء فمن أجرب البعير الأول والمعنى من أوصل الجرب إليه ليبني بناء الاعداء عليه بل الكل بقضائه وقدره في أول أمره واخره قال الطيبي وإنما أتى بمن الظاهر أن يقال فما أعدى الأول ليجاب بقوله الله تعالى أي الله أعدى لاغيره (لا عدوى) قد تقدم شرح هذا مبسوطا في باب الطيرة من أبواب السير (ولا صفر) قال الامام البخاري هو داء يأخذ البطن قال الحافظ كذا جزم بتفسير الصفر وهو بفتحتين وقد نقل أبو عبيدة معمر بن المثنى في غريب الحديث له عن يونس بن عبيد الجرمي أنه سأل رؤبة بن العجاج فقال هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس وهي أعدى من الجرب عند العرب فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوى ورجح عند البخاري هذا القول لكونه قرن في الحديث بالعدوى وكذا رجح الطبري هذا القول واستشهد له بقول الأعشى ولا يعض على شرسوفوفه الصفر والشرسوف الضلع والصفر دود يكون في الجوف فربما عض الضلع أو الكبد فقتل صاحبه وقيل المراد بالصفر الحية لكن المراد بالنفي نفي ما يعتقدون أن من أصابه قتله فرد ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فرغ الأجل وقد جاء هذا التفسير عن جابر وهو أحد رواة حديث لا صفر قاله الطبري وقيل في الصفر قول اخر وهو أن المراد به شهر صفر وذلك أن العرب كانت تحرم صفر وتستحل المحرم فجاء الاسلام برد ما كانوا يفعلونه من ذلك فلذلك قال صلى الله عليه وسلم لا صفر قال ابن بطال وهذا القول مروي عن مالك انتهى وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا ابن خزيمة كما في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأنس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه
[ 297 ]
البخاري وغيره وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه في الطب وأما حديث أنس فأخرجه البخاري وغيره قوله (سمعت محمد بن عمرو بن صفوان) قال في تهذيب التهذيب محمد بن عمرو بن نبهان بن صفوان الثقفي البصري روى عن علي بن المديني وغيره وروى عنه الترمذي هكذا نسبه الترمذي في عامة روايته عنه وقال مرة حدثنا محمد بن عمرو بن أبي صفوان انتهى وقال في التقريب مقبول من الحادية عشرة 10 باب ما جاء أن الايمان بالقدر خيره وشره قوله (حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري) النكري بضم النون ثقة من العاشرة (أخبرنا عبد الله بن ميمون) بن داود القداح المخزومي المكي منكر الحديث متروك من الثامنة (حتى يؤمن بالقدر خيره وشره) أي بأن جميع الأمور الكائنة خيرها وشرها حلوها ومرها بقضائه وقدره وإرادته وأمره وانه ليس فيها لهم إلا مجرد الكسب ومباشرة الفعل (حتى يعلم أن ما أصابه) من النعمة والبلية والطاعة والمعصية مما قدره الله له وعليه (لم يكن ليخطئه) أي يجاوزه (وأن ما أخطأه) من الخير والشر (لم يكن ليصيبه) وهذا وضع موضع المحال كأنه قيل محال أن يخطئه وفيه ثلاث مبالغات دخول أن ولحوق اللام المؤكدة للنفي وتسليط النفي على الكينونة وسراينه في الخبر وهو مضمون قوله تعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا وفيه حث على التوكل والرضاء ونفى الحول والقوة وملازمة القناعة والصبر على المصائب قوله (وفي الباب عن عبادة وجابر وعبد الله بن عمرو) أما حديث عبادة وهو ابن الصامت فأخرجه الترمذي بعد خمسة أبواب وأما حديث جابر وعبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجهما
[ 298 ]
قوله (لا يؤمن عبد) هذا نفي أصل الا يمان أي لا يعتبر ما عنده من التصديق القلبي (حتى يؤمن بأربع يشهد) منصوب على البدل من قوله يؤمن وقيل مرفوع تفصيل لما سبقه أي يعلم ويتيقن (أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) أي يؤمن بالتوحيد والرسالة وعدل إلى لفظ الشهادة أمنا من الالباس بأن يشهد ولم يؤمن أو دلالة على أن النطق بالشهادتين أيضا من جملة الأركان فكأنه قيل يشهد باللسان بعد تصديقه بالجنان أو إشارة إلى أن الحكم بالظواهر والله أعلم بالسرائر (بعثني بالحق) استئناف كأنه قيل لم يشهد فقال بعثني بالحق أي إلى كافة الانس والجن ويجوز أن يكون حالا مؤكدة أو خبرا بعد خبر فيدخل على هذا في حيز الشهادة وقد حكى صلى الله عليه وسلم على القولين كلام المشاهد بالمعنى إذ عبارته أن محمدا وبعثه (ويؤمن بالموت) بالوجهين (ويؤمن بالبعث) أي يؤمن بوقوع البعث (بعد الموت) تكرير الموت إيذان للاهتمام بشأنه (ويؤمن) بالوجهين (بالقدر) قال القاري نقلا عن المظهر المراد بهذا الحديث نفي أصل الايمان لا نفي الكمال فمن لم يؤمن بواحد من هذه الأربعة لم يكن مؤمنا الأول الاقرار بالشهادتين وأنه مبعوث إلى كافة الانس والجن والثاني أن يؤمن بالموت أي يعتقد فناء الدنيا وهو احتراز عن مذهب الدهرية القائلين بقدم العالم وبقائه أبدا قال القاري وفي معناه التناسخي ويحتمل أن يراد اعتقاد أن الموت يحصل بأمر الله لا بفساد المزاج كما يقوله الطبيعي والثالث أن يؤمن بالبعث والرابع أن يؤمن بالقدر يعني بأن جميع ما يجري في العالم بقضاء الله وقدره انتهى وحديث علي هذا رجاله رجال الصحيح وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والحاكم قوله (إلا أنه) أي النضر بن شميل (قال ربعي عن رجل عن علي) أي زاد بين ربعي وعلي رجلا (حديث أبي داود عن شعبة) أي بلا زيادة رجل بين ربعي وعلي (أصح من حديث النضر)
[ 299 ]
أي الذي فيه زيادة رجل (وهكذا) أي بلا زيادة رجل (روى غير واحد) أي من أصحاب منصور قوله (بلغني أن ربعي) بكسر المهملة وسكون الموحدة (بن حراش) بكسر المهملة واخره معجمة العبسي الكوفي ثقة عابد مخضرم من الثانية مات سنة مائة وقيل غير ذلك (لم يكذب في الاسلام كذبة) قال العجلي تابعي ثقة من خيار الناس لم يكذب كذبة قط 11 باب ما جاء إن النفس تموت حيث ما كتب لها قوله (حدثنا مؤمل) بوزن محمد بهمزة ابن إسماعيل البصري أبو عبد الرحمن نزيل مكة صدوق سئ الحفظ من صغار التاسعة قوله (إذا قضى الله) أي أراد أو قدر أو حكم (جعل) أي أظهر الله (له إليها حاجة) أي فيأتيها ويموت فيها إشارة إلى قوله تعالى وما تدري نفس بأي أرض تموت قوله (وفي الباب عن أبي عزة) أخرجه الترمذي في هذا الباب (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح (ولا نعرف لمطر) بفتحتين (بن عكامس) بضم المهملة وتخفيف الكاف وكسر الميم بعدها مهملة السلمي صحابي سكن الكوفة
[ 300 ]
قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو المعروف بابن علية (عن أبي المليح ابن أسامة بن عمير الهذلي اسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد ثقة من الثالثة (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية بلفظ إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له بها حاجة (وأبو عزة) بفتح المهملة وتشديد الزاي (اسمه يسار بن عبد) الهذلي صحابي مشهور بكنيته له حديث واحد كذا في التقريب وصرح في تهذيب التهذيب بأنه روى حديث الباب 12 باب ما جاء لا ترد الرقى ولا الدواء مقدر الله شيئا قوله (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي) قال في تهذيب التهذيب سعيد بن عبد الرحمن بن حسان أبو عبد الله المخزومي روى عن سفيان بن عيينة وغيره وعنه الترمذي والنسائي وغيرهما قال النسائي ثقة وقال مرة لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات (عن ابن أبي خزامة) بكسر الخاء وتخفيف الزاي مجهول من الثالثة (عن أبيه) هو أبو خزامة بن يعمر السعدي أحد بني الحارث بن سعد بن هذيم يقال اسمه زيد بن الحارث ويقال الحارث وكلاهما وهم وهو صحابي له حديث في الرقى كذا في التقريب قوله (أرأيت رقى نسترقيها) جمع رقية كظلم جمع ظلمة وهي ما يقرأ لطلب الشفاء والاسترقاء طلب الرقية (ودواء) منصوب (نتداوى به) أي نستعمله (وتقاة) بضم أوله (نتقيها) أي نلتجئ بها أو نحذر بسببها وأصل تقاة وقاة من وفى وهي اسم ما يلتجئ به الناس من خوف
[ 301 ]
الأعداء كالترس وهو ما يقي من العدد أي يحفظ ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى الاتقاء فالضمير في نتقيها للمصدر قيل وهذه المنصوبات أعني وقي وما عطف عليها موصوفات بالأفعال الواقعة بعدها ومتعلقة بمعنى أرأيت أي أخبرني عن رقى نسترقيها فنصبت على نزع الخافض ويجوز أن يتعلق بلفظ أرأيت والمفعول الأول الموصوف مع الصفة والثاني الاستفهام بتأويل مقولا في حقها (هل ترد) أي من هذه الأسباب (قال هي) أي المذكورات الثلاث (من قدر الله) أيضا يعني كما أن الله قدر الداء وقدر زواله بالدواء ومن استعمله ولم ينفعه فليعلم أن الله تعالى ما قدره قال في النهاية جاء في بعض الأحاديث جواز الرقية كقوله عليه الصلاة و السلام استرقوا لها فإن بها النظرة أي اطلبوا لها من يرقيها وفي بعضها النهي عنها كقوله عليه الصلاة والسلام في باب التوكل الذين لا يسترقون ولا يكتوون والأحاديث في القسمين كثيرة ووجه الجمع أن ما كان من الرقية بغير أسماء الله تعالى وصفاته وكلامه في كتبه المنزلة أو بغير اللسان العربي وما يعتقد منها أنها نافعة لا محالة فيتكل عليها فإنها منهية وإياها أراد عليه الصلاة والسلام بقوله ما توكل من استرقى وما كان على خلاف ذلك كالتعوذ بالقران وأسماء الله تعالى والرقى المروية فليست بمنهية ولذلك قال عليه الصلاة والسلام الذي رقي بالقران وأخذ عليه أجرا من أخذ برقية باطل فقد أخذت برقية حق وأما قوله عليه الصلاة والسلام لا برقية إلا من عين أو حمة فمعناه لا رقية أولى وأنفع منهما قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث الزهري) وأخرجه أحمد وابن ماجه (وهذا أصح) أي رواية غير واحد عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة بحذف لفظ ابن أصح من رواية سعيد بن عبد الرحمن المخزومي أخبرنا سفيان عن ابن أبي خزامة بزيادة لفظ ابن (هكذا) أي بحذف لفظ ابن 13 باب ما جاء في القدرية بفتح القاف والدال
[ 302 ]
قوله (حدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم أو أبو محمد الكوفي ثقة من العاشرة (عن القاسم بن حبيب) التمار الكوفي لين من السادسة (وعلي بن نزار) بكسر نون وبزاي وراء ابن حيان بفتح حاء مهملة وشدة تحتية وبنون الأسدي الكوفي ضعيف من السادسة (عن نزار) هو ابن حيان الأسدي مولى بني هاشم ضعيف من السادسة قوله (صنفان) أي نوعان (من أمتي) أي أمة الاجابة (ليس لهما في الاسلام نصيب) قال التوربشتي ربما يتمسك به من يكفر الفريقين والصواب أن لا يسارع إلى تفكير أهل البدع لأنهم بمنزلة الجاهل أو المجتهد المخطئ وهذا قول المحققين من علماء الأمة احتياطا فيحمل قوله ليس لهما نصيب على سوء الحظ وقلة النصيب كما يقال ليس للبخيل من ماله نصيب وأما قوله عليه الصلاة والسلام يكون في أمتي خسف وقوله ستة لعنتهم وأمثال ذلك فيحمل على المكذب به أي بالقدر إذا أتاه من البيان ما ينقطع به العذر أو على من تفضي به العصبية إلى تكذيب ما ورد فيه من النصوص أو إلى تكفير من خالفه وأمثال هذه الأحاديث واردة تغليظا وزجرا انتهى وقال القاري قال ابن حجر يعني المكي فمن أطبق تكفير الفريقين أخذ بظاهر هذا الخبر فقد استروح بل الصواب عند الأكثرين من علماء السلف والخلف أنا لا نكفر أهل البدع والأهواء إلا إن أتوا بمكفر صريح لا استلزامي لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بلازم ومن ثم لم يزل العلماء يعاملونهم معاملة المسلمين في نكاحهم وإنكاحهم والصلاة على موتاهم ودفنهم في مقابرهم لأنهم وإن كانوا مخطئين غير معذورين حقت عليهم كلمة الفسق والضلال إلا أنهم لم يقصدوا بما قالوه اختيار الكفر وإنما بذلوا وسعهم في إصابة الحق فلم يحصل لهم لكن لتقصيرهم بتحكيم عقولهم وأهويتهم وإعراضهم عن صريح السنة وا يات من تأويل سائغ وبهذا فارقوا مجتهدي الفروع فإن خطأهم إنما هو لعذرهم بقيام دليل اخر عندهم مقاوم لدليل غيرهم من جنسه فلم يقصروا ومن ثم أثيبوا على اجتهادهم انتهى كلام القاري (المرجئة) يهمز ولا يهمز من الارجاء مهموزا ومعتلا وهو التأخير يقولون الأفعال كلها بتقدير الله تعالى وليس للعباد فيها اختيار وإنه لا يضر مع الايمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة كذا قاله ابن الملك وقال الطيبي قيل هم الذين يقولون الايمان قول بلا عمل فيؤخرون العمل عن القول وهذا غلط بل الحق أن المرجئة هم الجبرية القائلون بأن إضافة الفعل إلى العبد كإضافته إلى الجمادات سموا بذلك لأنهم
[ 303 ]
يؤخرون أمر الله ونهيه عن الاعتداد بهما ويرتكبون الكبائر فهم على الافراط والقدرية على التفريط والحق ما بينهما انتهى (والقدرية) بفتح الدال وتسكن وهم المنكرون للقدر القائلون بأن أفعال العباد مخلوقة بقدرتهم ودواعيهم لا بقدرة الله وإرادته إنما نسبت هذه الطائفة إلى القدر لأنهم يبحثون في القدر كثيرا قوله (وفي الباب عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج) أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه أبو داود بلفظ لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم وأخرجه أيضا أحمد والحاكم وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد بابين وأما حديث رافع بن خديج فلينظر من أخرجه قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه ابن ماجه والبخاري في التاريخ وفي سنده علي بن نزار وأبوه نزار وهما ضعيفان كما عرفت وقد ذكر صاحب المشكاة هذا الحديث وقال في اخره رواه الترمذي وقال غريب ولم يذكر لفظ حسن فظهر أن نسخ الترمذي مختلفة في ذكر لفظ حسن وقال القاري في المرقاة عده في الخلاصة من الموضوعات لكن قال في جامع الأصول أخرجه الترمذي قال صاحب الأزهار حسن غريب وكتب مولانا زاده وهو من أهل الحديث في زماننا إنه رواه الطبراني وإسناده حسن ونقل عن بعضهم أيضا أن رواته مجهولون كذا ذكره العيني وقال الفيروز ابادي لا يصح في ذم المرجئة والقدرية حديث وفي الجامع الصغير بعد ذكره الحديث المذكور رواه البخاري في تاريخه والترمذي وابن ماجه عن ابن عباس وابن ماجه عن جابر والخطيب عن ابن عمر والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد ورواه أبي نعيم في الحلية عن أنس ولفظه صنفان من أمتي لا تنالهم شفاعتي يوم القيامة المرجئة والقدرية انتهى ما في المرقاة قوله (أخبرنا محمد بن بشر العبدي أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ من التاسعة (حدثنا سلام بن أبي عمرة) بتشديد اللام الخراساني أبو علي ضعيف ومن السادسة قال في تهذيب
[ 304 ]
التهذيب له في الترمذي حديث واحد في المرجئة والقدرية وقال ابن حبان يروي عن الثقات المقلوبات لا يجوز الاحتجاج بخبره قال الأزدي واهي الحديث 14 باب قوله (حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء الصيرفي صدوق من الحادية عشر (أخبرنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة) الشعيري الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة قوله (مثل) بضم الميم وتشديد مثلثة أي صور وخلق (ابن ادم) بالرفع نائب الفاعل وقيل مثل ابن ادم بفتحتين وتخفيف المثلثة ويريد به صفته وحاله العجيبة الشأن وهو مبتدأ خبره الجملة التي بعده أي الظرف وتسع وتسعون مرتفع به أي حال ابن ادم أن تسعا وتسعين منية متوجهة إلى نحوه منتهية إلى جانبه وقيل خبره محذوف والتقدير مثل ابن ادم مثل الذي يكون إلى جنبه تسع وتسعون منية ولعل الحذف من بعض الرواة (وإلى جنبه) الواو للحال أي بقربه (تسع وتسعون) أراد به الكثرة دون الحصر (منية) بفتح الميم أي بلية مهلكة وقال بعضهم أي سبب موت (إن أخطأته المنايا) قال الطيبي المنايا جمع منية وهي الموت لأنها مقدرة بوقت مخصوص من المنى وهو التقدير وسمى كل بلية من البلايا منية لأنها طلائعها ومقدماتها انتهى أي إن جاوزته فرضا أسباب المنية من الأمراض والجوع والغرق والحرق وغير ذلك مرة بعد أخرى (وقع في الهرم) قال في القاموس الهرم محركة أقصى الكبر (حتى يموت) قال بعضهم يريد أن أصل خلقه الانسان من شأنه أن لا تفارقه المصائب والبلايا والأمراض والأدواء كما قيل البرايا أهداف البلايا وكما قال صاحب الحكم ابن عطاء ما دمت في هذه الدار لا تستغرب وقوع الأكدار فإن أخطأته تلك النوائب على سبيل الندرة أدركه من الأدواء الداء الذي لا دواء له وهو الهرم وحاصله أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فينبغي للمؤمن أن يكون صابرا على حكم الله راضيا بما قدره الله تعالى وقضاه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الضياء المقدسي كما في الجامع الصغير
[ 305 ]
قوله (وأبو العوام هو عمران وهو ابن داود القطان) قال في التقريب عمران بن داور بفتح الواو بعدها راء أبو العوام القطان البصري صدوق يهم ورمى برأي الخوارج من السابعة 15 باب ما جاء في الرضا بالقضاء قوله (عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني ثقة حجة من الرابعة (عن أبيه) هو محمد بن سعد بن أبي وقاص الزهري أبو القاسم المدني نزيل الكوفة كان يلقب ظل الشيطان لقصره ثقة من الثالثة قتله الحجاج (عن سعد) بن أبي وقاص أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله رضي الله عنه قوله (من سعادة ابن ادم رضاه بما قضى الله له) أي من سعادة ابن ادم تركه استخارة الله ثم رضاه بما حكم به وقدره وقضاه كما يدل عليه مقابلته بقول (ومن شقاوة ابن ادم تركه استخارة الله) أي طلب الخيرة منه فإنه يختار له ما هو خير له (ومن شقاوة ابن ادم سخطه) أي غضبه وعدم رضاه (بما قضى الله له) قال الطيبي رحمه الله أي الرضا بقضاء الله وهو ترك السخط علامة سعادته وإنما جعله علامة سعادة العبد لأمرين أحدهما ليتفرغ للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما أبدا مشغول القلب بحدوث الحوادث ويقول لم كان كذا ولم لا يكون كذا والثاني لئلا يتعرض لغضب الله تعالى لسخطه وسخط العبد أن يذكر غير ما قضى الله له وقال إنه أصلح وأولى فيما لا يستيقن فساده وصلاحه فإن قلت ما موقع قوله ومن شقاوة ابن ادم تركه استخارة الله بين المتقابلين قلت موقعه بين القرينتين لدفع توهم من يترك الاستخارة ويفوض أمره بالكلية انتهى قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد والحاكم (لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي
[ 306 ]
حميد) الأنصاري الزرقي المدني لقبه حماد ضعيف من السابعة 16 باب قوله (أخبرنا حيوة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو (بن شريح) مصغرا بن صفوان النجيبي أبو زرعة المضري ثقة ثبت فقيه زاهد من السابعة (أخبرني أبو صخر) اسمه حميد بن زياد بن أبي المخارق الخراط صاحب العباء مدني سكن مصر ويقال هو حميد بن صخر أبو مردود الخراط وقيل أنهما اثنان صدوق يهم من السادسة قوله (إن فلانا يقرئ عليك السلام) ضبط في النسخة الأحمدية بضم الياء التحتانية وكسر الراء وقال في القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه ولا يقال أقرأه إلا إذا كان السلام مكتوبا (فقال) أي ابن عمر (إنه) أي الشأن وتفسيره الخبر وهو قوله (بلغني أنه قد أحدث) أي ابتدع في الدين ما ليس منه من التكذيب بالقدر (فإن كان قد أحدث) أي ما ذكر (فلا تقرئه مني السلام) كناية عن عدم قبول سلامه كذا قاله الطيبي قال القاري والأظهر أن مراده أن لا تبلغه مني السلام أورده فإنه ببدعته لا يستحق جواب السلام ولو كان من أهل الاسلام (في هذه الأمة) (وفي أمتي) يحتمل الدعوة واجابة (الشك منه) الظاهر أن قائله الترمذي والضمير المجرور يرجع إلى شيخه محمد بن بشار ويحتمل غير ذلك والله تعالى أعلم (خسف) قال في القاموس خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض (أو مسخ) أي تغيير في الصورة (أو قذف) أي رمى بالحجارة كقوم لوط قال ميرك شاة الظاهر أنه شك من الراوي وقال الطيبي يحتمل التنويع أيضا
[ 307 ]
قلت الظاهر عندي أن أو ههنا للتنويع والله تعالى أعلم (في أهل القدر) بدل بعض من قوله في أمتي بإعادة الجار قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قوله (حدثنا عبد الواحد بن سليم) المالكي البصري ضعيف من السابعة قوله (يا أبا محمد) هو كنية عطاء بن أبي رباح (يقولون في القدر) أي بنفي القدر (فاقرأ الزخرف) أي أول هذه السورة (قال فقرأت) حم والكتاب أي القران المبين أي المظهر طريق الهدى وما يحتاج إليه من الشريعة إنا جعلناه أي الكتاب قرانا عربيا بلغة العرب لعلكم يا أهل مكة تعقلون تفهمون معانيه وإنه مثبت في أم الكتاب أصل الكتاب أي اللوح المحفوظ لدينا بدل عندنا لعلي أي الكتب قبله حكيم ذو حكمة بالغة (قال فإنه) أي أم الكتاب (فيه) أي في الكتاب الذي كتبه الله (فإن مت) بضم الميم من مات يموت وبكسرها من مات يميت (على غير هذا) أي على اعتقاد غير هذا الذي ذكرت لك من الايمان بالقدر (دخلت النار) يحتمل الوعيد ويحتمل التهديد قاله القاري قلت والظاهر هو الأول (إن أول ما خلق الله القلم) بالرفع خبر إن قال في الأزهار أول ما خلق الله القلم يعني بعد العرش والماء والريح لقوله عليه الصلاة
[ 308 ]
والسلام كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق على أي شئ كان الماء قال على متن الريح رواه البيهقي ذكره الأبهري فالأولية إضافية (فقال) أي الله قال ما اكتب) ما إستفهامية مفعول مقدم على الفعل (قال أكتب القدر) أي المقدر المقضي (ما كان وما هو كائن) بدل من المقدر أو عطف بيان وفي المشكاة قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن قال القاري في المرقاة المضي بالنسبة إليه عليه الصلاة والسلام قال الطيبي ليس حكاية عما أمر به القلم وإلا لقيل فكتب ما يكون وإنما هو إخبار باعتبار حاله عليه الصلاة والسلام أي قبل تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لا قبل القلم لأن الغرض أنه أول مخلوق نعم إذا كانت الأولية نسبية صح أن يراد ما كان قبل القلم وقال الأبهري ما كان يعني العرش والماء والريح وذات الله وصفاته انتهى (إلى الأبد) قيل الأبد هو الزمان المستمر غير المنقطع لكن المراد منه ههنا الزمان الطويل قلت ويدل على ذلك رواية ابن عباس ففيها إلى أن تقوم الساعة رواها البيهقي وغيره والحاكم وصححها قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري 17 باب قوله (حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن المنذر الصغائي) مستور من الحادية عشرة (حدثنا عبد الله بن يزيد المقري) المكي أبو عبد الرحمن أصله من البصرة أو الأهواز ثقة فاضل أقرأ القران نيفا وسبعين سنة من التاسعة (حدثني أبو هانئ الخولاني) اسمه حميد بن هاني المصري لا بأس به من الخامسة (أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي) بضم المهملة والموحدة هو عبد الله بن يزيد المعافري ثقة من الثالثة (سمعت عبد الله بن عمرو) بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالنصغير ابن سعد بن سهم السهمي أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العبادلة الفقهاء قوله (قدر الله المقادير) جمع مقدار وهو الشئ الذي يعرف به قدر الشئ وكميته
[ 309 ]
كالمكيال والميزان وقد يستعمل بمعنى القدر نفسه وهو الكمية والكيفية (قبل أن يخلق السموات والأرضين) وفي رواية مسلم كتب الله مقادير الخلائق قال بعض الشراح أي أمر الله القلم أن يثبت في اللوح ما سيوجد من الخلائق ذاتا وصفة وفعلا وخيرا وشرا على ما تعلقت به إرادته وقال النووي قال العلماء المراد تحديد وقت الكتابة في اللوح المحفوظ أو غيره لا أصل التقدير فإن ذلك أزلي لا أول له انتهى (بخمسين ألف سنة) زاد مسلم وكان عرشه على الماء قال النووي أي قبل خلق السماوات والأرض قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم قوله (عن زياد بن إسماعيل) المخزومي أو السهمي المكي صدوق سئ الحفظ من السادسة (عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي) المكي ثقة من الثالثة قوله (يخاصمون) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في رواية مسلم يوم يسحبون أي يجرون ذوقوا من سقر أي إصابة جهنم لكم والتقدير يقال لهم ذوقوا إلخ إنا كل شئ منصوب بفعل يفسره خلقناه بقدر بتقدير حال من كل أي مقدرا قال النووي المراد بالقدر ههنا القدر المعروف وهو ما قدر الله وقضاه وسبق به علمه وإرادته وأشار الباجي إلى خلاف هذا وليس كما قال وفي هذه الآية الكريمة والحديث تصريح بإثبات القدر وأنه عام في كل شئ فكل ذلك مقدر في الأزل معلوم لله مراد له انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة
[ 310 ]
33 كاب الفتن الخ الفتن جمع فتنة قال الراغب في أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته ويستعمل في إدخال الإنسان النار ويطلق على العذاب كقوله تعالى ذوقوا فتنتكم على ما يحصل عند العذاب كقوله تعالى ألا في الفتنة سقطواوعلى الاختبار كقوله تعالى وفتناك فتونا وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا قال تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة (4) وقال أيضا الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة فقد ذم الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى الفتنة اشد من القتل (5) وقال غيره أصل الفتنة الاختبار ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه ثم أطلقت على كل مكروه أوائل إليه كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك 1 باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث قوله (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري القاضي ثقة ثبت من الخامسة (عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف) بالتصغير واسمه أسعد قال في التقريب أسعد بن سهل بن حنيف بضم المهملة الأنصاري أبو أمامة معروف بكنيته معدود في الصحابة له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
[ 311 ]
قوله (أشرف) أي اطلع على الناس من فوق يقال أشرف عليه إذا اطلع عليه من فوق (يوم الدار) أي وقت الحصار أي في الأيام التي جلس فيها في داره لأجل أهل الفتنة (فقال أنشدكم) بضم الشين أي أقسمكم (أتعلمون) الهمزة للتقرير أي قد تعلمون (لا يحل دم امرئ مسلم) هو صفة مقيدة لامرئ أي لا يحل إراقة دمه كله وهو كناية عن قتله ولو لم يرق دمه (إلا بإحدى ثلاث) أي من الخصال (زنى عد إحصان) قال في النهاية أصل الإحصان المنع والمرأة تكون محصنة بالإسلام وبالعفاف والحرية وبالتزويج يقال أحصنت المرأة فهي محصنة ومحصنة وكذلك الرجل انتهى (فقتل به) تقرير ومزيد توضيح للمعنى (منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي بيعة الإسلام (ولا قتلت النفس التي حرم الله) أي قتلها بغير حق (فبم تقتلوني) بتشديد النون وفي المشكاة تقتلونني قال القاري بنونين وفي نسخة يعني منها بنون مشددة وفي نسخة بتخفيفها أي فبأي سبب تريدون قتلي والخطاب للتغليب انتهى قال الحافظ قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي استثنى بعضهم من الثلاثة قتل الصائل فإنه يجوز قتله للدفع وأشار بذلك إلى قول النووي يخص من عموم الثلاثة الصائل ونحوه فيباح قتله في الدفع وقد يجاب بأنه داخل في المفارق للجماعة أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله بمعنى أنه لا يحل قتله إلا مدافعة بخلاف الثلاثة قال الحافظ والجواب الثاني هو المعتمد وحكى ابن التين عن الداودي أن هذا الحديث منسوخ باية المحاربة من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض قال فأباح القتل بمجرد الفساد في الأرض قال فقد ورد في القتل بغير الثلاث أشياء منها قوله تعالى فقاتلوا التي تبغي وحديث من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه وحديث من أتى بهيمة فاقتلوه وحديث من خرج وأمر الناس جمع يريد تفرقهم فاقتلوه وقول جماعة الأئمة إن تاب أهل القدر وإلا قتلوا وقول جماعة من الأئمة يضرب المبتدع حتى يرجع أو يموت وقول جماعة من الأئمة يقتل تارك الصلاة قال وهذا كله زائد على الثلاث قال الحافظ وزاد غيره قتل من طلب أخذ مال إنسان
[ 312 ]
أو حريمه بغير حق ومن ارتد ولم يفارق الجماعة ومن خالف الإجماع وأظهر الشقاق والخلاف والزنديق إذا تاب على رأي والساحر والجواب عن ذلك كله أن الأكثر في المحاربة أنه إن قتل قتل وبأن حكم الآية في الباغي أن يقاتل لا أن يقصد إلى قتله وبأن الخبرين في اللواط وإتيان البهيمة لم يصحا وعلى تقدير الصحة فهما داخلان في الزنا وحديث الخارج عن المسلمين تقدم تأويله بأن المراد بقتله حبسه ومنعه من الخروج والقول في القدرية وسائر المبتدعة مفرع على القول بتكفيرهم وبأن قتل تارك الصلاة عند من لا يكفر مختلف فيه كما تقدم وأما من طلب المال أو الحريم فمن حكم دفع الصائل ومخالف الإجماع داخل في مفارق الجماعة وقتل الزنديق لاستصحاب حكم كفره وكذا الساحر وقد حكى ابن العربي عن بعض أشياخه أن أسباب القتل عشرة قال ابن العربي ولا تخرج عن هذه الثلاثة بحال فإن من سحر أو سب نبي الله كفر فهو داخل في التارك لدينه انتهى كلام الحافظ باختصار قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وابن عباس) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الأئمة الستة إلا ابن ماجه وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي كما في الفتح قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه والدارمي
[ 313 ]
2 باب ما جاء تحريم الدماء والأموال قوله (عن شبيب بن غرقدة) بمعجمة وقاف ثقة من الرابعة (عن سليمان ابن عمرو بن الأحوص) الجشمي الكوفي مقبول من الثالثة (عن أبيه) أي عمرو بن الأحوص الجشمي قال الحافظ صحابي له حديث في حجة الوداع قوله (يقول في حجة الوداع) أي يوم النحر والوداع بفتح الواو مصدر ودع توديعا كسلم سلاما وكلم كلاما وقيل بكسر الواو فيكون مصدر الموادعة وهو إما لوداعه الناس أو الحرم في تلك الحجة وهي بفتح الحاء وكسرها قال الشمني لم يسمع في حاء ذي الحجة إلا الكسر قال صاحب الصحاح الحجة المرة الواحدة وهو من الشواذ لأن القياس الفتح (أي يوم هذا قالوا يوم الحج الأكبر) قال تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس أي إعلام يوم الحج الأكبر أن الله برئ من المشركين ورسوله قال البيضاوي أي يوم العيد لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله ولأن الإعلام كان فيه ولما روى أنه عليه الصلاة والسلام وقف يوم النحر عند الجمرات في حجة الوداع فقال هذا يوم الحج الأكبر وقيل يوم عرفة لقوله عليه الصلاة والسلام الحج عرفة ووصف الحج بالأكبر لأن العمرة الحج الأصغر أو لأن المراد بالحج ما يقع في ذلك اليوم من أعماله فإنه أكبر من باقي الأعمال أو لأن ذلك الحج اجتمع فيه المسلمون والمشركون ووافق عيده أعياد أهل الكتاب أو لأنه ظهر فيه عز المسلمين وذل المشركين انتهى وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنه هو يوم عرفة إذ من أدرك عرفة فقد أدرك الحج ثم قولهم يوم الحج الأكبر بظاهره ينافي جوابهم السابق والله ورسوله أعلم يعني في حديث أبي بكرة ولعل هذا في يوم اخر من أيام النحر أو أحد الجوابين صدر عن بعضهم كذا في المرقاة (قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم) أي تعرضكم لبعضكم في دمائهم وأموالهم وأعراضهم والعرض بالكسر موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه (بينكم) احتراز عن الحقوق الشرعية (حرام) أي محرم ممنوع (كحرمة يومكم هذا) يعني تعرض بعضكم دماء بعض وأمواله وأعراضه في غير
[ 314 ]
هذه الأيام كحرمة التعرض لها في هذا اليوم (في بلدكم) أي مكة أو الحرم المحترم (هذا) ولعل ترك الشهر اقتصار من الراوي وإنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال (ألا) للتنبيه (لا يجني جان إلا على نفسه) قال في النهاية الجناية الذنب والجرم وما يفعله الإنسان مما يوجب عليه العذاب أو القصاص في الدنيا والآخرة المعنى أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر كقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى انتهى (ألا) للتنبيه (لا يجني جان على ولده ولا مولود على والده) يحتمل أن يكون المراد النهي عن الجناية عليه لاختصاصها بمزيد قبح وأن يكون المراد تأكيد لا يجني جان إلا على نفسه فإن عادتهم جرت بأنهم يأخذون أقارب الشخص بجنايته والحاصل أن هذا ظلم يؤدي إلى ظلم اخر والأظهر أن هذا نفي فيوافق قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وإنما خص الولد والوالد لأنهما أقرب الأقارب فإذا لم يؤاخذا بفعله فغيرهما أولى وفي رواية لا يؤخذ الرجل بجريمة أبيه وضبط بالوجهين (ألا وإن الشيطان) وهو إبليس الرئيس أو الجنس الخسيس (قد أيس) أي قنط (أن يعبد) قال القاري أي من أن يطاع في عبادة غير الله تعالى لأنه لم يعرف أنه عبده أحد من الكفار انتهى وقيل معناه إن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ولا يرد على هذا مثل أصحاب مسلمة ومانعي الزكاة وغيرهم ممن ارتد لأنهم لم يعبدوا الصنم ويحتمل معنى اخر وهو أنه أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن المصلين من أمتي لا يجمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان كما فعلته اليهود والنصاري ولك أن تقول معنى الحديث أن الشيطان أيس من أن يتبدل دين الإسلام ويظهر الإشراك ويستمر ويصير الأمر كما كان من قبل ولا ينافيه ارتداد من ارتدد بل لو عبد الأصنام أيضا لم يضر في المقصود فأفهم كذا في اللمعات مع زيادة (في بلادكم هذه) أي مكة وما حولها من جزيرة العرب (ولكن ستكون له طاعة) أي القياد أو طاعة (فيما تحقرون) بتشديد القاف من التحقير وفي بعض النسخ تحتقرون قال في القاموس الحقر الذلة كالحقرية بالضم الحقارة مثلثة والمحقرة والفعل كضرب وكرم والأذلال كالتحقير والاحتقار والاستحقار والفعل كضرب انتهى (من أعمالكم) أي دون الكفر من القتل والنهب ونحوهما من الكبائر وتحقير الصغائر (فسيرضى) بصيغة المعلوم أي الشيطان (به) أي بالمحتقر حيث لم يحصل له الذنب الأكبر ولهذا ترى المعاصي من الكذب والخيانة ونحوهما توجد كثيرا في المسلمين وقليلا في
[ 315 ]
الكافرين لأنه قد رضي من الكفار بالكفر فلا يوسوس لهم في الجزئيات وحيث لا يرضى عن المسلمين بالكفر فيرميهم في المعاصي وروى عن علي رضي الله عنه الصلاة التي ليس لها وسوسة إنما هي صلاة اليهود والنصارى ومن الأمثال لا يدخل اللص في بيت إلا فيه متاع نفيس قال الطيبي رحمه الله قوله فيما تحتقرون أي مما يتهجس في خواطركم وتتفوهون عن هناتكم وصغائر ذنوبكم فيؤدي ذلك إلى هيج الفتن والحروب كقوله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان قد يئس من أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم قوله (وفي الباب عن أبي بكرة وابن عباس وجابر وحذيم بن عمرو السعدي) أما حديث أبي بكرة فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري في باب الخطبة أيام منى وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث حذيم بن عمرو السعدي فأخرجه النسائي وهو بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة وفتح التحتانية والد زياد معدود في الصحابة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم الحديث حديثا واحدا وعنه ابنه زياد ورقم عليه الحافظ علامة س قوله (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه 3 باب ما جاء لا يحل لمسلم أن يروع مسلما بتشديد الواو من الترويع قال في القاموس راع افزع كروع لازم ومتعد قوله (أخبرنا عبد الله بن السائب بن يزيد) قال في تهذيب التهذيب عبد الله بن السائب بن يزيد الكندي أبو محمد المدني بن أخت نمر روى عن أبيه عن جده حديث لا يأخذ أحدكم عصا أخيه قال الترمذي حسن غريب روى عنه ابن أبي ذئب قال أحمد لا أعرف له غير حديث ابن أبي ذئب وأما السائب فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال النسائي عبد الله بن السائب ثقة
[ 316 ]
وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن سعد كان ثقة قليل الحديث انتهى (عن أبيه) هو السائب بن يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي وقيل غير ذلك في نسبه ويعرف بابن أخت النمر صحابي صغير له أحاديث قليلة وحج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين وولاه عمر سوق المدينة (عن جده) هو يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود والد السائب صحابي شهد الفتح واستقضاه عمر قوله (لا يأخذ) بصيغة النهي وقيل بالنفي (عصا أخيه) يعني مثلا وفي رواية أبي داود لا يأخذن أحدكم متاع أخيه (لاعبا جادا) حالان من فاعل يأخذ وإن ذهب إلى أنهما مترادفتان تناقضتا وإن ذهب إلى التداخل صح ذكره الطيبي رحمه الله قال القاري يعني ويكون حالا من الأول لكن الظاهر أن الحال الثانية مقدرة حتى لا يلزم التناقض سواء كانتا مترادفتين أو متداخلتين إلا أن يحمل الأول على ظاهر الأمر والثاني على باطنه أي لاعبا ظاهرا جادا باطنا أي يأخذ على سبيل الملاعبة وقصده في ذلك إمساكه لنفسه لئلا يلزم اللعب والجد في زمن واحد ولذا قال المظهر معناه أن يأخذ على وجه الدل وسبيل المزاح ثم يحبسها عنه ولا يرده فيصير ذلك جدا وفي شرح السنة عن أبي عبيد هو أن يأخذ متاعه لا يريد سرقته إنما يريد إدخال الغيظ عليه فهو لاعب في السرقة جاد في إدخال الغيظ والروع والأذى عليه انتهى وينصر الأول قوله (فمن أخذ عصا أخيه فليردها إليه) قال التوربشتي رحمه الله وإنما ضرب المثل بالعصا لأنمه من الأشياء التافهة التي لا يكون لها كبير خطر عند صاحبها ليعلم أن ما كان فوقه فهو بهذا المعنى أحق وأجدر قوله (وفي الباب عن ابن عمر وسليمان بن صرد وجعد وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه البزار عنه مرفوعا بلفظ لا يحل لمسم أو مؤمن أن يروع مسلما كذا في الترغيب وأما حديث سليمان بن صرد وحديث جعدة فلينظر من أخرجهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو الشيخ ذكره المنذري في باب الترهيب عن ترويع المسلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عليه هو والمنذري
[ 317 ]
قوله (وأبوه يزيد بن السائب الخ) كذا قال الترمذي يزيد بن السائب وقد عرفت أن يزيد هذا هو يزيد بن سعيد بن ثمامة بن الأسود فلعله يقال له يزيد بن السائب أيضا والله تعالى أعلم 4 باب ما جاء في إشار الرجل على أخيه بالسلاح بالكسر السلاح والسلح كعنب والسلحان بالضم الة الحرب أو حديدتها ويؤنث والسيف والقوس بلا وتر والعصا انتهى قوله (حدثنا عبد الله بن الصباح) بن عبد الله (الهاشمي) العطار البصري ثقة من كبار العاشرة (أخبرنا محبوب بن الحسن) اسمه محمد ومحبوب لقبه قال في التقريب محمد بن الحسن بن هلال بن أبي زينب فيروز أبو جعفر وأبو الحسن لقبه محبوب صدوق فيه لين رمي بالقدر من التاسعة قوله (من أشار على أخيه) في الدين (بحديدة) أي بسلاح كسكين وخنجر وسيف ورمح (لعنته الملائكة) أي دعت عليه بالطرد والبعد عن الرحمة قوله (وفي الباب عن أبي بكرة وعائشة وجابر) أما حديث أبي بكرة فأخرجه الشيخان وأما حديث عائشة فأخرجه الحاكم عنها مرفوعا من أشار بحديدة إلى أحد من المسلمين يريد قتله فقد وجب دمه قال المناوي في شرح الجامع الصغير فيه مجهول وبقية رجاله ثقات أما حديث جابر فأخرجه الشيخان
[ 318 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود قوله (وزاد فيه وإن كان) أي المشير (أخاه) أي أخا المشار إليه (لأبيه وأمه) أي معا وإن وصلية قال الطيبي رحمه الله قوله وإن كان أخاه تتميم لمعنى الملاعبة وعدم القصد في الإشارة فبدأ بمطلق الأخوة ثم قيده بالأخوة بالأب والأم ليؤذن بأن اللعب المحض المغري عن شائبة القصد إذا كان حكمه كذا فما ظنك بغيره 5 باب ما جاء في النهي عن تعاطي السيف مسلولا التعاطي التناول والأخذ والإعطاء قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتعاطى السيف مسلولا) فيكره مناولته كذلك لأنه قد يخطئ في تناوله فيجرح شيئا من بدنه أو يسقط على أحد فيؤذيه قوله (وفي الباب عن أبي بكرة) أخرجه أحمد والطبراني بإسناد جيد كما في الفتح قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود والحاكم وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره قوله (عن بنة الجهني) قال في التقريب صحابي ذكر الترمذي حديثه تعليقا عن ابن لهيعة
[ 319 ]
بسنده وهو بفتح الموحدة وتثقيل النون وقيل أوله تحتانية ورجح ابن معين أنه بنون وموحدة مصغرا انتهى وقال في تهذيب التهذيب اختلف الأئمة في ضبطه فذكره البغوي في الباء الموحدة وذكره ابن السكن في الياء الأخيرة وذكره عباس الدوري عن ابن معين في النون قال أبو عمر هي رواية ابن وهب عن ابن لهيعة وهي أرجح الروايات انتهى 6 باب ما جاء من صلى الصبح فهو في ذمة الله عز وجل قوله (أخبرنا معدي بن سليمان) صاحب الطعام ضعيف وكان عابدا من الثامنة قوله (من صلى الصبح) في جماعة (فهو في ذمة الله) بكسر المعجمة عهده أو أمانه أو ضمانه فلا تتعرضوا له بالأذى وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد (فلا يتبعنكم الله بشئ من ذمته) ظاهره النهي عن مطالبته أياهم بشئ من عهده لكن النهي إنما وقع على ما يوجب المطالبة في نقض العهد وإخفار الذمة لا على نفس المطالبة وفي حديث جندب القسري عند مسلم فلا يطلبنكم الله من ذمته بشئ قال القاري أي لا يؤاخذكم من باب لا أرينك المراد نهيهم عن التعرض لما يوجب مطالبة إياهم ومن بمعنى لأجل والضمير في ذمته إما لله وإما لمن والمضاف محذوف أي لأجل ترك ذمته أو بيانية والجار والمجرور حال من شئ وفي المصابيح بشئ من ذمته قيل أي بنقض عهده وإخفار ذمته بالتعرض لمن له ذمة أو المراد بالذمة الصلاة الموجبة للأمان أي لا تتركوا صلاة الصبح فينتقض به العهد الذي بينكم وبين ربكم فيطلبكم به انتهى قوله (وفي الباب عن جندب وابن عمر) أما حديث جندب فأخرجه مسلم وغيره وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والبزار قال المنذري ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وفي أوله قصة ثم ذكرها بطولها
[ 320 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده معدى بن سليمان وهو ضعيف كما عرفت لكن قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته صحح الترمذي حديثه 7 باب ما جاء في لزوم الجماعة قوله (أخبرنا النضر بن إسماعيل أبو المغيرة) قال في التقريب النضر بالمعجمة ابن إسماعيل بن حازم البجلي أبو المغيرة الكوفي القاص ليس بالقوي من صغار الثامنة (عن محمد بن سوقة) بضم المهملة الغنوى أبي بكر الكوفي العابد ثقة مرضى عابد من الخامسة قوله (خطبنا عمر بالجابية) خطبة عمر هذه مشهورة خطبها بالجابية وهي قرية بدمشق (فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم) أي التابعين (ثم الذين يلونهم) أي أتباع للتابعين وقوله بأصحابي وليس مراده به ولاة الأمور (ثم يفشو الكذب) أي يظهر وينتشر بين الناس بغير نكير (حتى يحلف الرجل ولا يستحلف) أي لا يطلب منه الحلف لجرأته على الله (ويشهد الشاهد ولا يستشهد) قال الترمذي في أواخر الشهادات المراد به شهادة الزور (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (لا يخلون رجل بامرأة) أي أجنبية (إلا كان ثالثهما الشيطان) برفع الأول ونصب الثاني ويجوز العكس والاستثناء مفرغ والمعنى يكون الشيطان معهما يهيج شهوة كل منهما حتى يلقيهما في الزنا (عليكم بالجماعة) أي المنتظمة بنصب الامامة (وإياكم والفرقة) أي احذروا مفارقتها ما أمكن وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتجاهلية الحديث روى الشيخان عن حذيفة في أثناء حديث تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال فاعتزل تلك الفرق
[ 321 ]
كلها و لو أن قبض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك قال الحافظ قوله تلزم جماعة المسلمين وإمامهم أي أميرهم زاد في رواية أبي الأسود تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك وكذا في رواية خالد بن سبيع عند الطبراني فإن رأيت خليفة فالزمه وإن ضرب ظهرك فإن لم يكن خليفة فالهرب وقال الطبري اختلف في هذا الأمر وفي الجماعة فقال قوم هو للوجوب والجماعة السواد الأعظم ثم ساق محمد ابن سيرين عن أبي مسعود أنه وصى من سأله لما قتل عثمان عليك بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلالة وقال قوم المراد بالجماعة الصحابة دون من بعدهم وقال قوم المراد بهم أهل العلم لأن الله جعلهم حجة على الخلق والناس تبع لهم في أمر الدين قال الطبري والصواب أن المراد من الخبر لزوم الجماعة الذين في طاعة من اجتمعوا على تأميره فمن نكث بيعته خرج عن الجماعة قال وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها انتهى (فإن الشيطان مع الواحد) أي الخارج عن طاعة الأمير المفارق للجماعة (وهو) أي الشيطان (من الاثنين أبعد) أي بعيد قال الطيبي أفعل هنا لمجرد الزيادة ولو كان مع الثلاثة لكان بمعنى التفضيل إذ البعد مشترك بين الثلاثة والاثنين دون الاثنين والفذ على ما لا يخفى (من أراد بحبوحة الجنة) بضم الموحدتين أي من أراد أن يسكن وسطها وخيارها (من سرته حسنته) أي إذا وقعت منه (وساءته سيئته) أي أحزنته إذا صدرت عنه (فذلكم المؤمن) أي الكامل لأن المنافق حيث لا يؤمن بيوم القيامة استوت عنده الحسنة والسيئة وقد قال تعالى ولا تستوى الحسنة ولا السيئة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والحاكم وذكره صاحب المشكاة هذا الحديث في مناقب الصحابة ولم يعزه إلى أحد من أئمة الحديث بل ترك بياضا قال القاري هنا بياض في أصل المصنف وألحق به النسائي وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن الحسن الخثعمي فإنه لم يخرج له الشيخان وهو ثقة ثبت ذكره الجزري فالحديث بكماله إما صحيح أو حسن انتهى قوله (حدثنا سليمان) بن سفيان التيمي مولاهم أبو سفيان المدني ضعيف من الثامنة
[ 322 ]
قوله (إن الله لا يجمع أو قال أمة محمد على ضلالة) شك من الراوي قال القاري في المرقاة قال ابن الملك المراد أمة الاجابة أي لا يجتمعون على ضلالة غير الكفر ولذا ذهب بعضهم إلى أن اجتماع الأمة على الكفر ممكن بل واقع إلا أنها لا تبقى بعد الكفر أمة له والمنفي اجتماع أمة محمد على الضلالة وإنما حمل الأمة على أمة الاجابة لما ورد أن الساعة لا تقوم إلا على الكفار فالحديث يدل على أن اجتماع المسلمين حق والمراد إجماع العلماء ولا عبرة بإجماع العوام لأنه لا يكون عن علم (يد الله على الجماعة) أي حفظه وكلاءته عليهم يعني أن جماعة أهل الاسلام في كنف الله فأقيموا في كنف الله بين ظهرانيهم ولا تفارقوهم (ومن شذ) أي انفرد عن الجماعة باعتقاد أو قول أو فعل لم يكونوا عليه (شذ إلى النار) أي انفرد فيها ومعناه انفرد عن أصحابه الذين هم أهل الجنة وألقي في النار قال الشيخ عبد الحق في ترجمة المشكاة ما لفظه ومن شذ شذ في النار وكسى كه تنها افتداز جماعت وبيرون ايداز سواد أعظم انداخته ميشود دراتش دوزخ شذاول برصيغه معلوم ست ودوم مجهول وبمعلوم نيزامده انتهى والحديث قد استدل به على حجية الاجماع وهو حديث ضعيف لكن له شواهد قال الحافظ في التلخيص قوله وأمته معصومة لا تجتمع على الضلالة هذا في حديث مشهور له طرق كثيرة لا يخلو واحد منها من مقال منها لأبي داود عن أبي مالك الأشعري مرفوعا إن الله أجاركم من ثلاث خلال أن لا يدعو عليكم نبيكم لتهلكوا جميعا وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق وأن لا يجتمعوا على ضلالة وفي إسناده انقطاع وللترمذي والحاكم عن ابن عمر مرفوعا لا تجتمع هذه الأمة على ضلال أبدا وفيه سليمان بن سفيان المدني وهو ضعيف وأخرج الحاكم له شواهد ويمكن الاستدلال له بحديث معاوية مرفوعا لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله أخرجه الشيخان ووجه الاستدلال منه أن بوجود هذه الطائفة القائمة بالحق إلى يوم القيامة لا يحصل الاجتماع على الضلالة وقال ابن أبي شيبة أخبرنا أبو أسامة عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن يسير بن عمرو قال شيعنا ابن مسعود حين خرج فنزل في طريق القادسية فدخل بستانا فقضى حاجته ثم توضأ ومسح على جوربيه ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء فقلنا له عهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن ولا
[ 323 ]
ندري هل نلقاك أم لا قال اتقوا الله واصبراوا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة إسناده صحيح ومثله لا يقال من قبل الرأي وله طريق أخرى عنده عن يزيد بن هارون عن التيمي عن نعيم بن أبي هند أن أبا مسعود خرج من الكوفة فقال عليكم بالجماعة فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد على ضلال انتهى وروى الدارمي عن عمرو بن قيس مرفوعا نحن الاخرون ونحن السابقون يوم القيامة الحديث وفي اخره وإن الله وعدني في أمتي وأجارهم من ثلاث لا يعمهم بسنة ولا يستأصلهم عدو ولا يجمعهم على ضلالة وروى أحمد في مسنده عن أبي ذر مرفوعا أنه قال اثنان خير من واحد وثلاث خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة فإن الله عز وجل لن يجمع أمتي إلا على هدى قوله (وسليمان المديني هو عندي سليمان بن سفيان) قال الترمذي في العلل المفرد عن البخاري إنه منكر الحديث كذا في تهذيب التهذيب قوله وفي الباب عن ابن عباس أخرجه الترمذي بعد هذا قوله حدثنا يحيى بن موسى البلخي لقبه خت حدثنا عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني أخبرنا ابراهيم بن ميمون الصنعاني أو الزبيدي بفتح الزاي ثقة من الثامنة عن ابن طاؤس اسمه عبد الله بن طاؤس بن كيسان اليماني كنيته أبو محمد ثقة فاضل عن أبيه هو طاؤس بن كيسان اليماني قوله يد الله مع الجماعة وفي رواية ابن عمر المتقدمة على الجماعة قال في النهاية أي أن الجماعة المتفقة من أهل الإسلام في كنف الله ووقايته فوقهم وهم بعيد من الأذى والخوف والأذى والاضطراب فإذا تفرقوا زالت السكينة وأوقع بأسهم بينهم وفسدت الأحوال انتهى قوله هذا حديث غريب رواته كلهم ثقات ويؤيده حديث ابن عمر المتقدم
[ 324 ]
8 باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر قوله (حدثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي ثقة ثبت من الرابعة قوله (قال يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الاية) يا أيها الذين امنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم أي الزموا حفظ أنفسكم عن المعاصي فإذا حفظتم أنفسكم لم يضركم إذا عجزتم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضلال من ضل بارتكاب المناهي إذا اهتديتم إلى اجتنابها (وإني) أي أنكم تقرأون هذه الاية وتجرون على عمومها وتمتنعون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس كذلك فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الناس) أي المطيقين زالة المنكر مع سلامة العافية (إذا رأوا الظالم) أي علموا ظلمه وفسقه وعصيانه (فلم يأخذوا على يديه) أي لم يكفوه عن الظلم بقول أو فعل (أوشك) بفتح الهمزة والشين أي قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقاب منه) إما في الدنيا أو الاخرة أو فيهما لتضييع فرض الله بلا عذر قال أبو عبيدة خاف الصديق أن يتأول الناس الاية غير تأويلها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الامساك عن تغييره عن المنكر هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به وقد صولحوا عليه فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الاسلام فلا يدخل فيه وقال النووي وأما قوله تعالى يا أيها الذين امنوا عليكم أنفسكم الاية فليست مخالفة لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الاية أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى فإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف إذا فعله ولم يمتثل المخاطب فلا عتب بعد ذلك عليه لكونه أدى ما عليه ويأتي باقي الكلام على هذه الاية في تفسير سورة المائدة وحديث أبي بكر هذا أخرجه الترمذي في تفسير سورة المائدة وقال هذا حديث حسن صحيح
[ 325 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة والنعمان بن بشير وعبد الله بن عمر وحذيفة) أما حديث عائشة فأخرجه ابن حبان في صحيحه وأما حديث أم سلمة فأخرجه أحمد وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه البخاري والترمذي وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الأصبهاني وأما حديث حذيفة فأخرجه الترمذي في الباب الذي يليه 9 باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الجزري في النهاية المعرو ف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالبة أي أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والمعروف النصفة وحسن الصحبة مع الأهل وغيرهم من الناس والمنكر ضد ذلك جميعه انتهى قوله (عن عمرو بن أبي عمرو) اسمه ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة (عن عبد الله الأنصاري) هو عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي قال الحافظ في تهذيب التهذيب عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري الأشهلي حجازي روى عن حذيفة وعنه عمر وبن أبي عمر وذكره ابن حبان في الثقات روى له الترمذي ثلاثة أحاديث اثنان في أمور تقع قبل الساعة وافقه ابن ماجه في أحدهما وا خر في الأمر بالمعروف قال في سؤالات عثمان الدارمي يحيى بن معين قال لا أعرفه وقال في التقريب مقبول من الثالثة (عن حذيفة بن اليمان) واسم اليمان حسيل مصغرا ويقال حسل العبسي بالموحدة حليف الأنصار صحابي جليل من السابقين صح في مسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه بما كان وما يكون حتى تقوم الساعة وأبوه صحابي أيضا استشهد بأحد
[ 326 ]
قوله (أو ليوشكن) أي ليسرعن (عذابا منه) وفي بعض النسخ عقابا منه (فتدعونه) أي تسألونه (فلا يستجيب لكم) والمعنى والله أن أحد الأمرين واقع إما الأمر والنهي منكم وإما إنزال العذاب من ربكم ثم عدم استجابة الدعاء له في دفعه عنكم بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان فإن كان الأمر والنهي لم يكن عذاب وإن لم يكونا كان عذاب عظيم قوله (هذا حديث حسن) ذكر المنذري هذا الحديث في الترغيب ونقل تحسين الترمذي وأقره ورواه البزار والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة كما في الجامع الصغير للسيوطي قوله (حتى تقتلوا إمامكم) يعني السلطان (وتجتلدوا بأسيافكم) أي تضربوا بها يعني مقاتلة المسلمين بينهم (ويرث دنياكم شراركم) أي يأخذ الظلمة الملك والمال وإيراد هذا الحديث في هذا الباب إما ل شعار بأن هذه الفتنة تقع من أجل ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تنبيها على أن من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر فهو من الذين وصفهم الله بخير الأمة فالشرار الذين يرثون الدنيا لا يكونون على هذا الوصف وكذا إيراد الحديث الاتي كذا في هامش النسخة الأحمدية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه
[ 327 ]
0 1 قوله (ذكر الجيش الذي يخسف بهم) وفي رواية مسلم من طريق عبيد الله بن القبطية قال دخل الحارث بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فسألاها عن الجيش الذي يخسف به وكان ذلك في أيام ابن الزبير فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم فقلت يا رسول الله فكيف بمن كان كارها قال يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته (إنهم يبعثون على نياتهم) معناه إن الأمم التي تعذب ومعهم من ليس منهم يصاب جميعهم باجالهم ثم يبعثون على نياتهم وأعمالهم فالطائع يجازى بنيته وعمله والعاصي تحت المشيئة قاله المناوي قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة 11 باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان أو بالقلب قوله (خالفت السنة) لأن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين تقديم الصلاة وعليه جماعة فقهاء الأمصار وقد عده بعضهم إجماعا قال النووي يعني والله أعلم بعد الخلاف أو لم يلتفت إلى خلاف بني أمية بعد إجماع الخلفاء والصدر الأول انتهى (أما هذا فقد قضى ما عليه) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (من رأى) أي علم (منكرا) أي شيئا قبحه الشرع فعلا أو قولا أي في غيره من المؤمنين (فلينكره بيده) وفي رواية الشيخين فليغيره أي بأن يمنعه بالفعل بأن يكسر الالات ويريق الخمر ويرد المغصوب إلى مالكه (فمن لم يستطع) أي التغيير باليد وإزالته بالفعل لكون فاعله أقوى منه (فبلسانه) أي فليغيره بالقول وتلاوة ما أنزل الله من الوعيد عليه وذكر الوعظ والتخويف والنصيحة (فمن لم يستطع) أي التغيير باللسان أيضا (فبقلبه) بأن لا يرضى به وينكر في باطنه على متعاطيه فيكون تغييرا
[ 328 ]
معنويا إذ ليس في وسعه إلا هذا القدر من التغيير وقيل التقدير فلينكره بقلبه لأن التغيير لا يتصور بالقلب فيكون التركيب من باب علفتها تبنا وماء باردا ومنه قوله تعالى والذين تبوؤا الدار والإيمان (وذلك) أي الانكار بالقلب وهو الكراهية (أضعف الايمان) أي شعبه أو خصال أهله والمعنى أنه أقلها ثمرة فمن غير المراتب مع القدرة كان عاصيا ومن تركها بلا قدرة أو يرى المفسدة أكثر ويكون منكرا بقلبه فهو من المؤمنين وقيل معناه وذلك أضعف زمن الايمان إذ لو كان إيمان أهل زمانه قويا لقدر على الانكار القولي أو الفعلي ولما احتاج إلى الاقتصار على الانكار القلبي إذ ذلك الشخص المنكر بالقلب فقط أضعف أهل الايمان فإنه لو كان قويا صلبا في الدين لما اكتفى به ويؤيده الحديث المشهور أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وقد قال تعالى ولا يخافون لومة لائم كذا في المرقاة واقتصر النووي في شرح قوله وذلك أضعف الايمان على قوله معناه أقله ثمرة وقال إعلم أن هذا الباب أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه وإذا كثر الخبث عم العقاب للصالح والطالح وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم فينبغي لطالب الاخرة والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه ويخلص نيته ولا يهابن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته فإن الله تعالى قال ولينصرن الله من ينصره ثم ذكر النووي في ما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلاما طويلا حسنا نافعا فعليك أن تطالعه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأحمد في مسنده وأصحاب السنن 12 باب منقوله (مثل القائم على حدود الله) أي الامر بالمعروف والناهي عن المنكر (والمدهن فيها) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء وبالنون والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير
[ 329 ]
المنكر والمدهن والمداهن واحد (كمثل قوم استهموا على سفينة) أي اقتسموا محالها ومنازلها بالقرعة (فأصاب بعضهم أعلاها) أي أعلى السفينة وفي رواية للبخاري فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها (أسفلها) أي في أسفل السفينة بيان للبحر (لا ندعكم) بفتح الدال أي لا نترككم (فإنا ننقبها) أي نثقبها (فإن أخذوا على أيديهم) أي أمسكوا أيديهم (نجوا جميعا الخ) المعنى أنه كذلك إن منع الناس الفاسق عن الفسق نجا ونجوا من عذاب الله تعالى وإن تركوه على فعل المعصية ولم يقيموا عليه الحد حل بهم العذاب وهلكوا بشؤمه وهذا معنى قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة أي بل تصيبكم عامة بسبب مداهنتكم والفرق بين المداهنة المنهية والمداراة المأمورة أن المداهنة في الشريعة أن يرى منكرا ويقدر على دفعه ولم يدفعه حفظا لجانب مرتكبه أو جانب غيره لخوف أو طمع أو لاستحياء منه أو قلة مبالاة في الدين والمداراة موافقته بترك حظ نفسه وحق يتعلق بماله وعرضه فيسكت عنه دفعا للشووقوع الضرر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الشركة وفي الشهادات 13 باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر قوله (حدثنا القاسم بن دينار الكوفي) هو القاسم بن زكرياء بن دينار القرشي أبو محمد الكوفي الطحان وربما نسب إلى جده ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا عبد الرحمن بن مصعب أبو يزيد) الأزدي ثم المعنى بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون ثم ياء النسبة القطان الكوفي نزيل الري مقبول من التاسعة (عن محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة ثقة من الخامسة
[ 330 ]
(عن عطية) بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي أبو الحسن صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا من الثالثة قوله (إن من اعظم الجهاد) وفي رواية أفضل الجهاد (كلمة عدل) أي كلمة حق كما في رواية والمراد بالكلمة ما أفاد أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر من لفظ أو ما في معنا ككتابة ونحوها (عند سلطان جائر) أي صاحب جور وظلم قال الخطابي وإنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان مترددا بين الرجاء والخوف لا يدري هل يغلب أو يغلب وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف وقال المظهر وإنما كان أفضل لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته وهو جم غفير فإذا نهاه عن الظلم فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر انتهى قوله (وفي الباب عن أبي امامة) أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي في شعب الايمان وعزاه المنذري في الترغيب إلى ابن ماجه وقال إسناده صحيح وفي الباب أيضا عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي الأحمسي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز أي الجهاد أفضل قال كلمة حق عند سلطان جائر رواه النسائي قال المنذري في الترغيب إسناده صحيح قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال المنذري في تلخيص السنن بعد نقل تحسين الترمذي وعطية العوفي لا يحتج بحديثه قلت ويشهد له حديث أبي أمامة وحديث طارق بن شهاب المذكوران 14 باب ما جاء سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا في أمته قوله (سمعت النعمان بن راشد) الجزري أبا إسحاق الرقي مولى بني أمية صدوق سئ
[ 331 ]
الحفظ من السادسة (عن عبد الله بن خباب) بالخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى (بن الأرت) بفتح الهمزة والراء وتشديد المثناة المدني حليف بني زهرة يقال له رؤبة ووثقه العجلي فقال ثقة من كبار التابعين قتله الحرورية قال في تهذيب التهذيب روى له الترمذي والنسائي حديثا واحدا أنه صلى ليلة وقال سألت ربي ثلاث خصال انتهى (عن أبيه) هو خباب بن الأرت التميمي أبو عبد الله بن السابقين إلى الاسلام وكان يعذب في الله وشهد بدرا ثم نزل الكوفة ومات بها وقوله (فأطالها) أي جعلها طويلة باعتبار أركانها أو بالدعاء فيها (صليت صلاة) أي عظيمة (لم تكن تصليها) أي عادة (قال أجل) أي نعم (إنها صلاة رغبة) أي رجاء (ورهبة) أي خوف قيل أي صلاة فيها رجاء للثواب ورغبة إلى الله وخوف منه تعالى قال القاري الأظهر أن يقال المراد به إن هذه صلاة جامعة بين قصد رجاء الثواب وخوف العقاب بخلاف سائر الصلوات إذ قد يغلب فيها أحد الباعثين على أدائها قالوا وفي قوله تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا بمعنى أو لمانعة الخلو ثم لما كان سبب صلاته الدعاء لأمته وهو كان بين رجاء الاجابة وخوف الرد طولها ولذا قال (وإني سألت الله فيها ثلاثا) أي ثلاث مسائل (ومنعني واحدة) تصريح بما علم ضمنا (بسنة) أي بقحط عام (عدوا من غيرهم) وهم الكفار لأن العدو من أنفسهم أهون ولا يحصل به الهلاك الكلي ولا إعلاء كلمته السفلى (أن لا يذيق بعضهم بأس بعض) أي حربهم وقتلهم وعذابهم (فمنعنيها) أي المسألة الثالثة ولم يعطنيها قال الطيبي رحمه الله هو من قوله تعالى أو يلبسكم شيعا أي يجعل كل فرقة منكم متابعة مام وينشب القتال بينكم وتختلطوا وتشتبكوا في ملاحم القتال يضرب بعضكم رقاب بعض ويذيق بعضكم بأس بعض المعنى يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي قوله (وفي الباب عن سعد وابن عمر) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص أحد العشرة
[ 332 ]
المبشرة بالجنة فأخرجه مسلم وفيه سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه قوله (عن أبي أسماء) الرحبي اسمه عمر بن مرثد الدمشقي ويقال اسمه عبد الله ثقة من الثالثة (عن ثوبان) الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص قوله إن الله زوى لي الأرض أي جمعها لأجلي قال التوربشتي زويت الشئ جمعته وقبضته يريد به تقريب البعيد منها حتى اطلع عليه إطلاعه على القريب منها (فرأيت مشارقها ومغاربها) أي جميعها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها قال الخطابي توهم بعض الناس أن من في منها للتبعيض وليس ذلك كما توهمه بل هي للتفصيل للجملة المتقدمة والتفصيل لا يناقض الجملة ومعناه أن الأرض زويت لي جملتها مرة واحدة فرأيت مشارقها ومغاربها ثم هي تفتح لأمتي جزأ فجزأ حتى يصل ملك أمتي إلى كل أجزائها قال القاري ولعل وجه من قال بالتبعيض هو أن ملك هذه الأمة ما بلغ جميع الأرض فالمراد بالأرض أرض الاسلام وأن ضمير منها راجع إليها على سبيل الاستخدام (وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض) بدلان مما قبلهما أي كنز الذهب والفضة قال التوربشتي يريد بالأحمر والأبيض خزائن كسرى وقيصر وذلك أن الغالب على نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود ممالك قيصر الدراهم (بسنة عامة) أي بقحط شائع لجميع بلا المسلمين قال الطيبي السنة القحط والجدب وهي من الأسماء الغالبة (وأن لا يسلط عليهم عدوا) وهم الكفار وقوله من سوى أنفسهم صفة عدوا أي كائنا من سوى أنفسهم فيستبيح أي العدو وهو مما يستوي فيه الجمع والمفرد أي يستأصل (بيضتهم) قال الجزري في النهاية أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم وبيضة الدار وسطها
[ 333 ]
ومعظمها أراد عدوا يستأصلهم ويهلكهم جميعهم قيل أراد إذا أهلك أصل البيضة كان هلاك كل ما فيها من طعم أو فرخ وإذا لم يهلك أصل البيضة بما سلم بعض فراخها وقيل أراد بالبيضة الخوذة فكأنه شبه مكان اجتماعهم والتامهم ببيضة الحديد انتهى ما في النهاية (إذا قضيت قضاء) أي حكمت حكما مبرما (فإنه لا يرد) أي بشئ لخلاف الحكم المعلق بشرط وجود شئ أو عدمه (وإني أعطيتك) أي عهدي وميثاقي (لأمتك) أي لأجل أمة إجابتك (أن لا أهلكهم بسنة عامة) أي بحيث يعمهم القحط ويهلكهم بالكلية قال الطيبي اللام في لأمتك هي التي في قوله سابقا سألت ربي لأمتي أي أعطيت سؤالك لدعائك لأمنك والكاف هو المفعول الأول وقوله أن لا أهلكهم المفعول الثاني كما هو في قوله سألت ربي أن لا يهلكها هو المفعول الثاني (ولو اجتمع عليهم من) أي الذين هم (بأقطارها) أي بأطرافها جمع قطر وهو الجانب والناحية والمعنى فلا يستبيح عدو من الكفار بيضتهم ولو اجتمع على محاربتهم من أطراف بيضتهم وجواب لو ما يدل عليه قوله وأن لا أسلط (أو قال من بين أقطارها) أو الشك من الراوي (ويسبي) كيرمي بالرفع عطف على يهلك أي ويأسر (بعضهم) بوضع الظاهر موضع المضمر (بعضا) أي بعضا اخر قال الطيبي حتى بمعنى كي أي لكي يكون بعض أمتك يهلك بعضا فقوله إني إذا قضيت قضاء فلا يرد توطئة لهذا المعنى ويدل عليه حديث خباب بن الأرت يعني حديثه المذكور في هذا الباب قال المظهر اعلم أن الله تعالى في خلقه قضاءين مبرما ومعلقا بفعل كما قال إن الشئ الفلاني كان كذا وكذا وإن لم يفعله فلا يكون كذا وكذا من قبيل ما يتطرق إليه المحو وا ثبات كما قال تعالى في محكم كتابه يمحو الله ما يشاء ويثبت وأما القضاء المبرم فهو عبارة عما قدره سبحانه في الأزل من غير أن يعلقه بفعل فهو في الوقوع نافذ غاية النفاذ بحيث لا يتغير بحال ولا يتوقف على المقضى عليه ولا المقضي له لأنه من علمه بما كان وما يكون وخلاف معلومة مستحيل قطعا وهذا من قبيل ما لا يتطرق إليه المحو واثبات قال تعالى لا معقب لحكمه وقال النبي عليه السلام لا مرد لقضائه ولا مرد لحكمه فقوله صلى الله عليه وسلم إذا قضيت قضاء فلا يرد من القبيل الثاني ولذلك لم يجب إليه وفيه أن الأنبياء مستجابو الدعوة إلا في مثل هذا قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 334 ]
15 باب ما جاء كيف يكون الرجل في الفتنة قوله (حدثنا عمران بن موسى) بن حبان (القزاز) الليثي أبو عمرو (البصري) صدوق من العاشرة (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري البصري ثقة ثبت رمي بالقدر ولم يثبت عنه من الثامنة (عن أم مالك البهزية) صحابية لها حديث الباب كما في تهذيب التهذيب قوله (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها) بتشديد الراء أي فعدها قريبة الوقوع قال الأشرف معناه وصفها للصحابة وصفا بليغا فان من وصف عند أحد وصفا بليغا فكأنه قرب ذلك الشئ إليه (قال رجل في ماشيته) أي من الغنم ونحوها قال في المجمع الماشية تقع على الابل والبقر والغنم والأخير أكثر (يؤدي حقها) أي من زكاة وغيرها (ورجل اخذ) الصيغة اسم الفاعل أي ماسك (يخيف العدو) من الاخافة بمعنى التخويف أي يرتبط في بعض ثغور المسلمين يخوف الكفار ويخوفونه قال المظهر يعني رجل هرب من الفتن وقتال المسلمين وقصد الكفار يحاربهم ويحاربونه يعني فيبقى سالما من الفتنة وغانما للأجر والمثوبة قوله (وفي الباب عن أم مبشر وأبي سعيد الخدري وابن عباس) أما حديث أم مبشر وهي الأنصارية فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني كذا في الترغيب وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه البخاري عنه مرفوعا يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب أي الناس خير من أبواب فضائل الجهاد قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد
[ 335 ]
قوله (عن اليث) هو ابن أبي سليم (عن زياد بن سيمين كوش) قال في التقريب زياد بن سليم العبدي مولاهم أبو أمامة المعروف بالأعجم الشاعر مقبول من الثالثة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته وهو زياد سيمين كوش مولى عبد القيس روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وغيره وعنه طاوس وغيره روى له الثلاثة حديثا واحدا في الفتن وسيمين كوش بكسر المهملة والميم بينهما مثناة من تحت بعد الميم أخرى ثم نون ساكنة وكاف مضمومة وواو ساكنة ثم معجمة ثم قيل هو اسم والده وقيل بل لقبه انتهى 16 باب قوله تكون الفتنة تستنظف العرب أي تستوعبهم هلاكا يقال استنظفت الشئ إذا أخذته كله ومنه قولهم استنظفت الخراج ولا يقال نظفته كذا في النهاية قال القاري وقيل أي تطهرهم من الأرذال وأهل الفتن (قتلاها) جمع قتيل بمعنى مقتول مبتدأ خبره قوله (في النار) أي سيكونون في النار أو هم حينئذ في النار لأنهم يباشرون ما يوجب دخولهم في النار كقوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم قال القاضي رحمه الله المراد بقتلاها من قتل في تلك الفتنة وإنما هم من أهل النار لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها إعلاء دين أو دفع ظالم أو إعانة محق وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طمعا في المال والملك (اللسان فيها) أي وقعه وطعنه على تقدير مضاف ويدل عليه رواية إشراف اللسان أي اطلاقه وإطالته (أشد من السيف) أي وقع السيف كما في رواية لأن السيف إذا ضرب به أثر في واحد واللسان تضرب به في تلك الحالة الف نسمة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود في باب كف اللسان من كتاب الفتن والنسائي وابن ماجه (سمعت محمد بن إسماعيل يقول لا نعرف لزياد بن سيمين كوش غير هذا الحديث الخ) قال المنذري وذكر البخاري في تاريخه إن حماد بن سلمة رواه عن ليث ورفعه
[ 336 ]
ورواه حماد بن زيد وغيره عن عبد الله بن عمرو قوله قال وهذا أصح من الأول وهكذا قال فيه زياد بن سيمين كوش وقال غيره زياد سيمين كوش واستشهد به البخاري وكان من العباد ولكنه اختلط في اخر عمره حتى كان لا يدري ما يحدث به وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري 17 باب ما جاء في رفع الأمانة قوله (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين) أي في أمر الأمانة الحادثة في زمن الفتنة قال النووي رحمه الله الأول حدثنا أن الأمانة نزلت إلى اخره والثاني حدثنا عن رفعها قد رأيت أحدهما وهو نزول الأمانة (وأنا انتظر الاخر) وهو رفع الأمانة (حدثنا) وهو الحديث الأول (أن الأمانة) المذكورة في قوله تعالى إنا عرضنا الأمانة وهي عين الايمان أو كل ما يخفي ولا يعلمه إلا الله من المكلف أو المراد بها التكليف الذي كلف الله تعالى به عباده أو العهد الذي أخذه عليهم (نزلت في جذر قلوب الرجال) بفتح الجيم ويكسر وسكون الذال المعجمة بعدها راء أي في أصل قلوبهم وجذر كل شئ أصله أي أن الأمانة أول ما نزلت في قلوب الرجال واستولت عليها فكانت هي الباعثة على الأخذ بالكتاب والسنة وهذا هو المعنى بقوله (ثم نزل القران فعلموا) أي بنور الايمان (من القران) أي مما يتلقون عنه صلى الله عليه وسلم واجبا كان أو نفلا حراما أو مباحا مأخوذا من الكتاب أو الحديث (وعلموا من السنة) وفي رواية البخاري ثم علموا من السنة بإعادة ثم وفيه إشارة إلى أنهم كانوا يتعلمون القران قبل أن يتعلموا السنة (ثم حدثنا) وهو الحديث الثاني (عن رفع الأمانة) أي عن ذهابها أصلا حتى لا يبقى من يوصف بالأمانة إلا النادر ولا يعكر على ذلك ما ذكره في اخر الحديث مما يدل على قلة من ينسب للأمانة فإن ذلك بالنسبة إلى حال الأولين فالذين أشار إليهم بقوله ما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا هم من أهل العصر الأخير الذي أدركه والأمانة فيهم بالنسبة إلى العصر الأول أقل وأما الذي ينتظره فإنه حيث تفقد الأمانة من الجميع إلا النادر كذا في الفتح (فيظل أثرها) بفتحات بتشديد لام أي فيصير وأصل ظل ما عمل بالنهار ثم أطلق على كل وقت وهي هنا على بابها لأنه ذكر
[ 337 ]
الحالة التي تكون بعد النوم وهي غالبا تقع عند الصبح والمعنى أن الأمانة تذهب حتى لا يبقى منها إلا الأثر الموصوف في الحديث (مثل الوكت) وفي رواية البخاري مثل أثر الوكت وهي بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مثناة فوقية الأثر في الشئ كالنقطة من غير لونه يقال وكت البسر إذ بدت فيه نقطة الارطاب (ثم ينام نومة) أي أخرى (فتقبض الأمانة) أي ما بقي منها من قلبه (فيظل أثرها مثل أثر المجل) بفتح الميم وسكون الجيم وقد تفتح بعدها لام هو أثر العمل في الكف قال في الفائق الفرق بين الوكت والمجل أن الوكت النقطة في الشئ من غير لونه والمجل غلظ الجلد من العمل لا غير (كجمر) بالجيم المفتوحة والميم الساكنة أي تأثير كتأثير جمر وقيل أبدل من مثل أثر المجل أي يكون أثرها في القلب كأثر جمر أو خبر مبتدأ محذوف أي هو يعني أثر المجل كجمر (دحرجته) أي قلبته ودورته (على رجلك فنفطت) بكسر الفاء بعد النون المفتوحة قال في القاموس نفطت كفرحت نفطا ونفطا ونفيطا قرحت عملا أو مجلث (فتراه منتبرا) بنون ثم مثناة مفتوحة ثم موحدة مكسورة أي منتفخا وتذكير الضمير على إرادة الموضع المدحرج عليه الجمر قيل المعنى يخيل إليك أن الرجل ذو أمانة وهو في ذلك بمثابة نفطة تراها منتفطة مرتفعة كبيرة لا طائل تحتها (وليس فيه شئ) أي صالح بل ماء فاسد وفي شرح مسلم قال صاحب التحرير معنى الحديث أن الأمانة تزول عن القلوب شيئا فشيئا فإذا زال أول جزء منها زال نورها وخلفته ظلمة كالموكت وهو اعتراض لون مخالف للون الذي قبله فإذا زال شئ اخر صار كالمجل وهو أثر محكم لا يكاد يزول إلا بعد مدة وهذه الظلمة فوق التي قبلها ثم شبه زوال ذلك النور بعد وقوعه في القلب وخروجه بعد استقراره فيه واعتقاب الظلمة إياه بجمر يدحرجه على رجله حتى يؤثر فيها ثم يزول الجمر ويبقى النفط انتهى (قال فيصبح الناس) أي يدخلون في الصباح (يتبايعون) أي السلع ونحوها بأن يشتريها أحدهم من الاخر (لا يكاد أحد يؤدي الأمانة) لأن من كان موصوفا بالأمانة سلبها حتى صار خائنا (وحتى يقال للرجل) أي من أرباب الدنيا ممن له عقل في تحصيل المال والجاه وطبع في الشعر والنثر وفصاحة وبلاغة وصباحة وقوة بدنية وشجاعة وشوكة (ما أجلده) بالجيم (وأظرفه) بالظاء المعجمة (وأعقله) بالعين المهملة والقاف تعجبا من كماله واستغرابا من مقاله واستبعادا من جماله
[ 338 ]
وحاصله أنهم يمدحونه بكثرة العقل والظرافة والجلادة ويتعجبون منه ولا يمدحون أحدا بكثرة العلم النافع والعمل الصالح (وما في قلبه) حال من الرجل أي والحال أنه ليس في قلبه (مثقال حبة) أي مقدار شئ قليل (من خردل) من بيانية لحبة أي هي خردل (من إيمان) أي كائنا منه قال الطيبي لعله إنما حملهم على تفسير الأمانة في قوله إن الأمانة نزلت با يمان لقوله اخر وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فهلا حملوها على حقيقتها لقوله ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيكون وضع الايمان اخرا موضعها تفخيما لشأنها وحثا على أدائها قال صلى الله عليه وسلم لا دين لمن لا أمانة له قال القاري إنما حملهم عليه ما ذكر اخرا وما صدر أولا من قوله نزلت في جذر قلوب الرجال فإن نزول الأمانة بمعنى الايمان هو المناسب لأصل قلوب المؤمنين ثم يعلمون إيقانه وإيقانهم بتتبع الكتاب والسنة وأما الأمانة فهي جزئية من كلية ما يتعلق با يمان والقران انتهى (قال) أي حذيفة رضي الله عنه (ولقد أتى علي) بتشديد الياء (زمان) كنت أعلم فيه أن الأمانة موجودة في الناس (وما أبالي أيكم بايعت فيه) أي بعت أو اشتريت غير مبال بحاله (لئن) بفتح اللام وكسر الهمزة (ليردنه علي) بتشديد التحتية (دينه) بالرفع على الفاعيلة أي فلا يخونني بل يحمله إسلامه على أداء الأمانة فأنا واثق بأمانته (ليردنه على ساعيه) أي الذي أقيم عليه فهو يقوم بولايته ويستخرج منه حقي وقال في المجمع أي رئيسهم الذي يصدر ون عن رأيه وقيل أي الوالي الذي عليه أي ينصفني مثله وكل من ولي أمر قوم فهو ساع عليهم يعني أن المسلمين كانوا مهتمين با سلام فيحفظون بالصدق والأمانة والملوك ذوو عدل فما كنت أبالي من أعامل إن كان مسلما رده إلى الخروج عن الحق عمله بمقتضى الاسلام وإن كان غير مسلم أنصفني منه عامله على انتهى انتهى (فأما اليوم) فقد ذهبت الأمانة وظهرت الخيانة فلست أثق بأحد في بيع ولا شراء (فما كنت أبايع منكم إلا فلانا وفلانا) أي أفرادا من الناس قلائل ممن أثق بهم فكان يثق بالمسلم لذاته وبالكافر لوجود ساعيه وهو الحاكم الذي يحكم عليه وكانوا لا يستعملون في كل عمل قل أو جل إلا المسلم فكان واثقا بإنصافه وتخليصحقه من الكافر إن خانه بخلاف الوقت الأخير الذي أشار إليه فإنه صار لا يبايع إلا أفرادا من الناس يثق بهم وفيه أشارة إلى أن حال الأمانة أخذ في النقص من ذلك الزمان وكانت وفاة حذيفة أول سنة ست وثلاثين بعد قتل عثمان بقليل
[ 339 ]
فأدرك بعض الزمن الذي وقع فيه التغير وقال ابن العربي قال حذيفة هذا القول لما تغيرت الأحوال التي كان يعرفها على عهد النبوة والخليفتين فأشار إلى ذلك بالمبايعة وكنى عن الايمان بالأمانة وعما يخالف أحكامه بالخيانة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 18 باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم قوله (عن سنان بن أبي سنان) الديلي المدني ثقة من الثالثة (عن أبي واقد الليثي صحابي قيل اسمه الحارث بن مالك وقيل ابن عوف وقيل عوف بن الحارث قوله (لماخرج) أي عن مكة كما في رواية لأحمد (إلى حنين) كزبير موضع بين الطائف ومكة (يقال لها ذات أنواط) قال الجزري في النهاية هي اسم شجرة بعينها كانت للمشركين ينوطون بها سلاحهم أي يعلقونه بها ويعكفون حولها فسألوه أن يجعل لهم مثلها فنهاهم عن ذلك وأنواط جمع نوط وهو مصدر سمي به المنوط انتهى (سبحان الله) تنزيها وتعجبا (هذا) أي هذا القول منكم (كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم الهة) لكن لا يخفى ما بينهما من التفاوت المستفاد من التشبيه حيث يكون المشبه به أقوى (لتركبن) بضم الموحدة والمعنى لتتبعن (سنة من كان قبلكم) وفي حديث أبي سعيد عند البخاري لتتبعن سنن من قبلكم شبرا شبرا وذراعا ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا يا رسول الله اليهود والنصاري قال فمن ورواه الحاكم عن ابن عباس وفي اخره وحتى لو أن أحدكم جامع امرأته في الطريق لفعلتموه قال
[ 340 ]
المناوي إسناده صحيح والسنة لغة الطريقة حسنة كانت أو سيئة والمراد هنا طريقة أهل الهواء والبدع التي ابتدعوها من تلقاء أنفسهم بعد أنبيائهم من تغيير دينهم وتحريف كتابهم كما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل وقال النووي المراد الموافقة في المعاصي والمخالفات لا في الكفر وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقد وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرحه أحمد في مسنده قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة) أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان وقد تقدم لفظه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري عنه مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع فقيل يا رسول الله كفارس والروم قال ومن الناس إلا أولئك 19 باب ما جاء في كلام السباع جمع السبع وهو بضم الباء وفتحها وسكونها المفترس من الحيوان قوله (حتى تكلم السباع) أي سباع الوحش كالأسد أو سباع الطير كالبازي ولا منع من الجمع (الأنس) أي جنس س الانسان من المؤمن والكافر (وحتى يكلم الرجل) بالنصب على المفعولية (عذبة سوطه) بالرفع على الفاعلية والعذبة بفتح العين المهملة والذال المعجمة أي طرفه على ما في القاموس وغيره وقال في المجمع هو قد في طرف السوط (وشراك نعله) بكسر الشين المعجمة أحد سيور النعل تكون على وجهها
[ 341 ]
قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) لينظر من أخرجه قوله (وهذا حديث حسن صحيح) في سنده سفيان بن وكيع وهو صدوق إلا أنه ابتلى بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه قاله الحافظ وأخرجه الحاكم وصححه قوله (والقاسم بن الفضل ثقة الخ) قال في التقريب القاسم بن الفضل بن معدان الحداني بضم المهملة والتشديد أبو المغيرة البصري ثقة من السابعة رمي با رجاء 20 باب ما جاء قي انشقاق القمر أي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة له قوله (انفلق القمر) أي انشق وفي حديث ابن مسعود عند البخاري في التفسير انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين فرقة فوق الجبل وفرقة دونه وفي حديث أنس عند البخاري في باب انشقاق القمر أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم اية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما قال الحافظ قوله شقتين بكسر المعجمة أي نصفين وقوله حتى رأوا حراء أي جبل حراء بينهما أي بين الفرقتين وجبل حراء على يسار السائر من مكة إلى منى وقال وجدت في بعض طرق حديث ابن عباس بيان صورة السؤال وهو وإن كان لم يدرك القصة لكن في بعض طرقه ما يشعر بأنه حمل الحديث عن ابن مسعود فأخرج أبو نعيم في الدلائل من وجه ضعيف عن ابن عباس قال اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل والأسود بن المطلب والنضر بن الحارث ونظراؤهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كنت
[ 342 ]
صادقا فشق لنا القمر فرقتين فسأل ربه فانشق (اشهدوا) أي على نبوتي أو معجزتي من الشهادة وقيل معناه احضروا وانظروا من الشهود قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وجبير بن مطعم) أخرح الترمذي أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم في تفسير سورة القمر قال الحافظ وقد ورد انشقاق القمر أيضا من حديث علي وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم فأما أنس وابن عباس فلم يحضرا ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد وأما أنس فكان أربع أو خمس بالمدينة وأما غيرهما فيمكن أن يكون شاهد ذلك وممن صرح برؤيته ذلك ابن مسعود قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم اعلم أن أحاديث الباب صحيحة صريحة في ثبوت معجزة انشقاق القمر قال ابن عبد البر قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين ثم نقله عنهم الجم الغفير إلى أن انتهى إلينا ويؤيد ذلك با ية الكريمة فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على اخرين وأيضا فإن زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى افاق مكة يسألون عن ذلك فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك وذلك لأن المسافرين في الليل غالبا يكونون سائرين في ضوء القمر ولا يخفى عليهم ذلك وقال أبو إسحاق الزجاج في معاني القران أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله بفعل فيه ما يشاء كما يكوره يوم البعث ويفنيه وأما قول بعضهم لو وقع لجاء متواترا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص بها أهل مكة فجوابه أن ذلك وقع ليلا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء إلا النادر وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الاحاد فكذلك الانشقاق كان اية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الافاق دون بعض كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم وقال الخطابي انشقاق القمر اية عظيمة لا يكاد يعدلها شئ من ايات الأنبياء وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع فليس مما يطمع في
[ 343 ]
الوصول إليه بحيلة فلذلك صار البرهان به أظهر وقد أنكر ذلك بعضهم فقال لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أمره على عوام الناس لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة فالناس فيه شركاء والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التسيير والتنجيم إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها لأنه شئ طلبه خاص من الناس فوقع ليلا لأن القمر لا سلطان له بالنهار ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نياما ومستكنين بالأبنية والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغولا بما يلهيه من سمر وغيره ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس وإنما راه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر وقال الحافظ ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله انشق القمر أي سينشق كما قال تعالى أتى أمر الله أي سيأتي والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك فنزل منزلة الواقع والذي ذهب إليه الجمهور أصح كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك وإن يروا اية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله (وانشق القمر) وقوع انشقاقه لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق وأنه المراد با ية التي زعموا إنها سحر انتهى وقال الرازي في تفسيره الكبير بعد ما أثبت هذه المعجزة ما لفظه وأما المؤرخون تركوه لأن التواريخ في أكثر الأمر يستعملها المنجم وهو لما وقع الأمر قالوا بأنه مثل خسوف القمر وظهور شئ في الجو على شكل نصف القمر في موضع اخر فتركوا حكايته في تواريخهم والقران أدل دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشك فيه وقد أخبر عنه الصادق فيجب اعتقاد وقوعه وحديث امتناع الخرق والالتئام حديث اللئام وقد ثبت جواز الخرق والتخريب على السموات وذكرناه مرارا فلا نعيده انتهى 21 باب ما جاء في الخسف قوله (عن فرات القزاز) هو فرات بن أبي عبد الرحمن القزاز الكوفي ثقة من الخامسة (عن حذيفة بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر السين الغفاري صحابي من أصحاب الشجرة وكنيته
[ 344 ]
أبو سريحة بفتح السين المهملة وكسر الراء وبالحاء المهملة قوله (أشرف علينا) وفي رواية مسلم اطلع علينا قال في القاموس أشرف عليه اطلع من فوق (من غرفة) بالضم العلية وهي بالفارسية بالاخانة وحجره بالاى حجره (ونحن نتذاكر) أي فيما بيننا (الساعة) أي أمر القيامة واحتمال قيامها في كل ساعة (عشر ايات) أي علامات (ويأجوج ومأجوج) بألف فيهما ويهمز أي خروجهما ويأتي الكلام عليهما في باب خروج يأجوج ومأجوج (والدابة) وهي المذكورة في قوله تعالى وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم الاية قال المفسرون هدابة عظيمة تخرج من صدع في الصفا وعن ابن عمرو بن العاص إنها الجساسة المذكورة في حديث الدجال قاله النووي وقال الجزري في النهاية دابة الأرض قيل طولها ستون ذراعا ذات قوائم ووبر وقيل هي مختلفة الخلقة تشبه عدة من الحيوانات ينصدع جبل الصفا فتخرج منه ليلة جمع والناس سائرون إلى منى وقيل من أرض الطائف ومعها عصا موسى وخاتم سليمان عليهما السلام لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب تضرب المؤمن بالعصا وتكتب في وجهه مؤمن وتطبع الكافر بالخاتم وتكتب في وجهه كافر انتهى اعلم أن المفسرين قد ذكروا لدابة الأرض أوصافا كثيرة من غير ذكر ما يدل على ثبوتها فكل ما ثبت بالكتاب أو السنة الصحيحة فهو المعتمد ومالا فلا اعتماد عليه (وثلاث خسوف) قال ابن الملك قد وجد الخسف في مواضع لكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرا زائدا على ما وجد كأن يكون أعظم مكانا وقدرا (خسف) بالجر على أنه يدل مما قبله وبالرفع على تقدير أحدها أو منها (من قعر عدن) أي أقصى أرضها وهو غير منصرف وقيل منصرف باعتبار البقعة والموضع ففي المشارق عدن مدينة مشهورة باليمن وفي القاموس عدن محركة جزيرة باليمن وفي رواية تخرج من أرض الحجاز قال القاضي عياض لعلها نار ان تجتمعان تحشران الناس أو يكون ابتداء خروجهما من اليمن وظهورها من الحجاز ذكره القرطبي رحمه الله تعالى (تسوق) أي تطرد النار (أو تحشر) أو للشك من الراوي في رواية مسلم تسوق الناس إلى
[ 345 ]
المحشر أي إلى المجمع والموقف قيل المراد من المحشر أرض الشام إذ صح في الخبر أن الحشر يكون في أرض الشام ولكن الظاهر أن المراد أن يكون مبتدؤه منها أو تجعل واسعة تسع خلق العالم فيها قاله القاري (وتقيل) قال في القاموس قال قيلا وقائلة وقيلولة ومقالا ومقيلا وتقيل نام في نصف النهار انتهى قوله (وزاد فيه والدخان) قال الطيبي هو الذي ذكر في قوله تعالى يوم تاتي السماء بدخان مبين وذلك كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقال النووي في شرح هذا الحديث إنه يؤيد قول من قال إن الدخان دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام وإنه لم يأت بعد وإنما يكون قريبا من قيام الساعة وقال ابن مسعود إنما هو عبارة عما نال قريشا من القحط حتى كانوا يرون بينهم وبين السماء كهيئة الدخان وقد وافق ابن مسعود جماعة وقال بالقول الاخر حذيفة وابن عمر والحسن ورواه حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يمكث في الأرض أربعين يوما ويحتمل أنها دخانان للجمع بين هذه الاثار انتهى وقال القرطبي في التذكرة قال ابن دحية والذي يقتضيه النظر الصحيح حمل ذلك على قضيتين إحداهما وقعت وكانت الأخرى ستقع وتكون فأما التي كانت فهي التي كانوا يرون فيها كهيئة الدخان غير الدخان الحقيقي الذي يكون عند ظهور الايات التي هي من الأشراط والعلامات ولا يمتنع إذا ظهرت هذه العلامة أن يقولوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون فيكشف عنهم ثم يعودون لقرب الساعة وقول ابن مسعود لم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من تفسيره وقد جاء النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلافه قال القرطبي وقد روى عن ابن مسعود إنهما دخانان قال مجاهد كان ابن مسعود يقول هما دخانان قد مضى أحدهما والذي بقي يملأ بين السماء والأرض انتهى
[ 346 ]
قوله (حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي) قال في التقريب الحكم بن عبد الله أبو النعمان البصري قيل إنه قيسي أو أنصاري أو عجلي ثقة له أوهام من التاسعة قوله (إما ريح تطرحهم في البحر) أي تلقيهم فيه قوله (وفي الباب عن علي وأبي هريرة وأم سلمة وصفية) أما حديث علي وحديث أبي هريرة فأخرجهما الترمذي في الباب الذي بعد باب أشراط الساعة وأما حديث أم سلمة فأخرجه مسلم في كتاب الفتن وأما حديث صفية فأخرجه الترمذي في هذا الباب اعلم أن الروايات قد اختلفت في ترتيب الايات العشر ولذ اختلف أهل العلم في ترتيبها فقد قيل إن أول الايات الدخان ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج ياجوج وماجوج ثم خروج الدابة ثم طلوع الشمس من مغربها فإن الكفار يسلمون في زمن عيسى عليه السلام حتى تكون الدعوة واحدة ولو كانت الشمس طلعت من مغربها قبل خروج الدجال ونزوله لم يكن الايمان مقبولا من الكفار فالواو لمطلق الجمع فلا يرد أن نزوله قبل طلوعها ولا ما ورد أن طلوع الشمس أول الايات وقال في فتح الودود قيل أول الايات الخسوفات ثم خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام ثم خروج ياجوج وماجوج ثم الريح التي تقبض عندها أرواح أهل الايمان فعند ذلك تخرج الشمس من مغربها ثم تخرج دابة الأرض ثم يأتي الدخان قال صاحب فتح الودود والأقرب في مثله التوقف والتفويض إلى عالمه انتهى قلت ذكر القرطبي في تذكرته مثل هذا الترتيب إلا أنه جعل الدجال مكان الدخان وذكر البيهقي عن الحاكم مثل ترتيب القرطبي وجعل خروج الدابة قبل طلوع الشمس من مغربها فالظاهر بل المتعين هو ما قال صاحب فتح الودود من أن الأقرب في مثله هو التوقف والتفويض إلى عالمه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي أبي يحيى الكوفي ثقة من الرابعة (عن أبي إدريس
[ 347 ]
المرهبي) بضم أوله وكسر الهاء بعدها موحدة الكوفي اسمه سوار أو مساور صدوق يتشيع من الرابعة (عن مسلم بن صفوان) مجهول من الثالثة كذا في التقريب وقال في هامش الخلاصة نقلا عن التهذيب وثقه ابن حبان قوله (حتى إذا كانوا بالبيداء) بفتح الموحدة وسكون التحتية (أو ببيداء من الأرض) شك من الراوي وفي حديث حفصة عند مسلم حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض من غير شك قال النووي قال العلماء البيداء كل أرض ملساء لا شئ بها (خسف بأولهم واخرهم ولم ينج أوسطهم) أي يقع الهلاك في الدنيا على جميعهم (فمن كره منهم قال يبعثهم الله على ما في أنفسهم) وفي حديث أم سلمة عند مسلم فكيف بمن كان كارها قال يخسف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته قال النووي أي يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها وفي هذا الحديث من الفقه التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به وفيه إن من كثر سواد قوم جرى عليهم حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة مسلم بن صفوان روى عن صفية بنت حيي عن النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتهي الناس عن غزو هذا البيت وروى عنه أبو إدريس المرهبي صحح الترمذي حديثه قال الحافظ وهو معلول انتهى قلت لم يذكر وجه كونه معلولا فإن كان وجهه جهالة مسلم بن صفوان فقد عرفت أن ابن حبان وثقه والله تعالى أعلم قوله (حدثنا صيفي بن ربعي) بكسر الراء الأنصاري أبو هشام الكوفي صدوق يهم من
[ 348 ]
التاسعة (عن عبد الله بن عمر) هو عبد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع وقدمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها من الخامسة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب ب في ترجمته روى عن القاسم بن محمد بن أبي بكر وغيره وعنه أخوه عبد الله وغيره (عن القاسم بن محمد) بن أبي بكر الصديق التيمي ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رأيت أفضل منه من كبار الثالثة قوله (خسف ومسخ وقذف) قال في القاموس خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض وقال مسخه كمنعه حول صورته إلى أخرى أقبح وقال قذف بالحجارة يقذف رمى بها (أنهلك) بفتح اللام من الاهلاك أو بكسر اللام من الهلاك (وفينا الصالحون) جملة حالية (إذا ظهر الخبث) هو بفتح الخاء والباء وفسره الجمهور بالفسوق والفجور وقيل المراد الزنا خاصة وقيل اولاد الزنا والظاهر أنه المعاصي مطلقا ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون قاله النووي قوله (وعبد الله بن عمر تكلم فيه يحيى بن سعيد من قبل حفظه) اعلم أن عبد الله بن عمر العمري مكبرا وعبيد الله بن عمر العمري مصغرا أخوان فالمكبر ضعيف والمصغر ثقة 22 باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها قوله (عن إبراهيم التيمي) هو بن يزيد بن شريك يكن أبا أسماء الكوفي العابد ثقة إلا أنه يرسل ويدلس من الخامسة (عن أبيه) أي يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي ثقة يقال إنه أدرك الجاهلية من الثانية
[ 349 ]
قوله (أين تذهب هذه) أي الشمس وا شارة للتعظيم (فإنها تذهب لتستأذن في السجود فيؤذن لها) أي في السجود قال ابن بطال استئذان الشمس معناه أن الله يخلق فيها حياة يوجد القول عندها لأن الله قادر على إحياء الجماد والموات وقال غيره يحتمل أن يكون الاستئذان أسند إليها مجازا والمراد من هو موكل بها من الملائكة قلت الظاهر هو الأول والله تعالى أعلم وفي رواية البخاري في بدء الخلق فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها قال القسطلاني أي في الطلوع من المشرق على عاداتها فيؤذن لها فتبدو من جهة المشرق قال الحافظ أما قوله تحت العرش فقيل هو حين محاذاتها ولا يخالف هذا قوله وجدها تغرب في عين حمئة فإن المراد بها نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب (وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها) وفي رواية البخاري المذكورة ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها (قال ثم قرأ) عليه الصلاة والسلام (وذلك مستقر لها وقال) أي أبو ذر كما هو الظاهر (ذلك قراءة عبد الله بن مسعود) وفي رواية البخاري في بدء الخلق والتفسير فذلك قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم وهذه القراءة هي المتواترة وفي رواية البخاري في التفسير قال مستقرها تحت العرش قال الحافظ في الحديث رد على من زعم أن المراد بمستقرها غاية ما تنتهي إليه في الارتفاع وذلك أطول يوم في السنة وقيل إلى منتهى أمرها عند انتهاء الدنيا قال الحافظ وظاهر الحديث أن المراد بالاستقرار وقوعه في كل يوم وليلة عند سجودها ومقابل الاستقرار المسير الدائم المعبر عنه بالجري انتهى وقال الطيبي بعد ذكر التأويلين المذكورين في كلام الحافظ ما لفظه وأما قوله مستقرها تحت العرش فلا ينكر أن يكون لها استقرار تحت العرش من حيث لا ندركه ولا نشاهده وإنما أخبر عن غيب فلا نكذبه ولا نكيفه لأن علمنا لا يحيط به انتهى كلام الطيبي وقال الشيخ في اللمعات قوله (والشمس تجري لمستقر لها) قد ذكر في التفاسير وجوه غير ما في هذا الحديث ولا شك أن ما وقع في الحديث المتفق عليه هو المعتبر والمعتمد والعجب من البيضاوي أنه ذكر وجوها في تفسيره ولم يذكر هذا الوجه ولعله أوقعه في ذلك تفلسفه نعوذ بالله من ذلك وفي كلام الطيبي أيضا ما يشعر بضيق الصدر نسأل الله العافية انتهى
[ 350 ]
قوله (وفي الباب عن صفوان بن عسال وحذيفة بن أسيد وأنس بن أبي موسى) أما حديث صفوان بن عسال فأخرجه بن ماجة عنه مرفوعا إن من قبل مغرب الشمس بابا مفتوحا عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحا للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه الترمذي في الباب المتقدم وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة في باب الايات وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد ومسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في بدء الخلق والتفسير والتوحيد ومسلم في الايمان وأبو داود في الحروف والنسائي في التفسير وأخرجه الترمذي أيضا في تفسير سورة يس 23 باب ما جاء في خروج ياجوج وماجوج بغير همز لأكثر القراء وقرأ عاصم بالهمزة الساكنة فيهما وفي لغة بني أسد وهما اسمان أعجميان عند الأكثر منعا من الصرف للعلمية والعجمة وقيل بل عربيان واختلف في اشتقاقهما فقيل من أجيج النار وهو التهابها وقيل من الأجة بالتشديد وهي الاختلاط أو شدة الحر وقيل غير ذلك وجاء في صفتهم ما أخرجه ابن عدي وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه من حديث حذيفة رفعه قال يأجوج أمة ومأجوج أمة كل أمة أربع مائة ألف لا يموت الرجل منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح وهو من رواية يحيى بن سعيد العطار عن محمد بن إسحاق عن الأعمش والعطار ضعيف جدا ومحمد بن إسحاق قال ابن عدي ليس هو صاحب المغازي بل هو العكاشي قال والحديث موضوع وقال ابن أبي حاتم منكر قال الحافظ في الفتح لكن لبعضه شاهد صحيح أخرجه ابن حبان من حديث ابن مسعود رفعه أن ياجوج وماجوج أقل ما يترك أحدهم لصلبه ألفا من الذرية وللنسائي من رواية عمرو بن أوس عن أبيه رفعه أن ياجوج وماجوج يجامعون ما شاءوا ولا يموت رجل منهم إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا
[ 351 ]
وأخرج الحاكم وابن مردويه من طريق عبد الله بن عمرو أن ياجوج وماجوج من ذرية ادم ووراءهم ثلاث أمم ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفا فصاعدا وأخرج عبد بن حميد بسند صحيح عن عبد الله بن سلام مثله وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو قال الجن والإنس عشرة أجزاء فتسعة أجزاء ياجوج وماجوج وجزء سائر الناس ومن طريق شريح بن عبيد عن كعب قال هم ثلاثة أصناف صنف أجسادهم كالأرز بفتح الهمزة وسكون الراء ثم زاي هو شجر كبار جدا وصنف أربعة أذرع في أربعة أذرع وصنف يفترشون اذانهم ويلتحفون بالأخرى ووقع نحو هذا في حديث حذيفة وأخرج أيضا هو والحاكم من طريق أبي الجوراء عن ابن عباس ياجوج وماجوج شبرا شبرا وشبرين شبرين وأطولهم ثلاثة أشبار وهم من ولد ادم ومن طريق أبي هريرة رفعه ولد لنوح سام وحام ويافث لسام العرب وفارس والروم وولد لحام القبط والبربر والسودان وولد ليافث ياجوج وماجوج والترك والصقالبة وفي سنده ضعف ومن رواية سعيد بن بشير عن قتادة قال ياجوج وماجوج ثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وكانت منهم قبيلة غائبة في الغزو وهم الأتراك فبقوا دون السد وأخرج ابن مردويه من طريق السدي قال الترك سرية من سرايا ياجوج وماجوج خرجت تغير فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجا ووقع في فتاوي الشيخ محي الدين ياجوج وماجوج من أولاد ادم لا من حواء عند جماهير العلماء فيكونون إخواننا لأب كذا قال ولم نر هذا عن أحد من السلف إلا عن كعب الأحبار ويرده الحديث المرفوع إنهم من ذرية نوح ونوح من ذرية حواء قطعا انتهى ما في الفتح قوله (عن حبيبة) بنت عبيد الله بن جحش الأسدية أمها أم حبيبة بنت أبي سفيان لها صحبة وهاجرت مع أبويها إلى الحبشة ويقال إنها ولدت بأرض الحبشة (عن زينب بنت جحش) بن رباب يعمر الأسدية أم المؤمنين أمها أميمة بنت عبد المطلب يقال ماتت سنة عشرون في خلافة عمر قوله (استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من نوم محمرا وجهه) وفي رواية البخاري دخل عليها يوما فزعا فيجمع على أنه دخل عليها بعد أن استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فزعا وكانت حمرة وجهه من ذلك الفزع وجمع بينهما في رواية سليمان بن كثير عن الزهري عند أبي عوانة فقال فزعا محمرا وجهه (وبل للعرب من شر) في القاموس الويل حلول الشر وهو تفجيع انتهى وخص بذلك العرب
[ 352 ]
لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم والمراد بالشر ما وقع بعده من قتل عثمان ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة كما وقع في الحديث الاخر يوشك أن تداعي عليكم الأمم كما تداعي الأكلة على قصعتها وإن المخاطب بذلك العرب قال القرطبي ويحتمل أن يكون المراد بالشر ما أشار إليه في حديث أم سلمة ماذا أنزل الليلة من الفتن وماذا أنزل من الخزائن فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده فكثرت الأموال في أيديهم فوقع التنافس الذي جر الفتن وكذلك التنافس على الامرة فإن معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر (قد اقترب) أي قرب ذلك الشر في غاية القرب بيانه قوله (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) المراد بالردم السد الذي بناه ذو القرنين بزبر الحديد وهي القطعة منه (مثل هذه) بالرفع على أنه نائب الفاعل لقوله فتح وا شارة إلى الحلقة المبينة بقوله (وعقد عشرا) وعقد العشرة أن يجعل طرف السبابة اليمنى في باطن طي عقدة الابهام العليا والمراد أنه لم يكن في ذلك الردم ثقبة إلى اليوم وقد انفتحت فيه إذ انفتاحها من علامات قرب الساعة فإذا اتسعت خرجوا وذلك بعد خروج الدجال كما تقدم (أفنهلك) بضم النون وفتح اللام من الاهلاك أو بفتح النون وكسر اللام من الهلاك (وفينا الصالحون) قال القاري أي أنعذب فنهلك نحن معشر الأمة والحال أن بعضنا مؤمنون وفينا الطيبون الطاهرون ويمكن أن يكون هذا من باب الاكتفاء على تقدير الاستغناء أي وفينا الصالحون ومنا القاسطون انتهى (قال نعم) أي يهلك الطيب أيضا (إذا كثر الخبث) بفتح المعجمة والموحدة ثم مثلثة فسروه بالزنا وبأولاد الزنا وبالفسق والفجو ر وهو أولى لأنه قابله بالصلاح والمقصود أن النار إذا وقعت في موضع واشتد ت أكلت الرطب واليابس وغلبت على الطاهر والنجس ولا تفرق بين المؤمن والمنافق والمخالف والموافق قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة قوله (جود سفيان هذا الحديث) أي بذكر النسوة الأربع المذكورة في الاسناد وقد أطال الحافظ الكلام في هذا المقام في الفتح في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب من
[ 353 ]
كتاب الفتن فعليك أن تراجعه باب ما جاء في صفة المارقة أي الخوارج قوله (عن عاصم) هو ابن بهدلة (عن زر) هو ابن حبيش (عن عبد الله) هو ابن مسعود قوله (يخرج اخر الزمان قوم) قال الحافظ في الفتح وهذا قد يخالف حديث أبي سعيد يعني الذي رواه البخاري في باب من ترك قتال الخوارج للتألف وإلا ينفر الناس عنه فإن مقتضاه أنهم خرجوا في خلافة علي وكذا أكثر الأحاديث الواردة في أمرهم وأجاب ابن التين بأن المراد زمان الصحابة وفيه نظر لأن اخر زمان الصحابة كان على رأس المائة وقد خرجوا قبل ذلك بأكثر من ستين سنة ويمكن الجمع بأن المراد باخر الزمان زمان خلافة النبوة فإن في حديث سفينة المخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيره مرفوعا الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا وكانت قصة الخوارج وقتلهم بالنهروان في أواخر خلافة علي سنة ثمان وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدون الثلاثين بنحو سنتين انتهى (أحداث الأسنان) قال الحافظ أحداث بمهملة ثم مثلثة جمع حدث بفتحتين والحدث هو الصغير السن والأسنان جمع سن والمراد به العمر والمراد أنهم شباب انتهى (سفهاء الأحلام) جمع حلم بكسر أوله والمراد به العقل والمعنى أن عقولهم رديئة قال النووي يستفاد منه أن التثبت وقوة البصيرة تكون عند كمال السن وكثرة التجارب وقوة العقل قال الحافظ ولم يظهر لي وجه الأخذ منه فإن هذا معلوم بالعادة لا من خصوص كون هؤلاء كانوا بهذه الصفة (لا يجاوز تراقيهم) قال الجزري في النهاية التراقي جمع ترقوة وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين وزنها فعلوة بالفتح والمعنى أن قراءتهم
[ 354 ]
لا يرفعها الله ولا يقبلها فكأنها لم تتجاوز حلوقهم وقيل المعنى أنهم لا يعملون بالقران ولا يثابون على قراءته فلا يحصل لهم غير القراءة انتهى (يقولون من قول خير البرية) قال الحافظ أي من القران وكانت أول كلمة خرجوا بها قولهم لا حكم إلا لله وانتزعوها من القران وحملوها غير محملها (يمرقون من الدين) إن كان المراد به الاسلام فهو حجة لمن يكفر الخوارج ويحتمل أن يكون المراد بالدين الطاعة فلا يكون فيه حجة وإليه جنح الخطابي (كما يمرق السهم من الرمية) بوزن فعيلة بمعنى مفعولة وهو الصيد المرمي شبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ومن شدة سرعة خروجه لقوة الرامي لا يعلق من جسد الصيد شئ قال الجزري في النهاية أي يجوزونه ويخرقونه ويتعدونه كما يخرق السهم الشئ المرمي به ويخرج منه انتهى قوله (وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأبي ذر) أما حديث علي فأخرجه البخاري في باب علامات النبوة وغيره ومسلم في الزكاة وأبو داود في السنة والنسائي في فضائل القران وابن ماجة في السنة وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري أيضا في علامات النبوة وغيره ومسلم في الزكاة وأبو داود في السنة والنسائي في المحاربة وأما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد في مسنده ومسلم في الزكاة (وقد روى في غير هذا الحديث) كحديث علي وأبي سعيد وغيرهما (إنما هم الخوارج) جمع خارجة وهم قوم مبتدعون سموا بذلك لخروجهم عن الدين وخروجهم على خيار المسلمين وقد أطال الحافظ الكلام في بيان معتقدهم وحالهم في الفتح في باب قتل الخوارج والملحدين (الحرورية) قال الحافظ في شرح قول عائشة أحرورية أنت ما لفظه الحروري منسوب إلى حروراء بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا بلدة على ميلين من الكوفة والأشهر أيها بالمد قال المبرد النسبة إليها حروراوي وكذا كل ما كان في اخره ألف تأنيث ممدودة ولكن قيل الحروري بحذف الزوائد ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القران ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا
[ 355 ]
24 باب الأثرة وما جاء فيه قوله (استعملت فلانا) أي جعلته عاملا (فقال) أي للأنصار كما في حديث أنس عند البخاري في مناقب الأنصار (إنكم) أيها الأنصار (سترون بعدي أثرة) بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحتين ويجوز كسر أوله مع الاسكان أي الانفراد بالشئ المشترك دون من يشركه فيه والمعنى أنه يستأثر عليهم بما لهم فيه اشتراك في الاستحقاق وقال أبو عبيد معناه يفضل نفسه عليكم في الفئ كذا في الفتح (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) أي يوم القيامة أي اصبروا حتى تموتوا فإنكم ستجدونني عند الحوض فيحصل لكم الانتصاف ممن ظلمكم والثواب الجزيل على الصبر قال الحافظ والسر في جوابه على طلب الولاية بقوله سترون بعدي أثرة إرادة نفي ظنه أنه اثر الذي ولاه عليه فبين له أن ذلك لا يقع في زمانه وأنه لم يخصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعدي وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأحمد في مسنده والنسائي قوله (إنكم سترون بعدي أثرة) قال في النهاية الأثرة بفتح الهمزة والثاء الاسم من اثر يؤثر إيثارا إذا أعطى أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه من الفئ والاستئثار الانفراد
[ 356 ]
بالشئ (وأمورا تنكرونها) يعني من أمور الدين (قالوا فما تأمرنا) أي أن نفعل إذا وقع ذلك (أدوا إليهم) أي إلى الأمراء (حقهم) أي الذي وجب لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم (واسألوا الله الذي لكم) أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيرا منهم كذا في والفتح قال الطيبي أي لا تقاتلوهم باستيفاء حقكم ولا تكافئوا استئثارهم باستئثاركم بل وفروا إليهم حقهم من السمع والطاعة وحقوق الدين وسلوا الله من فضله أن يوصل إليكم حقكم من الغنيمة والفئ ونحوهما وكلوا إلى الله تعالى أمركم والله لا يضيع أجر المحسنين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 26 باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة قوله (بنهار) فيه إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم عجل العصر في ذلك اليوم (ثم قام خطيبا) أي واعظا (فلم يدع) أي لم يترك (شيئا) أي مما يتعلق بأمر الدين مما لا بد منه (يكون) أي يقع ذلك الشئ (إلى قيام الساعة) أي ساعة القيامة (حفظه من حفظه) أي من وفقه الله وحفظه (ونسيه من نسيه أي من أنساه الله وترك نصره (فكان) وفي بعض النسخ وكان (فيما قال) أي من خطبته وموعظته (إن الدنيا خضرة) بفتح فكسر أي ناعمة طرية محبوبة (حلوة) بضم أوله أي لذيذة حسنة وإنما وصفها بالخضرة لأن العرب تسمي الشئ الناعم خضرا أو لشبهها بالخضروات في ظهور كمالها وسرعة زوالها وفيه بيان أنها تفتن الناس بلونها وطعمها (وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون) أي جاعلكم خلفاء من قرن خلوا قبلكم فينظر تطيعونه أو لا (ألا) للتنبيه (فاتقوا الدنيا) أي احذروا زيادتها على قدر الحاجة المعينة للدين النافعة في الأخرى (واتقوا النساء) أي كيدهن ومكرهن (وكان فيما قال) صلى الله عليه وسلم من خطبته (ألا) للتنبيه (هيبة الناس) أي عظمتهم وشوكتهم
[ 357 ]
ومخافتهم ومهابتهم (أن يقول بحق) أي من أن يتكلم به أو يأمر به (قد والله رأينا أشياء فهبنا) أي خفنا من هابه يهابه أي يخافه والمعنى منعتنا هيبة الناس أن نتكلم فيها (ينصب لكل غادر) من الغدر وهو ترك الوفاء (لواء) بكسر اللام أي علم إعلاما بسوء حاله وقبح ماله (بقدر غدرته) مصدر بمعنى الغدر (ولا غدرة أعظم من غدرة إمام عامة) قال التوربشتي رحمه الله تعالى أراد به المتغلب الذي يستولي على أمور المسلمين وبلادهم بتأمير العامة ومعاضدتهم إياه من غير مؤامرة من الخاصة وأهل العقد من أولى العلم ومن ينضم إليهم من ذوي السابقة ووجوه الناس (يركز) بصيغة المجهول أي يغرز كما في رواية (لواءه عند استه) بهمزة الوصل مكسورة العجز أو حلقة الدبر أي ينصب لواءه عند إسته تحقيرا له (ألا) للتنبيه (خلقوا) أي جبلوا على ما خلق الله فيهم من اختيار الخير والشر (على طبقات شتى) أي مراتب مختلفة باعتبار اختلاف أحوال الايمان والكفر وأوقاتهما (فمنهم من يولد مؤمنا) أي من أبويه المؤمنين أو في بلاد المؤمنين فإنه حين يولد قبل التمييز لا ينسب إليه الايمان إلا باعتبار ما علم الله فيه من الأزل أو باعتبار ما يؤول إليه أمره في الاستقبال (يحيى) أي يعيش في جميع عمره من حين تمييزه إلى انتهاء عمره (مؤمنا) أي كاملا أو ناقصا (ويموت مؤمنا) أي وكذلك جعلنا الله منهم (ومنهم من يولد كافرا) أي بخلاف ما سبق وهو لا ينافي ما ورد كل مولد يولد على الفطرة فإن المراد بها قابلية قبول الهداية لولا مانع من بواعث الضلالة كما يشهد له قوله فأبواه يهودانه الحديث (ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا) فالعبرة بالخواتيم وكان التقسيم غالبي وإلا فمنهم من يولد مؤمنا ويحيى كافرا ويموت مؤمنا ومنهم من يولد كافرا ويحيى مؤمنا ويموت كافرا ولعل عدم ذكرهما لأن المقصود منه أن العبرة بالخاتمة وقد علمت مما ذكر إجمالا
[ 358 ]
(ألا) للتنبيه وكذا ما بعده (وإن منهم) أي من بني ادم (البطئ الغضب) فعيل من البطء مهموز وقد يبدل ويدغم وهو ضد السريع (سريع الفئ) أي سريع الرجوع من الغضب (ومنهم سريع الغضب سريع الفئ فتلك بتلك) وفي المشكاة فإحداهما بالأخرى قال القاري أي إحدى الخصلتين مقابلة بالأخرى ولا يستحق المدح والذم فاعلهما لاستواء الحالتين فيه بمقتضى العقل فلا يقال في حقه إنه خير الناس ولا شرهم انتهى وههنا قسم رابع لم يذكره الترمذي وذكره غيره ففي المشكاة ومنهم من يكون بطئ الغضب بطئ الفئ فإحداهما بالأخرى قال القاري والتقسيم بمقتضى العقل رباعي لا خامس له وفيه إشارة إلى أن الانسان خلق فيه جمع الأخلاق المرضية والدنية وأن كماله أن تغلب له الصفات الحميدة على الذميمة لا أنها تكون معدومة فيه بالكلية وإليه الاشارة بقوله تعالى والكاظمين الغيظ حيث لم يقل والعادمين إذ أصل الخلق لا يتغير ولا يتبدل ولذا ورد ولو سمعتم أن جبلا زال عن مكانه فصدقوه وإن سمعتم أن رجلا تغير عن خلقه أي الأصلي فلا تصدقوه ومما يدل على جواز تبديل الأخلاق في الجملة دعاؤه صلى الله عليه وسلم اللهم أهدني لصالح الأخلاق لا يهدي لصالحها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت انتهى (ألا وإن منهم حسن القضاء) أي مستحسن الأداء إذا كان عليه الدين (حسن الطلب) أي إذا كان له دين على أحد (ومنهم سئ القضاء حسن الطلب) أي فإحداهما بالأخرى كما في رواية (ومنهم سئ القضاء سئ الطلب فتلك بتلك) وفي المشكاة منكم من يكون حسن القضاء وإذا كان له أفحش في الطلب قال القاري بأن لم يراع الأدب واذى في تقاضيه وعسر على صاحبه في الطلب (ألا وإن الغضب جمرة) أي حرارة غريزية وحدة جبلية مشعلة جمرة نار مكمونة في كانون النفس إلى حمرة عينيه كما يوجد مثل هذا عند حرارة الطبيعة في أثر الحمى
[ 359 ]
وانتفاخ أوداجه قال في النهاية الأوداج ما أحاط بالعنق من العروق التي يقطعها الذابح واحدها ودج بالتحريك وقيل الودجان هما عرقان غليظان عن جانبي ثغرة النحر انتهى فمن أحسن بشئ من ذلك أي أدرك ظهور أثر منه أو من علم في باطنه شيئا منه فليلصق بالأرض من باب علم يعلم أي فليلتزق بها حتى يسكن غضبه وإنما أمره به لما فيه من الضعة عن الاستعلاء وتذكار أن من كان أصله من التراب لا يستحق أن يتكبر ولم يبق من الدنيا فيما مضى منها أي في جملة ما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه يعني نسبة ما بقي من أيام الدنيا إلى جملة ما مضى كنسبة ما بقي من يومكم هذا إلى ما مضى منه وقوله إلا كما بقي مستثنى من فاعل لم يبق أي لم يبق شئ من الدنيا إلا مثل ما بقي من يومكم هذا قوله (هذا حديث حسن) في مسنده علي بن زيد بن جدعان وهو صدوق عند الترمذي ضعيف عند غيره والحديث أخرجه أيضا أحمد والحاكم والبيهقي قوله (وفي الباب عن المغيرة بن شعبة وأبي زيد بن أخطب وحذيفة وأبي مريم الخ) أما حديث أبي زيد بن أخطب فأخرجه أحمد ومسلم في الفتن وأما حديث المغيرة وأبي مريم فلينظر من أخرجه 27 باب ما جاء في الشام قوله (عن أبيه) أي قرة بن إياس بن هلال المزني أبي معاوية صحابي نزيل البصرة قوله إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم أي للقعود فيها أو التوجه إليها (لا تزال) بالمثناة
[ 360 ]
الفوقية أوله (طائفة) قال القرطبي الطائفة الجماعة وقال في النهاية الطائفة الجماعة من الناس وتقع على الواحد وكأنه أراد نفسا طائفة (منصورين) أي غالبين على أعداء الدين لا يضرهم من خذلهم أي ترك نصرتهم ومعاونتهم حتى تقوم الساعة أي تقرب الساعة وهو خروج الريح قاله النووي وقال القسطلاني في شرح البخاري واستشكل بحديث مسلم عن عبد الله بن عمر ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس الحديث وأجيب بأن المراد من شرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة قوم يكونون بموضع مخصوص وبموضع اخر تكون طائفة يقاتلون عن الحق وعند الطبراني من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله وأين هم قال ببيت المقدس والمراد بهم الذي يحصرهم الدجال إذا خرج فينزل عيسى إليهم فيقتل الدجال ويحتمل أن يكون ذلك عند خروج الدجال أو بعد موت عيسى عليه السلام بعد هبوب الريح التي تهب بعده فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وهناك يتحقق خلو الأرض عن مسلم فضلا عن هذه الطائفة الكريمة وهذا كما في الفتح أولى ما يتمسك به في الجمع بين الحديثين المذكورين انتهى (قال محمد بن إسماعيل) يعني الامام البخاري رحمه الله تعالى (قال علي بن المديني) هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استصغرت نفسي إلا عنده وقال فيه شيخه ابن عيينة كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلمه مني وقال النسائي كأن الله خلقه للحديث (هم أصحاب الحديث) وقال البخاري في صحيحه وهم أهل العلم وقال الحافظ في الفتح وأخرج الحاكم في علوم الحديث بسند صحيح عن أحمد إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم ومن طريق يزيد بن هارون مثله انتهى قال القاضي عياض إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث وقال النووي ويحتمل أن هذه الطائفة متفرقة بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وامرون بالمعروف ونهاهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض قوله (وفي الباب عن عبد الله بن حوالة وابن عمر وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو)
[ 361 ]
أما حديث عبد الله بن حوالة فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث ابن عمر وحديث زيد بن ثابت فأخرجهما الترمذي في باب فضل الشام واليمن من أبواب المناقب ولابن عمر حديث اخر يأتي في باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (أخبرنا بهز) بفتح موحدة وسكون هاء فزاي قال في التقريب بهز بن حكيم بن معاوية القشيري أبو عبد الملك صدوق من السادسة (عن أبيه) أي حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري قال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وذكره أبو الفضائل الصغاني فيمن اختلف في صحبته وهو وهم منه فإنه تابعي قطعا انتهى (عن جده) أي معاوية بن حيدة بفتح المهملتين بينهما تحتانية ساكنة ابن معاوية بن كعب القشيري صحابي نزل البصرة قوله (ونحا بيده) أي أشار بها (نحو الشام) أي إلى الشام قال في القاموس نحاه ينحوه وينحاه قصده كإنتحاه والنحو الطريق والجهة وروى أحمد هذا الحديث في مسنده بلفظ قلت يا رسول الله أين تأمرني خر لي فقال بيده نحو الشام وقال إنكم محشورون رجالا وركبانا وتجرون على وجوهكم ورواه الطبراني في الكبير بلفظ عليكم بالشام قال المناوي أي الزموا سكناه لكونها أرض المحشر والمنشر أو المراد اخر الزمان لأن جيوش المسلمين تنزوي إليها عند غلبة الفساد قال وإسناده ضعيف قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والطبراني كما عرفت 28 باب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض قوله (لا ترجعوا بعدي) أي لا تصيروا بعد موتي (كفارا) قال الطيبي أي مشبهين بهم في
[ 362 ]
الأعمال (يضرب بعضكم رقاب بعض) قال الحافظ بجزم يضرب على أنه جواب النهي وبرفعه على الاستئناف أو يجعل حالا انتهى وقال في المجمع أي لا تصيروا بعد موقفي هذا أي بعد موتي مستحلين القتال أولا لا تتشبهوا بالكفار في القتال انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وجرير وابن عمر وكرز بن علقمة وواثلة بن الأسقع والصنابحي) أما حديث جرير فأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث كرز بن علقمة وحديث الصنابحي فأخرجهما أحمد في مسنده وحديث الصنابحي أخرجه أيضا ابن ماجة وأما حديث ابن مسعود وحديث واثلة فلينظر من أخرجهما قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الفتن 29 باب ما جاء تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم قوله (حدثنا الليث) هو ابن سعد (عن عياش بن عباس) القتباني المصري ثقة من السادسة قوله (إنها ستكون فتنة) أي عظيمة (القاعد فيها) أي في تلك الفتنة (خير من القائم) لأنه يرى ويسمع ما لا يراه ولا يسمعه القاعد فيكون أقرب من عذاب تلك الفتنة بمشاهدته ما لا يشاهده القاعد ويمكن أن يكون المراد بالقاعد هو الثابت في مكانه غير متحرك لما يقع من الفتنة في زمانه والمراد بالقائم ما يكون فيه نوع باعث وداعية لكنه متردد في إثارة الفتنة (والقائم) في الفتنة أي من بعيد مشرف عليها أو القائم بمكانه في تلك الحالة (خير من الماشي) أي من الذاهب على رجله إليها (والماشي خير من الساعي) أي المسرع إليها ماشيا أو راكبا قال الحافظ قال بعض
[ 363 ]
الشراح في قوله والقاعد فيها خير من القائم أي القاعد في زمانها عنها قال المراد بالقائم الذي لا يستشرفها وبالماشي من يمشي في أسبابه لأمر سواها فربما يقع بسبب مشيه في أمر يكرهه وحكى ابن التين عن الداودي أن الظاهر أن المراد من يكون مباشرا لها في الأحوال كلها يعني أن بعضهم في ذلك أشد من بعض فأعلاهم في ذلك الساعي فيها بحيث يكون سببا ثارتها ثم من يكون قائما بأسبابها وهو الماشي ثم من يكون مباشرا لها وهو القائم ثم من يكون مع النظارة ولا يقاتل وهو القاعد ثم من يكون مجتنبا لها ولا يباشر ولا ينظر وهو المضطجع اليقظان ثم من لا يقع منه شئ من ذلك ولكنه راض وهو النائم والمراد بالأفضلية في هذه الخيرية من يكون أقل شرا ممن فوقه على التفصيل المذكور انتهى (قال) أي سعد (أفرأيت) أي فأخبرني (إن دخل علي) بتشديد الياء (وبسط يده) أي مدها (كن كابن ادم) المطلق ينصرف إلى الكامل وفيه إشارة لطيفة إي أن هابيل المقتول المظلوم هو ابن ادم لا قابيل القاتل الظالم كما قال تعالى في حق ولد نوح عليه الصلاة والسلام إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح كذا في المرقاة قال النووي هذا الحديث وما في معناه مما يحتج به من لا يرى القتال في الفتنة بكل حال وقد اختلف العلماء في قتال الفتنة فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله فلا يجوز له المدافعة عن نفسه لأن الطالب متأول وهذا مذهب أبي بكرة رضي الله عنه وغيره وقال ابن عمر وعمران بن الحصين رضي الله عنهم وغيرهما لا يدخل فيها لكن إن قصد الدفع عن نفسه فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن الاسلام وقال معظم الصحابة والتابعين وعامة علماء الاسلام يجب نصر المحق في الفتن والقيام معه بمقاتلة الباغين كما قال تعالى فقاتلوا التي تبغي الاية وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحد منهما ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطلل أهل البغي والمبطلون انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكرة وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى وخرشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد والشيخان وأما حديث خباب بن الأرت فأخرجه أحمد وأما حديث أبي بكرة فأخرجه مسلم وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث أبي واقد فلينظر من أخرجه وأما حديث أبو موسى فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وأما حديث خرشة فأخرجه أحمد وأبو يعلى
[ 364 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود في الفتن والحديث سكت عند هو والمنذري 30 باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم قوله (عن أبيه) أي عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحرقة ثقة من الثالثة قوله (بادروا) أي سابقوا وسارعوا (بالأعمال) أي بالاشتغال بالأعمال الصالحة (فتنا) أي وقوع فتن (كقطع الليل المظلم) بكسر القاف وفتح الطاء جمع قطعة وهي طائفة والمعنى كقطع من الليل المظلم لفرط سوادها وظلمتها وعدم تبين الصلاح والفساد فيها وحاصل المعنى تعجلوا بالأعمال الصالحة قبل مجئ الفتن المظلمة من القتل والنهب والاختلاف بين المسلمين في أمر الدنيا والدين فإنكم لا تطيقون الأعمال على وجه الكمال فيها والمراد من التشبيه بيان حال الفتن من حيث أنه بشيع فظيع ولا يعرف سببها ولا طريق الخلاص منها فالمبادرة المسارعة بإدراك الشئ قبل فواته أو بدفعه قبل وقوعه (يصبح الرجل مؤمنا) أي موصوفا بأصل الايمان أو بكماله (ويمسي كافرا) أي حقيقة أو كافرا للنعمة أو مشابها للكفرة أو عاملا عمل الكافر وقيل المعنى يصبح محرما ما حرمه الله ويمسي مستحلا إياه وبالعكس قلت وهذا المعنى الأخير اختاره الحسن البصري وقد ذكره الترمذي في هذا الباب (يبيع أحدهم دينه) أي بتركه (بعرض) بفتحتين أي بأخذ متاع دنئ وثمن ردئ قال الطيبي رحمه الله قوله يصبح استئناف بيان لحال المشبه وهو قوله فتنا وقوله يبيع إلخ بيان للبيان وقال المظهر فيه وجوه أحدها أن يكون بين طائفتين من المسلمين قتال لمجرد العصبية والغضب فيستحلون الدم والمال وثانيها أن يكون ولاة المسلمين ظلمة فيريقون دماء المسلمين ويأخذون
[ 365 ]
أموالهم بغير حق ويزنون ويشربون الخمر فيعتقد بعض الناس أنهم على الحق ويفتيهم بعض علماء السوء على جواز ما يفعلون من المحرمات من إراقة الدماء وأخذ الأموال ونحوها وثالثها ما يجري بين الناس مما يخالف الشرع في المعاملات والمبايعات وغيرها فيستحلونها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (حدثنا سويد بن نصر) بن سويد المروزي لقبه الشاة ثقة من العاشرة (عن هند بنت الحارث) الفراسية ويقال القرشية ثقة من الثالثة قوله (إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة) زاد البخاري في رواية فزعا (فقال سبحان الله) بالنصب بفعل لازم الحذف قاله تعجبا واستعظاما (ماذا) ما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم (أنزل) بصيغة المجهول وفي رواية للبخاري أنزل الله بإظهار الفاعل والمراد با نزال إعلام الملائكة بالأمر المقدور أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أوحى إليه في نومه ذاك بما سيقع بعده من الفتن فعبر عنه با نزال قاله الحافظ (الليلة من الفتنة ماذا أنزل من الخزائن) عبر عن الرحمة بالخزائن كقوله تعالى خزائن رحمة ربك وعن العذاب بالفتنة لأنها أسبابه قاله الكرماني (من يوقظ) استفهام أي هل أحد يوقظ قال الحافظ أراد بقوله من يوقظ بعض خدمه كما قال يوم الخندق من يأتيني بخبر القوم وأراد أصحابه لكن هناك عرف الذي انتدب كما تقدم وهنا لم يذكر (صواحب الحجرات) جمع حجرة قال في الصراح حجرة حظيرة شتروخانة خورد والجمع حجر مثل غرفة وغرف وحجرات بضم الجيم انتهى يعني صلى الله عليه وسلم بصواحب الحجرات أزواجه وإنما خصهن با يقاظ لأنهن الحاضرات أو من باب أبدأ بنفسك ثم بمن تعول (يا رب كاسية) قيل المنادى فيه محذوف والتقدير يا سامعين ورب للتكثير (عارية في الاخرة) قال عياض الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور برب وقال غيره الأولى الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي يتعلق به رب محذوف وقال السهيلي الأحسن الخفض على النعت لأن رب حرف جر يلزم صدر الكلام وهذا رأي سيبويه وعند الكسائي هو اسم مبتدأ والمرفوع خبره وإليه كان يذهب
[ 366 ]
بعض شيوخنا انتهى وأشار صلى الله عليه وسلم بذلك إلى موجب استيقاظ أزواجه أي ينبغي لهن أن لا يتغافلن عن العبادة ويعتمدن على كونهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ واختلف في المراد بقوله كاسية وعارية على أوجه أحدها كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الاخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا ثانيها كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الاخرة بالعري جزاء على ذلك ثالثها كاسية من نعم الله عارية من الشكل الذي تظهر ثمرته في الاخرة بالثواب رابعها كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الاخرة خامسها كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الاخرة من العمل فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى فلا أنساب بينهم ذكر هذا الأخير الطيبي ورجحه لمناسبة المقام واللفظة وإن وردت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن العبرة بعموم اللفظ قال ابن بطال في هذا الحديث إن المفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه وأن يبخل به فيمنع الحق أو يبطر فيسرف فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك وفي الحديث الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الاجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له انتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري قوله (عن سعد بن سنان) قال في التقريب سعد بن سنان ويقال سنان بن سعد الكندي المصري وصوب الثاني البخاري وابن يونس صدوق له أفراد من الخامسة قوله (تكون بين يدي الساعة) أي قدامها من أشراطها (فتن) أي فتن عظام ومحن جسام (كقطع الليل المظلم) بكسر القاف وفتح الطاء ويسكن أي كل فتنة كقطعة من الليل المظلم في شدتها وظلمتها وعدم تبين أمرها قال الطيبي يريد بذلك التباسها وفظاعتها ووشيوعها واستمرارها (يصبح الرجل فيها) أي في تلك الفتن والظاهر أن المراد بالإصباح والإمساء تقلب الناس فيها وقتا دون وقت لا بخصوص الزمانين فكأنه . كناية عن تردد أحوالهم وتذبذب
[ 367 ]
أقوالهم وتنوع أفعالهم من عهد ونقض وأمانة وخيانة ومعروف ومنكر وسنة وبدعة وإيمان وكفر (بعرض الدنيا) أي بقليل من حطامها والعرض ما عرض لك من منافع الدنيا قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وجندب والنعمان بن بشير وأبي موسى) أما حديث أبي هريرة فلعل الترمذي أشار إلى حديث له اخر غير الحديث المذكور وأما حديث جندب فلينظر من أخرجه وأما حديث النعمان بن يشير فأخرجه أحمد وأما حديث أبي موسى فتقدم تخريجه في الباب المتقدم قوله (هذا حديث غريب) لم يحسنه الترمذي والظاهر أنه حسن والله تعالى أعلم والحديث أخرجه أيضا أحمد قوله (عن هشام) هو ابن حسان (عن الحسن) هو الحسن البصري قوله (ورجل يسأله) جملة حالية وفي رواية مسلم عن وائل بن حجر قال سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله أرأيت الخ (يمنعونا) بتشديد النون صفة أمراء (حقنا) أي من العدل وإعطاء الغنيمة (ويسألونا) أي يطلبوننا (حقهم) من الطاعة والخدمة (اسمعوا) أي ظاهرا (وأطيعوا) أي باطنا أو اسمعوا قولا وأطيعوا فعلا (فإنما عليهم ما حملوا) بتشديد الميم أي ما كلفوا من العدل وإعطاء حق الرعية (وعليكم ما حملتم) وفي بعض النسخ
[ 368 ]
وإنما عليكم ما حملتم أي من الطاعة والصبر على البلية وكأن الحديث مقتبس من قوله تعالى قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين وحاصله أنه يجب على كل أحد ما كلف به ولم يتعد حده قال الطيبي قدم الجار والمجرور على عامله للاختصاص أي ليس على الأمراء إلا ما حمله الله وكلفه عليهم من العدل والتسوية فإذا لم يقيموا بذلك فعليهم الوزر والوبال وأما أنتم فعليكم ما كلفتم به من السمع والطاعة وأداء الحقوق فإذا قمتم بما عليكم فالله تعالى يتفضل عليكم ويثيبكم به قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم 31 باب ما جاء في الهرج بفتح الهاء وسكون الراء قال في النهاية الهرج القتال والاختلاط وقد هرج الناس يهرجون هرجا إذا اختلفوا وأصل الهرج الكثرة في الشئ والاتساع وفي القاموس هرج الناس يهرجون وقعوا في فتنة واختلاط وقتل انتهى قوله (عن شقيق) هو ابن سلمة الأسدي أبو وائل الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز قوله (إن من ورائكم أياما) وفي رواية البخاري في الفتن إن بين يدي الساعة أياما (يرفع فيها العلم) زاد البخاري وينزل فيها الجهل قال الحافظ معناه أن العلم يرتفع بموت العلماء فكلما مات عالم ينقص العلم بالنسبة إلى فقد حامله وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء (ويكثر فيها الهرج قالوا يا رسول الله ما الهرج قال القتل) قال الحافظ وجاء تفسير أيام الهرج فيما أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد أن رجلا قال له يا أبا سليمان اتق الله فإن الفتن قد ظهرت فقال أما وابن الخطاب حي
[ 369 ]
فلا إنما تكون بعده فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد فتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وخالد بن الوليد ومعقل بن يسار) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري في الأدب وفي الفتن ومسلم في العلم وأبو داود وابن ماجة في الفتن وأما حديث خالد بن الوليد فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير وأما حديث معقل بن يسار فأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري في الفتن ومسلم في العلم وابن ماجة في الفتن قوله (عن المعلى بن زياد) القردوسي بضم القاف أبي الحسن البصري صدوق قليل الحديث زاهد اختلف قول ابن معين فيه من السابعة (فرده) وفي بعض النسخ رده بغير الفاء أي رفعه (إلى معقل بن يسار) المزني صحابي ممن بايع الشجرة وكنيته أبو علي على المشهور وهو الذي ينسب إليه نهر معقل بالبصرة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب هو الذي فجر نهر معقل بالبصرة انتهى قوله (العبادة في الهرج) أي الفتنة واختلاط أمور الناس (كهجرة إلي) قال النووي وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد انتهى قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجة
[ 370 ]
باب ما جاء في اتخاذ السيف من خشب باب كناية عن ترك القتال قوله (عن أبي أسماء) هو الرحبي قوله (إذا وضع) بالبناء للمفعول (السيف) أي المقاتلة به والمراد وقع القتال بسيف أو غيره كرمح ونار ومنجنيق وخص السيف بغلبة القتال به (في أمتي) أمة الاجابة (لم يرفع عنها إلى يوم القيامة) أي يبقى إلى يوم القيامة إن لم يكن في بلد يكون في اخر قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أبو داود مطولا 33 باب ما جاء في اتخاذ السيف من خشب قوله (عن عبد الله بن عبيد) الحميري البصري المؤذن ثقة من السابعة (عن عديسة) بضم العين وفتح الدال المهملتين مصغرا (بنت أهبان) بضم الهمزة وسكون الهاء (بن صيفي) بفتح الصاد المهملة وتحتانية ساكنة وفاء (الغفاري) بمكسورة وخفة فاء قال في التقريب هي مقبولة من الثالثة (إلى أبي) أي أهبان وهو صحابي يكني أبا مسلم مات بالبصرة (فدعاه إلى الخروج معه) أي للقتال (إن خليلي وابن عمك) يعني النبي صلى الله عليه وسلم (عهد إلي) أي أوصاني قال في القاموس عهد إليه أوصاه (أن أتخذ) مفعول لقوله عهد (سيفا من خشب) المراد باتخاذ السيف من الخشب الامتناع عن القتال قوله (وفي الباب عن محمد بن مسلمة) أخرجه أحمد في مسنده ص 522 ج 4 قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد في مسنده ص 96 ج 5 قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الامام الدارمي (اخبرنا سهل بن حماد) أبو
[ 371 ]
عتاب الدلال البصري صدوق من التاسعة (أخبرنا همام) بن يحيى بن دينار العوذي أبو عبد الله ويقال أبو بكر البصري ثقة ربما وهم من السابعة (عن عبد الرحمن بن ثروان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة كنيته أبو قيس الأودي الكوفي صدوق ربما خالف من السادسة قوله (وقال في الفتنة) أي في أيامها وزمنها وهو ظرف لقوله (كسروا فيها قسيكم) بكسرتين وتشديد التحتية جمع القوس وفي العدول عن الكسر إلى التكسير مبالغة لأن باب التفعيل للتكثير وكذا قوله (وقطعوا) أمر من التقطيع (فيها أوتاركم) جمع الوتر بفتحتين وهي بالفارسية زه يعني جله كمان وفيه زيادة من المبالغة إذ لا منفعة لوجود الأوتار مع كسر القسي أو المراد به أنه لا ينتفع بها الغير ولا يستعملها في دون الخير (والزموا فيها أجواف بيوتكم) أي كونوا ملازميها لئلا تقعوا في الفتنة والمحاربين فيها (وكونوا كابن ادم) وهو هابيل حين استسلم للقتل وقال لأخيه قابيل لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك الاية قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة 34 باب ما جاء في أشراط الساعة أي علاماتها ففي النهاية الأشراط العلامات واحدتها شرط بالتحريك وبه سميت شرط السلطان لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها هكذا قال أبو عبيد انتهى قوله (لا يحدثكم أحد بعدي أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ عرف أنس أنه لم
[ 372 ]
يبق أحد ممن سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره لأنه كان اخر من مات بالبصرة من الصحابة فلعل الخطاب بذلك كان لأهل البصرة أو كان عاما وكان تحديثه بذلك في اخر عمره لأنه لم يبق بعده من الصحابة من ثبت سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم إلا النادر ممن لم يكن هذا المتن من مرويه انتهى (أن يرفع العلم) هو في محل النصب لأنه اسم أن والمراد برفعه موت حملته وفي رواية للبخاري أن يقل العلم قال الحافظ يحتمل أن يكون بقلته أول العلامة وبرفعه اخرها أو أطلقت القلة وأريد بها العدم كما يطلق العدم ويرادبه القلة وهذا أليق لاتحاد المخرج انتهى (ويفشو الزنا) بالقصر على لغة أهل الحجاز وبها جاء التنزيل وبالمد لأهل نجد والنسبة إلى الأول زنوي وإلى الاخر زناوي (يشرب الخمر) بضم أوله وفتح الموحدة على العطف والمراد كثرة ذلك واشتهاره (ويكثر النساء) قيل سببه أن الفتن تكثر فيكثر القتل في الرجال لأنهم أهل الحرب دون النساء وقال ابن عبد الملك هو إشارة إلى كثرة الفتوح فتكثر السبايا فيتخذ الرجل الواحد عدة موطوءات قال الحافظ فيه نظر لأنه صرح بالعلة في حديث أبي موسى الاتي يعني في الزكاة عند البخاري فقال من قلة الرجال وكثرة النساء والظاهر أنها علامة محضة لا بسبب اخر بل يقدر الله في اخر الزمان أن يقل من يولد من الذكور ويكثر من يولد من الاناث وكون كثرة النساء من العلامات مناسب لظهور الجهل ورفع العلم انتهى (ويقل) بكسر القاف من القلة (لخمسين) يحتمل أن يراد به حقيقة هذا العدد أو يكون مجازا عن الكثرة ويؤيده أن في حديث أبي موسى ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة (قيم واحد) بالرفع صفة لقيم أي من يقوم بأمرهن واللام للعهد إشعارا بما هو معهود من كون الرجال قوامين على النساء وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر لكونها مشعرة باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاح المعاش والمعاد وهي الدين لأن رفع العلم يخل به والعقل لأن شرب الخمر يخل به والنسب لأن الزنا يخل به والنفس والمال لأن كثرة الفتن تخل بهما قال الكرماني وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنا بخراب العالم لأن الخلق لا يتركون هملا ولا نبي بعد نبينا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فيتعين ذلك
[ 373 ]
قوله (وفي الباب عن أبي موسى وأبي هريرة) أما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والشيخان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة قوله (عن الزبير بن عدي) الهمداني اليامي بالتحتانية كنيته أبو عدى الكوفي ولي قضاء الري ثقة من الخامسة وقال في الفتح وهو من صغار التابعين وليس له في البخاري سوى هذا الحديث يعني حديث الباب 35 باب منه قوله (من الحجاج) أي ابن يوسف الثقفي الأمير المشهور والمراد شكواهم ما يلقون من ظلمه لهم وتعديه قد ذكر الزبير في الموفقيات من طريق مجالد عن الشعبي قال كان عمر فمي بعده إذا أخذوا العاصي أقاموه للناس ونزعوا عمامته فلما كان زياد ضرب في الجنايات بالسياط ثم زاد مصعب بن الزبير حلق اللحية فلما كان بشر بن مروان سمر كف الجاني بمسمار فلما قدم الحجاج قال هذا كله لعب فقتل بالسيف كذا في الفتح (فقال ما من عام إلا والذي بعده شر منه) وفي رواية للبخاري فقال اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه (حتى تلقوا ربكم) أي حتى تموتوا وقد ثبت في صحيح مسلم في حديث اخر واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال هذا الخبر من أعلام النبوة لأخباره صلى الله عليه وسلم بفساد الأحوال وذلك من الغيب الذي لا يعلم بالرأي وإنما يعلم بالوحي انتهى وقد استشكل هذا الاطلاق مع أن بعض الأزمنة تكون في الشر دون التي قبلها ولو لم يكن في ذلك إلا زمن عمر بن عبد العزيز وهو بعد زمن الحجاج بيسير وقد اشتهر الخير الذي كان في زمن عمر بن عبد العزيز بل لو قيل إن شر اضمحل في زمانه لما كان بعيدا فضلا عن أن يكون شرا من الزمن الذي قبله وقد حمله الحسن البصري على الأكثر الأغلب فسئل عن وجود عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج فقال لا بد للناس من تنفيس وأجاب بعضهم أن المراد بالتفضيل تفضيل مجموع العصر على مجموع العصر فإن عصر الحجاج كان فيه كثير من الصحابة في الأحياء وفي
[ 374 ]
عصر عمر بن عبد العزيز اتفرضوا والزمان الذي فيه الصحابة خير من الزمان الذي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم خير القرون قرني وهو في الصحيحين قال الحافظ ثم وجد ت عن عبد الله بن مسعود التصريح بالمراد وهو أولى بالاتباع فأخرج يعقوب بن شيبة من طريق الحارث بن حصيرة عن زيد بن وهب قال سمعت عبد الله بن مسعود يقول لا يأتي عليكم يوم إلا وهو شر من اليوم الذي كان قبله حتى تقوم الساعة لست أعني رخاء من العيش يصيبه ولا مالا يفيده ولكن لا يأتي عليكم يوم إلا وهو أقل علما من اليوم الذي مضى قبله فإذا ذهب العلماء استوى الناس فلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر فعند ذلك يهلكون ومن طريق الشعبي عن مسروق عنه قال لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر مما كان قبله أما أني لا أعني أميرا خيرا من أمير ولا عاما خيرا من عام ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاء ويجئ قوم يفتون برأيهم وفي لفظ عنه من هذا الوجه وما ذاك بكثرة الأمطار وقلتها ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الاسلام ويهدمونه واستشكلوا أيضا زمان عيسى بن مريم بعد زمان الدجال وأجاب الكرماني بأن المراد الزمان الذي يكون بعد عيسى والمراد جنس الزمان الذي فيه الأمراء وإلا فمعلوم من الدين بالضرورة أن زمان النبي المعصوم لا شر فيه قال الحافظ ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة ما قبل وجود العلامات العظام كالدجال وما بعده ويكون المراد با لأزمنة المتفاضلة في الشر من زمن الحجاج فما بعده إلى زمن الدجال وأما زمن عيسى عليه السلام فله حكم مستأنف ويحتمل أن يكون المراد بالأزمنة المذكورة أزمنة الصحابة بناء على أنهم هم المخاطبون بذلك فيختص بهم فأما من بعدهم فلم يقصد في الخبر المذكور لكن الصحابي فهم التعميم فلذلك أجاب من شكا إليه الحجاج بذلك وأمرهم بالصبر أو جلهم من التابعين انتهى ما في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري في الفتن قوله (حدثنا ابن أبي عدي) اسمه محمد بن إبراهيم بن أبي عدي ويقال إن كنيته إبراهيم أبو عدي السلمى مولاهم القسمي أنزل فيهم أبو عمرو البصري ثقة من التاسعة قوله (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله) بالرفع فيهما وكرر للتأكيد قال
[ 375 ]
النووي معنى الحديث أن القيامة إنما تقوم على شرار الخلق كما جاء في الرواية الأخرى يعني حديث عبد الله بن مسعود عند مسلم وتأتي الريح من قبل اليمن فتقبض أرواح المؤمنين عند قرب الساعة انتهى وقال الطيبي معنى حتى لا يقال حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) لأن خالد بن الحارث أوثق من ابن أبي عدي قوله (عن عمر وبن أبي عمرو) اسمه ميسرة مولى المطلب المدني أبو عثمان ثقة ربما وهم من الخامسة قوله (حتى يكون أسعد الناس) بنصب أسعد ويرفع أي أكثرهم مالا وأطيبهم عيشا وأرفعهم منصبا وأنفذهم حكما (بالدنيا) أي بأمورها أو فيها (لكع بن لكع) بضم اللام وفتح الكاف غير مصروف أي لئيم بن لئيم أي ردئ النسب دنئ الحسب وقيل أراد به من لا يعرف له أصل ولا يحمد له خلق قاله القاري وقال في النهاية اللكع عند العرب العبد ثم استعمل في الحمق والذم يقال للرجل لكع وللمرأة لكاع وقد لكع الرجل يلكع لكعا فهو ألكع وأكثر ما يقع في النداء وهو اللئيم وقيل الوسخ وقد يطلق على الصغير ومنه الحديث إنه عليه السلام جاء يطلب الحسن بن علي قال أثم لكع فإن أطلق على الكبير أريد به الصغير العلم والعقل ومنه حديث الحسن قال لرجل يالكع يريد يا صغيرا في العلم والعقل انتهى وحذف ألف ابن جراء اللفظين مجرى علمين لشخصين خسيسين لئيمين قال ابن الملك رحمه الله في بعض النسخ يعني من المشكاة بنصب أسعد على أنه خبر يكون وفي بعضها برفعه على أن الضمير في يكون للشأن والجملة بعده تفسير للضمير المذكور انتهى ولا يجوز أن يكون أسعد اسما ولكع بنصب على الخبرية لفساد المعنى كما لا يخفى
[ 376 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة والضياء المقدسي قوله تقئ الأرض مضارع من القئ أي تلقي الأرض أفلاذ كبدها قال القاري بفتح الهمزة جمع الفلذة وهي القطعة المقطوعة طولا وسمي ما في الأرض كبدا تشبيها بالكبد التي في بطن البعير لأنها أحب ما هو مخبأ فيها كما أن الكبد أطيب ما في بطن الجزور وأحبه الى العرب وإنما قلنا في بطن البعير لأن ابن الأعرابي قال الفلذة لا تكون إلا للبعير فالمعنى تظهر كنوزها وتخرجها من بطونها إلى ظهروها انتهى أمثال الأسطوان بضم الهمزة والطاء قوله من الذهب والفضة لبيان مجمل الحال قال القاضي رحمه الله معناه أن الأرض تلقي من بطنها ما فيه من الكنوز وقيل ما وسخ من العروق المعدنية ويدل عليه قوله أمثال الأسطوانة وشبهها بأفلاذ الكبد هيئة وشكلا فإنها قطع الكبد المقطوعة طولا قطعت يدي بصيغة المجهول ويجئ القاتل أي قاتل النفس في هذا أي في طلب هذا الغرض لأجل تحصيل هذا المقصود قتلت أي من قتلت من الأنفس ويجئ القاطع أي قاطع الرحم ثم يدعونه بفتح الدال أي يتركون ما قاءته الأرض من الكنز أو المعدن قوله هذا حديث حسن غريب وأخرجه مسلم 36 باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف قوله (حدثنا الفرج بن فضالة أبو فضالة الشامي) التنوخي ضعيف من الثامنة (عن
[ 377 ]
محمد بن عمر بن علي) قال في التقريب محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب صدوق من السادسة وروايته عن جده مرسلة قوله (خصلة) بالفتح أي خلة (حل) أي نزل أو وجب (إذا كان المغنم) أي الغنيمة (دولا) بكسر الدال وفتح الواو ويضم أوله جمع دولة بالضم والفتح وهو ما يتداول من المال فيكون لقوم دون قوم قال التوربشتي أي إذا كان الأغنياء وأصحاب المناصب يستأثرون بحقوق الفقراء أو يكون المراد منه أن أموال الفق ء تؤخذ غلبة وأثرة صنيع أهل الجاهلية وذوي العدوان (والأمانة مغنما) أي بأن يذهب الناس بودائع بعضهم وأماناتهم فيتخذونها كالمغانم يغنمونها (والزكاة مغرما) أي بأن يشق عليهم أداؤها بحيث يعدون إخراجها غرامة (وأطاع الرجل زوجته) أي فيما تأمره وتهواه مخالفا لأمر الله (وعق أمه) أي خالفها فيما تأمره وتنهاه (وبر صديقه) أي احسن إليه وأدناه وحباه (وجفا أباه) أي أبعده وأقصاه وفي حديث أبي هريرة الاتي وأدنى صديقه وأقصى أباه قال ابن الملك خص عقوق الأم بالذكر وإن كان عقوق كل واحد من الأبوين معدودا من الكبائر لتأكد حقها أو لكون قوله وأقصى أباه بمنزلة وعق أباه فيكون عقوقهما مذكورا (وارتفعت الأصوات) أي علت أصوات الناس (في المساجد) بنحو الخصومات والمبايعات واللهو واللعب قال القاري وهذا مما كثر في هذا الزمان و قد نص بعض علمائنا يعني العلماء الحنفية بأن رفع الصوت في المسجد ولو بالذكر حرام انتهى (وكان زعيم القوم) أي المتكفل بأمرهم قال في القاموس الزعيم الكفيل وسيد القوم ورئيسهم والمتكلم عنهم انتهى (أرذلهم) في القاموس الرذال والرذل والرذيل والأرذل الدون الخسيس أو الردئ من كل شئ (وأكرم الرجل) بالبناء للمفعول أي عظم الناس الانسان (مخافة شره) أي خشية من تعدي شره إليهم (وشربت) بصيغة المجهول (الخمور) جميعها لاختلاف أنواعها إذ كل مسكر خمر أي أكثر الناس من شربها أو تجاهروا به (ولبس الحرير) أي لبسه الرجال بلا ضرورة (واتخذت القيان) أي الاماء المغنيات جمع القينة (المعازف) بفتح الميم وكسر الزاي وهي الدفوف وغيرها مما يضرب كذا
[ 378 ]
في النهاية وقال في القاموس المعازف الملاهي كالعود والطنبور الواحد عزف أو معزف كمنبر ومكنسة انتهى (ولعن اخر هذه الأمة أولها) أي اشتغل الخلف بالطعن في السلف الصالحين والأئمة المهديين قال الطيبي أي طعن الخلف في السلف وذكروهم بالسوء ولم يقتدوا بهم في الأعمال الصالحة فكأنه لعنهم قال القاري إذا كانت الحقيقة متحققة فما المحوج إلى العدول عنها إلى المعنى المجازي وقد كثرت كثرة لا تخفى في العالم قال وقد ظهرت طائفة لاعنة ملعونة إما كافرة أو مجنونة حيث لم يكتفوا باللعن والطعن في حقهم بل نسبوهم إلى الكفر بمجرد أوهامهم الفاسدة وأفهامهم الكاسدة من أن أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم أخذوا الخلافة وهي حق علي بغير حق والحال أن هذا باطل با جماع سلفا وخلفا ولا اعتبار بإنكار المنكرين وأي دليل لهم من الكتاب والسنة يكون نصا على خلافة علي انتهى (فلير تقبوا) جواب إذا أي فلينتظروا (عند ذلك) أي عند وجود ما ذكر (ريحا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء (وخسفا) أي ذهابا في الأرض وغورا بهم فيها (أو مسخا) أي قلب خلقة من صورة إلى أخرى قوله (وقد تكلم فيه بعض أهل الحديث و ضعفه من قبل حفظه) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته قال أبو داود عن أحمد إذا حدث عن شاميين فليس به بأس ولكنه حدث عن يحيى بن سعيد مناكير وقال أيضا عنه يحدث عن ثقات أحاديث مناكير انتهى قلت وفي الحديث انقطاع لأن رواية محمد بن عمر بن علي عن جده علي مرسلة كما عرفت قوله (حدثنا محمد بن يزيد) الكلاعي مولى خولان الواسطي ثقة ثبت عابد من كبار التاسعة (عن المستلم بن سعيد) الثقفي الواسطي صدوق عابد ربما وهم من التاسعة (عن رميح) بضم الراء المهملة اخره حاء مهملة مصغرا (الجذامي) بضم الجيم نسبة إلى جذام قبيلة من اليمن كذا في لب اللباب وفي الخلاصة الحزامي بكسر المهملة الحافظ في تهذيب التهذيب
[ 379 ]
روى عن أبي هريرة حديث إذا اتخذ الفئ دولا وعنه مستلم بن سعيد أخرجه الترمذي واستغربه قال وقال ابن القطان رميح لا يعرف انتهى وقال في التقريب مجهول قوله (إذ اتخذ) بصيغة المجهول أي إذا أخذ (الفئ) أي الغنيمة (وتعلم) بصيغة المجهول من باب التفعل (لغير الدين) أي يتعلمون العلم لطلب المال والجاه لا للدين ونشر الأحكام بين المسلمين ظهار دين الله (وأدنى صديقه) أي قربه إلى نفسه للمؤانسة والمجالسة (وأقصى أباه) أي أبعده ولم يستصحبه ولم يستأنس به (وظهرت الأصوات) أي ارتفعت (وساد القبيلة) وفي معناه البلد والمحلة أي صار سيدهم (وظهرت القينات) بفتح القاف وسكون التحتية أي الاماء المغنيات (وزلزلة) أي حركة عظيمة للأرض (وقذفا) أي رمي حجارة من السماء (وايات) أي علامات أخر لدنو القيامة وقرب الساعة (تتابع) بحذف إحدى التائين أي يتبع بعضها بعضا (كنظام) بكسر النون أي عقد من نحو جوهر وخرز (بال) أي خلق (قطع سلكه) بكسر السين أي انقطع خيطه (فتتابع) أي ما فيه من الخرز وهو فعل ماض بخلاف الماضي فإنه حال أو استقبال قوله (هذا حديث غريب) وفي سنده رميح الجذامي وهو مجهول كما عرفت وروى أحمد والحاكم عن ابن عمر مرفوعا الايات خرزات منظومات في سلك فانقطع السلك فيتبع بعضها بعضا قوله (حدثنا عبد الله بن عبد القدوس) التميمي السعدي الكوفي صدوق رمي بالرفض وكان أيضا يخطئ من التاسعة
[ 380 ]
قوله (في هذه الأمة) أي يكون في هذه الأمة قوله (وهذا حديث غريب) ذكره المنذري في الترغيب وسكت عنه قوله (عن عبد الرحمن بن سابط) قال في التقريب ويقال ابن عبد الله بن سابط وهو الصحيح ويقال ابن عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي المكي ثقة كثير الارسال من الثالثة 37 باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم بعثت أنا والساعة كهاتين يعني السبابة والوسطى قوله (حدثنا محمد بن عمر بن هياج الأسدي الكوفي) صدوق من الحادية عشرة أخبرنا (حدثنا يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي) الكوفي صدوق ربما أخطأ من التاسعة (أخبرنا عبيدة بن الأسود) بن سعيد الهمداني الكوفي صدوق ربما دلس من الثامنة قوله (بعثت أنا في نفس الساعة) بفتح النون والفاء لا غير أراد به قربها أي حين تنفست تنفسها ظهور أشراطها ومنه قوله تعالى والصبح إذا تنفس أي ظهرت اثار طلوعه وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أول أشراطها هذا معنى كلام التوربشتي كذا في المرقاة وكذا قال غيره (فسبقتها) أي الساعة في الوجود (كما سبقت هذه) أي السبابة (هذه) أي الوسطى أي وجود أو حسابا با عتبار الابتداء من جانب الابهام وعدل عن الابهام لطول الفصل بينه والمسبحة (لأصبعيه السبابة والوسطى) في المشكاة وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى
[ 381 ]
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الطبري قوله (بعثت أنا والساعة) قال أبو البقاء العكبري في إعراب المسند الساعة بالنصب والواو فيه بمعنى مع قال ولو قرئ بالرفع لفسد المعنى لأنه لا يقال بعثت الساعة ولا هو في موضع المرفوع لأنها لم توجد بعد وأجاز غيره الوجهين بل جزم عياض بأن الرفع أحسن وهو عطف على ضمير المجهول في بعثت قال ويجوز النصب وذكر نحو توجيه أبي البقاء وزاد أو على ضمير يدل عليه الحال نحو فانتظروا كما قدر في نحو جاء البرد والطيالسة فاستعدوا قال الحافظ والجواب عن الذي اعتل به أبو البقاء أولا أن يضمن بعثت معنى يجمع إرسال الرسول ومجئ الساعة نحو جئت وعن الثاني بأنها نزلت منزلة الموجود مبالغة في تحقق مجيئها انتهى (كهاتين) قال عياض أشار بهذا الحديث إلى قلة المدة بينه وبين الساعة والتفاوت إما في المجاورة وإما في قدر ما بينهما ويعضده قوله كفضل إحداهما على الأخرى وقال بعضهم هذا الذي يتجه أن يقال ولو كان المراد الأول لقامت الساعة لاتصال إحدى الأصبعين بالأخرى قال ابن التين اختلف في معنى قوله كهاتين فقيل كما بين السبابة والوسطى في الطول وقيل المعنى ليس بينه وبينها نبي وقال القرطبي في المفهم حاصل الحديث تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها قال وعلى رواية النصب يكون التشبيه وقع بالانضمام وعلى الرفع وقع بالتفاوت وقال البيضاوي معناه أن نسبة تقدم البعثة النبوية على قيام الساعة كنسبة فضل إحدى الأصبعين على الأخرى وقيل المراد استمرار دعوته لا تفترق إحداهما عن الأخرى كما أن الأصبعين لا تفترق إحداهما عن الأخرى ورجح الطيبي قول البيضاوي وقال القرطبي في التذكرة معنى هذا الحديث تقريب أمر الساعة ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الاخر ما المسؤول عنها بأعلم من السائل فإن المراد بحديث الباب أنه ليس بينه وبين الساعة نبي كما ليس بين السبابة والوسطى أصبع أخرى ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه لكن سياقه يفيد قربها وأن أشراطها متتابعة كما قال تعالى فقد جاء أشراطها قال الضحاك أول أشراطها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم والحكمة في تقدم الأشراط إيقاظ الغافلين وحثهم على التوبة والاستعداد كذا في الفتح (فما فضل إحداهما على الأخرى) أي في الطول والمعنى ليس بينهما إلا فضل يسير وزاد مسلم بعد رواية هذا الحديث قال شعبة وسمعت قتادة يقول في قصصه كفضل
[ 382 ]
إحديهما على الأخرى فلا أدري أذكره عن أنس أو قاله قتادة قال الحافظ وجدت هذه الزيادة مرفوعة في حديث أبي جبيرة ابن الضحاك عن الطبري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان 38 باب ما جاء في قتال الترك اختلف في أصل الترك فقال الخطابي هم بنو قنطوراء أمة كانت براهيم عليه السلام وقال كراع هم الديلم وتعقب بأنهم جنس من الترك وكذلك الغز وقال أبو عمر وهم من أولاد يافث وهم أجناس كثيرة وقال وهب بن منبه هم بنو عم يأجوج ومأجوج لما بنى ذو القرنين السد كان بعض يأجوج ومأجوج غائبين فتركوا لم يدخلوا مع قومهم و فسموا الترك وقيل إنهم من نسل تبع وقيل من ولد أفريدون بن سام بن نوح وقيل ابن يافث لصلبه وقيل ابن كومي بن يافث كذا في الفتح قوله (وعبد الجبار بن العلاء) بن عبد الجبار العطار البصري أبو بكر نزيل مكة لا بأس به من صغار العاشرة قوله (حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر) بفتحتين وسكون قيل المراد به طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال وقيل المراد أن فعالهم من الشعر بأن يجعلوا نعالهم من شعر مضفور ووقع في رواية مسلم من طريق سهيل عن أبيه عن أبي هريرة لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك قوما كأن وجوههم المجان المطرقة يلبسون الشعر ويمشون في الشعر وزعم ابن دحية أن المراد به القند س الذي يلبسونه في الشرابيش قال وهو جلد كلب الماء ذكره الحافظ قلت والظاهر هو القول الثاني يدل على ذلك رواية مسلم المذكورة (كأن وجوههم المجان) بفتح الميم وتشديد النون جمع المجن بكسر الميم وهو الترس (المطرقة) بضم الميم وفتح
[ 383 ]
الراء المخففة المجلدة طبقا فوق طبق وقيل هي ألبست طراقا أي جلدا يغشاها شبه وجوههم بالترسة لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق وبريدة وأبي سعيد وعمرو بن تغلب ومعاوية) أما حديث أبي بكر فأخرجه الترمذي في باب من أين يخرج الدجال وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عمرو بن تغلب فأخرجه البخاري وابن ماجة وأما حديث معاوية فأخرجه أبو يعلى ذكر الحافظ لفظه في الفتح في علامات النبوة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 39 باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده بكسر الكاف ويجوز الفتح وهو لقب لكل من ولي مملكة الفرس قال ابن الأعرابي الكسر أفصح في كسرى وكان أبو حاتم يختاره وأنكر الزجاج الكسر على ثعلب واحتج بأن النسبة إليه كسروي بالفتح ورد عليه ابن فارس بأن النسبة قد يفتح فيها ما هو في الأصل مكسور أو مضموم كما قالوا في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها وفي سلمة كذلك فليس فيه حجة على تخطئة الكسر (وإذا هلك قيصر) لقب لكل من ولي مملكة الروم (فلا قيصر بعده) قال الحافظ في شرح هذا الحديث قد استشكل هذا مع بقاء مملكة الفرس لأن اخرهم قتل في زمان عثمان واستشكل أيضا مع بقاء مملكة الروم وأجيب عن ذلك بأن المراد لا يبقى كسرى بالعراق ولا قيصر بالشام وهذا منقول عن الشافعي قال وسبب الحديث أن قريشا كانوا يأتون الشام والعراق تجارا فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الاسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لهم تطييبا لقلوبهم وتبشيرا لهم بأن ملكهما سيزول عن الاقليمين المذكورين وقيل الحكمة في أن قيصر بقي ملكه وإنما ارتفع من الشام وما والاها وكسرى ذهب ملكه أصلا ورأسا أن قيصر لما
[ 384 ]
جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم قبله وكاد أن يسلم وكسرى لما أتاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم مزقه فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يمزق ملكه كل ممزق فكان كذلك قال الخطاب معناه فلا قيصر بعده يملك مثل ما يملك وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به ولا يملك على الروم أحد إلا كان قد دخله إما سرا وإما جهرا فانجلى عنها قيصر واستفتحت خزائنه ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 40 باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز قوله (حدثنا حسين بن محمد البغدادي) قال في التقريب الحسين بن محمد ابن بهرام التميمي أبو أحمد وأبو علي المروذي بتشديد الواو وبذا ل معجمة نزيل بغداد ثقة من التاسعة قوله (حدثنا شيبان) بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري نزيل الكوفة ثقة صاحب كتاب يقال إنه منسوب إلى نحوة بطن من الأزد لا إلى علم النحو من السابعة قوله (ستخرج نار) يحتمل أن يكون حقيقة وهو الظاهر على ما ذكره الجزري ويحتمل أن يراد بها الفتنة (من حضرموت) بفتح فسكون ففتحتين فسكون ففتح ففي القاموس حضرموت بضم الميم بلد وقبيلة ويقال هذا حضرموت ويضاف فيقال حضرموت بضم الراء وإن شئت لاتنون الثاني (تحشر الناس) أي تجمعهم النار وتسوقهم على ما في النهاية (فما تأمرنا) أي في ذلك الوقت (فقال عليكم بالشام) أي خذوا طريقها والزموا فريقها فإنها سالمة من وصول النار الحسية أو الحكمية إليها حينئذ لحفظ ملائكة الرحمة إياها والحديث بظاهره لا يطابق الباب فتفكر وتأمل
[ 385 ]
قوله (وفي الباب عن حذيفة بن أسيد وأنس وأبي هريرة وأبي ذر) أما حديث حذيفة ابن أسيد فأخرجه الترمذي في باب الخسف وأما حديث أنس فأخرجه البخاري عنه مرفوعا أول أشراط الساعة نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنه مرفوعا لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضئ أعناق الابل ببصري وأما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد في مسنده قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد 41 باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون قوله (لا تقوم الساعة حتى ينبعث) أي يخرج وفي رواية البخاري حتى يبعث قال الحافظ بضم أوله أي يخرج وليس المراد بالبعث بمعنى الارسال المقارن للنبوة بل هو كقوله تعالى إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين (كذابون دجالون) وفي رواية البخاري دجالون كذابون قال الحافظ الدجل التغطية والتمويه ويطلق على الكذب أيضا فعلى هذا فقوله كذابون تأكيد (قريب من ثلاثين) مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي عددهم قريب وقد وقع في حديث ثوبان الاتي بعد هذا وكذا في حديث جابر بن سمرة عند مسلم وكذا في أحاديث أخرى بالجزم أنهم ثلاثون ووقع في حديث حذيفة عند أحمد بسند جيد سيكون في أمتي كذابون دجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة وإني خاتم النبيين لانبي بعدي وهذا يدل على أن رواية الثلاثين بالجزم على طريق جبر الكسر ويؤيده قوله في حديث الباب قريب من ثلاثين ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند الطبراني لا تقوم الساعة حتى يخرج سبعون كذابا وسنده ضعيف وعند أبي يعلي من حديث أنس نحوه وسنده ضعيف أيضا وهو محمول إن ثبت على المبالغة في الكثرة لا على التحديد وليس المراد بالحديث من ادعى النبوة مطلقا فإنهم لا يحصون كثرة لكون غالبهم ينشأ لهم ذلك عن جنون أو سوداء وإنما المراد من قامت له شوكة وبدت له شبهة هذا تلخيص
[ 386 ]
كلام الحافظ وقد ذكر هنا عدة من الكذابين الدجالين وذكر أسماءهم وشيئا من أحوالهم (كلهم يزعم أنه رسول الله) هذا ظاهر في أن كلا منهم يدعي النبوة وهذا هو السر في قوله في اخر الحديث الاتي وإني خاتم النبيين لانبي بعدي ويحتمل أن يكون الذين يدعون النبوة منهم ما ذكر من الثلاثين أو نحوها وأن من زاد على العدد المذكور يكون كذابا فقط لكن يدعو إلى الضلالة كغلاة الرافضة والباطنية وأهل الوحدة والحلولية وسائر للفرق الدعاة إلى ما يعلم بالضرورة أنه خلاف ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويؤيده أن في حديث علي عند أحمد فقال علي لعبد الله بن الكواء وإنك لمتهم وابن الكواء لم يدع النبوة وإنما كان يغلو في الرفض قوله (وفي الباب عن سمرة وابن عمر) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود قوله (حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين) منها ما وقع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة الصديق رضي الله عنه (الأوثان) أي الأصنام (وأنه) أي الشأن (كذابون) أي في ادعائهم النبوة (وأنا خاتم النبيين) بكسر التاء وفتحها والجملة حالية (لانبي بعدي) تفسير لما قبله قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أبو داود في الفتن مطولا
[ 387 ]
42 باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير قوله (عن عبد الله بن عصم) بضم العين وسكون الصاد المهملتين ويقال عصمة بفتح فسكون كنيته أبو علوان بضم المهملة وسكون اللام الحنفي اليمامي نزل الكوفة صدوق يخطئ أفرط ابن حبان فيه وتناقض قوله (في ثقيف) قال في القاموس ثقيف كأمير أبو قبيلة من هوازن واسمه قسي بن منبه بن بكر بن هوازن والنسبة ثقفي محركة انتهى (كذاب) قيل هو المختار ابن أبي عبيد الزاعم أن جبريل يأتيه (ومبير) أي مهلك يسرف في إهلاك الناس يقال بار الرجل يبور بورا فهو بائر وأبار غيره فهو مبير وهو الحجاج لم يكن أحد في الاهلاك مثله قوله (وفي الباب عن أسماء بنت أبي بكر) أخرجه مسلم في باب ذكر كذاب ثقيف ومبيرها من كتاب فضائل الصحابة قوله (حدثنا عبد الرحمن بن واقد) بن مسلم البغدادي أبو مسلم الواقدي أصله بصري صدوق يغلط من العاشرة (نحوه) أي نحو حديث ابن عمر المذكور قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الطبراني في الكبير عن سلامة بنت الحر قال المناوي إسناده ضعيف قوله (وشريك يقول عبد الله بن عصم وإسرائيل يقول عبد الله بن عصمة) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله بن عصم قال الاجري عن أبي داود قال إسرائيل عصمة
[ 388 ]
وقال شريك عصم وسمعت أحمد يقول القول قول شريك وكذا قال أبو القاسم الطبراني أن الصواب عصم انتهى قوله (الكذاب هو المختار بن أبي عبيد) بالتصغير وهو ابن مسعود الثقفي قام بعد وقعة الحسين ودعا الناس إلى طلب ثأره وكان غرضه في ذلك أن يصرف إلى نفسه وجوه الناس ويتوسل به إلى الامارة وكان طالبا للدنيا مدلسا في تحصيلها كذا ذكره القاضي وفي الاكمال لصاحب المشكاة المختار بن أبي عبيد هو المختار ابن أبي عبيد بن مسعود الثقفي كان أبوه من أجلة الصحابة وولد المختار عام الهجرة وليس له صحبة ولا رواية وهو الذي قال في حقه عبد الله بن عصمة هو الكذاب الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقيف كذاب كان أولا مشهورا بالفضل والعلم والخير وكان ذلك منه بخلاف ما يبطنه إلى أن فارق عبد الله بن الزبير وطلب الامارة وأظهر ما كان يبطن من فساد الرأي والعقيدة والهوى إلى أن ظهر منه أسباب كثيرة تخالف الدين وكان يظهر طلب ثأر الحسين بن علي بن أبي طالب ليتمشى أمره الذي يرومه من الامارة وطلب الدنيا ولم يزل كذلك إلى أن قتل سنة سبع وستين في أيام مصعب بن الزبير انتهى (والمبير الحجاج بن يوسف) وهو بفتح الحاء مبالغة الحاج بمعنى الاتي بالحجة قال صاحب المشكاة هو عامل عبد الملك بن مروان على العراق وخراسان وبعده لابنه الوليد مات بواسط في شوال سنة خمس وسبعين وعمره أربع وخمسون سنة قلت حجاج بن يوسف هذا هو الأمير الظالم الذي يضرب به المثل في الظلم والقتل والسفك قوله (حدثنا أبو داود سليمان بن سلم البلخي) قال في التقريب سليمان بن سلم ابن سابق الهداوي بفتح الهاء وتخفيف الدال أبو داود المصاحفي البلخي ثقة من الحادية عشر قوله (أحصوا) بفتح الهمزة والصاد أي اضبطوا أو عدوا (صبرا) بفتح فسكون قال في النهاية كل من قتل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ فإنه مقتول صبرا
[ 389 ]
43 باب ما جاء في القرن الثالث وهو قرن أتباع التابعين قال النووي الصحيح أن قرنه صلى الله عليه وسلم والصحابة والثاني لتابعون والثالث تابعوهم انتهى قوله (خير الناس قرني) أي أهل قرني قال الحافظ والمراد بقرن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الصحابة وقد سبق في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قوله وبعثت في خير قرون بني ادم وفي رواية بريدة عند أحمد خير هذه الأمة القرن الذين بعثت فيهم وقد ظهر أن الذي بين البعثة واخر من مات من الصحابة مائة سنة وعشرون سنة أو دونها أو فوقها بقليل على الاختلاف في وفاة أبي الطفيل وإن اعتبر ذلك من بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فيكون مائة سنة أو تسعين أو سبعا وتسعين وأما قرن التابعين فإن اعتبر من سنة مائة كان نحو
[ 390 ]
سبعين أو ثمانين وأما الذين بعدهم فإن اعتبر منها كان نحوا من خمسين فظهر بذلك أن مدة القرن تختلف باختلاف أعمار أهل كل زمان واتفقوا أن اخر من كان من اتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين انتهى (ثم الذين يلونهم) أي القرن الذي بعدهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين ويأتي شرح هذا الحديث وتخريجه في أبواب الشهادات قوله (خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم قال) أي عمران (ولا أعلم أذكر الثالث أم لا) وكذلك في رواية مسلم من طريق زرارة بن أوفى عن عمران وفي الصحيح من طريق زهدم عن عمران قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا قال الحافظ في الفتح وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد وعن مالك عند مسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي الناس خير قال القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في رواية الطبراني وسمويه ما يفسر به هذا السؤال وهو ما أخرجاه من طريق بلال بن سعيد بن تميم عن أبيه قال قلت يا رسول الله أي الناس خير فقال أنا وقرني فذكر مثله وللطيالسي من حديث عمر رفعه خير أمتي القرن الذي أنا منهم ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبير عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون أردا ورجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحته انتهى (يخونون ولا يؤتمنون) أي لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم أمناء بأن تكون خيانتهم ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم (ويفشو) أي يظهر (فيهم السمن) بكسر المهملة وفتح الميم بعدها نون أي يحبون التوسع في الماكل والمشارب وهي أسباب السمن قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 391 ]
44 باب ما جاء في الخلفاء قوله (حدثنا عمر بن عبيد) بن أبي أمية الطنافسي الكوفي صدوق من الثامنة قوله (يكون من بعدي أثنا عشر أميرا) وفي رواية لمسلم إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة وفي رواية أخرى له لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثنا عشر رجلا وفي أخرى له لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة وفي أخرى له لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ووقع في حديث أبي جحيفة عند البزار والطبراني نحو حديث جابر بن سمرة بلفظ لا يزال أمر أمتي صالحا وأخرجه أبو داود من طريق الأسود بن سعيد عن جابر بن سمرة نحوه قال وزاد فلما رجع إلى منزله أتته قريش فقالوا ثم يكون ماذا قال الهرج وأخرجه من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه بلفظ لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة قال القاضي عياض توجه على هذا العدد سؤالان أحدهما أنه يعارضه ظاهر قوله في حديث سفينة يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا لأن الثلاثين سنة لم يكن فيها إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن بن علي والثاني أنه ولي الخلافة أكثر من هذا العدد قال والجواب على الأول أنه أراد في حديث سفينة خلافة النبوة ولم يقيده في حديث جابر بن سمرة بذلك وعن الثاني أنه لم يقل لا يلي إلا اثنا عشر وإنما قال يكون اثنا عشر وقد ولى هذا العدد ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم قال وهذا إن كان اللفظ واقعا على كل من ولي وإلا فيحتمل أن يكون المراد من يستحق الخلافة من أئمة العدل وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولابد من تمام العدة قبل قيام الساعة وقد قيل إنهم يكونون في زمن واحد يفترق الناس عليهم وقد وقع في المائة الخامسة في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج قال ويعضد هذا التأويل قوله في حديث اخر في مسلم ستكون خلفاء فيكثرون قال ويحتمل أن يكون المراد أن يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الاسلام واستقامة أموره والاجتماع على من يقوم بالخلافة ويؤيده قوله في بعض الطرق كلهم تجتمع عليه الأمة وهذا قد وجد في من
[ 392 ]
اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أمية ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد فاتصلت بينهم إلى أن قامت الدولة العباسية فاستأصلوا أمرهم وهذا العدد موجود صحيح إذا اعتبر قال وقد يحتمل وجوها أخر والله أعلم بمراد نبيه انتهى قال الحافظ والاحتمال الذي قبل هذا وهو اجتماع اثني عشر في عصر واحد كلهم يطلب الخلافة هو الذي اختاره المهلب كما تقدم وقد ذكرت وجه الرد عليه ولو لم يرد إلا قوله كلهم يجتمع عليه الناس فإن في وجودهم في عصر واحد يوجد عين الأفتراق فلا يصح أن يكون المراد انتهى ثم نقل الحافظ كلام ابن الجوزي عن كتابه كشف المشكل ثم قال وينتظم من مجموع ما ذكراه (يعني القاضي عياض وابن الجوزي) أوجه أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة كلهم يجتمع عليه الناس وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع امر الحكمين في صفين فسمى معاوية يومئذ بالخلافة ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام ونخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع عليه الناس لما مات عمه هشام فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه ثم ولى أخوه المنصور فطالت مدته لكن خرج عنه المغرب الأقصى ب استيلاء المروانيين على الأندلس واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في جميع أقطار الأرض شرقا وغربا وشمالا ويمينا مما غلب عليه المسلمون ولا يتولى أحد في بلد من البلاد كلها الامارة على شئ منها إلا بأمر الخليفة ومن نظر في أخبارهم عرف صحة ذلك فعلى هذا يكون المراد بقوله ثم يكون الهرج يعني القتل الناشئ عن الفتن وقوعا فاشيا يفشو ويستمر ويزداد على مدى الأيام وكذا كان انتهى كلام الحافظ
[ 393 ]
قال الحافظ عماد الدين بن كثير في تفسيره تحت قوله تعالى وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا بعد إيراد حديث جابر بن سمرة من رواية الشيخين واللفظ لمسلم ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل قد وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله تعالى عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ اسمه اسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي يتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل من هوس العقول السخيفة وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الأثني عشر الأئمة الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم انتهى (ثم تكلم) أي النبي صلى الله عليه وسلم (فسألت الذي يليني) وفي عدة من روايات مسلم فسألت أبي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود وغيرهم (وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة) روى مسلم في صحيحه حديث جابر هذا من عدة طرق قوله (عن أبيه) هو عبيد بن أبي أمية الطنافسي الحنفي ويقال الايادي مولاهم أبو الفضل اللحام الكوفي صدوق من السادسة (عن أبي بكر بن أبي موسى) الأشعري الكوفي اسمه عمرو أو عامر ثقة من الثالثة قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعبد الله بن عمرو) أما حديث ابن مسعود فأخرجه
[ 394 ]
أحمد والبزار بسند حسن أنه سئل كم يملك هذه الأمة من خليفة فقال سألنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني عنه مرفوعا إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف قال الحافظ والنقف ظهر لي أنه بفتح النون وسكون القاف وهو كسر الهامة عن الدماغ والنقاف بوزن فعال منه وكني بذلك عن القتل والقتال ويؤيده قوله في بعض طرق جابر بن سمرة ثم يكون الهرج وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل النون وفسره بالجد الشديد في الخصام ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه الفطنة والحذق ونحو ذلك وفي قوله من بني كعب بن لؤي إشارة إلى كونهم من قريش لأن لؤيا هو ابن غالب بن فهر وفيهم جماع قريش انتهى 45 باب قوله (حدثنا حميد بن مهران) قال الحافظ في التقريب حميد بن أبي حميد مهران الخياط الكندي أو المالكي ثقة من السابعة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى له الترمذي والنسائي حديثا واحدا من أهان سلطانا أهانه الله انتهى (عن سعد بن أوس) العدوي أو العبدي البصري صدوق له أغاليط من الخامسة (عن زياد بن كسيب العدوي) البصري مقبول من الثالثة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته له عندهما يعني الترمذي والنسائي حديث واحد تقدم في حميد بن مهران انتهى قوله (وعليه ثياب رقاق) بكسر الراء أي رقيقة رفيعة (فقال أبو بلال) قال القاري لعله أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ولده كان واليا على البصرة (يلبس ثياب الفساق) يحتمل كونها محرمة من الحرير وكونها رقاقا لا محرمة لكن لكونها ثياب المتنعمين نسبه إلى الفسق تغليظا وهو الظاهر ولذا رده أبو بكرة بقوله (من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله) أي من أهان من أعزه الله وألبسه خلعة السلطنة أهانه الله وفي الأرض متعلق بسلطان الله تعلقها في قوله تعالى إنا جعلناك خليفة في الأرض وا ضافة في سلطان الله إضافة تشريف كبيت الله وناقة الله ويحكى عن جعفر الصادق مع سفيان الثوري وعلى جعفر جبة خز دكناء فقال له يا ابن رسول الله ليس هذا من لباسك فحسر عن ردن جبته فإذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل
[ 395 ]
عن الذيل والردن عن الردن فقال يا ثور ي لبسنا هذا لله وهذي لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه ذكره صاحب جامع الأصول في كتاب مناقب الأولياء والدكناء بالدال المهملة تأنيث الأدكن وهو ثوب مغبر اللون ذكره الطيبي قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي 46 باب ما جاء في الخلافة قوله (حدثنا سريج بن النعمان) بمهملة وراء وجيم مصغرا ابن مروان الجوهري أبو الحسن البغدادي أصله من خراسان ثقة يهم قليلا من كبار العاشرة (أخبرنا حشرج بن نباتة) بضم النون ثم الموحدة ثم المثناة الأشجعي أبو مكرم الواسطي أو الكوفي صدوق يهم من الثامنة (عن سعيد بن جمهان) بضم الجيم وإسكان الميم الأسلمي كنيته أبو حفص البصري صدوق له أفراد من الرابعة (حدثني سفينة) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الرحمن يقال كان اسمه مهران أو غير ذلك فلقب سفينة لكونه حمل شيئا كبيرا في السفر مشهور له أحاديث كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب قال حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر وكان إذا أعيى بعض القوم ألقى علي سيفه ألقى علي ترسه حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنت سفينة انتهى قوله (الخلافة في أمتي ثلاثون سنة) وفي رواية أبي داود خلافة النبوة ثلاثون سنة قال العلقمي قال شيخنا يعني الحافظ السيوطي لم يكن في الثلاثين بعده صلى الله عليه وسلمن إلا الخلفاء الأربعة وأيام الحسن قال العلقمي بل الثلاثون سنة هي مدة الخلفاء الأربعة كما حررته فمدة خلافة أبي بكر سنتان وثلاثة أشهر وعشرة أيام ومدة عمر عشر سنين وستة أشهر وثمانية أيام ومدة عثمان إحدة عشرة سنة وأحد عشر شهرا وتسعة أيام ومدة خلافة علي أربع سنين وتسعة أشهر وسبعة أيام هذا هو التحرير فلعلهم ألغوا الأيام وبعض الشهور وقال النووي في تهذيب الأسماء مدة خلافة عمر عشر سنين وخمسة أشهر وإحدى وعشرين يوما وعثمان اثنتي عشرة سنة إلا ست
[ 396 ]
ليال وعلي خمس سنين وقيل خمس سنين إلا أشهرا والحسن نحو سبعة أشهر انتهى كلام النووي والأمر في ذلك سهل هذا اخر كلام العلقمي (ثم ملك بعد ذلك) قال المناوي أي بعد انقضاء زمان خلافة النبوة يكون ملكا لأن اسم الخلافة إنما هو لمن صدق عليه هذا الاسم بعمله للسنة و المخالفون ملوك لا خلفاء وإنما تسموا بالخلفاء لخلفهم الماضي وأخرج البيهقي في المدخل عن سفينة أن أول الملوك معاوية رضي الله عنه والمراد بخلافة النبوة هي الخلافة الكاملة وهي منحصرة في الخمسة فلا يعارض الحديث لا يزال هذا الدين قائما حتى يملك اثنا عشر خليفة لأن المراد به مطلق الخلافة والله أعلم انتهى كلامه محصلا (أمسك عليك خلافة أبي بكر) أي اضبط الحساب عاقدا أصابعك وفي رواية أبي داود أمسك عليك أبا بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان أثني عشر وعلي كذا ولفظ أحمد في مسنده قال سفينة أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وخلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة وخلافة علي رضي الله عنه ست سنين (فقلت له) أي لسفينة (قال) أي سفينة (كذبوا بنو الزرقاء) هو من باب أكلوني البراغيت والزرقاء امرأة من أمهات بني أمية قاله في فتح الودود (بل هم ملوك من شر الملوك) وفي رواية أبي داود قلت لسفينة إن هؤلاء يزعمون أن عليا لم يكن بخليفة قال كذبت إستاه بني الزرقاء يعني بني مروان قوله (وفي الباب عن عمر وعلي قالا لم يعهد) أي لم يوص أما حديث عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث علي فأخرجه أحمد والبيهقي في دلائل النبوة بسند حسن عن عمرو بن سفيان قال لما ظهر علي يوم الجمل قال أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في هذه الامارة شيئا حتى رأينا من الرأي أن نستخلف أبا بكر فأقام واستقام حتى مضى سبيله ثم إن أبا بكر رأي من الرأي أن يستخلف عمر فأقام واستقام حتى ضرب الدين بجرانه ثم إن أقواما طلبوا الدنيا فكانت أمور يقضي الله فيها وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه البيهقي في الدلائل عن أبي وائل قال قيل لعلي ألا تستخلف علينا قال ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف ولكن إن يرد الله بالناس خيرا فسيجمعهم بعدي على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم
[ 397 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره قوله لو استخلفت لو للتمني أو جوابه محذوف أي لكان خيرا إن استخلف فقد استخلف أبو بكر وإن لم استخلف لم يستخلف رسول صلى الله عليه وسلم قال النووي في شرح مسلم حاصله أن المسلمين أجمعوا على أن الخليفة إذا حضره مقدمات الموت وقبل ذلك يجوز له الاستخلاف ويجوز له تركه فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا وإلا فقد اقتدى بأبي بكر وأجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقاد بعقد أهل الحل والعقد لإنسان إذا لم يستخلف الخليفة وأجمعوا على جواز جعل الخليفة الأمر شورى بين جماعة كما فعل عمر بالستة وأجمعوا على أنه يجب على المسلمين نصب خليفة ووجوبه بالشرع لا بالعقل وأما ما حكي عن الأصم أنه قال لا يجب وعن غيره أ نه يجب بالعقل لا بالشرع فباطلان أما الأصم فمحجوج بإجماع من قبله ولا حجة له في بقاء الصحابة بلا خليفة في مدة التشاور يوم السقيفة وأيام الشورى بعد وفاة عمر رضي الله عنه لأنهم لم يكونوا تاركين لنصب الخليفة بل كانوا ساعين في النظر في أمر من يعقد له وأما القائل الآخر ففساد قوله ظاهر لأن العقل لا يوجب شيئا ولا يحسنة ولا يقبحه إنما يقع ذلك بحسب العادة لا بذاته وفي هذا الحديث دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينص على خليفة وهو إجماع أهل السنة وغيرهم قال القاضي وخالف في ذلك بكر ابن أخت عبد الواحد فزعم أنه نص على أبي بكر وقال أن رواندي نص على العباس وقالت الشيعة والرافضة على علي وهذه دعاوى باطلة وجسارة على الافتراء ووقاحة في مكابرة الحس وذلك لأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على اختيار أبي بكر وعلى تنفيذ عهده إلى عمر وعلى تنفيذ عهد عمر بالشورى ولم يخالف في شئ من هذا أحد ولم يدع علي ولا العباس ولا أبو بكر وصية في وقت من الأوقات وقد اتفق علي والعباس على جميع هذا من غير ضرورة مانعة من ذكر وصية لو كانت فمن زعم أنه كان لأحد منهم وصية فقد نسب الأمة إلى اجتماعها على الخطأ واستمرارها عليه وكيف يحل لأحد من أهل القبلة أن ينسب الصحابة إلى المواطأة على الباطل في كل هذه الأحوال
[ 398 ]
ولو كان شئ لنقل فإنه من الأمور المهمة انتهى قوله وفي حديث قصة طويلة أخرجها مسلم في صحيحه في أوائل كتاب الإمارة قوله هذا حديث صحيح وأخرجه الشيخان 47 باب ما جاء أن الخلفاء من قريش إلى أن تقوم الساعة قوله (حدثنا حسين بن محمد) بن أيوب الذارع السعدي أبو علي البصري صدوق من العاشرة (عن حبيب بن الزبير) بن مشكان الهلالي أو الحنفي الأصبهاني أصله من البصرة ثقة من السادسة (سمعت عبد الله بن أبي الهذيل) الكوفي كنيته أبو المغيرة ثقة من الثانية قوله (لتنتهين قريش) أي من الفسق والعصيان (أو ليجعلن الله هذا الأمر) أي الرياسة والخلافة (غيرهم) أي غير قريش (قريش ولاة الناس في الخير والشر) أي في الجاهلية وا سلام ويستمر ذلك (إلى يوم القيامة) فالخلافة فيهم ما بقيت الدنيا ومن تغلب على الملك بالشوكة لا ينكر أن الخلافة فيهم قال النووي في شرح مسلم هذه الأحاديث (يعني أحاديث أبي هريرة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن مسعود التي رواها مسلم في باب الخلافة في قريش) وأشباهها دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم وعلى هذا انعقد الاجماع في زمن الصحابة وكذلك بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم بالأحاديث الصحيحة قال القاضي اشتراط كونه قرشيا هو مذهب العلماء كافة قال وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي الله عنهم على الأنصار يوم السقيفة فلم ينكره
[ 399 ]
أحد قال القاضي وقد عدها العلماء في مسائل الاجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرنا وكذلك من بعدهم في جميع الأعصار قال ولا اعتداد بقول النظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش ولا بسخافة ضرار بن عمرو في قوله إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على قرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين وأما قوله صلى الله عليه وسلم الناس تبع لقريش في الخير والشر فمعناه في الاسلام والجاهلية كما هو مصرح به في الرواية الأولى يعني رواية أبي هريرة الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم لأنهم كانوا في الجاهلية رؤساء العرب وأصحاب حرم وأهل حج بيت الله وكانت العرب تنتظر إسلامهم فلما أسلموا وفتحت مكة تبعهم الناس ذوجاءت وفور العرب من كل جهة ودخل الناس في دين الله أفواجا وكذلك في الاسلام هم أصحاب الخلافة والناس تبع لهم وبين صلى الله عليه وسلم أن هذا الحكم مستمر إلى اخر الدنيا ما بقي من الناس اثنان وقد ظهر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فمن زمنه صلى الله عليه وسلم إلى الان الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها وتبقى كذلك ما اثنان كما قال صلى الله عليه وسلم انتهى وقال الحافظ في الفتح ويحتاج من نقل الاجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر من ذلك فقد أخرج أحمد عن عمر بسند رجاله ثقات أنه قال إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فذكر الحديث وفيه فإن ادركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل الحديث ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش فيحتمل أن يقال لعل الاجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشيا أو تغير اجتهاد عمر في ذلك وأما ما احتج به من لم يعين الخلافة في قريش من تأمير عبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة وأسامة وغيرهم في الحروب فليس من الامامة العظمى في شئ بل فيه أنه يجوز للخليفة استنابة غير قريش في حياته انتهى فإن قلت ما وجه الجمع بين الأحاديث التي تدل على اختصاص الخلافة بقريش وبين حديث أنس بن مالك عند أحمد والبخاري والنسائي مرفوعا اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة وحديث أم الحصين عند مسلم مرفوعا إن أمر عليكم عبد مجدع يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا قلت المراد من هذين الحديثين وما في معناهما أن الامام الأعظم إذا استعمل العبد الحبشي على إمارة بلد مثلا وجبت طاعته وليس فيه أن العبد الحبشي يكون هو الامام الأعظم قال
[ 400 ]
الخطابي وقد يضرب المثل بما لا يقع في الوجود يعني وهذا من ذاك أطلق العبد الحبشي مبالغة في الأمر بالطاعة وإن كان لا يتصور شرعا أن يلي ذلك قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وجابر) أما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والشيخان ولفظه عند مسلم لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان قال الحافظ ابن حزم في المحلي بعد ذكر هذا الحديث هذه اللفظة لفظة الخبر فإن كان معناه الأمر فحرام ان يكون الأمر في غيرهم أبدا وإن كان معناه معنى الخبر كلفظه فلا شك في أن من لم يكن من قريش فلا أمر له وان ادعاه فعلى كل حال فهذا خبر يوجب منع الأمر عمن سواهم انتهى وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم بنحو حديث ابن عمر وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه مسلم ولفظه الناس تبع لقريش في الخير والشر قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد قال المناوي بإسناد صحيح قوله (عن عمر بن الحكم) بن رافع بن سنان المدني الأنصاري حليف الأوس ثقة من الثالثة 48 باب قوله (لا يذهب الليل والنهار) أي لا ينقطع الزمان ولا تأتي القيامة (حتى يملك رجل من الموالي) أي على سبيل التغلب لا بشورى أهل الحل والعقد فهذا الحديث لا يخالف الأحاديث القاضية بأن الخلافة في قريش والموالي بفتح الميم جمع المولى أي المماليك والمعنى حتى يصير حاكم على الناس (يقال له جهجاه) قال النووي هو بفتح الجيم وإسكان الهاء وفي بعض النسخ يعني نسخ مسلم الجهجها بهاءين وفي بعضها الجهجا بحذف الهاء التي بعد الألف والأول هو المشهور انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم في اشراط الساعة
[ 401 ]
49 باب ما جاء في الأئمة المضلين قوله (إنما أخاف على أمتي أئمة مضلين) أي داعين إلى البيع والفسق والفجور (على الحق) خبر لقوله لا تزال أي ثابتين على الحق علما وعملا (ظاهرين) أي غالبين على الباطل ولو حجة قال الطيبي يجوز أن يكون خبر بعد خبر وأن يكون حالا من ضمير الفاعل في ثابتين على الحق في حالة كونهم غالبين على العدو (لا يضرهم من خذلهم) أي لثباتهم على دينهم (حتى يأتي أمر الله) متعلق بقوله لا تزال قال في فتح الودود أي الريح التي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وابن ماجة بدون ذكر إنما أخاف على أمتي أئمة مضلين وأخرجه أبو داود مطولا 50 باب ما جاء في المهدي اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الاسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في اخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال أو وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى عليه السلام ينزل من بعده فيقتل الدجال ينزل من بعده فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته وخرج أحاديث المهدي جماعة من الأئمة منهم أبو داود والترمذي وابن ماجة والبزار و الحاكم والطبراني وأبو يعلي الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة
[ 402 ]
مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله عنهم وأسناد أحاديث هؤلاء بين صحيح وحسن وضعيف وقد بالغ الامام المؤرخ عبد الرحمن بن خلدون المغربي في تاريخه في تضعيف أحاديث المهدي كلها فلم يصب بل أخطأ وما روي من رواية محمد بن المنكدر عن جابر من كذب بالمهدي فقد كفر فموضوع والمتهم فيه أبو بكر الاسكاف وربما تمسك المنكرون لشأن المهدي بما روي مرفوعا أنه قال لا مهدي إلا عيسى بن مريم والحديث ضعفه البيهقي والحاكم وفيه أبان بن صالح وهو متروك الحديث والله أعلم كذا في عون المعبود قلت الأحاديث الواردة في خروج الامام المهدي كثيرة جدا ولكن أكثر ها ضعاف ولا شك في أن حديث عبد الله بن مسعود الذي رواه الترمذي في هذا الباب لا ينحط عن درجة الحسن وله شواهد كثيرة من بين حسان وضعاف فحديث عبد الله بن مسعود هذا مع شواهده وتوابعه صالح للاحتجاج بلا مرية فالقول بخروج الامام المهدي وظهوره هو القول الحق والصواب والله تعالى أعلم وقال القاضي الشوكاني في الفتح الرباني الذي أمكن الوقوف عليه من الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر خمسون حديثا وثمانية وعشرون أثرا ثم سردها مع الكلام عليها ثم قال وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع انتهى قوله (عن عبد الله) هو ابن مسعود قوله (لا تذهب الدنيا) أي لا تفنى ولا تنقضي (حتى يملك العرب) قال في فتح الودود خص العرب بالذكر لأنهم الأصل والأشراف انتهى وقال الطيبي لم يذكر العجم وهم مرادون أيضا لأنه إذا ملك العرب واتفقت كلمتهم وكانوا يدا واحدة قهروا سائر الأمم ويؤيد حديث أم سلمة يعني المذكور في المشكاة في الفصل الثاني من باب أشراط الساعة وفيه ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الاسلام بجرانه في الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون قال القاري ويمكن أن يقال ذكر العرب لغلبتهم في زمنه أو لكونهم أشرف أو هو من باب الاكتفاء ومراده العرب والعجم كقوله تعالى سرابيل تقيكم الحر أي والبرد والأظهر أنه اقتصر على ذكر العرب لأنهم كلهم يطيعونه بخلاف العجم بمعنى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلاف في إطاعته انتهى (الرجل من أهل بيتي) هو الامام المهدي (يواطئ) أي يوافق ويطابق
[ 403 ]
قوله (وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأم سلمة وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه أبو داود من طريق أبي إسحاق قال قال علي رضي الله عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم صلى الله عليه وسلم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق الحديث قال المنذري هذا منقطع أبو إسحاق السبيعي رأي عليا عليه السلام رؤية وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود عنه مرفوعا المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويملك سبع سنين قال المنذري في إسناده عمران القطان وهو أبو العوام عمران بن داود القطان البصري استشهد به البخاري ووثقه عفان بن مسلم وأحسن عليه الثناء يحيى بن سعيد القطان وضعفه يحيى بن معين والنسائي انتهى وفي الخلاصة وقال أحمد أرجو أن يكون صالح الحديث انتهى وله حديث اخر أخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أم سلمة فأخرجه أبو داود وابن ماجة عنها مرفوعا المهدي من عترتي من ولد فاطمة وقد بسط المنذري الكلام في إسناد هذا الحديث ولأم سلمة حديث اخر في هذا الباب كما عرفت وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وابن القيم وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة إذ عاصم إمام من أئمة المسلمين انتهى قلت وعاصم هذا هو إبن أبي النجود واسم أبي النجود بهدلة أحد القراء السبعة قال الحافظ في التقريب عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النجود بنون وجيم الأسدي مولاهم الكوفي أبو بكر المقرئ صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون من السادسة انتهى قوله (يواطئ اسمه اسمي) وفي رواية أبي داود يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيكون محمد بن عبد الله وفيه رد على الشيعة حيث يقولون المهدي الموعود هو القائم المنتظر وهو محمد بن الحسن العسكري
[ 404 ]
قوله (قال عاصم وأخبرنا أبو صالح الخ) هذا متصل بالإسناد السابق (لطول الله ذلك اليوم حتى يلي) أي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي قوله (هذا حديث حسن صحيح) حديث عاصم عن زر عن عبد الله أخرجه الترمذي قبل هذا بأطول منه كما عرفت وحديث عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة أخرجه بن ماجة 51 باب قوله (سمعت أبا الصديق) بتشديد الدال المكسورة (الناجي) بالنون والجيم بصري ثقة من الثالثة قوله (خشينا أن يكون بعد نبينا حدث) بفتح الحاء والدال المهملتين قال في النهاية الحدث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة انتهى (يعيش خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك) أي الشك من زيد وفي رواية عن أبي سعيد عن أبي داود ويملك سبع سنين من غير شك وكذلك في حديث أم سلمة عنده بلفظ فيلبث سبع سنين من غير شك فقول الجازم مقدم على قول الشاك (اعطني اعطني) التكرير للتأكيد ويمكن أن يقال اعطني مرة بعد أخرى لما تعود من كرمه وإحسانه (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلمن (فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله) أي يعطيه قدر ما يستطيع حمله وذا لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه قوله (هذا حديث حسن) في إسناده زيد العمي وهو ضعيف وأخرجه أحمد أيضا
[ 405 ]
52 باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم يعني في آخر الزمان قوله (والذي نفسي بيده) فيه الحلف في الخبر مبالغة في تأكيده (ليوشكن) بكسر المعجمة أي ليقربن أي لا بد من ذلك سريعا (أن ينزل فيكم) أي في هذه الأمة فإنه خطاب لبعض الأمة ممن لا يدرك نزوله (حكما) أي حاكما والمعنى أنه ينزل حاكما بهذه الشريعة فإن هذه الشريعة باقية لا تنسخ بل يكون عيسى حاكما من حكام هذه الأمة (مقسطا) المقسط العادل بخلاف القاسط فهو الجائر (فيكسر) أي يهدم (الصليب) قال في شرح السنة وغيره أي فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية وقال ابن الملك الصليب في اصطلاح النصارى خشبة مثلثة يدعون أن عيسى عليه الصلاة والسلام صلب على خشبة مثلثة على تلك الصورة وقد يكون فيه صورة المسيح (ويقتل الخنزير) أي يحرم اقتناءه وأكله ويبيح قتله قال الحافظ في الفتح أي يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ويبطل ما تزعمه النصارى من تعظيمه (ويضع الجزية) قال الحافظ المعنى أن الدين يصير واحد فلا يبقى أحد من أهل الدنيا يؤدي الجزية وقيل معناه أن المال يكثر حتى لا يبقى من يمكن صرف مال الجزية له فتترك الجزية استغناء عنها وقال عياض يحتمل أن يكون المراد بوضع الجزية تقريرها على الكفار من غير محاباة ويكون كثرة المال بسبب ذلك وتعقبه النووي وقال الصواب أن عيسى لا يقبل إلا الإسلام قال الحافظ ويؤيده أن عند أحمد عن أبي هريرة وتكون الدعوة واحدة قال النووي ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة أن مشروعيتها مقيدة بنزول عيسى لما دل عليه هذا الخبر وليس عيسى بناسخ لحكم الجزية بل نبينا صلى الله عليه وسلم هو المبين للنسخ فإن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا فدل على أن الامتناع من قبول الجزية في ذلك الوقت هو شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (ويفيض المال) بفتح أوله وكسر الفاء وبالضاد المعجمة أي يكثر وينزل البركات وتكثر الخيرات بسبب العدل وعدم التظالم وتقئ الأرض أفلاذ كبدها كما جاء في الحديث الآخر
[ 406 ]
وتقل أيضا الرغبات لقصر الآمال وعلمهم بقرب القيامة فإن عيسى عليه الصلوات والسلام علم من أعلام الساعة وقال العلماء الحكمة في نزول عيسى دون غيره من الأنبياء الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه فبين الله تعالى كذبهم وأنه الذي يقتلهم أو نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها وقيل إنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله منهم فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله والأول أوجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان 53 باب ما جاء في الدجال قال الحافظ في الفتح هو فعال بفتح أوله والتشديد من الدجل وهو التغطية وسمي الكذب دجال لأنه يغطي الحق بباطله ويقال دجل البعير بالقطران إذا غطاه والإناء بالذهب طلاه وقال ابن دريد وسمي دجالا لأنه يغطي الحق بالكذب وقيل لضربه نواحي الأرض يقال دجل مخففا ومشددا إذا فعل ذلك تنبيه اشتهر السؤال عن الحكمة في عدم التصريح بذكر الدجال في القرآن مع ما ذكر عنه من الشر وعظم الفتنة به وتحذير الأنبياء منه والأمر بالاستعاذة منه حتى في الصلاة وأجيب بأجوبة أحدها أنه ذكر في قوله (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها الخ) فقد أخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة رفعه ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها الثاني قد وقعت الإشارة في القرآن إلى نزول عيسى بن مريم في قوله تعالى وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وفي قوله تعالى وإنه لعلم للساعة وصح أنه الذي يقتل الدجال واكتفى بذكر أحد الضدين عن الآخر ولكونه يلقب المسيح كعيسى لكن الدجال مسيح الضلالة وعيسى مسيح الهدى الثالث أنه ترك ذكره احتقارا وتعقب بذكر يأجوج ومأجوج وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال وا لذي قبله وتعقب بأن السؤال باق وهو ما الحكة في ترك التنصيص عليه
[ 407 ]
وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر كل من ذكر في القرآن من المفسدين فوجد كل من ذكر إنما هم ممن مضى وانقضى أمره وأما من لم يجئ بعد فلم يكر منهم أحدا انتهى وهذا ما ينتقض بيأجوج ومأجوج وقد وقع في تفسير البغوي أن الدجال مذكور في القرآن في قوله تعالى لخلق السموات والأرض أكبر من خلق لناس هنا الدجال من إطلاق الكل على البعض وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة فيكون من جملة ما تكفل النبي صلى الله عليه وسلم ببيانه كذا في الفتح قوله (عن عبد الله بن سراقة) الأزدي البصري وثقه العجلي وقال البخاري لا يعرف له سماع من أبي عبيدة من الثالثة قوله (إنه) أي الشأن (لم يكن نبيا بعد نوح إلا قد أنذر قومه الدجال) أي خوفهم به ويأتي في حديث ابن عمر بعد هذا أن نوحا قد أنذر قومه فقوله بعد نوح في هذا الحديث ليس للاحتراز ولذا قال صاحب فتح الودود لعل إنذار من بعد نوح أشد وأكثر (وإني أنذركموه) أي الدجال ببيان وصفه خوفا عليكم من تلبيسه ومكره (لعله سيدركه بعض من رآني) أي على تقدير خروجه سريعا وقيل دل على بقاء الخضر قلت وستأتي مسألة حياة الخضر وموته بعد عدة أبواب (أو سمع كلامي) ليس أو للشك من الراوي بل للتنويع لأنه لا يلزم من الرؤية السماع وهو لمنع الخلوة لإمكان الجمع وقيل المعنى أو سمع حديثي بأن وصل إليه ولو بعد حين قاله القاري (فقال مثلها) أي مثل قلوبكم الآن وهو معنى قول الراو ي (يعني) أي يريد بالإطلاق تقييد الكلام بقوله (اليوم أو خير) شك من الراوي ويحتمل التنويع بحسب الأشخاص قاله القاري قلت ليس أو للشك من الراوي بل هو من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل عليه رواية أبي داود ففيها قالوا يا رسول الله كيف قلوبنا يومئذ أمثلها اليوم قال أو خير قوله (وفي الباب عن عبد الله بن بسر وعبد الله بن مغفل وأبي هريرة) أما حديث
[ 408 ]
عبد الله بن بسر فأخرجه أبو داود وابن ماجة وأما حديث عبد الله بن مغفل فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو داود وسكت عنه وقال المنذري بعد نقل تحسين الترمذي ذكر البخاري أن عبد الله بن سراقة لا يعرف له سماع من أبي عبيدة 54 باب قوله (ولقد أنذر نوح قومه) قد استشكل إنذار نوح قومه بالدجال مع أن الأحاديث قد ثبتت أنه يخرج بعد أمور ذكرت وأن عيسى يقتله بعد أن ينزل من السماء فيحكم بالشريعة المحمدية والجواب أنه كان وقت خروجه أخفي على نوح ومن بعده فكأنهم أنذروا به ولم يذكر لهم وقت خروجه فحذروا قومهم من فتنته ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في بعض طرقه إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه فإنه محمول على أن ذلك كان قبل أن يتبين له وقت خروجه وعلاماته فكان يجوز أن يخرج في حياته صلى الله عليه وسلم ثم بين له بعد ذلك حاله ووقت خروجه فأخبر به فبذلك تجتمع الأخبار (ولكن سأقول فيه قولا لم يقله نبي لقومه) قيل إن السر في اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بالتنبيه المذكور مع أنه أوضح الأدلة في تكذيب الدجال أن الدجال إنما يخرج في أمته دون غيرها ممن تقدم من الأمم ودل الخبر على أن علم كونه يختص خروجه بهذه الأمة كان طوي عن غير هذه الأمة كما طوى عن الجميع علم وقت قيام الساعة (تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور) إنما اقتصر على ذلك مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة لكون العور أثر محسوس يدركه العالم والعامي ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية فإذا ادعى الربوبية وهو ناقص الخلقة والإله يتعالى عن النقص علم أنه كاذب قوله (فأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري) الخزرجي المدني ثقة من الثالثة وأخطأ من عده في الصحابة
[ 409 ]
قوله (قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنة تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت) فيه تنبيه على أن دعواه الربوبية كذب لأن رؤية الله تعالى مقيدة بالموت والدجال يدعى أنه الله ويراه الناس مع ذلك وفي هذا الحديث رد على من يزعم أنه يرى الله تعالى في اليقظة تعالى الله عن ذلك ولا يرد على ذلك رؤية النبي صلى الله عليه وسلم له ليلة الإسراء لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فأعطاه الله تعالى في الدنيا القوة التي ينعم بها على المؤمنين في الآخرة (وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه من كره عمله) وفي رواية عند مسلم من حديث أنس مكتوب بين عينيه كافر ثم تهجاها ك ف ر يقرأه كل مسلم فرواية الترمذي هذه أخص من رواية مسلم وفي حديث أبي بكرة عند أحمد يقرأه الأمي والكاتب ونحوه في حديث معاذ عند البزار وفي حديث أبي أمامة عند ابن ماجة يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ولأحمد عن جابر مكتوب بين عينيه كافر مهجاة ومثله عند الطبراني من حديث أسماء بنت عميس وقوله كل مؤمن من كاتب وغير كاتب إخبار بالحقيقة وذلك أن الإدراك في البصر يخلقه الله للعبد كيف شاء ومتى شاء فهذا يراه المؤمن بغير بصره وإن كان لا يعرف الكتابة ولا يراه الكافر ولو كان يعرف الكتابة كما يرى المؤمن الأدلة بغير بصيرته ولا يراها الكافر فيخلق الله للمؤمن الإدراك دون تعلم لأن ذلك الزمان تنخرق فيه العادات في ذلك ويحتمل قوله يقرأه من كره عمله أن يراد به المؤمنون عموما ويحتمل أن يختص ببعضهم ممن قوي إيمانه وقال النووي الصحيح الذي عليه المحققون أن الكتابة المذكورة حقيقة جعلها الله علامة قاطعة بكذب الدجال فيظهر الله المؤمن عليها ويخفيها على من أراد شقاوته كذا في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (فتسلطون عليهم) من التسليط أي تغلبون عليهم (حتى يقول الحجر الخ) هذا من أشراط الساعة روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر فيقول
[ 410 ]
الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود قال النووي الغرقد نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس وهناك يكون قتل الدجال واليهود قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم 55 باب ما جاء من أين يخرج الدجال قوله (عن المغيرة بن سبيع) بمهملة وموحدة مصغرا العجلي ثقة من الخامسة قوله (قال الدجال الخ) استئناف مؤكد لحدثنا أو يدل على مذهب الشاطبي ومن تبعه من أن الإبدال يجري في الأفعال وهو أصح الأقوال أو التقدير حدثنا أشياء من جملتها قال الدجال الخ (يقال لها خراسان) بضم أوله وهي بلاد معروفة بين بلاد ما وراء النهر وبلدان العراق معظمها الآن بلدة هراة المسماة بخراسان كتسمية دمشق بالشام كذا في المرقاة وفي الحديث دليل على أن الدجال يخرج من خراسان قال الحافظ أما من أين يخرج فمن قبل المشرق جزما ثم جاء في رواية أنه يخرج من خراسان أخرج ذلك أحمد والحاكم من حديث أبي بكر وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجها مسلم انتهى قلت أخرج مسلم من حديث أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يتبع الدجال من يهو أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة وهذه الرواية ليست بصريحة في أن الدجال يخرج من أصبهان ولم أجد في صحيح مسلم رواية صريحة في خروجه منها (يتبعه) بسكون التاء وفتح الباء أي يلحقه ويطيعه (كأن وجوههم المجان) بفتح الميم وتشديد النون جمع المجن بكسر الميم وهو الترس (المطرقة) بضم الميم وسكون الطاء وقال السيوطي روى بتشديد الراء وتخفيفها فهي مفعولة من إطراقه أو طرقه أي جعل الطرق على وجه الترس والطراق بكسر الطاء الجلد الذي يقطع على مقدار الترس فيلصق على ظهره والمعنى أن وجوههم عريضة ووجناتهم مرتفعة
[ 411 ]
كالمجنة وهذا الوصف إنما يوجد في طائفة الترك والأزبك ما وراء النهر قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنه مرفوعا يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة الحديث أما حديث عائشة رضي الله عنها فلينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم قوله (وقد رواه عبد الله بن شوذب) الخراساني أبو عبد الرحمن سكن البصرة ثم الشام صدوق عابد من السابعة 56 باب ما جاء في علامات خروج الدجال قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي (أخبرنا الحكم بن المبارك) الباهلي مولاهم أبو صالح الخاشتي بفتح الخاء وكسر الشين وآخره مثناة وخاشت من محال بلخ صدوق ربما وهم من العاشرة (عن أبي بكر بن أبي مريم) قال في التقريب أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي وقد ينسب إلى جده قيل اسمه بكير وقيل عبد السلام ضعيف وكان قد سرق بيته فاختلط من السابعة (عن الوليبن سفيان) بن أبي مريم الغساني شامي مجهول من السادسة (عن يزيد بن قطيب) بفتح الطاء مصغرا الكوفي مقبول من السادسة (عن أبي بحرية) بفتح الموحد وسكون المهملة وكسر الراء وتشديد التحتية قال في الخلاصة عبد الله بن قيس الكندي التراغمي بفتح التحتانية والمعجمة الأولى وكسر الثانية أبو بحرية الحمصي شهد الجابية روى عن معاذ بن جبل وثقه ابن معين وقال في المغني في نسبته التراغمي بضفوقية وخفة راء
[ 412 ]
وكسر غين معجمة في آخرها ميم منسوب إلى تراغم بن كذا قوله (الملحمة) أي الوقعة العظيمة القتل (العظمى) وفي الجامع الصغير للسيوطي الكبرى قال المناوي في شرحه أي الحرب العظيم (وفتح القسطنطينة) بضم القاف وسكون السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية بينهما نون ساكنة وبعد الطاء الثانية تحتية ساكنة ثم نون قال النووي هكذا ضبطناه وهو المشهور ونقله القاضي في المشارق عن المتقنين والأكثرين وعن بعضهم زيادة ياء مشددة بعد النون وهي مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم (في سبعة أشهر) أي هذه الأمور الثلاثة تكون في سبعة أشهر قوله (وفي الباب عن الصعب بن جثامة وعبد الله بن بسر وعبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري) أما حديث الصعب بن جثامة فأخرجه أحمد عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يخرج الدجال حتى تذهل الناس عن ذكره وحتى يترك الأئمة ذكره على المنابر وأما حديث عبد الله بن بسر فأخرجه أبو داود عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة وأخرجه أيضا ابن ماجة وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه مسلم وأما حديث أبي سعيد الخدري فلينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجة قال المنذري في إسناده أبو بكر بن أبي مريم ولا يحتج بحديثه قلت وفي سنده أيضا الوليد بن سيفان وهو مجهول تنبيه فإن قلت بين حديث معاذ بن جبل المذكور في الباب وبين حديث عبد الله بن يسير الذي أشار إليه الترمذي تخالف ظاهر فإنه وقع في الأول سبعة أشهر وفي الثاني سبع سنين فما وجه الجمع قلت قال أبو داود بعد رواية حديث عبد الله بن بسر هذا أصح من حديث عيسى إنتهى أراد بحديث عيسى حديث معاذ بن جبل المذكور الذي رواه قبل حديث عبد الله بن بسر قال في فتح الودود هذه إشارة إلى جواب ما يقال بين الحديثين تناف فأشار إلى أن الثاني أرجح إسنادا فلا يعارضه الأول انتهى وقال القاري ففيه (أي في قول أبي داود هذا اصح) دلالة على أن التعارض ثابت والجمع ممتنع والأصح هو المرجح وحاصله أن بين الملحمة العظمى وبين خروج الدجال
[ 413 ]
سبع سنين أصح من سبعة أشهر قوله (عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني كنيته أبو سعيد القاضي ثقة ثبث من الخامسة قوله (فتح القسطنطينة مع قيام الساعة) أي مع قرب قيامها 57 باب ما جاء في فتنة الدجال قوله (أخبرنا الوليد مسلم) القرشي الدمشقي (وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد ابن جابر) الأزدي أبو إسماعيل الدمشقي قال النسائي لا بأس به كذا في الخلاصة قوله (ذات غداة) كلمة ذات مقحمة (فخفض فيه ورفع) بتشديد الفاء فيهما وفي معناه قولان أحدهما إن خفض فيه بمعنى حقره وقوله رفعه أي عظمه وفخمه فمن تحقيره وهو أنه على الله تعالى عوده ومنه قوله صلى الله عليه وسلم هو أهون على الله من ذلك وإنه لا يقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل ثم يعجز عنه وإنه يضمحل أمره ويقتل بعد ذلك هو وأتباعه ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة وإنه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه والوجه الثاني أنه خفض من صوته في حال كثرة ما تكلم فيه فخفض بعد طول الكلام والتعب ليستريح ثم رفع ليبلغ صوته كمالا (في طائفة النخل) أي ناحيته وجانبه (ثم رحنا إليه) من راح يروح قال في القاموس رحت
[ 414 ]
القوم وإليهم وعندهم روحا ورواحا ذهبت إليهم رواحا كروحتهم وتروحتهم وقال فيه والرواح العشي أو من الزوال إلى الليل انتهى (فعرف ذلك) أي أثر خوف الدجال (إن يخرج وأنا فيكم) أي موجود فيم بينكم فرضا وتقديرا (فأنا حجيجه) فعيل بمعنى الفاعل من الحجة وهي البرهان أي غالب عليه بالحجة (دونكم) أي قدامكم ودافعه عنكم وفيه أرشاد أنه صلى الله عليه وسلم كان في المحاجة معه غير محتاج إلى معاونة معاون من أمته في إلى غلبته عليه بالحجة (فأمرؤ حجيج نفسه) بالرفع أي فكل امرئ يحاجه ويحاوره ويغالبه لنفسه (والله خليفتي على كل مسلم) يعني والله سبحانه وتعالى ولي كل مسلم وحافظه فيعينه عليه ويدفع شره (إنه) أي الدجال (شاب قطط) بفتح القاف والطاء أي شديد جعودة الشعر (عينه قائمة) أي باقية في موضعها وفي رواية مسلم عينه طافئة أي مرتفعة (شبيه بعبد العزى بن قطن) بفتحتين قال الطيبي قيل إنه كان يهوديا قال القاري ولعل الظاهر أنه مشترك لأن العزى اسم صنم ويؤيده في بعض ما جاء في الحواشي هو رجل من خزاعة هلك في الجاهلية انتهى (فليقرأ فواتح سورة أصحاب الكهف) أي أوائلها قال الطيبي المعنى أن قراءته أمان له من فتنته كما آمن تلك الفتية من فتنة دقيانوس الجبار (فعاث يمينا وشمالا) قال النووي هو بعين مهملة وثاء مثلثة مفتوحة وهو فعل ماض والعيث الفساد أو أشد الفساد والإسراع فيه يقال منه عاث يعيث وحكى القاضي أنه رواه بعضهم فعاث بكسر الثاء منونة اسم فاعل وهو بمعنى الأول (يا عباد الله البثوا) من اللبث وهو المكث والفعل لبث كسمع وهو نادر لأن المصدر من فعل بالكسر قياسه بالتحريك إذ لم يتعدد وفي رواية مسلم يا عباد الله فاثبتوا من الثبات وكذا في المشكاة قال القاري أي أيها المؤمنون الموجودون في ذلك الزمان أو أنتم أيها المخاطبون على فرض أنكم تدركون ذلك الأوان فاثبتوا على دينكم وإن عاقبكم قال الطيبي هذا من الخطاب العام أراد به من يدرك الدجال من أمته ثم قيل هذا القول منه استمالة لقلوب أمته وتثبيتهم على ما يعاينونه من شر الدجال وتوطينهم على ما هم فيه من الإيمان بالله تعالى واعتقاده وتصديق ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وما لبسه بفتح لام
[ 415 ]
وسكون موحدة أي ما قدر مكثه وتوقفه (قال أربعون يوما يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم) فإن قلت هذا الحديث يدل على أن الرجال يمكث أربعين يوما وحديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كاضطرام السعفة في النار رواه في شرح السنة يدل على أنه يمكث أربعين سنة فما وجه الجمع بينهما قلت قال القاري لعل وجه الجمع بينهما اختلاف الكمية والكيفية كما يشير إليه قوله السنة كالشهر فإنه محمول على سرعة الانقضاء كما أن قوله يوم كسنة محمول على أن الشدة في غاية من الاستقصاء على أنه يمكن اختلافه باختلاف الأحوال والرجال قاله في شرح حديث أسماء بنت يزيد المذكور وقال في شرح حديث النواس بن سمعان الذي رواه مسلم وفيه أربعين يوما ما لفظه والحديث الذي نقله البغوي في شرح السنة لا يصلح أن يكون معارضا لرواية مسلم هذه وعلى تقدير صحته لعل المراد بأحد المكثين مكث خاص على وصف معين مبين عند العالم به انتهى قلت المعتمد هو أن رواية البغوي لا يصلح أن يكون معارضا لحديث مسلم والله تعالى أعلم قال النووي قال العلماء هذا الحديث على ظاهره وهذه الأيام الثلاثة طويلة على هذا القدر المذكور في الحديث يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم وسائر أيامه كأيامكم (ولكن أقدروا له) قال النووي قال القاضي وغيره هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع قالوا لولا هذا الحديث ووكلنا إلى أجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس عند الأوقات المعروفة في غيره من الأيام ومعنى أقدروا له أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة في وقتها وأما الثاني الذي كشهر والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه انتهى (فما سرعته في الأرض) قال الطيبي لعلهم علموا أنه له إسراعا في الأرض فسألوا عن كيفيته كما كانوا عالمين بلبثه فسألوا عن كميته بقولهم ما لبثه أي مامدة لبثه (قال كالغيث) المراد به
[ 416 ]
هنا الغيم إطلاقا للسبب على المسبب أي يسرع في الأرض إسراع الغيم (استدبرته الريح) قال ابن الملك الجملة حال أو صفة للغيث وأل فيه للعهد الذهني والمعنى أن هذا مثال لا يدرك كيفيته ولا يمكن تقدير كميته (فيأتي) أي الدجال (فيدعوهم) أي إلى دعوى ألوهيته (ويردون عليه قوله) أي لا يقبلونه أو يبطلونه بالحجة (ثم يأتي القوم) أي قوما أخرين (فيستجيبون له) فيقبلون ألوهيته (فيأمر السماء) أي السحاب (فتمطر) من الأمطار حتى تجري الأنهار (فتنبت) من الإنبات (فتروح عليهم سارحتهم) أي فترجع بعد زوال الشمس إليهم ماشيتهم التي تذهب بالغدوة إلى مراعيها (كأطول ما كانت) أي السارحة من الإبل (ذرى) بضم الذال المعجمة وحكى كسرها وفتح الراء منونا جمع ذروة مثلثة وهي أعلى السنام وذروة كل شئ أعلاه وهو كناية عن كثرة السمن (وأمده) أي وأمد ما كانت وهو اسم تفضيل من المد (خواصر) جمع خاصرة وهي ما تحت الجنب ومدها كناية عن الامتلاء وكثرة الأكل (وأدره) أفعل التفضيل من الدر وهو اللبن (ضروعا) بضم أوله جمع ضرع وهو الثدي كناية عن كثرة اللبن (ثم يأتي الخربة) بكسر الراء أي الأرض الخربة والبقاع الخربة (أخرجي كنوزك) بضم الكاف جمع كنز أي مدفونك أو معادنك (فينصرف) أي الدجال (منها) أي من الخربة (فتتبعه) الفاء فصيحة أي فتخرج الكنوز فتعقب الدجال (كيعاسيب النحل) أي كما يتبع النحل اليعسوب واليعسوب أمير النحل وذكرها الرئيس الكبير كذا في القاموس والمراد هنا أمير النحل قال القاري وفي الكلام نوع قلب إذ حق الكلام كنحل اليعاسيب انتهى (ثم يدعو) أي يطلب (ممتلئا شبابا) قال الطيبي هو الذي يكون في غاية الشباب (فيضربه بالسيف) أي غضبا عليه لإبائه قبول دعوته الألوهية أو إظهار اللقدرة وتوطئة لخرق العادة (فيقطعه جزلتين) بفتح الجيم وتكسر أي قطعتين وفي رواية مسلم جزلتين رمية الغرض قال القاري أي قدر حذف الهدف فهي منصوبة بقدر وفائدة التقييد به أن يظهر عند الناس أنه هلك بلا شبهة كما يفعله السحرة والمشعبذة وقال النووي معنى رمية الغرض أنه يجعل بين الجزلتين مقدار رميته هذا هو الظاهر المشهور وحكى القاضي هذا ثم
[ 417 ]
قال وعندي أن فيه تقديما وتأخيرا وتقديره فيصيبه إصابة رمية الغرض فيقطعه جزلتين والصحيح الأول انتهى فيقبل أي الرجل الشاب على الدجال (يتهلل) أي يتلألأ ويضئ (يضحك) حال من فاعل يقبل أي يقبل ضاحكا بشاشا فيقول هذا كيف يصلح إلها (فبينما هو) أي الرجل (كذلك) أي على ذلك الحال (إذ هبط) أي نزل (بشرقي) بالإضافة (دمشق) بكسر الدال وفتح الميم وهذا هو المشهور وحكى صاحب المطالع كسر الميم وهذا الحديث من فضائل دمشق (عند المنارة) بفتح الميم قال النووي هذه المنارة موجودة اليوم شرقي دمشق وقال القاري ذكر السيوطي في تعليقه على ابن ماجة أنه قال الحافظ ابن كثير في رواية أن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل ببيت المقدس وفي رواية بالأردن وفي رواية بمعسكر المسلمين قلت حديث نزول ببيت المقدس عند ابن ماجة وهو عندي أرجح ولا ينافي سائر الروايات لأن ببيت المقدس شرقي دمشق وهو معسكر المسلمين أذ ذاك والأردن اسم الكورة كما في الصحاح وبيت المقدس داخل فيه وإن لم يكن في بيت المقدس الآن منارة فلا بد أن تحدث قبل نزوله انتهى (بين مهرودتين) قال النووي المهرودتان روى بالدال المهملة والذال المعجمة والمهملة أكثر والوجهان مشهوران للمتقدمين والمتأخرين من أهل اللغة والغريب وغيرهم وأكثر ما يقع في النسخ بالمهملة كما هو المشهور ومعناه لابس مهرودتين أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران وقيل هما شقتا والشقة نصف الملاءة وقال الجزري في النهاية قال ابن الأنباري القول عندنا في الحديث بين مهرودتين يروى بالدال والذال أي بين ممصرتين على ما جاء في الحديث ولم نسمعه إلا فيه وكذلك أشياء كثيرة لم تسمع إلا في الحديث والممصرة من الثياب التي فيها صفرة خفيفة وقيل المهرود الثوب الذي يصبغ بالعروق والعروق يقال لها الهرد انتهى (واضعا يده) وفي رواية مسلم كفيه (إذا طأطأ) بهمزتين أي خفض (تحدر) ماض معلوم من التحدر أي نزل وقطر (جمان كاللؤلؤ) بضم الجيم وتخفيف الميم هي حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار والمراد يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفاته فسمي الماء جمانا لشبهه به في الصفاء (ريح نفسه) بفتح النون والفاء (يعني أحد) هذا بيان لفاعل يجد من بعض الرواة أي لا يجد أحد من الكفار (إلا مات) قال القاري من الغريب أن نفس عيسى عليه الصلاة والسلام تعلق به الإحياء لبعض والإماتة لبعض (وريح نفسه منتهى بصره) وفي رواية
[ 418 ]
مسلم ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه (فيطلبه) أي يطلب عيسى عليه الصلاة والسلام الدجال (حتى يدركه بباب لد) قال النووي هو بضم اللام وتشديد الدال مصروف وهو بلدة قريبة من بيت المقدس وقال في النهاية لد موضع بالشام وقيل بفلسطين (أن حوز عبادي إلى الطور) بفتح الحاء المهملة وكسر الواو المشددة وبالزاي أمر من التحويز أي نحهم وأزلهم عن طريقهم إلى الطور (قد أنزلت عبادا لي) وفي رواية مسلم قد أخرجت عبادا لي أي أظهرت جماعة وهم يأجوج ومأجوج (لا يدان) بكسر النون تثنية يد قال العلماء معناه لا قدرة ولا طاقة يقال مالي بهذا الأمر يد ومالي به يدان لأن المباشرة والدفع إنما يكون باليد وكأن يديه معدومتان لعجزه عن دفعه (وهم من كل حدب) بفتحتين أي مكان مرتفع من الأرض (ينسلون) أي يمشون مسرعين (ببحيرة الطبرية) بالإضافة وبحيرة تصغير بحرة وهي ماء مجتمع بالشام طوله عشرة أميال والطبرية بفتحتين اسم موضع (فهلم) أي تعال والخطاب لأميرهم وكبيرهم أو عام غير مخصوص بأحدهم وفي النهاية فيه لغتان فأهل الحجاز يطلقونه على الواحد والاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد مبنى على الفتح وبنو تميم تثني وتجمع وتؤنث تقول هلم وهلمي وهلما وهلموا (فيرمون بنشابهم) بضم فتشديد مفرده نشابة والباء زائدة أي سهامهم (ويحاصر) بصيغة المجهول أي يحبس في جبل الطور (حتى يكون رأس الثور يومئذ خيرا لهم من مائة دينار (لأحدكم اليوم) قال التوربشتي أي تبلغ بهم الفاقة إلى هذا الحد إنما ذكر رأس الثور ليقاس البقية عليه في القيمة (فيرغب عيسى بن مريم إلى الله وأصحابه) قال القاضي أي يرغبون إلى الله تعالى في إهلاكهم وإنجائهم عن مكابدة بلائهم ويتضرعون إليه فيستجيب الله فيهلكهم بالنغف كما قال (فيرسل الله عليهم) أي على
[ 419 ]
يأجوج ومأجوج (النغف) بنون وغين معجمة مفتوحتين ثم فاء وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم الواحدة نغف (فيصحون فرسى) كهلكى وزنا ومعنى وهو جمع فريس كقتيل وقتلى من فرس الذئب الشاة إذا كسرها وقتلها ومنه فريسة الأسد (كموت نفس واحدة) لكمال القدرة وتعلق المشيئة قال تعالى ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة (ويهبط) أي ينزل من الطور (وقد ملأئه زهمتهم) وفي رواية مسلم زهمهم بغير التاء قال النووي هو بفتح الهاء أي دسمهم ورائحتهم الكريهة (فيرسل الله عليهم طيرا كأعناق البخت) بضم موحدة وسكون معجمة نوع من الأبل أي طيرا أعناقها في الطول والكبر كأعناق البخت والطير جمع طائرة وقد يقع على الواحد (فتطرحهم بالمهبل) بفتح الميم وسكون الهاء وكسر الموحدة قال في النهاية هو الهوة الذاهبة في الأرض (ويستوقد المسلمون من قسيهم) بكسرتين فتشديد تحتية جمع قوس والضمير ليأجوج ومأجوج (ونشابهم) أي سهامهم (وجعابهم) بكسر الجيم جمع جعبة بالفتح وهي ظرف النشاب (لا يكن) بفتح الياء وضم الكاف وتشديد النون من كننت الشئ أي سترته وصنته عن الشمس وهي من أكننت الشئ بهذا المعنى والمفعول محذوف والجملة صفة مطرا أي لا يستر ولا يصون شيئا (منه) أي من ذلك المطر (بيت وبر) أو صوف أو شعر (ولا مدر) بفتح الميم والدال وهو الطين الصلب والمراد تعميم بيوت أهل البدو والحضر (فيغسل) أي المطر (فيتركها كالزلفة) بفتح الزاي واللام ويسكن وبالفاء وقيل بالقاف وهي المرآة بكسر الميم وقيل ما يتخذ لجمع الماء من المصنع والمراد أن الماء يعم جميع الأرض بحيث يرى الرائي وجهه فيه (تأكل العصابة) بكسر العين أي الجماعة (ويستظلون بقحفها) بكسر القاف أي بقشرها قال النووي هو مقعر قشرها شبهها بقحف الآدمي وهو الذي فوق الدماغ وقيل ما انفلق من جمجمته وانفصل انتهى (ويبارك في الرسل) بكسر الراء وسكون السين أي اللبن (حتى إن الفئام) بكسر الفاء وبعدها همزة ممدودة
[ 420 ]
وهي الجماعة الكثيرة (ليكتفون باللقحة) بكسر اللام وفتحها لغتان مشهورتان والكسر أشهر وهي القريبة العهد بالولادة وجمعها لقح بكسر اللام وفتح القاف كبركة وبرك واللقوح ذات اللبن وجمعها لقاح (وإن الفخذ) قال النووي قال أهل اللغة الفخذ الجماعة من الأقارب وهم دون البطن والبطن دون القبيلة قال القاضي قال ابن فارس الفخذ هنا بإسكان الخاء لا غير فلا يقال إلا بإسكانها بخلاف الفخذ التي هي العضو فإنها تكسر وتسكن انتهى (ويبقى سائر الناس) وفي رواية مسلم ويبقى شرا الناس (يتهارجون كما يتهارج الحمر) أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون لذلك والهرج بإسكان الراء الجماع يقال هرج زوجته أي جامعها يهرجها بفتح الراء وضمها وكسرها (فعليهم تقوم الساعة) أي لا على غيرهم وفي حديث ابن مسعود لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس وفي حديث أنس لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله رواهما مسلم قوله (هذا حديث غريب حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم 58 باب ما جاء في صفة الدجال قوله (كأنها عنبة) أي شبيهة بها (طافية) بكسر الفاء وبالتحتية قال الحافظ في الفتح قوله كأن عينه عنبة طافية بياء غير مهموزة أي بارزة ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوؤها قال القاضي عياض رويناه عن الأكثر بغير همز وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها قال وضبطه بعض الشيوخ بالهمز وأنكره بعضهم
[ 421 ]
ولا وجه لإنكاره فقد جاء في آخر أنه ممسوح العين مطموسة وليست جحراء ولا ناتئة وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها وهو يصحح رواية الهمز قلت الحديث المذكور عند أبي داود يوافقه حديث عبادة بن الصامت ولفظه رجل قصير أفحج بفاء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم جيم من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين أو الفخذين وقيل تداني صدور القدمين مع تباعد العقبين وقيل هو الذي في رجله أعوجاج وفي الحديث المذكور جعله أعور مطموس العين ليست بناتئة بنون ومثناة ولا جحراء بفتح الجيم وسكون المهملة ممدودة أي عميقة وبتقديم الحد أي ليست متصلبة وفي حديث عبد الله بن مغفل ممسوح العين وفي حديث سمرة مثله وكلاهما عند الطبراني ولكن في حديثهما أعور العين اليسرى ومثله لمسلم من حديث حذيفة وهذا بخلاف قوله في حديث الباب أعور العين اليمنى وقد اتفقا عليه من حديث ابن عمر فيكون أرجح وإلى ذلك أشار ابن عبد البر لكن جمع بينهما القاضي عياض فقال تصحح الروايتان معا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي التي ذهب ضوؤها وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخامة في حائط هي الطافية بلا همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معا فكل واحدة منهما عوراء أي معيبة فإن الأعور من كل شئ المعيب وكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها والأخرى بنتوئها انتهى قال النووي هو في نهاية الحسن إنتهى كلام الحافظ وقد بسط الكلام هنا في الفتح من شاء الوقوف عليه فليراجعه قوله (وفي الباب عن سعد وحذيفة الخ) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه أحمد وأما حديث حذيفة فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان أيضا وأما حديث أسماء وهي بنت يزيد بن السكن فأخرجه البغوي في شرح السنة وتقدم لفظه ولها حديث آخر ذكره صاحب المشكاة في الفصل الثاني من باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال وأما حديث جابر فأخرجه أيضا في شرح السنة وأما حديث أبي بكرة فأخرجه الترمذي في باب ذكر ابن صياد وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي بعد بابين وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان
[ 422 ]
59 باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة قوله (فيجد الملائكة يحرسونه في حديث محجن الأدرع عند أحمد والحاكم في ذكر المدينة ولا يدخلها الدجال إن شاء الله كلما أراد دخولها تلقاه بكل نقب من نقابها ملك مصلت سيفه يمنعه عنها وعند الحاكم من طريق أبي عبد الله القراظ سمعت سعد بن مالك وأبا هريرة يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم بارك لأهل المدينة الحديث وفيه إلا أن الملائكة مشتبكة بالملائكة على كل نقب من أنقابها ملكان يحرسانها لا يدخلها الطاعون ولا الدجال قال ابن العربي يجمع بين هذا وبين قوله على كل نقب ملكا إن سيف أحدهما مسلول والآخر بخلافه (فلا يدخلها الطاعون ولا الدجال إن شاء الله) قيل هذا الاستثناء محتمل للتعليق ومحتمل للتبرك وهو أولى وقيل إنه يتعلق بالطاعون فقط وفيه نظر وحديث محجن بن الأدرع المذكور آنفا يؤيد أنه لكل منهما قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وفاطمة بنت قيس الخ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما حديث فاطمة بنت قيس فأخرجه مسلم وفيه ذكر الجساسة والدجال وفيه وإني مخبركم عني إني أنا المسيح الدجال فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة وأما حديث محجن فأخرجه أحمد والحاكم وقد تقدم لفظه وأما حديث أسامة بن زيد فلينظر من أخرجه وأما حديث سمرة بن جندب فأخرجه أحمد في مسنده ص 71 ج 5 قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري قوله (الإيمان يمان) هو نسبة الايمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب
[ 423 ]
وعوض بالألف بدلها فلا يجتمعان وفي رواية للشيخين أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا الايمان يمان والحكمة يمانية وفي أخرى لهما أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبا وأرق أفئدة الفقه يمان والحكمة يمانية وفي حديث أبي مسعود عند البخاري أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده نحو اليمن فقال الايمان يمان ههنا قال النووي في شرح مسلم أما ما ذكر من نسبة الايمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث أن مبدأ الايمان من مكة ثم من المدينة حرسها الله تعالى فحكى أبو عبيد أمام الغريب ثم من بعده في ذلك أقوالا أحدها أراد بذلك مكة فإنه يقال أن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن والثاني المراد مكة والمدينة فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة فقال الايمان يمان فنسبهما إلى اليمن لكونهما حينئذ من ناحية اليمن كما قالوا الركن اليماني وهو بمكة لكونه إلى ناحية اليمن والثالث ما ذهب إليه كثير من الناس وهو أحسنها عند أبي عبيد أن المراد بذلك الأنصار لأنهم يمانون في الأصل فنسب الايمان إليهم لكونهم أنصاره قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره وتأملوها لصاروا إلى غير ما ذكروه ولما تركوا الظاهر ولفظوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك إذ من ألفاظه أتاكم أهل اليمن والأنصار من جملة المخاطبين بذلك فهم إذا غيرهم وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم جاء أهل اليمن وإنما جاء حينئذ غير الأنصار ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضى بكمال إيمانهم ورتب عليه الايمان يمان وكان ذلك إشارة للايمان إلى من أتاه من أهل اليمن لا إلى مكة والمدينة ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمله على أهل اليمن حقيقة لأن من اتصف بشئ وقوى قيامه به وتأكد اضطلاعه منه نسب ذلك الشئ إليه إشعارا بتميزه به وكمال حاله فيه وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الايمان وحال الوافدين منه في حياته صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الايمان إليهم لذلك إشعارا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم الايمان في أهل الحجاز ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان فإن اللفظ لا يقتضيه هذا هو الحق في ذلك (والكفر من قبل المشرق) وفي رواية للشيخين رأس الكفر قبل المشرق وهو بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته وفي ذلك
[ 424 ]
إشارة إلى شدة كفر المجوس لأن مملكة الفرس ومن أطاعهم من العرب كانت من جهة المشرق بالنسبة إلى المدينة وكانوا في غاية القوة والتجبر حتى مزق ملكهم كتاب النبي صلى الله عليه وسلم واستمرت الفتن من قبل المشرق (والسكينة لأهل الغنم) السكينة تطلق على الطمأنينة والسكون والوقار والتواضع وإنما خص أهل الغنم بذلك لأنهم غالبا دون أهل الابل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء وقيل أراد بأهل الغنم أهل اليمن لأن غالب مواشيهم الغنم بخلاف ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل وروى ابن ماجة من حديث أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها أتخذي الغنم فإن فيها بركة (والفخر) هو الافتخار وعد الماثر القديمة تعظيما (في الفدادين) قال النووي الصواب في الفدادين بتشديد الدال جمع فداد بدالين أولاهما مشددة وهذا قول أهل الحديث والأصمعي وجمهور أهل اللغة وهو من الفديد وهو الصوت الشديد فهم الذين تعلو أصواتهم في إبلهم وخيلهم وحروثهم ونحو ذلك انتهى (أهل الخيل وأهل الوبر) بالجر بدل أو بيان والوبر بفتح الواو الموحدة شعر الابل أي ليسوا من أهل المدر لأن العرب تعبر عن أهل الحضر بأهل المدر وعن أهل البادية بأهل الوبر لأن بيوتهم غالبا خيام من الشعر (يأتي المسيح) أي الدجال وإنما سمي به لأن عينه الواحدة ممسوحة (دبر أحد) بضم الدال الموحدة أي خلف أحد وهو بضمتين جبل معروف بينه وبين المدنية أقل من فرسخ (قبل الشام) أي نحوه قوله وأخرجه الشيخان 60 باب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال قوله (أنه سمع عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة الأنصاري) المدني وقيل عبد الله ابن عبيد الله شيخ الزهري لا يعرف واختلف في إسناد حديثه من الثالثة (عن عبد الرحمن بن يزيد الأنصاري)
[ 425 ]
المدني هو أخو عاصم بن عمر لأمه يقال ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وذكره ابن حبان في ثقات التابعين (مجمع) بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الميم المكسورة بدل من عمي (بن جارية) بالجيم ابن عامر الأنصاري الأوسي المدني صحابي مات في خلافة معاوية قوله (بباب لد) تقدم ضبطه ومعناه في باب فتنة (الدجال) قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين ونافع بن عتبة الخ) أما أحاديث عمران بن حصين ونافع بن عتبة وأبي برزة وعثمان بن أبي العاص وجابر وسمرة بن جندب وحذيفة بن اليمان فأخرجها أحمد في مسنده وأما حديث حذيفة بن أسيد فأخرجه الحاكم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أبو داود وابن ماجة وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه كذا في الفتح وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم وأما حديث النواس بن سمعان فأخرجه الترمذي في باب فتنة الدجال وأما حديث كيسان وحديث عمرو بن عوف فلينظر من أخرجهما قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد في مسنده والطبراني في الكبير قوله (ألا إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور) قال النووي هو بيان علامة تدل على كذب
[ 426 ]
الدجال دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية لكون بعض العوام لا يهتدي إليها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان 61 باب ما جاء في ذكر ابن صياد قال النووي في شرح مسلم يقال له ابن صياد وابن صائد وسمي بها في الأحاديث وإسمه صاف قال العلماء وقصته مشكلة وأمره مشتبه في أنه هل هو المسيح الدجال المشهور أم غيره ولا شك في أنه دجال من الدجاجلة قال العلماء وظاهر الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوح إليه بأنه المسيح الدجال ولا غيره وإنما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقطع بأنه الدجال ولا غيره ولهذا قال لعمر رضي الله تعالى عنه إن يكن هو فلن تستطيع قتله وأما احتجاجه بأنه هو مسلم والدجال كافر وبأنه لا يولد للدجال وقد ولد له بنون وأنه لا يدخل مكة والمدينة وأن ابن صياد دخل المدينة وهو متوجه إلى مكة فلا دلالة له فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أخبر عن صفاته وقت فتنته وخروجه في الأرض ومن اشتباه قصته وكونه أحد الدجاجلة الكذابين قوله للنبي صلى الله عليه وسلم أتشهد أني رسول الله ودعواه أنه يأتيه صادق وكاذب وأنه يرى عرشا فوق الماء وأنه لا يكره أن يكون هو الدجال وأنه يعرف موضعه وقوله إني لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الان وانتفاخه حتى ملأ السكة وأما إظهاره الاسلام وحجه وجهاده وإقلاعه عما كان عليه فليس بصريح في أنه غير الدجال قال الخطابي واختلف السلف في أمره بعد كبره فروى عنه أنه تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس وقيل لهم اشهدوا قال وكان ابن عمر وجابر فيما روى عنهما يحلفان أن ابن صياد هو الدجال لا يشكان فيه فقيل لجابر إنه أسلم فقال وإن أسلم فقيل إنه دخل مكة وكان في المدينة فقال وإن دخل وروى أبو داود في سننه بإسناد صحيح عن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة وهذا يبطل رواية من روى أنه مات بالمدينة وصلي عليه وقد روى مسلم في هذه الأحاديث أن جابر بن عبد الله حلف بالله تعالى أن ابن صياد هو الدجال وأنه سمع عمر رضي الله عنه يحلف على ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم فلم
[ 427 ]
ينكره النبي صلى الله عليه وسلم وروى أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول والله ما أشك في أن ابن صياد هو المسيح الدجال قال البيهقي في كتابه البعث والنشور اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا هل هو الدجال قال ومن ذهب إلى أنه غيره احتج بحديث تميم الداري في قصة الجساسة الذي ذكره مسلم بعد هذا قال ويجوز أن توافق صفة ابن صياد صفة الدجال كما ثبت في الصحيح أن أشبه الناس بالدجال عبد العزى بن قطن وليس هو هو قال وكان أمر ابن صياد فتنة ابتلى الله تعالى بها عباده فعصم الله تعالى منها المسلمين ووقاهم شرها قال وليس في حديث جابر أكثر من سكوت النبي صلى الله عليه وسلم وقول عمر فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان كالمتوقف في أمره ثم جاءه البيان أنه غيره كما صرح به في حديث تميم هذا كلام البيهقي واختار أنه غيره وقدمنا أنه صح عن عمرو عن ابن عمر وجابر رضي الله عنهم أنه الدجال والله أعلم فإن قيل كيف لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ادعى بحضرته النبوة فالجواب من وجهين ذكرهما البيهقي وغيره أحدهما أنه كان غير بالغ واختار القاضي عياض هذا الجواب والثاني أنه كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم وجزم الخطابي في معالم السنن بهذا الجواب الثاني قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة كتب بينه وبين اليهود كتاب صلح على أن لا يهاجوا ويتركوا على أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلا فيهم قوله (حدثنا سفيان بن وكيع) هو أبو محمد الرواسي (أخبرنا عبد الأعلى) هو ابن عبد الأعلى البصري الشامي (عن الجريري) هو سعيد بن إياس (عن أبي نضرة) هو العبدي قوله (إما حجاجا وإما معتمرين) حال من فاعل صحب ومفعوله (وتركت) بصيغة المجهول (فلما خلصت به) أي انفرد ت به (اقشعررت منه) قال في القاموس اقشعر جلده أخذته قشعريرة أي رعدة (حيث تلك الشجرة) أي عندها (هذا اليوم يوم صائف) أي حار (ثم اختنق)
[ 428 ]
أي أعصر حلقي بذلك الحبل وأموت (وهو) ضمير الشأن (ذا) أي ابن صياد وفيه التفات من التكلم إلى الغيبة (فلعله مكذوب عليه) أي ظننت أن ما يقوله النا س في حقه من أنه دجال هو كذب عليه (والله إني لأعرفه وأعرف والده وأين هو الساعة من الأرض) زاد مسلم قال فلبسني قال النووي بالتخفيف أي جعلني التبس في أمره وأشك فيه قال القاري يعني حيث قال أولا أنا مسلم ثم أدعى الغيب بقوله أني لأعلم ومن ادعى علم الغيب فقد كفر فالتبس على إسلامه وكفره (فقلت تبا لك) بتشديد الموحدة أي هلاكا وخسرانا (سائر اليوم) أي جميع اليوم أو باقية أي ما تقدم من اليوم قد خسرت فيه فكذا في باقية قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم قوله (عند أطم) بضمتين القصر وكل حصن مبني بحجارة وكل بيت مربع مسطح الجمع أطام وأطوم (بني مغالة) قال النووي في شرح مسلم هكذا هو في بعض النسخ بني مغالة وفي بعضها ابن مغالة والأول هو المشهور والمغالة بفتح الميم وتخفيف الغين المعجمة وذكر مسلم في روايته الحسن الحلواني التي بعد هذه أنه أطم بني معاوية بضم الميم وبالعين المهملة قال العلماء المشهور المعروف هو الأول قال القاضي وبنو مغالة كل ما كان على يمينك إذا وقفت اخر البلاط مستقبل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو غلام) وفي رواية مسلم وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم (فلم يشعر) بضم العين (ظهره) أي ظهر ابن صياد (ثم قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (قال أشهد أنك رسول الأميين) قال القاضي يريد بهم العرب لأن أكثرهم كانوا لا يكتبون ولا يقرأون وما ذكره
[ 429 ]
وإن كان حقا من قبل المنطوق لكنه يشعر بباطل من حيث المفهوم وهو أنه مخصوص بالعرب غير مبعوث إلى العجم كما زعمه بعض اليهود وهو إن قصد به ذلك فهو من جملة ما يلقي إليه الكاذب الذي يأتيه وهو شيطانه انتهى وفي حديث عبد الله بن مسعود عند مسلم فقال لا بل تشهد أني رسول الله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم امنت بالله ورسوله) قال الطيبي الكلام خارج على إرخاء العنان أي امنت بالله ورسله فتفكر هل أنت منهم انتهى قال القاري وفيه إبهام تجويز التردد في كونه من الرسل أم لا ولا يخفى فساده فالصواب أنه عمل بالمفهوم كما فعله الدجال فالمعنى أني امنت برسله وأنت لست منهم فلو كنت منهم منت بك وهذا أيضا على الفرض والتقدير أو قبل أن يعلم أنه خاتم النبيين وإلا فبعد العلم بالخاتمة فلا يجوز أيضا الفرض والتقدير به انتهى (يأتيني صادق) أي خبر صادق تارة (وكاذب) أي أخرى وقيل حاصل السؤال أن الذي يأتيك ما يقول لك ومجمل الجواب أنه يحدثني بشئ قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا (فقال النبي صلى الله عليه وسلم خلط) بصيغة المجهول من التخليط قال النووي أي ما يأتيك به شيطانك مخلط قال الخطابي معناه أنه كان له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها فلذلك التبس عليه الأمر (وإني قد خبأت) أي أضمرت في نفسي (خبيئا) أي اسما مضمرا لتخبرني به (وهو الدخ) قال النووي هو بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان وحكى صاحب نهاية الغريب فيه فتح الدال وضمها والمشهور في كتب اللغة والحديث ضمها فقط والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان وأنها لغة فيه وخالفهم الخطابي فقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم كما قال بل الدخ بيت موجود بين النخيل والبساتين قال إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان فيجوز الصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له اية الدخان وهي قوله تعالى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين قال القاضي قال الداودي وقيل كانت سورة الدخان مكتوبة في يده صلى الله عليه وسلم وقيل كتب الاية في يده قال القاضي وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الاية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه
[ 430 ]
الشهاب انتهى قال صاحب اللمعات هذا إما لكونه صلى الله عليه وسلم تكلم في نفسه أو كلم بعض أصحابه فسمعه الشيطان فألقاه إليه انتهى (اخسأ) بفتح السين وسكون الهمزة كلمة زجر واستهانة من الخسؤ وهو زجر الكلب أي امكث صاغرا أو ابعد حقيرا أو اسكت مزجورا (فلن تعدو) بضم الدال أي فلن تجاوز (قدرك) أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشئ ومالا يبين منه حقيقته ولا يصل به إلى بيان وتحقيق أمور الغيب ذكره النووي وقال الطيبي أي لا تتجاوز عن إظهار الخبيات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة إلى دعوى النبوة فتقول أتشهد أني رسول الله (إن يك حقا) أي إن يك ابن صياد دجالا (فلن تسلط عليه) وفي حديث عبد الله بن مسعود عند مسلم دعه فإن يكن الذي تخاف لن تستطيع قتله (فلا خير لك في قتله) أي إما لكونه صغيرا أو ذميا وفي حديث في شرح السنة إن يكن هو فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى ومريم وإلا يكن هو فليس لك أن تقتل رجلا من أهل العهد وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضا الشيخان وأبو داود قوله (وله ذؤابة) بالضم الناصية أو منبتها من الرأس كذا في القاموس وقال في النهاية الذؤابة الشعر المضفور من شعر الرأس (قال أرى عرشا) أي سريرا (قال أرى صادقا وكاذبين أو صادقين وكاذبا) هذا الشك من ابن صياد في عدد الصادق والكاذب يدل على افترائه إذ المؤيد من عند الله لا يكون كذلك (لبس) بصيغة المجهول من اللبس أو التلبيس أي خلط عليه أمره (فدعاه) بصيغة الأمر للتثنية من ودع يدع أي اتركاه وفي رواية مسلم دعوه
[ 431 ]
قوله (وفي الباب عن عمر وحسين بن علي الخ) أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب وقد مر وله حديث اخر عند مسلم وأما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد وأما حديث ابن مسعود وحديث جابر فأخرجهما مسلم وأما حديث حفصة فأخرجه أحمد وأما حديث عمر وحديث حسين بن علي فلينظر من أخرجهما قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم قوله (وأقله منفعة) أي أقل شئ منفعة (تنام عيناه ولا ينام قلب) قال القاضي أي لا تقطع أفكاره الفاسدة عنه عند النوم لكثرة وساوسه وتخيلاته وتواتر ما يلقي الشيطان إليه كما لم يكن ينام قلب النبي صلى الله عليه وسلم من أفكاره الصالحة بسبب ما تواتر عليه من الوحي وا لهام (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (أبوه طوال) بضم الطاء وتخفيف الواو مبالغة طويل والمشدد أكثر مبالغة لكن الأول هو الرواية (ضرب اللحم) قال في النهاية هو الخفيف اللحم المستدق وفي صفة موسى عليه الصلاة والسلام أنه ضرب من الرجال (كأن) بتشديد النون (أنفه منقار) بكسر الميم أي في أنفه طول بحيث يشبه منقار طائر (وأمه امرأة فرضاخية) بكسر الفاء وتشديد التحتية أي ضخمة عظيمة ذكره القاضي وفي الفائق هي صفة بالضخم وقيل بالطول والياء مزيدة فيه للمبالغة كأحمري وفي القاموس رجل فرضاخ ضخم عريض أو طويل وهي بهاء أو امرأة فرضاخة أو فرضاخية عظيمة الثديين وفي النهاية فرضاخية ضخمة عظيمة الثديين (فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما) أي وصفه موجود
[ 432 ]
فيهما (فإذا هو) أي الغلام (منجدل بكسر الدال قال الطيبي أي ملقى على الجدالة وهي الأرض ومنه الحديث أنا خاتم الأنبياء في أم الكتاب وادم لمنجدل في طينته (في قطيفة) أي دثار مخمل على ما في القاموس (وله همهمة) أي زمزمة وقيل أي كلام غير مفهوم منه شئ وهي في الأصل ترديد الصوت في الصدر انتهى وفي النهاية وأصل الهمهمة صوت البقر (فكشف) أي ابن صياد (عن رأسه) أي غطاءه (فقال ما قلتما) فكأنه وقع كلام بينهما فيه أو في غيره قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في سنده على بن زيد ابن جدعان وهو ضعيف عند غير الترمذي 62 باب قوله (ما على الأرض نفس منفوسة) أي مولودة (يأتي عليها مائة سنة) قال النووي المراد أن كل نفس منفوسة كانت الليلة على الأرض لا يعيش بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمره قبل ذلك أم لا وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة سواء قل منفوسة أي مولودة وفيه احتراز من الملائكة قال الحافظ في الفتح في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء قال النووي وغيره احتج البخاري ومن قال بقوله بهذا الحديث على موت الخضر والجمهور على خلافه وأجابوا عنه بأن الخضر كان حينئذ من ساكني البحر فلم يدخل في الحديث قالوا ومعنى الحديث لا يبقى ممن ترونه أو تعرفونه فهو عام أريد به الخصوص وقيل احترز بالأرض عن الملائكة وقالوا خرج عيسى من ذلك وهو حي لأنه في السماء لا في الأرض
[ 433 ]
وخرج إبليس لأنه على الماء أو في الهواء وأبعد من قال إن اللام في الأرض عهدية والمراد أرض المدينة والحق وأنها للعموم تتناول جميع بني ادم وأما من قال المراد أمة محمد سواء أمة الإجابة وأمة الدعوة وخرج عيسى والخضر لأنهما ليسا من أمته فهو قول ضعيف لأن عيسى يحكم بشريعته فيكون من أمته والقول في الخضر إن كان حيا كالقول في عيسى وقال في باب حديث الخضر مع موسى عليهما السلام والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادي وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي وطائفة وعمدتهم الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في اخر حياته لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد قال ابن عمر أراد بذلك انخرام قرنه ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وحديث ابن عباس ما بعث اللنبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي وقال صلى الله عليه وسلم رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما فلو كان الخضر موجودا لما حسن التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان ادعى لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب وجاء في اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي فذهب إليه فقال قل له إن الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور قال فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر إسناده ضعيف ثم ذكر الحافظ أحاديث واثار مع الكلام على كل أحد منها ثم قال وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية ابن عبيدة قال رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل قال رأيته قلت نعم قال أحسبك رجلا صالحا ذاك أخي الخضر بشرني أني سأولى وأعدل لا بأس برجاله ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فإن ذلك كان قبل المائة انتهى كلام الحافظ
[ 434 ]
قلت القول الراجح عندي هو ما جزم به البخاري وغيره ولم أر حديثا مرفوعا صحيحا يدل على أن الخضر موجود الآن والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي سعيد وبريدة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم عنه قال لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك سألوه عن الساعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم وأما حديث بريدة فلينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم قوله (وأبي بكر بن سليمان) قال في التقريب أبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة عبد الله بن حذيفة العدوي المدني ثقة عارف بالنسب من الرابعة قوله (في اخر حياته) جاء مقيدا في رواية جابر عند مسلم أن ذلك كان قبل موته صلى الله عليه وسلم بشهر (فقال أرأيتكم) قال الحافظ هو بفتح المثناة لأنها ضمير المخاطب والكاف ضمير ثان لا محل لها من الإعراب والهمزة الأولى للاستفهام والرؤية بمعنى العلم أو البصر والمعنى أعلمتم أبصرتم ليلتكم وهي منصوبة على المفعولية والجواب محذوف تقديره قالوا نعم قال فاضبطوها انتهى (على رأس مائة سنة) أي عند انتهاء مائة سنة (لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) أي لا يبقى أحد ممن هو موجود اليوم على ظهر الأرض (فوهل الناس) بفتح الهاء أي غلطوا يقال وهل بفتح الهاء يهل بكسرها وهلا أي غلط وذهب وهمه إلى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أو هل بفتحها وهلا كحذرت أحذر حذرا فمعناه فزعت والوهل بالفتح الفزع (في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثونه بهذه الأحاديث نحو مائة سنة) وفي رواية البخاري فوهل الناس في مقالة
[ 435 ]
النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يتحدثون في هذه الأحاديث عن مائة سنة قال الحافظ لأن بعضهم كان يقول إن الساعة تقوم عند تقضي مائة سنة كما روى ذلك الطبراني وغيره من حديث أبي مسعود البدري ورد ذلك عليه علي بن أبي طالب انتهى (يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن) قال الحافظ قد بين ابن عمر في هذا الحديث مراد النبي صلى الله عليه وسلم وإن مراده أن عند انقضاء مائة سنة من مقالته تلك ينخرم ذلك القرن فلا يبقى أحد ممن كان موجودا حال تلك المقالة وكذلك وقع بالاستقراء فكان اخر من ضبط أمره ممن كان موجودا حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان اخر الصحابة موتا وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان 63 باب ما جاء في النهي عن سب الرياح قوله (عن أبي بن كعب) بن قيس الأنصاري الخزرجي كنيته أبو المنذر سيد القراء ويكنى أبا الطفيل أيضا من فضلاء الصحابة اختلف في سنة موته اختلافا كثيرا قيل سنة تسع عشرة وقيل سنة تسع اثنتين وثلاثين وقيل غير ذلك قوله (لا تسبوا الريح) فإن المأمور معذور وفي حديث ابن عباس الذي أشار إليه الترمذي لا تلعنوا الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه (فإذا رأيتم ما تكرهون) أي ريحا تكرهونها لشدة حرارتها أو برودتها أو تأذيتم لشدة هبوبها (فقولوا) أي راجعين إلى خالقها وامرها (اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح) أي خير ذاتها (وخير ما فيها) أي
[ 436 ]
من منافعها كلها (وخير ما أمرت به) أي بخصوصها في وقتها وهو بصيغة المفعول وقال الطيبي يحتمل الفتح على الخطاب وشر ما أمرت به على بناء المفعول ليكون من قبيل (أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم) وقوله صلى الله عليه وسلم الخير كله بيدك والشر ليس إليك قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة الخ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجة والبيهقي في الدعوات الكبير كذا في المشكاة وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب اللعنة من أبواب البر والصلة وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي في اليوم والليلة 64 باب قوله (صعد المنبر) وفي رواية مسلم وأبو داود فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وفيه دلالة على جواز وعظ الواعظ الناس جالسا على المنبر وأما الخطبة يوم الجمعة فلا بد للخطيب أن يخطبها قائما (فضحك) وفي رواية مسلم وهو يضحك أي يبتسم ضاحكا على عادته الشريفة (فقال إن تميما الداري) هو منسوب إلى جد له اسمه الدار (حدثني بحديث ففرحت فأحببت أن أحدثكم) وفي رواية مسلم فقال ليلزم كل إنسان مصلاه ثم قال أتدرون لم جمعتكم قالوا الله ورسوله أعلم قال إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال (أن ناسا من أهل فلسطين) بكسر فاء وفتح لام كورة ما بين الأردن وديار مصر وأم ديارها بيت
[ 437 ]
المقدس كذا في المجمع (ركبوا سفينة في البحر) وفي رواية مسلم حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام (فجالت بهم) قال في القاموس أجاله وبه أداره كجال به واجتالهم حولهم عن قصدهم وفي رواية مسلم فلعب بهم الموج شهرا (حتى قذفتهم) أي ألقتهم (فإذا هم بدابة لباسة) قال في القاموس رجل لباس ككتان كثير اللباس انتهى لكن معناه ها هنا الظاهر أنه ملق في اللبس والاختلاط بأن تكون صيغة مبالغة من اللبس كذا في هامش النسخة الأحمدية قلت الظاهر عندي والله تعالى أعلم أن المراد بقوله لباسة كثيرة اللباس وكنى بكثرة لباسها عن كثرة شعرها وقوله ناشرة شعرها كالبيان له (ناشرة) بالجر صفة ثانية لدابة (شعرها) بالنصب على المفعولية أي جاعلة شعرها منتشرة وفي رواية مسلم فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر (أنا الجساسة) قال النووي هي بفتح الجيم فتشديد المهملة الأولى قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنها دابة الأرض المذكورة في القران انتهى (فإذا رجل موثق بسلسلة) وفي رواية مسلم فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد قلنا ويلك ما أنت قال قد قدرتم على خبري فأخبرون ما أنتم قالوا نحن أناس من العرب (فقال أخبروني عن عين زغر) قال النووي هي بزاي معجمة مضمومة ثم غين معجمة مفتوحة ثم راء وهي بلدة معروفة في الجانب القبلي من الشام (قلنا ملأى تدفق) قال في القاموس دفقه يدفقه ويدفقه صبه وهو ماء دافق أي مدفوق لأن دفق متعد عند الجمهور وفي رواية مسلم قالوا عن أي شأنها تستخبر قال هل في العين ماء وهل يزرع أهلها بماء العين قلنا له نعم هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها (قال أخبروني عن البحيرة) تصغير البحر وفي رواية مسلم عن بحيرة طبرية قال في القاموس الطبرية محركة قصبة بالأردن والنسبة إليها طبراني (أخبروني عن نخل بيسان) بفتح موحدة وسكون تحتية وهي قرية بالشام قريبة من الأردن ذكره ابن الملك (الذي بين الأردن) بضمتين وشد الدال كورة بالشام كذا في القاموس (هل
[ 438 ]
أطعم) أي أثمر وفي رواية مسلم هل يثمر قلنا له نعم قال أما إنها توشك أن لا تثمر (أخبروني عن النبي هل بعث قلنا نعم) وفي رواية مسلم أخبروني عن نبي الأميين ما فعل قالوا قد خرج من مكة ونزل يثرب (فنزى نزوة) أي وثب وثبة (حتى كاد) أي أن يتخلص من الوثاق قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود 65 باب قوله (حدثنا عمرو بن عاصم) هو الكلابي القيسي (عن علي بن زيد) هو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان (عن الحسن) هو البصري (عن جندب) هو ابن عبد الله بن سفيان قوله (لا ينبغي للمؤمن) أي لا يجوز له (أن يذل) من الإذلال (قال يتعرض) أي يتصدى (من البلاء) بيان مقدم لقوله مالا يطيق قوله (هذا حديث حسن غريب) في سنده علي بن زيد وهو ضعيف وإنما حسن حديثه الترمذي لأنه صدوق عنده وأخرجه أحمد أيضا من طريقه
[ 439 ]
66 باب قوله (انصر أخاك) أي المسلم (ظالما) حال من المفعول (أو مظلوما) تنويع (تكفه عن الظلم) أي تمنعه عن الفعل الذي يريده (فذاك) أي كفك إياه عنه (نصرك إياه) أي على شيطانه الذي يغويه أو على نفسه التي تطغيه قوله (وفي الباب عن عائشة) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري 67 باب قوله (عن أبي موسى) قال الحافظ في التقريب أبو موسى عن وهب بن منبه مجهول من السادسة ووهم من قال إنه إسرائيل بن موسى انتهى وقال في تهذيب التهذيب أبو موسى شيخ يماني روى عن وهب بن منبه عن ابن عباس حديث من اتبع الصيد غفل وعنه سفيان الثوري مجهول قاله ابن القطان ذكر المزي في ترجمة أبي موسى إسرائيل بن موسى البصري أنه روى عن ابن منبه وعنه الثوري ولم يلحق البصري وهب بن منبه وأنما هذا اخر وقد فرق بينهما ابن حبان في الثقات وابن الجارود في الكنى وجماعة انتهى قوله (من سكن البادية جفا) أي جهل قال تعالى الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله
[ 440 ]
قال القاري وقال القاضي جفا الرجل إذا غلظ قلبه وقسا ولم يرق لبر وصلة رحم وهو الغالب على سكان البوادي لبعدهم عن أهل العلم وقلة اختلاطهم بالناس فصارت طباعهم كطباع الوحوش وأصل التركيب للنبو عن الشئ (ومن اتبع الصيد) أي لازم اتباع الصيد والاشتغال به وركب على تتبع الصيد كالحمام ونحوه لهوا وطربا (غفل) أي عن الطاعة والعبادة ولزوم الجماعة والجمعة وبعد عن الرقة والرحمة لشبهه بالسبع والبهيمة (ومن أتى أبواب السلطان) أي من غير ضرورة وحاجة لمجيئه (افتتن) بصيغة المجهول أي وقع في الفتنة فإنه أن وافقه فيما يأتيه ويذره فقد خاطر على دينه وإن خالفه فقد خاطر على دنياه وقال المظهر يعني من التزم البادية ولم يحضر صلاة الجمعة ولا الجماعة ولا مجالس العلماء فقد ظلم نفسه ومن اعتاد الاصطياد للهو والطرب يكون غافلا لأن اللهو والطرب يحدث من القلب الميت وأما من أصطاد للقوت فجاز له لأن بعض الصحابة كانوا يصطادون ومن دخل على السلطان وداهنه وقع في الفتنة وأما من لم يداهن ونصحه وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فكان دخوله عليه أفضل الجهاد انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أحمد وأبو داود قوله (هذا حديث حسن غريب من حديث أبن عباس لا نعرفه إلا من حديث الثوري) وأخرجه أبو داود والنسائي قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا وفي إسناده أبو موسى عن وهب بن منبه ولا نعرفه قال الحافظ أحمد الكرابيسي حديث ليس بالقائم هذا اخر كلامه وقد روى من حديث أبي هريرة وهو ضعيف أيضا وروى أيضا من حديث البراء بن عازب وتفرد به شريك بن عبد الله فيما قال الدارقطني وشريك فيه مقال انتهى كلام المنذري 68 باب قوله (إنكم منصورون) أي على الأعداء (ومصيبون) أي للغنائم (ومفتوح لكم) أي البلاد الكثيرة (فمن أدرك ذاك) أي ما ذكر (فليتق الله) أي في جميع أموره ليكون عاملا (وليأمر
[ 441 ]
بالمعروف ولينه عن المنكر) ليكون مكملا لا سيما في أيام إمارته (فليتبوأ مقعده من النار) أي فليتخذ لنفسه منزلا يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه مسكنا وهو أمر بمعنى الخبر أو بمعنى التهديد أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بوأه الله ذلك وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأمر على حقيقته والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبوأ قال الحافظ وأولها أولاها فقد رواه أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر بلفظ بنى له بيت في النار قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود 69 باب قوله (تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قال الحافظ في الفتح قال بعض الشراح يحتمل أن يكون كل واحدة من الصلاة وما معها مكفرة للمذكورات كلها لا لكل واحدة منها وأن يكون من باب اللف والنشر بأن الصلاة مثلا مكفرة للفتنة في الأهل والصوم في الولد إلخ والمراد بالفتنة ما يعرض للأنسان مع من ذكر من البشر أو الالتهاء بهم أو أن يأتي لأجلهم بمالا يحل له أو يخل بما يجب عليه واستشكل ابن أبي جمرة وقوع التكفير بالمذكورات للوقوع في المحرمات وا خلال بالواجب لأن الطاعات لا تسقط ذلك فإن حمل على الوقوع في المكروه وا خلال بالمستحب لم يناسب إطلاق التكفير والجواب التزام الأول وإن الممتنع من تكفير الحرام والواجب ما كان كبيرة فهي التي فيها النزاع وأما الصغائر فلا نزاع أنها تكفر لقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم الاية وقال الزين بن المنير الفتنة بالأهل تقع بالميل إليهن أو عليهن في القسمة وا يثار حتى في أولادهن ومن جهة التفريط في الحقوق الواجبة لهن وبالمال يقع الاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله والفتنة
[ 442 ]
بالأولاد تقع بالميل الطبيعي إلى الولد وإيثاره على كل أحد والفتنة بالجار تقع بالحسد والمفاخرة والمزاحمة في الحقوق وإهمال التعاهد ثم قال وأسباب الفتنة بمن ذكر غير منحصرة فيما ذكرت من الأمثلة وأما تخصيص الصلاة وما ذكر معها بالتكفير دون سائر العبادات ففيه إشارة إلى تعظيم قدرها لاتقي أن غيرها من الحسنات ليس فيها صلاحية التكفير ثم إن التكفير المذكور يحتمل أن يقع بنفس فعل الحسنات المذكورة ويحتمل أن يقع بالموازنة والأول أظهر (تموج كموج البحر) أي تضطرب اضطراب البحر عند هيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك من المشاتمة والمقاتلة (قال يا أمير المؤمنين) وفي رواية للبخاري يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها قال الحافظ زاد في رواية ربعي تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفاة لا تضر ه فتنة وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا (أن بينك وبينها بابا مغلقا) أي لا يخرج منها شئ في حياتك قال ابن المنبر اثر حذيفة الحرص على حفظ السر ولم يصرح لعمر بما سأل عنه وإنما كنى عنه كناية وكأنه كان مأذونا له في مثل ذلك وقال النووي يحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى وكأنه مثل الفتن بدار ومثل حياة عمر بباب لها مغلق ومثل موته بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجودة فهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شئ فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب فخرج ما في تلك الدار (قال عمر يفتح أم يكسر قال بل يكسر) قال ابن بطال إنما قال ذلك لأن العادة أن الغلق إنما يقع في الصحيح فأما إذا انكسر فلا يتصور غلقه حتى يجبر انتهى ويحتمل أن يكون كنى عن الموت بالفتح وعن القتل بالكسر ولهذا قال في رواية ربعي فقال عمر كسرا لا أبالك لكن بقية رواية ربعي تدل على ما قدمته فإن فيه وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت (قال إذن لا يغلق إلى يوم القيامة) زاد البخاري قلت أعلم عمر الباب قال نعم كما أن دون غد ليلة قال الحافظ إنما قال عمر ذلك اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة روى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك فقال مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش
[ 443 ]
فإن قيل إذا كان عمر عارفا بذلك فلم شك فيه حتى سأل عنه فالجواب أن ذلك يقع مثله عند شدة الخوف أو لعله خشي أن يكون نسي فسأل من يذكره وهذا هو المعتمد (فقلت لمسروق) هو ابن الأجدع من كبار التابعين وكان من أخصاء أصحاب ابن مسعود وحذيفة وغيرهما من كبار الصحابة (سئل حذيفة عن الباب فسأله فقال عمر) وفي رواية للبخاري فهبنا أن نسأله وأمرنا مسروقا فسأله فقال من الباب فقال عمر قال الكرماني تقدم قوله أن بين الفتنة وبين عمر بابا فكيف يفسر الباب بعد ذلك أنه عمر والجواب أن في الأول تجوز والمراد بين الفتنة وبين حياة عمر أو بين نفس عمر وبين الفتنة بدنة لأن البدن غير النفس قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان 70 باب قوله (حدثني محمد بن عبد الوهاب) القناد بالقاف والنون أبو يحيى الكوفي ويقال له السكري أيضا ثقة عابد من التاسعة (عن العدوي) هو عاصم قال في التقريب عاصم العدوي الكوفي عن كعب بن عجرة وثقه النسائي من الثالثة قوله (ونحن تسعة خمسة وأربعة) تفسير التسعة (أحد العددين من العرب وا خر من العجم) أي خمسة من العرب وأربعة من العجم أو عكس ذلك (فمن دخل عليهم) أي من العلماء وغيرهم وأعانهم على ظلمهم أي با فتاء ونحوه (فليس مني ولست منه) أي بيني وبينهم براءة
[ 444 ]
ونقض ذمة (وليس بوارد علي) بتشديد الياء (الحوض) أي الحوض الكوثر يوم القيامة قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه النسائي وأخرج أحمد عن جابر بن عبد الله مرفوعا قال لكعب بن عجرة أعاذك الله من إمارة السفهاء قال وما إمارة السفهاء قال أمراء يكونون بعدى لا يهتدون بهديى ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم الحديث وأخرجه البزار ورواتهما محتج بهم في الصحيح كذا قال المنذري (قال هرون) هو ابن إسحاق الهمداني المذكور (عن زبيد) هو ابن الحارث اليامي (عن إبراهيم وليس بالنخعي) قال في التقريب إبراهيم عن كعب بن عجرة مجهول من الثالثة وليس هو النخعي قوله (وفي الباب عن حذيفة وابن عمر) أما حديث حذيفة فأخرجه أحمد ص 483 ج 5 بمسنده وأما حديث ابن عمر فلينظر من أخرجه 71 باب قوله (حدثنا عمر بن شاكر) البصري ضعيف من الخامسة قاله الحافظ في التقريب وقال تهذيب التهذيب في ترجمته قال أبو حاتم ضعيف يروي عن أنس المناكير وقال الترمذي شيخ بصري يروي عنه غير واحد من أهل العلم وقال ابن عدي يحدث عن أنس نسخة قريب من عشرين حديثا غير محفوظة وذكره ابن حبان في الثقات روى له الترمذي حديثا واحدا يأتي على الناس زمان الحديث وقال غريب من هذا الوجه وليس في جامع الترمذي حديث ثلاثي سواه قال الحافظ وقال الترمذي قال البخاري مقارب الحديث انتهى قوله (يأتي على الناس زمان الصابر فيهم) أي في أهل ذلك الزمان (على دينه) أي على حفظ أمر دينه بترك دنياه (كالقابض) أي كصبر القابض في الشدة ونهاية المحنة (على الجمر) جمع
[ 445 ]
الجمرة وهي شعلة من نار قال الطيبي المعنى كما لا يقدر القابض على الجمر أن يصبر حراق يده كذلك المتدين يومئذ لا يقدر على ثباته على دينه لغلبة العصاة والمعاصي وانتشار الفسق وضعف الايمان انتهى وقال القاري الظاهر أن معنى الحديث كما لا يمكن القبض على الجمرة إلا بصبر شديد وتحمل غلبة المشقة كذلك في ذلك الزمان لا يتصور حفظ دينه ونور إيمانه إلا بصبر عظيم انتهى قوله (هذا حديث غريب) في سنده عمر بن شاكر وهو ضعيف كما تقدم انفا
[ 446 ]
72 باب قوله (أخبرني موسى بن عبيدة) بضم أوله ابن نشيط بفتح النون وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة الربذي بفتح الراء والموحدة ثم معجمة أبو عبد العزيز المدني ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار وكان عابدا من صغار السادسة قوله (إذا مشت أمتي المطيطياء) بضم الميم وفتح الطاء المهملة الأولى بعدها تحتية ساكنة وكسر الطاء المهملة الثانية بعدها تحتية وألف ممدودة وفي بعض النسخ بغير الياء الأخيرة قال في المجمع هي بالمد والقصر مشية فيها تبختر ومد اليدين يقا مطوت ومططت بمعنى سددت ولم تستعمل إلا مصغرا (وخدمها) أي قام بخدمتها وانقاد في حضرتها (أبناء فارس والروم) بدل مما قبله وبيان له (سلط شرارها على خيارها) وهو من المعجزات فإنهم لما فتحوا بلاد فارس والروم وأخذوا أموالهم وسبوا أولادهم سلط الله قتلة عثمان عليه حتى قتلوه ثم سلط بنى أمية على بنى هاشم ففعلوا ما فعلوا قوله (هذا حديث غريب) وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف كما عرفت قوله (عن الحسن) هو البصري
[ 447 ]
قوله (عصمني الله) أي من أن ألحق بأصحاب الجمل (بشئ) أي بحديث (سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمهلك كسرى) أي سمعته حين هلاكه (قالوا ابنته) هي بوران بنت شيرويه بن كسرى بن يرويز وذلك أن شيرويه لما قتل أباه كان أبوه لما عرف أن ابنه قد عمل على قتله احتال على قتل ابنه بعد موته فعمل في بعض خزائنه المختصة به حقا مسموما وكتب عليه حق الجماع من تناول منه كذا جامع كذا فقرأه شيرويه فتناول منه فكان فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر فلما مات لم يخلف أخا لأنه كان قتل إخوته حرصا على الملك ولم يخلف ذكرا وكرهوا خروج الملك عن ذلك البيت فملكوا المرأة واسمها بوران بضم الموحدة ذكر ذلك ابن قتيبة في المغازي وذكر الطبري أيضا أن أختها أرزميد خت ملكت أيضا (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) قال الخطابي في الحديث إن المرأة لا تلي الامارة ولا القضاء وفيه إنها لا تزوج نفسها ولا تلي العقد على غيرها كذا قال وهو متعقب والمنع من أن تلي الامارة والقضاء قول الجمهور وأجازه الطبري وهي رواية عن مالك وعن أبي حنيفة عما تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء (ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني قوله لن يفلح قوم الخ (فعصمني الله به) وفي رواية للبخاري لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الجمل بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال الحافظ قوله بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل يعني عائشة ومن معها ومحصل هذه القصة أن عثمان لما قتل وبويع علي بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة فوجدا عائشة وكانت قد حجت فاجتمع رأيهم على التوجه إلى البصرة يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان فبلغ ذلك عليا فخرج إليهم فكانت وقعة الجمل ونسبت إلى الجمل الذي كانت عائشة قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الاصلاح قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري في اخر المغازي وفي الفتن والنسائي في الفضائل
[ 448 ]
قوله (أخبرنا أبو عامر) هو العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو (عن أبيه) هو أسلم العدوي قوله (خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم) أي الذين عدلوا في الحكم فتنعقد بينكم وبينهم مودة ومحبة (وتلعنونهم ويلعنونكم) أي تدعون عليهم ويدعون عليكم أو تطلبون البعد عنهم لكثرة شرهم ويطلبون البعد عنكم لقلة خيركم قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن أبي حميد ومحمد يضعف من قبل حفظه) قال في التقريب محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي أبو إبراهيم المدني لقبه حماد ضعيف من السابعة 76 باب قوله (عن ضبة) بفتح الضاد المعجمة والموحدة المشددة (بن محصن) العنزي بفتح المهملة والنون بصري صدوق من الثالثة قوله (قال إنه سيكون عليكم أئمة تعرفون وتنكرون) قال القاضي هما صفتان لأئمة والراجح فيهما محذوف أي تعرفون بعض أفعالهم وتنكرون بعضها يريد أن أفعالهم يكون بعضها حسنا وبعضها قبيحا (فمن أنكر) أي من قدر أن ينكر بلسانه عليهم قبائح أفعالهم وسماجة أحوالهم وأنكر (فقد برئ) أي من المداهنة والنفاق (ومن كره) أي ولم يقدر على ذلك ولكن أنكر بقلبه وكره ذلك (فقد سلم) أي من مشاركتهم في الوزر والوبال (ولكن من رضي) أي بفعلهم بالقلب (وتابع) أي تابعهم في العمل فهو الذي شاركهم في العصيان وحذف الخير في قوله من
[ 449 ]
رضي لدلالة الحال على أن حكم هذا القسم ضد ما أثبته لقسيمه (أفلا نقاتلهم قال لا) أي لا تقاتلوهم (ما صلوا) إنما منع عن مقاتلتهم ما داموا يقيمون الصلاة التي هي عنوان الاسلام حذرا من هيج الفتن واختلاف الكلمة وغير ذلك مما يكون أشد نكاية من احتمال نكرهم والمصابرة على ما ينكرون منهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد في 592 ج 6 في مسنده قوله (إذا كان أمراؤكم) أي ولاة أموركم (خياركم) أي أتقياءكم (وأغنياؤكم سمحاءكم) أي أسخياءكم قال في القاموس سمح ككرم سماحا وسماحة وسموحا جاد وكرم فهو سمح سمحاء كأنه جمع سميح انتهى (وأموركم شورى بينكم) مصدر بمعنى التشاور أي ذوات شورى على تقدير مضاف أو على أن المصدر بمعنى المفعول أي متشاورين فيها ومنه قوله تعالى وأمرهم شورى بينهم (فظهر الأرض خير لكم من بطنها) يعني الحياة خير لكم من الموت (وأموركم إلى نسائكم) أي مفوض إلى رأيهن والحال أنهن من ناقصات العقل والدين وقد ورد شاوروهن وخالفوهن كذا في المرقاة قلت قال صاحب مجمع البحار في كتابه تذكرة الموضوعات في المقاصد شاوروهن وخالفوهن لم أره مرفوعا ولكن روى عن عمر خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة بل روى عن أنس رفعه لا يفعلن أحدكم أمرا حتى يستشير فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأة ثم ليخالفها فإن في خلافها البركة وفي سنده عيسى ضعيف جدا مع أنه منقطع وعن عائشة مرفوعا بطرق ضعاف طاعة النساء ندامة وإدخال ابن الجوز حديث عائشة في الموضوعات ليس بجيد وقد استشار صلى الله عليه وسلم أم سلمة في صلح الحديبية وصار دليل استشارة المرأة الفاضلة وقد إستدرك عليه إبنة شعيب في أمر موسى على نبينا وعليها الصلاة والسلام في اخرين وفي الذين لا يفعلن لمن أحدكم الخ فيه منكر الحديث الصنعاني حديث عائشة موضوع اللالى حديثها لا يصح قلت له
[ 450 ]
له طرق وشواهد منها عودوا النساء فانها حقيقة إن أطعتها أهلكتك وخالفوا النساء فإن في خلافهن البركة انتهى (فبطن الأرض خير لكم من ظهرها) أي فالموت خير لكم من الحياة لفقد استطاعة إقامة الدين قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلى من حديث صالح المري الخ) قال في التقريب صالح بن بشير المري القاص الزاهد ضعيف من السابعة 77 باب قوله (أنكم) أيها الصحابة (في زمان) منتصف بالأمن وعز الاسلام (من ترك منكم) أي فيه وهو الرابط لجملة الشرط بموصوفها وهو أمان (عشر ما أمر به) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (هلك) أي وقع في الهلاك لأن الدين عزيز وأنصاره كثرة فالترك تقصير فلا عذر (ثم يأتي زمان) يضعف فيه الاسلام ويكثر الظلم ويعم الفسق ويقل أنصار الدين وحينئذ (من عمل منهم) أي من أهل ذلك الزمن (بعشر ما أمر به نجا) لأنه المقدور (ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها) قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث نعيم) ونعيم بن حماد هذا صدوق يخطئ كثيرا كما في التقريب قوله (وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد) أما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه
[ 451 ]
قوله (فقال ههنا أرض الفتن) أي البليات والمحن الموجبة لضعف الدين (حيث يطلع جذل الشيطان) قال في القاموس قرن الشيطان وقرناه أمته والمتبعون لرأيه وانتشاره وتسليطه انتهى (أو قال) شك من الراوي (قرن الشيطان) في القاموس القرن من الشمس ناحيتها أو أعلاها أو أول شعاعها ويأتي بقية الكلام على هذا الحديث في أواخر الكتاب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (عن يونس) هو ابن يزيد (عن قبيصة بن ذويب) بالمعجمة مصغرا قوله (يخرج من خراسان رايات) جمع راية وهي علم الجيش (سود) جمع أسود صفة رايات (فلا يردها شئ) فإن فيها خليفة الله المهدي روى أحمد في مسنده عن ثوبان مرفوعا إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان قأتوها فإن فيها خليفة الله المهدي (حتى تنصب) بصيغة المجهول أي الرايات (بالياء) بكسر الهمزة وسكون التحتية وكسر اللام وبالمد والقصر مدينة بيت المقدس قوله (هذا حديث غريب) في سنده رشدين بن سعد وهو ضعيف وفي سند حديث ثوبان المذكور ريك بن عبد الله القاضي تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وفيه أيضا علي بن زيد والظاهر أنه هو ابن جدعان وهو متكلم فيه
[ 452 ]
34 أبواب الرؤيا الخ بضم الراء وسكون الهمزة وبالقصر ما يراه النائم في منامه 1 باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قوله (إذا اقترب الزمان) قال صاحب الفائق فيه ثلاثة أقاويل أحدها أنه أراد آخر الزمان واقتراب الساعة لأن الشئ إذا قل وتقاصر تقاربت أطرافه ومنه قيل للمقتصد متقارب ويقولون تقاربت إبل فلان إذا قلت ويعضده قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب وثانيها أنه أراد به استواء الليل والنهار لزعم العابرين أن أصدق الأزمان لوقوع العبادة وقت انفتاق الأنوار وزمان إدراك الأثمار وحينئذ يستوي الليل والنهار وثالثها أنه من قوله صلى الله عليه وسلم يتقارب الزمان حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كالساعة قالوا يريد به زمن خروج المهدي وبسط العدل وذلك زمان يستقصر لإستلذاذه فيتقارب أطرافه قلت قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة في باب رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في الميزان والدلو (لم تكد) أي لم يقرب (وأصدقهم رؤيا أصدقهم
[ 453 ]
حديثا) أي الذي هو أصدقهم حديثا هو أصدقهم رؤيا (ورؤيا المسلم جزأ من ستة وأربعين جزءا من النبوة) كذا وقع في أكثر الأحاديث وفي حديث أبي هريرة عند مسلم جزء من خمسة وأربعين ووقع عند مسلم أيضا من حديث ابن عمر جزء من سبعين جزءا وعند الطبراني عن ابن مسعود جزء من ستة وسبعين وأخرج ابن عبد البر عن أنس جزء من ستة وعشرين وفي رواية جزء من خمسين جزءا من النبوة وفي رواية جزء من أربعين وفي رواية جزء من أربعة وأربعين وفي رواية جزء من تسعة وأربعين ذكر هذه الروايات الحافظ في الفتح ثم قال أصحها مطلقا الأول وقال وقد استشكل كون الرؤيا جزء من النبوة مع أن النبوة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم فقيل في الجواب إن وقعت الرؤيا من النبي صلى الله عليه وسلم فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة وإن وقعت من غير النبي فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز وقال الخطابي قيل معناه إن الرؤيا تجئ على موافقة النبوة لأنها جزء باق من النبوة وقيل المعنى إنها جزء من علم النبوة لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك فيما حكاه ابن عبد البر أنه سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبا النبوة يلعب ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية وإنما أراد أنها لما اشتبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم انتهى وقال صاحب مجمع البحار ولا حرج في الأخذ بظاهره فإن أجزاء النبوة لا تكون نبوة فلا ينا في حديث ذهب النبوة انتهى (فالرؤيا الصالحة بشرى من الله) أي إشارة إلى بشارة من الله تعالى للرائي أو المرئي له (والرؤيا من تحزين الشيطان) أي بأن يكدر عليه وقته فيريه في النوم أنه قطع رأسه مثلا (والرؤيا مما يحدث بها الرجل نفسه) كمن يكون في أمر أو حرفة يرى نفسه في ذلك الأمر (وليتفل) قال في القاموس تفل يتفل ويتفل بصق (قال وأحب القيد في النوم وأكره الغل) قال المهلب الغل يعبر بالمكروه لأن الله أخبر في كتابه أنه من صفات أهل النار بقوله تعالى أذ الأغلال في أعناقهم الآية وقال النووي قال العلماء إنما أحب القيد لأن محله الرجل وهو كف عن المعاصي والشر والباطل وأبغض الغل لأن محله العنق وهو صفة أهل النار (القيد ثبات في الدين) وإنما جعل القيد ثباتا في الدين لأن المقيد لا يستطيع المشي فضرب مثلا للإيمان الذي يمنع عن المشي إلى الباطل
[ 454 ]
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) قال الجزري في النهاية إنما خص هذا العدد لأن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر الروايات الصحيحة كان ثلاثا وستين سنة وكانت مدة نبوته منه ثلاثا وعشرين سنة لأنه بعث عند استيفاء الأربعين وكان في أول الأمر يرى الوحي في المنام ودام كذلك نصف سنة ثم رأى الملك في اليقظة فإذا نسبت مدة الوحي في النوم وهي نصف سنة إلى مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرون سنة كانت نصف جزء من ثلاثة وعشرين جزءا وذلك جزء واحد من ستة وأربعين جزءا وقد تعاضدت الروايات في أحاديث الرؤيا بهذا العدد وجاء في بعضها جزء من خمسة وأربعين جزءا ووجه ذلك أن عمره صلى الله عليه وسلم لم يكن قد استكمل ثلاثا وستين ومات في أثناء السنة الثالثة والستين ونسبة نصف السنة إلى اثنتين وعشرين سنة وبعض الأخرى نسبة جزء من خمسة وأربعين جزءا وفي بعض الروايات جزء من أربعين ويكون محمولا على من روى أن عمره كان ستين سنة فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزا إلى أربعين انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي رزين العقيلي وأنس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وعبن مالك وابن عمر) أما حديث أبي هريرة فلعله أشار إلى حديث آخر له غير حديث الباب المذكور وأما حديث أبي رزين العقيلي فأخرجه الترمذي في باب تعبير الرؤيا وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والطبري وفيه جزأ من تسعة وأربعين كما في الفتح وأما حديث عوف بن مالك فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم بلفظ الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزأ من النبوة قوله (حديث عبادة حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 455 ]
2 باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات بكسر الشين المعجمة جمع مبشرة وهي البشرى وقد ورد في قوله تعالى لهم البشري في الحياة الدنيا هي الرؤيا الصالحة أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (حدثنا عبد الواحد) هو ابن زياد (حدثنا المختار بن فلفل) بفاءين مضمومتين ولامن الأولى ساكنة مولى عمرو بن حريث صدوق له أوهام من الخامسة قوله (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت) أي ذهبت ولم تبق (فلا رسول بعدي ولا نبي) النبي في لسان الشرع من بعث إليه بشرع فإن أمر بتبليغه فرسول وقيل هو المبعوث إلى الخلق بالوحي لتبليغ ما أوحاه والرسول قد يكون مرادفا له وقد يختص بمن هو صاحب كتاب وقيل هو المبعوث لتجديد شرع أو تقريره والرسول هو المبعوث للتجديد فقط وعلى الأقوال النبي أعم من الرسول (قال فشق ذلك) أي انقطاع للرسالة والنبوة (فقاله لكن المبشرات الخ) قال المهلب المهلب ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج للأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه وقال ابن التين معنى الحديث أن الوحي ينقطع بموتي ولا يبقى ما يعلم منه ما سيكون إلا الرؤيا ويرد عليه الإلهام فإن فيه إخبارا بما سيكون وهو للأنبياء بالنسبة للوحي كالرؤيا ويقع لغير الأنبياء كما في الحديث في مناقب عمر قد كان فيمن مضى من الأمم محدثون وفسر المحدث بفتح الدال بالملهم بالفتح أيضا وقد أخبر كثير من الأولياء على أمور مغيبة فكانت كما أخبروا والجواب أن الحصر في المنام لكونه يشمل آحاد المؤمنين بخلاف فإنه مختص بالبعض ومع كونه مختصا فإنه نادر فإنما ذكر المنام لشموله وكثرة وقوعه كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وحذيفة بن أسيد وابن عباس وأم كرز) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري وأما حذيفة بن أسيد وهو بفتح الهمزة فأخرجه الطبراني
[ 456 ]
مرفوعا عنه ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في ضمن حديث مرض موته صلى الله عليه وسلم مرفوعا فقال يا أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له وأما حديث أم كرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي فأخرجه أحمد وابن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان مرفوعا ذهبت النبوة وبقيت المبشرات قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه أبو يعلى كما في الفتح وأخرجه أيضا أحمد في مسنده والحاكم وقال على شرط مسلم قال المناوي وأقروه 3 باب لهم البشرى في الحياة الدنيا قوله (عن رجل من أهل مصر) ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن هذا الرجل ليس بمعروف كذا في الفتح قوله (يراها المسلم) أي لنفسه (أو ترى) بصيغة المجهول أي يراها رجل آخر (له) أي لأجله قوله (وفي الباب عن عبادة بن الصامت) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده وأبو داود الطيالسي وفي سنده رجل من أهل مصر وهو ليس بمعروف بتحسين الترمذي لشواهده قوله (أصدق الرؤيا بالأسحار) أي ما رؤي بالأسحار وذلك لأن الغالب حينئذ أن تكون الخواطر مجتمعة والدواعي ساكنة ولأن المعدة خالية فلا يتصاعد منها الأبخرة المشوشة
[ 457 ]
ولأنها وقت نزول الملائكة للصلاة المشهودة ذكره الطيبي والحديث أخرجه الدارمي وأحمد وابن حبان والبيهقي وقال المناوي في شرح الجامع الصغير قال الحاكم صحيح وأقروه انتهى قلت في سنده ابن لهيعة وأيضا في سنده دراج عن أبي الهيثم قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال الآجري عن أبي داود أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قوله (حدثنا حرب ابن شداد) اليشكري البصري ثقه من السابعة (نبئت) بصيغة المتكلم المجهول من باب التفعيل قوله (قال حرب في حديثه حدثنا يحيى) يعني بصيغة التحديث وأما عمران القطان فقال عن يحيى بصيغة العنعنة وحديث عبادة هذا أخرجه أيضا ابن ماجة وصححه الحاكم ورواته ثقات إلا أن أبا سلمة لم يسمعه من عبادة كذا في فتح الباري 4 باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم من رآني الخ قوله (عن عبد الله) أي ابن مسعود قوله (من رآني في المنام فقد رآني) اختلف العلماء في معنى قوله فقد رآني فقال ابن الباقلاني معناه أن رؤياه صحيحة ليست بأضغاث ولا من تشبيهات الشيطان ويؤيد قوله رواية فقد رأى الحق أي الرؤية الصحيحة قال وقد يراه الرائي خلاف صفته المعروفة كمن رآه أبيض اللحية وقد يراه شخصان في زمن واحد أحدهما في المشرق والآخر في المغرب ويراه كل منهما في
[ 458 ]
مكانه وحكى الماري هذا عن ابن الباقلاني ثم قال وقال آخرون بل الحديث على ظاهره والمراد أن من رآه فقد أدركه ولا مانع يمنع من ذلك والعقل لا يحيله حتى يضطر إلى صرفه عن ظاهره فأما قوله بأنه قد يرى على خلاف صفته أو في مكانين معا فإن ذلك غلط في صفاته وتخيل لها على خلاف ما هي عليه وقد يظن الظان بعض الخيالات مرئيا لكون ما يتخيل مرتبطا بما يرى في العادة فيكون ذاته صلى الله عليه وسلم مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية والإدراك لا يشترط فيه تحديق الأبصار ولا قرب المسافة ولا كون المرئي مدفونا في الأرض ولا ظاهرا عليها وإنما يشترط كونه موجودا ولم يقم دليل على فناء جسمه صلى الله عليه وسلم بل جاء في الأحاديث ما يقتضي بقاءه قال ولو رآه يأمر بقتل من يحرم قتله كان هذا من الصفات المتخيلة لا المرئية هذا كلام المازري قال القاضي ويحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم فقد رآني أو فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي المراد به إذا رآه على صفته المعروفة في حياته فإن رأى على خلافها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة وهذا الذي قاله القاضي ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كان على صفته المعروفة أو غيرها لما ذكره المازري قال القاضي قال بعض العلماء خص الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم بأن رؤية الناس إياه صحيحة وكلها صدق ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم وكما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم السلام بالمعجزة وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة ولو وقع لاشتبه الحق بالباطل ولم يوثق بما جاء به مخالفة من هذا التصور فحماها الله تعالى من الشيطان ونزغه ووسوسته وكيده قال وكذا حمى رؤياهم بأنفسهم كذا في شرح مسلم للنووي (فإن الشيطان لا يتمثل بي) وفي رواية لا يتمثل في صورتي والمعنى لا يتشبه بصورتي وفي رواية لا يستطيع أن يتمثل بي قال الحافظ فيه إشارة إلى أن الله تعالى وإن أمكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لم يمكنه من التصور في صورة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذهب إلى هذا جماعة فقالوا في الحديث إن محل ذلك إذا رآه الرائي على صورته التي كان عليها ومنهم من ضيق الغرض في ذلك حتى قال لا بد أن يراه على صورته التي قبض عليها حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة قال الحافظ والصواب التعميم في جميع حالاته بشرط أن تكون صورته الحقيقية في وقت ما سواء كان في شبابه أو رجوليته أو كهوليته أو آخر عمره وقد يكون لما خالف ذلك تعبير ما يتعلق بالرائي كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي قتادة وابن عباس وأبي سعيد وجابر وأنس وأبي مالك
[ 459 ]
الأشجعي عن أبيه وأبي بكرة وأبي جحيفة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وابن ماجة وأما حديث أبي قتادة فأخرجه الشيخان وأبو داود وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجة وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وابن ماجة وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وابن ماجة وأما حديث أنس فأخرجه البخاري وأما حديث أبي مالك عن أبيه فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه ابن ماجة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة 5 باب إذا رأى في المنام ما يكره ما يصنع قوله (الرؤيا من الله والحلم من الشيطان) الحلم بضم الحاء وسكون اللام ويضم ما يرى في المنام من الخيالات الفاسدة قال في النهاية الحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء لكن غلبت الرؤيا على ما يراه من الخير والشئ الحسن وغلب الحلم على ما يراه من الشر والأمر القبيح ومنه قوله تعالى أضغاث أحلام ويستعمل كل منهما موضع الآخر وتضم لام الحلم وتسكن انتهى قال النووي في شرح مسلم أضاف الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف المكروهة وإن كانتا جميعا من خلق الله تعالى وتدبيره وبإرادته ولا فعل للشيطان فيهما لكنه يحضر المكروهة ويرتضيها ويسر بها (فلينفث) عن يساره قال النووي ينفث بضم الفاء وكسرها قال وجاء في رواية فليبصق وفي رواية فليتفل وأكثر الروايات فلينفث وقد سبق في كتاب الطب بيان الفرق بين هذه الألفاظ من قال إنها بمعنى ولعل المراد بالجميع النفث وهو نفخ لطيف بلا ريق ويكون التفل والبصق محمولين عليه مجازا انتهى وقال الجزري التفل شبيه بالبزق وهو أقل منه فأوله البزق ثم النفث ثم النفخ (وليستعذ بالله من شرها) وفي رواية فليبصق على يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه وفي رواية وليتعوذ بالله من شر الشيطان وشرها وفي حديث أبي هريرة عند مسلم فإن رأى إحدكم ما
[ 460 ]
يكره فليقم فليصل ولا يحدث بها الناس قال النووي فينبغي أن يجمع بين هذه الروايات ويعمل بها كلها فإذا رأى ما يكرهه نفث عن يساره ثلاثا قائلا أعوذ بالله من الشيطان ومن شرها وليتحول إلى جنبه الآخر وليصل ركعتين فيكون قد عمل بجميع الروايات وإن اقتصر على بعضها أجزأه في دفع ضررها بإذن الله تعالى كما صرحت به الأحاديث قال القاضي وأمر بالنفث ثلاثا طردا للشيطان الذي حضر رؤياه المكروهة تحقيرا له واستقذارا وخصت به اليسار لأنه محل الأقذار والمكروهات ونحوها واليمين ضدها (فإنها لا تضره) معناه أن الله تعالى جعل هذا سببا للسلامة من مكروه يترتب عليها كما جعل الصدقة وقاية للمال وسببا لدفع البلاء انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأبي سعيد وجابر وأنس) أما حديث جابر فأخرجه مسلم وأما أحاديث بقية الصحابة فلينظر من أخرجها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان 6 باب ما جاء في تعبير الرؤيا قوله (سمعت وكيع بن عدس) بمهملات وضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه ويقال بالحاء بدل العين كنيته أبو مصعب العقيلي بفتح العين الطائفي وضبطه في الخلاصة بضم العين مقبول من الرابعة روى عن عمه أبي رزين العقيلي وعنه يعلى ابن عطاء العامري وذكره ابن حبان في الثقات قاله الحافظ قوله (وهي) أي رؤيا المؤمن (على رجل طائر) هذا مثل في عدم تقرر الشئ أي لا تستقر الرؤيا قرارا كالشئ المعلق على رجل طائر ذكره ابن الملك فالمعنى أنها كالشئ المعلق برجل الطائر لا استقرار لها قال في النهاية أي لا يستقر تأويلها حتى تعبر يريد أنها سريعة السقوط إذا
[ 461 ]
عبرت كما أن الطير لا يستقر في أكثر أحواله فكيف يكون ما على رجله (ما لم يحدث) أي ما لم يتكلم المؤمن أو الرائي (بها) أي بتلك الرؤيا أو تعبيرها (فإذا تحدث بها سقطت) أي تلك الرؤيا على الرائي يعني يلحقه حكمها وفي رواية أبي داود قال الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر فإذا عبرت وقعت قلت هذه الرواية تدل على أن المراد بقوله ما لم يحدث ما لم يتكلم بتعبيرها (قال) أي أبو رزين العقيلي وقائله وكيع بن عدس (وأحسبه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ولا تحدث بها إلا لبيبا) أي عاقلا فإنه إما يعبر بالمحبوب أو يسكت عن المكروه (أو حبيبا) أو التنويع أي محبا لا يعبر لك إلا بما يسرك قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه (وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر) قال الحافظ في التقريب لقيط بن صبرة بفتح المهملة وكسر الموحدة صحابي مشهور يقال إنه جده واسم أبيه عامر وهو أبو رزين العقيلي والأكثر على أنهما اثنان وقد بسط الكلام في هذا في تهذيب التهذيب (فقال وكيع بن حدس) أي بضم الحاء والدال المهملتين (وقال شعبة وأبو عوانة وهشيم عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن عدس) أي بضم العين والدال المهملتين (وهذا) أي وكيع بن عدس بالعين والدال المهملتين (أصح) لأنه كذلك كذا روى أكثر أصحاب يعلى
[ 462 ]
7 باب في تأويل الرؤيا ما يستحب منها وما يكره قوله (حدثنا أحمد بن أبي عبيد الله السليمي) بمفتوحة وكسر لام فتحتية في المغنى ثقة من العاشرة (أخبرنا سعيد) هو ابن أبي عروبة قوله (من رآني فإني أنا هو) أي من رأى في المنام رجلا مشابها بي فإني أنا ذلك الرجل قوله (وفي الباب عن أنس وأبي بكرة الخ) اعلم أن الترمذي أطلق الباب أولا وقال باب ولم يقيده بترجمة ثم أورد فيه حديث أبي هريرة المذكور ثم قال وفي الباب عن أبي أنس وأبي بكرة إلخ فالمراد بقوله وفي الباب أي وفي باب ما يشتمل عليه حديث أبي هريرة المذكور ولينظر من أخرج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) تقدم هذا الحديث في باب رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة 8 باب في الذي يكذب في حلمه قوله (عن عبد الأعلى) بن عامر الثعلبي بالمثلثة والمهملة الكوفي صدوق يهم من السادسة
[ 463 ]
(عن أبي عبد الرحمن) هو السلمي قوله (قال أراه) بضم الهمزة أي أظنه يعني قال أبو عبد الرحمن أظن أن عليا قال عن النبي صلى الله عليه وسلم وحائل قال هو عبد الأعلى (من كذب في حلمه) أي في رؤياه (كلف) بضم الكاف وتشديد اللام مكسورة (عقد شعيرة) وفي الرواية الآتية أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح وواثلة بن الأسقع) أما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أبي هريرة وحديث أبي شريح فلينظر من أخرجهما وأما حديث واثلة فأخرجه أحمد في مسنده قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) أي حديث قتيبة عن أبي عوانة عن عبد الأعلى أصح من حديث أبي أحمد الزبيري عن سفيان وهو الثوري عن عبد الأعلى لأن أبا أحمد الزبيري وإن كان ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري كما في التقريب قوله (قال من تحلم) بالتشديد أي طلب الحلم بأن ادعى أنه حلم حلما أي رأى رؤيا (كاذبا) في دعواه أنه رأى ذلك في منامه (ولن يعقد بينهما) لأن اتصال إحداهما بالأخرى غير ممكن فهو يعذب ليفعل ذلك ولا يمكنه فعله فهو كناية عن دوام تعذيبه قال الجزري في النهاية قوله من تحلم كلف أن يعقد بين شعيرتين أي قال إنه رأى في النوم ما لم يره يقال حلم بالفتح إذا رأى وتحلم إذا ادعى الرؤيا كاذبا فإن قيل إن كذب الكاذب في منامه لا يزيد على كذبه في يقظته فلم زادت عقوبته ووعيده وتكليفه عقد الشعيرتين قيل قد صح الخبر أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة
[ 464 ]
والنبوة لا تكون إلا وحيا والكاذب في رؤياه يدعي أن الله تعالى أراه ما لم يره وأعطاه جزءا من النبوة لم يعطه إياه والكاذب على الله تعالى أعظم فرية ممن كذب على الخلق أو على نفسه انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة 9 باب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم اللبن والقمص قوله (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف مصغرا ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام كنيته أبو خالد الأموي مولاهم ثقة ثبت من السادسة (عن حمزة بن عبد الله بن عمر) المدني شقيق سالم ثقة من الثالثة قوله (بينا) أصله بين فأشبعت الفتحة (إذ أتيت) بضم الهمزة (فشربت منه) أي من ذلك اللبن (قال العلم) هو بالنصب وبالرفع في الرواية وتوجيههما ظاهر وتفسير اللبن بالعلم لاشتراكهما في كثرة النفع بهما وقال ابن العربي اللبن رزق يخلقه الله طيبا بين أخباث من دم وفرث كالعلم نور يظهره الله في ظلمة الجهل فضرب به المثل في المنام قال بعض العارفين الذي خلص اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل ويحفظ العمل عن غفلة وزلل وهو كما قال لكن اطردت العادة بأن العلم بالتعلم والذي ذكره قد يقع خارقا للعادة فيكون من باب الكرامة وقال ابن أبي جمرة تأول النبي صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم اعتبارا بما بين له أول الأمر حين أتي بقدح خمر وقدح لبن فأخذ اللبن فقال له جبريل أخذت الفطرة الحديث كذا في الفتح قوله (حديث ابن عمر حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 465 ]
قوله (حدثنا الحسين بن محمد الحريري) بالحاء المهملة كذا وقع في النسخة الأحمدية وكتب في هامشها ما حاصله أنه وقع في نسخة صحيحة هكذا بالحاء ووقع في بعض النسخ الأخرى بالجيم انتهى قلت قال في الخلاصة الحسين بن محمد بن جعفر الجريري من ولد جرير النخيلي عن عبد الرزاق وعبيد الله بن موسى وعنه الترمذي انتهى فعلم منه أنه الجريري بفتح الجيم وكسر الراء وفي شرح الشيخ ابن حجر الهيثمي على الشمائل الجريري بضم الجيم هو الصواب انتهى والظاهر أنه بفتح الجيم والله تعالى أعلم وهو مجهول كما في تهذيب التهذيب (عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كذا أبهمه معمر في هذه الرواية وقد صرح صالح بن كيسان في روايته الآتية بذكر أبي سعيد) قال الحافظ كذا رواه أكثر أصحاب الزهري ورواه معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبهمه أخرجه أحمد انتهى قوله (وعليهم قمص) بضمتين جمع قميص والجملة حالية (منها) أي من القمص (ما يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر الدال وتشديد الياء جمع ثدي بفتح ثم سكون وهو مذكر عند معظم أهل اللغة وحكي أنه مؤنث والمشهور أنه يطلق في الرجل والمرأة وقيل يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده ولعل قائل هذا يدعي أنه أطلق في هذا الحديث مجازا والمعنى أن القميص قصير جدا بحيث لا يصل من الحلق إلى نحو السرة بل فوقها (ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك) وفي رواية البخاري ومنها ما دون ذلك قال الحافظ يحتمل أن يريد دونه من جهة السفل وهو الظاهر فيكون أطول ويحتمل أن يريد دونه من جهة العلو فيكون أقصر ويؤيد الأول ما في رواية الحكيم الترمذي من طريق أخرى في هذا الحديث فمنهم من كان قميصه إلى سرته ومنهم من كان قميصه إلى ركبته ومنهم من كان قميصه إلى أنصاف ساقيه انتهى قلت ويؤيد الأول رواية أبي عيسى الترمذي هذه أيضا (فعرض على عمر) أي في ما بينهم (وعليه قميص يجره) أي يسحبه في الأرض
[ 466 ]
لطوله (قالوا) أي بعض الصحابة من الحاضرين (فما أولته) أي فما عبرت جر القميص لعمر (قال الدين) بالنصب أي أولته الدين ويجوز الرفع أي المأول به هو الدين قال النووي القميص الدين وجره يدل على بقاء آثاره الجميلة وسنته الحسنة في المسلمين بعد وفاته ليقتدى به وأما تفسير اللبن بالعلم فلكثرة الانتفاع بهما وفي أنهما سببا للصلاح فاللبن غذاء الإنسان وسبب صلاحهم وقوة أبدانهم والعلم سبب للصلاح وغذاء للأرواح في الدنيا والآخرة انتهى وقال الحافظ قالوا وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا والدين يسترها في الآخرة ويحجبها عن كل مكروه والأصل فيه قوله تعالى ولباس التقوى ذلك خير الآية والعرب تكنى عن الفضل والعفاف بالقميص ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لعثمان إن الله سيلبسه قميصا فلا تخلعه أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة وصححه ابن حبان واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده قوله (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة (عن أبيه) أي إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة (وهذا أصح) أي من الحديث الأول المذكور لأن في سنده الحسين بن محمد وهو مجهول كما عرفت 10 باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم الميزان والدلو قوله (كأن ميزانا) كأن بتشديد النون من الحروف المشبهة بالفعل (فوزنت) بصيغة المجهول المخاطب (أنت) ضمير فصل وتأكيد لتصحيح العطف (فرجحت) بفتح الجيم وسكون
[ 467 ]
الحاء أي ثقلت وغلبت (ثم رفع الميزان) فيه إيماء إلى وجه ما اختلف في تفضيل علي وعثمان قاله القاري (فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم) وذاك لما علم صلى الله عليه وسلم من أن تأويل رفع الميزان انحطاط رتبة الأمور وظهور الفتن بعد خلافة عمر ومعنى رجحان كل من الآخر أن الراجح أفضل من المرجوح وقال المنذري قيل يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كره وقوف التخيير وحصر درجات الفضائل في ثلاثة ورجا أن يكون في أكثر من ذلك فأعلمه الله أن التفضيل انتهى إلى المذكور فيه فساءه ذلك انتهى قال التوربشتي إنما ساءه والله أعلم من الرؤيا التي ذكرها ما عرفه من تأويل رفع الميزان فإن فيه احتمالا لانحطاط رتبة الأمر في زمان القائم به بعد عمر رضي الله عنه عما كان عليه من النفاذ والاستعلاء والتمكن بالتأييد ويحتمل أن يكون المراد من الوزن موازنة أيامهم لما كان نظر فيها من رونق الإسلام وبهجته ثم إن الموازنة إنما تراعى في الأشياء المتقاربة مع مناسبة ما فيظهر الرجحان فإذا تباعدت كل التباعد لم يوجد للموازنة معنى فلهذا رفع الميزان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري قوله (عن ورقة) بفتحات أي ابن نوفل ابن عم خديجة أم المؤمنين كان تنصر في الجاهلية وقرأ الكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي (فقالت) بيان السؤال والسائل (له) أي لأجل ورقة وتحقيق أمره (خديجة أنه) أي الشأن أو أن ورقة (كان) أي في حياته (صدقك) بالتشديد أي في نبوتك (وأنه مات قبل أن تظهر) تعني أنه لم يدرك زمان دعوتك ليصدقك ويأتي بالأعمال على موجب شريعتك لكن صدقك قبل مبعثك قاله الطيبي (أريته في المنام) بصيغة المجهول أي أرانيه الله وهو بمنزلة الوحي للأنبياء وحاصل الجواب أنه لم يأتني وحي جلي ودليل قطعي لكني رأيته في المنام (وعليه ثياب بياض) وفي المشكاة وعليه ثياب بيض (ولو كان من أهل النار لكان عليه لباس غير ذلك)
[ 468 ]
فيه أنه إذا رأى مسلم في المنام الثياب البيض على ميت مسلم فذلك دليل على حسن حاله وأنه من أهل الجنة قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وهو حديث ضعيف (وعثمان ابن عبد الرحمن ليس عند أهل الحديث بالقوي) قال في التقريب عثمان بن عبد الرحمن ابن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري الوقاصي أبو عمرو المدني متروك وكذبة ابن معين وقال في تهذيب التهذيب قال الهيثم بن عدي توفي في خلافة هارون روى له الترمذي حديثا واحدا في ذكر ورقة بن نوفل قوله (فنزع أبو بكر ذنوبا) بفتح الذال المعجمة وهو الدلو فيها ماء والملأى أو دون الملأى كذا في القاموس قال الحافظ واتفق من شرح هذا الحديث على أن ذكر الذنوب إشارة إلى مدة خلافته وفيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة والذي يظهر لي أن ذلك إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح الكبار وهي ثلاثة ولذلك لم يتعرض في ذكر عمر إلى عدد ما نزعه من الدلاء وإنما وصف نزعه بالعظمة إشارة إلى كثرة ما وقع في خلافته من الفتوحات وقد ذكر الشافعي تفسير هذا الحديث في الأم فقال بعد أن ساقه ومعنى قوله وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشغله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والازدياد الذي بلغه عمر في طول مدته انتهى فجمع في كلامه ما تفرق في كلام غيره انتهى (فيه ضعف) وفي رواية البخاري وفي نزعه ضعف قال الحافظ أي على مهل ورق (والله يغفر له) قال النووي هذا دعاء من المتكلم أي أنه لا مفهوم له وقال غيره فيه إشارة إلى قرب وفاة أبي بكر وهو نظير قوله تعالى لنبيه عليه السلام فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا فإنها إشارة إلى قرب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ ويحتمل أن يكون فيه إشارة إلى قلة الفتوح في زمانه لا صنع له فيه لأن سببه قصر مدته فمعنى المغفرة له رفع الملامة عنه (فاستحالت غربا) أي انقلبت الدلو التي كانت ذنوبا غربا أي دلوا عظيمة والغرب بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة (فلم أر عبقريا)
[ 469 ]
بفتح المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رجلا قويا (يفري) بفتح أوله وسكون الفاء وكسر الراء وسكون التحتانية (فريه) بفتح الفاء وكسر الراء وتشديد التحتانية المفتوحة وروى بسكون الراء وخطأه الخليل ومعناه يعمل عمله البالغ (حتى ضرب الناس بالعطن) بفتح المهملتين وآخره نون هو مناخ الإبل إذا شربت ثم صدرت وسيأتي في مناقب عمر بلفظ حتى روى الناس وضربوا بعطن ووقع في حديث أبي الطفيل بإسناد حسن عند البزار والطبراني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا أنزع الليلة إذ وردت على غنم سود وعفر فجاء أبو بكر فنزع فذكره وقال في عمر فملأ الحياض وأروى الواردة وقال فيه فأولت السود العرب والعفر العجم قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه مسلم (هذا حديث صحيح غريب من ابن عمر) وأخرجه الشيخان قوله (قال رأيت) أي في شأن المدينة (ثائرة الرأس) أي منتشرة شعر الرأس (حتى قامت بمهيعة) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح التحتية والعين الأرض المبسوطة الواسعة (وهي الجحفة) قال الحافظ في الفتح وأظن قوله وهي الجحفة مدرجا من قول موسى بن عقبة فإن أكثر الروايات خلا عن هذه الزيادة وثبتت في رواية سليمان بن جريح (فأولتها) من التأويل هو تفسير الشئ بما يؤول إليه (وباء المدينة) وهو بالمد ويقصر مرض عام أو موت ذريع وقد يطلق على الأرض الوخمة التي تكثر فيها الأمراض لا سيما للغرباء أي حماها وأمراضها قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه البخاري
[ 470 ]
قوله (قال في آخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب الخ) تقدم شرح هذا الحديث في باب إن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة قوله (أخبرنا أبو اليمان) اسمه الحكم بن نافع البهراني بفتح الموحدة الحمصي مشهور بكنيته ثقة ثبت يقال إن أكثر حديثه عن شعيب مناولة من العاشرة (عن ابن أبي حسين) اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بن الحارث بن نوفل المكي النوفلي ثقة عالم بالمناسك من الخامسة قوله (سوارين) بكسر السين أي قلبين قال الحافظ السوار بكسر المهملة ويجوز ضمها وفيه لغة ثالثة أسوار بضم الهمزة أوله (فهمني شأنهما) أي أحزنني وفي حديث البخاري فكبرا علي قال الحافظ هو بمعنى العظم قال القرطبي وإنما عظم عليه ذلك لكون الذهب مما حرم على الرجال (فأوحي إلي) قال الحافظ كذا للأكثر على البناء للمجهول وفي رواية الكشميهني في حديث إسحاق بن نصر فأوحى الله إلي هذا الوحي يحتمل أن يكون من وحي الإلهام أو على لسان الملك قاله القرطبي (أن أنفخهما) بضم الفاء وسكون الخاء المعجمة وإن هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول وعليه كلام القاضي وغيره وجوز الطيبي أن تكون ناصبة والجار محذوف والنفخ
[ 471 ]
بالخاء المعجمة على ما صححه النووي يقال نفخته ونفخت فيه (فنفختهما فطارا) قال الحافظ وكذا في رواية المقبري وزاد فوقع واحد باليمامة والآخر باليمن وفي ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة ولم ينزل بالمسلمين قبله مثله قال الحافظ وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما (فأولتهما كاذبين) قال المهلب هذه الرؤيا ليست على وجهها وإنما هي من ضرب المثل وإنما أوله النبي صلى الله عليه وسلم السوارين بالكذابين لأن الكذب وضع الشئ في غير موضعه فلما رأى في ذراعيه سوارين من ذهب وليسا من لبسه لأنهما من حلية النساء عرف أنه سيظهر من يدعي ما ليس له وأيضا ففي كونهما من ذهب والذهب منهي عن لبسه دليل على الكذب وأيضا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شئ يذهب عنه وتأكد ذلك بالإذن له في نفخهما فطارا فعرف أنه لا يثبت لهما أمر وأن كلامه بالوحي الذي جاء به يزيلهما عن موضعهما والنفخ يدل على الكلام انتهى ملخصا (يخرجان من بعدي) وفي رواية البخاري فأولتهما الكذابين الذين أنا بينهما قال الحافظ هذا ظاهر في أنهما كانا حين قص الرؤيا موجودين وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عباس يخرجان بعدي والجمع بينهما أن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة نقله النووي عن العلماء وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته صلى الله عليه وسلم فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلد وآل أمره إلى أن قتل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كما قدمت ذلك واضحا في أواخر المغازي وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في عهد أبي بكر فإما أن يحمل ذلك على التغليب وإما أن يكون المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي (يقال لأحدهما مسلمة) بفتح الميم واللام وبينهما سين ساكنة هو المشهور بمسيلمة مصغرا قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق رضي الله عنه وقيل لما قتله وحشي قال قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام (صاحب اليمامة) قال في القاموس اليمامة القصد كاليمام وجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وبلاد الجو منسوبة إليها وسميت باسمها وهي أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب وهي دون المدينة في وسط الشرق من مكة على ستة عشر مرحلة من البصرة وعن الكوفة نحوها انتهى (والعنسي صاحب صنعاء) هو بلدة باليمن وصاحبها الأسود العنسي تنبأ بها في آخر عهد الرسول صلى الله عليه وسلم فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم فاز فيروز
[ 472 ]
قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا الحسين بن محمد) هو الجريري البلخي (عن عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة الهذلي المدني قوله (إني رأيت الليلة ظلة) بضم الظاء المعجمة أي سحابة لها ظلة وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة قاله الخطابي وفي رواية ابن ماجة ظلة بين السماء والأرض (ينطف) أي يقطر من نطف الماء إذا سال ويجوز الضم والكسر في الطاء (يستقون بأيديهم) أي يأخذون بالأسقية وفي رواية البخاري يتكففون أي يأخذون بأكفهم (فالمستكثر) مرفوع على الابتداء وخبره محذوف أي فيهم المستكثر في الأخذ أي يأخذ كثيرا (والمستقل) أمي ومنهم المستقل في الأخذ أي يأخذ قليلا (ورأيت سببا) أي حبلا (واصلا) من الوصول وقيل هو بمعنى الموصول كقوله عيشة راضية أي مرضية (فعلوت) من العلو وفي رواية سليمان بن كثير فأعلاك الله (ثم وصل له) على بناء المجهول (بأبي أنت وأبي) أي مفدى بهما (والله لتدعني) بفتح اللام للتأكيد أي لتتركني وفي رواية سليمان ائذن لي (أعبرها) وفي رواية فلأعبرنها بزيادة لام التأكيد والنون (أعبرها) أمر من عبر يعبر من باب نصر ينصر قال في القاموس عبر الرؤيا عبرا وعبارة وعبرها فسرها وأخبر باخر ما يؤول إليه أمرها واستعبره إياها سأله عبرها (وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فهو الحق الذي أنت عليه) المراد بالحق الولاية التي كانت بالنبوة ثم صارت
[ 473 ]
بالخلافة (ثم يأخذ به) أي بالسبب (بعدك رجل) وهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويقوم بالحق في أمته بعده (ثم يأخذ بعده رجل اخر) وهو عمر بن الخطاب (ثم يأخذ اخر) وهو عثمان (فينقطع به ثم يوصل) وفي حديث ابن عباس عند مسلم ثم يوصل له (أصبت بعضا وأخطأت بعضا) قال النووي اختلف العلماء في معناه فقال ابن قتيبة واخرون معناه أصبت في بيان تفسيرها وصادفت حقيقة تأويلها وأخطأت في مبادرتك بتفسيرها من غير أن امرك به وقال اخرون هذا الذي قاله ابن قتيبة وموافقوه فاسد لأنه صلى الله عليه وسلم قد أذن له في ذلك وقال أعبرها وإنما أخطأ في تركه تفسير بعضها فإن الرائي قال رأيت ظلة تنطف السمن والعسل ففسره الصديق رضي الله عنه بالقران حلاوته ولينه وهذا إنما هو تفسير العسل وترك تفسير السمن وتفسيره السنة فكان حقه أن يقول القران والسنة وإلى هذا أشار الطحاوي وقال اخرون الخطأ وقع في خلع عثمان لأنه ذكر في المنام أنه أخذ بالسبب فانقطع به وذلك يدل على انخلاعه بنفسه وفسره الصديق بأنه يأخذ به رجل فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به وعثمان قد خلع قهرا وقتل وولي غيره فالصواب في تفسيره أن يحمل وصله على ولاية غيره من قومه وقال اخرون الخطأ في سؤاله ليعبرها قال المهلب وموضع الخطأ في قوله ثم وصل له لأن في الحديث ثم وصل ولم يذكر له قال الحافظ هذه اللفظة وهي قوله له قد ثبتت في كثير من الروايات فذكرها ثم قال وبني المهلب على ما توهمه فقال كان ينبغي لأبي بكر أن يقف حيث وقفت الرؤيا ولا يذكر الموصول له فإن المعنى أن عثمان انقطع به الحبل ثم وصل لغيره أي وصلت الخلافة لغيره وقد عرفت أن لفظة له ثابتة في نفس الخبر فالمعنى على هذا أن عثمان كاد ينقطع على اللحاق بصاحبيه بسبب ما وقع له من تلك القضايا التي أنكروها فعبر عنها بانقطاع الحبل ثم وقعت له الشهادة فاتصل بهم فعبر عنه بأن الحبل وصل له فاتصل فالتحق بهم فلم يتم في تبيين الخطأ في التعبير المذكور ما توهمه المهلب انتهى وقد بسط الحافظ الكلام في هذا المقام في الفتح (لا تقسم) أي لا تكرر يمينك فإني لا أخبرك قال النووي فيه دليل لما قاله العلماء أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما
[ 474 ]
هو إذا لم تكن في الابرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة فإن كان لم يؤمر با برار لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبر قسم أبي بكر لما رأى في إبراره من المفسدة قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (عن أبيه) أي جرير بن حازم (عن أبي رجاء) اسمه عمران بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها مهملة ويقال ابن تيم العطاردي مشهور بكنيته وقيل غير ذلك في اسم أبيه مخضرم ثقة معمر مات سنة خمس ومائة له مائة وعشرون سنة قوله (وقال هل رأى أحد منكم رؤيا) على وزن فعلى بلا تنوين ويجوز تنوينه كما قرئ به في الشاذة أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله وكذا روي منونا قوله في الحديث ومن كان هجرته لدنيا (الليلة) أي هذه الليلة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بنحوه وأخرجه البخاري مطولا (ويروى عن عوف وجرير بن حازم عن أبي رجاء عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة) أخرجه البخاري بالقصة الطويلة في اخر أبواب التعبير (وهكذا روى لنا بندار هذا الحديث مختصرا) بندار هذا هو محمد بن بشار المذكور في السند المتقدم
[ 475 ]
35 أبواب الشهادات هي جمع شهادة وهي مصدر شهد يشهد قال الجوهري الشهادة خبر قاطع والمشاهدة المعاينة مأخوذة من الشهود أي الحضور لأن الشاهد مشاهد لما غاب عن غيره وقال في المغرب الشهادة الاخبار بصحة الشئ عن مشاهدة وعيان ويقال شهد عند الحاكم لفلان على فلان بكذا شهادة فهو شاهد وهم شهود وإشهاد وهو شهيد وهم شهداء 1 باب ما جاء في الشهداء أيهم خير قوله (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم) الأنصاري المدني القاضي ثقة من الخامسة (عن أبيه) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري بالنون والجيم المدني القاضي اسمه وكنيته واحد وقيل إنه يكنى أبا محمد ثقة عابد من الخامسة (عن عبد الله بن عمرو بن عثمان) الأموي يلقب بالمطرف بضم الميم وسكون المهملة وفتح الراء ثقة شريف من الثالثة (عن أبي عمرة) وفي الرواية الاتية ابن أبي عمرة وهذا هو الأصح كما صرح به الترمذي قال في التقريب أبو عمرة الأنصاري عن زيد بن خالد صوابه عن ابن أبي عمرة واسمه عبد الرحمن وقال في تهذيب التهذيب أبو عمرة الأنصاري وقيل ابن أبي عمرة وقيل عبد الرحمن ابن أبي عمرة روى عن زيد بن خالد الجهني ألا أخبركم بخير الشهداء وعنه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أخرج الجماعة سوى البخاري حديثه من رواية أبي بكر بن حزم عن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد وسماه بعضهم في روايته عبد الرحمن انتهى قوله (بخير الشهداء) جمع شاهد (الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) بصيغة المجهول أي
[ 476 ]
قبل أن يطلب منه الشهادة قال النووي وفي المراد بهذا الحديث تأويلان أصحهما وأشهرهما تأويل مالك وأصحاب الشافعي أنه محمول على من عنده شهادة نسان بحق ولا يعلم ذلك الانسان أنه شاهد فيأتي إليه فيخبره بأنه شاهد له والثاني أنه محمول على شهادة الحسبة وذلك في غير حقوق الادميين المختصة بهم فمما تقبل فيه شهادة الحسبة الطلاق والعتق والوقف والوصايا العامة والحدود ونحو ذلك فمن علم شيئا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة قال الله تعالى وأقيموا الشهادة لله وكذا في النوع الأول يلزم من عنده شهادة الانسان لا يعلمها أن يعلمه إياها لأنها أمانة له عنده وحكى تأويلا ثالثا أنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادات بعد طلبها لا قبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف انتهى (وقال ابن أبي عمرة) أي قال عبد الله بن مسلمة في روايته عن مالك بن أبي عمرة مكان أبي عمرة واسم ابن أبي عمرة عبد الرحمن قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم ومالك وأحمد وأبو داود وابن ماجة (وأكثر الناس يقولون) في رواياتهم (عبد الرحمن بن أبي عمرة) أي كما قال عبد الله بن مسلمة في روايته (واختلفوا) أي أصحاب مالك في رواية هذا الحديث عنه (فروى بعضهم عن أبي عمرة) كمعن (وروى بعضهم عن ابن أبي عمرة) كعبد الله بن مسلمة عند الترمذي ويحيى بن يحيى عند مسلم (وهذا أصح عندنا) أي رواية من روى عن مالك بلفظ عن ابن أبي عمرة أصح من رواية من روى عنه بلفظ عن أبي عمرة (لأنه) أي لأن هذا الحديث (قد روي من غير حديث مالك عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد بن خالد) رواه الترمذي بعد هذا فهذه الرواية تؤيد رواية من روى عن مالك بلفظ عن ابن أبي عمرة فقد روى عن أبي عمرة عن زيد بن خالد غير هذا الحديث أي غير حديث الشهادة المذكور في الباب (وأبو عمرة هو مولى زيد بن خالد الجهني)
[ 477 ]
أي أبو عمرة الذي روى عنه عن زيد بن خالد غير حديث الشهادة المذكور هو مولى زيد بن خالد (وله) أي لزيد بن خالد الجهني (حديث الغلول) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى ابن حبان عن أبي عمرة عن زيد بن خالد الجهني أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلوا على صاحبكم فتغير ت وجوه الناس لذلك فقال إن صاحبكم غل في سبيل الله ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز يهود لا يساوي درهمين (لأبي عمرة) أي مولى زيد بن خالد يعني أن حديث زيد بن خالد هذا في الغلول رواه عنه مولاه أبو عمرة قوله (حدثنا بشر بن ادم ابن بنت أزهر السمان) البصري أبو عبد الرحمن صدوق فيه لين من العاشرة (حدثني أبي عباس بن سهل بن سعد) الأنصاري الساعدي فيه ضعف من السابعة ماله في البخاري غير حديث واحد كذا في التقريب (حدثني خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري المدني ثقة فقيه من الثالثة قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة 2 باب ما جاء فيمن لا تجوز شهادته قوله (عن يزيد بن زياد الدمشقي) أو ابن أبي زياد القرشي متروك من السابعة قوله (لا تجوز) أي لا تصح (شهادة خائن ولا خائنة) قال القاري في المرقاة أي المشهور بالخيانة في أمانات الناس دون ما ائتمن الله عليه عباده من أحكام الدين كذا قاله بعض علمائنا من الشراح قال القاضي ويحتمل أن يكون المراد به الأعم منه وهو الذي يخون فيما ائتمن عليه سواء ما ائتمنه الله عليه من أحكام الدين أو الناس من الأموال قال تعالى يا أيها الذين امنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم انتهى فالمراد بالخائن هو الفاسق وهو من فعل كبيرة أو
[ 478 ]
أصر على الصغائر انتهى ما في المرقاة وقال في النيل صرح أبو عبيد بأن الخيانة تكون في حقوق الله كما تكون في حقوق الناس من دون اختصاص (ولا مجلود حدا) أي حد القذف قال ابن الملك هو من جلد في حد القذف وبه أخذ أبو حنيفة رحمه الله تعالى أن المجلود فيه لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب وقال القاضي أفرد المجلود حدا وعطفه عليه لعظم جنايته وهو يتناول الزاني غير المحصن والقاذف والشارب قال المظهر قال أبو حنيفة إذا جلد قاذف لا تقبل شهادته أبدا وإن تاب وأما قبل الجلد فتقبل شهادته وقال غيره القذف من جملة الفسوق لا يتعلق بإقامة الحد بل إن تاب قبلت شهادته سواء جلد أو لم يجلد وإن لم يتب لم تقبل شهادته سواء جلد أو لم يجلد قلت قول من قال إن المجلود تقبل شهادته بعد التوبة هو القول الراجح المنصور كما حققه الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين والحافظ ابن حجر في الفتح (ولا ذي غمر) بكسر فسكون أي حقد وعداوة (حنة) بكسر الهمزة وسكون الحاء المهملة وبالنون قال في القاموس الاحنة بالكسر الحقد والغضب وقال في النهاية الاحنة العداوة ويجئ حنة بهذا المعنى على قلة انتهى ووقع في بعض النسخ الموجودة عندنا لأخيه بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة وكذا وقع عند الدارقطني وغيره ووقع في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود بلفظ ولا ذي غمر على أخيه (ولا مجرب شهادة) أي في الكذب (ولا القانع أهل البيت) أي الذي يخدم أهل البيت كالأجير وغيره (لهم) أي لأهل البيت لأنه يجر نفعا بشهادته إلى نفسه لأن ما حصل من المال للمشهود له يعود نفعه إلى الشاهد لأنه يأكل من نفقته ولذلك لا تقبل شهادة من جر نفعا بشهادته إلى نفسه كالوالد يشهد لولده أو الولد لوالده أو الغريم يشهد بمال للمفلس على أحد (ولا ظنين) أي متهم (في ولاء) بفتح الواو وهو الذي ينتمي إلى غير مواليه (ولا قرابة) قال القاري في المرقاة أي ولا ظنين في قرابة وهو الذي ينتسب إلى غير ذويه وإنما رد شهادته لأنه ينفي الوثوق به عن نفسه كذا قال بعض علمائنا من الشراح وقال المظهر يعني من قال أنا عتيق فلان وهو كاذب فيه بحيث يتهمه الناس في قوله ويكذبونه لا تقبل شهادته لأنه فاسق لأن قطع الولاء عن المعتق وأبنائه لمن ليس بمعتقه كبيرة وراكبها فاسق كذلك الظنين في القرابة وهو الداعي القائل أنا ابن فلان أو أنا أخو فلان من النسب والناس يكذبونه فيه انتهى ما في المرقاة
[ 479 ]
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارقطني والبيهقي وفيه ولاذي غمر لأخيه وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك كما عرفت وقال أبو زرعة في العلل هو حديث منكر وضعفه عبد الحق وابن حزم وابن الجوزي قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أبو داود بلفظ لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت ورواه ابن ماجة أيضا وفي الباب أيضا عن أبي هريرة بلفظ لا تجوز شهادة ذي الظنة ولا ذي الحنة رواه الحاكم والبيهقي وفي الباب أيضا من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب نحو حديث عائشة أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده عبد الأعلى وهو ضعيف شيخه يحيى بن سعيد الفارسي وهو أيضا ضعيف قال البيهقي لا يصح من هذا شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الباب أيضا عن عمر لا تقبل شهادة ظنين ولا خصم أخرجه مالك في الموطإ موقوفا وهو منقطع قوله (ولا نعرف معنى هذا الحديث) أي معنى قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة فإنه بظاهره يوهم أنه لا يجوز شهادة قريب لقريب له ولم يقل بإطلاقه أحد ولكن إذا فسر هذا بما ذكرنا فلا إشكال والله تعالى أعلم (والعمل عند أهل العلم في هذا أن شهادة القريب جائزة لقرابته) أي وظاهر قوله ولا ظنين في ولاء ولا قرابة يدل على خلافه ولذلك قال الترمذي لا نعرف معنى هذا الحديث (واختلف أهل العلم في شهادة الوالد للولد الخ) قال الشوكاني في النيل اختلف في شهادة الولد لوالده والعكس فمنع من ذلك الحسن البصري والشعبي وزيد بن علي والمؤيد بالله وا مام يحيى والثوري ومالك والشافعية والحنفية وعللوا بالتهمة فكان كالقانع وقال عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز والعترة وأبو ثور وابن المنذر والشافعي في قوله إنها تقبل لعموم قوله تعالى ذوي عدل انتهى قلت والظاهر عندي هو قول المانعين والله تعالى
[ 480 ]
أعلم (وقال الشا فعي لا تجوز شهادة الرجل على الاخر وإن كان عدلا إذا كان بينهما عداوة الخ) قيل اعتمد الشافعي خبرا صحيحا وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال لا تقبل شهادة خصم على خصم قال الحافظ ليس له إسناده لكن له طرق يتقوى بعضها ببعض فروى أبو داود في المراسيل من حديث طلحة بن عبد الله بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث مناديا أنها لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين ورواه أيضا البيهقي من طريق الأعرج مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تجوز شهادة ذي الظنة والحنة يعني الذي بينك وبينه عداوة رواه الحاكم من حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه مثله وفي إسناده نظر قوله (عن الجريري) بضم الجيم هو سعيد بن إلياس أبو مسعود البصري ثقة من الخامسة إختلظ قبل موته بثلاث سنين (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) ابن الحارث الثقفي من الثانية (عن أبيه) أي أبي بكرة واسمه نفيع بن الحارس بن كلدة بفتحتين ابن عمرو الثقفي صحابي مشهور بكنيته وقيل اسمه مسروح بمهملات أسلم بالطائف ثم نزل البصرة قوله (قال الإشراك بالله) هو جعل أحد شريكا للآخر والمراد ههنا إتخاذ إله غير الله وأراد به الكفر وإختار لفظ الإشراك لأنه كان غالبا في العرب (وعقوق الوالدين) أي قطع صلتهما مأخوذ من العق وهو الشق والقطع والمراد عقوق أحدهما قيل هو إيذاء لا يتحمل مثله من الولد عادة وقيل عقوقهما مخالفة أمرهما فيما لم يكن معصية وفي معناهما الأجداد والجدات ثم اقترانه بالإشراك لما بينهما من المناسبة إذ في كل قطع حقوق السبب في الإيجاد والإمداد إن كان ذلك لله حقيقة وللوالدين صورة ونظيره قوله تعالى واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وقوله عز وجل أن اشكر لي ولوالديك (وشهادة الزور) أي الكذب وسمي زور
[ 481 ]
لميلانه عن جهة الحق (وقول الزور) شك من الراوي (حتى قلنا ليته سكت) أي شفقة وكراهية لما يزعجه وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه صلى الله عليه وسلم والمحبة له والشفقة عليه وتقدم هذا الحديث في باب عقوق الوالدين من أبواب البر والصلة قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي قوله (عن سفيان بن زياد الأسدي) ويقال ابن دينار العصفري ويكنى أبا الورقاء الأحمري أو الأسدي كوفي ثقة من السادسة (عن فاتك بن فضالة) بن شريك الأسدي الكفي مجهول الحال من السادسة (عن أيمن بن خزيم) بالمعجمة ثم الراء مصغرا ابن الأخرم الأسدي هو أبو عطية الشامي الشاعر مختلف في صحبته قال العجلي تابعي ثقة وقال في تهذيب التهذيب روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في شهادة الزور وعن أبيه وعمه وعنه فاتك بن فضالة قوله (عدلت شهادة الزور إشراكا بالله) أي جعلت الشهادة الكاذبة مماثلة للإشراك بالله في الإثم لأن الشرك كذب على الله لما لا يجوز و شهادة الزور كذب على العبد لا يجوز وكلاهما غير واقع في الواقع قال الطيبي والزور من الزور والأزورار وهو الانحارف وإنما ساوى قول الزور بالشرك لأن الشر ك من باب الزور فإن المشرك زعم أن الوثن يحق للعبادة (ثم قرأ) أي استشهادا واعتضادا (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) من بيانية أي النجس الذي هو الأصنام (واجتنبوا قول الزور) أي قول الكذب الشامل لشهادة الزور قال الطيبي وفي التنزيل عطف قول الزور على عبادة الأوثان وكرر الفعل استقلالا فيما هو مجتنب عنه في كونهما من وادي الرجس الذي يجب أن يجتنب عنه وكأنه قال فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رؤوس الرجس واجتنبوا قول الزور كله ولا تقربوا شيئا منه لتماديه في القبح والسماجة وما ظنك بشئ من قبيل عبادة الأوثان وسمى الأوثان رجسا على طريق التشبيه يعني أنكم كما تنفرون بطباعكم عن الرجس وتجتنبونه فعليكم أن تنفروا من شبيه الرجس مثل تلك النفرة
[ 482 ]
قوله (وقد اختلفوا في رواية هذا الحديث عن سفيان بن زياد) قال الحافظ في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وقد رواه جماعة عن سفيان بن زياد عن أبيه عن حبيب بن النعمان عن خريم بن فاتك واستصوبه ابن معين وقال إن مروان بن معاوية لم يقم إسناده انتهى وحديث أيمن بن خريم هذا في سنده فاتك بن فضالة وهو مجهول كما عرفت وأخرجه أيضا أحمدج وأخرجه أبو داود وابن ماجه عن خريم بن فاتك وهو صحابي قال في التقريب خريم بالتصغير ابن فاتك الأسدي أبو يحيى وهو خريم بن الأخرم بن شداد بن عمرو بن فاتك نسب لجد جده صحابي شهد الحديبية ولم يصح أنه شهد بدرا مات في الرقة في خلافة معاوية 3 باب قوله (عن علي بن مدرك) النخعي أبي مدرك الكوفي ثقة من الرابعة قوله (خير الناس قرني) أي الذين أدركوني وامنوا بي وهم أصحابي (ثم الذين يلونهم) أي يقربونهم في الرتبة أو يتبعونهم في الايمان وا يقان وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع التابعين والمعنى أن الصحابة والتابعين وتبعهم هؤلاء القرون الثلاثة المرتبة في الفضيلة ففي النهاية القرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران فكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم وقيل القرن أربعون سنة وقيل ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق من الزمان وهو مصدر قرن يقرن قال السيوطي والأصح أنه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم هم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث إلى اخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة وقرن التابعين من مائة سنة إلى نحو سبعين وقرن أتباع التابعين من ثم إلى نحو العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤوسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القران وتغيرت الأحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص إلى الان وظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم ثم يفشو الكذب (ثم الذين
[ 483 ]
يلونهم ثلاثا) كذا في بعض النسخ وليس هذا في بعضها وفي رواية البخاري في فضائل الصحابة خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثا قال الحافظ وقع مثل هذا الشك في حديث ابن مسعود وأبي هريرة عند مسلم وفي حديث بريدة عند أحمد وجاء في أكثر الطرق بغير شك منها عن النعمان بن بشير عند أحمد وعن مالك عند المسلم عن عائشة قال رجل يا رسول الله أي الناس خير قال القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم الثالث ووقع في حديث جعدة بن هبيرة عند ابن أبي شيبة والطبراني إثبات القرن الرابع ولفظه خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الاخرون أردا ورجاله ثقات إلا أن جعدة مختلف في صحبته انتهى (يتسمنون) أي يتكبرون بما ليس فيهم ويدعون ما ليس لهم من الشرفوقيل أراد جمعهم الأموال وقيل يحبون التوسع في الماكل والمشارب وهي أسبا ب السمن وقال التوربشتي كنى به عن الغفلة وقلة الاهتمام بأمر الدين فإن الغالب علذوي السمانة أن لا يهتموا بارتياض النفوس بل معظم همتهم تناول الحظوظ والتفرغ للدعة والنوم وفي شرح مسلم قالوا المذموم من السمن ما يستكسب وأما ما هو خلقة فلا يدخل في هذا انتهى (ويحبون السمن) بكسر السين وفتح الميم مصدر سمن بالكسر والضم سمانة بالفتح وسمنا كعنب فهو سامن وسمين قوله (هذا حديث غريب) أصله في الصحيحين (وأصحاب الأعمش) يعني غير محمد بن فضيل (إنما رووا عن الأعمش عن هلال بن يساف) يعني بغير ذكر علي بن مدرك قوله (وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل) أي حديث وكيع عن الأعمش عن هلال بن يساف بغير ذكر علي بن مدرك أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف لأنه تفرد بذكره وقد روى غير واحد من أصحاب الأعمش مثل رواية وكيع قوله (وبيان هذا في حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه الترمذي في باب
[ 484 ]
لزوم الجماعة من أبواب الفتن (هو إذا استشهد الرجل على الشئ أن يؤدي شهادته ولا يمتنع من الشهادة هكذا وجه الحديث عند بعض أهل العلم) ذكر النووي ثلاثة وجوه من التأويل في هذا الحديث كما عرفتها وذكر التأويل الثالث بقوله إنه محمول على المجاز والمبالغة في أداء الشهادة بعد طلبها لاقبله كما يقال الجواد يعطي قبل السؤال أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف انتهى وإلى هذا التأويل أشار الترمذي بقوله هو إذا استشهد الخ والله تعالى أعلم
[ 485 ]
36 أبواب الزهد هو ضد الرغبة قال القاموس زهد فيه كمنع وسمع وكرم زهدا وزهادة ضد الرغبة انتهى والمراد هنا ترك الرغبة في الدنيا على ما يقتضيه الكتاب والسنة قوله (نعمتان) مبتدأ (مغبون فيهما كثيرون من الناس) صفة له خبره (الصحة والفراغ) أي صحة البدن وفراغ الخاطر بحصول الأمن ووصول كفاية الأمنية والمعنى لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم فيندمو ن على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم قال تعالى ذلك يوم التغابن وقال صلى الله عليه وسلم ليس يتحسر أهل الجنة إلا على ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله فيها وفي حاشية السيوطي رحمه الله قال العلماء معناه أن الانسان لا يتفرغ للطاعة إلا إذا كان مكفيا صحيح البدن فقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا وقد يكون صحيحا ولا يكون مستغنيا فلا يكون متفرغا للعلم والعمل لشغله بالكسب فمن حصل له الأمران وكسل عن الطاعة فهو المغبون أي الخاسر في التجارة مأخوذ من الغبن في البيع قوله (حدثنا محمد بن بشار) هو بندار (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان أخرجه الاسماعيلي من هذا الطريق ثم قال قال بندار بما حدث به يحيى بن سعيد ولم يرفعه كذا في الفتح
[ 486 ]
قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك) لينظر من أخرجه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وابن ماجة قوله (حدثنا بشر بن هلال الصواف) أبو محمد النميري بضم النون ثقة من العاشرة (عن أبي طارق) السعدي البصري مجهول من السابعة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى الحسن عن أبي هريرة حديث من يأخذ عني هؤلاء الكلمات وعنه جعفر بن سليمان الضبعي انتهى وقال في الميزان لا يعرف (عن الحسن) هو البصري قوله (من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات) أي الأحكام الاتية للسامع المصورة في ذهن المتكلم ومن للاستفهام (فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن) أو في الحديث بمعنى الواو كما في قوله تعالى عذرا أو نذرا ذكره الطيبي قال القاري وتبعه غيره والظاهر أن أو في الاية للتنويع كما أشار إليه البيضاري بقوله عذر للمحققين أو نذر للمبطلين ويمكن أن تكون أو في الحديث بمعنى بل إشارة إلى الترقي من مرتبة الكمال إلى منصة التكميل على أن كونها للتنويع له وجه وجيه وتنبيه نبيه على أن العاجز عن حمله قد يكون باعثا لغيره على مثله كقوله فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه انتهى (قلت أنا) أي اخذ عنك وهذه مبايعة خاصة ونظيره ما عهد بعض أصحابه بأنه لا يسأل مخلوقا وكان إذا وقع سوطه من يده وهو راكب نزل وأخذه من غير أن يستعين بأحد من أصحابه (فأخذه بيدي) أي لعد الكلمات الخمس أو لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأخذ عند التعليم بيد من يعلمه (فعد خمسا) أي من الخصائل أو من الأصابع على ما هو المتعارف واحدة بعد واحدة (وقال اتق المحارم) أي احذر الوقوع فيما حرم الله عليك (تكن أعبد الناس) أي من أعبدهم لأنه يلزم نم ترك المحارم فعل الفرائض (وارض بما قسم الله لك) أي أعطاك (تكن أغنى الناس) فإن فرض قنع بما قسم له ولم
[ 487 ]
يطمع فيما في أيدي الناس إستغنى عنهم ليس الغنى بكثرة العرض ولكن الغني غني النفس قال القاري في المرقاة سأل شخص السيد أبا الحسن الشاذلي رحمه الله عن الكيماء فقال هي كلمتان اطرح الخلق عن نظرك واقطع طمعك عن الله أن يعطيك غير ما قسم لك (وأحسن إلى جارك) أي مجاورك بالقول والفعل (تكن مؤمنا) أي كامل الايمان (وأحب للناس ما تحب لنفسك) من الخير (تكن مسلما) أي كامل الاسلام (ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب) أي تصيره مغمورا في الظلمات ومنزلة الميت الذي لا ينفع نفسه بنافعة ولا يدفع عنها مكروها وذا من جوامع الكلم (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وقال المنذري بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وغيره من رواية الحسن عن أبي هريرة وقال الترمذي الحسن لم يسمع من أبي هريرة ورواه البزار والبيهقي بنحوه في كتاب الزهد عن مكحول من واثلة عنه وقد سمع مكحول من واثلة قاله الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيه ضعف 1 باب ما جاء في المبادرة بالعمل قوله (عن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الراء وبالزاي (بن هارون) بن عبد الله التيمي قال في الخلاصة محرز بن هارون كذا ضبطه عبد الغني وابن أبي حاتم وذكره البخاري بمهملتين انتهى وقال في تهذيب التهذيب محرر بن هارون بن عبد الله بن محرر بن الهدير التيمي ذكره البخاري في من اسمه محرر براءين وذكره ابن أبي حاتم وغيره في من اسمه محرز بالزاي روى عن الأعرج وغيره وعنه أبو مصعب وغيره قال البخاري والنسائي منكر الحديث وقال ابن حبان يروي عن الأعرج ما ليس من حديث لا تحل الرواية عنه ولا الاحتجاج
[ 488 ]
به انتهى مختصرا وقال في التقريب محرر براءين وزن محمد على الصحيح متروك من السابعة قوله (قال بادروا بالأعمال سبعا) أي سابقوا وقوع الفتن بالاشتغال بالأعمال الصالحة واهتموا بها قبل حلولها (هل تنظرون إلا إلى فقر منس) وفي المشكاة ما ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا أو فقرا منسيا الخ قال القاري خرج مخرج التوبيخ على تقصير المكلفين في أمر دينهم أي متى تعبدون ربكم فإنكم إن لم تعبدوه مع قلة الشواغل وقوة البدن فكيف تعبدون مع كثرة الشواغل وضعف القوى لعل أحدكم ما ينتظر إلا غنى مطغيا انتهى وقوله منس من باب الأفعال ويجوز أن يكون من باب التفعيل ولكن الأول أولى لمشاكلة الأولى أي جاعل صاحبه مدهوشا ينسيه الطاعة من الجوع والعري والتردد في طلب القوت (أو غنى مطغ) أي موقع في الطغيان (أو مرض مفسد) أي للبدن لشدته أو للدين لأجل الكسل الحاصل به (أو هرم مفند) أي موقع في الكلام المحرف عن سنن الصحة من الخرف والهذيان وقال في القاموس الفند بالتحريك الخزف وإنكار العقل الهرم أو مرض والخطأ في القول والرأي والكذب كا فناد وفنده تفنيدا كذبه وعجزه وخطأ رأيه كأفنده ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا (أو موت مجهز) بجيم وزاي من الاجهاز أي قاتل بغتة من غير أن يقدر على توبة ووصية ففي النهاية المجهز هو السريع يقال أجهز على الجريح إذا أسرع قتله أو الدجال أي خروجه فشر غائب ينتظر بصيغة المجهول أو الساعة أي القيامة (فالساعة أدهى) أي أشد الدواهي وأقطعها وأصعبها (وأمر) أي أكثر مرارة من جميع ما يكابده الانسان في الدنيا من الشدائد لمن غفل عن أمرها ولم يعد لها قبل حلولها والقصد الحث على البدار بالعمل الصالح قبل حلول شئ من ذلك وأخذ منه ندب تعجيل الحج قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه النسائي والحاكم وصححه قال المناوي وأقروه انتهى قلت في سند الترمذي محرز بن هارون وقد عرفت حاله
[ 489 ]
2 باب ما جاء في ذكر الموت قوله (أكثر وا ذكر هاذم اللذات) بالذال المعجمة أي قاطعها قال ميرك صحح الطيبي بالدال المهملة حيث قال شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهادم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما يجب عليه من الفرار إلى دار القرار انتهى كلامه لكن قال الاسنوي في المهمات الهاذم بالذال المعجمة هو القاطع كما قاله الجوهري وهو المراد هنا وقد صرح السهيلي في الروض الأنف بأن الرواية بالذال المعجمة ذكر ذلك في غزوة أحد في الكلام على قتل وحشي لحمزة وقال الشيخ الجزري هادم يروى بالدال المهملة أي دافعها أو مخربها وبالمعجمة أي قاطعها واختاره بعض من مشائخنا وهو الذي لم يصحح الخطابي غيره وجعل الأول من غلط الرواة كذا في المرقاة (يعني الموت) تفسير من الراوي قوله (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجة وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بإسناد حسن وابن حبان في صحيحه وزاد فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه كذا في الترغيب للمنذري قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) وأخرجه الترمذي في أبواب صفة القيامة وفي الباب أيضا عن ابن عمر مرفوعا أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت فإنه ما كان في كثير إلا قلله ولا قليل إلا جزله رواه الطبراني بإسناد حسن وفي الباب أيضا عن أنس رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي
[ 490 ]
3 - باب قوله (أخبرنا يحيى بن معين) بن عون الغطفاني مولاهم أبو زكريا البغدادي ثقة حافظ مشهور إمام الجرح والتعديل من العاشرة (حدثنا هشام بن يوسف) الصنعاني أبو عبد الرحمن القاضي ثقة من التاسعة (حدثنا عبد الله بن بجير) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة بن ريسان بفتح الراء وسكون التحتانية بعدها مهملة أبو وائل القاص الصنعاني وثقه ابن معين واضطرب فيه كلام ابن حبان (أنه سمع هانئا مولى عثمان) كنيته أبو سعيد البربري الدمشقي روى عن مولاه وغيره وعنه أبو وائل عبد الله بن بحير وغيره قال النسائي ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات قوله (بكى حتى يبل) بضم الموحدة أي بكاؤه يعني دموعه (لحيته) أي يجعلها مبلولة من الدموع (فلا تبكي) أي من خوف النار واشتياق الجنة (وتبكي من هذا) أي من القبر يعني من أجل خوفه قيل إنما كان يبكي عثمان رضي الله عنه وإن كان من جملة المشهود لهم بالجنة أما الاحتمال أنه لا يلزم من التبشير بالجنة عدم عذاب القبر بل ولا عدم عذاب النار مطلقا مع احتمال أن يكون التبشير مقيدا بقيد معلوم أو مبهم ويمكن أن ينسى البشارة حينئذ لشدة الفظاعة ويمكن أن يكون خوفا من ضغطة القبر كما يدل حديث سعد رضي الله عنه على أنه لم يخلص منه كل سعيد إلا الأنبياء ذكره القاري (أن القبر أول منزل من منازل الاخرة) ومنها عرضة القيامة عند العرض ومنها الوقوف عند الميزان ومنها المرور على الصراط ومنها الجنة أو النار في بعض الروايات واخر منزل من منازل الدنيا ولذا يسمى البرزخ (فإن نجا) أي خلص المقبور (منه) أي من عذاب القبر (فما بعده) أي من المنازل (أيسر منه) أي أسهل لأنه لو كان عليه ذنب لكفر بعذاب القبر (وإن لم ينج منه) أي لم يتخلص من عذاب القبر ولم يكفر ذنوبه به وبقي عليه شئ مما يستحق العذاب به (فما بعده أشد منه) لأن النار أشد العذاب والقبر حفرة من حفر النيران (قال) أي عثمان
[ 491 ]
(ما رأيت منظرا) بفتح الميم والظاء أي موضعا ينظر إليه وعبر عن الموضع بالمنظر مبالغة لأنه إذا نفي الشئ مع لازمه ينتفي بالطريق البرهاني (قط) بفتح القاف وتشديد المضمومة أي أبدا وهو لا يستعمل إلا في الماضي (إلا القبر أفظع منه) من فظع الأمر ككرم اشتدت شناعته وجاوز المقدار في ذلك يعني أشد وأفظع وأنكر من ذلك المنظر قيل المستثنى جملة حالية من منظر وهو موصوف حذفت صفته أي ما رأيت منظرا فظيعا على حالة من أحوال الفظاعة إلا في حالة كون القبر أقبح منه فالاستثناء مفرغ قوله (هذا حديث حسن غريب) قال المنذري وزاد رزين فيه مما لم أره في شئ من نسخ الترمذي قال هانئ وسمعت عثمان ينشد على قبر فإن تنج من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخا لك ناجياإ انتهى والحديث أخرجه أيضا ابن ماجة والحاكم وصححه واعترض قاله المناوي 4 - باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه قوله (يحدث عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أحب لقاء الله الخ) تقدم هذا الحديث مع شرحه في باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه من أبواب الجنائز
[ 492 ]
5 باب ما جاء في إنذار النبي صلى الله عليه وسلم قومه قوله (حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام) العجلي بصري صدوق صاحب حديث طعن أبو داود في مروته من العاشرة روى عنه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم وقال أبو داود وكان يعلم المجان المجون فأنا لا أحدث عنه قال ابن عدي وهذا لا يؤثر فيه لأنه من أهل الصدق كذا في التقريب وتهذيب التهذيب وقال في ميزان الاعتدال كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها فإذا جاء من لحظها فرفعها صاحوا به وخجلوه فعلمهم أبو الأشعث أن يتخذوا صرة فيها زجاج فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها وضعوا بدلها في الحال صرة الزجاج انتهى قال في القاموس مجن مجونا صلب وغلظ ومنه الماجن لمن لا يبالي قولا وفعلا كأنه صلب الوجه وقد مجن مجونا و مجانة ومجنا بالضم انتهى وقال في الصراح مجن مجون بيباكي مجن يمجن مجانة كذلك فهو ماجن وهم مجان بالضم والتشديد انتهى (أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي) أبو المنذر البصري صدوق يهم من الثامنة قوله (يا صفية) بالرفع (بنت عبد المطلب) وبالنصب وكذا قوله يا فاطمة بنت محمد وصفية هذه هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا أملك لكم من الله) أي من عذابه (شيئا) أي من الملك والقدرة والدفع والمنفعة والمعنى أني لا أقدر أن أدفع عنكم من عذاب الله شيئا إن أراد الله أن يعذبكم وهو مقتبس من قوله سبحانه قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل قال الله تعالى قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله (سلوني من مالي ما شئتم) قال التوربشتي أرى أنه ليس من المال المعروف في شئ وإنما عبر به عما يملكه من الأمر وينفذ تصرفه فيه ولم يثبت عندنا أنه كان ذا مال لا سيما بمكة ويحتمل أن الكلمتين أعني من وما وقع الفصل فيهما من بعض من لم يحققه من الرواة فكتبهما منفصلتين انتهى قال القاري وفيه أنه يرده قوله تعالى ووجدك عائلا فأغنى أي بمال خديجة رضي الله عنها على ما قاله
[ 493 ]
المفسرون وأيضا لم يلزم من عدم وجود المال الحاضر للجواد أن لا يدخل في يده شئ من المال في الاستقبال فيحمل الوعد المذكور على تلك الحال ومهما أمكن الجمع لتصحيح الدراية تعين عدم التخطئة في الرواية انتهى وقال الحافظ واستدل بعض المالكية بقوله يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغنى عنك من الله أن النيابة لا تدخل في أعمال البر إذ لو جاز ذلك لكان يتحمل عنها صلى الله عليه وسلم بما يخلصها فإذا كان عمله لا يقع نيابة عن ابنته فغيره أولى بالمنع وتعقب بأن هذا كان قبل أن يعلمه الله تعالى بأنه يشفع فيمن أراد وتقبل شفاعته حتى يدخل قوما الجنة بغير حساب ويرفع درجات قوم آخرين ويخرج من النار من دخلها بذنوبه أو كان المقام مقام التخويف والتحذير أو أنه أراد المبالغة في الحض على العمل ويكون في قوله لا أغنى شيئا إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن عباس وأبي موسى) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في التفسير وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في التفسير اعلم أن هذه القصة إن كانت واقعة في صدر الإسلام بمكة فلم يدركها ابن عباس لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين ولا أبو هريرة لأنه إنما أسلم بالمدينة وفي نداء فاطمة يومئذ أيضا ما يقتضي تأخر القصة لأنها كانت حينئذ صغيرة أو مراهقة والذي يظهر أن ذلك وقع مرتين مرة في صدر الإسلام ورواية ابن عباس وأبي هريرة لها من مرسل الصحابة ويؤيد ذلك ما وقع في حديث ابن عباس من أن أبا لهب كان حاضرا لذلك وهو مات في أيام بدر ومرة بعد ذلك حيث يمكن أن تدعى فيها فاطمة عليها السلام أو يحضر ذلك أبو هريرة أو إبن عباس كذا قال الحافظ في باب من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية وقال في باب قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) من كتاب التفسير تحت حديث ابن عباس ما لفظه وقع عند الطبراني من حديث أبي أمامة قال لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بني هاشم ونساءه وأهله فقال يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم يا عائشة بنت أبي بكر يا حفصة بنت عمر يا أم سلمة فذكر حديثا طويلا فهذا إن ثبت دل على تعدد القصة لأن القصة الأولى وقعت بمكة بتصريحه في حديث الباب يعني حديث ابن عباس أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده ومن أزواجه إلا بالمدينة فيجوز أن تكون متأخرة الأولى فيمكن أن
[ 494 ]
يحضرها أبو هريرة وابن عباس أيضا ويحمل قوله لما نزلت جمع أي بعد ذلك لأن الجمع وقع على الفور ولعله كان نزل أولا وأنذر عشيرتك الأقربين فجمع قريشا فعم ثم خص ثم نزل ثانيا ورهطك منهم المخلصين فخص بذلك بني هاشم ونساءه والله أعلم (حديث عائشة حديث حسن) وأخرجه الترمذي في التفسير وصححه 6 باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله تعالى قوله (عن عبد الرحمن بن عبد الله) بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي صدوق اختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط من السابعة كذا في التقريب وقال في تهذيب التهذيب قال أبو النضر هاشم بن القاسم إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي كنا عنده وهو يعزى في ابن له إذ جاءه إنسان فقال غلامك أخذ من مالك عشرة آلاف وهرب ففزغ وقام فدخل في منزله ثم خرج إلينا وقد اختلط انتهى (عن محمد بن عبد الرحمن) بن عبيد القرشي مولى آل طلحة كوفي ثقة من السادسة قوله (لا يلج) من الولوج أي لا يدخل (رجل بكى من خشية الله) فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية (حتى يعود اللبن في الضرع) هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى حتى يلج الجمل في سم الخياط (ولا يجتمع غبار في سبيل الله) أي في الجهاد (ودخان جهنم) فكأنهما ضدان لا يجتمعان وقد تقدم هذا الحديث في باب فضل الغبار في سبيل الله من أبواب فضائل الجهاد قوله (وفي الباب عن أبي ريحانة وابن عباس) أما حديث أبي ريحانة فأخرجه أحمد عنه مرفوعا حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله وحرمت النار على عين سهرت في
[ 495 ]
سبيل الله وذكر عينا ثالثة وأخرجه النسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد كذا في الترغيب وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في باب فضل الحرس في سبيل الله من أبواب فضائل الجهاد 7 باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم لو تعلمون الخ قوله (عن مورق) بضم الميم وتشديد الراء المكسورة ابن مشمرج قال في التقريب بضم أوله وفتح المعجمة وسكون الميم وكسر الراء بعدها جيم ابن عبد الله العجلي البصري ثقة عابد من كبار الثالثة وقال في الخلاصة مشمرج بفتح الراء كمدحرج قوله (إني أرى مالا ترون) أي أبصر مالا تبصرون بقرينة قوله وأسمع مالا تسمعون (أطت السماء) بتشديد الطاء من الأطيط وهو صوت الأقتاب وأطيط الإبل أصواتها وحنينها على ما في النهاية أي صوتت (وحق) بصيغة المجهول أي ويستحق وينبغي (لها أن تئط) أي تصوت (ما فيها) أي ليس في السماء جنسها (موضع أربع أصابع) بالرفع على أنه فاعل الظرف المعتمد على حرف (إلا وملك) أي فيه ملك (واضع جبهته لله ساجدا) قال القاري أي منقادا ليشمل ما قيل أن بعضهم قيام وبعضهم ركوع وبعضهم سجود كما قال تعالى حكاية عنهم وما منا إلا له مقام معلوم أو خصه باعتبار الغالب منهم أو هذا مختص بإحدى السماوات قال ثم اعلم أن أربعة بغير هاء في جامع الترمذي وابن ماجة ومع الهاء في شرح السنة وبعض نسخ المصابيح وسببه أن الإصبع يذكر ويؤنث قال الطيبي رحمه الله أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطت وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة وإن لم يكن ثمة أطيط وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالى انتهى قال القاري ما المحوج عن عدول كلامه صلى الله عليه وسلم من الحقيقة إلى المجاز مع إمكانه عقلا ونقلا حيث صرح بقوله وأسمع مالا تسمعون مع أنه يحتمل أن يكون أطيط السماء صوتها بالتسبيح والتحميد والتقديس لقوله سبحانه وإن من شئ إلا يسبح بحمده (على الفرش)
[ 496 ]
بضمتين جمع فراش (لخرجتم) أي من منازل كم (إلى الصعدات) بضمتين أي الطرق وهي جمع صعد وصعد جمع صعيد كطريق وطرق وطرقات وقيل هي جمع صعدة كظلمة وهي فناء باب الدار وممر الناس بين يديه كذا في النهاية وقيل المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري (تجأرون إلى الله) أي تتضرعون إليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء (لوددت أني كنت شجرة تعضد) بصيغة المجهول أي تقطع وتستأصل وهذا قول أبي ذر رضي الله عنه كما ستعرف قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وأنس) أما حديث عائشة وحديث ابن عباس فلينظر من أخرجهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أنس فأخرجه البخاري في تفسير سورة المائدة وفي الرقاق وفي الاعتصام ومسلم في فضائل النبي صلى الله عليه وسلم والترمذي في التفسير والنسائي في الرقائق وابن ماجة في الزهد قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة قوله (ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال لوددت الخ) رواه أحمد في مسنده وفيه تجأرون إلى اللقال فقال أبو ذر والله لوددت أني شجرة تعضد قوله (لو تعلمون ما أعلم) أي من عقاب الله للعصاة وشدة المناقشة يوم الحساب لضحكتم جواب لو (ولبكيتم كثيرا أي بكاء كثيرا أو زمانا كثيرا أي من خشية الله ترجيحا للخوف على الرجاء وخوفا من سوء الخاتمة قال الحافظ والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله وانتقامه ممن يعصيه والأهوال التي تقع عند النزاع والموت وفي القبر ويوم القيامة ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة والمراد به التخويف وقد جاء لهذا الحديث سبب
[ 497 ]
أخرجه سنيد في تفسيره بسند واه والطبراني عن ابن عمر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد فإذا بقوم يتحدثون ويضحكون فقال والذي نفسي بيده فذكر هذا الحديث وعن حسن البصري من علم أن الموت مورده والقيامة موعده والوقوف بين يدي الله مشهده فحقه أن يطول في الدنيا حزنه انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي 8 باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس قوله (إن الرجل) يعني الإنسان (بالكلمة) أي الواحدة (لا يرى بهما بأسا) أي سوءا يعني لا يظن أنها ذنب يؤاخذ به (يهوي بها) أي يسقط بسبب تلك الكلمة يقال هوى يهوي كرمى يرمي هويا بالفتح سقط إلى أسفل كذا في مختار الصحاح (سبعين خريفا في النار) لما فيها من الأوزار التي غفل عنها والمراد أنه يكون دائما في صعود وهوي فالسبعين للتكثير لا للتحديد قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة والحاكم قوله (ويل) أي هلاك عظيم أو واد عميق (ليضحك) بضم أوله وكسر الحاء من الإضحاك (به) أي بسبب تحديثه أو الكذب (القوم) بالنصب على أنه مفعول ثان ويجوز فتح الياء والحاء ورفع القوم ثم المفهوم منه أنه إذا حدث بحديث صدق ليضحك القوم فلا بأس به كما صدر مثل ذلك من عمر رضي الله تعالى عنه مع النبي صلى الله عليه و سلم حين غضب على بعض أمهات المؤمنين قال الغزالي وحينئذ ينبغي أن يكون من قبيل مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون إلا حقا ولا يؤذي قلبا
[ 498 ]
ولا يفرط فيه فإن كنت أيها السامع تقتصر عليه أحيانا وعلى الندور فلا حرج عليك ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة ويواظب عليه ويفرط فيه ثم يتمسك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كمن يدور مع الزنوج أبدا لينظر إلى رقصهم ويتمسك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة رضي الله عنها في النظر إليهم وهم يلعبون (ويل له ويل له) كرره إيذانا بشدة هلكته وذلك لأن الكذب وحده رأس كل مذموم وجماع كل شر قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه النجار ومسلم والنسائي عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد ليتكلم ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ولأبي هريرة حديث آخر عند البيهقي ذكره صاحب المشكاة في باب حفظ اللسان قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم والدارمي 9 - باب قوله (حدثنا سليمان بن عبد الجبار البغدادي) الخياط أبو أيوب صدوق ابن الحادية عشرة (حدثنا عمر بن حفص بن غياث) بكسر المعجمة وآخره مثلثة من طلق الكوفي ثقة ربما وهم من العاشرة قوله (توفي رجل من أصحابه) أي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي المشكاة من الصحابة (فقال يعني رجلا) وفي بعض النسخ رجل أي قال رجل للرجل المتوفي (أبشر بالجنة) من باب الإفعال أي افرح بها قال الله تعالى وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ويجوز أن يكون من باب علم أو ضرب قال في القاموس أبشر فرح ومنه أبشر بخير وبشرت به كعلم وضرب سردت (أو لا تدري) بفتح الواو على أنها عاطفة على محذوف أي تبشر ولا تدري أو تقول أو على أنها للحال أي والحال أنك لا تدري (فلعله تكلم فيما لا يعنيه) أي ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه
[ 499 ]
ودنياه (أو بخل بمالا ينقصه) الضمير المنصوب للرجل والمرفوع لما قوله (هذا حديث غريب) قال في المرقاة ورجاله رجال الصحيحين إلا سليمان بن عبد الجبار البغدادي شيخ الترمذي وقد ذكره ابن حبان في الثقات كذا في التصحيح انتهى وقال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه رواته ثقات وروى ابن أبي الدنيا وأبو يعلى عن أنس أيضا قال إستشهد رجل منا يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت هنيئا لك يا بني الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره وروى أبو يعلي أيضا والبيهقي عن أبي هريرة قال قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا فبكت عليه باكية فقالت واشهيداه قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يدريك أنه شهيد لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه أو يبخل فيما لا ينقصه انتهى قلت رجال حديث الباب ثقات كما قال المنذري لكن الأعمش ليس له سماع من أنس قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة الأعمش روى عن أنس ولم يثبت له منه سماع انتهى قوله (أحمد بن نصر النيسابوري) الزاهد المقري أبو عبد الله بن أبي جعفر ثقة فقيه حافظ من الحادية عشرة (أخبرنا أبو مسهر) اسمه عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي ثقة فاضل من كبار العاشرة (عن إسماعيل بن عبد الله بن سماعة) العدوي مولى آل عمر الرملي وقد ينسب إلى جده ثقة قديم الموت من الثامنة (عن قرة) هو ابن عبد الرحمن بن حيوئيل وزن جبرئيل المعافري البصري يقال اسمه يحيى صدوق له مناكير من السابعة
[ 500 ]
قوله (من حسن إسلام المرء) أي من جملة محاسن إسلام الإنسان وكمال إيمانه (تركه ما لا يعنيه) قال ابن رجب الحنبلي في كتاب جامع العلوم والحكم في شرح هذا الحديث ما لفظه معنى هذا الحديث أن من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه من قول وفعل واقتصاره على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ومعنى يعنيه أنه يتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبه والعناية شدة الاهتمام بالشئ يقال عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كله من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحا ت التي لا يحتاج إليها فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه انتهى مختصرا قال القاري في معنى تركه ما لا يعنيه أي ما لا يهمه ولا يليق به قولا وفعلا ونظرا وفكرا وقال وحقيقة ما لا يعنيه مالا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه ولا ينفعه في مرضاة مولاه بأن يكون عيشه بدونه ممكنا وهو في استقامة حاله بغيره متمكنا وذلك يشمل الأفعال الزائدة والأقوال الفاضلة قال الغزالي وحد ما يعنيك أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مال ومثاله أن تجلس مع قوم فتحكي معهم أسفارك وما رأيت فيها من جبال وأنهار وما وقع لك من الوقائع وما استحسنته من الأطعمة والثياب وما تعجبت منه من مشائخ البلاد ووقائعهم فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة ولا اغتياب لشخص ولا مذمة لشئ مما خلقه الله تعالى فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك ومحاسب على عمل لسانك إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير لأنك لو صرفت زمان الكلام في الذكر والفكر ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه ولو سبحت الله بنى لك بها قصر في الجنة وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية وأن لا تسلم من الآفات التي ذكرناها انتهى قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان وقال ابن رجب هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقال الترمذي غريب وقد حسنه الشيخ المصنف يعني الإمام النووي لأن رجال إسناده ثقات وقرة بن عبد الرحمن بن جبريل وثقه قوم وضعفه آخرون وقال ابن عبد البر هذا الحديث محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية
[ 501 ]
الثقات وهذا موافق لتحسين الشيخ له وأما أكثر الأئمة فقالوا ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد إنما هو محفوظ عن الزهري عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطإ ويونس ومعمر وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه وممن قال إنه لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا الإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري فالدارقطني وقد خلط الضعف في إسناده على الزهري تخليطا فاحشا والصحيح فيه المرسل ورواه عبد الله بن عمر العمري عن علي بن حسين عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فوصله وجعله من مسند الحسين بن علي وأخرجه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه والعمري ليس بالحافظ وأخرجه أيضا من وجه آخر عن الحسين عن النبي صلى الله عليه وسلم وضعفه البخاري في تاريخه من هذا الوجه أيضا وقال لا يصح إلا عن علي بن حسين مرسلا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر وكلها ضعيفة قوله (عن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب زين العابدين ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور قال ابن عيينة عن الزهري ما رأيت قرشيا أفضل منه من الثالثة 10 - باب في قلة الكلام قوله (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان (حدثني أبي) هو عمرو بن علقمة ابن وقاص الليثي المدني مقبول من السادسة (عن جدي) هو علقمة بن وقاص بتشديد القاف الليثي المدني ثقة ثبت من الثانية أخطأ من زعم أن له صحبة وقيل إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة عبد الملك قوله (ليتكلم بالكلمة من رضوان الله) بكسر الراء أي مما يرضيه ويحبه (ما يظن أن تبلغ) أي لا يعلم أن تبلغ تلك الكلمة (ما بلغت) من رضا الله بها عنه والجملة حال وفي المشكاة أن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير ما يعلم مبلغها قال القاري أي قدر تلك الكلمة ومرتبتها
[ 502 ]
(فيكتب الله له) أي لأحدكم المتكلم بالكلمة المذكورة (بها) أي بتلك الكلمة (رضوانه) أي رضاه (إلى يوم يلقاه) وفي الجامع الصغير إلى يوم القيامة (فيكتب الله عليه بها سخطه) أي غضبه قال ابن عيينة هي الكلمة عند السلطان فالأولى ليرده بها عن ظلم والثانية ليجره بها إلى ظلم وقال ابن عبد البر لا أعلم خلافا في تفسيرها بذلك نقله السيوطي قال الطيبي فإن قلت ما معنى قوله يكتب الله له بها رضوانه (وما فائدة التوقيت إلى يوم يلقاه) قلت معنى كتبه رضوان الله توفيقه لما يرضي الله تعالى من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات ليعيش في الدنيا حميدا وفي البرزخ يصان من عذاب القبر ويفسح له قبره ويقال له نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه ويحشر يوم القيامة سعيدا ويظله الله تعالى في ظله ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم ثم يفوز بلقا الله ما كل ذلك دونه وفي عكسه قوله يكتب الله عليه بها سخطه ونظيره قوله تعالى بليس إن عليك لعنتي إلى يوم الدين كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن أم حبيبة) أخرجه الترمذي في باب حفظ اللسان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد والنسائي وابن ماجة والبغوي في شرح السنة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الاسناد قال في تهذيب التهذيب في ترجمة عمرو بن علقمة روى عن أبيه عن بلال بن الحارث حديث إن الرجل ليتكلم بالكلمة الحديث وعنه ابنه محمد ذكره ابن حبان في الثقات أخرجوا له الحديث المذكور صححه الترمذي قلت وكذا صححه ابن حبان وصحح له ابن خزيمة حديثا اخر من روايته عن أبيه أيضا انتهى
[ 503 ]
11 - باب ما جاء في هوان الدنيا على الله قوله (حدثنا عبد الحميد بن سليمان) الخزاعي الضرير أبو عمر المدني نزيل بغداد ضعيف من الثامنة وهو أخو فليح قوله (تعدل) بفتح التاء وكسر الدال أي تزن وتساوي (عند الله جناح بعوضة) هو مثل للقلة والحقارة والمعنى أنه لو كان لها أدنى قدر (ما سقى كافرا منها) أي من مياه الدنيا (شربة ماء) أي يمتع الكافر منها أدنى تمتع فإن الكافر عدو الله والعدو لا يعطي شيئا مما له قدر عند المعطي فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه كما أشار إليه حديث إن الله يحمي عبده المؤمن عن الدنيا كما يحمي أحدكم المريض عن الماء قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه ابن ماجة والضياء المقدسي وقال المناوي بعد نقل قول الترمذي هذا ونوزع يعني ونوزع الترمذي في تصحيح الحديث ووجه المنازعة أن في سند هذا الحديث عبد الحميد بن سليمان وهو ضعيف قوله (عن مجالد) بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني أبي عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في اخر عمره من صغار السادسة قوله (على السخلة) بفتح السين وسكون خاء معجمة ولد معز أو ضأن (أترون هذه هانت على أهلها) قال في القاموس هان هونا بالضم وهوانا ومهانة ذل انتهى (قالوا من هوانها)
[ 504 ]
أي من أجل هوانها (الدنيا أهون) أي أذل وأحقر (على الله) أي عنده تعالى (من هذه) أي من هوان هذه السخلة قوله (وفي الباب عن جابر وابن عمر) أما حديث جابر فأخرجه مسلم في أوائل الزهد وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير ورواته ثقات كذا في الترغيب قوله (حديث المستورد وحديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده قوله (حدثنا محمد بن حاتم الكتب) الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم الخراساني نزيل العسكر ثقة من العاشرة (أخبرنا علي بن ثابت) الجزري أبو أحمد الهاشمي مولاهم صدوق ربما أخطأ وقد ضعفه الأزدي بلا حجة من التاسعة (أخبرنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) العنسي بالنون الدمشقي الزاهد صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير باخره من السابعة (قال سمعت عطاء بن قرة) السلولي بفتح المهملة وضم اللام الخفيفة صدوق من السادسة (قال سمعت عبد الله بن ضمرة) السلولي وثقه العجلي من الثالثة قوله إن الدنيا ملعونة أي مبغوضة من الله لكونها مبعدة عن الله ملعون ما فيها أي مما يشغل عن الله إلا ذكر الله بالرفع وما والاه أي أحبه الله من أعمال البر وأفعال القرب أو معناه ما والى ذكر الله أي قاربه من ذكر خير أو تابعه من أتباع أمره ونهيه لأن ذكره يوجب ذلك قال المظهر أي ما يحبه الله في الدنيا والوالاة المحبة بين اثنين وقد تكون من واحد وهو المراد هنا يعني ملعون ما في الدنيا إلا ذكر الله وما أحبه الله مما يجري في الدنيا وما سواه ملعون وقال الأشرف هو من الموالاة وهي المتابعة ويجوز أن يراد بما يوالي ذكر الله تعالى طاعته واتباع أمره واجتناب نهيه وعالم أو متعلم قال القاري في المرقاة أو بمعنى الواو أو للتنويع فيكون الواوان بمعنى أو وقال الأشرف قوله وعالم أو متعلم في أكثر النسخ مرفوع واللغة العربية تقتضي أن يكون عطفا على ذكر الله فإنه منصوب مستثنى من الموجب قال الطيبي رحمه الله هو في جامع الترمذي
[ 505 ]
هكذا وما والاه وعالم أو متعلم بالرفع وكذا في جامع الأصول إلا أن بدل أو فيه الواو وفي سنن ابن ماجة أو عالما أو متعلما بالنصب مع أو مكررا والنصب في القرائن الثلاث هو الظاهر والرفع فيها على التأويل كأنه قيل الدنيا مذمومة لا يحمد ما فيها إلا ذكر الله وعالم أو متعلم انتهى ما في المرقاة قال المناوي قوله ملعونة أي متروكة مبعدة متروك ما فيها أو متروكة الأنبياء والأصفياء كما في خبر لهم الدنيا ولنا الاخرة وقال الدنيا ملعونة لأنها غرت النفوس بزهرتها ولذتها فأمالتها عن العبودية إلى الهوى وقال بعد ذكر قوله وعالما أو متعلما أي هي وما فيها مبعد عن الله إلا العلم النافع الدال على الله فهو المقصود منها فاللعن وقع على ما غر من الدنيا لا على نعيمها ولذتها فإن ذلك تناوله الرسل والأنبياء انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة والبيهقي قوله (قال سمعت مستوردا) هو ابن شداد القرشي الفهري (أخا بني فهر) أي كان مستورد من بني فهر (ما الدنيا) ما نافية أي ما مثل الدنيا من نعيمها وزمانها (في الاخرة) أي في جنبها ومقابلة نعيمها وأيامها (إلا مثل) بكسر الميم ورفع اللام (ما يجعل أحدكم) ما مصدرية أي مثل جعل أحدكم (أصبعه) الظاهر أن المراد بها أصغر الأصابع قاله القاري قلت وقع في رواية مسلم أصبعه هذه في اليم وأشار يحيى بن يحيى بالسبابة (في اليم) أي مغموسا في البحر المفسر بالماء الكثير (فلينظر بماذا ترجع) أي بأي شئ ترجع أصبع أحدكم من ذلك الماء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 506 ]
12 باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر قوله الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر قال النووي رحمه الله معناه أن المؤمن مسجون ممنوع في الدنيا من الشهوات المحرمة والمكروهة مكلف بفعل الطاعات الشاقة فإذا مات استراح من هذا وانقلب إلى ما أعد الله تعالى له من النعيم الدائم والراحة الخالصة من النقصان وأما الكافر فإنما له من ذلك ما حصل في الدنيا مع قلته وتكديره بالمنغصات فإذا مات صار إلى العذاب الدائم وشقاء الأبد انتهى وقال المناوي لأنه ممنوع من شهواتها المحرمة فكأنه في سجن والكافر عكسه فكأنه في جنة انتهى وقيل كالسجن للمؤمن في جنب ما أعد له في الاخرة من الثواب والنعيم المقيم وكالجنة للكافر في جنب ما أعد له في الاخرة من العقوبة والعذاب الأليم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأحمد وابن ماجة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه أحمد والطبراني وأبو نعيم في الحلية والحاكم بإسناد صحيح عنه مرفوعا الدنيا سجن المؤمن وسنته فإذا فارق الدنيا فارق السجن والسنة 13 باب ما جاء مثل الدنيا مثل أربعة نفر قوله (أخبرنا عبادة بن مسلم) الفزاري أبو يحيى البصري ثقة اضطرب فيه قول ابن حبان من السادسة (أخبرنا يونس بن خباب) بمعجمة وموحدتين الأولى منهما مشددة الأسدي مولاهم
[ 507 ]
الكوفي صدوق يخطئ ورمي بالرفض من السادسة (عن سعيد الطائي أبي البختري) بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ابن فيروز ابن أبي عمران الطائي مولاهم الكوفي ثقة ثبت فيه تشيع قليل في كثير الارسال من الثالثة قوله (يقول ثلاث) أي من الخصال (أقسم عليهن) أي أحلف عليهن (وأحدثكم) عطف على قوله ثلاث بحسب المعنى فكأنه قال أخبركم بثلاث أؤكدهن بالقسم عليهن وأحدثكم (حديثا) أي تحديثا عظيما أو بحديث اخر (فاحفظوه) أي الأخيرأ والمجموع (ما نقص مال عبد من صدقة) تصدق بها منه بل يبارك له فيه بما يجبر نقصه الحسي (ولا ظلم عبد) بصيغة المجهول (مظلمة) بفتح الميم وكسر اللام مصدر (صبر) أي العبد (عليها) أي على تلك المظلمة ولو كان متضمنا لنوع من المذلة (إلا زاده الله عزا) في الدنيا وا خرة (ولا فتح) أي على نفسه (باب مسألة) أي سؤال للناس (إلا فتح الله عليه باب فقر) أي باب احتياج اخر وهلم جرا أو بكن سلب عنه ما عنده من النعمة فيقع في نهاية من النقمة كما هو مشاهد (وأحدثكم حديثا فاحفظوه) عني لعل الله تعالى أن ينفعكم به (إنما الدنيا لأربعة نفر) أي إنما حال أهلها حال أربعة الأول (عبد) بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف وبالجر على أنه بدل مما قبله (رزقه الله مالا) من جهة حل (وعلما) أي شرعيا نافعا (فهو يتقي ربه فيه) أي في الانفاق من المال والعلم (ويصل به) أي بكل منها (رحمه) أي بالصلة من المال وبا سعاف بجاه العلم (ويعلم لله فيه حقا) من وقف وإقراء وإفتاء وتدريس (فهذا) أي العبد الموصوف بما ذكر (بأفضل المنازل) أي بأفضل الدرجات عند الله تعالى (وعبد رزقه الله علما) أي شرعيا نافعا (ولم يرزقه مالا) ينفق منه في وجوه القرب (يقول) فيما بينه وبين الله (بعمل فلان) أي الذي له مال ينفق منه في البر (فهو بنيته) أي يؤجر على حسبها (فأجرهما سواء) أي فأجر من عقد عزمه على أنه لو كان له مال أنفق منه في الخير وأجر من له مال ينفق منه سواء ويكون أجر العلم زيادة له (يخبط في ماله) بكسر الباء جملة حالية أو استئناف بيان أي يصرفه
[ 508 ]
في شهوات نفس (بغير علم) بل بمقتض نفسه قال القاري أي بغير استعمال علم بأن يمسك تارة حرصا وحبا للدنيا وينفق أخرى للسمعة والرياء والفخر والخيلاء (لا يتقى فيه ربه) أي لعدم علمه في أخذه وصرفه (ولا يصل فيه رحمه) أي لقلة رحمته وعدم حلمه وكثرة حرصه وبخله (ولا يعلم الله فيه حقا) وفي المشكاة ولا يعمل فيه بحق قال القاري رحمه الله أي بنوع من الحقوق المتعلقة بالله وبعباده (فهو بأخبث المنازل) عند الله تعالى أي أخسها وأحقرها (لعملت فيه بعمل فلان) أي من أهل الشر (فهو بنيته) أي فهو مجزي بنيته قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجة 14 باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها قوله (عن بشير أبي إسماعيل) هو ابن سلمان الكندي الكوفي والد الحكم ثقة يغرب من السادسة (عن سيار) هو أبو حمزة قال في التقريب سيار أبو حمزة الكوفي مقبول من الخامسة ووقع في الاسناد عن سيار أبي الحكم عن طارق والصواب عن سيار أبي حمزة وقال في تهذيب التهذيب في ترجمة سيار أبي الحكم ما لفظه وروى أبو داود والترمذي حديث بشير بن إسماعيل حدثنا سيار أبو الحكم عن طارق بن شهاب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته الحديث قال أبو داود عقبه هو سيار أبو حمزة ولكن بشيرا كان يقول سيار أبو الحكم وهو خطأ قال أحمد هو سيار أبو حمزة وليس قولهم سيار أبو الحكم بشئ وقال الدارقطني قول البخاري سيار أبو الحكم سمع طارق بن شهاب وهم منه وممن تابعه والذي يروي عن طارق هو سيار أبو حمزة قال ذلك أحمد ويحيى وغيرهما انتهى قلت في قوله وروى أبو داود والترمذي حديث بشير بن إسماعيل وهم والصواب بشير أبي
[ 509 ]
إسماعيل لأن راوي هذا الحديث عن سيار هو بشير بن سلمان أبو إسماعيل لا بشير بن إسماعيل بل وليس في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة راو مسمى باسم بشير بن إسماعيل قوله (من نزلت به فاقة) أي حاجة شديدة وأكثر استعمالها في الفقر وضيق المعيشة (فأنزلها بالناس) أي عرضها عليهم وأظهرها بطريق الشكاية لهم وطلب إزالة فاقته منهم قال الطيبي يقال نزل بالمكان ونزل من علو ومن المجاز نزل به مكروه وأنزلت حاجتي على كريم وخلاصته أن من اعتمد في سدها على سؤالهم (لم تسد فاقته) أي لم تقض حاجته ولم تزل فاقته وكلما تسد حاجته أصابته أخرى أشد منها (فأنزلها بالله) بأن اعتمد على مولاه (فيوشك الله له) أي يسرع له ويعجل (برزق عاجل) بالعين المهملة (أو اجل) بهمزة ممدودة وفي رواية أبي داود أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل أو غنى عاجل قال القاري في شرح قوله إما بموت عاجل قيل بموت قريب له غني فيرثه وقال في شرح قوله أو غنى عاجل بكسر وقصر أي يسار قال الطيبي هو هكذا أي بالعين في أكثر نسخ المصابيح وجامع الأصول وفي سنن أبي داود والترمذي أو غنى اجل بهمزة ممدودة وهو أصح دراية لقوله تعالى إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله انتهى قلت وفي نسخ أبي داود الحاضرة عندنا عاجل بالعين قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أبو داود قوله (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة (جاء معاوية) هو ابن أبي سفيان (إلى أبي هاشم ابن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس صحابي أسلم يوم الفتح وسكن الشام وكان خال معاوية ابن أبي سفيان روى من حديثه أبو وائل شقيق بن سلمة (وهو مريض) جملة حالية والضمير يرجع إلى أبي هاشم (يعوده) جملة حالية أيضا والضمير المرفوع يرجع إلى معاوية والمنصوب إلى أبي هاشم (فقال) أي معاوية (ما يبكيك) من الا بكاء أي أي شئ يبكيك (أوجع يشئزك) بشين معجمة ثم همزة مكسورة وزاي أي
[ 510 ]
يقلقك وزنه ومعناه قاله المنذري وقال في الصراح أشأزبي ارام كردا نيدن (قال) أي أبو هاشم (كل) من هذين الأمرين (لا) أي لا يبكيني يعني لا يبكيني واحد من هذين الأمرين بل يبكيني أمر اخر فبينه بقوله (ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا لم اخذ به) أي أوصاني بوصية لم أعمل بها (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدل من عهد أو تفسير وبيان للعهد واختار الطيبي رح الأول حيث قال بدل منه بدل الفعل من الفعل كما في قوله متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا أبدل تلمم بنا من قوله تأتنا (إنما يكفيك من جمع المال) أي للوسيلة بحسن المال (خادم) للحاجة إليه (ومركب) أي مركوب يسار عليه (في سبيل الله) أي في الجهاد أو الحج أو طلب العلم والمقصود منه القناعة والاكتفاء بقدر الكفاية مما يصح أن يكون زادا ل خرة كما رواه الطبراني والبيهقي عن خباب إنما يكفي أحدكم ما كان في الدينا مثل زاد الراكب (وأجدني اليوم قد جمعت) وفي رواية رزين فلما مات حصل ما خلف فبلغ ثلاثين درهما وحسبت فيه القصعة التي كان يعجن فيها وفيها يأكل قوله (عن سمرة بن سهم) القرشي الأسدي مجهول من الثانية (فذكر نحوه) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر الحديث المذكور رواه الترمذي والنسائي ورواه ابن ماجة عن سمرة بن سهم عن رجل من قومه لم يسمه قال نزلت على أبي هاشم بن عقبة فجاءه معاوية فذكر الحديث بنحوه ورواه ابن حبان في صحيحه عن سمرة بن سهم قال نزلت على أبي هاشم بن عتبة وهو مطعون فأتاه معاوية فذكر الحديث وذكره رزين فزاد فيه فلما مات إلى اخر ما نقلت قبل هذا قوله (وفي الباب عن بريدة الأسلمي) أخرجه أحمد ص 063 ج 5 والنسائي والضياء المقدسي عنه مرفوعا ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب
[ 511 ]
قوله (عن سمر بن عطية) بكسر الشين المعجمة وسكون الميم الأسدي الكاهلي الكوفي صدوق من السادسة (عن المغيرة بن سعد بن الأخرم) الطائي مقبول من الخامسة (عن أبيه) أي سعد بن الأخرم الطائي الكوفي مختلف في صحبته روى عن ابن مسعود حديث لا تتخذوا الضيعة وعنه ابنه المغيرة وذكره مسلم في الطبقة الأولى من أهل الكوفة وذكره ابن حبان في الصحابة ثم أعاد ذكره في التابعين من الثقات كذا في تهذيب التهذيب (عن عبد الله) هو ابن مسعود (لا تتخذوا الضيعة) هي البستان والقرية والمزرعة وفي النهاية الضيعة في الأصل المرة من الضياع وضيعة الرجل ما يكون منه معاشه كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك انتهى وقال في القاموس الضيعة العقار والأرض المغلة (فترغبوا في الدنيا) أي فتميلوا إليها عن الأخرى والمراد النهي عن الاشتغال بها وبأمثالها مما يكون مانعا عن القيام بعبادة المولى وعن التوجه كما ينبغي إلى أمور العقبى وقال الطيبي المعنى لا تتوغلوا في اتخاذ الضيعة فتلهوا بها عن ذكر الله قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد والحاكم والبيهقي في شعب الايمان 15 باب ما جاء في طول العمر للمؤمن قوله (عن عمرو بن قيس) بن ثور بن مازن الكندي الحمصي ثقة من الثالثة (عن عبد الله بن قيس) كذا في النسخ الحاضرة بالقاف والتحتية والسين المهملة وهو غلط والصواب عن عبد الله بن بسر بالموحدة والسين المهملة والراء فإنه ذكر هذا الحديث الحافظ السيوطي في الجامع الصغير وقال بعد ذكره رواه أحمد والترمذي عن عبد الله بن بسر وذكر الحافظ المنذري هذا الحديث في الترغيب فقال عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الناس من طال عمره الخ وقال رواه الترمذي وروى أحمد هذا الحديث في مسانيد عبد الله بن
[ 512 ]
بسر ففي مسنده حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا علي بن عياش حدثنا حسان بن نوح عن عمرو بن قيس عن عبد الله بن بسر قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيان فقال أحدهما من خير الرجال يا محمد قال النبي صلى الله عليه وسلم من طال عمره وحسن عمله الحديث فظهر من هذا كله أن ما وقع في النسخ الحاضرة غلط والصواب عن عبد الله بن بسر فاحفظ هذا (من طال عمره) بضمتين على ما هو الأفصح الوارد في كلامه سبحانه وفي القاموس العمر بالفتح وبالضم وبضمتين الحياة (وحسن عمله) قال الطيبي رحمه الله إن الأوقات و الساعات كرأس المال للتاجر فينبغي أن يتجر فيما يربح فيه وكلما كان رأس ماله كثيرا كان الربح أكثر فمن انتفع من عمره بأن حسن عمله فقد فاز وأفلح ومن أضاع رأس ماله لم يربح وخسر خسرانا مبينا انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وجابر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار وابن حبان في صحيحه كلاهما من رواية ابن إسحاق ولم يصرح فيه بالتحديث ولفظه ألا أخبركم بخياركم قالوا بلى يا رسول الله قال أطولكم أعمارا وأحسنكم أخلاقا وأما حديث جابر فأخرجه الحاكم عنه مرفوعا خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد قوله (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان قوله (قال من طال عمره وساء عمله) قال القاري وبقي صنفان مستويان ليس فيها زيادة من الخير والشر وهما من قصر عمره وحسن عمله أو ساء عمله قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والدارمي وكذا رواه الطبراني بإسناد صحيح والحاكم والبيهقي
[ 513 ]
16 باب ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة ما بين الستين إلى سبعين قوله (عن كامل أبي العلاء) قال في تهذيب التهذيب كامل بن العلاء التميمي السعدي ويقال أبو عبد الله الكوفي روى عن أبي صالح ميناء وغيره وعنه محمد بن ربيعة وغيره وقال في التقريب صدوق يخطئ من السابعة (عن أبي صالح) قال في تهذيب التهذيب أبو صالح مولى ضباعة قال مسلم اسمه ميناء روى عن أبي هريرة حديث أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وعنه كامل أبو العلاء ذكره ابن حبان في الثقات قوله (عمر أمتي من ستين سنة إلى سبعين) قيل معناه اخر عمر متى ابتداؤه إذا بلغ ستين سنة وانتهاؤه سبعون سنة وقل من يجوز سبعين وهذا محمول على الغالب بدليل شهادة الحال فإن منهم من لم يبلغ ستين سنة ومنهم من يجوز سبعين ذكره الطيبي رحمه الله قال القاري بعد نقل كلام الطيبي هذا وفيه أن اعتبار الغلبة في جانب الزيادة على سبعين واضح جدا وأما كون الغالب في اخر عمر الأمة بلوغ ستين في غاية من الغرابة المخالفة لما هو ظاهر في المشاهدة فالظاهر أن المراد به أن عمر الأمة من المحمود الوسط المعتدل الذي مات فيه غالب الأمة ما بين العددين منهم سيد الأنبياء وأكابر الخلفاء كالصديق والفاروق والمرتضى وغيرهم من العلماء والأولياء مما يصعب فيه الاستقصاء انتهى وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث قال بعض الحكماء الأسنان أربعة سن الطفولية ثم الشباب ثم الكهولة ثم الشيخوخة وهي اخر الأسنان وغالب ما يكون ما بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر ضعف القوة بالنقص والانحطاط فينبغي له الاقبال على الاخرة بالكلية لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجة
[ 514 ]
قوله (وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة) رواه الترمذي في أواخر أبواب الدعوات بسند اخر غير السند المذكور وقال الحافظ في الفتح سنده حسن 17 باب ما جاء في تقارب الزمان وقصر الأمل قوله (حدثنا خالد بن مخلد) القطواني بفتح القاف والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي صدوق يتشيع وله أفراد من كبار العاشرة روى عن سليمان بن بلال وعبد الله بن عمر العمري وغيرهما (أخبرنا عبد الله بن عمر) هو العمري (عن سعد بن سعيد الأنصاري) هو أخو يحيى صدوق سئ الحفظ من الرابعة قوله (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان) قال التوربشتي رحمه الله يحمل ذلك على قلة بركة الزمان وذهاب فائدته في كل مكان أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشغل قلبهم بالفتن العظام لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم (والشهر) أي ويكون الشهر (كالجمعة) بضم الميم ويسكن والمراد به الأسبوع (وتكون الجمعة كاليوم) أي كالنهار (ويكون اليوم كالساعة) أي العرفية النجومية وهي جزء من أجزاء القسمة الأثنتي عشرية في اعتدال الأزمنة الصيفية والشتائية قاله القاري وفيه ما فيه (وتكون الساعة كالضرمة) بفتح ا لضاد وسكون الراء ويفتح أي مثلها في سرعة ابتدائها وانقضائها قال القاضي رحمه الله أي كزمان إيقاد الضرمة وهي ما يوقد به النار أولا كالقصب والكبريت وفي القاموس الضرمة محركة السعفة أو الشيحة في طرفها نار وفي الأزهار الضرمة بفتح المعجمة وسكون الراء غصن النخل والشيحة نبت في طرفها نار فإنها إذ اشتعلت تحرق سريعا انتهى فالمراد بها الساعة اللغوية وهي أدنى ما يطلق عليه اسم الزمان من اللمحة واللحظة والطرفة قال الخطابي ويكون ذلك في زمن
[ 515 ]
المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما قال القاري والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال وهو زمانهما 18 باب ما جاء في قصر الأمل قوله (أخبرنا أبو أحمد) هو الزبيري قوله (ببعض جسدي) وفي رواية البخاري بمنكبي ففي هذه الرواية تعيين ما أبهم في رواية الترمذي ونكتة الأخذ تقريبه إليه وتوجهه عليه ليتمكن في ذهنه ما يلقى لديه قال كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل قال الطيبي ليست أو للشك بل للتخيير وا باحة والأحسن أن تكون بمعنى بل فشبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ولا مسكن يسكنه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر السبيل لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل القاصد لبلد شاسع بينهما أودية مردية ومفاوز مهلكة وقطاع طريق فإن من شأنه أن لا يقيم لحظة ولا يسكن لمحة ومن ثم عقبه بقوله إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح إلخ وبقوله وعد نفسك في أهل القبور والمعنى استمر سائرا ولا تفتر فإنك إن قصرت انقطعت وهلكت في تلك الأودية وهذا معنى المشبه به وأما المشبه فهو قوله وخذ من صحتك لمرضك أي أن العمر لا يخلو عن صحة ومرض فإذا كنت صحيحا فسر سير القصد وزد عليه بقدر قوتك ما دامت فيك قوة بحيث يكون ما بك من تلك الزيادة قائما مقام ما لعله يفوت حالة المرض والضعف ذكره الحافظ في الفتح وقال النووي رحمه الله معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطنا ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه انتهى وعد نفسك بضم العين المهملة وفتح الدال المشددة أي اجعلها معدودة من أهل القبور أي من جملتهم وواحدة من جماعتهم ففيه إشارة إلى ما قيل موتوا قبل أن تموتوا وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا فقال لي ابن عمر هذا قول مجاهد أي قال لي ابن عمر من قوله إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء الخ وفي رواية البخاري وكان ابن عمر يقول إذا
[ 516 ]
أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك أي زمن صحتك قبل سقمك بفتحتين أو بضم السين وسكون القاف أي قبل مرضك وفي رواية البخاري لمرضك والمعنى اشتغل في الصحة بالطاعة بحيث لو حصل تقصير في المرض ليجبر بذلك ما اسمك غدا قال الحافظ أي هل يقال له شقي أو سعيد ولم يرد اسمه الخاص به فإنه لا يتغير وقيل المراد هل يقال هو حي أو ميت انتهى قلت والظاهر عندي هو المعنى الثاني والله تعالى أعلم قوله وقد روى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر نحوه رواه البخاري في صحيحه قال السيوطي في الجامع الصغير كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل رواه البخاري عن ابن عمر زاد أحمد والترمذي وابن ماجة وعد من نفسك من أهل القبور قوله (حدثنا سويد) هو ابن نصر (عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس) ثقة من الرابعة قوله هذا ابن ادم الظاهر أن هذا إشارة حسية إلى صورة معنوية وكذا قوله وهذا أجله وتوضيحه أنه أشار بيده إلى قدامه في مساحة الأرض أو في مساحة الهواء بالطول أو العرض وقال هذا ابن ادم ثم أخرها وأوقفها قريبا مما قبله وقال هذا أجله (ووضع يده) أي عند تلفظه بقوله هذا ابن ادم وهذا أجله (عند قفاه) أي في عقب المكان الذي أشار به إلى الأجل (ثم بسطها) أي نشر يده على هيئة فتح ليشر بكفه وأصابعه أو معنى بسطها وسعها في المسافة من المحل الذي أشار به إلى الأجل فقال وثم بفتح المثلثة وتشديد الميم أي هنالك وأشار إلى بعد مكان ذلك (أمله) أي
[ 517 ]
مأموله وهو مبتدأ خبره ظرف قدم عليه للاختصاص والاهتمام كذا شرح القاري هذا الحديث وقال هذا ما سنح لي في هذا المقام من توضيح المرام وقال الطيبي رحمه الله قوله ووضع يده الواو للحال وفي قوله وهذا أجله للجمع مطلقا فالمشار إليه أيضا مركب فوضع اليد على قفاه معناه أن هذا الانسان الذي يتبعه أجله هو المشار إليه وبسط اليد عبارة عن مدها إلى قدام انتهى وقال الشيخ عبد الحق في ترجمة المشكاة (هذا ابن ادم وهذا أجله) أين أدمى ست وأين أجل اوست يعني نزديك است بوي (ووضع يده عند قفاه) ونهاد انحضرت ازيرلي تصوير وتمثيل قرب موت را با دمى دست خود را نزد قفاي خود يعني مركدر قفاي ادمي ست وقريب بوي (ثم بسط) يس تربكشا دود رازكرد انحضرت دست داود ورد أشت ازقفا ازبراي نمودن درازي أمل (فقال وثم أمله) وانجاست يعني بجاي دور امل واميداو يعني أجل نزديك امد وامل دور رفته أست انتهى بلفظه قلت كل من المغنيين اللذين ذكرهما القاري والشيخ محتمل قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه أحمد من رواية علي بن علي عن أبي المتوكل عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غرز عودا بين يديه ثم غرز إلى جنبه اخر ثم غرز الثالث فأبعده ثم قال هذا الانسان وهذا أجله وهذا أمله قال الحافظ في الفتح والأحاديث متوافقة على أن الأجل أقرب من الأمل قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه ورواه النسائي أيضا وابن ماجة بنحوه انتهى قوله (عن أبي السفر) بفتح السين المهملة والفاء هو سعيد بن يحمد بضم الياء التحتانية وكسر الميم الهمداني الثوري الكوفي ثقة من الثالثة قوله (ونحن نعالج خصا لنا) قال في القاموس الخص بالضم البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالأزج جمعه خصاص وخصوص انتهى وقال فيه الأزج محركة ضرب ملأبنية والمعنى نصلح بيتا لنا وفي رواية وأنا أطين حائطا لي أنا وأمي (قد وهي) أي ضعف قال في الصراح وهي ضعيف شدن ونزديك شدن ديوار بافتادن وقال في القاموس
[ 518 ]
الوهى الشق في الشئ جمعه وهي وأوهية وهي كوعي وولى تخرق وانشق واسترخى رباطه (فقال ما أرى) بضم الهمزة أي ما أظن (الأمر) أي الأجل (إلا أعجل من ذلك) وفي رواية قال الأمر أسرع من ذلك قيل الأجل أقرب من تخرب هذا البيت أي تصلح بيتك خشية أن ينهدم قبل أن تموت وربما تموت قبل أن ينهدم فإصلاح عملك أولى من إصلاح بيتك قال الطيبي رحمه الله أي كوننا في الدنيا كعابر سبيل أو راكب مستظل تحت شجرة أسرع مما أنت فيه من أشتغالك بالبناء انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة وابن حبان في صحيحه 19 باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال قوله (حدثنا الحسن بن سوار) بفتح المهملة وتثقيل الواو البغوي أبو العلاء المروزي صدوق من التاسعة (عن عبد الرحمن بن جبير) بجيم وموحدة مصغرا (بن نفير) بنون وفاء مصغرا الحمصي ثقة من الرابعة (عن أبيه) أي جبير بن نفير ابن مالك بن عامر الحضرمي الحمصي ثقة جليل من الثانية مخضرم (عن كعب بن عياض) الأشعري له صحبة عداده في أهل الشام روى عنه جبير بن نفير قوله (إن لكل أمة فتنة) أي ضلالا ومعصية (وفتنة أمتي المال) أي اللهو به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الاخرة قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الحاكم وقال صحيح وأقروه
[ 519 ]
20 باب ما جاء لو كان لابن ادم واديان من مال لابتغى ثالثا قوله (حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد) بن أبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو يوسف المدني نزيل بغداد ثقة فاضل من صغار التاسعة (أخبرنا أبي) أي إبراهيم بن سعد بن إبراهيم أبو إسحاق ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح من الثامنة قوله (واديا) كذا وقع في أصل الكروخي والصواب واد وثان كذا في هامش النسخة الأحمدية من ذهب وفي رواية من فضة وذهب (ولا يملأ فاه) أي فمه وفي رواية ولا يملأ جوف ابن ادم وفي رواية لا يسد جوف ابن ادم (إلا التراب) معناه لا يزال حريصا على الدنيا حتى يموت ويمتلئ جوفه من تراب قبره وهذا الحديث يخرج على حكم غالب بني ادم في الحرص على الدنيا (ويتوب الله على من تاب) أي أن الله يقبل التوبة من الحريص كما يقبلها من غيره قيل وفيها إشارة إلى ذم الاستكثار من جمع المال وتمني ذلك والحرص عليه ل شارة إلى أن الذي يترك ذلك يطلق عليه أنه تاب ويحتمل أن يكون تاب بالمعنى اللغوي وهو مطلق الرجوع أي رجع عن ذلك الفعل والتمني وقال الطيبي يمكن أن يكون معناه أن بني ادم مجبولون على حب المال والسعي في طلبه وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله ووفقه زالة هذه الجبلة عن نفسه وقليل ما هم فوضع قوله ويتوب الله على من تاب موضعه إشعارا بأن هذه الجبلة المركوزة مذمومة جارية مجرى الذنب وأن إزالتها ممكنة بتوفيق الله وتسديده وإلى ذلك الاشارة بقوله تعالى ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب الخ) أما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي في فصله من أبواب المناقب وأما حديث أبي سعيد وحديث عائشة فلينظر من أخرجهما وأما حديث
[ 520 ]
ابن الزبير فأخرجه البخاري وأما حديث أبي واقد فأخرجه أحمد وأبو عبيد في فضائل القران ذكره الحافظ في الفتح وأما حديث جابر فأخرجه أبو عبيد في فضائل القران كما في الفتح وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب الخ) أما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي في فصله من أبواب المناقب وأما حديث أبي سعيد وحديث عائشة فلينظر من أخرجهما وأما حديث
[ 520 ]
ابن الزبير فأخرجه البخاري وأما حديث أبي واقد فأخرجه أحمد وأبو عبيد في فضائل القران ذكره الحافظ في الفتح وأما حديث جابر فأخرجه أبو عبيد في فضائل القران كما في الفتح وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان 21 باب ما جاء قلب الشيخ شاب على حب اثنتين قوله (عن القعقاع بن حكيم) الكناني المدني ثقة من الرابعة قوله (قلب الشيخ شاب) أي قوي نشطان (طول الحياة وكثرة المال) بالجر فيهما بدل من اثنتين ويجوز الرفع والنصب قال النووي هذا مجاز واستعارة ومعناه أن قلب الشيخ كامل الحب لكثرة المال وطول الحياة محتكم كاحتكام قوة الشاب في شبابه هذا صوابه وقيل في تفسيره غير هذا مما لا يرتضى انتهى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري في باب من بلغ ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر من كتاب الرقاق ومسلم في باب كراهة الحرص على الدنيا من كتاب الزكاة والنسائي في الرقاق قوله (يهرم) بفتح الراء من باب علم أي يشيب والهرم كبر السن (ويشب) بكسر الشين المعجمة وتشديد الموحدة من باب ضرب أي ينمو ويقوى (منه) أي من أخلاقه (اثنتان) أي خصلتان (الحرص على العمر) أي طوله (والحرص على المال) أي على جمعه ومنعه
[ 521 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان