تحفة الأحوذي
المباركفوري ج 3

[ 1 ]
تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي للامام الحافظ أبي العلاء محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري 1283 - 1353 ه‍ طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين الهندية والمصرية ، مع ملحق خاص بالاحاديث المستدركة من جامع الترمذي الجزء الثالث تتمة أبواب الجمعة - أبواب العيدين - أبواب السفر - أبواب الزكاة أبواب الصيام - أبواب الحج . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
جميع الحقوق محفوظة لدار الكتب العلمية بيروت - لبنان الطبعة الاولى 1410 ه‍ - 1990 م يطلب من : دار الكتب العلمية . بيروت - لبنان ص ب : 9424 / 11 تلكس : 41245 Le Nasher هاتف : 366135 - 815573
[ 3 ]
باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة قوله (وأبو جناب) بجيم مفتوحة ونون خفيفة وآخره موحدة (يحيى بن أبي حية) بالحاء المهملة والتحتانية المشددة قال في التقريب ضعفوه لكثرة تدليسه روي عن عبد الله بن عيسى وغيره وعنه وكيع والسفيانان وغيرهم اعلم أنه قد وقع في النسخ الموجودة عندنا أبو جناب بالرفع فالظاهر أنه عطف على وكيع وحاصله أن محمود بن غيلان روى هذا الحديث عن وكيع وأبي جناب كليهما فأما وكيع فرواه عن سفيان عن عبد الله بن عيسى وأما أبو جناب فرواه عن عبد الله بن عيسى من غير واسطة وقد روى أحمد هذا الحديث في مسنده من طريق سفيان عن عبد الله بن عيسى (عن عبد الله بن عيسى) بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي ثقة (عن يحيى بن الحارث) الذماري القاري ثقة (عن أوس بن أوس) صحابي سكن دمشق قوله (من اغتسل وغسل) روى بالتشديد والتخفيف قيل أراد به غسل رأسه وبقوله اغتسل غسل سائر بدنه وقيل جامع زوجته فأوجب عليها الغسل فكأنه غسلها واغتسل وقيل كرر ذلك للتأكيد ويرجح التفسير الأول ما في رواية أبي داود في هذا الحديث بلفظ من غسل رأسه واغتسل وما في البخاري عن طاوس قلت لابن عبا س ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا واغسلوا رؤوسكم الحديث (وبكر بالتشديد على المشهور أي راح في أول الوقت (وابتكر) أي أدرك أول الخطبة ورجحه العراقي وقيل كرره للتأكيد وبه جزم ابن العربي وقال الجزري في النهاية بكر أتى الصلاة في أول وقتها وكل من أسرع إلى شئ فقد بكر إليه وأما ابتكر فمعناه أدرك أول الخطبة وأول كل شئ باكورته وابتكر الرجل إذا أكل باكورة الفواكه وقيل معنى اللفظتين واحد وإنما كرر للمبالغة والتوكيد كما قالوا أجاد مجد انتهى وزاد أبو داود وغيره في رواياتهم ومشى ولم يركب (ودنا) زاد أبو داود وغيره من الإمام (واستمع)
[ 4 ]
أي الخطبة (وأنصت) تأكيد (بكل خطوة) بفتح الخاء وتضم بعد ما بين القدمين (صيامها وقيامها) بدل من سنة قوله (قال محمود) هو ابن غيلان شيخ الترمذي (قال وكيع اغتسل هو وغسل امرأته) قال الجزري في النهاية ذهب كثير من الناس أن غسل أراد به المجامعة قبل الخروج إلى الصلاة لأن ذلك يجمع غض الطرف في الطريق يقال غسل الرجل امرأته بالتشديد والتخفيف إذا جامعها وقد روى مخففا وقيل أراد غسل غيره واغتسل هو لأنه إذا جامع زوجته أحوجها إلى الغسل وقيل هما بمعنى كرره للتأكيد قوله (وفي الباب عن أبي بكر وعمران بن حصين وسلمان وأبي ذر وأبي سعيد وابن عمر وأبي أيوب) أما حديث أبي بكر وعمران بن حصين فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط عنهما قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة كفرت له ذنوبه وخطاياه فإذا أخذ في المشي كتب له بكل خطوة عشرون حسنة فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مئتي سنة وفي سنده الضحاك بن حمزة ضعفه ابن معين والنسائي وذكره ابن حبان في الثقات كذا في مجمع الزوائد وأما حديث سلمان فأخرجه البخاري وأما حديث أبي ذر فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الأوسط وفي سنده محمد بن عبد الرحمن بن رواد وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخرى قال في مجمع الزوائد رجاله ثقات
[ 5 ]
قوله (وحديث أوس بن أوس حديث حسن) قال المنذري في الترغيب بعد ذكره رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهحما والحاكم وصححه انتهى وفي المرقاة قال النووي إسناده جيد نقله ميرك وقال بعض الأئمة لم نسمع في الشريعة حديثا صحيحا مشتملا على مثل هذا الثواب انتهى قوله (اسمه شرحبيل بن آدة) وفي بعض النسخ شراحيل بن آدة قال الحافظ في التقريب شراحبيل بن آدة بالمد وتخفيف وتخفيف الدال أبو الأشعت الصنعاني ويقال آدة جد أبيه وهو ابن شراحيل بن كليب ثقة من الثانية شهد فتح دمشق انتهى وقال في تهذيب التهذيب شراحيل بن آدة ويقال شرحبيل بن كليب بن آدة ويقال شراحيل بن كليب ويقال شراحيل بن شراحيل ويقال شرحبيل بن شرحبيل انتهى باب في الوضوء يوم الجمعة أي في الاكتفاء على الوضوء يوم الجمعة قوله (عن الحسن عن سمرة بن جندب) ذكر النسائي أن الحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة قال العراقي وقد صح سماعه منه لغير حديث العقيقة ولكن هذا الحديث لم يثبت سماعه منه لأنه رواه عنه بالعنعنة في سائر الطرق ولا يحتج به لكونه يدلس كذا في قوت المغتذي . قوله (فبها ونعمت) قال العراقي أي فبطهارة الوضوء حصل الواجب والتاء في نعمت للتأنيث قال أبو حاتم معناه ونعمت الخصلة هي أي الطهارة للصلاة وقال الحافظ في التلخيص حكى الأزهري أن قوله فبها ونعمت معناه فبالسنة أخذ ونعمت بالسنة قاله
[ 6 ]
الأصمعي وحكاه الخطابي أيضا وقال إنما ظهر تاء التأنيث لإضمار السنة وقال غيره ونعمت الخصلة وقال أبو أحمد الشاذكي ونعمت الرخصة قال لأن السنة الغسل وقال بعضهم فبالفريضة أخذ ونعمت الفريضة انتهى ما في التلخيص (ومن اغتسل فالغسل أفضل) هذا يدل على أن الغسل يوم الجمعة ليس بواجب بل يجوز الاكتفاء على الوضوء وجه الدلالة أن قوله فالغسل أفضل يقتضي اشتراك الوضوء والغسل في أصل الفضل فيستلزم إجزاء الوضوء قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وعائشة رضي الله عنهما) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه مرفوعا من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه والطحاوي وغيرهما وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وقد تقدم لفظه وفيه لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا . قوله (حديث سمرة حديث حسن) قال الحافظ في فتح الباري لهذا الحديث طرق أشهرها وأقواها رواية الحسن عن سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وابن خزيمة وابن حبان وله علتان أحدهما أنه من عنعنة الحسن والأخرى أنه اختلف عليه فيه وأخرجه ابن ماجه من حديث أنس والطبراني من حديث عبد الرحمن بن سمر والبزار من حديث أبي سعيد وابن عدي من حديث جابر وكلها ضعيفة انتهى وقال في التلخيص قال في الإمام من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث قال الحافظ وهو مذهب علي ابن المديني كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم وقيل لم يجمع عنه إلا حديث العقيقة وهو قول البزار وغيره وقيل لم يسمع عنه شئ أصلا وإنما يحدث من كتابه انتهى قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم اختاروا الغسل يوم الجمعة إلخ) اختلف أهل العلم في الغسل يوم الجمعة فذهب الجمهور إلى أنه
[ 7 ]
مستحب وقال جماعة إنه واجب قال الحافظ في شرح حديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم ما لفظه واستدل بقوله واجب على فرضية غسل الجمعة وقد حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار بن ياسر وغيرهما وهو قول أهل الظاهر وإحدى الروايتين عن أحمد وحكاه ابن حزم عن عمر وجمع جم من الصحابة ومن بعدهم ثم ساق الرواية عنهم لكن ليس فيها عن أحد منهم التصريح بذلك إلا نادرا وإنما اعتمد في ذلك على أشياء محتملة كقول سعد ما كنت أظن مسلما يدع غسل يوم الجمعة انتهى (فلو علما) أي عمر وعثمان رضي الله عنهما (أن أمره على الوجوب لا على الاختيار لم يترك عمر عثمان حتى يرده ويقول له ارجع فاغتسل ولما خفي على عثمان ذلك ومع علمه إلخ) هذا تقرير الاستدلال وزاد بعضهم في هذا التقرير أن من حضر من الصحابة وافقوهما على ذلك فكان إجماعا منهم وأجيب عنه بأن قصة عمر وعثمان هذه تدل على وجوب الغسل يوم الجمعة لا على عدم وجوبه من جهة ترك عمر الخطبة واشتغاله بمعاتبة عثمان وتوبيخ مثله على رؤوس الناس فلو كان ترك الغسل مباحا لما فعل عمر ذلك وإنما لم يرجع عثمان للغسل لضيق الوقت إذ لو فعل لفاتته الجمعة وإنما تركه عثمان لأنه كان ذاهلا عن الوقت مع أنه يحتمل أن يكون قد اغتسل في أول النهار لما ثبت في صحيح مسلم عن حمران أن عثمان لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفضي عليه الماء . وتعقب هذا الجواب بأن عمر رضي الله عنه عاتب عثمان وأنكر عليه ترك السنة المذكورة في هذا الحديث وهي التبكير إلى الجمعة فيكون الغسل كذلك قلت قد جاء في هذا الباب أحاديث مختلفة بعضها يدل على أن الغسل يوم الجمعة واجب وبعضها يدل على أنه مستحب والظاهر عندي أنه سنة مؤكدة وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث المختلفة والله تعالى أعلم
[ 8 ]
قوله (من توضأ فأحسن الوضوء) أي أتى بمكملاته من سننه ومستحباته قاله القاري وقال النووي معنى إحسان الوضوء الاتيان به ثلاثا ثلاثا ودلك الأعضاء وإطالة الغرة والتحجيل وتقديم الميامن والإتيان بسننه المشهورة انتهى (ثم أتى الجمعة) أي حضر خطبتها وصلاتها (فدنا) أي من الإمام (واستمع وأنصت) قال النووي هما شيئان متمايزان وقد يجتمعان فالاستماع الإصغاء والإنصات السكوت ولهذا قال الله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا انتهى . قلت الإنصات هو السكوت مع الإصغاء لا السكوت المحض وقد حققنا ذلك في كتابنا تحقيق الكلام (غفر له ما بينه وبين الجمعة) وفي رواية مسلم غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وكذلك في حديث سلمان عند البخاري قال الحافظ في الفتح المراد بالأخرى التي مضت بينه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها انتهى قال ميرك وكما في سنن أبي داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة ولفظه كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها انتهى (وزيادة ثلاثة أيام) برفع زيادة عطفا بالواو بمعنى مع على ما في ما بينه أي بين يوم الجمعة الذي فعل فيه ما ذكر مع زيادة ثلاثة أيام على السبعة لتكون الحسنة بعشر أمثالها وجوز الجر في زيادة بالعطف على الجمعة والنصب على المفعول معه (ومن مس الحصى فقد لغا) قال النووي فيه النهي عن مس الحصى وغيره من أنواع العبث في حال الخطبة وفيه إشارة إلى إقبال القلب والجوارح على الخطبة والمراد باللغو ههنا الباطل المذموم المردود انتهى (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة قال في النهاية بكر أتى الصلاة في أول وقتها وكل من أسرع إلى شئ فقد بكر إليه
[ 9 ]
قوله (عن سمي) بضم السين وفتح الميم وشدة الياء هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ثقة قوله (غسل الجنابة) بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي غسلا كغسل الجنابة وهو كقوله تعالى تمر مر السحاب وفي رواية عند عبد الرزاق فاغتسل أحدكم كما يغتسل من الجنابة وظاهره أن التشبيه للكيفية لا للحكم وهو قول الأكثر وقيل فيه إشارة إلى الجماع يوم الجمعة ليغتسل فيه للجنابة والحكمة فيه أن تسكن نفسه في الرواح إلى الصلاة ولا تمتد عينه إلى شئ يراه وفيه حمل المرأة أيضا على الاغتسال ذلك اليوم وعليه حمل قائل ذلك حديث من غسل واغتسل على رواية من روى غسل بالتشديد قال النووي ذهب بعض أصحابنا إلى هذا وهو ضعيف أو باطل والصواب الأول وقد حكاه ابن قدامة عن الإمام أحمد وثبت أيضا عن جماعة من التابعين وقال القرطبي إنه أنسب الأقوال فلا وجه لادعاء بطلانه وإن كان الأول أرجح ولعله أنه عني باطل في المذهب كذا في فتح الباري قوله (ثم راح) زاد أصحاب الموطأ عن مالك في الساعة الأولى قوله (فكأنما قرب بدنة) قال الحافظ في فتح الباري أي تصدق بها متقربا إلى الله وقيل المراد أن للمبادرة في أول ساعة نظير ما لصاحب البدنة من الثواب ممن شرع له القربان لأن القربان لم يشرع لهذه الأمة على الكيفية التي كانت للأمم السالفة وفي رواية الزهري عن أبي عبد الله الأغر عن أبي هريرة مثل المهجر كمثل الذي يهدي بدنة فكأن المراد بالقربان في رواية الباب الإهداء إلى الكعبة قال الطيبي في لفظ الإهداء إدماج بمعنى التعظيم للجمعة وأن المبادر إليها كمن ساق الهدي إلى الكعبة والمراد بالبدنة البعير ذكرا كان أو أنثى والهاء فيها للوحدة لا للتأنيث وقال الأزهري في شرح ألفاظ المختصر البدنة لا تكون إلا من الإبل وصح ذلك عن عطاء وأما الهدي فمن الإبل والبقر والغنم وحكى النووي عنه أنه قال البدنة تكون من الإبل والبقر والغنم وكأنه خطأ نشأ عن سقط انتهى كلام الحافظ قوله (دجاجة) فتح الدال أفصح من كسرها كذا في الصحاح وحكى الضم قال
[ 10 ]
الكرماني فإن قلت القربان إنما هو في النعم لا في الدجاجة والبيضة قلت معنى قرب ههنا تصدق متقربا إلى الله تعالى بها وقال العيني وفيه إطلاق القربان على الدجاجة والبيضة لأن المراد من التقرب التصدق ويجوز التصدق بالدجاجة والبيضة ونحوهما قوله (يستمعون الذكر) أي الخطبة قال النووي مذهب مالك وكثير من أصحابه والقاضي حسين وإمام الحرمين أن المراد بالساعات هنا لحظات لطيفة بعد زوال الشمس والرواح عندهم بعد زوال الشمس وادعوا أن هذا معناه في اللغة ومذهب الشافعي وجماهير أصحابه وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أول النهار والرواح يكون أول النهار وآخره قال الأزهري لغة العرب الرواح الذهاب سواء كان أول النهار أو آخره أو في الليل وهذا هو الصواب الذي يقتضيه الحديث والمعنى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الملائكة تكتب من جاء في الساعة الأولى وهو كالمهدي بدنة ثم من جاء في الساعة الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة وفي رواية النسائي السادسة فإذا خرج الإمام طووا الصحف ولم يكتبوا بعد ذلك أحدا ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى الجمعة متصلا بعد الزوال وهو بعد انفصال السادسة فدل على أنه لا شئ من الهدى والفضيلة لمن جاء بعد الزوال وكذا ذكر الساعات إنما كان للحث على التبكير إليها والترغيب في فضيلة السبق وتحصيل الصف الأول وانتظارها بالاشتغال بالنفل والذكر ونحوه وهذا كله لا يحصل بالذهاب بعد الزوال ولا فضيلة لمن أتى بعد الزوال لأن النداء يكون حينئذ ويحرم التخلف بعد النداء انتهى كلام النووي قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وسمرة) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا بلفظ قال تبعث الملائكة على أبواب المساجد يوم الجمعة يكتبون مجئ الناس فإذا خرج الإمام طويت والصحف ورفعت الأقلام فتقول الملائكة بعضهم لبعض ما حبس فلانا فتقول الملائكة اللهم إن كان ضالا فاهده وإن كان مريضا فاشفه وإن كان عائلا فاغنه وأما حديث سمرة وهو ابن جندب فأخرجه ابن ماجه بإسناد حسن بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب مثل الجمعة ثم التبكير كأجر البقرة كأجر الشاة حتى ذكر الدجاجة وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب
[ 11 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه . باب ما جاء في ترك الجمعة بغير عذر قوله (حدثنا علي بن خشرم) بالخاء والشين المعجمتين على وزن جعفر ثقة من صغار العاشرة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام من السادسة (عن عبيدة بن سفيان) بفتح العين وكسر الموحدة الحضرمي المدني ثقة من الثالثة قوله (عن أبي الجعد) ذكرها ابن حبان في الثقات ان اسمه أدرع وقال أبو أحمد الحاكم في الكني وأبو عبد الله بن مندة إن اسمه عمرو بن بكر وقيل إن اسمه جنادة ولم يرو عنه إلا عبيدة بن سفيان كذا في قوت المغتذي وقال يعني الضمري بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم منسوب إلى ضمرة بن بكر بن عبد مناف قاله في جامع الأصول وكذا في المغنى (وكانت له صحبة فيما زعم محمد بن عمرو) يعني أن أبا الجعد كان صحابيا فيما قال محمد بن عمرو قال الحافظ في التقريب صحابي حدث قيل قتل يوم الجمل قوله (تهاونا بها) قال العراقي المراد بالتهاون الترك عن غير عذر والمراد بالطبع أنه يصير قلبه قلب منافق انتهى وقال الطيبي أي إهانة والظاهر هو ما قال العراقي والله تعالى أعلم قال الشيخ عبد الحق في اللمعات الظاهر أن المراد بالتهاون التكاسل وعدم الجد في أدائه لا الإهانة والاستخفاف فإنه كفر والمراد بيان كونه معصية عظيمة قوله (طبع الله على قلبه) أي ختم على قلبه بمنع إيصال الخير إليه وقيل كتبه منافقا كذا في المرقاة
[ 12 ]
قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه بلفظ لينتهين أقوام عن ودعهم والجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين (وابن عباس) أخرجه الشافعي والبيهقي بلفظ من ترك جمعة من غير ضرورة كتب منافقا في كتاب لا يمحى ولا يبدل (وسمرة) بن جندب أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم بلفظ من ترك الجمعة من غير عذر فليتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار وروى أبو يعلى عن ابن عباس من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره قال الحافظ في التلخيص رجاله ثقات قوله (حديث أبي الجعد حديث حسن) قال الحافظ في التلخيص وصححه ابن السكن عن هذا الوجه قال وفي الباب عن جابر بلفظ من ترك الجمعة ثلاثا من غير ضرورة طبع على قلبه رواه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقال الدارقطني إنه أصح من حديث أبي الجعد واختلف في حديث أبي الجعد على أبي سلمة فقيل عنه هكذا وهو الصحيح وقيل عن أبي هريرة وهو وهم قاله الدارقطني في العلل انتهى قوله (إلا هذا الحديث) قال السيوطي بل له حديثان أحدهما هذا والثاني ما أخرجه الطبراني فذكر بإسناده عن أبي الجعد الضمري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلى المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى انتهى وقال الحافظ في التلخيص وذكر له البزار حديثا آخر وقال لا نعلم له إلا هذين الحديثين . باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة أي من كم مسافة يؤتى إليها .
[ 13 ]
قوله (ومحمد بن مدوية) بفتح الميم وتشديد الدال المهملة قال في التقريب محمد بن أحمد بن الحسين بن مدوية بميم وتثقيل القرشي صدوق من الحادية عشر (حدثنا الفضل بن دكين) بضم الدال وفتح الكاف (عن ثوير) مصغرا ابن أبي فاختة سعيد بن علاقة الكوفي أبو الجهم ضعيف رمي بالرفض مقبول من الرابعة كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان قال الدارقطني متروك وروى أبو صفوان الثقفي عن الثوري قال ثوير ركن من أركان الكذب وقال خ تركه يحيى وابن مهدي (عن رجل من أهل قباء) هذا الرجل مجهول لا يعرف اسمه (أن نشهد الجمعة من قبا) بضم قاف وخفة موحدة مع مد وقصر موضع بميلين أو ثلاثة من المدينة قوله (ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ) أما حديث الباب فهو ضعيف من وجهين لأن في سنده ثوير بن فاختة وهو ضعيف كما عرفت ولأنه يروي عن رجل من أهل قباء وهو مجهول وروى ابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه قال إن أهل قباء كانوا يجمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وفي سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف وقد ثبت أن أهل العوالي كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح وفي التلخيص الحبير روى البيهقي أن أهل ذي الحليفة كانوا يجمعون بالمدينة قال ولم ينقل أنه أذن لأحد في إقامة الجمعة في شئ من مساجد المدينة ولا في القرى التي بقربها انتهى قوله (آواه الليل إلى أهله) في النهاية يقال أويت إلى المنزل وآويت غيري وأويته وفي الحديث من المتعدي قال المظهر أي الجمعة واجبة على من كان بين وطنه وبين الموضع الذي يصلي فيه الجمعة مسافة يمكنه الرجوع بعد أداء الجمعة إلى وطنه قبل الليل كذا في المرقاة قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه والمعنى أنها تجب على من يمكنه الرجوع إلى
[ 14 ]
أهله قبل دخول الليل واستشكل بأنه يلزم منه أنه يجب السعي من أول النهار وهو بخلاف الاية انتهى (هذا حديث إسناده ضعيف) وروى البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال إنما الغسل على من يجب عليه الجمعة والجمعة على من بات أهله قال الحافظ معنى قوله والجمعة على من بات أهله أن الجمعة تجب عنده على من يمكنه الرجوع إلى موضعه قبل دخول الليل فمن كان فوق هذه المسافة لا تجب عليه عنده قوله (من حديث معارك بن عباد) في التقريب معارك بضم أوله وآخره كاف ابن عباد أو ابن عبد الله العبدي بصري ضعيف من السابعة انتهى وقال الذهبي في الميزان قال البخاري منكر الحديث قوله (عن عبد الله بن سعيد المقبري) قال الحافظ في التقريب متروك قوله (قال بعضهم تجب الجمعة على من آواه الليل إلى منزله) وهو قول عبد الله بن عمر وأبي هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي قالوا إنها تجب على من يؤويه الليل إلى أهله واستدلوا بحديث أبي هريرة المذكور قال العراقي إنه غير صحيح فلا حجة فيه كذا في النيل قوله (وقال بعضهم لا تجب الجمعة إلا على من سمع النداء) واستدلوا بما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الجمعة على كل من سمع النداء قال أبو داود وروى هذا الحديث جماعة عن سفيان مقصورا على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وحكاه ابن العربي عن مالك وروى ذلك عن عبد الله بن عمرو راوي الحديث المذكور في النيل قلت ظاهر حديث عبد الله بن عمرو
[ 15 ]
المذكور يدل على عدم وجوب الجمعة على من لم يسمع النداء سواء كان في البلد الذي تقام فيه الجمعة أو في خارجه لكن قال الحافظ في فتح الباري والذي ذهب إليه الجمهور أنها تجب على من سمع النداء أو كان في قوة السامع سواء كان داخل البلد أو خارجه انتهى وقد حكى العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد ابن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل مصر وإن لم يسمعوا النداء انتهى قوله (سمعت أحمد بن الحسن) هذا قول الترمذي وأحمد بن الحسن هذا هو أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي أبو الحسن الحافظ الجوال كان من تلامذة أحمد بن حنبل روى عنه البخاري والترمذي وابن خزيمة وكان أحد أوعية الحديث مات سنة 260 ستين ومائتين كذا في الخلاصة وغيره قوله (حدثنا الحجاج بن نصير) بضم النون الفساطيطي التنيسي أبو محمد البصري ضعيف كان يقبل التلقين من التاسعة كذا في التقريب وقائل حدثنا الحجاج بن نصير هو أحمد بن الحسن لا الترمذي وكذا قائل قوله فغضب علي هو أحمد بن الحسن قوله (استغفر ربك) بصيغة الأمر والتكرار للتأكيد أي استغفر ربك يا أحمد بن الحسن من رواية هذا الحديث فإنه ضعيف لأن في سنده ثلاثة ضعفاء الأول الحجاج بن نصير وهو ضعيف والثاني معارك وهو أيضا ضعيف والثالث عبد الله بن سعيد المقبري وهو أيضا ضعيف قوله (وإنما فعل به أحمد إلخ) هذا قول الترمذي
[ 16 ]
باب ما جاء في وقت الجمعة قوله (أخبرنا سريج) بالتصغير ابن نعمان الجوهري أبو الحسن البغدادي أصله من خراسان ثقة يهم قليلا من كبار العاشرة وعن عثمان بن عبد الرحمن التيمي المدني ثقة قوله (حين تميل الشمس) أي إلى المغرب وتزول من استوائها يعني بعد تحقق الزوال قال الحافظ في فتح الباري فيه إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس انتهى قوله (وفي الباب عن سلمة بن الأكوع) أخرجه الأئمة الستة خلا الترمذي بلفظ كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل به وفي رواية لمسلم كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفئ (وجابر) أخرجه مسلم والنسائي بلفظ كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نرجع فنريح نواضحنا قال حسن يعني ابن عياش فقلت لجعفر في أي ساعة تلك قال بعد زوال الشمس (والزبير بن العوام) أخرجه أحمد بلفظ كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم ننصرف فنبتدر في الاجام فما نجد من الظل إلا قدر موضع أقدامنا قال يزيد بن هارون الاجام والاطام قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) ورواه البخاري وأبو داود قوله (وهو الذي عليه أكثر أهل العلم أن وقت الجمعة إذا زالت الشمس) واستدلوا
[ 17 ]
بحديث الباب وما في معناه قال النووي قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل وإسحاق فجوزها قبل الزوال وروى في هذا أشياء عن الصحابة لا يصح منها شئ إلا ما عليه الجمهور وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها انتهى قوله (ورأى بعضهم أن صلاة الجمعة إذا صليت قبل الزوال أنها تجوز أيضا) أي كما تجوز بعد الزوال واستدلوا بأحاديث منها حديث أنس كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة أخرجه البخاري قال الحافظ ظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكر النهار لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض وقد تقرر أن التبكير يطلق على فعل الشئ في أول وقته أو تقديمه على غيره وهو المراد هنا والمعنى أنهم كانوا يبدأون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت به عادتهم في صلاة الظهر في الحر فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد انتهى ومنها حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة رواه الجماعة ووجه الاستدلال به أن الغداء والقيلولة محلهما قبل الزوال وحكوا عن ابن قتيبة أنه قال لا يسمى غذاء ولا قائلة بعد الزوال وأجاب عنه النووي وغيره بأن هذا الحديث وما معناه محمول على المبالغة في تعجيلها وأنهم كانوا يؤجلون الغداء والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة ندبوا إلى التبكير إليها فلو اشتغلوا بشئ من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها ومنها أثر عبد الله بن سيدان قال شهدت الجمعة مع أبي بكر فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار وشهدتها مع عمر رضي الله عنه فكانت صلاته وخطبته إلى أن أقول قد انتصف النهار وأجاب عنه الحافظ بن حجر وغيره بأن عبد الله بن سيدان غير معروف العدالة قال ابن عدي شبه المجهول وقال البخاري لا يتابع على حديثه بل عارضه ما هو أقوى منه فروى ابن أبي شيبة من طريق سويد بن غفلة أنه صلى مع أبي بكر وعمر حين زالت الشمس إسناده قوي وأستدل بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين قال فلما سماه عيدا جازت الصلاة فيه في وقت العيد كالفطر والأضحى وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيدا أن يشتمل على جميع أحكام العيد بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقا سواء صام قبله أو
[ 18 ]
بعده بخلاف يوم الجمعة والظاهر المعول عليه هو ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس وأما ما ذهب إليه بعضهم من أنها تجوز قبل الزوال فليس فيه حديث صحيح صريح والله تعالى أعلم . باب ما جاء في الخطبة على المنبر أي مشروعيتها ولم يقيدها بالجمعة ليتناولها ويتناول غيرها قوله (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس) الصيرفي الباهلي البصري ثقة حافظ من العاشرة (أخبرنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي بصري أصله من بخاري ثقة من التاسعة (ويحيى بن كثير أبو غسان العنبري) مولاهم البصري ثقة من التاسعة (حدثنا معاذ ابن العلاء) ابن عمار المازني أبو غسان البصري صدوق من السابعة (وكان يخطب إلى جذع) أي مستندا إلى جذع وهو واحد جذوع النخلة . قوله (حن الجذع) أي صوت مشتاقا إليه وأصل الحنين ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه البخاري في الاعتصام وفي الفتن وفيه خطب النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر (وجابر) أخرجه البخاري وفيه قصة اتخاذ المنبر وصياح النخلة (وسهل ابن سعد) أخرجه البخاري وفيه قصة عمل المنبر (وأبي بن كعب) أخرجه ابن ماجه ورواه عبد الله من زياداته في المسند وفيه رجل لم يسم وعبد الله بن محمد بن عقيل وفيه كلام وقد وثق (وابن عباس) أخرجه الطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ كان يخطب يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم الأضحى على المنبر الحديث وفيه حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس وهو ضعيف وبقية رجاله موثقون كذا في مجمع الزوائد (وأم سلمة) أخرجه الطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ كان
[ 19 ]
يخطب إلى جذع المسجد فلما صنع المنبر حن الجذع إليه فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم فسكن قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون قوله (حديث ابن عمر حديث حسن غريب صحيح) أخرجه مطولا من طريق أبي حباب الكلبي وهو ثقة لكنه مدلس وقد عنعنه كذا في مجمع الزوائد . باب ما جاء في الجلوس بين الخطبتين قوله (حدثنا حميد بن مسعدة) بضم الحاء المهملة بصري صدوق من العاشرة قوله (كان يخطب يوم الجمعة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب) فيه مشروعية الجلوس بين الخطبتين واختلف في وجوبه فقال الشافعي إنه واجب وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه سنة وليس بواجب كجلسة الاستراحة في الصلاة عند من يقول باستحبابها وقال ابن عبد البر ذهب مالك والعراقيون وسائر فقهاء الأمصار إلا الشافعي إلى أن الجلوس بين الخطبتين سنة لا شئ على من تركها كذا في عمدة القاري واستدل الشافعي على وجوبه لمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك من قوله صلوا كما رأيتموني أصلي قال ابن دقيق العيد يتوقف ذلك على ثبوت أن إقامة الخطبتين داخل تحت كيفية الصلاة وإلا فهو استدلال بمجرد الفعل كذا في فتح الباري وروى هذا الحديث أبو داود بلفظ يقوم فيخطب ثم يجلس فلا يتكلم ثم يقوم فيخطب وأستفيد من هذا أن حال الجلوس بين الخطبتين لا كلام فيه قال الحافظ ابن حجر لكن ليس فيه نفي أن يذكر الله أو يدعوه سرا انتهى . اعلم أنه لم يرد تصريح مقدار الجلوس بين الخطبتين في حديث الباب وما رأيته في حديث
[ 20 ]
غيره وذكر ابن التين أن مقداره كالجلسة بين السجدتين وعزاه لابن القاسم وجزم الرافعي وغيره أن يكون بقدر سورة الإخلاص قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى والطبراني من رواية الحجاج بن أرطأة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ كان يخطب قائما ثم يقعد ثم يقوم ثم يخطب كذا في عمدة القاري (وجابر بن عبد الله) أخرجه البخاري (وجابر بن سمرة) رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه أبو داود من طريق النمري عن نافع عن ابن عمر قال المنذري في إسناده العمري وهو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه مقال انتهى قلت وفي إسنادي الترمذي عبيد الله بن عمر مصغرا وهو ثقة باب ما جاء في قصر الخطبة بكسر القاف وفتح الصاد قال في القاموس القصر كعنب خلاف الطول قوله (أخبرنا أبو الأحوص) هو سلام بن سليم الكوفي قال ابن معين ثقة متقن قوله (فكانت صلاته قصدا) أي متوسطة بين الإفراط والتفريط من التقصير والتطويل فإن قلت حديث جابر هذا ينافي حديث عمار مرفوعا إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة رواه مسلم قلت قال القاري في المرقاة لا تنافي بينهما فإن الأول دل على الاقتصاد فيهما والثاني على اختيار المزية في الثانية منهما انتهى وقال النووي في شرح مسلم لا مخالفة لأن المراد بحديث
[ 21 ]
عمار أن الصلاة تكون طويلة بالنسبة إلى الخطبة لا تطويلا يشق على المأمومين وهي حنيئذ قصد أي معتدلة والخطبة قصد بالنسبة إلى وضعها انتهى وقال العراقي في شرح الترمذي أو حيث احتيج إلى التطويل لإدراك بعض من تخلف قال وعلى تقدير تعذر الجمع بين الحديثين يكون الأخذ في حقنا بقوله لأنه أول لا بفعله لاحتمال التخصيص انتهى قوله (وخطبته قصدا) فإن قلت هذا ينافي حديث أبي زيد قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس فأخبرنا بما كان وبما هو كائن رواه مسلم قلت لا تنافي بينهما لورود ما في حديث أبي زيد نادرا اقتضاه الوقت ولكونه بيانا للجواز وكأنه كان واعظا والكلام في الخطب المتعارفة قاله القاري قوله (وفي الباب عن عمار بن ياسر) أخرجه مسلم وتقدم لفظه (وابن أبي أوفى) أخرجه النسائي بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل الصلاة ويقصر الخطبة قال العراقي في شرح الترمذي إسناده صحيح قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وأبا داود كذا في المنتقى باب ما جاء في القراءة على المنبر قوله (يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك) أي يقول الكفار لمالك خازن النار (يا مالك ليقض علينا ربك) أي بالموت والمعنى سل ربك أن يقضي علينا يقولون هذا لشدة ما بهم فيجابون بقوله (إنكم ماكثون) أي خالدون واستدل به على مشروعية القراءة في الخطبة
[ 22 ]
وسيجئ ذكر الإختلاف في وجوبها . قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البزار بلفظ خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم جمعة فذكر سورة وله حديث آخر عند ابن عدي في الكامل خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس على المنبر يقرأ آيات من سورة البقرة (وجابر بن سمرة) أخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي وفيه ويقرأ آيات ويذكر الناس قوله (حديث يعلى بن أمية حديث غريب صحيح) أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي قوله (آيا من القرآن) بمد الهمزة جمع آية قوله (أعاد الخطبة) قال الشوكاني في النيل ذهب الشافعي إلى وجوب الوعظ وقراءة آية وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب وهو الحق قال وقد اختلف في محل القراءة على أربعة أقوال الأول في إحداهما لا بعينها وإليه ذهب الشافعي وهو ظاهر إطلاق الأحاديث والثاني في الأولى وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي واستدلوا بما رواه ابن أبي شيبة عن الشعبي مرسلا قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه ثم قال السلام عليكم ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويقرأ سورة ثم يجلس ثم يقوم فيخطب ثم ينزل وكان أبو بكر وعمر يفعلانه . والثالث أن القراءة مشروعة فيهما جميعا وإلى ذلك ذهب العراقيون من أصحاب الشافعي . والرابع في الخطبة الثانية دون الأولى ويدل له ما رواه النسائي عن جابر بن سمرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله عز وجل قال
[ 23 ]
العراقي إسناده صحيح وأجيب عنه بأن قوله ويقرأ آيات ويذكر الله معطوف على قوله يخطب لا على قوله يقوم والظاهر من أحاديث الباب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلازم قراءة سورة أو آية مخصوصة في الخطبة بل كان يقرأ مرة هذه السورة ومرة هذه ومرة هذه الاية ومرة هذه انتهى باب في استقبال الإمام إذا خطب قوله (حدثنا عباد بن يعقوب الكوفي) الرواجني صدوق رافضي حديثه في البخاري مقرون بالغ ابن حبان فقال يستحق الترك (أخبرنا محمد بن الفضل بن عطية) الكوفي نزيل بخاري كذبوه من الثامنة مات سنة 180 ثمانين ومائة كذا في التقريب قوله (استقبلناه بوجوهنا) قال ابن الملك أي توجهناه فالسنة أن يتوجه القوم الخطيب والخطيب القوم انتهى قال أبو الطيب المدني في شرح الترمذي أي لا بالتحلق حول المنبر لما سبق من المنع عنه يوم الجمعة بل بالتوجه إليه في الصفوف ويؤيده ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في خطبة العيد ولفظه فأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم وأما حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس يوما على المنبر وجلسنا حوله رواه البخاري فيمكن حمله على غير الجمعة والعيد قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه بلفظ قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دنا من منبره يوم الجمعة سلم على من عنده فإذا صعده استقبل الناس بوجهه لفظ البيهقي وضعفه وقال الطبراني فإذا صعد المنبر توجه إلى الناس وسلم عليهم كذا في عمدة القاري وفي الباب حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام على المنبر استقبله أصحابه بوجوههم أخرجه ابن ماجه وقال ابن ماجه أرجو أن يكون متصلا قال والد عدي لا صحبة له إلا أن يراد بأبيه جده أبو أبيه فله صحبة على رأي بعض الحفاظ
[ 24 ]
من المتأخرين كذا في النيل قوله (ومحمد بن الفضل بن عطية ضعيف ذاهب الحديث) قال الطيبي أي ذاهب حديثه غير حافظ للحديث وهو عطف بيان لقوله ضعيف (عند أصحابنا) أي عند أصحاب الحديث فحديث ابن مسعود المذكور ضعيف وذكره الحافظ في بلوغ المرام وقال وله شاهد من حديث البراء عند ابن خزيمة قوله (وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية قال القاري في المرقاة في شرح المنية يستحب للقوم أن يستقبلوا الامام عند الخطبة لكن الرسم الان أنهم يستقبلون القبلة للحرج في تسوية الصفوف لكثرة الزحام قال القاري لا يلزم من استقبالهم الإمام ترك استقبال القبلة على ما يشهد عليه الحديث الاتي في أول باب العيد فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم نعم الجمع بينهما متعذر في غير جهة الإمام في المسجد الحرام انتهى ما في المرقاة قوله (ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ) قال الحافظ في فتح الباري بعد نقل كلام الترمذي هذا يعني صريحا وقد استنبط المصنف يعني البخاري من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله استقبال الناس الإمام ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبا ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال الخطبة أولى لورود الأمر بالاستماع لها والإنصات عندها انتهى كلام الحافظ .
[ 25 ]
باب في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب قوله (إذ جاء رجل) هو سليك بمهملة مصغرا الغطفاني (قم فاركع) أي قم فصل وفي بعض النسخ فاركع ركعتين وفي رواية للبخاري قم فصل ركعتين قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة وفي رواية إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما رواه أحمد ومسلم وأبو داود وفي رواية إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصل ركعتين متفق عليه كذا في المنتقى قوله (عن عياض) بكسر العين المهملة وتخفيف التحتانية وآخره معجمة (بن عبد الله بن أبي سرج) بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها مهملة القرشي العامري المكي ثقة من الثالثة مات على رأس المائة قوله (ومروان يخطب) جملة حالية ومروان هذا هو مروان بن الحكم بن أبي العاص ابن أمية أبو عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين ومات سنة خمس في رمضان وله ثلاث أو إحدى وستون سنة لا يثبت له صحبة من الثانية كذا في التقريب وقال صاحب المشكاة في ترجمته ولد مروان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل سنة اثنتين من الهجرة وقيل عام الخندق وقيل غير ذلك فلم ير النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى الطائف فلم يزل بها حتى ولي عثمان فرده إلى المدينة فقدمها وابنه معه مات بدمشق سنة 65 خمس وستين روى عن نفر من الصحابة وروى عنه نفر من التابعين منهم عثمان وعلي وعروة بن الزبير وعلي بن الحسين انتهى (فجاء الحرس) بفتح الحاء والراء قال في القاموس حرسه حرسا وحراسة فهو حارس ج
[ 26 ]
حرس وأحراس وحراس والحرسى واحد حرس السلطان وهم الحراس انتهى وقال في الصراح حرس بفتحتين نكاهبان دركاه سلطان حراس ج حرسي يكي ازيشال انتهى (وليجلسوه) من الاجلاس والتجليس (إن كادوا ليقعوا بك) كلمة إن مخففة من الثقيلة أي أن الشأن كادوا ليوقعوا بك بالضرب كما هو الظاهر أو السب كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب السندي قوله (أن رجلا جاء) وهو سليك قوله (في هيأة بذة) بفتح الباء الموحدة وتشديد الذال المعجمة أي سيئة تدل على الفقر قال في القاموس بذذت كعلمت بذاذة وبذاذا وبذوذة ساءت حالك وباذ الهيئة وبذها رثها انتهى فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال في منتقى الأخبار هذا يصرح بضعف ما روى أنه أمسك عن خطبته حتى فرغ من الركعتين انتهى قلت أشار صاحب المنتقى إلى حديث أنس أخرجه الدارقطني بلفظ قال جاء رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قم فاركع ركعتين وأمسك عن الخطبة حتى فرغ من صلاته قال الدارقطني أسنده عبيد بن محمد العبدي عن معتمر عن أبيه عن قتادة عن أنس ووهم فيه والصواب عن معتمر عن أبيه كذلك رواه أحمد بن حنبل وغيره عن معتمر ثم رواه من طريق أحمد مرسلا وعبيد بن محمد هذا روى عنه أبو حاتم وإنما حكم عليه الدارقطني بالوهم لمخالفته من هو أحفظ منه أحمد بن حنبل وغيره (قال ابن أبي عمر) هو محمد بن أبي عمر شيخ الترمذي (وكان أبو عبد الرحمن المقري) اسمه عبد الله بن يزيد المكي أصله من البصرة أو الأهواز ثقة فاضل أقرأ القران نيفا وسبعين سنة من التاسعة وهو من كبار شيوخ البخاري كذا في التقريب (يراه) أي يعتقده ويجوزه (كان محمد بن عجلان ثقة مأمونا) قال في التقريب محمد بن عجلان المدني
[ 27 ]
صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة وقال الذهبي في الميزان في ترجمته وثقه أحمد وابن معين وابن عيينة وأبو حاتم وروى عباس عن ابن معين قال ابن عجلان أوثق من محمد بن عمرو ما يشك في هذا أحد وقال الحاكم أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها شواهد وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه وقد بسط الذهبي في ترجمته قوله (وفي الباب عن جابر) قال العراقي إن قيل قد صدر المصنف بحديث جابر فما وجه قوله وفي الباب عن جابر بعد أن ذكره أولا وما عادته أن يعيد ذكر صحابي في الحديث الذي قدمه على قوله وفي الباب فالجواب لعله أراد حديثا آخر لجابر غير الحديث الذي قدمه وهو ما رواه الطبراني من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال دخل النعمان بن نوفل ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب يوم الجمعة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صل ركعتين وتجوز فيهما فإذا أتى أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليصل ركعتين وليخففهما كذا في قوت المغتذي (وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجه (وسهل بن سعد) أخرجه ابن أبي حاتم في العلل بنحو حديث أبي سعيد وفي الباب أيضا عن سليك عند أحمد قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين خفيفتين ورواه أيضا ابن عدي في الكامل قوله (حديث أبي سعيد الخدري حديث حسن صحيح) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا أبا داود انتهى وقال الحافظ في الفتح ورواه ابن خزيمة وصححه قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب قال النووي في شرح مسلم هذه الأحاديث كلها يعني التي رواها مسلم صريحة في الدلالة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وفقهاء المحدثين أنه إذا دخل الجامع يوم الجمعة والإمام يخطب يستحب له أن يصلي ركعتين تحية المسجد ويكره الجلوس قبل أن يصليهما وأنه يستحب أن يتجوز فيهما ليسمع بعدهما الخطبة وحكى هذا المذهب عن الحسن البصري وغيره من المتقدمين وقال بعضهم (إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) قال النووي قال القاضي وقال مالك والليث وأبو حنيفة والثوري وجمهور السلف من الصحابة والتابعين لا يصليهما وهو مروي عن عمر وعثمان وعلي
[ 28 ]
رضي الله عنهم وحجتهم الأمر بالإنصات للإمام تاولوا أحاديث الباب بأنه كان عريانا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام ليراه الناس ويتصدقوا عليه وهو تأويل باطل يرده صريح قوله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل ولا أظن عالما يبلغه هذا اللفظ ويعتقده صحيحا فيخالفه انتهى وقال الحافظ في الفتح قال جماعة منهم القرطبي أقوى ما اعتمده المالكية في هذه المسألة عمل أهل المدينة خلفا عن سلف من لدن الصحابة إلى عهد مالك أن التنفل في حال الخطبة ممنوع مطلقا وتعقب بمنع اتفاق أهل المدينة على ذلك فقد ثبت فعل التحية عن أبي سعيد الخدري وهو من فقهاء الصحابة من أهل المدينة وحمله عنه أصحابه من أهل المدينة أيضا ولم يثبت عن أحد من الصحابة صريحا ما يخالف ذلك وأما ما نقله ابن بطال عن عمر وعثمان رضي الله عنهما وغير واحد من الصحابة من المنع مطلقا فاعتماده في ذلك على روايات عنهم فيها احتمال كقول ثعلبة بن أبي مالك أدركت عمر وعثمان وكان الإمام إذا خرج تركنا الصلاة وجه الاحتمال أن يكون ثعلبة عني بذلك من كان داخل المسجد خاصة قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي كل من نقل عنه يعني من الصحابة منع الصلاة والإمام يخطب محمول على من كان داخل المسجد لأنه لم يقع عن أحد منهم التصريح بمنع التحية وقد ورد فيها حديث يخصها فلا تترك بالاحتمال انتهى ولم أقف على ذلك صريحا عن أحد من الصحابة وأما ما رواه الطحاوي عن عبد الله بن صفوان أنه دخل المسجد وابن الزبير يخطب فاستلم الركن ثم سلم عليه ثم جلس ولم يركع وعبد الله ابن صفوان وعبد الله بن الزبير صحابيان صغيران فقال الطحاوي لما لم ينكر ابن الزبير على ابن صفوان ولا من حضرهما من الصحابة ترك التحية دل على صحة ما قلناه . وتعقب بأن تركهم النكير لا يدل على تحريمها بل يدل على عدم وجوبها ولم يقل به مخالفوهم انتهى (والقول الأول أصح) فإنه يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة ومنها قوله صلى الله عليه وسلم إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما وهذا نص لا يتطرق إليه تأويل وكل ما أجاب به أهل القول الأول عن أحاديث الباب فهو مخدوش ومن الأجوبة التي ذكروها أن هذا كان في حالة إباحة الأفعال في الخطبة قبل أن ينهي عنها قالوا ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم هذا الرجل فكلامه مع هذا الرجل يدل على أنه قبل أن ينسخ في الخطبة ثم أمر بالإنصات والاستماع وترك الكلام حتى منع من أن يقول لصاحب أنصت
[ 29 ]
وأجيب عنه بأن سليكا متأخر الإسلام جدا فالقول بأن هذا كان قبل أن ينسخ الكلام في الخطبة باطل مردود على قائله قال الحافظ في الفتح قيل كانت هذه القصة قبل تحريم الكلام في الصلاة وتعقب بأن سليكا متأخر الإسلام جدا وتحريم الكلام متقدم جدا فكيف يدعى نسخ المتأخر بالمتقدم مع أن النسخ لا يثبت بالاحتمال انتهى ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خاطب سليكا سكت عن خطبته حتى فرغ سليك من صلاته فعلى هذا فقد جمع سليك بين سماع الخطبة وصلاة التحية فليس فيه حجة لمن أجاز التحية والخطيب يخطب وأجيب عنه بأن الدارقطني الذي أخرجه من حديث أنس قد ضعفه وقال الصواب أنه من رواية سليمان التيمي مرسلا أو معضلا كذا في فتح الباري وقال العيني في عمدة القاري معترضا على هذا الجواب ما لفظه المرسل حجة عندنا ويؤيد هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة حدثنا هشيم قال أخبرنا أبو معشر عن محمد بن قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم حيث أمره أن يصلي ركعتين أمسك عن الخطبة حتى فرغ من ركعتيه ثم عاد إلى خطبته انتهى قلت الحديث المرسل وإن كان حجة عند الحنفية لكن المحقق أنه ليس بحجة كما تقرر في مقره فحديث سليمان التيمي المرسل ليس بحجة بل هو ضعيف ويضعفه أيضا حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب بلفظ فصلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب وهو حديث صحيح ويضعفه أيضا حديث جابر رضي الله عنه إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما رواه أحمد ومسلم وأبو داود وأما رواية ابن أبي شيبة فهي أيضا مرسلة ومع إرسالها فيه ضعيفة قال الدارقطني بعد إخراجها هذا مرسل لا تقوم به الحجة وأبو معشر اسمه نجيح وهو ضعيف انتهى قال الحافظ في التقريب نجيح بن عبد الرحمن السندي أبو معشر مشهور بكنيته ضعيف من السادسة أسن واختلط انتهى فالحاصل أنه لم يثبت بحديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عن الخطبة حين أمره أن يصلي ركعتين بل ثبت بالحديث الصحيح أنه صلى ركعتين والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ومنها أن ذلك كان قبل شروعه صلى الله عليه وسلم في الخطبة وقد بوب النسائي في سننه الكبرى عن حديث سليك قال باب الصلاة قبل الخطبة ثم أخرج عن أبي الزبير عن جابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر فقعد سليك قبل أن يصلي فقال له صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما كذا في عمدة القاري
[ 30 ]
وأجيب عنه بأن القعود على المنبر لا يختص بالابتداء بل يحتمل أن يكون بين الخطبتين أيضا فيكون كلمه بذلك وهو قاعد فلما قام ليصلي قام النبي صلى الله عليه وسلم للخطبة لأن زمن القعود بين الخطبتين لا يطول ويحتمل أيضا أن يكون الراوي تجوز في قوله قاعد لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب كذا في فتح الباري وقال العيني في عمدة القاري معترضا على هذا الجواب ما لفظه الأصل ابتداء قعوده وقعوده بين الخطبتين محتمل فلا يحكم به على الأصل انتهى قلت لا نسلم أن القعود الأول أصل والثاني محتمل بل نقول إن القعودين كليهما أصل وعلى تقدير التسليم فالحكم بالمحتمل على الأصل متعين ههنا لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ثم قال العيني معترضا على قول الحافظ ويحتمل أن يكون الراوي تجوز إلخ ما لفظه هذا ترويج لكلامه ونسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز مع عدم الحاجة والضرورة انتهى قلت نسبة الراوي إلى ارتكاب المجاز ليس بلا حاجة وضرروة بل ذلك لحاجة شديدة وقد بينها الحافظ بقوله لأن الروايات الصحيحة كلها مطبقة على أنه دخل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فالحاصل أن لفظ قاعد في حديث جابر إما يراد به القعود بين الخطبتين أو يقال إن الراوي تجوز فيه وإلا فهذه الزيادة شاذة مخالفة لسائر الروايات الصحيحة فيه غير مقبولة ومنها أن هذه الواقعة عين لا عموم لها فيحتمل اختصاصها بسليك ويدل عليه قوله في حديث أبي سعيد الذي أخرجه أصحاب السنن وغيرهم جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب والرجل في هيئة بذة فقال له أصليت قال لا قال صل ركعتين وحض الناس على الصدقة الحديث فأمره أن يصلي ليراه بعض الناس وهو قائم فيتصدق عليه ويؤيده أن في هذا الحديث عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا الرجل دخل في المسجد في هيئة بذة فأمرته أن يصلي ركعتين وأنا أرجو أن يفطن له رجل فيتصدق عليه قلت هذا مردود فإن الأصل عدم الخصوصية والتعليل بكونه صلى الله عليه وسلم قصد التصدق عليه لا يمنع القول بجواز التحية ومما يدل على أن أمره بالصلاة لم ينحصر في قصد التصدق معاودته صلى الله عليه وسلم بأمره بالصلاة أيضا في الجمعة الثانية بعد أن حصل له في الجمعة الأولى ثوبين فدخل بهما في الثانية فتصدق بأحدهما فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك أخرجه النسائي وابن خزيمة من حديث أبي سعيد أيضا ولأحمد وابن حبان أنه كرر أمره بالصلاة ثلاث مرات في ثلاث جمع
[ 31 ]
فدل على أن قصد التصدق عليه جزء علة لا علة كاملة كذا قال الحافظ في الفتح والأمر كما قال الحافظ كيف وقد ثبت في قصة سليك أنه صلى الله عليه وسلم قال بعد قوله فاركعهما وتجوز فيهما إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما كما عرفت فيما تقدم والحاصل أن ما أجاب أهل القول الأول عن أحاديث الباب فهو مخدوش ليس مما يلتفت إليه وقد بسط الحافظ في التفح الكلام في هذا المقام بسطا حسنا وأجاد فيه . باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب قوله (والإمام يخطب) جملة حالية (أنصت) بصيغة الأمر من الإنصات مقول القول (فقد لغا) وفي رواية الشيخين إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت قال الحافظ في الفتح قال الأخفش اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه قال ابن عرفة اللغو السقط من القولوقيل الميل من الصواب وقيل اللغو الإثم كقوله تعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما وقال الزين بن المنير اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وقال النضر بن شميل معنى لغوت خبت من الأجر وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا قال الحافظ أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى ويشهد للقول الأخير ما رواه أبو داود وابن خزيمة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا ومن لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا قال ابن وهب أحد رواته أجزأت عنه الصلاة وحرم فضيلة الجمعة ولأحمد من حديث علي مرفوعا من قال صه فقد تكلم ومن
[ 32 ]
تكلم فلا جمعة له ولأبي داود نحوه ولأحمد والبزار من حديث ابن عباس مرفوعا من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كالحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة وله شاهد قوي في جامع حماد بن سلمة عن ابن عمر موقوفا قال العلماء معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه انتهى وقال في بلوغ المرام بعد ذكر حديث ابن عباس مرفوعا من تكلم يوم الجمعة الخ رواه أحمد بإسناد لا بأس به وهو يفسر حديث أبي هريرة يعني حديث الباب قوله (وفي الباب عن ابن أبي أوفى) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف قال ثلاث من سلم منهن غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى من أن يحدث حدثا يعني أذى أو أن يتكلم أو أن يقول صه قال العراقي ورجاله ثقات قال وهذا وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه حكم الرفع (وجابر ابن عبد الله) أخرجه أبو يعلي والطبراني قال العراقي رجاله ثقات وفي الباب أيضا عن ابن عباس وأبي ذر وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه كذا في المنتقى قوله (فرخص بعض أهل العلم في رد السلام وتشميت العاطس وهو قول أحمد وإسحاق) وقال العيني في شرح البخاري وعن أبي حنيفة إذا سلم عليه يرده بقلبه وعن أبي يوسف يرد السلام ويشمت العاطس فيها وعن محمد يرد ويشمت بعد الخطبة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في قلبه انتهى قوله (وكره بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم ذلك وهو قول الشافعي) وحكى
[ 33 ]
ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق قال العراقي وهو أولى مما نقله عنه الترمذي وقد صرح الشافعي في مختصر البويطي بالجواز فقال ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لأن التشميت سنة ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه لأن السلام سنة ورده فرض هذا لفظه وقال النووي في شرح المهذب إنه الأصح كذا في النيل وقد كره الحنفية أيضا رد السلام وتشميت العاطس وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات كره تشميت العاطس ورد السلام وعن أبي يوسف لا يكره لأنهما فرض والجواب أنهما فرضان في كل وقت إلا عند سماع الخطبة لعدم الإذن فيهما وكذا الحمد للعطسة وفي رد المنكر بالإشارة بالعين واليد لا يكره وهو الصحيح انتهى وقال العيني في شرح البخاري وقال أصحابنا إذا اشتغل الإمام بالخطبة ينبغي للمستمع أن يجتنب ما يجتنبه في الصلاة لقوله تعالى فاستمعوا له وأنصتوا وقوله صلى الله عليه وسلم إذا قلت لصاحبك أنصت الحديث فإذا كان كذلك يكره له رد السلام وتشميت العاطس انتهى وقد حكى العيني عن أبي حنيفة إذا سلم عليه يرده بقلبه كما تقدم قلت وجه الاختلاف أن ههنا عمومات متعارضة فالنهي عن التكلم في حال الخطبة يعم كل كلام وكذا الأمر بالإنصات يعم السكوت عن كل كلام والأمر برد السلام وتشميت العاطس يعم جميع الأوقات وكذا الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره يعم جميع الأوقات فأبقى بعض أهل العلم الأول وخصص الثاني وخصص بعضهم الأول وأبقي الثاني على عمومه والأولى عندي في الجمع بين هذه العمومات المتعارضة أن يقال المراد بالنهي عن التكلم في حال الخطبة النهي عن مكالمة الناس وكذا المراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله كما اختاره ابن خزيمة فإذا سكت في حال الخطبة عن مكالمة الناس ورد السلام سرا في نفسه أو شمت العاطس سرا أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره يكون عاملا بكل ما ذكر من النهي والأمر وهذا كما قال الحنفية بجواز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سرا في نفسه في حال الخطبة عند قراءة الخطيب قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قال العيني في البناية فإن قلت توجه عليه أمران أحدهما صلوا عليه وسلموا والأمر الاخر قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال مجاهد نزلت في الخطبة والإشتغال بأحدهما يفوت الاخر قلت إذا صلى في نفسه وأنصت وسكت يكون اتيا بموجب الأمرين انتهى هذا ما عندي والله تعالى أعلم وقال الفاضل اللكنوي في عمدة الرعاية والحق أنه لا مانع من جواز كل ما منعوه حالة
[ 34 ]
سكتات الخطيب إذا لم يخل بالاستماع باب في كراهية التخطي يوم الجمعة قال في الصراح تخطيت رقاب الناس أي تجاوزتها قوله (عن زبان) بفتح الزاي وشدة الموحدة (ابن فائد) بالفاء أبي جوين المصري ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته (عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني) لا بأس به إلا في رواية زبان عنه كذا في التقريب وقال في الميزان ضعفه ابن معين وقال ابن حبان في الثقات لست أدري أوقع التخليط منه أو من صاحبه زبان بن فائد انتهى (عن أبيه) أي معاذ ابن أنس الجهني وهو صحابي نزل مصر وبقي إلى خلافة عبد الملك قوله (من تخطى) أي تجاوز (رقاب الناس) قال القاضي أي بالخطو عليها (يوم الجمعة) ظاهر التقييد بيوم الجمعة أن الكراهة مختصة به ويحتمل أنه يكون التقييد خرج مخرج الغالب لاختصاص الجمعة بكثرة الناس بخلاف سائر الصلوات فلا يختص ذلك بالجمعة بل يكون سائر الصلوات حكمها ويؤيد ذلك التعليل بالأذية وظاهر هذا التعليل أن ذلك يجري في مجالس العلم وغيرها ويؤيده أيضا ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخطى حلق قوم بغير إذنهم فهو عاص ولكن في إسناده جعفر ابن الزبير وقد كذبه شعبة وتركه الناس (اتخذ جسرا إلى جهنم) قال العراقي المشهرر في رواية هذا الحديث اتخذ على بنائه للمفعول بضم التاء المشددة وكسر الخاء المعجمة بمعنى أنه يجعل جسرا على طريق جهنم ليوطأ ويتخطى كما تخطى رقاب الناس فإن الجزاء من جنس العمل ويجوز أن يكون للبناء للفاعل أي أنه اتخذ لنفسه جسرا يمشي عليه إلى جهنم بسبب ذلك كقوله عليه السلام من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار وفيه بعد والأول أظهر وأوفق للرواية وقد ذكره صاحب مسند الفردوس بلفظ من تخطى رقبة أخيه المسلم جعله الله يوم القيامة جسرا على باب جهنم للناس كذا في قوت المغتذي وقال الطيبي والتوربشتي
[ 35 ]
ضعف المبني للمفعول رواية ودراية انتهى قلت في كلام الطيبي والتوربشتي خلاف ما قال العراقي والظاهر الراجح عندي هو قول العراقي ويؤيده لفظ مسند الفردوس جعله الله يوم القيامة جسرا والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه ابن ماجه بلفظ أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فجعل يتخطى رقاب الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس فقد آذيت وآنيت وفي إسناده إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وفي الباب أيضا عن عبد الله بن بسر بمعنى حديث جابر أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن خزيمة وغيره وعن أرقم بن الأرقم المخزومي مرفوعا بلفظ الذي يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بين الاثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده هشام بن زياد ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم وفي الباب أيضا عن أبي الدرداء عند الطبراني في الأوسط وعن أنس عنده في الصغير والأوسط وعن عثمان بن الأزرق عنده في الكبير وذكر الشوكاني ألفاظ أحاديثهم في النيل مع الكلام عليها قوله (حديث سهل بن معاذ بن أنس الجهني حديث غريب الخ) في إسناده رشدين بن سعد قال في التقريب ضعيف رجح أبو حاتم عليه ابن علية وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث من الخامسة وقال الذهبي في الميزان كان صالحا عابدا سئ الحفظ غير معتمد انتهى فحديث الباب ضعيف لكنه معتضد بأحاديث أخرى وقد ذكرنا بعضها (والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا أن يتخطى الرجل يوم الجمعة رقاب الناس وشددوا في ذلك) حكى أبو حامد في تعليقه عن الشافعي التصريح بالتحريم وقال النووي في زوائد الروضة إن المختار تحريمه للأحاديث الصحيحة واقتصر أصحاب أحمد على الكراهة فقط وروى العراقي عن كعب الأحبار أنه قال لأن أدع الجمعة أحب إلي من أن أتخطى
[ 36 ]
الرقاب وقال المسيب لأن أصلي الجمعة بالحرة أحب إلي من التخطي وروى عن أبي هريرة نحوه ولا يصح عنه لأنه من رواية صالح مولى التوأمة عنه قال العراقي وقد استثنى من التحريم أو الكراهة الإمام أو من كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي وهكذا أطلق النووي بالروضة وقيد ذلك في شرح المهذب فقال إذا لم يجد طريقا إلى المنبر أو المحراب إلا بالتخطي لم يكره لأنه ضرورة وروى نحو ذلك عن الشافعي وحديث عقبة بن الحارث قال صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة العصر ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه الحديث يدل على جواز التخطي للحاجة في غير الجمعة فمن خصص الكراهة بصلاة الجمعة فلا معارضة بينه وبين أحاديث الباب عنده ومن عمم الكراهة لوجود العلة المذكورة سابقا في الجمعة وغيرها فهو محتاج إلى الاعتذار عنه وقد خص الكراهة بعضهم بغير من يتبرك الناس بمروره ويسرهم ذلك ولا يتأذون لزوال علة الكراهة التي هي التأذي كذا في النيل باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب قال الجزري في النهاية الاحتباء هو أن يضم الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ويشده عليها وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب يقال احتبى يحتبي احتباء والاسم الحبوة بالضم والكسر والجمع حبا وحبا قوله (والعباس بن محمد الدوري) الخوارزمي نزيل بغداد أحد الحفاظ الأعلام روى عن أبي عبد الرحمن المقري وأبي داود الطيالسي وغيرهما وروى عنه أصحاب السنن الأربعة ولزم ابن معين وأخذ عنه الجرح والتعديل وثقه النسائي وغيره مات سنة 172 إحدى وسبعين ومائتين (قالا أخبرنا أبو عبد الرحمن المقري) اسمه عبد الله بن يزيد المكي أصله من البصرة والأهواز ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة من التاسعة وهو من كبار شيوخ البخاري (عن سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي مولاهم المصري ثقة ثبت واسم أبي أيوب مقلاص (قال حدثني أبو مرحوم) اسمه عبد الرحيم بن ميمون المدني نزيل مصر قال الحافظ صدوق زاهد من السادسة (عن سهل بن معاذ) بن أنس الجهني
[ 37 ]
قوله (نهى عن الحبوة) قال في القاموس احتبى بالثوب اشتمل أو جمع بين ظهره وساقيه بعمامة ونحوها والاسم الحبوة وبضم انتهى (يوم الجمعة والإمام يخطب) قال الخطابي إنما نهى عن الاحتباء في ذلك الوقت لأنه يجلب النوم ويعرض طهارته للانتقاض وقد ورد النهي عن الاحتباء مطلقا غير مقيد بحال الخطبة ولا بيوم الجمعة لأنه مظنة لانكشاف عورة من كان عليه ثوب واحد قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود قال الشوكاني في النيل في سنده سهل بن معاذ وقد ضعفه يحيى بن معين وتكلم فيه غير واحد وفي سنده أيضا أبو مرحوم ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي لا يحتج به قال وفي الباب عن عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاحتباء يوم الجمعة يعني والإمام يخطب وفي إسناده بقية بن الوليد وهو مدلس وقد رواه بالعنعنة عن شيخه عبد الله بن واقد قال العراقي لعله من شيوخه المجهولين عن جابر عند ابن عدي في الكامل وفي إسناده عبد الله ابن ميمون القداح وهو ذاهب الحديث كما قال البخاري قوله (وقد كره قوم من أهل العلم الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب) قال أبو داود في سننه لم يبلغني أن أحدا كرهها إلا عبادة بن نسي انتهى قال العراقي وورد عن مكحول وعطاء والحسن أنهم كانوا يكرهون أن يحتبوا والإمام يخطب يوم الجمعة رواه ابن أبي شيبة في المصنف قال ولكنه قد اختلف عن الثلاثة فنقل عنهم القول بالكراهة ونقل عنهم عدمها واستدلوا بأحاديث الباب قال الشوكاني وهي تقوي بعضها بعضا (ورخص في ذلك بعضهم الخ) قال أبو داود في سننه وكان ابن عمر يحتبي والإمام يخطب وأنس بن مالك وشريح وصعصعة بن صوحان وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ومكحول وإسماعيل ابن محمد بن سعد ونعيم بن سلامة قال لا بأس بها انتهى وذهب أكثر أهل العلم كما قال العراقي إلى عدم الكراهة واستدلوا بما رواه أبو داود عن
[ 38 ]
يعلى بن شداد بن أوس رضي الله عنه قال شهدت مع معاوية فتح بيت المقدس فجمع بنا فإذا جل من في المسجد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فرأيتهم محتبين والإمام يخطب وسكت عنه أبو داود والمنذري قال الشوكاني وفي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان وفيه لين وقد وثقه ابن حبان وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها كلها ضعيفة وإن كان الترمذي قد حسن حديث معاذ بن أنس وسكت عنه أبو داود قلت أحاديث الباب وإن كانت ضعيفة لكن يقوي بعضها بعضا ولا شك في أن الحبوة جالبة للنوم فالأولى أن يحترز عنها يوم الجمعة في حال الخطبة هذا ما عندي والله تعالى أعلم باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال (أخبرنا حصين) هو ابن عبد الرحمن السلمي أبو الهذيل الكوفي ثقة تغير حفظه في الاخر (قال سمعت عمارة) بضم العين (ابن رويبة) براء موحدة مصغرا الثقفي يكنى بأبي زهير صحابي نزل الكوفة (وبشر بن مروان يخطب) جملة حالية وفي رواية مسلم أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعا يديه (فرفع يديه في الدعاء) ليس في رواية مسلم لفظ في الدعاء (فقال عمارة قبح الله هاتين اليديتين) بضم التحتية وفتح الدال المهملة وتشديد التحتية المفتوحة تصغير اليدين (القصيرتين) تصغير القصيرتين والظاهر أنه دعاء عليه وقيل إخبار عن قبح صنعه (وما يزيد على أن يقول) أي يشير والحديث يدل على كراهة رفع الأيدي على المنبر حال الدعاء قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي
[ 39 ]
باب ما جاء في أذان الجمعة قوله (عن السائب بن يزيد) بن سعيد بن ثمامة الكندي وقيل غير ذلك في نسبه ويعرف بابن أخت النمر صحابي صغير له أحاديث قليلة وحج به في حجة الوداع وهو ابن سبع سنين وولاه عمر سوق المدينة سنة 19 إحدى وتسعين وقيل قبل ذلك وهو آخر من مات بالمدينة من الصحابة قوله (كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر إذا خرج الإمام) أي للخطبة وجلس على المنبر (أقيمت الصلاة) كذا في النسخ المطبوعة في الهند وقد ذكر أبو بكر ابن العربي في عارضة الأحوذي هذا الحديث بلفظ وإذا أقيمت الصلاة وهو الصحيح وكذلك وقع في رواية أبي عامر عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة إذا خرج الإمام وإذا أقيمت الصلاة وكذا للبيهقي من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب كذا في الفتح والمعنى كان الأذان في العهد النبوي وعهد أبي بكر وعمر أذانين أحدهما حين خروج الإمام وجلوسه على المنبر والثاني حين إقامة الصلاة فكان في عهدهم الأذانان فقط ولم يكن الأذان الثالث والمراد بالأذانين الأذان الحقيقي والإقامة وفي رواية وكيع عن ابن أبي ذئب عند ابن خزيمة كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أذانين يوم الجمعة قال ابن خزيمة قوله أذانين يريد الأذان والإقامة يعني تغليبا أو لاشتراكهما في الإعلام كذا في فتح الباري (فلما كان عثمان) أي خلافته أو كان خليفة (زاد النداء الثالث) قال الحافظ في رواية وكيع عن ابن أبي ذئب فأمر عثمان بالأذان الأول ونحوه للشافعي من هذا الوجه ولا منافاة بينهما لأنه باعتبار كونه مزيدا يسمى ثالثا وباعتبار كونه جعل مقدما على الأذان والإقامة يسمى أولا ووقع في رواية أن التأذين بالثاني أمر به عثمان وتسميته ثانيا أيضا متوجه بالنظر إلى الأذان الحقيقي لا الإقامة (على الزوراء) بفتح الزاء وسكون الواو بعدها راء ممدودة قال الامام البخاري في صحيحه الزوراء موضع بالسوق بالمدينة قال الحافظ ما فسر به البخاري هو المعتمد وجزم ابن بطال بأنه حجر كبير
[ 40 ]
عند باب المسجد وفيه نظر لما في رواية ابن اسحاق عن الزهري عند ابن خزيمة وابن ماجه بلفظ زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء وفي روايته عند الطبراني فأمر بالنداء الأول على دار له يقال لها الزوراء فكان يؤذن له عليها وفي رواية له من هذا الوجه فأذن بالزوراء قبل خروجه ليعلم الناس أن الجمعة قد حضرت كذا في الفتح وفيه أيضا زاد أبو عامر يعني ابن خزيمة عن ابن أبي ذئب فثبت ذلك حتى الساعة وفي رواية يونس يعني عند البخاري بلفظ فثبت الأمر كذلك والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر لكن ذكر الفاكهاني أن أول من أحدث الأذان الأول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد وبلغني أن أهل المغرب الأدنى الان لا تأذين عندهم سوى مرة وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الانكار ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة لكن منها ما يكون حسنا ومنها ما يكون بخلاف ذلك وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياسا على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب انتهى تنبيه قال بعض الحنفية الأذان الثالث الذي هو الأول وجودا إذا كانت مشروعيته باجتهاد عثمان وموافقة سائر الصحابة له بالسكوت وعدم الإنكار صار أمرا مسنونا نظرا إلى قوله صلى الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين انتهى قلت ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم قال القاري في المرقاة فعليكم بسنتي أي بطريقتي الثابتة عني واجبا أو مندوبا وسنة الخلفاء الراشدين فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي فالإضافة إليهم إما لعملهم بها أو لاستنباطهم واختيارهم إياها انتهى كلام القاري وقال صاحب سبل السلام أما حديث عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه الحاكم وقال على شرط الشيخين ومثله حديث اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر أخرجه الترمذي وقال حسن وأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان وله طريق فيها مقال إلا أنه يقوي بعضها بعضا فإنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم
[ 41 ]
من جهاد الأعداء وتقوية شعائر الدين ونحوها فإن الحديث عام لكل خليفة راشد لا يخص الشيخين ومعلوم من قواعد الشريعة أنه ليس لخليفة راشد أن يشرع طريقة غير ما كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم ثم هذا عمر رضي الله عنه نفسه الخليفة الراشد سمى ما رآه من تجميع صلاته ليالي رمضان بدعة ولم يقل إنها سنة فتأمل على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم خالفوا الشيخين في مواضع ومسائل فدل أنهم لم يحملوا الحديث على أن ما قالوه وفعلوه حجة وقد حقق البرماوي الكلام في شرح ألفيته في أصول الفقه مع أنه قال إنما الحديث الأول يدل على أنه إذا اتفق الخلفاء الأربعة على قول كان حجة لا إذا انفرد واحد منهم والتحقيق أن الاقتداء ليس هو التقليد بل هو غيره كما حققناه في شرح نظم الكافل في بحث الاجماع انتهى كلام صاحب السبل فإذا عرفت أنه ليس المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم لاح لك أن الاستدلال على كون الأذان الثالث الذي هو من مجتهدات عثمان رضي الله عنه أمرا مسنونا ليس بتام ألا ترى أن ابن عمر رضي الله عنه قال الأذان الأول يوم الجمعة بدعة فلو كان هذا الاستدلال تاما وكان الأذان الثالث أمرا مسنونا لم يطلق عليه لفظ البدعة لا على سبيل الإنكار ولا على سبيل غير الإنكار فإن الأمر المسنون لا يجوز أن يطلق عليه لفظ البدعة بأي معنى كان فتفكر باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر قوله (يكلم بالحاجة إذا نزل من المنبر) وفي المنتقى بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلمه الرجل في الحاجة ويكلمه ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي وعزاه إلى الخمسة وفيه دليل على أنه لا بأس بالكلام بعد نزول الإمام من المنبر عند الحاجة قال القاضي أبو بكر بن العربي الأصح عندي أن لا يتكلم فيها لأن مسلما قد روى أن الساعة التي في يوم الجمعة المستجابة هي من حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقام الصلاة فينبغي أن
[ 42 ]
يتجرد للذكر والتضرع انتهى قال الشوكاني ومما يرجح ترك الكلام بين الخطبة والصلاة الأحاديث الواردة في الإنصات حتى تنقضي الصلاة كما عند النسائي بإسناد جيد من حديث سلمان بلفظ فينصت حتى يقضي صلاته قال ويجمع بين الأحاديث بأن الكلام الجائز بعد الخطبة هو كلام الإمام لحاجة أو كلام الرجل للرجل لحاجة انتهى قوله (وهم جرير بن حازم في هذا الحديث والصحيح ما روى الخ) يعني وهم جرير في قوله يكلم بالحاجة إذا نزل من المنبر وإنما الحديث عن ثابت عن أنس أقيمت الصلاة فأخذ رجل الحديث وليس فيه إذا نزل من المنبر بل ظاهر الحديث أنه في صلاة العشاء لقوله حتى نعس بعض القوم كما أن جريرا وهم في تحديثه عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا الحديث لأن ثابتا لم يحدث عن أنس وإنما كان جالسا عند تحديث هذا الحديث عن أبي قتادة كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب السندي وقال أبو داود في سننه الحديث ليس بمعروف عن ثابت وهو مما تفرد به جرير بن حازم انتهى وقال الدارقطني تفرد به جرير بن حازم عن ثابت انتهى قال العراقي في ما أعل به البخاري وأبو داود الحديث من أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أقيمت الصلاة لا يقدح ذلك في صحة حديث جرير بن حازم بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون المراد بعد إقامة صلاة الجمعة وبعد نزوله من المنبر فليس الجمع بينهما متعذرا كيف وجرير بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصحيح فلا تضر زيادته في كلام الرجل له أنه كان بعد نزوله عن المنبر انتهى
[ 43 ]
قلت لا شك في أن جرير بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصحيح لكن قال الحافظ في التقريب وله أوهام إذا حدث من حفظه وقال في مقدمة فتح الباري قال الأثرم عن أحمد حدث بمصر أحاديث وهم فيها ولم يكن يحفظ انتهى باب ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة قوله أخبرنا (حاتم بن إسماعيل) المدني أبو إسماعيل الحارثي مولاهم أصله من الكوفة صحيح الكتاب صدوق يهم من الثامنة (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام (عن أبيه) محمد بن علي ابن الحسين أبي جعفر الباقر ثقة فاضل (عن عبيد الله بن أبي رافع) كان كاتب علي وهو ثقة من الثالثة قوله (استخلف مروان) هو ابن الحكم بن أبي العاص أبو عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر سنة 64 أربع وستين ومات سنة 65 خمس وستين (أبا هريرة على المدينة) أي جعله خليفته ونائبه عليها (وخرج) أي مروان (فقرأ سورة الجمعة) أي في الركعة الأولى (وفي
[ 44 ]
السجدة الثانية) أي الركعة الثانية (فأدركت أبا هريرة) أي لقيته قوله (وفي الباب عن ابن عباس والنعمان بن بشير وأبي عتبة الخولاني) أما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح الم تنزيل وهل أتى على الإنسان وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين وروى الجماعة إلا البخاري والترمذي عن النعمان بن بشير وسأله الضحاك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة قال كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية وأما حديث ابن عتبة الخولاني فأخرجه ابن ماجه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخار والنسائي وقد استدل بهذه الأحاديث على أن السنة أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين أو في الأولى بالجمعة وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية ، أو في الاولى بالجمعة وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية . قال العراقي : والأفضل من هذه الكيفيات قراءة الجمعة في الأولى ثم المنافقين في الثانية كما نص عليه الشافعي فيما رواه عنه الربيع وقد ثبتت الأوجه الثلاثة فلا وجه لتفضيل بعضها على بعض إلا أن الأحاديث التي فيها لفظ كان مشعرة بأنه فعل ذلك في أيام متعددة كما تقرر في الأصول
[ 45 ]
باب ما جاء في ما يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة قوله (عن مخول) على وزن محمد وقيل على وزن منبر ثقة نسب إلى التشيع (عن مسلم البطين) هو مسلم بن عمران أو ابن عمران البطين من رجال الجماعة قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ يوم الجمعة في صلاة الفجر الخ) قال الحافظ فيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو إكثاره منه بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك أخرجه الطبراني ولفظه يديم ذلك وأصله في ابن ماجه بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات لكن صوب أبو حاتم إرساله انتهى قوله (وفي الباب عن سعد وابن مسعود وأبي هريرة) أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه ابن ماجه وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه أيضا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
[ 46 ]
باب في الصلاة قبل الجمعة وبعدها قوله (كان يصلي بعد الجمعة ركعتين) فيه دليل على أن السنة بعد الجمعة ركعتان وبه استدل من قال به قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه ابن ماجه عن جابر وأبي هريرة بلفظ جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين قبل أن تجئ قال لا قال فصل ركعتين وتجوز فيهما قال الحافظ في التلخيص لم يذكر الرافعي في سنة الجمعة التي قبلها حديثا وأصح ما فيه ما رواه ابن ماجه ثم ذكر الحافظ هذا الحديث ثم قال قال المجد بن تيمية في المنتقى قوله قبل أن تجئ دليل على أنهما سنة الجمعة التي قبلها لاتحية المسجد وتعقبه المزي بأن الصواب أصليت ركعتين قبل أن تجلس فصحفه بعض الرواة انتهى قوله (وقد روي عن نافع عن ابن عمر أيضا) أي كما روي عن سالم عن ابن عمر وقد روى الترمذي رواية نافع بعد هذا قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد) قال العراقي لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك فنص الشافعي في الأم على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعا وفي رواية عنه ستا كذا في النيل
[ 47 ]
قوله (كنا نعد سهيل بن أبي صالح ثبتا في الحديث) قال الحافظ في التقريب صدوق تغير حفظه بآخره روى له البخاري مقرونا وتعليقا انتهى قلت احتج به الجماعة سوى البخاري وثقه ابن عيينة والعجلي وقال النسائي هو خير من فليح وحسين المعلم وعد جماعة يعترض على البخاري في احتجاجه بهم وعدم احتجاجه بسهيل وروى له البخاري مقرونا وتعليقا قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم) أي على حديث أبي هريرة المذكور من كان منكم مصليا بعد الجمعة فليصل أربعا وهو مذهب أبي حنيفة وقد اختلف العلماء في الصلاة بعد الجمعة فقالت طائفة يصلي بعدها ركعتين روي ذلك عن عمر وعمران بن حصين والنخعي وقالت طائفة يصلي بعدها أربعا روي ذلك عن ابن مسعود وعلقمة والنخعي وهو قول أبي حنيفة وإسحاق وقالت طائفة يصلي بعدها ركعتين ثم أربعا روي ذلك عن علي وابن عمر وأبي موسى وهو قول عطاء والثوري وأبي يوسف إلا أن أبا يوسف استحب أن يقدم الأربع قبل الركعتين حجة الأولين حديث ابن عمر المذكور وحجة الطائفة الثانية حديث أبي هريرة المذكور وحجة الطائفة الثالثة ما رواه أبو إسحاق عن عطاء قال صليت مع ابن عمر الجمعة فلما سلم قام فركع ركعتين ثم صلى أربعا ثم انصرف ووجه قول أبي يوسف ما رواه الأعمش عن
[ 48 ]
إبراهيم عن سليمان بن مسهر عن حرشة بن الحر أن عمر رضي الله عنه كره أن يصلي بعد صلاة مثلها هذا ملخص ما في عمدة القاري للعيني قلت واستدل للطائفة الثالثة بما رواه أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له في ذلك فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك والحديث هذا سكت عنه أبو داود والمنذري وقال العراقي إسناده صحيح قلت ثبت عنه صلى الله عليه وسلم ركعتان بعد الجمعة فعلا وأربع قولا وأما الست فلم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم بحديث صحيح صريح نعم ثبتت عن ابن عمر رضي الله عنه من فعله وروي عن علي أنه أمر بها وأما حديث ابن عمر الذي نقلناه آنفا عن أبي داود فقال العراقي إنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب لأنه لم يصح أنه صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بمكة انتهى والأولى بالعمل عندي أن يصلى الرجل بعد الجمعة أربعا لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم قولا وأمرنا به وحثنا عليه والله تعالى أعلم قوله (وروي عن عبد الله بن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا) أخرجه عبد الرزاق ورواه الطبراني عن ابن مسعود مرفوعا وفي إسناده ضعف وانقطاع كذا في فتح الباري وقال الحافظ في التلخيص وفي ابن ماجه عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربع ركعات لا يفصل بينهن بشئ وإسناده ضعيف جدا وفي الباب عن ابن مسعود وعلي رضي الله عنه في الطبراني الأوسط وصح عن ابن مسعود من فعله رواه عبد الرزاق وفي الطبراني الأوسط عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة ركعتين وبعدها ركعتين رواه في ترجمة أحمد بن عمرو انتهى ما في التلخيص قوله (وروي عن علي بن أبي طالب أنه أمر أن يصلي بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا) أخرجه أحمد بن الحسن البغدادي بسنده إلى علي وزاد يجعل التسليم في آخرهن كذا في شرح الترمذي لسراج أحمد السرهندي وفي عمدة القاري للعيني في سنن سعيد بن منصور عن أبي عبد الرحمن السلمي قال علمنا ابن مسعود أن نصلي بعد الجمعة أربعا فلما قدم علينا علي بن أبي طالب علمنا أن نصلي ستا
[ 49 ]
قوله (واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم الخ) حاصل احتجاجه أن حديث الأربع مطلق وليس مقيدا بكونها في البيت وأما حديث الركعتين فهو مقيد بكونهما في البيت فحديث الركعتين يحمل على ما إذا صلى في البيت وحديث الأربع على ما إذا صلى في المسجد قوله (قال أبو عيسى وابن عمر هو الذي روى الخ) مقصود الترمذي الرد على ما قال إسحاق وحاصله أن الأمر لو كان كما قال إسحاق لما صلى ابن عمر بعد الجمعة في المسجد ركعتين فإنه هو الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته (ما رأيت أحدا أنص للحديث من الزهري) قال الجزري في النهاية أي أرفع له وأسند انتهى وفي تهذيب التهذيب قال علي بن الحسن النسائي عن ابن عيينة مرض عمرو فعاده الزهري فلما قام الزهري قال ما رأيت شيخا أنص للحديث الجيد من هذا الشيخ انتهى (إن كانت الدارهم عنده) إن هذه مخففة من المثقلة (سمعت أبي عمر) كذا وقع في النسخة الأحمدية ووقع في غيرها سمعت ابن أبي عمر وهو الصحيح وقد سقط لفظ (ابن) من النسخة الأحمدية
[ 50 ]
باب فيمن يدرك من الجمعة ركعة قوله (فقد أدرك الصلاة) ليس على ظاهره بالإجماع لأنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة فإذا فيه إضمار تقديره فقد أدرك وقت الصلاة أو حكم الصلاة أو نحو ذلك ويلزمه إتمام بقيتها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (ومن أدركهم جلوسا) أي ومن أدرك الإمام والمصلين معه جالسين (صلى أربعا) أي بعد سلام الإمام قوله (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال أبو حنيفة من أدرك مع الإمام شيئا من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يصلي الظهر لإطلاق حديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا أخرجه أصحاب الكتب الستة وغيرهم واستدل الأولون بحديث الباب فإنه بإطلاقه يشمل الجمعة فيلزم أن مدرك ركعة من الجمعة مدرك لها وبمفهومه يدل على أن من لم يدرك ركعة بل دونها فهو غير مدرك ومن لم يدرك الجمعة يصلي أربعا وأجاب عنه الحنفية بأن الحديث مطلق فيفيد أن حكم جميع الصلوات واحد وحكم سائر الصلوات أنه إذا أدرك شيئا منها مع الإمام ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يزيد على ذلك فكيف يزيد في الجمعة بإطلاق الحديث والمفهوم عندهم لا عبرة به ولو
[ 51 ]
كان معتبرا لا يقدم على الصريح كذا في شرح أبي الطيب المدني واستدل الأولون أيضا بحديث أبي هريرة من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا رواه الدارقطني من طريق ياسين بن معاذ عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة وفي رواية له من طريقه بلفظ إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى وإن لم يدرك ركعة فليصل أربع ركعات وأجيب عنه بأن هذا الحديث ضعيف فإن ياسين ضعيف متروك ولهذا الحديث طرق كلها معلولة قال الحافظ في التلخيص بعد ذكرها وقد قال ابن حبان في صحيحه إنها كلها معلولة وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أصل لهذا الحديث إنما المتن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها وذكر الدارقطني الاختلاف في علله وقال الصحيح من أدرك من الصلاة ركعة وكذا قال العقيلي انتهى واستدلوا أيضا بحديث ابن عمر مرفوعا من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته وفي لفظ فقد أدرك الصلاة رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني من طريق بقية حدثني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم عن أبيه وأجيب عنه بأن هذا الحديث أيضا لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ في التلخيص قال ابن أبي داود والدارقطني تفرد به بقية عن يونس وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه هذا خطأ في المتن والإسناد وإنما هو عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا من أدرك من صلاة ركعة فقد أدركها وأما قوله من صلاة الجمعة فوهم قال الحافظ إن سلم من وهم بقية ففيه تدليس التسوية لأنه عنعن لشيخه انتهى ولهذا الحديث طرق أخرى كلها ضعيفة قد ذكرها الحافظ في التلخيص مع بيان ضعفها والأصح عندي ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن من أدرك مع الإمام شيئا من صلاة الجمعة ولو في التشهد يصلي ما أدرك معه ويتم الباقي ولا يصلي الظهر لإطلاق ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا فأما ما ذهب إليه الأولون فلم أجد حديثا صحيحا صريحا يدل عليه والله تعالى أعلم
[ 52 ]
باب في القائلة يوم الجمعة القائلة بمعنى القيلولة وهي الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم وكذلك المقيل قوله (أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم) المدني صدوق فقيه (ما كنا نتغدى) بالغين المعجمة والدال المهملة من الغداء وهو الطعام الذي يؤكل أول النهار (ولا نقيل) من قال يقيل قيلولة فهو قائل واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء والقائلة بالتهيؤ للجمعة ثم بالصلاة ثم ينصرفون فيقيلون ويتغدون فكون قائلتهم وغدائهم بعد الجمعة عوضا عما فاتهم في وقته من أجل بكورهم كذا في الفتح وعمدة القاري قال العيني وعلى هذا التأويل جمهور الأئمة وعامة العلماء انتهى قوله (حديث سهل بن سعد حديث حسن صحيح) قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك) أخرجه أحمد والبخاري قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة ثم نرجع إلى القائلة فنقيل قوله (حديث سهل بن سعد حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة باب في من ينعس يوم الجمعة أنه يتحول من مجلسه قوله (إذا نعس) بفتح العين (يوم الجمعة) وفي رواية أحمد إذا نعس أحدكم في المسجد
[ 53 ]
يوم الجمعة (فليتحول) أي فلينتقل إلى محل آخر والحكمة في الأمر بالتحول أن الحركة تذهب النعاس ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان الذي أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه وأيضا من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة والنعاس في الصلاة من الشيطان فربما كان الأمر بالتحول ذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس في المسجد عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وأحمد باب ما جاء في السفر يوم الجمعة قوله (عن الحجاج) هو ابن أرطأة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة (عن الحكم) هو ابن عتيبة أبو محمد بن الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس قاله في التقريب (عن مقسم) بكسر أوله ابن بجرلا بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال أبو القاسم مولى عبد الله بن الحارث ويقال له مولى ابن عباس للزومه له صدوق وكان يرسل وما له في البخاري سوى حديث واحد قوله (بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة) الأنصاري الخزرجي أحد النقباء شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق والمشاهد بعدها إلا الفتح وما بعده فإنه قتل يوم مؤتة شهيدا أميرا فيها سنة ثمان وهو أحد الشعراء المحسنين روى عنه ابن عباس وغيره (في سرية) بفتح السين وكسر الراء وتشديد التحتية طائفة من الجيش أقصاها أربعائة (فوافق ذلك) أي زمن البعث (فغدا أصحابه) أي ذهبوا أول النهار (فقال) أي عبد الله بن رواحة في نفسه ونوى أن
[ 54 ]
يتخلف فيصلي معه صلى الله عليه وسلم أو قال لبعض أصحابه (فضل غدوتهم) بفتح الغين وضمها أي فضيلة إسراعهم في ذهابهم إلى الجهاد قال الطيبي كان الظاهر أن يقال غدوتهم أفضل من صلاتك هذه فعدل إلى المذكور مبالغة كأنه قيل لا يوازيها شئ من الخيرات وذلك أن تأخره ذاك ربما يفوت عليه مصالح كثيرة ولذلك ورد لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها قوله (وكأن هذا الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم) وقال البيهقي انفرد به الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف انتهى كذا في التلخيص قلت وحجاج ابن أرطأة مدلس وروى هذا الحديث عن الحكم بالعنعنة قوله (فلم ير بعضهم بأسا بأن يخرج يوم الجمعة ما لم تحضر الصلاة) لحديث الباب لما روى الشافعي عن عمر أنه رأى رجلا عليه هيئة السفر فسمعه يقول لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت فقال له عمر أخرج فإن الجمعة لا تحبس عن السفر وروى سعيد بن منصور عن صالح بن كيسان أن أبا عبيدة بن الجراح سافر يوم الجمعة ولم ينتظر الصلاة ذكره الحافظ في التلخيص ولأنه لم يثبت المنع عن السفر يوم الجمعة بحديث صحيح (وقال بعضهم إذا أصبح فلا يخرج حتى يصلي الجمعة) لما ورد في بعض الأحاديث من المنع قال الحافظ في التلخيص في الافراد للدارقطني عن ابن عمر مرفوعا من سافر يوم الجمعة دعت عليه الملائكة أن لا يصحب في سفره قال الحافظ وفيه ابن لهيعة وفي مقابله ما رواه أبو داود في المراسيل عن
[ 55 ]
الزهري أنه أراد أن يسافر يوم الجمعة ضحوة فقيل له ذلك فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم سافر يوم الجمعة ثم ذكر الحافظ أثر عمر وأثر أبي عبيدة المذكورين وفي اختلاف الأئمة ومن كان من أهل الجمعة وأراد السفر بعد الزوال لم يجز له إلا أن يمكنه صلاة الجمعة في الطريق أو يتضرر بتخلفة عن الرفقه وهل يجوز قبل الزوال قال إمامنا أبو حنيفة ومالك يجوز وللشافعي قولان أصحهما عدم الجواز قال أحمد لا يجوز قبل الزوال لأن وقتها عنده من وقت صلاة العيد إلى آخر وقت الظهر قال إلا أن يكون سفر الجهاد انتهى باب في السواك والطيب يوم الجمعة قوله (حدثنا علي بن الحسن الكوفي) قال العراقي لم يتضح من هو فإن في هذه الطبقة ثلاثة الأول علي بن الحسن بن سليمان الكوفي كنيته أبو الحسن ويعرف بأبي الشعثاء روى عنه مسلم والثاني علي بن الحسن الكوفي روى عن عبد الرحيم بن سليمان والمعافى ابن عمران روى عنه النسائي والثالث علي بن الحسين الكوفي روى عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي روى عنه المصنف انتهى قلت قال في الخلاصة علي بن الحسن الكوفي روى عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي وعنه صلى الله عليه وسلم فلعله اللاني انتهى وكذلك قال في التقريب واللاني هو علي بن الحسن الكوفي الذي روى عنه عبد الرحيم بن سليمان والمعافى وعنه النسائي وقال في تهذيب التهذيب علي بن الحسن الكوفي عن أبي يحيى إسماعيل بن إبراهيم ومحبوب بن محرز القواريري روى عنه الترمذي وهو غير أبي الشعثاء وأظنه اللاني وذكر صاحب الكمال أن الترمذي روى عن أبي الشعثاء فوهم انتهى قوله (أخبرنا أبو يحيى إسماعيل بن ابراهيم التيمي) قال في التقريب ضعيف (عن يزيد بن أبي زياد) الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن وكان شيعيا كذا في التقريب . وقال في الخلاصة قال ابن عدي يكتب حديثه . وقال الحافظ شمس الدين الذهبي هو صدوق ردئ الحفظ انتهى . قوله (حقا على المسلمين) قال الطيبي حقا مصدر مؤكد أي حق ذلك حقا فحذف
[ 56 ]
الفعل وأقيم المصدر مقامه اختصارا (أن يغتسلوا) فاعل حق المقدر (يوم الجمعة) ظرف للاغتسال (وليمس) بكسر اللام ويسكن قال الطيبي عطف على ما سبق بحسب المعنى إذ فيه سمة الأمر أي ليغتسلوا وليمس أحدكم (من طيب أهله) أي بشرط طيب أهله لقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس أو من طيب له عند أهله (فإن لم يجد) أي طيبا (فالماء له طيب) قال العراقي المشهور في الرواية بكسر الطاء وسكون المثناة من تحت أي أنه يقوم مقام الطيب قال الطيبي أي عليه أن يجمع بين الماء والطيب فإن تعذر الطيب فالماء كاف لأن المقصود التنظيف وإزالة الرائحة الكريهة وفيه تطييب لخاطر المساكين انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وشيخ من الأنصار) أما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث شيخ من الأنصار فأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ حق على المسلم الغسل يوم الجمعة والسواك والطيب كذا في شرح أحمد السرهندي قوله (قال حدثنا أحمد بن منيع) أي قال أبو عيسى الترمذي حدثنا أحمد بن منيع (نحوه معناه) أخرجه أحمد من طريق هشيم عن يزيد بن أبي زياد ولفظه إن من الحق على المسلمين أن يغتسل أحدهم يوم الجمعة وأن يمس من طيب إن كان عند أهله وإن لم يكن عندهم طيب فإن الماء أطيب قوله (حديث البراء حسن) وأخرجه أحمد وفي كونه حسنا كلام إن مداره فيما أعلم على يزيد بن أبي زياد وقد ضعفه جماعة قال الذهبي في الميزان قال يحيى ليس بالقوى وقال أيضا لا يحتج به وقال ابن المبارك ارم به وقال شعبة كان يزيد بن أبي زياد رفاعا وقال أحمد حديثه ليس بذلك وخرج له مسلم مقرونا بآخر وقد عرفت من التقريب أنه كبر فتغير قوله (ورواية هشيم أحسن من رواية إسماعيل بن إبراهيم) فإن هشيما وهو ابن بشير ثقة ثبت وإسماعيل بن إبراهيم ضعيف
[ 57 ]
أبواب العيدين باب في المشي يوم العيد أصل العيد عود لأنه مشتق من عاد يعود عودا وهو الرجوع قلبت الواو ياء كما في الميزان والميقات وسميا عيدين لكثرة عوائد الله تعالى فيهما وقيل لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى قاله العيني قوله (حدثنا إسماعيل بن موسى) هو الفزاري أنبأنا (شريك) بن عبد الله الكوفي النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن الحارث) هو الأعور قوله (من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا) هذا له حكم الرفع وفيه دليل على أن الخروج إلى العيد ماشيا من السنة والحديث وإن كان ضعيفا لكن قد ورد في هذا الباب أحاديث ضعاف أخرى تؤيده كما ستعرف (وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج) هذا مختص بعيد الفطر وأما عيد الأضحى فلا يأكل حتى يصلي لما سيأتي قوله (هذا حديث حسن) في كونه نظر لأن في سنده الحارث الأعور وقد عرفت حاله وفي الباب عن ابن عمر وعن سعد القرظ وعن أبي رافع وعن سعد بن أبي وقاص فأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري كذبه أحمد وقال أبو
[ 58 ]
زرعة وأبو حاتم والنسائي متروك وقال البخاري ليس مما يروى عنه وأما حديث سعد القرظ فأخرجه أيضا ابن ماجه بنحو حديث ابن عمر وفي إسناده عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ عن أبيه عن جده وقد ضعفه ابن معين وأبوه سعد بن عمار قال في الميزان لا يكاد يعرف وجده عمار بن سعد قال فيه البخاري لا يتابع على حديثه وذكره ابن حبان في الثقات وأما حديث أبي رافع فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي العيد ماشيا وفي إسناده مندل بن علي ومحمد بن عبد الله بن أبي رافع ومندل متكلم فيه ومحمد قال البخاري منكر الحديث وقال ابن معين ليس بشئ وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه البزار في مسنده ذكره الشوكاني في النيل وهو أيضا ضعيف قوله (والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا وأن لا يركب إلا من عذر) وعليه العمل عند الحنفية أيضا واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب وقد استدل الحافظ العراقي لاستحباب المشي في صلاة العيد بعموم حديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء قال وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يأتي إلى صلاة العيد ماشيا فمن الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ومن التابعين إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز ومن الأئمة سفيان الثوري والشافعي وأحمد وغيرهم ويستحب أيضا المشي في الرجوع كما في حديث ابن عمر وسعد القرظ وروى البيهقي في حديث الحارث عن علي أنه قال من السنة أن تأتي العيد ماشيا ثم تركب إذا رجعت قال العراقي وهذا أمثل من حديث ابن عمر وسعد القرظ وهو الذي ذكره أصحابنا يعني الشافعية وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا لهذه المسألة بلفظ باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة وليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب قال
[ 59 ]
الحافظ في الفتح لعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ثم ذكر حديث الباب وحديث سعد القرظ وحديث أبي رافع ثم قال وأسانيد الثلاثة ضعاف انتهى قلت أحاديث الباب وإن كانت ضعافا لكنها بعضها يعتضد ببعض ويؤيدها عموم حديث أبي هريرة المتفق عليه المذكور فالقول الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم فائدة أخرج الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يو الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلي ثم يكبر حتى يأتي الإمام انتهى قال البيهقي الصحيح وقفه على ابن عمر وقد روي مرفوعا وهو ضعيف كذا في الدراية ونصب الراية فائدة أخرى روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى وقد روى في الاغتسال للعيدين عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحاديث كلها ضعيف قال الحافظ في الدراية روى ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه عن جده وكانت له صحبة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته والبزا روزاد يوم الجمعة وإسناده ضعيف ولابن ماجه عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى وإسناده ضعيف وللبزار عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل للعيدين وإسناده ضعيف انتهى ما في الدراية فائدة أخرى روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين كذا في فتح الباري وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام يندب لبس أحسن الثياب والتطيب بأجود الأطياب في يوم العيد لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد وأن نتطيب بأجود ما نجد وأن نضحي بأسمن ما نجد البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة وأن تظهر التكبير والسكينة والوقار قال الحاكم بعد إخراجه من طريق إسحاق بن بزرج لولا جهالة إسحاق لحكمت للحديث بالصحة قال محمد بن إسماعيل الأمير وليس بمجهول فقد ضعفه الأزدي ووثقه ابن حبان ذكره في التلخيص انتهى وقد استدل البخاري على التجمل في العيدين بحديث ابن عمر قال أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها
[ 60 ]
للعيد والوفود فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذه لباس من لا خلاق له الحديث ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا باب في صلاة العيدين قبل الخطبة قوله (أخبرنا أبو أسامة) اسمه حماد ابن أسامة الكوفي ثقة تقدم ترجمته (عن عبيد الله) هو ابن عمر بن حفص العمري المدني ثقة ثبت قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون في العيدين قبل الخطبة) وفي حديث ابن عباس قال شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة أخرجه الجماعة إلا الترمذي قوله (وفي الباب عن جابر وابن عباس) أما حديث جابر فأخرجه الشيخان وأبو داود وأما حديث ابن عباس فتقدم تخريجه ولفظه آنفا قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم إلخ) وهو الحق (ويقال أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم) قال الحافظ في الفتح اختلف في أول من غير ذلك فرواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد عند مسلم بلفظ أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل الحديث صريحة في أنه مروان وقيل بل سبقه إلى ذلك عثمان وروى
[ 61 ]
ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال أول من خطب قبل الصلاة عثمان صلى بالناس ثم خطبهم يعني على العادة فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك أي صار يخطب قبل الصلاة وهذه العلة غير العلة التي اعتل بها مروان لأن عثمان راعى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة وأما مروان فراعى مصلحتهم في إسماعهم الخطبة لكن قيل إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب والإفراط في مدح بعض الناس فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه فلذلك نسب إليه وقد أخرج الشافعي عن عبد الله بن يزيد نحو حديث ابن عباس يعني الذي تقدم لفظه وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة فهذا يشير إلى أن مروان إنما فعل ذلك تبعا لمعاوية لأنه كان أمير المدينة من جهته انتهى كلام الحافظ بتلخيص ومروان بن الحكم المذكور هو أبو عبد الملك الأموي المدني ولي الخلافة في آخر أربع وستين ومات سنة خمس وستين باب أن صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة قوله (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيدين غير مرة ولا مرتين) قال الطيبي حال أي كثير (بغير أذان ولا إقامة) فيه دليل على أنه لا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله وابن عباس) أخرجه الشيخان بلفظ قالا لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قوله (والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن لا يؤذن لصلاة
[ 62 ]
العيدين ولا لشئ من النوافل) قال الحافظ العراقي وعليه عمل العلماء كافة وقال ابن قدامة في المغني ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه إلا أنه روي عن ابن الزبير أنه أذن وأقام قال وقيل إن أول من أذن في العيدين زياد انتهى وروى ابن أبي شيبة في المصنف بإسناد صحيح عن ابن المسيب قال أول من أحدث الأذان في العيد معاوية وقد زعم ابن العربي أنه رواه عن معاوية من لا يوثق به باب القراءة في العيدين قوله (أخبرنا أبو عوانة) اسمه وضاح بتشديد المعجمة ثم مهملة ابن عبد الله اليشكري الواسطي مشهور بكنيته ثقة ثبت من رجال الستة (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) الأجدع الهمداني الكوفي ثقة من رجال السنة قوله (وربما اجتمعا) أي العيد والجمعة (فيقرأ بهما) أي بسبح اسم ربك وهل أتاك والحديث يدل على استحباب القراءة في العيدين ب سبح اسم ربك الأعلى والغاشية وإلى ذلك ذهب أحمد بن حنبل وذهب الشافعي إلى استحباب القراءة فيهما ب‍ " ق " واقتربت لحديث أبي واقد الاتي واستحب ابن مسعود القراءة فيهما بأوساط المفصل من غير تقييد بسورتين معينتين وقال أبو حنيفة ليس فيه شئ مؤقت وروى ابن أبي شيبة أن أبا بكر قرأ في يوم عيد بالبقرة حتى رأيت الشيخ يمتد من طول القيام وقد جمع النووي بين الأحاديث فقال كان في وقت يقرأ في العيدين ب‍ " ق " واقتربت وفي وقت بسبح وهل أتاك قلت وهو القول الراجح الظاهر المعول عليه ووجه الحكمة في القراءة في العيدين بهذه السور أن في سورة سبح الحث على الصلاة وزكاة الفطر على ما قال سعيد بن المسيب في تفسير
[ 63 ]
قوله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها وأما الغاشية فللموالاة بين سبح وبينها كما بين الجمعة والمنافقين وأما سورة " ق " واقتربت فنقل النووي في شرح مسلم عن العلماء أن ذلك اشتملتا عليه من الإخبار بالبعث والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين وتشبيه بروز الناس في العيد ببروزهم في البعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر قوله (وفي الباب عن أبي واقد وسمرة بن جندب وابن عباس) أما حديث أبي واقد فأخرجه الجماعة إلا البخاري وسيجئ لفظه في هذا الباب وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ب سبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه بلفظ حديث سمرة وفي إسناده موسى بن عبيدة الربدي وهو ضعيف ولابن عباس حديث آخر عند البزار في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ب عم يتساءلون وبالشمس وضحاها وفي إسناده أيوب بن سيار قال فيه ابن معين ليس بشئ وقال ابن المديني والجوزجاني ليس بثقة وقال النسائي متروك ولابن عباس أيضا حديث ثالث عند أحمد قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العيدين ركعتين لا يقرأ فيهما إلا بأم الكتاب لم يزد عليها شيئا وفي إسناده شهر بن حوشب هو مختلف فيه قوله (حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (مثل حديث أبي عوانة) يعني عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير (وأما ابن عيينة فيختلف عليه في الرواية) يعني يختلف أصحاب بن عيينة عليه والاختلاف إنما هو في زيادة لفظ أبيه بين حبيب ابن سالم والنعمان بن بشير فبضعهم يزيده وبعضهم لا وبينه الترمذي بقوله (فيروي عنه عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن حبيب بن سالم عن أبيه عن النعمان بن بشير) بزيادة
[ 64 ]
لفظ أبيه بين حبيب بن سالم وبين النعمان بن بشير (وروى عن النعمان بن بشير أحاديث) أي روى حبيب بن سالم أحاديث عن النعمان بن بشير من غير واسطة أبيه (وقد روى) بصيغة المجهول وهو عطف على قوله فيروي عنه (عن ابن عيينة عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر نحو رواية هؤلاء) أي نحو رواية أبي عوانة وسفيان الثوري ومسعر من غير زيادة لفظ أبيه بين حبيب بن سالم وبين النعمان بن بشير (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ بقاف واقتربت الساعة وبه يقول الشافعي) وقد تقدم ما هو القول الراجح في هذا الباب وهذا الحديث أخرجه الترمذي وأسنده بقوله حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري إلخ قوله (عن ضمرة بن سعيد المازني) الأنصاري المدني وثقه أحمد وابن معين قوله (إن عمر بن الخطاب سأل أبا واقد الليثي إلخ) قال القاري لعل سؤال عمر رضي الله عنه للتقرير والتمكن في ذهن الحاضرين وإلا فهو من الملازمين له والعالمين بأحواله وأقواله وأفعاله عليه السلام انتهى وقال النووي يحتمل أن عمر شك في ذلك فاستثبته أو أراد إعلام الناس بذلك أو نحو ذلك انتهى وقال الحافظ العراقي ويحتمل أن عمر كان غائبا في بعض الأعياد عن شهوده وأن ذلك الذي شهد أبو واقد كان في عيد واحد أو أكثر قال ولا عجب أن يخفي على الصاحب الملازم بعض ما وقع من مصحوبه كما في قصة الاستئذان ثلاثا وقول عمر خفي على هذا ألهاني الصفق بالأسواق واعلم أن هذه الرواية منقطعة فإن عبيد الله لم يدرك عمر لكن الحديث صحيح متصل بلا شك بالرواية الأخرى في مسلم أيضا عن عبيد الله عن أبي واقد قال سألني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الترمذي من طريق أخرى
[ 65 ]
باب في التكبير في العيدين قوله (حدثنا مسلم بن عمرو وأبو عمر الحذاء المديني) صدوق (أخبرنا عبد الله بن نافع) الصائغ مولى ابن مخزوم أبو محمد المدني وثقه ابن معين والنسائي كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة صحيح الكتاب وفي حفظه لين (عن كثير بن عبد الله) بن عمرو بن عوف المزني المدني قال الحافظ في التقريب ضعيف منهم من نسبه إلى الكذب انتهى قلت قال الشافعي وأبو داود ركن من أركان الكذب وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة كذا في الميزان (عن أبيه) هو عبد الله بن عمرو بن عوف قال الحافظ مقبول وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن جده) أي عن جد كثير وهو عمرو بن عوف المزني أبو عبد الله صحابي شهد بدرا قوله (كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الاخرة خمسا قبل القراءة) أي كبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام كما في رواية وسنذكرها وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات غير تكبيرة القيام قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عمر وعبد الله بن عمرو) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمسا وفي رواية له سوى تكبيرتي الركوع وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني والبزار مرفوعا بلفظ التكبير في العيدين في الركعة الأولى سبع تكبيرات وفي الاخرة خمس تكبيرات وفي إسناده فرج بن فضالة وثقه أحمد وقال البخاري
[ 66 ]
منكر الحديث وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخسما في الاخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها وقال أحمد أنا أذهب إلى هذا وفي رواية قال قال النبي صلى الله عليه وسلم التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الاخرة والقراءة بعدهما كلتيهما رواه أبو داود والدارقطني قال الحافظ العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال إنه حديث صحيح كذا في نيل الأوطار وقال في التلخيص صححه أحمد وعلي والبخاري فيما حكاه الترمذي انتهى وفي الباب أيضا عن سعد مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الاخرة خمسا قبل القراءة أخرجه ابن ماجه قال العراقي في إسناده ضعف قلت وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى من وجه أخرى قال العلامة علاء الدين في الجوهر النقي في إسناده بقية وهو متكلم فيه وعن عبد الرحمن بن عوف قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تخرج له العنزة في العيدين حتى يصلي إليها فكان يكبر ثلاث عشر تكبيرة وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك وفي إسناده الحسن البجلي وهو لين الحديث وقد صحح الدارقطني إرسال هذا الحديث وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في العيدين ثنتي عشرة تكبيرة في الأولى سبعا وفي الاخرة خسما وفي إسناده سليمان بن أرقم وهو ضعيف وعن جابر قال مضت السنة أن يكبر للصلاة في العيدين سبعا وخمسا أخرجه البيهقي وعن عمارة رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين في الأولى سبعا وفي الاخرة خمسا وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة أخرجه الدارقطني وفي الباب أحاديث أخرى قوله (حديث جد كثير حديث حسن وهو أحسن شئ روي في هذا الباب) قال الحافظ في التلخيص وقد أنكر جماعة تحسينه على الترمذي انتهى وجه الإنكار هو أن في سنده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد عرفت حاله وأجاب النووي في الخلاصة عن الترمذي في تحسينه فقال لعله اعتضد بشواهد وغيرها انتهى وقال القاري في المرقاة نقلا عن ميرك لعل اعتضد عند من صححه بشاهد وأمور قد خفيت انتهى وقال العراقي والترمذي إنما تبع في ذلك البخار فقد قال في كتاب العلل المفردة سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال ليس في هذا الباب شئ أصح منه وبه أقول انتهى قلت الظاهر أن تحسين الترمذي حديث جد كثير لكثرة شواهده والترمذي قد
[ 67 ]
يحسن الحديث الضعيف لشواهده ألا ترى أن حديث معاذ أن في كل ثلاثين بقرة تبيعا وفي كل أربعين مسنة ضعيف وقد حسنه الترمذي قال الحافظ في فتح الباري إنما حسنه الترمذي لشواهده انتهى وأما قول الإمام البخاري ليس في هذا الباب شئ أصح منه ففيه أن الظاهر أن حديث عبد الله بن عمرو أصح شئ في هذا الباب والله تعالى أعلم قوله (واسمه) أي اسم جد كثير (وهكذا روي عن أبي هريرة إلخ) أخرجه مالك في الموطأ عن نافع مولى عبد الله بن عمر قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الأخرى خمس تكبيرات قبل القراءة وإسناده صحيح قلت وهكذا روي عن ابن عباس أنه كبر في صلاة العيدين ثنتي عشرة تكبيرة أخرج ابن أبي شيبة عن أبي عمار بن أبي عمار أن ابن عباس كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الاخرة وإسناده حسن قوله (وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) إلا أن مالكا عد في الأولى تكبيرة الإحرام وقال الشافعي سواها والفقهاء على أن الخمس في الثانية غير تكبيرة القيام قاله ابن عبد البر روى الإمام مالك في الموطأ عن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الاخرة خمس تكبيرات قبل القراءة قال مالك وهو الأمر عندنا انتهى قال الشيخ سلام الله في المحلى وهو حجة الشافعي وأحمد ومالك وروى ذلك عن ابن عمر وابن عباس وأبي سعيد الخدري انتهى قلت وقد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله عنهما قال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار الوجه الحادي والثلاثون أن يكون أحد الحديثين قد عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد ولذلك قدم رواية من روى في تكبيرات العيدين سبعا وخمسا على رواية من روى أربعا كأربع الجنائز لأن الأول قد عمل به أبو بكر وعمر فيكون إلى الصحة أقرب والأخذ به أصوب انتهى كلام الحازمي وقال الشوكاني في النيل قال العراقي وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة قال وهو مروي عن عمر وعلي وأبي
[ 68 ]
هريرة وأبي سعيد وجابر وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب وزيد ابن ثابت وعائشة وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وعمر بن عبد العزيز والزهري ومكحول وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق قال الشافعي والأوزاعي وإسحاق وأبو طالب وأبو العباس إن السبع في الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقال مالك وأحمد والمزني إن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع في الأولى قال وفي حديث عائشة عند الدارقطني سوى تكبيرة الافتتاح وعند أبي داود سوى تكبيرتي الركوع وهو دليل لمن قال إن السبع لا تعد فيها تكبيرة الافتتاح والركوع والخمس لا تعد فيها تكبيرة الركوع واحتج أهل القول الثاني يعني من قال بأن تكبيرة الإحرام معدودة من السبع في الأولى باطلاق الأحاديث المذكورة في الباب وأجابوا عن حديث عائشة بأنه ضعيف انتهى ما في النيل بقدر الحاجة ملخصا فإن قلت ما روى الإمام مالك في الموطأ عن نافع هو حديث موقوف على أبي هريرة أعني هو فعله وليس بحديث مرفوع فكيف يصح استدلال مالك والشافعي وأحمد وغيرهم قلت نعم هو موقوف لكنه مرفوع حكما فإنه لا مساغ فيه للاجتهاد فلا يكون رأيا إلا توقيفا يجب التسليم له على أنه قد جاء فيه حديث عبد الله بن عمرو وهو حديث مرفوع حقيقة وهو حديث صحيح صالح للاحتجاج قال العراقي إسناده صالح ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال إنه حديث صحيح وقال الحافظ في التلخيص صححه أحمد وعلي والبخاري فيما حكاه الترمذي انتهى وقد عرفت هذا فيما سبق وقد ورد فيه كثير من الأحاديث المرفوعة حقيقة وهي وإن كانت ضعافا ولكن يشد بعضها بعضا تنبيه قال النيموي في اثار السنن بعد ذكر حديث عبد الله بن عمرو إسناده ليس بقوي وقال في تعليقه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فيه كلام قلت قول النيموي ليس مما يعول عليه والتحقيق أن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح أو حسن قابل للاحتجاج إذا كان السند إليه صحيحا وقد تقدم تحقيقه وقد قال الحافظ في فتح الباري وترجمة عمرو قوية على المختار حيث لا تعارض انتهى ثم قال النيموي ومع ذلك مداره على عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي قال الذهبي في الميزان ذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن معين صويلح وقال مرة ضعيف وقال النسائي وغيره ليس بالقوي كذا قال أبو حاتم انتهى قلت وقال الذهبي في الميزان بعد هذه العبارة ما لفظه وقال ابن عدي أما سائر
[ 69 ]
حديثه فعن عمرو بن شعيب وهي مستقيمة انتهى وهو من رجال مسلم وقال الحافظ في تهذيب التهذيب له في مسلم حديث واحد كاد أمية أن يسلم انتهى وفيه وقال العجلي ثقة وحكى ابن خلفون أن ابن المديني وثقه فإسناد هذا الحديث إلى عمرو حسن صالح وترجمة عمرو قوية على المختار فالحديث حسن قابل للاحتجاج كيف وقد قال العراقي إسناده صالح وصححه أحمد وعلي بن المديني والبخاري ثم قال النيموي أما تصحيح الإمام أحمد فيعارضه ما قال ابن القطان في كتابه وقد قال أحمد بن حنبل ليس في تكبير العيدين عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح انتهى قلت قد عرفت أن الإمام أحمد قال بما يدل عليه هذا الحديث وذهب إليه فقوله به يدل على أن تصحيحه متأخر من تضعيفه ثم قال النيموي وأما تصحيح البخاري ففيه نظر لأن قوله وحديث عبد الله الطائفي إلخ يحتمل أن يكون من كلام الترمذي قال الزيلعي في نصب الراية بعد ما أخرج عمرو بن عوف المزني قال الترمذي حديث حسن وهو أحسن شئ روي في هذا الباب انتهى وقال في علله الكبرى سألت محمدا عن هذا الحديث فقال ليس شئ في هذا الباب أصح منه وبه أقول وحديث عبد الله ابن عبد الرحمن الطائفي أيضا صحيح والطائفي مقارب الحديث انتهى قال ابن القطان في كتابه هذا ليس بصريح في التصحيح فقوله هو أصح شئ في الباب يعني ما في الباب وأقل ضعفا وقوله به أقول يحتمل أن يكون من كلام الترمذي أي وأنا أقول إن هذا الحديث أشبه ما في الباب وكذا قوله وحديث الطائفي أيضا صحيح يحتمل أن يكون من كلام الترمذي انتهى قلت هذا الاحتمال بعيد جدا بل الظاهر المتعين هو ما فهمه الحافظ ابن حجر وغيره من أن قوله وبه أقول من كلام البخاري والمعنى أن بهذا الحديث أقول وإليه أذهب والدليل عليه أن الترمذي ينقل عن شيخه الإمام البخاري مثل هذا الكلام كثيرا في الجرح والتعديل وبيان علل الحديث ولا يقول بعد نقل كلامه وبه أقول ألبتة وإن كنت في شك منه ففتش وتتبع المقامات التي نقل الترمذي فيها عن البخاري مثل هذا الكلام تجد ما قلت لك حقا صحيحا فالحاصل أن حديث عبد الله بن عمرو حسن صالح للاحتجاج ويؤيده الأحاديث التي أشار إليها الترمذي والتي ذكرناها
[ 70 ]
قوله (وروي عن ابن مسعود أنه قال في التكبير في العيدين تسع تكبيرات في الركعة الأولى وخمس تكبيرات قبل القراءة) أحدها تكبيرة التحريمة والثلاث زوائد وخامسها تكبيرة الركوع كذا قيل وفيه أن تكبير الركوع ليس قبل القراءة (وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر أربعا مع تكبيرة الركوع) فصارت ست تكبيرات زوائد ثلاثا في الركعة الأولى قبل القراءة وثلاثا في الركعة الثانية بعد القراءة وأثر ابن مسعود هذا رواه عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا كان ابن مسعود جالسا وعنده حذيفة وأبو موسى الأشعري فسألهم سعيد بن العاص عن التكبير في صلاة العيدين فقال حذيفة سل الأشعري فقال الأشعري سل عبد الله فإنه أقدمنا وأعلمنا فسأله فقال ابن مسعود يكبر أربعا ثم يقرأ ثم يكبر فيركع فيقوم في الثانية فيقرأ ثم يكبر أربعا بعد القراءة قال النيموي في آثار السنن إسناده صحيح قلت في إسناده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس ورواه عن علقمة والأسود بالعنعنة فكيف يكون إسناده صحيحا وروى عبد الرزاق أيضا قال أخبرنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعا أربعا قبل القراءة ثم يكبر فيركع وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع قال النيموي إسناده صحيح قلت في إسناده أيضا أبو إسحاق السبيعي المذكور ورواه أيضا عن علقمة والأسود بالعنعنة (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) فمنهم ابن عباس والمغيرة ابن شعبة روى عبد الرزاق عن عبد الله بن الحارث قال شهدت ابن عباس كبر في صلاة العيد بالبصرة تسع تكبيرات ووالى بين القراءتين قال وشهدت المغيرة بن شعبة فعل مثل ذلك قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح انتهى وروى الطبراني في الكبير عن كردوس قال أرسل الوليد إلى عبد الله بن مسعود وحذيفة وأبي موسى الأشعري وأبي مسعود بعد العتمة فقال إن هذا عيد للمسلمين فكيف الصلاة فقالوا سل أبا عبد الرحمن فسأله
[ 71 ]
فقال يقوم فيكبر أربعا ثم يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة من المفصل ثم يكبر أربعا يركع في آخرهن فتلك تسع في العيدين فما أنكره أحد منهم (وهو قول أهل الكوفة وبه يقول سفيان الثوري) وهو قول الحنفية واستدلوا بهذه الاثار التي ذكرناها آنفا وبما رواه أبو داود في سننه عن أبي عائشة جليس لأبي هريرة أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر فقال أبو موسى كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز فقال حذيفة صدق فقال أبو موسى كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم قال أبو عائشة وأنا حاضر سعيد بن العاص والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري قلت في سند هذا الحديث عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العنسي الدمشقي الزاهد متكلم فيه فوثقه جماعة وضعفه جماعة ومع هذا فقد تغير في آخر عمره قال الحافظ صدوق يخطئ وتغير بآخره انتهى وأعله البيهقي في سننه الكبرى بأنه خولف راويه في موضعين في رفعه وفي جواب أبي موسى والمشهور أنهم أسندوه إلى ابن مسعود فأفتاهم بذلك ولم يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم انتهى فلا يصلح هذا الحديث للإستدل وليس في هذا حديث مرفوع صحيح في علمي والله تعالى أعلم وأما آثار الصحابة فهي مختلفة كما عرفت فالأولى للعمل هو ما ذهب إليه أهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم لوجهين الأول أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة وبعضها صالح للاحتجاج والباقية مؤيدة لها وأما ما ذهب إليه أهل الكوفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي موسى الأشعري وقد عرفت أنه لا يصلح للاحتجاج والوجه الثاني أنه قد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقد تقدم في كلام الحافظ الحازمي أن أحد الحديثين إذا كان عمل به الخلفاء الراشدون دون الثاني فيكون آكد وأقرب إلى الصحة وأصوب بالأخذ هذا ما عندي والله تعالى أعلم تنبيه قال الامام محمد رحمه الله في موطأه بعد ذكر أثر أبي هريرة الذي ذكرناه عن موطأ الإمام مالك رحمه الله ما لفظه قال محمد قد اختلف الناس في التكبير في العيدين فما أخذت به فهو حسن وأفضل ذلك عندنا ما روي عن ابن مسعود أنه كان يكبر في كل عيد تسعا خمسا وأربعا فهن تكبيرة الافتتاح وتكبيرتا الركوع ويوالي بين القراءتين ويؤخرها في الأولى ويقدمها في الثانية وهو قول أبي حنيفة انتهى كلامه قلت بل أفضل ذلك ما روي عن أبي هريرة للوجهين اللذين ذكرناهما آنفا ولا وجه لأفضلية ما روى عن ابن مسعود هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 72 ]
باب لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها كذا في النسخ الموجودة والظاهر أن يكون ولا بعدهما بتثنية الضمير قوله (لم يصل قبلها ولا بعدها) أي قبل صلاة العيد ولا بعدها قال الشيخ ابن الهمام هذا النفي محمول على المصلى لخبر أبي سعيد الخدري كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين انتهى قلت حديث أبي سعيد هذا أخرجه ابن ماجه وقد حسن الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري وقال صححه الحاكم وقال الشوكاني في النيل بعد نقل تحسين الحافظ وتصحيح الحاكم ما لفظه في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال انتهى قلت قال الذهبي في الميزان بعد ذكر ما فيه من كلام أئمة الجرح والتعديل ما لفظه حديثه في مرتبة الحسن وقال محمد بن عثمان العبسي الحافظ سألت علي بن المديني عنه فقال كان ضعيفا وقال البخاري في تاريخه كان أحمد وإسحاق يحتجبان به انتهى وقال الخزرجي في الخلاصة قال الترمذي صدوق سمعت محمدا يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل انتهى فالظاهر ما قال الذهبي من أن حديث عبد الله بن محمد بن عقيل في مرتبة الحسن والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأبي سعيد) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه بنحو حديث ابن عباس المذكور وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضا ابن ماجه وقد تقدم ذكره انفا وفي الباب أيضا عن علي عند البزار وعن ابن مسعود عند الطبراني في الكبير بلفظ ليس من السنة الصلاة قبل خروج الامام يوم العيد ورجاله ثقات وعن كعب بن عجرة عند الطبراني في الكبير أيضا وعن ابن أبي أوفى عنده فيه أيضا وقد ذكر الشوكاني في النيل أحاديث هؤلاء مع الكلام عليها
[ 73 ]
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة كذا في المنتفى قوله (والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال ابن قدامة وهو مذهب ابن عباس وابن عمر قال وروي ذلك عن علي وابن مسعود وحذيفة وبريدة وسلمة بن الأكوع وجابر وابن أبي أوفى وقال به شريح وعبد الله بن مغفل ومسروق والضحاك والقاسم وسالم ومعمر وابن جريج والشعبي ومالك وروي عن مالك أنه قال لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها وله في المسجد روايتان وقال الزهري لم أسمع أحدا من عليائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها قال ابن قدامة وهو إجماع كما ذكرنا عن الزهري وعن غيره انتهى كذا في النيل قلت يرد دعوى الاجماع ما حكى الترمذي بقوله (وقد رأى طائفة من أهل العلم الصلاة بعد صلاة العيدين وقبلها من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) روى ذلك العراقي عن أنس بن مالك وبريدة بن الحصيب ورافع بن خديج وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب وأبي برزة قال وبه قال من التابعين إبراهيم النخعي وسعيد بن جبير والأسود بن يزيد والحسن البصري وأخوه سعيد بن أبي الحسن وسعيد بن المسيب وصفوان بن محرز وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعروة بن الزبير وعلقمة والقاسم بن محمد ومحمد بن سيرين ومكحول وأبو بردة ثم ذكر من روى ذلك عن الصحابة المذكورين من أئمة الحديث قال وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبي شيبة وبعضها في المعرفة للبيهقي (والقول الأول أصح) فإنه يدل عليه أحاديث الباب وروى أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها قال الشوكاني في النيل إن صح هذا كان دليلا على المنع مطلقا لأنه نفى في قوة النهي وقد سكت عليه الحافظ فينظر فيه انتهى قلت ويؤيده حديث أبي مسعود رضي الله عنه قال ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد رواه الطبراني في
[ 74 ]
الكبير قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات باب في خروج النساء في العيدين قوله (كان يخرج الأبكار) جمع البكر قال في القاموس البكر بالكسر العذراء جمعه أبكار (والعواتق) جمع عاتق وهي المرأة الشابة أول ما تدرك وقيل هي التي لم تبن من والديها ولم تتزوج بعد إدراكها وقيل هي التي قاربت البلوغ وقال ابن السكيت هي ما بين أن تدرك إلى أن تعنس ولم تزوج كذا في قوت المغتذى وقال الحافظ في الفتح وهي من بلغت الحلم أو قاربت واستحقت التزويج أو هي الكريمة على أهلها أو التي عتقت عن الامتهان في الخروج للخدمة قال وبين العاتق والبكر عموم وخصوص وجهي انتهى (وذوات الخدور) جمع الخدر قال الجزري في النهاية الخدر ناحية في البيت يترك عليها ستر فتكون فيه الجارية البكر انتهى (والحيض) بضم الحاء وتشديد التحتية المفتوحة جمع حائض (فيعتزلن المصلى) هو خبر بمعنى الأمر قال في الفتح حمله الجمهور على الندب لأن المصلى ليس بمسجد فيمتنع الحيض من دخوله وقال ابن المنير الحكمة في اعتزالهن أن في وقوفهن وهن لا يصلين مع المصليات إظهار استهانة بالحال فاستحب لهن إجتناب ذلك (ويشهدن) أي يحضرن (إن لم يكن لها جلباب) بكسر الجيم قال الجزري الجلباب الازار والرداء وقيل الملحفة وقيل هو كالمقنعة تغطي به المرأة رأسها وظهرها وصدرها جمعه جلابيب انتهى وقال في القاموس الجلباب كسرداب وسنمار
[ 75 ]
القميص وثوب واسع للمرأة دون الملحفة أو ما يغطي به ثيابها من فوق كالملحفة أو هو الخمار انتهى (فلتعرها) من الاعارة (أختها) أي صاحبتها (من جلبابها) أي فلتعرها من ثيابها ما لا يحتاج إليه وفي رواية الشيخين لتلبسها صاحبتها من جلباها قال الحافظ يحتمل أن يكون للجنس أي تعيرها من جنس ثيابها ويؤيده رواية ابن خزيمة من جلابيبها وللترمذي فلتعرها أختها من جلابيبها ويحتمل أن يكون المراد تشركها معها في ثوبها ويؤيدها رواية أبي داود تلبسها صاحبتها طائفة من ثوبها يعني إذا كان واسعا ويحتمل أن يكون المراد بقوله ثوبها جنس الثياب فيرجع للأول ويؤخذ منه جواز اشتمال المرأتين في ثوب واحد عند التستر وقيل إنه ذكر على سبيل المبالغة أي يخرجن على كل حال ولو اثنتين في جلباب انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس وجابر) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج بناته ونساءه في العيدين وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو مختلف فيه وقد رواه الطبراني من وجه آخر وأما حديث جابر فأخرجه أحمد بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في العيدين ويخرج أهله وفي إسناده الحجاج المذكور وفي الباب أيضا عن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وعن ابن عمرو بن العاص عنده أيضا وعن عائشة عند ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في المسند ولعائشة حديث آخر عند الطبراني في الأوسط وعن عمرة أخت عبد الله بن رواحة عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير وقد ذكر الشوكاني أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في النيل قوله (حديث أم عطية حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث ورخص للنساء في الخروج إلى
[ 76 ]
العيدين) واحتجوا بأحاديث الباب فإنها قاضية بمشروعية خروج النساء في العيدين إلى المصلى من غير فرق بين البكر والثيب والشابة والعجوز والحائض وغيرها (وروي عن ابن المبارك أكره اليوم الخروج للنساء في العيدين إلخ) قال الشوكاني في النيل إختلف العلماء في خروج النساء إلى العيدين على أقوال إحداها أن ذلك مستحب وحملوا الأمر فيه على الندب ولم يفرقوا بين الشابة والعجوز وهذا قول أبي حامد من الحنابلة والجرجاني من الشافعية وهو ظاهر إطلاق الشافعي والقول الثاني التفرقة بين الشابة والعجوز قال العراقي وهو الذي عليه جمهور الشافعية تبعا لنص الشافعي في المختصر والقول الثالث أنه جائز غير مستحب لهن مطلقا وهو ظاهر كلام الامام أحمد فيما نقله عنه ابن قدامة والرابع أنه مكروه وقد حكاه الترمذي عن الثوري وابن المبارك وهو قول مالك وأبي يوسف وحكاه ابن قدامة عن النخعي ويحيى بن سعيد الأنصاري وروى ابن أبي شيبة عن النخعي أنه كره للشابة أن تخرج إلى العيد والقول الخامس أنه حق على النساء الخروج إلى العيد حكاه القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وابن عمر وقد روى ابن أبي شيبة عن أبي بكر وعلي أنهما قالا حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين انتهى والقول بكراهة الخروج على الاطلاق رد للأحاديث الصحيحة بالاراء الفاسدة وتخصيص الثواب يأباه صريح الحديث المتفق عليه وغيره انتهى كلام الشوكاني (في أطمارها) جمع طمر بالكسر وسكون الميم الثوب الخلق أو الكساء البالي من غير الصوف قاله في القاموس (ويروى عن عائشة قالت لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء أخرجه الشيخان واستدل بهذا على منع خروج النساء إلى العيدين والمسجد مطلقا) ورد بأنه لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت لو رأى لمنع فيقال عليه لم ير ولم يمنع فاستمر الحكم حتى إن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى
[ 77 ]
وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت قال الحافظ في الفتح وقال فيه والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة وكذلك التقييد بالليل وقال في شرح حديث أم عطية في باب إذا لم يكن لها جلباب من أبواب العيدين وقد ادعى بعضهم النسخ فيه قال الطحاوي وأمره عليه السلام بخروج الحيض وذوات الخدور إلى العيد يحتمل أن يكون في أول الاسلام والمسلمون قليل فأريد التكثير بحضورهن إرهابا للعدو وأما اليوم فلا يحتاج إلى ذلك وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال قال الكرماني تاريخ الوقت لا يعرف قال الحافظ بل هو معروف بدلالة حديث ابن عباس أنه شهده وهو صغير وكان ذلك بعد فتح مكة فلم يتم مراد الطحاوي وقد صرح في حديث أم عطية بعلة الحكم وهو شهودهن الخير ودعوة المسلمين ورجاء بركة ذلك اليوم وطهرته وقد أفتت به أم عطية بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة كما في هذا الحديث ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفتها في ذلك قال والأولى أن يخص بمن يؤمن عليها وبها الفتنة ولا يترتب على حضورها محذور ولا تزاحمها الرجال في الطرق ولا في المجامع انتهى كلام الحافظ باختصار (ويروي عن سفيان الثوري أنه كره اليوم الخروج للنساء إلى العيد) وهو قول الحنفية في حق الشواب وأما العجائز فقد جوز الشيخ ابن الهمام وغيره خروجهن إلى العيد قال ابن الهمام وتخرج العجائز للعيد لا الشواب انتهى قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام ابن الهمام هذا ما لفظه وهو قول عدل لكن لا بد أن يقيد بأن تكون غير مشتهاة في ثياب بذلة بإذن حليلها مع الأمن من المفسدة بأن لا يختلطن بالرجال أو يكن خاليات من الحلي والحلل والبخور والشموم والتبختر والتكشف ونحوها مما أحدثن في هذا الزمان من المفاسد وقد قال أبو حنيفة ملازمات البيوت لا يخرجن انتهى قلت لا دليل على منع الخروج إلى العيد للشواب مع الأمن من المفاسد مما أحدثن في هذا الزمان بل هو مشروع لهن وهو القول الراجح كما عرفت والله تعالى أعلم باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى العيد في طريق الخ
[ 78 ]
قوله (إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره) وفي رواية أحمد إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج فيه قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمر) أخرجه أبو داود وابن ماجه ورجال اسناد ابن ماجه ثقات وفي إسناد أبي داود عبد الله بن عمر العمري وفيه مقال (وأبي رافع) أخرجه ابن ماجه وإسناده ضعيف وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) وأخرجه أحمد والدارمي وابن حبان والحاكم وعزاه صاحب المنتقى إلى مسلم ولم أر حديث أبي هريرة هذا في صحيح مسلم قوله (روى أبو تميلة) بضم المثناة من فوق مصغرا اسمه يحيى بن واضح وحدثيني جابر من هذا الطريق أخرجه البخاري في صحيحه بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق قوله (قد استحب بعض أهل العلم للإمام إذا خرج في طريق أن يرجع في غيره اتباعا لهذا الحديث) قال أبو الطيب السندي الظاهر أنه تشريع عام فيكون مستحبا لكل أحد ولا تخصيص بالإمام إلا إذا ظهر أنه لمصلحة مخصوصة بالأئمة فقط وهو بعيد لأن فعله ما كان لكونه مشرعا انتهى (وهو قول الشافعي) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه والذي في الأم أنه يستحب للإمام والمأموم وبه قال أكثر الشافعية وقال الرافعي لم يتعرض في
[ 79 ]
الوجيز إلا للإمام انتهى وبالتعميم قال أكثر أهل العلم انتهى قلت وبالتعميم قال الحنفية أيضا وقد اختلف في الحكمة في مخالفته صلى الله عليه وسلم الطريق في الذهاب والرجوع يوم العيد على أقوال كثيرة قال الحافظ اجتمع لي منها أكثر من عشرين قولا قال القاضي عبد الوهاب المالكي ذكر في ذلك فوائد بعضها قريب وأكثرها دعاوي فارغة فقيل إنه فعل ذلك ليشهد له الطريقان وقيل سكانهما من الجن والإنس وقيل ليسوى بينهما في مزية الفضل بمروره أو في التبرك به أو ليشم رائحة المسك من الطريق التي يمر بها لأنه كان معروفا بذلك وقيل ليزور أقاربه الأحياء والأموات وقيل ليصل رحمه وقيل ليتفاءل بتغير الحال إلى المغفرة والرضا وقيل لإظهار شعار الاسلام فيهما وقيل لإظهار ذكر الله وقيل ليغيظ المنافقين أو اليهود وقيل ليرهبهم بكثرة من معه وقيل فعل ذلك ليعمهم في السرور به أو التبرك بمروره وبرؤيته والانتفاع به في قضاء حوائجهم في الاستفتاء أو التعلم والاقتداء والاسترشاد أو الصدقة أو السلام عليهم وغير ذلك وقيل لأن الملائكة تقف في الطرقات فأراد أن يشهد له فريقان منهم وقيل لئلا يكثر الازدحام وقيل لأن عدم التكرار أنشط عند طباع الأنام وقيل غير ذلك وأشار صاحب الهدى إلى أنه فعل ذلك لجميع ما ذكر من الأشياء المحتملة القريبة قوله (وحديث جابر كأنه أصح) أي من حديث أبي هريرة قال الحافظ في الفتح والذي يغلب على الظن أن الاختلاف فيه من فليح فلعل شيخه سمعه جابر ومن أبي هريرة ويقوي ذلك اختلاف اللفظين وقد رجح البخاري أنه عن جابر وخالفه أبو مسعود والبيهقي فرجحا أنه عن أبي هريرة ولم يظهر لي في ذلك ترجيح انتهى كلام الحافظ باب في الأكل يوم الفطر قبل الخروج قوله (عن ثواب بن عتبة) بفتح المثلثة وتخفيف الواو واخره موحدة ليس له عند المصنف إلا هذا الحديث وليس له في بقية الكتب شئ قاله السيوطي وقال الحافظ في التقريب مقبول من السادسة
[ 80 ]
قوله (حتى يطعم) بفتح العين أي يأكل قال المهلب بن أبي صفرة إنما يأكل يوم الفطر قبل الغدو إلى الصلاة لئلا يظن ظان أن الصيام يلزم يوم الفطر إلى أن يصلي صلاة العيد وهذا المعنى معدوم في يوم الأضحى وقال ابن قدامة الحكمة في ذلك أن يوم الفطر حرم فيه للصيام عقب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر لإظهار المبادرة إلى طاعة الله وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة والأضحى بخلافه على ما فيه من استحباب الفطر على شئ من أضحيته كذا في قوت المغتذي (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي) وفي رواية ابن ماجه حتى يرجع وزاد أحمد فيأكل من أضحيته ورواه أبو بكر الأثرم بلفظ حتى يضحي كذا في المنتقى والنيل وفي رواية البيهقي فيأكل من كبد أضحيته كذا في عمدة القاري ورواه الدارقطني في سننه وزاد حتى يرجع فيأكل من أضحيته وهي زيادة صحيحة صححها ابن القطان كما في نصب الراية قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي وابن ماجه وفي إسناده الحارث الأعور كذبه الشعبي وأبو إسحاق السبيعي وعلي بن المديني (وأنس) أخرجه البخاري بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات قال الحافظ في بلوغ المرام وفي رواية معلقة ووصلها أحمد ويأكلهن أفرادا قوله (حديث بريدة بن خصيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة وسكون التحتية وآخره موحدة (الأسلمي حديث غريب) وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان كذا في البلوغ وقال في النيل وأخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان انتهى قوله (وقد استحب قوم من أهل العلم أن لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم شيئا
[ 81 ]
ويستحب له أن يفطر على تمر) قال ابن قدامة لا نعلم في استحباب تعجيل الأكل يوم الفطر اختلافا انتهى وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود التخيير فيه وعن النخعي أيضا مثله والحكمة في استحباب التمر لما في الحلو من تقوية البصر الذي يضعفه الصوم ولأن الحلو مما يوافق الايمان ويعلو به المنام وهو أيسر من غيره ومن ثم استحب بعض التابعين أنه يفطر على الحلو مطلقا كالعسل رواه ابن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وابن سيرين وغيرهما وروى فيه معنى آخر عن ابن عون أنه سئل عن ذلك فقال إنه يحبس البول هذا كله في حق من يقدر على ذلك وإلا فينبغي أن يفطر ولو على الماء ليحصل له شبه من الاتباع أشار إليه ابن أبي جمرة وأما جعلهن وترا فقال المهلب فل شارة إلى وحدانية الله تعالى وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعل في جميع أموره تبركا بذلك كذا في الفتح (ولا يطعم يوم الأضحى حتى يرجع) أي فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية كما في رواية أحمد وقد خصص أحمد بن حنبل استحباب تأخير الأكل في عيد الأضحى بمن له ذبح والحكمة في تأخير الفطر في يوم الأضحى أنه يوم تشرع فيه الأضحية والأكل منها فشرع له أن يكون فطره على شئ منها قاله ابن قدامة قال الزين بن المنير وقع أكله صلى الله عليه وسلم في كل من العيدين في الوقت المشروع خراج صدقتهما الخاصة بهما فإخراج صدقة الفطر قبل الغدو إلى المصلى وإخراج صدقة الأضحية بعد ذبحها قوله (كان يفطر على تمرات الخ) وفي رواية لابن حبان والحاكم بلفظ ما خرج يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أقل من ذلك أو أكثر وترا كذا في الفتح وعن جابر بن سمرة عند البزار في مسنده قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الفطر أكل قبل أن يخرج سبع تمرات وإذا كان يوم الأضحى لم يطعم شيئا وفي إسناده ناصح أبو عبد الله وهو ضعيف قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري في صحيحه من طريق هشيم عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك
[ 82 ]
أبواب السفر باب التقصير في السفر قوله (حدثنا عبد الوهاب بن عبد الحكم الوراق البغدادي) صاحب أحمد روى عن يحيى بن سعيد الأموي ومعاذ بن معاذ وعنه أبو داود والترمذي والنسائي قال أحمد قل من يرى مثله وثقة النسائي والدارقطني توفي سنة 251 إحدى وخمسين ومائتين (أخبرنا يحيى بن سليم) بالتصغير الطائفي القرشي مولاهم المكي الخراز بمعجمة ثم مهملة وثقه ابن معين وابن سعد والنسائي إلا في عبيد الله بن عمر وقال أبو حاتم محله الصدق ولم يكن بالحافظ ولا يحتج به قال الخزرجي احتج به الأئمة الستة وقال الحافظ في مقدمة فتح الباري وقال النسائي ليس به بأس وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر وقال الساجي أخطأ في أحاديث رواها عن عبيد الله بن عمر قال الحافظ لم يخرج له الشيخان من روايته عن عبيد الله بن عمر شيئا انتهى (عن عبيد الله) هو ابن عمر العمري من الثقات الأثبات قوله (فكانوا يصلون الظهر والعصر ركعتين ركعتين) وفي رواية الشيخين قال صحبت النبي صلى الله عليه وسلم وكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك وفي رواية لمسلم صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله عز وجل وظاهر هذه الرواية وكذا
[ 83 ]
الرواية التي ذكرها الترمذي أن عثمان لم يصل في السفر تماما وفي رواية لمسلم عن ابن عمر أنه قال ومع عثمان صدرا من خلافته ثم أتم وفي رواية ثمان سنين أو ست سنين قال النووي وهذا هو المشهور أن عثمان أتم بعد ست سنين من خلافته وتأول العلماء هذه الرواية بأن عثمان لم يزد على ركعتين حتى قبضه الله في غير منى والرواية المشهورة بإتمام عثمان بعد صدر من خلافته محمولة على الاتمام بمنى خاصة وقد صرح في رواية بأن إتمام عثمان كان بمنى وفي الصحيحين أن عبد الرحمن بن يزيد قال صلى بنا عثمان بمنى أربع ركعات فقيل في ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعتان متقبلتان واعلم أن عائشة رضي الله تعالى عنها أيضا كانت تتم في السفر وسيأتي ذكر سبب إتمامها (لا يصلون قبلها ولا بعدها) أي لا يصلون السنن الرواتب قبلها ولا بعدها وليس المراد به نفي التطوع في السفر مطلقا وسيجئ تحقيق هذه المسألة في باب التطوع في السفر (لو كنت مصليا) أي رواتب (قبلها أو بعدها لأتممتها) قال الحافظ في الفتح يعني أنه لو كان مخيرا بين الاتمام وصلاة الراتبة لكان الاتمام أحب إليه لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم انتهى قوله (وفي الباب عن عمر وعلي وابن عباس وأنس وعمران بن حصين وعائشة) أما حديث عمر فأخرجه مسلم وأما حديث علي فأخرجه البزار قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف ركعتين إلا المغرب ثلاثا وصليت معه في السفر ركعتين إلا المغرب ثلاثا قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد في سنده الحارث وهو ضعيف وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه أبو داود وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان قوله (حديث ابن عمر حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى ابن سليم مثل هذا) وقد عرفت ترجمة يحيى بن سليم وأصل هذا الحديث في الصحيحين كما عرفته أيضا
[ 84 ]
قوله (وقد روى عن عطية العوفي عن ابن عمر الخ) أخرجه الترمذي في باب التطوع في السفر قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) وهو القول الراجح المعول عليه (وقد روي عن عائشة أنها كانت تتم الصلاة في السفر) أخرجه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت الصلاة أول ما فرضت ركعتان فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر قال الزهري فقلت لعروة فما بال عائشة تتم قال تأولت ما تأول عثمان قال الحافظ في فتح الباري قد جاء عنها سبب الاتمام صريحا وهو فيما أخرجه البيهقي من طريق هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي إسناده صحيح وهو دال على أن القصر رخصة وأن الاتمام لمن لا يشق عليه أفضل انتهى كلام الحافظ قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق إلا أن الشافعي يقول التقصير رخصة له في السفر فإن أتم الصلاة أجزأ عنه) قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب أو رخصة والتمام أفضل فذهب إلى الأول الحنفية وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم قال الخطابي في المعالم كان مذهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو
[ 85 ]
الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عمر وابن عباس وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وقال حماد بن سليمان يعيد من يصلي في السفر أربعا وقال مالك يعيد ما دام في الوقت انتهى وذهب إلى الثاني الشافعي ومالك وأحمد قال النووي وأكثر العلماء وروي عن عائشة وعثمان وابن عباس قال ابن المنذر وقد أجمعوا على أنه لا يقصر في الصبح ولا في المغرب واحتج القائلون بوجوب القصر بحجج منها ملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر في جميع أسفاره ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم بحديث صحيح أنه أتم الرباعية في السفر البتة كما قال ابن القيم وأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم رواه الدارقطني فهو حديث فيه كلام لا يصلح للاحتجاج وإن صحح الدارقطني إسناده وكذا حديثها قالت خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت فقلت بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال أحسنت يا عائشة رواه الدارقطني لا يصلح للاحتجاج وإن حسن الدارقطني إسناده وقد بين الشوكاني في النيل عدم صلاحيتهما للاحتجاج في النيل بالبسط من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه ويجاب عن هذه الحجة بأن مجرد الملازمة لا يدل على الوجوب كما ذهب إلى ذلك جمهور أئمة الأصول وغيرهم ومنها حديث عائشة المتفق عليه بألفاظ منها فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وأتمت صلاة الحضر قالوا هو دليل ناهض على الوجوب لأن صلاة السفر إذا كانت مفروضة ركعتين لم تجز الزيادة عليها كما أنها لا تجوز الزيادة على أربع في الحضر ويجاب عنه بأنه من قول عائشة غير مرفوع وأنها لم تشهد زمان فرض الصلاة وفي هذا الجواب نظر أما أولا فهو مما لا مجال للرأي فيه فله حكم الرفع وأما ثانيا فعلى تقدير تسليم أنها لم تدرك القصة مرسل صحابي وهو حجة ويجاب أيضا بأنه ليس هو على ظاهره فإنه لو كان على ظاهره لما أتمت عائشة حديث ابن عباس أنه قال إن الله عز وجل فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعا والخوف ركعة أخرجه مسلم قالوا هذا الصحابي الجليل قد حكى عن الله تعالى أنه فرض صلاة السفر ركعتين وهو أتقى لله وأخشى من أن يحكى أن الله فرض ذلك بلا برهان ومنها حديث عمر رضي الله عنه أنه قال صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان
[ 86 ]
وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام من غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والنسائي وابن ماجه قال في النيل رجاله رجال الصحيح إلا يزيد بن زياد بن أبي الجعد وقد وثقه أحمد وابن معين قال ابن القيم في الهدى هو ثابت عنه واحتج القائلون بأن القصر رخصة والتمام أفضل بحجج منها قول الله تعالى (ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) ونفي الجناح لا يدل على العزيمة بل على الرخصة وعلى أن الأصل التمام والقصر إنما يكون من شئ أطول منه وأجيب بأن الاية وردت في قصر الصفة في صلاة الخوف لا في قصر العدد لما علم من تقدم شرعية قصر العدد ومنها قوله صلى الله عليه وسلم صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته أخرجه الجماعة إلا البخاري قالوا الظاهر من قوله صدقة أن القصر رخصة فقط وأجيب بأن الأمر بقبولها يدل على أنها لا محيص عنها وهو المطلوب ومنها ما في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر لا يعيب بعضهم على بعض كذا قال النووي في شرح مسلم قال الشوكاني في النيل لم نجد في صحيح مسلم قوله فمنهم القاصر ومنهم المتم وليس فيه إلا أحاديث الصوم والإفطار انتهى قلت لم نجد أيضا هذا اللفظ في صحيح مسلم قال وإذا ثبت ذلك فليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وقرره عليهم وقد نادت أقواله وأفعاله بخلاف ذلك ومنها حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم أخرجه الدارقطني وقد تقدم وقد عرفت هناك أنه لا يصلح للاحتجاج هذا كله تلخيص ما ذكره القاضي الشوكاني في النيل مع زيادة واختصار وقال الشوكاني في آخر كلامه وهذا النزاع في وجوب القصر وعدمه وقد لاح من مجموع ما ذكرنا رجحان القول بالوجوب وأما دعوى أن التمام أفضل فمدفوعة بملازمته صلى الله عليه وسلم في جميع أسفاره وعدم صدور التمام عنه ويبعد أن يلازم صلى الله عليه وسلم طول عمره المفضول ويدع الأفضل انتهى قلت من شأن متبعي السنن النبوية ومقتفي الاثار المصطفوية أن يلازموا القصر في السفر كما لازمه صلى الله عليه وسلم ولو كان القصر غير واجب فاتباع السنة في القصر في السفر هو المتعين ولا حاجة لهم أن يتموا في السفر ويتأولوا كما تأولت عائشة وتأول عثمان رضي الله عنهما هذا ما
[ 87 ]
عندي والله تعالى أعلم قوله (ومع عثمان ست سنين من خلافته أو ثمان سنين فصلى ركعتين) وفي حديث ابن عمر عند مسلم ثم إن عثمان صلى بعد أربعا وعند البخاري ثم أتمها قال الحافظ في الفتح والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصا بمن كان شاخصا سائرا وأما من أقام في مكان في أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال لما قدم علينا معاوية حاجا صلى بنا الظهر ركعتين بمكة ثم انصرف إلى دار الندوة فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة قال وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعا أربعا ثم إذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة وقال ابن بطال الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة انتهى وهذا رجحه جماعة من آخرهم القرطبي لكن الوجه الذي قبله أولى لتصريح الراوي بالسبب انتهى كلام الحافظ وذكر سببا آخر فقال روى الطحاوي وغيره عن الزهري قال إنما صلى عثمان بمنى أربعا لأن الأعراب كانوا أكثروا في ذلك العام فأحب أن يعلمهم أن الصلاة أربع وروى البيهقي من طريق عبد الرحمن بن حميد بن عوف عن أبيه عن عثمان أنه أتم بمنى ثم خطب فقال إن القصر سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ولكنه حدث طغام يعني بفتح الطاء والمعجمة فخفت أن يستنوا وعن ابن جريج أن أعرابيا ناداه في منى يا أمير المؤمنين ما زلت أصليها منذ رأيتك عام أول ركعتين وهذه طرق يقوي بعضها بعضا ولا مانع أن يكون هذا أصل سبب الاتمام وليس بمعارضة للوجه الذي اخترته بل يقويه من حيث أن حالة الاقامة في أثناء السفر أقرب إلى قياس الاقامة المطلقة عليها بخلاف السائر وهذا ما أدى إليه اجتهاد عثمان انتهى واعلم أنه قد ذكر لإتمام عثمان الصلاة في منى أسباب أخرى ولم أتعرض لذكرها فإنها لا
[ 88 ]
دليل عليها بل هي ظنون ممن قالها قوله (هذا حديث صحيح) في إسناده علي بن زيد بن جدعان قال الحافظ في التقريب ضعيف وقال في التلخيص حسنه الترمذي وعلي ضعيف انتهى قلت علي بن زيد بن جدعان عند الترمذي صدوق كما في الميزان وغيره فلأجل ذلك حسنه وصححه على أن لهذا الحديث شواهد وكم من حديث ضعيف قد حسنه الترمذي لشواهده قوله (وابراهيم بن ميسرة) الطائفي نزيل مكة ثبت حافظ قوله (صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا) أي في اليوم الذي أراد فيه الخروج إلى مكة للحج أو العمرة (وبذي الحليفة ركعتين) ذو الحليفة بضم الحاء المهملة وفتح اللام موضع على ثلاثة أميال من المدينة على الأصح وهو ميقات أهل المدينة وإنما صلى بذي الحليفة ركعتين لأنه كان في السفر واعلم أنه لا يجوز القصر إلا بعد مفارقة بنيان البلد عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد ورواية عن مالك وعنه أنه يقصر إذا كان من المصر على ثلاثة أميال وقال بعض التابعين إنه يجوز أن يقصر من منزله وروى ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه أنه خرج من البصرة فصلى الظهر أربعا ثم قال إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين ذكره ابن الهمام كذا في المرقاة قلت وروى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند أن عليا لما خرج إلى البصرة رأى خصا فقال لولا هذا الخص لصليت ركعتين قلت وما الخص قال بيت من قصب وذكر البخاري تعليقا فقال وخرج علي فقصر وهو يرى البيوت فلما رجع قيل له هذه الكوفة قال لا حتى ندخلها وروى أيضا أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقصر الصلاة حين يخرج من شعب المدينة ويقصر إذا رجع حتى يدخلها كذا في نصب الراية
[ 89 ]
قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (خرج من المدينة إلى مكة لا يخاف إلا رب العالمين فصلى ركعتين) فيه رد على من زعم أن القصر مختص بالخوف والذي قال ذلك تمسك بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أو تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ولم يأخذ الجمهور بهذا المفهوم فقيل لأن شرط مفهوم المخالفة أن لا يكون خرج مخرج الغالب وقيل هو من الأشياء التي شرع الحكم فيها بسبب ثم زال السبب وبقي الحكم كالرمل وقيل المراد بالقصر في الاية قصر الصلاة بالخوف إلى ركعة وفيه نظر لما رواه مسلم من طريق يعلى بن أمية وله صحبة أنه سأل عمر عن قصر الصلاة في السفر فقال إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال صدقة تصدق الله بها عليكم فهذا ظاهر في أن الصحابة فهموا من ذلك قصر الصلاة في السفر مطلقا لا قصرها في الخوف خاصة وفي جواب عمر رضي الله عنه إشارة إلى القول الثاني وروى السراج عن أبي حنظلة قال سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتان فقلت إن الله عز وجل قال (إن خفتم) ونحن امنون فقال سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يرجع القول الثاني كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث صحيح) قال الحافظ في الفتح وصححه النسائي باب ما جاء في كم تقصر الصلاة يريد بيان المدة التي إذا أراد المسافر الإقامة في موضع إلى تلك المدة يتم الصلاة وإذا أراد الاقامة إلى أقل منها يقصر وقد عقد البخاري في صحيحه بابا بلفظ باب في كم تقصر
[ 90 ]
الصلاة لكنه أراد بيان المسافة التي أراد المسافر الوصول إليها جاز له القصر ولا يجوز له في أقل منها قوله (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة) أي متوجهين إلى مكة لحجة الوداع (فصلى ركعتين) أي في الرباعية وفي رواية الصحيحين على ما في المشكاة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة (قال عشرا) أي أقام بمكة عشرا قال القاري في المرقاة الحديث بظاهره ينافي مذهب الشافعي من أنه إذا أقام أربعة أيام يجب الاتمام انتهى قلت قد نقل القاري عن ابن حجر الهيثمي ما لفظه لم يقم العشر التي أقامها لحجة الوداع بموضع واحد لأنه دخلها يوم الأحد وخرج منها صبيحة الخميس فأقام بمنى والجمعة بنمرة وعرفات ثم عاد السبت بمنى لقضاء نسكه ثم بمكة لطواف الافاضة ثم بمنى يومه فأقام بها بقيته والأحد والاثنين والثلاثاء إلى الزوال ثم نفر فنزل بالمحصب وطاف في ليلته للوداع ثم رحل قبل صلاة الصبح لمتفرق إقامته قصر في الكل وبهذا أخذنا أن للمسافر إذا دخل محلا أن يقصر فيه ما لم يصر مقيما أو ينو إقامة أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج أو يقيمها واستدلوا لذلك بخبر الصحيحين يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا وكان يحرم على المهاجرين الاقامة بمكة ومساكنة الكفار كما روياه أيضا فالإذن في الثلاثة يدل على بقاء حكم السفر فيها بخلاف الأربعة انتهى وقال الحافظ في فتح الباري قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لصبح رابعة كما في حديث ابن عباس ولا شك أنه خرج صبح الرابع عشر فتكون مدة الاقامة بمكة وضواحيها عشرة أيام بلياليها كما قال أنس رضي الله عنه وتكون مدة إقامته بمكة أربعة أيام سواء لأنه خرج منها في اليوم الثامن فصلى الظهر بمنى ومن ثم قال الشافعي إن المسافر إذا أقام ببلدة قصر أربعة أيام وقال أحمد إحدى وعشرين صلاة انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن ابن عباس وجابر) أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث جابر فأخرجه أبو داود
[ 91 ]
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي قوله (وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في بعض أسفاره) أي في فتح مكة وأما حديث أنس المتقدم فكان في حجة الوداع قاله الحافظ ابن حجر وحديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري في صحيحه (تسع عشرة يصلي ركعتين) وفي لفظ للبخاري تسعة عشر يوما وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس سبع عشرة وفي أخرى له عنه خمس عشرة وفي حديث عمران بن حصين شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثمانية عشر ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر رواه أبو داود (قال أبن عباس فنحن إذا أقمنا ما بيننا وبين تسع عشرة صلينا ركعتين وإن زدنا على ذلك أتممنا الصلاة) هذا هو مذهب ابن عباس رضي الله عنهما وبه أخذ إسحاق بن راهويه ورآه أقوى المذاهب (وروي عن علي أنه قال من أقام عشرة أيام أتم الصلاة) أخرجه عبد الرزاق بلفظ إذا أقمت بأرض عشرا فأتمم فإن قلت أخرج اليوم أو غدا فصل ركعتين وإن اقمت شهرا (وروي عن ابن عمر أنه قال من أقام خمسة عشر يوما أتم الصلاة) أخرجه محمد بن الحسن في كتاب الاثار أخبرنا أبو حنيفة حدثنا موسى بن مسلم عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر يوما فأتمم الصلاة وإن كنت لا تدري فأقصر الصلاة وأخرج الطحاوي عن ابن عباس وابن عمر قالا إذا قدمت بلدة وأنت مسافر وفي نفسك أن تقيم خمسة عشر يوما أتم الصلاة وروي عنه ثنتي عشرة أخرجه عبد الرزاق كذا في شرح الترمذي لسراج أحمد السرهندي
[ 92 ]
(وروى عنه داود بن أبي هند خلاف هذا) روى محمد بن الحسن في الحجج عن سعيد بن المسيب قال إذا قدمت بلدة فأقمت خمسة عشر يوما فأتم الصلاة (واختلف أهل العلم بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك (في ذلك) أي فيما ذكر من مدة الاقامة (فأما سفيان الثوري وأهل الكوفة فذهبوا إلى توقيت خمس عشرة وقالوا إذا أجمع) أي نوى (على إقامة خمس عشرة أتم الصلاة) وهو قول أبي حنيفة واستدلوا بما رواه أبو داود من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة قال المنذري وأخرجه ابن ماجه وأخرجه النسائي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق واختلف علي بن إسحاق فيه فروى منه مسندا ومرسلا وروي عنه عن الزهري من قوله انتهى وقد ضعف النووي هذه الرواية لكن تعقبه الحافظ في فتح الباري حيث قال وأما رواية خمسة عشر فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراق بن مالك عن عبيد الله كذلك فهي صحيحة انتهى كلام الحافظ واستدلوا أيضا بأثر ابن عمر المذكور وقد روى عنه توقيت ثنتي عشرة كما حكاه الترمذي (وقال الأوزاعي إذا أجمع على إقامة ثنتي عشرة أتم الصلاة) قال الشوكاني في النيل لا يعرف له مستند فرعي وإنما ذلك اجتهاد من نفسه انتهى قلت لعله استند بما روي عن ابن عمر توقيت ثنتي عشرة (وقال مالك والشافعي وأحمد إذا أجمع على إقامة أربع أتم الصلاة) قال في السبل صفحة 156 وهو مروي عن عثمان والمراد غير يوم الدخول والخروج واستدلوا بمنعه صلى الله عليه وسلم المهاجرين بعد مضي النسك أن يزيدوا على ثلاثة أيام في مكة فدل على أنه بالأربعة الأيام يصير مقيما انتهى
[ 93 ]
قلت ورد هذا الاستدلال بأن الثلاث قدر قضاء الحوائج لا لكونها غير إقامة واستدلوا أيضا بما روى مالك عن نافع عن أسلم عن عمر أنه أجلى اليهود من الحجاز ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثة أيام قال الحافظ في التلخيص صححه أبو زرعة (أما إسحاق) يعني ابن راهويه (فرأى أقوى المذاهب فيه حديث ابن عباس) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقام في بعض أسفاره تسع عشرة يصلي ركعتين (قال) أي إسحاق (لأنه) أي ابن عباس (روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تأوله بعد النبي صلى الله عليه وسلم) أي أخذ به وعمل عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم (ثم أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامته وإن أتى عليه سنون) جمع سنة أخرج البيهقي عن أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا برامهر من تسعة أشهر يقصرون الصلاة قال النووي إسناده صحيح وفيه عكرمة بن عمار واختلفوا في الاحتجاج به واحتج به مسلم في صحيحه انتهى وأخرج عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أقام بأذربيجان ستة أشهر في غزاة وكنا نصلي ركعتين انتهى . وأخرج البيهقي في المعرفة عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر قال ارتج علينا الثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة وكنا نصلي ركعتين انتهى . قال النووي وهذا سند على شرط الصحيحين كذا في نصب الراية وذكر الزيلعي فيه آثارا أخرى قوله (سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرا) أي في فتح مكة كما تقدم (فصلى) أي فأقام فصلى (تسعة عشر يوما ركعتين ركعتين) وفي رواية للبخاري أقام النبي صلى الله عليه وسلم تسعة عشر يقصر قال الحافظ في الفتح أي يوما بليلة زاد في المعازي بمكة وأخرجه أبو داود بلفظ سبعة عشر بتقديم السين وله أيضا من حديث عمران بن حصين غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين وله من طريق ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة
[ 94 ]
وجمع البيهقي بين هذا الاختلاف بأن من قال تسع عشرة عد يومي الدخول والخروج ومن قال سبع عشرة حذفهما ومن قال ثماني عشرة عد أحدهما وأما رواية خمس عشرة فضعفها النووي في الخلاصة وليس بجيد لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها ابن إسحاق فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك عن عبيد الله كذلك وإذا أثبت أنها صحيحة فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبع عشرة فحذف منها يومى الدخول والخروج فذكر أنها خمس عشرة واقتضى ذلك أن رواية تسع عشرة أرجح الروايات وبهذا أخذ إسحاق بن راهويه ويرجحها أيضا أنها أكثر ما وردت به الروايات الصحيحة انتهى كلام الحافظ وقال في التلخيص بعد ذكر الروايات المذكورة ورواية عبد بن حميد عن ابن عباس بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما افتتح مكة أقام عشرين يوما يقصر الصلاة ما لفظه قال البيهقي أصح الروايات في ذلك رواية البخاري وهي رواية تسع عشرة وجمع إمام الحرمين والبيهقي بين الروايات السابقة باحتمال أن يكون في بعضها لم يعد يومي الدخول والخروج وهي رواية سبعة عشر وعدها في بعضها وهي رواية تسع عشرة وعد يوم الدخول ولم يعد الخروج وهي رواية ثمانية عشر قال الحافظ وهو جمع متين وتبقى رواية خمسة عشر شاذة لمخالفتها ورواية عشرين وهي صحيحة الاسناد إلا أنها شاذة أيضا اللهم إلا أن يحمل على جبر الكسر ورواية ثمانية عشر ليست بصحيحة من حيث الاسناد انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه البخاري وابن ماجه وأحمد باب ما جاء في التطوع في السفر قوله (عن صفوان بن سليم) بضم السين مصغرا ثقة (عن أبي بسرة) بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة الغفاري مقبول من الرابعة كذا في التقريب وقال في الخلاصة
[ 95 ]
وثقه ابن حبان وقال في قوت المغتذي بضم الموحدة وسكون السين المهملة تابعي لا يعرف اسمه ولم يرو عنه غير صفوان بن سليم وليس له في الكتب إلا هذا الحديث عند المصنف وابن ماجه وربما اشتبه على من يتنبه له بأبي بصرة الغفاري بفتح الباء وبالصاد المهملة وهو صحابي اسمه حميل بضم الحاء المهملة مصغرا انتهى قوله (ثمانية عشر سفرا) بفتح السين المهملة والفاء قال الحافظ العراقي كذا وقع في الأصول الصحيحة قال وقد وقع في بعض النسخ بدله شهرا وهو تصحيف كذا في قوت المغتذي (فما رأيته ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر) الظاهر أن هاتين الركعتين هما سنة الظهر فهذا الحديث دليل لمن قال بجواز الاتيان بالرواتب في السفر قال صاحب الهدى لم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى سنة الصلاة قبلها ولا بعدها في السفر إلا ما كان من سنة الفجر انتهى قال الحافظ في الفتح متعقبا عليه ويرد على إطلاقه ما رواه أبو داود والترمذي من حديث البراء بن عازب قال سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية عشر سفرا فلم أره ترك الركعتين إذا زاغت الشمس قبل الظهر وكأنه لم يثبت عنده لكن الترمذي استغربه ونقل عن البخاري أنه رآه حسنا وقد حمله بعض العلماء على سنة الزوال لا على الراتبة قبل الظهر انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر) قد روى عنه في هذا الباب روايتان وسيجئ تخريجهما قوله (حديث البراء حديث غريب) أخرجه أبو داود وسكت عنه قوله (وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها) أخرجه البخاري ومسلم من طريق حفص بن عاصم قال صحبت ابن عمر في طريق مكة فصلى لنا الظهر ركعتين ثم جاء رحله وجلس فرأى ناسا قياما فقال ما يصنع هؤلاء ؟
[ 96 ]
قلت يسبحون قال لو كنت مسبحا أتممت صلاتي صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزاد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان كذلك وقد أخرجه الترمذي من وجه آخر (وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يتطوع في السفر) أخرجه الترمذي في هذا الباب قال بعض العلماء هذا محمول على التذكر وما روى عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتطوع في السفر محمول على النسيان والله تعالى أعلم وروى مالك في الموطأ بلاغا عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه عبيد الله يتنقل في السفر فلا ينكر ذلك عليه قوله (فرأى بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتطوع الرجل في السفر وبه يقول أحمد وإسحاق) المراد من التطوع النوافل الراتبة وأما النوافل المطلقة فقد اتفق العلماء على استحبابها (ومعنى من لم يتطوع في السفر قبول الرخصة) يعني أن من قال بعدم التطوع في السفر مراده أن التطوع رخصة في السفر فقبل الرخصة ولم يتطوع وليس مراده أن التطوع في السفر ممنوع (وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوع في السفر) قال النووي في شرح مسلم قد اتفق العلماء على استحباب النوافل المطلقة في السفر واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها ابن عمر وآخرون واستحبها الشافعي والجمهور ودليله الأحاديث العامة المطلقة في ندب الرواتب وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم الضحى يوم الفتح بمكة وركعتي الصبح حين ناموا حتى تطلع الشمس وأحاديث أخرى صحيحة ذكرها أصحاب السنن والقياس على النوافل المطلقة ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر فإن النافلة في البيت أفضل ولعله تركها في بعض الأوقات تنبيها على جواز تركها وأما ما يحتج به القائلون بتركها من أنها لو شرعت لكان إتمام الفريضة أولى فجوابه أن الفريضة متحتمة فلو شرعت تامة لتحتم إتمامها وأما النافلة فهي إلى خيرة المكلف فالرفق به أن تكون مشروعة ويتخير إن شاء فعلها وحصل ثوابها وإن شاء تركها ولا شئ عليه انتهى
[ 97 ]
قال الحافظ في الفتح تعقب هذا الجواب بأن مراد ابن عمر بقوله لو كنت مسبحا لأتممت يعني أنه لو كان مخيرا بين الاتمام وصلاة الراتبة لكان الاتمام أحب عليه لكنه فهم من القصر التخفيف فلذلك كان لا يصلي الراتبة ولا يتم انتهى قلت المختار عندي المسافر في سعة إن شاء صلى الرواتب وإن شاء تركها والله تعالى أعلم قوله (عن حجاج) هو ابن أرطأة الكوفي القاضي صدوق كثير الخطأ والتدليس (عن عطية) هو ابن سعد بن جنادة الكوفي أبو الحسن صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا من الثالثة كذا في التقريب وقال في الميزان عطية بن سعد العوفي الكوفي تابعي شهير ضعيف عن ابن عباس وأبي سعيد وابن عمر وعنه مسعر وحجاج بن أرطأة وطائفة قوله (الظهر في السفر ركعتين) أي فرضا (وبعدها) أي بعد صلاة الظهر (ركعتين) أي سنة الظهر قوله (هذا حديث حسن) إنما حسن الترمذي هذا الحديث مع أن في سنده حجاج بن أرطأة وعطية وكلاهما مدلس وروياه بالعنعنة فإنه قد تابع حجاجا بن أبي ليلى في الطريق الاتية وكذلك تابع عطية نافع فيها قوله (والمغرب في الحضر والسفر سواء) حال أي مستويا عددها فيهما وقوله ثلاث ركعات بيان لها (ولا ينقص في حضر ولا سفر) على البناء للفاعل أي لا ينقص
[ 98 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب عن ثلاث ركعات في الحضر ولا في السفر لأن القصر منحصر في الرباعية (وهي وتر النهار) جملة حالية كالتعليل لعدم جواز النقصان قاله الطيبي وحديث ابن عمر هذا يدل على جواز الاتيان بالرواتب في السفر باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين أي في السفر قوله (عن أبي الطفيل) اسمه عامر بن واثلة بن عبد الله الليثي وربما سمي عمروا ولد عام أحد ورأى النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن أبي بكر وعمن بعده وعمر إلى أن مات سنة عشر ومائة على الصحيح وهو آخر من مات من الصحابة قاله مسلم وغيره كذا في التقريب قوله (كان في غزوة تبوك) غير منصرف على المشهور وهو موضع قريب من الشام (قبل زيغ الشمس) أي قبل الزوال فإن زيغ الشمس هو ميلها عن وسط السماء إلى جانب المغرب (عجل العصر إلى الظهر وصل الظهر والعصر جميعا) فيه دلالة على جواز جمع التقديم في السفر وهو نص صريح فيه لا يحتمل تأويلا قوله (وفي الباب عن علي وابن عمر وأنس وعبد الله بن عمرو وعائشة وابن عباس
[ 99 ]
وأسامة بن زيد وجابر) أما حديث علي فأخرجه الدارقطني عن ابن عقدة بسند له من حديث أهل البيت وفي إسناده من لا يعرف وفيه أيضا المنذر الكابوسي وهو ضعيف وروى عبد الله بن أحمد في زيادات المسند بإسناد اخر عن علي أنه كان يفعل ذلك وأما حديث ابن عمر فأخرجه الجماعة إلا ابن ماجه وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل يجمع بينهما فإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب وفي رواية لمسلم كان إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر يؤخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما قال الحافظ في فتح الباري قوله صلى الظهر ثم ركب كذا فيه الظهر فقط وهو المحفوظ عن عقيل في الكتب المشهورة ومقتضاه أنه كان لا يجمع بين الصلاتين إلا في وقت الثانية منهما وبه احتج من أبى جمع التقديم لكن روى إسحاق بن راهويه هذا الحديث عن شبابة فقال كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل أخرجه الاسماعيلي وأعل بتفرد إسحاق بذلك عن شبابة ثم تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق وليس ذلك بقادح فإنهما إمامان حافظان انتهى وقال في بلوغ المرام بعد ذكر حديث أنس هذا وفي رواية الحاكم في الأربعين بإسناد الصحيح صلى الظهر والعصر ثم ركب ولأبي نعيم في مستخرج مسلم كان إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل انتهى وقال في التلخيص وحديث أنس رواه الاسماعيلي والبيهقي من حديث إسحاق بن راهويه عن شبابة بن سوار عن الليث عن عقيل عن الزهري عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل وإسناده صحيح قال النووي وفي ذهني أن أبا داود أنكره على إسحاق ولكن له متابع رواه الحاكم في الأربعين له عن أبي العباس محمد بن يعقوب عن محمد بن إسحاق الصغائي عن حسان بن عبد الله عن المفضل بن فضالة عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ركب وهو في الصحيحين من هذا الوجه بهذا السياق وليس فيهما والعصر وهي زيادة غريبة صحيحة الاسناد وقد صححه المنذري من هذا الوجه والعلائي وتعجب من الحاكم كونه لم يورده في المستدرك وله طريق أخرى رواها الطبراني في الأوسط ثم ذكرها الحافظ بسندها ومتنها وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من
[ 100 ]
أخرجه وأما حديث عائشة فأخرجه الطحاوي وأحمد والحاكم عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر يؤخر الظهر ويقدم العصر ويؤخر المغرب ويقدم العشاء وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وآخرون بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السفر إذا زاغت الشمس في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب فإذا لم تزغ في منزله سار حتى إذا حانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر وإذا حانت له المغرب في منزله جمع بينها وبين العشاء وإذا لم تحن في منزله ركب حتى إذا كانت العشاء نزل فجمع بينهما قال الحافظ في الفتح في إسناده حسين ابن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف لكن له شواهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس لا أعلمه إلا مرفوعا أنه كان نزل منزلا في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر ثم يرتحل فإذا لم يتهيأ له المنزل مد في السير فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر أخرجه البيهقي ورجاله ثقات إلا أنه مشكوك في رفعه والمحفوظ أنه موقوف وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزوما بوقفه على بن عباس ولفظه إذا كنتم سائرين فذكر نحوه انتهى كلام الحافظ وأما حديث أسامة بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم وفيه بيان الجمع بمزدلفة وأما حديث جابر وهو جابر ابن عبد الله فأخرجه مسلم في حديث طويل في حجة النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ثم أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا قوله (وروي عن علي بن المديني عن أحمد بن حنبل هذا الحديث) أي حديث معاذ المذكور في الباب قوله (وحديث معاذ حديث حسن غريب تفرد به قتيبة الخ) قال الحافظ في التلخيص بعد نقل كلام الترمذي هذا وقال أبو داود هذا حديث منكر وليس في جميع التقديم حديث قائم وقال أبو سعيد بن يونس لم يحدث بهذا الحديث إلا قتيبة ويقال إنه غلط فيه تغير بعض الأسماء وأن موضع يزيد بن حبيب أبو الزبير وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه لا أعرفه
[ 101 ]
من حديث يزيد والذي عندي أنه دخل له حديث في حديث وأطنب الحاكم في علوم الحديث في بيان علة هذا الخبر فيراجع منه قال وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد عن أبي الزبير عن أبي الطفيل وهشام مختلف فيه وقد خالفه الحفاظ من أصحاب أبي الزبير كمالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم انتهى قوله (وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح قال بإطلاق جواز الجمع كثير من الصحابة والتابعين ومن الفقهاء الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأشهب انتهى يعني قالوا بجواز الجمع في السفر مطلقا سواء كان سائرا أم لا وسواء كان سيرا مجدا أم لا قال الحافظ وقال قوم لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه انتهى وقيل يختص الجمع بمن يجد في السير قاله الليث وهو القول المشهور عن مالك وقيل يختص بالمسافر دون المنازل وهو قول ابن حبيب وقيل يختص بمن له عذر حكي عن الأوزاعي وقيل يجوز جمع التأخير دون التقديم وهو مروى عن مالك وأحمد وأختاره ابن حزم انتهى (يقولان لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما) كذا في النسخ يقولان بصيغة التثنية والظاهر أن يقول يقولون بصيغة الجمع والمعنى يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يجوز الجمع بين الصلاتين في السفر بجمعي التقديم والتأخير وهو الحق واستدلوا على جواز جمع التقديم بحديث معاذ المذكور في الباب وبحديث أنس وبحديث ابن عباس وبحديث جابر وقد ذكرنا ألفاظ هذه الأحاديث واستدلوا على جواز جمع التأخير بحديث ابن عمر الاتي في هذا الباب وبحديث أنس الذي تقدم لفظه وأجاب الحنفية عن هذه الأحاديث بأنها محمولة على الجمع الصوري ورد هذا الجواب بأن الأحاديث الواردة في الجمع بعضها نصوص صريحة في جمع التقديم وفي جمع التأخير لا تحتمل تأويلا قال صاحب التعليق الممجد حمل أصحابنا يعني الحنفية الأحاديث الواردة في الجمع على الجمع الصوري وقد بسط الطحاوي الكلام فيه في شرح معاني الاثار لكن لا أدري ماذا يفعل بالروايات التي وردت صريحة بأن الجمع كان بعد ذهاب الوقت وهي مروية في صحيح البخاري وسنن أبي داود وصحيح مسلم وغيرها من
[ 102 ]
الكتب المعتمدة على ما لا يخفي من نظر فيها فإن حمل على أن الرواة لم يحصل التميز لهم فظنوا قرب خروج الوقت فهذا أمر بعيد عن الصحابة الناهين على ذلك وإن اختير ترك تلك الروايات بإبداء الخلل في الاسناد فهو أبعد وأبعد مع إخراج الأئمة لها وشهادتهم بتصحيحها وإن عورض بالأحاديث التي صرحت بأن الجمع كان بالتأخير إلى اخر الوقت والتقديم في أول الوقت فهو أعجب فإن الجمع بينهما يحملها على اختلاف الأحوال ممكن بل هو الظاهر انتهى كلام صاحب التعليق الممجد وقال إمام الحرمين ثبت في الجمع أحاديث نصوص لا يتطرق إليها تأويل ودليله من حيث المعنى الاستنباط من الجمع بعرفة ومزدلفة فإن سببه احتياج الحاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم وهذا المعنى موجود في كل الأسفار ولم تتقيد الرخص كالقصر والفطر بالنسك إلى أن قال ولا يخفى على منصف أن الجمع أرفق من القصر فإن القائم إلى الصلاة لا يشق عليه ركعتان يضمهما إلى ركعتيه ورفق الجمع واضح لمشقة النزول على المسافر انتهى كذا نقل كلام إمام الحرمين الحافظ في الفتح وتعقب الخطابي وغيره على من حمل أحاديث الجمع على الجمع الصوري بأن الجمع رخصة فلو كان على ما ذكروه لكان أعظم ضيقا من الاتيان بكل صلاة في وقتها لأن أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فض عن العامة ومن الدليل على أن الجمع رخصة قول ابن عباس أن لا يحرج أمته أخرج مسلم قوله (أنه استغيث على بعض أهله) أي طلب منه الاغاثة على بعض أهله وذلك أن صفية بنت أبي عبيد زوجة ابن عمر كانت لها حالة الاحتضار فأخبر بذلك وهو خارج المدينة فجد به السير وعجل في الوصول كذا في بعض الحواشي قلت في صحيح البخاري في باب يصلي المغرب ثلاثا في السفر قال سالم وأخر ابن عمر المغرب وكان استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد الخ قال الحافظ في الفتح قوله استصرح بالضم أي استغيث بصوت مرتفع وهو من الصراخ والمصرخ المغيث انتهى (فجد به السير) أي اهتم به وأسرع فيه يقال جد ويجد بالضم والكسر وجد به الأمر وأجد وجد فيه وأجد إذا أجتهد كذا في النهاية (وأخر المغرب حتى غاب الشفق ثم نزل فجمع بينهما) وفي رواية البخاري في باب السرعة في السير من كتاب الجهاد من طريق أسلم قال كنت مع عبد الله بن عمر بطريق مكة فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير حتى إذا كان بعد غروب الشفق ثم نزل فصلى المغرب
[ 103 ]
والعتمة جمع بينهما (كان يفعل ذلك إذا جد به السير) استدل بهذا الحديث من قال باختصاص رخصة الجمع في السفر بمن كان سائرا لا نازلا وأجيب بما وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في الموطأ ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة في غزوة تبوك خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا قال الشافعي في الأم قوله دخل ثم خرج لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا ومسافرا وقال ابن عبد البر في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلا من جدبه السير وهو قاطع للالتباس انتهى وحكى عياض أن بعضهم أول قوله ثم دخل أي في الطريق ثم خرج عن الطريق للصلاة ثم استبعده ولا شك في بعده وكأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر عادته ما دل عليه حديث أنس والله أعلم ومن ثم قال الشافعية ترك الجمع أفضل وعن مالك رواية أنه مكروه وفي هذه الأحاديث تخصيص لأحاديث الأوقات التي بينها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم وبينها النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حيث قال في آخرها الوقت ما بين هذين كذا في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وقد أخرج المسند منه مسلم باب ما جاء في صلاة الاستسقاء الاستسقاء لغة طلب سقي الماء من الغير للنفس أو للغير وشرعا طلبه من الله تعالى عند حصول الجدب على وجه مخصوص قاله الحافظ وقال الجزري في النهاية هو استفعال من طلب السقيا أي إنزال الغيث على البلاد والعباد يقال سقى الله عباده الغيث وأسقاهم والإسم السقيا بالضم واستسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك انتهى وقال الرافعي هو أنواع أدناها الدعاء المجرد وأوسطها الدعاء خلف الصلوات وأفضلها الاستسقاء بركعتين وخطبتين والأخبار وردت بجميع ذلك انتهى
[ 104 ]
قوله (عن عباد بن تميم) بن غزية الأنصاري المازني المدني ثقة من الثالثة وقد قيل أن له رواية (عن عمه) قال في التقريب اسم عمه عبد الله بن زيد بن عاصم وهو أخو أبيه لأمه انتهى تنبيه إعلم إن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم بن مازن الأنصاري لا عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري الخزرجي الذي رأى الأذان في المنام وهما مختلفان ومن ظنهما واحدا فقد غلط وأخطأ قوله (خرج بالناس) أي إلى المصلى كما في رواية الشيخين (يستقي) حال أو استئناف فيه معنى التعليل (فصلى بهم ركعتين) فيه دليل على أن الصلاة في الاستسقاء سنة وقال به الشافعي وأحمد ومالك والجمهور وهو قول أبي يوسف ومحمد قال محمد في موطأه أما أبو حنيفة رحمه الله فكان لا يرى في الاستسقاء صلاة وأما في قولنا فإن الامام يصلي بالناس ركعتين ثم يدعو ويحول رداءه انتهى قلت قول الجمهور هو الصواب والحق لأنه قد ثبت صلاته صلى الله عليه وسلم ركعتين في الاستسقاء من أحاديث كثيرة صحيحة منها حديث عبد الله بن زيد المذكور في الباب وهو حديث متفق عليه ومنها حديث أبي هريرة أخرجه أحمد وابن ماجه ومنها حديث ابن عباس أخرجه أصحاب السنن الأربعة ومنها حديث عائشة أخرجه أبو داود وقال غريب وإسناده جيد ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه فهذه الأحاديث حجة بينة لقول الجمهور وهي حجة على الامام أبي حنيفة قال بعض العلماء في تعليقه على موطأ الامام محمد بعد ذكر هذه الأحاديث ما لفظه وبه ظهر ضعف قول صاحب الهداية في تعليل مذهب أبي حنيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقى ولم يرو عنه الصلاة انتهى فإنه إن أراد أنه لم يرو بالكلية فهذه الأخبار تكذبه وإن أراد أنه لم يرو في بعض الروايات فغير قادح انتهى وقد رد على قول صاحب الهداية المذكور الحافظ الزيلعي في نصب الراية حيث قال أما استسقاؤه عليه السلام فصحيح ثابت وأما أنه لم يرو عنه الصلاة فهذا غير صحيح بل صح أنه صلى فيه وليس في الحديث أنه استسقى ولم يصل بل غاية ما يوجد ذكر الاستسقاء دون ذكر الصلاة ولا يلزم من عدم ذكر الشئ عدم وقوعه انتهى قال العيني في شرح البخاري قال أبو حنيفة ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في
[ 105 ]
جماعة فإن صلى الناس وحدانا جاز إنما الاستسقاء الدعاء والاستغفار ثم ذكر أحاديث الاستسقاء التي ليس فيها ذكر الصلاة ثم قال وأجيب عن الأحاديث التي فيها الصلاة أنه صلى الله عليه وسلم فعلها مرة وتركها أخرى وهذا لا يدل على السنية وإنما يدل على الجواز انتهى وكذلك قال غير واحد من العلماء الحنفية ورده بعض العلماء الحنفية في تعليقه على موطأ الامام محمد حيث قال وأما ما ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله مرة وتركه أخرى فلم يكن سنة فليس بشئ فإنه لا ينكر ثبوت كليهما مرة هذا ومرة هذا لكن يعلم من تتبع الطرق أنه لما خرج بالناس إلى الصحراء صلى فتكون الصلاة مسنونة في هذه الحالة بلا ريب ودعاءه المجرد كان في غير هذه الصورة انتهى كلامه وقال في حاشية شرح الوقاية ولعل هذه الأخبار لم تبلغ الامام وإلا لم ينكر استنان الجماعة انتهى قلت هذا هو الظن به والله تعالى أعلم فإن قلت استدل الامام أبو حنيفة بقوله تعالى استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا قال علق نزول الغيث بالاستغفار لا بالصلاة فكان الأصل فيه هو الاستغفار فقوله تعالى هذا يدل على سنية الصلاة في الاستسقاء قلت قوله تعالى هذا لا ينافي سنية الصلاة في الاستسقاء وليس فيه نفيها وقد ثبت بأحاديث صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم صلى مع الناس في الاستسقاء فاستدلاله بقوله تعالى هذا غير صحيح ولذلك خالفه أصحابه الامام محمد وغيره (جهر بالقراءة فيهما) قال النووي في شرح مسلم أجمعوا على استحبابه وكذا نقل الاجماع على استحباب الجهر ابن بطال (وحول رداءه) كيفية تحويل الرادء أن يأخذ بيده اليمنى الطرف الأسفل من جانب يساره وبيده اليسرى الطرف الأسفل أيضا من جانب يمينه ويقلب يديه خلف ظهره بحيث يكون الطرف المقبوض بيده اليمنى على كتفه الأعلى من جانب اليمين والطرف المقبوض بيده اليسرى على كتفه الأعلى من جانب اليسار فإذا فعل ذلك فقد انقلب اليمين يسارا واليسار يمينا والأعلى أسفل وبالعكس كذا في المرقاة وقال الحافظ في الفتح وقد وقع بيان المراد من ذلك في زيادة سفيان عن المسعودي عن أبي بكر بن محمد ولفظه قلب رداءه جعل اليمين على الشمال وزاد فيه ابن ماجه وابن خزيمة من هذا الوجه والشمال على اليمين وله شاهد أخرجه أبو داود من طريق الزبيدي عن الزهري عن عباد بلفظ فجعل عطافه الأيمن على عاتقه الأيسر وعطافه الأيسر على عاتقه الأيمن وله من طريق عمارة بن غزية عن عباد إستسقى وعليه خميصة سوداء فأراد أن يأخذ
[ 106 ]
بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليها قلبها على عاتقه وقد استحب الشافعي في الجديد فعل ما هم به صلى الله عليه وسلم من تنكيس الرداء مع التحويل الموصوف وزعم القرطبي كغيره أن الشافعي اختار في الجديد تنكيس الرداء لا تحويله والذي في الأم ما ذكرته والجمهور على استحباب التحويل فقط ولا ريب أن الذي استحبه الشافعي أحوط وعن أبي حنيفة وبعض المالكية لا يستحب شئ من ذلك انتهى كلام الحافظ فائدة في بيان محل تحويل الرداء فاعلم أن محله في أثناء الخطبة حين يستقبل القبلة للدعاء ففي رواية لمسلم خرج إلى المصلى يستسقي وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه وفي أخرى له فجعل إلى الناس ظهره يدعو الله واستقبل القبلة وحول رداءه وفي رواية للبخاري خرج بالناس يستسقي لهم فقام فدعا الله قائما تم توجه قبل القبلة وحول رداءه قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الروايات عرف بذلك أن التحويل وقع في أثناء الخطبة عند إرادة الدعاء وقال في موضع آخر محل هذا التحويل بعد فراغ الموعظة وإرادة الدعاء انتهى وقال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا يحوله في نحو ثلث الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبلة انتهى فائدة أخرى قال الحافظ في الفتح استحب الجمهور أن يحول الناس بتحويل الامام ويشهد له ما رواه أحمد عن عباد في هذا الحديث بلفظ وحول الناس معه وقال الليث وأبو يوسف يحول الامام وحده فاستثنى ابن الماجشون النساء فقال لا يستحب في حقهن انتهى قلت فالقول الظاهر المعول عليه هو ما ذهب إليه الجمهور فائدة أخرى اختلف في حكمة هذا التحويل فجزم المهلب بأنه للتفاؤل بتحويل الحال عما هي عليه وتعقبه ابن العربي بأن من شرط الفأل أن لا يقصد إليه قال وإنما التحويل أمارة بينه وبين ربه قيل له حول رداءك ليتحول حالك وتعقب بأن الذي جزم به يحتاج إلى نقل والذي رده ورد فيه حديث رجاله ثقاة أخرجه الدارقطني والحاكم من طريق جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جابر ورجح الدارقطني إرساله وعلى كل حال فهو أولى من القول بالظن وقال بعضهم إنما حول رداءه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع يديه في الدعاء فلا يكون سنة في كل حال وأجيب بأن التحويل من جهة إلى جهة لا يقتضي الثبوت على العاتق فالجمل على المعنى الأول أولى فإن الاتباع أولى من تركه
[ 107 ]
لمجرد احتمال الخصوص كذا في الفتح وفي الدراية وللحاكم من حديث جابر وتحول رداءه ليتحول القحط وللدارقطني من حديث أنس وقلب رداءه لأن ينقلب القحط إلى الخصب انتهى فالقول المعول عليه في حكمة التحويل هو ما جزم به المهلب قوله (في الباب عن ابن عباس وأبي هريرة) تقدم تخريج حديثهما (وأنس) أخرجه الطبراني في معجمه الوسط وسيأتي لفظه (وآبى اللحم) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي قوله (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي وأخرجه مسلم ولم يذكر الجهر بالقراءة قوله (وعلى هذا العمل عند أهل العلم) أي على ما يدل عليه حديث عبد الله بن زيد (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور وهو الحق قوله (عن يزيد بن عبد الله) بن أسامة بن الهاد الليثي المدني وثقه ابن معين والنسائي وهو من رجال الكتب الستة (عن عمير) بالتصغير (مولى أبى اللحم) الغفاري صحابي شهد خيبر وعاش إلى نحو السبعين (عن آبى اللحم) بالمد اسم رجل من قدماء الصحابة سمي بذلك لامتناعه من أكل اللحم أو لحم ما ذبح على النصب في الجاهلية اسمه عبد الله بن عبد الملك استشهد يوم حنين قوله (عند أحجار الزيت) هو موضع بالمدينة من الحرة سميت بذلك لسواد أحجارها بها كأنها طليت بالزيت (يستسقي) حال (وهو مقنع بكفيه) أي رافع كفيه وفي رواية أبي داود قائما يدعو يستسقي رافعا يديه لا يجاوز بهما رأسه والحديث استدل به لأبي حنيفة رحمه الله على عدم استنان الصلاة في الاستسقاء لأنه ليس فيه ذكر الصلاة وقد تقدم الجواب عنه فتذكر
[ 108 ]
قوله (كذا قال قتيبة في هذا الحديث الخ) والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (عن هشام بن إسحاق) المدني القرشي قال في التقريب مقبول وقال في الخلاصة قال أبو حاتم شيخ (عن أبيه) هو إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال النسائي ليس به بأس وقال أبو زرعة ثقة قوله (خرج منبذة) أي لابسا ثياب البذلة تاركا ثياب الزينة قال في النهاية التبذل ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع (متواضعا) في الظاهر (متخشعا) في الباطن وقال في النيل قوله متخشعا أي مظهرا للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل وزاد في رواية مترس أي غير مستعجل في مشيه (متضرعا) أي مظهرا للضراعة وهي التذلل عند طلب الحاجة (فلم يخطب خطبتكم هذه) النفي متوجه إلى القيد لا إلى المقيد كما يدل على ذلك الأحاديث المصرحة بالخطبة وفي رواية أبي داود فرقى المنبر ولم يخطب خطبتكم هذه فقوله فرقى المنبر أيضا يدل على أن النفي متوجه إلى القيد قال الزيلعي في نصب الراية قال أحمد لا تسن الخطبة في الاستسقاء واحتجوا له بقوله فلم يخطب خطبتكم هذه ، قلنا مفهومه أنه خطب لكنه لم يخطب خطبتين كما يفعل في الجمعة ولكنه خطب الخطبة واحدة فلذلك نفي النوع ولم ولم ينف الجنس ولم يرو أنه خطب خطبتين فلذلك قال أبو يوسف يخطب خطبة واحدة ومحمد يقول يخطب خطبتين ولم أجد له شاهدا انتهى كلام الزيلعي (وصل ركعتين كما كان يصلي في العيد) استدل به الشافعي رحمه الله على أنه يكبر في
[ 109 ]
صلاة الإستسقاء كتكبير العيد وتأوله الجمهور على أن المراد كصلاة العيد في العدد والجهر بالقراءة وكونها قبل الخطبة واستدل له بما أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن طلحة قال أرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سنة الاستسقاء فقال سنة الاستسقاء سنة الصلاة في العيدين الحديث وفيه وصلى ركعتين كبر في الأولى سبع تكبيرات وقرأ سبح اسم ربك وقرأ في الثانية هل أتاك حديث الغاشية وكبر فيها خمس تكبيرات قال الحاكم صحيح الاسناد ولم يخرجاه قال الحافظ الزيلعي والجواب عنه من وجهين أحدهما ضعف الحديث فإن محمد بن عبد العزيز هذا قال فيه البخاري منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث وقال أبو حاتم ضعيف الحديث ليس له حديث مستقيم الثاني أنه معارض بحديث أخرجه الطبراني في معجمه الوسط عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسقي فخطب قبل الصلاة واستقبل القبلة وحول رداءه ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة انتهى كلام الزيلعي قلت قال الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث أنس هذا ولا حجة فيه فإنها كانت حينئذ صلاة الجمعة انتهى واعلم أنه قد اختلف الأحاديث في تقديم الخطبة على الصلاة أو العكس ففي حديث أبي هريرة وحديث أنس وحديث عبد الله بن زيد عند أحمد أنه بدأ الصلاة قبل الخطبة وفي حديث عبد الله بن زيد في الصحيحين وغيرهما وكذا في حديث ابن عباس عند أبي داود وحديث عائشة عند أبي داود أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة ولكنه لم يصرح في حديث عبد الله بن زيد الذي في الصحيحين أنه خطب وإنما ذكر تحويل الظهر إلى الناس واستقبال القبلة والدعاء وتحويل الرداء قال القرطبي يعتضد القول بتقديم الصلاة على الخطبة بمشابهتها للعيد وكذا ما تقرر من تقديم الصلاة أمام الحاجة قال في الفتح ويمكن الجمع بين ما اختلف من الروايات في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعاء ثم صلى ركعتين ثم خطب فاقتصر بعض الرواة على شئ وعبر بعضهم بالدعاء عن الخطبة فلذلك وقع الاختلاف والمرجح عند الشافعية والمالكية الشروع بالصلاة وعن أحمد رواية كذلك قال النووي وبه قال الجماهير وقال الليث بعد الخطبة وكان مالك يقول به ثم رجع إلى قول الجماهير قال قال أصحابنا ولو قدم الخطبة على الصلاة صحتا ولكن الأفضل تقديم الصلاة كصلاة العيد وخطبتها وجاء في الأحاديث ما يقتضي جواز التقديم والتأخير واختلف الرواية في ذلك عن الصحابة انتهى
[ 110 ]
كذا ذكر القاضي الشوكاني في النيل وقال جواز التقديم والتأخير بلا أولوية هو الحق انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وصححه أيضا عن أبو عوانة وابن حبان قوله (وزاد فيه متخشعا) أي مظهرا للخشوع ليكون ذلك وسيلة إلى نيل ما عند الله عز وجل وزاد في رواية مترس أي غير مستعجل في مشيه قوله (وهو قول الشافعي قال يصلي صلاة الاستسقاء نحو صلاة العيدين يكبر في الركعة الأولى سبعا وفي الثاينة خمسا واحتج بحديث ابن عباس) تقدم الكلام في ذلك فتذكر (وروى عن مالك بن أنس أنه قال لا يكبر في صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيدين) وهو قول الجمهور واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك وقال داود إنه مخير بين التكبير وتركه قلت الراجح عندي قول الجمهور فإنه لم يثبت من حديث مرفوع صحيح صريح أنه يكبر في صلاة الاستسقاء في الركعة الأولى سبعا وفي الثانية خمسا كما يكبر في صلاة العيدين أما حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي وغيره فليس بصريح في ذلك وأما حديثه الذي أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي وقد تقدم فقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للإحتجاج والله تعالى أعلم
[ 111 ]
باب ما جاء في صلاة الكسوف قال الحافظ في الفتح المشهور في استعمال الفقهاء أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر واختاره ثعلب وذكر الجوهري أنه أفصح وقيل يتعين ذلك وحكى عياض عن بعضهم عكسه وغلطه لثبوته بالخاء في القرآن وقيل يقال بهما في كل منهما وبه جاءت الأحاديث ولا شك أن مدلول الكسوف لغة غير مدلول الخسوف لأن الكسوف التغير إلى سواد والخسوف النقصان أي الذل فإذا قيل في الشمس كسفت أو خسفت لأنها تتغير ولحقها النقص ساغ وكذلك القمر ولا يلزم من ذلك أن الكسوف والخسوف مترادفان وقيل بالكاف في الابتداء وبالخاء في الانتهاء وقيل بالكاف لذهاب جميع الضوء وبالخاء لبعضه وقيل بالخاء لذهاب كل اللون وبالكاف لتغيره انتهى قوله (أنه صلى في كسوف فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم سجد سجدتين الخ) أي ركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وسجد سجدتين والحديث أخرجه أيضا مسلم ولفظه ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع وفي لفظ له ثمان ركعات في أربع سجدات وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ركع ركوعين في كل ركعة وسجد سجدتين ولفظهما فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياما طوي نحوا من قراءة سورة البقرة ثم ركع ركوعا طوي ثم رفع فقام قياما طوي وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طوي وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم قام قياما طوي وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طوي وهو دون الركوع الأول ثم رفع فقام قياما طوي وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعا طوي وهو دون الركوع الأول ثم سجد ثم انصرف وحديث ابن عباس هذا الذي رواه البخاري ومسلم أصح وأقوى وأما حديثه الذي رواه الترمذي وحديثه الذي رواه مسلم فهما من طريق حبيب بن أبي ثابت عن طاؤس عن ابن عباس قال الحافظ في التلخيص قال ابن حبان في صحيحه هذا
[ 112 ]
الحديث ليس بصحيح لأنه من رواية حبيب بن أبي ثابت عن طاؤس ولم يسمعه حبيب من طاؤس وقال البيهقي حبيب وإن كان ثقة فإنه كان يدلس ولم يبين سماعه فيه من طاؤس وقد خالفه سليمان الأحول فوقفه انتهى ما في التلخيص وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ركع في كل ركعة من صلاة الكسوف ركوعين وسجد سجدتين من عدة أحاديث صحيحة قال الرافعي واشتهرت الرواية عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم أن في كل ركعتين ركوعين انتهى قال الحافظ في التلخيص كذا رواه الأئمة عن عائشة وأسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس وجابر وأبي موسى الأشعري وسمرة بن جندب انتهى قوله (وفي الباب عن علي وعائشة وعبد الله بن عمرو والنعمان بن بشير والمغيرة بن شعبة وأبي مسعود وأبي بكرة وسمرة وابن مسعود وأسماء بنت أبي بكر وابن عمر وقبيصة الهلالي وجابر بن عبد الله وأبي موسى وعبد الرحم ن بن سمرة وأبي بن كعب) أما حديث علي فأخرجه أحمد ولفظه قال كسفت الشمس فصلى على الناس فقرأ يس ونحوها ثم ركع نحوا من قدر سورة الحديث وفيه حتى صلى أربع ركوعات ثم قال سمع الله لمن حمده ثم سجد ثم قام إلى الركعة ففعل كفعله في الركعة الأولى ثم جلس يدعو ويرغب حتى انجلت الشمس ثم حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك فعل انتهى وقال مسلم في صحيحه بعد رواية حديث ابن عباس بلفظ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كسفت الشمس ثمان ركعات في أربع سجدات وعن علي مثل ذلك ولم يذكر مسلم لفظه وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وفي اخره فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان ولفظه لما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم نودي أن الصلاة جامعة فركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ثم قام فركع ركعتين في سجدة ثم جلى عن الشمس وأما حديث النعمان بن بشير فأخرجه أبو داود وفيه فجعل يصلي ركعتين ورواه النسائي بلفظ فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة ركعتين وأخرجه أحمد والحاكم
[ 113 ]
وصححه ابن عبد البر وأعله ابن أبي حاتم بالانقطاع كذا في التلخيص الحبير وأما حديث المغيره بن شعبة فأخرجه الشيخان وفيه فإذا رأيتموهما فادعوا الله تعالى وصلوا حتى ينجلي وأما حديث أبي مسعود فأخرجه مسلم وأما حديث أبي بكرة فأخرجه البخاري وفيه فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم ورواه ابن حبان والحاكم ولفظهما فإذا انكسف أحدهما فافزعوا إلى المساجد وفيه فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم وللنسائي مثل ما تصلون كذا في التلخيص وأما حديث سمرة فأخرجه الترمذي في الباب الاتي وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا وأما حديث ابن مسعود فأخرجه البزار والطبراني في الكبير قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه حبيب بن حسان وهو ضعيف ولم يذكر لفظه بل أحال على حديث أول الباب وهو حديث أبي شريح الخزاعي قال كسفت الشمس على عهد عثمان فصلى بالناس تلك الصلاة ركعتين وسجد سجدتين في كل ركعة قال ثم انصرف عثمان فدخل داره وجلس عبد الله بن مسعود إلى حجرة عائشة وجلسنا إليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر فإذا رأيتموه قد أصابهما فافزعوا إلى الصلاة الحديث رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والبزار قال الهيثمي ورجاله موثقون وأما حديث أسماء بنت أبي بكر فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان أيضا وأما حديث قبيصة الهلالي فأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم بلفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح كذا في النيل وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وفيه فكانت أربع ركعات وأربع سجدات وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان وأما حديث عبد الرحم ن بن سمرة فأخرجه مسلم بلفظ قال بينما أرمي بأسهمي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا إنكسفت الشمس فنبذتهن وقلت لأنظرن ما يحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في انكساف الشمس اليوم فانتهيت إليه وهو يديه يدعو ويكبر ويحمد ويهلل حتى جلى عن الشمس فقرأ سورتين وركع ركعتين وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أبو داود وفيه فقرأ بسورة من الطول وركع خمس ركعات وسجد سجدتين ثم قام الثانية فقرأ سورة من الطول وركع خمس ركعات وسجد سجدتين قال المنذري في إسناده أبو جعفر واسمه عيسى بن عبد الله بن ماهان الرازي
[ 114 ]
وفيه مقال واختلف فيه قول ابن معين وابن المديني انتهى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وقد ضعفه ابن حبان والبيهقي وقد تقدم كلامهما (وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف أربع ركعات في أربع سجدات) أخرجه الشيخان وقد تقدم لفظه (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور قال النووي في شرح مسلم واختلفوا في صفتها فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وأما السجود فسجدتان كغيرهما قال ابن عبد البر وهذا أصح ما في هذا الباب وباقي الروايات المخالفة معللة ضعيفة وحملوا حديث ابن سمرة بأنه مطلق وهذه الأحاديث تبين المراد به انتهى وقال الحافظ ابن تيمية في كتاب التوسل والوسيلة في بيان أن تصحيح مسلم لا يبلغ مبلغ تصحيح البخاري ما لفظه كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات كما روى أنه صلى بركوعين والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات ابراهيم وقد بين ذلك الشافعي وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف ولا كان إبراهيمان ومن نقل أنه مات عاشر الشهر فقد كذب انتهى كلامه قوله (فرأى بعضهم أن يسر بالقراءة فيها بالنهار ورأى بعضهم أن يجهر بالقراءة فيها كنحو صلاة العيدين والجمعة) ويجئ دلائل الفريقين (وبه يقول مالك وأحمد وإسحاق يرون
[ 115 ]
الجهر فيها) وهو الراجح عندي (صح أنه صلى أربع ركعات في أربع سجدات إلخ) هذا بيان لقوله قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كلتا الروايتين والمراد بالركعات الركوعات (ويروي أصحابنا) أي أصحاب الحديث (أن يصلي صلاة الكسوف في جماعة في كسوف الشمس والقمر) أي وإن لم يحضر الامام الراتب فيؤم لهم بعضهم وبه قال الجمهور وعن الثوري إن لم يحضر الامام صلوا فرادى كذا في فتح الباري قلت وقال الحنفية أيضا بأنه إن لم يحضر إمام الجمعة صلوا فرادى وقالوا لا جماعة في صلاة خسوف القمر ففي شرح الوقاية عند الكسوف يصلي إمام الجمعة بالناس ركعتين وإن لم يحضر أي إمام الجمعة صلوا فرادى كالخسوف انتهى مختصرا والقول الراجح الظاهر هو ما قال به الجمهور فأنه قد روى الشيخان من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فصلوا وفي لفظ فافزعوا إلى الصلاة وكذلك روياه من حديث ابن عمر ومن حديث أبي مسعود الأنصاري ومعلوم أن صلاته صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس كانت بالجماعة فالظاهر أن تكون الصلاة في خسوف القمر أيضا بالجماعة وأما إذا لم يحضر الامام الراتب فيؤم لهم بعضهم وأما تعليلهم بأن في الجمع بدون حضور الامام المأذون له احتمال الفتنة ففيه أنهم إذا اتفقوا على أحد يؤمهم وتراضوا به لا يكون احتمال الفتنة
[ 116 ]
قوله (ثم رفع رأسه فسجد) وفي رواية للبخاري ثم سجد سجودا طوي ووقع عند مسلم من حديث جابر بلفظ ثم رفع فأطال ثم سجد ففيه تطويل الرفع الذي يتعقبه السجود ولكن قال النووي هي رواية شاذة مخالفة فلا يعمل بها أو المراد زيادة الطمأنينة في الاعتدال لا إطالته نحو الركوع قال الحافظ في الفتح ما لفظه وتعقب بما رواه النسائي وابن خزيمة وغيرهما من حديث عبد الله بن عمرو أيضا ففيه ثم ركع فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فأطال حتى قيل لا يسجد ثم سجد فأطال حتى قيل لا يرفع ثم رفع فجلس فأطال الجلوس حتى قيل لا يسجد ثم سجد لفظ ابن خزيمة من طريق الثوري عن عطاء بن السائب عن أبيه عنه والثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط فالحديث صحيح ولم أقف في شئ من الطرق على تطويل الجلوس بين السجدتين إلا في هذا وقد نقل الغزالي الاتفاق على ترك إطالته فإن أراد الاتفاق المذهبي فلا كلام وإلا فهو محجوج بهذه الرواية انتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يرون صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات) المراد بالركعات الركوعات أي يرون في كل ركعة ركوعين وسجدتين وهو القول الراجح المعول عليه وقال الحنفية إن في كل ركعة ركوعا وسجدتين وهو القول الراجح المعول عليه ، وقال الحنفية : إن في كل ركعة ركوعا واحدا كسائر الصلوات الثنائية واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكرة الذي أشار إليه الترمذي وقد ذكرنا لفظه ففي
[ 117 ]
رواية البخاري فصلى بنا ركعتين وفي رواية ابن حبان والحاكم فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم وللنسائي مثل ما تصلون وحمله ابن حبان والبيهقي على أن المعنى كما تصلون في الكسوف لأن أبا بكرة خاطب بذلك أهل البصرة وقد كان ابن عباس علمهم أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان كما روى ذلك الشافعي وابن أبي شيبة وغيرهما ويؤيد ذلك رواية أبي بكرة من طريق عبد الوارث عن يونس في صحيح البخاري في أواخر الكسوف أن ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في حديث جابر عند مسلم مثله وقال فيه إن في كل ركعة ركوعين فدل ذلك على اتحاد القصة وظهر أن رواية أبي بكرة مطلقة وفي رواية جابر زيادة بيان في صفة الركوع والأخذ بها أولى ووقع في أكثر الطرق وعن عائشة أيضا أن في كل ركعة ركوعين وعند ابن خزيمة من حديثها أيضا أن ذلك كان يوم مات إبراهيم عليه السلام كذا في فتح الباري واستدلوا أيضا بحديث النعمان بن بشير وقد تقدم تخريجه وفيه فجعل يصلي ركعتين ورواه النسائي بلفظ فصلوا كأحدث صلاة صليتموها والجواب أن هذا الحديث مطلق وفي رواية جابر وغيره زيادة بيان في صفة الركوع فالأخذ بها هو أولى كما عرفت
[ 118 ]
باب كيف القراءة في الكسوف أي بالجهر أو بالسر قوله (عن الأسود بن قيس) العبدي ويقال العجلي الكوفي يكنى أبا قيس ثقة من الرابعة (عن ثعلبة بن عباد) بكسر العين المهملة وتخفيف الموحدة العبدي البصري مقبول كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان تابعي سمع سمرة وعنه الأسود بن قيس فقط بحديث الكسوف الطويل قال ابن المديني الأسود يروي عن مجاهيل وقال ابن حزم ثعلبة مجهول انتهى قوله (لا نسمع له صوتا) قال القاري في المرقاة هذا يدل على أن الامام لا يجهر بالقراءة في صلاة الكسوف وبه قال أبو حنيفة وتبعه الشافعي وغيره قال ابن الهمام ويدل عليه أيضا حديث ابن عباس روى أحمد وأبو يعلى في مسندهما عنه صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم أسمع منه حرفا من القراءة ورواه أبو نعيم في الحيلة عن ابن عباس قال صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس فلم أسمع له قراءة قال ولهما رواية عن عائشة في الصحيحين قالت جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته وللبخاري من حديث أسماء جهر عليه الصلاة والسلام في صلاة الكسوف ورواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه ولفظه صلى صلاة الكسوف فجهر فيها بالقراءة ثم قال وإذا حصل التعارض وجب الترجيح بأن الأصل في صلاة النهار الاخفاء انتهى ما في المرقاة قلت أحاديث الجهر نصوص صريحة في الجهر وأما حديث الباب أعني حديث سمرة فهو ليس بنص في السر ونفي الجهر قال الحافظ بن تيمية في المنتقى وهذا يحتمل أنه لم يسمعه لبعده لأن في رواية مبسوطة له أتينا والمسجد قد امتلأ انتهى وأما حديث ابن عباس بلفظ صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ فهو لا يوازي أحاديث الجهر في الصحة فلا شك في أن حديث الجهر مقدمة على حديث سمرة وحديث ابن عباس المذكورين والله تعالى أعلم
[ 119 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه أبو داود وفيه فصلى بالناس فخزرت قراءته فرأيت أنه قرأ سورة البقرة الحديث وفي سنده محمد بن إ سحاق وقد تفرد هو بهذا اللفظ قوله (حديث سمرة بن جندب حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بعضهم مطولا وبعضهم مختصرا وقد صححه ابن حبان والحاكم أيضا قال الحافظ في التلخيص وأعله ابن حزم بجهالة ثعلبة بن عباد راويه عن سمرة وقد قال ابن المديني إنه مجهول وقد ذكره ابن حبان في الثقات مع أنه لا راوي له إلا الأسود بن قيس انتهى قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا) أي إلى الاسرار بالقراءة في صلاة الكسوف (وهو قول الشافعي) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ومالك رحمه الله قال النووي في شرح مسلم إن مذهبنا ومذهب مالك وأبي حنيفة رحمه الله والليث بن سعد وجمهور الفقهاء أنه يسر في كسوف الشمس ويجهر في خسوف القمر انتهى وقال الحافظ في الفتح قال الأئمة الثلاثة يعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة يسر في الشمس ويجهر في القمر انتهى وقد عد الترمذي مالكا من القائلين بالجهر بالقراءة في صلاة الكسوف فلعل من الامام مالك روايتين والله تعالى أعلم قال الحافظ في الفتح واحتج الشافعي بقول ابن عباس قرأ نحوا من سورة البقرة لأنه لو جهر لم يحتج إلى تقدير وتعقب باحتمال أن يكون بعيدا منه لكن ذكر الشافعي تعليقا عن ابن عباس أنه صلى بجنب النبي صلى الله عليه وسلم في الكسوف فلم يسمع منه حرفا ووصله البيهقي من ثلاثة طرق أسانيدها داهية وعلى تقدير ثبوتها فمثبت الجهر معه قدر زائد فالأخذ به أولى وإن ثبت التعدد فيكون فعل ذلك لبيان الجواز وهكذا الجواب عن حديث سمرة عند أبي خزيمة والترمذي لم يسمع له صوتا أنه إن ثبت لا يدل على نفي الجهر قوله (أخبرنا إبراهيم بن صدقة) البصري صدوق
[ 120 ]
قوله (وجهر بالقراءة فيها) هذا نص صريح في الجهر بالقراءة في صلاة كسوف الشمس وفي رواية ابن حبان كسفت الشمس فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات وجهر بالقراءة وبهذه الرواية بطل ما قال النووي من أن رواية الجهر في خسوف القمر ورواية الإسرار في كسوف الشمس وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف قال الحافظ في الفتح وقد ورد الجهر فيها عن علي مرفوعا وموقوفا أخرجه ابن خزيمة وغيره وقال به صاحبا أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وابن العربي من المالكية وقال الطبري يخير بين الجهر والإسرار انتهى قوله (حديث حسن صحيح) وأخرجه الطحاوي فإن قلت روى هذا الحديث سفيان بن حسين عن الزهري وهو ثقة في غير الزهري فكيف يكون حديثه هذا بلفظ وجهر بالقراءة فيها حسنا صحيحا قلت لم يتفرد هو برواية هذا الحديث بهذا اللفظ عن الزهري بل تابعه على ذلك سليمان بن كثير عند أحمد وعقيل عند الطحاوي وإسحاق بن راشد عند الدارقطني قال الحافظ وهذه طرق يعضد بعضها بعضا يفيد مجموعها الجزم بذلك فلا معنى لتعليل من أعله بتضعيف سفيان بن حسين وغيره انتهى قوله (وبهذا الحديث يقول مالك وأحمد وإسحاق) وهذا القول هو الراجح المعول عليه
[ 121 ]
باب ما جاء في صلاة الخوف أي أحكام الصلاة عند الخوف من الكفار وأجمعوا على أن صلاة الخوف ثابتة الحكم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي يوسف أنها مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى وإذا كنت فيهم وأجيب بأنه قيد واقعي نحو قوله (إن خفتم) في صلاة المسافر ثم اتفقوا على أن جميع الصفات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف معتد بها وإنما الخلاف بينهم في الترجيح وما أحسن قول أحمد لا حرج على من صلى بواحدة مما صح عنه عليه الصلاة والسلام كذا في المرقاة وذكر الحافظ ابن تيمية في منهاج السنة وغيره أن الاختلاف الوارد فيه ليس اختلاف تضاد بل اختلاف وسعة وتخيير انتهى قوله (عن سالم عن أبيه) أي عبد الله بن عمر قوله (والطائفة الأخرى مواجهة العدو) وفي رواية البخاري فقامت طائفة معه وأقبلت طائفة على العدو (ثم انصرفوا) أي الطائفة الأولى التى صلت معه صلى الله عليه وسلم (فقاموا في مقام أولئك) أي في مقام الطائفة الثانية التي لم تصل (ثم سلم) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عليهم) أي على الطائفة الثانية (فقام هؤلاء فقضوا ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم) وفي رواية البخاري فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين قال الحافظ في فتح الباري لم تختلف الطرق عن ابن عمر في هذا وظاهر أنهم أتموا لأنفسهم في حالة واحدة ويحتمل أنهم أتموا على التعاقب وهو الراجح من حيث المعنى وإلا فيستلزم تضييع الحراسة المطلوبة وإفراد الامام وحده ويرجحه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود ولفظه ثم سلم فقام هؤلاء أي الطائفة الثانية فقضوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا ثم
[ 122 ]
ذهبوا ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا انتهى وظاهره أن الطائفة الثانية والت بين ركعتيها ثم أتمت الطائفة الأولى بعدها ووقع في الرافعي تبعا لغيره من كتب الفقه أن في حديث ابن عمر هذا أن الطائفة الثانية تأخرت وجاءت الطائفة الأولى فأتموا ركعة ثم تأخروا وعادت الطائفة الثانية فأتموا ولم نقف على ذلك في شئ من الطرق وبهذه الكيفية أخذ الحنفية واختار في حديث ابن مسعود أشهب والأوزاعي وهي الموافقة لحديث سهل بن أبي حثمة من رواية مالك عن يحيى بن سعيد انتهى كلام الحافظ وقال القاري في المرقاة في شرح قوله فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين تفصيله أن الطائفة الثانية ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الأولى إلى مكانهم وأتموا صلاتهم منفردين وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثانية وأتموا منفردين وسلموا كما ذكره بعض الشراح من علمائنا قال ابن الملك كذا قيل وبهذا أخذ أبو حنيفة لكن الحديث لم يشعر بذلك انتهى وهو كذلك لكن قال ابن الهمام ولا يخفى أن هذا الحديث إنما يدل على بعض ما ذهب إليه أبو حنيفة وهو مشي الطائفة الأولى وإتمام الطائفة الثانية في مكانها من خلف الامام وهو أقل تغييرا وقد دل على تمام ما ذهب إليه ما هو موقوف على ابن عباس من رواية أبي حنيفة ذكره محمد في كتاب الاثار وساق إسناد الامام ولا يخفى أن ذلك مما لا مجال للرأي فيه فالموقوف فيه كالمرفوع انتهى ما في المرقاة قلت قال محمد في كتاب الاثار أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم في صلاة الخوف قال إذا صلى الإمام بأصحابه فلتقم طائفة منهم مع الإمام وطائفة بإزاء العدو فيصلي الإمام بالطائفة الذين معه ركعة ثم تنصرف الطائفة الذين صلوا مع الإمام من غير أن يتكلموا حتى يقوموا في مقام أصحابهم وتأتي الطائفة الأولى حتى يصلوا ركعة وحدانا ثم ينصرفون فيقومون مقام أصحابهم وتأتي الطائفة الأخرى حتى يقضوا الركعة التي بقيت عليهم وحدانا قال محمد أخبرنا أبو حنيفة حدثنا الحارث عن عبد الرحم عن ابن عباس مثل ذلك قال محمد وبهذا كله نأخذ انتهى ما في كتاب الاثار قلت الحارث هذا إن كان هو الأعور فقد كذبه الشعبي وابن المديني وإن كان غيره فلا أدري من هو قوله (وفي الباب عن جابر وحذيفة وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي هريرة وابن
[ 123 ]
مسعود وسهل بن أبي حثمة وأبي عياش الزرقي واسمه زيد بن ثابت وأبي بكرة) أما حديث جابر فأخرجه الشيخان وأما حديث حذيفة فأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه النسائي وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود وأما حديث سهل بن أبي حثمة فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي عياش الزريق فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وأما حديث أبي بكرة فأخرجه أحمد وأبو داود النسائي قلت وفي الباب أيضا عن علي وعائشة وخوات بن جبير وأبي موسى الأشعري أما حديث علي فأخرجه البزار وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود وأما حديث خوات بن جبير فأخرجه أبو مندة في معرفة الصحابة وأما حديث أبي موسى فأخرجه ابن عبد البر في التمهيد قوله (وقد ذهب مالك بن أنس في صلاة الخوف إلى حديث سهل بن أبي حثمة) الاتي وفي هذا الباب قال مالك في الموطأ وحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات أحب ما سمعت إلي في صلاة الخوف انتهى والمراد بحديث القاسم بن محمد عن صالح بن خوات هو حديث سهل بن أبي حثمة (وهو قول الشافعي إلخ) قال الحافظ في الفتح قد ورد في كيفية صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح ابن عبد البر الكيفية الواردة في حديث ابن عمر على غيرها لقوة الاسناد ولموافقة الأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل سلام إمامه وعن أحمد قال ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة أيها فعل المرء جاز ومال إلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة وكذا رجحه الشافعي ولم يختر إسحاق شيئا على شئ وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا ابن حبان في صحيحه وزاد تاسعا . . وقال ابن حزم صح فيها أربعة عشر وجها وبينها في جزء مفرد وقال ابن العربي في القبس جاء فيها روايات كثيرة أصحها ستة عشر رواية مختلفة ولم يبينها وقال النووي في شرح مسلم ولم يبينها أيضا وقد بينها شيخنا أبو الفضل في شرح الترمذي وزاد وجها اخر فصارت سبعة عشر وجها لكن يمكن أن تتداخل قال صاحب الهدى أصولها ست صفات بلغها بعضهم أكثر وهؤلاء
[ 124 ]
كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو من اختلاف الرواة انتهى وهذا هو المعتمد وإليه أشار شيخنا بقوله يمكن تداخلها انتهى ما في الفتح (وما أعلم في هذا الباب إلا حديثا صحيحا) قال الحافظ في التلخيص ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه قال ما أعلم في هذا الباب حديثا إلا صحيحا قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة قوله (عن صالح بن خوات) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الواو وبالتاء الفوقانية أنصاري مدني تابعي مشهور غزير الحديث سمع أباه وسهل بن أبي حثمة (عن سهل بن أبي حثمة) الأنصاري الخزرجي المد ثلاث من الهجرة وله أحاديث مات في خلافة معاوية قوله (فيركع بهم ركعة ويركعون لأنفسهم ركعة ويسجدون لأنفسهم سجدتين في مكانهم ثم يذهبون في مقام أولئك) وفي رواية مالك وفي الموطأ فيركع الامام ركعة ويسجد بالذي معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون وينصرفون والإمام
[ 125 ]
قائم فيكونون وجاه العدو (ويجئ أولئك فيركع بهم ركعة ويسجد بهم سجدتين) أي ثم يسلم وحده (فهي) أي فهذه الصلاة (له) صلى الله عليه وسلم ثنتان أي ركعتان (ولهم) أي لكل واحد من الطائفتين (واحدة) أي ركعة واحدة (ثم يركعون ركعة ويسجدون سجدتين) أي ثم يسلمون وفي رواية مالك في الموطأ ثم يقبل الاخرون الذين لم يصلوا فيكبرون وراء الإمام فيركع بهم ويسجد بهم ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الثانية ثم يسلمون قوله (قال محمد بن بشار سألت يحيى بن سعيد) أي القطان (عن هذا الحديث) أي هل بلغك هذا الحديث مرفوعا أم لا (فحدثني) أي يحيى القطان (بمثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري) المذكور الموقوف (وقال لي اكتبه إلى جنبه) هذا مقول محمد بن بشار أي وقال لي يحيى بن سعيد القطان اكتب الحديث الذي رويته عن شعبة مرفوعا إلى جنب الحديث الذي رويته عن يحيى بن سعيد الانصاري موقوفا (ولست أحفظ الحديث) أي قال يحيى القطان لست أحفظ لفظ الحديث الذي رويته عن شعبة مرفوعا (لكنه) أي لكن الحديث المرفوع (مثل حديث يحيى بن سعيد الأنصاري) الموقوف المذكور تنبيه إعلم أن بعض العلماء الحنفية قد فسر قوله وقال لي أكتبه إلخ هكذا قوله وقال لي
[ 126 ]
أكتبه مقولة يحيى أي قال لي شعبة أكتب هذا الحديث الذي رويت لك إلى جنب الحديث الذي رويت عن يحيى بن سعيد الأنصاري انتهى وفي هذا نظر كما لا يخفى على المتأمل فتأمل قوله (وهذا حديث حسن صحيح) أي هذا الحديث الموقوف الذي رواه يحيى بن سعيد الأنصاري حسن صحيح وأخرجه مالك في الموطأ والبخاري ومسلم أيضا قوله (وبه) أي بحديث سهل بن أبي حثمة (يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) وأخذ أبو حنيفة بحديث عبد الله بن عمر المذكور كما تقدم بيان ذلك وروى عن غير واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة ركعة إلخ أخرج روايات هؤلاء أبو داود في سننه من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه وأخرج الشيخان عن جابر قال أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع الحديث وفيه فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان ولا اختلاف بين هذا وبين ما روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة ركعة لاختلاف القصتين باب ما جاء في سجود القرآن أي سجدة التلاوة وهي أربع عشرة سجدات معروفة عند أبي حنيفة والشافعي غير أن الشافعي عد منها السجدة الثانية من سورة الحج دون سجدة ص وقال أبو حنيفة بالعكس هذا هو المشهور وقال الترمذي رأى بعض أهل العلم أن يسجد في ص وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى فعلى هذا يكون عند الشافعي وأحمد خمس عشرة سجدة وهو رواية عن مالك كذا في المحلي شرح الموطأ للشيخ سلام الله
[ 127 ]
وقال النووي في شرح مسلم قد أجمع العلماء على إثبات سجود التلاوة وهو عندنا وعند الجمهور سنة ليس بواجب وعند أبي حنيفة رضي الله عنه واجب ليس بفرض على اصطلاحه في الفرق بين الواجب والفرض وهو سنة للقارئ والمستمع ويستحب أيضا للسامع الذي لا يسمع لكن لا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع المصغي انتهى كلام النووي وقال القاري في المرقاة هي سجدة منفردة منوية محفوفة بين تكبيرتين مشروط فيها ما شرط للصلاة من غير رفع يد وقيام وتشهد وتسليم وتجب على القارئ والسامع ولو لم يكن مستمعا عند أبي حنيفة وأصحابه انتهى كلام القاري قوله (عن عمر الدمشقي) هو ابن حيان الدمشقي وهو مجهول كما صرح به الحافظ في التقريب قوله (سجدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة إلخ) هذا لا ينافي الزيادة غايته أن أبا الدرداء سجد معه إحدى عشرة سجدة ولم يحضر في غيرها قاله صاحب إنجاح الحاجة قلت ومع هذا فهو حديث ضعيف فإن في سنده عمر الدمشقي وهو مجهول كما عرفت وفي طريقه الثاني الاتي قال عمر الدمشقي سمعت مخبرا يخبرني فهذا المخبر أيضا مجهول وقد صرح أبو داود بتضعيفه حيث قال في سننه روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدة وإسناده واه انتهى كلام أبي داود وروى أبو داود وابن ماجه عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة في القرآن منها ثلاث في المفصل وفي سورة الحج سجدتان والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقال الحافظ في التلخيص حسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وابن القطان وفيه عبد الله بن منين وهو مجهول والراوي عنه الحارث بن سعيد العتقي وهو لا يعرف أيضا وقال ابن ماكولا ليس له غير هذا الحديث انتهى كلام الحافظ قلت قال الحافظ في التقريب عبد الله بن منين بنون مصغرا اليحصبي المصري وثقه يعقوب بن سفيان انتهى وقال في ترجمة الحارث بن سعيد العتقي أنه مقبول فالظاهر أن هذا الحديث حسن وفيه دليل على أن مواضع السجود خمسة عشر موضعا وإليه ذهب أحمد والليث وإسحاق وابن وهب وطائفة من أهل العلم قال الطيبي واختلفوا في عدة سجدات القرآن فقال أحمد خمس عشرة أخذا بظاهر حديث عمرو بن العاص فأدخل سجدة ص فيها
[ 128 ]
وقال الشافعي أربع عشرة سجدة منها ثنتان في الحج وثلاث في المفصل وليست سجدة ص منهن بل هي سجدة شكر وقال أبو حنيفة أربع عشرة فأسقط الثانية من الحج وأثبت سجدة ص وقال مالك إحدى عشرة فأسقط سجدة ص وسجدات المفصل انتهى كلام الطيبي قلت الظاهر هو ما ذهب إليه الامام أحمد وهو مذهب الشافعي أيضا على ما حكى الترمذي وهو رواية عن مالك وهو مذهب الليث وغيره كما عرفت فائدة إعلم أن أول مواضع السجود خاتمة الأعراف وثانيها عند قوله في الرعد بالغدو والاصال وثالثها عند قوله في النحل ويفعلون ما يؤمرون ورابعها عند قوله في بني إسرائيل ويزيدهم خشوعا وخامسها عند قوله في مريم خروا سجدا وبكيا وسادسها عند قوله في الحج إن الله يفعل ما يشاء وسابعها عند قوله في الفرقان وزادهم نفورا وثامنها عند قوله في النمل رب العرش العظيم وتاسعها عند قوله في ألم تنزيل وهم لا يستكبرون وعاشرها عند قوله في ص وخر راكعا وأناب والحادي عشر عند قوله في حم السجدة إن كنتم إياه تعبدون وقال أبو حنيفة والشافعي والجمهور عند قوله وهم لا يسأمون والثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر سجدات المفصل والخامس عشر السجدة الثانية في الحج كذا في النيل قوله (وفي الباب عن علي وابن عباس وأبي هريرة وابن مسعود وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص) أما حديث علي فأخرجه الطبراني في الأوسط وسنده ضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة وأخرج البيهقي عنه بلفظ عزائم السجود أربع ألم تنزيل للسجدة وحم السجدة واقرأ باسم ربك والنجم كذا في شرح السراج وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري والترمذي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والترمذي وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الشيخان وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه أبو داود وابن ماجه وتقدم لفظه قوله (حديث أبي الدرداء حديث غريب) وهو ضعيف كما عرفت (لا نعرفه إلا من حديث سعيد بن أبي هلال عن عمر الدمشقي) وهو مجهول كما عرفت وقال الحافظ في ترجمة
[ 129 ]
سعيد بن أبي هلال صدوق لم أر لأبن حزم في تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط قوله (وهذا أصح من حديث سفيان بن وكيع) أي حديث عبد الله بن عبد الرحم ن أرجح من حديث سفيان بن وكيع وضعفه أقل من ضعفه فإن سفيان بن وكيع متكلم فيه قال الحافظ في التقريب كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه انتهى وقال الخزرجي في الخلاصة قال البخاري يتكلمون فيه باب في خروج النساء إلى المساجد قوله أخبرنا : (عيسى بن يونس) بن أبي إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل كوفي نزل الشام من ابطا ثقة مأمون قوله (ايذنوا بصيغة الأمر من الاذن) وكأن أصله إءذنوا فأبدلت الهمزة الثانية بالياء (بالليل) خص الليل بالذكر لما فيه من الستر بالظلمة (فقال ابنه) أي بلال أو واقد قال المنذري وابن عبد الله بن عمر هذا بلال بن عبد الله بن عمر جاء مبينا في صحيح مسلم وغيره وقيل هو ابنه واقد بن عبد الله بن عمر ذكره مسلم في صحيحه أيضا وقد حقق الحافظ في الفتح أن الراجح أن صاحب القصة بلال (والله لا نأذن لهن) أي للخروج إلى المساجد (يتخذنه دغلا) بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجن الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع
[ 130 ]
يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة فقال أي ابن عمر (فعل الله بك وفعل) وفي رواية بلال عند مسلم فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات وفي رواية زائدة عن الأعمش فانتهره وقال أف لك وإنما أنكر عليه ابن عمر بمخالفة الحديث وأخذ منه تأديب المعترض على السنن برأيه وعلى العالم بهواه وتأديب الرجل ولده وان كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له وجواز التأديب بالهجران فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد فما كلمه عبد الله حتى مات وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وزينب امرأة عبد الله بن مسعود وزيد بن خالد) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود مرفوعا بلفظ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات وأخرجه أيضا ابن خزيمة وأما حديث زينب فأخرجه مسلم بلفظ إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه ابن حبان بمثل حديث أبي هريرة قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري مختصرا ومسلم مطولا فائدة اعلم أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ومع هذا لو استأذنت للصلاة إلى المسجد لا تمنع بل تؤذن لكن لا مطلقا بل بشروط قد وردت في الأحاديث قال النووي في شرح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله هذا وشبهه من أحاديث الباب ظاهر في أنها لا تمنع المسجد لكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث وهي أن لا تكون مطيبة ولا متزينة ولا ذات خلاخل يسمع صوتها ولا ثيات فاخرة ولا مختلطة بالرجال ولا شابة ونحوها ممن يفتتن بها وأن لا يكون في الطريق ما يخاف به مفسدة ونحوها وهذا النهي عن منعهن من الخروج محمول على التنزيه إذا كانت المرأة ذات زوج أو سيد ووجدت الشروط المذكورة فإن لم يكن لها زوج ولا سيد حرم المنع إذا وجدت الشروط انتهى كلام النووي
[ 131 ]
وقال الحافظ في الفتح قال ابن دقيق العيد هذا الحديث عام في النساء إلا أن الفقهاء خصوه بشروط منها أن لا تطيب وهو في بعض الروايات وليخرجن تفلات أن غير متطيبات ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا قال ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد فعند أبي داود عن ابن عمر لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن وصححه ابن خزيمة وعند أحمد والطبراني عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال قد علمت وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة وإسناد أحمد حسن انتهى ما في الفتح مختصرا باب في كراهية البزاق في المسجد قوله (أخبرنا يحيى بن سعيد) هو القطان (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر الكوفي ثقة ثبت (عن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة (بن حراش) بكسر المهملة وآخره معجمة الكوفي ثقه عابد مخضرم قوله (إذا كنت في الصلاة فلا تبزق عن يمينك) وفي حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا (ولكن خلفك) أي إذا لم يكن خلفك أحد يصلي (أو تلقاء شمالك) أي
[ 132 ]
جانب شمالك قال الخطابي إن كان عن يساره أحد فلا يبزق في واحد من الجهتين لكن تحت قدمه أو ثوبه قال الحافظ في الفتح وفي حديث طارق المحاربي عند أبي داود ما يرشد لذلك فإنه قال فيه أو تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فهكذا وبزق تحت رجله ودلك ولعبد الرزاق من طريق عطاء عن أبي هريرة نحوه ولو كان تحت رجله مثلا شئ مبسوط أو نحوه تعين الثوب انتهى (أو تحت قدمك اليسرى) وفي حديث أبي هريرة عند البخاري أو تحت قدمه فيدفنه قال النووي في الرياض المراد بدفنها ما إذا كان المسجد ترابيا أو رمليا وأما إذا كان مبلطا مثلا فدلكها عليه بشئ مثلا فليس ذلك بدفن بل زيادة في التقذير انتهى قال الحافظ في الفتح لكن إذا لم يبق لها أثر البتة فلا مانع وعليه يحمل قوله في حديث عبد الله بن الشخير ثم دلكه بنعله انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر وأنس وأبي هريرة) أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ثخامة في جدار المسجد فتناول حصاة فحتها وقال إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله سبحانه قبل وجهه إذا صلى وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان مرفوعا البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا الشيخان مرفوعا إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يبصق أمامه فإنما يناجي الله ما دام في مصلاه ولا عن يمينه فإن عن يمينه ملكا وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فيدفنها قوله (حديث طارق حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجه
[ 133 ]
قوله (البزاق في المسجد خطيئة) قال النووي اعلم أن البزاق في المسجد خطيئة مطلقا سواء احتاج إلى البزاق أو لم يحتج بل يبزق في ثوبه فإن بزق في المسجد فقد ارتكب الخطيئة وعليه أن يكفر هذه الخطيئة بدفن البزاق هذا هو الصواب أن البزاق خطيئة كما صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله العلماء وللقاضي عياض فيه كلام باطل حاصله أن البزاق ليس بخطيئة إلا في حق من لم يدفنه وأما من أراد دفنه فليس بخطيئة واستدل له بأشياء باطلة فقوله هذا غلط صريح مخالف لنفس الحديث انتهى قال الحافظ في الفتح حاصل النزاع أن ههنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم ابن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخم في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة إلا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال وجدت في مساوئ أعمال أمتي النخامة في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة بمجرد إيقاعها في المسجد بل به ويتركها غير مدفونة انتهى قال وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن انتهى قوله (وكفارتها دفنها) قال النووي معناه إن ارتكب هذه الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنا والخمر وقتل الصيد في الإحرام محرمات وخطايا وإذا ارتكبها فعليه عقوبتها واختلف العلماء في المراد بدفنها فالجمهور قالوا المراد دفنها في تراب المسجد ورمله وحصاته إن كان فيه تراب أو رمل أو حصاة ونحوها وإلا فيخرجها انتهى تنبيه كان للترمذي أن يورد باب خروج النساء إلى المساجد وباب كراهية البزاق في المسجد قبل أبواب سجود القرآن أو بعدها وأما إيرادهما في أثنائها فليس مما ينبغي
[ 134 ]
باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت الخ قوله (عن عطاء بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية وبنون وبمد ويقصر كذا في المغنى قال الحافظ صدوق من الثالثة (سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في اقرأ باسم ربك وإذا السماء انشقت) هما من المفصل فالحديث حجة على مالك رحمه الله قوله (وفي الحديث) أي في إسناده (أربعة من التابعين) من يحيى بن سعيد إلى أبي بكر بن عبد الرحمن قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون السجود في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك) وهذا هو الحق والصواب يدل عليه حديث الباب وحديث عمرو بن العاص المتقدم
[ 135 ]
باب ما جاء في السجدة في النجم قوله (حدثنا هارون بن عبد الله البزاز) بالموحدة والزايين المنقوطتين الحال أبو موسى ثقة من العاشرة (أخبرنا أبي) أي عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري ثقة ثبت قال الذهبي أجمع المسلمون على الاحتجاج به (عن أيوب) هو السختياني قوله (سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يعني النجم والمسلمون والمشركون والجن والإنس) هذه اللامات في هذه الأربعة للعهد أي الذين كانوا عنده وهذا كان بمكة في المسجد الحرام كذا في المرقاة نقلا عن ميرك وقال النووي في شرح مسلم قال القاضي عياض رحمه الله وكان سبب سجودهم فيما قال ابن مسعود رضي الله عنه أنها أول سجدة نزلت قال القاضي وأما ما يرويه الاخباريون والمفسرون أن سبب ذلك ما جرى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثناء على آلهة المشركين في سورة النجم فباطل لا يصح فيه شئ لا من جهة النقل ولا من جهة العقل لأن مدح إله غير الله تعالى كفر ولا يصح نسبة ذلك إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يقوله الشيطان على لسانه ولا يصح تسليط الشيطان على ذلك انتهى وقال الحافظ في فتح الباري قال الكرماني سجد المشركون مع المسلمين لأنها أول سجدة نزلت فأرادوا معارضة المسلمين بالسجود لمعبودهم أو وقع ذلك منهم بلا قصد أو خافوا في ذلك المجلس من مخالفتهم انتهى كلام الكرماني قال الحافظ والاحتمالات الثلاثة فيها نظر والأول منها لعياض والثاني يخالفه سياق ابن مسعود حيث زاد فيه إن الذي استثناه منهم أخذ كفا من حصى فوضع جبهته عليه فإن ذلك ظاهر في القصد والثالث أبعد إذ المسلمون حينئذ هم الذين كانوا خائفين من المشركين لا العكس انتهى كلام الحافظ قال الكرماني وما قيل من أن ذلك بسبب إلقاء الشيطان في أثناء قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صحة له عقلا ولا نقلا انتهى كلام الكرماني قال الحافظ ومن تأمل ما أوردته من ذلك في تفسير سورة الحج عرف وجه الصواب في هذه المسألة بحمد الله تعالى انتهى
[ 136 ]
قلت قال الله تعالى في سورة الحج وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد قال الامام البخاري في صحيحه قال ابن عباس في أمنيته إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته ويقال أمنيته قراءته الأماني يقرأون ولا يكتبون قال الحافظ في الفتح وعلى تأويل ابن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير وقد أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجي فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الاية ثم ذكر الحافظ طرقا عديدة لهذا الحديث ثم قال وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا مع أن لها طريقين اخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوه والثاني ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية ثم رد الحافظ على من قال إن هذه القصة لا أصل لها وأن كل ما روى فيها فهو باطل ثم قال إن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا قال وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض قال وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته
[ 137 ]
ثم ذكر تأويلات للعلماء ورد على كل واحد منها إلا تأويلا واحدا فأقره وجعله أحسن الوجوه فقال وقد سلك العلماء في ذلك مسالك فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر فلما علم ذلك أحكم الله آياته قال ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ورده ابن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان (وما كان لي عليكم من سلطان) الاية قال فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة في طاعة وهكذا ذكر الحافظ تأويلات أخر ورد عليها ثم قال وقيل كان صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها قال وهذا أحسن الوجوه انتهى كلام الحافظ ملخصا قلت في هذا التأويل أيضا كلام كما لا يخفى على المتأمل وأما قوله إن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك أن لها أصلا ففيه أن هذا ليس قانونا كليا قال الزيلعي في نصب الراية وكم من حديث كثرت رواته وتعددت طرقه وهو حديث ضعيف كحديث الطير وحديث الحاجم والمحجوم وحديث من كنت مولاه فعلى مولاه بل قد لا يزيد الحديث كثرة الطرق إلا ضعفا انتهى كلام الزيلعي فتأمل وتفكر تنبيه الغرانيق بفتح الغين المعجمة طيور الماء شبهت الأصنام المعتقدون فيها أنها تشفع لهم بالطيور تعلو في السماء وترتفع وقال العيني في شرح البخاري وقد فسر الكلبي في روايته الغرانيق العلى بالملائكة لا بآلهة المشركين كما يقولون إن الملائكة بنات الله وكذبوا على الله ورد الله ذلك عليهم بقوله ألكم الذكر وله الأنثى فعلى هذا فلعله كان قرآنا ثم نسخ لتوهم المشركين بذلك مدح آلهتم انتهى كلام العيني قلت قوله فعلى هذا فلعله كان قرآنا ثم نسخ فيه نظر فإن الروايات المروية في هذه القصة صريحة في أن هذه الكلمات ألقاها الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم ولو سلم أن قوله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته نزل في هذه القصة فقوله تعالى هذا أيضا صريح في أن ملقي هذه الكلمات على لسان النبي صلى الله عليه وسلم هو الشيطان قال العيني في شرح البخاري فأخبر الله في هذه الاية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن
[ 138 ]
النبي صلى الله عليه وسلم قاله انتهى كلام العيني فكيف يصح أن يقال إن هذه الكلمات أعنى تلك الغرانيق العلى إلخ كانت قرآنا ثم نسخت فتأمل تنبيه آخر قال صاحب العرف الشذي التحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا اللفظ يعني تلك الغرانيق العلى إلخ بطوعه وأنه آية من القرآن نسخ تلاوتها قال والمشار إليه بتلك الغرانيق الملائكة قال وأتى العيني والحافظ بروايتين صحيحتين مرفوعتين على هذا القول الصحيح انتهى كلامه قلت كلامه هذا مردود عليه فإنه لم يثبت برواية مرفوعة صحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا اللفظ بطوعه وأنه آية من القرآن نسخ تلاوتها وأما قوله وأتى العيني والحافظ بروايتين صحيحتين مرفوعتين على هذا القول الصحيح فخطأ فاحش ووهم قبيح فإنه لم يأت العيني ولا الحافظ برواية مرفوعة صحيحة على هذا القول فضلا عن روايتين مرفوعتين صحيحتين باب ما جاء من لم يسجد فيه أي في النجم قوله (عن ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي المدني ثقة فقيه فاضل (عن يزيد بن عبد الله بن قسيط) بقاف مضمومة وسين مهلمة مصغرا وآخره طاء مهلمة ثقة من الرابعة قوله (قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها) احتج بهذا من قال إن المفصل ليس فيه سجدة كالمالكية أو أن النجم بخصوصها لا سجود فيها كأبي ثور قال الحافظ في الفتح ترك السجود فيها في هذه الحالة لا يدل على تركه مطلقا لاحتمال أن يكون السبب في الترك إذ ذاك إما لكونه كان بلا وضوء أو لكون الوقت كان وقت كراهة أو لكون القارئ كان لم يسجد أو ترك حينئذ لبيان الجواز وهذا أرجح الاحتمالات وبه جزم الشافعي لأنه لو كان واجبا لأمره بالسجود ولو بعد ذلك انتهى كلام الحافظ
[ 139 ]
قوله (حديث زيد بن ثابت حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (وتأول بعض أهل العلم هذا الحديث قال إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجود لأن زيد بن ثابت حين قرأ فلم يسجد لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم) يعني أن القارئ إمام للسامع فلما لم يسجد زيد لم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم اتباعا لزيد ويدل على كون القارئ إماما للسامع قول ابن مسعود لتميم بن حذلم وهو غلام فقرأ عليه سجدة فقال اسجد فإنك إمامنا فيها ذكره البخاري تعليقا قال الحافظ في الفتح وصله سعيد بن منصور من رواية مغيرة عن ابراهيم قال قال تميم بن حذلم قرأت القرآن على عبد الله وأنا غلام فمررت بسجدة فقال عبد الله أنت إمامنا فيها وقد روي مرفوعا أخرجه ابن أبي شيبة من رواية ابن عجلان عن زيد بن أسلم أن غلاما قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم السجدة فانتظر الغلام النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد فلما لم يسجد قال يا رسول الله أليس في هذه السجدة سجود قال بلى ولكنك كنت إمامنا فيها ولو سجدت لسجدنا رجاله ثقات إلا أنه مرسل وقد روى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال بلغني فذكر نحوه أخرجه البيهقي من رواية ابن وهب عن هشام بن سعد وحفص بن ميسرة معا عن زيد بن أسلم به انتهى كلام الحافظ (وقالوا السجدة واجبة على من سمعها ولم يرخصوا في تركها وقالوا إن سمع الرجل وهو على غير وضوء فإذا توضأ سجد وهو قول سفيان وأهل الكوفة وبه يقول إسحاق) وبه قال أبو حنيفة قال العيني في عمدة القارئ إستدل صاحب الهداية على الوجوب بقوله صلى الله عليه وسلم السجدة على من سمعها السجدة على من تلاها ثم قال كلمة على للإيجاب والحديث غير مقيد بالقصد قال العيني هذا غريب لم يثبت وإنما روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال السجدة على من سمعها وفي البخاري قال عثمان إنما السجود على من استمع قال واستدل أيضا بالايات فما هم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون فاسجدوا لله واعبدوا واسجد واقترب وقالوا الذم
[ 140 ]
لا يتعلق إلا بترك واجب والأمر في الايتين للوجوب انتهى كلام العيني واستدل أيضا بحديث أبي هريرة إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلى النار أخرجه مسلم قلت قول ابن عمر رضي الله عنه السجدة على من سمعها وقول عثمان إنما السجود على من استمع لو سلم أنهما يدلان على وجوب سجدة التلاوة فهو قولهما وليس بمرفوع وقولهما هذا مخالف لإجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين كما ستقف عليه وأما قوله تعالى وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون فمعناه لا يسجدون إباءا وإنكارا كما قال الشيطان أمرت بالسجود فأبيت فالذم متعلق بترك السجود إباءا وإنكارا قال ابن قدامة في المغنى فأما الاية فإنه ذمهم لترك السجود غير معتقدين فضله ولا مشروعيته انتهى وأما الاستدلال على وجوب سجدة التلاوة بقوله تعالى فاسجدوا لله واعبدوا وقوله واسجد واقترب فموقوف على أن يكون الأمر فيهما للوجوب وعلى أن يكون المراد بالسجود سجدة التلاوة وهما ممنوعان قال الإمام البخاري في صحيحه باب من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود قال الحافظ في الفتح أي وحمل الأمر في قوله اسجدوا على الندب أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجود التلاوة على الندب على قاعدة الشافعي ومن تابعه في حمل المشترك على معنييه ومن الأدلة على أن سجود التلاوة ليس بواجب ما أشار إليه الطحاوي من أن الآيات التي في سجود التلاوة منها ما هو بصيغة الخبر ومنها ما هو بصيغة الأمر وقد وقع الخلاف في التي بصيغة الأمر هل هي فيها سجود أو لا وهي ثانية الحج وخاتمة النجم واقرأ فلو كان سجود التلاوة واجبا لكان ما ورد بصيغة الأمر أولى أن يتفق على السجود فيه مما ورد بصيغة الخبر انتهى (وقال بعض أهل العلم إنما السجدة على من أراد أن يسجد فيها والتمس فضلها ورخصوا في تركها قالوا إن أراد ذلك) وهو قول الشافعي ومالك في أحد قوليه وأحمد وإسحاق والأوزاعي وداود قالوا إنها سنة وهو قول عمر وسلمان وابن عباس وعمران بن حصين وبه قال الليث كذا في عمدة القاري (واحتجوا بالحديث المرفوع حديث زيد بن ثابت قال
[ 141 ]
قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فقالوا لو كانت السجدة واجبة لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم زيدا حتى كان يسجد ويسجد النبي صلى الله عليه وسلم) أجاب العيني وغيره عن حديث زيد بن ثابت هذا بأن معناه أنه لم يسجد على الفور ولا يلزم منه أنه ليس في النجم سجدة ولا فيه نفي الوجوب انتهى وقد عرفت في كلام الحافظ أن في ترك السجود فيها في هذه الحالة احتمالات وأرجح الاحتمالات أنه ترك حينئذ لبيان الجواز (واحتجوا بحديث ابن عمر أنه قرأ سجدة على المنبر فنزل فسجد ثم قرأها في الجمعة الثانية فتهيأ الناس للسجود فقال إنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء فلم يسجد ولم يسجدوا) أخرجه البخاري بلفظ قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاءت السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاءت السجدة قال يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر وزاد نافع عن ابن عمر أن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء انتهى واستدل بقوله لم يفرض على عدم وجوب سجود التلاوة وأجاب بعض الحنفية على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب بأن نفي الفرض لا يستلزم نفي الوجوب وتعقب بأنه اصطلاح لهم حادث وما كان الصحابة يفرقون بينهما ويغني عن هذا قول عمر ومن لم يسجد فلا إثم عليه واستدل بقوله إلا أن نشاء على أن المراد مخير في السجود فيكون ليس بواجب وأجاب من أوجبه بأن المعنى إلا أن نشاء قراءتها فيجب ولا يخفي بعده ويرده تصريح عمر بقوله ومن لم يسجد فلا إثم عليه بأن إنتقاء الاثم عمن ترك الفعل مختارا بدل على عدم وجوبه كذا في فتح الباري تنبيه قال العيني في شرح البخاري واحتجوا أي القائلون بعدم وجوب سجدة التلاوة بحديث عمر رضي الله عنه أن الله لم يكتب علينا السجود إلا أن نشاء وهذا ينفي الوجوب قالوا قال عمر هذا القول والصحابة حاضرون والإجماع السكوتي عندهم حجة انتهى كلام العيني وأجاب هو عن هذا بأن ما روي عن عمر رضي الله عنه فموقوف وهو ليس بحجة عندهم انتهى قلت العجب من العيني أنه لم يجب عن الاجماع السكوتي بل سكت عنه وهو حجة
[ 142 ]
عنده وعند أصحابه الحنفية قال هو في رد حديث القلتين ما لفظه حديث القلتين خبر آحاد ورد مخالفا لإجماع الصحابة فيرد بيانه أن ابن عباس وابن الزبير أفتيا في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح الماء كله ولم يظهر أثره وكان الماء من قلتين وذلك بمحضر من الصحابة رضي الله عنهما ولم ينكر عليهما أحد منهم فكان إجماعا وخبر الواحد إذا ورد مخالفا للإجماع يرد انتهى كلامه فللقائلين بعدم وجوب سجدة التلاوة أن يقولوا نحن لا نحتج بمجرد قول عمر رضي الله عنه بل بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه قال هذا القول بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد منهم والحق أن هذا الاحتجاج احتجاج صحيح ليس عند الحنفية جواب شاف عن هذا الاحتجاج وقد أنصف بعض الحنفية في تعليقاته على جامع الترمذي حيث قال قوله واحتجوا بحديث عمر الخ ليس هذا مرفوعا بل أثر عمرو هذا تمسك الحجازيين وأما الجواب من جانب الأحناف بأنه موقوف ومذهب عمر رضي الله عنه فلا يفيد فإنه بمحضر جماعة من الصحابة فيمكن للشافعية قول إنه إجماع جمهور الصحابة فما أجاب أحد جوابا شافيا انتهى ثم قال هذا البعض رادا على العيني ما لفظه وقال العيني بحذف المستثنى المتصل لأنه أصل فيكون المعنى أنها لم تكتب علينا إلا أن نشاء مكتوبيتها وقال أيضا إن المشيئة تتعلق بالتلاوة لا بالسجدة وقال الحافظ إنها تتعلق بالسجدة أقول تأويل العيني فيه أنا إذا قلنا إن المستثنى منه الوجوب والمستثنى هو التطوع يكون الاستثناء أيضا متصلا وليس حد المتصل والمنفصل ما هو مشهور على الألسنة بل تفصيله مذكور في قطر الندى وشرح الشيخ السيد محمود الألوسي على المقدمة الأندلسية وأيضا يخالف قول العيني لفظ الباب فلم يسجد ولم يسجدوا الخ فإنه تحقق التلاوة في واقعة الباب وأما قول إنه تأخير السجدة لأن الأداء لا يجب في الفور فبعيد لأنه لا عذر ولا نكتة لترك السجدة الان بخلاف ما مر من واقعة النبي صلى الله عليه وسلم فلم أر جوابا شافيا انتهى كلام بعض الحنفية في تعليقه المسمى بالعرف الشذي قلت قول عمر رضي الله عنه ومن لم يسجد فلا إثم عليه دليل صريح على عدم وجوب سجدة التلاوة كما عرفت في كلام الحافظ وأما تأويل العيني بأن معناه من لم يسجد فلا إثم عليه في تأخيره عن وقت السماع فباطل مردود عليه فإنه لا دليل على هذا التأويل باب ما جاء في سجدة في ص قوله (عن أيوب) هو السختياني
[ 143 ]
قوله (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في ص) هذا دليل صريح على ثبوت السجدة في ص (قال ابن عباس وليست من عزائم السجود) المراد بالعزائم ما وردت العزيمة على فعله كصيغة الأمر مثلا بناء على أن بعض المندوبات آكد من بعض عند من لا يقول بالوجوب وقد روى ابن المنذر وغيره عن علي بن أبي طالب بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم واقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن ابن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه ابن أبي شيبة كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي قوله (فرأى بعض أهل العلم أن يسجد فيها وهو قول سفيان وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وقد عد الترمذي الشافعي من القائلين بسجود التلاوة في صلاته وقوله المشهور أنه لا يسجد فيها في الصلاة ويسجد خارج الصلاة قال السجدة فيها ليست سجدة تلاوة بل سجدة شكر وسجود الشاكر لا يشرع في الصلاة قال العيني في شرح البخاري لا خلاف بين الحنفية والشافعية في أن صلاته فيها سجدة تفعل وهو أيضا مذهب سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق غير أن الخلاف في كونها من العزائم أم لا فعند الشافعي ليست من العزائم وإنما هي سجدة شكر تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها على الصحيح وهذا هو المنصوص عنده وبه قطع جمهور الشافعية وعند أبي حنيفة وأصحابه هي من العزائم وبه قال ابن شريح وأبو إسحاق المروزي وهو قول مالك أيضا وعن أحمد كالمذهبين والمشهور منهما كقول الشافعي (وقال بعضهم إنها توبة نبي ولم يرو السجود فيها) قال العيني قال داود عن ابن مسعود لا سجود فيها وقال هي توبة نبي وروي مثله عن عطاء وعلقمة قال واحتج الشافعي ومن معه بحديث ابن عباس هذا يعني المذكور في الباب
[ 144 ]
ولابن عباس حديث آخر في سجوده في صلاته أخرجه النسائي من رواية عمر بن أبي ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاته فقال سجدها داود عليه السلام توبة ونسجدها شكرا وله حديث آخر أخرجه البخاري والنسائي أيضا في الكبرى في التفسير ولفظه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسجد في ص أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قال العيني هذا كله حجة لنا والعمل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أولى من العمل بقول ابن عباس وكونها توبة لا ينافي كونها عزيمة وسجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا لما أنعم الله على داود عليه السلام بالغفران والوعد بالزلفى وحسن مآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله (وأناب) بل عقيب قوله (وحسن مآب) وهذه نعمة عظيمة في حقنا فكانت سجدة تلاوة لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة وسبب وجوب هذه السجدة تلاوة هذه الاية التي فيها الإخبار عن هذه النعم على داود عليه السلام وإطماعنا في نيل مثله انتهى كلام العيني قلت لا منافاة بين العمل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وبين العمل بقول ابن عباس رضي الله عنه فالأولى بل المتعين أن يسجد في ص اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وخارج الصلاة ويرى أن هذه السجدة ليست من عزائم السجود كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وقول ابن عباس هذا مقدم على قول أبي حنيفة ومن تبعه أنها من عزائم السجود هذا ما عندي والله تعالى أعلم وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة أما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص ورواه الدارقطني أيضا باب في السجدة في الحج قوله (أخبرنا ابن لهيعة) هو عبد الله بن لهيعة ضعيف (عن مشرح) كمنبر (بن هاعان) بالهاء والعين بينهما ألف ثم ألف ونون كذا في نسخ الترمذي وكذا في التقريب والخلاصة وقال في القاموس ومشرح كمنبر ابن عاهان التابعي انتهى وكذلك في المغنى لصاحب مجمع البحار فلعله يقال لوالد مشرح عاهان بتقديم العين على الهاء أيضا قال الحافظ في التقريب في ترجمته مقبول وقال الذهبي في الميزان مشرح بن هاعان المصري عن عقبة بن عامر صدوق لينه ابن حبان وقال عثمان بن سعيد عن ابن معين ثقة ، قال ابن حبان يكنى أبا مصعب يروي عن عقبة
[ 145 ]
مناكير لا يتابع عليها فالصواب ترك ما انفرد انتهى . قوله : (فضلت سورة الحج) بتقدير همزة الاستفهام (بأن فيها سجدتين) أولاهما عند قوله تعالى : (الله يفعل مل يشاء) وهي متفق عليها والثانية عند قوله تعالى وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ومن لم يسجدهما أي السجدتين فلا يقرأهما قال القاري في المرقاة أي آيتي السجدة حتى لا يأثم بترك السجدة وهو يؤيد وجوب سجدة التلاوة ووجه النهي أن السجدة شرعت في حق التالي بتلاوته والاتيان بها من حق التلاوة فإذا كان بصدد التضييع فالأولى به تركها لأنها إما واجبة فيأثم بتركها أو سنة فيتضرر بالتهاون بها كذا ذكر الطيبي قال ابن الهمام والسجدة الثانية في الحج عندنا لأنها مقرونة بالأمر بالركوع والمعهود في مثله من القرآن كونه من أوامر ما هو ركن الصلاة بالاستقراء نحو (اسجدي واركعي مع الراكعين) انتهى ما في المرقاة قلت حديث الباب هذا ضعيف لكنه معتضد بحديث عمرو بن العاص وقد تقدم تخريجه وبرواية مرسلة وباثار الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما ستعرف فهو مقدم على الاستقراء الذي ذكره ابن الهمام فالقول الراجح المعول عليه أن سورة الحج سجدتين والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث ليس إسناده بالقوي) وأخرجه أحمد وأبو داود قال ميرك يريد أن في إسناده عبد الله بن لهيعة ومشرح بن هاعان وفيهما كلام لكن الحديث صحيح أخرجه الحاكم في مستدركه من غير طريقهما يعني من غير طريق أبي داود والترمذي وأقره الذهبي على تصحيحه قاله الشيخ الجزري كذا في المرقاة وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث الباب ما لفظه وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به وأكده الحاكم بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عنهم وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد بن معدان مرسلا انتهى قلت وفي الباب عن عمرو بن العاص وقد تقدم تخريجه
[ 146 ]
قوله (واختلف أهل العلم في هذا فروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين) أخرج مالك في الموطأ عن نافع مولى ابن عمر أن رجلا من أهل مصر أخبره أن عمر بن الخطاب قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين ثم قال إن هذه السورة فضلت بسجدتين وأخرج عن عبد الله بن دينار أنه قال رأيت عبد الله بن عمر سجد في سورة الحج سجدتين وروى الطحاوي عن أبي الدرداء وأبي موسى الأشعري أنهما سجدا في الحج سجدتين وروى الحاكم على ما ذكره الحافظ في التلخيص والزيلعي في نصب الراية عن هؤلاء الأربعة وابن عباس وابن مسعود وعمار بن ياسر أنهم سجدوا فيه سجدتين (وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال بعض العلماء الحنفية في تعليقه على الموطأ للإمام محمد والحق في هذا الباب هو ما ذهب إليه عمر رضي الله عنه وابن عمر رضي الله عنه انتهى قلت الأمر قال (ورأى بعضهم فيها سجدة) أي واحدة وهي السجدة الأولى قال الامام محمد في الموطأ وكان ابن عباس لا يرى في الحج إلا سجدة واحدة الأولى انتهى قال الطحاوي في شرح معاني الاثار بعد رواية أثر ابن عباس هذا فبقول ابن عباس نأخذ انتهى قلت روى ابن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وابن عباس أنهم سجدوا فيه سجدتين كذا في المحلي وقد تقدم أن الحاكم روى عن ابن عباس أنه سجد فيه سجدتين (وهو قول سفيان الثوري ومالك وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن قوله (أخبرنا محمد بن يزيد بن خنيس) بضم الخاء المعجمة مصغرا قال في التقريب مقبول وقال في الخلاصة قال أبو حاتم شيخ وقال في هامش الخلاصة زاد في التهذيب صالح
[ 147 ]
كتبنا عنه بمكة وذكره ابن حبان في الثقات قال كان من خيار الناس ربما أخطأ يجب أن يعتبر بحديثه إذا بين السماع في خبره انتهى (أخبرنا الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد) قال في التقريب مقبول وقال في الخلاصة قال العقيلي لا يتابع عليه وكذا في الميزان وزاد فيه وقال غيره فيه جهالة ما روى عنه سوى ابن خنيس (أخبرني عبيد الله بن أبي يزيد) المكي ثقة كثير الحديث قوله (جاء رجل) قال ميرك هو أبو سعيد الخدري كما جاء مصرحا به في روايته وقد أبعد من قال إنه ملك من الملائكة قال الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح كذا في المرقاة (فسجدت) يحتمل أن تكون السجدة صلاتية والأظهر أنها سجدة تلاوة وأن الاية آية ص (اللهم اكتب لي) أي اثبت لي بها أي بسبب هذه السجدة (وضع) أي حط (وزرا) أي ذنبا (واجعلها لي عندك ذخرا) أي كنزا قيل ذخرا بمعنى أجرا وكرر لأن مقام الدعاء يناسب الاطناب وقيل الأول طلب كتابة الأجر وهذا طلب بقائه سالما من محبط أو مبطل قال القاري هذا هو الأظهر (كما تقبلتها من عبدك داود) فيه إيماء إلى أن سجدة ص للتلاوة قال السيوطي في قوت المغتذي قال القاضي أبو بكر بن العربي عسر علي في هذا الحديث أن يقول أحد ذلك فإن فيه طلب قبول مثل ذلك القبول وأين ذلك اللسان وأين تلك النية قلت ليس المراد المماثلة من كل وجه بل في مطلق القبول وقد ورد في دعاء الأضحية وتقبل مني كما تقبلت من ابراهيم خليلك ومحمد نبيك وأين المقام من المقام ما أريد بهذا إلا مطلق القبول وفيه إيماء إلى الايمان بهؤلاء الأنبياء وإذا ورد الحديث بشئ اتبع ولا إشكال انتهى كلام السيوطي قوله (قال لي جدك) هو عبيد الله بن أبي يزيد
[ 148 ]
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه البيهقي واختلف في وصله وإرساله وصوب الدارقطني في العلل رواية حماد عن حميد عن بكر أن أبا سعيد رأى فيما يرى النائم وذكر الحديث كذا في النيل والتلخيص قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه ابن ماجه ولفظه اللهم احطط عني بها وزرا واكتب لي بها أجرا واجعلها لي عندك ذخرا ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وأقره الذهبي على تصحيحه كذا في المرقاة وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث الباب ما لفظه رواه الترمذي والحاكم وابن حبان وابن ماجه وفيه قصة وضعفه العقيلي بالحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد فقال فيه جهالة انتهى قوله (يقول في سجود القرآن بالليل) حكاية للواقع لا للتقييد به (سجد وجهي) بفتح الياء وسكونها (للذي خلقه وشق سمعه وبصره) تخصيص بعد تعميم أي فتحهما وأعطاهما الادراك وأثبت لهما الإمداد بعد الايجاد قال القاري في المرقاة قال ابن الهمام ويقول في السجدة ما يقول في سجدة الصلاة على الأصح واستحب بعضهم (سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) لأنه تعالى أخبر عن أوليائه وقال (ويخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا) قال القاري وينبغي أن لا يكون ما صحح على عمومة فإن كانت السجدة في الصلاة فيقول فيها ما يقال فيها فإن كانت فريضة قال سبحان ربي الأعلى أو نفلا قال ما شاء مما ورد لسجد وجهي وكقول اللهم اكتب لي الخ قال وإن كان خارج الصلاة قال كل ما أثر من ذلك انتهى كلام القاري قلت إن كانت السجدة في الصلاة المكتوبة يقول فيهما أيضا ما شاء مما ورد بإسناد صحيح كسجد وجهي للذي خلقه الخ لا مانع من قول ذلك فيها هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 149 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه ابن السكن وقال في آخره ثلاثا زاد الحاكم في آخره فتبارك الله أحسن الخالقين وزاد البيهقي وصوره بعد قوله خلقه وللنسائي من حديث جابر مثله في سجود الصلاة ولمسلم من حديث علي كذلك كذا في التلخيص والنيل فائدة قال ابن قدامة في المغنى يشترط للسجود ما يشترط لصلاة النافلة من الطهارتين من الحدث والنجس وستر العورة واستقبال القبلة والنية ولا نعلم فيه خلافا إلا ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه في الحائض تسمع السجدة تومئ برأسها وبه قال سعيد بن المسيب قال ويقول اللهم لك سجدت وعن الشعبي فيمن سمع السجدة على غير وضوء يسجد حيث كان وجهه ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صلاة بعير طهور فيدخل في عمومه السجود ولأنه صلاة فيشترط له ذلك كذات الركوع انتهى وقال الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام والأصل أنه لا يشترط الطهارة إلا بدليل وأدلة وجوب الطهارة وردت للصلاة والسجدة لا تسمى صلاة فالدليل على من شرط ذلك انتهى وقال الشوكاني في النيل ما ملخصه ليس في أحاديث سجود التلاوة ما يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضئا وهكذا ليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار طهارة الثياب والمكان وأما ستر العوره واستقبال القبلة مع الإمكان فقيل إنه معتبر اتفاقا قال في الفتح لم يوافق ابن عمر أحد على جواز السجود بلا وضوء إلا الشعبي أخرجه ابن أبي شيبة عنه بسند صحيح وأخرج أيضا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه كان يقرأ السجدة ثم يسجد وهو على غير وضوء إلى غير القبلة وهو يمشي يومئ إيماءا انتهى كلام الشوكاني قلت الاحتياط للعمل فيما قال ابن قدامة في المغنى وعليه عملنا هذا ما عندنا والله تعالى أعلم
[ 150 ]
باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من الليل فقضاه بالنهار قال الجزري في النهاية الحزب ما يجعله الرجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد انتهى . قوله (عن يونس) هو ابن يزيد (أن السائب بن يزيد وعبيد الله أخبراه) الضمير المنصوب يرجع إلى ابن شهاب وعبيد الله هذا هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري ثقة ثبت (عن عبد الرحمن بن عبد القاري) قال الحافظ في التقريب عبد الرحمن بن عبد بغير إضافة إلى القاري يقال له روية وذكره العجلي في ثقات التابعين واختلف قول الواقدي فيه قال تارة له صحبة وتارة تابعي والقاري بتشديد الياء منسوب إلى القارة قبيلة مشهورة بجودة الرمي قوله (من نام عن حزبه) بكسر الحاء المهملة وسكون الزاي وبالموحدة أي عن ورده يعني عن تمامه وفي رواية ابن ماجه عن جزئه بجيم مضمومة وبالهمزة مكان الموحدة وفي رواية النسائي من نام عن حزبه أو قال جزئه وهو شك من بعض الرواة قال العراقي وهل المراد به صلاة الليل أو قراءة القرآن في صلاة أو غير صلاة يحتمل كلا من الأمرين انتهى (أو عن شئ منه) أي من حزبه يعني عن بعض ورده (كتب له) جواب الشرط (كأنما قرأه من الليل) صفة مصدر محذوف أي أثبت أجره في صحيفة عمله إثباتا مثل إثباته حين قرأه من الليل قاله القاري والحديث يدل على مشروعية اتخاذ ورد في الليل وعلى مشروعية قضائه إذا فات لنوم أو لعذر من الأعذار وأن من فعله ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كان كمن فعله في الليل وقد ثبت من حديث عائشة عند مسلم والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا منعه من قيام الليل نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة
[ 151 ]
(هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (وأبو صفوان اسمه عبد الله بن سعيد المكي الخ) قال في التقريب عبد الله بن سعيد بن عبد الملك بن مروان أبو صفوان الأموي الدمشقي نزيل مكة ثقة من التاسعة مات على رأس المائتين (روى عنه الحميدي وكبار الناس) كأحمد وابن المديني باب ما جاء من التشديد في الذي يرفع رأسه قبل الامام قوله (عن محمد بن زياد) الجمحي مولاهم (وهو أبو الحرث البصري ثقة) ثبت ربما أرسل من رجال الستة قوله (أما يخشى) الهمزة للاستفهام وما نافية (الذي يرفع رأسه قبل الامام) أي من السجود أو الركوع (أن يحول الله رأسه رأس حمار) اختلف في معنى هذا الوعيد فقيل يحتمل أن يرجع إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الامام ويرجح لهذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين لكن ليس في الحديث أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضا لذلك وكون فعله ممكنا لأن يقع عنه ذلك الوعيد ولا يلزم من التعرض للشئ وقوع ذلك الشئ قال ابن دقيق العيد وقال ابن بزيزة يحتمل أن يراد بالتحويل المسخ أو تحويل الهيئة الحسية أو المعنوية أو هما معا وحمله آخرون على ظاهره إذ لا مانع من وقوع ذلك بل يدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة حديث أبي مالك الأشعري فان فيه ذكر الخسف وفي آخره يمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة
[ 152 ]
ويقوي حمله على ظاهره أن في رواية ابن حبان من وجه آخر عن محمد بن زياد أن يحول الله رأسه رأس كلب فهذا يبعد المجاز لانتقاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار ومما يبعده أيضا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو أريد تشبيهه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلا فرأسه رأس حمار وإنما قلت ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادة حاصلة في فاعل ذلك عند فعله المذكور فلا يحسن أن يقال له يخشى إذا فعلت ذلك أن تصير بليدا مع أن فعله المذكور إنما نشأ من البلادة كذا في فتح الباري قلت القول الظاهر الراجح هو حمله على الظاهر ولا حاجة إلى التأويل مع ما فيه ذكره الحافظ ويؤيد حمله على الظاهر ما حكى عن بعض المحدثين أنه رحل إلى دمشق لأخذ الحديث عن شيخ مشهور بها فقرأ جملة لكنه كان يجعل بيني وبينه حجابا ولم ير وجهه فلما طالت ملازمته له ورأى حرصه على الحديث كشف له الستر فرأى وجهه وجه حمار فقال له احذر يا بني أن تسبق الامام فإني لما مر بي الحديث استبعدت وقوعه فسبقت الإمام فصار وجهي كما ترى والله تعالى أعلم قوله (قال لي محمد بن زياد إنما قال أما يخشى) في حاشية النسخة الأحمدية غرضه من هذا القول دفع توهم من قال إنا نشاهد من الناس الرفع قبل الامام ولا يحول رأسه فقال محمد إن قوله أما يخشى ورد البتة لكن المراد منه إما التهديد أو يكون في البرزخ أو في النار انتهى ما في الحاشية قلت روى شعبة هذا الحديث عن محمد بن زياد عن أبي هريرة بلفظ أما يخشى أحدكم أو ألا يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الامام كما في صحيح البخاري فوقع الشك لشعبة في أن محمد بن زياد حدثه عن أبي هريرة بلفظ أما يخشى أو ألا يخشى فالظاهر أن حماد بن زيد سأل محمد بن زياد عن أن أبا هريرة حدثك بلفظ أما يخشى أو ألا يخشى فأجابه محمد بن زياد بقوله إنما قال أي أبو هريرة أما يخشى والله تعالى أعلم
[ 153 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود باب ما جاء في الذي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس بعد ذلك قوله (كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب) وفي رواية مسلم من طريق منصور عن عمر وعشاء الاخرة (ثم يرجع إلى قومه فيؤمهم) في رواية من الطريق المذكورة فيصلي بهم تلك الصلاة وللبخاري في الأدب فيصلي بهم الصلاة أي المذكورة وفي هذا رد على من زعم أن المراد أن الصلاة التي كان يصليها مع النبي صلى الله عليه وسلم غير الصلاة التي كان يصليها بقومه وفي رواية البخاري من طريق شعبة عن عمرو ثم يرجع فيؤم قومه فصلى العشاء قال الحافظ في الفتح كذا في معظم الروايات ووقع في رواية لأبي عوانة والطحاوي صلى بأصحابه المغرب فإن حمل على التعدد أو على أن المراد بالمغرب العشاء وإلا فما في الصحيح أصح انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند أصحابنا الشافعي وأحمد وإسحاق) فيه دليل على أن المراد من قول الترمذي أصحابنا أصحاب الحديث كالإمام أحمد والإمام الشافعي وغيرهما وقد مر ما يتعلق به في المقدمة (قالوا إذا أم الرجل القوم في المكتوبة وقد كان صلاها قبل ذلك أن صلاة من ائتم به جائزة واحتجوا بحديث جابر في قصة معاذ) قال الحافظ في الفتح استدل بهذا الحديث على صحة اقتداء المفترض بالمتنفل بناء على أن معاذا كان ينوي بالأولى الفرض وبالثانية
[ 154 ]
النفل ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر في حديث الباب زاد هي له تطوع ولهم فريضة وهو حديث صحيح وقد صرح ابن جريج في رواية عبد الرزاق بسماعه منه فانتفت تهمة تدليسه فقول ابن الجوزي إنه لا يصح مردود وتعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح في صحته لأن ابن جريج اسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذا عن عمرو منه ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فلا مانع في الحكم بصحتها وأما رد الطحاوي لها باحتمال أن تكون مدرجة فجوابه أن الأصل عدم الأدراج حتى يثبت التفصيل فمهما كان مضموما إلى الحديث فهو منه ولا سيما إذا روى من وجهين والأمر هنا كذلك فإن الشافعي أخرجها متابعا لعمرو بن دينار عنه وقول الطحاوي هو ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه يخبر عن شخص بأمر غير مشاهد إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه وأما قول الطحاوي لا حجة فيها لأنها لم تكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا تقريره فجوابه أنهم لا يختلفون في أن رأى الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع هنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم كلهم صحابة وفيهم ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا قاله ابن حزم قال ولا يحفظ من غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابن عمر وأبو الدرداء وأنس وغيرهم انتهى فإن قلت روى أحمد والطحاوي عن معاذ بن رفاعة عن سليم رجل من بني سلمة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن معاذ بن جبل يأتينا الحديث وفي آخره يا معاذ لا تكن فتانا إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك فهذه الرواية تدل على عدم صحة اقتداء المفترض بالمتنفل فإن قوله إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك قال الطحاوي معناه إما أن تصلي معي ولا تصلي بقومك وإما أن تخفف بقومك أي ولا تصلي معي قلت في صحة هذه الرواية كلام قال الشوكاني في النيل قد أعلها ابن حزم بالانقطاع لأن معاذ ابن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولا أدرك الذي شكا إليه لأن هذا الشاكي مات قبل أحد انتهى
[ 155 ]
ثم في صحة ما ذكره الطحاوي في معنى قوله إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك كلام أيضا قال الحافظ في الفتح وأما دعوى الطحاوي أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصل بقومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصل معي ففيه نظر لأن لمخالفه أن يقول بل التقدير إما أن تصلي معي فقط إذا لم تخفف وإما أن تخفف بقومك فتصلي معي وهو أولى من تقديره لما فيه من مقابلة التخفيف بترك التخفيف لأنه هو المسئول عنه المتنازع فيه انتهى قوله (وهو حديث صحيح) قوله (وروي عن أبي الدرداء أنه سئل عن رجل دخل المسجد والقوم في صلاة العصر وهو يحسب أنها صلاة الظهر فائتم به قال صلاته جائزة) لم أقف على من أخرجه ولم أر في جوازها حديثا مرفوعا وأما القياس على قصة معاذ فقياس مع الفارق كما لا يخفى على المتأمل والله تعالى أعلم وفتوى أبي الدرداء هذه فيما إذا يحسب الداخل أنها صلاة الظهر وأما إذا يعلم أنها صلاة العصر ومع علمه بذلك قد ائتم به بنية الظهر فالظاهر أن صلاته ليست بجائزة يدل عليه حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكر هذا الحديث بهذا اللفظ ما لفظه قلت له في الصحيح فلا صلاة إلا المكتوبة ومقتضى هذا أنه لو لم يصل الظهر وأقيمت صلاة العصر فلا يصلي إلا العصر لأنه قال فلا صلاة إلا التي أقيمت رواه أحمد والطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وفيه كلام انتهى كلام الهيثمي (وقد قال قوم من أهل الكوفة إذا ائتم قوم بإمام وهو يصلي العصر وهم يحسبون أنها الظهر فصلى بهم واقتدوا به فإن صلاة المقتدي فاسدة إذا اختلفت نية الامام والمأموم) وهو قول الحنفية واحتجوا بأن المقتدين قد اختلفوا على إمامهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه الحديث أخرجه الشيخان عن أبي هريرة
[ 156 ]
وأجيب عنه بأن الإختلاف المنهى عنه مبين في الحديث بقوله فإذا كبر فكبروا الخ وفيه شئ فتأمل باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب في الحر والبرد قوله (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى المروزي أبو العباس السمسار مردويه الحافظ وقد تقدم (أخبرنا خالد بن عبد الرحمن) السلمي أبو أمية البصري قال أبو حاتم صدوق له في البخاري فرد حديث (وحدثني غالب القطان) هو غالب ابن خطاف أبو سليمان بن أبي غيلان البصري وثقه أحمد وابن معين قوله (بالظهائر) جمع ظهيرة وهي شدة الحر نصف النهار ولا يقال في الشتاء ظهيرة (سجدنا على ثيابنا) الثياب جمع الثوب والثوب في اللغة يطلق على غير المخيط وقد يطلق على المخيط مجازا قاله الحافظ (اتقاء الحر) بالنصب على العلية أي لاتقاء الحر ولفظ أبي داود كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن وجهه من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه وفي الحديث جواز استعمال الثياب وكذا وغيرها في الحيلولة بين المصلي وبين الأرض لاتقاء حرها وكذا بردها واستدل به على إجازة السجود على الثوب المتصل بالمصلى قال النووي وبه قال أبو حنيفة والجمهور وحمله الشافعي على الثوب المنفصل انتهى وأيده البيهقي هذا الحمل بما رواه الاسماعيلي من هذا الوجه بلفظ فيأخذ أحدنا الحصى في يده فإذا برد وضعه وسجد عليه قال فلو جاز السجود على شئ متصل به لما احتاجوا إلى تبريد الحصى مع طول الأمر فيه وتعقب باحتمال أن يكون الذي كان يبرد الحصى لم يكن في ثوبه فضلة يسجد عليها مع بقاء سترته له كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه
[ 157 ]
قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله وابن عباس) أما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن عدي وفي سنده عمر وبن شمر وجابر الجعفي وهما ضعيفان وفي حديث جابر هذا أنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد على كور عمامته وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب يتقي بفضوله حر الأرض وبردها وأخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح كذا في النيل باب ما ذكر مما يستحب من الجلوس في المسجد بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس قوله (إذا صلى الفجر قعد في مصلاه) أي يذكر الله تعالى كما في رواية الطبراني (حتى تطلع الشمس) حسناه كذا هو ثابت في مسلم وأسقطه في رواية أخرى وفي الحديث ندب القعود في المصلى بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قوله (حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي) بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة منسوب إلى جمع بن عمر ثقة معمر من العاشرة قال في الخلاصة وثقه الترمذي وابن حبان (أخبرنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي أبو زيد المروزي ثم البصري ثقة عابد ربما وهم
[ 158 ]
(أخبرنا أبو ظلال) بكسر المعجمة وتخفيف اللام وقد بين الترمذي اسمه فيما بعد ويجئ هناك ترجمته قوله (ثم صلى ركعتين) أي بعد طلوع الشمس قال الطيبي أي ثم صلى بعد أن ترتفع الشمس قدر رمح حتى يخرج وقت الكراهة وهذه الصلاة تسمى صلاة الاشراق وهي أول صلاة الضحى قلت وقع في حديث معاذ حتى يسبح ركعتي الضحى وكذا وقع في حديث أمامة وعتبة بن عبد (كانت) أي المثوبة (قال) أي أنس (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة تامة) صفة لحجة وعمرة كررها ثلاثا للتأكيد وقيل أعاد القول لئلا يتوهم أن التأكيد بالتمام وتكراره من قول أنس قال الطيبي هذا التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل ترغيبا أو شبه استيفاء أجر المصلي تاما بالنسبة إليه باستيفاء أجر الحاج تاما بالنسبة إليه وأما وصف الحج والعمرة بالتمام إشارة إلى المبالغة كذا في المرقاة (هذا حديث حسن غريب) حسنه الترمذي في إسناده أبو ظلال وهو متكلم فيه لكن له شواهد فمنها حديث أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة الغداة في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم قام فصلى ركعتين انقلب بأجر حجة وعمرة أخرجه الطبراني قال المنذري في الترغيب إسناده جيد ومنها حديث أبي أمامة وعتبة بن عبد مرفوعا من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح لله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر تاما له حجرة وعمرة أخرجه الطبراني قال المنذري وبعض رواته مختلف فيه قال وللحديث شواهد كثيرة انتهى وفي الباب أحاديث عديدة ذكرها المنذري في الترغيب (وسألت محمد بن إسماعيل عن أبي ظلال فقال هو مقارب الحديث) هو من ألفاظ التعديل وقد تقدم تحقيقه في المقدمة (قال محمد) يعني البخاري (واسمه هلال) قال الحافظ في التقريب أبو ظلال بكسر المعجمة وتخفيف اللام اسمه هلال بن أبي هلال أو ابن أبي مالك وهو ابن ميمون وقيل غير ذلك في اسم أبيه القسملي البصري ضعيف
[ 159 ]
مشهور بكنيته انتهى وقال الذهبي في الميزان هلال بن ميمون وهو هلال بن أبي سويد أبو ظلال القسملي صاحب أنس قال ابن معين ضعيف ليس بشئ وقال النسائي والأزدي ضعيف وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه وقال ابن حبان مغفل لا يجوز الاحتجاج به بحال وقال البخاري عنده مناكير انتهى وقال في الكني واه بمرة باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة قوله (كان يلحظ في الصلاة) بفتح الحاء المهملة وبالظاء أي ينظر بمؤخر عينيه واللحظ هو النظر بطرف العين الذي يلي الصدغ (يمينا وشمالا) أي تارة إلى جهة اليمين وتارة إلى جهة الشمال (ولا يلوي عنقه) أي لا يصرف ولا يميل عنقه (خلف ظهره) أي إلى جهته قال الطيبي اللى فتل الحبل يقال لويته ألويه ليا ولوى رأسه وبرأسه أماله ولعل هذا الالتفات كان منه في التطوع فإنه أسهل لما في حديث أنس أي الاتي وقال ابن الملك قيل التفاته عليه الصلاة والسلام مرة أو مرارا قليلة لبيان أنه غير مبطل أو كان لشئ ضروري فان كان أحد يلوي عنه خلف ظهره أي يحول صدره عن القبلة فهو مبطل للصلاة كذا في المرقاة وقد أخرج الحازمي حديث ابن عباس هذا في كتاب الاعتبار بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتفت في صلاته الخ ثم قال هذا حديث غريب تفرد به الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند متصلا وأرسله غيره عن عكرمة انتهى قوله (هذا حديث غريب) قال ميرك ورواه الحاكم وقال على شرط البخاري وأقره الذهبي وقال الترمذي حديث حسن غريب وقال النووي إسناده صحيح وروى مرس كذا في المرقاة قلت وقع في النسخ الموجودة عندنا هذا حديث غريب ليس في واحد منها حسن غريب
[ 160 ]
قوله (وقد خالف وكيع الفضل بن موسى في روايته) فإنه رواه عن عبد الله بن سعيد مرسلا كما ذكره الترمذي بقوله حدثنا محمود بن غيلان الخ قوله (وفي الباب عن أنس وعائشة) أخرج حديثهما الترمذي في هذا الباب وحديث عائشة رضي الله عنها أخرجه الشيخان أيضا وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال الحافظ في الفتح ورد في كراهية الالتفات صريحا على غير شرط البخاري عدة أحاديث منها عند أحمد وابن خزيمة من حديث أبي ذر رفعه لا يزال الله مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت فإذا صرف وجهه عنه انصرف ومن حديث الحارث الأشعري نحوه وزاد فإذا صليتم فلا تلتفتوا وأخرج الأول أيضا أبو داود والنسائي قال والمراد بالالتفات المذكور ما لم يستدبر القبلة بصدره أو عنقه كله وسبب كراهة الالتفات يحتمل أن يكون لنقص الخشوع أو لترك استقبال القبلة ببعض البدن انتهى قوله (يا بني إياك والالتفات في الصلاة) أي بتحويل الوجه (فان الالتفات في الصلاة هلكة) بفتحتين أي هلاك لأنه طاعة الشيطان وهو سبب الهلاك قال ميرك الهلاك على ثلاة أوجه افتقاد الشئ عندك وهو عند غيرك عندك موجود كقوله تعالى (هلك عني سلطانية) وهلاك الشئ باستحالته والثالث الموت كقوله تعالى إن امرؤ هلك وقال الطيبي الهلكة الهلاك وهو استحالة الشئ وفساده لقوله تعالى ويهلك الحرث والنسل والصلاة بالالتفات تستحيل من الكمال إلى الاختلاس المذكور في حديث عائشة (فان كان لا بد) أي من الالتفات (ففي التطوع لا في الفريضة) لأن مبني التطوع على المساهلة ألا ترى أنه يجوز قاعدا مع القدرة على القيام وفيه الإذن بالالتفات للحاجة في التطوع والمنع من ذلك في صلاة الفرض
[ 161 ]
قوله (هذا حديث حسن) ذكر الحافظ ابن تيمية هذا الحديث في المنتقى وقال رواه الترمذي وصححه قوله (قال هو اختلاس) افتعال من الخلس وهو السلب أي استلاب وأخذ بسرعة وقيل شئ يختلس به (يختلسه الشيطان) أي يحمله على هذا الفعل وأحاديث الباب تدل على كراهة الالتفات في الصلاة وهو قول الأكثر والجمهور وأنها كراهة تنزيه ما لم يبلغ إلى حد استدبار القبلة والحكمة في التنفير عنه ما فيه من نقص الخشوع والإعراض عن الله تعالى وعدم التصميم على مخالفة وسوسة الشيطان واعلم أن الحافظ الحازمي قد استدل على نسخ الالتفات بحديث رواه بإسناده إلى ابن سيرين قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام في الصلاة نظر هكذا وهكذا فلما نزل قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون نظر هكذا قال ابن شهاب يبصره نحو الأرض قال وهذا وإن كان مرسلا فله شواهد واستدل أيضا بقول أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى رفع بصره إلى السماء فنزل الذين هم في صلاتهم خاشعون قلت في هذا الاستدلال كلام كما لا يخفى على المتأمل قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود باب ما ذكر في الرجل يدرك الامام ساجدا كيف يصنع قوله (حدثنا هشام بن يونس الكوفي) اللؤلؤي أبو القاسم ثقة روي عن ابن عيينة
[ 162 ]
وغيره وعنه الترمذي وثقه النسائي (أخبرنا المحاربي) هو عبد الرحمن بن زياد الكوفي ثقة (عن أبي إسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي ثقة عابد اختلط بآخره (عن هبيرة) بضم الهاء وفتح الموحدة ابن مريم على وزن عظيم الكوفي عن علي وعنه أبو إسحاق السبيعي وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة وقال في التقريب لا بأس به وقد عيب بالتشيع (وعن عمرو بن مرة) عطف على قوله عن هبيرة فإن هبيرة وعمرو بن مرة كليهما من شيوخ أبي إسحاق قوله (إذا أتى أحدكم الصلاة وا مام على حال) أي من قيام أو ركوع أو سجود أو قعود (فليصنع كما يصنع والإمام) أي فليوافق الامام فيما هو فيه من القيام أو الركوع أو غير ذلك أي فلا ينتظر الامام إلى القيام كما يفعله العوام قوله (هذا حديث غريب الخ) قال الحافظ في التلخيص فيه ضعف وانقطاع انتهى وقال الشوكاني في النيل صفحة 3431 والحديث وإن كان فيه ضعف لكنه يشهد له ما عند أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال فذكر الحديث وفيه فجاء معاذ فقال لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني قال فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها قال فقمت معه فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قام يقضي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا وابن أبي ليلى وإن لم يسمع من معاذ فقد رواه أبو داود من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه فقال معاذ لا أراه على حال إلا كنت عليها الحديث ويشهد له أيضا ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعا من وجدني راكعا أو قائما أو ساجدا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة قال الشوكاني والظاهر أنه يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبرا معتدا بذلك التكبير وإن لم يعتد بما أدركه من الركعة كمن يدرك الامام في حال سجوده أو قعوده انتهى كلام الشوكاني
[ 163 ]
قوله (ولا تجزئه تلك الركعة إذا فاته الركوع مع الامام) وأما إذا أدرك الركوع مع الامام فتجزؤه تلك الركعة وهذا هو مذهب الجمهور فقالوا إن من أدرك الامام راكعا دخل معه واعتد بتلك الركعة وإن لم يدرك شيئا من القراءة وقال بعض أهل العلم لا تجزئه تلك الركعة إذا فاته القيام قراءة فاتحة الكتاب وإن أدرك الركوع مع الامام وقد ذهب إلى هذا أهل الظاهر وابن خزيمة وأبو بكر الضبعي روى ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي وذكر فيه حاكيا عمن روى عن ابن خزيمة أنه احتج لذلك بما روى عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال من أدرك الإمام في الركوع فليركع معه وليعد الركعة وقد رواه البخاري في القراءة خلف الامام من حديث أبي هريرة أنه قال إن أدركت القوم ركوعا لم يعتد بتلك الركعة فقال الحافظ وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفا وأما المرفوع فلا أصل له وقال الرافعي تبعا للإمام إن أبا عاصم العبادي حكى عن ابن خزيمة أنه احتج به وقد حكى هذا المذهب البخاري في القراءة خلف الامام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الامام وحكاه الحافظ في الفتح عن جماعة من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره من محدثي الشافعية ورجحه المقبلي قال وقد بحثت هذه المسألة وأحطتها في جميع بحثي فقها وحديثا فلم أحصل منها على غير ما ذكرت يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط واستدل الجمهور على ما ذهبوا إليه بحديث أبي هريرة من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة في صلاته يوم الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى رواه الدارقطني من طريق يسين بن معاذ وهو متروك وأخرجه الدارقطني بلفظ إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك وإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى ولكنه رواه من طريق سليمان بن داود الحراني ومن طريق صالح بن أبي الأخضر وسليمان متروك وصالح ضعيف على أن التقييد بالجمعة في كلا الروايتين مشعر بأن غير الجمعة بخلافها وكذا بالركعة في الرواية الأخرى يدل على خلاف المدعى لأن الركعة لجميعها وإطلاقها على الركوع وما بعده مجاز لا يصار إليه إلا لقرينة كما وقع عند مسلم من حديث البراء بلفظ فوجدت قيامه فركعته فاعتداله فسجدته فإن وقوع الركعة في مقابلة القيام والاعتدال والسجود قرينة تدل على أن المراد بها الركوع وقد ورد حديث من أدرك ركعة من صلاة الجمعة بألفاظ لا تخلو طرقها عن مقال حتى قال ابن أبي
[ 164 ]
حاتم في العلل عن أبيه لا أصل لهذا الحديث إنما المتن من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها وكذا قال الدارقطني والعقيلي وأخرجه ابن خزيمة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدركها قبل أن يقيم الامام صلبه وليس في ذلك دليل لمطلوبهم لما عرفت من أن مسمي الركعة جميع أركانها وأذكارها حقيقة شرعية وعرفية وهما مقدمتان على اللغوية كما تقرر في الأصول فلا يصح جعل حديث ابن خزيمة وما قبله قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي فإن قلت فأي فائدة على هذا في التقييد بقوله قبل أن يقيم صلبه قلت دفع توهم أن من دخل مع الإمام ثم قرأ الفاتحة وركع الامام قبل فراغه منها غير مدرك وأما استدلال الجمهور بحديث أبي بكرة حيث صلى خلف الصف مخافة أن تفوته الركعة فقال صلى الله عليه وسلم زادك الله حرصا ولا تعد ولم يأمر بإعادة الركعة فليس فيه ما يدل على ما ذهبوا إليه لأنه كما لم يأمر بالإعادة فلم ينقل إلينا أنه اعتد بها والدعاء بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها لأن الكون مع الامام مأمور به سواء كان الشئ الذي يدركه المؤتم معتدا به أم لا كما في حديثه إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا رواه أبو داود وغيره على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أبا بكرة عن العود إلى مثل ذلك والاستدلال بشئ قد نهي عنه لا يصح كذا ذكر الشوكاني في النيل قلت واستدل من ذهب إلى أن مدرك الركوع لا يكون مدركا للركعة إذا فاته القيام وقراءة فاتحة الكتاب بحديث لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وما في معناه وبحديث ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا قال الحافظ في الفتح قد استدل به على أن من أدرك الامام راكعا لم يحتسب له تلك الركعة للأمر بإتمامه ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه ثم قال حجة الجمهور حديث أبي بكرة انتهى قلت القول الراجح عندي قول من قال إن من أدرك الامام راكعا لم يحتسب له تلك الركعة وأما حديث أبي بكرة فواقعة عين فتفكر هذا ما عندي والله تعالى أعلم باب كراهية أن ينتظر الناس الامام وهم قيام عند افتتاح الصلاة قوله (حدثنا أحمد بن محمد) بن موسى أبو العباس السمسار المعروف بمردويه ثقة حافظ
[ 165 ]
قوله (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا ذكر ألفاظ الاقامة (فلا تقوموا حتى تروني خرجت) أي من الحجرة الشريفة فقوموا قال الحافظ في الفتح قال مالك في الموطأ لم أسمع في قيام الناس حين تقام الصلاة بحد محدود إلا أني أرى ذلك على طاقة الناس فإن منهم الثقيل والخفيف وذهب الأكثرون إلا أنهم إذا كان الامام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الاقامة وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة رواه ابن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله وعن سعيد بن المسيب قال إذا قال المؤذن الله أكبر وجب القيام وإذا قال حي على الصلاة عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الامام وعن أبي حنيفة يقومون إذا قال حي على الفلاح فإذا قال قد قامت الصلاة كبر الامام وأما إذا لم يكن الامام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الاقامة والإمام في منزله إذا لم يسمعها وتقدم إذنه في ذلك قال القرطبي ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الاقامة قبل أن يروه ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم وأما ما رواه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجئ النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطى فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره انتهى كلام الحافظ باختصار قوله (وفي الباب عن أنس) لم أقف على من أخرجه وفي الباب أيضا عن أبي هريرة أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مقامه أخرجه مسلم وأبو داود وعنه أيضا قال أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إلينا الحديث أخرجه الشيخان
[ 166 ]
قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه ولم يذكر البخاري فيه قد خرجت قوله (وقال بعضهم إذا كان الامام في المسجد وأقيمت الصلاة فإنما يقومون إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهو قول ابن المبارك) لم أر في هذا حديثا مرفوعا صحيحا نعم فيه أثر أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن قد قامت الصلاة وقد تقدم في عبارة الحافظ وفيه حديث مرفوع ضعيف رواه الطبراني في الكبير من طريق حجاج بن فروخ عن عبد الله بن أوفى قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال بلال قد قامت الصلاة نهض فكبر ذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال حجاج بن فروخ ضعيف جدا باب ما ذكر في الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء قوله (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي أبو زكريا ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة مات سنة 302 ثلاث ومائتين (أخبرنا أبو بكر بن عياش) الأسدي الكوفي مختلف في اسمه والصحيح أنه لا اسم له إلا كنيته ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح من السابعة قاله الحافظ في مقدمة الفتح والتقريب (عن عاصم) بن بهدلة صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون (عن زر) بكسر الزاي المعجمة وتشديد الراء المهملة ابن حبيش بمهملة وموحدة ومعجمة مصغرا ثقة جليل مخضرم (عن عبد الله) هو ابن مسعود
[ 167 ]
قوله (كنت أصلي) أي الصلاة ذات الأركان بدليل قوله الاتي فلما جلست (والنبي صلى الله عليه وسلم) أي حاضر أو جالس ونحوه قاله الطيبي (وأبو بكر وعمر معه) جملة أخرى معطوفة على الجملة الأولى وهي حال من فاعل أصلي (سل تعطه) الهاء إما للسكت كقوله حسابيه وإما ضمير للمسئول عنه لدلالة سل عليه قوله (وفي الباب عن فضالة بن عبيد) قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد إذا دخل رجل فصلى فقال اللهم اغفر لي وارحمني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عجلت أيها المصلي إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل علي ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أيها المصلي أدع تجب رواه الترمذي وروى أبو داود والنسائي نحوه كذا في المشكاه قوله (حديث عبد الله حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجه باب ما ذكر في تطييب المساجد قوله (حدثنا محمد بن حاتم البغدادي) الذمي أبو جعفر الخراساني ثم البغدادي ثقة روى عنه الترمذي والنسائي ووثقه (أخبرنا عامر بن صالح الزبيري) قال في التقريب عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير القرشي الزبيري المدني نزل بغداد متروك الحديث أفرط فيه ابن معين فكذبه وكان عالما بالأخبار من الثامنة
[ 168 ]
قوله (أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور) فسر سفيان بن عيينة الدور بالقبائل كما في الرواية الاتية وقال في المرقاة هو جمع دار وهو اسم جامع للبناء والعرصية والمحلة والمراد المحلات فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة دارا أو محمول على اتخاذ بيت في الدار للصلاة كالمسجد يصلي فيه أهل البيت قاله ابن الملك والأول هو المعول وعليه العمل وحكمة أمره لأهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب للأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه فأمروا بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم وقال البغوي قال عطاء لما فتح الله تعالى على عمر رضي الله عنه الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضار أحدهما الاخر ومن المضارة فعل تفريق الجماعة إذا كان هناك مسجد يسعهم فان ذاك سن توسعته أو اتخاذ مسجد يسعهم انتهى ما في المرقاة (وأن تنظف) بالتاء والياء بصيغة المجهول أي تطهر كما في رواية ابن ماجه والمراد تنظيفها من الوسخ والدنس والنتن والتراب (وتطيب) بالتاء والياء أي بالرش أو العطر ويجوز أن يحمل التطييب على التجمير في المسجد قال في المرقاة قال ابن حجر وبه يعلم أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور خلافا لمالك حيث كرهه فقد كان عبد الله يجمر المسجد إذا قعد عمر رضي الله عنه على المنبر واستحب بعض السلف التخليق بالزعفران والطيب وروى عنه عليه السلام فعله وقال الشعبي هو سنة وأخرج ابن أبي شيبة أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك وأنه يستحب أيضا كنس المسجد وتنظيفه وقد روى ابن أبي شيبة أنه عليه السلام كان يتبع غبار المسجد بجريدة انتهى ما في المرقاة قوله (وهذا) أي هذا الحديث المرسل بغير ذكر عائشة (أصح من الحديث الأول) لأن في سنده عامر بن صالح وهو ضعيف وقد تفرد بروايته مرفوعا والحديث أخرجه أيضا أبو
[ 169 ]
داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى قوله (عن علي الأزدي) هو ابن عبد الله البارقي صدوق ربما أخطأ من الثالثة (قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) قد فسر ابن عمر رضي الله عنه راوي الحديث معنى مثنى مثنى فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قلت لابن عمر ما معنى مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به وما فسره به هو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى مثنى قوله (وروي عن عبد الله العمري) هو عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني ضعيف عابد (عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) أي نحو حديث على الأزدي المذكور (والصحيح ما روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال صلاة الليل مثنى مثنى) أي بغير ذكر النهار وكذا هو في الصحيحين (وروى الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه صلاة النهار) قال الحافظ في الفتح إن أكثر الأئمة أعلوا هذه
[ 170 ]
الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر رضي الله عنه لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من علي الأزدي حتى أقبل منه انتهى (وقد روي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي بالليل مثنى مثنى وبالنهار أربعا) أخرج الطحاوي بإسناده عن جبلة بن سحيم عن عبد الله بن عمر أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا لا يفصل بينهن بسلام ثم بعد الجمعة ركعتين ثم أربعا قال الطحاوي فاستحال أن يكون ابن عمر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما روى عنه البارقي ثم يفعل خلاف ذلك انتهى وقال الحافظ بن عبد البر في التمهيد بإسناده عن ابن معين إنه قال صلاة النهار أربع لا تفصل بينهن فقيل له إن ابن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى فقال بأي حديث فقيل له بحديث الأزدي عن ابن عمر فقال ومن علي الأزدي حتى أقبل هذا منه وأدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر أنه كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن لو كان حديث الأزدي صحيحا لم يخالفه ابن عمر انتهى وقال الحافظ روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى موقوفا أخرجه ابن عبد البر من طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا انتهى قوله (وقد اختلف أهل العلم في ذلك فرأى بعضهم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وهو قول الشافعي وأحمد) وهو مذهب الجمهور قال الحافظ في الفتح اختار الجمهور التسليم من كل ركعتين في صلاة الليل والنهار وقال الأثرم عن أحمد الذي أختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس انتهى كلام الحافظ واستدل الجمهور بحديث علي الأزدي المذكور في الباب وقد عرفت ما فيه (وقال بعضهم صلاة الليل مثنى مثنى ورأوا صلاة التطوع بالنهار أربعا مثل الأربع قبل الظهر وغيرها من صلاة التطوع وهو قول سفيا الثوري وابن
[ 171 ]
المبارك وإسحاق) استدلوا على ذلك بمفهوم حديث ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى قالوا إنه يدل بمفهومه على أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر بأربع وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال واستدلوا أيضا بحديث أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء رواه أبو داود في سننه والترمذي في الشمائل وفيه أن هذا الحديث ضعيف فإن في سنده عبيدة بن معتب وهو ضعيف قال أبو داود بعد روايته ما لفظه بلغني عن يحيى بن سعيد القطان قال لو حدثت عن عبيدة بشئ لحدثت عنه بهذا الحديث قال أبو داود عبيدة ضعيف انتهى وقال المنذري عبيدة هذا هو ابن معتب الضبي الكوفي لا يحتج بحديثه انتهى فإن قلت عبيدة لم يتفرد برواية هذا الحديث بل تابعه بكير بن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري عند محمد بن الحسن في الموطأ قلت نعم لكن بكير بن عامر البجلي أيضا ضعيف قال الحافظ في التقريب بكير بن عامر البجلي أبو إسماعيل الكوفي ضعيف من السادسة انتهى واستدلوا أيضا بأثر إبراهيم النخعي قال كانوا لا يفصلون بين أربع قبل الظهر بتسليم إلا بالتشهد ولا أربع قبل الجمعة ولا أربع بعدها رواه محمد بن الحسن في الحجج وفيه أن إبراهيم النخعي لم يلق أحدا من الصحابة إلا عائشة ولم يسمع منها وأدرك أناسا ولم يسمع منه قاله أبو حاتم فالذين كانوا لا يفصلون بين أربع هم التابعون فلا حجة في هذا الأثر وقال أبو حنيفة صلاة الليل والنهار أربع أربع واستدل له بحديث عائشة ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن الحديث قال ابن الهمام فهذا الفصل يفيد المراد وإلا لقالت ثمانيا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن قلت اختلاف الأئمة في هذه المسألة إنما هو في الأولوية والأولى عندي أن تكون صلاة الليل مثنى مثنى وأما صلاة النهار فإن شاء صلى أربعا بسلام واحد أو بسلامين أما الأول فلما قال محمد بن نصر في قيام الليل ما لفظه وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل إلا أنا نختار أن يسلم من ركعتين لكونه
[ 172 ]
أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا انتهى وأما الثاني فلحديث على الأزدي المذكور ولحديث أبي أيوب المذكور وفيهما كلام كما عرفت هذا ما عندي والله تعالى أعلم باب كيف كان يتطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار قوله (عن عاصم بن ضمرة) السلولي الكوفي صدوق قاله الحافظ قوله (فقال إنكم لا تطيقون ذلك) أي الدوام والمواظبة على ذلك وعند ابن ماجه في آخر هذا الحديث وقل من يداوم عليها (فقلنا من أطاق ذلك منا) خبره محذوف أي أخذه وفعله وفي رواية ابن ماجه فقلنا أخبرنا به نأخذ منه ما استطعنا (إذا كانت الشمس من ههنا) زاد في رواية ابن ماجه يعني من قبل المشرق (كهيئتها من ههنا) يعني من قبل المغرب كما في رواية ابن ماجه (عند العصر صلى ركعتين) والحاصل أنه إذا ارتفعت الشمس من جانب المشرق مقدار ارتفاعها من جانب المغرب وقت العصر صلى ركعتين وهي صلاة الضحى وقيل هي صلاة الاشراق واستدل به لأبي حنيفة على أن وقت العصر بعد المثلين قلت إن كان المراد من صلاة الاشراق الصلاة التي كان يصليها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما طلعت الشمس فظاهر أن هذه الصلاة غير صلاة الاشراق وإن كان المراد من صلاة الاشراق غيرها فلا يصح الاستدلال فتفكر وقد سمي صاحب إنجاح الحاجة هذه الصلاة الضحوة الصغرى والصلاة الثانية الاتية في الحديث الضحوة الكبرى حيث قال هذه الصلاة هي الضحوة الصغرى وهو وقت الاشراق وهذا الوقت هو أوسط وقت الاشراق وأعلاها وأما دخول وقته فبعد طلوع الشمس وارتفاعها مقدار رمح أو رمحين حين تصير الشمس بازغة ويزول وقت الكراهة وأما الصلاة الثانية فهي الضحوة الكبرى انتهى (وإذا كانت الشمس من ههنا) أي من جانب المشرق
[ 173 ]
(كهيئتها من ههنا) أي من جانب المغرب (عند الظهر صلى أربعا) وهي الضحوة الكبرى ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين قال العراقي حمل بعضهم هذا على أن المراد بالفصل بالتسليم والتشهد لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى عباد الله الصالحين قاله إسحاق بن إبراهيم فإنه كان يرى صلاة النهار أربعا قال وفيما أوله عليه بعد انتهى كلام العراقي قلت قد ذكر الترمذي هذا الحديث مختصرا في باب ما جاء في الأربع قبل العصر وذكر هناك قول إسحاق بن إبراهيم ولا بعد عندي فيما أوله عليه بل هو الظاهر القريب بل هو المتعين إذ النبيون والمرسلون لا يحضرون الصلاة حتى ينويهم المصلي بقوله السلام عليكم فكيف يراد بالتسليم تسليم التحلل من الصلاة هذا ما عندي والله تعالى أعلم قال في المرقاة قال البغوي المراد بالتسليم التشهد دون السلام أي وسمي تسليما على من ذكر لاشتماله عليه وكذا قاله ابن الملك قال الطيبي ويؤيده حديث عبد الله بن مسعود كنا إذا صلينا قلنا السلام على الله قبل عباده السلام على جبرائيل وكان ذلك في التشهد انتهى ما في المرقاة وأما قول ابن حجر المكي لفظ الحديث يأبى ذلك وإنما المراد بالتسليم فيه للتحلل من الصلاة فيسن للمسلم منها أن ينوي بقوله السلام عليكم من على يمينه وعلى يساره وخلفه من الملائكة ومؤمني الإنس والجن انتهى ففيه أنه يلزم على هذا التقدير مسنونا للمصلي أن ينوي النبيين والمرسلين أيضا بقوله السلام عليكم والحال أن النبيين والمرسلين لا يحضرون الصلاة ولا يكونون على يمين المصلي ولا على يساره وخلفه فتأمل قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه والنسائي
[ 174 ]
قوله (قال إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل (أحسن شئ روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار هذا) أي هذا الحديث لعله أراد بكونه أحسن بشئ في تطوعه صلى الله عليه وسلم بالنهار باعتبار أنه مشتمل على ست عشرة ركعة دون غيره من الأحاديث والله تعالى أعلم زاد ابن ماجه بعد رواية هذا الحديث قال وكيع زاد فيه أبي فقال حبيب بن أبي ثابت يا أبا إسحاق ما أحب أن لي بحديثك هذا ملء مسجدك هذا ذهبا انتهى (وروي عن ابن المبارك أنه كان يضعف هذا الحديث) الظاهر أن تضعيفه إنما هو من جهة عاصم بن ضمرة فإنه مختلف فيه في روايته عن علي رضي الله عنه كما ستعرف (وإنما ضعفه عندنا والله أعلم لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي وعاصم بن ضمرة هو ثقة عند بعض أهل الحديث الخ) قال الذهبي في الميزان عاصم بن ضمرة صاحب علي وثقه ابن معين وابن المديني وقال أحمد هو أعلى من الحارث الأعور وهو عندي حجة وقال النسائي ليس به بأس وأما ابن عدي فقال ينفرد على علي بأحاديث والبلية منه وقال أبو بكر بن عياش سمعت مغيرة يقول لم يصدق في الحديث على علي إلا أصحاب ابن مسعود وقال ابن حبان روى عنه أبو إسحاق والحكم ردئ الحفظ فاحش الخطأ يرفع عن علي قوله كثيرا فاستحق الترك على أنه أحسن حالا من الحارس وقال الجوزجاني روى عنه أبو إسحاق تطوع النبي صلى الله عليه وسلم ست عشرة ركعة ركعتين عند الثالثة من النهار ثم أربعا قبل الزوال ثم أربعا بعده ثم الركعتين بعد الظهر ثم أربعا قبل العصر فيا عباد الله أما كان الصحابة وأمهات المؤمنين يحكون هذا إذ هم معه في دهرهم يعني أن عائشة وابن عمر وغيرهما حكوا عنه خلاف هذا وعاصم بن ضمرة ينقل أنه عليه السلام كان يداوم على ذلك قال ثم خالف الأمة وروى كان في خمس وعشرين من الابل خمس شياه انتهى كلام
[ 175 ]
الذهبي باب في كراهية الصلاة في لحف النساء بضم اللام والحاء جمع لحاف بكسر اللام وهو والملحفة اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه قال في المحكم كذا في قوت المغتذي قوله (أخبرنا خالد بن الحارث) بن عبيد بن سليم الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت (عن أشعث وهو ابن عبد الملك) الحمراني بضم المهملة بصري يكنى أبا هاني ثقة فقيه (عن عبد الله بن شقيق) العقيلي بالضم بصرى ثقة فيه نصب من الثالثة كذا في التقريب قوله (لا يصلي في لحف نسائه) وفي رواية أبي داود في شعرنا أو لحفنا شك من الراوي والحديث يدل على مشروعية تجنب ثياب النساء التي هي مظنة لوقوع النجاسة فيها وكذلك سائر الثياب التي تكون كذلك وفيه أيضا أن الاحتياط والأخذ باليقين جائز غير مستنكر في الشرع وأن ترك المشكوك فيه من المتيقن المعلوم جائز وليس من نوع الوسواس وأما ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه أهله ما لم ير فيه أذى فهو من باب الأخذ بالمئنة لعدم وجوب العمل بالمظنة كذا في النيل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وقد روي في ذلك رخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم) أشار إلى حديث عائشة رضي الله عنها قالت كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 176 ]
أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة الحديث رواه أبو داود وروى مسلم وأبو داود عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا إلى جنبه وأنا حائض وعلى مرط وعليه بعضه قال القاضي الشوكاني كل ذلك يدل على عدم وجوب تجنب ثياب النساء وإنما هو مندوب فقط عملا بالاحتياط وبهذا يجمع بين الأحاديث انتهى باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع قوله (عن برد) بضم الموحدة وسكون الراء (بن سنان) بكسر مهملة وخفة نون أولى الدمشقي نزيل البصرة مولى قريش صدوق رمى بالقدر كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي قوله (يصلي في البيت) وفي رواية النسائي يصلي تطوعا (والباب عليه مغلق) فيه أن المستحب لمن صلى في بيت بابه إلى القبلة أن يغلق الباب عليه ليكون سترة للمارين بين يديه وليكون أستر وفي رواية أبي داود فجئت فاستفتحت (فمشى حتى فتح لي) قال ابن رسلان هذا المشي محمول على أنه مشى خطوة أو خطوتين أو مشى أكثر من ذلك متفرقا قال الشوكاني وهو من التقييد بالمذهب ولا يخفي فساده (ثم رجع إلى مكانه) وفي رواية أبي داود إلى مصلاه أي رجع إلى مكانه على عقبيه (ووصفت الباب في القبلة) أي ذكرت عائشة أن الباب كان إلى القبلة أي فلم يتحول صلى الله عليه وسلم عنها عند مجيئه إليه ويكون رجوعه إلى مصلاه على عقبيه إلى خلف قال الأشرف هذا قطع وهم من يتوهم أن هذا الفعل يستلزم ترك استقبال القبلة ولعل تلك الخطوات لم تكن متوالية لأن الأفعال الكثيرة إذا تفاصلت ولم تكن على الولاء لم تبطل الصلاة قال المظهر ويشبه أن تكون تلك المشية لم تزد على خطوتين قال القاري الاشكال باق لأن الخطوتين مع الفتح والرجوع عمل كثير فالأولى أن يقال تلك الفعلات لم تكن متواليات انتهى قلت هذا كله من التقيد بالمذهب والظاهر أن أمثال هذه الأفعال في صلاة التطوع عند الحاجة لا تبطل الصلاة وإن لم تكن متوالية قال ابن الملك مشيه عليه الصلاة والسلام وفتحه الباب ثم رجوعه إلى مصلاه يدل على أن الأفعال الكثيرة إذا تتوالى لا تبطل الصلاة وإليه ذهب
[ 177 ]
بعضهم انتهى كلامه قال القاري وهو ليس بمعتمد في المذهب انتهى قلت ما قال ابن الملك هو ظاهر الحديث لكن في صلاة التطوع عند الحاجة لا مطلقا وهو الراجح المعتمد المعول عليه وإن لم يكن معتمدا في المذهب الحنفي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة قوله (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي قوله (سأل رجل) هو نهيك بفتح النون وكسر الهاء ابن سنان البجلي (عبد الله) هو ابن مسعود (عن هذا الحرف غير آسن أو ياسن) يعني هذا اللفظ بهمزة أو بياء وهذا اللفظ وقع في سورة محمد هكذا (فيها أنهار من ماء غير آسن) الاية أي غير متغير (قال كل القرآن قرأت غير هذا) بتقدير همزة الاستفهام وبنصب كل على أنه مفعول قرأت بفتح التاء على الخطاب أي قال عبد الله بن مسعود للرجل أكل القرآن قرأت غير هذا الحرف (قال نعم) أي قال الرجل نعم قرأت كل القرآن غير هذا وأحصيته وفي رواية لمسلم كيف تقرأ هذا الحرف ألفا تجده أو ياء (من ماء غير آسن) أو (من ماء غير ياسن) قال فقال عبد الله وكل القرآن قد أحصيت غير هذا قال أني لأقرأ المفصل في ركعة فقال عبد الله هزا كهز الشعر إن أقواما يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع الحديث (ينثرون نثر الدقل) أي يرمون بكلماته من غير روية وتأمل كما يرمى الدقل بفتحتين وهو ردئ التمر فإنه لرداءته لا يحفظ ويلقي منثورا وقال في النهاية أي كما يتساقط الرطب اليابس من العذق إذا هز (لا يجاوز تراقيهم) جمع ترقوة بالفتح وهي العظم بين النحر والعاتق وهو كناية عن عدم القبول والصعود في موضع العرض وقال النووي معناه أن قوما يقرأون وليس حظهم من القرآن إلا مروره على اللسان فلا يجاوز
[ 178 ]
تراقيهم ليصل قلوبهم وليس ذلك هو المطلوب بل المطلوب تعقله وتدبره بوقوعه في القلب (إني لأعرف السور النظائر) أي السور المتماثلة في المعاني كالمواعظة أو الحكم أو القصص لا المتماثلة في عدد الاي قال المحب الطبري كنت أظن أن المراد أنها متساوية في العدد حتى اعتبرتها فلم أجد فيها شيئا متساويا (يقرن) بضم الراء وكسرها (قال) أي أبو وائل (فأمرنا علقمة) بن قيس بن مالك النخعي أي قال أبو وائل فأمرنا علقمة أن يسأل ابن مسعود عن السور النظائر (فسأله) أي فسأل علقمة عبد الله بن مسعود (فقال عشرون سورة من الفصل) وهو من ق إلى آخر القرآن على الصحيح لكثرة الفصل بين سورة بالبسملة على الصحيح قاله الحافظ (يقرن بين كل سورتين في كل ركعة) أي يجمع بين سورتين منها في كل ركعة على تأليف ابن مسعود فإنه جمع القرآن على نسق غير ما جمعه زيد وهي الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة وإذا وقعت والنون في الركعة والمعارج والنازعات في ركعة وويل للمظففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان وإذا الشمس في ركعة كذا في مجمع البحار قلت كذلك وقع بيان جمع السورتين في كل ركعة في رواية أبي داود وقال في آخره تأليف ابن مسعود رحمه الله انتهى ويتبين بهذا أن في قوله عشرون سورة من المفصل في حديث الباب تجوز لأن الدخان ليست منه قاله الحافظ وفي الحديث جواز الجمع بين سورتين في كل ركعة وقد روى أبو داود وصححه ابن خزيمة من طريق عبد الله بن شقيق قال سألت عائشة أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين السور ؟ قالت نعم من المفصل قال الحافظ ولا يخالف هذا ما ورد أنه جمع بين البقرة وغيرها من الطوال لأنه يحمل على النادر انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
[ 179 ]
باب ما ذكر في فضل المشي إلى المسجد وما يكتب له من الأجر في خطاه قوله أخبرنا (أبو داود) هو الطيالسي (سمع ذكران) هو أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة من الثالثة مات سنة إحدى ومائة قاله الحافظ وقال في الخلاصة روى عن سعد وأبي الدرداء وعائشة وأبي هريرة وخلق وعنه بنوه سهيل وعبد الله وصالح وعطاء بن أبي رباح وسمع منه الأعمش ألف حديث قال أحمد ثقة ثقة شهد الدار انتهى قوله (فأحسن الوضوء) بأن راعى فروضه وشروطه وآدابه (أو قال لا ينهزه) كلمة أو للشك من الراوي أي لا يدفعه قال في النهاية النهز الدفع يقال نهزت الرجل أنهزه إذا دفعته ونهز رأسه إذا حركه (إلا إياها) أي إلا الصلاة والمعنى خرج إلى المسجد ولم ينو بخروجه غير الصلاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه بألفاظ باب ما ذكر في الصلاة بعد المغرب أنه في البيت أفضل قوله (أخبرنا ابراهيم ابن أبي الوزير) هو إبراهيم بن عمر بن مطرف الهاشمي مولاهم
[ 180 ]
أبو إسحاق بن أبي الوزير المكي نزيل البصرة صدوق من التاسعة قال الحافظ وقال في الخلاصة روى عن عبد الرحمن بن الغسيل ونافع بن عمر ومالك وعنه ابن المثنى وابن بشار قال أبو حاتم لا بأس به (أخبرنا محمد بن موسى) بن أبي عبد الله الفطري بكسر الفاء وسكون الطاء المدني مولاهم روى عن المقبري ويعقوب بن سلمة الليثي وعون بن محمد بن الحنفية وروى عنه عبد الرحمن بن أبي الموال وابن مهدي وابن أبي فديك وأبو المطرف بن أبي الوزير وإبراهيم بن أبي عمر بن أبي الوزير وغيرهم قال أبو حاتم صدوق صالح الحديث كان يتشيع وقال الترمذي ثقة وقال أبو جعفر الطحاوي محمود في روايته كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة) البلوي المدني حليف الأنصار ثقة من الخامسة (عن أبيه) هو إسحاق بن كعب بن عجرة قال الذهبي في الميزان إن إسحاق بن كعب تابعي مستور تفرد بحديث سنة المغرب وهو غريب جدا انتهى وقال الحافظ في التقريب مجهول الحال قتل يوم الحرة (عن جده) هو كعب بن عجرة صحابي مشهور مات بعد الخمسين وله نيف وسبعون قوله (في مسجد بني عبد الأشهل) هم طائفة من الأنصار (فقام ناس يتنفلون) وفي رواية أبي داود فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها (عليكم بهذه الصلاة) أي النوافل (في البيوت) وفي رواية أبي داود هذه صلاة البيوت قال القاري في المرقاة هذا إرشاد لما هو الأفضل والظاهر أن هذا إنما هو لمن يريد الرجوع إلى بيته بخلاف المعتكف في المسجد فإنه يصليها فيه ولا كراهة بالاتفاق قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) قد عرفت أن إسحاق بن كعب مستور وقد تفرد هو بهذا الحديث وحديث كعب بن عجرة هذا أخرجه أيضا أبو داود والنسائي قوله (والصحيح ما روي عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين بعد
[ 181 ]
المغرب في بيته) أخرجه البخاري بلفظ قال حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته الحديث وفي لفظ له وأما المغرب والعشاء ففي بيته واستدل به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار وحكى ذلك عن مالك والثوري وفي الاستدلال به على ذلك نظر والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبا وبالليل يكون في بيت غالبا وأغرب ابن أبي ليلى فقال لا تجزي سنة المغرب في المسجد حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته لحديث محمود بن لبيد رفعه أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت وقال إنه حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى فاستحسنه كذا في فتح الباري قلت في مسند الامام أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا المغرب في مسجدنا فلما سلم منها قال اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم للسبحة بعد المغرب انتهى والظاهر أن إسناده حسن ويعقوب هذا هو يعقوب بن ابراهيم بن سعد الزهري وفيه في روايته الأخرى قال أبو عبد الرحمن هو عبد الله بن الامام أحمد قلت لأبي إن رجلا قال من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه من صلوات البيوت قال من قال هذا قلت محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى قال ما أحسن ما قال أو ما أحسن ما انتزع انتهى ففي قول الحافظ والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد الخ نظر ظاهر قوله (وقد روي عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب فما زال يصلي في المسجد حتى صلى العشاء الاخرة) في مسند أحمد ص 404 جزء 5 حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا زيد بن الحباب أنبأنا إسرائيل أخبرني ميسرة بن حبيب عن المنهال عن زر بن حبيش عن حذيفة قال قالت لي أمي متى عهدك بالنبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فجئته فصليت معه المغرب فلما قضى الصلاة قام يصلي فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج انتهى وإسناده حسن (ففي هذا الحديث دلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد) وروى أبو داود في سننه عن
[ 182 ]
ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة بعد المغرب حتى يتفرق أهل المسجد ففي هذا الحديث أيضا دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد لكن في سنده يعقوب بن عبد الله القمي قال المنذري قال الدارقطني ليس بالقوى انتهى فطريق الجمع بين هذه الأحاديث أن يقال إنه يجوز فعل الركعتين بعد المغرب في المسجد والأولى والأفضل أن تصليا في البيت والله تعالى أعلم باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن الأغر) بفتح الغين المعجمة بعدها راء مشددة (ابن الصباح) بالموحدة المشددة بعد الصاد التميمي المنقري مولاهم الكوفي روى عن أبي نضرة وغيره وعنه الثوري وغيره ثقة وثقه يحيى بن معين والنسائي (عن خليفة بن حصين) بن قيس بن عاصم التميمي المنقري عن جده قيس بن عاصم وعلي بن أبي طالب وعنه الأغر المنقري وثقه النسائي (عن قيس بن عاصم) بن سنان بن خالد المنقري صحابي مشهور بالحلم قوله (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء وسدر) فيه دليل على مشروعية الغسل لمن أسلم فذهب بعض أهل العلم إلى وجوبه وذهب الأكثرون إلى الاستحباب قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أحمد بلفظ أن ثمامة أسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اذهبوا به إلى حائط بني فلان فمروه أن يغتسل وأخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان وأصله في الصحيحين وليس فيهما الأمر بالاغتسال وإنما فيهما أنه اغتسل كذا في النيل قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وابن حبان وابن خزيمة
[ 183 ]
وصححه ابن السكن كذا في النيل وسكت عنه أبو داود وذكر المنذري تحسين الترمذي وأقره قوله (والعمل عليه عند أهل العلم يستحبون للرجل إذا أسلم أن يغتسل) قال الخطابي هذا الغسل عند أكثر أهل العلم على الاستحباب لا على الايجاب وقال الشافعي إذا أسلم الكافر أحب له أن يغتسل فإن لم يفعل ولم يكن جنبا أجزأه أن يتوضأ ويصلي وكان أحمد بن حنبل وأبو ثور يوجبان الاغتسال إذا أسلم قولا بظاهر الحديث وقالوا لا يخلو المشرك في أيام كفره من جماع أو احتلام وهو لا يغتسل ولو اغتسل لم يصح ذلك منه لأن الاغتسال من الجنابة فرض من فروض الدين وهو لا يجزيه إلا بعد الايمان كالصلاة والزكاة ونحوها وكان مالك يرى أن يغتسل الكافر إذا أسلم انتهى كلام الخطابي قلت واستدل من قال بالاستحباب إلا لمن أجنب بأنه لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم كل من أسلم بالغسل ولو كان واجبا لما خص بالأمر به بعضا دون بعض فيكون ذلك قرينة تصرف الأمر إلى الندب وأما وجوبه على المجنب فللأدلة القاضية بوجوبها لأنها لم تفرق بين كافر ومسلم واحتج القائل بالاستحباب مطلقا لعدم وجوبه على المجنب بحديث الاسلام يجب ما قبله قال القاضي الشوكاني والظاهر الوجوب لأن أمر البعض قد وقع به التبليغ ودعوى عدم الأمر لمن عداهم لا يصلح متمسكا لأن غاية ما فيها عدم العلم بذلك وهو ليس علما بالعدم انتهى (ويغسل ثيابه) وإن كان عليه شعر الكفر يحلق ويختتن لما رواه أبو داود عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال قد أسلمت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ألق عنك شعر الكفر يقول احلق قال وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الاخر معه ألق عنك شعر الكفر واختتن انتهى لكن الحديث ضعيف قال المنذري قال عبد الرحمن بن أبي حاتم كليب والد عثيم بصري روى عن أبيه مرسل هذا آخر كلامه وفيه أيضا رواية مجهول انتهى كلام المنذري والمراد بشعر الكفر الشعر الذي هو للكفار علامة لكفرها وهي مختلفة الهيئة في البلاد المختلفة فكفرة الهند ومصر لهم في موضع من الرأس شعور طويلة لا يتعرضون لها بشئ من الجز أو الحلق أبدا وإذا يريدون حلق الرأس يحلقون كله إلا ذلك المقدار
[ 184 ]
باب ما ذكر من التسمية في دخول الخلاء قوله (حدثنا محمد بن حميد الرازي) حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه (أخبرنا الحكم بن بشير بن سلمان) النهدي الكوفي صدوق له فرد حديث عندهما (أخبرنا خلاد الصفار) هو خلاد ابن عيسى أو ابن مسلم العبدي أبو مسلم الكوفي وثقه يحيى بن معين (عن الحكم بن عبد الله النصري) بالنون وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة وقال في التقريب مقبول (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن أبي جحيفه) بتقديم الجيم على الحاء المهملة مصغرا اسمه وهب بن عبد الله السوائي مشهور بكنيته ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب عليا رضي الله عنه وكان من صغار الصحابة مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الحلم وكان من كبار أصحاب علي وخواصه كذا في التقريب والخلاصة قوله (ستر ما بين أعين الجن) بفتح السين مصدر وقيل بالكسر وهو الحجاب (وعورات بني آدم) بسكون الواو (إذا دخل أحدهم الخلاء) أي وقت دخول أحد بني آدم الخلاء (أن يقول بسم الله) خبر لقوله ستر ما بين أعين الجن قال المناوي وذلك لأن اسم الله تعالى كالطابع على بني آدم فلا يستطيع الجن فكه وقال قال بعض أئمتنا الشافعية ولا يزيد الرحمن الرحيم لأن المحل ليس محل ذكر ووقوفا مع ظاهر هذا الخبر انتهى وقال ابن حجر المكي يسن أن يقدم على كل من التعوذين بسم الله انتهى قال القاري بعد نقل كلام ابن حجر هذا ما لفظه ولا بعد أن يؤخر عنهما على وفق تقدم الاستعاذة على البسملة في التلاوة ولو اكتفى بكل منهما لحصل أصل السنة والجمع أفضل انتهى قوله (هذا حديث غريب) أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجه قال المناوي بإسناد
[ 185 ]
صحيح قلت إسناد الترمذي ليس بصحيح كما صرح به بقوله (وإسناده ليس بذاك) أي ليس بالقوى لأن محمد بن حميد الرازي شيخ الترمذي ضعيف قوله (وقد روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ في هذا) أخرجه الطبراني بلفظ ستر بين أعين الجن وبين عورات بني آدم إذا وضع أحدهم ثوبه أن يقول بسم الله كذا في الجامع الصغير قال المناوي في شرحه بإسناد حسن قال القاري في المرقاة بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه هذا الحديث يدل على أن ما زائدة في الحديث السابق يعني حديث على المذكور في هذا الباب وأن الحكم عام ثم الظرف قيد واقعي غالي للتكشف المحتاج إلى الستر بالبسملة المتقدمة لا أنه احترازي فإنه ينبغي أن يبسمل إذا أراد كشف العورة عند خلع الثوب أو إرادة الغسل انتهى باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة من اثار السجود والطهور يوم القيامة قوله (قال صفوان بن عمرو) السكسكي أبو عمرو الحمصي قال عمرو بن علي ثبت وقال أبو حاتم ثقة له في مسلم فرد حديث (أخبرني يزيد بن خمير) بالخاء المعجمة مصغرا الهمداني الزيادي الحمصي روى عن أبي أمامة وعبد الله بن بسر وعنه صفوان بن عمر وشعبة ووثقه ووثقه أيضا ابن معين والنسائي قوله (قال أمتي يوم القيامة غر) بضم الغين المعجمة وشدة الراء جمع أغر وهو أبيض الوجه (من السجود) أي من أثر السجود في الصلاة (محجلون من الوضوء) المحجل من
[ 186 ]
الدواب التي قوائمها بيض مأخوذ من الحجل وهو القيد كأنها مقيدة بالبياض والمعنى يأتون يوم القيامة بيض الوجوه من آثار السجود وبيض مواضع الوضوء من اليدين والرجلين من آثار الوضوء فالغرة من أثر السجود ، والتحجيل من أثر الوضوء سيما هذه الامة يوم القيامة . وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره مرفوعا قال وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أو لسنا إخوانك يا رسول الله قال أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله فقال أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا بلى يا رسول الله قال فإنهم يأتون غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض وفي رواية ابن ماجه تردون على غرا محجلين من الوضوء سيماء أمتي ليس لأحد غيرها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وفي الباب عن أبي هريرة وتقدم انفا لفظ حديثه وفي الباب أيضا عن أبي الدرداء أخرج حديثه أحمد وفيه فقال رجل يا رسول الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم فيما بين نوح إلى أمتك قال هم غر محجلون من أثر الوضوء ليس أحد كذلك غيرهم الحديث وهذا نص صريح في أن الغرة والتحجيل من خصوصيات هذه الأمة فإن قلت جعل السجود في حديث عبد الله بن بسر المذكور في هذا الباب علة للغرة يعارضه جعل الوضوء علة للغرة والتحجيل في حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء الذين ذكرنا لفظهما انفا قلت يمكن أن يقال إن للغرة علتين للسجود والوضوء وأما التحجيل فعلته هو الوضوء وحده والله تعالى أعلم باب ما يستحب من التيمن في الطهور قوله (يحب التيمن) أي الابتداء في الأفعال والرجل اليمنى والجانب الأيمن (في طهوره)
[ 187 ]
بالضم ويفتح والمراد به المصدر (وفي ترجله) أي امتشاطه الشعر من اللحية والرأس (وانتعاله) أي لبس نعلة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما باب ذكر قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء قد عقد الترمذي في أبواب الطهارة بابا بلفظ باب الوضوء بالمد وذكر هناك اختلاف أهل العلم في هذه المسألة فالظاهر أنه لم يكن له حاجة إلى عقد هذا الباب ههنا فتفكر قوله (عن شريك) هو ابن عبد الله الكوفي القاضي بواسط ثم الكوفة صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عاد فاض شديدا على أهل البدع (عن عبد الله بن عيسى) هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري أبو محمد الكوفي ثقة فيه تشيع (عن ابن جبر) هو عبد الله بن عبد الله بن جبر كما صرح به الترمذي وهو ثقة (يجزئ في الوضوء رطلان من ماء) الرطل بالفتح ويكسر اثنتا عشرة أوقية والأوقية أربعون درهما كذا في القاموس وقوله يجزئ ظاهره أنه لا يجزئ في الوضوء دون رطلين من الماء ويعارضه حديث عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد رواه أبو داود والنسائي وصححه أبو زرعة وحديث الباب قد تفرد به شريك القاضي وقد عرفت أنه يخطئ كثيرا وتغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة قوله (هذا حديث غريب) وأخرج بنحوه أحمد وأبو داود
[ 188 ]
قوله (كان يتوضأ بالمكوك) بفتح الميم وضم الكاف الأولى وتشديدها بوزن تنور قال النووي لعل المراد بالمكوك هنا المد انتهى وقال صاحب مجمع البحار أراد بالمكوك المد وقيل الصاع والأول أشبه انتهى (ويغتسل بخمسة مكاكي) جمع مكوك وأصله مكاكيك أبدلت الكاف الأخيرة بالياء وأدغمت الياء في الياء وقد جاء في قدر ماء الاغتسال وماء الوضوء روايات مختلفة قال الشافعي وغيره الجمع بين هذه الروايات أنها كانت اغتسالات في أحوال انتهى وكذلك كانت وضوات في أحوال قال الشوكاني القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الاسراف وهكذا الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد الاسراف أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب انتهى كلام الشوكاني قلت الأمر كما قال باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع قوله (أخبرنا معاذ بن هشام) بن أبي عبد الله الدستوائي البصري وقد سكن اليمن صدوق ربما وهم مات سنة مائتين (قال حدثني أبي) هو هشام بن أبي عبد الله سنبر وزن جعفر أبو بكر البصري الدستوائي ثقة ثبت وقد رمى بالقدر من كبار السابعة (عن أبي حرب بن أبي الأسود) الديلي البصري ثقة قيل اسمه محجن وقيل عطاء من الثالثة مات سنة 108 ثمان ومائة (عن أبيه) هو أبو الأسود الديلي بكسر المهملة وسكون التحتانية ويقال الدؤلي بالضم بعدها همزة مفتوحة البصري اسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ويقال عمرو بن ظالم ويقال غير ذلك ثقة فاضل مخضرم
[ 189 ]
قوله (قال في بول الغلام الرضيع ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية) قال الجزري في النهاية نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه انتهى وفي القاموس نضح البيت ينضحه رشه وقال فيه الرش نقض الماء والدم والدمع انتهى وهذا الحديث حجة صريحة في أنه يكفي النضح في بول الصبي ولا يكفي في بول الجارية بل لا بد من غسله وهو الحق واعلم أن الترمذي رحمه الله قد عقد في أبواب الطهارة بابا في هذه المسألة بلفظ باب ما جاء في نضج بول الغلام قبل أن يطعم وذكر فيه حديث أم قيس بنت محصن وأشار إلى أحاديث منها حديث علي المذكور ههنا ثم قال وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل أحمد وإسحاق قالوا ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا انتهى كلامه فلا أدري لم ذكر هذا الباب ههنا والظاهر أنه تكرار وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة هناك فتذكر تنبيه اعلم أن المصنف رحمه الله قد ذكر في آخر كتاب الصلاة أبوابا كان موضع ذكرها كتاب الطهارة فلا أدري لم فعل هكذا فتفكر باب ما ذكر في الرخصة للجنب في الأكل والنوم إذا توضأ قوله (أخبرنا قبيصة) بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي أبو عامر الكوفي صدوق ربما خالف روى عن الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم وعنه البخاري والذهلي وهناد بن سري وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (عن يحيى بن يعمر) بفتح التحتانية
[ 190 ]
والميم بينهما مهملة ساكنة البصري نزيل مرو وقاضيها ثقة فصيح وكان يرسل من الثالثة كذا في التقريب وقال صاحب مجمع البحار في كتابه المغنى بفتح الميم وضمها قوله (رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة) أي الوضوء الشرعي والحديث يدل على أفضلية الغسل للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام لأن العزيمة أفضل من الرخصة وعلى أنه يجوز له أن يأكل أو يشرب أو ينام قبل الاغتسال وهذا كله مجمع عليه قاله النووي وأما من أراد أن يأكل أو يشرب فقد اتفق الناس على عدم وجوب الوضوء عليه وحكى ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن ابن عمر واجب وأما من أراد أن ينام وهو جنب فقال الظاهرية وابن حبيب من المالكية بوجوب الوضوء عليه وذهب الجمهور إلى استحبابه وعدم وجوبه وتمسك القائلون بالوجوب بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ واغسل ذكرك ثم نم رواه الشيخان وتمسك الجمهور بحديث ابن عباس مرفوعا إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة أخرجه أصحاب السنن وبحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماءا أخرجه أبو داود والترمذي وهو حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال قال الشوكاني في النيل بعد ذكر ما تمسك به الفريقان ما لفظه فيجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث ابن عمر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ إن شاء انتهى كلام الشوكاني قلت الأمر عندي كما قال الشوكاني والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأخرج الشيخان عن عائشة مرفوعا بلفظ كان إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وأخرج أحمد والنسائي عنها مرفوعا بلفظ إذا أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب يغسل يديه ثم يأكل ويشرب قال الشوكاني يجمع بين الروايات بأنه تارة يتوضأ وضوءه للصلاة وتارة يقتصر على غسل اليدين لكن هذا في الأكل والشرب خاصة وأما في النوم والمعاودة فهو كوضوء الصلاة لعدم المعارض للأحاديث المصرحة فيهما بأنه كوضوء الصلاة انتهى
[ 191 ]
باب ما ذكر في فضل الصلاة قوله (حدثنا عبد الله بن أبي زياد) هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني الكوفي الدهقان من شيوخ الترمذي (أخبرنا عبيد الله بن موسى) العبسي الكوفي ثقه من رجال الستة (أخبرنا غالب أبو بشر) هو غالب بن نجيح الكوفي وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة (عن أيوب بن عائذ الطائي) اليحتري ثقة (عن قيس بن مسلم) الجدلي الكوفي ثقة (عن طارق بن شهاب) الأحمصي كوفي مخضرم قال أبو داود رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه وثقه ابن معين (عن كعب بن عجرة) بضم وسكون العين وسكون الجيم الأنصاري المدني صحابي مشهور قوله (أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء) أي من عملهم أو من الدخول عليهم أو اللحوق بهم (يكونون من بعدي) يعني سفهاء موصوفين بالكذب والظلم (فمن غشى أبوابهم) وفي رواية النسائي فمن دخل عليهم وهو المراد من غشيان أبوابهم قال في النهاية غشيه يغشاه غشيانا إذا جاء وغشاه تغشية إذا غطاه وغشى الشئ إذا لابسه انتهى (فصدقهم في كذبهم) بفتح فكسر ويجوز بكسر فسكون والأول أصح وأفصح لعدم ورود غيره من القرآن وقيل الكذب إذا أخذ في مقابلة الصدق كان بسكون الذال للازدواج وإذا أخذ وحده كان بالكسر كذا في المرقاة (وأعانهم على ظلمهم) أي بالإفتاء ونحوه (فليس مني ولست منه) أي بين وبينه براءة ونقض ذمة قاله القاري وقيل هو كناية عن قطع الوصلة بين ذلك الرجل وبينه صلى الله عليه وسلم أي ليس بتابع لي وبعيد عني وكان سفيان الثوري يكره تأويله ويحمله على ظاهره ليكون أبلغ في الزجر (ولا يرد) من الورود أي لا يمر (علي) بتشديد الياء بتضمين معنى العرض أي لا يرد معروضا على (الحوض) أي حوض الكوثر (فهو مني وأنا منه) كناية عن بقاء الوصلة بينه وبينه صلى الله عليه وسلم بشرط ألا يكون قاطع آخر (الصلاة برهان) أي حجة ودليل على
[ 192 ]
إيمان صاحبها (والصوم جنة) بضم الجيم وتشديد النون هو الترس (حصينة) أي مانعة من المعاصي بكسر القوة والشهوة (والصدقة تطفئ الخطيئة) التي تجر إلى النار يعني تذهبها وتمحو أثرها (إنه) ضمير الشأن (لا يربو) أي لا يرتفع ولا يزيد ربا المال يربو إذا زاد (لحم نبت) أي نشأ (من سحت) بضم السين وسكون الحاء أي حرام قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي باب منه أي من الباب المتقدم والمعنى هذا باب آخر في فضل الصلاة قوله (حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكوفي) هو موسى بن عبد الرحمن بن سعيد بن مسروق الكندي المسروقي أبو عيسى الكوفي من شيوخ الترمذي قال في التقريب ثقة من كبار الحادية عشر (حدثني سليم بن عامر) الكلاعي ويقال الخبايري الحمصي ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة ثلاثين ومائة قوله (وصلوا خمسكم) أضاف إليهم ليقابل العمل بالثواب في قوله جنة ربكم ولينعقد البيع والشراء بين العبد والرب كما في قوله تعالى إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم الاية وقال الطيبي حكمة إضافة هذا وما بعده إليهم إعلامهم بأن ذوات هذه الأعمال بكيفيتها المخصوصة من خصوصياتهم التي امتازوا بها عن سائر الأمم وحثهم على
[ 193 ]
المبادرة للامتثال بتذكيرهم بما خوطبوا به وتذكيرهم بأن هذه الاضافة العملية يقابلها إضافة فضلية هي أعلى منها وأتم وهي الجنة المضافة إلى وصف الربوبية المشعر بمزيد تربيتهم وتربية نعيمهم بما فارقوا به سائر الأمم (وصوموا شهركم) المختص بكم وهو رمضان وأبهمه الدلالة على أنه صار من الظهور عندهم إلى حد لا يقبل الشك والتردد (وأدوا زكاة أموالكم) في الخلعيات وأدوا زكاتكم طيبة بها أنفسكم وحجوا بيت ربكم كذا في قوت المغتذي والمراد بأموالكم أي التي هي ملك لكم (وأطيعوا ذا أمركم) قال القاري أي الخليفة والسلطان وغيرهما من الأمراء أو المراد العلماء أو أعم أي كل من تولى أمرا من أموركم سواء كان السلطان ولو جائرا ومتغلبا وغيره ومن أمرائه وسائر نوابه ألا أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولم يقل أميركم إذ هو خاص عرفا ببعض من ذكر ولأنه أوفق لقوله تعالى وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم انتهى كلام القاري قلت المراد بقوله (ذا أمركم) هو الذي أريد بقوله أولى الأمر في هذه الاية قال البخاري في صحيحه باب قوله أولى الأمر منكم ذوي الأمر قال الحافظ وهو تفسير أبي عبيدة قال ذلك في هذه الاية وزاد والدليل على ذلك أن واحدها ذو أي واحد أولى لأنها لا واحد لها من لفظها قال واختلف في المراد بأولى الأمر في هذه الاية فعن أبي هريرة هم الأمراء أخرجه الطبراني بإسناد صحيح وأخرج عن ميمون بن مهران وغيره نحوه وعن جابر بن عبد الله قال هم أهل العلم والخير وعن مجاهد وعطاء وأبي الحسن وأبي العالية هم العلماء ومن وجه آخر أصح منه عن مجاهد قال هم الصحابة وهذا أخص وعن عكرمة أبو بكر وعمر وهذا أخص من الذي قبله ورجح الشافعي الأول واحتج له بأن قريشا كانوا لا يعرفون الإمارة ولا ينقادون إلى أمير فأمروا بالطاعة لمن ولي الأمر ولذلك قال صلى الله عليه وسلم من أطاع أميري فقد أطاعني متفق عليه واختار الطبري حملها على العموم وإن نزلت في سبب خاص قاله الحافظ في الفتح قلت والراجح أن المراد بقوله (ذا أمركم) في الحديث وبقوله أولى الأمر في الاية هم الأمراء ويؤيده شأن نزولها فروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية انتهى وعقد البخاري رحمه الله في ابتداء كتاب الأحكام من صحيحه بابا بلفظ باب قول الله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وأورد فيه حديثين الأول حديث أبي هريرة الذي فيه ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد
[ 194 ]
عصاني ، والثاني حديث ابن عمر : ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته قال الحافظ في الفتح في هذا إشارة من المصنف إلى ترجيح القول الصائر إلى أن الاية نزلت في طاعة الأمراء خلافا لمن قال نزلت في العلماء وقد رجح ذلك أيضا الطبري وقال ابن عيينة سألت زيد بن أسلم عنها ولم يكن بالمدينة أحد يفسر القرآن بعد محمد بن كعب مثله فقال اقرأ ما قبلها تعرف فقرأت إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الاية فقال هذه في الولاة انتهى وقال العيني في عمدة القاري ص 455 ج 8 قوله وأولى الأمر منكم في تفسيره أحد عشر قولا الأول الأمراء قاله ابن عباس وأبو هريرة وابن زيد والسدي الثاني أبو بكر وعمر رضي الله عنهما الثالث جميع الصحابة قاله مجاهد الرابع الخلفاء الأربعة قاله أبو بكر الوراق فيما قاله الثعلبي الخامس المهاجرون والأنصار قاله عطاء السادس الصحابة والتابعون السابع أرباب العقل الذين يسوسون أمر الناس قاله ابن كيسان الثامن العلماء والفقهاء قاله جابر بن عبد الله والحسن وأبو العالية التاسع أمراء السرايا قاله ميمون بن مهران ومقاتل والكلبي والعاشر أهل العلم والقرآن قاله مجاهد واختاره مالك الحادي عشر عام في كل من ولى أمر شئ وهو الصحيح وإليه مال البخاري بقوله ذوي الأمر انتهى كلام العيني قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم ولا يعرف له علة ولم يخرجاه وقد احتج مسلم بأحاديث لسليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم كذا في نصب الراية وفي الباب عن أبي الدرداء أخرجه الطبراني في كتاب مسند الشاميين مرفوعا بلفظ أخلصوا عبادة ربكم وصلوا خمسكم وأدوا زكاة أموالكم وصوموا شهركم وحجوا بيت ربكم تدخلوا جنة ربكم ذكره الزيلعي في نصب الراية
[ 195 ]
أبواب الزكاة هي الركن الثالث من الأركان التي بني الاسلام عليها قال ابن العربي في عارضة الأحوذي تطلق الزكاة على الصدقة الواجبة والمندوبة والنفقة والحق والعفو وتعريفها في الشرع إعطاء جزء من النصاب الحولي إلى فقير ونحوه غير هاشمي ولا مطلبي ثم لها ركن وهو الاخلاص وشرط وهو السبب وهو ملك النصاب الحولي وشرط من تجب عليه وهو العقل والبلوغ والحرية ولها حكم وهو سقوط الواجب في الدنيا وحصول الثواب في الأخرى وحكمة وهي التطهير من الأدناس ورفع الدرجة واسترقاق الأحرار انتهى قال الحافظ في الفتح هو جيد لكن في شرط من تجب عليه اختلاف انتهى باب ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في منع الزكاة من التشديد قوله (عن معرور بن سويد) الأسدي الكوفي يكنى بأبي أمية ثقة من الثانية عاش مائة وعشرين سنة (عن أبي ذر) هو أبو ذر الغفاري الصحابي المشهور رضي الله عنه اسمه جندب بن جنادة على الأصح وهو من أعلام الصحابة وزهادهم أسلم قديما بمكة يقال كان خامسا في الاسلام ثم انصرف إلى قومه فأقام عندهم إلى أن قدم المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق ثم سكن الربذة إلى أن مات سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه قال الذهبي كان
[ 196 ]
يوازي ابن مسعود في العلم وكان رزقه أربعمائة دينار ولا يدخر مالا قوله (هم الأخسرون) هم ضمير عن غير مذكور لكن يأتي تفسيره وهو قوله هم الأكثرون الخ (ورب الكعبة) الواو للقسم (قال فقلت) أي في نفسي (فداك أبي وأمي) بفتح الفاء لأنه ماض خبر بمعنى الدعاء ويحتمل كسر الفاء والقصر لكثرة الاستعمال أي يفديك أبي وأمي وهما أعز الأشياء عندي قاله القاري وقال العراقي الرواية المشهورة بفتح الفاء والقصر على أنها جملة فعلية وروي بكسر الفاء والمسد على الجملة الاسمية انتهى (هم الأكثرون) وفي رواية الشيخين هم الأكثرون أموالا أي الأخسرون مالا هم الأكثرون مالا (إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا) أي إلا من أشار بيده من بين يديه وعن يمينه وعن شماله قال الطيبي يقال قال بيده أي أشار وقال بيده أي أخذ وقال برجله أي ضرب وقال بالماء على يده أي صبه وقال بثوبه أي رفعه (فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله) أي أعطى في وجوه الخير قال في القاموس الحثي كالرمي ما رفعت به يدك وحثوت له أعطيته يسيرا (فيدع) أي يترك (إبلا وبقرا) أو للتقسيم (أعظم ما كانت) بالنصب حال وما مصدرية (وأسمنه) أي أسمن ما كانت (تطؤه بأخفافها) أي تدوسه بأرجلها وهذا راجع للإبل لأن الخف مخصوص بها كما أن الظلف مخصوص بالبقر والغنم والظباء والحافر يختص بالفرس والبغل والحمار والقدم للادمي قاله السيوطي (وتنطحه) أي تضربه والمشهور في الرواية بكسر الطاء قاله السيوطي (بقرونها) راجع للبقر (كلما نقدت) روى بكسر الفاء مع الدال المهملة من النفاد وبفتحها والذال المعجمة من النفوذ قاله السيوطي قوله (وفي الباب عن أبي هريرة مثله) أخرجه البخاري ومسلم (وعن علي بن أبي طالب قال لعن مانع الزكاة) أخرجه سعيد بن
[ 197 ]
منصور والبيهقي والخطيب في تاريخه وابن النجار وفيه محمد بن سعيد البورقي كذاب يضع الحديث كذا في شرح سراج أحمد السندي (وقبيصة بن هلب عن أبيه) أي هلب الطائي قيل إنه بضم الهاء وإسكان اللام وآخره باء موحدة وقيل بفتح الهاء وكسر اللام وتشديد الباء قال ابن الجوزي وهو الصواب كذا في قوت المغتذي (وجابر بن عبد الله) أخرجه مسلم (وعبد الله بن مسعود) أخرجه ابن ماجه والنسائي بإسناد صحيح وابن خزيمة في صحيحه قوله (حديث أبي ذر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (واسم أبي ذر جندب بن السكن ويقال ابن جنادة) بضم الجيم وخفة النون وإهمال الدال قال العراقي ما صدر به قول مرجوح وجعله ابن حبان وهما والصحيح الذي صححه المتقدمون والمتأخرون الثاني قوله (حدثنا عبد الله بن منير) بنون اخره مهملة مصغرا المروزي أبو عبد الرحمن الزاهد الحافظ الجوال روى عن النضر بن شميل ووهب بن جرير وخلق وعنه البخاري وقال لم أر مثله والترمذي والنسائي ووثقه مات سنة إحدى وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة وقد ضبط الحافظ في التقريب لفظ منير بضم الميم وكسر النون وكذا ضبطه في الفتح في باب الغسل في المخضب (عن حكيم بن الديلم) المدائني صدوق (عن الضحاك بن مزاحم) الهلالي مولاهم الخراساني يكنى أبا القاسم عن أبي هريرة وابن عباس وغيرهما قال سعيد بن جبير لم يلق ابن عباس ووثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وقال ابن حبان في جميع ما روي نظر إنما اشتهر بالتفسير مات سنة خمس ومائة كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق كثير الارسال (قال الأكثرون أصحاب عشرة آلاف) قال القاضي أبو بكر بن العربي يعني درهما وإنما جعله حد الكثرة لأنه قيمة النفس المؤمنة وما دونه في حد القلة وهو فقه بالغ وقد روي عن غيره وإني لأستحبه قولا وأصوبه رأيا انتهى كلامه وفي حاشية النسخة الأحمدية هذا التفسير من الضحاك لحديث آخر هو قوله صلى الله عليه وسلم من قرأ ألف آية كتب من المكثرين المقنطرين وفسر المكثرين بأصحاب عشرة آلاف درهم وأورد الترمذي هذا التفسير ههنا لمناسبة ضعيفة انتهى ما في الحاشية
[ 198 ]
قلت لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ وبتفسير الضحاك هذا والله تعالى أعلم وقد أخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله القناطير المقنطرة يعني المال الكثير من الذهب والفضة ذكره السيوطي في الدر المنثور باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك قوله (عن دراج) بتثقيل الراء وآخره جيم ابن سمعان أبي السمح قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقبه وثقه ابن معين وضعفه الدارقطني قال أبو داود حديثه مستقيم إلا عن أبي الهيثم (عن ابن حجيرة) بضم الحاء وفتح الجيم مصغرا اسمه عبد الرحمن ثقة وهو ابن حجيرة الأكبر قوله (إذا أديت) أي أعطيت (زكاة مالك) الذي وجبت عليك فيه زكاة (فقد قضيت) أي أديت (ما عليك) من الحق الواجب فيه ولا تطالب بإخراج شئ آخر منه قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي قوله ما عليك أي من حقوق المال وهذا يقتضي أنه ليس عليه واجب مالي غير الزكاة وباقي الصدقات كلها تطوع وهو يشكل بصدقة الفطر والنفقات الواجبة إلا أن يقال الكلام في حقوق المال وليس بشئ من هذه الأشياء من حقوق المال بمعنى أنه يوجبه المال بل يوجبه أسباب آخر كالفطر والقرابة والزوجية وغير ذلك انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه ابن ماجه والحاكم في الزكاة وقال الحاكم صحيح كذا في شرح الجامع الصغير للمناوى وقال الحافظ في الفتح بعد نقل تحسين الترمذي
[ 199 ]
وصححه الحاكم وهو على شرط ابن حبان وعن أم سلمة عند الحاكم وصححه ابن القطان أيضا وأخرجه أبو داود وقال ابن عبد البر في سنده مقال وذكر شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي إن سنده جيد قال الحافظ وفي الباب عن جابر أخرجه الحاكم بلفظ إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره ورجح أبو زرعة والبيهقي وغيرهما وقفه كما عند البزار انتهى قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري رحمه الله صرح به الحافظ كما ستقف (حدثنا علي بن حميد الكوفي) المعنى كوفي ثقة وكان ضريرا من العاشرة (أخبرنا سليمان بن المغيرة) القيسي مولاهم البصري أبو سعيد ثقة أخرج له البخاري مقرونا وتعليقا من السابعة (عن ثابت) هو ابن أسلم البناني البصري ثقة عابد من الرابعة قوله (يبتدئ) أي بالسؤال (الأعرابي العاقل) روى بالعين المهملة والقاف وهو المشهور وبالغين المعجمة والفاء والمراد به هنا الذي لم يبلغه النهي عن السؤال كذا في قوت المغتذي قال الحافظ في الفتح وقع في رواية موسى بن إسماعيل في أول هذا الحديث عن أنس قال نهينا في القرآن أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم فكان يعجبنا أن يجئ الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل وكأن أنسا أشار إلى آية المائدة قال وتمنوه عاقلا ليكون عارفا بما يسأل عنه (فبينا نحن كذلك) أي على هذه الحالة وهي حالة التمني (إذ أتاه أعرابي) اسمه ضمام ابن ثعلبة (فجثا) أي جلس على ركبته (فزعم لنا) أي فقال لنا والزعم كما يطلق على القول الذي لا يوثق به كذلك يطلق على القول المحقق أيضا كما نقله أبو عمرو الزاهدي في شرح فصيح شيخه ثعلب وأكثر سيبويه من قوله زعم الخليل في مقام الاحتجاج قاله الحافظ والمراد به ههنا هو الأخير (إنك تزعم) أي تقول قوله (فبالذي رفع السماء) أي أقسمك بالذي رفع السماء (الله) بمد الهمزة للإستفهام كما
[ 200 ]
في قوله تعالى الله أذن لكم (لا أدع) أي لا أترك (ولا أجاوزهن) أي إلى غيرهن يعني لا أزيد عليهن باعتقاد الافتراض وفي رواية مسلم والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص (ثم وثب) أي قام بسرعة قوله (هذا حديث حسن غريب) من هذا الوجه ذكر الامام البخاري في صحيحه هذا الحديث معلقا فقال بعد روايته حديث أنس بإسناده ما لفظه رواه موسى وعلي بن عبد الحميد عن سليمان عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا انتهى قال الحافظ في الفتح موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي وحديثه موصول عند أبي عوانة في صحيحه وعند ابن مندة في الايمان وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة قال وحديث علي بن عبد الحميد موصول عند الترمذي أخرجه عن البخاري عنه وكذا أخرجه الدارمي عن علي بن عبد الحميد وليس له في البخاري سوى هذا الموضع المعلق انتهى قوله (وروي من غير هذا الوجه عن أنس الخ) رواه البخاري ومسلم وغيرهما (قال بعض أهل الحديث فقه هذا الحديث) أي الحكم المستنبط منه والمراد ببعض أهل الحديث أبو سعيد الحداد أخرجه البيهقي من طريق ابن خزيمة قال سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول قال أبو سعيد الحداد عندي خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في القراءة على العالم فقيل له فقام [ فذكر ] قصة ضمام بن ثعلبة قال آلله أمرك بهذا قال نعم كذا في فتح الباري (أن القراءة على العالم
[ 201 ]
والعرض عليه جائز مثل السماع) أي القراءة على الشيخ جائز كما يجوز السماع من لفظ الشيخ وكان يقول بعض المتشددين من أهل العراق إن القراءة على الشيخ لا تجوز ثم انقرض الخلاف فيه واستقر الأمر على جوازه وأختلف في أن أيهما أرفع رتبة والمشهور الذي عليه الجمهور أن السماع من لفظ الشيخ أرفع رتبة من القراءة عليه ما لم يعرض عارض يصير القراءة عليه أولى ومن ثم كان السماع من لفظه في إملاء أرفع الدرجات لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب كذا في الفتح باب ما جاء في زكاة الذهب والورق أي الفضة يقال ورق بفتح الواو وكسرها وبكسر الراء وسكونها قوله (عن عاصم بن ضمرة) السلولي الكوفي قال في التقريب صدوق وقال في الخلاصة وثقه ابن المديني وابن معين وتكلم فيه غيرهما قوله (قد عفوت عن صدقة الخيل والرقيق) أي إذا لم يكونا للتجارة وفي الخيل السائمة اختلاف وسيجئ بيانه وتحقيق الحق فيه في باب ما جاء ليس في الخيل والرقة صدقة قال الطيبي قوله (عفوت) مشعر بسبق ذنب عن إمساك المال عن الانفاق أي تركت وجاوزت عن أخذ زكاتهما مشيرا إلى أن الأصل في كل مال أن تؤخذ منه الزكاة (فهاتوا صدقة الرقة) أي زكاة الفضة والرقة بكسر الراء وتخفيف القاف أي الدارهم المضروبة أصلة ورق وهو الفضة حذف منه الواو وعوض عنه التاء كما في عدة ودية قاله القاري في المرقاة وقال الحافظ في الفتح الرقة الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة (وليس لي في تسعين ومائة
[ 202 ]
شئ) إنما ذكر التسعين لأنه آخر عقد قبل المائة والحساب إذا جاوز الاحاد كان تركيبه بالعقود كالعشرات والمئتين والألوف فذكر التسعين ليدل على أن لا صدقة فيما نقص عن المائتين ويدل عليه قوله (فإذا بلغت) أي الرقة (مائتين ففيها خمسة دراهم) أي الواجب فيها خمسة دراهم بعد حولان الحول قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعمرو بن حزم) أما حديث الصديق فأخرجه البخاري وأحمد وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي قوله (يحتمل أن يكون) أن هذا الحديث (عنهما جميعا) أي عن عاصم بن ضمرة والحارث كليهما فروى أبو إسحاق عنهما قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث علي هذا أخرجه أبو داود وغيره وإسناده حسن انتهى باب ما جاء في زكاة الابل والغنم قوله (حدثنا زياد بن أيوب البغدادي) الطوسي الأصل أبو هاشم يلقب دلويه وكان يغضب منها ولقبه أحمد شعبة الصغير ثقة حافظ وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي (وابراهيم بن عبد الله الهروي) أبو عبد الله نزيل بغداد قال الدارقطني ثقة ثبت وضعفه أبو داود وغيره لوقفه في القرآن (ومحمد بن كامل المروزي) ثقة من صغار العاشرة (المعنى واحد) أي ألفاظهم مختلفة والمعنى واحد (أخبرنا عباد بن العوام) بن عمر الكلابي
[ 203 ]
مولاهم أبو سهل الواسطي ثقة من الثامنة (عن سفيان بن حسين) الواسطي ثقة في غير الزهري بإتفاقهم كذا في التقريب وقال في الميزان قال عثمان بن سعيد سألت يحيى عنه فقال ثقة وهو ضعيف الحديث عن الزهري وقال ابن عدي سمعت أبا يعلى يقول قيل لابن معين حدث سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه في الصدقات فقال لم يتابعه عليه أحد ليس يصح انتهى قلت بل تابعه عليه سليمان بن كثير كما ستقف عليه في كلام المنذري قوله (فقرنه بسيفه) أي كتب كتاب الصدقة فقرنه بسيفه لارادة أن يخرجه إلى عماله فلم يخرجه حتى قبض ففي العبارة تقديم وتأخير قال أبو الطيب السندي وفيه إشارة إلى أن من منع ما في هذا يقاتل بالسيف وقد وقع المنع والقتال في خلافة الصديق رضي الله تعالى عنه وثباته على القتال مع مدافعة الصحابة أو يشير إلى أنه فهم الاشارة قال هذا من فوائد بعض المشائخ انتهى (وكان فيه) أي في كتاب الصدقة (ثلاث شياه) جمع شاة (وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين) استبدل به على أنه لا يجب فيما بين العدد شئ غير بنت مخاض خلافا لمن قال كالحنفية تستأنف الفريضة فيجب في كل خمس من الابل شاة مضافة إلى بنت المخاض قاله الحافظ في الفتح قلت لعله أراد بالحنفية بعضهم وإلا ففي الهداية وشرح الوقاية وغيرهما من كتب الفقه الحنفي المعتبرة مصرح بخلافه موافقا لما في الحديث وبنت مخاض بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وآخره معجمة هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها والماخض الحامل أي دخل وقتها وإن لم تحل (ففيها بنت لبون) بفتح اللام هي التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة سميت بها لأن أمها تكون لبونا أي ذات لبن ترضع به أخرى غالبا (ففيها حقة) بكسر الحاء وتشديد القاف هي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة سميت بها لأنها استحقت أن تركب وتحمل ويطرقها الجمل (ففيها جذعة) بفتح
[ 204 ]
الجيم والذال المعجمة هي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة سميت بها لأنها تجذع أي تقلع أسنان اللبن (فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون) فواجب مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة وواجب مائة وأربعين بنت لبون وحقتان وهكذا قال في المرقاة قال القاضي دل الحديث على استقراء الحساب بعد ما جاوز العدد المذكور يعني أنه إذا زاد الابل على مائة وعشرين لم تستأنف الفريضة وهو مذهب أكثر أهل العلم وقال النخعي والثوري وأبو حنيفة تستأنف فإذا زادت على المائة والعشرين خمس لزم حقتان وشاة وهكذا إلى بنت مخاض وبنت لبون على الترتيب السابق انتهى (وفي السماء في كل أربعين شاة شاة) قال أبو الطيب السندي المراد عموم الحكم لكل أربعين شاة بالنظر إلى الأشخاص أي في أربعين شاة شاة كائنة لمن كان وأما بالنظر إلى شخص واحد ففي أربعين شاة ولا شئ بعد ذلك حتى تزيد على عشرين ومائة انتهى (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع مخافة الصدقة) بالنصب على أنه مفعول لأجله والفعلان على بناء المفعول وفي رواية البخاري خشية الصدقة قال الحافظ في الفتح قال مالك في الموطأ معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيه الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة وقال الشافعي هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر فمعنى قوله (خشية الصدقة) أي خشية أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما بأولى من الاخر فحمل عليهما معا لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر والله أعلم انتهى (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية) يريد أن المصدق إذا أخذ من أحد الخليطين ما وجب أو بعضه من مال أحدهما فإنه يرجع المخالط الذي أخذ منه الواجب أو بعضه بقدر حصته الذي خالطه
[ 205 ]
من مجموع المالين مثلا في المثلى كالثمار أو الحبوب وقيمته في المقوم كالإبل والبقر والغنم فلو كان لكل منهما عشرون شاة رجع الخليط على خليطه بقيمة نصف شاه لا بنصف شاة لأنها غير مثلية ولو كان لأحدهما مائة وللاخر مائة فأخذ الساعي الشاتين الواجبتين من صاحب المائة رجع بثلث قيمتها أو من صاحب الخمسين رجع بثلثي قيمتها أو من كل واحد شاة رجع صاحب المائة بثلث قيمة شاته وصاحب الخمسين بثلثي قيمة شاته كذا في إرشاد الساري للقسطلاني (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) بفتح الهاء وكسر الراء الكبيرة التي سقطت أسنانها (ولا ذات عيب) أي معيبة واختلف في ضبطه فالأكثر على أنه ما يثبت به الرد في البيع وقيل ما يمنع الاجزاء في الأضحية ويدخل في المعيب المريض والذكورة بالنسبة إلى الأنوثة والصغير سنا بالنسبة إلى سن أكبر منه قاله الحافظ (إذا جاء المصدق) بتخفيف الصاد وكسر الدال المشددة عامل الصدقة أي إذا جاء العامل عند أرباب المال لأخذ الصدقة قوله (وفي هذا الباب عن أبي بكر الصديق) أخرجه البخاري وأحمد بطوله (وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده) أخرجه أحمد في مسنده قوله (وإنما رفعه سفيان بن حسين) قال الحافظ في الفتح وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري وقد خالفه من هو أحفظ منه في الزهري فأرسله انتهى وقال المنذري وسفيان بن حسين أخرج له مسلم واستشهد به البخاري إلا أن حديثه عن الزهري فيه مقال وقد تابع سفيان بن حسين على رفعه سليمان بن كثير وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه وقال الترمذي في كتاب العلل سألت محمد بن اسماعيل عن هذا الحديث فقال أرجو
[ 206 ]
أن يكون محفوظا وسفيان بن حسين صدوق انتهى باب ما جاء في زكاة البقر قوله (عن خصيف) بالصاد المهملة مصغرا ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سئ الحفظ خلط بآخره من الخامسة (عن أبي عبيدة) هو ابن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا إسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي في ثقة من كبار الثلاثة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه كذا في التقريب قوله (في كل ثلاثين من البقر تبيع) أي ما كمل له سنة ودخل في الثانية وسمي به لأنه يتبع أمه بعد والأنثى تبيعة (وفي كل أربعين سنة) أي ما كمل له سنتان وطلع سنها ودخل في الثالثة وأخرج الطبراني عن ابن عباس مرفوعا وفي كل أربعين مسنة أو مسن والحديث دليل على وجوب الزكاة في البقر وأن نصابها ما ذكر قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن السنة في زكاة البقر على ما في حديث معاذ قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وروي شريك هذا الحديث عن خصيف عن أبي عبيدة عن أبيه عن عبد الله) فزاد شريك لفظ (عن أبيه) بين لفظ عن أبي عبيدة وبين لفظ عن عبد الله وشريك هذا هو ابن عبد الله الكوفي القاضي يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة فزيادته لفظ (عن أبيه) منكرة ورواية عبد السلام بن حرب بحذف هذه الزيادة هي محفوظة فإنه ثقة
[ 207 ]
حافظ وقيل عن عبد الله بدل من عن أبيه قوله (أن أخذ من كل ثلاثين بقرة) قال ابن الهمام البقر من بقر إذا شق سمي به لأنه يشق الأرض وهو اسم جنس والتاء في بقرة للوحدة فيقع على الذكر والأنثى لا للتأنيث قوله (من كل حالم دينارا) أراد بالحالم من بلغ الحلم وجرى عليه حكم الرجال سواء احتلم أم لا والمراد به أخذ الحرية من لم يسلم (أو عدله) قال الخطابي عدله أي ما يعادل قيمته من الثياب قال الفراء هذا عدل الشئ بكسر العين أي مثله في الصورة وهذا عدله بفتح العين إذا كان مثله في القيمة وفي النهاية العدل بالكسر وبالفتح وهما بمعنى المثل (معافر) على وزن مساجد حي من همدان لا ينصرف لما فيه من صيغة منتهى الجموع وإليهم تنسب الثياب المعافرية والمراد هنا الثياب المعافرية كما فسره بذلك أبو داود قوله (هذا حديث حسن) وزعم ابن بطال أن حديث معاذ هذا متصل صحيح قال الحافظ وفي الحكم بصحته نظر لأن مسروقا لم يلق معاذا وإنما حسنه الترمذي لشواهده ففي الموطأ من طريق طاؤس عن معاذ نحوه وطاؤس عن معاذ منقطع أيضا وفي الباب عن علي عند أبي داود قوله (وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان الخ) أي رواه بعضهم مرسلا بغير ذكر معاذ وهذا المرسل أخرجه ابن شيبة بسنده عن مسروق قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن فذكره كذا في نصب الراية
[ 208 ]
باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة قوله (أخبرنا يحيى بن عبد الله بن صيفي) هو يحيى بن عبد الله بن محمد بن يحيى ابن صيفي المكي ثقة من السادسة كذا في التقريب قوله (بعث معاذا إلى اليمن) أي أرسله إليه أميرا أو قاضيا (فإن هم أطاعوا لذلك) أي إنقادوا للإسلام وهو من قبيل حذف عامله على شريطة التفسير كقوله تعالى وإن أحد من المشركين استجارك فأجره (فأعلمهم) من الاعلام (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم) قال البخاري في صحيحه باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا ثم ذكر هذا الحديث قال الحافظ ظاهر الحديث أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال ابن المنير اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله (فترد في فقرائهم) لأن الضمير يعود على المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أية جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقراؤهم لكن رجح ابن دقيق العيد الأول قال إنه وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بهم الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن
[ 209 ]
الشافعي واختاره والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور وترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا يشعر بأنه لا ينقل عن بلد وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق انتهى كلام الحافظ قلت والظاهر عندي عدم النقل إلا إذا فقد المستحقون لها أو يكون في النقل مصلحة أنفع وأهم من عدمه والله تعالى أعلم قال الحافظ وفيه إيجاب الزكاة في مال الصبي والمجنون لعموم قوله (من أغنيائهم) قاله عياض وفيه بحث وأن الزكاة لا تدفع إلى الكافر لعود الضمير في فقرائهم إلى المسلمين سواء قلنا بخصوص البلد أو العموم انتهى (فإياك وكرائم أموالهم) جمع كريمة وهي خيار المال وأفضله أي احترز من أخذ خيار أموالهم (واتق دعوة المظلوم) أي اتق الظلم خشية أن يدعو عليك المظلوم (فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) مانع بل هي معروضة عليه تعالى قال السيوطي أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حراما أو نحو ذلك حتى ورد في بعض طرقه (وإن كان كافرا) رواه أحمد من حديث أنس قال ابن العربي ليس بين الله وبين شئ حجاب عن قدرته وسمعه وبصره ولا يخفى عليه شئ وإذا أخبر عن شئ أن بينه وبينه حجابا فإنما يريد منعه انتهى قوله (وفي الباب عن الصنابحي) هو صنابح بن الأعسر قال الحافظ في التقريب الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن الأعسر الأحمصي صحابي سكن الكوفة ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم انتهى قال سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي أخرج حديثه ابن أبي شيبة قال أبصر النبي صلى الله عليه وسلم ناقة حسنة في إبل الصدقة فقال ما هذه قال صاحب الصدقة إني ارتجعتها ببعيرين من حواشي الابل قال النبي صلى الله عليه وسلم فنعم إذا كذا في شرح سراج أحمد السرهندي قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
[ 210 ]
قوله (اسمه نافذ) بفاء ومعجمة ثقة من الرابعة مات سنة أربع ومائة باب ما جاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب قوله (ليس فيما دون خمسة ذود) أي من الابل كما في رواية البخاري وغيره والذود بفتح المعجمة وسكون الواو بعدها مهملة قال الحافظ الأكثر على أن الذود من الثلاثة إلى العشرة وأنه لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيد من الثنتين إلى العشرة وقال القسطلاني القياس في تمييز ثلاثة إلى عشر أن يكون جمع تكسير جمع قلة فمجيئه اسم جمع كما في هذا الحديث قليل والذود يقع على المذكر والمؤنث والجمع والمفرد فلذا أضاف خمس إليه انتهى قوله (وليس فيما دون خمس أواق) أي من الورق كما من رواية مالك في الموطأ قال الحافظ أواق بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا أو مخففا جمع أوقية بضم الهمزة وتشديد التحتانية وحكى الجياني وقية بحذف الألف وفتح الواو ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق انتهى قوله (وليس فيما دون خسمة أوسق) جمع وسق بفتح الواو ويجوز كسرها كما حكاه صاحب المحكم وجمعه حينئذ أو ساق كحمل وأحمال وقد وقع كذلك في رواية مسلم وهو ستون صاعا بالاتفاق وفي رواية لمسلم ليس فيما دون خمس أوسق من تمر ولا حب صدقة ولفظ دون في المواضع الثلاثة بمعنى أقل لا أنه نفى عن غير الخمس الصدقة كما زعم من لا يعتد بقوله كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أحمد (وابن عمر) أخرجه البخاري (وجابر) أخرجه مسلم (وعبد الله بن عمرو) لينظر من أخرج حديثه
[ 211 ]
قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة) كذا أطلق الترمذي وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم وبه قال صاحبا أبي حنيفة محمد وأبو يوسف رحمهم الله تعالى وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجب العشر أو نصف العشر فيما أخرجت الأرض من غير تفصيل بين أن يكون قدر خمسة أوسق أو أقل أو أكثر قال الامام محمد في الموطأ بعد رواية حديث أبي سعيد المذكور ما لفظه وبهذا نأخذ وكان أبو حنيفة يأخذ بذلك إلا في خصلة واحدة فإنه كان يقول فيما أخرجت الأرض العشر من قليل أو كثير إن كانت تشرب سيحا أو تسقيها السماء وإن كانت تشرب بغرب أو دالية فنصف عشر وهو قول إبراهيم النخعي ومجاهد انتهى كلام محمد رحمه الله وهو قول عمر بن عبد العزيز فإنه قال فيما أنبتت الأرض من قليل أو كثير العشر أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وأخرج عن مجاهد والنخعي نحوه واستدل لهم بحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر أخرجه البخاري ولفظ أبي داود فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا العشر وفيما سقى بالسواني أو النضح نصف العشر وبحديث جابر مرفوعا فيما سقته الأنهار والغيم العشر وفيما سقى بالسانية نصف العشر أخرجه مسلم وبحديث معاذ قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقت السماء وما سقى بعلا العشر وما سقى بالدوالي نصف العشر أخرجه ابن ماجه وتعقب بأن هذه الأحاديث مبهمة وحديث أبي سعيد المذكور وما في معناه من الأخبار مفسرة والزيادة من الثقة مقبولة فيجب حمل المبهم على المفسر وأجاب الحنفية عنه بأنه إذا ورد حديثان متعارضان أحدهما عام والاخر خاص فإن علم تقدم العام على الخاص خص بالخاص وإن علم تقدم الخاص كان العام ناسخا له فيما تناولاه وإن لم يعلم التاريخ يجعل العام متأخرا لما فيه من الاحتياط وههنا حديث أبي سعيد رضي الله عنه وما في معناه خاص وحديث ابن عمر رضي الله عنه وما في معناه عام ولم يعلم التاريخ فيجعل العام متأخرا ويعمل به
[ 212 ]
قلت لا تعارض بين حديث أبي سعيد وما في معناه وبين حديث ابن عمر رضي الله عنه وما في معناه أصلا فإن حديث ابن عمر رضي الله عنه سيق للتمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر وحديث أبي سعيد مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين المثال السابع والثلاثون رد السنة الصحيحة المحكمة في تقدير نصاب المعشرات بخمسة أوسق بالمتشابه من قوله فيما سقت السماء العشر وما سقى بنضح أو غرب فنصف العشر قالوا وهذا يعم القليل والكثير وقد عارضه الخاص ودلالة العام قطعية كالخاص وإذا تعارضا قدم الأحوط وهو الوجوب فيقال يجب العمل بكلا الحديثين ولا يجوز معارضة أحدهما بالاخر وإلغاء أحدهما بالكلية فإن طاعة الرسول فرض في هذا وفي هذا ولا تعارض بينهما بحمد الله بوجه من الوجوه فإن قوله فيما سقت السماء العشر إنما أريد به التمييز بين ما يجب فيه العشر وبين ما يجب فيه نصفه فذكر النوعين مفرقا بينهما في مقدار الواجب وأما مقدار النصاب فسكت عنه في هذا الحديث وبينه نصا في الحديث الاخر فكيف يجوز العدول عن النص الصحيح الصريح المحكم الذي لا يحتمل غير ما دل عليه البتة إلى المجمل المتشابه الذي غايته أن يتعلق فيه بعموم لم يقصد وبيانه بالخاص المحكم المبين كبيان سائر العمومات بما يخصها من النصوص إلى أن قال ثم يقال إذا خصصتم عموم قوله فيما سقت السماء العشر بالقصب والحشيش ولا ذكر لهما في النص فهلا خصصتموه بالقياس الجلي الذي هو من أجلي القياس وأصحه على سائر أنواع الذي تجب فيه الزكاة فإن زكاة الخاصة لم يشرعها الله في مال إلا وجعل له نصابا كالمواشي والذهب والفضة ويقال أيضا هلا أوجبتم الزكاة في قليل كل مال وكثير عملا بقوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وبقوله صلى الله عليه وسلم وما بعد من صاحب إبل ولا بقر لا يؤذي زكاتها إلا بطح له يوم القيامة بقاع قرقر وبقوله ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له يوم القيامة بصفائح من نار وهلا كان هذا العموم عندكم مقدما على أحاديث النصب الخاصة وهلا قلتم هناك تعارض مسقط وموجب فقدمنا الموجب أحتياطا وهذا في غاية الوضوح انتهى كلام ابن القيم وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن القول الراجح المعول عليه هو ما قال به الجمهور وأما ما قال به الامام أبو حنيفة وإبراهيم النخعي فهو قول مرجوح ولذلك قال الامام محمد في كتاب الحجج ما لفظه ولسنا نأخذ من قول أبي حنيفة وإبراهيم ولكننا نأخذ بما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة انتهى كلامه (والوسق ستون صاعا)
[ 213 ]
أي من صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال الامام محمد في كتاب الحجج والوسق عندنا ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم انتهى (وخمسة أوسق ثلاثمائة صاع) لأنك إذا ضربت الخمسة في الستين حصل هذا المقدار قوله (وصاع النبي صلى الله عليه وسلم خمس أرطال وثلث وصاع أهل الكوفة ثمانية أرطال) أخرج الدارقطني في سننه عن إسحاق بن سليمان الرازي قال قلت لمالك بن أنس أبا عبد الله كم قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال خمسة أرطال وثلث بالعرقي أنا حزرته فقلت أبا عبد الله خالفت شيخ القوم قال من هو قلت أبو حنيفة يقول ثمانية أرطال فغضب غضبا شديدا ثم قال لجلسائه يا فلان هات صاع جدك يا فلان هات صاع جدتك قال إسحاق فاجتمعت آصع فقال ما تحفظون في هذا فقال هذا حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال هذا حدثني أبي عن أخيه أنه كان يؤدي بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال الاخر حدثني أبي عن أمه أنها أدت بهذا الصاع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مالك أنا حزرت هذه فوجدتها خمسة أرطال وثلثا انتهى قال القاضي الشوكاني في النيل هذه القصة مشهورة أخرجها أيضا البيهقي بإسناد جيد وقد أخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان عند النبي صلى الله عليه وسلم بالمد الأول ولم يختلف أهل المدينة في الصاع وقدره من لدن الصحابة إلى يومنا هذا أنه كما قال أهل الحجاز خمسة أرطال وثلث بالعراقي وقال العراقيون منهم أبو حنيفة أنهم ثمانية أرطال وهو قول مردود تدفعه هذه القصة المسندة إلى صيعان الصحابة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم وقد رجع أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة بعد هذه الواقعة إلى قول مالك وترك قول أبي حنيفة انتهى كلام الشوكاني قلت أخرج الطحاوي عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرج إلى من أثق به صاعا وقال هذا الصاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلثا قال الطحاوي وسمعنا ابن أبي عمران
[ 214 ]
يقول الذي أخرجه لأبي يوسف هو مالك انتهى وذكر الحافظ الزيلعي رواية الدارقطني المذكورة وقال بعد ذكرها قال صاحب التنقيح إسناده مظلم وبعض رجاله غير مشهورين والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة قال قدم علينا أبو يوسف رحمه الله من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقال صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم صاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال عيرته فإذا خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة هذا هو المشهور من قول أبي يوسف رحمه الله وقد روي أن مالكا رضي الله تعالى عنه ناظره واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط فرجع أبي يوسف إلى قوله وقال عثمان بن سعيد الدارمي سمعت علي بن المديني يقول عيرت صاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالتمر انتهى كلامه كذا في نصب الراية قلت ظهر بهذا كله أن الحق أن صاع النبي صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلث رطل وكان الصحابة رضي الله تعالى عنهم بهذا الصاع النبوي يخرجون زكاة الفطر في عهده صلى الله عليه وسلم وأما صاع أهل الكوفة فهو خلاف صاع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يخرج زكاة الفطر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة رضي الله عنهم بصاع أهل الكوفة فالصاع الشرعي هو الصاع النبوي دون غيره وأما حديث الدارقطني عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال فضعيف والحديث في الصحيحين عن أنس ليس فيه ذكر الوزن وكذا حديثه عن عائشة رضي الله عنها جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة صاع من ثمانية أرطال وفي الوضوء رطلان ضعيف وكذا حديث ابن عدي عن جابر رضي الله عنه بمثل حديث أنس المذكور ضعيف صرح الحافظ بضعف هذه الأحاديث في الدراية وأما ما روى أبو عبيد عن إبراهيم النخعي قال كان صاع النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أرطال ومده رطلين فهو مرسل وفيه الحجاج بن أرطأة قال الحافظ وقال وأصح من ذلك ما أخرجه البخاري
[ 215 ]
عن السائب بن يزيد كان الصاع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز انتهى باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة قوله (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم المدني ثقة (عن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء الغفاري المدني فقيه أهل دهلك ثقة فاضل مات في خلافة يزيد بن عبد الملك بعد المائة ودهلك جزيرة قريبة من أرض الحبشة من ناحية اليمن هو مدني الأصل نفاه يزيد بن عبد الملك إلى دهلك لكلمة قالها أيام عمر بن عبد العزيز قوله (ليس على المسلم في فرسه ولا عبده صدقة) أي إذا لم يكونا للتجارة قال الحافظ في الفتح واستدل به من قال من أهل الظاهر بعدم وجوب الزكاة فيهما مطلقا ولو كان للتجارة وأجيبوا بأن زكاة التجارة ثابتة بالإجماع كما نقله ابن المنذر وغيره فيخص به عموم هذا الحديث قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعلي) أما حديث عبد الله بن عمرو فليظر من أخرجه وأما حديث علي فأخرجه أبو داود بإسناد حسن وأخرجه الترمذي أيضا في باب زكاة الذهب والورق قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (والعمل عليه عند أهل العلم أنه ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق
[ 216 ]
إذا كانوا للخدمة صدقة إلا أن يكونوا للتجارة) وهو قول مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد صاحبي أبي حنيفة رحمهما الله قال محمد في موطأه بعد رواية حديث الباب وبهذا نأخذ ليس في الخيل صدقة سائمة كانت أو غير سائمة وأما في قول أبي حنيفة رحمه الله فإذا كانت سائمة يطلب نسلها ففيها الزكاة إن شئت في كل فرس دينار وإن شئت فالقيمة ثم في كل مائتي درهم خمسة دراهم وهو قول إبراهيم النخعي انتهى كلام محمد قال القاري في شرح الموطأة وافقه أي محمدا أبو يوسف واختاره الطحاوي وفي الينابيع عليه الفتوى وهو قول مالك والشافعي انتهى كلام القاري وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب هذا الحديث أصل في أن أموال القنية لا زكاة فيها وأنه لا زكاة في الخيل والرقيق إذا لم تكن للتجارة وبهذا قال العلماء كافة من السلف والخلف إلا أن أبا حنيفة وشيخه حماد بن أبي سليمان وزفر أوجبوا في الخيل إذا كانت إناثا أو ذكورا وإناثا في كل فرس دينار وإن شاء قومها وأخرج عن كل مائتي درهم خمسة دراهم وليس لهم حجة في ذلك وهذا الحديث صريح في الرد عليهم انتهى قلت والقول الراجح المعول عليه هو ما قال به العلماء كافة واستدل لأبي حنيفة بما أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الليث بن حماد الأصطخري أخبرنا أبو يوسف عن فورك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعا في الخيل السائمة في كل فرس دينار وأجيب عنه بوجهين أحدهما أن هذا الحديث ضعيف جدا قال الدارقطني تفرد به فورك وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء انتهى وقال البيهقي لو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالفه انتهى وقد استدل له بأحاديث أخرى لا تصلح للاحتجاج وقد أجاب عنها الطحاوي في شرح الاثار جوابا شافيا من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه باب ما جاء في زكاة العسل قوله (حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري) هو الحافظ الذهلي أحد الأعلام الكبار له
[ 217 ]
رحلة واسعة ونقد وروى عنه البخاري ويدلسه (21) وروى عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وهو الذي جمع حديث الزهري في مجلدين قال الذهلي أنفقت على العلم مائة وخمسين ألفا قال الحافظ في التقريب ثقة حافظ جليل مات سنة ثمان وخمسين ومائتين وله ست وثمانون سنة (أخبرنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي) بكسر مثناة فوق وقيل بفتحها وكسر نون مشددة تحت وسين مهملة قال في التقريب صدوق له أوهام من كبار العاشرة (عن صدقة ابن عبد الله) السمين الدمشقي ضعيف من السابعة قوله (في كل عشرة أزق) بفتح الهمزة وضم الزاي وتشديد القاف أفعل جمع قلة (زق) بكسر الزاي مفرد الأزق وهو ظرف من جلد يجعل فيه السمن والعسل قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سيارة المتعي وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه عبد الرزاق عنه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن أن يؤخذ من العسل العشر وفي إسناده عبد الله بن محرر قال البخاري في تاريخه عبد الله متروك ولا يصح في زكاة العسل شئ كذا في فتح الباري وأما حديث أبي سيارة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه عنه قال قلت يا رسول الله أن لي نحلا قال فأد العشور الحديث وهو منقطع قال ابن عبد البر لا يقوم بهذا حجة وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء هلال أحد بن متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا فحماه له فلما ولى عمر كتب إلى عامله إن أدى إليك عشور نحله فاحم له سلبه وإلا فلا قال الحافظ في الفتح بعد ذكره إسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض وقد ورد ما يدل على أن هلالا أعطى ذلك تطوعا فعند عبد الرزاق عن صالح بن دينار عن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا أن هلال بن سعد قدم النبي صلى الله عليه وسلم بعسل فقال ما هذا قال صدقة فأمر برفعها ولم يذكر العشور لكن الاسناد الأول أقوى إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب انتهى كلام الحافظ
[ 218 ]
قوله (في إسناده مقال) لأنه قد تفرد به صدقة بن عبد الله وهو ضعيف كما تقدم قوله (ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كبير شئ) وقال البخاري في تاريخه لا يصح في زكاة العسل شئ قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم ليس في العسل شئ) وقال ابن المنذر ليس في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة وهو قول الجمهور وعن أبي حنيفة وأحمد وإسحاق يجب العشر فيما أخذ من غير أرض الخراج قال الحافظ في الفتح بعد نقل قول ابن المنذر هذا وما نقله عن الجمهور مقابله قول الترمذي ثم ذكر الحافظ قول الترمذي هذا ثم قال وأشار شيخنا في شرحه إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى انتهى كلام الحافظ وقال الشوكاني في النيل وذهب الشافعي ومالك والثوري وحكاه ابن عبد البر عن الجمهور إلى عدم وجوب الزكاة في العسل قال واعلم أن حديث أبي سيارة وحديث هلال إن كان غير أبي سيارة لا يدلان على وجوب الزكاة في العسل لأنهما تطوعا بها وحمى لها بدل ما أخذ وعقل عمر العلة فأمر بمثل ذلك ولو كان سبيله سبيل الصدقات لم يخير في ذلك وبقية الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها انتهى باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد حتى يحول عليه الحول المراد بالمال المستفاد المال الذي حصل للرجل في أثناء الحول من هبة أو ميراث أو مثله ولا يكون من نتائج المال الأول قوله (أخبرنا هارون بن صالح الطلحي) نسبة إلى طلحة جد جده قال في التقريب صدوق
[ 219 ]
قوله (من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول) إعلم أن المال المستفاد على نوعين أحدهما أن يكون من جنس النصاب الذي عنده كما إذا كانت له إبل فاستفاد إبلا في أثناء الحول وثانيهما أن يكون من غير جنسه كما إذا استفاد بقرا في صورة نصاب الابل وهذا لا ضم فيه اتفاقا بل يستأنف للمستفاد حساب آخر والأول على نوعين أحدهما أن يكون المستفاد من الأصل كالأرباح والأولاد وهذا يضم إجماعا والثاني أن يكون مستفادا بسبب آخر كالمشتري والموروث وهذا يضم عند أبي حنيفة ولا يضم عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل واستدل الأئمة الثلاثة بحديث ابن عمر المروي في هذا الباب وباثار الصحابة رضي الله عنهم فروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفا عليهم مثل ما روى عن ابن عمر رضي الله عنه (وفي الباب عن سري) قال الحافظ في التقريب بفتح أولها وتشديد الراء مع المد وقيل بالقصر بنت بنهان الغنوية صحابية لها حديث انتهى ولم أقف على حديثها قوله (وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم) أي هذا الموقوف صحيح والحديث المرفوع ليس بصحيح قال الحافظ في البلوغ بعد ذكر حديث ابن عمر المرفوع ما لفظه والراجح وقفه وقال في التلخيص بعد ذكر حديث ابن عمر رضي الله عنه المرفوع ما لفظه قال الترمذي والصحيح عن ابن عمر موقوف وكذا قال البيهقي وابن الجوزي
[ 220 ]
وغيرهما وروى الدارقطني في غرائب مالك من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر نحوه قال الدارقطني الحنيني ضعيف والصحيح عن مالك موقوف وروى البيهقي عن أبي بكر وعلي وعائشة موقوفا عليهم مثل ما روي عن ابن عمر قال والاعتماد في هذا وفي الذي قبله على الاثار عن أبي بكر وغيره انتهى ما في التلخيص وحديث ابن عمر المرفوع أخرجه الدارقطني والبيهقي قوله (وقال بعض أهل العلم إذا كان عنده مال تجب فيه الزكاة ففيه الزكاة) أي إذا كان عنده مال سوى المال المستفاد وكان ذلك المال بقدر النصاب فيجب الزكاة في المال المستفاد ويضم مع ماله الذي كان عنده ويزكي معه إذا كان المال المستفاد من جنس ماله الذي كان عنده ولا يستأنف للمال المستفاد حساب آخر فقوله (تجب فيه الزكاة) صفة لقوله (مال) والضمير في قوله (ففيه الزكاة) راجع إلى المال المستفاد (وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وهو قول الحنفية وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف قالوا وعلى تسليم ثبوته فعمومه ليس مرادا للإنفاق على خروج الأرباح والأولاد فعللنا بالمجانسة فقلنا إنما أخرج الأولاد والأرباح للمجانسة لا للتوليد فيجب أن يخرج المستفاد إذا كان من جنسه وهو أدفع للحرج على أصحاب الحرف الذين يجدون كل يوم درهما فأكثر وأقل فإن في اعتبار الحول لكل مستفاد حرجا عظيما وهو مدفوع بالنص قلت لا شك في أن حديث الباب المرفوع ضعيف والراجح أنه موقوف وهو في حكم المرفوع قال صاحب سبل السلام له حكم الرفع لأنه لا مسرح للاجتهاد فيه انتهى وقد عرفت أن اعتماد الشافعية وغيرهم في هذه المسألة على الاثار لا على الحديث المرفوع
[ 221 ]
باب ما جاء ليس على المسلمين جزية الجزية ما يؤخذ من أهل الذمة وتسميتها بذلك للاجتراء بها في حقن دمهم قال العراقي في شرح الترمذي معناه أنه إذا أسلم في أثناء الحول لا يؤخذ عن ذلك العام شئ قال وقد جرت عادة المصنفين بذكر الجزية بعد الجهاد وقد أدخلها المصنف في الزكاة تبعا لمالك قال ابن العربي أول من أدخل الجزية في أبواب الصدقة مالك في الموطأ فتبعه قوم من المصنفين وترك اتباعه آخرون قال ووجه إدخالها فيها التكلم على حقوق الأموال فالصدقة حق المال على المسلمين والجزية حق المال على الكفار قوله (حدثنا يحيى بن أكثم) بفتح الهمزة وسكون الكاف وفتح المثلثة قال في التقريب يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن التميمي المروزي أبو محمد القاضي المشهور فقيه صدوق إلا أنه رمى بسرقة الحديث ولم يقع ذلك له وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة من العاشرة (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن قابوس بن أبي ظبيان) بفتح المعجمة وسكون الموحدة بعدها تحتانية قال الحافظ فيه لين (عن أبيه) أي أبي ظبيان واسمه حصين بن جندب الكوفي ثقة قوله (لا يصلح قبلتان في أرض واحدة) قال التوربشتي أي لا يستقيم دينان بأرض واحدة على سبيل المظاهرة والمعادلة أما المسلم فليس له أن يختار الاقامة بين ظهراني قوم كفار لأن المسلم إذا صنع ذلك فقد أحل نفسه فيهم محل الذمي فينا وليس له أن يجر إلى نفسه الصغار وأما الذي يخالف دينه دين الاسلام فلا يمكن من الاقامة في بلاد الاسلام إلا ببذل الجزية ثم لا يؤذن له في الاشاعة بدينه انتهى (وليس على المسلمين جزية) أي من أسلم من أهل الذمة قبل أداء ما وجب عليه من الجزية فإنه لا يطالب به لأنه مسلم وليس على مسلم جزية والحديث رواه أبو داود وزاد في اخره وسئل سفيان الثوري عن هذا فقال يعني إذا أسلم فلا جزية عليه وروى الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أسلم فلا جزية عليه
[ 222 ]
قوله (وفي الباب عن سعيد بن زيد وجد حرب بن عبيد الله الثقفي) أما حديث سعيد بن زيد فلينظر من أخرجه وأما حديث جد حرب فأخرجه أبو داود مرفوعا بلفظ إنما العشور على اليهود والنصارى وليس على المسلمين عشور قوله (وحديث ابن عباس قد روى إلخ) لم يحكم الترمذي على حديث ابن عباس بشئ من الصحة أو الضعف وقد عرفت أن في سنده قابوس بن ظبيان وفيه لين والحديث أخرجه أحمد وأبو داود قوله (وقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس على المسلمين جزية عشور يعني به جزية الرقبة) أي المراد من قول جزية عشور جزية الرقبة لإخراج الأرض (وفي الحديث ما يفسر هذا حيث قال إنما العشور) بضم العين جمع عشر (على اليهود والنصارى وليس على المسلمين عشور) أخرجه أبو داود وقد فهم الترمذي أن المراد من العشور في هذا الحديث جزية الرقبة قال ابن العربي في عارضة الأحوذي ظن أبو عيسى أن حديث أبي أمية عن أبيه في العشور أنه الجزية وليس كذلك وإنما أعطوا العهد على أن يقروا في بلادهم ولا يعترضوا في أنفسهم وأما على أن يكونوا في دارنا كهيئة المسلمين في التصرف وفيها والتحكم بالتجارة في مناكبها فلما أن داحت الأرض بالإسلام وهدأت الحال عن الاضطراب وأمكن الضرب فيها للمعاش أخذ منهم عمر ثمن تصرفهم وكان شيئا يؤخذ منهم في الجاهلية فأقره الاسلام وخفف الأمر فيما يجلب إلى المدينة نظرا لها إذا لم يكن تقدير حتم ولا من النبي صلى الله عليه وسلم أصل وإنما كان كما قال ابن شهاب حملا للحال كما كان في الجاهلية وقد كانت في الجاهلية أمور أقرها الاسلام فهذه هي العشور
[ 223 ]
التي انفرد بروايتها أبو أمية فأما الجزية كما قال أبو عيسى فلا انتهى كلام ابن العربي وقال القاري في المرقاة شرح المشكاة في شرح هذا الحديث ما لفظه قال ابن الملك أراد به عشر مال التجارة لا عشر الصدقات في غلات أرضهم قال الخطابي لا يؤخذ من المسلم شئ من ذلك دون عشر الصدقات وأما اليهود والنصارى فالذي يلزمهم من العشور هو ما صولحوا عليه وقت العقد فإن لم يصالحوا على شئ فلا عشور عليهم ولا يلزمهم شئ أكثر من الجزية فأما عشور أراضيهم وغلاتهم فلا تؤخذ منهم الشافعية وقال أبو حنيفة إن أخذوا منا عشورا في بلادهم إذا ترددنا إليهم في التجارات أخذنا منهم وإن لم يأخذوا لم نأخذ انتهى وتبعه ابن الملك لكن المقرر في المذهب في مال التجارة أن العشر يؤخذ من مال الحربي ونصف العشر من الذمي وربع العشر من المسلم بشروط ذكرت في كتاب الزكاة نعم يعامل الكفار بما يعاملون المسلمين إذا كان بخلاف ذلك وفي شرح السنة إذا دخل أهل الحرب بلاد الاسلام تجارا فإن دخلوا بغير أمان ولا رسالة غنموا وإن دخلوا بأمان وشرطه أن يؤخذ منهم عشر أو أقل أو أكثر أخذ المشروط وإذا طافوا في بلاد الاسلام فلا يؤخذ منهم في السنة إلا مرة انتهى ما في المرقاة باب ما جاء في زكاة الحلي بضم الحاء وكسرها فكسر اللام وتشديد التحتية جمع الحلي بفتح فسكون قال في القاموس الحلي بالفتح ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة ج حلي كدلي أو هو جمع والواحد حلية كضبية والحلية بالكسر الحلي ج حلي وحلى انتهى وقال في النهاية الحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة والجمع حلي بالضم والكسر وجمع الحلية حلي مثل لحية ولحى وربما تضم وتطلق الحيلة على الصفة أيضا انتهى قوله (فقال يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن) قال أبو الطيب السندي في شرح
[ 224 ]
الترمذي مناسبته بالترجمة باعتبار أن الأمر فيه للوجوب لأن الأصل فيه ذلك أي تصدقن وجوبا ولو كانت الصدقة من حليكن وهو الذي فهمه المصنف وأما القول بأنه أمر ندب بالصدقة النافلة لأنه خطاب بالحاضرات ولم تكن كلهن ممن فرضت عليهن الزكاة والظاهر أن معنى قوله (ولو من حليكن) أي ولو تيسر من حليكن وهذا لا يدل على أنه يجب في الحلي إذا يجوز أن يكون واجبا على الانسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي فذكر المصنف الحديث في هذا الباب لا يخلو عن خفاء فعدول عن الأصل الذي هو الوجوب وتغيير للمعنى الذي هو الظاهر لأن معناه تصدقن من جميع الأموال التي تجب فيها الزكاة عليكن ولو كانت الصدقة الواجبة من حليكن وإنما ذكر لو لدفع توهم من يتوهم أن الحلي من الحوائج الأصلية ولا تجب فيها الزكاة ويؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم (فإنكن أكثر أهل جهنم) أي لترك الواجبات وأما كون الخطاب للحاضرات خصوصا فممنوع بل الخطاب لكل من يصلح للخطاب نعم فيه تلميح إلى حسن الصدقة في حق غير الغنيات فلا يرد أن كون الأمر للوجوب لا يستقيم ويؤيده ما في آخر هذا الحديث في البخاري قالت زينب لعبد الله قد أمرنا بالصدقة فأته فسله فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم الحديث لأن النوافل من الصدقات لا كلام في جوازهما لو صرفت إلى الزوج انتهى كلام أبي الطيب قلت في الاستدلال بهذا الحديث على وجوب الزكاة في الحلي نظر فإنه ليس بنص صريح فيه لاحتمال أن يكون معنى قوله ولو من حليكن أي ولو تيسر من حليلكن كما قيل وهذا لا يدل على وجوب الزكاة في الحلي إذ يجوز أن يكون واجبا على الانسان في أمواله الأخر ويؤديه من الحلي وقد ذكر أبو الطيب هذا الاحتمال ولم يجب عن هذا جوابا شافيا فتفكر قوله (وأبو معاوية وهم في حديثه فقال عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث بن أخي زينب) كما قال شعبة فوهم أبي معاوية في
[ 225 ]
حديثه أنه جعل عمرو بن الحارث وابن أخي زينب رجلين الأول يروي عن الثاني وليس الأمر كذلك بل ابن أخي زينب صفة لعمرو ابن الحارث والحاصل أن زيادة لفظ (عن) بين عمرو بن الحارث وابن أخي زينب وهم الصحيح حذفه كما في رواية شعبة قال الحافظ في الفتح وقد حكى ابن القطان الخلاف فيه على أبي معاوية وشعبة وخالف الترمذي في ترجيح رواية شعبة في قوله عن عمرو بن الحارث عن ابن أخي زينب لانفراد أبي معاوية بذلك قال ابن القطان لا يضره الانفراد لأنه حافظ وقد وافقه حفص بن غياث في رواية عنه وقد زاد في الاسناد رجلا لكن يلزم من ذلك أن يتوقف في صحة الاسناد لأن ابن أخي زينب حينئذ لا يعرف حاله وقد حكى الترمذي في العلل المفردات أنه سأل البخاري عنه فحكم على رواية أبي معاوية بالوهم وأن الصواب رواية الجماعة عن الأعمش عن شقيق عن عمرو بن الحارث بن أخي زينب انتهى ما في الفتح قوله (وقد روي عن عمرو بن شعيب إلخ) أخرجه الترمذي في هذا الباب وبين ما فيه من المقال قوله (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين في الحلي زكاة ما كان من ذهب وفضة) يعني أن اختلاف أهل العلم إنما هو في حلي الذهب والفضة وأما في حلى غير الذهب والفضة كاللؤلؤ فليس فيه اختلاف إذا لم يكن للتجارة وأخرج ابن عدي في الكامل عن عمر بن أبي عمر الكلاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لا زكاة في حجر وضعف بعمر الكلاعي وقال إنه مجهول لا أعلم حديث عنه غير بقية وأحاديثه منكرة وغير محفوظة انتهى وأخرجه أيضا عن محمد بن عبيد الله الغردمي عن عمرو بن شعيب به وضعف الغردمي عن البخاري والنسائي والفلاس ووافقهم عليه في ذلك وأخرج بن أبي شيبة في مصنفه عن عكرمة قال ليس في حجر اللؤلؤ ولا حجر الزمرد زكاة إلا أن يكون للتجارة فإن كانت للتجارة فيه الزكاة كذا في نصب الراية (وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك)
[ 226 ]
وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وبه قال سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومحمد بن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري وطاؤس وميمون بن مهران والضحاك وعلقمة والأسود وعمر بن عبد العزيز وذر الهمداني والأوزاعي وابن شبرمة والحسن بن حي وقال ابن المنذر وابن حزم الزكاة واجبة بظاهر الكتاب والسنة كذا في عمدة القاري شرح البخاري للعلامة العيني وفي نصب الراية أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير وطاؤس وعبد الله بن شداد أنهم قالوا في الحلي الزكاة زاد ابن الشداد حتى في الخاتم وأخرج عن عطاء أيضا وإبراهيم النخعي قالوا السنة أن في الحلي الذهب والفضة الزكاة انتهى وفيه أيضا روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن مساور الوراق عن شعيب بن يسار قال كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أن مر من قبلك من نساء المسلمين أن يزكين حليهن قال البخاري في تاريخه هو مرسل انتهى وقال الحافظ في الدراية أخرج ابن أبي شيبة بإسناد ضعيف أن عمر كتب إلخ وروي عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود قال : في الحلي الزكاة ، ومن طريق عبد الرزاق رواه الطبراني في معجمه ذكره الحافظ الزيلعي وابن حجر في تخريجهما وسكتا عنه وروى الدارقطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو أنه كان يكتب إلى خازنه سالم أن يخرج زكاة حلى نسائه كل سنة ورواه ابن أبي شيبة حدثنا وكيع عن جرير بن حازم عن ابن عمرو بن شعيب عن عبد الله بن عمرو أنه كان يأمر نسائه أن يزكين حليهن انتهى قال في سبل السلام وفي المسألة أربعة أقوال الأولى وجوب الزكاة وهو مذهب الهدوية وجماعة من السلف وأحد أقوال الشافعي عملا بهذه الأحاديث والثاني لا تجب الزكاة في الحلية وهو مذهب مالك وأحمد والشافعي في أحد أقواله لاثار وردت عن السلف قاضية بعدم وجوبها في الحلية ولكن بعد صحة الحديث لا أثر للاثار والثالث أن زكاة الحلية عاريتها كما روى الدارقطني عن أنس وأسماء بنت أبي بكر الرابع أنها تجب فيها الزكاة مرة واحدة رواه البيهقي عن أنس وأظهر الأقوال دليلا وجوبها لصحة الحديث وقوته انتهى قلت القول بوجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة هو الظاهر الراجح عندي يدل عليه أحاديث فمنها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده الذي روى أبو داود في سننه من طريق حسين بن ذكوان المعلم عنه وهو حديث صحيح كما ستعرف
[ 227 ]
ومنها حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحا من ذهب فقالت يا رسول الله أكنز هو فقال إذا أديت زكاته فليس بكنز أخرجه أبو داود والدارقطني وصححه الحاكم كذا في بلوغ المرام وقال الحافظ في الدراية قواه ابن دقيق العيد ومنها حديث عائشة رواه أبو داود عن عبد الله بن شداد أنه قال دخلنا على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال ما هذا يا عائشة فقلت صنعتهن أتزين لك يا رسول الله قال أتؤدين زكاتهن قلت لا أو ما شاء الله قال هو حسبك من النار وأخرجه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الحافظ في الدارية قال ابن دقيق العيد هو على شرط مسلم ومنها حديث أسماء بنت يزيد أخرجه أحمد في مسنده حدثنا علي بن عاصم عن عبد الله بن عثمان ابن خيثم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب فقال لنا أتعطيان زكاتها فقلنا لا قال أما تخافان أن يسوركما الله أسورة من نار أديا زكاتها ذكر الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في الدراية في إسناده مقال وقال العيني في عمدة القاري فإن قلت قال ابن الجوزي وعلي بن عاصم رماه يزيد بن هارون بالكذب ، وعبد الله بن خيثم قال ابن معين أحاديثه ليست بالقوية وشهر بن حوشب قال ابن عدي لا يحتج بحديثه قلت ذكر في الكمال وسئل أحمد عن علي بن عاصم فقال هو والله عندي ثقة وأنا أحدث عنه وعبد الله بن خيثم قال بن معين هو ثقة حجة وشهر بن حوشب قال أحمد ما أحسن حديثه ووثقه وعن يحيى هو ثقة وقال أبو زرعة هو لا بأس به فظهر من هذا كله سقوط كلام ابن الجوزي وصحة الحديث انتهى كلام العيني قلت علي بن عاصم متكلم فيه قال البخاري ليس بالقوي عندهم يتكلمون فيه انتهى كذا في الميزان وشهر بن حوشب صدوق كثير الارسال والأوهام كما في التقريب ففي صحة حديث أسماء بنت يزيد نظر لكن لا شك في أنه يصلح للاستشهاد ومنها حديث فاطمة بنت قيس قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطرق فيه سبعون مثقالا من ذهب فقلت يا رسول الله خذ منه الفريضة فأخذ منه مثقالا وثلاثة أرباع مثقال أخرجه الدارقطني وفي إسناده أبو بكر الهزلي وهو ضعيف ونصر بن مزاحم وهو أضعف منه وتابعه عباد بن كثير أخرجه أبو نعيم في ترجمة شيبان بن زكريا من تاريخه كذا في الدراية
[ 228 ]
ومنها حديث عبد الله بن مسعود قال قلت للنبي صلى الله عليه وسلم إن لامرأتي حليا من ذهب عشرين مثقالا قال فأد زكاته نصف مثقال وإسناده ضعيف جدا أخرجه الدارقطني كذا في الدراية قوله (وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وعائشة وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك ليس في الحلي زكاة) قال الحافظ في الدراية قال الأثرم قال أحمد خمسة من الصحابة كانوا لا يرون في الحلي زكاة ابن عمر وعائشة وأنس وجابر وأسماء انتهى فأما ابن عمر فهو عند مالك عن نافع عنه وأما عائشة فعنده أيضا وهما صحيحان وأما أنس فأخرجه الدارقطني من طريق علي بن سليمان سألت أنسا عن الحلي فقال ليس فيه زكاة وأما جابر فرواه الشافعي عن سفيان عن عمر بن شعيب سمعت رجلا سأل جابرا عن الحلي أفيه زكاة قال لا قال البيهقي في المعرفة فأما ما يروي عن جابر مرفوعا ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له وإنما يروى عن جابر من قوله وأما أسماء فروى الدارقطني من طريق هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكي نحوا من خمسين ألفا انتهى ما في الدراية (وهكذا روى عن بعض فقهاء التابعين) كالقاسم بن محمد والشعبي فقالا لا تجب الزكاة في الحلي (وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) قال العيني كان الشافعي بهذا في العراق وتوقف بمصر وقال هذا مما استخير الله فيه وقال الليث ما كان من حلي يلبس ويعار فلا زكاة فيه وإن اتخذ للتحرز عن الزكاة ففيه الزكاة وقال أنس يزكي عاما واحدا لا غير انتهى كلام العيني واحتج لمن قال بعدم وجوب الزكاة في الحلي بحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في الحلي زكاة رواه ابن الجوزي في التحقيق بسنده عن عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عنه وأجيب عنه بأنه حديث باطل لا أصل له قال البيهقي في المعرفة وما يروى عن عافية بن أيوب عن الليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ليس في الحلى زكاة فباطل لا أصل له إنما يروى عن جابر من قوله وعافية بن أيوب مجهول فمن احتج به مرفوعا كان مغرورا بدينه داخلا فيما يعيب المخالفين من الاحتجاج برواية الكذابين انتهى وقال الشيخ في الامام رأيت بخطة شيخنا المنذري رحمه الله وعافية بن أيوب لم يبلغني فيه ما يوجب تضعيفه قال
[ 229 ]
الشيخ ويحتاج من يحتج به إلى ذكر ما يوجب تعديله انتهى واحتج لهم أيضا بآثار ابن عمر وعائشة وأنس وجابر وللقائلين بعدم وجوب الزكاة في الحلى أعذار عديدة كلها باردة فمنها أن أحاديث الزكاة في الحلى محمولة على أنها كانت في ابتداء الاسلام حين كان التحلي بالذهب حراما على النساء فلما أبيح لهن سقطت الزكاة وهذا العذر باطل قال البيهقي كيف يصح هذا القول من حديث أم سملة رضي الله عنها وحديث فاطمة بنت قيس وحديث أسماء وفيها التصريح بلبسه مع الأمر بالزكاة انتهى ومنها أن الزكاة المذكورة في هذه الأحاديث إنما كانت للزيادة على قدر الحاجة وهذا إدعاء محض لا دليل عليه بل في بعض الروايات ما يرده قال الحافظ الزيلعي وبسند الترمذي رواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم وألفاظهم قال لهما فأديا زكاة هذا الذي في أيديكما وهذا اللفظ يرفع تأويل من يحمله على أن الزكاة المذكورة فيه شرعت الزيادة فيه على قدر الحاجة انتهى ومنها أن المراد بالزكاة في هذه الأحاديث التطوع إلى الفريضة أو المراد بالزكاة الإعارة قال القاري في المرقاة وهما في غاية البعد إذ لا وعيد في ترك التطوع والإعارة مع أنه لا يصح إطلاق الزكاة على العارية لا حقيقة ولا مجازا انتهى قوله (وفي أيديهما سواران) تثنية سوار ككتاب وغراب القلب كالأسوار بالضم وجمعه أسورة وأساور وأساورة كذا في القاموس قلت يقال له في الفارسية دست برنجن وفي الهندية كنكن (أتؤديان زكاته) أي الذهب أو ما ذكر من السوارين قال الطيبي الضمير فيه بمعنى اسم الاشارة كما في قوله تعالى لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك (فأديا زكاته) فيه دليل وجوب الزكاة في الحلى وهو الحق
[ 230 ]
قوله (ولا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ) قال ابن الملقن بل رواه أبو داود في سننه بإسناد صحيح ذكره ميرك كذا في المرقاة وقال الزيلعي في نصب الراية قال المنذري لعل الترمذي قصد الطريقين الذين ذكرهما فطريق أبي داود لا مقال فيها انتهى وقال الحافظ ابن حجر في الدراية بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه كذا قال وغفل عن طريق خالد بن الحارث انتهى قلت روى أبو داود في سننه حدثنا أبو كامل وحميد بن مسعدة المعنى أن خالد ابن الحارث حدثهم أخبرنا حسين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها أتعطين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار قال فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله وإلى هذا الحديث أشار ابن الملقن والمنذري والحافظ ابن حجر وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث أبي داود هذا ما لفظه قال ابن القطان في كتابه إسناده صحيح وقال المنذري في مختصر إسناده لا مقال فيه فإن أبا داود رواه عن أبي كامل الجحدري وحميد بن مسعدة وهما من الثقات احتج بهما مسلم وخالد بن الحارث إمام فقيه احتج به البخاري ومسلم وكذلك حصين بن ذكوان المعلم احتجا به في الصحيح ووثقه ابن المديني وابن معين وأبو حاتم وعمرو بن شعيب فهو ممن قد علم وهذا إسناد يقوم به الحجة إن شاء الله تعالى انتهى قلت فظهر أن قول الترمذي لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ غير صحيح والله تعالى أعلم باب ما جاء في زكاة الخضراوات بفتح الخاء المعجمة جمع خضراء والمراد بها الرياحين والورود والبقول والخيار والقثاء والبطيخ والباذنجان وأشباه ذلك قوله (عن محمد بن عبد الرحمن بن عبيد) القرشي مولى آل طلحة كوفي ثقة من
[ 231 ]
السادسة (عن عيسى بن طلحة) بن عبيد الله التيمي المدني ثقة فاضل من كبار الثالثة (وهي البقول) هذا تفسير من بعض الرواة (فقال ليس فيها شئ) لأنها لا تقتات والزكاة لا تختص بالقوت وحكمته أن القوت ما يقوم به من بدن الانسان لأن الاقتيات من الضروريات التي لا حياة بدونها فوجب فيها حق لأرباب الضرورات قاله القاري والحديث يدل على عدم وجوب الزكاة في الخضراوات وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي وقالا إنما تجب فيما يكال ويدخر للاقتيات وعن أحمد أنها تخرج مما يكال ويدخر ولو كان لا يقتات وبه قال أبو يوسف ومحمد وأوجبها في الخضراوات الهادي والقاسم إلا الحشيش والحطب لحديث الناس شركاء في ثلاث ووافقهما أبي حنيفة إلا أنه استثنى السعف والتبن واستدلوا على وجوب الزكاة في الخضراوات بعموم قوله تعالى خذ من أموالهم صدقة وقوله ومما أخرجنا لكم من الأرض وقوله وآتوا حقه يوم حصاده وبعموم حديث فيما سقت السماء معشر ونحوه قالوا وحديث الباب ضعيف لا يصلح لتخصيص هذه العمومات وأجيب بأن طرقه يقوي بعضها بعضا فينتهي لتخصيص هذه العمومات ويقوي ذلك ما أخرجه الحاكم والبيهقي والطبراني من حديث أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم فقال لا تأخذ الصدقة إلا من هذه الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل وما أخرجه الطبراني عن عمر قال إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها وهو من رواية موسى بن طلحة عن عمر قال أبو زرعة موسى عن عمر مرسل وما أخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب زاد ابن ماجه والذرة وفي إسناده محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك وما أخرجه البيهقي من طريق مجاهد قال لم تكن الصدقة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة فذكرها وأخرج أيضا من طريق الحسن فقال لم يفرض الصدقة النبي صلى الله عليه وسلم إلا في عشرة فذكر الخمسة المذكورة والإبل والبقر والغنم والذهب والفضة وحكى أيضا عن الشعبي أنه قال كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إنما الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال البيهقي هذه المراسيل طرقها مختلفة وهي يؤكد بعضها بعضا انتهى فلا أقل من انتهاض هذه الأحاديث لتخصيص تلك العمومات التي قد دخلها التخصيص بالأوساق والبقر والعوامل
[ 232 ]
وغيرها فيكون الحق ما ذهب إليه الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي من أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا هذه الأربعة مما أخرجت الأرض وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكا ولكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن انتهى كلام الشوكاني قلت في إسناد حديث أبي موسى ومعاذ وطلحة بن يحيى وهو مختلف فيه قاله الحافظ بن حجر في الدراية ص 461 ورواه الحاكم في المستدرك مرفوعا باللفظ المذكور ورواه البيهقي بلفظ أنهما حين بعثا إلى اليمن لم يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة قال الشيخ في الامام وهذا غير صريح في الرفع كذا في نصب الراية وأما ما أخرجه الحاكم من طريق مجاهد ففي سنده خصيف قال الحافظ في التقريب الخصيف بن عبد الرحمن الجزري صدوق سئ الحفظ خلط بآخره وأما ما أخرج من طريق الحسن ففي سنده عمرو بن عبيد وهو متكلم فيه على ما قال الزيلعي في نصب الراية قوله (وليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شئ) وفي الباب عن علي وعائشة ومحمد بن جحش وأنس وطلحة لكنها كلها ضعيفة وقد ذكرها مع بيان ضعفها الحافظ الزيلعي في نصب الراية وقال بعد ذكرها قال البيهقي وهذه الأحاديث يشهد بعضها بعضا ومعها قول بعض الصحابة ثم أخرج عن الليث عن مجاهد عن عمر قال ليس في الخضراوات صدقة قال الشيخ في الامام ليث بن أبي سليم قد علل البيهقي به روايات كثيرة ومجاهد عن عمر منقطع وأخرج عن قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله تعالى عنه قال ليس في الخضراوات والبقول صدقة قال الشيخ وقيس بن الربيع متكلم فيه انتهى قوله (وإنما يروى هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) رواه الدارقطني في سننه (والحسن هو ابن عمارة الخ) قال الحافظ في التقريب الحسن بن عمارة البجلي مولاهم أبو محمد الكوفي قاضي بغداد متروك من السابعة
[ 233 ]
باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيرها قوله (مديني) خبر مبتدأ محذوف أي هو مديني (أخبرنا الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب) بضم المعجمة وبموحدتين صدوق يهم من الخامسة (وبسر بن سعيد) بضم أوله ثم مهملة ساكنة ثقة جليل من الثانية قوله (فيما سقت من السماء) أي المطر من باب ذكر المحل وإرادة الحال وليس المراد خصوص المطر بل السيل والأنهار كذلك (والعيون) أي الجارية على وجه الأرض التي لا يتكلف في رفع مائها لة ولا لحمل (العشر) مبتدأ وخبره فيما سقت السماء أي العشر واجب فيما سقت السماء (وفيما سقي بالنضح) بفتح النون وسكون المعجمة بعدها مهملة أي بالسانية وهي رواية مسلم والمراد بها الابل التي يستقى عليها وذكر الابل كالمثال وإلا فالبقر وغيرها كذلك في الحكم كذا في الفتح والنضح في الأصل مصدر بمعنى السقي قال الجزري في النهاية النواضح هي الابل التي يستقى عليها والواحد الناضح انتهى قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك وابن عمر وجابر) أما حديث أنس فأخرجه ابن النجار عن أبان عن أنس وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأصحاب السنن وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود
[ 234 ]
قوله (وعليه العمل عند عامة الفقهاء) قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث جابر فيما سقت الأنهار والغيم العشور وفيما سقي بالسانية نصف العشر ما لفظه في هذا الحديث وجوب العشر فيما سقي بماء السماء والأنهار ونحوها مما ليس فيه مؤنة كثيرة ونصف العشر فيما سقي بالنواضح وغيرها مما فيه مؤنة كثيرة وهذا متفق عليه ولكن اختلف العلماء في أنه هل يجب الزكاة في كل ما أخرجت الأرض من الثمار والزروع والرياحين وغيرها إلا الحشيش والحطب ونحوها أم يختص فعمم أبو حنيفة وخصص الجمهور على اختلاف لهم فيما يختص به انتهى قلت قد تقدم الكلام في هذا في الباب السابق وقال الحافظ في الفتح دل الحديث على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح فإن وجد ما يسقي بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافا وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي والثاني يؤخذ بالقسط ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع وانتهى ولو كان أقل انتهى قوله (عن أبيه) أي عبد الله بن عمر رضي الله عنه (أنه سن) أي شرع وقرر (أو كان عثريا) بفتح المهملة والمثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية قال في النهاية هو من النخل الذي يشرب بعروقه من ماء المطر يجتمع في حفيرة وقيل هو العذق الذي لا يسقيه إلا ماء المطر قال القاضي والأول ههنا أولى لئلا يلزم التكرار وعطف الشئ على نفسه وقيل ما يزرع في الأرض تكون رطبة أبدا لقربها من الماء كذا في المرقاة (العشور) قال النووي ضبطناه بضم العين جمع عشرة وقال القاضي عياض ضبطناه من عامة شيوخنا بفتح العين وقال هو اسم للمخرج من ذلك وقال صاحب المطالع أكثر الشيوخ يقولونه بالضم وصوابه الفتح قال
[ 235 ]
النووي وهذا الذي ادعاه من الصواب ليس بصحيح وقد اعترف بأن أكثر الرواة رووه بالضم وهو الصواب جمع عشر وقد اتفقوا على قولهم عشور أهل الذمة بالضم ولا فرق بين اللفظين انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وغيره تنبيه مذهب جمهور أهل العلم والأئمة الأربعة وجوب العشر في جميع الحبوب من الحنطة والشعير والعدس والحمص والأرز ونحو ذلك قال الامام مالك في موطأه والحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما فالزكاة تؤخذ منها كلها بعد أن تحصد وتصير حبا انتهى وتمسكوا بعموم أحاديث الباب وبعموم الايات التي تدل على وجوب العشر وذهب الحسن البصري والحسن بن صالح والثوري والشعبي وابن سيرين إلى أنه لا يجب الزكاة إلا في الشعير والحنطة والزبيب والتمر فوجوب العشر عند هؤلاء منحصر في هذه الأربعة واحتجوا بما روى الطبراني والحاكم والدارقطني عن أبي موسى الأشعري ومعاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة الشعير والحنطة والزبيب والتمر قال صاحب سبل السلام قال البيهقي رواته ثقات وهو متصل وروى الطبراني من حديث موسى بن طلحة عن عمر إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة في هذه الأربعة فذكرها قال أبو زرعة إنه مرسل ورجح هذا المذهب حيث قال فالأوضح دليلا مع الحاصرين للوجوب في هذه الأربعة انتهى وكذا رجح الشوكاني في النيل هذا المذهب حيث قال فالحق أن الزكاة لا تجب إلا في البر والشعير والتمر والزبيب لا فيما عدا الأربعة مما أخرجت الأرض قال وأما زيادة الذرة في حديث عمرو بن شعيب فقد عرفت أن في إسنادها متروكا لكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن انتهى قلت في سند حديث أبي موسى ومعاذ المذكور طلحة بن يحيى وهو مختلف فيه قال الحافظ في الدراية وروى الحاكم من طريق أبي بردة عن أبي موسى ومعاذ حين بعثهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة فذكرها ورواه البيهقي عنهما موقوفا وفي الاسناد طلحة بن يحيى مختلف فيه وهو أمثل مما في الباب انتهى كلام الحافظ ثم الحصر فيه ليس حصرا حقيقيا وإلا يلزم أن لا تجب الزكاة في صنف غير هذه الأصناف الأربعة واللازم باطل فالملزوم مثله بل الحصر فيه إضافي قال القاري في المرقاة في
[ 236 ]
شرح هذا الحديث والحصر فيه إضافي انتهى والدليل على كون هذا الحصر إضافيا ما رواه الحاكم في المستدرك عن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر وفيما سقي بالنضح نصف العشر وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب وأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحاكم هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه فالحق عندي ما ذهب إليه الجمهور والله تعالى أعلم تنبيه آخر قال الحنفية إن العشر والخراج لا يجتمعان على مسلم ويستدلون بحديث لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم قلت لم يقم دليل صحيح على قولهم هذا وأما هذا الحديث الذي يستدلون به فباطل لا أصل له قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية الحديث الثالث قال عليه السلام لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم قلت رواه ابن عدي في الكامل عن يحيى بن عنبسة حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمع على مسلم خراج وعشر انتهى قال ابن عدي يحيى بن عنبسة منكر الحديث وإنما يروي هذا من قول إبراهيم وقد رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قوله فجاء يحيى بن عنبسة فأبطل فيه ووصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في ضعفه لروايته عن الثقات الموضوعات انتهى قال ابن حبان ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث لا يحل الرواية عنه انتهى وقال الدارقطني يحيى هذا دجال يضع الحديث وهو كذب على أبي حنيفة ومن بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال البيهقي هو حديث باطل ويحيى هذا متهم بالوضع انتهى ما في نصب الراية قلت وأحاديث الباب بعمومها تدل على الجمع بين الخراج والعشر قال الزيلعي في نصب الراية استدل ابن الجوزي في التحقيق للشافعي في الجمع بين العشر والخراج بعموم الحديث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سن في ما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشور وفيما سقي بالنضح نصف العشر تفرد به البخاري وهذا عام في الخراجية وغيرها انتهى وقال الزيلعي في ذلك الكتاب استدل الشيخ تقي الدين في الامام للشافعي بما أخرجه البيهقي عن يحيى بن آدم حدثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن ميمون بن مهران قال سألت عمر بن عبد العزيز عن المسلم يكون في يده أرض الخراج فيسأل الزكاة فيقول إنما على الخراج فقال الخراج على الأرض والعشر على الحب انتهى قلت إسناده صحيح قال الحافظ في الدراية
[ 237 ]
وقد صح عن عمر بن عبد العزيز أنه قال لمن قال إنما على الخراج الخراج على الأرض والعشر على الحب أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن آدم في الخراج له وفيها عن الزهري لم يزل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده يعاملون على الأرض ويستكرونها ويؤدون الزكاة عما يخرج منها وفي الباب حديث ابن عمر فيما سقت السماء العشر متفق عليه ويستدل بعمومه انتهى ما في الدارية والحاصل أنه لم يقم دليل صحيح على أن الخراج والعشر لا يجتمعان على مسلم بل حديث ابن عمر وما في معناه بعمومه يدل على الجمع وأثر عمر بن عبد العزيز وأثر الزهري يدلان على أن العمل كان على ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده تنبيه آخر قال صاحب الهداية لم يجمع أحد من أئمة العدل والجور بينهما يعني بين الخراج والعشر وكفي بإجماعهم حجة انتهى قلت دعوى الاجماع باطلة جدا قال الحافظ في الدراية رادا على صاحب الهداية ولا إجماع مع خلاف عمر بن عبد العزيز والزهري بل لم يثبت عن غيرهما التصريح بخلافهما انتهى باب ما جاء في زكاة مال اليتيم قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري (أخبرنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان التميمي أبو إسحاق الرازي الفراء المعروف بالصغير روى عن هشام بن يوسف الصنعاني والوليد بن مسلم وغيرهما وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وروى الباقون عنه بواسطة ثقة حافظ كذا في تهذيب التهذيب والتقريب قوله (ألا) للتنبيه (من ولي) بفتح الواو وكسر اللام قال القاري في المرقاة وفي نسخة أي من المشكاة بضم الواو وتشديد اللام المكسورة أي صار ولي يتيم (له مال) صفة ليتيم أي من صار وليا ليتيم ذي مال (فليتجر) بتشديد الفوقية أي بالبيع والشراء (فيه) أي في مال اليتيم
[ 238 ]
(ولا يتركه) بالنهي وقيل بالنفي (حتى تأكله الصدقة) أي تنقصه وتفنيه لأن الأكل سبب الفناء قال ابن الملك أي يأخذ الزكاة منها فينقص شيئا فشيئا وهذا يدل على وجوب الزكاة في مال الصبي وبه قال الشافعي وأحمد ومالك وعند أبي حنيفة لا زكاة فيه انتهى قوله (وفي إسناده مقال الخ) قال الحافظ في بلوغ المرام وله شاهد مرسل عند الشافعي انتهى وقال في التلخيص ورواه الدارقطني من حديث أبي إسحاق الشيباني أيضا عن عمرو بن شعيب لكن راويه عنه مندل بن علي وهو ضعيف ومن حديث العرزمي عن عمرو والعرزمي ضعيف متروك ورواه ابن عدي من طريق عبد الله بن علي وهو الافريقي وهو ضعيف قال الحافظ وروى الشافعي عن عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج عن يوسف بن ماهك مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ولكن أكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة وفي الباب عن أنس مرفوعا اتجروا في مال اليتامى لا تأكلها الزكاة رواه الطبراني في الأوسط في ترجمة علي بن سعد انتهى قوله (وروى بعضهم هذا الحديث عن عمرو بن شعيب أن عمر بن الخطاب فذكر هذا الحديث) قال الدارقطني في العلل رواه حسين المعلم عن مكحول عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب عن عمر ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن شعيب عن عمر لم يذكر ابن المسيب وهو أصح وإياه عني الترمذي انتهى كذا في التلخيص قوله (منهم عمر وعلي وعائشة وابن عمر) روى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب قال اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ورواه البيهقي وقال إسناده صحيح قاله الحافظ في التلخيص وقال فيه وروى الشافعي عن ابن عيينة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا أيضا قال وروى الدارقطني والبيهقي وابن عبد البر ذلك من طرق عن علي بن أبي طالب وهو مشهور عنه انتهى وروى مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال كانت عائشة تليني وأخا لي يتيمين في جحرها فكانت تخرج من أموالنا الزكاة
[ 239 ]
قوله (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب وهي وإن كانت ضعيفة لكنها يؤيدها آثار صحيحة عن الصحابة رضي الله عنهم وبعموم الأحاديث الواردة في إيجاب الزكاة قوله (وقالت طائفة من أهل العلم ليس في مال اليتيم زكاة وبه يقول سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك) وبه يقول أبو حنيفة واستدل هؤلاء بحديث عائشة وعلي وغيرهما رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلي حتى يبرأ وعن الصبي حتى يكبر قال ابن الهمام في فتح القدير وأما ما روى عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم من القول بالوجوب في مال الصبي والمجنون لا يستلزم كونه عن سماع إذ يمكن إذ يمكن الرأي فيه فيجوز كونه بناء عليه فحاصله قول صحابي عن اجتهاد عارضه رأي صحابي آخر قال محمد ابن الحسن في كتاب الاثار أنبأنا أبو حنيفة حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال ليس في مال اليتيم زكاة وليث كان أحد العلماء العباد وقيل اختلط في آخر عمره ومعلوم أن أبا حنيفة لم يكن ليذهب فيأخذ عنه حال اختلاطه ويرويه وهو الذي شدد أمر الرواية ما لم يشدده غيره وروى مثل قول ابن مسعود عن ابن عباس تفرد به ابن لهيعة انتهى قلت لم يثبت عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم بسند صحيح عدم القول بوجوب الزكاة في مال الصبي وأما أثر ابن مسعود فهو ضعيف من وجهين الأول أنه منقطع والثاني أن في إسناده ليث بن أبي سليم قال الحافظ بن حجر في التقريب صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه وقال الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي وهذا أثر ضعيف فإن مجاهدا لم يلق ابن مسعود فهو منقطع وليث بن أبي سليم ضعيف عند أهل الحديث انتهى وأجاب ابن الهمام عن الوجه الأول ولم يجب عن الوجه الثاني وفيما أجاب عن الوجه الأول كلام فتفكر وأما أثر ابن عباس فقد تفرد به ابن لهيعة كما صرح به ابن الهمام وهو ضعيف عند أهل الحديث قاله الترمذي في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ يروى حديثه في المتابعات ولا يحتج به انتهى
[ 240 ]
وأما حديث عائشة وعلي المذكور ففي الاستدلال به على عدم وجوب الزكاة في مال الصبي نظر كيف وقد رواه عائشة وعلي رضي الله تعالى عنهما وهما قائلان بوجوب الزكاة في مال الصبي وقال الزيلعي في نصب الراية قال ابن الجوزي والجواب أن المراد قلم الاثم أو قلم الأذى انتهى وقال القاضي ابن العربي في عارضة الأحوذي وزعم أبو حنيفة أن الزكاة أوجبت شكر نعمة المال كما أن الصلاة أوجبت شكر نعمة البدن ولم يتعين بعد على الصبي شكر قلنا محل الصلاة يضعف عن شكر النعمة فيه ومحل الزكاة وهو المال كامل لشكر النعمة فإن قيل لا يصح منه القربة قلنا يؤدي عنه كما يؤدي عن المغمى عليه وعن الممتنع جبرا وكما يؤدي عنه العشر والفطرة وهو دين يقضي عنه لمستحقة وإن لم يعمل به لأن الناظر لم حكم به انتهى قوله (وشعيب قد سمع من جده عبد الله بن عمرو) وأما قول ابن حبان لم يصح سماع شعيب من جده عبد الله فقال الدارقطني هو خطأ وقد روى عبيد الله بن عمر العمري وهو من الأئمة العدول عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال كنت جالسا عند عبد الله بن عمرو فجاء رجل فاستفتاه في مسألة فقال يا شعيب امض معه إلى ابن عباس فقد صح بهذا سماع شعيب من جده عبد الله وقد أثبت سماعه منه أحمد بن حنبل وغيره كذا في نصب الراية ص 378 تخريج الهداية قلت وقد أسند ذلك الدارقطني في السنن قال حدثنا أبو بكر بن زياد النيسابوري حدثنا محمد بن يحيى الذهلي وغيره قالوا حدثنا محمد بن عبيد حدثنا عبيد الله بن عمر ورواه الحاكم أيضا من هذا الوجه ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب وقال فيه وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله في أماكن وصح سماعه كما تقدم وكما روى حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب قال قال سمعت عبد الله بن عمرو فذكر حديثا أخرجه أبو داود من هذا الوجه إنتهى قلت وقد سمع عمرو من أبيه شعيب ففي تهذيب التهذيب قال محمد بن علي الجوزجاني قلت لأحمد عمرو سمع من أبيه شيئا قال يقول حدثني أبي انتهى (وقد تكلم يحيى بن سعيد) هو القطان (في حديث عمرو بن شعيب وقال هو عندنا واه) أي ضعيف وكذلك تكلم فيه غير واحد من أئمة الحديث ولكن أكثرهم على أنه صحيح قابل للاحتجاج كما صرح به الترمذي (ومن ضعفه فإنما ضعفه من قبل أنه يحدث من صحيفة جده عبد الله بن
[ 241 ]
عمرو) يعني تضعيف من ضعفه ليس إلا من جهة أنه يحدث من صحيفة جده قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال الساجي قال ابن معين هو ثقة في نفسه وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه وليس بمتصل وهو ضعيف من قبيل أنه مرسل وجد شعيب كتب عبد الله بن عمرو فكان يرويها عن جده إرسالا وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو غير أنه لم يسمعها قال الحافظ فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها وصح سماعه لبعضها فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة وهو أحد وجوه التحمل والله تعالى أعلم إنتهى قوله (وأما أكثر أهل الحديث فيحتجون بحديث عمرو بن شعيب ويثبتونه منهم أحمد وإسحاق وغيرهما) قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ص 15 ج 2 ترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض إنتهى وفي شرح ألفية العراقي للمصنف وقد اختلف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأصح الأقوال أنها حجة مطلقا إذا صح السند إليه قال ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل الحديث حم للجد عند الاطلاق على الصحابي عبد الله بن عمرو دون إبنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك فقد قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيدة وأبا خيثمة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد منهم وثبتوه فمن الناس بعدهم وقول ابن حبان هي منقطعة لأن شعيبا لم يلق عبد الله مردود فقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد وكما رواه الدارقطني والبيهقي في السنن بإسناد صحيح إنتهى
[ 242 ]
باب ما جاء أن العجماء جرحها جبار وفي الركاز الخمس قوله (العجماء) أي البهيمة وهي في الأصل تأنيث الأعجم وهو الذي لا يقدر على الكلام سمي بذلك لأنه لا يتكلم (جرحها) بضم الجيم وفتحها والمفهوم من النهاية نق عن الأزهري أنه بالفتح لا غير لأنه مصدر وبالضم الجراحة (جبار) بضم الجيم أي هدر أي إذا أتلفت البهيمة شيئا ولم يكن معها قائد ولا سائق وكان نهارا فلا ضمان وإن كان معها أحد فهو ضامن لأن الاتلاف حصل بتقصيره وكذا إذا كان لي لأن المالك قصر في ربطها إذ العادة أن تربط الدواب لي وتسرح نهارا كذا ذكره الطيبي وابن الملك (والمعدن) بفتح الميم وكسر الدال مكان يخرج منه شئ من الجواهر والأجساد المعدنية من الذهب والفضة والنحاس وغير ذلك من عدن بالمكان إذا أقام به (والبئر) بهمز ويبدل (جبار) أي إذا استأجر حافرا لحفر البئر أو استخراج المعدن فانهار عليه لا ضمان وكذا إذا وقع فيه إنسان فهلك إن لم يكن الحفر عدوانا وإن كان ففيه خلاف (وفي الركاز) بكسر الراء (الخمس) إعلم أن مالكا رحمه الله والشافعي رحمه الله والجمهور حملوا الركاز على كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وقالوا لا خمس في المعدن بل فيه الزكاة إذا بلغ قدر النصاب وهو المأثور عن عمر بن عبد العزيز وصله أبو عبيد في كتاب الأموال وعلقه البخاري في صحيحه وأما الحنفية فقالوا الركاز يعم العدن والكنز ففي كل ذلك الخمس وما ذهب إليه الجمهور من التفرقة بين الركاز والمعدن وهو الظاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال المعدن جبار وفي الركاز الخمس عطف الركاز على المعدن وفرق بينهما في الحكم فعلم منه أن المعدن ليس بركاز عند النبي صلى الله عليه وسلم بل هما شيئان متغايران ولو كان المعدن ركازا عنده لقال المعدن جبار وفيه الخمس ولما لم يقل ذلك ظهر أنه غيره لأن العطف يدل على المغايرة قال الحافظ بن حجر في فتح الباري والحجة للجمهور التفرقة من النبي صلى الله عليه وسلم بين المعدن والركاز بواو العطف فصح أنه غيره انتهى
[ 243 ]
ولأن الركاز في لغة أهل الحجاز هو ما ذهب إليه الجمهور ولا شك في أن النبي الحجازي صلى الله عليه وسلم تكلم بلغة أهل الحجاز وأراد به ما يريدون منه قال ابن الأثير في النهاية الركاز عند أهل الحجاز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملهما اللغة لأن كل منهما مركوز في الأرض أي ثابت يقال ركزه يركزه ركزا إذا دفنه وأركز الرجل إذا وجد الركاز والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه انتهى وفي المرقاة لعلي القاري وأما ما روى عن أبي هريرة أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس قيل وما الركاز يا رسول الله قال الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت الأرض رواه البيهقي وذكره في الامام فهو وإن سكت عنه في الامام مضعف بعبد الله بن أبي سعيد المقبري انتهى قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبادة بن الصامت وعمرو بن عوف المزني وجابر) وفي الباب أيضا عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وزيد بن أرقم وأبي ثعلبة الخشني وسراء بنت نبهان الغنوية فحديث أنس عند أحمد والبزار مطولا وفيه هذا ركاز وفيه الخمس وحديث عبد الله بن عمرو عند الشافعي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل في خربة جاهلية إن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس وحديث عبد الله بن الصامت رواه ابن ماجة من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد عن عبادة بن الصامت قال قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المعدن جبار وجرحها جبار وهذا منقطع لأن إسحاق لم يدرك عبادة وحديث عمرو بن عوف المزني رواه بن ماجه أيضا وحديث جابر رواه أحمد والبزار من رواية مجالد عن الشعبي عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السائبة الحديث وفيه في الركاز الخمس كذا في عمدة القاري وتخريج أحاديث عبد الله بن مسعود وغيره مذكور فيه أيضا من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
[ 244 ]
باب ما جاء في الخرص الخرص في اللغة هو الحزر والتخمين وسيجئ بيان ما هو المراد منه من المؤلف قوله (أخبرني خبيب بن عبد الرحمن) أبو الحارث المدني ثقة من الرابعة (قال سمعت عبد الرحمن بن مسعود بن نيار) بكسر النون وبالتحتانية الأنصاري المدني مقبول من الرابعة (جاء سهل بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة صحابي صغير (إذا خرصتم) أي حزرتم وخمنتم أيها السعاة (فخذوا) أي زكاة المخروص (ودعوا الثلث) أي اتركوه قال الطيبي فخذوا جواب للشرط ودعوا عطف عليه أي إذا (خرصتم) فبينوا مقدار الزكاة ثم خذوا ثلثي ذلك المقدار واتركوا الثلث لصاحب المال حتى يتصدق به انتهى وقال القاضي الخطاب مع المصدقين أمرهم أن يتركوا للمالك ثلث ما خرصوا عليه أو ربعه توسعة عليه حتى يتصدق به هو على جيرانه ومن يمر به ويطلب منه فلا يحتاج إلى أن يغرم ذلك من ماله وهذا قول قديم للشافعي وعامة أهل الحديث وعند أصحاب الرأي لا عبرة بالخرص لإفضائه إلى الربا وزعموا أن الأحاديث الواردة فيه كانت قبل تحريم الربا ويرده حديث عتاب بن أسيد فإنه أسلم يوم الفتح وتحريم الربا كان مقدما انتهى قال القاري بعد نقل كلام القاضي هذا وحديث جابر الطويل في الصحيح صريح فإن تحريم الربا كان في حجة الوداع انتهى قال الحافظ بن حجر في فتح الباري قال الخطابي أنكر أصحاب الرأي الخرص وقال بعضهم إنما كان يفعل تخويفا للمزارعين لئلا يخونوا لا يلزم به الحكم لأنه تخمين وغرور أو كان يجوز قبل تحريم الربا والقمار وتعقبه الخطابي بأن تحريم الربا والميسر متقدم والخرص عمل به في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم ولمن ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي قال وأما قولهم إنه تخمين وغرور فليس كذلك بل هو اجتهاد في معرفة مقدار التمر وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير قال واعتل الطحاوي بأنه
[ 245 ]
يجوز أن يحصل للثمرة آفة فتتلفها فيكون ما يؤخذ من صاحبها مأخوذا بد مما يسلم له وأجيب بأن القائلين به لا يضمنون أرباب الأموال ما تلف بعد الخرص قال ابن المنذر أجمع من يحفظ عنه العلم أن المخروص إذا أصابته جائحة قبل الجذاذ فلا ضمان انتهى قال الحافظ بن القيم في إعلام الموقعين المثال التاسع والعشرون رد السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة والعرايا وغيرها إذا بدا إصلاحها ثم ذكر أحاديث الخرص ثم قال فردت هذه السنن كلها بقوله تعالى إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه قالوا والخرص من باب القمار والميسر فيكون تحريمه ناسخا لهذه الاثار وهذا من أبطل الباطل فإن الفرق بين القمار والميسر والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا والميتة والمذكى وقد نزه الله رسوله وأصحابه عن تعاطي القمار وعن شرعه وإدخاله في الدين ويا لله العجب أكان المسلمون يقامرون إلى زمن خيبر ثم استمروا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين ثم انقضى عصر الصحابة وعصر التابعين على القمار ولا يعرفون أن الخرص قمار حتى بينه بعض فقهاء الكوفة هذا والله الباطل حقا والله الموفق انتهى كلام ابن القيم قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه أبو داود (وعتاب) بفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقانية (بن أسيد) بفتح الهمزة وكسر المهملة وحديثه أخرجه أبو داود والترمذي قوله (وبحديث سهل بن أبي حثمة يقول إسحاق وأحمد) قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر حديث سهل بن أبي حثمة قال بظاهره الليث وأحمد وإسحاق وغيرهم وفهم منه أبو عبيد في كتاب الأموال أنه القدر الذي يأكلونه بحسب احتياجهم إليه فقال يترك قدر احتياجهم وقال مالك وسفيان لا يترك لهم شئ وهو المشهور عن الشافعي قال ابن العربي والمتحصل من صحيح النظر أن يعمل بالحديث وهو قدر المؤنة ولقد جربناه فوجدناه كذلك في الأغلب مما يؤكل رطبا انتهى قوله (والخرص إذا أدركت الثمار الخ) من ادراك الشئ بلغ وقته كذا القاموس قال
[ 246 ]
الحافظ بن حجر وفائدة الخرص التوسعة على أرباب الثمار في التناول منها والبيع من زهوها وإيثار الأهل والجيران والفقراء لأن في منعهم منها تضييقا لا يخفى انتهى قوله (عن محمد بن صالح التمار) بفتح المثناة الفوقانية وتشديد الميم صدوق يخطئ من السابعة (كرومهم) بضمتين جمع الكرم وهو شجر العنب قال ابن حجر ولا ينافي تسمية العنب كرما خبر الشيخين لا تسموا العنب كرما فإن الكرم هو المسلم وفي رواية فإنما الكرم قلب المؤمن لأنه نهى تنزيه على أن تلك التسمية من لفظ الراوي فلعله لم يبلغه النهي أو خاطب به من لا يعرفه إلا به انتهى (زبيبا) هو اليابس من العنب باب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق
[ 247 ]
قوله (العامل على الصدقة بالحق) متعلق بالعامل أي عملا بالصدق والصواب أو بالإخلاص والاحتساب (كالغازي في سبيل الله) أي في تحصيل بيت المال واستحقاق الثواب في تمشية أمر الدارين قاله القاري (حتى يرجع) أي العامل قال ابن العربي في شرح الترمذي وذلك أن الله ذو الفضل العظيم قال من جهز فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا والعامل على الصدقة خليفة الغازي لأنه يجمع مال سبيل الله فهو غاز بعمله وهو غاز بنيته وقال عليه السلام إن بالمدينة قوما ما سلكتم واديا ولا قطعتم شعبا إلا وهم معكم حبسهم العذر فكيف بمن حبسه العمل للغازي وخلافته وجمع ماله الذي ينفقه في سبيل الله وكما لا بد من الغزو فلا بد من جمع المال الذي يغزو به فهما شريكان في النية شريكان في العمل فوجب أن يشتركا في الأجر انتهى (حديث رافع بن خديج حديث حسن) وأخرجه أبو داود قوله (ويزيد بن عياض ضعيف عند أهل الحديث) قال الحافظ في التقريب كذبه مالك وغيره قوله (وحديث محمد بن إسحاق أصح) ومحمد بن إسحاق ثقة قد اعترف به العلماء المالكية والحنفية أيضا قال ابن العربي في عارضة الأحوذي محمد بن إسحاق ثقة إمام انتهى قلت وقد وثقه العلامة ابن الهمام في فتح القدير وقال العيني في شرح البخاري ص 107 ج 3 ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى باب في المعتدي في الصدقة قوله (المعتدي في الصدقة كمانعها) الإعتداء مجاوزة الحد فيحتمل أن يكون المراد به
[ 248 ]
المزكي الذي يعتدي بإعطاء الزكاة غير مستحقيها ولا على وجهها أو العامل قال التوربشتي إن العامل المعتدي في أخذ الصدقة عن المقدار الواجب هو في الوزر كالذي يمنع عن أداء ما وجب عليه كذا في اللمعات وقال في شرح السنة معنى الحديث أن على المعتدي في الصدقة من الاثم ما على المانع فلا يحل لرب المال كتمان المال وإن اعتدى عليه الساعي انتهى وقيل المعتدي في الصدقة هو الذي يجاوز الحد في الصدقة بحيث لا يبقى لعياله شيئا وقيل هو الذي يعطي ويمن ويؤذي فالإعطاء مع المن والأذي كالمنع عن أداء ما وجب عليه قال تعالى قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى قلت الظاهر أن المراد بالمعتدي في الصدقة العامل المعتدي في أخذ الصدقة ويؤيده حديث بشير بن الخصاصية قال قلنا إن أهل الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون قال لا رواه أبو داود فمعنى الحديث أن على المعتدي في الصدقة من الاثم ما على المانع لأن العامل إذا اعتدى في الصدقة بأن أخذ خيار المال أو الزيادة على المقدار الواجب ربما يمنعها المالك في السنة الأخرى فيكون في الاثم كالمانع والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأم سلمة وأبي هريرة لينظر من أخرج حديثهم حديث أنس حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه كلهم من رواية سعد بن سنان عن أنس كذا في الترغيب قوله (وقد تكلم أحمد بن حنبل في سعد بن سنان) قال الذهبي في الميزان في ترجمته قال أحمد لم أكتب أحاديثه لأنهم اضطربوا فيه وفي حديثه وقال الجوزجاني أحاديثه واهية وقال س منكر الحديث وقال الدارقطني ضعيف ونقل ابن القطان أن أحمد يوثقه انتهى وقال الحافظ في التقريب سعد بن سنان ويقال سنان بن سعد الكندي المصري وصوب الثاني البخاري وابن يونس صدوق له أفراد من الخامسة قوله (وهكذا يقول الليث بن سعد الخ) حاصله أن الرواة مختلفون في اسم سعد بن سنان فقال الليث سعد بن سنان وقال عمرو بن الحارث وابن لهيعة سنان بن سعد ونقل الترمذي عن البخاري أن الصحيح سنان بن سعد ويقول عمرو بن الحارث وابن لهيعة
[ 249 ]
(عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك) لم توجد هذه العبارة في بعض النسخ (سمعت محمدا يقول والصحيح سنان بن سعد قد بسط الكلام في هذا المقام الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة سعد بن سنان فعليك أن تراجعه فإنه نافع قوله (وقوله المعتدي في الصدقة كمانعها يقول على المعتدى من الاثم الخ) قال ابن الأثير في النهاية المعتدي في الصدقة كمانعها هو أن يعطي الزكاة غير مستحقها وقيل أراد أن الساعي إذا أخذ خيار المال ربما منعه في السنة الأخرى فيكون سببا في ذلك فهما في الاثم سواء انتهى باب ما جاء في رضى المصدق بتخفيف الصاد أي اخذ الصدقة وهو العامل قوله (إذا أتاكم المصدق فلا يقارقنكم إلا عن رضى) وفي رواية مسلم إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض قال الطيبي ذكر السبب وأراد السبب لأنه أمر للعامل وفي الحقيقة أمر للمزكي والمعنى تلقوه بالترحيب وأداء زكاة أموالكم ليرجع عنكم راضيا وإنما عدل إلى هذه الصفة مبالغة في استرضاء المصدق وإن ظلم انتهى قال السيوطي في قوت المغتذي إذا أتاكم المصدق بتخفيف الصاد وهو العامل فلا يفارقنكم إلا عن رضى قال الشافعي يعني والله أعلم أن يوفوه طائعين ويتلقوه بالترحيب لا أن يؤتوه من أموالهم ما ليس عليهم قال البيهقي في سننه وهذا الذي قاله الشافعي محتمل لولا ما في رواية أبي داود من الزيادة وهي قالوا يا رسول الله وإن ظلمونا قال ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم فكأنه
[ 250 ]
رأى الصبر على تعديهم انتهى قوله (حديث داود عن الشعبي أصح من حديث مجالد) والحديث أخرجه مسلم (وقد ضعف مجالدا بعض أهل العلم إلخ) في التقريب مجالد بضم أوله وتخفيف الجيم ابن سعيد بن عمير الهمداني أبو عمرو الكوفي ليس بالقوي وقد تغير في اخر عمره من صغار السادسة انتهى وقال الذهبي في الميزان قال ابن معين وغيره لا يحتج به وقال أحمد يرفع كثيرا مما لا يرفعه الناس ليس بشئ وقال النسائي ليس بالقوي وقال البخاري كان يحيى بن سعيد يضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه انتهى مختصرا باب ما جاء أن الصدفة تؤخذ من الأغنياء فترد على الفقراء قوله (عن عون بن أبي جحيفة) بتقديم الجيم على الحاء كجهينة قوله (فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا) قال في حاشية النسخة الأحمدية أي فقراء ذلك القوم والبلد وهذا مستحب اللهم إذا كان غيرهم أحوج منهم وأحق فيحمل الصدقة من بلد إلى بلد ومن قوم إلى قوم آخر انتهى بلفظه قلت قد اختلف العلماء في هذه المسألة فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح ولم يجزئ عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها كذا في فتح الباري وفيه ولا يبعد أنه اختيار البخاري لأن قوله حيث كانوا
[ 251 ]
يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق انتهى قلت قد عقد البخاري في صحيحه بلفظ باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا وأورد فيه حديث ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل إنك ستأتي قوما أهل الكتاب الحديث وفيه فأخبرهم أن الله قد أفترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم قال الحافظ في الفتح ظاهر حديث الباب أن الصدقة ترد على فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال ابن المنير اختار البخاري جواز نقل الزكاة من بلد المال لعموم قوله فترد في فقرائهم لأن الضمير يعود على المسلمين فأي فقير منهم ردت فيه الصدقة في أي جهة كان فقد وافق عموم الحديث انتهى قال والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عدم النقل وأن الضمير يعود على المخاطبين فيختص بذلك فقرائهم لكن رجح ابن دقيق العيد الأول وقال وإن لم يكن الأظهر إلا أنه يقويه أن أعيان الأشخاص المخاطبين في قواعد الشرع الكلية لا تعتبر في الزكاة كما لا تعتبر في الصلاة فلا يختص بها الحكم وإن اختص بهم خطاب المواجهة انتهى ما في الفتح قلت لا شك أن الظاهر المتبادر إلى الذهن من هذا الحديث هو عدم النقل ويؤيده حديث أبي جحيفة الذي أورده الترمذي في هذا الباب وحديث عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له أين المال قال وللمال أرسلتني أخذناه من حيث كنا نأخذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه رواه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح فالراجح عندي أن الصدقة ترد في فقراء من أخذت من أغنيائهم إلا إذا فقدوا أو تكون في نقلها مصلحة أنفع من ردها إليهم فحينئذ تنقل لما علم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستدعي الصدقات من الاعراب إلى المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار كما أخرج النسائي من حديث عبد الله بن هلال الثقفي قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كدت أقتل بعدك في عناق أو شاة من الصدقة فقال صلى الله عليه وسلم لولا أنها تعطى فقراء المهاجرين ما أخذتها والله تعالى أعلم (قلوصا) بفتح القاف الناقة الشابة ويجمع على قلاص بكسر القاف قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الشيخان (حديث أبي جحيفة حديث حسن غريب) قال في النيل رجال هذا الحديث ثقات إلا أشعث بن سوار ففيه مقال وقد أخرج له
[ 252 ]
مسلم متابعة انتهى باب من تحل له الزكاة قوله (المعنى واحد) أي لفظ حديث قتيبة وعلي بن حجر مختلف ومعنى حديثهما واحد قوله (وله ما يغنيه) أي عن السؤال (ومسألته) أي أثرها (في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح) بضم أوائلها ألفاظ متقاربة المعاني جمع خمش وخدش وكدح ف أو هنا إما لشك الراوي إذا الكل يعرب عن أثر ما يظهر على الجلد واللحم من ملاقاة الجسد ما يقشر أو يجرح ولعل المراد بها آثار مستنكرة وفي وجهه حقيقة أو أمارات ليعرف ويشهر بذلك بين أهل الموقف أو لتقسيم منازل السائل فإنه مقل أو مكثر أو مفرط في المسألة فذكر الأقسام على حسب ذلك والخمش أبلغ في معناه من الخدش وهو أبلغ من الكدح إذا الخمش في الوجه والخدش في الجلد والكدح فوق الجلد وقيل الخدش قشر الجلد بعود والخمش قشره بالأظفار والكدح العض وهي في أصلها مصادر لكنها لما جعلت أسماء للاثار جمعت كذا في المرقاة قوله (وما يغنيه) أي كم هو أو أي مقدار من المال يغنيه (قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب) أي قيمة الخمسين من الذهب قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي بلفظة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف قلت وفي الباب عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد له صحبة في أثناء حديث مرفوع قال فيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا أخرجه أبو داود وعن سهل بن الحنظلية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من النار
[ 253 ]
فقالوا يا رسول الله وما يغنيه قال قدر ما يغديه ويعشيه أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان كذا في فتح الباري (حديث ابن مسعود حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي قوله (وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث) وتكلم فيه غيره أيضا قال الذهبي في الميزان شيعي مقل قال أحمد ضعيف منكر الحديث وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني متروك وقال الجوزجاني حكيم بن جبير كذاب انتهى مختصرا وقال الحافظ في التقريب ضعيف رمي بالتشيع قوله (فقال له) أي لسفيان وقائل هذا يحيى بن ادم (لو غير حكيم حدث بهذا) كلمة لو للتمني (فقال له) أي لعبد الله بن عثمان (لا يحدث عنه شعبة) بتقدير همزة الاستفهام أي ألا يحدث عنه شعبة (قال نعم) أي قال عبد الله بن عثمان نعم لا يحدث عنه شعبة قال الذهبي في الميزان قال معاذ قلت لشعبة حدثنى بحديث حكيم بن جبير قال أخاف النار أن أحدث عنه قلت فهذا يدل على أن شعبة ترك الرواية بعد انتهى (قال سفيان سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد) وفي رواية أبي داود قال يحيى فقال عبد الله بن عثمان لسفيان حفظي أن شعبة لا يروي عن حكيم بن جبير فقال سفيان فقد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد قلت زبيد هذا هو ابن الحارث اليامي الكوفي ثقة ثبت عابد من السادسة قال الحافظ المنذري في تلخيص السنن قال الخطابي وضعفوا الحديث للعلة التي ذكرها يحيى بن آدم قالوا أما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه أسنده وإنما قال فقد حدثنا زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد حسب وحكى الترمذي أن سفيان صرح بإسناده فقال سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد وحكاه ابن عدي أيضا وحكى أيضا أن الثوري قال فأخبرنا به زبيد وهذا يدل على أن الثوري حدث به
[ 254 ]
مرتين مرة لا يصرح فيه بالإسناد ومرة يسنده فتجتمع الروايات وسئل يحيى بن معين يرويه أحد غير حكيم فقال يحيى نعم يرويه يحيى بن آدم عن زبيد ولا أعلم أحدا يرويه إلا يحيى بن آدم وهذا وهم لو كان كذا لحدث به الناس جميعا عن سفيان لكنه حديث منكر هذا الكلام قاله يحيى أو نحوه انتهى كلام المنذري ملخصا قوله (وهو قول الشافعي وغيره من أهل الفقه والعلم) وقال الشافعي قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله وفي المسألة مذاهب أخرى أحدها قول أبي حنيفة إن الغنى من ملك نصابا فيحرم عليه أخذ الزكاة واحتج بحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن وقول النبي صلى الله عليه وسلم له تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فوصف من تؤخذ الزكاة منه بالغنى وقد قال لا تحل الصدقة لغني ثانيها أن حده من وجد ما يغديه وما يعشيه على ظاهر حديث سهل بن الحنظلية حكاه الخطابي عن بعضهم ومنهم من قال وجهه من لا يجد غداء ولا عشاء على دائم الأوقات ثالثها أن حده أربعون درهما وهو قول أبي عبيد بن سلام على ظاهر حديث أبي سعيد وهو الظاهر من تصرف البخاري لأنه أتبع ذلك قوله لا يسألون الناس إلحافا وقد تضمن الحديث المذكور أن من سأل وعنده هذا القدر فقد سأل إلحافا كذا في فتح الباري والمراد بحديث أبي سعيد ما روايه النسائي عنه وفيه ومن سأل وله أوقية فقد ألحف
[ 255 ]
باب ما جاء من لا تحل له الصدقة قوله (ولا لذي مرة) بكسر الميم وتشديد الراء أي قوة (سوى) أي مستوى الخلق قاله الجوهري والمراد استواء الأعضاء وسلامتها قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أبو دادو والنسائي وابن ماجه (وحبشي بن جنادة) أخرجه الترمذي (وقبيصة بن المخارق) أخرجه مسلم (حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن) وأخرجه أبو داود والدارمي قوله (ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة) أي حديث عبد الله بن عمرو المذكور عند بعض أهل العلم محمول على المسألة والمراد بقوله لا تحل الصدقة لا تحل المسألة والدليل عليه حديث حبشي بن جنادة الاتي لكنه ضعيف
[ 256 ]
قوله (عن حبشي) بضم الحاء وسكون الموحدة (بن جنادة) بضم الجيم قوله (ولا لذي مرة) أي لذي قوة على الكسب (سوى) صحيح سليم الأعضاء (إلا لذي فقر مدقع) بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر القاف وهو الفقر الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء وهي الأرض التي لا نبات بها (أو غرم مفظع) بضم الغين المعجمة وسكون الراء وهو ما يلزم أداؤه تكلفا لا في مقابلة عوض والمفظع بضم الميم وسكون الفاء وكسر الظاء المعجمة وبالعين المهملة وهو الشديد الشنيع الذي جلوز الحد كذا في النيل الأوطار وقال القاري في المرقاة قال الطيبي والمراد ما استدان لنفسه وعياله في مباح قال ويمكن أن يكون المراد به ما لزمه من الغرامة بنحو دية وكفارة انتهى (ليثرى) من الاثراء (به) أي بسبب السؤال وبالمأخوذ (ماله) قال القاري في المرقاة بفتح اللام ورفعه أي ليكثر ماله من أثرى الرجل إذا كثرت أمواله كذا قاله بعض الشراح وفي النهاية الثري المال وأثرى القوم كثروا وكثرت أموالهم وفي القاموس الثروة كثرة العدد من الناس والمال وثري القوم ونموا والمال كذلك وثري كرضي كثر ماله كأثرى إذا عرفت ذلك فاعلم أن في أكثر النسخ ماله بفتح اللام وهو خلاف ما عليه أهل اللغة من أن أثرى لازم فيتعين رفعه اللهم إلا أن يقال ما موصولة وله جار ومجرور انتهى (كان) أي السؤال أو المال (خموشا) بالضم أي عبسا (ورضفا) بفتح فسكون أي حجرا محميا (فمن شاء فليقل) أي هذا السؤال أو ما يترتب عليه من النكال (ومن شاء فليكثر) وهما أمر تهديد ونظيره قوله تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا) قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشئ من الصحة أو الضعف والحديث ضعيف لأن في سنده مجالدا وهو ضعيف
[ 257 ]
باب من تحل له الصدقة من الغارمين وغيرهم قوله (أصيب رجل) أي أصابه آفة قيل هو معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه (في ثمار) متعلق بأصيب (ابتاعها) أي اشتراها والمعنى لحقه خسران بسبب إصابة افة في ثمار اشتراها ولم ينقد ثمنها (فكثر دينه) أي فطالبه البائع بثمن تلك الثمار وكذا طالبه بقية غرمائة وليس له مال يؤديه (فلم يبلغ ذلك) أي ما تصدقوا عليه (لغرمائه) جمع غريم وهو بمعنى المديون والدائن والمراد ههنا هو الأخير (وليس لكم إلا ذلك) أي ما وجدتم والمعنى ليس لكم إلا أخذ ما وجدتم والإمهال بمطالبة الباقي إلى الميسرة وقال المظهر أي ليس لكم زجره وحبسه لأنه ظهر إفلاسه وإذا ثبت إفلاس الرجل لا يجوز حبسه في الدين بل يخلى ويمهل إلى أن يحصل له مال فيأخذه الغرماء وليس معناه أنه ليس لكم إلا ما وجدتم وبطل ما بقي من ديونكم لقوله تعالى وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى مسيرة كذا في المرقاة قلت ما نفاه المظهر قد قال به جماعة وهم الذين ذهبوا إلى وجوب وضع الجائحة قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في الثمرة إذا بيعت بعد بدو الصلاح وسلمها البائع إلى المشتري بالتخلية بينه وبينها ثم تلفت قبل أوان الجذاذ بافة سماوية هل تكون من ضمان البائع أو المشتري فقال الشافعي في أصح قوليه وأبو حنيفة والليث بن سعد وآخرون هي من ضمان المشتري ولا يجب وضع الجائحة لكن يستحب وقال الشافعي في القديم وطائفة هي من ضمان البائع ويجب وضع الجائحة وقال مالك إن كانت دون الثلث لم يجب وضعها وإن كانت الثلث فأكثر وجب وضعها وكانت من ضمان البائع ثم ذكر النووي دلائل هؤلاء الأئمة من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه
[ 258 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة وجويرية وأنس) أما حديثي عائشة وحديث جويرية فلينظر من أخرجهما وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وأبو داود عنه مرفوعا إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة لذي فقر مدقع أو لذي غرم مفظع أو لذي دم موجع كذا في المنتقى وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في نصب الراية والدراية قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه قوله (ويوسف بن يعقوب الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الباء الموحدة وعين مهملة نزل في بني ضبيعة فنسب إليهم وليس منهم قوله (وإن قالوا هدية أكل) فارقت الصدقة الهدية حيث حرمت عليه تلك وحلت له هذه بأن القصد من الصدقة ثواب الاخرة وذلك ينبئ عن عز المعطي وذل الاخذ في احتياجه إلى الترحم عليه والرفق إليه ومن الهدية التقرب إلى المهدي إليه وإكرامه بعرضها عليه ففيها غاية العزة والرفعة لديه وأيضا فمن شأن الهدية مكافأتها في الدنيا ولذا كان عليه الصلاة والسلام يأخذ الهدية ويثيب عوضها عنها فلا منة البتة فيها بل لمجرد المحبة كما يدل عليه حديث تهادوا تحابوا وأما جزاء الصدقة ففي العقبي ولا يجازيها إلا المولى قوله (وفي الباب عن سلمان وأبي هريرة وأنس والحسن بن علي وأبي عميرة جد معرف بن واصل واسمه رشيد بن مالك وميمون أو مهران وابن عباس وعبد الله بن عمرو
[ 259 ]
وأبي رافع وعبد الرحم ن بن عقلمة) أما حديث سلمان فأخرجه أحمد والحاكم في المستدرك من رواية أبي ذر الكندي عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة الحديث وفيه فسأله أصدقة أم هدية فقال هدية فأكل اللفظ للحاكم وروى أحمد من رواية أبي الطفيل عن سلمان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يقبل الصدقة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما حديث أنس فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث الحسن بن علي فأخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير من رواية أبي الحوراء قال كنا عند الحسن بن علي فسأل ما عقلت من النبي صلى الله عليه وسلم أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كنت أمشي معه فمر على جرين من تمرة الصدقة فأخذت تمرة فألقيتها في فمي فأخذها بلعابها فقال بعض القوم وما عليك لو تركتها فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإسناده صحيح وأما حديث أبي عميرة بفتح العين وكسر الميم واسمه رشيد بضم الراء وفتح الشين المعجمة فأخرجه الطحاوي عنه قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بطبق عليه تمر فقال أصدقة أم هدية الحديث وفيه إنا آل محمد لا نأكل الصدقة وأخرجه الكجي في مسنده نحوه وأما حديث ميمون أو مهران فأخرجه عبد الرزاق وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير قال استعمل النبي صلى الله عليه وسلم الأرقم بن أبي الأرقم على السعاية فاستتبع أبا رافع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال يا أبا رافع إن الصدقة حرام علي وعلى آل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة تحت جنبه من الليل فأكلها فلم ينم تلك الليلة فقال بعض نسائه يا رسول الله أرقت البارحة قال إني وجدت تمرة فأكلتها وكان عندنا تمر من تمر الصدقة فخشيت أن يكون منه وأما حديث أبي رافع فأخرجه أبو داود بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة من بني مخزوم فقال لأبي رافع إصحبني فإنك تصيب منها فقال حتى آتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسأله فأتاه فسأله فقال مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة واسم أبي رافع إبراهيم أو أسلم أو ثابت أو هرمز مولى النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث عبد الرحمن بن علقمة فأخرجه النسائي عنه قال قدم وفد لثقيف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم هدية فقال أهدية أم صدقة الحديث وفيه قالوا لا فقبلها
[ 260 ]
قوله (عن عبد الرحمن بن أبي عقيل) بفتح العين وكسر القاف (اسمه معاوية بن حيدة) بفتح الحاء المهملة وسكون التحتانية وفتح الدال المهملة (القشيري) قال في المغنى بضم قاف وفتح شين معجمة وسكون ياء منسوب إلى قشير بن كعب منه بهز بن حكيم انتهى قوله (بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة) أي أرسله ساعيا ليجمع الزكاة ويأتي بها إليه والرجل هو الأرقم بن أبي الأرقم قاله السيوطي (فقال) أي الرجل (اصحبني) أي رافقني وصاحبني في هذا السفر (كما تصيب) نصب بكى وما زائدة أي لتأخذ (منها) أي من الصدقة (فقال لا) أي لا أصحبك (فاسأله) أي استأذنه أو اسأله هل يجوز لي أم لا (وإن موالي القوم) أي عتقاؤهم (من أنفسهم) بضم الفاء أي فحكمهم كحكمهم والحديث يدل على تحريم الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم وتحريمها على آله ويدل على تحريمها على موال آل بني هاشم ولو كان الأخذ على جهة العمالة قال الحافظ في الفتح وبه قال أحمد وأبو حنيفة وبعض المالكية كإبن الماجشون وهو الصحيح عند الشافعية وقال الجمهور يجوز لهم لأنهم ليسوا منهم حقيقة وكذلك لم يعوضوا بخمس الخمس ومنشأ الخلاف قوله منهم أو من أنفسهم هل يتناول المساواة في حكم تحريم الصدقة أم لا وحجة الجمهور أنه لا يتناول جميع الأحكام فلا دليل فيه على تحريم الصدقة لكنه ورد على سبب الصدقة وقد اتفقوا على أنه لا يخرج السبب وإن اختلفوا هل يخص به أو لا انتهى قلت والظاهر ما ذهب إليه أحمد وأبو حنيفة وغيرهما والله تعالى أعلم
[ 261 ]
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي (وابن أبي رافع هو عبيد الله أبي رافع إلخ) ثقة من الثالثة باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة قوله (عن حفصة بنت سيرين) أم الهذيل الأنصارية البصرية ثقة من الثالثة (عن الرباب) بفتح الراء وتخفيف الموحدة وآخرها موحدة قوله (فإنه) أي التمر (بركة) أي ذو بركة وخير كثير أو أريد به المبالغة قال الطيبي أي فإن الافطار على التمر فيه ثواب كثير وبركة وفيه أنه يرد على عدم حسن المقابلة بقوله فإنه طهور قاله القاري (فإن لم يجد تمرا فالماء) أي فالماء كاف للإفطار أو مجزئ عن أصل السنة (فإنه طهور) أي بالغ في الطهارة فيبتدأ به تفاؤلا بطهارة الظاهر والباطن قال الطيبي لأنه مزيل المانع من أداء العبادة ولذا من الله تعالى على عباده (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) وقال ابن الملك يزيل العطش عن النفس انتهى ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام عند الافطار ذهب الظمأ (الصدقة على المسكين) أي صدقة واحدة (وهي على ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة) يعني أن الصدقة على الأقارب أفضل لأنه خيران ولا شك أنهما أفضل من واحد قوله (وفي الباب عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود وجابر وأبي هريرة) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه البخاري وفيه قال نعم لها أجران أجر القرابة وأجر الصدقة وأما حديث جابر فأخرجه أحمد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم
[ 262 ]
قوله (وحديث سلمان بن عامر حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي ولم يذكر فإنه بركة غير الترمذي وفي رواية أخرى كذا في المشكاة وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح الاسناد كذا في الترغيب (والرباب هي أم الرائح) بالراء والهمزة والحاء المهملة (ابنة صليع) بمهملتين مصغرة باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة قوله (حدثنا محمد بن مدويه) بفتح الميم وتشديد الدال قال الحافظ في التقريب محمد بن أحمد بن الحسين بن مدويه بميم وتسكين الدال المهملة القرشي أبو عبد الرحمن الترمذي صدوق من الحادية عشرة قوله (إن في المال لحقا سوى الزكاة) كفكاك أسير وإطعام مضطر وإنقاذ محترم فهذه حقوق واجبة غيرها لكن وجوبها عارض فلا تدافع بينه وبين خبر ليس في المال حق سوى الزكاة قاله المناوي في شرح الجامع الصغير وقال القاري في المرقاة وذلك مثل أن لا يحرم السائل والمستقرض وأن لا يمنع متاع بيته من المستعير كالقدر والقصعة وغيرهما ولا يمنع أحد الماء والملح والنار كذا ذكره الطيبي وغيره انتهى (ثم تلا هذه الاية إلخ) أي قرأها اعتضادا
[ 263 ]
واستشهادا والاية بتمامها هكذا ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الاخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة قال الطيبي رحمه الله وجه الاستشهاد أنه تعالى ذكر إيتاء المال في هذه الوجوه ثم قفاه بإيتاء الزكاة فدل ذلك على أن في المال حقا سوى الزكاة قيل الحق حقان حق يوجبه الله تعالى على عباده وحق يلتزمه العبد على نفسه الزكية الموقاة من الشح المجبول عليه الانسان انتهى قوله (عن عامر) هو الشعبي الذي وقع في المسند التقدم (هذا حديث إسناده ليس بذاك) والحديث أخرجه أيضا ابن ماجه والدارمي (وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف) قال أحمد متروك الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال البخاري ليس بالقوي عندهم وقال النسائي ليس بثقة كذا في الميزان باب ما جاء في فضل الصدقة قوله (عن سعيد المقبري) هو ابن سعيد كيسان أبو سعد المدني ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين قوله (من طيب) أي من حلال (ولا يقبل الله إلا الطيب) جملة معترضة لتقرير ما قبله
[ 264 ]
وفيه إشارة إلى أن غير الحلال غير مقبول قال القرطبي وإنما لا يقبل الله الصدقة بالحرام لأنه غير مملوك للمصدق وهو ممنوع من التصرف فيه والمتصدق به متصرف فيه فلو قبل منه لزم أن يكون الشئ مأمورا ومنهيا من وجه واحد وهو محال انتهى قوله (إلا أخذها الرحمن بيمينه) وفي حديث عائشة عند البزار فيتلقاها الرحمن بيده قال في اللمعات المراد حسن القبول ووقوعها منه عز وجل موقع الرضا وذكر اليمين للتعظيم والتشريف وكلتا يدي الرحمن يمين انتهى وقال الزبير ابن المنير الكناية عن الرضا والقبول بالتلقي باليمين لتثبت المعاني المعقولة من الأذهان وتحقيقها في النفوس تحقيق المحسوسات أي لا يتشكك في القبول كما لا يتشكك من عاين التلقي للشئ بيمينه لا أن التناول كالتناول المعهود ولا أن المتناول به جارحة انتهى قلت وسيجئ في هذا الباب ما هو الحق في أحاديث الصفات (تربو) أي تزيد (حتى تكون) أي التمرة (فلوه) بفتح الفاء ويضم وبضم اللام وتشديد الواو أي المهر وهو ولد الفرس (أو فصيله) ولابن خزيمة من طريق سعيد بن يسار عن أبي هريرة فلوه أو قال فصيله وهذا يشعر بأن أو للشك قال الحافظ في الفتح قال في القاموس الفصيل ولد الناقه إذا فصل عن أمه جمعه فصلان بالضم والكسر وككتاب وقال في النهاية لارضاع بعد فصال أي بعد أن يفصل الولد عن أمه وبه سمي الفصيل من أولاد الابل فعيل بمعنى مفعول وأكثر من يطلق في الابل وقد يقال في البقر انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وعدي بن حاتم وأنس وعبد الله بن أبي أوفى وحارثة بن وهب وعبد الرحمن بن عوف وبريدة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأما حديث عدي بن حاتم فأخرجه الشيخان وأحمد والترمذي وابن ماجة كذا في شرح سراج أحمد وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فلينظر من أخرجه وأما حديث حارثة بن وهب فأخرجه الشيخان وأحمد والنسائي وأما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه ابن سعد وابن عدي في الكامل والطبراني في الأوسط وأما حديث بريدة فأخرجه مسلم
[ 265 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري أخبرنا موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم أبو سلسة التبوذكي البصري روى عن جرير بن حازم ومهدي ابن ميمون وخلق وروى عنه البخاري وأبو داود وروى الباقون عنه بواسطة الحسن بن الخلال ثقة ثبت قوله (قال شعبان لتعظيم رمضان) أي صوم شعبان ليطابق المبتدأ قال العراقي يعارضه حديث مسلم عن أبي هريرة أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم وحديث أنس ضعيف وحديث أبي هريرة صحيح فيقدم عليه انتهى وقال أبو الطيب السندي ولا يعارضه حديث أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم لجواز أن يكون أفضل الصيام شعبان ولعل المراد بتعظيم رمضان تعظيم صيامه بأن تتعود النفس له لئلا يقل على النفس فتكرهه طبعا ولئلا تخل بآدابه فجأة الصيام انتهى ويأتي باقي الكلام في صوم شعبان في كتاب الصيام قوله (وصدقة بن موسى ليس عندهم بذاك القوى) ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما وقال أبو حاتم يكتب حديثه وليس بقوي كذا في الميزان وقال الحافظ صدوق له أوهام قوله (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا عبد الله بن عيسى الخزاز) بمعجمات ضعيف من التاسعة (عن يونس بن عبيد) أحد الأئمة من رجال الكتب الستة (عن الحسن) هو الحسن البصري
[ 266 ]
قوله (إن الصدقة لطفئ غضب الرب) أي سخطه على من عصاه (وتدفع ميتة السوء) بكسر الميم وهي الحالة التي يكون عليها الانسان في الموت والسوء بفتح السين ويضم قال العراقي الظاهر أن المراد بها ما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم الهدم والتردي والغرق والحرق وأن يتخبطه الشيطان عند الموت وأن يقتل في سبيل الله مدبرا وقال بعضهم هي موت الفجاءة وقيل ميتة الشهرة كالمصلوب مثلا انتهى قوله (كما يربى أحدكم مهره) بضم الميم وسكون الهاء قال في القاموس المهر بالضم ولد الفرس أو أول ما ينتج منه ومن غيره جمعه أمهار ومهار ومهارة والأنثى مهرة (وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات) قال العراقي في هذا تخليط من بعض الرواة والصواب ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة الاية وقد رويناه في كتاب الزكاة ليوسف القاضي على الصواب انتهى قوله (هذا حديث صحيح) وقد صرح بصحته المنذري في الترغيب (وقد روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو هذا) تقدم لفظه وتخريجه
[ 267 ]
قوله (وأمروها بلا كيف) بصيغة الأمر من الامرار أي أجردها على ظاهرها ولا تعرضوا لها بتأويل ولا تحريف بل فوضوا الكيف إلى الله سبحانه وتعالى (وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة) وهو الحق والصواب وقد صنف الحافظ الذهبي في هذا الباب كتابا سماه كتاب العلو للعلي الغفار في إيضاح صحيح الأخبار وسقيمها وهو كتاب مفيد نفيس نافع جدا ذكر في أوله عدة من آيات الاستواء والعلو ثم قال فإن أحببت يا عبد الله الانصاف فقف مع نصوص القرآن والسنة ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الايات وما حكوه من مذاهب السلف إلى أن قال فإننا على اعتقاد صحيح وعقد متين من أن الله تعالى تقدس اسمه لا مثل له وأن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إذ الصفات تابعة للموصوف فنعقل وجود الباري ونميز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نعقل الماهية فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونتعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقلها أو نكيفها أو نمثلها بصفات خلقه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فالاستواء كما قال مالك الامام وجماعة معلوم والكيف مجهول ثم ذكر الذهبي الأحاديث الواردة في العلو واستوعبها مع بيان صحتها وسقمها ثم ذكر بعد سرد الأحاديث أقوال كثير من الأئمة وحاصل الأقوال كلها وهو ما قال إن إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة إلخ ونقل عن الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي ومالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد عن الأحاديث التي فيها الصفات فكلهم قالوا لي أمروها كما جاءت بلا تفسير وإن شئت تفاصيل تلك الأقوال فارجع إلى كتاب العلو قوله (وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات إلخ) قال الحافظ في مقدمة الفتح الجمهية من ينفي صفات الله تعالى التي أثبتها الكتاب والسنة ويقول القران مخلوق (وقالوا هذ تشبيه) وذهبوا إلى وجوب تأويلها (فتأولت الجهمية هذه الايات وفسروها على غير ما فسر أهل العلم) فتفسيرهم هذه الايات ليس إلا تحريفا لها فالحذر الحذر عن تأويلهم وتفسيرهم (وقالوا إن الله
[ 268 ]
لم يخلق ادم بيده وقالوا إنما معنى اليد القوة) فغرضهم من هذا التأويل هو نفي اليد لله تعالى ظنا منهم أنه لو كان له تعالى يد لكان تشبيها ولم يفهموا أن مجرد ثبوت اليد له تعالى ليس بتشبيه (وقال إسحاق بن إبراهيم) هو إسحاق بن راهويه (إنما يكون التشبيه إذا قال يد كيد إلخ) هذا جواب عن قول الجهمية باب ما جاء في حق السائل قوله (عن سعيد بن أبي هند) الفزاري مولاهم ثقة من الثالثة (عن عبد الرحمن بن بجيد) بضم الموحدة وفتح الجيم مصغرا له روية ذكره بعضهم في الصحابة (عن جدته أم بجيد) يقال إن اسمها حواء صحابية قوله (إلا ظلفا) بكسر الظاء المعجمة وإسكان اللام وبالفاء هو للبقر والغنم كالحفر للفرس (محرقا) اسم مفعول من الاحراق وقيد الاحراق مبالغة في رد السائل بأدنى ما يتيسر أي لا ترديه محروما بلا شئ مهما أمكن حتى إن وجدت شيئا حقيرا مثل الظلف المحرق اعطيه إياه وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي اختلف في تأويله فقيل ضربه مثلا للمبالغة كما جاء من بنى مسجدا ولو مثل مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة وقيل إن الظلف المحرق كان له عندهم قدرا بأنهم يسحقونه ويسفونه انتهى
[ 269 ]
قوله (وفي الباب عن علي وحسين بن علي وأبي هريرة وأبي أمامة) أما حديث علي فأخرجه أبو داود بمثل حديث حسين بن علي الاتي وفي سنده رجل مجهول وأما حديث حسين بن علي فأخرجه أيضا أبو داود مرفوعا بلفظ للسائل حق وإن جاء على فرس وإسناده حسن إلا أنه مرسل قال أبو علي بن السكن وأبو القاسم البغوي وغيرهما كل روايات حسين بن علي رضي الله عنه مراسيل فهو مرسل صحابي وجمهور العلماء على الاحتجاج به وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان مرفوعا بلفظ لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة وأما حديث أبي أمامة فلينظر من أخرجه قوله (حديث أم بجيد حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم قال ابن العربي اختلف الناس في المؤلفة قلوبهم هل كانوا مسلمين لكن إسلامهم كان يتوقع عليه الضعف أو الذهاب فأعطوا تثبيتا وقيل بل كانوا كفارا أعطوا استكفاء لشرهم واستعانة للمجاهدين المحاربين بهم وهذا هو الصحيح وعليه تدل الأخبار كلها انتهى قلت في قوله وعليه تدل الأخبار كلها نظر ففي حديث أنس عند مسلم فإني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم الحديث قوله (أخبرنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي أبو زكريا مولى بني أمية ثقة حافظ فاضل من كبار التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين (عن صفوان بن أمية) بن خلف بن وهب القرشي الجمحي المكي صحابي من المؤلفة مات أيام قتل عثمان (يوم حنين) كزبير موضع بين الطائف ومكة
[ 270 ]
قوله (وبهذا أو شبهه) كأن الترمذي لم يضبط لفظ حديث الحسن بن علي ضبطا كاملا فلذلك قال هذا قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه مسلم قلت وفي الباب أيضا عن أنس أخرجه أحمد بإسناد صحيح وعن عمرو بن تغلب أخرجه أحمد والبخاري قال الشوكاني في النيل وفي الباب أحاديث كثيرة قال وقد عد ابن الجوزي أسماء المؤلفة قلوبهم في جزء مفرد فبلغوا نحو الخمسين نفسا انتهى قوله (رواه معمر وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب أو صفوان بن أمية الخ) أي بلفظ إن مكان لفظ عن (وكأن هذا الحديث) أي حديث معمر وغيره بلفظ أن صفوان بن أمية (أصح وأشبه) من حديث يونس بلفظ عن صفوان بن أمية ويونس هذا هو ابن يزيد الأيلي قال الحافظ في التقريب ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قلي (إنما هو سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية) قال ابن العربي في العارضة الصحيح من هذا عن سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية لأن سعيدا لم يسمع من صفوان شيئا وإنما يقول الراوي فلان عن فلان إذا سمع شيئا ولو حديثا واحدا فيحمل سائر الأحاديث التي سمعها من واسطة عنه على العنعنة فأما إذا لم يسمع منه شيئا فلا سبيل إلى أن يحدث عنه لا بعنعنة ولا بغيرها انتهى قوله (فرأى أكثر أهل العلم أن لا يعطوا الخ) قال الزيلعي في نصب الراية روى ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر الشعبي قال إنما كانت المؤلفة
[ 271 ]
على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه انقطعت انتهى قال الحافظ في الدراية في إسناده جابر الجعفي وأخرجه الطبراني وأخرجه عن الحسن نحوه وروى الطبراني من طريق حبان بن أبي جبلة أن عمر لما أتاه شيبة بن حصين قال الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر يعني ليس اليوم مؤلفة (وقال بعضهم من كان اليوم على مثل هؤلاء ورأى الامام أن يتألفهم على الاسلام فأعطاهم جاز ذلك وهو قول الشافعي) قال ابن العربي قال قوم إذا احتاج الامام إلى ذلك الان فعله وهو الصحيح عندي وبه قال الشافعي وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا فكل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم لحكمة وحاجة وسبب فوجب أن السبب والحاجة إذا ارتفعت أي يرتفع الحكم وإذا عادت أن يعود ذلك انتهى وقال الشوكاني في النيل والظاهر جواز التأليف عند الحاجة إليه فإذا كان في زمن الامام قوم لا يطيعونه إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الاسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة إنتهى باب المتصدق يرث صدقته قوله (قال وجب أجرك) أي بالصلة (وردها عليك الميراث) النسبة مجازية أي رد الله الجارية عليك بالميراث وصارت الجارية ملكا لك بالإرث وعادت إليك بالوجه الحلال والمعنى أنه ليس هذا من باب العود في الصدقة لأنه ليس أمرا إختياريا قال ابن الملك أكثر العلماء
[ 272 ]
على أن الشخص إذا تصدق بصدقة على قريبه ثم ورثها حلت له وقيل يجب صرفها إلى فقير لأنها صارت حقا لله تعالى انتهى وهذا تعليل في معرض النص فلا يعقل كذا في المرقاة قوله (صومي عنها) قال الطيبي جوز أحمد أن يصوم الولي عن الميت ما كان عليه من قضاء رمضان أو نذر أو كفارة بهذا ولم يجوز مالك والشافعي وأبو حنيفة انتهى بل يطعم عنه وليه لكل يوم صاعا من شعير أو نصف صاع من بر عند أبي حنيفة وكذا لكل صلاة وقيل لصلوات كل يوم كذا في المرقاة قلت ما قال أحمد هو ظاهر الحديث ويجئ تحقيق هذه المسألة في موضعها قوله (قال نعم حجى عنها) أي سواء وجب عليها أم لا أوصت به أم لا قال ابن الملك يجوز أن يحج أحد عن الميت بالإنفاق (وعبد الله بن عطاء ثقة عند أهل الحديث) ذكره ابن حبان في الثقات وقال الدوري عن ابن معين عبد الله بن عطاء صاحب ابن بريدة ثقة كذا هو في تاريخ الدوري رواية أبي سعيد بن الأعرابي عنه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وقال بعضهم إنما الصدقة شئ جعلها الله فإذا ورثها فيجب أن يصرفها في مثله) قول هذا البعض تعليل في معرض النص فلا يلتفت إليه والحق هو ما ذهب إليه أكثر أهل العلم
[ 273 ]
باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة قوله (حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني) بسكون الميم الكوفي أبو القاسم صدوق من صغار العاشرة (أنه حمل على فرس في سبيل الله) المراد أنه ملكه إياه ولذلك ساغ له بيعه ومنهم من قال كان عمر قد حبسه وإنما ساغ للرجل بيعه لأنه حصل فيه هزال عجز بسببه عن اللحاق بالخيل وضعف عن ذلك وانتهى إلى عدم الانتفاع به ويرجح الأول قوله (لا تعد في صدقتك) ولو كان حبسا لعلة به كذا في النيل قوله (ولا تعد في صدقتك) زاد الشيخان في رواية وإن أعطاك بدرهم فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه قال ابن الملك ذهب بعض العلماء إلى أن شراء المتصدق صدقته حرام لظاهر الحديث والأكثرون على أنها كراهة تنزيه لكون القبح فيه لغيره وهو أن المتصدق عليه ربما يسامح المتصدق في الثمن بسبب تقدم إحسانه فيكون كالعائد في صدقته في ذلك المقدار الذي سومح انتهى فإن قلت هذا الحديث يعارضه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا لا تحل الصدقة إلا لخمسة لعامل عليها أو رجل إشتراها بماله الحديث فكيف الجمع بينهما قلت جمع بينهما مجمل حديث الباب على كراهة التنزيه وقال الشوكاني الظاهر أنه لا معارضة بين هذين الحديثين فإن حديث عمر في صدقة التطوع وحديث أبي سعيد في صدقة الفريضة فيكون الشراء جائزا في صدقة الفريضة لأنه لا يتصور الرجوع فيها حتى يكون الشراء مشبها له بخلاف صدقة التطوع فإنه يتصور الرجوع فيها فكره ما يشبهه وهو الشراء انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
[ 274 ]
باب ما جاء في الصدقة عن الميت قوله (أفينفعها إن تصدقت عنها) بكسر الهمزة على أنها شرطية وفاعل ينفع ضمير راجع إلى التصدق المفهوم من الشرط ولا يلزم الاضمار قبل الذكر لأن قوله أفينفعها في معنى جزاء الشرط فكأنه متأخر عن الشرط رتبة أو يقال إن المرجع متقدم حكما لأن سوق الكلام دال عليه كما في قوله تعالى (ولأبويه لكل واحد منهما السدس) أي أبوي الميت قاله أبو الطيب السندي قوله (فان لي مخرفا) بفتح الميم الحديقة من النخل أو العنب أو غيرهما (فأشهدك) بصيغة المتكلم من الاشهاد (به) أي بالمخرف (عنها) أي عن أمي قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي قوله (وبه يقول أهل العلم يقولون ليس شئ يصل إلى الميت إلا الصدقة والدعاء) أي وصول نفعهما إلى الميت مجمع عليه لا اختلاف بين علماء أهل السنة والجماعة واختلف في العبادات البدنية كالصوم والصلاة وقراءة القرآن قال القاري في شرح الفقه الأكبر ذهب أبو حنيفة وأحمد وجمهور السلف رحمهما الله إلى وصولها والمشهور من مذهب الشافعي ومالك عدم وصولها انتهى وقال في المرقاة قال السيوطي في شرح الصدور إختلف في وصول ثواب القرآن للميت فجمهور السلف والأئمة الثلاثة على الوصول وخالف في ذلك إمامنا الشافعي مستدلا بقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأجاب الأولون عن الاية بأوجه :
[ 275 ]
أحدها إنها منسوخة بقوله تعالى والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الاية أدخل الأبناء الجنة بصلاح الاباء الثاني أنها خاصة بقوم إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام فأما هذه الأمة فلها ما سعت وما سعى لها قاله عكرمة الثالث أن المراد بالإنسان هنا الكافر فأما المؤمن فله ما سعى وسعى له قاله الربيع بن أنس الرابع ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء قاله الحسين بن فضل الخامس أن اللام في الانسان بمعنى على أي ليس على الانسان إلا ما سعى وإستدلوا على الوصول بالقياس على الدعاء والصدقة والصوم والحج والعتق فإنه لا فرق في نقل الثواب بين أن يكون عن حج أو صدقة أو وقف أو دعاء أو قراءة وبما أخرج أبو محمد السمرقندي في فضائل قل هو الله أحد عن علي مرفوعا من مر على المقابر وقرأ قل هو الله أحد إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات وبما أخرج أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في فوائده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من دخل المقابر ثم قرأ فاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وألهاكم التكاثر ثم قال إني جعلت ثواب ما قرأت من كلامك لأهل المقابر من المؤمنين والمؤمنات كانوا شفعاء له إلى الله تعالى وبما أخرج صاحب الخلال بسنده عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم وكان له بعدد من فيها حسنات وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة فمجموعها يدل على أن لذلك أصلا وأن المسلمين ما زالوا في كل مصر وعصر يجتمعون ويقرأون لموتاهم من غير نكير فكان ذلك إجماعا ذكر ذلك كله الحافظ شمس الدين بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي في جزء ألفه في المسألة انتهى ما في المرقاة بتقديم وتأخير قلت قوله فمجموعها يدل على أن لذلك أصلا فيه تأمل فلينظر هل يدل مجموعها على أن لذلك أصلا أم لا وليس كل مجموع من عدة أحاديث ضعاف يدل على أن لها أصلا فأما قوله وأن المسلمين ما زالوا في كل مصر وعصر يجتمعون ويقرأون لموتاهم ففيه نظر ظاهر فإنه لم يثبت عن السلف الصالحين رضي الله عنهم اجتماعهم وقراءتهم لموتاهم ومن يدعي ثبوته فعليه البيان بالإسناد الصحيح وقال الشوكاني في النيل والحق أنه يخصص عموم الاية يعني آية ليس للإنسان إلا ما سعى بالصدقة من الولد وبالحج من الولد ومن غير الولد أيضا وبالعتق من الولد لما ورد في هذا كله من الحديث وبالصلاة من الولد أيضا لما روى
[ 276 ]
الدارقطني أن رجلا قال يا رسول الله إنه كان لي أبوان أبرهما في حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما فقال صلى الله عليه وسلم إن من البر أن تصلي لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك قال وبالصيام من الولد لهذا الحديث ولحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم أن امرأة قالت يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يودي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي ومن غير الولد لحديث من مات وعليه صيام صام عنه وليه متفق عليه من حديث عائشة قال وبقراءة يس من الولد وغيره لحديث إقرأوا على موتاكم يس قال وبالدعاء من الولد وغيره لحديث أو ولد صالح يدعو له ولحديث أستغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت ولغير ذلك من الأحاديث وبجميع ما يفعله الولد لوالديه من أعمال البر لحديث ولد الانسان من سعيه وقد قيل إنه يقاس على هذه المواضع التي وردت بها الأدلة غيرها فيلحق الميت كل شئ فعله غيره هذا تلخيص ما قاله الشوكاني في النيل قلت وحديث الدارقطني الذي ذكره الشوكاني ضعيف لا يصلح للاحتجاج وذكره مسلم في مقدمة صحيحه وذكر وجه ضعفه باب ما جاء في نفقة المرأة من بيت زوجها قوله (لا تنفق) نفي وقيل نهى (إلا بإذن زوجها) أي صريحا أو دلالة (قال ذلك أفضل أموالنا) يعني فإذا لم تجز الصدقة بما هو أقل قدرا من الطعام بغير إذن الزوج فكيف تجوز بالطعام الذي هو أفضل قوله (وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص) أخرجه أبو داود بلفظ قال لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر فقالت يا نبي الله أنأكل على ابائنا
[ 277 ]
وأزواجنا ما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه (وأسماء بنت أبي بكر) أخرجه عبد الرزاق بلفظ أن أسماء بنت أبي بكر قالت ما لي شئ إلا ما يدخل على الزبير فأتصدق منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنفقي ولا توكي فيوكى عليك (وأبي هريرة) أخرجه الشيخان مرفوعا بلفظ إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فلها نصف أجره (وعبد الله بن عمرو) لينظر من أخرجه (وعائشة) أخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب قوله (حديث أبي أمامة حديث حسن) في سنده إسماعيل بن عياش الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم وقد روى هذا الحديث عن شرحبيل بن مسلم الخولاني وهو من أهل بلده فإنه شامي قال في التقريب في ترجمته صدوق فيه لين وقال في الخلاصة وثقه العجلي وأحمد وضعفه ابن معين قوله (إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها) أي بطيب نفس غير مفسدة كما في الرواية الاتية وفي رواية للبخاري من طعام بيتها قوله (وللخازن) أي الذي كانت النفقة بيده (له بما كسب) أي للزوج بسبب كسبه وتحصيله (ولها بما أنفقت) أي وللزوجة بسبب إنفاقها قال محي السنة عامة العلماء على أنه لا يجوز لها التصدق من مال زوجها بغير إذنه وكذا الخادم والحديث الدال على الجواز أخرج على عادة أهل الحجاز يطلقون الأمر للأهل والخادم في التصدق والإنفاق عند حضور السائل ونزول الضيف كما قال عليه الصلاة والسلام لا توعي فيوعى الله عليك انتهى قوله (هذا حديث حسن وأخرجه البخاري ومسلم)
[ 278 ]
قوله (إذا أعطت المرأة من بيت زوجها) أي أنفقت وتصدقت (غير مفسدة) نصب على الحال أي غير مسرفة في التصدق وهذا محمول على إذن الزوج لها بذلك صريحا أو دلالة وقيل هذا جار على عادة أهل الحجاز فإن عاداتهم أن يأذنوا لزوجاتهم وخدمهم بأن يضيفوا الأضياف ويطعموا السائل والمسكين والجيران فحرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على هذه العادة الحسنة والخصلة المستحسنة كذا في المرقاة (فإن لها مثل أجره) أي للمرأة مثل أجر الزوج (لها ما نوت حسنا) حال من الموصولة في قوله ما نوت كذا في بعض الحواشي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وهو أصح من حديث عمرو بن مرة عن أبي وائل) أي حديث منصور عن أبي وائل بذكر مسروق أصح من حديث عمرو بن مرة عن أبي وائل بدون ذكر مسروق فإنه قد تابع منصورا الأعمش في ذكر مسروق كما في صحيح البخاري باب ما جاء في صدقة الفطر أي من رمضان فأضيفت الصدقة للفطر لكونها تجب بالفطر منه ويقال لها زكاة الفطر وزكاة رمضان وزكاة الصوم وكان فرضها في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان قبل العيد بيومين قاله القسطلاني
[ 279 ]
قوله (صاعا من طعام أو صاعا من تمر) ظاهره المغايرة بين الطعام وبين ما ذكر بعده وقد حكى الخطابي أن المراد بالطعام هنا الحنطة وأنه اسم خاص له قال هو وغيره قد كانت لفظة الطعام تستعمل في الحنطة عند الاطلاق حتى إذا قيل اذهب إلى سوق الطعام فهم منه سوق القمح وإذا غلب العرف نزل اللفظ عليه قال الحافظ في الفتح وقد رد ذلك ابن المنذر وقال ظن بعض أصحابنا أن قوله في حديث أبي سعيد صاعا من طعام حجة لمن قال صاع من حنطة وهذا غلط منه وذلك أن أبا سعيد أجمل الطعام ثم فسره ثم أورد طريق حفص بن ميسرة عند البخاري وغيره إن أبا سعيد قال كنا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام قال أبو سعيد وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر وهي ظاهرة فيما قال قال الحافظ وأخرج ابن خزيمة من طريق فضيل ابن غزوان عن نافع عن ابن عمر قال لم تكن الصدقة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا التمر والزبيب والشعير ولم تكن الحنطة ولمسلم من وجه اخر عن عياض عن أبي سعيد كنا نخرج من ثلاثة أصناف صاعا من تمر أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير وكأنه سكت عن الزبيب في هذه الرواية لقلته بالنسبة إلى الثلاثة المذكورة وهذه الطرق كلها تدل على أن المراد بالطعام في حديث أبي سعيد غير الحنطة انتهى وقال القاري في المرقاة قال علماؤنا المراد بالطعام المعنى العام فيكون عطف ما بعده عليه من باب عطف الخاص على العام انتهى (أو صاعا من زبيب) أي عنب يابس قال في الصراح زبيب مويز زبيبة يكي يقال زبب فلان عنبه تزبيبا (أو صاعا من أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف قال في النهاية هو لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به (حتى قدم معاوية المدينة) وفي رواية مسلم حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر وفي رواية ابن خزيمة وهو يومئذ خليفة (من سمراء الشام) أي القمح الشامي (فأخذ الناس بذلك) المراد بالناس الصحابة رضي الله عنهم (قال أبو سعيد فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه) وفي رواية لمسلم فأنكر ذلك أبو سعيد وقال لا أخرج إلا ما كنت أخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة في كتبهم مختصرا ومطولا
[ 280 ]
قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون من كل شئ صاعا) أي من بر كان أو من غيره (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر صاعا من طعام والبر مما يطلق عليه اسم الطعام إن لم يكن غالبا فيه كما تقدم وتفسيره بغير البر إنما هو لما تقدم من أنه لم يكن معهودا عندهم فلا يجزئ دون الصاع منه وإليه ذهب أبو سعيد رضي الله عنه وأبو العالية وأبو الشعثاء والحسن البصري وجابر بن زيد والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق كذا في النيل واستدل لهم أيضا بأن الأشياء التي ثبت ذكرها في حديث أبي سعيد لما كانت متساوية في مقدار ما يخرج منها مع تخالفها في القيمة دل على أن المراد إخراج هذا المقدار من أي جنس كان فلا فرق بين الحنطة وغيرها قلت قولهم هذا هو الأحوط عندي والله تعالى أعلم تنبيه إعلم أن الصاع صاعان حجازي وعراقي فالصاع الحجازي خمسة أرطال وثلث رطل والعراقي ثمانية أرطال وإنما يقال له العراقي لأنه كان مستعملا في بلاد العراق مثل الكوفة وغيرها وهو الذي يقال له الصاع الحجاجي لأنه أبرزه الحجاج الوالي وأما الصاع الحجازي فكان مستعملا في بلاد الحجاز وهو الصاع الذي كان مستعملا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبه كانوا يخرجون صدقة الفطر في عهده صلى الله عليه وسلم وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف والجمهور وهو الحق وقال الامام أبو حنيفة رحمه الله بالصاع العراقي وكان أبو يوسف يقول بقوله فلما دخل المدينة وناظر الامام مالكا رجع عن قوله وقال بقول الجمهور وقد بسطنا الكلام في هذا باب صدقة الزرع والتمر والحبوب قوله (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من كل شئ صاع إلا من البر فإنه يجزئ نصف صاع وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة) وهو قول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم قال الحافظ في الدراية منهم أبو بكر رضي الله عنه عند عبد الرزاق من طريق أبي قلابة عن أبي بكر أنه أخرج زكاة الفطر مدين من حنطة وهو منقطع ومنهم عمر رضي الله عنه عند أبي داود والنسائي من طريق عبد العزيز أبي داود عن
[ 281 ]
نافع وفيه فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل نصف صاع حنطة ومنهم عثمان أخرجه الطحاوي وفيه نصف صاع بر ومنهم علي ومنهم ابن الزبير أخرجه عبد الرزاق وفيه مدان من قمح وعن ابن عباس وجابر وابن مسعود نحوه وعن أبي هريرة نحوه أخرجه عبد الرزاق أيضا انتهى وقال في فتح الباري قال ابن المنذر لا نعلم في القمح خبرا ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه ولم يكن البر بالمدينة في ذلك الوقت إلا الشئ اليسير فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاع منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة فغير جائز أن يعدل عن قولهم إلا إلى قول مثلهم ثم أسند عن عثمان وعلي وأبي هريرة وجابر وابن عباس وابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر بأسانيد صحيحة أنهم رأوا أن في زكاة الفطر نصف صاع من قمح انتهى واستدل لمن قال بنصف صاع من البر بأحاديث كلها ضعيفة ذكر الترمذي بعضا منها وأشار إلى بعضها قال الشوكاني في النيل ويمكن أن يقال إن البر على تسليم دخوله تحت لفظ الطعام مخصص بأحاديث نصف الصاع من البر وهذه الأحاديث بمجموعها تنتهض للتخصيص انتهى محصلا قوله (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم أوله وسكون الكاف وفتح المهملة العمى أبو عبد الله البصري الحافظ قال أبو داود ثقة (أخبرنا سالم بن نوح) صدوق له أوهام كذا في التقريب قوله (في فجاج مكة) جمع فج وهو الطريق الواسع قوله (مدان من قمح) أي هي مدان من حنطة فهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوف (أو سواه) أي سوى القمح وأو للتخيير أو للتنويع (من طعام) بيان لقوله سواه قوله (هذا حديث غريب حسن) قال الزيلعي في نصب الراية وأعله ابن الجوزي في
[ 282 ]
التحقيق بسالم بن نوح قال ابن معين ليس بشئ وتعقبه صاحب التنقيح فقال هو صدوق روى له مسلم في صحيحه وقال أبو زرعة صدوق ثقة ووثقه ابن حبان وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني فيه شئ وقال ابن عدي عنده غريب وأفراد وأحاديثه مقاربة مختلفة انتهى وقال الحافظ في الدراية ورواه الدارقطني من وجه آخر عن عمرو بن شعيب وقد اختلف فيه على عمرو فقيل عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل عنه بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر) فيه دليل على أن صدقة الفطر من الفرائض وقد نقل الحافظ بن المنذر وغيره الاجماع على ذلك ولكن الحنفية يقولون بالوجوب دون الفريضة على قاعدتهم في التفرقة بين الفرض والواجب قالوا إذ لا دليل قاطع تثبت به الفرضية قال الحافظ بن حجر وفي نقل الاجماع نظر لأن إبراهيم بن علية وأبا بكر بن كيسان الأصم قالا إن وجوبها نسخ ونقل المالكية عن أشهب أنها سنة مؤكدة وهو قول بعض أهل الظاهر وابن اللبان من الشافعية انتهى وقال النووي إختلف الناس في معنى فرض ههنا فقال جمهورهم من السلف والخلف معناه ألزم وأوجب فزكاة الفطر فرض واجب عندهم لدخولها في عموم قوله تعالى (وآتوا الزكاة) ولقوله فرض وهو غالب في استعمال الشرع وقال إسحاق بن راهويه إيجاب زكاة الفطر كالإجماع انتهى قوله (قال فعدل الناس إلى نصف صاع من بر) قيل المراد من الناس الصحابة رضي الله عنهم فيكون إجماعا قال الحافظ في الفتح لكن حديث أبي سعيد دال على أنه لم يوافق على ذلك وكذلك ابن عمر فلا إجماع في المسألة انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي في أول الباب (وابن عباس) أخرجه أبو داود والنسائي عنه قال في آخر رمضان أخرجوا صدقة صومكم فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الصدقة صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى صغير أو كبير وهو من رواية الحسن عن ابن عباس والحسن لم يسمع عن
[ 283 ]
ابن عباس وله طرق أخرى كلها ضعيفة قد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما للهداية (وجد الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب) لينظر من أخرجه (وثعلبة بن أبي صعير) بالتصغير أخرج أبو داود عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صاع من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو عبد ذكر أو أنثى أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما أعطاه وفي سنده ومتنه اختلاف قد بسطه الحافظ الزيلعي في نصب الراية (وعبد الله بن عمرو) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى) قال النووي فيه دليل على أنها على أهل القرى والأمصار والبوادي في الشعاب وكل مسلم حيث كان وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وجماهير العلماء وعن عطاء والزهري وربيعة والليث أنها لا تجب إلا على أهل الأمصار والقرى دون البوادي قال وفيه دليل للشافعي والجمهور في أنها تجب على من ملك فاضلا عن قوته وقوت عياله يوم العيد وقال أبو حنيفة لا تجب على من يحل له أخذ الزكاة وعندنا أنه لو ملك من الفطرة المعجلة فاضلا عن قوته ليلة العيد ويومه لزمته الفطرة عن نفسه وعياله وعن مالك وأصحابه في ذلك خلاف قال وفيه حجة للكوفيين في أنها تجب على الزوجة في نفسها ويلزمها إخراجها من مالها وعند مالك والشافعي والجمهور يلزم الزوج فطرة زوجته لأنها تابعة للنفقة وأجابوا عن الحديث بمثل ما أجيب لداود في فطرة العبد انتهى كلام النووي قوله (من المسلمين) قال النووي هذا صريح في أنها لا تخرج إلا عن مسلم ولا يلزمه من عبده وزوجته وولدة ووالده الكفار وإن وجبت عليه نفقتهم وهذا مذهب الشافعي وجماهير العلماء وقال الكوفيون وإسحاق وبعض السلف تجب عن العبد الكافر وتأول الطحاوي على أن المراد بقوله من المسلمين السادة دون العبيد وهذا يرده ظاهر الحديث انتهى
[ 284 ]
قوله (ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكروا فيه من المسلمين) قال النووي قال الترمذي وغيره وهذه اللفظة انفرد بها مالك دون سائر أصحاب نافع وليس كما قالوا ولم ينفرد بها مالك بل وافقه فيها ثقتان وهما الضحاك بن عثمان وعمر بن نافع أخبرنا الضحاك ذكره مسلم وأما عمر ففي البخاري انتهى قوله (وهو قول مالك والشافعي وأحمد) وهو قول الجمهور كما قال الحافظ في فتح الباري وحجتهم قول من المسلمين وهي زيادة صحيحة قوله (وهو قول الثوري وابن المبارك وإسحاق) واستدلوا بعموم حديث ليس على المسلم في عبده صدقة إلا صدقة الفطر وأجاب الاخرون بأن الخاص يقضي على العام فعموم قوله في عبده مخصوص بقوله من المسلمين كذا في الفتح باب ما جاء في تقديمها قبل الصلاة قوله (عن ابن أبي الزناد) اسمه عبد الرحمن المدني مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها من السابعة (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي مولى آل الزبير ثقة فقيه إمام في المغازي من الخامسة لم يصح أن ابن معين لينه (كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو للصلاة يوم الفطر) الغدو المشي أول النهار أي قبل خروج الناس للصلاة وبعد صلاة الفجر
[ 285 ]
قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن يؤدي قبل خروج الناس للصلاة وبعد صلاة الفجر قوله (وهو الذي يستحبه أهل العلم الخ) قال ابن عيينة في تفسيره عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال يقدم الرجل زكاته يوم الفطر بين يدي صلاته فإن الله يقول (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) ولابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الاية فقال نزلت في زكاة الفطر كذا في فتح الباري وفي صحيح البخاري وكان ابن عمر يعطيها للذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين قال البخاري كانوا يعطون ليجمع لا للفقراء وفي موطأ الأمام مالك عن نافع أن ابن عمر كان يبعث زكاة الفطر إلى الذي يجمع قبل الفطر بيومين أو ثلاثة قال الحافظ في الفتح وأخرجه الشافعي عنه وقال هذا حسن وأنا أسحبه يعني تعجيلها قبل يوم الفطر انتهى ويدل على ذلك أيضا ما أخرجه البخاري في الوكالة وغيرها عن أبي هريرة قال وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان الحديث وفيه أنه أمسك الشيطان ثلاث ليال وهو يأخذ من التمر فدل على أنهم كانوا يعجلونها وعكسه الجوزقي فاستدل به على جواز تأخيرها عن يوم الفطر وهو محتمل للأمرين انتهى قلت أثر ابن عمر رضي الله عنه إنما يدل على جواز إعطاء صدقة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين ليجمع لا للفقراء كما قال البخاري رحمه الله وكذلك حديث أبي هريرة وأما إعطاؤها قبل الفطر بيوم أو يومين للفقراء فلم يقم عليه دليل والله أعلم باب ما جاء في تعجيل الزكاة قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي والبخاري في غير الصحيح مات سنة خمس وخمسين ومائتين (عن سعيد بن منصور) بن شعبة
[ 286 ]
الخراساني نزيل مكة ثقة مصنف وكان لا يرجع عما في كتابه لشدة وثوبه به كان حافظا جوالا صنف السنن جمع فيها ما لم يجمعه غيره مات سنة 722 سبع وعشرين ومائتين (عن الحكم بن عتيبة) بالمثناة ثم الموحدة مصغرا الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة (عن حجية) بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وتشديد التحتانية بوزن علية (بن عدي) الكندي قال الحافظ في التقريب صدوق يخطئ من الثالثة وقال الذهبي في الميزان حجية بن عدي الكندي عن علي قال أبو حاتم شبه مجهول لا يحتج به قلت روى عنه الحكم وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق وهو صدوق إن شاء الله قد قال فيه العجلي ثقة انتهى قوله (قبل أن تحل) أي قبل أن يجئ وقتها من حلول الأجل مجيئه كذا في بعض الحواشي وقال في مجمع البحار قبل أن يحل بكسر الحاء من الحلال أو من حلول الدين أي يجب وقال القاري في المرقاة قبل أن تحل بكسر الحاء أي تجب الزكاة وقيل قبل أن تصير حالا بمعنى الحول (فرخص له) أي للعباس وفيه دليل على جواز تعجيل الصدقة قبل الحول قوله (عن الحكم بن جحل) بفتح الجيم وسكون المهملة الأزدي البصري ثقة من السادسة (عن حجر العدوي) قال الحافظ في التقريب قيل هو حجية بن عدي وإلا فمجهول من الثالثة قوله (إنا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام) المعنى إنا قد أخذنا زكاته العام الأول لهذا العام وروى أبو داود الطيالسي من حديث أبي رافع بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر إنا كنا تعجلنا صدقة مال العباس رضي الله عنه عام أول كذا في التلخيص وفيه أيضا دليل على جواز تعجيل الصدقة
[ 287 ]
قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه الدارقطني عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر ساعيا فأتى العباس فأغلظ له فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن العباس قد أسلفنا زكاة ماله العام والعام المقبل وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا هو والطبراني من حديث أبي رافع نحو هذا وإسناده ضعيف أيضا ومن حديث أبن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين وفي سنده محمد بن ذكوان وهو ضعيف قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الروايات وليس ثبوت هذه القصة في تعجيل صدقة العباس ببعيد في النظر بمجموع هذه الطرق والله أعلم انتهى قوله (وقد روي هذا الحديث عن الحكم بن عتيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل) أي وهو مرسل ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الحكم ورجح رواية منصور عن الحسن بن مسلم بن يناق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وكذا رجحه أبو داود وكذا في التلخيص قوله (فرأى طائفة من أهل العلم أن لا يعجلها) وهو قول مالك قال الزكاة إسقاط الواجب ولا إسقاط قبل الوجوب وصار كالصلاة قبل الوقت بجامع أنه أداء قبل السبب إذ السبب هو النصاب الحولي ولم يوجد قال ابن الهمام في جوابه قلنا لا نسلم اعتبار الزائد على مجرد النصاب جزءا من السبب بل هو النصاب فقط والحول تأجيل في الأداء بعد أصل الوجوب فهو كالدين المؤجل وتعجيل المؤجل صحيح فالأداء بعد النصاب كالصلاة في أول الوقت لا قبله وكصوم المسافر رمضان لأنه بعد السبب ويدل على صحة هذا الاعتبار ما في أبو داود والترمذي من حديث علي أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل زكاته الحديث قوله (وقال أكثر أهل العلم إن عجلها قبل محلها أجزأت عنه وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية وهو الحق واستدلوا بحديث الباب وبحديث أبي هريرة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة فقيل منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس عم
[ 288 ]
النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه وأما العباس فهي علي ومثلها معي رواه مسلم قال النووي قوله فهي علي ومثلها معها معناه أني تسلفت منه زكاة عامين وقال الذين لا يجوزون تعجيل الزكاة معناه أنا أؤديها عنه قال أبو عبيدة وغيره معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها عن العباس إلى وقت يساره من أجل حاجته إليها والصواب أن معناه تعجلتها منه وقد جاء في حديث آخر في غير مسلم إنا تعجلنا منه صدفة عامين انتهى كلام النووي قلت أشار النووي إلى ما رواه الطبراني والبزار من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عامين وفي إسناده محمد بن ذكوان وهو ضعيف ورواه البزار من حديث موسى بن طلحة عن أبيه نحوه وفي إسناده الحسن بن عمارة وهو متروك ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس وفي إسناده مندل بن علي والعزرمي وهما ضعيفان والصواب أنه مرسل باب ما جاء في النهي عن المسألة أي السؤال قوله (عن بيان بن بشر) الأحمصي الكوفي أبي بشر الكوفي ثقة ثبت من الخامسة (عن قيس بن أبي حازم) البجلي الكوفي ثقة من الثانية مخضرم (لأن يغدو أحدكم) بفتح اللام والغدو السير في أول النهار وغالب الخطابين يخرجون كذلك ويطلق على مطلق السير إطلاقا شائعا فيمكن حمله على الحقيقة وعلى المجاز الشائع (فيحتطب) بالنصب عطف على يغدو أي يجمع الحطب (على ظهره) متعلق بمقدر هو حال مقدرة أي حاملا على ظهره أي مقدرا حمله على ظهره إذ لا حمل حال الجمع بل بعده وإنما حال الجمع بل بعده وإنما حال الجمع تقدير الحمل (فيتصدق منه ويستغني به) عطف على الفعل السابق وأن مع مدخولاتها مبتدأ خبره قوله خير أي ما يلحقه مشقة الغدو والاحتطاب وتصدق والاستغناء به خير من ذل السؤال قاله أبو الطيب السندي (فإن اليد العليا خير من اليد السفلى) اليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو على المنبر وذكر الصدقة والتعفف والمسألة اليد العليا خير من اليد
[ 289 ]
السفلى فاليد العليا هي المنفقة والسفلى السائلة وذكر الحافظ في الفتح أحاديث في هذا ثم قال فهذه الأحاديث متضافرة على أن اليد العليا هي المنفقة معطية وأن السفلى هي السائلة وهذا هو المعتمد وهو قول الجمهور (وابدأ بمن تعول) خطاب للمنفق أي ابدأ في الاتفاق بمن تمون ويلزمك نفقته من عيالك فإن فضل شئ فلغيرهم قوله (وفي الباب عن حكيم بن حزام وأبي سعيد الخدري والزبير بن العوام وعطية السعدي وعبد الله بن مسعود ومسعود بن عمرو وابن عباس وثوبان وزياد بن الحارث الصدائي وأنس وحبشي بن جنادة وقبيصة بن مخارق وسمرة وابن عمر) أما حديث حكيم بن حزام أخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أيضا البخاري ومسلم وأما حديث الزبير بن العوام فأخرجه البخاري وأما حديث عطية السعدي فلينظر من أخرجه وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الترمذي وأبو داود وعنه حديث آخر أخرجه أبو يعلى والغالب على روايته التوثيق ورواه الحاكم وصحح إسناده كذا في الترغيب وأما حديث مسعود بن عمرو فأخرجه البيهقي وأما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا البيهقي وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد والبزار والطبراني وأما حديث زياد بن الحارث فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود والبيهقي مطولا والترمذي والنسائي مختصرا وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه الترمذي وأما حديث قبيصة بن مخارق فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث سمرة فأخرجه الترمذي وأبو داود وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب والترهيب ومن شاء الوقوف على ألفاظ هذه الأحاديث التي أشار إليها الترمذي فليرجع إلى الترغيب قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
[ 290 ]
قوله (عن عبد الملك بن عمير) بن سويد اللخمي الكوفي ثقة فقيه تغير حفظه وربما دلس من الثالثة (عن زيد بن عقبة) الفزاري الكوفي ثقة من الثالثة (إن المسألة كد يكد بها الرجل وجهه) قال في النهاية الكد الاتعاب يقال كد يكد في عمله إذا استعجل وتعب وأراد بالوجه ماءه ورونقه انتهى وقال السيوطي في قوت المغتذي كد بفتح الكاف وتشديد الدال المهملة وفي رواية أبي داود كدوح بضم الكاف والدال وحاء مهملة وقد ذكر اللفظين معا أبو موسى المديني في ذيله على الغريبين وفسر الكدوح بالخدوش في الوجه والكد بالتعب والنصب قال العراقي ويجوز أن يكون الكدح بمعنى الكد من قوله تعالى إنك كادح وهو السعي والحرص انتهى ما في قوت المغتذي (إلا أن يسأل الرجل سلطانا) وفي رواية أبي داود إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أي ذا حكم وسلطنة بيده بيت المال فيسأل حقه فيعطيه منه إن كان مستحقا قال الخطابي أي ولو مع الغناء فسأله حقه من بيت المال لأن السؤال مع الحاجة دخل في قوله أو في أمر لا بد منه انتهى (أو في أمر لا بد منه) كما في الحمالة والجائحة والفاقة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي
[ 291 ]
أبواب الصوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في فضل شهر رمضان قوله (صفدت) قال الحافظ في الفتح بالمهملة المضمومة بعدها فاء ثقيلة مكسورة أي شدت بالأصفاء وهي الأغلال وهو بمعنى سلسلت (الشياطين) وفي رواية النسائي من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة بلفظ وتغل فيه مردة الشياطين (ومردة الجن) جمع ما رد كطلبة وجهلة وهو المتجرد للشر ومنه الأمرد لتجرده من الشعر وهو تخصيص بعد تعميم أو عطف تفسير وبيان كالتتميم وقيل الحكمة في تقييد الشياطين وتصفيدهم كيلا يوسوسوا في الصائمين وأمارة ذلك تنزه أكثر المنهمكين في الطغيان عن المعاصي ورجوعهم بالتوبة إلى الله تعالى وأما ما يوجد خلاف ذلك في بعضهم فإنها تأثيرات من تسويلات الشياطين أغرقت في عمق تلك النفوس الشريرة وباضت في رؤوسها وقيل قد خص من عموم صفدت الشياطين زعيم زمرتهم وصاحب دعوتهم لكان الانظار الذي سأله من الله فأجيب إليه فيقع ما يقع من المعاصي بتسويله وإغوائه ويمكن أن يكون التقييد كناية عن ضعفهم في الاغواء والإضلال كذا في المرقاة قال الحافظ في الفتح قال عياض يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين ويحتمل أن
[ 292 ]
يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغوائهم فيصيرون كالمصفدين قال ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية عند مسلم فتحت أبواب الرحمة قال ويحتمل أن يكون فتح الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الايلة بأصحابها إلى النار وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الاغواء وتزيين الشهوات قال الزبير بن المنير والأول أوجه ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمن تصرف الرواة والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار قال الحافظ وقال القرطبي بعد أن رجح حمله على ظاهره فإن قيل كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيرا فلو صفدت الشياطين لم يقع ذلك فالجواب أنها إنما تقل عن الصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه وروعيت ادابه أو المصفد بعض الشياطين كما تقدم في بعض الروايات يعني رواية الترمذي والنسائي وهم المردة لاكملهم أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس فإن وقوع ذلك فيه أقل من غيره إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسبابا غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الانسية انتهى (وينادي مناد) قيل يحتمل أنه ملك أو المراد أنه يلقي ذلك في قلوب من يريد الله إقبالة على الخير كذا في قوت المغتذي (يا باغي الخير) أي طالب العمل والثواب (أقبل) أي إلى الله وطاعة بزيادة الاجتهاد في عبادته وهو أمر من الاقبال أي تعال فإن هذا أوانك فإنك تعطي الثواب الجزيل بالعمل القليل أو معناه يا طالب الخير المعرض عنا وعن طاعتنا أقبل إلينا وعلى عبادتنا فإن الخير كله تحت قدرتنا وإرادتنا قال العراقي ظن ابن العربي أن قوله في الشقين يا باغي من البغي فنقل عن أهل العربية أن أصل البغي في الشرق وأقله ما جاء في طلب الخير ثم ذكر قوله تعالى غير باغ ولا عاد وقوله يبغون في الأرض بغير الحق والذي وقع في الايتين هو بمعنى التعدي وأما الذي في هذا الحديث فمعناه الطلب والمصدر منه بغاء وبغاية بضم الباء فيهما قال الجوهري بغيته أو طلبته انتهى قلت الأمر كما قال العراقي وكذلك في قوله تعالى ذلك ما كنا نبغ معناه الطلب ويا باغي الشر أقصر بفتح الهمزة وكسر الصاد أي يا مريد المعصية أمسك عن المعاصي وارجع إلى الله تعالى فهذا أو أن قبول التوبة وزمان استعداد المغفرة ولعل طاعة المطيعين وتوبة المذنبين
[ 293 ]
ورجوع المقصرين في رمضان من أثر الندائين ونتيجة إقبال الله تعالى على الطالبين ولهذا ترى أكثر المسلمين صائمين حتى الصغار والجوار بل غالبهم الذين يتركون الصلاة يكونون حينئذ مصلين مع أن الصوم أصعب من الصلاة وهو يوجب ضعف البدن الذي يقتضي الكسل عن العبادة وكثرة النوم عادة ومع ذلك ترى المساجد معمورة وبإحياء الليل مغمورة والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله كذا في المرقاة (ولله عتقاء من النار) أي ولله عتقاء كثيرون من النار فلعلك تكون منهم (وذلك) قال الطيبي أشار بقوله ذلك إما البعيد وهو النداء وإما للقريب وهو لله عتقاء (كل ليلة) أي في كل ليلة من ليالي رمضان قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف) أخرجه النسائي وابن حبان (وابن مسعود) أخرجه البيهقي (وسلمان) أخرجه ابن حبان في الضعفاء والأربعة والبيهقي كذا في شرح سراج أحمد قوله (من صام رمضان وقامه إيمانا) أي تصديقا بأنه فرض عليه حق وأنه من أركان الاسلام ومما وعد الله عليه من الثواب والأجر قاله السيوطي وقال الطيبي نصب على أنه مفعول له أي للإيمان وهو التصديق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم والاعتقاد بفريضة الصوم (واحتسابا) أي طلبا للثواب منه تعالى أو إخلاصا أي باعثه على الصوم ما ذكر لا الخوف من الناس ولا الاستحياء منهم ولا قصد السمعة والرياء عنهم (غفر له ما تقدم من ذنبه) قال السيوطي زاد أحمد في مسنده وما تأخر وهو محمول على الصغائر دون الكبائر انتهى قال النووي إن المكفرات إن صادفت السيئات تمحوها إذا كانت صغائر وتخففها إذا كانت كبائر وإلا تكون موجبة لرفع الدرجات في الجنات قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان (غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي
[ 294 ]
بكر بن عياش الخ) الحديث أخرجه ابن ماجه أيضا قال الجزري كلاهما من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وهذا إسناد صحيح قال ميرك وهذا لا يخلو عن تأمل فإن أبا بكر بن عياش مختلف فيه والأكثر على أنه كثير الغلط وهو ضعيف عن الأعمش ولذا قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من رواية أبي بكر (وسألت محمد بن إسماعيل الخ) لكن يفهم من كلام الشيخ ابن حجر العسقلاني أن الحديث المرفوع أخرجه ابن خزيمة والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال واللفظ لابن خزيمة ونحوه للبيهقي من حديث ابن مسعود وقال فيه فتحت أبواب الجنة فلم يغلق باب منها الشهر كله انتهى كلامه ويقوي رفع الحديث أن مثل هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع حكما والله أعلم تم كلام ميرك كذا نقل القاري من المرقاة كلام الجزري وكلام ميرك ثم تعقب على ميرك بوجوه لا يخلو بعضها عن كلام باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم قوله (لا تقدموا) بفتح التاء وأصله لا تتقدموا بالتائين حذفت إحداهما كما في (تلظى) قال السيوطي في قوت المغتذي إنما نهي عن فعل ذلك لئلا يصوم احتياطا لاحتمال أن يكون من رمضان وهو معنى قول المصنف (لمعنى رمضان) وإنما ذكر اليومين لأنه قد يحصل الشك في يومين بحصول الغيم أو الظلمة في شهرين أو ثلاثة فلذا عقب ذكر اليوم باليومين والحكمة في النهي أن لا يختلط صوم الفرض بصوم نقل قبله ولا بعده حذرا مما صنعت النصارى في
[ 295 ]
الزيادة على ما افترض عليهم برأيهم الفاسد انتهى وقال الحافظ في فتح الباري والحكمة فيه التقوى بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط وهذا فيه نظر لأن مقتضي الحديث أنه لو تقدمه بثلاثة أيام أو أربعة جاز وقيل الحكمة فيه خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر أيضا لأنه يجوز لمن له عادة كما في الحديث وقيل لأن الحكم علق بالرؤية فمن تقدمه بيوم أو بيومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم وهذا هو المعتمد ومعنى الاستثناء أن من كان له ورد فقد أذن له فيه لأنه اعتاده وألفه وترك المألوف شديد وليس ذلك من استقبال رمضان في شئ ويلحق بذلك القضاء والنذر لوجوبهما قال بعض العلماء يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظن وفي الحديث رد على من يرى بتقديم الصوم على الرؤية كالرافضة ورد على من قال بجواز صوم النفل المطلق انتهى قوله (صوموا لرؤيته) أي لأجل رؤية الهلال فاللام للتعليل والضمير للهلال على حد (توارت بالحجاب) اكتفاء بقرينة السياق (فإن غم عليكم) أي غطى الهلال في ليلة الثلاثين قال الجزري في النهاية يقال غم علينا الهلال إذا حال دون رؤيته غيم أو نحوه من غممت الشئ إذا غطيته وفي غم ضمير الهلال ويجوز أن يكون غم مسندا إلى الظرف أي فإن كنتم مغموما عليكم فأكملوا العدة انتهى (فعدوا ثلاثين) بصيغة الأمر من العد والمعنى أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما قوله (وفي الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ) قال الحافظ في الفتح وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة من طريق ربعي عن حذيفة مرفوعا لا تقدموا الشهر متى ترووا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى ترووا الهلال أو تكملوا العدة وقيل الصواب فيه عن ربعي عن رجل من الصحابة مبهم ولا يقدح ذلك في صحته انتهى قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد
[ 296 ]
قوله (كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخوله شهر رمضان لمعنى رمضان) قال السيوطي في قوت المغتذي قوله لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إنما نهي عن فعل ذلك احتياطا لاحتمال أن يكون من رمضان وهو معنى قول المصنف لمعنى رمضان انتهى وقال الحافظ في الفتح قال العلماء معنى الحديث لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان قال الترمذي لما أخرجه فذكر الحافظ كلام الترمذي هذا إلى قوله لمعنى رمضان قوله (لا تقدموا شهر رمضان بصيام قبله بيوم أو يومين) إنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من شعبان بحديث أبي هريرة مرفوعا إذا انتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الاخر وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه وقال أحمد بن معين إنه منكر وقد استدل البيهقي بحديث الباب على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن إسناده ضعيف وجمع بين الحديثين بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان قال الحافظ وهو جمع حسن قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة
[ 297 ]
باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك قوله (أخبرنا أبو خالد الأحمر) اسمه سليمان بن حيان الأزدي الكوفي صدوق يخطئ من الثامنة (عن صلة بن زفر) بكسر الصاد المهملة وتخفيف اللام المفتوحة وزفر بالزاي والفاء على وزن عمر كوفي عبسي من كبار التابعين وفضلائهم قوله (كنا عند عمار بن ياسر) صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين سنة سبع وثلاثين (مصلية) أي مشوية (فتنحى بعض القوم) أي اعتزل (فقال) أي بعض القوم الذي اعتزل واحترز عن أكلها (من صام اليوم الذي شك فيه) وفي بعض النسخ يشك فيه وذكر البخاري هذا الحديث في صحيحه تعليقا بلفظ من صام يوم الشك والمراد من اليوم الذي يشك فيه يوم الثلاثين من شعبان إذا لم ير الهلال في ليلته بغيم ساتر أو نحوه فيجوز كونه من رمضان وكونه من شعبان (فقد عصى أبا القاسم) هو كنية رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فائدة تخصيص ذكر هذه الكنية الاشارة إلى أنه هو الذي يقسم بين عباد الله أحكامه زمانا ومكانا وغير ذلك قال الحافظ في فتح الباري استدل به على تحريم يوم الشك لأن الصحابي لا يقول ذلك من قبل رأيه فيكون من قبل المرفوع قال ابن عبد البر هو مسند عندهم لا يختلفون في ذلك وخالفهم الجوهري المالكي فقال هو موقوف والجواب أنه موقوف لفظا مرفوع حكما انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البزار بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام ستة أيام أحدها اليوم الذي يشك فيه وفي إسناده عبد الله بن سعيد المقبري عن جده وهو ضعيف وأخرجه أيضا الدارقطني وفي إسناده الواقدي وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناد عباد وهو عبد الله بن سعيد المقبري المتقدم وهو منكر الحديث كما قال أحمد بن حنبل كذا في
[ 298 ]
النيل (وأنس) لم أقف على من أخرجه قوله (حديث عمار حديث حسن صحيح) وأخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة وصححاه والحاكم والدارقطني والبيهقي قال العراقي في شرح الترمذي جمع الصاغاني في تصنيف له الأحاديث الموضوعة فذكر فيه حديث عمار المذكور وما أدري ما وجه الحكم عليه بالوضع وليس في إسناده من يتهم بالكذب وكلهم ثقات وقال وقد كتبت على الكتاب المذكور كراسة في الرد عليه في أحاديث منها هذا الحديث قال نعم في اتصاله نظر فقد ذكر المزي في الأطراف أنه روى عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال حدثت عن صلة بن زفر لكن جزم البخاري بصحته إلى صلة فقال في صحيحه وقال صلة وهذا يقتضي صحته عنده وقال البيهقي في المعرفة إنه إسناده صحيح انتهى قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال في النيل وقد استدل بهذه الأحاديث أي بحديث عمار بن ياسر المذكور في الباب وما في معناه كأحاديث الأمر بالصوم لرؤية الهلال وكأحاديث النهي عن استقبال رمضان بصوم على المنع من صوم يوم الشك قال النووي وبه قال مالك والشافعي والجمهور وحكى الحافظ في الفتح عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز صومه عن فرض رمضان ويجوز عما سوى ذلك قال ابن الجوزي ولأحمد في هذه المسألة وهي إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو غيره ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحدها يجب صومه على أنه من رمضان وثانيها لا يجوز فرضا ولا نفلا مطلقا بل قضاء وكفارة ونذرا ونفلا يوافق عادة ثالثها المرجع إلى رأي الامام في الصوم والفطر وذهب جماعة من الصحابة إلى صومه منهم علي وعائشة وعمرو بن عمر وأنس بن مالك وأسماء بنت أبي بكر وأبي هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص وغيرهم وجماعة من التابعين واستدل المجوزون لصومه بأدلة ثم ذكرها الشوكاني وتكلم عليها وليس فيها ما يفيد مطلوبهم ثم قال قال ابن عبد البر وممن روي عنه كراهة صوم يوم الشك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعمار وابن مسعود وحذيفة وابن عباس وأبو هريرة وأنس بن مالك ثم قال والحاصل أن الصحابة مختلفون في ذلك وليس قول بعضهم بحجة على أحد والحجة ما جاءنا عن الشارع وقد عرفته قال وقد استوفيت الكلام على هذه المسألة في الأبحاث التي كتبتها على رسالة الجلال انتهى (ورأى
[ 299 ]
أكثرهم إن صامه) أي صوم يوم الشك (وكان من شهر رمضان أن يقضي يوما مكانه) لأن الذي صام يوم الشك لم يصم صوم رمضان على اليقين وإن ظهر بعد أنه كان من رمضان فلا بد له من أن يقضي يوما مكانه باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان قوله (حدثنا مسلم بن حجاج) هو صاحب الصحيح قال العراقي لم يرو المصنف في كتابه شيئا عن مسلم صاحب الصحيح إلا هذا الحديث وهو من رواية الأقران فإنهما اشتركا في كثير من شيوخهما انتهى قوله (أحصوا) بقطع الهمزة أمر من الاحصاء وهو في الأصل العد بالحصا أي عدوا (هلال شعبان) أي أيامه (لرمضان) أي لأجل رمضان أو للمحافظة على صوم رمضان وقال ابن الملك أي لتعلموا دخول رمضان قال الطيبي الاحصاء المبالغة في العد بأنواع الجهد ولذلك كنى به عن الطاقة في قوله عليه الصلاة والسلام استقيموا ولن تحصوا انتهى وقال ابن حجر أي اجتهدوا في إحصائه وضبطه بأن تتحروا مطالعه وتتراءوا منازله لأجل أن تكونوا على بصيرة في إدراك هلال رمضان على حقيقة حتى لا يفوتكم منه شئ كذا في المرقاة قال السيوطي في قوت المغتذي هذا الحديث مختصر من حديث وقد رواه الدارقطني بتمامه فزاد ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما ما كان يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى عليكم العدة انتهى قوله (لا نعرفه مثل هذا) أي بهذا اللفظ (إلا من حديث معاوية يعني أنه قد تفرد بهذا اللفظ والصحيح ما روى عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة الخ) لقائل أن يقول إن
[ 300 ]
حديث أبي معاوية عن محمد بن عمرو بلفظ أحصوا هلال شعبان لرمضان وما روى عن محمد بن عمرو بلفظ لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين حديثان يدلان على معنيين فالأول يدل على إحصاء هلال شعبان والتحفظ به وقد روى أبو داود عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره الحديث والحديث الاخر يدل على النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين فالظاهر أن محمد بن عمرو يروي هذين الحديثين عن أبي سلمة عن أبي هريرة فروى عنه أبو معاوية الحديث الأول وروى عنه غيره الحديث الاخر فعلى هذا يكون الحديثان صحيحين فتفكر والله تعالى أعلم باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال الخ قوله (صوموا لرؤيته) الضمير للهلال على حد توارت بالحجاب اكتفاء بقرينه السياق قال الطيبي اللام للتوقيت كقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس (دونه) أي دون الهلال (غيابه) بفتح الغين المعجمة واليائين المثناتين من تحت وهي السحاب ونحوها قال القاري هذا هو المشهور في ضبط هذا الحديث وقال ابن العربي يجوز أن يجعل بدل الياء الأخيرة باء موحدة من الغيب وتقديره ما خفي عليك واستتر أو نونا من الغين وهو الحجاب كذا في قوت المغتذي قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الشيخان (وأبي بكرة) أخرجه الشيخان (وابن
[ 301 ]
عمر) أخرجه الشيخان قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين أي قد يكون تسعا وعشرين قوله (عن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار) بكسر المعجمة صحابي قليل الحديث وهو أخو جويرية أم المؤمنين كذا في التقريب قوله (ما صمت مع النبي صلى الله عليه وسلم الخ) وفي رواية أبي داود لما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم الخ قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي كلمة ما تحتمل أن تكون مصدرية في الموضعين أي صومي تسعا وعشرين أكثر من صومي ثلاثين وتحتمل أن تكون في الموضعين موصولة والعائد محذوف والتقدير ما صمته حال كونه تسعا وعشرين أكثر مما صمناه حال كونه ثلاثين فيكون تسعا وعشرين وكذلك ثلاثين حال من ضمير المفعول المحذوف الراجع إلى رمضان المراد بالموصول وعلى التقديرين قوله أكثر مرفوع على الخبرية والحاصل أن الأشهر الناقصة أكثر من الوافية وأما القول بأن كلمة ما الأولى نافية وعلى هذا التقدير يكون قوله أكثر منصوبا ويكون الحاصل أن الناقص ما كان غالبا على الوافي فبعيد ويؤيد هذا البعد ما قال الشيخ ابن حجر قال بعض الحفاظ صام صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات منها رمضانان فقط ثلاثون وقال النووي وقد يقع النقص متواليا في شهرين وثلاثة وأربعة ولا يقع أكثر من أربعة انتهى كلام أبي الطيب باختصار وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أبو داود أيضا وسكت هو والمنذري عنه وذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه هو أيضا وقال ومثله عن عائشة عند أحمد بإسناد جيد انتهى
[ 302 ]
قلت والظاهر أن حديث ابن مسعود حسن قوله (وفي الباب عن عمر وأبي هريرة الخ) أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه مسلم فأما حديث ابن عمر وأنس وجابر وأم سلمة فأخرجه مسلم وغيره وأما حديث ابن عباس وأبي بكرة فلينظر من أخرجه قوله (آلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نسائه) أي حلف أن لا يدخل عليهن وليس المراد بالإيلاء في هذا الحديث الايلاء الشرعي بل المراد الايلاء اللغوي وهو الحلف (فأقام في مشربة) بضم الراء وفتحها أي غرفة قال الجزري في النهاية المشربة بالضم والفتح الغرفة وفي القاموس المشربة الغرفة أو العلية انتهى والغرفة بالضم والعلية بالضم والتشديد معناهما بالفارسية برواره كذا في الصراح وبروار على وزن همواره معناه بالفارسية بالإخانة وحجرة بالاء حجرة (الشهر تسع وعشرون) أي هذا الشهر تسع وعشرون أو المعنى الشهر قد يكون كذلك قال الحافظ في الفتح ظاهره حصر الشهر في تسع وعشرين مع أنه لا ينحصر فيه بل قد يكون ثلاثين والجواب أن المعنى أن الشهر يكون تسعة وعشرين أو اللام للعهد والمراد شهر بعينه أو هو محمول على الأكثر الأغلب كقول ابن مسعود ما صمنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعا وعشرين أكثر مما صمنا ثلاثين ويؤيد الأول قوله في حديث أم سلمة إن الشهر يكون تسعة وعشرين يوما وقال ابن العربي معناه حصره من جهة أحد طرفيه أي أنه يكون تسعا وعشرين وهو أقله ويكون ثلاثين وهو أكثره فلا تأخذوا أنفسكم بصوم الأكثر احتياطا ولا تقتصروا على الأقل تخفيفا ولكن اجعلوا عبادتكم مرتبطة ابتداء وانتهاء باستهلاله انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري
[ 303 ]
باب ما جاء في الصوم بالشهادة قوله (حدثنا محمد بن اسماعيل) هو الامام البخاري رحمه الله (أخبرنا محمد بن الصباح) الدولابي أبي جعفر البغدادي ثقة حافظ من العاشرة (أخبرنا الوليد بن أبي ثور) هو الوليد بن عبد الله بن أبي ثور الهمداني الكوفي وقد ينسب بجده ضعيف من الثامنة كذا في التقريب (جاء أعرابي) أي واحد من الأعراب وهم سكان البادية (إني رأيت الهلال) يعني هلال رمضان كما في رواية يعني وكان غيما وفيه دليل على أن الاخبار كاف ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى الدعوى (فقال أتشهد أن لا إله إلا الله الخ) قال ابن الملك دل على أن الاسلام شرط في الشهادة (أذن في الناس) أمر من التأذين أي ناد فيهم وأعلمهم قوله (وأكثر أصحاب سماك رووا عن سماك عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا) وقال النسائي إنه أولى بالصواب وسماك إذا تفرد بأصل لم يكن حجة كذا الحافظ في التلخيص وقال في بلوغ المرام رواه الخمسة وصححه ابن خزيمة وابن حبان ورجح النسائي إرساله انتهى قوله (وبه يقول ابن المبارك والشافعي) أي في أحد قوليه قال النووي وهو الأصح
[ 304 ]
(وأحمد) وبه قال أبو حنيفة رحمه الله وهو قول الجمهور كما صرح به الحافظ في الفتح واستدلوا بحديث الباب وبحديث ابن عمر رضي الله عنه قال تراءى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود وصححه ابن حبان والحاكم (وقال إسحاق لا يصام إلا بشهادة رجلين) وبه قال مالك والليث والأوزاعي والثوري والشافعي في أحد قوليه واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي شك فيه فقال ألا إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألتهم أنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وأنسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا رواه أحمد والنسائي ولم يقل فيه مسلمان قال الشوكاني في النيل ذكره الحافظ في التلخيص ولم يذكر فيه قدحا وإسناده لا بأس به على اختلاف فيه انتهى واستدلوا أيضا بحديث أمير مكة الحارث بن حاطب قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح وأجاب من قال بقبول شهادة رجل في الصيام عن هذين الحديثين بأن التصريح بالإثنين غاية ما فيه المنع من قبول الواحد بالمفهوم وحديث ابن عباس وحديث ابن عمر المذكورين يدلان على قبوله بالمنطوق ودلالة المنطوق أرجح (ولم يختلف أهل العلم في الافطار أنه لا يقبل فيه إلا شهادة رجلين) قال النووي في شرح مسلم لا تجوز شهادة عدل واحد على هلال شوال عند جميع العلماء إلا أبا ثور فجوزه بعدل انتهى واحتجوا بما رواه الدارقطني والطبراني في الأوسط من طريق طاؤس قال شهدت المدينة وبها ابن عمر وابن عباس فجاء رجل إلي وإليها وشهد عنده على رؤية هلال شهر رمضان فسأل ابن عمر وابن عباس عن شهادته فأمراه أن يجيزه وقالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة واحد على رؤية هلال رمضان وكان لا يجيز شهادة الافطار إلا بشهادة رجلين قال الدارقطني تفرد به حفص بن عمر الأيلي وهو ضعيف فإن قلت هذا الحديث ضعيف فكيف يصح الاحتجاج به على عدم جواز شهادة رجل واحد في الافطار قلت أصل الاحتجاج بحديث عبد الرحمن بن زيد وحديث الحارث بن حاطب المذكورين فإن قوله صلى الله عليه وسلم فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا في حديث عبد
[ 305 ]
الرحمن بن زيد وقوله فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما في حديث الحارث يدلان بمفهومهما على عدم جواز شهادة رجل واحد في الافطار ولا يعارضه منطوق بل منطوق حديث ابن عمر وابن عباس وإن كان ضعيفا يؤيدهما باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان قوله (رمضان وذو الحجة) بدلان وبيانان أطلق على رمضان أنه شهر عيد لقربه من العيد ونظير قوله صلى الله عليه وسلم المغرب وتر النهار أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر وصلاة المغرب ليلية جهرية وأطلق كونها وتر النهار لقربها منه قاله الحافظ قوله (حديث أبي بكر حديث حسن) وأخرجه الشيخان فالظاهر أنه صحيح (قال أحمد) أي ابن حنبل رحمه الله (إن نقص أحدهما تم الاخر) أي إن جاء أحدهما تسعا وعشرين فهو تمام غير نقصان أي فهو تام في الفضيلة غير ناقص (وعلى مذهب إسحاق يكون ينقص الشهران معا في سنة واحدة) أي على مذهب إسحاق يجوز أن ينقصا معا في سنة واحدة وفي صحيح البخاري وقال أبو الحسن كان إسحاق بن راهويه يقول لا ينقصان في الفضيلة إن كان تسعة وعشرين أو ثلاثين انتهى وذكر ابن حبان لهذا الحديث معنيين أحدهما ما قال
[ 306 ]
إسحاق والاخر أنهما في الفضل سواء لقوله في الحديث الاخر ما من أيام العمل فيها أفضل من عشر ذي الحجة وقيل معناه لا ينقصان في عام بعينه وهو العام الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم تلك المقالة وقيل المعنى لا ينقصان في الأحكام وبهذا جزم البيهقي وقبله الطحاوي فقال معنى لا ينقصان أي الأحكام فيهما وإن كانتا تسعة وعشرين متكاملة غير ناقصة عن حكمهما إذا كانا ثلاثين وقيل معناه لا ينقصان في نفس الأمر لكن ربما حال دون رؤية الهلال مانع وهذا أشار إليه ابن حبان أيضا ولا يخفي بعده وقيل معناه لا ينقصان معا في سنة واحدة على طريق الأكثر الأغلب وإن ندر وقوع ذلك وهذا أعدل مما تقدم لأنه ربما وجد وقوعهما ووقوع كل منهما تسعة وعشرين هذا تلخيص ما قاله الحافظ في فتح الباري وقال النووي في شرح مسلم الأصح أن معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب عليهما وإن نقص عددهما وقيل معنا لا ينقصان جميعا في سنة واحدة غالبا وقيل لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان لأنه فيه المناسك حكاه الخطابي وهو ضعيف والأول هو الصواب المعتمد ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وقوله من قام رمضانا إيمانا واحتسابا وغير ذلك فكل هذه الفضائل تحصل سواء تم عدد رمضان أم نقص انتهى قلت الظاهر هو ما قاله النووي والله تعالى أعلم باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم قوله (بعثته) أي كريبا (واستهل على رمضان) بضم التاء من استهل قاله النووي يعني بصيغة المجهول (فرأينا الهلال) وفي رواية مسلم فرأيت الهلال (فقال أنت رأيته ليلة الجمعة
[ 307 ]
فقلت رآه الناس وصاموا وصام معاوية) وفي رواية مسلم فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية (فقال لكن رأيناه) أي فقال ابن عباس لكن رأيناه (حتى نكمل) من الاكمال أو التكميل (فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه قال لا الخ) هذا بظاهره يدل على أن لكل أهل بلد رؤيتهم ولا تكفي رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر قال النووي في شرح مسلم والصحيح عند أصحابنا أن الرؤية لا تعم الناس بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وقيل إن اتفق المطلع لزمهم وإن اتفق الاقليم وإلا فلا وقال بعض أصحابنا تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض فعلى هذا تقول إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة فلا تثبت بواحد لكن ظاهر حديثه أنه لم يرده لهذا وإنما رده لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حق البعيد انتهى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم) ظاهر كلام الترمذي هذا أنه ليس في هذا اختلاف بين أهل العلم والأمر ليس كذلك قال الحافظ في الفتح قد اختلف العلماء في ذلك على مذاهب أحدها لأهل كل بلد رؤيتهم وفي صحيح مسلم من حديث ابن عباس ما يشهد له وحكاه ابن المنذر عن عكرمة والقاسم وسالم وإسحاق وحكاه الترمذي عن أهل العلم ولم يحك سواه وحكى الماوردي وجها للشافعية ثانيها مقابله إذا رؤى ببلدة لزم أهل البلاد كلها وهو المشهور عند المالكية لكن حكى ابن عبد البر الاجماع على خلافه وقال أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلاد كخراسان والأندلس قال القرطبي قد قال شيوخنا إذا كانت رؤية الهلال ظاهرة قاطعة بموضع ثم نقل إلى غيرهم بشهادة اثنين لزمهم الصوم وقال ابن الماجشون لا يلزمهم بالشهادة إلا
[ 308 ]
لأهل البلد الذي ثبتت فيه الشهادة إلا أن يثبت عند الامام الأعظم فيلزم الناس كلهم لأن البلاد في حقه كالبلد الواحد إذ حكمه نافذ في الجميع وقال بعض الشافعية إن تقاربت البلاد كان الحكم واحدا وإن تباعدت فوجهان لا يجب عند الأكثر واختار أبو الطيب وطائفة الوجوب وحكاه البغوي عن الشافعي وفي ضبطه البعد أوجه أحدها اختلاف المطالع قطع به العراقيون والصيدلاني وصححه النووي في الروضة وشرح المهذ ب ثانيها مسافة القصر قطع به الامام البغوي وصححه الرافعي في الصغير والنووي في شرح مسلم ثالثها اختلاف الأقاليم رابعها حكاه السرخسي فقال يلزم كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض دون غيرهم خامسها قول ابن ماجشون المتقدم انتهى كلام الحافظ قلت حديث ابن عباس الذي يشهد القول الأول أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عن كريب أن أم الفضل بعثته إلى معاوية بالشام فقال فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل على رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس ثم ذكر الهلال فقال متى رأيتم الهلال فقلت رأيناه ليلة الجمعة فقال أنت رأيته فقلت نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين أو نراه فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأقوال التي ذكرها الحافظ ما لفظه وحجة أهل هذه الأقوال حديث كريب هذا ووجه الاحتجاج به أن ابن عباس لم يعمل برؤية أهل الشام وقال في آخر الحديث هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أنه قد حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يلزم أهل بلد العمل برؤية أهل بلد آخر واعلم أن الحجة إنما هي في المرفوع من رواية ابن عباس لا في اجتهاده الذي فهم عنه الناس والمشار إليه بقوله هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قوله فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين والأمر الكائن من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ما أخرجه الشيخان وغيرهما بلفظ لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين وهذا لا يختص بأهل ناحية على جهة الانفراد بل هو خطاب لكل من يصلح له من المسلمين فالاستدلال به على لزوم رؤية أهل بلد لغيرهم من أهل البلاد أظهر من الاستدلال به على عدم اللزوم لأنه إذا رآه أهل بلد فقد رآه المسلمون فيلزم غيرهم ما لزمهم ولو سلم توجه الاشارة في كلام ابن عباس إلى عدم لزوم رؤية أهل بلد لأهل بلد آخر لكان عدم اللزوم مقيدأ بدليل العقل وهو أن يكون بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع
[ 309 ]
وعدم عمل ابن عباس برؤية أهل الشام مع عدم البعد الذي يمكن معه الاختلاف عمل بالاجتهاد وليس بحجة ولو سلم عدم لزوم التقييد بالعقل فلا يشك أن الأدلة قاضية بأن أهل الأقطار يعمل بعضهم بخبر بعض وشهادته في جميع الأحكام الشرعية والرؤية من جملتها وسواء كان بين القطرين من البعد ما يجوز معه اختلاف المطالع أم لا فلا يقبل التخصيص إلا بدليل ولو سلم صلاحية حديث كريب هذا للتخصيص فينبغي أن يقتصر فيه على محل النص إن كان النص معلوما أو على المفهوم منه إن لم يكن معلوما لو رووه على خلاف القياس ولم يأت ابن عباس بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى ننظر في عمومه وخصوصه إنما جاء بصيغة مجملة أشار بها إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على تسليم أن ذلك المراد ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الالحاق به فلا يجب على أهل المدينة العمل برؤية أهل الشام دون غيرهم ويمكن أن يكون في ذلك حكمة لا تعقلها ولو تسلم صحة الالحاق وتخصيص العموم به فغايته أن يكون في المحلات التي بينها من البعد ما بين المدينة والشام أو أكثر وأما في أقل من ذلك فلا وهذا ظاهر فينبغي أن ينظر ما دليل من ذهب إلى اعتبار البريد أو الناحية أو البلد في المنع من العمل بالرؤية والذي ينبغي اعتماده هو ما ذهب إليه المالكية وحكاه القرطبي عن شيوخه أنه إذا رآه أهل بلد لزم أهل البلاد كلها ولا يلتفت إلى ما قاله ابن عبد البر من أن هذا القول خلاف الاجماع قال لأنهم قد أجمعوا على أنه لا تراعى الرؤية فيما بعد من البلدان كخراسان والأندلس وذلك لأن الاجماع لا يتم والمخالف مثل هؤلاء الجماعة انتهى كلام الشوكاني فتفكر وتأمل باب ما جاء ما يستحب عليه الافطار قوله (من وجد تمرا فليفطر عليه) الأمر للندب قال البخاري في صحيحه باب يفطر بما تيسر بالماء وغيره ثم ذكر حديث عبد الله بن أوفى قال سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فلما غربت الشمس قال إنزل فاجدح لنا الخ قال الحافظ في الفتح لعل البخاري أشار إلى أن
[ 310 ]
الأمر في قوله من وجد تمرا فليفطر عليه ومن لا فليفطر على الماء ليس على الوجوب وقد شذ ابن حزم فأوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء انتهى (فإن الماء طهور) أي بالغ في الطهارة فيبتدأ به تفاؤلا بطهارة الظاهر والباطن قال الطيبي لأنه مزيل المانع من أداء العباد ولذا من الله تعالى على عباده (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن سلمان بن عامر) أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي قوله (وهو حديث غير محفوظ) فإنه تفرد به سعيد بن عامر بروايته عن شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس وخالفه أصحاب شعبة فرووه عن شعبة عن عاصم الأحول عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر وكذلك رواه أصحاب عاصم الأحول كسفيان الثوري وابن عيينة وغيرهما قوله (وابن عون يقول عن أم الرائح بنت صليع الخ) يعني أن ابن عون وهو عبد الله بن عون بن أرطبان البصري يقول في روايته عن أم الرائح بنت صليع مكان عن الرباب والرباب ليست غير أم الرائح بل هما واحدة قال في التقريب الرباب بفتح أولها وتخفيف الموحدة وآخرها موحدة بنت صليع بمهملتين مصغرة الضبية المصرية مقبولة من الثالثة وقال في الخلاصة الرباب بنت صليع أم الرائح عن عمها سليمان بن عامر وعنها حفصة بنت
[ 311 ]
سيرين قوله (إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر) فيه دليل على مشروعية الافطار بالتمر فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس الاتي يدل على أن الرطب أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد وإنما شرع الافطار بالتمر لأنه حلو وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وقيل لأن الحلو يوافق الايمان ويرق القلب وإذا كانت العلة كونه حلوا والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها قاله الشوكاني وغيره وقال ابن الملك الأولى أن تحال علته إلى الشارع انتهى قلت لا شك في كونه أولى قوله (يفطر قبل أن يصلي) أي المغرب وفيه إشارة إلى كمال المبالغة في استحباب تعجيل الفطر وأما ما صح أن عمر وعثمان رضي الله عنهما كانا برمضان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود ثم يفطران بعد الصلاة فهو لبيان جواز التأخير لئلا يظن وجوب التعجيل ويمكن أن يكون وجهه أنه عليه الصلاة والسلام كان يفطر في بيته ثم يخرج إلى صلاة المغرب وأنهما كانا في المسجد لم يكن عندهما تمر ولا ماء أو كانا غير معتكفين ورأيا الأكل والشراب لغير المعتكف مكروهين لكن إطلاق الأحاديث ظاهر في استثناء حال الافطار كذا في المرقاة (فإن لم تكن رطبات) بالرفع (فتميرات) بالتصغير مجرور ومرفوع وقد وقع في بعض الروايات ثلاث رطبات وثلاث تميرات قاله الشيخ عبد الحق في اللمعات (حسا حسوات) بفتحتين أو شرب ثلاث مرات قال في النهاية الحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما يحسى مرة واحدة وبالفتح المرة والحديث دليل على استحباب الإفطار بالرطب فإن عدم فبالتمر
[ 312 ]
فإن عدم فبالماء قال القاري في المرقاة وقول من قال السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به فمردود بأنه خلاف الاتباع وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام الفتح أياما كثيرة ولم ينقل عنه أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء ولو كان لنقل انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وصححه الدارقطني قال ميرك ورواه أبو يعلى ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شئ لم تصبه النار باب ما جاء أن الفطر يوم تفطرون إلخ قوله (الصوم يوم تصومون الخ) هذا الحديث رواه أبو داود وابن ماجه أيضا إلا أنهما لم يذكرا الصوم يوم تفطرون وفي الباب عن عائشة رضي الله عنها بلفظ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس أخرجه الترمذي وصححه وأخرجه الدارقطني أيضا وقال وقفه عليها هي الصواب قوله (هذا حديث غريب حسن) وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال الشوكاني في النيل رجال إسناده ثقات انتهى قوله (وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس) بكسر العين وفتح الظاء أي كثرة الناس وقال الخطابي في معنى الحديث إن الخطأ مرفوع عن الناس فيما كان سبيله الاجتهاد فلو أن قوما اجتهدوا فلم يروا
[ 313 ]
الهلال إلا بعد ثلاثين فلم يفطروا حتى استوفوا العدد ثم ثبت عندهم أن الشهر كان تسعا وعشرين فإن صومهم وفطرهم ماض لا شئ عليهم من وزر أو عيب وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يوم عرفة فإنه ليس عليهم إعادته وقال المنذري في تلخيص السنن وقيل فيه الاشارة إلى أن يوم الشك لا يصام احتياطا وإنما يصوم يوم يصوم الناس وقيل فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم به ويفطر دون من لم يعلم وقيل إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أن هذا لا يكون هذا صوما له كما لم يكن للناس انتهى قال الشوكاني في النيل بعد كلام المنذري وقد ذهب إلى الأخير محمد بن الحسن الشيباني قال إنه يتعين على المنفرد برؤية هلال الشهر حكم الناس في الصوم والحج وإن خالف ما تيقنه وروى مثل ذلك عن عطاء والحسن والخلاف في ذلك للجمهور فقالوا يتعين عليه حكم نفسه فيما تيقنه وفسروا الحديث بمثل ما ذكر الخطابي وقيل في معنى الحديث إنه إخبار بأن الناس يتحزبون أحزابا ويخالفون الهدي النبوي فطائفة تعمل بالحساب وعليه أمة من الناس وطائفة يقدمون الصوم والوقوف بعرفة وجعلوا ذلك شعارا وهم الباطنية وبقي على الهدى النبوي الفرقة التي لا تزال ظاهرة على الحق فهي المرادة بلفظ الناس في الحديث وهي السواد الأعظم ولو كانت قليلة العدد كذا في النيل باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار الخ قوله (إذا أقبل الليل) أي ظلامه من جهة المشرق (وأدبر النهار) أي ضياؤه من جانب المغرب (وغربت الشمس) أي غابت كلها قال الطيبي وإنما قال وغربت الشمس مع الاستغناء عنه لبيان كمال الغروب كيلا يظن أنه يجوز الافطار لغروب بعضها انتهى وقال الحافظ في الفتح ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور لأنها وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الأصل غير متلازمة فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون إقباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار فمن ثم قيد بقوله وغربت الشمس
[ 314 ]
إشارة إلى اشتراط تحقق الاقبال والأدبار وأنهما بواسطة غروب الشمس لا بسبب آخر انتهى (فقد أفطرت) وفي رواية الشيخين فقد أفطر الصائم قال الحافظ أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد إذا أقام بنجد وأتهم إذا أقام بتهامة ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي وقد رد هذا الاحتمال ابن خزيمة وأومأ إلى ترجيح الأول فقال قوله فقد أفطر الصائم لفظ خبر ومعناه الأمر أي فليفطر الصائم ورجح الحافظ الاحتمال الأول برواية شعبة بلفظ فقد حل الافطار وقال الطيبي ويمكن أن يحمل الاخبار على الانشاء إظهارا للحرص على وقوع المأمور به انتهى قوله (وفي الباب عن ابن أبي أوفى وأبي سعيد) أما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي سعيد فلم أقف عليه وذكر البخاري في صحيحه تعليقا من فعله بلفظ وأفطر أبو سعيد الخدري حين غاب قرص الشمس قال الحافظ في الفتح وصله سعيد بن منصور وابن أبي شيبة من طريق عبد الواحد ابن أيمن عن أبيه قال دخلنا على أبي سعيد فأفطر ونحن نرى أن الشمس لم تغرب قوله (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم باب ما جاء في تعجيل الافطار قوله (لا يزال الناس بخير) في حديث أبي هريرة لا يزال الدين ظاهرا وظهور الدين مستلزم لدوام الخير (ما عجلوا الفطر) أي ما داموا على هذه السنة زاد أبو ذر في حديثه وأخروا السحور أخرجه أحمد وما ظرفية أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة واقفين عند حدها غير متنطعين بعقولهم ما يغير قواعدها زاد أبو هريرة لأن اليهود والنصارى يؤخرون
[ 315 ]
أخرجه أبو داود وغيره واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين وكذا عدل واحد في الأرجح قاله الحافظ في الفتح قال القاري قال بعض علمائنا ولو أخر لتأديب النفس ومواصلة العشاءين بالنفل غير معتقد وجوب التأخير لم يضره ذلك أقول بل يضره حيث يفوته السنة وتعجيل الافطار بشربة ماء لا ينافي التأديب والمواصلة مع أن في التعجيل إظهار العجز المناسب للعبودية ومبادرة إلى قبول الرخصة من الحضرة الربوبية انتهى كلام القاري قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه مرفوعا بلفظ لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون (وابن عباس) أخرجه الطيالسي بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة كذا في سراج السرهندي (وعائشة رضي الله عنها) أخرجه الترمذي (وأنس بن مالك) أخرجه الحاكم وابن عساكر بلفظ من فقه الرجل في دينه تعجيل فطره وتأخير سحوره وتسحروا فإنه الغذاء المبارك قوله (حديث سهل بن سعد حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الخ) أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا انتهى قوله (أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا) أي أكثرهم تعجيلا في الافطار قال الطيبي
[ 316 ]
ولعل السبب في هذه المحبة المتابعة للسنة والمباعدة عن البدعة والمخالفة لأهل الكتاب انتهى وقال القاري وفيه إيماء إلى أفضلية هذه الأمة لأن متابعة الحديث توجب محبة الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله وإليه الاشارة بحديث لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) ورواه أحمد وابن حزيمة وابن حبان في صحيحهما نقله ميرك كذا في المرقاة قوله (ويعجل الصلاة) الظاهر أن المراد صلاة المغرب ويمكن حملها على العموم وتكون المغرب من جملتها قاله أبو الطيب السندي (والاخر أبو موسى) قال الطيبي الأول عمل بالعزيمة والسنة والثاني بالرخصة انتهى قال القاري وهذا إنما يصح لو كان الاختلاف في الفعل فقط أما إذا كان الاختلاف قوليا فيحمل على أن ابن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وأبو موسى اختار عدم المبالغة فيه وإلا فالرخصة متفق عليها عند الكل والأحسن أن يحمل عمل ابن مسعود على السنة وعمل أبي موسى على بيان الجواز انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 317 ]
باب ما جاء في تأخير السحور بفتح السين وهو ما يتسحر به من الطعام وبالضم مصدر قوله (قال قلت) أي قال أنس قلت لزيد بن ثابت (كم كان قدر ذاك) وفي رواية البخاري كم كان بين الأذان والسحور (قال) أي زيد بن ثابت (قدر خمسين اية) أي متوسطة لا طويلة ولا قصيرة ولا سريعة ولا بطيئة وقدر بالرفع على أنه خبر المتبدأ ويجوز النصب على أنه خبر كان المقدرة في جواب زيد قاله الحافظ قوله (وفي الباب عن حذيفة) أخرجه الطحاوي في شرح الاثار من رواية زر بن حبيش قال تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل قلت إني أريد الصوم قال وأنا أريد الصوم قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صنعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت بعد الصبح قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وأخرجه النسائي وأحمد تنبيه قال العيني في عمدة القاري فإن قلت حديث حذيفة يدل على أن تسحرهم كان بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وحديث زيد بن ثابت يدل على أن الفراغ من السحور كان قبل الفجر بمقدار قراءة خمسين اية قلت أجاب بعضهم بأن لا معارضة بل يحمل على اختلاف الحال فليس في رواية واحد منهما ما يشعر بالمواظبة انتهى قلت هذا الجواب لا يشفي العليل ولا يروي الغليل بل الجواب القاطع ما ذكره الحافظ أو جعفر الطحاوي بقوله بعد أن روى حديث حذيفة وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما روي عن
[ 318 ]
حذيفة فذكر الأحاديث التي اتفق عليها الشيخان وغيرهما وقال أيضا ويحتمل أن يكون حديث حذيفة قبل نزول قوله تعالى وكلوا وأشربوا الاية انتهى كلام العيني قلت أراد العيني بقوله بعضهم الحافظ ابن حجر ولم ينقل جوابه بتمامه بل ترك الجملة الأخيرة من جوابه وهي فتكون قصة حذيفة سابقة فجواب الحافظ شاف للعليل ومرو للغليل واعتراض العيني مما لا يلتفت إليه قوله (حديث زيد بن ثابت حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري باب ما جاء في بيان الفجر قوله (أخبرنا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر أبو عمرو اليمامي صدوق من الثامنة كذا في التقريب قلت روي عن عبد الله بن نعمان وغيره وعنه هناد وغيره وقال ابن معين وأبو زرعة والنسائي ثقة (قال حدثني عبد بن النعمان) السحيمي اليمامي مقبول من السادسة كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (ولا يهيدنكم) بفتح أوله وبالدال من هاده يهيده هيدا وهو الزجر (الساطع المصعد) بصيغة المفعول من الاصعاد أي المرتفع قال في المجمع أي لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور فإنه الصبح الكاذب وأصل الهيد الحركة انتهى وقال الحافظ في الفتح قوله لا يهيدنكم بكسر الهاء أي لا يزعجنكم فتمتنعوا به عن السحور فإنه الفجر الكاذب يقال هدته أهيده إذا أزعجته وبن أبي شيبة عن ثوبان مرفوعا الفجر فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه ولكن المستطير أي هو الذي يحرم الطعام ويحل الصلاة وهذا موافق للآية الماضية يعني كلوا واشربوا حين يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر حتى يعترض لكم الأحمر أي الفجر الأحمر المعترض من المراد به الصبح الصادق وفي عمدة
[ 319 ]
القاري قوله الساطع المصعد قال الخطابي سطوعه ارتفاعه مصعدا قبل أن يعترض قال ومعنى الأحمر ههنا أن يستبطن البياض المعترض أوائل حمرة انتهى ما في العمدة قوله (وفي الباب عن عدي بن حاتم وأبي ذر وسمرة) أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه الشيخان وأخرجه أيضا الترمذي في كتاب التفسير وأما حديث أبي ذر فأخرجه الطحاوي في شرح الاثار بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعا وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضا كذا في نصب الراية وأما حديث سمرة فأخرجه مسلم مرفوعا بلفظ لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا يعني معترضا وفي رواية ولا هذا البياض حتى يستطير وأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (حديث طلق بن علي حديث حسن غريب من هذا الوجه) ذكر الحافظ هذا الحديث في فتح الباري وسكت عنه قوله (وبه يقول عامة أهل العلم) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وغيرهم وعليه تدل الأحاديث المرفوعة الصحيحة وذهب معمر وسليمان الأعمش وأبو مجلز والحكم بن عتيبة إلى جواز التسحر ما لم تطلع الشمس واحتجوا في ذلك بحديث حذيفة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه وقال ابن حزم عن الحسن كل ما امتريت وعن ابن جريج قلت لعطاء أيكره أن أشرب وأنا في البيت لا أدري لعلي أصبحت قال لا بأس بذلك هو شك وقال ابن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم قال لم يكونوا يعدون الفجر فجركم إنما كانوا
[ 320 ]
يعدون الفجر الذي يملأ البيوت والطرق وعن معمر أنه كان يؤخر السحور جدا حتى يقول الجاهل لا صوم له وروى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر من طرق عن أبي بكر أنه أمر بغلق الباب حتى لا يرى الفجر وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن علي رضي الله عنه أنه صلى الصبح ثم قال الان حين يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود . وقال ابن المنذر : ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبيين بياض النهار من سواد الليل أن ينتشر البياض من الطرق والسكك والبيوت . وروي بإسناد صحيح عن سالم بن عبيد الأشجعي وله صحبة أن أبا بكر رضي الله عنه قال له : اخرج فانظر هل طلع الفجر ? قال فنظرت ثم أتيته فقلت قد أبيض وسطع ، ثم قال اخرج فانظر هل طلع ? فنظرت فقلت قد اعترض فقال الان ابلغني شرابي وروى من طريق وكيع عن الأعمش أنه قال لولا الشهرة لصليت الغداة ثم تسحرت كذا في عمدة القاري وفتح الباري قلت تقدم الجواب عن حديث حذيفة وأما الاثار فهي لا تقاوم الأحاديث المرفوعة الصحيحة باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم قوله (من لم يدع) أي لم يترك (قول الزور) زاد البخاري في رواية والجهل قال الحافظ في الفتح المراد بقول الزور الكذب انتهى وقال القاري المراد به الباطل وهو ما فيه اسم والإضافة بيانية وقال الطيبي الزور الكذب والبهتان أي من لم يترك القول الباطل من قول الكفر وشهادة الزور والإفتراء والغيبة والبهتان والقذف والشتم واللعن وأمثالها مما يجب على الإنسان اجتنابها ويحرم عليه ارتكابها (والعمل) بالنصب (وبه) أي بالزور يعني الفواحش من الأعمال لأنها في الاثم كالزور وقال الطيبي هو العمل بمقتضاه من الفواحش وما نهى الله عنه (فليس لله حاجة) أي التفات ومبالاة وهو مجاز عن عدم القبول به نفي السبب وإرادة نفي المسبب (بأن يدع طعامه وشرابه) فإنهما مباحان في الجملة فإذا تركهما وارتكب أمرا حراما من أصله
[ 321 ]
استحق المقت وعدم قبول طاعته قال القاضي المقصود من الصوم كسر الشهوة وتطويع الأمارة فإذا لم يحصل منه ذلك لم يبال بصومه ولم ينظر إليه نظر عناية فعدم الحاجة عبارة عن عدم الالتفات والقبول وكيف يلتفت إليه والحال أنه ترك ما يباح من غير زمان الصوم من الأكل والشرب وارتكب ما يحرم عليه في كل زمان انتهى قال ابن بطال ليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه وإنما معناه التحذير من قول الزور وما ذكر معه وهو مثل قوله من باع الخمر فليشقص الخنازير أي يذبحها ولم يأمره بذبحها ولكنه على التحذير والتعظيم ثم بائع الخمر وأما قوله فليس لله حاجة فلا مفهوم له فإن الله لا يحتاج إلى شئ انتهى قال الحافظ في الفتح قال شيخنا يعني العراقي في شرح الترمذي لما أخرج الترمذي هذا الحديث ترجم ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم وهو مشكل لأن الغيبة ليست قول الزور ولا العمل به لأنها أن يذكر غيره بما يكره وقول الزور هو الكذب وقد وافق الترمذي بقية أصحاب السنن فترجموا بالغيبة وذكروا هذا الحديث وكأنهم فهموا من ذكر قول الزور والعمل به الأمر بحفظ النطق ويمكن أن يكون فيه إشارة إلى الزيادة التي وردت في بعض طرقه وهي الجهل فإنه يصح إطلاقه على جميع المعاصي وأما قوله والعمل به فيعود على الزور ويحتمل أن يعود أيضا على الجهل أي والعمل بكل منهما انتهى قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ من لم يدع الخنا والكذب ورجاله ثقات قاله الحافظ في الفتح قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما والنسائي باب ما جاء في فضل السحور بالفتح هو اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه كذا في النهاية
[ 322 ]
قوله (تسحروا) أمر ندب كما أجمعوا عليه أي تناولوا شيئا ما وقت السحر لحديث تسحروا ولو بجرعة ماء وقد صححه ابن حبان وقيل إنه ضعيف انتهى قلت قال الحافظ في فتح الباري يحصل السحور بأقل ما يتناوله المرء من مأكول ومشروب وقد أخرج أحمد من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ السحور بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ولسعيد بن منصور من طريق أخرى مرسلة تسحروا ولو بلقمة انتهى (فإن في السحور بركة) قال القاري الرواية المحفوظة عند المحدثين فتح السين وهو ما يتسحر به من الطعام والشراب انتهى وقال الجزري في النهاية أكثر ما يروى بالفتح وقيل الصواب بالضم لأنه المصدر والأجر في الفعل لا في الطعام انتهى قال الحافظ في الفتح هو بفتح السين وبضمها لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيتناسب الضم لأنه مصدر بمعنى التسحر أو البركة لكونه يقوي على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه ما يتسحر به وقيل البركة ما يتضمن من الاستيقاظ والدعاء في السحر والأولى أن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الاجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس وعمرو بن العاص والعرباض بن سارية وعتبة بن عبد وأبي الدرداء) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن حبان عنه مرفوعا نعم سحور المؤمن التمر وأما حديث عبد الله بن مسعود وحديث جابر فلينظر من أخرجهما وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار والطبراني في الكبير عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إن شاء الله تعالى إذا كان حلالا الصائم والمتسحر والمرابط في سبيل الله وأما حديث عمرو بن العاص فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث العرباض بن سارية فأخرجه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قال المنذري رووه كلهم عن الحارث بن زياد عن أبي رهم عن العرباض والحارث لم يرو عنه غير يونس بن سيف وقال أبو عمر النمري مجهول يروى عن
[ 323 ]
أبي رهم حديثه منكر انتهى وأما حديث عتبة بن عبد فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه ابن حبان في صحيحه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغداء المبارك يعني السحور قوله (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب) ما زائدة أضيف إليها الفصل بمعنى الفرق (أكملة السحر) قال النووي بفتح الهمزة هكذا ضبطناه وهكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور في روايات بلادنا وهي عبارة عن المرة الواحدة من الأكل كالغدوة والعشوة وإن كثر المأكول فيها وأما الأكلة بالضم فهي اللقمة الواحدة وادعى القاضي عياض أن الرواية فيه بالضم ولعله أراد رواية بلا وهم فيها بالضم قال والصواب الفتح لأنه المقصود هنا انتهى كلام النووي قال التوربشتي والمعنى أن السحور هو الفارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحته لنا إلى الصبح بعد ما كان حراما علينا أيضا في بدء الاسلام وحرمه عليهم بعد أن يناموا أو مطلقا ومخالفتنا إياهم تقع موقع الشكر لتلك النعمة فقول ابن الهمام إنه من سنن المرسلين غير صحيح كذا في المرقاة قوله (وهذا حديث حسن صحيح) أخرجه مسلم قوله (وأهل مصر يقولون موسى بن علي) بفتح العين وكسر اللام (وأهل العراق يقولون موسى بن علي) بضم العين مصغرا (وهو موسى بن علي بن رباح اللخمي) أبو عبد الرحمن البصري صدوق ربما أخطأ من السابعة كذا في التقريب
[ 324 ]
باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر قوله (عام الفتح) أي فتح مكة (حتى بلغ كراع الغميم) بضم الكاف والغميم بفتح المعجمة وهو اسم واد أمام عسفان قاله الحافظ (فدعا بقدح من ماء) زاد في رواية مسلم فرفعه (فقال أولئك العصاة) جمع العاصي وفي رواية مسلم أولئك العصاة أولئك العصاة مكررا مرتين قال النووي هذا محمول على من تضرر بالصوم أو أنهم أمروا بالفطر أمرا جازما لمصلحة بيان جوازه فخالفوا الواجب وعلى التقديرين لا يكون الصائم اليوم في السفر عاصيا إذا لم يتضرر به ويؤيد التأويل الأول قوله فقيل إن الناس قد شق عليهم الصيام قوله (وفي الباب عن كعب بن عاصم) أخرجه أحمد قال الحافظ في التلخيص روى أحمد من حديث كعب بن عاصم الأشعري بلفظ ليس من أمبر مصيام في مسفر وهذه لغة لبعض أهل اليمن يجعلون لام التعريف ميما ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطب بها هذا الأشعري كذلك لأنها لغته ويحتمل أن يكون الأشعري هذا نطق بها على ما ألف من لغته فحملها عنه الراوي عنه وأداها باللفظ الذي سمعها به وهذا الثاني أوجه عندي والله تعالى أعلم انتهى كلام الحافظ قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر) أخرجه البخاري ومسلم
[ 325 ]
عن جابر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه فقال ما هذا قالوا صائم فقال ليس من البر الصوم في السفر ترجم البخاري في صحيحه باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن ظلل عليه واشتد الحر ليس من البر الصوم في السفر قال الحافظ أشار بهذه الترجمة إلى أن سبب قوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ما ذكر من المشقة وأن من روى الحديث مجردا فقد اختصر القصة إنتهى قوله (واختلف أهل العلم في الصوم في السفر الخ) قال الحافظ في فتح الباري وقد اختلف السلف في هذه المسألة فقالت طائفة لا يجزئ الصوم في السفر عن الفرض بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر لظاهر قوله تعالى فعدة من أيام أخر ولقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر ومقابلة البر الاثم وإذا كان آثما بصومه لم يجزئه وهذا قول بعض أهل الظاهر وحكي عن عمر وابن عمر وأبي هريرة والزهري وإبراهيم النخعي وغيرهم واحتجوا بقوله تعالى ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر قالوا ظاهره فعليه عدة أو فالواجب عدة وتأوله الجمهور بأن التقدير فأفطر فعدة ومقابل هذا القول قول من قال إن الصوم في السفر لا يجوز لمن خاف على نفسه الهلاك والمشقة الشديدة حكاه الطبري عن قوم وذهب أكثر العلماء ومنهم مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن الصوم أفضل لمن قوي عليه ولم يشق عليه وقال كثير منهم الفطر أفضل عملا بالرخصة وهو قول الأوزاعي وأحمد وإسحاق وقال آخرون هو مخير مطلقا وقال آخرون أفضلهما أيسرهما لقوله تعالى يريد الله بكم اليسر فإن كان الفطر أيسر عليه فهو أفضل في حقه وإن كان الصيام أيسر كمن يسهل عليه حينئذ ويشق عليه قضاؤه بعد ذلك فالصوم في حقه أفضل وهو قول عمر بن عبد العزيز واختاره ابن المنذر والذي يترجح قول الجمهور ولكن قد يكون
[ 326 ]
الفطر أفضل لمن اشتد عليه الصوم وتضرر به وكذلك من ظن به الاعراض عن قبول الرخصة كما في المسح على الخفين إنتهى كلام الحافظ قوله (فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى الخ) والظاهر أن قوله ليس من البر الح وقوله أولئك العصاة محمول على من تضرر بالصوم وشق عليه كما تقدم باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر قوله (وكان يسرد الصوم) من باب نصر ينصر أي يتابعه ويواليه وفي رواية الصحيحين قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأصوم في السفر وكان كثير الصيام وفي رواية لمسلم فقال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم فأصوم في السفر قال الحافظ في التلخيص وفي رواية صحيحة عند أبي داود ما يقتضي أنه سأله عن الفرض وصححها الحاكم (إن شئت فصم وإن شئت فأفطر) قال النووي فيه دليل لمذهب الجمهور أن الصوم والفطر جائزان قال وفيه دلالة لمذهب الشافعي ومرافقيه أن صوم الدهر وسرده غير مكروه لمن لا يخاف ضررا ولا يفوت به حقا بشرط فطر يوم العيدين والتشريق لأنه أخبره بسرده لم ينكر عليه بل أقره عليه إنتهى قلت في الاستدلال بهذا الحديث على عدم كراهة صوم الدهر نظرا لأنه يحتمل أن يكون المراد من قوله إني رجل أسرد الصوم أي أكثر الصيام كما يدل عليه قوله وكان كثير الصيام فما لم ينتف هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال
[ 327 ]
قوله (وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو وأبي الدرداء وحمزة بن عمرو الأسلمي) أما حديث أنس بن مالك فأخرجه الشيخان عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر فنزلنا منز في يوم حار فسقط الصوامون وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب المفطرون اليوم بالأجر وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب هذا الباب وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطحاوي عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر ويفطر وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه الشيخان عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان في حر شديد حتى إن كان أحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة وأما حديث حمزة بن عمرو الأسلمي فأخرجه مسلم والنسائي عنه أنه قال يا رسول الله أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل على جناح فقال هي رخصة من الله تعالى فمن أخذ بها فحسن ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه قوله (حديث عائشة أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (فما يعاب على الصائم صومه) لعمله بالعزيمة (ولا على المفطر ففطره) لعمله بالرخصة
[ 328 ]
قوله (فلا يجد المفطر على الصائم) أي لا يغضب قال في القاموس وجد عليه يجد ويجد وجدا وجدة وموجدة غضب (وكانوا يرون أنه من وجد قوة فصام فحسن ومن وجد ضعفا فأفطر فحسن) قال النووي هذا صريح بترجيح مذهب الأكثرين وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر ولا مشقة ظاهرة وقال بعض العلماء الفطر والصوم سواء لتعادل الأحاديث والصحيح قول الأكثرين والله أعلم إنتهى وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه وهذا التفصيل هو المعتمد وهو نص رافع النزاع إنتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الافطار أي وإن لم يكن مسافرا قوله (عن معمر) بفتح الميم وسكون العين (بن أبي حبيبة) بضم الحاء المهملة وتكرارا المثناة من تحت مصغرا وقد قيل فيه ابن أبي حبيبة وليس له عند المصنف إلا هذا الحديث كذا في قوت المغتذي قوله (أنه سأله) أي أن معمر بن أبي حبيبة سأل ابن المسيب (والفتح) أي فتح مكة (فأفطرنا فيهما) إما لأجل السفر وإما للتقوى عند لقاء العدو ويعين الثاني حديث أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض الصحابة وسيجئ لفظه وفيه دليل على جواز الافطار للمحارب عند لقاء العدو (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه مسلم ولفظه إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر
[ 329 ]
أقوى لكم قال فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر ثم نزلنا منزلا آخر فقال إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزمة فأفطرنا الحديث وأخرجه مالك في الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرجه عنه الشافعي في المسند وأبو داود وصححه الحاكم وابن عبد البر كذا في التلخيص قوله (حديث عمر لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكنه يعتضد بحديث أبي سعيد المذكور (وقد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالفطر في غزوة غزاها) رواه مسلم وقد تقدم آنفا لفظه باب ما جاء في الرخصة في الافطار للحبلى والمرضع قوله (عن أنس بن مالك رجل من بني عبد الله بن كعب) زاد في رواية أبي داود إخوة بني قشير قال الحافظ في التقريب أنس بن مالك القشيري الكعبي أبو أمية وقيل أبو أميمة أو أبو مية صحابي نزل البصرة انتهى وقال ابن أبي حاتم في علله سألت أبي عنه يعني الحديث فقال اختلف فيه والصحيح عن أنس بن مالك القشيري انتهى وفي المرقاة الصواب أنه من بني عبد الله بن كعب على ما جزم به البخاري في ترجمته فهو كعبي لا قشيري خلافا لما وقع لابن عبد البر لأن كعبا له ابنان عبد الله جد أنس هذا وقشير وهو أخو عبد الله وأما أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم فهو أنصاري تجاري خزرجي انتهى
[ 330 ]
قوله (أغارت علينا) أي على قومنا فإنه كان مسلما من قبل والإغارة النهب (خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فرسانه صلى الله عليه وسلم (فقال أدن) أمر من الدنو بمعنى القرب (إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة) أي نصفه يعني نصف الصلاة الرباعية (وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام) وفي رواية أبو داود إن الله وضع شطر الصلاة أو نصف الصلاة والصوم عن المسافر وعن المرضع أو الحبلى والله لقد قالهما جميعا أو أحدهما (والله لقد قالهما النبي صلى الله عليه وسلم كليهما أو أحدهما) أي قال الحامل والمرضع كليهما أو أحدهما قوله (وفي الباب عن أبي أمية) أخرجه النسائي وليس فيه ذكر المرضع والحبلى قوله (حديث أنس بن مالك الكعبي حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم) كذا قال الترمذي ولا خلاف في جواز الافطار للحامل والمرضعة إذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين قال الشوكاني في النيل يجوز للحبلى والمرضع الافطار وقد ذهب إلى ذلك العترة والفقهاء إذا خافت المرضعة على الرضيع والحامل على الجنين وقالوا إنها تفطر حتما قال أبو طالب ولا خلاف في الجواز انتهى (وقال بعض أهل العلم الحامل والمرضع يفطران ويقضيان ويطعمان وبه يقول سفيان
[ 331 ]
ومالك والشافعي وأحمد) أما أنهما يقضيان فلأنهما في حكم المريض والمريض يفطر ويقضي وأما أنهما يطعمان فلاثار بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم روى أبو داود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله (وعلى الذين يطيقونه) قال كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الطعام أن يفطرا أو يطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا وأخرجه البزار كذلك وزاد في آخره وكان ابن عباس يقول لأم ولد له حبلى أنت بمنزلة الذي لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح الدارقطني إسناده وروى الامام مالك في الموطأ بلاغا أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل إذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال مالك وأهل العلم يرون عليها القضاء كما قال الله عز وجل فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ويريدون ذلك مرضا من الأمراض مع الخوف على ولدها انتهى (وقال بعضهم يفطران ويطعمان ولا قضاء عليهما وإن شاءتا قضتا ولا إطعام وبه يقول إسحاق) فعنده لا يجمع بين القضاء والإطعام فإذا أفطرت الحامل والمرضع قضتاولا إطعام أو أطعمتا ولا قضاء قال الحافظ في الفتح اختلف في الحامل والمرضع ومن أفطر لكبر ثم قوي على القضاء بعد فقال الشافعي يقضون ويطعمون وقال الأوزاعي والكوفيون لا إطعام انتهى قال البخاري في صحيحه قال الحسن وإبراهيم في المرضع والحامل إذا خافتا على أنفسهما أو ولدهما تفطران وتقضيان ولا إطعام بأن الأصل فيه قوله تعالى فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي إذا أفطر يلزم عليه الصوم بقدر ما فاته ولا أثر للفدية فيه والحامل والمرضع أعطى لهما حكم المريض فيلزم عليهما القضاء فقط ويشهد له حديث الباب وقال العلامة الشاه ولي الله في المصفى بعد ذكر قول إسحاق المذكور ما لفظه أين قول بتطبيق أدله مناسب ترمي نمايد انتهى والظاهر عندي أنهما في حكم المريض فيلزم عليهما القضاء فقط والله تعالى أعلم
[ 332 ]
22 باب ما جاء في الصوم عن الميت قوله (ومسلم البطين) بفتح الموحدة وكسر المهملة ثم تحتانية ساكنة ثم نون ثقة من رجال الأئمة الستة قوله (جاءت امرأة) وفي رواية للبخاري جاء رجل (فقالت إن أختي ماتت) وفي رواية للبخاري إن أمي ماتت وعليها صوم شهرين متتابعين وفي رواية للشيخين وعليها صوم نذر وفي رواية للبخاري وعليها صوم شهر وفي رواية له وعليها خمسة عشر يوما قال الحافظ في الفتح وقد ادعى بعضهم أن هذا اضطراب من الرواة والذي يظهر تعدد الواقعة وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسئول عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث (أرأيت لو كان على أختك دين أكنت تقضينه) فيه مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه (قال فحق الله أحق) وفي رواية للبخاري فدين الله أحق أن يقضى وفي رواية للشيخين أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها قالت نعم قال فصومي عن أمك والحديث فيه دليل على أن من مات وعليه صوم صام عنه وليه وهو قول أصحاب الحديث وهو المرجح قوله (وفي الباب عن بريدة وابن عمر وعائشة) أما حديث بريدة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود عنه قال بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتته امرأة فقالت إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال وجب أجرك وردها عليك الميراث قالت يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر فأصوم عنها قال صومي عنها الحديث وأما حديث ابن عمر فلم أقف على من أخرجه في الصوم عن الميت وأما حديثه في الاطعام عن الميت فأخرجه الترمذي في الباب
[ 333 ]
الآتي وسيجئ ما فيه من الكلام وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وغيرهما عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه قوله (وروى أبو معاوية وغير واحد هذا الحديث عن الأعمش الخ) أخرجه البخاري في صحيحه 23 باب ما جاء في الكفارة قوله (أخبرنا عبثر) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المثلثة ابن القاسم الزبيدي بالضم أبو زبيد كذلك الكوفي ثقة قوله (فليطعم عنه) على بناء الفاعل أي فليطعم ولي من مات (مكان كل يوم) من أيام الصيام الفائتة (مسكينا) كذا وقع بالنصب في نسخ الترمذي الموجودة عندنا ووقع في كتاب المشكاة مسكين بالرفع وعلى هذا يكون قوله فليطعم على بناء المجهول ولم يبين في هذا الحديث مقدار الطعام وقد جاء في رواية البيهقي أنه مد من الحنطة وستجئ فانتظر قوله (لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه والصحيح عن ابن عمر موقوف قوله) قال الحافظ في التلخيص بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه رواه ابن ماجه من هذا الوجه ووقع
[ 334 ]
عنده عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن وهو وهم منه أو من شيخه وقال الدارقطني المحفوظ وقفه على ابن عمر وتابعه البيهقي على ذلك انتهى وقال الزيلعي في نصب الراية وضعفه عبد الحق في أحكامه بأشعث وابن أبي ليلى وقال الدارقطني في علله المحفوظ موقوف هكذا رواه عبد الوهاب بن بخت عن نافع عن ابن عمر وقال البيهقي في المعرفة لا يصح هذا الحديث فإن محمد بن أبي ليلى كثير الوهم ورواه أصحاب نافع عن نافع عن ابن عمر قوله ثم أخرجه عن عبيد الله بن الأخنس عن نافع عن ابن عمر قال من مات وعليه صيام رمضان فليطعم عنه كل يوم مسكينا مدا من حنطة انتهى قوله (واختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم يصام عن الميت وبه يقول أحمد وإسحاق قالا إذا كان على الميت نذر صيام يصام عنه وإذا كان عليه قضاء رمضان أطعم عنه) وهو قول الليث وأبو عبيد واستدلوا بحديث ابن عباس المذكور في الباب فإن قوله فيه وعليها صوم شهرين متتابعين يقتضي أنه لم يكن عليها صوم شهر رمضان بل كان عليها صوم النذر بل قد وقع في رواية للشيخين وعليها صوم نذر وقد جاء في رواية أحمد وغيره بيان سبب النذر بلفظ إن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك فقال صومي عنها وحملوا العموم الذي في حديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه على المقيد في حديث ابن عباس وفيه أنه ليس بين حديث ابن عباس وحديث عائشة تعارض حتى يجمع بينهما فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة وقد وقعت الاشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره فدين الله أحق أن يقضى (وقال مالك وسفيان والشافعي لا يصوم أحد عن أحد) وهو قول الحنفية واستدلوا بحديث ابن عمر المذكور في الباب وفيه أنه قد تقدم أن المحفوظ أنه موقوف وللاجتهاد فيه مسرح فلا يصلح للاستدلال ثم ليس فيه ما يمنع الصيام
[ 335 ]
فإن قلت روى مالك بلاغا أن ابن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد أو يصلي أحد عن أحد فيقول لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن احد ففيه ما يمنع الصيام قلت قد جاء عن ابن عمر خلاف ذلك كما ذكره البخاري تعليقا وسيجئ فاختلف قوله على أنه موقوف أيضا والحديث الصحيح أولى بالاتباع واستدلوا أيضا بما روى النسائي في الكبرى بإسناد صحيح عن ابن عباس قال لا يصلي أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد وبما روي عن عائشة أنها سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم قالت يطعم عنها وعن عائشة قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم أخرجه البيهقي قالوا فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه وفيه أن هذا الاستدلال أيضا مخدوش أما أولا فلأنه جاء عن ابن عباس خلاف ذلك فروى ابن أبي شيبة بسند صحيح سند ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر فقال يصام عنه النذر وفي صحيح البخاري تعليقا أمر ابن عمر امرأة جعلت أمها على نفسها صلاة فقال صلى عنها وقال ابن عباس نحوه قال ابن عبد البر والنقل في هذا عن ابن عباس مضطرب قال الحافظ في الفتح ويمكن الجمع بحمل الاثبات في حق من مات والنفي في حق الحي انتهى وأما أثر عائشة الأول فليس فيها ما يمنع الصيام وأما أثرها الثاني فضعيف جدا كما صرح به الحافظ في الفتح وأما ثانيا فلأن الراجح أن المعتبر ما رواه الصحابي لا ما رآه كما تقرر في مقره تنبيه ذكر الترمذي في هذا الباب قولين وفيه قول ثالث وهو أنه يجوز للولي أن يصوم عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان قال الحافظ في الفتح قد اختلف السلف في هذه المسألة فأجاز الصيام عن الميت أصحاب الحديث وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية وقال البيهقي في الخلافيات هذه المسألة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها ثم ساق بسنده إلى الشافعي كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث ولا تقلدوني ثم ذكر الحافظ القولين اللذين ذكرهما الترمذي قلت هذا القول الثالث الذي قال به أهل الحديث هو الراجح المعول عليه عندي يدل عليه حديث ابن عباس وحديث بريدة وحديث عائشة وهذه الأحاديث الثلاثة قد تقدمت في الباب المتقدم
[ 336 ]
24 باب ما جاء في الصائم يذرعه القئ أي يغلبه قوله (حدثنا محمد بن عبيد) بضم العين مصغرا قوله (ثلاث) أي ثلاث خصال (لا يفطرن) من التفطير (الحجامة) بكسر الحاء أي الاحتجام (والقئ) أي إذا غلبه قال البيهقي في المعرفة هو محمول على ما ما لو ذرعه القئ جمعا بين الأخبار انتهى (والاحتلام) أي ولو تذكر المنام ورأى المنى لأنه وإن كان في معنى الجماع لكن حيث أنه ليس باختياره لا يضره بالإجماع قوله (حديث أبي سعيد غير محفوظ الخ) وأخرجه البيهقي (ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد) ورواه أبو داود عن زيد بن أسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورجحه أبو حاتم وأبو زرعة وقال إنه أصح وأشبه بالصواب كذا في النيل قوله (سمعت أبا داود السجزي) قال العراقي يريد أبا داود السجستاني صاحب السنن فإنه روى عنه قال ابن مأكولا السجزي نسبة إلى سجستان على غير قياس كذا في قوت المغتذي وقال في المغنى السجزي بمكسورة وسكون جيم وبزاي نسبة إلى السجز وهو اسم لسجستان وقيل نسبة إلى سجستان بغير قياس انتهى (فقال أخوه عبد الله بن زيد لا بأس به) يعني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف اعلم أن لزيد بن أسلم ثلاثة بنين عبد الله
[ 337 ]
وعبد الرحمن وأسامة فعند أحمد عبد الله ثقة والاخران ضعيفان وعند يحيى بن معين بنو زيد كلهم ضعيف (وسمعت محمدا) هو الامام البخاري (يذكر عن علي بن عبد الله) هو ابن المديني 25 باب ما جاء من استقاء عمدا قوله (ومن ذرعة القئ) بالذال المعجمة أي غلبه وسبقه في الخروج (فليس عليه قضاء) لأنه لا تقصير منه (ومن استقاء عمدا) أي من تسبب لخروجه قصدا (فليقض) قال ابن الملك والأكثر على أنه لا كفارة عليه قوله (وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي والدارمي عن معدان بن طلحة أن أبا الدراداء حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فقلت إن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال صدق وأنا صببت له وضوءه (وفضالة بن عبيد) أخرجه ابن ماجه بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم في يوم كان يصومه فدعا بإناء فشرب فقلنا يا رسول الله إن هذا يوم كنت تصومه قال أجل ولكني قئت وفي الباب عن ابن عمر موقوفا عند مالك في الموطأ والشافعي بلفظ من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فليس عليه القضاء قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة وأعله أحمد وقواه الدارقطني كذا في بلوغ المرام
[ 338 ]
قوله (وقال محمد) هو البخاري (لا أراه) بضم الهمزة أي لا أظنه قال الطيبي الضمير راجع إلى الحديث وهو عبارة عن كونه منكرا انتهى وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول ليس من ذا شئ قال الخطابي يريد أن الحديث غير محفوظ قوله (هكذا روي في بعض الحديث مفسرا) قال الزيلعي في نصب الراية والحديث المفسر الذي أشار إليه الترمذي رواه ابن ماجه من حديث أبي مرزوق قال سمعت فضالة بن عبيد الأنصاري يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم فذكر الحديث وقد تقدم لفظه آنفا قوله (وبه يقول الشافعي وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة ففي الموطأ للإمام محمد أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يقول من استقاء وهو صائم فعليه القضاء ومن ذرعه القئ فليس عليه شئ قال محمد وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة
[ 339 ]
26 باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأم إسحاق الغنوية) أما حديث أبي سعيد فلم أقف عليه وأما حديث أم إسحاق فأخرجه أحمد بلفظ أنها كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بقصعة من ثريد فأكلت معه ثم تذكرت أنها كانت صائمة فقال لها ذو اليدين الان بعد ما شبعت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم أتمي صومك فإنما هو رزق ساق الله إليك انتهى قال الحافظ في الفتح وفي هذا رد على من فرق بين قليل الأكل وكثيره قال ومن المستظرفات ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عمرو بن دينار أن إنسانا جاء إلى أبي هريرة فقال أصبحت صائما فنسيت فطعمت قال لا بأس قال ثم دخلت على إنسان فنسيت فطعمت وشربت قال لا بأس الله أطعمك وسقاك ثم قال دخلت على آخر فنسيت فطعمت قال أبو هريرة أنت إنسان لم تتعود الصيام قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة فهؤلاء كلهم يقولون إن من أكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة واحتجوا
[ 340 ]
بحديث الباب (وقال مالك بن أنس إذا أكل في رمضان ناسيا فعليه القضاء) وأجاب بعض المالكية عن حديث الباب بأنه محمول على صوم التطوع وقال القرطبي احتج به من أسقط القضاء وأجيب بأنه لم يتعرض فيه للقضاء فيحمل على سقوط المؤاخذة لأن المطلوب صيام يوم لا حزم فيه لكن روى الدارقطني فيه سقوط القضاء وهو لا يقبل الاحتمال لكن الشأن في صحته فإن صح وجب الأخذ به وسقط القضاء انتهى وقال المهلب وغيره لم يذكر في الحديث إثبات القضاء فيحمل على سقوط الكفارة عنه وإثبات عذره ورفع الاثم عنه وبقاء نيته التي بيتها انتهى والجواب عن ذلك كله بما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة فعين رمضان وصرح بإسقاط القضاء ذكره الحافظ في فتح الباري وقال بعد ذكر طرق هذا الحديث فأقل درجات هذا الحديث بهذه الزيادة أن يكون حسنا فيصلح للاحتجاج به وقد وقع الاحتجاج في كثير من المسائل بما هو دونه في القوة ويعتضد أيضا بأنه قد أتي به جماعة من الصحابة من غير مخالفة لهم منهم علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت وأبو هريرة وابن عمر ثم هو موافق لقوله تعالى ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فالنسيان ليس من كسب القلب انتهى كلام الحافظ قوله (والأول أصح) أي القول الأول أصح من قول مالك وتقدم وجه كونه أصح آنفا 27 باب ما جاء في الافطار عمدا قوله (أخبرنا المطوس) بكسر الواو المشددة هو يزيد وقيل عبد الله بن المطوس لين الحديث كذا في التقريب (عن أبيه) هو المطوس قال في التقريب المطوس بتشديد الواو المكسورة ويقال أبو المطوس عن أبي هريرة مجهول من الرابعة
[ 341 ]
قوله (من غير رخصة) كسفر (ولا مرض) أي مبيح للإفطار من عطف الخاص على العام (لم يقض عنه صوم الدهر كله) أي صومه فالإضافة بمعنى في نحو مكر الليل وكله للتأكيد (وإن صامه) أي ولو صام الدهر كله قال الطيبي أي لم يجد فضيلة الصوم المفروض بصوم النفل وإن سقط قضاؤه بصوم يوم واحد وهذا على طريق المبالغة والتشديد ولذلك أكده بقوله وإن صامه أي حق الصيام قال ابن الملك وإلا فالإجماع على أنه يقضي يوما مكانه وقال ابن حجر وما اقتضاه ظاهره أن صوم الدهر كله بينة القضاء عما أفطره من رمضان لا يجزئه قال به علي وابن مسعود والذي عليه أكثر العلماء يجزئه وإن كان ما أفطره في غاية الطول والحر وما صامه بدله في غاية القصر والبرد كذا في المرقاة قلت قال البخاري في صحيحه ويذكر عن أبي هريرة رفعه من أفطر يوما في رمضان من غير عذر ولا مرض لم يقضه صيام الدهر وإن صامه وبه قال ابن مسعود وقال سعيد بن المسيب وابن جبير وإبراهيم وقتادة وحماد يقضي يوما مكانه انتهى وذكر الحافظ في الفتح من وصل هذه الاثار قال وصله يعني أثر ابن مسعود للطبراني والبيهقي بإسناد لهما عن عرفجة قال قال عبد الله بن مسعود من أفطر يوما في رمضان متعمدا من غير علة ثم قضى طوال الدهر لم يقبل منه وبهذا الاسناد عن علي مثله انتهى وقال أبو هريرة بمثل قول ابن مسعود رضي الله عنه كما سيجئ فظهر أن ما ادعى ابن الملك من أن الاجماع على أنه يقضي يوما مكانه ليس بصحيح قوله (حديث أبي هريرة رضي الله عنه حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وصححه ابن خزيمة من طريق سفيان الثوري وشعبة كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت عن عمارة بن عمير عن أبي المطوس عن أبيه عن أبي هريرة قوله (وسمعت محمدا يقول أبو المطوس اسمه يزيد بن المطوس ولا أعرف له غير هذا الحديث) وقال البخاري في التاريخ تفرد أبو المطوس بهذا الحديث ولا أدري سمع أبوه من أبي هريرة أم لا قال الحافظ في الفتح واختلف فيه على حبيب بن أبي ثابت اختلافا كثيرا
[ 342 ]
فحصلت فيه ثلاث علل الاضطراب والجهل بحال أبي المطوس والشك في سماع أبيه عن أبي هريرة وهذه الثالثة تختص بطريقة البخاري في اشتراط اللقاء وذكر ابن حزم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مثله موقوفا انتهى كلام الحافظ 28 باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان قوله (أتاه رجل) وفي رواية للبخاري وغيره بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل قال الحافظ لم أقف على تسميته إلا أن عبد الغني في المبهمات وتبعه ابن بشكوال جزما بأنه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي (فقال يا رسول الله) وقع في رواية جاء رجل وهو ينتف شعره ويدق صدره ويقول هلك الأبعد وفي رواية يلطم وجهه وفي رواية ويحثى على رأسه التراب قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات واستدل بهذا على جواز هذا الفعل والقول ممن وقعت له معصية ويفرق بذلك بين مصيبة الدين والدنيا فيجوز في مصيبة الدين لما يشعر به الحال من شدة الندم وصحة الاقلاع ويحتمل أن تكون هذه الواقعة قبل النهي عن لطم الخدود وحلق الشعر عند المصيبة (هلكت) وفي حديث عائشة احترقت واستدل به على أنه كان عامدا لأن الهلاك والاحتراق مجاز عن العصيان المؤدي إلى ذلك فكأنه جعل المتوقع كالواقع وبالغ فعبر عنه بلفظ الماضي وإذا تقرر ذلك فليس فيه حجة على وجوب الكفارة على الناس وهو مشهور قول مالك والجمهور وعن أحمد وبعض المالكية يجب على الناس وتمسكوا بترك استفساره عن جماعة هل كان عن عمد أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل يترك منزلة العموم في القول كما اشتهر والجواب أنه قد تبين حاله بقوله هلكت واحترقت فدل على أنه كان عامدا عارفا بالتحريم وأيضا فدخول النسيان في الجماع في نهار رمضان في غاية البعد (وقعت على امرأتي في رمضان) وفي حديث عائشة وطئت امرأتي (قال هل تستطيع أن تعتق رقبة) أي عبدا أو أمة
[ 343 ]
(قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا قال فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا قال لا) قال القاضي وكذا في شرح السنة رتب الثاني بالفاء على فقد الأول ثم الثالث بالفاء على فقد الثاني فدل على الترتيب وقال مالك بالتخيير فإن المجامع مخير بين الخصال الثلاث عنده قال ابن حجر الكفارة مرتبة ككفارة الظهار المذكورة في سورة المجادلة وهو قول الشافعي والأكثرين وقال مالك إنها مخيرة كالكفارة المذكورة في سورة المائدة لرواية أبي داود أن يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا وأجابوا بأن أو كما لا تقتضي الترتيب لا تمنعه كما بينته الروايات الأخر وحينئذ فالتقدير أو يصوم إن عجز عن العتق أو يطعم إن عجز عن الصوم ورواتها أكثر وأشهر فقد رواها عشرون صحابيا وهي حكاية لفظ النبي صلى الله عليه وسلم ورواة هذا اثنان وهو لفظ الراوي انتهى كذا في المرقاة قلت لا شك أن رواة الكفارة مرتبة أكثر وأما إنها رواها عشرون صحابيا ففيه نظر قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وسلك الجمهور في ذلك مسلك الترجيح بأن الذين رووا الترتيب عن الزهري أكثر ممن روى التخير إلى أن قال بل روى الترتيب تمام ثلاثين نفسا أو أزيد قال ويترجح الترتيب أيضا بأنه أحوط لأن الأخذ به مجزي سواء قلنا بالتخيير أو لا بخلاف العكس انتهى كلام الحافظ والحاصل أن القول بالترتيب هو الراجح المعول عليه (بعرق) بفتحتين (والعرق المكتل) بكسر الميم أي الزنبيل (الضخم) بسكون الخاء أي العظيم وفي حديث علي عند الدارقطني تطعم ستين مسكينا لكل مسكين مد وفيه فأتى بخمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وكذا في رواية حجاج عن الزهري عند الدارقطني في حديث أبي هريرة وقد جاء في بيان مقدار ما في المكتل من التمر روايات مختلفة وبرواية على هذه يحصل الجمع بينها كما ذكره الحافظ في الفتح (قال فتصدق به) أي على الفقراء (فقال) أي الرجل (ما بين لابتيها) أي المدينة
[ 344 ]
29 باب ما جاء في السواك للصائم قوله (عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني ضعيف من الرابعة قوله (ما لا أحصى) أي مقدارا لا أقدر على إحصائه وعده لكثرته (يتسوك) مفعول ثان لأنه خبر على الحقيقة وما موصوفة ولا أحصى صفتها وهي ظرف ليتسوك مرات لا أقدر على
[ 345 ]
عدها قاله الطيبي قال ميرك ولعله حمل الرؤية على معنى العلم فجعل يتسوك مفعو ثانيا ويحتمل أن تكون بمعنى الابصار ويتسوك حينئذ حال وقوله (وهو صائم) حال أيضا إما مترادفة وإما متداخلة كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه ابن ماجه والدارقطني بلفظ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خصال الصائم السواك (حديث عامر بن ربيعة حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه وقال كنت لا أخرج حديث عاصم ثم نظرت فإذا شعبة والثوري قد رويا عنه وروي يحيى وعبد الرحمن عن الثوري عنه وروى مالك عنه خبرا في غير الموطأ قال الحافظ وضعفه ابن معين والذهلي والبخاري وغير واحد انتهى قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بالسواك للصائم بأسا) قبل الزوال وبعده رطبا كان السواك أو يابسا وهو قول أكثر أهل العلم وبه قال مالك وأبو حنيفة والشافعي على ما حكى عنه الترمذي واحتجوا بحديث الباب وبحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وبحديث أبي هريرة لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أخرجه النسائي وبجميع الأحاديث التي رويت في معناه وفي فضل السواك فإنها بإطلاقها تقتضي إباحة السواك في كل وقت وعلى كل حال وهو الأصح والأقوى (إلا أن بعض أهل العلم كرهوا السواك للصائم بالعود الرطب) كالمالكية والشعبي فإنهم كرهوا للصائم الاستياك بالسواك الرطب لما فيه من الطعم وأجاب عن ذلك ابن سيرين جوابا حسنا قال البخاري في صحيحه قال ابن سيرين لا بأس بالسواك الرطب قيل له طعم قال والماء له طعم وأنت تمضمض به انتهى وقال ابن عمر لا بأس أن يستاك الصائم بالسواك الرطب واليابس رواه ابن أبي شيبة قلت هذا هو الأحق لأن أقصى ما يخشى من السواك الرطب أن يتحلل منه في الفم شئ وذلك الشئ كماء المضمضة فإذا قذفه من فيه لا يضره بعد ذلك والله تعالى أعلم (وكرهوا له السواك آخر النهار) واحتجوا على ذلك بأن في الاستياك آخر النهار إزالة الخلوف
[ 346 ]
المحمود بقوله صلى الله عليه وسلم لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك وأجيب بأن الخلوف بضم الخاء المعجمة على الصحيح تغير رائحة الفم من خلو المعدة وذلك لا يزال بالسواك قال ابن الهمام بل إنما يزيل أثره الظاهر عن السن من الاصفرار وهذا لأن سبب الخلوف خلو المعدة من الطعام والسواك لا يفيد شغلها بطعام ليرتفع السبب ولهذا روى عن معاذ مثل ما قلنا روى الطبراني عن عبد الرحمن بن غنم قال سألت معاذ بن جبل أتسوك وأنا صائم قال نعم قلت أي النهار شئت غدوة وعشية قلت إن الناس يكرهونه عشية ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فقال سبحان الله لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لا بد بفي الصائم خلوف وإن استاك وما كار الذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا ما في ذلك من الخير شئ بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بدا انتهى قلت إسناد هذا الأثر جيد كما صرح به الحافظ في التلخيص الحبير قال ابن الهمام وكذا الغبار في سبيل الله لقوله عليه الصلاة والسلام من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار إنما يؤجر عليه من اضطر إليه ولم يجد عنه محيصا فأما من ألقى نفسه عمدا فما له في ذلك من الأجر شئ قيل فيدخل في هذا أيضا من تكلف الدوران تكثيرا للمشي إلى المساجد نظرا إلى قوله عليه الصلاة والسلام وكثرة الخطا إلى المساجد قال وفي المطلوب أحاديث مضعفة منها ما رواه البيهقي عن ابراهيم بن عبد الرحمن حدثنا إسحاق الخوارزمي قال سألت عاصم الأحول أيستاك الصائم بالسواك الرطب قال نعم أتراه أشد رطوبة من الماء قلت أول النهار وآخره قال نعم قلت عمن رحمك الله قال عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى ابن حبان عن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستاك آخر النهار وهذا هو الصحيح عن ابن عمر من قوله قلنا كفى ثبوته عن ابن عمر مع تعدد الضعيف فيه مع عمومات الأحاديث الواردة في فضل السواك وأما ما روى الطبراني عنه عليه الصلاة والسلام إذا صمتم فاستاكوا بالغدوة ولا تستاكوا بالعشى فإن الصائم إذا يبست شفتاه كانت له نورا يوم القيامة فحديث ضعيف لا يقاوم ما قدمنا انتهى كلام ابن الهمام ملخصا قلت حديث إذا صمتم فاستاكوا بالغدوة الخ رواه الدارقطني والبيهقي من حديث خباب وضعفاه وروياه أيضا من حديث علي وضعفاه أيضا قاله الحافظ في التلخيص وقال
[ 347 ]
فيه وأخرج الدارقطني من طريق عمر بن قيس عن عطاء عن أبي هريرة قال لك السواك إلى العصر فإذا صليت العصر فالقه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك انتهى قلت وهذا الحديث أيضا ضعيف فإن عمر بن قيس متروك قال في التقريب عمر بن قيس المكي المعروف بسندل متروك من السابعة انتهى وقال في الخلاصة في ترجمته عن عطاء وعنه ابن عيينة وابن وهب قال البخاري منكر الحديث انتهى قوله (ولم ير الشافعي بالسواك بأسا أول النهار وآخره) كذا حكى الترمذي عن الشافعي والمشهور عنه أنه كان يكره السواك بعد الزوال 30 باب ما جاء في الكحل للصائم قوله (حدثنا عبد الأعلى بن واصل) بن عبد الأعلى الأسدي الكوفي ثقة من كبار العاشرة (أخبرنا الحسن بن عطية) بن نجيح القرشي أبو علي البزاز صدوق من التاسعة (أخبرنا أبو عاتكة) مجمع على ضعفه وسيجئ ترجمته (قال اشتكت عيني) بالتشديد وفي نسخة بالتخفيف أي أشكو من وجع عيني قاله القاري (قال نعم) فيه جواز الاكتحال بلا كراهة للصائم وبه قال الأكثرون قوله (وفي الباب عن أبي رافع) أخرجه البيهقي من طريق محمد بن عبيدالله بن أبي رافع عن أبيه عن جده بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم قال ابن أبي حاتم عن أبيه هذا حديث منكر وقال في محمد إنه منكر وكذا قال البخاري ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر وسنده مقارب ورواه ابن أبي عاصم في كتاب الصيام له من حديث ابن عمر أيضا ولفظه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعيناه مملؤتان من الاثمد وذلك في
[ 348 ]
رمضان وهو صائم ذكره الحافظ في التلخيص قال ورواه أبو داود من فعل أنس ولا بأس بإسناده قال وفي الباب عن بريرة مولاة عائشة في الطبراني الأوسط وعن ابن عباس في شعب الايمان للبيهقي بإسناد جيد انتهى وفي الباب أيضا عن عائشة قالت اكتحل النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم أخرجه ابن ماجه عن بقية حدثنا الزبيدي عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والزبيدي هو سعيد بن أبي سعيد الزبيدي كما هو مصرح في رواية البيهقي وهو ضعيف قوله (وأبو عاتكة يضعف) قال في التقريب اسمه طريف بن سليمان أو بالعكس ضعيف وبالغ السليماني فيه من الخامسة وقال في الخلاصة عن أنس وعنه الحسن بن عطية قال البخاري منكر الحديث انتهى وقال في الميزان مجمع على ضعفه قوله (واختلف أهل العلم في الكحل للصائم فكرهه بعضهم وهو قول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق) واستدل لهم بما أخرج أبو داود من طريق عبد الرحمن بن النعمان بن معبد بن هوذة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم وقال ليتقه الصائم قال أبو داود قال لي يحيى بن معين هو حديث منكر انتهى قال الزيلعي قال صاحب التنقيح معبد وابنه النعمان كالمجهولين وعبد الرحمن بن النعمان قال ابن معين ضعيف وقال لي أبو حاتم صدوق انتهى فهذا الحديث لا يصلح للاستدلال على كراهة الكحل للصائم وليس في كراهته حديث صحيح (ورخص بعض أهل العلم في الكحل للصائم وهو قول الشافعي) وهو قول الحنفية وروى أبو داود في سننه بإسناده هو الأعمش قال ما رأيت أحدا من أصحابنا يكره الكحل للصائم وكان إبراهيم يرخص أن يكتحل الصائم بالصبر انتهى وهذا الأثر سكت عنه أبو داود والمنذري واستدل لهم بأحاديث الباب وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج على جواز الاكتحال للصائم وليس في كراهته حديث صحيح فالراجح هو القول بالجواز من غير كراهة والله تعالى أعلم
[ 349 ]
فإن قلت قد يوجد طعم الكحل في الحلق وقد ورد الفطر مما دخل وليس مما خرج قلت حديث الفطر مما دخل وليس مما خرج مرفوعا ضعيف ثم المراد بالدخول دخول شئ بعينه من منفذ إلى الباطن لا وصول أثر شئ من المسامات إلى الباطن ولذا لا يفطر شم العطر ونحوه 31 باب ما جاء في القبلة للصائم قوله (عن زياد بن علاقة) بكسر العين المهملة وبالقاف ثقة من الثالثة قوله (كان يقبل في شهر الصوم) أي في رمضان وفي رواية لمسلم يقبل في رمضان وهو صائم قال الحافظ في الفتح فأشارت عائشة إلى عدم التفرقة بين صوم الفرض والنفل انتهى قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ قوله (وفي الباب عن عمر بن الخطاب) أخرجه أحمد وأبو داود بلفظ قال هششت يوما فقبلت وأنا صائم فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت صنعت اليوم أمرا عظيما قبلت وأنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم قلت لا بأس بذلك فقال صلى الله عليه وسلم ففيم كذا في المنتقى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أبو داود والنسائي قال النسائي منكر وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم انتهى (وحفصة) أخرجه ابن ماجه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم (وأم سلمة) أخرجه الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم (وابن عباس) أخرجه ابن ماجه بلفظ قال رخص للكبير الصائم في المباشرة وكره للشاب (وأنس) لينظر من أخرجه (وأبي هريرة) أبو داود بلفظ أن رجلا
[ 350 ]
سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا رخص له شيخ وإذا الذي نهاه شاب انتهى وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال ابن الهمام سنده جيد كذا في المرقاة قوله (فرخص بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في القبلة للشيخ ولم يرخصوا للشاب إلخ) قال الحافظ في الفتح فرق قوم بين الشاب والشيخ فكرهها يعني القبلة للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور عن ابن عباس أخرجه مالك وسعيد بن منصور وغيرهما وجاء فيه حديثان مرفوعان فيهما ضعف أخرج أحدهما أبو داود من حديث أبي هريرة وآخر أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص انتهى قوله (وقال بعض أهل العلم القبلة تنقض الأجر ولا تفطر الصائم ورأوا أن الصائم إذا ملك نفسه أن يقبل إلخ) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ويدل على ذلك ما رواه مسلم من طريق عمر بن أبي سلمة وهو ربيب النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيقبل الصائم فقال سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك فقال يا رسول الله قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له فدل ذلك على أن الشاب والشيخ سواء لأن عمر حينئذ كان شابا ولعله كان أول ما بلغ وفيه دلالة على أنه ليس من الخصائص وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار أنه قبل امرأته وهو صائم فأمر امرأته أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فسألته فقال إن أفعل ذلك فقال زوجها يرخص الله لنبيه فيما يشاء فرجعت فقال أنا أعلمكم بحدود الله وأتقاكم وأخرجه مالك لكنه أرسله قال عن عطاء أن رجلا فذكر نحوه مطولا انتهى كلام الحافظ قال قبل هذا قد اختلف في القبلة والمباشرة للصائم فكره قوم مطلقا وهو مشهور عند المالكية وروى
[ 351 ]
ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يكره القبلة والمباشرة ونقل ابن المنذر وغيره عن قوم تحريمها واحتجوا بقوله تعالى فالان باشروهن الاية فمنع من المباشرة في هذه الاية نهارا والجواب عن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين عن الله تعالى وقد أباح المباشرة نهارا فدل على أن المراد بالمباشرة في الاية الجماع لا ما دونه من قبلة ونحوها وأباح القبلة قوم مطلقا وهو المنقول صحيحا عن أبي هريرة وبه قال سعيد وسعد بن أبي وقاص وطائفة بل بالغ بعض أهل الظاهر فاستحيها انتهى كلام الحافظ قلت أعدل الأقوال عندي ما ذهب إليه سفيان الثوري والشافعي من أن الصائم إذا ملك نفسه جاز له التقبيل وإذا لم يأمن تركه وبه يحصل الجمع والتوفيق بين الأحاديث المختلفة وهو قول أبي حنيفة رحمه الله قال محمد بن الحسن في الموطأ لا بأس بالقبلة للصائم إذا ملك نفسه بالجماع فإن خاف أن لا يملك نفسه فالكف أفضل وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة قبلنا انتهى 32 باب ما جاء في مباشرة الصائم المباشرة أعم من القبلة قيل هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج وقيل هي القبلة واللمس باليد قاله القاري قوله (يباشرني) قال النووي معنى المباشرة هنا اللمس باليد وهو من التقاء البشرتين انتهى (وكان أملككم لأريه) بفتح الهمزة والراء وبالموحدة أي حاجته ويروي بكسر الهمزة وسكون الراء أي عضوه والأول أشهر وإلى ترجيحه أشار البخاري من التفسير كذا في فتح الباري قلت قال البخاري بعد رواية هذا الحديث قال ابن عباس إرب حاجة وقال
[ 352 ]
طاؤس (غير أولى الاربة) الأحمق لا حاجة له في النساء انتهى قال الجزري في النهاية أي لحاجته تعني أنه كان غالبا لهواه وأكثر المحدثين يروونه بفتح الهمزة والراء يعنون الحاجة وبعضهم يرويه بكسر الهمزة والراء يعنون الحاجة وبعضهم يرويه بكسر الهمزة وسكون الراء وله تأويلان أحدهما أنه الحاجة والثاني أرادت به العضو وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة انتهى وفي مجمع البحار خدش التفسير بالعضو بأنه خارج عن سنن الأدب انتهى قال النووي معنى كلام عائشة رضي الله تعالى عنها أنه ينبغي لكم الاحتراز عن القبلة ولا تتوهموا من أنفسكم أنكم مثل النبي صلى الله عليه وسلم في استباحتها لأنه يملك نفسه ويأمن الوقوع في قبلة يتولى منها إنزال أو شهوة وهيجان نفس ونحو ذلك وأنتم لا تأمنون ذلك فطريقكم الأنكفاف عنها انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ (وأبو ميسرة اسمه عمرو بن شرحبيل) الكوفي الهمداني ثقة عابد مخضرم (ومعنى لأربه يعني لنفسه) هذا بيان حاصل المعنى وقد عرفت أصل معنى لأربه 33 باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل قوله (من لم يجمع الصيام) قال في النهاية الاجماع إحكام النية والعزيمة أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت وعزمت عليه بمعنى انتهى والمعنى من لم يصمم العزم على الصوم (قبل الفجر) أي
[ 353 ]
قبل الصبح الصادق (فلا صيام له) ظاهره أنه لا يصح الصوم بلا نية قبل الفجر فرضا كان أو نفلا وإليه ذهب ابن عمر وجابر بن زيد ومالك والمزني وداود وذهب الباقون إلى جواز النفل بنية من النهار وخصصوا هذا الحديث بما روي عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني ويقول أعندك غداء فأقول لا فيقول إني صائم وفي رواية إني إذن لصائم وإذن للاستقبال 0 وهو جواب وجزاء كذا في المرقاة قلت والظاهر الراجح هو ما ذهب إليه الباقون قوله (حديث حفصة حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح) قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة وقال في النيل أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعا وأخرجه أيضا الدارقطني وقال الحافظ في التلخيص واختلف الأئمة في رفعه ووقفه فقال ابن أبي حاتم عن أبيه لا أدري أيهما أصح يعني رواية يحيى بن أيوب عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن سالم لكن الوقف أشبه وقال أبو داود لا يصح رفعه وقال الترمذي الموقوف أصح ونقل في العلل عن البخاري أنه قال هو خطأ وهو حديث فيه اضطراب والصحيح عن ابن عمر موقوف وقال النسائي الصواب عندي موقوف ولم يصح رفعه وقال أحمد ماله عندي ذلك الاسناد وقال الحاكم في الأربعين صحيح على شرط الشيخين وقال في المستدرك صحيح على شرط البخاري قال البخاري رواته ثقات إلا أنه روى موقوفا وقال الخطابي أسنده عبد الله بن أبي بكر والزيادة من الثقة مقبولة وقال ابن حزم الاختلاف فيه يزيد قوة وقال الدارقطني كلهم ثقات انتهى كلام الحافظ قال الشوكاني وقد تقرر في الأصول أن الرفع من الثقة زيادة مقبولة وإنما قال ابن حزم الاختلاف فيه يزيد الخبر قوة لأن من رواه مرفوعا فقد رواه موقوفا باعتبار الطرق قال وفي الباب عن عائشة عند الدارقطني وفيه عبد الله بن عباد وهو مجهول وقد ذكره ابن حبان في الضفعاء وعن ميمونة بنت سعد عند الدارقطني أيضا بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
[ 354 ]
من أجمع الصيام من الليل فليصم ومن أصبح ولم يجمعه فلا يصم وفي إسناده الوافدي انتهى كلام الشوكاني قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بحديث الباب وبحديث عائشة المذكور وتقرير الاستدلال بأن قوله صلى الله عليه وسلم لا صيام في حديث الباب نكرة في سياق النفي فيعم كل صيام ولا يخرج عنه إلا ما قام الدليل على أنه لا يشترط فيه إجماع قبل الفجر وهو حديث حفصة المذكور في الباب والظاهر أن النفي متوجه إلى الصحة لأنها أقرب المجازين إلى الذات أو متوجه إلى نفي الذات الشرعية وقد عرفت ما ذهب إليه ابن عمر وجابر بن زيد رضي الله تعالى عنهما ومالك وغيرهم ولعل حديث عائشة المذكور لم يبلغهم وفي اللمعات والمذهب عندنا يعني الحنفية أنه يجوز صوم رمضان والنفل والنذر المعين بنية من نصف النهار الشرعي وشرط للقضاء والكفارة والنذر المطلق أن يبيت النية لأنها غير متعينة فلا بد من التعيين في الابتداء والدليل لنا في الفرض ما روي في السنن الأربعة عن ابن عباس قوله صلى الله عليه وسلم بعد ما شهد عنده الأعرابي برؤية الهلال ألا من أكل فلا يأكل بقية يومه ومن لم يأكل فليصم وأما حديث حفصة مع أنه قد اختلف في رفعه فمحمول على نفي الكمال انتهى ما في اللمعات قلت أجيب عن رواية ابن عباس بأنه إنما صحت النية في النهار في صورة شهادة الأعرابي برؤية الهلال لأن الرجوع إلى الليل غير مقدور والنزاع فيما كان مقدورا فيخص الجواز بمثل هذه الصورة أعني من انكشف له في النهار أن ذلك اليوم من رمضان وكمن ظهر له وجوب الصيام عليه من النهار كالمجنون يفيق والصبي يحتلم والكافر يسلم وأما الاختلاف في رفع حديث حفصة فأجيب عنه بأن الرفع زيادة والزيادة من الثقة مقبولة وأما حمله على نفي الكمال فغير ظاهر والظاهر أن النفي متوجه إلى الصحة أو إلى نفي الذات الشرعية هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 355 ]
34 باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع قوله (عن ابن أم هانئ) قال الحافظ في تهذيب التهذيب هارون بن أم هانئ ويقال ابن أم هانئ ويقال ابن بنت أم هانئ والثالث وهم روى حديثه سماك بن حرب عنه عن أم هانئ مرفوعا الصائم المتطوع أمير نفسه ولأم هانئ ابن يقال له جعدة بن هبيرة قال الحافظ فيحتمل أن يكون هارون هذا ولد جعدة بن هبيرة وأما أبو الحسن بن القطان فقال لا يعرف انتهى (عن أم هانئ) بهمزة بعد نون مكسورة بنت أبي طالب قوله (كنت قاعدة عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى بشراب) أي من ماء فإنه المراد عند الاطلاق وفي رواية أبي داود قالت لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست على يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم هانئ عن يمينه فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب (ثم ناولني) أي بقية الشراب (أمن فضاء كنت تقضينه) وفي رواية أبي داود أكنت تقضين شيئا (فلا يضرك) أي ليس عليك إثم في إفطارك وفي رواية أبي داود فلا يضرك إن كان تطوعا قوله (وفي الباب عن أبي سعيد) أخرجه البيهقي قال صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فلما وضع قال رجل أنا صائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك أخوك وتكلف لك أفطر فصم مكانه إن شئت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث إسناده حسن (وعائشة) أخرجه الجماعة إلا البخاري قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال هل عندكم من شئ فقلت لا فقال فإني إذن صائم ثم أتانا يوما آخر فقلنا يا رسول الله أهدى لنا حيس فقال أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل انتهى وأحاديث الباب تدل على أنه يجوز لمن صام تطوعا أن يفطر لا سيما إذا كان في دعوة إلى طعام أحد من المسلمين
[ 356 ]
قوله (في إسناده مقال) فإن في سنده سماك وقد اختلف عليه فيه وقال النسائي سماك ليس يعتمد عليه إذا انفرد وفي إسناده أيضا هارون بن أم هانئ قال ابن القطان لا يعرف وقال الحافظ في التقريب مجهول قوله (إن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يجب أن يقضيه وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحاق والشافعي) وهو قول الجمهور من أهل العلم واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي في حديث أم هانئ وبقوله صلى الله عليه وسلم أفطر فصم مكانه إن شئت في حديث أبي سعيد الخدري قال الحافظ هو دا على عدم الايجاب انتهى وقال أبو حنيفة يلزمه القضاء واحتج بحديث عائشة الاتي في الباب الاتي قوله (فلقيت أنا أفضلهم) أي أفضل بني أم هانئ وهذا قول شعبة (وكان اسمه) أي اسم أفضل بني أم هانئ (جعدة) قال في التقريب جعدة المخزومي من ولد أم هانئ قيل هو ابن يحيى بن جعدة بن هبيرة وهو مقبول من السادسة انتهى وقال في الخلاصة جعدة المخزومي عن أبي صالح مولى أم هانئ وعنه شعبة قال البخاري لا يعرف إلا بحديث المتطوع أمير نفسه وفيه نظر انتهى وقال في التهذيب هو من ولد أم هانئ بنت أبي طالب أخو هارون وهو ابن ابنها انتهى قوله (أمين نفسه) بالنون قال في المجمع معناه أنه إذا كان أمين نفسه فله أن
[ 357 ]
يتصرف في أمانة نفسه على ما يشاء انتهى (قلت له) أي لجعدة (أخبرني أبو صالح) اسمه باذام بالذال المعجمة ويقال آخره نون مولى أم هانئ ضعيف مدلس من الثالثة كذا في التقريب وقال في الخلاصة باذام بمعجمة بين ألفين مولى أم هانئ أبو صالح مدلس يروي عن مولاته قال ابن معين ليس به بأس قال النسائي ليس بثقة قوله (عن هارون بن بنت أم هانئ) قال في الخلاصة هارون بن أم هانئ وقيل إنه حفيدها عن أم هانئ وعنه سماك مجهول وقد عرفت من عبارة تهذيب التهذيب أن هارون بن أم هانئ يقال له ابن أم هانئ ويقال ابن بنت أم هانئ والثالث وهم قوله (فقال أمير نفسه أو أمين نفسه) تقدم بيان معنى أمين نفسه ومعنى أمير نفسه أنه أمير لنفسه بعد دخوله في الصوم إن شاء صام أي أتم صومه وإن شاء أفطر إما بعذر أو بغيره 35 باب صيام التطوع يغير تبييت قوله (عن طلحة بن يحيى) ابن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني نزيل الكوفة صدوق يخطئ من السادسة (عن عمته عائشة بنت طلحة) بن عبيد الله التيمية أم عمران كانت فائقة الجمال وهي ثقة من الثالثة
[ 358 ]
قوله (أعندك غداء) بفتح المعجمة والدال المهملة وهو ما يؤكل قبل الزوال (قلت حيس) بفتح الحاء المهملة وسكون الياء تمر مخلوط بسمن وأقط وقيل طعام يتخذ من الزبد والتمر والأقط وقد يبدل الأقط بالدقيق والزبد بالسمن وقد يبدل السمن بالزيت قاله القاري (قالت ثم أكل) قال ميرك يدل هذا على جواز إفطار النفل وبه قال الأكثرون وقال أبو حنيفة يجوز بعذر وأما بدونه فلا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم 36 باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه أي على الصائم المتطوع الذي أفطر قوله (جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف أبو عبد الله الرقي صدوق يهم في حديث الزهري كذا في التقريب قوله (كنت أنا وحفصة) بالرفع (صائمتين) أي نفلا فعرض لنا طعام بصيغة المجهول أو عرضه هنا أحد بطريق الهدية (فبدرتني إليه حفصة) أي سبقتني إليه صلى الله عليه وسلم في الكلام من بدرت الشئ بدورا أسرعت إليه (وكانت ابنة أبيها) تعني على خصال أبيها أي كانت جريئة كأبيها
[ 359 ]
قوله (ولم يذكروا فيه عن عروة وهذا أصح) وقال النسائي هذا خطأ وقال ابن عيينة في روايته سئل الزهري عنه أهو عن عروة فقال لا وقال الخلال اتفق الثقات على إرساله وشذ من وصله وتوارد الحفاظ على الحكم بضعف حديث عائشة هذا كذا في فتح الباري قوله (فرأوا عليه القضاء إذا أفطر وهو قول مالك بن أنس) وهو قول الحنفية واستدلوا عليه بحديث الباب وبحديث أبي سعيد الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وقد ذكرنا لفظه وأجيب عن ذلك بما في حديث أم هانئ وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي رواه أحمد وأبو داود بمعناه فيجمع بينه وبين حديث عائشة وأبي سعيد بحمل القضاء على التخيير وهو مذهب الجمهور من أهل العلم قال الشوكاني في النيل ص 131 ويدل على جواز الافطار وعدم وجوب القضاء حديث أبي جحيفة يعني الذي فيه قصة زيادة سلمان أبا الدرداء لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرر ذلك ولم يبين لأبي الدرداء وجوب القضاء عليه وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز قال ابن المنير ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى (لا تبطلوا أعمالكم) لأن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان
[ 360 ]
وقال ابن عبد البر من احتج في هذا بقوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) فهو جاهل بأقوال أهل العلم فإن الأكثر على أن المراد بذلك النهي عن الرياء كأنه قال (لا تبطلوا أعمالكم) بالرياء بل أخلصوها لله وقال اخرون لا تبطلوا أعمالكم بارتكاب الكبائر ولو كان المراد بذلك النهي عن إبطال ما لم يفرض الله عليه ولا أوجب على نفسه بنذر أو غيره لامتنع عليه الافطار إلا بما يبيح الفطر من الصوم الواجب وهم لا يقولون بذلك انتهى قال الشوكاني ولا يخفى أن الاية عامة والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما تقرر في الأصول فالصواب ما قال ابن المنير انتهى 37 باب ما جاء في وصال شعبان برمضان قوله (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرين متتابعين إلخ) وفي رواية أبي داود وغيره أنه لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصله برمضان وهذا اللفظ أوفق لما ترجم به الترمذي قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الرواية أي كان يصوم معظمه واستدل عليه برواية عائشة عند مسلم بلفظ كان يصوم شعبان إلا قليلا وسيجئ تحقيقه قوله (حديث أم سلمة حديث حسن) وأخرجه أبي داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره (وقد روي هذا الحديث أيضا عن أبي سلمة عن عائشة) قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يكون أبو سلمة رواه عن كل من عائشة وأم سلمة ويؤيده أن محمد بن إبراهيم التيمي رواه عن أبي سلمة عن عائشة تارة وعن أم سلمة تارة أخرى أخرجهما النسائي انتهى
[ 361 ]
قوله (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أكثر) بالنصب على أنه ثاني مفعول رأيت (صياما) تمييز (منه) أي من النبي صلى الله عليه وسلم (في شعبان) متعلق ب (صياما) والمعنى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه كذا ذكره الطيبي وقال بعض الشراح قوله في شهر يعني به غير شعبان وهو حال من المستكن في أكثر وفي شعبان حال من المجرور في منه العائد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أي ما رأيته كائنا في غير شعبان أكثر صياما منه كائنا في شعبان مثل زيد قائما أحسن منه قاعدا أو كلاهما ظرف أكثر الأول باعتبار الزيادة والثاني باعتبار أصل المعنى ولا تعلق له برؤيته وإلا يلزم تفضيل الشئ على نفسه بإعبتار حالة واحدة كذا ذكره القاري (كان يصومه إلا قليلا بل كان يصومه كله) أي لغاية القلة وفي رواية مسلم من طريق أبي لبيد عن أبي سلمة عن عائشة كان يصوم شعبان كله كان يصوم شعبان إلا قليلا قوله (كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين يقول إنما معنى الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر) المراد بكلا الحديثين الحديث الذي ورد فيه صوم أكثر شعبان والحديث الذي جاء فيه صوم شعبان كله قال الحافظ في الفتح حاصل ما قال ابن المبارك أن الرواية الأولى مفسرة للثانية وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجازا قليل الاستعمال واستبعده الطيبي قال لأن الكل تأكيد رادة الشمول ودفع التجوز فتفسيره بالبعض مناف له قال فيحمل على أنه كان يصوم شعبان
[ 362 ]
كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان وقيل المراد بقولها كله أنه كان يصوم من أوله تارة ومن اخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلي شيئا منه من صيام ولا يخص ببعضه بصيام دون بعض وقال الزين بن المنير إما أن يحمل قول عائشة على المبالغة والمراد الأكثر وإما أن يجمع بأن قولها الثاني متأخر عن قولها الأول فأخبرت عن أول أمره أنه كان يصوم أكثر شعبان وأخبرت ثانيا عن آخر أمره أنه كان يصومه كله انتهى ولا يخفى تكلفه والأول هو الصواب ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان انتهى كلام الحافظ واختلف في الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان على أقوال قد ذكرها الحافظ في الفتح وقد ذكر في تأييد بعضها بعض الأحاديث الضعاف ثم قال والأولى في ذلك ما جاء في حديث أصح مما مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى لكن قال فيه إن الله يكتب كل نفس ميتة تلك السنة فأحب أن يأتيني أجلي وأنا صائم قال ولا تعارض بين هذا وبين ما جاء من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني فإن الجمع بينهما ظاهر بأن يحمل النهي على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده انتهى 38 باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي من شعبان لحال رمضان قوله (إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا) وفي رواية أبي داود وغيره إذا انتصف شعبان وفي رواية فلا صيام حتى يكون رمضان قال القاري في المرقاة والنهي للتنزيه رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام بصيام رمضان على وجه النشاط وأما من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول عنه الكلفة ولذا قيده بالانتصاف أو نهى عنه لأنه نوع من التقدم والله
[ 363 ]
أعلم قال القاضي المقصود استجمام من لا يقوى على تتابع الصيام فاستحب الافطار كما استحب إفطار عرفة ليتقوى على الدعاء فأما من قدر فلا نهى له ولذلك جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الشهرين في الصوم انتهى وقال الحافظ في فتح الباري قال كثير من الشافعية بمنع الصوم من أول السادس عشر من شعبان لحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا إذا انتصف شعبان فلا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره وقال الروياني من الشافعية يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الاخر وقال جمهور العلماء يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه وقال أحمد وابن معين إنه منكر واستدل البيهقي بحديث الباب يعني لا يتقدمن أحدكم شعبان بصوم يوم أو يومين على ضعفه فقال الرخصة في ذلك بما هو أصح من حديث العلاء وكذا منع قبله الطحاوي واستظهر بحديث ثابت عن أنس مرفوعا أفضل الصيام بعد رمضان شعبان لكن إسناده ضعيف واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل هل صمت من سرد شعبان شيئا قال لا قال فإذا أفطرت من رمضان فصم يومين ثم جمع بين الحديثين يعني بين حديث العلاء ابن عبد الرحمن وبين حديث لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين بأن حديث العلاء على من يضعفه الصوم وحديث التقدم بصوم يوم أو يومين مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان وهو جمع حسن انتهى كلام الحافظ قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وصححه ابن حبان وغيره وقال أحمد وابن معين إنه منكر كما قال الحافظ في الفتح قال أبو داود في سننه وكان عبد الرحمن لا يحدث به قلت لأحمد لم قال لأنه كان عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصل شعبان برمضان وقال عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه قال أبو داود وليس هذا عندي خلافه ولم يجئ به غير العلاء عن أبيه انتهى وقال المنذري في تلخيصه حكى أبو داود عن الامام أحمد أنه قال هذا حديث منكر قال وكان عبد الرحمن يعني ابن مهدي لا يحدث به ويحتمل أن يكون الامام أحمد إنما أنكره من جهة العلاء بن عبد الرحمن فإن فيه مقالا لأئمة هذا الشأن قال والعلاء بن عبد الرحمن وإن كان فيه مقال فقد حدث عنه الامام مالك مع شدة انتقاده للرجال وتحريه في ذلك وقد احتج به مسلم في صحيحه وذكر له أحاديث انفرد بها رواتها وكذلك فعل البخاري
[ 364 ]
أيضا وللحفاظ في الرجال مذاهب فعل كل منهم ما أدى إليه اجتهاده من القبول والرد رضي الله عنهم انتهى كلام المنذري قلت الحق عندي أن الحديث صحيح والله تعالى أعلم قوله (ما يشبه قوله) أي قول بعض أهل العلم (والمعنى أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم) مثل قوله (وهذا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) أي ما قلنا من أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله فلأنه صلى الله عليه وسلم قال إلخ فهذا إشارة إلى قوله وقد روى إلخ وحيث تعليلية وقال بعضهم وهذا أي كراهة الأخذ في الصوم لحال رمضان لأنه صلى الله عليه وسلم إلخ وقيل وهذا أي دليل كراهة الأخذ في الصوم لحال رمضان حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم قال إلخ والظاهر هو ما قلنا والله تعالى أعلم 39 باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان هي الليلة الخامسة عشر من شعبان وتسمى ليلة البراءة وذكر هذا الباب هنا استطراد لذكر شعبان وإلا فالكلام في الصيام قاله أبو الطيب المدني قوله (فقدت) أي لم أجده قال في النهاية فقدت الشئ أفقد إذا غاب عنك (ليلة) من ليالي تعني الليلة التي كان فيها عندي (فإذا هو البقيع) أي واقف فيه والمراد بالبقيع بقيع الغرقد وهو موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها كان به شجر الغرقد فذهب وبقي اسمه كذا في النهاية (أن يحيف) أي يجور ويظلم (الله عليك ورسوله) ذكر الله تنويها لعظم شأنه عند ربه على
[ 365 ]
حد (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) قال الطيبي أو تزيينا للكلام وتحسينا أو حكاية لما وقع في الاية (أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله) وإشارة إلى التلازم بينهما كا طاعة والمحبة قال يعني ظننت أني ظلمتك بأن جعلت من نوبتك لغيرك وذلك مناف لمن تصدى بمنصب الرسالة (قلت يا رسول الله ظننت أنك أتيت بعض نسائك) أي زوجاتك لبعض مهماتك فأردت تحقيقها وحملني على هذا الغيرة الحاصلة للنساء التي تخرجهن عن دائرة العقل وحائزة التدبر للعاقبة من المعاتبة أو المعاقبة والحاصل أني ما ظننت أن يحيف الله ورسوله علي أو على غيري بل ظننت أنك بأمر من الله أو باجتهاد منك خرجت من عندي لبعض نسائك لأن عادتك أن تصلي النوافل في بيتك كذا في المرقاة (إلى سماء الدنيا) وفي رواية ابن ماجه إلى السماء الدنيا (فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب) أي قبيلة بني كلب وخصهم لأنهم أكثر غنما من سائر العرب نقل الأبهري عن الأزهار أن المراد بغفران أكثر عدد الذنوب المغفورة لا عدد أصحابها وهكذا رواه البيهقي انتهى ذكره القاري وفي المشكاة زاد رزين ممن استحق النار قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) أخرجه البزار والبيهقي بإسناد لا بأس به كذا في الترغيب والترهيب للمنذري في باب الترهيب من التهاجر قوله (حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه) وأخرجه ابن ماجه والبيهقي (وقال يحيى بن كثير لم يسمع من عروة الخ) فالحديث منقطع في موضعين أحدهما ما بين الحجاج ويحيى والاخر ما بين يحيى وعروة اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث مجموعها يدل على أن لها أصلا فمنها حديث الباب وهو منقطع ومنها حديث عائشة قالت قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فصلى فأطال السجود حتى ظننت أنه قد قبض فلما رأيت ذلك قمت حتى حركت إبهامه فتحرك فرجع فلما رفع رأسه من السجود وفرغ من صلاته قال يا عائشة أو يا حميراء أظننت
[ 366 ]
أن النبي صلى الله عليه وسلم قد خاس بك قلت لا والله يا رسول الله ولكني ظننت أنك قبضت طول سجودك فقال أتدري أي ليلة هذه قلت الله ورسوله أعلم قال هذه ليلة النصف من شعبان إن الله عز وجل يطلع على عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخر أهل الحقد كما هم رواه البيهقي وقال هذا مرسل جيد ويحتمل أن يكون العلاء أخذه من مكحول قال الأزهري يقال للرجل إذا غدر بصاحبه فلم يؤته حقه قد خاس به كذا في الترغيب والترهيب للحافظ المنذري ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاجن قال المنذري في الترغيب بعد ذكره رواه الطبراني في الأوسط وابن حبان في صحيحه والبيهقي ورواه ابن ماجه بلفظه من حديث أبي موسى الأشعري والبزار والبيهقي من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه بنحوه بإسناد لا بأس به انتهى كلام المنذري قلت في سند حديث أبي موسى الأشعري عند ابن ماجه بن لهيعة وهو ضعيف ومنها حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله عز وجل إلى خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مشاحن وقاتل نفس قال المنذري رواه أحمد بإسناد لين انتهى ومنها حديث مكحول عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة النصف من شعبان يغفر الله عز وجل لأهل الأرض إلا مشرك أو مشاحن قال المنذري رواه البيهقي وقال هذا مرسل جيد قال ورواه الطبراني والبيهقي أيضا عن مكحول عن أبي ثعلبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يطلع الله إلى عباده ليلة النصف من شعبان فيغفر للمؤمنين ويمهل الكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه قال البيهقي وهو أيضا بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد انتهى ومنها حديث علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى السماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا ألا كذا حتى يطلع الفجر رواه ابن ماجه وفي سنده أبو بكر ابن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة القرشي العامري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل محمد وقد ينسب إلى جده رموه بالوضع كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان ضعفه البخاري وغيره وروى عبد الله وصالح ابنا أحمد عن أبيهما قال كان يضع
[ 367 ]
الحديث وقال النسائي متروك انتهى فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شئ والله تعالى أعلم تنبيه أعلم أن المراد من ليلة مباركة في قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم عند الجمهور هي ليلة القدر وقيل هي ليلة النصف من شعبان وقول الجمهور وهو الحق قال الحافظ بن كثير من قال إنها ليلة النصف من شعبان فقد أبعد فإن نص القرآن أنها في رمضان انتهى وفي المرقاة شرح المشكاة قال جماعة من السلف إن المراد في الاية هي ليلة النصف من شعبان إلا أن ظاهر القرآن بل صريحه يرده لإفادته في آية أنه نزل في رمضان وفي أخرى أنه نزل في ليلة القدر ثبت أن الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم في الاية هي ليلة القدر لا ليلة النصف من شعبان ولا نزاع في أن ليلة نصف شعبان يقع فيها فرق كما صرح به الحديث وإنما النزاع في أنها المرادة من الاية والصواب أنها ليست مرادة منها وحينئذ يستفاد من الحديث والاية وقوع ذلك الفرق في كل من الليلتين إعلاما لمزيد شرفهما ويحتمل أن يكون الفرق في أحدهما إجمالا وفي الأخرى تفصيلا أو تخص إحداهما بالأمور الدنيوية والأخرى بالأمور الأخروية وغير ذلك من الاحتمالات العقلية انتهى تنبيه اخر قال القاري في المرقاة إعلم أن المذكور في اللالي أن مائة ركعة في نصف شعبان بالإخلاص عشر مرات في كل ركعة مع طول فضله للديلمي وغيره موضوع وفي بعض الرسائل قال علي ابن إبراهيم ومما أحدث في ليلة النصف من شعبان الصلاة الألفية مائة ركعة بالإخلاص عشرا عشرا بالجماعة واهتموا بها أكثر من الجمع والأعياد لم يأت بها خبر ولا أثر إلا ضعيف أو موضوع ولا تغتر بذكر صاحب القوت والإحياء وغيرهما وكان للعوام بهذه الصلاة افتتان عظيم حتى التزم بسببها كثرة الوقيد وترتب عليه من الفسوق وانتهاك المحارم ما يغني عن وصفه حتى خشي الأولياء من الخسف وهربوا فيها إلى البراري وأول حدوث لهذه الصلاة ببيت المقدس سنة ثمان وأربعين وأربعمائة قال وقد جعلها جهلة أئمة المساجد مع صلاة الرغائب ونحوهما شبكة لجمع العوام وطلبا لرياسة التقدم وتحصيل الحطام ثم إنه أقام الله أئمة الهدى في سعي إبطالها فتلاشى أمرها وتكامل إبطالها في البلاد المصرية والشامية في أوائل سنين المائة الثامنة قيل أول حدوث الوقيد من البرامكة وكانوا عبدة النار فلما أسلموا أدخلوا في الاسلام ما يموهون أنه من سنن الدين ومقصودهم عبادة النيران حيث ركعوا
[ 368 ]
وسجدوا مع المسلمين إلى تلك النيران ولم يأت في الشرع استحباب زيادة الوقيد على الحاجة في موضع وما يفعله عوام الحجاج من الوقيد بجبل عرفات وبالمشعر الحرام وبمنى فهو من هذا القبيل وقد أنكر الطرسوسي الاجتماع ليلة الختم في التراويح ونصب المنابر وبين أنه بدعة منكرة قال القاري رحمه الله ما أفطنه وقد ابتلى به أهل الحرمين الشريفين حتى في ليالي الختم يحصل اجتماع من الرجال والنساء والصغار والعبيد ما لا يحصل في الجمعة والكسوف والعيد ويستقبلون النار ويستدبرون بيت الله الملك ويقفون على هيئة عبدة النيران في نفس المطاف حتى يضيق على الطائفين المكان ويشوشون عليهم وعلى غيرهم من الذاكرين والمصلين وقراء القرآن في ذلك الزمان فنسأل الله العفو والعافية والغفران والرضوان انتهى كلام القاري مختصرا تنبيه آخر لم أجد في صوم يوم ليلة النصف من شعبان حديثا مرفوعا صحيحا وأما حديث علي رضي الله عنه الذي رواه ابن ماجه بلفظ إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها الخ فقد عرفت أنه ضعيف جدا ولعلي رضي الله عنه فيه حديث آخر وفيه فإن أصبح في ذلك اليوم صائما كان كصيام ستين سنة ماضية وستين سنة مستقبلة رواه ابن الجوزي في الموضوعات وقال موضوع وإسناده مظلم 40 باب ما جاء في صوم المحرم قوله (أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان شهر الله المحرم) أي صيام شهر الله المحرم وأضاف الشهر إلى الله تعظيما فإن قلت قد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من الصوم في شعبان وهذا الحديث يدل على أن أفضل الصيام بعد صيام رمضان صيام المحرم فكيف أكثر النبي صلى الله عليه وسلم منه في شعبان دون المحرم قلت لعله لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه أو لعله كان يعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه كسفر ومرض وغيرهما كذا أفاد النووي رحمه الله في شرح مسلم
[ 369 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) وأخرجه مسلم في صحيحه بسند الترمذي وزاد وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل قوله (فيه يوم تاب الله فيه على قوم) هم قوم موسى بنو إسرائيل نجاهم الله من فرعون وأغرقه (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه عبد الله بن الامام أحمد عن غير أبيه قاله المنذري في الترغيب ونقل تحسين الترمذي وأقره 41 باب ما جاء في صوم يوم الجمعة قوله (من غرة كل شهر) قال العراقي يحتمل أن يراد بغرة الشهر أوله وأن يراد بها الأيام الغر وهي البيض كذا في قوت المغتذي (قل ما كان يفطر يوم الجمعة) قال المظهر تأويله أنه كان يصومه منضما إلى ما قبله أو إلى ما بعده أو أنه مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم كالوصال انتهى قلت وجه تأويله أنه قد ثبت النهي عن إفراد يوم الجمعة بالصيام وقد ذهب الجمهور إلى كراهته وذهب أبو حنيفة ومالك إلا أنه لا كراهة فيه واستدل لهما بهذا الحديث قال الحافظ في
[ 370 ]
فتح الباري واستدل الحنفية بحديث أبي مسعود يعني الذي ذكره الترمذي في هذا الباب وليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يريد كان لا يتعمد فطره إذا وقع في الأيام التي كان يصومها ولا يضاد ذلك كراهة إفراده بالصوم جمعا بين الحديثين انتهى كلام الحافظ وقال العيني رحمه الله فإن قلت يعارض هذه الأحاديث (يعني الأحاديث التي تدل على كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم) ما رواه الترمذي من حديث عبد الله (يعني الحديث الذي ذكره الترمذي في هذا الباب) قلت لا نسلم هذه المعارضة لأنه لا دلالة فيه على أنه صلى الله عليه وسلم صام يوم الجمعة وحده فنهيه صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث يدل على أن صومه يوم الجمعة لم يكن في يوم الجمعة وحده بل إنما كان بيوم قبله أو بيوم بعده وذلك لأنه لا يجوز أن يحمل فعله على مخالفة أمره إلا بنص صحيح صريح فحينئذ يكون نسخا أو تخصيصا وكل واحد منهما منتف انتهى كلام العيني ملخصا قلت حاصل كلام العيني هذا هو ما قال الحافظ فالعجب كل العجب من العيني أنه نقل قول الحافظ ثم اعترض عليه وقال والعجب من هذا القائل يترك ما يدل عليه ظاهر الحديث ويدفع حجيته بالاحتمال الناشئ من غير دليل الذي لا يعتبر ولا يعمل به وهذا كله عسف ومكابرة انتهى فاعتراض العيني هذا إن كان صحيحا فهو واقع على نفسه فإن حاصل كلامهما واحد فتفكر قوله (وفي الباب عن ابن عمرو وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن أبي شيبة عنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطر يوم جمعة قط كذا في عمدة القاري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الحافظ ابن عبد البر بسنده إلى أبي هريرة أنه قال من صام الجمعة كتب له عشرة أيام من أيام الاخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا كذا في النيل وفي الباب عن ابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة نحو رواية ابن عمر المذكور قوله (حديث عبد الله حسن) وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان وابن عبد البر وابن حزم كذا في عمدة القاري
[ 371 ]
42 باب ما جاء في كراهية صوم الجمعة وحده قوله (لا يصوم أحدكم يوم الجمعة) نفى معناه نهى قال الحافظ ذهب الجمهور إلى أن النهي فيه للتنزيه واختلف في سبب النهي عن إفراده على أقوال أحدها لكونه يوم عيد والعيد لا يصام واستشكل ذلك مع الاذن بصيامه مع غيره وأجاب ابن القيم وغيره بأن شبهه بالعيد لا يستلزم استواءه معه من كل جهة ومن صام معه غيره انتفت عنه صورة التحري ثانيها لئلا يضعف عن العبادة وهذا اختاره النووي ثالثها خوف المبالغة في تعظيمه فيفتتن به كما افتتن اليهود بالسبت رابعها خشية أن يفرض عليهم كما خشي صلى الله عليه وسلم من قيامهم الليل ذاك خامسها مخالفة النصارى لأنه يجب عليهم صومه ونحن مأمورون بمخالفتهم قال الحافظ بعد ذكر هذه الأقوال مع مالها وما عليها ما لفظه واقوى الأقوال وأولاها بالصواب أولها وورد فيه صريحا حديثان أحدهما رواه الحاكم وغيره عن أبي هريرة مرفوعا يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده والثاني رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي قال من كان منكم متطوعا من الشهر فليصم يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر انتهى قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه ابن أبي شيبة وتقدم لفظه آنفا (وجابر) أخرجه الشيخان (وجنادة الأزهري) أخرجه أحمد (وجويرية) أخرجه البخاري وأحمد وأبو داود (وأنس) أخرجه الطبراني من رواية صالح بن جبلة عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صام الأربعاء والخميس والجمعة بنى الله له في الجنة قصرا من لؤلؤ وياقوت وزبرجد وكتب له براءة من النار وصالح بن جبلة ضعفه الأزدي كذا في عمدة القاري (وعبد الله بن عمرو) أخرجه النسائي
[ 372 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وأخرجه الشيخان) قوله (وبه يقول أحمد وإسحاق) وبه يقول الشافعي والجمهور وقال مالك لا كراهة فيه ففي الموطأ قال يحيى وسمعت مالكا يقول لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به نهي عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه انتهى وبه قال أبو حنيفة قال سراج أحمد في شرح الترمذي قال إمامنا أبو حنيفة يندب صوم الجمعة ولو منفردا وتمسك بحديث أخرجه الترمذي عن ابن مسعود وكره منفردا الشافعي وأحمد قال النووي السنة مقدم على ما راه مالك وقد ثبت النهي عن صوم يوم الجمعة ومالك معذور في أنه لم يبلغه انتهى قلت وقد تقدم الجواب عن حديث ابن مسعود فالحق في هذا الباب ما ذهب إليه الشافعي وأحمد والجمهور والله تعالى أعلم 43 باب ما جاء في صوم يوم السبت قوله (عن عبد الله بن يسر) بضم الموحدة وسكون السين (عن أخته) وفي رواية أبي داود عن أخته الصماء قال القاري بتشديد الميم اسمها بهية وتعرف بالصماء قوله (لا تصوموا يوم السبت أي وحده إلا فيما افترض عليكم) بصيغة المجهول قال الطيبي قالوا النهي عن الافراد كما في الجمعة والمقصود مخالفة اليهود فيهما والنهي فيهما للتنزيه عند الجمهور وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء أو وافق وردا وزاد ابن الملك وعشرة ذي الحجة أو في خير الصيام صيام داود فإن النهي عنه شدة الاهتمام والعناية به حق كأنه يراه واجبا كما تفعله اليهود قال القاري فعلى هذا يكون النهي للتحريم وأما على غير هذا الوجه فهو للتنزيه
[ 373 ]
بمجرد المشابهة (إلا لحاء عنبة) قال التوربشتي اللحاء ممدود وهو قشر الشجر والعنبة هي الحبة من العنب انتهى (أو عود شجرة) عطف على الحاء عنبة (فليمضغه) قال في القاموس مضغة كمنعه ونصره لاكه بأسنانه وهذا تأكيد بالإفطار لنفي الصوم وإلا فشرط الصوم النية فإذا لم توجد لم يوجد ولو لم يأكل قوله (هذا حديث حسن) وصححه الحاكم على شرط البخاري وقال النووي صححه الأئمة كذا في المرقاة وقال أبو داود في السنن هذا الحديث منسوخ انتهى وقال فيه أيضا قال مالك هذا كذب انتهى وقال المنذري وروى هذا الحديث من حديث عبد الله بن بسر ومن حديث أبيه بسر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديث الصماء عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال النسائي هذه أحاديث مضطربة انتهى كلام المنذري وقال الحافظ في التلخيص قال الحاكم وله معارض بإسناد صحيح ثم روى عن كريب أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثوه إلى أم سلمة أسألها عن الأيام التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر لها صياما فقالت يوم السبت والأحد فرجعت إليهم فقاموا بأجمعهم إليها فسألوها فقالت صدق وكان يقول إنهما يوم عيد للمشركين فأنا أريد أن أخالفهم ورواه النسائي والبيهقي وابن حبان وروى الترمذي من حديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين الخ انتهى قلت قد جمع بين هذه الأحاديث بأن النهي متوجه إلى الافراد والصوم باعتبار انضمام ما قبله أو ما بعده ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم قد أذن لمن صام الجمعة أن يصوم يوم السبت بعدها والجمع مهما أمكن أولى من النسخ وأما علة الاضطراب فيمكن أن تدفع بما ذكره الحافظ في التلخيص وأما قوله مالك إن هذا الحديث كذب فلم يتبين لي وجه كذبه والله تعالى أعلم
[ 374 ]
44 باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس قوله (عن ربيعة الجرشي) بضم الجيم وفتح الراء بعدها معجمة مختلف في صحبته وثقه الدارقطني وغيره كذا في التقريب قوله (يتحرى صوم الاثنين والخميس) أي يقصده ويطلبه والتحري طلب الأحرى والأولى وقيل التحري طلب الثواب والمبالغة في طلب شئ قوله (وفي الباب عن حفصة وأبي قتادة وأسامة بن زيد) أما حديث حفصة فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي قتادة فأخرجه مسلم وأما حديث أسامة فأخرجه أبو داود والنسائي كذا في التلخيص قوله (حديث عائشة حديث حسن غريب من هذا الوجه) وأعله ابن القطان بالراوي عنها وأنه مجهول وأخطأ في ذلك فهو صحابي كذا في التلخيص قوله (يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين) مراعاة للعدالة بين الأيام فإنها أيام الله تعالى ولا ينبغي هجران بعضها لانتفاعنا بكلها قال الطيبي وقد ذكر الجمعة في الحديث السابق فكان يستوفي أيام الأسبوع بالصيام قال ابن ملك وإنما لم يصم صلى الله عليه وسلم الستة متوالية كيلا يشق على الأمة الاقتداء به رحمة لهم وشفقة عليهم كذا في المرقاة
[ 375 ]
قوله (وروى عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه) قال الحافظ في فتح الباري وهو أشبه قوله (تعرض الأعمال) أي على الله تعالى (فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم) أي طلب الزيادة رفعة الدرجة قال ابن الملك وهذا لا ينافي قوله عليه السلام يرفع عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل للفرق بين الرفع والعرض لأن الأعمال تجمع في الأسبوع وتعرض في هذين اليومين وفي حديث مسلم تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخية شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا قال ابن حجر ولا ينافي هذا رفعها في شعبان فقال إنه شهر ترفع فيه الأعمال وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة وأعمال العام مجملة كذا في المرقاة قلت حديث رفع الأعمال في شعبان أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث أسامة قلت يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان قال ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ونحوه من حديث عائشة عند أبي يعلى كذا في النيل
[ 376 ]
45 باب ما جاء في صوم الأربعاء والخميس قوله (محمد بن مدويه) بفتح الميم وشدة الدال هو محمد بن أحمد بن الحسين بن مدويه القرشي أبو عبد الرحمن الترمذي صدوق من الحادية عشر قوله (صم رمضان والذي يليه) قيل أراد الست من شوال وقيل أراد به شعبان (وكل أربعاء) بالمد وعدم الانصراف (وخميس) بالجر والتنوين (فإذا) بالتنوين والفاء جزاء شرط محذوف أي إن فعلت ما قلت لك فقد صمت وإذا جواب جئ لتأكيد الربط قوله (حديث مسلم القرشي حديث غريب) الحديث أخرجه أبو داود أيضا وسكت عنه (وروى بعضهم عن هارون بن سلمان عن مسلم بن عبيد الله عن أبيه) قال المنذري في تلخيص السنن بعد نقل الكلام الترمذي هذا وقد أخرج النسائي الروايتين الرواية الأولى والثانية التي أشار إليها الترمذي انتهى 46 باب ما جاء في فضل صوم عرفه قوله (عن عبد الله بن معبد الزماني) بكسر الزاي وتشديد الميم وبنون بصري ثقة من
[ 377 ]
الثالثة كذا في التقريب قوله (إني أحتسب على الله) أي أرجو منه قال الطيبي كأن الأصل أن يقال أرجو من الله أن يكفر فوضع موضعه أحتسب وعداه بعلي الذي للوجوب على سبيل الوعد مبالغة لحصول الثواب انتهى (أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله) قال النووي قالوا المراد بالذنوب الصغائر وإن لم تكن الصغائر يرجى تخفيف الكبائر فإن لم تكن رفعت الدرجات وقال القاري في المرقاة قال إمام الحرمين المكفر الصغائر وقال القاضي عياض وهو مذهب أهل السنة والجماعة وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة أو رحمة الله انتهى فإن قيل كيف يكون أن يكفر السنة التي بعده مع أنه ليس للرجل ذنب في تلك السنة قيل معناه أن يحفظه الله تعالى من الذنوب فيها وقيل أن يعطيه من الرحمة الثواب قدرا يكون ككفارة السنة الماضية والسنة القابلة إذا جاءت واتفقت له ذنوب انتهى قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن) وأخرجه مسلم مطولا 47 باب ما جاء في كراهية صوم يوم عرفة بعرفة أي بعرفات قوله (أخبرنا اسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية قوله (وأرسلت إليه أم الفضل) أي بنت الحارث وهي امرأة العباس
[ 378 ]
قوله (وفي الباب أبي هريرة) أخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وفيه مهدي الهجري وهو مجهول ورواه العقيلي في الضعفاء من طريقه وقال لا يتابع عليه قال العقيلي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد جياد أنه لم يصم يوم عرفة بها ولا يصح النهي عن صيامه قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر كلامه هذا قد صححه ابن خزيمة ووثق مهديا المذكور ابن حبان (وابن عمر) أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان (وأم الفضل) أخرجه الشيخان قوله (وقد صام بعض أهل العلم يوم عرفة بعرفة) قال الحافظ في الفتح وعن ابن الزبير وأسامة ابن زيد وعائشة أنهم كانوا يصومونه أي يصومون يوم عرفة بعرفة وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان وعن قتادة مذهب آخر قال لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء ونقله البيهقي في المعرفة عن الشافعي في القديم واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية وقال الجمهور يستحب فطره حتى قال عطاء من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم وقال الطبري إنما أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة وقيل إنما كره صوم يوم عرفة لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الاسلام انتهى كلام الحافظ قلت ما ذهب إليه الجمهور من أنه يستحب الفطر يوم عرفة بعرفة هو الظاهر ويدل عليه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهي عن صوم عرفة بعرفة وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة والحاكم على ما قاله الحافظ في الفتح وأخذ بظاهره بعض السلف فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال يجب فطر يوم عرفة للحاج والله تعالى أعلم
[ 379 ]
قلت (وأبو نجيح اسمه يسار) المكي مولى ثقيف مشهور بكنيته ثقة من الثالثة وهو والد عبد الله بن أبي نجيح مات سنة تسع ومائة كذا في التقريب قوله (وقد روي هذا الحديث أيضا عن ابن أبي نجيح عن رجل عن ابن عمر) فالظاهر أن أبا نجيح سمع أو هذا الحديث بواسطة رجل ثم لقي ابن عمر فسمعه منه بلا واسطة 48 باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء بالمد على المشهور وحكي فيه القصر قال الطيبي وهو اليوم العاشر من المحرم وسيجئ الكلام في تعيينه قوله (إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) فإن قيل ما وجه أن صوم عاشوراء يكفر السنة التي قبله وصوم يوم عرفة يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده قيل وجهه أن صوم يوم عرفة من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وصوم يوم عاشوراء من شريعة موسى عليه الصلاة والسلام وقال الحافظ في الفتح روى مسلم من حديث أبي قتادة مرفوعا إن صوم عاشوراء يكفر سنة وإن صيام عرفة يكفر سنتين وظاهر أن صيام عرفة أفضل من صيام عاشوراء وقد قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوبة إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل انتهى والله تعالى أعلم
[ 380 ]
قوله (وفي الباب عن علي أخرجه الدارمي والترمذي وأحمد والبيهقي والنسائي (ومحمد بن صيفي) أخرجه ابن ماجه و (سلمة بن الأكوع) أخرجه الشيخان (وهند بن أسماء) أخرجه الطحاوي (وابن عباس) أخرجه الشيخان (والربيع بنت معوذ) أخرجه مسلم (عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي عن عمه) أخرجه الطحاوي (وعبد الله بن الزبير) أخرجه أحمد والبزار والطبراني (ذكروا) أن هؤلاء الصحابة المذكورون رضي الله عنهم 49 باب ما جاء في الرخصة في ترك صوم عاشوراء قوله (وكان عاشوراء يوم تصومه قريش) هكذا في غالب النسخ والظاهر يوما بالنصب واعتباره منصوبا مضافا إلى الجملة بعده كما في (يوم ينفع الصادقين يبعده إشتمال تصومه على ضمير عائد إليه فإن اشتمال الجملة) المضاف إليها على ضمير المضاف غير متعارف في العربية بل قد منعه بعضهم فالظاهر أن الجملة التي بعده صفة له واعتبار اليوم اسم كان على أن عاشوراء خبر كان بعيد من حيث المعنى ومن حيث علم الاعراب لأن عاشوراء معرفة ويوم نكرة فالوجه أن يقال إن كان فيه ضمير الشأن وعاشوراء مبتدأ خبره يوما كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب (فلما افترض رمضان كان رمضان هو الفريضة) ظاهر هذا الحديث أن
[ 381 ]
صوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ وجوبه بوجوب صوم رمضان قال الحافظ في الفتح يؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجبا لثبوت الأمر بصومه ثم تأكد الأمر بذلك ثم زيادة التأكيد بالنداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ثم زيادته بأمر الأمهات أن لا يرضعن فيه الأطفال وبقول ابن مسعود الثابت في مسلم لما فرض رمضان ترك عاشوراء مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق فدل على أن المتروك وجوبه وأما قول بعضهم المتروك تأكد استحبابه والباقي مطلق استحبابه فلا يخفي ضعفه بل تأكد استحبابه باق ولاسيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تأكيد أبلغ من هذا انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وقيس بن سعد وجابر بن سمرة وابن عمر ومعاوية) أما حديث ابن مسعود فمتفق عليه وأما حديث قيس بن سعد فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأما حديث ابن عمر ومعاوية وهو ابن أبي سفيان فمتفق عليهما قوله (وهو حديث صحيح) وأخرجه البخاري والنسائي 50 باب ما جاء في عاشوراء أي يوم هو قوله (وهو متوسد رداءه في زمزم) وفي رواية لمسلم عند زمزم (ثم أصبح من يوم
[ 382 ]
التاسع صائما الخ) قال النووي هذا تصريح من ابن عباس بأنه مذهبه أن عاشوراء هو اليوم التاسع من المحرم ويتأوله على أنه مأخوذ من إظماء الابل فإن العرب تسمي اليوم الخامس من يوم الورد ربعاء وكذا باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع عشرا وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف إلى أن العاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم ممن قال ذلك سعيد بن المسيب والحسن البصري ومالك وأحمد وإسحاق وخلائق وهذا ظاهر الأحاديث ومقتضى اللفظ وأما تقدير أخذه من الاظماء فبعيد ثم إن حديث ابن عباس الثاني يرد عليه لأنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء فذكرو أن اليهود والنصارى تصومه فقال إنه في العام المقبل يصوم التاسع وهذا تصريح بأن الذي كان يصومه ليس هو التاسع فتعين كونه العاشر انتهى قلت وقد تأول قول ابن عباس هذا الزين بن المنير بأن معناه أنه ينوي الصيام في الليلة المتعقبة للتاسع وقواه الحافظ بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال إذا كان المقبل إن شاء الله صمنا التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي قال فإنه ظاهر في أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم العاشر وهم بصوم التاسع فمات قبل ذلك انتهى وقال الشوكاني الأولى أن يقال إن ابن عباس أرشد السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه وهو التاسع لم يجب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر لأن ذلك مما لا يسأل عنه ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة فابن عباس لما فهم من السائل أن مقصودة تعيين اليوم الذي يصام فيه أجاب عليه بأنه التاسع وقوله نعم بعد قول السائل أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم بمعنى نعم هكذا كان يصوم لو بقي لأنه قد أخبرنا بذلك ولا بد من هذا لأنه صلى الله عليه وسلم مات قبل صوم التاسع وتأويل ابن المنير في غاية البعد لأن قوله وأصبح يوم التاسع صائما لا يحتمله انتهى كلام الشوكاني قلت وتأويل الشوكاني أيضا بعيد فتفكر قوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم عاشوراء يوم العاشر) هذا دليل على أن العاشوراء هو اليوم العاشر قال في اللمعات مراتب صوم المحرم ثلاثة الأفضل أن يصوم يوم العاشر ويوما قبله ويوما بعده وقد جاء ذلك في حديث أحمد وثانيها أن يصوم التاسع والعاشر وثالثها أن يصوم العاشر فقط وقد جاء في التاسع والعاشر أحاديث ولهذا لم يجعلوا صوم العاشر والحادي عشر من المراتب وإن كان مخالفة اليهود في هذه أيضا وكذا لا يجزئ التاسع من
[ 383 ]
السنة انتهى قلت قال الحافظ في الفتح ولأحمد مرفوعا عن ابن عباس صوموا يوم عاشوراء خالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده وهذا كان في آخر الأمر وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشئ ولاسيما إذا كان فيما يخالف فيه أهل الأوثان فلما فتحت مكة واشتهر أمر الاسلام أحب مخالفة أهل الكتاب أيضا كما ثبت في الصحيح فهذا من ذلك فوافقهم أو وقال نحن أحق بموسى منكم ثم أحب مخالفتهم فأمر بأن يضاف إليه يوم قبله ويوم بعده خلافا لهم انتهى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) حديث ابن عباس الأول أخرجه مسلم وأبو داود الثاني انفرد به الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس فإنه لم يسمع منه وقول الترمذي حديث حسن صحيح لم يوضح مراده أي حديثي ابن عباس أراد وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم كذا في عمدة القاري للعيني رحمه الله قوله (فقال بعضهم يوم التاسع وقال بعضهم يوم العاشر) قال الزين بن المنير الأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو مقتضى الاشتقاق والتسمية وقيل هو اليوم التاسع فعلى الأول فاليوم مضاف لليلته الماضية وعلى الثاني هو مضاف لليلته الاتية وقيل إنما سمي التاسع عاشوراء أخذا من أوراد الابل كانوا إذا رعوا الابل ثمانية أيام ثم أوردوها في التاسع قالوا وردنا عشرا بكسر العين وكذلك إلى الثلاثة كذا في الفتح (وروي عن ابن عباس) أنه قال (صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود) لم أقف على من أخرج قول ابن عباس هذا وأخرج أحمد عنه مرفوعا صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود وصوموا قبله يوما وبعده يوما كذا في المنتقى قال الشوكاني رواية أحمد هذه ضعيفة منكرة من طريق داود بن علي عن أبيه عن جده رواها عنه ابن أبي ليلى قال وقد أخرجه بمثله البيهقي وذكره في التلخيص
[ 384 ]
وسكت عنه انتهى وأخرج مسلم عنه مرفوعا لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع وفي رواية له فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع يحتمل أمرين أحدهما أنه أراد نقل العاشر إلى التاسع والثاني أراد أن يضيفه في الصوم فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيان ذلك كان الاحتياط صوم اليومين قال الحافظ وعلى هذا فصيام عاشوراء على ثلاث مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وفوقه أن يصام التاسع والحادي عشر انتهى (وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال النووي قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق واخرون يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر ونوى صيام التاسع وقد سبق في صحيح مسلم في كتاب الصلاة من رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم انتهى كلام النووي 51 باب ما جاء في صيام العشر أي عشر ذي الحجة قوله (ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط) وفي رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم العشر قال النووي قال العلماء هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر والمراد بالعشر ههنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة قالوا وهذا مما يتأول فليس في صوم هذه التسعة كراهة بل هي مستحبة استحبابا شديدا لاسيما التاسع منها وهو يوم عرفة وثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل منه في هذه يعني العشر الأوائل من ذي الحجة فيتأول قولها لم يصم العشر أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما أو أنها لم
[ 385 ]
تره صائما فيه ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس رواه أبو داود وهذا لفظه وأحمد والنسائي وفي روايتهما وخميسين انتهى وقال الحافظ في الفتح في شرح حديث البخاري الذي ذكره النووي ما لفظه واستدل به على فضل صيام عشر ذي الحجة لاندراج الصوم في العمل قال ولا يرد على ذلك ما رواه أبو داود وغيره عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما العشر قط لاحتمال أن يكون ذلك لكونه كان يترك العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يفرض على أمته كما رواه الصحيحان من حديث عائشة أيضا انتهى قوله (ورواية الأعمش أصح وأوصل إسنادا) والحديث أخرجه مسلم من طريق الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وأخرجه أبو داود أيضا من هذه الطريق 52 باب ما جاء في العمل في أيام العشر أي عشر ذي الحجة قوله (وهو ابن أبي عمران البطين) بفتح الموحدة هو لقب مسلم بن أبي عمرالقب بذلك لعظم بطنه ذكره الحافظ
[ 386 ]
قوله (ما من أيام) من زائدة (العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) أي العشر الأول من ذي الحجة وفي حديث جابر في صحيحي أبي عوانة وابن حبان ما من أيام أفضل عند الله من أيام عشر ذي الحجة كذا في الفتح قال الطيبي العمل مبتدأ وفيهن متعلق به والخبر أحب والجملة خبر ما أي واسمها أيام ومن الأولى زائدة والثانية متعلقة بأفعل وفيه حذف كأنه قيل ليس العمل في أيام سوى العشر أحب إلى الله من العمل في هذه العشر قال ابن الملك لأنها أيام زيارة بيت الله والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل وذكر السيد اختلف العلماء في هذه العشر والعشر الأخير من رمضان فقال بعضهم هذه العشر أفضل لهذا الحديث وقال بعضهم عشر رمضان أفضل للصوم والقدر والمختار أن أيام هذه العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر لأن يوم عرفة أفضل أيام السقة وليلة القدر أفضل ليالي السنة ولذا قال ما من أيام ولم يقل من ليال كذا في الأزهار وكذا في المرقاة (ولا الجهاد في سبيل الله) أي أفضل من ذلك (إلا رجل) أي إلا جهاد رجل (لم يرجع من ذلك) أي مما ذكر من نفسه وماله (بشئ) أي صرف ماله ونفسه في سبيل الله فيكون أفضل من العامل في أيام العشر أو مساويا له قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو عوانة في صحيحه (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي وابن ماجه (وعبد الله بن عمرو) لم أقف على من أخرجه (وجابر) أخرجه أبو عوانة وابن حبان في صحيحهما قوله (حديث ابن عباس حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه
[ 387 ]
قوله (حدثنا أبو بكر بن نافع البصري) اسمه محمد بن أحمد بن نافع العبدي مشهور بكنيته صدوق من صغار العاشرة (أخبرنا مسعود بن واصل) الأرزق البصري صاحب السابري لين الحديث من التاسعة (عن نهاس) بتشديد الهاء ثم مهملة (بن قهم) بفتح القاف وسكون الهاء البصري ضعيف من السادسة قوله (ما) بمعنى ليس (من أيام) من زائدة وأيام اسمها (أحب إلى الله) بالنصب على أنه خبرها وبالفتح صفتها وخبرها ثابتة وقيل بالرفع على أنه صفة أيام على المحل والفتح على أنها صفتها على اللفظ وقوله (أن يتعبد) في محل رفع بتأويل المصدر على أنه فاعل أحب وقيل التقدير لأن يتعبد أي يفعل العبادة (له) أي لله (فيها) أي في الأيام (من عشر ذي الحجة) قال الطيبي قيل لو قيل أن يتعبد مبتدأ وأحب خبره ومن متعلق بأحب يلزم الفصل بين أحب ومعموله بأجنبي فالوجه أن يقرأ أحب بالفتح ليكون صفة أيام وأن يتعبد فاعله ومن متعلق بأحب والفصل ليس بأجنبي والفصل ليس بأجنبي وهو كقوله ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل من عين زيد وخبر ما محذوف أقول لو جعل أحب خبر ما وأن يتعبد متعلقا بأحب بحذف الجار أي ما من أيام أحب إلى الله لأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة لكان أقرب لفظا ومعنى أما اللفظ فظاهر وأما المعنى فلأن سوق الكلام لتعظيم الأيام والعبادة تابعة لها لا عكسه وعلى ما ذهب إليه القائل يلزم العكس مع ارتكاب ذلك التعسف (يعدل) بالمعلوم وقيل بالمجهول أي يسوي (صيام كل يوم منها) أي ما عدا العاشر وقال ابن الملك أي من أول ذي الحجة إلى يوم عرفة (صيام سنة) أي لم يكن فيها عشر ذي الحجة كذا قيل والمراد صيام التطوع فلا يحتاج إلى أن يقال لم يكن فيها أيام رمضان قوله (هذا حديث غريب الخ) وأخرجه ابن ماجه وهذا حديث ضعيف لأن في سنده مسعود بن واصل وهو لين الحديث وفيه نحاس بن قهم وهو ضعيف كما عرفت
[ 388 ]
53 باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال قوله (من صام رمضان ثم أتبعه) بهمزة قطع أي جعل عقبه في الصيام (بست من شوال) وفي رواية مسلم ستا من شوال قال النووي هذا صحيح ولو كان ستة بالهاء جاز أيضا قال أهل اللغة يقال صمنا خمسا وستا وخمسة وستة وإنما يلتزمون إثبات الهاء في المذكر إذا ذكروه بلفظه صريحا فيقولون صمنا ستة أيام ولا يجوز ست أيام فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا أي عشرة أيام انتهى (فذلك صيام الدهر) لأن الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة أشهر والستة بشهرين قال النووي وقد جاء هذا في حديث مرفوع في كتاب النسائي قوله (وفي الباب عن جابر وأبي هريرة وثوبان) وفي الباب أيضا عن البراء بن عازب وابن عباس وعائشة قال ميرك في تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أما حديث جابر فرواه الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي وأما حديث أبي هريرة فرواه البزار والطبراني وإسنادهما حسن وقال المنذري أحد طرقه عند البزار صحيح وأما حديث ثوبان فرواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان ولفظه عند ابن ماجه من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وأما لفظ البقية فقريب منه وأما حديث ابن عباس فرواه الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي وأما حديث عائشة فرواه الطبراني أيضا كذا في المرقاة قلت وأما حديث البراء بن عازب فرواه الدارقطني قوله (حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجه
[ 389 ]
قوله (وقد استحب قوم صيام ستة من شوال لهذا الحديث) وهذا هو الحق قال النووي فيه دلالة صريحة لمذهب الشافعي وأحمد وداود وموافقيهم في استحباب صوم هذه الستة وقال مالك وأبو حنيفة يكره ذلك قال مالك في الموطأ ما رأيت أحدا من أهل العلم يصومها قالوا فيكره لئلا يظن وجوبه ودليل الشافعي وموافقيه هذا الحديث الصحيح الصريح وإذا ثبت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها وقولهم قد يظن وجوبها ينتقض بصوم يوم عرفة وعاشوراء وغيرهما من الصوم المندوب انتهى كلام النووي قلت قول من قال بكراهة صوم هذه الستة باطل مخالف لأحاديث الباب ولذلك قال عامة المشايخ الحنفية بأنه لا بأس به قال ابن الهمام صوم ست من شوال عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهته وعامة المشايخ لم يروا به بأسا انتهى قوله (ويروى) بصيغة المجهول ونائب فاعله هو قوله ويلحق هذا الصيام برمضان كذا في بعض الحواشي قلت لم أقف أنا على الحديث الذي روى فيه هذا اللفظ نعم قد وقع في حديث ثوبان من صام ستة أيام بعد الفطر كان كصيام السنة والظاهر المتبادر من البعدية هي البعدية القريبة (واختار ابن المبارك أن يكون ستة أيام من أول الشهر) أي من أول شهر شوال متوالية (وروي عن ابن المبارك أنه قال إن صام ستة أيام متفرقا فهو جائز) قال النووي قال أصحابنا والأفضل أن تصام الستة متوالية عقب يوم الفطر فإن فرقها أو أخرها عن أوائل الشهر إلى أواخره حصلت فضيلة المتابعة لأنه يصدق أنه اتبعه ستا من شوال انتهى قلت الظاهر هو ما نقل النووي عن أصحابه فإن الظاهر المتبادر من لفظ بعد الفطر المذكور في حديث ثوبان المذكور هي البعدية القريبة والله تعالى أعلم
[ 390 ]
قوله (وقد تكلم بعض أهل الحديث في سعد بن سعيد من قبل حفظه) قال الحافظ في التقريب سعد بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري أخو يحيى صدوق سئ الحفظ من الرابعة انتهى فإن قلت كيف صحح الترمذي حديث سعد بن سعيد المذكور مع تصريحه فإنه قد تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه قلت الظاهر أن تصحيحه لتعدد الطرق وقد تقدم في المقدمة أنه قد يصحح الحديث لتعدد طرقه على أنه لم يتفرد به سعد بن سعيد بل تابعه صفوان بن سليم كما تقدم 54 باب ما جاء في صوم ثلاثة من كل شهر قوله (عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أوصي وفي رواية الشيخين أوصاني خليلي (ثلاثة) أي ثلاثة خصال (أن لا أنام إلا على وتر) قال الحافظ فيه استحباب تقدم الوتر على النوم وذلك في حق من لم يثق بالاستيقاظ ويتناول من يصلي بين النومين وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم ولأبي ذر فيما رواه النسائي انتهى كلام الحافظ قال الشيخ عبد الحق في اللمعات لعله اكتفى لأبي هريرة بأول الليل لأنه كان يحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستحضر ملفوظاته وكان يمضي جزء كثير من الليل فيه وذلك أفضل لأن الاشتغال بالعلم أفضل من العبادة وهو السبب في الوصية له بأن يوتر قبل أن ينام انتهى كلام الشيخ قلت ويمكن أن يكون لسبب آخر كما هو في الوصية لأبي الدرداء ولأبي ذر رضي الله
[ 391 ]
عنهما والله تعالى أعلم (وصوم ثلاثة أيام من كل شهر) قال الحافظ الذي يظهر أن المراد بها البيض (وأن أصلي الضحى) زاد أحمد في رواية كل يوم وفي رواية للبخاري بلفظ وركعتي الضحى قال ابن دقيق العيد لعله ذكر الأقل الذي يوحد التأكيد بفعله وفي هذا دلالة على استحباب صلاة الضحى وأن أقلها ركعتان قال الحافظ في الفتح حكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى فصار كثير من الناس يتركونها أص لذلك وليس لما قالوا أصل بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على ألسنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لاسيما ما وقع في حديث أبي ذر انتهى وحديث أبي هريرة المذكور لم يحكم عليه الترمذي بشئ هو حديث صحيح وأخرجه الشيخان قوله (سمعت يحيى بن بسام) بفتح الموحدة وتشديد السين المهملة واخره ميم قوله (فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة) هي أيام الليالي البيض قوله (وفي الباب عن أبي قتادة) أخرجه مسلم وفيه ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله (وعبد الله بن عمرو) أخرجه الشيخان وفيه ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله صم كل شهر ثلاثة أيام واقرأ القرآن في كل شهر (وقرة بن إياس المزني) أخرجه أحمد بإسناد صحيح عنه مرفوعا صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر كله وإفطاره وأخرجه أيضا البزار والطبراني وابن حبان في صحيحه كذا في الترغيب (وعبد الله بن مسعود) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من غرة كل شهر ثلاثة أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة أخرجه الترمذي والنسائي وأخرجه أبو داود إلى ثلاثة أيام وقلما كان يفطر يوم الجمعة أخرجه الترمذي والنسائي وأخرجه أبو داود إلى ثلاثة أيام وصححه ابن خزيمة (وأبي عقرب) لينظر من أخرج حديثه (وابن عباس) أخرجه النسائي (وعائشة) أخرجه مسلم
[ 392 ]
والترمذي في هذا الباب (وقتادة بن ملحان) بكسر الميم وقيل بفتحها ولم أقف على من أخرج حديثه (وعثمان بن أبي العاص) أخرجه النسائي والبيهقي (وجرير) أخرجه النسائي وقال الحافظ إسناده صحيح قوله (حديث أبي ذر حديث حسن) وأخرجه النسائي وصححه ابن حبان كذا في المرقا قوله (فذلك صيام الدهر) وذلك لأن الحسنة بعشر أمثالها فيعدل صيام الثلاثة الأيام من كل شهر صيام الشهر كله فيكون كمن صام الدهر قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه قوله (عن أبي شمر) بكسر الشين المعجمة وسكون الميم الضبعي مقبول من الرابعة قوله (قالت نعم) أي وهذا أقل ما كان يقتصر عليه (قلت من أيه) صام أي من أي يوم وفي رواية مسلم من أي أيام الشهر (كان لا يبالي في أية همام) وفي رواية مسلم لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 393 ]
قوله (ويزيد الرشك) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة (هو يزيد الضبعي) بضم المعجمة وفتح الموحدة بعدها عين مهملة قال في الخلاصة يزيد بن أبي يزيد الضبعي مولاهم أبو الأزهر البصري الذارع القسام الرشك عن مطرف بن الشخير وعنه شعبة ومعمر وثقة أبو حاتم وله في البخاري فرد حديث 55 باب ما جاء في فضل الصوم قوله (القزاز) بفتح القاف وشده الزاي الأولى قال في القاموس القز الابريسم والقزاز ككتان بائع القز قوله (كل حسنة بعشر أمثالها) أي تضاعف بعشر أمثالها (إلى سبعمائة ضعف) بكسر الضاد أي مثل (والصوم لي) وفي رواية الشيخين كل عمل ابن ادم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي الخ قال الحافظ في الفتح قد اختلف العلماء في المراد بقوله تعالى الصيام لي وأنا أجزي به مع أن الأعمال كلها له وهو الذي يجزى بها على أقوال ثم ذكر الحافظ عشرة أقوال ثم قال وأقرب الأقوال التي ذكرتها إلى الصواب الأول والثاني وأنا أذكر ههنا هذين القولين ومن شاء الوقوف على باقيها فليرجع إلى الفتح فالقول الأول أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره قال أبو عبيد في غريبه قد علمنا أن أعمال البر كلها لله وهو الذي يجزي بها فترى والله أعلم أنه إنما خص الصيام لأنه ليس يظهر من ابن آدم بفعله وإنما هو شئ في القلب ويؤيد هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم ليس في الصيام رياء حدثنيه
[ 394 ]
شبابة عن عقيل عن الزهري فذكره يعني مرسلا قال وذلك لأن الأعمال لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم فإنما هو بالنية التي تخفى عن الناس هذا وجه الحديث عندي انتهى قال الحافظ وقد روى الحديث المذكور البيهقي في الشعب من طريق عقيل وأورده من وجه آخر عن الزهري موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة وإسناده ضعيف ولفظه الصيام لا رياء فيه قال الله عز وجل هو لي وأنا أجزي به وهذا لو صح لكان قاطعا للنزاع قال الحافظ معنى النفي في قوله لا رياء في الصوم أنه لا يدخله الرياء بفعله وإن كان قد يدخله الرياء بالقول كمن يصوم ثم يخبر بأنه صائم فقد يدخله الرياء من هذه الحيثية فدخول الرياء في الصوم إنما يقع في جهة الاخبار بخلاف بقية الأعمال فإن الرياء قد يدخلها بمجرد فعلها وثانيها أن المراد بقوله وأنا أجزي به أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته وأما غيره من العبادات فقد اطلع عليها بعض الناس قال القرطبي معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعفت من عشرة إلى سبع مائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير ويشهد لهذا السياق الرواية الأخرى يعني رواية الموطأ وكذلك رواية الأعمش عن أبي صالح حيث قال كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله قال الله إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزى به أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره وهذا كقوله تعالى إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب انتهى والصابرون الصائمون في أكثر الأقوال انتهى ما في الفتح قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل وسهل بن سعد وكعب بن عجرة وسلامة بن قيصر وبشير بن الخصاصية) أما حديث معاذ بن جبل فأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه كلهم من رواية أبي وائل عن معاذ والحديث طويل وفيه الصوم جنة وذكر المنذري هذا الحديث الطويل في باب الصمت وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه الحاكم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احضروا المنبر فحضرنا فلما ارتقى درجة قال آمين فلما ارتقى الدرجة الثانية قال آمين فلما ارتقي الدرجة الثالثة قال آمين فلما نزل قلنا يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا
[ 395 ]
نسمعه قال إن جبريل عرض لي فقال بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له قلت آمين فلما رقيت الثانية قال بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين فلما رقيت الثالثة قال بعد من أدرك أبويه الكبر عنده أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة قلت آمين قال الحاكم صحيح الاسناد وأما حديث سلامة بن قيصر فأخرجه أبو يعلى والبيهقي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من صام يوما ابتغاء وجه الله بعده الله من جهنم كبعد غراب طار وهو فرخ حتى مات هرما كذا في الترغيب لكن فيه سلمة بن قيصر بغير الألف وقال المنذري بعد ذكر هذا الحديث ورواه الطبراني فسماه سلامة بزيادة ألف وفي إسناده عبد الله بن لهيعة انتهى وأما حديث بشير بن الخصاصية فلينظر من أخرجه قوله (وإسم بشير زحم) بالزاء وسكون الحاء المهملة قوله (في الجنة باب يدعى) أي يسمى (الريان) بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري اسم علم باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه وهو مما وقعت المناسبة بين لفظه ومعناه لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين قال القرطبي اكتفي بذكر الري عن الشبع لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه قال الحافظ أو لأنه أشق على الصائم من الجوع انتهى وفي رواية الشيخين في الجنة ثمانية أبواب منها باب يسمى الريان (يدعي له الصائمون) وفي رواية الشيخين لا يدخله إلا الصائمون (ومن دخله لم يظمأ أبدا) وفي رواية النسائي وابن خزيمة من دخل شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الشيخان قوله (فرحة حين يفطر) قال القرطبي معناه فرحة بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له
[ 396 ]
الفطر وهذا الفرح طبعي وهو السابق للفهم وقيل إن فرحه بفطره إنما هو من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه 56 باب ما جاء في صوم الدهر قوله (قال لا صام ولا أفطر أو لم يصم ولم يفطر) هو من شك من أحد رواته قال في اللمعات اختلفوا في توجيه معناه فقيل هذا دعاء عليه كراهة لصنيعه وزجرا له عن فعله والظاهر أنه إخبار فعدم إفطاره ظاهر وأما عدم صومه فلمخالفته السنة وقيل لأنه يستلزم صوم الأيام المنهية وهو حرام وقيل لأنه يتضرر وربما يفضي إلى إلقاء النفس إلى التهلكة وإلى العجز عن الجهاد والحقوق الأخر انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الشيخان وفيه لا صام من صام الأبد مرتين (وعبد الله بن الشخير وعمران بن حصين) قال في التلخيص ولأحمد وابن حبان عن عبد الله بن الشخير من صام الأبد فلا صام ولا أفطر وعن عمران بن حصين نحوه انتهى (وأبي موسى) أخرجه ابن حبان وغيره بلفظ من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وعقد تسعين كذا في التلخيص وقال في الفتح أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وابن حبان قوله (وحديث أبي قتادة حسن) وأخرجه مسلم مطولا
[ 397 ]
قوله (وقد كره قوم من أهل العلم صيام الدهر وقالوا إنما يكون صيام الدهر إذا لم يفطر يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق الخ) قال النووي في شرح مسلم واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر لظواهر هذه الأحاديث قال القاضي وغيره وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهى عنها وهي العيدان والتشريق ومذهب الشافعي وأصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيد والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر فقال إن شئت فصم وهذا لفظ رواية مسلم فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام ولو كان مكروها لم يقره لاسيما في السفر وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب أنه كان يسرد الصيام وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف وأجابوا عن حديث لا صام من صام الأبد بالأجوبة أحدها أنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها والثاني أنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقا ويؤيده أن النهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا فنهى ابن عمرو لعلمه بأنه سيعجز وأقر حمزة بن عمر ولعلمه بقدرته بلا ضرر والثالث أن معنى لا صام أنه لا يجد من مشقته ما يجدها غيره فيكون خبرا لا دعاءا انتهى كلام النووي قلت في الاستدلال بأحاديث جواز سرد الصوم على جواز صيام الدهر عندي نظر
[ 398 ]
57 باب ما جاء في سرد الصوم أي تواليه وتتابعه قوله (حتى نقول قد صام) وفي رواية مسلم قد صام قد صام بتكرار لفظ قد صام (حتى نقول قد أفطر) وفي رواية مسلم قد أفطر قد أفطر وفي رواية للشيخين رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم وهذه الرواية مفسرة لرواية الباب (وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا إلا رمضان) وإنما لم يستكمل غير رمضان لئلا يظن وجوبه قاله النووي قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأخرجه هو والبخاري بلفظ اخر قوله (كان يصوم من الشهر) أياما كثيرة (حتى يرى) بصيغة المجهول أي حتى يظن وفي رواية للبخاري حتى نظن (أن يفطر منه) أي من الشهر (فكنت لا تشاء أن تراه من الليل مصليا الخ) وفي رواية للبخاري ما كنت أحب أن أراه من الشهر صائما إلا رأيته ولا مفطرا إلا رأيته ولا من الليل قائما إلا رأيته قال الحافظ في الفتح يعني أن حاله في
[ 399 ]
التطوع بالصيام والقيام كان يختلف فكان تارة يقوم من أول الليل وتارة من وسطه وتارة من وسطه وتارة من آخره فكان من أراد أن يراه في وقت من أوقات الليل قائما أو في وقت من أوقات الشهر صائما فراقبه المرة بعد المرة فلا بد أن يصادفه قام أو صام على وفق ما أراد أن يراه هذا معنى الخبر وليس المراد أنه كان يسرد الصوم ولا أنه كان يستوعب الليل قياما انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) تقدم تخريجه قوله (ولا يفر إذا لاقى) أي العدو وزاد النسائي من طريق محمد بن ابراهيم عن أبي سلمة وإذا وعد لم يخلف قال الحافظ ولم أرها من غير هذا الوجه ولها مناسبة بالمقام وإشارة إلى أن سبب النهي خشيته أن يعجز عن الذي يلزمه فيكون كمن وعد فأخلف كما أن في قوله وكان لا يفر إذا لاقى إشارة إلى حكمه صوم يوم وإفطار يوم قال الخطابي محصل قصة عبد الله بن عمرو أن الله تعالى لم يتعبد عبده بالصوم خاصة بل تعبده بأنواع من العبادات فلو استفرغ جهده لقصر في غيره فالأولى الاقتصاد فيه ليستبقي بعض القوة لغيره وقد أشير إلى ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام في داود عليه السلام وكان لا يفر إذا لاقى لأنه كان يتقوى بالفطر لأجل الجهاد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه باختلاف الألفاظ قوله (وقال بعض أهل العلم أفضل الصيام أن يصوم يوما ويفطر يوما ويقال هذا هو
[ 400 ]
أشد الصيام) قال الحافظ وذهب جماعة منهم المتولي من الشافعية إلى أن صيام داود أفضل وهو ظاهر الحديث بل صريحه ويترجح من حيث المعنى أيضا بأن صيام الدهر قد يفوت بعض الحقوق وبأن من اعتاده فإنه لا يكاد يشق عليه بل تضعف شهوته عن الأكل وتقل حاجته إلى الطعام والشراب نهارا وبألف تناوله في الليل بحيث يتجدد له طبع زائد بخلاف من يصوم يوما ويفطر يوما فإنه ينتقل من فطر إلى صوم ومن صوم إلى فطر انتهى 58 باب ما جاء في كراهية الصوم يوم الفطر ويوم النحر قوله (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامين صيام يوم الأضحى ويوم الفطر) وفي لفظ للبخاري لا صوم في يومين ولمسلم لا يصح الصيام في يومين قوله (وفي الباب عن عمر) أخرجه الترمذي والبخاري ومسلم (وعلي) يأتي تخريجه في الباب الاتي (وعائشة) أخرجه مسلم (وأبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم (وعقبة بن عامر) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي كذا في الرحمة المهداة (وأنس) أخرجه الدارقطني ويأتي لفظه في الباب الاتي قوله (حديث أبي سعيد حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (والعمل عليه عند أهل العلم) قال النووي في شرح صحيح مسلم قد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال سواء صامهما عن نذر أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما قال الشافعي والجمهور لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما وقال أبو حنيفة ينعقد ويلزمه قضاؤهما قال فإن صامهما أجزأه وخالف الناس
[ 401 ]
كلهم في ذلك انتهى قوله (وأما يوم الأضحى فكلوا من لحم نسككم) النسك بضم النون والسين جمع النسيكة والمراد بها هنا الذبيحة المتقرب بها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (ويقال له) أي لأبي عبيد (مولى عبد الرحمن بن أزهر أيضا) قال البخاري في صحيحه وقال ابن عيينة من قال مولى ابن أزهر فقد أصاب ومن قال مولى عبد الرحمن بن عوف فقد أصاب انتهى قال الحافظ في الفتح قال ابن التين وجه كون القولين صوابا ما روى أنهما اشتركا في ولائه وقيل يحمل أحدهما على الحقيقة والاخر على المجاز وسبب المجاز أما بأنه كان يكثر ملازمة أحدهما إما لخدمة أو للأخذ عنه أو لانتقاله من ملك أحدهما إلى ملك الاخر وجزم الزبير بن بكار بأنه كان مولى عبد الرحمن بن عوف فعلى هذا فنسبته إلى ابن أزهر هي المجازية قال واسم ابن أزهر أيضا عبد الرحمن وهو ابن عم عبد الرحمن بن عوف وقيل ابن أخيه انتهى كلام الحافظ
[ 402 ]
59 باب ما جاء في كراهية صوم أيام التشريق هي ثلاثة أيام تلي عيد النحر سميت بذلك من تشريق اللحم وهو تقديده وبسطه في الشمس ليجف لأن لحوم الأضاحي كانت تشرق فيها بمنى وقيل سميت به لأن الهدى والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس أي تطلع كذا في النهاية قوله (يوم عرفة) أي اليوم التاسع من ذي الحجة (ويوم النحر) أي اليوم العاشر من ذي الحجة (وأيام التشريق) أي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر (عيدنا) بالرفع على الخبرية (أهل الاسلام) بالنصب على الاختصاص (وهي) أي الأيام الخمسة (أيام أكل وشرب) في الحديث دليل على أن يوم عرفة وأيام التشريق أيام عيد كما أن يوم النحر يوم عيد وكل هذه الأيام الخمسة أيام أكل وشرب قال الشوكاني في النيل ظاهر حديث أبي قتادة مرفوعا صوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي أنه يستحب صوم عرفة مطلقا وظاهر حديث عقبة بن عامر يعني المذكور في هذا الباب أنه يكره صومه مطلقا وظاهر حديث أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات رواه أحمد وابن ماجه أنه لا يجوز صومه بعرفات فيجمع بين الأحاديث بأن صوم هذا اليوم مستحب لكل أحد مكروه لمن كان بعرفات حاجا والحكمة في ذلك أنه ربما كان مؤديا إلى الضعف عن الدعاء والذكر يوم عرفة هنالك والقيام بأعمال الحج وقيل الحكمة أنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ويؤيده حديث عقبة بن عامر انتهى كلام الشوكاني محصلا قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه النسائي من طريق مسعود بن الحكم عن أمه أنها رأت وهي بمنى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبا يصيح يقول يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله قالت فقلت من هذا قالوا علي بن أبي طالب ورواه البيهقي من هذا الوجه لكن قال إن جدته حدثته كذا في التلخيص (وسعد) بن أبي وقاص أخرجه أحمد بلفظ
[ 403 ]
قال أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى أنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها يعني أيام التشريق وأخرجه البزار أيضا قال في مجمع الزوائد رجالهما رجال الصحيح (وأبي هريرة) أخرجه الدارقطني في سننه في الضحايا وفيه وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال وفي سنده سعيد بن سلام العطار قال الزيلعي رماه أحمد بالكذب (وجابر) لينظر من أخرجه (ونبيشة) الهذلي أخرجه مسلم بلفظ أيام التشريق أيام أكل وشرب (وبشر بن سحيم) بمهملتين مصغرا أخرجه النسائي بنحو حديث نبيشة (وعبد الله بن حذافة) أخرجه الدارقطني بلفظ لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال يعني أيام منى وفي إسناده الواقدي (وأنس) أخرجه الدارقطني بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن خمسة أيام في السنة يوم الفطر ويوم النحر وثلاثة أيام التشريق وفي إسناده محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف (وحمزة بن الأعور الأسلمي) لينظر من أخرجه (وكعب بن مالك) أخرجه أحمد ومسلم وفيه أيام منى أيام أكل وشرب (وعائشة) وابن عمر قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى أخرجه البخاري (وعمرو بن العاص) أخرجه أبو داود (وعبد الله بن عمرو) أخرجه البزار قال الزيلعي في نصب الراية قال المنذري في حواشيه وقد روى هذا الحديث من رواية نبيشة قوله (حديث عقبة بن عامر حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره قوله (إلا أن قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم رخصوا للمتمتع إذا لم يجد هديا ولم يصم في العشر أن يصوم أيام التشريق) قال الحافظ في الفتح وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة الجواز مطلقا وعن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا وهو المشهور عن الشافعي وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير في اخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدى وهو قول مالك والشافعي في القديم وعن الأوزاعي وغيره أيضا يصومها المحصر والقارن انتهى واستدل القائلون بالمنع مطلقا بأحاديث الباب التي لم تقيد
[ 404 ]
بالجواز للمتمت واستدل القائلون الجواز للمتمتع بحديث عائشة وابن عمر قالا لم يرخص في أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدى رواه البخاري وله عنهما أنهما قالا الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى قال الشوكاني وهذه الصيغة لها حكم الرفع وقد أخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدى أن يصوم أيام التشريق وفي إسناده يحيى بن سلام وليس بالقوي ولكنه يؤيد ذلك عموم الاية قالوا وحمل المطلق على المقيد واجب وكذلك بناء العام على الخاص قال الشوكاني وهذا أقوى المذاهب وأما القائل بالجواز مطلقا فأحاديث الباب جميعها ترد عليه (وبه يقول مالك بن أنس والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصوم أيام التشريق قال محمد في الموطأ لا ينبغي أن يصام أيام التشريق لمتعة ولا لغيرها لما جاءت من النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول أبي حنيفة والعامة من قبلنا انتهى قوله (أهل العراق يقولون موسى بن علي بن رباح) بضم العين وفتح اللام مصغرا (وأهل مصر يقولون موسى بن علي) بفتح العين وكسر اللام مكبرا 60 باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم قوله (عن ابراهيم بن عبد الله بن قارظ) بقاف وظاء وقيل هو عبد الله بن ابراهيم بن قارظ ووهم من زعم أنهما اثنان صدوق من الثالثة كذا في التقريب (أفطر الحاجم
[ 405 ]
والمحجوم) استدل بظاهر هذا الحديث من قال بحرمة الحجامة للصائم وسيجئ ذكرهم قوله وفي الباب عن سعد أي ابن أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف أحد العشرة أخرج حديثه ابن عدي في الكامل وفي سنده داود بن الزبرقان وهو ضعيف (وعلي) بن أبي طالب أخرجه النسائي وذكر الاختلاف فيه وأخرجه البزار في مسنده وقال جميع ما يرويه الحسن عن علي مرسل وإنما يروى عن قيس بن عباد وغيره عن علي (وشداد بن أوس وثوبان) قال الحافظ في التلخيص أما حديث ثوبان وشداد فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء عن ثوبان قال علي بن سعيد النسوي سمعت أحمد يقول هو أصح ما روي فيه وكذا قال الترمذي عن البخاري ورواه المذكورون من طريق يحيى بن أبي كثير أيضا عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس وصحح البخاري الطريقين تبعا لعلي بن المديني نقله الترمذي في العلل وقد استوعب النسائي طرق هذا الحديث في السنن الكبرى انتهى (وأسامة بن زيد) أخرجه النسائي من حديث أشعث بن عبد الملك عن الحسن عنه ثم قال لا نعلم تابع أشعث على روايته أحد (وعائشة) أخرجه النسائي أيضا وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف ومعقل بن يسار ويقال (معقل بن سنان) أخرجه النسائي أيضا وذكر الاختلاف فيه (وابن عباس) أخرجه النسائي (وأبي موسى) أخرجه النسائي والحاكم وصححه علي بن المديني وقال النسائي رفعه خطأ والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة وعلقه البخاري (وبلال) أخرجه النسائي وقد ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ بن حجر في التلخيص هذه الأحاديث وغيرها مع الكلام عليها مفصلا من شاء الوقوف عليها فليرجع إليهما قوله (حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين (وذكر عن أحمد بن حنبل أنه قال أصح شئ في هذا الباب حديث رافع بن خديج) قال الحافظ في الفتح لكن عارض أحمد يحيى بن معين في هذا فقال حديث رافع أضعفها وقال البخاري هو غير محفوظ وقال ابن أبي حاتم
[ 406 ]
عن أبيه هو عندي باطل وقال الترمذي سألت إسحاق بن منصور عنه فأبى أن يحدثني به عن عبد الرزاق وقال هو غلط قلت ما علته قال روى هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير بهذا الاسناد حديث مهر البغي خبيث وروي عن يحيى عن أبي قلابة أن أبا أسماء حدثه أن ثوبان أخبره به فهذا هو المحفوظ عن يحيى فكأنه دخل لمعمر حديث في حديث انتهى (وذكر عن علي بن عبد الله) بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن بن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله (وأنه قال أصح شئ في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس لأن يحيى بن أبي كثير روى عن أبي قلابة الحديثين جميعا حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس) يعني فانتفى الاضطراب وتعين الجمع بذلك وقد صحح للبخاري الطريقين تبعا لعلي بن المديني كما عرفت في بيان تخريج حديثهما وكذا قال عثمان الدارمي صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم من طريق ثوبان وشداد قال وسمعت أحمد يذكر ذلك وقال المروزي قلت لأحمد إن يحيى بن معين قال ليس فيه شئ يثبت فقال هذا مجازفة وقال ابن خزيمة صح الحديثان جميعا وكذا قال ابن حبان والحاكم كذا في الفتح قوله وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الحجامة للصائم) واحتجوا بحديث الباب وهو بظاهره يدل صراحة على أن الحجامة تفطر الصائم قال الطيبي ذهب إلى هذا الحديث جمع من الأئمة وقالوا يفطر الحاجم والمحجوم ومنهم أحمد وإسحاق وقال قوم منهم مسروق والحسن وابن سيرين يكره الحجامة للصائم ولا يفسد الصوم بها
[ 407 ]
وحملوا الحديث على التشديد وأنهما نقصا أجر صيامهما وأبطلاه بارتكاب هذا المكروه وقال الأكثرون لا بأس بها إذ صح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم وإليه ذهب مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وقالوا معنى قوله أفطر تعرض للإفطار كما يقال هلك فلان إذا تعرض الهلاك انتهى كلام الطيبي وقال البغوي في شرح السنة معنى قوله أفطر الحاجم والمحجوم أي تعرضا للإفطار أما الحاجم فلأنه لا يأمن من وصول شئ من الدم إلى جوفه عند المص وأما المحجوم فلأنه لا يأمن ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أمره إلى أن يفطر انتهى كلام البغوي 61 باب ما جاء من الرخصة في ذلك قوله (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم صائم) أي احتجم في حال اجتماع الصوم مع الاحرام قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (هكذا روى وهيب نحو رواية عبد الوارث) ورواية وهيب أخرجها البخاري في
[ 408 ]
صحيحه (وروى إسماعيل بن إبراهيم) وهو معروف بإبن علية قوله (عن حبيب بن الشهيد) الأزدي البصري ثقة ثبت من الخامسة (عن ميمون بن مهران) الجزري أصله كوفي نزل الرقة ثقة فقيه ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز وكان يرسل من الرابعة قوله (هذا حديث غريب من هذا الوجه) ورواه النسائي أيضا بإسناد الترمذي وزاد وهو محرم وقال هذا حديث منكر لا أعلم أحدا رواه عن حبيب غير الأنصاري ولعله أراد النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة كذا في عمدة القاري قوله احتجم فيما بين مكة والمدينة وهو محرم صائم قال الحافظ في التلخيص له طرق عند النسائي وهاها وأعلها واستشكل كونه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصيام والإحرام لأنه لم يكن من شأنه التطوع بالصيام في السفر ولم يكن محرما إلا وهو مسافر ولم يسافر في رمضان إلى جهة الاحرام إلا في غزاة الفتح ولم يكن حينئذ محرما قال الحافظ بعد ذكر هذا الكلام ما لفظه وفي الجملة الأولى نظر فما المانع من ذلك فلعله فعل مرة لبيان الجواز وبمثل هذا لا نرد الأخبار الصحيحة ثم ظهر لي أن بعض الرواة جمع بين الأمرين في الذكر فأوهم أنهما وقعا معا والأصوب رواية البخاري احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم فيحمل على أن كل واحد منهما وقع في حالة مستقلة وهذا لا مانع منه فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم صام في رمضان وهو مسافر وهو في الصحيحين بلفظ وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ويقوي ذلك أن غالب الأحاديث ورد مفص انتهى كلام الحافظ
[ 409 ]
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وجابر وأنس) أما حديث أبي سعيد فأخرجه النسائي من رواية أبي المتوكل عن أبي سعيد قال رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبلة للصائم والحجامة وأما حديث جابر فأخرجه النسائي أيضا من رواية أبي الزبير عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم وأما حديث أنس رضي الله عنه فأخرجه الدارقطني من رواية ثابت عنه وفيه ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم وفي الباب أيضا عن ابن عمر وعائشة ومعاذ وأبي موسى وتخريج أحاديث هؤلاء رضي الله عنهم مذكور في عمدة القاري قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي وله طرق كما تقدم في كلام الحافظ قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث الخ) قال ابن حزم صح حديث أفطر الحاجم والمحجوم بلا ريب لكن وجدنا من حديث أبي سعيد أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في الحجامة للصائم وإسناده صحيح فوجب الأخذ به لأن الرخصة إنما تكون بعد العزيمة فدل على نسخ الفطر بالحجامة سواء كان حاجما أو محجوما انتهى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام ابن حزم هذا ما لفظه والحديث المذكور أخرجه النسائي وابن خزيمة والدارقطني ورجاله ثقات ولكن اختلف في رفعه ووقفه وله شاهد من حديث أنس أخرجه الدارقطني ولفظه أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أفطر هذان ثم رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم ورواته كلهم من رجال البخاري إلا أن في المتن ما ينكر لأن فيه أن ذلك كان في الفتح وجعفر كان قتل قبل ذلك ومن أحسن ما ورد في ذلك ما رواه عبد الرزاق وأبو داود من طريق عبد الرحمن بن عابس عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه إسناده صحيح والجهالة بالصحابي لا تضر وقوله إبقاء على أصحابه يتعلق بقوله نهى وقد رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري بإسناده هذا ولفظه عن أصحاب
[ 410 ]
محمد صلى الله عليه وسلم قالوا إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة للصائم وكرهها للضعيف أي لئلا يضعف انتهى كلام الحافظ 62 باب ما جاء في كراهية الوصال في الصيام هو الترك في ليالي الصيام لما يفطر بالنهار بالقصد فيخرج من أمسك اتفاقا ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه قاله الحافظ ابن حجر وقال الجزري في النهاية هو أن لا يفطر يومين أو أياما انتهى قوله (إني لست كأحدكم) وفي حديث ابن عمر لست مثلكم وفي حديث أبي هريرة عند مسلم لستم في ذلك مثلي (إن ربي يطعمني ويسقيني) استئناف مبين لنفي المساواة قال الجمهور هذا مجاز عن لازم الطعام والشراب وهو القوة فكأنه قال يعطيني قوة الاكل والشارب ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب ويقوي على أنواع الطاعة من غير ضعف في القوة ولا كلال في الاحساس ويحتمل أن يكون المراد أي يشغلني بالتفكر في عظمته والتملي بمشاهدته والتغذي بمعارفه وقرة العين بمحبته والاستغراق في مناجاته والإقبال عليه عن الطعام والشراب وإلى هذا جنح ابن القيم وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم ومن له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبه الذي قرت عينه بمحبوبه وقيل هو على حقيقته وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامة له في ليالي صيامه وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يكن مواص قلت في هذا التعقب نظر فتفكر قوله (وفي الباب عن علي وأبي هريرة وعائشة وابن عمر وجابر وأبي سعيد وبشير بن
[ 411 ]
الخصاصية) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأما حديث عائشة فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وأما حديث بشير بن الخصاصية فأخرجه أحمد في مسنده قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم كرهوا الوصال في الصيام) واختلفوا في المنع فقيل على سبيل التحريم وقيل على سبيل الكراهة وقيل يحرم على من شق ويباح لمن لا يشق عليه وذهب الأكثرون إلى تحريم الوصال وهو القول الراجح (وروي عن عبد الله بن الزبير أنه كان يواصل الأيام) أخرج ابن أبي شيبة عن ابن الزبير بإسناد صحيح أنه كان يواصل خمسة عشر يوما ذكره الحافظ في الفتح 63 باب ما جاء في الجنب يدركه الفجر وهو يريد الصيام قوله (زوجا النبي) بصيغة التثنية سقط نون التثنية بالإضافة قوله (وهو جنب من أهله) أي من الجماع لا من الاحتلام (حديث عائشة وأم سلمة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم) قال
[ 412 ]
النووي في شرح مسلم قد أجمع أهل هذه الأعصار على صحة صوم الجنب سواء كان من احتلام أو جماع وبه قال جماهير الصحابة والتابعين وحكي عن الحسن بن صالح بن حي إبطاله وكان عليه أبو هريرة والصحيح أنه رجع عنه كما صرح به في رواية مسلم وقيل لم يرجع عنه وليس بشئ وحكى عن طاوس وعروة إن علم بجنابته لم يصح وإلا فيصح وحكى مثله عن أبي هريرة وحكى أيضا عن الحسن البصري أنه يجزئه في صوم التطوع دون العرض وحكى عن سالم بن عبد الله والحسن البصري والحسن بن صالح يصومه ويقضيه ثم ارتفع هذا الخلاف وأجمع العلماء بعد هؤلاء على صحته انتهى كلام النووي قوله (وقد قال قوم من التابعين إذا أصبح جنبا يقضي ذلك اليوم) وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يفتي الناس أنه من أصبح جنبا فلا يصوم ذلك اليوم ثم رجع عن هذه الفتيا قال الحافظ في الفتح وقد بقي على مقالة أبو هريرة بعض التابعين كما نقله الترمذي ثم ارتفع ذلك الخلاف واستقر الاجماع على خلافه كما جزم به النووي وأما ابن دقيق العيد فقال صار ذلك إجماعا أو كا جماع انتهى (والقول الأول أصح) فإن قلت قد ثبت من حديث أبي هريرة ما يخالف حديث الباب فأخرج الشيخان عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال من أصبح جنبا فلا صوم له وقد بقي على العمل بحديث أبي هريرة هذا بعض التابعين كما ذكره الترمذي فما وجه كون القول الأول أصح من القول الثاني قلت لو وجوه مذكورة في فتح الباري وغيره قال ابن عبد البر إنه صح وتواتر حديث عائشة وأم سلمة وأما حديث أبي هريرة فأكثر الروايات عنه أنه كان يفتي بذلك وأيضا رواية اثنين مقدمة على رواية واحد ولا سيما وهما زوجتان للنبي صلى الله عليه وسلم والزوجات أعلم بحال الأزواج وقال الحافظ في التلخيص قال ابن المنذر أحسن ما سمعت في هذا الحديث أنه منسوخ لأن الجماع في أول الاسلام كان محرما على الصائم في الليل بعد النوم كالطعام والشراب فلما أباح الله الجماع إلى طلوع الفجر جاز للجنب إذا أصبح قبل الاغتسال وكان أبو هريرة يفتي بما سمعه من الفضل على الأمر الأول ولم يعلم النسخ فلما علمه من حديث عائشة وأم سلمة رجع إليه قال الحافظ وقال المصنف إنه محمول عند الأئمة على ما إذا أصبح مجامعا واستدامه مع علمه بالفجر والأول أولى انتهى وقال محمد في موطئه من أصبح جنبا من جماع من غير احتلام في شهر رمضان ثم اغتسل بعد ما طلع الفجر فلا بأس بذلك وكتاب الله تعالى يدل على ذلك
[ 413 ]
64 باب ما جاء في إجابة الصائم للدعوة قوله (فإن كان صائما فليصل) أي فليدع لأهل الطعام بالبركة كما في حديث ابن مسعود عند الطبراني وإن كان صائما فليدع بالبركة (يعني الدعاء) هذا تفسير من بعض الرواة أو الترمذي أي ليس المراد بقوله فليصل الصلاة كما هو الظاهر بل المراد به الدعاء وحمله الطيبي على ظاهره فقال أي ركعتين في ناحية البيت كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم انتهى قال القاضي في المرقاة ظاهر حديث أم سليم أن يجمع بين الصلاة والدعاء انتهى قلت حديث أم سليم أخرجه البخاري عن أنس ولفظه هكذا قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم فأتته بتمر وسمن فقال أعيدوا سمنكم في سقائه وتمركم في وعائه فإني صائم ثم قام إلى ناحية من البيت فصلى غير المكتوبة فدعا لأم سليم وأهل بيتها انتهى ويجوز لمن صام صوم نفل أن يفطر ويطعم لما أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه مرفوعا إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء لم يطعم انتهى قوله (فليقل إني صائم) قال ابن الملك أمر صلى الله عليه وسلم المدعو حين لا يجيب الداعي أن يعتذر عنه بقوله إني صائم وإن كان يستحب إخفاء النوافل لئلا يؤدي ذلك إلى عداوة وبغض في الداعي انتهى وقال النووي محمول على أنه يقوله اعتذارا له وإعلاما بحاله فإن سمح له ولم يطالبه بالحضور سقط عنه الحضور وإن لم يسمح وطالبه بالحضور لزمه الحضور وليس الصوم عذرا في إجابة الدعوة لكن إذا حضر لا يلزمه الأكل ويكون الصوم عذرا في ترك الأكل بخلاف المفطر فإنه يلزمه الأكل على أصح الوجهين عندنا وأما الأفضل للصائم فقال أصحابنا إن كان يشق على صاحب الطعام صومه استحب له الفطر وإلا فلا هذا إذا كان صوم تطوع فإن كان صوما واجبا حرم الفطر انتهى كلام النووي
[ 414 ]
قوله (فكلا الحديثين في هذا الباب عن أبي هريرة حسن صحيح) وأخرجهما مسلم 65 باب ما جاء في كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها قوله (لا تصوم المرأة) النفي بمعنى النهي وفي رواية مسلم لا يحل للمرأة أن تصوم (وزوجها شاهد) أي حاضر معها في بلدها (إلا بإذنه) تصريحا أو تلويحا قال القاري في المرقاة ظاهر الحديث إطلاق منع صوم النفل فهو حجة على الشافعية في استثناء نحو عرفة وعاشوراء انتهى قلت الأمر كما قال القاري وإنما لم يلحق بالصوم الاعتكاف لا يصح بدون الصوم انتهى (وفي الباب عن ابن عباس وأبي سعيد) أما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ومن حق الزوج على الزوجة أن لا تصوم تطوعا إلا بإذنه فإن فعلت جاعت وعطشت ولا يقبل منها كذا في الترغيب وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود وابن ماجه كذا في المشكاة في باب عشرة النساء قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
[ 415 ]
66 باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان قوله (وعن عبد الله البهي) بفتح الموحدة وكسر الهاء ليس نسبة إلى أحد وإنما هو لقب عبد الله البهي مولى مصعب بن الزبير كذا في جامع الأصول قوله (إلا في شعبان) زاد البخاري قال يحيى الشغل من النبي صلى الله عليه وسلم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة مدرجة من قول يحيى بن سعيد الأنصاري كما بينه الحافظ في الفتح وقال فيه ومما يدل على ضعف الزيادة أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لنسائه فيعدل وكان يدنو من في المرأة في غير نوبتها فيقبل ويلمس من غبر جماع فليس في شغلها بشئ من ذلك ما يمنع الصوم اللهم إلا أن يقال إنها كانت لا تصوم إلا بإذنه ولم يكن يأذن لاحتمال احتياجه إليها فإذا ضاق الوقت أذن لها وكان هو صلى الله عليه وسلم يكثر الصوم في شعبان فلذلك كانت لا يتهيأ لها القضاء إلا في شعبان وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو بغير عذر لأن الزيادة كما بيناه مدرجة فلو لم تكن مرفوعة لكان الجواز مقيدا بالضرورة لأن للحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع توفر دواعي أزواجه على السؤال منه عن أمر الشرع فلولا أن ذلك كان جائزا لم تواظب عائشة عليه ويؤخذ من حرصها على ذلك في شعبان أنه لا يجوز تأخير القضاء حتى يدخل رمضان اخر
[ 416 ]
67 باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده قوله (أخبرنا شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظ منذ ولي القضاء بالكوفة (عن ليلى) قال في التقريب ليلى مولاة أم عمارة الأنصارية مقبولة من السادسة وذكرها الذهبي في الميزان في فصل النسوة المجهولات (عن مولاتها) أي معتقتها بالكسر وهي أم عمارة ويطلق المولاة على المعتقة بالفتح أيضا قوله (إذا أكل عنده المفاطير) جمع المفطر أي المفطرون (صلت عليه الملائكة) أي دعت له الملائكة بما صبر مع وجود المرغب قوله (عن جدته أم عمارة) بضم العين وتخفيف الميم الأنصارية يقال اسمها نسيبة بنت كعب بن عمرو الأنصارية والدة عبد الله بن زيد صحابية مشهورة قوله (سمعت مولاة لنا) المراد بالمولاة ههنا المعتقة بالفتح قوله (تصلي عليه الملائكة) أي تستغفر له (إن الصائم إذا أكل عنده) أي ومالت نفسه إلى المأكول واشتد صومه عليه
[ 417 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه أيضا ورواه النسائي عن ليلى مرس قوله (وعن مولاة لهم) المراد بالمولاة ههنا المعتقة بالفتح 68 باب ما جاء في قضاء الحائض الصيام دون الصلاة قوله (عن عبيدة) بالتصغير ابن معتب بميم مضمومة وفتح عين وكسر مثناة فوقية ثقيلة بعدها موحدة الكوفي الضرير ضعيف واختلط باخره من الثامنة ما له في البخاري سوى موضع واحد في الأضاحي كذا في التقريب قلت علق له البخاري في ذلك الموضع الواحد قوله (فيأمرنا بقضاء الصيام ولا يأمرنا بقضاء الصلاة) قد علل ذلك بأن قضاء الصوم لا يشق لأنه لا يكون في السنة إلا مرة بخلاف قضاء الصلاة فإنه يشق كثيرا لأنه يكون غالبا في كل شهر ستا أو سبعا وقد يمتد إلى عشر فيلزم قضاء صلوات أربعة أشهر من السنة وذلك في غاية المشقة قاله القاري قوله (هذا حديث حسن) قد عرفت أن في سنده عبيدة بن معتب وهو ضعيف ومع
[ 418 ]
كونه ضعيفا كان قد اختلط بآخره إلا أنه معتضد بطريق معاذة عن عائشة قوله (وقد روي عن معاذة عن عائشة أيضا) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه 69 باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم قوله (سمعت عاصم بن لقيط بن صبرة) بفتح الصاد وكسر الباء ويجوز سكون الباء مع فتح الصاد وكسرها كذا في التهذيب (أخبرني عن الوضوء) أي كماله (قال أسبغ الوضوء) بضم الواو أي أتم فرائضه وسننه (وخلل بين الأصابع) أي أصابع اليدين والرجلين (وبالغ في الاستنشاق) بإيصال الماء إلى باطن الأنف (إلا أن تكون صائما) فلا تبالغ لئلا يصل إلى باطنه فيبطل الصوم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه ابن ماجه والدارمي إلى قوله بين الأصابع قوله (وقد كره أهل العلم السعوط للصائم) قال في القاموس سعطه الدواء كمنعه ونصره وأسعطه إياه سعطة واحدة وإسعاطه واحدة أدخله في أنفة فاستعط والسعوط كصبور
[ 419 ]
ذلك الدواء (ورأوا أن ذلك) أي السعوط (يفطره) من التفطير أي بجعل الصائم مفطرا ويفسد صومه (وفي الحديث ما يقوي قولهم) قال الخطابي في الحديث من الفقه إن وصل الماء إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان ذلك بفعله وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو في غيره من حشو جوفه انتهى واختلف إذا دخل من ماء المضمضة والاستنشاق إلى جوفه خطأ فقالت الحنفية ومالك والشافعي في أحد قوليه والمزني أنه يفسد الصوم وقال أحمد بن حنبل وإسحاق والأوزاعي وأصحاب الشافعي أنه لا يفسد الصوم كالناسي وقال الحسن البصري والنخعي يفسد إن لم يكن لفريضة 70 باب ما جاء فيمن نزل بقوم إلخ قوله (بشر بن معاذ العقدي) بفتح المهملة والقاف أبو سهل الضرير صدوق من العاشرة كذا في التقريب (أخبرنا أيوب بن واقد الكوفي) أبو الحسن ويقال أبو سهل سكن البصرة متروك من الثامنة كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان قال البخاري منكر الحديث وقال أحمد ضعيف وقال ابن معين ليس بثقة وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابع عليه انتهى قوله (فلا يصومن تطوعا إلا بإذنهم) جبرا لخاطرهم والنهي للتنزيه كذا في التيسير وقال أبو الطيب في شرح الترمذي لئلا يتحرجوا بصومه بسبب تقييد الوقت وإحسان الطعام للصائم بخلاف ما إذا كان مفطرا فيأكل معهم كما يأكلون فيندفع عنهم الحرج ولأنه من اداب الضيف أن يطيع المضيف فإذا خالف فقد ترك الأدب انتهى قوله (هذا حديث منكر) المنكر ما تفرد به الضعيف (وقد روى موسى بن داود)
[ 420 ]
الضبي أبو عبد الله الطرطوسي نزيل بغداد ولي قضاء طرسوس صدوق ففيه زاهد له أوهام من صغار التاسعة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى له مسلم حديث أبي سعيد في الشك في الصلاة فقط واستشهد به الترمذي في حديث في صيام التطوع انتهى قوله (وهو أوثق من هذا وأقدم) أي أبو بكر المديني الذي روى عن جابر أوثق وأقدم من أبي بكر المديني عن هشام قال الحافظ في التقريب أبو بكر المديني عن هشام ضعيف من السابعة وقال فيه الفضل بن مبشر بموحدة ومعجمة ثقيلة الأنصاري أبو بكر المدني مشهرو بكنيته فيه لين من الخامسة انتهى وقال الخزرجي الفضل بن مبشر الأنصاري أبو بكر المدني ضعفه جماعة انتهى فظهر أن المراد بقول الترمذي هو أوثق من هذا أنه وإن كان هو في نفسه ضعيفا أيضا لكنه أقوى من هذا وضعفه أقل من ضعف هذا 71 باب ما جاء في الاعتكاف الاعتكاف لغة لزوم الشئ وحبس النفس عليه وشرعا المقام في المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة وليس بواجب إجماعا إلا على من نذره وكذا من شرع فيه فقطعه عامدا عند قوم واختلف في اشتراط الصوم له كذا في فتح الباري وغيره قوله (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وعروة عن عائشة) يعني أن الزهري روى هذا الحديث من طريقين الأول عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والثاني عن عروة عن عائشة
[ 421 ]
قوله (حتى قبضه الله) وفي رواية الصحيحين حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده قال ابن الهمام هذه المواظبة المقرونة بعدم الترك مرة لما اقترنت بعدم الانكار على من لم يفعله من الصحابة كانت دليل السنية وإلا كانت دليل الوجوب أو نقول اللفظ وإن دل على عدم الترك ظاهرا لكن وجدنا صريحا يدل على الترك وهو ما في الصحيحين وغيرهما ثم ذكر حديث عائشة وفيه فلما انصرف صلى الله عليه وسلم من الغداة أبصر أربع قباب فقال ماهذا فأخبر خبرهن ما حملن على هذا البر انزعوها فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب) بلفظ واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان فسافر عاما فلم يعتكف فلما كان من قابل اعتكف عشرين يوما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم (وأبي ليلى) لينظر من أخرجه (وأبي سعيد) أخرجه الشيخان (وأنس) أخرجه الترمذي وابن ماجه (وابن عمر رضي الله عنه) أخرجه الشيخان قوله (حديث أبي هريرة وعائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (صلى الفجر ثم دخل معتكفه) بصيغة المفعول أي مكان اعتكافه أي انقطع فيه وتخلى بنفسه بعد صلاة الصبح لا أن ذلك وقت ابتداء اعتكافه بل كان يعتكف من الغروب ليلة الحادي والعشرين وإلا لما كان معتكفا العشر بتمامه الذي ورد في عدة أخبار أنه كان يعتكف العشر بتمامه وهذا هو المعتبر عند الجمهور اعتكاف عشر أو شهر وبه قال الأئمة الأربعة ذكره الحافظ العراقي كذا في شرح الجامع الصغير للمناوي وقال الحافظ ابن حجر في الفتح فيه أن أول الوقت الذي يدخل فيه المعتكف بعد صلاة الصبح وهو قول الأوزاعي والليث والثوري وقال الأئمة الأربعة وطائفة يدخل قبيل غروب الشمس وأولوا الحديث على أنه دخل من أول الليل ولكن إنما تخلى بنفسه في المكان الذي أعده لنفسه بعد صلاة الصبح انتهى كلام الحافظ وقال أبو الطيب السندي وإنما جنح الجمهور إلى التأويل المذكور للعمل بالحديثين الأول ما روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر
[ 422 ]
من رمضان والثاني ما رواه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام الحديث فاستفيد من الحديث الأول عشر ليال ومن الاخر عشرة أيام فأولوا بما تقدم جمعا بين الحديثين انتهى قوله (وقد روى هذا الحديث إلخ) والحديث أخرجه البخاري ومسلم قوله (وهو قول أحمد بن حنبل) قال أبو الطيب في شرح الترمذي يفهم من هذا أن هذا هو مذهب الامام أحمد وليس كذلك بل إنما هو رواية عنه قال الشيخ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي في كتابه الفروع ومن أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعا أدخل قبل ليلته الأولى نص عليه أي الامام أحمد وعنه بعد صلاة الفجر أول يوم منه انتهى مختصرا قوله (وقد قعد في معتكفه) جملة حالية وذو الحال قوله الشمس أي فلتغب له الشمس في حالة الاعتكاف كذا في بعض الحواشي والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير المجرور في قوله له أي فلتغب له الشمس حال كونه قاعدا في معتكفه قوله (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس) وهو قول الجمهور وبه قال الأئمة الأربعة كما عرفت في كلام الحافظ
[ 423 ]
72 باب ما جاء في ليلة القدر قوله (يجاوز) أي يعتكف (في العشر الأواخر) بكسر الخاء المعجمة جمع الأخرى وقال في المصابيح لا يجوز أن يكون جمع آخر والمعنى كان يعتكف في الليالي العشر الأواخر من رمضان (تحروا) أي اطلبوا قال في النهاية أي تعمدوا طلبها فيها والتحري القصد والاجتهاد في الطلب والعزم على تخصيص الشئ بالفعل والقول انتهى قوله (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه بن أبي شيبة (وأبي ابن كعب) أخرجه مسلم والترمذي (وجابر بن سمرة) بلفظ رأيت ليلة القدر فأنسيتها فاطلبوها في العشر الأواخر هي ليلة ريح ومطر ورعد أخرجه الطبراني (وجابر عن عبد الله) لينظر من أخرجه (وابن عمر) أخرجه الشيخان وغيرهما (والفلتان) بفتح الفاء واللام المفتوحة وبالتاء المثناة من فوق ثم ألف ثم نون (ابن عاصم) الجرمي ويقال المنقري والصواب الأول قال أبو عمرو هو خال كليب بن شهاب الجرمي والد عاصم بن كليب يعد في الكوفيين كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب (وأنس) أخرجه الديلمي في الفردوس (وأبي سعيد) أخرجه الشيخان وغيرهما (وعبد الله بن أنيس) بضم الهمزة مصغرا أخرجه أبو داود (وأبي بكرة) أخرجه الترمذي (وابن عباس) أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد (وبلال) أخرجه أحمد بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليلة القدر ليلة أربع وعشرين (وعبادة بن الصامت) أخرجه البخاري قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (وأكثر
[ 424 ]
الروايا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر) فالأرجح والأقوى أن كون ليلة القدر منحصر في رمضان ثم في العشر الأخير منه ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها قال الحافظ ابن حجر في الفتح وهذا هو الذي يدل عليه مجموع الأخبار الواردة فيها وقال قد اختلف العلماء في ليلة القدر اختلافا كثيرا وتحصل لنا من مذاهبهم في ذلك أكثر من أربعين قو ثم ذكر هذه الأقوال ثم قال وأرجحها كلها أنها في وتر من العشر الأخير وأنها تنتقل كما يفهم من أحاديث الباب وأرجاها أوتار العشر وأرجى أوتار العشر عند الشافعية ليلة إحدى وعشرين أو ثلاث وعشرين وأرجاها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين انتهى قوله (قال الشافعي كان هذا عندي والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجيب على نحو ما يسأل عنه إلخ) قد اعترض على القاري في المرقاة على كلام الشافعي هذا ولفظه فيه أنه ما يحفظ حديث ورد بهذا اللفظ فكيف يحمل عليه جميع ألفاظ النبوة انتهى قوله (وقد روى عن أبي بن كعب) رواه الترمذي في هذا الباب (وروى عن أبي قلابة أنه قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر) ونص عليه مالك والثوري وأحمد وإسحاق وزعم الماوردي أنه متفق عليه وكأنه أخذه من حديث ابن عباس أن الصحابة اتفقوا على أنها في العشر الأخير ثم اختلفوا في تعيينها قاله الحافظ
[ 425 ]
قوله (أني علمت) بفتح الهمزة وتشديد النون وبالألف المقصورة أي من أين علمت ومن أي دليل عرفت (أبا المنذر) بحذف حرف النداء وهو كنية أبي بن كعب (ليس لها شعاع) قال الطيبي الشعاع ما يرى من ضوء الشمس عند حدودها مثل الحبال والقضبان مقبلة إليك لما نظرت إليها انتهى قال النووي قال القاضي قيل معنى لا شعاع لها أنها علامة جعلها الله تعالى لها قال وقيل بل لكثرة اختلاف الملائكة في ليلتها ونزولها إلى الأرض وصعودها بما تنزل به سترت بأجنحتها وأجسامها اللطيفة ضوء الشمس وشعاعها انتهى قال في المرقاة فيه أن الأجسام اللطيفة لا تستر شيئا من الأشياء الكثيفة نعم لو قيل غلب نور تلك الليلة ضوء الشمس مع بعد المسافة الزمانية مبالغة في إظهار أنوارها الربانية لكان وجها وجيها انتهى قلت فيه ما فيه كما لا يخفي على المتأمل قيل فائدة العلامة أن يشكر على حصول تلك النعمة إن قام بخدمة الليلة وإلا فيتأسف على ما فاته من الكرامة ويتدارك في السنة الاتية وإنما لم يجعل علامة في أول ليلها إبقاء لها على إبهامها قوله (والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان إلخ) وفي رواية مسلم قلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر فقال رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس أما إنه قد علم أنها في رمضان إلخ (فتتكلموا) أي فتعتمدوا على قول واحد وإن كان هو الصحيح الغالب فلا تقوموا إلا في تلك الليلة وتتركوا قيام سائر الليالي فيفوت حكمة الابهام الذي نسي بسببها عليه الصلاة والسلام قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 426 ]
قوله (التمسوها) أي ليلة القدر (في تسع) أي تسع ليال (يبقين) بفتح الياء والقاف وهي التاسعة والعشرون (أو في سبع يبقين) وهي السابعة والعشرون (أو في خمس يبقين) وهي الخامسة والعشرون (أو ثلاث) أي يبقين وهي الثالثة والعشرون (أو اخر ليلة) من رمضان أي سلخ الشهر قال الطيبي يحتمل التسع أو السلخ رجحنا الأول بقرينة الأوتار كذا في المرقاة شرح المشكاة وقال في اللمعات قوله في تسع يبقين قيل في تسع يبقين محمول على الثانية والعشرين وفي سبع يبقين محمول على الرابعة والعشرين وفي خمس يبقين على السادسة والعشرين وأو ثلاث على الثامن والعشرين أو اخر ليلة محمول على التاسع والعشرين وقيل على السلخ أقول هذا إذا كان الشهر ثلاثين يوما وأما إذا كان تسعا وعشرين فالأولى على الحادية والعشرين والثانية على الثالثة والعشرين والثالثة على الخامسة والعشرين والرابعة على السابعة والعشرين وهذا أولى لكثرة الأحاديث الورادة في الأتار بل نقول لا دليل على كونها أولى هذه الأعداد فالظاهر أن المراد من كونها في تسع يبقين الخ ترديدها في الليالي الخمس أو الأربع أو الثلاث أو الاثنين أو الواحدة انتهى ما في اللمعات 73 باب منه قوله (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن هبيرة) بضم هاء وفتح موحدة (ابن يريم) بفتح التحتية وكسر الراء بوزن عظيم قال الحافظ لا بأس به وقد عيب بالتشيع قوله (كان يوقظ أهله) أي للصلاة وروى الترمذي عن أم سلمة لم يكن صلى الله عليه وسلم إذا بقى من رمضان عشرة أيام يدع أحدا يطيق القيام إلا أقامه
[ 427 ]
قوله (يجتهد في العشر الأواخر) قيل أي يبالغ في طلب ليلة القدر فيها قال القاري والأظهر أنه يجتهد في زيادة الطاعة والعبادة (ما لا يجتهد في غيرها) أي في غير العشر قوله (هذا حديث غريب حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم 74 باب ما جاء في الصوم في الشتاء قوله (عن نمير) بضم النون وفتح الميم مصغرا (بن عريب) بفتح العين المهملة وكسر الراء وسكون التحتية وآخره موحدة قال في التقريب مقبول من الثالثة (عن عامر بن مسعود) بن أمية بن خلف الجمحي يقال له صحبة وذكره ابن حبان وغيره في التابعين كذا في التقريب قوله (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) لوجود الثواب بلا تعب كثير وفي الفائق الغنيمة الباردة هي التي تجئ عفوا من غير أن يصطلي دونها بنار الحرب ويباشر حر القتال في البلاد وقيل هي الهيئة الطيبة مأخوذة من العيش البارد والأصل في وقوع البرد عبارة عن الطيب والهناءة أن الماء والهواء لما كان طيبهما ببردهما خصوصا في بلاد الحارة قبل ماء بارد وهواء بارد على طريق الاستطابة ثم كثر حتى قيل عيش بارد وغنيمة بارد وغنيمة باردة وبرد أمرنا قال الطيبي والتركيب من قلب التشبيه لأن أصل الصوم في الشتاء كالغنيمة الباردة وفيه من المبالغة أن يلحق الناقص بالكامل كما يقال زيد كالأسد فإذا عكس وقيل الأسد كزيد يجعل الأصل كالفرع والفرع كالأصل يبلغ التشبيه إلى الدرجة القصوى في المبالغة والمعنى أن
[ 428 ]
الصائم يجوز الأجر من غير أن يمسه حر العطش أو يصيبه ألم الجوع من طول اليوم انتهى قوله (هذا حديث مرسل عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم) قال صاحب المشكاة في الاكمال عامر بن مسعود عو عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي وهو ابن أخي صفوان بن أمية روى عنه نمير بن عريب أخرج حديثه الترمذي في الصوم وقال هو مرسل لأن عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد أورده ابن مندة وابن عبد البر في أسماء الصحابة وقال ابن معين لا صحبة له انتهى وحديث عامر بن مسعود وهذا أخرجه أحمد في مسنده أيضا (هو والد إبراهيم بن عامر القرشي) قال ابن معين والنسائي ثقة وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به 75 باب ما جاء (وعلى الذين يطيقونه) أي باب ما جاء في أن قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين منسوخ قوله (لما نزلت وعلى الطريق يطيقونه) أي الصوم إن أفطروا (فدية) مرفوع على الابتداء وخبره مقدم وهو قوله (وعلى الذين) وقراءة العامة فدية بالتنوين وهي الجزاء والبدل من قولك فديت الشئ بالشئ أي هذا بهذا قاله العيني (طعام مسكين) بيان لفدية أو بدل منها وهو نصف صاع من بر أو صاع من غيره عند أهل العراق وعند أهل الحجاز مد قاله العيني (كان من أراد من أن يفطر ويفتدي) كذا وقع في رواية الترمذي وفي رواية الشيخين ووقع في رواية أبي داود كان من أراد منا أن يفطر ويفتدي فعل وهذه الرواية هي مفسرة لرواية الترمذي والشيخين وفي رواية لمسلم كنا في رمضان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من شاء صام ومن شاء أفطر فافتدى بطعام مسكين حتى أنزلت هذه الاية فمن شهد منكم الشهر
[ 429 ]
فليصمه (حتى نزلت الاية التي بعدها) أي فمن شهد منكم الشهر فليصمه كما في رواية مسلم المذكورة (فنسختها) أي فنسخت الثانية والأولى وهذا الحديث دليل صريح على أن قوله تعالى وعلى الذين يطيقونه منسوخ وهو قول الجمهور وهو الحق ويدل عليه صراحة ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عمر أنه قرأ (فدية طعام مساكين) قال هي منسوخة قال الحافظ في الفتح وقد أخرجه الطبري من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر بلفظ نسخت هذه الاية وعلى الذين يطيقونه التي بعدها فمن شهد منكم الشهر فليصمه انتهى وفي صحيح البخاري قال ابن نمير حدثنا الأعمش حدثنا عمرو بن مرة حدثنا ابن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نزل رمضان فشق عليهم فكان من أطعم كل يوم مسكينا ترك الصوم عمن يطيقه ورخص لهم في ذلك فنسختها (وأن تصوموا خير لكم) فأمروا بالصوم قال الحافظ في الفتح واتفقت هذه الأخبار يعني رواية سلمة وابن عمر وابن أبي ليلى عن أن قوله وعلى الذين يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك ابن عباس فذهب إلى أنها محكمة لكنها مخصوصة بالشيخ الكبير ونحوه انتهى قلت مذهب ابن عباس هذا مبنى على أنه قرأ (يطوقونه) بصيغة المجهول من التطويق وهي قراءة ابن مسعود أيضا كما صرح به الحافظ وقراءة العامة (يطيقونه) من أطاق يطيق روى البخاري في صحيحه عن عطاء سمع ابن عباس يقرأ وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين قال ابن عباس ليست بمنسوخة هو للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينا قال الحافظ في الفتح قوله (يطوقونه) بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع وهذه قراءة ابن مسعود أيضا وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح عن عمرو بن دينار (يطوقونه) يكلفونه وهو تفسير حسن أي يكلفونه إطاقته انتهى وقال فيه أيضا ورجح ابن المنذر النسخ من جهة قوله وأن تصوموا خير لكم قال لأنها لو كانت في الشيخ الكبير الذي لا يطيق الصيام لم يناسب أن يقال له (وأن تصوموا خير لكم) مع أنه لا يطيق الصيام انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي (ويزيد هو ابن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع) ثقة من الرابعة
[ 430 ]
76 باب ما جاء فيمن أكل ثم خرج يريد سفرا قوله (أخبرنا عبد الله بن جعفر) بن نجيح السعدي مولاهم أبو جعفر المدني والد علي بصري أصله من المدينة ضعيف من الثامنة يقال تغير حفظه باخره كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان متفق على ضعفه لكنه لم يتفرد بهذا الحديث بل تابعه محمد بن جعفر في الرواية الاتية وهو ثقة (وقد رحلت له راحلته) أي وضع الرحل على راحلته لركوبه السفر والراحلة هي البعير القوي على الأسفار والأحمال يستوى فيه الذكر وغيره وهاؤه للمبالغة (فقلت له سنة) أي هذا سنة (فقال سنة) فيه دليل لمن قال إنه يجوز للمسافر أن يفطر في بيته قبل أن يخرج وفي الباب حديث عبيد بن جبير قال كنت مع أبي بصرة الغفاري في سفينة من الفسطاط في رمضان فرفع ثم قرب غداءه قال اقترب قلت ألست ترى البيوت قال أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري والحافظ في التلخيص وقال الشوكاني في النيل رجال إسناده ثقات قوله (هذا حديث حسن) ولا بأس بكون عبد الله بن جعفر في الطريق الأولى فإنه لم يتفرد به بل تابعه محمد بن جعفر في الطريق الثانية وهو ثقة
[ 431 ]
قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث الخ) قال الشوكاني في النيل وهذان الحديثان يعني حديث أنس وحديث عبيد بن جبر يدلان على أنه يجوز للمسافر أن يفطر قبل خروجه من الموضع الذي أراد السفر منه قال ابن العربي في العارضة هذا صحيح ولم يقل به إلا أحمد أما علماؤنا فمنعوا منه لكن اختلفوا إذا أكل هل عليه كفارة فقال مالك لا وقال أشهب هو متأول وقال غيرهما يكفر ونحب أن لا يكفر لصحة الحديث ولقول أحمد عذر يبيح الافطار فطريانه على الصوم يبيح الفطر كالمرض وفرق بأن المرض لا يمكن دفعه بخلاف السفر قال ابن العربي وأما حديث أنس فصحيح يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر ثم ذكر أن قوله من السنة لا بد من أن يرجع إلى التوقيف والخلاف في ذلك معروف في الأصول والحق أن قول الصحابي من السنة ينصرف إلى سنة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صرح هذان الصحابيان بأن الافطار للمسافر قبل مجاوزة البيوت من السنة انتهى ما في النيل (وهو قول إسحاق بن إبراهيم) هو إسحقاق بن راهويه 77 باب ما جاء في تحفة الصائم قوله (عن سعد بن طريف) الحنظلي الكوفي متروك ورماه ابن حبان بالوضع وكان رافضيا كذا في التقريب (عن عمير بن مأمون) مقبول من الرابعة قوله (تحفة الصائم الدهن والمجمر) بكسر الميم هو الذي يوضع فيه النار للبخور قال في النهاية يعني أنه يذهب عنه مشقة الصوم وشدته والتحفة طرفة الفاكهة وقد تفتح الحاء
[ 432 ]
والجمع التحف ثم تستعمل في غير الفاكهة من الألطاف والنغض انتهى فإذا زار أحدكم أخاه وهو صائم فليتحفه بذلك قوله (هذا حديث غريب ليس إسناده بذاك) أي ليس إسناده بالقوى (وسعد يضعف) قال ابن معين لا يحل لأحد أن يروي عنه وقال أحمد وأبو حاتم ضعيف الحديث وقال النسائي والدارقطني متروك وقال ابن حبان كان يضع الحديث على الفور وقال البخاري ليس بالقوي عندهم كذا في الميزان وذكر الذهبي فيه حديث الباب من منكراته قوله (ويقال عمير بن مأموم أيضا) يعني بالميم بدل النون 78 باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون وقد بوب الترمذي فيما تقدم بلفظ باب ما جاء أن الفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون وذكر فيه حديث أبي هريرة مرفوعا الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون وحسنه قوله (الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس) قال الترمذي فيما تقدم فسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس انتهى قال في سبل السلام فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس وأن المنفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية انتهى وقد تقدم الكلام في هذا
[ 433 ]
79 باب ما جاء في الاعتكاف إذا خرج منه قد عقد الترمذي فيما تقدم باب الاعتكاف ثم عقد عدة أبواب لا تعلق لها بالاعتكاف ثم عقد هذا الباب وهذا ليس بمستحسن وكان له أن يسوق أبواب الاعتكاف كلها متوالية متناسقة قوله (فلم يعتكف عاما) قال القاري لعله كان لعذر انتهى قلت الظاهر أن عدم اعتكافه كان لعذر السفر يدل عليه ما أخرجه النسائي واللفظ له وأبو داود وصححه ابن حبان وغيره من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر عاما فلم يعتكف فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين كذا في الفتح (فلما كان العام المقبل) اسم فاعل من الاقبال (اعتكف عشرين) بكسر العين والراء وقيل بفتحهما على التثنية قال في اللمعات أي اهتماما ودلالة على التأكيد لا لأن ما فات من النوافل المؤقتة يقضي انتهى ووجه المناسبة بالترجمة أنه صلى الله عليه وسلم لما قضى الاعتكاف لمجرد النية وكان لم يشرع فيه بعد فقضاؤه بعد الشروع أولى بالثبوت كذا في بعض الحواشي قوله (قبل أن يتمه على ما نوى) أي قبل إتمامه على قدر ما نوى (فقال بعض أهل
[ 434 ]
العلم إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشرا من شوال) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها وفي حديث البخاري فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشرا من شوال ولفظ (خرج من اعتكافه) ليس في واحد من هذه الكتب الخمسة ولم أقف على من أخرج الحديث بهذا اللفظ وهو قول مالك وبه قال الحنفية (وهو قول الشافعي) وأجاب الشافعي ومن تبعه عن حديث عائشة المذكور بأن قضاءه صلى الله عليه وسلم للاعتكاف كان على طريق الاستحباب لأنه كان إذا عمل عملا أثبته ولهذا لم ينقل أن نساءه اعتكفن معه في شوال (وكل عمل) مبتدأ (لك أن لا تدخل فيه) صفة للمبتدأ أو هو كناية عن أن يكون نفلا قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) لينظر من أخرجه 80 باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا قوله (عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة) كذا وقع في النسخ الموجودة عندنا عن عروة وعمرة عن عائشة بالجمع بينهما والصواب أن يكون عن عروة عن عمرة عن عائشة يدل عليه قول الترمذي الاتي وهكذا رواه غير واحد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عروة عن عمرة عن عائشة وقال الحافظ في الفتح ورواه مالك يعني عن ابن شهاب الزهري عن عروة عن عمرة قال أبو داود وغيره لم يتابع عليه وذكر
[ 435 ]
البخاري أن عبيد الله بن عمر تابع مالكا وذكر الدارقطني أن أبا أويس رواه كذلك عن الزهري انتهى ما في الفتح (أدنى) أي قرب (إلي) بتشديد الياء (رأسه) زاد الشيخان في روايتهما وهو في المسجد (فأرجله) من الترجيل وهو تسريح الشعر وهو استعمال المشط في الرأس أي أمشطه وأدهنه قال الحافظ في الفتح وفي الحديث جواز التنظيف والتطيب والغسل والحلق والتزين إلحاقا بالترجل والجمهور على أنه لا يكره فيه إلا ما يكره في المسجد وعن مالك تكره فيه الصنائع والحرف حتى طلب العلم انتهى وقال ابن الملك فيه دليل على أن المعتكف لو أخرج بعض أجزائه من المسجد لا يبطل اعتكافه (وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان) فسرها الزهري بالبول والغائظ وقد اتفقوا على استثنائهما واختلفوا في غيرهما من الحاجات كالأكل والشرب ولو خرج لهما فتوضأ خارج المسجد لم يبطل ويلتحق بهما القئ والفصد لمن احتاج إليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (والصحيح عن عروة وعمرة عن عائشة هكذا روى الليث بن سعد عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة) روى البخاري في صحيحه قال حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة وعن عمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة الخ قال الحافظ في الفتح قوله عن عروة وعمرة كذا في رواية الليث جمع بينهما ورواه يونس عن الأوزاعي عن الزهري عن عروة وحده ورواه مالك عنه عن عروة عن عمرة إلى آخر ما نقلنا عبارته فيما تقدم ثم قال واتفقوا على أن الصواب قول الليث وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة وأن ذكر عمرة في رواة مالك من المزيد في متصل الأسانيد وقد رواه بعضهم عن مالك فوافق الليث انتهى كلام الحافظ
[ 436 ]
قوله (وأجمعوا على هذا أنه يخرج لقضاء حاجته للغائط والبول) وكذا لغسل الجناية أن لا يمكنه الاغتسال في المسجد (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يعود المريض ويشيع الجنازة ويشهد الجمعة إذا اشترط ذلك) أي في ابتداء اعتكافه (وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك) وهو قول إسحاق كما بينه الترمذي فيما بعد قال الحافظ في الفتح وقال الثوري والشافعي وإسحاق إن شرط شيئا من ذلك يعني عيادة المريض وتشييع الجنازة وشهود الجمعة لم يبطل اعتكافه بفعله وهو رواية عن أحمد انتهى قلت قولهم هذا محتاج إلى دليل صحيح (وقال بعضهم ليس له أن يفعل شيئا من هذا) واحتجوا بما روى أبو داود من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا ما لا بد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع قال أبو داود غير عبد الرحمن لا يقول فيه السنة وقال المنذري في مختصره وعبد الرحمن بن إسحاق أخرج له مسلم ووثقه يحيى بن معين وأثنى عليه غيره وتكلم فيه بعضهم انتهى وقال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذا الحديث لا بأس برجاله إلا أن الراجح وقف اخره وقال في فتح الباري وجزم الدارقطني بأن القدر الذي من حديث عائشة قولها لا يخرج إلا لحاجة وما عداه ممن دونها وروينا عن علي والنخعي والحسن البصري إن شهد المعتكف جنازة أو عاد مريضا أو خرج للجمعة بطل اعتكافه وبه قال الكوفيون وابن المنذر إلا في الجمعة انتهى يعني أن الكوفيين يقولون إذا خرج المعتكف للجمعة لا يبطل اعتكافه وإن شهد الجنازة أو عاد مريضا يبطل قال صاحب شرح الوقاية ولا يخرج منه إلا لحاجة الانسان أو للجمعة وقت الزوال انتهى وقال الأمير اليماني في سبل السلام في شرح حديث عائشة قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا الخ ما لفظه فيه دلالة على أنه لا يخرج المعتكف لشئ مما عينته هذه الرواية وأيضا لا يخرج لشهود الجمعة وأنه إن فعل ذلك بطل اعتكافه وفي المسألة خلاف كبير ولكن الدليل قائم على ما ذكرناه انتهى كلام الأمير قلت ويؤيده حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يسأل عن المريض إلا مارا في اعتكافه ولا يعرج عليه أخرجه أبو داود وفيه ليث بن أبي سليم وهو
[ 437 ]
ضعيف والصحيح عن عائشة من فعلها وكذلك أخرجه مسلم وغيره وقال ابن حزم صح ذلك عن علي كذا في التلخيص (ورأوا للمعتكف إذا كان في مصر يجمع فيه لا يعتكف إلا في المسجد الجامع الخ) هذا هو المختار عندي والله تعالى أعلم 81 باب ما جاء في قيام شهر رمضان قوله (صمنا مع رسول الله) أي في رمضان (فلم يصل بنا) أي لم يصل بنا غير الفريضة من ليالي شهر رمضان وكان إذا صلى الفريضة دخل حجرته (حتى بقي سبع من الشهر) أي ومضى اثنان وعشرون قال الطيبي أي سبع ليال نظرا إلى المتيقن وهو أن الشهر تسع وعشرون فيكون القيام في قوله (فقام بنا) أي ليلة الثالثة والعشرين والمراد بالقيام صلاة الليل (حتى ذهب ثلث الليل) أي صلى بنا بالجماعة صلاة الليل إلى ثلث الليل وفيه ثبوت صلاة التراويح بالجماعة في المسجد أو الليل (ثم لم يقم بنا في السادسة) أي مما بقي وهي الليلة الرابعة والعشرون (وقام بنا في الخامسة) وهي الليلة الخامسة والعشرون (حتى ذهب شطر الليل) أي نصفه (لو نفلتنا) من التنفيل (بقية ليلتنا هذه) أي لو جعلت بقية الليل زيادة لنا على قيام الشطر وفي النهاية لو زدتنا من الصلاة النافلة سميت بها النوافل لأنها زائدة على
[ 438 ]
الفرائض قال المظهر تقديره لو زدت قيام الليل على نصفه لكان خيرا لنا ولو للتمني (إنه) ضمير الشأن (من قام مع الامام) أي من صلى الفرض معه (حتى ينصرف) أي الامام كتب له قيام ليلة أي حصل له قيام ليلة تامة يعني أن الأجر حاصل بالفرض وزيادة النوافل مبنية على قدر النشاط لأن الله تعالى لا يمل حتى تملوا والظاهر أن المراد بالفرض العشاء والصبح لحديث ورد بذلك (حتى بقي ثلاث من الشهر) أي الليلة السابعة والعشرون والثامنة والعشرون والتاسعة والعشرون (وصلى بنا في الثالثة) وهي الليلة السابعة والعشرون (ودعا أهله ونساءه) وفي رواية أبي داود جمع أهله ونساءه والناس (قلت) قائلة جبير بن نفير (له) أي لأبي ذر (ما الفلاح قال السحور) بالضم والفتح قال في النهاية السحور بالفتح اسم ما يتسحر به من الطعام والشراب وبالضم المصدر والفعل نفسه وأكثر ما يروي بالفتح وقيل الصواب بالضم لأنه بالفتح الطعام والبركة والأجر والثواب في الفعل لا في الطعام انتهى قال القاضي الفلاح الفوز بالبغية سمي السحور به لأنه يعين على إتمام الصوم وهو الفوز بما كسبه ونواه والموجب للفلاح في الاخرة وقال الخطابي أصل الفلاح البقاء وسمي السحور فلاحا إذا كان سببا لبقاء الصوم ومعينا عليه انتهى تنبيه إعلم أنه لم يرد في حديث أبي ذر هذا بيان عدد الركعات التي صلاها رسول الله في تلك الليالي لكن قد ورد بيانه في حديث جابر رضي الله عنه وهو أنه صلى في تلك الليالي ثمان ركعات ثم أوتر كما ستقف عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره وقال ابن حجر المكي هذا الحديث صححه الترمذي والحاكم انتهى قوله (واختلف أهل العلم في قيام رمضان) أي في عدد ركعات التراويح (فرأى بعضهم أن يصلي إحدى وأربعون ركعة مع الوتر) وهو قول أهل المدينة ولم أر فيه حديثا مرفوعا
[ 439 ]
لا صحيحا ولا ضعيفا وروي فيه أثار فأخرج محمد بن نصر في قيام الليل عن محمد بن سيرين أن معاذا أبا حليمة القاري كان يصلي بالناس في رمضان إحدى وأربعين ركعة وعن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة قال أدركت الناس قبل الحرة يقومون بإحدى وأربعين يوترون منها بخمس انتهى قال العيني قال شيخنا يعني الحافظ العراقي وهو أكثر ما قيل فيه قال العيني وذكر ابن عبد البر في الاستذكار عن الأسود بن يزيد كان يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع هكذا ذكره ولم يقل إن الوتر من الأربعين (والعمل على هذا عندهم بالمدينة) قول الترمذي هذا يخالف ما رواه محمد بن نصر عن ابن أيمن قال مالك أستحب أن يقوم الناس في رمضان بثمان وثلاثين ركعة ثم يسلم الامام والناس ثم يوتر بهم بواحدة وهذا العمل بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم انتهى قال العيني بعد ذكر هذه الرواية هكذا روى ابن أيمن عن مالك وكأنه جمع ركعتين من الوتر مع قيام رمضان وإلا فالمشهور عن مالك ست وثلاثون والوتر بثلاث والعدد واحد انتهى كلام العيني قلت تأويل العيني رواية ابن أيمن بقوله وكأنه جمع الخ يرده لفظ رواية ابن أيمن فتفكر إعلم أن الترمذي رحمه الله في قيام رمضان قولين الأول إحدى وأربعون ركعة مع الوتر والثاني عشرون ركعة وفيه أقوال كثيرة لم يذكرها الترمذي قلنا أن نذكرها قال العيني في عمدة القاري بعد ذكر القول الأول ورواية ابن أيمن عن مالك المذكورة ما لفظه وقيل ست وثلاثون وهو الذي عليه عمل أهل المدينة وروى ابن وهب قال سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن نافع قال لم أدرك الناس إلا وهم يصلون تسعا وثلاثين ركعة ويوترون منها بثلاث وقيل أربع وثلاثون على ما حكي عن زرارة بن أوفي أنه كذلك كان يصلي بهم في العشر الأخير وقيل ثمان وعشرون وهو المروى عن زرارة بن أوفى في العشرين الأولين من الشهر وكان سعيد بن جبير يفعله في العشر الأخير وقيل أربع وعشرون وهو مروي عن سعيد بن جبير وقيل عشرون وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم فإنه مروى يعن عمر وعلي وغيرهما من الصحابة وهو قول أصحابنا الحنفية
[ 440 ]
وقيل إحدى عشرة ركعة وهو اختيار مالك لنفسه واختاره أبو بكر بن العربي انتهى كلام العيني وقال الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته المصابيح في صلاة التراويح قال الجوزي من أصحابنا عن مالك أنه قال الذي جمع عليه الناس عمر بن الخطاب أحب إلي وهو إحدى عشرة ركعة وهي صلاة رسول الله قيل له إحدى عشرة ركعة بالوتر قال نعم وثلاث عشرة قريب قال ولا أدري من أين أحدث هذا الركوع الكثير انتهى قلت القول الراجح المختار الأقوى من حيث الدليل هو هذا القول الأخير الذي اختاره مالك لنفسه أعني إحدى عشرة ركعة وهو الثابت عن رسول الله بالسند الصحيح بها أمر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأما الأقوال الباقية فلم يثبت واحد منها عن رسول الله بسند صحيح ولا ثبت الأمر به عن أحد من الخلفاء الراشدين بسند صحيح خال عن الكلام فأما ما قلنا من أن إحدى عشرة ركعة هي الثابتة عن رسول الله فلما روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا الحديث فهذا الحديث الصحيح نص صريح في أن رسول الله ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة تنبيه قد ذكر العيني رحمه الله في عمدة القاري تحت هذا الحديث أسئلة مع أجوبتها وهي مفيدة فلنا أن نذكرها قال الأسئلة والأجوبة منها أنه ثبت في الصحيح من حديث عائشة أنه كان إذا دخل العشر الأول يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره وفي الصحيح أيضا من حديثها كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد ميزرة وهذا يدل على أنه كان يزيد في العشر الأواخر على عادته فكيف يجمع بينه وبين حديث الباب فالجواب أن الزيادة في العشر الأواخر يحمل على التطويل دون الزيادة في العدد ومنها أن الروايات اختلف عن عائشة رضي الله عنها في عدد ركعات صلاة النبي بالليل ففي حديث الباب إحدى عشرة ركعة وفي رواية هشام بن عروة عن أبيه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة وفي رواية مسروق أنه سألها عن صلاة رسول الله فقالت سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر وفي رواية إبراهيم عن الأسود عن
[ 441 ]
عائشة أنه كان يصلي الليل تسع ركعات رواه البخاري والنسائي وابن ماجه والجواب أن من عدها ثلاث عشرة أراد بركعتي الفجر وصرح بذلك في رواية القاسم عن عائشة رضي الله عنها كانت صلاته بالليل عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع بركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة وأما رواية سبع وتسع فهي في حالة كبره وكما سيأتي إن شاء الله تعالى انتهى كلام العيني قلت الأمر كما قال العيني رحمه الله في الجواب عن السؤال الثاني وأما الجواب عن السؤال الأول ففيه أنه قد ثبت أن رسول الله كان قد يصلي ثلاث عشرة ركعة سوى الفجر فروى مسلم في صحيحه من حديث زيد بن خالد الجهني أنه قال لأرمقن صلاة رسول الله الليلة فصلى ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم أوتر فلذلك ثلاث عشرة ركعة فالأحسن في الجواب أن يقال إنه كان يفتح صلاته بالليل بركعتين خفيفتين كما في هذا الحديث وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله إذا قام من الليل افتتح صلاته بركعتين خفيفتين وروي أيضا عن أبي هريرة عن النبي قال إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين فقد عدت هاتان الركعتان الخفيفتان فصار قيام الليل ثلاث عشرة ركعة ولما لم تعد لما كان رسول الله يخففهما صار إحدى عشرة ركعة والله تعالى أعلم ويدل على هذا القول الأخير الذي اختاره مالك لنفسه أعني إحدى عشرة ركعة حديث جابر رضي الله تعالى عنه قال صلى بنا رسول الله في شهر رمضان ثمان ركعات وأوتر فلما كانت القابلة اجتمعنا في المسجد ورجونا أن يخرج فلم نزل فيه حتى أصبحنا ثم دخلنا فقلنا يا رسول الله اجتمعنا البارحة في المسجد ورجونا أن تصلي بنا فقال إني خشيت أن يكتب عليكم رواه الطبراني في الصغير ومحمد بن نصر المروزي في قيام الليل وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قال الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال بعد ذكر هذا الحديث إسناده وسط انتهى وهذا الحديث صحيح عند ابن خزيمة وابن حبان ولذا أخرجاهما في صحيحهما وقد ذكر الحافظ ابن حجر هذا الحديث في فتح الباري لبيان عدد الركعات التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بالناس
[ 442 ]
في شهر رمضان فهو صحيح عنده أو حسن فإنه قد قال في مقدمة الفتح فأسوق إن شاء الله تعالى الباب وحديثه أو ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية ثم استخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والإسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك كل من أمهات المسانيد والجوامع والمستخرجات والاجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك انتهى فإن قلت قال النيموي في آثار السنن بعد ذكر حديث جابر المذكور في إسناده لين وقال في تعليقه مداره على عيسى بن جارية ثم ذكر جرح ابن معين والنسائي وأبي داود وتوثيق أبي زرعة وابن حبان ثم قال قول الذهبي إسناده وسط ليس بصواب بل إسناده دون وسط انتهى قلت قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة الذهبي من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال انتهى فلما حكم الذهبي بأن إسناده وسط بعد ذكر الجرح والتعديل في عيسى بن جارية وهو من أهل الاستقرار التام في نقد الرجال فحكمه بأن إسناده وسط هو الصواب ويؤيده إخراج ابن خزيمة وابن حبان هذا الحديث في صحيحيهما ولا يلتفت إلى ما قال النيموي ويشهد لحديث جابر هذا حديث عائشة المذكور ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ويدل على هذا القول الأخير الذي اختاره مالك أعني إحدى عشرة ركعة ما رواه أبو يعلى من حديث جابر بن عبد الله قال جاء بن أبي كعب إلى رسول الله فقال يا رسول الله إنه كان مني الليلة شئ يعني في رمضان قال وما ذاك يا أبي قال نسوة في داري قلن إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك قال فصليت بهن ثمان ركعات وأوترت فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئا قال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن وأما ما قلنا من أن بإحدى عشرة ركعة أمر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فلأن الامام مالك رحمه الله روى في موطئه عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبي بن كعب رضي الله عنه وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وكان القارئ يقرأ حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر ورواه أيضا سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة قال النيموي في آثار السنن إسناده صحيح
[ 443 ]
فإن قلت قال الحافظ في الفتح بعد ذكر أثر عمر رضي الله عنه هذا ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال إحدى وعشرين انتهى وقال الزرقاني في شرح الموطأ قال ابن عبد البر روى غير مالك في هذا إحدى وعشرون وهو الصحيح ولا أعلم أحدا قال فيه إحدى عشرة إلا مالك ويحتمل أن يكون ذلك أو ثم خفف عنهم طول القيام ونقلهم إلى إحدى وعشرين إلا أن الأغلب عندي أن قوله إحدى عشرة وهم انتهى قلت قول ابن عبد البر أن الأغلب عندي أن قوله إحدى عشرة وهم باطل جدا قال الزرقاني في شرح الموطأ بعد ذكر قول ابن عبد البر هذا ما لفظه ولا وهم وقوله إن مالكا انفرد به ليس كما قال فقد رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن محمد بن يوسف فقال إحدى عشرة كما قال مالك انتهى كلام الزرقاني وقال النيموي في آثار السنن ما قاله ابن عبد البر من وهم مالك فغلط جدا لأن مالكا قد تابعه عبد العزيز بن محمد عند سعيد بن منصور في سننه ويحيى بن سعيد القطان عند أبي بكر بن أبي شيبة في مصنفه كلاهما عن محمد بن يوسف وقالا إحدى عشرة كما رواه مالك عن محمد بن يوسف وأخرج محمد بن نصر المروزي قي قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمن عمر رضي الله عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة قال النيموي هذا قريب مما رواه مالك عن محمد بن يوسف أي مع الركعتين بعد العشاء انتهى كلام النيموي قلت فلما ثبت أن الامام مالكا لم ينفرد بقوله إحدى عشرة بل تابعه عليه عبد العزيز بن محمد وهو ثقة ويحيى بن سعيد القطان إمام الجرح والتعديل قال الحافظ في التقريب ثقة متقن حافظ إمام ظهر لك حق الظهور أن قول ابن عبد البر أن الأغلب أن قوله إحدى عشرة وهم ليس بصحيح بل لو تدبرت ظهر لك أن الأمر على خلاف ما قال ابن عبد البر أعني أن الأغلب أن قول غير مالك في هذا الأثر إحدى وعشرون كما في رواية عبد الرزاق وهم فإنه قد انفرد هو بإخراج هذا الأثر بهذا اللفظ ولم يخرجه به أحد غيره فيما أعلم وعبد الرزاق وإن كان ثقة حافظا لكنه قد عمي في اخر عمره فتغير كما صرح به الحافظ في التقريب وأما الامام مالك فقال الحافظ في التقريب إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين حتى قال البخاري أصح الأسانيد كلها مالك عن نافع عن ابن عمر انتهى ومع هذا لم ينفرد هو بإخراج هذا لأثر بلفظ إحدى عشرة بل أخرجه أيضا بهذا اللفظ سعيد بن منصور وابن أبي شيبة كما عرفت
[ 444 ]
فالحاصل أن لفظ إحدى عشرة في أثر عمر بن الخطاب المذكور صحيح ثابت محفوظ ولفظ إحدى وعشرون في هذا الأثر غير محفوظ والأغلب أنه وهم والله تعالى أعلم قوله (وأكثر أهل العلم على ما روي عن علي وعمر وغيرهما من أصحاب النبي عشرين ركعة) أما أثر علي رضي الله عنه فأخرجه البيهقي في سننه وابن أبي شيبة عن أبي الحسناء أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمر رجلا أن يصلي بالناس خمس ترويحات عشرين ركعة قال النيموي في تعليق آثار السنن مدار هذا الأثر على أبي الحسناء وهو لا يعرف انتهى قلت الأمر كما قال النيموي قال الحافظ في التقريب في ترجمة أبي الحسناء أنه مجهول وقال الذهبي في ميزانه لا يعرف انتهى وروى عن علي أثر آخر فروى البيهقي في سننه من طريق حماد بن شعيب عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله تعالى عنه ودعاء القراء في رمضان فأمر منهم رجلا يصلي بالناس عشرين ركعة قال وكان علي رضي الله تعالى عنه يوتر بهم وروي ذلك من وجه آخر عن علي قال النيموي بعد ذكر هذا الأثر حماد بن شعيب ضعيف قال الذهبي في الميزان ضعفه ابن معين وغيره وقال يحي مرة لا يكتب حديثه وقال البخاري فيه نظر وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي أكثر حديثه مما لا يتابع عليه انتهى كلام النيموي قلت الأمر كما قال النيموي فائدة قال الشيخ ابن الهمام في التحرير إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به ولا يصلح للاعتبار انتهى كلام ابن الهمام قلت فأثر على هذا لا يحتج به ولا يستشهد به ولا يصلح للاعتبار فإن في سنده حماد بن شعيب وقال البخاري فيه نظر تنبيه يستدل بهذين الأثرين على أن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أمر أن يصلي التروايح عشرين ركعة وعلي أنه رضي الله عنه صلى التروايح عشرين ركعة وقد عرفت أن هذين الأثرين ضعيفان لا يصلحان للاستدلال ومع هذا فهما مخالفان لما ثبت عن رسول الله بالحديث الصحيح وأما أثر عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب رضي
[ 445 ]
الله تعالى عنه أمر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة قال النيموي في آثار السنن رجاله ثقات لكن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يدرك عمر رضي الله تعالى عنه انتهى قلت الأمر كما قال النيموي فهذا الأثر منقطع لا يصلح للاحتجاج ومع هذا فهو مخالف لما ثبت بسند صحيح عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة أخرجه مالك في الموطأ وقد تقدم وأيضا هو مخالف لما ثبت عن رسول الله بالحديث الصحيح وأما أثر عمر رضي الله تعالى عنه الذي أخرجه عبد الرزاق فقد عرفت حاله وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه عن عبد العزيز بن رفيع قال كان أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة ويوتر بثلاث قال النيموي عبد العزيز بن رفيع لم يدرك أبي بن كعب انتهى قلت الأمر كما قال النيموي فأثر أبي بن كعب هذا منقطع ومع هذا فهو مخالف لما ثبت عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه أمر أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وأيضا هو مخالف لما ثبت عن أبي بن كعب أنه صلى في رمضان بنسوة داره ثمان ركعات وأوتر وقد تقدم ذكره بتمامه وفي قيام الليل قال الأعمش كان أي ابن مسعود (وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي) وهو قول الحنفية واستدل لهم بما روى ابن أبي شيبة في مصنفه والطبراني وعنه البيهقي من طريق ابراهيم بن عثمان أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي كان يصلي في رمضان عشرين ركعة سوى الوتر انتهى وهذا الحديث ضعيف جدا لا يصلح للاستدلال فإستدلالهم بهذا الحديث ليس بصحيح قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وهو معلول بابن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد الامام أبي بكر بن أبي شيبة وهو متفق على ضعفه ولينه ابن عدي في الكامل ثم إنه مخالف للحديث الصحيح عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله في رمضان قالت ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة الحديث انتهى كلام الزيلعي وقال النيموي في تعليق آثار السنن وقد أخرجه عبد بن حميد الكشي في مسنده والبغوي في معجمه والطبراني في معجمه الكبير والبيهقي في سننه كلهم من طريق أبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد الامام أبي بكر بن أبي شيبة وهو ضعيف قال البيهقي بعد ما أخرجه انفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي وهو ضعيف انتهى وقال المزي في تهذيب الكمال قال أحمد ويحيى وأبو داود ضعيف وقال يحيى أيضا ليس بثقة وقال النسائي والدولابي متروك الحديث وقال أبو
[ 446 ]
حاتم ضعيف الحديث سكتوا عنه وقال صالح ضعيف لا يكتب حديثه ثم قال المزي ومن مناكيره حديث أنه كان يصلي في رمضان عشرين ركعة انتهى وهكذا في الميزان وقال الحافظ في التقريب متروك الحديث انتهى كلام النيموي وقال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكر هذا الحديث ضعيف بأبي شيبة إبراهيم بن عثمان جد الامام أبي بكر بن أبي شيبة متفق على ضعفه مع مخالفته للصحيح انتهى وقال العيني في عمدة القاري بعد ذكر هذا الحديث وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قاضي واسط جد أبي بكر بن أبي شيبة كذبه شعبة وضعفه أحمد وابن معين والبخاري والنسائي وغيرهم وأورد له ابن عدي هذا الحديث في الكامل في مناكيره انتهى واستدل لهم أيضا بما روى البيهقي في سننه عن السائب بن يزيد قال كنا نقوم في زمان عمر ابن الخطاب بعشرين ركعة والوتر وصحح إسناده السبكي في شرح المنهاج وعلي القاري في شرح الموطأ قلت في سنده أبو عثمان البصري واسمه عمرو بن عبد الله قال النيموي في تعليق اثار السنن لم أقف من ترجم له انتهى قلت لم أقف أنا أيضا على ترجمته مع التفحص الكثير وأيضا في سنده أبو طاهر للفقيه شيخ البيهقي ولم أقف على من وثقه فمن ادعى صحة هذا الأثر فعليه أن يثبت كون كل منهما ثقة قاب للاحتجاج فإن قلت قال التاج السبكي في الطبقات الكبرى في ترجمة أبي بكر الفقيه كان إمام المحدثين والفقهاء في زمانه وكان شيخا أديبا عارفا بالعربية له يد طولى في معرفة الشروط وصنف فيه كتابا انتهى فهذا يدل على كونه ثقة قلت لا دلالة في هذا على كونه ثقة قاب للاحتجاج نعم فيه دلالة على كونه جليل القدر في الحديث والفقه والعربية ومعرفة الشروط ولكن لا يلزم من هذا كونه ثقة فالحاصل أن في صحة هذا الأثر نظرا وكلاما ومع هذا فهو معارض بما رواه سعيد بن منصور في سننه قال حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثني محمد بن يوسف سمعت السائب بن يزيد يقول كنا نقوم في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإحدى عشرة ركعة قال الحافظ جلال الدين السيوطي في رسالته المصابيح في صلاة التراويح بعد ذكر هذا الأثر إسناده في غاية الصحة انتهى وأيضا هو معارض بما رواه محمد بن نصر في قيام الليل من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن يوسف عن جده السائب بن يزيد قال كنا نصلي في زمن عمر رضي الله عنه في رمضان ثلاث عشرة ركعة وهو أيضا معارض بما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنه قال أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة
[ 447 ]
ركعة فأثر السائب بن يزيد الذي رواه البيهقي لا يصلح للاحتجاج فإن قلت روى البيهقي هذا الأثر بسند آخر بلفظ قال كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة وصحح إسناده النووي وغيره قلت في إسناده أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ولم أقف على ترجمته فمن يدعي صحة هذا الأثر فعليه أن يثبت كونه ثقة قابلا للاحتجاج وأما قول النيموي هو من كبار المحدثين في زمانه لا يسأل عن مثله فما لا يلتفت إليه فإن مجرد كونه من كبار المحدثين لا يستلزم كونه ثقة تنبيهات الأول قال النيموي في تعليق آثار السنن لا يخفي عليك أن ما رواه السائب من حديث عشرين ركعة قد ذكره بعض أهل العلم بلفظ إنهم كانوا يقومون على عهد عمر بعشرين ركعة وعلى عهد عثمان وعلي مثله وعزاه إلى البيهقي فقوله وعلي عهد عثمان وعلى مثله قول مدرج لا يوجد في تصانيف البيهقي انتهى كلام النيموي قلت الأمر كما قال النيموي الثاني قد جمع البيهقي وغيره بين روايتي السائب المختلفتين المذكورتين بأنهم كانوا يقومون بإحدى عشرة ركعة ثم كانوا يقومون بعشرين ويوترون بثلاث قلت فيه إنه لقائل أن يقول بأنهم كانوا يقومون أو بعشرين ركعة ثم كانوا يقومون بإحدى عشرة ركعة وهذا هو الظاهر لأن هذا كان موافقا لما هو الثابت عن رسول الله وذاك كان مخالفا له فتفكر الثالث قد ادعى بعض الناس أنه قد وقع الاجماع على عشرين ركعة في عهد عمر رضي الله عنه واستقر الأمر على ذلك في الأمصار قلت دعوى الاجماع على عشرين ركعة واستقرار الأمر على ذلك في الأمصار باطلة جدا كيف وقد عرفت في كلام العيني رحمه الله أن في هذا أقوالا كثيرة وأن الامام مالكا رحمه الله قال وهذا العمل يعني القيام في رمضان بثمان وثلاثين ركعة والإيتار بركعة بالمدينة قبل الحرة منذ بضع ومائة سنة إلى اليوم انتهى واختار هذا الامام إمام دار الهجرة لنفسه إحدى عشرة ركعة وكان الأسود بن يزيد النخعي الفقيه يصلي أربعين ركعة ويوتر بسبع وتذكر باقي الأقوال التي ذكرها العيني فأين الاجماع على عشرين ركعة وأين الاستقرار على ذلك في الأمصار (وقال أحمد روى في هذا ألوان) أي أنواع من الروايات (لم يقض) أي لم يحكم أحمد
[ 448 ]
(فيه بشئ) وفي كتاب قيام الليل لابن نصر المروزي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد بن حنبل كم من ركعة يصلي في قيام شهر رمضان فقال قد قيل فيه ألوان نحوا من أربعين إنما هو تطوع قال إسحاق نختار أربعين ركعة وتكون القراءة أخف انتهى (وقال إسحاق بل نختار إحدى وأربعين ركعة على ما روى عن بن أبي كعب) لم أقف على من رواه وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه أمر أبي بن كعب رضي الله عنه وتميما الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة وقد ثبت أيضا أنه صلى بالنساء في رمضان بثمان ركعات وأوتر وذكره لرسول الله فلم يقل شيئا (واختار ابن المبارك وأحمد وإسحاق الصلاة مع الامام في شهر رمضان) وفي كتاب قيام الليل وقيل لأحمد بن حنبل يعجبك أن يصلي الرجل مع الناس في رمضان أو وحده قال يصلي مع الناس قال ويعجبني أن يصلي مع الامام ويوتر معه قال النبي إن الرجل إذا قام مع الامام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته قال أحمد رحمه الله يقوم مع الناس حتى يوتر معهم ولا ينصرف حتى ينصرف الامام قال أبو داود شهدته يعني أحمد رحمه الله شهر رمضان يوتر مع إمامه إلا ليلة لم أحضرها وقال إسحاق رحمه الله قلت لأحمد الصلاة في الجماعة أحب إليك أم يصلي وحده في قيام شهر رمضان قال يعجبني أن يصلي في الجماعة يحيي السنة وقال إسحاق كما قال انتهى (واختار الشافعي أن يصلي الرجل وحده إذا كان قارئا) أي حافظا للقرآن كله أو بعضه 82 باب ما جاء في فضل من فطر صائما قوله (من فطر صائما) قال ابن الملك التفطير جعل أحد مفطرا أي من أطعم صائما انتهى قال القاري أي عند إفطاره (كان له) أي لمن فطر (مثل أجره) أي الصائم وقد جاء
[ 449 ]
في حديث سلمان الفارسي من فطر فيه صائما كان له مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شئ قلنا يا رسول الله ليس كلنا نجد ما نفطر به الصائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على مذقة لبن أو تمرة أو شربة من ماء ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة الحديث رواه البيهقي قال ميرك ورواه ابن خزيمة في صحيحه وقال إن صح الخبر ورواه من طريقه البيهقي ورواه أبو الشيخ وابن حبان في الثواب باختصار عنهما وفي رواية لأبي الشيخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فطر صائما في شهر رمضان من كسب حلال صلت عليه الملائكة ليالي رمضان كلها وصافحه جبريل ليلة القدر ومن صافحه جبريل عليه السلام يرق قلبه وتكثر دموعه قال فقلت يا رسول الله من لم يكن عنده قال فقبضة من طعام قلت أفرأيت إن لم يكن عنده قال فشربه من ماء قال المنذري وفي أسانيدهم علي بن زيد بن جدعان ورواه ابن خزيمة والبيهقي أيضا باختصار عنه من حديث أبي هريرة وفي إسناده كثير بن زيد كذا في المرقاة قلت قال الحافظ في التقريب علي بن زيد بن جدعان ورواه ابن خزيمة والبيهقي أيضا باختصار عنه من حديث أبي هريرة وفي إسناده كثير بن زيد كذا في المرقاة قلت قال الحافظ في التقريب علي بن زيد بن جدعان ضعيف وقال في تهذيب التهذيب قال الترمذي صدوق إلا أنه ربما رفع الشئ الذي يوقفه غيره انتهى فعلي بن زيد هذا ضعيف عند الأكثر صدوق عند الترمذي قوله هذا حديث حسن صحيح وأخرجه النسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ولفظ ابن خزيمة والنسائي من جهز غازيا أو جهز حاجا أو خلفه في أهله أو أفطر صائما كان له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم كذا في الترغيب 83 باب الترغيب في قيام شهر رمضان الخ قوله (يرغب) من الترغيب (من غير أن يأمرهم بعزيمة) أي بفريضة قاله في مجمع
[ 450 ]
البحار وقال القاري أي بعزم وبث وقطع يعني بفريضة وقال الطيبي العزيمة والعزم عقد القلب على إمضاء الأمر (من قام رمضان إيمانا) أي تصديقا بوعد الله بالثواب عليه (واحتسابا) أي طلبا للأجر لا لقصد آخر من رياء أو نحوه (غفر له) ظاهره يتناول الصغائر والكبائر وبه جزم ابن المنذر وقال النووي المعروف أنه يختص بالصغائر وبه جزم إمام الحرمين وعزاه عياض لأهل السنة قال بعضهم ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة كذا في الفتح (ما تقدم من ذنبه) زاد أحمد وغيره وما تأخر قال الحافظ قد استشكلت هذه الزيادة من حيث أن المغفرة تستدعي سبق شئ يغفر والمتأخر من الذنوب لم يأت فكيف يغفر والجواب أنه كناية عن حفظهم من الكبائر فلا تقع منهم كبيرة بعد ذلك وقيل أن معناه أن ذنوبهم تقع مغفورة انتهى (والأمر على ذلك) أي على ترك الجماعة في التراويح وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب أي في أول خلافته وصدر الشئ ووجهه أوله ثم جمع عمر رضي الله عنه الناس على قارئ واحد ففي صحيح البخاري عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم قال عمر رضي الله عنه نعم البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الشيخان قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 451 ]
أبواب الحج عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصل الحج في اللغة القصد وقال الخليل كثرة القصد إلى معظم وفي الشرع القصد إلى البيت الحرام بأعمال مخصوصة وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد والفتح لغيرهم ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم والكسر المصدر وعن غيره عكسه ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلا لعارض كالنذر واختلف هل هو على الفور أو التراخي وهو مشهور وفي وقت ابتداء فرضه اختلاف فقيل قبل الهجرة وهو شاذ وقيل بعدها ثم اختلف في سنته فالجمهور على أنها سنة ست لأنها نزل فيها قوله تعالى (وأتموا الحج والعمرة لله) وهذا ينبئ على أن المراد بالإتمام ابتداء الفرض ويؤيده قراءة علقمة ومسروق وإبراهيم النخعي بلفظ وأقيموا أخرجه الطبري بأسانيد صحيحة عنهم وقيل المراد بالاتمام الاكمال بعد الشروع وهذا يقتضي تقدم فرضه قبل ذلك وقد وقع في قصة ضمام ذكر الأمر بالحج وكان قدومه على ما ذكر الواقدي سنة خمس وهذا يدل أن ثبت على تقدمه على سنة خمس أو وقوعه فيها قاله الحافظ في فتح الباري 1 باب ما جاء في حرمة مكة قوله (العدوي) بفتح العين والدال وأبو شريح العدوي هذا هو الخزاعي الصحابي المشهور رضي الله عنه (أنه قال لعمرو بن سعيد) هو ابن العاصي بن سعيد بن العاصي بن أمية القرشي الأموي يعرف بالأشدق وليست له صحبة ولا كان من التابعين بإحسان (وهو) أي
[ 452 ]
عمرو (يبعث البعوث) أي يرسل الجيوش والبعث جماعة من الجند يرسلها الأمير إلى قتال فرقة وفتح بلاد (إلى مكة) أي لقتال عبد الله بن الزبير لكونه امتنع من مبايعة يزيد بن معاوية واعتصم بالحرم وكان عمرو والي يزيد على المدينة والقصة مشهورة وملخصها أن معاوية عهد بالخلافة بعده ليزيد بن معاوية فبايعه الناس إلا الحسين بن علي وابن الزبير فأما ابن أبي بكر فمات قبل موت معاوية وأما ابن عمر فبايع ليزيد عقب موت أبيه وأما الحسين بن علي فسار إلى الكوفة لاستدعائهم ايا ليبايعوه فكان ذلك سبب قتله وأما ابن الزبير فإعتصم ويسمى عائذ البيت وغلب على أمر مكة فكان يزيد بن معاوية أمر أمراءه على المدينة أن يجهزوا إليه الجيوش فكان آخر ذلك أن أهل المدينة على خلع يزيد من الخلافة (ايذن) بفتح الذال وتبدل همزته الثانية بالياء عند الابتداء وهو أمر من الاذن بمعنى الاجازة (أحدثك) بالجزم وقيل بالرفع (قولا) أي حديثا (قام به) صفة للقول أي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك القول خطيبا والمعنى حدث به (الغد) بالنصب أي اليوم الثاني من يوم الفتح (سمعته أذناي) بضم الذال وسكونها فيه اشارة إلى بيان حفظه له من جميع الوجوه أي حملته عنه بغير واسطة وذكر الأذنين للتأكيد (ووعاه قلبي) أي حفظه تحقيق لفهمه وتثبته (وأبصرته عيناي) يعني أن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت فقط بل مع المشاهدة (أنه حمد الله الخ) هو بيان لقوله تكلم (إن مكة حرمها الله تعالى) أي جعلها محرمة معظمة قال الحافظ أي حكم بتحريمها وقضاه ولا معارضة بين هذا وبين قوله في حديث أنس أن إبراهيم حرم مكة لأن المعنى أن إبراهيم حرم مكة بأمر الله تعالى لا باجتهاده انتهى (ولم يحرمها الناس) أي من عندهم أي أن تحريمها كان بوحي من الله لا باصلاح الناس (أن يسفك) بكسر الفاء وحكى ضمها وهو صب الدم والمراد به القتل (بها) أي بمكة (أو يعضد) بكسر الضاد المعجمة أي يقطع بالمعضد وهو الة كالفاس (فإن) شرطية (أحد) فاعل فعل محذوف وجوبا يفسره (ترخص) نحو قوله تعالى وان أحد من المشركين استجارك (ولم يأذن لك) وبه تم جواب المترخص ثم ابتدأ وعطف على الشرط فقال (وإنما أذن) أي الله (ساعة) أي مقدار من الزمان والمراد به يوم الفتح وفي مسند أحمد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن ذلك كان من طلوع الشمس إلى العصر والمأذون فيه
[ 453 ]
القتال لا الشجر (وقد عادت) أي رجعت (حرمتها اليوم) أي يوم الخطبة المذكورة (كحرمتها بالأمس) أي ما عدا تلك الساعة ويمكن أن يراد بالأمس الزمن الماضي (ما قال لك عمرو بن سعيد) أي في جوابك (قال) أي عمرو (بذلك) أي الحديث أو الحكم (يا أبا شريح) يحتمل أن يكون النداء تتمة لما قبله أو تمهيدا لما بعده (إن الحرم) وفي رواية للبخاري أن مكة (لا يعيذ) من الاعاذة أي لا يجيز ولا يعصم (عاصيا) أي أن إقامة الحد عليه (ولا فارا بدم) أي هاربا عليه دم يعتصم بمكة كيلا يقتص منه (ولا فارا بخربة) قال الحافظ بفتح المعجمة وإسكان الراء ثم موحدة يعني السرقة كذا ثبت تفسيرها في رواية المستملي قال ابن بطال الخربة بالضم الفساد وبالفتح السرقة وقد تصرف عمرو في الجواب وأتى بكلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل فإن الصحابي أنكر عليه نصب الحرب على مكة فأجابه بأنها لا تمنع من اقامة القصاص وهو صحيح إلا أن ابن الزبير لم يرتكب أمرا يجب عليه فيه شئ من ذلك انتهى قوله (ويروي بخزية) قال ابن العربي في بعض الروايات بكسر الخاء وزاي ساكنة بعدها مثناة تحتية أي بشئ يخزي منه أي يستحي قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الجماعة (وابن عباس) أخرجه البخاري ومسلم قوله (حديث أبي شريح حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم أيضا قوله (يقول) أي عمرو بن سعيد يعني يريد عمرو بقوله ولا فارا بخربة أي من جنى جناية أو أصاب دما ثم جاء إلى الحرم فإنه يقام عليه الحد وفيه اختلاف بين العلماء وقد بينه الحافظ في الفتح بالبسط والتفصيل من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه
[ 454 ]
2 باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة قوله (عن عبد الله) أي ابن مسعود (تابعوا بين الحج والعمرة) أي قاربوا بينهما وأما بالقران أو بفعل أحدهما بالاخر قال الطيبي رحمه الله أي إذا اعتمرتم فحجوا وإذا حججتم فاعتمروا (فإنهما) أي الحج والإعتمار (ينفيان الفقر) أي يزيلانه وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد والفقر الباطن بحصول غنى القلب (والذنوب) أي يمحوانها قيل المراد بها الصغائر ولكن يأباه قوله (كما ينفي الكير) وهو ما ينفخ فيه الحداد لاشتعال النار للتصفية (خبث الحديد والذهب والفضة) أي وسخها (وليس للحجة المبرورة) قيل المراد بها الحج المقبول وقيل الذي لا يخالطه شئ من الاثم ورجحه النووي وقال القرطبي الأقوال في تفسيره متقاربة المعنى وحاصلها أنه الحج الذي وفيت أحكامه فوقع مواقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل كذا قال السيوطي في التوشيح قوله (وفي الباب عن عمر) أخرجه ابن أبي شيبة ومسدد كذا في شرح سراج أحمد انتهى قلت وأخرجه أحمد وابن ماجه بمثل حديث ابن مسعود المكذور لكن إلى قوله خبث الحديد (وعامر بن ربيعة) لم أقف على حديثه (وأبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم بلفظ من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه (وعبد الله بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وكسر الشين المعجمة ولم أقف على حديثه (وأم سلمة) أخرجه أبو داود وابن ماجه (وجابر) أخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بإسناد حسن مرفوعا الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قيل وما بره قال إطعام الطعام وطيب الكلام ورواه أيضا ابن خزيمة في صحيحه
[ 455 ]
والبيهقي والحاكم مختصرا وقال صحيح الاسناد وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها المنذري في الترغيب قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح الخ) وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قوله (من حج) وفي رواية للبخاري من حج هذا البيت قال الحافظ وهو يشمل الحج والعمرة وقد أخرجه الدارقطني بلفظ من حج أو اعتمر وفي إسناده ضعف (فلم يرفث) بضم الفاء قال الحافظ فاء الرفث مثلثة في الماضي والمضارع والأفصح الفتح في الماضي والضم في المستقبل قال الرفث الجماع ويطلق على التعريض به وعلى الفحش في القول وقال الأزهري الرفث إسم جامع لكل ما يريده الرجل من المرأة وكان ابن عمر يخصه بما خوطب به النساء وقال عياض هذا من قول الله تعالى فلا رفث ولا فسوق والجمهور على أن المراد به في الاية الجماع انتهى قال الحافظ والذي يظهر أن المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك وإليه نحا القرطبي وهو المراد بقوله في الصيام فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث انتهى (ولم يفسق) أي لم يأت بسيئة ولا معصية (غفر له ما تقدم من ذنبه) وفي رواية الصحيحين رجع كيوم ولدته أمه قال الحافظ في الفتح أي بغير ذنب وظاهره غفران الصغائر والكبائر والتبعات وهو من أقوى الشواهد لحديث العباس بن مرداس المصرح بذلك وله شاهد من حديث ابن عمر في تفسير الطبري انتهى قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وأبو حازم كوفي وهو الأشجعي وإسمه سلمان الخ) وأما أبو حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد فلم يسمع من أبي هريرة قاله الحافظ
[ 456 ]
3 باب ما جاء من التغليظ في ترك الحج قوله (محمد بن يحيى القطعي) بضم القاف وفتح الطاء المهلمة البصري صدوق من العاشرة (أخبرنا هلال بن عبد الله) قال الحافظ في التقريب هلال بن عبد الله الباهلي مولاهم أبو هاشم البصري متروك من السابعة قوله (من ملك زادا وراحلة) وأي ولو با جازة (تبلغه) بتشديد اللام وتخفيفها أي توصله (فلا عليه) أي فلا بأس ولا مبالاة ولا تفاوت عليه (أن يموت) أي في أن يموت أو بين أن يموت (يهوديا أو نصرانيا) في الكفر إن اعتقد عدم الوجوب وفي العصيان إن اعتقد الوجوب وقيل هذا من باب التغليظ الشديد وللمبالغة في الوعيد والأظهر أن وجه التخصيص بهما كونهما من أهل الكتاب غير عاملين به فشبه بهما من ترك الحج حيث لم يعمل بكتاب الله تعالى ونبذه وراء ظهره كأنه لا يعلمه قال الطيبي والمعنى أن وفاته بهذه الحالة ووفاته على اليهودية والنصرانية سواء والمقصود التغليظ في الوعيد كما في قوله تعالى ومن كفر انتهى (وذلك) أي ما ذكر من شرط الزاد والراحلة والوعيد على ترك هذه العبادة (ولله على الناس) أي واجب عليهم (حج البيت) بفتح الحاء وكسرها ويبدل من الناس (من استطاع إليه سبيلا) أي طريقا وفسره صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة رواه الحاكم وغيره كذا في الجلالين ويأتي الكلام في ذلك في الباب الأتي قوله (وفي إسناده مقال وهلال بن عبد الله مجهول والحارث يضعف في الحديث) أما هلال بن عبد الله فقال الذهبي في الميزان في ترجمته قال البخاري منكر الحديث وقال الترمذي
[ 457 ]
مجهول وقال العقيلي لا يتابع على حديثه ثم ذكر الذهبي هذا الحديث من طريقه ثم قال ويروى عن علي قوله وقد جاء بإسناد اخر أصلح من هذا انتهى كلام الذهبي وأما الحارث فهو الحارث بن عبد الله الهمداني الأعور كذبه الشعبي وغيره إعلم أن لحديث الباب طرقا منها هذه التي ذكرها الترمذي ومنها الطريق التي أخرجها سعيد بن منصور في السنن وأحمد وأبو يعلى والبيهقي عن شريك عن ليث بن أبي سليم عن ابن سابط عن أبي أمامة بلفظ من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائز فلم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا وليث ضعيف وشريك سئ الحفظ وقد خالف سفيان الثوري فأرسله رواه أحمد في كتاب الايمان له عن وكيع عن سفيان عن ليث عن ابن سابط ومنها الطريق التي أخرجها ابن عدي عن عبد الرحمن القطامي عن أبي المهزم وهما متروكان عن أبي هريرة قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذه الطرق مع ألفاظها وله طريق صحيحة إلا أنها موقوفة رواها سعيد بن منصور والبيهقي عن عمر ابن الخطاب قال لقد هممت أن أبعث رجالا إلى أهل الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليه الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين لفظ سعيد ولفظ البيهقي أن عمر قال ليمت يهوديا أو نصرانيا يقولها ثلاث مرات رجل مات ولم يحج وعنده لذلك سعة وخليت سبيله قلت وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل بن سابط علم أن لهذا الحديث أص ومحمله على من استحل الترك وتبين بذلك خطأ من ادعى أنه موضوع انتهى كلام الحافظ 4 باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحة قوله (ما يوجب الحج) أي ما شرط وجوب الحج (قال الزاد والراحلة) يعني الحج واجب على من وجدهما ذهابا وإيابا قوله (هذا حديث حسن) الظاهر أن الترمذي حسنه لشواهده وإلا ففي سند هذا
[ 458 ]
الحديث إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك الحديث كما صرح به الحافظ في التقريب وقال في التلخيص روى الدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى ولله على الناس حج البيت لمن استطاع إليه سبيلا قال قيل يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة قال البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا يعني الذي أخرجه الدارقطني وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني وقد قال أبو حاتم هو منكر الحديث ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عمر وقال الترمذي حسن وهو من رواية إبراهيم بن يزيد الخوزي وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك الحديث ورواه ابن ماجه والدارقطني من حديث ابن عباس وسنده ضعيف أيضا ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس ورواه الدارقطني من حديث جابر ومن حديث علي بن أبي طالب ومن حديث ابن مسعود ومن حديث عائشة ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وطرقها كلها ضعيفة فقد قال عبد الحق إن طرقه كلها ضعيفة وقال أبو بكر ابن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة انتهى 5 باب ما جاءكم فرض الحج قوله (عن أبي البختري) بفتح الموحدة وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة الفوقية وكسر الراء وشدة ياء تحتانية وهو سعيد بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاه ثم الكوفي ثقة ثبت كثير الارسال من الثالثة
[ 459 ]
قوله (قال لا) فيه دليل على أن الحج لا يجب إلا مرة واحدة وهو مجمع عليه كما قال النووي والحافظ وغيرهما وكذلك العمرة عند من قال بوجوبها لا تجب إلا مرة إلا أن ينذر بالحج أو العمرة وجب الوفاء بالنذر بشرطه (ولو قلت نعم لوجبت) استدل به على أن النبي صلى الله عليه وسلم مفوض في شرع الأحكام وفي ذلك خلاف مبسوط في الأصول قوله (وفي الباب عن ابن عباس) قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس كتب عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال أفي كل عام يا رسول الله فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم تعملوا بها ولم تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما (وأبي هريرة) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وفي الباب أيضا عن أنس أخرجه ابن ماجه قال الحافظ في التلخيص رجاله ثقات قوله (حديث علي حديث حسن غريب) قال الحافظ في التلخيص سنده منقطع انتهى قلت قال الخزرجي في الخلاصة سعيد بن فيروز أبو البختري الكوفي تابعي جليل عن عمر وعلي مرسلا انتهى وقال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل قال علي بن المديني أبو البختري لم يلق عليا قال أبو زرعة أبو البختري لم يسمع من علي شيئا انتهى 6 باب ما جاءكم حج النبي صلى الله عليه وسلم قوله (فساق ثلاثا وستين بدنة) بفتحتين وهي الابل والبقر عند الحنفية والإبل فقط
[ 460 ]
عند الشافعي وسميت بها لكبر بدنها والجمع بدن بضم فسكون (وجاء علي من اليمن ببقيتها) أي ببقية البدن التي ذبحها النبي صلى الله عليه وسلم أو ببقية المائة وإرجاع الضمير إلى المائة مع عدم ذكرها لشهرتها قال النووي ما أهدي به علي رضي الله عنه اشتراه لا أنه من السعاية على الصدقة (في أنفه برة) بضم الباء وتخفيف الراء الحلقة تكون في أنف البعير (من فضة) وفي رواية البيهقي من ذهب قاله السيوطي ببضعة بفتح الموحدة وقد تكسر القطعة من اللحم (فشرب من مرقها) بفتح الميم والراء النكتة في شربه صلى الله عليه وسلم من مرقها دون الأكل من اللحم لما في المراق من الجمع لما خرج من البضعات كلها قوله (ورأيت عبد الله بن عبد الرحمن إلخ) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن من الحادية عشر كذا في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة في ترجمته أحد الأعلام وصاحب المسند والتفسير والجامع عن يزيد بن هارون ويعلى بن عبيد وجعفر بن عون وأبي علي الحنفي وخلق وعنه م وت والبخاري في غير الصحيح قال أحمد إمام أهل زمانه وقال ابن حبان كان ممن حفظ وجمع وتفقه وصنف وحدث وأظهر السنة في بلده ودعا إليها وذب عن حريمها وقمع مخالفيها قال أحمد بن سنان مات سنة خمس وخمسين ومائتين انتهى قوله (حبان بن هلال) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ثقة ثبت من التاسعة
[ 461 ]
قوله (حجة واحدة) بالنصب أي حج حجة واحدة وهي حجة الوداع (عمرة في ذي القعدة) بالنصب على البدلية وبالرفع على الخبرية أي إحداها عمرة في ذي القعدة (وعمرة الحديبية) بضم الحاء المهملة وتفتح الدال المهملة وسكون التحتية وكسر الموحدة وشدة التحتية الثانية وخفتها موضع بينه وبين مكة تسعة أميال (وعمرة الجعرانة) بكسر الجيم وسكون العين وقيل بكسر العين وتشديد الراء موضع بينه وبين مكة تسعة أميال وقيل ستة أميال (إذ قسم غنيمة حنين) بضم الحاء المهملة مصغرا موضع وكان قسمة غنيمته بعد فتح مكة سنة ثمان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ومسلم 7 باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم قوله (اعتمر أربع عمر) بضم العين وفتح الميم جمع عمرة (عمرة الحديبية) بتخفيف الياء وتشديدها قيل هي اسم بيروقيل شجرة وقيل قرية على تسعة أميال من مكة أكثرها في الحرم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم معتمرا إلى هذا الموضع فاجتمعت قريش وصدوه من دخول مكة فصالحهم على أن يأتي من العام المقبل فرجع ولم يعتمر ولكن عدوها من العمر لترتب أحكامها من إرسال الهدى والخروج عن الاحرام فنحر وحلق وكانت في ذي القعدة (وعمرة الثانية) أي عمرة السنة الثانية (من قابل) أي من عام قابل (عمرة القصاص) أي عمرة
[ 462 ]
العوض وفي بعض النسخ عمرة القضاء وفي صحيح البخاري من حديث أنس عمرة الحديبية في ذي القعدة حيث صده المشركون وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة حيث صالحهم (والرابعة التي مع حجته) أي حجة الوداع قوله (وفي الباب عن أنس وعبد الله بن عمرو وابن عمر) أما حديث أنس فأخرجه الترمذي في الباب المتقدم وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهم وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري قوله (حديث ابن عباس حديث غريب) أخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله كلهم ثقات 8 باب ما جاء في أي موضع أحرم النبي صلى الله عليه وسلم قوله (أذن في الناس) لقوله تعالى وأذن في الناس بالحج الاية أي نادى بينهم بأني أريد الحج قاله ابن الملك والأظهر أنه أمر مناديا بأنه صلى الله عليه وسلم يريد الحج كما في حديث جابر الطويل قاله القاري (فاجتمعوا) أي خلق كثير في المدينة (فلما أتى البيداء) وهي المفازه التي لا
[ 463 ]
شئ فيها وهي هنا إسم موضع مخصوص عند ذي الحليفة (أحرم) أي كرر إحرامه أو أظهره وهو أظهر لما ثبت أنه أحرم ابتدأ في مسجد ذي الحليفة بعد ركعتي الاحرام كذا في المرقاة قلت بل هو المتعين ويدل عليه حديث أبي داود وستقف عليه عن قريب قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان عنه أنه يقول ما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة هذا لفظ البخاري (وأنس) أخرجه الجماعة ولفظ البخاري صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا وبذي الحليفة ركعتين ثم بات حتى أصبح بذي الحليفة فلما ركب راحلته واستوت به أهل وفي رواية لأبي داود صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على جبل البيداء أهل (والمسور بن مخرمة) أخرجه البخاري وأبو داود في قصة الحديبية وفيه فلما كان بذي الحليفة قلد الهدى وأشعره وأحرم منها وفي الباب أيضا عن سعد بن أبي وقاص أخرجه أبو داود عنه كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ طريق الفرع أهل إذا استقلت به راحلته وإذا أخذ طريق أحد أهل إذا أشرف على جبل البيداء قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (البيداء التي تكذبون فيها الخ) وفي رواية لمسلم كان ابن عمر إذا قيل له الاحرام من البيداء قال البيداء التي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي قال العلماء هذه البيداء هي الشرف الذي قدام ذي الحليفة إلى جهة مكة وهي بقرب ذي الحليفة وسميت بيداء لأنه ليس فيها بناء ولا أثر وكل مفازة تسمى بيداء وأما ههنا فالمراد بالبيداء ما ذكرناه وقوله تكذبون فيها أي تقولون إنه صلى الله عليه وسلم أحرم منها ولم يحرم منها وإنما أحرم قبلها من مسجد ذي الحليفة ومن عند الشجرة التي كانت هناك وكانت عند المسجد وسماهم ابن عمر كاذبين لأنهم أخبروا بالشئ على خلاف ما هو والكذب عند أهل السنة هو الاخبار عن الشئ بخلاف ما هو سواء تعمده أم غلط فيه وسها وقال المعتزلة يشترط فيه العمدية وعندنا أن العمدية شرط لكونه أسما لا لكونه يسمى
[ 464 ]
كذبا فقول ابن عمر جاء على قاعدتنا انتهى قوله (والله ما أهل) أي ما رفع صوته بالتلبية قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان إعلم أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في موضع إهلاله صلى الله عليه وسلم وسبب اختلافهم ما رواه أبو داود في سنته عن سعيد بن جبير قال قلت لعبد الله بن عباس يا أبا العباس ختلاف عجبت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أوجب فقال إني لأعلم الناس بذلك إنها إنما كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة واحدة فمن هناك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظته عنه ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وأدرك ذلك منه أقوام وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون أرسلا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استقلت به ناقته ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما علا على شرف البيداء أهل وأدرك ذلك منه أقوام فقالوا إنما أهل حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به ناقته وأهل حين علا على شرف البيداء انتهى قال المنذري في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف وقال الطحاوي بعد ذكر هذه الرواية بتمامها فبين ابن عباس الوجه الذي جاء فيه اختلافهم وأن إهلال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ابتدأ الحج ودخل فيه كان في مصلاه فبهذا نأخذ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ومالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وقال الأوزاعي وعطاء وقتادة المستحب الاحرام من البيداء قال البكري البيداء هذه فوق علي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي وفي أول البيداء بئر ماء كذا في عمدة القاري 9 باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلم أي في أي وقت أحرم قوله (عن خصيف) بالخاء المعجمة والصاد المهملة مصغرا ابن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سئ الحفظ خلط بآخره ورمى بالأرجاء من الخامسة كذا في التقريب
[ 465 ]
قوله (أهل في دبر الصلاة) بضم الدال المهملة والموحدة أي عقيبها قوله (هذا حديث غريب الخ) قال الزيلعي في نصب الراية أخرجه الترمذي والنسائي قال في الامام وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان في صحيحهما وخصيف بن عبد الرحمن ضعفه بعضهم انتهى وقال الحافظ في الدراية فيه خصيف وهو لين الحديث قوله (وهو الذي يستحبه أهل العلم أن يحرم الرجل في دبر الصلاة) قال النووي قال مالك والشافعي والجمهور إن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به راحلته وقال أبو حنيفة يحرم عقيب الصلاة وهو جالس قبل ركوب دابته وقبل قيامه وهو قول ضعيف للشافعي وفيه حديث من رواية ابن عباس لكنه ضعيف انتهى قلت يشير إلى حديث الباب قال الحافظ في الدراية قوله ولو لبى بعد ما استوت به راحلته جاز ولكن الأول أفضل لما روينا كذا قال والأحاديث في أنه لبى بعد ما استوت به راحلته أكثر وأشهر من الحديث الذي احتج به ففي الصحيحين عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم حين استوت به راحلته وفي لفظه لمسلم كان صلى الله عليه وسلم إذا وضع رجله في الغرز وانبعثت به راحلته قائمة أهل وفي لفظ لم أره يهل حتى تنبعث به راحلته وللبخاري عن أنس فلما ركب راحلته واستوت به أهل وله عن جابر إن إهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة حين استوت به راحلته ولمسلم عن ابن عباس ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل قال الحافظ وقد ورد ما يجمع بين هذه الأحاديث من حديث ابن عباس عند أبي داود والحاكم ثم ذكر الحديث وقد تقدم قال لو ثبت لرجح ابتداء الاهلال عقيب الصلاة إلا أنه من رواية خصيف وفيه ضعف انتهى وقال في فتح الباري وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل انتهى 10 باب ما جاء في إفراد الحج إعلم أن الحج على ثلاثة أقسام الافراد والتمتع والقران أما الافراد فهو الاهلال
[ 466 ]
بالحج وحده في أشهره عند الجميع وفي غير أشهره أيضا عند من يجيزه والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء وأما التمتع فالمعروف أنه الاعتمار في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والإهلال بالحج في تلك السنة ويطلق التمتع في عرف السلف على القران أيضا قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أن التمتع المراد بقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أنه الاعتمار في أشهر الحج قبل الحج قال ومن التمتع أيضا القران لأنه تمتع بسقوط سفر النسك الاخر من بلده ومن التمتع فسح الحج أيضا إلى العمرة انتهى وأما القران فصورته الاهلال بالحج والعمرة معا وهذا لا خلاف في جوازه أو الاهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه هذا مختلف فيه قاله الحافظ في الفتح قوله (أفرد الحج) أي أحرم بالحج وحده قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم (وابن عمر) أخرجه أحمد ومسلم وفي الباب أيضا عن ابن عباس أخرجه مسلم وعن عائشة أخرجه الشيخان قوله (وحديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وروى عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج الخ) لهذا الحديث دليل لمن قال إن الافراد أفضل من القران والتمتع إعلم أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو إفرادا وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروى عن عدة من الصحابة أنه حج إفرادا كما عرفت وروى عن جماعة منهم أنه حج قرانا وروى عن طائفة منهم أنه حج تمتعا كما ستعرف وقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال إن كان أضاف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما إحرامه فقد تضافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله ولولا أن معي الهدى لأحللت فصح أنه لم
[ 467 ]
يتحلل وأما رواية من روى القران فهو إخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة قال الحافظ هذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله أن كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال وكل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به أصحابه وكل من روى عنه القران أراد ما استقر عليه الأمر وجمع شيخ الاسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله إن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه صلى الله عليه وسلم حج تمتعا وكل من روى الافراد قد روى أنه صلى الله عليه وسلم حج تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منها وأتى بالعمرة ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جرابات طويلة أكثرها متعسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران لا يقاومها شئ من مرجحات غيره وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات كثيرة ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القرآن على التمتع والإفراد لا باعتبار أنه صلى الله عليه وسلم حج قرانا وهو يحث آخر كذا في النيل قوله (وقال الثوري إن أفردت الحج فحسن وإن قرنت فحسن وإن تمتعت فحسن) الظاهر من كلام الثوري هذا أن الأنواع الثلاثة عنده سواء لا فضيلة لبعضها على بعض قال الحافظ في الفتح حكى عياض عن بعض العلماء أن الصور الثلاثة في الفضل سواء وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه انتهى قوله (وقال الشافعي مثله وقال أحب إلينا الافراد ثم التمتع ثم القران) وعند الحنفية القران أفضل من التمتع والإفراد والتمتع أفضل من الافراد قال الحافظ في الفتح ذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أن التمتع أفضل لكونه صلى الله عليه وسلم تمناه فقال لولا أني سقت الهدى لأحللت ولا يتمنى إلا الأفضل وهو قول أحمد بن حنبل في المشهور عنه وأجيب بأنه إنما تمناه تطييبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته وإلا فالأفضل ما اختاره الله له
[ 468 ]
واستمر عليه وقال ابن قدامة يترجح التمتع بأن الذي يفرد إن اعتمر بعدها فهي عمرة مختلف في أجزائها عن حجة الاسلام بخلاف عمرة التمتع فهي مجزئة بلا خلاف فيترجح التمتع على الافراد ويليه القران وقال من رجح القران هو أشق من التمتع وعمرته مجزئة بلا خلاف فيكون أفضل منهما وعن أبي يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه كذا في فتح الباري 11 باب ما جاء في الجمع والعمرة أي القران قوله (يقول لبيك بعمرة وحجة) وفي رواية الشيخين يلبى بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا وهو من أدلة القائلين بأن حجه صلى الله عليه وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناني وعبد العزيز بن صهيب وغيرهم قوله (وفي الباب عن عمر) بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة ات من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه وفي رواية للبخاري وقل عمرة وحجة (وعمران بن حصين) أخرجه مسلم وفي الباب أيضا عن ابن عمر عند الشيخين وعن عائشة عندهما أيضا وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم
[ 469 ]
12 باب ما جاء في التمتع قوله (إنه سمع سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة مناقبه كثيرة رضي الله عنه (والضحاك بن قيس) بن خالد بن وهب الفهري أبو أنيس الأمير المشهور صحابي صغير قتل في وقعة مرج راهط سنة أربع وستين كذا في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة شهد فتح دمشق وتغلب عليها بعد موت يزيد ودعا إلى البيعة وعسكر بظاهرها فالتقاه مروان بمرج راهط سنة أربع وستين فقتل قيل ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بست سنين قوله (لا يصنع ذلك) أي التمتع (إلا من جهل أمر الله تعالى) أي لأنه تعالى قال وأتموا الحج والعمرة لله فأمره بالإتمام يقتضي استمرار الاحرام إلى فراغ الحج ومنع التحلل والتمتع يحلل (فإن عمر بن الخطاب قد نهى عن ذلك) قال الباجي إنما نهى عنه لأنه رأى الافراد أفضل منها ولم ينه عنه تحريما قال عياض إنه نهى عن الفسخ ولهذا كان يضرب الناس عليها كما في مسلم بناء على معتقده إن الفسخ خاص بتلك السنة قال النووي والمختار أن عمر وعثمان وغيرهما إنما نهوا عن المتعة المعروفة التي هي الاعتمار في أشهر الحج ثم الحج في عامه وهو على التنزيه للترغيب في الافراد ثم انعقد الاجماع على جواز التمتع من غير كراهة وبقي الخلاف في الافضل كذا في المحلي شرح الموطأ (قد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي المتعة اللغوية وهي الجمع بين الحج والعمرة وحكم القران والمتعة واحد قاله القاري (وصنعناها معه) قال أي المتعة اللغوية أو الشرعية إذ تقدم أن بعض الصحابة تمتعوا في حجة الوداع والحاصل أن القران وقع منه صلى الله عليه وسلم والتمتع من بعض أصحابه قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مالك في الموطأ
[ 470 ]
(أمر أبي) بتقدير همزة الاستفهام وفي بعض النسخ أأمر أبي بذكر الهمزة (يتبع) بصيغة المجهول قوله (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان الخ) يعارضه ما في صحيح مسلم قال عبد الله بن شقيق كان عثمان ينهي عن المتعة وكان علي يأمر بها وقد تقدم نهى عمر رضي الله عنه فيمكن أن يجاب إن نهيهما محمول على التنزيه ونهى معاوية رضي الله تعالى عنه على التحريم فأوليته باعتبار التحريم قال النووي رحمه الله وكان عمر وعثمان ينهيان عنها نهي تنزيه لا تحريم انتهى ويمكن الجمع بين فعلهما ونهيهما بأن الفعل كان متأخرا لما علما جواز ذلك ويحتمل أن يكون لبيان الجواز كذا في شرح أبي الطيب قوله (وفي الباب عن علي وعثمان) أخرج مسلم وأحمد عن عبد الله بن شقيق أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهى عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت أنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين (وجابر) أخرجه مسلم (وسعد) بن أبي وقاص أخرجه أحمد ومسلم عن غنيم بن قيس المازنيي قال سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية انتهى (وأسماء ابنة أبي بكر وابن عمر) أخرجه الشيخان وفي الباب أيضا عن عائشة أخرجه الشيخان قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه أحمد أيضا
[ 471 ]
قوله (فمن لم يجد) أي الهدى ويتحقق ذلك بأن يعدم الهدي أو يعدم ثمنه حينئذ أو يجد ثمنه لكن يحتاج إليه لأهم من ذلك أو يجده لكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يمتنع من بيعه إلا بغلائه فينقل إلى الصوم كما هو نص القران فصيام ثلاثة أيام في الحج أي بعد الاحرام به وقال النووي هذا هو الأفضل فإن صامها قبل الاهلال بالحج أجزأه على الصحيح وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح قاله مالك وجوزه الثوري وأصحاب الرأي وعلى الأول فمن استحب صيام عرفة بعرفة قال يحرم يوم السابع ليصوم السابع والثامن والتاسع وإلا فيحرم يوم السادس ليفطر بعرفة (وسبعة إذا رجع إلى أهله) أشار إلى أن المراد بقوله تعالى إذا رجعتم الرجوع إلى الأمصار وبذلك فسر ابن عباس رضي الله عنه كما في صحيح البخاري ووقع في حديث ابن عمر المرفوع فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله أخرجه البخاري في باب من ساق البدن معه وهذا هو قول الجمهور وعن الشافعي معناه الرجوع إلى مكة وعبر عنه مرة بالفراغ من أعمال الحج ومعنى الرجوع التوجه من مكة فيصومها في الطريق إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه قاله الحافظ (منهم ابن عمر وعائشة وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح روى عن ابن عمر وعائشة موقوفا إن أخرها يوم عرفة فإن لم يفعل صام أيام منى أي الثلاثة التي بعد يوم النحر وهي أيام التشريق وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والشافعي في القديم ثم رجع عنه وأخذ بعموم النهي عن صيام أيام التشريق انتهى (وقال بعضهم لا يصوم أيام التشريق وهو قول أهل الكوفة) وهو قول الحنفية وحجتهم نبيشة
[ 472 ]
الهذلي عند مسلم مرفوعا أيام التشريق أيام أكل وشرب وله من حديث كعب بن مالك أيام منى أيام أكل وشرب ومنها حديث عمرو بن العاص أنه قال بنه عبد الله في أيام التشريق إنها الأيام التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومهن وأمر بفطرهن أخرجه أبو داود وابن المنذر وصحه ابن خزيمة والحاكم وحجة من قال إنه يجوز للمتمتع أن يصوم أيام التشريق ما رواه البخاري عن عروة عن عائشة وعن سالم عن ابن عمر قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن يجد الهدى قال الحافظ في الفتح كذا رواه الحفاظ من أصحاب شعبة بضم أوله على البناء لغير معين ووقع في رواية يحيى بن سلام عن شعبة عند الدارقطني واللفظ له والطحاوي رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق وقال إن يحيى بن سلام ليس بالقوى ولم يذكر طريق عائشة وأخرجه من وجه اخر ضعيف عن الزهري عن عروة عن عائشة وإذا لم تصح هذه الطرق المصرحة بالرفع بقي الأمر على الاحتمال وقد اختلف علماء الحديث في قول الصحابي أمرنا بكذا ونهينا عن كذا هل له حكم الرفع على أقوال ثالثها إن أضافه إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الرفع وإلا فلا واختلف الترجيح فيما إذا لم يضفه ويلتحق به رخص لنا في كذا وعزم علينا أن لا نفعل كذا كل في الحكم سواء فمن يقول إن له حكم الرفع فغاية ما وقع في رواية يحيى بن سلام أنه روى بالمعنى لكن قال الطحاوي إن قول ابن عمر وعائشة لم يرخص أخذاه من عموم قوله تعالى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج لأن قوله في الحج يعم ما قبل يوم النحر وما بعده فيدخل أيام التشريق فعلى هذا فليس بمرفوع بل هو بطريق الاستنباط منهما عما فهما من عموم الاية وقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم أيام التشريق وهو عام في حق المتمتع وغيره وعلى هذا فقد تعارض عموم الاية المشعر بالإذن وعموم الحديث المشعر بالنهي وفي تخصيص عموم المتواتر بعموم الاحاد نظر لو كان الحديث مرفوعا فكيف وفي كونه مرفوعا نظر فعلى هذا يترجح القول بالجواز وإلى هذا جنح البخاري كذا في فتح الباري
[ 473 ]
13 باب ما جاء في التلبية قوله (لبيك) هي مصدر لبى أي قال لبيك ولا يكون عامله إلا مضمرا أي البيت يا رب بخدمتك إلبابا بعد إلباب من ألب بالمكان أقام به أي أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة وقيل أجبت دعوتك إجابة بعد إجابة والمراد بالتثنية التكثير كقوله تعالى فارجع البصر كرتين أي كرة بعد كرة وحذف الزوائد للتخفيف وحذف النون للإضافة قاله القاري وقال الحافظ في الفتح وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبا لك فثنى على التأكيد أي البابا بعد ألباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير أو المبالغة ومعناه إجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معنى لبيك اتجاهي وقصدي إليك مأخوذ من قولهم داري تلب دارك أي تواجهها وقيل معناه أنا مقيم على طاعتك من قولهم لب الرجل بالمكان إذا أقام وقيل قربا منك من الالباب وهو القرب والأول أظهر وأشهر لأن المحرم مستجيب لدعاء الله إياه في حج بيته ولهذا من دعا فقال لبيك فقد استجاب وقال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج انتهى وهذا أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية وأقوى ما فيه عن ابن عباس ما أخرجه أحمد بن منيع في مسنده وابن أبي حاتم من طريق قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه قال لما فرغ إبراهيم عليه السلام من بناء البيت قيل له أذن في الناس بالحج قال رب وما يبلغ صوتي قال أذن وعلى البلاغ قال فنادى إبراهيم يا أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض أفلا ترون أن الناس يجيئون من أقصى الأرض يلبون ومن طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وفيه فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأرحام النساء وأول من أجابه أهل اليمن فليس حاج يحج من يومئذ إلى أن تقوم الساعة إلا من كان أجاب إبراهيم يومئذ انتهى كلام الحافظ مختصرا (إن
[ 474 ]
الحمد) روى بكسر الهمزة على الاستيناف وبفتحها على التعليل والكسر أجود عند الجمهور وقال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معناه لبيك بهذا السبب (والملك) بالنصب عطف على الحمد ولذا يستحب الوقف عند قوله الملك ويبتدأ بقوله (لا شريك لك) أي في استحقاق الحمد وإيصال النعمة ولا مانع من أن يكون الملك مرفوعا وخبره لا شريك لك أي فيه كذا في المرقاة وقال الحافظ في الفتح والملك بالنصب على المشهور ويجوز الرفع وتقديره والملك كذلك قوله (أهل فانطلق يهل يقول لبيك) قال أبو الطيب السندي أي أراد أن يهل فانطلق يهل أي فشرع يهل أي ذهب حال كونه يهل وقوله يقول لبيك بيان ليهل انتهى والمراد من الاهلال رفع الصوت (قال وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه) القائل هو نافع (في أثر تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في عقبها وبعد الفراغ منها قال في القاموس خرج في إثره وأثره بعده (وسعديك) قال القاضي إعرابها وتثنيتها كما في لبيك ومعناه مساعدة لطاعتك بعد مساعدة (والخير في يديك) أي الخير كله بيد الله تعالى ومن فضله (والرغبى إليك) قال القاضي قال المازري يروى بفتح الراء والمد وبضم الراء مع القصر ونظيره العلياء والعليا ومعناه ههنا الطلب والمسألة إلى من بيده الخير (والعمل) عطف على الرغبي قال الطيبي وكذلك العمل منته إليك إذ هو المقصود منه انتهى قال القاري والأظهر أن التقدير والعمل لك أي لوجهك ورضاك أو العمل بك أي بأمرك وتوفيقك أو المعنى أمر العمل راجع إليك في الرد والقبول انتهى قلت الأظهر عندي هو ما قال الطيبي قوله (وفي الباب عن ابن مسعود) أخرجه النسائي (وجابر) أخرجه أبو داود وابن ماجه (وعائشة) أخرجه البخاري (وابن عباس) أخرجه أبو داود (وأبي هريرة) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي
[ 475 ]
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (والعمل عليه عند أهل العلم الخ) قال الطحاوي بعد أن أخرج حديث ابن عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على هذه التلبية غير أن قوما قالوا لا بأس أن يزيد فيها من الذكر لله ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس كما في حديث معد يكرب ثم فعله هو ولم يقل لبوا بما شئتم مما هو من جنس هذا بل علمهم كما علمهم التكبير في الصلاة فكذا لا ينبغي أن يتعدى في ذلك شيئا مما علمه ثم أخرج حديث عامر بن سعد بن وقاص عن أبيه أنه سمع رجلا يقول لبيك ذا المعارج فقال إنه لذو المعارج وماه هكذا نلبي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فهذا سعد قد كره الزيادة في التلبية وبه نأخذ انتهى قال القاري في المرقاة قال في البحر وهذا اختيار الطحاوي ولعل مراده من الكراهة أن يزيد الرجل من عند نفسه على التلبية المأثورة بقرينة ذكره قبل هذا القول ولا بأس للرجل أن يزيد فيها من ذكر الله تعالى ما أحب وهو قول محمدا أو أراد الزيادة في خلال التلبية المسنونة فإن أصحابنا قالوا إن زاد عليها فهو مستحب قال صاحب السراج الوهاج هذا بعد الاتيان بها أما في خلالها فلا انتهى قال الحافظ في الفتح وهذا يدل على أن الاقتصار على التلبية المرفوعة أفضل لمداومته هو صلى الله عليه وسلم عليها وأنه لا بأس بالزيادة لكونه لم يرد عليهم وأقرهم عليها وهو قول الجمهور وبه صرح أشهب وحكى ابن عبد البر عن مالك الكراهة قال وهو أحد قولي الشافعي وقال الشيخ أبو الحامد حكى أهل العراق عن الشافعي يعني في القديم أنه كره الزيادة على المرفوع وغلطوا بل لا يكره ولا يستحب وحكي الترمذي عن الشافعي قال فإن زاد في التلبية شيئا من تعظيم الله فلا بأس وأحب إلى أن يقتصر على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن ابن عمر حفظ التلبية عنه ثم زاد من قبله زيادة انتهى
[ 476 ]
14 باب ما جاء في فضل التلبية والنحر قوله (أخبرنا ابن أبي فديك) بضم الفاء مصغرا هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك صدوق من صغار الثامنة كذا في التقريب قوله (أي الحج) أي أعماله أو خصاله بعد أركانه (أفضل) أي أكثر ثوابا قوله (العج والثج) بتشديدهما والأول رفع الصوت بالتلبية والثاني سيلان دماء الهدى وقيل دماء الأضاحي قال الطيبي رحمه الله ويحتمل أن يكون السؤال عن نفس الحج ويكون المراد ما فيه العج والثج وقيل على هذا يراد بهما الاستيعاب لأنه ذكر أوله الذي هو الاحرام وآخره الذي هو التحلل بإراقة الدم اقتصارا بالمبدأ والمنتهي عن سائر الأفعال أي الذي استوعب جميع أعماله من الأركان والمندوبات كذا في المرقاة وسيجئ تفسير العج والثج عن الترمذي أيضا قوله (عن عمارة) بضم العين المهملة وفتح الميم مخففة (بن غزية) بفتح الغين المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة ابن الحارث الأنصاري المازني المدني لا بأس به قوله (إلا لبى من عن يمينه) كلمة من بالفتح موصولة (من حجر أو شجر أو مدر) من بيان من قال الطيبي لما نسب التلبية إلى هذه الأشياء عبر عنها بما يعبر عن أولى العقل انتهى والمدر هو الطين المستحجر (حتى ينقضي الأرض) أي تنتهي (من ههنا وههنا) إشارة إلى المشرق والمغرب والغاية محذوفة أي إلى منتهى الأرض كذا في اللمعات
[ 477 ]
قوله (أخبرنا عبيدة) بفتح أوله (بن حميد) بالتصغير الكوفي أبو عبد الرحمن المعروف بالحذاء صدوق نحوي ربما أخطأ من الثامنة قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه ابن ماجه وفيه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو ضعيف وذكر فيه ابن ماجه التفسير عن وكيع بلفظ العج رفع الصوت بالتلبية والثج إراقة الدم (وجابر) أخرجه أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك وهو إسحاق بن أبي فروة كذا في النيل وفي الباب أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه رواه ابن المقري في مسند أبي حنيفة وأخرجه أبو يعلى قوله (ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحم ن بن يربوع) فحديث أبي بكر منقطع (وقد روى محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحم ن بن يربوع عن أبيه غير هذا الحديث) وأما هذا الحديث فرواه عن عبد الرحمن بن يربوع ولم يذكر واسطة سعيد بن عبد الرحمن (وروى أبو نعيم الطحان ضرار) بكسر الضاد المعجمة وخفة الراء (بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء الكوفي صدوق له أوهام وخطأ رمى بالتشيع وكان عارفا بالفرائض من العاشرة (وأخطأ فيه ضرار) فإنه ذكر واسطة سعيد بين محمد بن المنكدر وعبد الرحمن بن يربوع (قال
[ 478 ]
وسمعت محمدا يقول) أي قال أبو عيسى وسمعت محمد البخاري رحمه الله (ذكرت له) وفي بعض النسخ وذكرت له بزيادة الواو والجملة حال أي سمعت محمدا يقول والحال أني قد ذكرت له حديث ضرار (ورأيته) أي محمد البخاري (يضعف ضرار بن صرد) قال الذهبي في الميزان في ترجمة ضرار بن صرد قال أبو عبد الله البخاري وغيره متروك وقال يحيى بن معين كذابان بالكوفة هذا وأبو نعيم النخعي بن عدي قوله (والثج هو نحر البدن) بضم الموحدة وسكون الدال المهملة جمع البدنة قال في مجمع البحار البدنة عند جمهور اللغة وبعض الفقهاء الواحدة من الابل والبقرة والغنم وخصها جماعة بالإبل وهو المراد في حديث تبكير الجمعة انتهى 15 باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية قوله (فأمرني أن امر أصحابي) أمر ندب عند الجمهور ووجوب عند الظاهرية (وبالإهلال أو بالتلبية) المراد بالإهلال التلبية على طريق التجريد لأن معناه رفع الصوت بالتلبية وكلمة أو للشك قاله أبو الطيب والحديث يدل على استحباب رفع الصوت بالتلبية وهو قول الجمهور وروى
[ 479 ]
البخاري في صحيحه عن أنس قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرحون بهما جميعا وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بكر بن عبد الله المزني قال كنت مع ابن عمر فلبى حتى أسمع ما بين الجبلين وأخرجه أيضا بإسناد صحيح من طريق المطلب بن عبد الله قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بالتلبية حتى تبح أصواتهم كذا في فتح الباري قال ابن الهمام رفع الصوت بالتلبية سنة فإن تركه كان مسيئا ولا شئ عليه ولا يبالغ فيه فيجهد نفسه كيلا يتضرر ثم قال ولا يخفى أنه لا منافاة بين قولنا لا يجهد نفسه بشدة رفع الصوت وبين الأدلة الدالة على استحباب رفع الصوت بشدة إذ لا تلازم بين ذلك وبين الاجهاد إذ قد يكون الرجل جهوري الصوت عاليه طبعا فيحصل الرفع العالي مع عدم تعبه به انتهى قال الشوكاني في النيل وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله فأمرني أن امر أصحابي لاسيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت وقوله صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم انتهى وقال فيه وخرج بقوله أصحابي النساء فإن المرأة لا تجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها انتهى قوله (حديث خلاد عن أبيه حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه قوله (وفي الباب عن زيد بن خالد) أخرجه ابن ماجه بلفظ جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج (وأبي هريرة) أخرجه الحاكم (وابن عباس) أخرجه أحمد
[ 480 ]
16 باب ما جاء في الاغتسال عند الاحرام قوله (أخبرنا عبد الله بن يعقوب المدني) قال الذهبي في الميزان لا أعرفه وقال الحافظ في التقريب مجهول الحال قوله (تجرد) أي عن المخيط ولبس إزارا ورداء قاله القاري (هلاله) أي حرامه (واغتسل) أي للإحرام والحديث يدل على استحباب الغسل عند الاحرام وإلى ذلك ذهب الأكثر وقال الناصر إنه واجب وقال الحسن البصري ومالك محتمل قاله الشوكاني قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الحافظ في التلخيص ورواه الدارقطني والبيهقي والطبراني وحسنه الترمذي وضعفه العقيلي انتهى قال الشوكاني في النيل ولعل الضعف لأن في رجال إسناده عبد الله بن يعقوب المدني قال ابن الملقن في شرح المنهاج جوابا على من أنكر على الترمذي تحسين الحديث لعله إنما حسنه لأنه عرف عبد الله بن يعقوب الذي في إسناده أي عرف حاله قال وفي الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام 17 باب ما جاء في مواقيت الاحرام لأهل الافاق قوله (من أين نهل يا رسول الله) أصل الاهلال رفع الصلاة لأنهم كانوا يرفعون
[ 481 ]
أصواتهم بالتلبية عند الاحرام ثم أطلق على نفس الاحرام اتساعا (فقال يهل) أي يحرم (أهل المدينة) أي مدينته عليه الصلاة والسلام (من ذي الحليفة) بالمهملة والفاء مصغرا مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل قال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وبها بئر يقال لها بئر علي (وأهل الشام من الجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها ووقع في حديث عائشة عند النسائي ولأهل الشام ومصر الجحفة والمقام الذي يحرم المصريون الان رابغ بوزن فاعل براء وموحدة وغين معجمة قريب من الجحفة كذا في فتح الباري وقال القاري في المرقاة كان اسم الجحفة مهيعة فأجحف السيل بأهلها فسميت جحفة يقال أجحف به إذا ذهب به وسيل جحاف إذا جرف الأرض وذهب به والان مشهور برابغ انتهى (وأهل نجد من قرن) بفتح القاف وسكون الراء اسم موضع يقال له قرن المنازل أيضا قال النووي وقرن المنازل على نحو مرحلتين من مكة قالوا أو هو أقرب المواقيت إلى مكة (وأهل اليمن من يلملم) بفتح التحاتنية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون مي ويقال له الملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها تنبيه قال الحافظ أبعد المواقيت من مكة ذو الحليفة ميقات أهل المدينة فقيل الحكمة في ذلك أن تعظم أجور أهل المدينة وقيل رفقا بأهل الافاق لأن أهل المدينة أقرب الافاق إلى مكة أي ممن له ميقات معين انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه البخاري ومسلم (وجابر بن عبد الله) أخرجه مسلم (وعبد الله بن عمرو) أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده والدارقطني في سننه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرنا ولأهل اليمن يلملم ولأهل العراق ذات عرق وفي سنده الحجاج بن ارطأة كذا في نصب الراية
[ 482 ]
قوله (وقت لأهل المشرق العقيق) وهو موضع بحذاء ذات العرق مما وراءه وقيل داخل في حد ذات العرق وأصله كل مسيل شقه السيل فوسعه من العق وهو القطع والشق والمراد بأهل المشرق من منزله خارج الحرم من شرقي مكة إلى أقصى بلاد الشرق وهم العراقيون والمعنى حد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعين حرام أهل المشرق العقيق قوله (هذا حديث حسن) قال المنذري بعد ذكر كلام الترمذي هذا وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وذكر البيهقي أنه تفرد به انتهى فإن قلت روى أبو داود والنسائي عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق وروى مسلم في صحيحه عن ابي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الأخرى الجحفة ومهل أهل العراق من ذات عرق الحديث فيثبت من هذين الحديثين أن ميقات أهل العراق ذات عرق ويثبت من حديث الترمذي أنه العقيق فكيف التوفيق قلت قال الحافظ في الفتح حديث الترمذي قد تفرد به يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وإن كان حفظه فقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة منها إن ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه من ذات عرق ومنها أن العقيق ميقات بعض العراقيين وهم أهل المدائن والاخر ميقات لأهل البصرة وقع ذلك في حديث لأنس عند الطبراني وإسناده ضعيف ومنها أن ذات عرق كانت أولا في موضع العقيق الان ثم حولت وقربت إلى مكة فذات عرق والعقيق شئ واحد ويتعين الإحرام من العقيق ولم يقل به أحد وإنما قالوا يستحب احتياطا انتهى فإن قلت روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر فقالوا يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرنا وهو جور عن طريقتنا وإنا إن أردتا قرن شق علينا قال فانظروا حذوها من طريقكم فحدلهم ذات عرق انتهى والمراد من هذين المصرين الكوفة والبصرة كما صرح به شراح البخاري وهما سرتا
[ 483 ]
العراق فحديث ابن عمر يدل على أن عمر رضي الله عنه حد لأهل العراق ذات عرق باجتهاد منه وحديث جابر وغيره يدل على أنها صارت ميقاتهم بتوقيت النبي صلى الله عليه وسلم فكيف التوفيق قلت جمع بينهما بأن عمر رضي الله تعالى عنه لم يبلغه الخبر فاجتهد فيه فأصاب ووافق السنة فإن قلت قال ابن خزيمة رويت في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شئ عند أهل الحديث وقال ابن المنذر لم نجد في ذات عرق حديثا ثابتا وأما حديث جابر عند مسلم فهو مشكوك في رفعه فالظاهر أن توقيت ذات عرق لأهل العراق باجتهاد عمر رضي الله عنه قلت قال الحافظ في الفتح الحديث بمجموع الطرق يقوي وأما حديث جابر فقد أخرجه أحمد في رواية ابن لهيعة وابن ماجه من رواية إبراهيم بن يزيد فلم يشكا في رفعه 18 باب ما جاء في ما لا يجوز للمحرم لبسه بضم اللام قوله (ماذا تأمرنا أن نلبس) من لبس بكسر الباء بفتحها لبسا بضم اللام لا من لبس بفتح الباء يلبس بكسرها لبسا بالفتح فإنه بمعنى الخلط ومنه قوله تعالى لا تلبسوا الحق بالباطل في الحرم بضم الحاء وسكون الراء أي في الاحرام (لا تلبس القميص) قال الطيبي بما يحرم لبسه لأنه منحصر (ولا السراويلات) جمع أو جمع الجمع (ولا البرانس) بفتح الموحدة وكسر النون جمع البرنس بضمهما قال الجزري في النهاية هو كل ثوب رأسه منه ملتزق به من دراعة أو جبة أو ممطر أو غيره وقال الجوهري هو قلنسوة طويلة كان النساك يلبسونها في صدر الاسلام من البرس بكسر الباء القطن والنون الزائدة وقيل إنه غير عربي انتهى كلام الجزري (ولا العمائم) جمع العمامة بكسر العين (ولا الخفاف) بكسر الخاء جمع الخف (فليلبس الخفين ما أسفل من الكعبين) وفي رواية الشيخين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين قال الحافظ في الفتح والمراد كشف الكعبين في الاحرام وهما العظمان النائتان عند مفصل الساق
[ 484 ]
والقدم ويؤيده ما روى ابن أبي شيبة عن جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال إذا اضطر المحرم إلى الخفين خرق ظهورهما وترك فيهما قدر ما يستمسك رجلاه وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من الحنفية الكعب هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك وقيل إن ذلك لا يعرف عند أهل اللغة وقيل إنه لا يثبت عن محمد وأن السبب في نقله عنه أن هشام بن عبيد الله الرازي سمعه يقول في مسألة المحرم إذا لم يجد النعلين حيث يقطع خفيه فأشار محمد بيده إلى موضع القطع ونقله هشام إلى غسل الرجلين في الطهارة قال ونقل عن الأصمعي وهو قول الامامية أن الكعب عظم مستدير تحت عظم الساق حيث مفصل الساق والقدم وجمهور أهل اللغة أن في كل قدم كعبين قال وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الحنفية تجب وتعقب بأنها لو وجبت لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أ حمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع طلاق حديث ابن عباس ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد فينبغي أن يقول بها هنا انتهى (مسه الزعفران) لما فيه من الطيب (ولا الورس) بفتح الواو وسكون الراء وهو نبت أصفر طيب الريح يصبغ به (ولا تنتقب المرأة الحرام) أي المحرمة أي لا تستر وجهها بالبرقع والنقاب (ولا تلبس القفازين) القفاز يضم القاف وتشديد الفاء شئ تلبسه نساء العرب في أيديهن يغطي الأصابع والكف والساعد من البرد ويكون فيه قطن محشو ذكره الطيبي وقيل يكون له أزرار يزر على الساعد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل عليه عند أهل العلم) قال عياض أجمع المسلمون على أن ما ذكر في الحديث لا يلبسه المحرم وأنه نبه بالقميص والسراويل على كل مخيط وبالعمائم والبرانس على كل ما يغطي الرأس به مخيطا أو غيره وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى وقال ابن المنذر أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ما ذكر وإنما تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس انتهى
[ 485 ]
19 باب ما جاء في لبس السراويل والخفين للمحرم إذا لم يجد الازار والنعلين قوله (وإذا لم يجد النعلين فليلبس الخفين) استدل به لأحمدبن حنبل على إجازته لبس الخفين من غير قطع وأجيب بأنه مطلق وحديث ابن عمر مقيد فيحمل المطلق على المقيد قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان (وجابر رضي الله عنه) أخرجه أحمد ومسلم بلفظ من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وهو قول أحمد) قال أحمد يجوز للمحرم لبس الخفين من غير قطع إذا لم يجد النعلين واستدل بإطلاق حديث ابن عباس وجابر وقد عرفت أن حديث ابن عمر مقيد فيحمل المطلق على المقيد وقد استدل بعض الحنابلة بأن القطع فساد والله لا يحب الفساد ورد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى الشرع عنه لا فيما أذن فيه واستدل بعضهم بالقياس على السراويل وأجيب بأن القياس مع وجود النص فاسد الاعتبار
[ 486 ]
قوله (وهو قول سفيان الثوري والشافعي) وبه قال مالك وأبو حنيفة وجماهير العلماء واستدلوا بحديث ابن عمر رضي الله عنه وهو الحق فإن المطلق يحمل على المقيد والزياده من الثقة مقبولة واختلف العلماء في لابس الخفين لعدم النعلين هل عليه فدية أم لا قال الشوكاني وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الحنفية تجب وتعقب بأنها لو كانت واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وقت الحاجة وتأخير البيان عنه لا يجوز انتهى 20 باب ما جاء في الذي يحرم عليه قميص أو جبة قوله (فأمره أن ينزعها) وفي رواية لأبي داود اخلع جبتك فخلعها من رأسه وقد استبدل بهذا الحديث على المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقه وقال النخعي والشعبي لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة ورواية أبي داود المذكورة ترد عليهم قوله (وهذا أصح) أي رواية ابن أبي عمر بزيادة صفوان بين عطاء ويعلى أصح من رواية قتيبة بن سعيد قوله (وفي الحديث قصة) روى البخاري في صحيحه عن صفوان بن يعلى أن يعلى قال
[ 487 ]
لعمر أرني النبي صلى الله عليه وسلم حين يوحى إليه قال فبينما النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاء رجل فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متصمخ بطيب فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ساعة فجاءه الوحي فأشار عمر إلى يعلى فجاء يعلى وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه فقال أين الذين سأل عن العمرة فقال اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك انتهى (وهكذا روى قتادة والحجاج بن أرطاة وغير واحد عن عطاء عن يعلى بن أمية) أي بعدم ذكر صفوان بين عطاء ويعلى والحديث أخرجه البخاري ومسلم 21 باب ما يقتل المحرم من الدواب قوله (خمس) بالتنوين مبتدأ وقوله (فواسق) صفته جمع فاسقة وفسقهن خبثهن وكثرة الضرر منهن قال في النهاية أصل الفسوق الخروج عن الاستقامة والجور وبه سمي العاصي فاسقا وإنما سميت هذه الحيوانات فواسق على الاستعارة لخبثهن وقيل لخروجهن عن الحرمة في الحل والحرم أي لا حرمة لهن بحال انتهى قال الطيبي وروى بلا تنوين مضافا إلى فواسق قال في المفاتيح الأول هو الصحيح (يقتلن) خبر لقوله خمس (في الحرم) أي في أرضه (الفأرة) بالهمزة وتبدل ألفا أي الأهلية والوحشية (والعقرب) وفي معناها الحية بل بطريق الأولى (والغراب) أي الأبقع كما في رواية مسلم وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض (والحديا) تصغير حدأة على وزن عنبة قلبت الهمزة بعد ياء التصغير ياء وأدغمت ياء التصغير فيه فصار حدية ثم حذفت التاء وعوض عنها الألف لدلالته على التأنيث أيضا كذا في المرقاة (والكلب العقور) قال في النهاية الكلب العقور هو كل سبع يعقر أي يجرح ويقتل ويفترس كالأسد والنمر والذئب
[ 488 ]
سماها كلبا لاشتراكها في السبعية انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس) أما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة وأخرجاه أيضا من وجه اخر عنه بنحوه زاد فيه مسلم والحية وزاد فيه قال وفي الصلاة أيضا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطحاوي في معاني الاثار وأخرجه أيضا أبو داود قال المنذري في إسناده محمد بن عجلان وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (عن ابن أبي نعم) بضم النون وسكون العين المهملة هو عبد الرحمن البجلي أبو الحكم الكوفي صدوق عابد من الثالثة قوله (يقتل المحرم السبع العادي) أي الظالم الذي يفترس الناس ويعقر فكل ما كان هذا الفعل نعتا له من أسد ونمر وفهد ونحوها فحكمه هذا الحكم وليس على قاتلها فدية (والكلب العقور الخ) وفي رواية أبي داود الحية والعقرب والفويسقة ويرمي الغراب ولا يقتله والكلب العقور قال الخطابي يشبه أن يكون المراد به الغراب الصغير الذي يأكل الحب
[ 489 ]
وهو الذي استثناه مالك من جملة الغربان انتهى وقال الزيلعي في تخريج الهداية والغراب المنهي عن قتله في هذا الحديث يحمل على الذي لا يأكل الجيف ويحمل المأمور بقتله على الأبقع الذي يأكل الجيف انتهى كلامه وأخرج النسائي وابن ماجه عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة مرفوعا خمس يقتلهن المحرم الحية والفأرة والحدأة والغراب الأبقع والكلب العقور انتهى ما في التخريج 22 باب الحجامة للمحرم أي هل يمنع منها أو تباح له مطلقا أو للضرورة والمراد في ذلك كله المحجوم لا الحاجم قوله (احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في رأسه كما في رواية البخاري (وهو محرم) جملة حالية قوله (وفي الباب عن أنس) قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم على ظهر القدم من وجع كان به أخرجه أبو داود والنسائي (وعبد الله بن بحينة) أخرجه البخاري ومسلم (وجابر) لينظر من أخرجه قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم في الحجامة للمحرم الخ) قال النووي إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام لقطع الشعر وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا وإن كان
[ 490 ]
لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد ربط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهي عنه المحرم من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شئ من ذلك كذا في الفتح 23 باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم قوله (عن نبيه بن وهب) بضم النون وفتح موحدة مصغرا العبدري المدني ثقة من صغار الثالثة قوله (أراد ابن معمر أن ينكح ابنه) ابن معمر هو عمر بن عبيد الله بن معمر وإسم إبنه طلحة كما في رواية مسلم (فبعثني) أي أرسلني (إلى أبان بن عثمان) ابن عفان الأموي أبي سعيد وقيل أبي عبد الله مدني ثقة من الثالثة (وهو) أي أبان بن عثمان (أمير الموسم) أي أمير الحجاج قال في مجمع البحار الموسم هو وقت يجتمع فيه الحاج كل سنة وهو مفعل إسم للزمان لأنه معلم لهم وسمه يسمه وسما أثر فيه بكى انتهى (إن أخاك) يعني ابن معمر (فأحب أن يشهدك ذلك) وفي رواية لمسلم فأحب أن تحضر ذلك (لا أراه) بضم الهمزة أي لا أظن (إلا أعرابيا جافيا) قال النووي أي جاه بالسنة والأعرابي هو ساكن البادية انتهى وقال في النهاية من بدا جفا أي من سكن البادية غلظ طبعه لقلة مخالطة الناس والجفا غلظ الطبع انتهى (المحرم لا ينكح) بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه امرأة (ولا ينكح) بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج الرجل امرأة بولاية ولا بوكالة (أو كما قال) شك من الرواي (ثم حدث) أي أبان بن عثمان (عن عثمان مثله يرفعه) ولفظه عند مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب
[ 491 ]
قوله (وفي الباب عن أبي رافع) أخرجه أحمد والترمذي في هذا الباب (وميمونة) أخرجه مسلم عن يزيد الأصم قال حدثتني ميمونة بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال قال كانت خالتي وخالة ابن عباس قوله (حديث عثمان حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون أن يتزوج المحرم الخ) وهو قول الجمهور وهو الراجح عندي قال الحافظ في الفتح اختلف العلماء في هذه المسألة فالجمهور على المنع لحديث عثمان لا ينكح المحرم ولا ينكح أخرجه مسلم وأجابوا عن حديث ميمونة يعني الذي رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم أخرجه الشيخان وغيرهما بأنه اختلف في الواقعة كيف كانت ولا تقوم بها الحجة ولأنها تحتمل الخصوصية فكأن الحديث في النهي عن ذلك أولى بأن يؤخذ به انتهى قوله (عن أبي رافع) هو مولى النبي صلى الله عليه وسلم واختلف في اسمه فقيل إبراهيم وقيل أسلم وقيل غير ذلك مات في أول خلافة علي رضي الله عنه على الصحيح قوله (تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة) بنت الحارث الهلالية وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف سنة سبع (وبنى بها) أي دخل عليها وهو كناية عن الزفاف (وكنت أنا الرسول) أي الواسطة
[ 492 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد قوله (وروي عن يزيد بن الأصم عن ميمونة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال) أخرجه مسلم قال صاحب منتقى الأخبار رواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه أخبر وأعرف بها انتهى 24 باب ما جاء في الرخصة في ذلك قوله (تزوج ميمونة وهو محرم) وللبخاري تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم وبنى بها وهو حلال وماتت بسرف قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه ابن حبان والبيهقي عنها قالت تزوج وهو محرم وأخرجه الطحاوي أيضا وأخرج أيضا عن أبي هريرة تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم
[ 493 ]
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وبه يقول سفيان الثوري وأهل الكوفة) وبه قال عطاء وعكرمة واحتجوا بحديث ابن عباس المذكور وأجيب أولا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض وتعقب بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح به الحافظ في الفتح وثانيا بأن حديث ابن عباس فعل وحديث عثمان رضي الله عنه قول والصحيح عند الأصوليين عند تعارض القول والفعل ترجيح القول لأنه يتعدى إلى الغير والفعل قد يكون مقصورا عليه قاله النووي وثالثا بالمعارضة برواية ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة وكذلك برواية أبي رافع وهو السفير وهما أخبر وأعرف بها أما رواية ميمونة فأخرجها الترمذي في هذا الباب وهي رواية صحيحة أخرجها مسلم أيضا وأما رواية أبي رافع فأخرجها الترمذي وحسنه كما عرفت في الباب المتقدم قلت والكلام في هذا المقام من الطرفين طويل والراجح هو قول الجمهور فإن حديث عثمان رضي الله عنه فيه بيان قانون كلي للأمة وأما حديث ابن عباس رضي الله عنهما ففيه حكاية فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه احتمالات متطرفة هذا ما عندي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم (واختلفوا في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة الخ)
[ 494 ]
قال النووي في شرح مسلم ذكر مسلم الاختلاف أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم أو وهو حلال فاختلف العلماء بسبب ذلك في نكاح المحرم فقال مالك والشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم لا يصح نكاح المحرم واعتمدوا أحاديث الباب وقال أبو حنيفة والكوفيون يصح نكاحه لحديث قصة ميمونة وأجاب الجمهور عن حديث ميمونة بأجوبة أصحها أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما تزوجها حلا هكذا رواه أكثر الصحابة قال القاضي وغيره ولم يروا أنه تزوجها محرما إلا ابن عباس وحده وروت ميمونة وأبو رافع وغيرهما أنه تزوجها حلا وهم أعرف بالقضية لتعلقهم به بخلاف ابن عباس ولأنهم أضبط من ابن عباس وأكثر الجواب الثاني تأويل حديث ابن عباس على أنه تزوجها في الحرم وهو حلال ويقال لمن هو في الحرم محرم وإن كان حلا وهي لغة شائعة معروفة ومنه البيت المشهور قتلوا ابن عفان الخليفة محرما أي في حرم المدينة والثالث أنه تعارض القول والفعل والصحيح حينئذ عند الأصوليين ترجيح القول لأنه يتعدى إلى الغير والفعل قد يكون مقصورا عليه والرابع جواب جماعة من أصحابنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أن يتزوج في حال الاحرام وهو مما خص به دون الأمة وهذا أصح الوجهين عند أصحابنا والوجه الثاني أنه حرام في حقه كغيره وليس من الخصائص انتهى كلام النووي قوله (ثم بنى بها) أي دخل بها قال في النهاية الابتناء والبناء الدخول بالزوجة والأصل فيه أن الرجل كان إذا تزوج امرأة بنى عليها قبة ليدخل بها فيها فيقال بنى الرجل على أهله (بسرف) بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف من مكة بعشر أميال وقيل أقل وقيل أكثر (وماتت ميمونة بسرف) سنة إحدى وخمسين على الصحيح قاله الحافظ قوله (عن يزيد بن الأصم) كوفي نزل الرقة وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين ثقة من الثالثة (ودفناها في الظلة) بضم الظاء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس (التي بنى بها) أي دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بميمونة (فيها) أي في تلك الظلة
[ 495 ]
قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد ومسلم وتقدم لفظه وأخرجه أبو داود أيضا ولفظه قالت تزوجني ونحن حلالان بسرف 25 باب ما جاء في أكل الصيد قوله (عن المطلب) هو المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي صدوق كثير التدليس والإرسال من الرابعة قوله (صيد البر لكم الحلال وأنتم حرم) بضمتين أي محرمون (ما لم تصيدوه) بأنفسكم مباشرة (أو يصد لكم) أي لأجلكم قال في المرقاة وبهذا يستدل مالك والشافعي رحمهما الله على حرمة لحم ما صاده الحلال لأجل المحرم وأبو حنيفة رحمه الله يحمله على أن يهدي إليكم الصيد دون اللحم أو على أن يكون معناه أن يصاد بأمركم فلا يحرم لحم صيد ذبحه حلال للمحرم من غير أمره أو دلالته انتهى قلت ما ذهب إليه مالك والشافعي هو مذهب الجمهور واحتجوا بحديث جابر هذا ومن جملة أدلة الجمهور ما رواه أحمد وابن ماجه من حديث أبي قتادة وفيه ولم يأكل منه حين أخبرته أني أصطدته له قوله (وفي الباب عن أبي قتادة) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم (وطلحة) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي قوله (حديث جابر حديث مفسر) فإنه صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو
[ 496 ]
يصيده غيره له وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل بصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة قوله (والمطلب لا نعرف له سماعا من جابر) وقال الترمذي في موضع اخر والمطلب بن عبد الله بن حنطب يقال إنه لم يسمع من جابر وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يسمع من جابر وقال ابنه عبد الرحمن بن أبي حاتم يشبه أن يكون أدركه ذكره المنذري
[ 498 ]
باب ما جاء في الاغتسال لدخول مكة قوله (بفخ) بفتح الفاء وبالخاء المعجمة المشددة موضع قريب من مكة قال المحب الطبري هو بين مكة ومنى قال العراقي ووقع في سنن الدارقطني بالجيم والمعروف الأول كذا في قوت المغتذي وقال في النهاية فخ موضع عند مكة وقيل واد دفن به عبد الله بن عمر انتهى قوله (والصحيح ما روى نافع عن ابن عمر أنه كان يغتسل إلخ) الظاهر أن الضمير في أنه يرجع إلى ابن عمر رضي الله عنه ويحتمل أن يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم روى البخاري في صحيحه عن نافع قال كان ابن عمر إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية ثم يبيت بذي طوى ثم يصلى به الصبح ويغتسل ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك قال الحافظ في فتح الباري يحتمل أن الاشارة به إلى الفعل الأخير وهو الغسل ويحتمل أنها إلى الجميع وهو الأظهر انتهى وروى مسلم عن ابن عمر أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله وروى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل حرامه قبل أن يحرم ولدخول مكة ولوقوفه عشية عرفة
[ 499 ]
قوله (وبه يقول الشافعي يستحب الاغتسال لدخول مكة) قال الحافظ في الفتح قال ابن المنذر الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم يجزئ منه الوضوء وفي الموطأ أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من احتلام وظاهره أن غسله لدخول مكة كان لجسده دون رأسه وقال الشافعية إن عجز عن الغسل تيمم وقال ابن التين لم يذكر أصحابنا الغسل لدخول مكة وإنما ذكروه للطواف والغسل لدخول مكة هو في الحقيقة للطواف انتهى قوله (عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف إلخ) قال الذهبي في الميزان عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري مولاهم المدني أخو عبد الله وأسامة قال أبو يعلى الموصلي سمعت يحيى بن معين يقول بنو زيد بن أسلم ليسوا بشئ وروى عثمان الدارمي عن يحيى بن معين يقول بنو زيد ضعيف وقال البخاري عبد الرحمن ضعفه علي جدا وقال النسائي ضعيف وقال أحمد عبد الله ثقة وآخران ضعيفان 27 باب ما جاء في دخول النبي إلخ قوله (دخلها من أعلاها وخرج من أسفلها) قال القاري في المرقاة المراد بأعلاها ثنية كداء بفتح الكاف والمد والتنوين وعدمه نظرا إلى أنه علم المكان أو البقعة وهي التي ينحدر منها إلى المقبرة المسماة عند العامة بالمعلاة وتسمى بالحجون عند الخاصة ويطلق أيضا على الثنية التي قبله بيسير والثنية الطريق الضيق بين الجبلين وبأسفلها ثنية كدى بضم الكاف والقصر
[ 500 ]
والتنوين وتركه وهو المسى الان بباب الشبيكة قال الطيبي رضي الله عنه يستحب عند الشافعية دخول مكة من الثنية العليا والخروج من السفلى سواء كانت هذه الثنية على طريق مكة كالمدني أولا كاليمني قيل إنما فعل صلى الله عليه وسلم هذه المخالفة في الطريق داخ أو خارجا للفأل بتغيير الحال إلى أكمل منه كما فعل في العيد وليشهد الطريقان وليتبرك به أهلهما انتهى قلت قد بين في المعنى الذي لأجله خالف النبي صلى الله عليه وسلم بين طريقيه وجوه أخر ذكرها الحافظ في الفتح مفصلا قوله (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التى بالبطحاء وإذا خرج خرج من الثنية السفلى رواه الجماعة إلا الترمذي قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم 28 باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة نهارا قوله (أخبرنا العمري) بضم العين وفتح الميم وشدة التحتانية هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك في نافع من الخامسة عابد قوله (دخل مكة نهارا) وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال بات النبي صلى الله عليه وسلم بذي طوى حتى أصبح ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله قال الحافظ وهو ظاهر في الدخول نهارا قال وأما الدخول لي فلم يقع منه صلى الله عليه وسلم إلا في عمرة الجعرانة فإنه صلى الله عليه وسلم أحرم من الجعرانة ودخل مكة ليلا فقضى أمر العمرة ثم رجع ليلا فأصبح بالجعرانة كبائت كما رواه أصحاب السنن الثلاثة من حديث محرش الكعبي وترجم عليه النسائي دخول مكة ليلا وروى سعيد بن منصور عن ابراهيم النخعي قال كانوا يستحبون أن يدخلوا مكة نهارا
[ 501 ]
ويخرجوا منها ليلا وأخرج عن عطاء إن شئتم فادخلوا ليلا إنكم لستم كرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إماما فأحب أن يدخلها نهارا ليراه الناس انتهى قال الحافظ وقضية هذا أن من كان إماما يقتدي به استحب له أن يدخلها نهارا انتهى قوله (هذا حديث حسن) وفي بعض النسخ حسن صحيح وأخرجه البخاري ومسلم 29 باب ما جاء في كراهية رفع اليد عند رؤية البيت قوله (عن أبي قزعة) بقاف مفتوحة وسكون زاي وفتحها وبعين مهملة كنيته سويد بن حجير كذا في المغنى (عن المهاجر المكي) هو مهاجر بن عكرمة بن عبد الرحم ن الخراساني وثقه ابن حبان وقال الحافظ في التقريب مقبول من الرابعة قوله (أفكنا نفعله) الهمزة للإنكار وفي رواية أبي داود فلم يكن يفعله وفي رواية النسائي فلم نكن نفعله قال الطيبي وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي خلافا لأحمد وسفيان الثوري وهو غير صحيح عن أبي حنيفة والشافعي أيضا فإنهم صرحوا أنه يسن إذا رأى البيت أو وصل لمحل يرى منه البيت إن لم يره لعمى أو في ظلمة أن يقف ويدعو رافعا يديه انتهى كلام القاري قلت روى الشافعي في مسنده عن ابن جريج أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا قال الشافعي بعد أن أورده ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شئ فلا أكرهه ولا أستحبه قال البيهقي فكأنه لم يعتمد على الحديث لانقطاعه انتهى فظهر من كلام الشافعي هذا أن رفع اليدين عند رؤية البيت عنده ليس بمكروه ولا مستحب وأما حديث ابن جريج فقال الحافظ في التلخيص هو معضل فيما بين ابن جريج والنبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي إسناده سعيد بن سالم القداح وفيه مقال قاله الشوكاني وقال ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل
[ 502 ]
وأما الدعاء عند رؤية البيت فقد رويت فيه أخبار واثار منها ما أخرجه ابن المفلس أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام ورواه سعيد بن منصور في السنن عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمر ورواه الحاكم عن عمر أيضا وكذلك رواه البيهقي عنه انتهى قوله (رفع اليد عند رؤية البيت إنما نعرفه من حديث شعبة عن أبي قزعة) وذكر الخطابي أن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ضعفوا حديث جابر هذا لأن في إسناده مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عندهم لكن قد عرفت أن ابن حبان وثقه وقال الحافظ إنه مقبول قوله (واسم أبي قزعة سويد بن حجر) كذا في بعض النسخ وفي بعضها سويد بن حجير وهو الصحيح قال الحافظ في التقريب سويد بن حجير بتقديم المهملة مصغرا الباهلي أبو قزعة البصري ثقة من الرابعة انتهى وكذلك في الخلاصة 30 باب ما جاء كيف الطواف قوله (دخل المسجد) أي المسجد الحرام (فاستلم الحجر) أي الحجر الأسود أي وضع يديه وقبله والاستلام افتعال من السلام بمعنى التحية وأهل اليمن يسمون الركن الأسود بالمحيا لأن الناس يحيونه بالسلام وقيل من السلام بكسر السين وهي الحجارة واحدتها سلمة بكسر اللام يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله كذا في النهاية وغيره (ثم مضى على يمينه) أي يمين نفسه مما يلي الباب وقيل على يمين الحجر وفي رواية مسلم ثم مشى على يمينه (فرمل) قال في النهاية رمل يرمل رملا ورملانا إذا أسرع في المشي وهز منكبيه (ثلاثا) أي ثلاث مرات من
[ 503 ]
الأشواط السبعة (ومشى) أي على عادته (ثم أتى المقام) أي مقام ابراهيم (فقال) أي فقرأ (واتخذوا) بكسر الخاء على الأمر وبفتحها (مصلي) أي موضع صلاة الطواف (والمقام بينه وبين البيت) جملة حالية والمعنى صلى ركعتين خلف المقام (ثم أتى الحجر) أي الحجر الأسود (من شعائر الله) جمع شعيرة وهي العلامة التي جعلت للطاعات المأمور بها في الحج عندها كالوقوف والرمي والطواف والسعي قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الشيخان قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) أخرجه مسلم أيضا 31 باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر أي من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود قوله (رمل من الحجر إلى الحجر ثلاثا) فيه بيان أن الرمل يشرع في جميع المطاف من الحجر إلى الحجر وأما حديث ابن عباس الذي أخرجه مسلم قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مكة وقد وهنتهم حمى يثرب قال المشركون إنه يقدم عليكم غدا قوم قد وهنتهم
[ 504 ]
الحمى ولقوا منها شدة فجلسوا مما يلي الحجر وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط ويمشوا ما بين الركنين ليرى المشركين جلدهم فقال المشركون هؤلاء الذي زعمتم أن الحمى قد وهنتهم هؤلاء أجلد من كذا وكذا قال ابن عباس ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الابقاء عليهم فمنسوخ بحديث جابر هذا لأن حديث ابن عباس كان في عمرة القضاء سنة سبع قبل فتح مكة وحديث جابر هذا كان في حجة الوداع سنة عشر فوجب الأخذ بهذا المتأخر كذا قال النووي في شرح مسلم وقيل في وجه استمرار شرعية الرمل مع زوال سببه أن فاعل ذلك إذا فعله تذكر السبب الباعث على ذلك فيتذكر نعمة الله على إعزاز الاسلام وأهله قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه مسلم قوله (حديث جابر حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (قال الشافعي إذا ترك الرمل عمدا فقد أساء ولا شئ عليه) قال النووي مذهب ابن عباس أن الرمل ليس بسنة وخالفه جميع العلماء من الصحابة والتابعين وأتباعهم ومن بعدهم فقالوا هو سنة في الطوفات الثلاث من السبع فإن تركه فقد ترك سنة وفاته فضيلة ويصح طوافه ولا دم عليه (وإذا لم يرمل في الأشواط الثلاثة لم يرمل فيما بقى) قال الحافظ لا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاث لم يقضه في الأربع لأن هيئتها السكينة فلا تغير ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يعقبه سعي على المشهور ولا فرق في استحبابه بين ماش وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور واختلف عند المالكية وقال الطبري قد ثبت أن الشارع رمل ولا مشرك يومئذ بمكة يعني في حجة الوداع فعلم أنه من مناسك الحج إلا أن تاركه ليس تاركا لعمل بل لهيئة مخصوصة فكان كرفع الصوت بالتلبية فمن لبى خافصا صوته لم يكن تاركا للتلبية بل لصفتها ولا شئ عليه انتهى
[ 505 ]
32 باب ما جاء في استلام الحجر والركن اليماني دون ما سواهما يعني دون الركنين الشاميين قال الحافظ في الفتح في البيت أربعة أركان الأول له فضيلتان كون الحجر الأسود فيه وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للاخرين شئ منهما فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الاخران ولا يستلمان هذا على رأي الجمهور واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضا انتهى قوله (لم يكن يستلم إلا الحجر الأسود والركن اليماني) بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسب فلو شددت لكان جمعا بين العوض والمعوض وجوز سيبويه التشديد وقال إن الألف زائدة (فقال معاوية ليس شئ من البيت مهجورا) زاد أحمد من طريق مجاهد قال ابن عباس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فقال معاوية صدقت قال الحافظ في الفتح روى ابن المنذر وغيره استلام جميع الأركان أيضا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين وقد يشعر ما في حديث عبيد بن جريج من أنه قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين الحديث بأن الذين راهم عبيد بن جريج من الصحابة والتابعين كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانين وقال بعض أهل العلم اختصاص الركنين مبين بالسنة ومستند التعميم القياس وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شئ من البيت مهجورا بأنا لم ندع استلامهما هجرا للبيت وكيف يهجره وهو يطوف به ولكنا نتبع السنة فعلا أو تركا ولو كان ترك استلامهما هجرا لهما لكان ترك استلام مابين الأركان هجرا لها ولا قائل به انتهى قوله (وفي الباب عن عمر) لم أقف على حديث عمر في هذا الباب وروى الشيخان
[ 506 ]
عن ابن عمر قال لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والحاكم أيضا وأخرج مسلم المرفوع فقط من وجه آخر عن ابن عباس 33 باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا قوله (طاف بالبيت مضطبعا) قال الطيبي الضبع وسط العضد ويطلق على الابط الاضطباع أن يجعل وسط ردائه تحت الابط الأيمن ويلقي طرفيه على كتفه الأيسر من جهتي صدره وظهره سمي بذلك بداء الضبعين قيل إنما فعله إظهارا للتشجيع كالرمل انتهى قال القاري الاضطباع والرمل سنتان في كل طواف بعده سعي والاضطباع سنة في جميع الأشواط بخلاف الرمل ولا يستحب الاضطباع من غير الطواف وما يفعله العوام من الاضطباع من ابتداء الاحرام حجا أو عمرة لا أصل له بل يكره حال الصلاة انتهى قوله (وعليه برد) وفي رواية أبي داود ببرد أخضر وفي رواية أحمد في مسنده وهو مضطبع ببرد له حضرمي والحديث دليل على استحباب الاضطباع في الطواف قال الحافظ وهو مستحب عند الجمهور سوى مالك انتهى قوله (وهو حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي أيضا قوله (وعن ابن يعلى) هو صفوان كذا سماه ابن عساكر في الأطراف وتبعه عليه المزي
[ 507 ]
كذا في قوت المغتذي قال الحافظ في التقريب صفوان بن يعلى بن أمية التميمي المكي ثقة من الثالثة 34 باب ما جاء في تقبيل الحجر قوله (عن ابراهيم) هو النخعي قوله (يقبل الحجر) أي الحجر الأسود (وأعلم أنك حجر) زاد البخاري لا تضر ولا تنفع (ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك لم أقبلك) قال الطبري إنما قال ذلك عمر لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كانت الجاهلية تعتقده في الأوثان انتهى قال الحافظ وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين وحسن الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله ولو لم يعلم الحكمة فيه انتهى قوله (وفي الباب عن أبي بكر) الصديق أنه وقف عند الحجر ثم قال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك أخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني في العلل كذا في شرح سراج أحمد السرهندي وقال القاري نقلا عن ابن الهمام ومن غرائب المتون ما في ابن أبي شيبة في آخر مسند أبي بكر رضي الله عنه قال رجل رأي النبي صلى الله عليه وسلم إنه عليه الصلاة والسلام وقف عند الحجر فقال إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أمرني ربي أن أقبلك ما قبلتك انتهى (وابن عمر) أخرجه البخاري قوله (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (يستحبون تقبيل الحجر) المستحب في التقبيل أن لا يرفع به صوته وروى
[ 508 ]
الفاكهي عن سعيد بن جبير قال إذا قبلت الركن فلا ترفع بها صوتك كقبلة النساء كذا في فتح الباري 35 باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروه قوله (واتخذوا بكسر الخاء أمر من الاتخاذ) وفي قراءة بفتح الخاء خبر (من مقام ابراهيم) المراد بمقام ابراهيم الحرم كله والأول أصح قاله الحافظ قلت وحديث الباب يرد ما قال مجاهد (مصلى) أي مكان صلاة بأن تصلوا خلفه ركعتي الطواف كذا في تفسير الجلالين وقال الحافظ في الفتح أي قبلة قاله الحسن البصري وغيره وقال مجاهد أي مدعي يدعي عنده ولا يصح حمله على مكان الصلاة لأنه لا يصلى فيه بل عنده ويترجح قول الحسن بأنه جاز على المعنى الشرعي وقد روى الأزرقي في أخباز مكة بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الان حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة فأتى به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاسثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه وبني حوله فاستقر ثم إلى الان انتهى (ثم أتى الحجر) أي الحجر الأسود (نبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا) أي ابتدأ بالصفا لأن الله تعالى بدأه بذكره في كلامه فالترتيب الذكرى له اعتبار في الأمر الشرعي إما وجوبا أو استحبابا وإن كانت الواو لمطلق
[ 509 ]
الجمع في الاية وقرأ (إن الصفا والمروة من شعائر الله) قال في تفسير الخازن شعائر الله أعلام دينه وأصلها من الاشعار وهو الاعلام واحدتها شعيرة وكل ما كان معلما لقربان يتقرب به إلى الله تعالى من صلاة ودعاء وذبيحة فهو شعيرة من شعائر الله ومشاعر الحج معالمه الظاهرة للحواس ويقال شعائر الحج فالمطاف والموقف والمنحر كلها شعائر والمراد بالشعائر هنا المناسك التي جعلها الله أعلاما لطاعته فالصفا والمروة منها حيث يسعى بينهما انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم مطولا في قصة حجة الوداع قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يبدأ بالصفا قبل المروة فإن بدأ بالمروة قبل الصفا لم يجزه) قال الطيبي الابتداء بالصفا شرط وعليه الجمهور قوله (واختلف أهل العلم من طاف بالبيت ولم يطف بين الصفا والمروة إلخ) قال الحافظ في الفتح واختلف أهل العلم في هذا فالجمهور قالوا هو ركن لا يتم الحج بدونه وعن أبي حنيفة واجب بجبر بالدم وبه قال الثوري في الناسي لا في العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شئ وبه قال أنس فيما نقله ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة وعند الحنفية تفصيل فيما إذا ترك بعض السعي كما هو عندهم في الطواف بالبيت انتهى كلام الحافظ
[ 510 ]
36 باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة هما جبلان بمكة يجب المشي بينهما بعد الطواف في العمرة والحج سبعة أشواط مع سرعة المشي بين الميلين الأخضرين قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات الصفا مبدأ السعي وهو مقصور مكان مرتفع عند باب المسجد الحرام وهو أنف أي قطعة من جبل أبي قبيس وهو الان إحدى عشرة درجة أما المروة فلاطية جدا أي منخفضة وهي أنف من جبل قعيقعان هي درجتان ومن وقف عليها كان محاذيا للركن العراقي وتمنعه العمارة من رؤيته وإذا نزل من الصفا سعى حتى يكون بين الميل الأخضر المعلق بفناء المسجد وبينه نحو ستة أذرع فيسعى سعيا شديدا حتى يحاذي الميلين الأخضرين اللذين بفناء المسجد وحذاء دار العباس ثم يمشي حتى المروة انتهى قوله (إنما سعى بالبيت) أي رمل (وبين الصفا والمروة) أي سعى بينهما يعني أسرع المشي في بطن الوادي ففي الموطأ حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه (ليرى) من الاراءة (المشركين قوته) وجلادته وللطبراني عن عطاء عن ابن عباس قال من شاء فليرمل ومن شاء فلا يرمل إنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرمل ليرى المشركين قوته قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عمر وجابر) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان ففي تخريج الزيلعي أخرجا عن عائشة في حديث طويل قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث جابر فأخرج مسلم قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما مطولا
[ 511 ]
(وهو الذي يستبحه أهل العلم أن يسعى بين الصفا والمروة فإن لم يسع ومشى بين الصفا والمروة رأوه جائزا) المراد من السعي بين الصفا والمروة السعي في بطن الوادي الذي بين الصفا والمروة قال الشوكاني في شرح حديث جابر المذكور تحت قوله حتى انصبت قدماه في بطن الوادي ما لفظه وفي الموطأ حتى انصبت قدماء في بطن الوادي سعى وفي هذا الحديث استحباب السعي في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده ولو مشى في الجميع أو سعى في الجميع أجزأه وفاتته الفضيلة وبه قال الشافعي ومن وافقه وقال مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه تجب عليه الاعادة وله رواية أخرى موافقة الشافعي انتهى قلت وحديث ابن عمر الاتي يدل على ما قال الشافعي وموافقوه قوله (أخبرنا ابن فضيل) هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف رمى بالتشيع من التاسعة (عن كثير ابن جمهان) بضم الجيم وسكون الميم وبالنون السلمي أو الأسلمي مقبول من الثالثة قوله (يمشي في المسعى) أي مكان السعي وهو بطن الوادي (وأنا شيخ كبير) هذا اعتذار لترك السعي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وقال المنذري بعد نقل تصحيح الترمذي وفي إسناده عطاء بن السائب وقد أخرج له البخاري حديثا مقرونا وقال أيوب هو ثقة وتكلم فيه غير واحد انتهى كلام المنذري
[ 512 ]
37 باب ما جاء في الطواف راكبا قوله (على راحلته) وفي رواية الشيخين على بعير (فإذا انتهى إلى الركن) أي الحجر الأسود (أشار إليه) أي بمحجن معه ويقبل المحجن كما في رواية أبي الطفيل عند مسلم قوله (وفي الباب عن جابر) قال طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف ويسألوه فإن الناس غشوه رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (وأبي الطفيل) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت ويستلم الركن بمحجن معه ويقبل المحجن أخرجه مسلم (وأم سلمة) أنها قدمت وهي مريضة فذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة أخرجه الجماعة إلا الترمذي وفي الباب أيضا عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته الحديث أخرجه أحمد وأبو داود وفي إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وقد كره قوم من أهل العلم أن يطوف الرجل بالبيت وبين الصفا والمروة راكبا إلا من عذر) واحتجوا بأحاديث الباب فإنها كلها مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا كان لعذر فلا يلحق به من لا عذر له (وهو قول الشافعي) يعين قال بكراهة الطواف راكبا إلا من عذر فإن كان بغير عذر جاز بلا كراهة لكنه خلاف الأولى أو بكراهة قولان للشافعية وعند مالك وأبي حنيفة المشي واجب فإن تركه بغير عذر فعليه دم قال الحافظ في فتح الباري كان طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا للعذر فلا دلالة فيه على جواز الطواف راكبا بغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجع المنع لأن
[ 513 ]
طوافه صلى الله عليه وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد فإذا حوط المسجد امتنع داخله إذ لا يومن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإنه كان لا يحرم للتلويث كما في السعي انتهى 38 باب ما جاء في فضل الطواف قوله (عن شريك) هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وكان عادلا فاضلا عابدا شديدا على أهل البدع من الثامنة (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة عابد من الثالثة اختلط بآخره كذا في التقريب قوله (من طاف بالبيت خمسين مرة) حكى المحب الطبري عن بعضهم أن المراد بالمرة الشوط ورده وقال المراد خمسون أسبوعا وقد ورد كذلك في رواية الطبراني في الأوسط قال وليس المراد أن يأتي بها متوالية في ان واحد وإنما المراد أن يوجد في صحيفة حسناته ولو في عمره كله كذا في قوت المغتذي (خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه) قال ابن العربي المراد به الصغائر قوله (وفي الباب عن أنس) لم أقف عليه (وابن عمر) بلفظ من طاف بهذا البيت أسبوعا فأحصاه كان كعتق رقبة لا يضع قدما ولا يرفع أخرى إلا حط الله بها عنه خطيئة وكتب هل بها حسنة أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم كذا في شرح سراج أحمد قلت ورواه ابن ماجه أيضا وفي الباب أحاديث ذكرها المنذري في الترغيب قوله (حديث ابن عباس حديث غريب) وفي إسناده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس ورواه عن عبد الله بن سعيد بالعنعنة ومع هذا فقد اختلط باخره وأيضا في إسناده شريك القاضي وقد عرفت حاله
[ 514 ]
قوله (كانوا يعدون عبد الله ابن سعيد بن جبير أفضل من أبيه) وقال النسائي عقب حديثه في السنن ثقة مأمون كذا في تهذيب التهذيب (وله أخ يقال له عبد الملك بن سعيد بن جبير) قال في التقريب لا بأس به 39 باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد المغرب لمن يطوف كذا وقع في بعض النسخ بعد العصر وبعد المغرب ووقع في بعضها بعد العصر وبعد الصبح وهذا هو الصواب وأما توجيه أبي الطيب نسخة وبعد المغرب بأن قوله بعد العصر كناية عن الأوقات المكروهة وقوله بعد المغرب كناية عن غيرها فصار المعنى في الأوقات المكروهة وغيرها ففيه تكلف قوله (عن عبد الله بن باباه) بموحدتين بينهما ألف ساكنة ويقال بتحتانية بدل الألف ويقال بحذف الهاء المكي ثقة من الرابعة قوله (يا بني عبد مناف) خصهم بالخطاب دون سائر قريش لعلمه بأن ولاية الأمر والخلافة ستؤل إليهم مع أنهم رؤساء مكة وفيهم كانت السدانة والحجابة واللواء والسقاية والرفادة قاله الطيبي (لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت) يعني بيت الله (وصلى أية ساعة شاء من ليل ونهار) قال القاري أي صلاة الطواف أو مطلقا وهو قابل للتقييد بغير الأوقات المهينة إذ سبق النهي أو الصلاة بمعنى الدعاء انتهى قلت الظاهر أن صلاة الطواف مستثناة من الأوقات المنهية قال المظهر فيه دليل على أن صلاة التطوع في أوقات الكراهة غير مكروهة بمكة لشرفها لينال الناس من فضلها في جميع
[ 515 ]
الأوقات وبه قال الشافعي وعند أبي حنيفة حكمها حكم سائر البلاد في الكراهة لعموم العلة وشمولها قال ابن الملك والظاهر أن المراد بقوله وصلى أية ساعة شاء في الأوقات الغير المكروهة توفيقا بين النصوص انتهى قلت التوفيق بين النصوص ليس بمنحصر في هذا قال الخطابي واستدل به الشافعي على أن الصلاة جائزة بمكة في الأوقات المنهى فيها عن الصلاة في سائر البلدان واحتج له أيضا بحديث أبي ذر وقوله إلا بمكة فاستثناه من بين البقاع وذهب بعضهم إلى تخصيص ركعتي الطواف من بين الصلاة قالوا إذا كان الطواف بالبيت غير محظور في شئ من الأوقات وكان من سنة الطواف أن تصلي الركعتان بعده فقد عقل أن هذا النوع من الصلاة غير منهى عنه انتهى قلت حديث أبي ذر الذي أشار إليه الخطابي هو ما رواه أحمد ورزين عنه بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس إلا بمكة إلا بمكة إلا بمكة وسنده ضعيف وهو يؤيد حديث الباب قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي ذر) أما حديث ابن عباس فأخرجه الطحاوي في معاني الاثار عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا بني عبد مناف إن وليتم هذا الأمر فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أي ساعة شاء من ليل أو نهار وأما حديث أبي ذر فأخرجه أحمد ورزين وتقدم لفظه وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي وسنده ضعيف قوله (حديث جبير بن مطعم حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه وأخرجه النسائي وابن ماجه ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره قوله (فقال بعضهم لا بأس بالصلاة والطواف بعد العصر وبعد الصبح وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الامام الطحاوي رحمه الله من الأئمة الحنفية حيث قال في شرح معاني الاثار بعد البحث والكلام في هذه المسألة ما لفظه وإليه نذهب يعني إلى الجواز
[ 516 ]
وهو قول سفيان وهو خلاف قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى انتهى وقال صاحب التعليق الممجد من العلماء الحنفية ما لفظه ولعل المنصف المحيط بأبحاث الطرفين يعلم أن هذا يعني جواز ركعتي الطواف بعد العصر وبعد الصبح قبل الطلوع والغروب هو الأرجح الأصح قال وعليه كان عملي بمكة قال ولما طفت طواف الوداع حضرت المقام مقام إبراهيم لصلاة ركعتي الطواف فمنعني المطوفون من الحنفية فقلت لهم الأرجح الجواز في هذا الوقت وهو مختار الطحاوي من أصحابنا وهو كاف لنا فقالوا لم نكن مطلعين على ذلك وقد استفدنا منك ذلك انتهى كلامه (واحتجوا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم) كحديث الباب وحديث ابن عباس وأبي ذر (وقال بعضهم إذا طاف بعد العصر لم يصل حتى تغرب الشمس إلخ) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه (واحتجوا بحديث عمر أنه طاف بعد صلاة الصبح فلم يصل وخرج من مكة حتى نزل بذي طوى) بضم الطاء اسم موضع بين مكة والمدينة (فصلى بعد ما طلعت الشمس) أخرجه مالك في الموطأ وقال الامام محمد في موطئه بعد رواية هذا الحديث وبهذا نأخذ ينبغي أن لا يصلي ركعتي الطواف حتى تطلع الشمس وتبيض وهو قول أبي حنيفة رحمه الله والعامة من فقهائنا انتهى 40 باب ما جاء ما يقرأ في ركعتي الطواف قوله (حدثنا أبو مصعب) هو أحمد بن أبي بكر بن الحارث الزهري المدني الفقيه صدوق عابه أبو خيثمة للفتوى بالرأي من العاشرة (قراءة) بالنصب على التمييز أو على الحالية يعيني حدثنا مصعب حال كونه قارئا علينا ونحن نسمع (عن عبد العزيز بن عمران) الزهري المدني الأعرج يعرف بإبن ثابت متروك احترقت كتبه فحدث من حفظه فاشتد خلطه وكان عارفا بالأنساب من الثامنة (عن جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو عبد الله المعروف بالصادق صدوق فقيه إمام من السادسة مات سنة ثمان وأربعون ومائة
[ 517 ]
قوله (بسورتي الأخلاص) قال العراقي هذا من باب التغليب حيث أطلق على سورة الكافرين سورة الأخلاص ويحتمل أنه على حقيقته وأن سورة الكافرين على انفرادها سورة الاخلاص لما فيها من التبري ممن عبد من دون الله انتهى والحديث يدل على استحباب القراءة بهاتين السورتين في ركعتي الطواف قوله (وحديث جعفر بن محمد عن أبيه في هذا أصح من حديث جعفر بن محمد بن أبيه جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد العزيز بن عمران ضعيف) في كلام الترمذي هذا نظر فإن عبد العزيز بن عمران لم يتفرد برواية هذا الحديث عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بل روى مسلم في صحيحه من طريق حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فجعل المقام بينه وبين البيت فكان أبي يقول ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون قال النووي ليس هو شكا في ذلك لأن لفظة العلم تنافي الشك بل جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثا ثم صلى ركعتين قرأ فيهما قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد انتهى كلام النووي وروى النسائي من طريق مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد الحديث
[ 518 ]
41 باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا قوله (حدثنا علي بن خشرم) بفتح الخاء والشين المعجمتين بوزن جعفر المروزي ثقة من صغار العاشرة (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن زيد بن أثيع) بضم الهمزة وفتح المثلثة ويقال زيد بن يثيع قال الحافظ زيد بن يثيع بضم التحتانية وقد تبدل همزة بعدها مثلثة ثم تحتانية ساكنة ثم مهملة الهمداني الكوفي ثقة مخضرم من الثانية وقال الخزرجي في الخلاصة زيد بن يثيغ بمعجمتين مصغرا وقيل أثيغ بهمزة وقيل أثيل قاله شعبة الهمداني الكوفي مخضرم عن عمر وعلي وعنه أبو إسحاق السبيعي فقط وثقه ابن حبان انتهى قال في هامش الخلاصة قوله بمعجمتين يعني الغين والثاء وإن كان المعروف في ضبطها بالمثلثة وفي باب العين المهملة وفصل الياء من القاموس يثيع كزبير ويقال أثيع والد زيد التابعي انتهى ففي ضبطه العين بالإعجام ما لا يخفي انتهى ما في الهامش قوله (بأي شئ بعثت) بصيغة المجهول أي بأي شئ أرسلت إلى مكة في الحجة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها أبا بكر رضي الله عنه ولا يطوف بالبيت عريانا استدل به على أن الستر شرط لصحة الطواف وهو مذهب الجمهور وذهبت الحنفية إلى أنه ليس بشرط فمن طاف عريانا عند الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دم وذكر ابن إسحاق في سبب هذا الحديث أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا في ثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف وطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الاسلام فهدم ذلك كله ولا يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا وفي حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي أن لا يحج بعد العام مشرك قال العيني أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النداء بذلك حين نزلت إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا والمراد بالمسجد الحرام هنا الحرم كله فلا يمكن مشرك من دخول الحرم بحال وكذلك لا يمكن أهل الذمة من الاقامة بعد ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم أخرجوا اليهود والنصارى من
[ 519 ]
جزيرة العرب قاله في مرض موته صلى الله عليه وسلم انتهى (ومن كان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد فعهده إلى مدته ومن لا مدة له فأربعة أشهر) قال الحافظ في الفتح استدل بهذا على أن قوله تعالى فسيحوا في الأرض أربعة أشهر يختص بمن لم يمكن له عهد مؤقت أو لم يكن له عهدا أصلا وأما من له عهد مؤقت فهو إلى مدته فروى الطبري من طريق ابن إسحاق قال هم صنفان صنف كان له عهد دون أربعة أشهر فأمهل إلى تمام أربعة أشهر وصنف كانت له مدة عهده بغير أجل فقصرت على أربعة أشهر ثم ذكر الحافظ كلاما نافعا من شاء الوقوف عليه فليرجع إلى تفسير سورة براءة من فتح الباري قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه الشيخان وفيه ألا لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان قوله (حديث علي حديث حسن) وأخرجه سعيد بن منصور والنسائي والطبري قاله الحافظ في الفتح قوله (وقالا زيد بن يثيع) بالتحتانية المضومة وفتح المثلثة مصغرا (فقال زيد بن أثيل) بضم الهمزة وفتح المثلثة وسكون التحتانية وباللام 42 باب ما جاء في دخول الكعبة قوله (حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة صدوق
[ 520 ]
صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم فيه غفلة من العاشرة روى عن فضيل ابن عياض وأبي معاوية وخلق وعنه م ت ق وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم صدوق حدث بحديث موضوع عن ابن عيينة قال البخاري مات سنة 342 ثلاث وأربعين ومائتين كذا في التقريب والخلاصة (وهو قرير العين) كناية عن السرور والفرح قال في النهاية وفي حديث الإستسقاء لو رآك لقرت عيناه أي لسر بذلك وفرح وحقيقته أبرد الله دمعة عينيه لأن دمعة الفرح والسرور باردة وقيل معنى أقر الله عينك بلغك أمنيتك حتى ترضى نفسك وتسكن عينك فلا تستشرف إلى غيره انتهى (فقلت له) أي استفسرت من أمري ما استدبرت ما دخلتها إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي قال الشوكاني في النيل في هذا الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه إلا عام الفتح وهذا الحديث يرد وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل فيه إلا عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم وقد تقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت في عمرته فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور وحكى القرطبي عن بعض العلماء أن دخولها من المناسك وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن دخولها مستحب ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورا له وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه ما لم يؤذ أحدا بدخوله انتهى قلت ويدل على استحبابه حديث ابن ابن عمر في الباب الاتي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا
[ 521 ]
43 باب ما جاء في الصلاة في الكعبة قوله (قال ابن عباس لم يصل ولكنه كبر) وفي رواية لمسلم عن ابن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا في نواحيه كلها ولم يصل فيه الحديث قال النووي أجمع أهل الحديث على الأخذ برواية بلال لأنه مثبت فمعه زيادة علم فوجب ترجيحه والمراد الصلاة المعهودة ذات الركوع والسجود ولهذا قال ابن عمر ونسيت أن أساله كم صلى وأما نفي أسامة فسببه أنهم لما دخلوا الكعبة أغلقوا الباب واشتغلوا بالدعاء فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ثم اشتغل أسامة بالدعاء في ناحية من نواحي البيت والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية أخرى وبلال قريب منه ثم صلى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه ولم يره أسامة لبعده واشتغاله مع خفة الصلاة وإغلاق الباب وجاز له نفيها عملا بظنه وأما بلال فحققها فأخبر بها انتهى كلام النووي قوله (وفي الباب عن أسامة بن زيد) أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه من طريق أبي الشعثاء عن ابن عمر أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين ومكثت معه عمرا لم أسأله كم صلى قال الزيلعي في تخريجه بعد ذكره هذا صحيح انتهى وروى مسلم في صحيحه عن أمامة خلاف هذا كما تقدم (والفضل بن عباس) أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما والطبراني في معجمه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة ولكنه لما دخلها وقع ساجدا بين العمودين ثم جلس يدعو كذا في نصب الراية (وعثمان بن طلحة) أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد والضياء عن امرأة من بني سليم عن عثمان بن طلحة كذا في شرح سراج أحمد (وشيبة بن عثمان) أخرجه ابن عساكر عن عبد الرحمن الزجاج قال أتيت شيبة بن عثمان فقلت يا أبا عثمان زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فلم يصل فقال كذبوا وأبي لقد صلى بين العمودين ثم ألصق بهما بطنه وظهره كذا في شرح سراج أحمد
[ 522 ]
قوله (وقال مالك بن أنس لا بأس بالصلاة النافلة في الكعبة) كذا أطلق الترمذي عن مالك جواز النافلة وقيده بعض أصحابه بغير الرواتب وما تشرع فيه الجماعة قاله الحافظ في الفتح (وكره أن يصلي المكتوبة في الكعبة) وروى عنه المنع وكذا عن أحمد لقوله تعالى فولوا وجوهكم شطره أي قبالته ومن فيه مستدبر لبعضه وأما جواز النافلة فيه فإنه يسامح في النافلة ما لا يسامح في الفريضة (وقال الشافعي لا بأس أن يصلي المكتوبة والتطوع في الكعبة) وبه قال الحنفية وهو مذهب الجمهور قال الحافظ في فتح الباري وفيه أي في حديث بلال استحباب الصلاة في الكعبة وهو ظاهر في النفل ويلتحق به الفرض إذ لا فرق بينهما في مسألة الاستقبال وهو قول الجمهور انتهى وقال النووي في شرح مسلم ودليل الجمهور حديث بلال وإذا صحت النافلة صحت الفريضة لأنهما في الموضع سواء في الاستقبال في حال النزول وإنما يختلفان في الاستقبال في حال السير في السفر انتهى قال الحافظ وعن ابن عباس لا تصح الصلاة داخلها مطلقا وعلله بأنه يلزم من ذلك استدبار بعضها وقد ورد الأمر باستقبالها فيحمل على استقبال جميعها وقال به بعض المالكية والظاهرية والطبري انتهى قلت والظاهر هو ما قال به الجمهور وهو أقوى المذاهب في هذا الباب والله تعالى أعلم 44 باب ما جاء في كسر الكعبة أي هدمها قوله (إن ابن الزبير) يعني عبد الله بن الزبير الصحابي المشهور (قال له) أي للأسود (بما كانت تفضي إليك) أي تسر إليك وفي رواية في الكعبة (لولا أن قومك حديثو عهد) بالإضافة وقال المطرزي لا يجوز حذف الواو في مثل هذا والصواب حديث وعهد كذا في فتح الباري وقال السيوطي في حاشية النسائي ويمكن أن يوجه بأن لفظ القوم مفرد لفظا وجمع معنى فروعي إفراد اللفظ في جانب الخبر كما روعي اللفظ في إرجاع الضمير في قوله تعالى كلتا الجنتين آتت حيث أفرد اتت للبخاري قال لي ابن الزبير كانت عائشة
[ 523 ]
تسر إليك كثيرا فما حدثتك انتهى قال الجزري في النهاية الحديث ضد القديم والمراد به قرب عهدهم بالكفر والخروج منه والدخول في الاسلام وأنه لم يتمكن الدين في قلوبهم فلو هدمت الكعبة وغيرتها ربما نفروا من ذلك انتهى (وجعلت لها بابين) أي أي بابا شرقيا وبابا غربيا (فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين) أحدهما يدخل منه والاخر يخرج منه وروى مسلم في صحيحه قصة هدمها وبنائها مطولا قال النووي قال العلماء بنى البيت خمس مرات بنته الملائكة ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام ثم قريش في الجاهلية وحضر النبي صلى الله عليه وسلم هذا البناء وله خمس وثلاثون سنة وقيل خمس وعشرون وفيه سقط على الأرض حين رفع إزاره ثم بناه الزبير ثم الحجاج بن يوسف واستمر إلى الان على بناء الحجاج وقيل بني مرتين اخريين أو ثلاثا قال العلماء ولا يغير عن هذا البناء وقد ذكروا أن هارون الرشيد سأل مالك ابن أنس عن هدمها وردها إلى بناء ابن الزبير للأحاديث المذكورة في الباب فقال مالك نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن لا تجعل هذا البيت لعبة للملوك لا يشاء أحد إلا نقضه وبناه فتذهب هيبته من صدور الناس انتهى قال الحافظ ويستفاد من هذا الحديث ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه وأن الامام يسوس رعيته بما فيه إصلاحهم ولو كان مفضولا ما لم يكن محرما انتهى 45 باب ما جاء في الصلاة في الحجر بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة كذا في فتح
[ 524 ]
الباري وقال في القاموس الحجر بالكسر العقل وما حواه الحطيم المدار بالكعبة شرفها الله تعالى من جانب الشمال انتهى وقال في النهاية الحجر بالكسر اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربي انتهى قلت في قوله الغربي نظر كما لا يخفى قوله (عن علقمة بن أبي علقمة عن أبيه عن عائشة) كذا في نسخ الترمذي وفي رواية أبي داود عن علقمة عن أمه عن عائشة وفي رواية النسائي عن أمه عن أبيه عن عائشة بزيادة عن أبيه عن أمه قوله (فإنما هو قطعة من البيت) هذا ظاهره أن الحجر كله من البيت وكذا قوله في رواية عائشة عند البخاري قالت سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدار أو من البيت هو قال نعم وبذلك كان يفتي ابن عباس كما رواه عبد الرزاق عن أبيه عن مرثد بن شرحبيل قال ابن عباس يقول لو وليت من البيت ما ولى ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت فلم يطاف به إن لم يكن من البيت وقد ذكر الحافظ في الفتح روايات أخرى تدل بإطلاقها على أن الحجر كله من البيت ثم قال وهذه الروايات كلها مطلقة وقد جاءت روايات أصح منها مقيدة منها لمسلم من طريق أبي قزعة عن الحارث بن عبد الله عن عائشة حتى أزيد فيه من الحجر وله من وجه اخر عن الحارث عنها فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأريك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع وله من طريق سعد بن ميناء عن عبد الله بن الزبير عن عائشة وزدت فيها من الحجر ستة أذرع ثم ذكر روايات مقيدة أخرى غير هذه الروايات ثم حقق أن الروايات المطلقة محمولة على المقيدة وقد بسط الكلام فيه وأجاد قوله (ولكن قومك استقصروه) أي قصروه عن تمام بنائه لقلة النفقة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي أيضا (وعلقمة بن أبي علقمة هو علقمة بن بلال) قال المنذري وعلقمة هذا هو مولى عائشة تابعي مدني احتج به
[ 525 ]
البخاري ومسلم وأمه حكى البخاري وغيره أن اسمها مرجانة انتهى 46 باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام قوله (وهو أشد بياضا من اللبن) جملة حالية (فسودته خطايا بني آدم) قال في المرقاة أي صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سببا لسواده والأظهر حمل الحديث على حقيقته إذ لا مانع نقلا ولا عقلا وقال بعض الشراح من علمائنا يعني الحنفية هذا الحديث يحتمل أن يراد به المبالغة في تعظيم شأن الحجر وتفظيع أمر الخطايا والذنوب والمعنى أن الحجر لما فيه من الشرف والكرامة واليمن والبركة شارك جواهر الجنة فكأنه نزل منها وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد فتجعل المبيض منه أسود فكيف بقلوبهم أو لأنه من حيث أنه مكفر للخطايا محاء للذنوب كأنه من الجنة ومن كثرة تحمله أوزار بني آدم صار كأنه ذو بياض شديد فسودته الخطايا ومما يؤيد هذا أنه كان فيه نقط بيض ثم لا زال السواد يتراكم عليها حتى عمها وفي الحديث إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب فيه نكتة أخرى وهكذا حتى يسود قلبه جيعه ويصير ممن قال فيهم كلابل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون والحاصل أن الحجر بمنزلة المرآة البيضاء في غاية من الصفاء ويتغير بملاقاة ما لا يناسبه من الأشياء حتى يسود لها جميع الأجزاء وفي الجملة الصحبة لها تأثير بإجماع العقلاء انتهى كلام القاري قال الحافظ بن الحجر واعترض بعض الملحدين على هذا الحديث فقال كيف سودته خطايا المشركين ولم تبيضه طاعات أهل التوحيد وأجيب بما قال ابن قتيبة لو شاء الله لكان ذلك وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبغ ولا ينصبغ على العكس من البياض وقال المحب الطبري في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة فإن الخطايا إذا أثرت في الحجر الصلد فتأثيرها في القلب أشد قال وروي عن ابن عباس إنما غيره بالسواد لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة فإن ثبت فهذا هو الجواب قال الحافظ بن حجر أخرجه الحميدي في فضائل مكة بإسناد ضعيف انتهى
[ 526 ]
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أحمد وصححه ابن حبان وسيجئ الكلام عليه (وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من فاوض الحجر الأسود فكأنما يفاوض يد الرحمن وفي فضائل مكة للجندي من حديث ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عباس إن هذا الركن الأسود هو يمين الله في الأرض يصافح به عباده مصافحة الرجل أخاه ومن حديث الحكم بن أبان عن عكرمة عنه زيادة فمن لم يدرك بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استلم الحجر فقد بايع الله ورسوله وقال المحب الطبري والمعنى كونه يمين الله والله أعلم كل ملك إذا قدم عليه قبلت يمينه ولما كان الحاج والمعتمر أول ما يقدمان يسن لهما تقبيله نزل منزلة يمين الملك يده ولله المثل الأعلى ولذلك من صافحه كان عند الله عهد كما أن الملك يعطي العهد بالمصافحة كذا في عمدة القاري واعلم أن لابن عباس حديث آخر في فضل الحجر الأسود عند الترمذي رواه في أواخر كتاب الحج مرفوع بلفظ والله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان الخ قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح وفيه عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط وجرير ممن سمع منه بعد اختلاطه لكن له طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة فيقوي بها وقد رواه النسائي من طريق حماد بن سلمة عن عطاء مختصرا ولفظه الحجر الأسود من الجنة وحماد ممن سمع من عطاء قبل الاختلاط وفي صحيح ابن خزيمة أيضا عن ابن عباس مرفوعا إن لهذا الحجر لسانا وشفتين يشهدان لمن استلمه يوم القيامة بحق وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم أيضا انتهى ما في الفتح قوله (إن الركن والمقام) أي الحجر الأسود ومقام إبراهيم (ياقوتتان من ياقوت الجنة) المراد به الجنس فالمعنى أنهما من يواقيت الجنة (طمس الله نورهما) أي أذهبه قال القاري أي بمساس المشركين لهما ولعل الحكمة في طمسهما ليكون الايمان غيبيا لا عينيا (ولو لم يطمس)
[ 527 ]
على بناء الفاعل ويجوز أن يكون على بناء المفعول (لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب) أي لأنارتاه قوله (وفيه عن أنس أيضا) أخرجه الحاكم كما ستقف عليه (وهو حديث غريب) وأخرجه أيضا ابن حبان من طريق رجاء بن صبيح والحاكم ومن طريقه البيهقي كذا في الترغيب وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث مرفوعا أخرجه أحمد والترمذي وصححه ابن حبان في إسناده رجى أبو يحيى وهو ضعيف قال الترمذي حديث غريب ويروى عن عبد الله بن عمرو موقوفا وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وقفه أشبه والذي رفعه ليس بقوي انتهى 47 باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها بضم الميم من الاقامة ومنى موضع بين مكة والمزدلفة حدها من جهة المشرق بطن المسيل إذا هبطت من وادي محسر ومن جهة المغرب جمرة العقبة ذكره النووي في التهذيب وقال في المجمع سمي به لما يمنى فيه من الدماء أي يراق وهو لا تنصرف وتكتب بالياء إن قصد بها البقعة ويصرف ويكتب بالألف بتأويل موضع انتهى قوله (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى) أي يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة (ثم غدا) من الغدو وهو المشي أول النهار أي سار غدوة بعد طلوع الشمس لما في حديث جابر الطويل ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس (إلى عرفات) بفتحتين قال النووي اسم لموضع الوقوف سمي به لأن آدم عرف حواء هناك وقيل لأن جبريل عرف ابراهيم المناسك هناك
[ 528 ]
قوله (وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه) إسماعيل بن مسلم هذا هو أبو إسحاق البصري المجاور المكي الفقيه ضعفه ابن المبارك وقال أحمد منكر الحديث كذا في الخلاصة وحديث ابن عباس هذا أخرجه ابن ماجه أيضا قوله (أخبرنا عبد الله بن الأجلح) بتقديم الجيم على الحاء المهملة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن الزبير) أخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ قال من سنة الحج أن يصلي الامام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم يغدو إلى عرفة حتى إذا زالت الشمس خطب الناس ثم صلى الظهر والعصر جميعا كذا في شرح سراج أحمد (وأنس رضي الله عنه) أخرجه البخاري عن عبد العزيز بن رفيع قال سألت أنس بن مالك قلت أخبرني بشئ عقلته عن النبي صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية قال بمنى الحديث وفي الباب عن جابر في الحديث الطويل في صفة الحج عند مسلم فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر الحديث وفي الباب أيضا عن ابن عمر أخرجه ابن ماجه مرفوعا وأخرجه مالك موقوفا قوله (وليس هذا الحديث فيما عد شعبة) فعلى هذا يكون هذا الحديث منقطعا ولكن له شواهد صحيحة كما عرفت
[ 529 ]
48 باب ما جاء أن منى مناخ من سبق قوله (عن يوسف بن ماهك) بفتح هاء وبكاف ترك صرفه وعند الأصيلي مصروف كذا في المغنى ثقة من الثالثة (عن أمه مسيكة) بالتصغير المكية لا يعرف حالها من الثالثة كذا في التقريب ذكرها الذهبي في الميزان في المجهولات قوله (ألا نبني لك بناء) وفي رواية لابن ماجه بيتا (قال لا) أي لا تبنوا لي بناء بمنى لأنه ليس مختصا بأحد إنما هو موضع العبادة من الرمي وذبح الهدى والحلق ونحوها فلو أجيز البناء فيه لكثرت الأبنية وتضيق المكان وهذا مثل الشوارع ومقاعد الأسواق وعند أبي حنيفة أرض الحرم موقوفة فلا يجوز أن يملكها أحد (منى) مبتدأ (مناخ من سبق) خبر مبتدأ والمناخ بضم الميم موضع إناخة الابل قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه والحاكم أيضا ومدار هذا الحديث على مسيكة وهي مجهولة كما عرفت 49 باب ما جاء في تقصير الصلاة بمنى قوله (آمن ما كان الناس) قال في مجمع البحار بمد همزة أفعل من الأمن ضد الخوف وما مصدرية أي صلى بنا والحال أنا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنا من غير خوف وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز انتهى وقال أبو الطيب في شرح الترمذي المقصود من هذا الكلام وأمثاله واضح أي حين كان الناس أكثر أمنا وعددا لكن تطبيقه على قواعد العربية خفي والأقرب
[ 530 ]
أن ما مصدرية وكان تامة وامن منصوب على الظرفية بتقدير مضاف وموصوفه مقدر من جنس المضاف إليه كما هو المشهور في اسم التفضيل وأكثره عطف على آمن وضميره لما أضيف إليه آمن والتقدير زمان كون هو آمن أكوان الناس وزمان كون هو أكثر أكوان الناس عددا ونسبة الأمن والكثرة إلى الكون مجازية فإنهما وصفان للناس حقيقة فرجع بالنظر إلى الحقيقة إلى زمان وحين كان الناس فيه امن وأكثر وعلى هذا فنصب امن وأكثر على الظرفية بتقدير المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه انتهى قوله (عن ابن مسعود) أخرجه البخاري ومسلم وقد ذكر الترمذي لفظه فيما بعد (وابن عمر) قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدرا من خلافته ثم إن عثمان صلى بعد أربعا فكان ابن عمر إذا صلى مع الامام صلى أربعا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين أخرجه الشيخان (وأنس) قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة قيل له أقمتم بمكة شيئا قال أقمنا بها عشرا أخرجه الشيخان قوله (حديث حارثة بن وهب حديث حسن صحيح) أخرجه الشيخان قوله (وروي عن ابن مسعود أنه قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين الخ) رواه الشيخان قوله (إلا من كان بمنى مسافرا) استناء منقطع أي ليس لأهل مكة أن يقصروا الصلاة بمنى لكن من كان بمنى مسافرا فهو يقصرها ويحتمل الاتصال أي إلا من كان منهم نازلا بمنى مسافرا بأن خرج على نية السفر أو رجع من السفر ونزل بها قل دخوله مكة (وهو قول ابن جريج وسفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه وحجتهم أن المسافة التي بين مكة ومنى لا يقصر فيها الصلاة والقصر بمنى ليس لأجل النسك بل للسفر
[ 531 ]
(وهو قول الأوزاعي ومالك وسفيان بن عيينة وعبد الرحمن بن مهدي) وحجتهم أن القصر بمنى للنسك وليس لأجل السفر قال بعض المالكية لو لم يجز لأهل مكة القصر بمنى لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم أتموا وليس بين مكة ومنى مسافة القصر فدل على أنهم قصروا للنسك وأجيب بأن الترمذي روى من حديث عمران بن حصين أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة ركعتين ويقول يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناء بما تقدم بمكة قال الحافظ بن حجر وهذا ضعيف لأن الحديث من رواية علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف ولو صح فالقصة كانت في الفتح وقصة منى في حجة الوداع وكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد انتهى كلام الحافظ قال الخطابي في المعالم ليس في قوله صلى بنا ركعتين دليل على أن المكي يقصر الصلاة بمنى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسافرا بمنى فصلى صلاة المسافر ولعله لو سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاته لأمره بالإتمام وقد يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان بعض المأمور في بعض المواطن اقتصارا على ما تقدم من البيان السابق خصوصا في مثل هذا الأمر الذي هو من العلم الظاهر العام وكان عمر بن الخطاب يصلي بهم فيقصر فإذا سلم التفت إليهم وقال أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر انتهى 50 باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء فيها قوله (أتانا ابن مربع الأنصاري) بكسر الميم وسكون الراء وفتح الموحدة صحابي رضي الله عنه وسيجئ ما في اسمه من الاختلاف (مكانا) أي في مكان كما في رواية أبي داود (يباعده عمرو) أي يباعد ذلك المكان عمرو بن عبد الله من موقف الامام يعني يجعله بعيدا بوصفه إياه بالبعد والمباعدة بمعنى التبعيد وهذا قول الراوي عن عمرو بن عبد الله وهو عمرو بن دينار (كونوا على مشاعركم) جمع مشعر يريد بها مواضع النسك سميت بذلك لأنها معالم العبادات
[ 532 ]
(على إرث من إرث إبراهيم) علة للأمر بالاستقرار والتثبت على الوقوف في موافقهم القديمة علل ذلك بأن موقفهم موقف إبراهيم ورثوه منه ولم يخطئوا في الوقوف فيه عن سنته فإن عرفة كلها موقف والواقف بأي جزء منها ات بسنته متبع لطريقته وإن بعد موقفه عن موقف النبي صلى الله عليه وسلم قال الطيبي قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي وضعفه والترمذي كما سيذكر وابن خزيمة والمحاملي في الدعاء وابن أبي الدنيا في الأضاحي وابن النجار كذا في شرح سراج أحمد (وعائشة) أخرجه الشيخان (وجبير بن مطعم) أخرجه الشيخان أيضا (والشريد بن سويد الثقفي) لينظر من أخرج حديثه قوله (حديث ابن مربع حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وابن مربع اسمه يزيد بن مربع) قال الحافظ في التقريب زيد بن مربع بن قيظي صحابي أكثر ما يجئ مبهما وقيل اسمه يزيد وقيل عبد الله انتهى قوله (حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني) بمفتوحة سكون ونون وبعين مهملة فألف فنون أخرى نسبة إلى صنعاء اليمن وإلى صنعاء دمشق كذ في المغنى (الطفاوي) بضم مهملة وخفة فاء وواو كذا في المغنى قوله (وهم الحمس) بضم مهملة وسكون ميم فمهملة قال في القاموس الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس ولقب به قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة انتهى وقال الحافظ في الفتح والأحمس في كلام العرب الشديد وسموا بذلك لما شددوا على أنفسهم وكانوا إذا أهلوا بحج أو عمرة لا يأكلون لجما ولا يضربون وبرا ولا شعرا وإذا قدموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم وقيل سموا حمسا بالكعبة لأنها حمساحجرها أبيض يضرب إلى السواد والأول أشهر وأكثر وأنه من التحمس وهو التشدد انتهى كلامه ملخصا (يقولون نحن قطين الله) قال في القاموس قطن قطونا أقام وفلانا خدمه فهو قاطن والجمع قطان وقاطنة وقطين انتهى وقطين
[ 533 ]
الله على حذف المضاف أي سكان بيت الله ثم أفيضوا أي ادفعوا يا قريش وأصله أفيضوا أنفسكم فحذف المفعول من حيث أفاض الناس من عرفة بأن تقفوا بها معهم 51 باب ما جاء أن عرفة كلها موقف قوله (هذه عرفة) هي اسم لبقعة معروفة (وعرفة كلها موقف) أي إلا بطن عرفة (ثم أفاض) أي دفع من عرفة (وأردف أسامة بن زيد) أي جعله رديفه وفيه جواز الارداف إذا كانت الدابة مطيقة وقد تظاهرت به الأحاديث (على هيئته) بفتح الهاء وسكون التحتية وفتح الهمزة أي حال كونه صلى الله عليه وسلم على هيئته وسيره المعتاد ووقع في بعض النسخ على حمنته قال السيوطي في قوت المغتذي بضم الحاء المهملة ثم ميم ساكنة ثم نون أي على عادته في السكون والرفق قاله أبو موسى المديني وفي رواية غير المصنف على هيئته بفتح الهاء والهمزة مكان النون أي على سيره المعتاد انتهى كلام السيوطي وفي بعض النسخ على هينته قال أبو الطيب في شرح الترمذي بكسر الهاء ثم مثناة تحتية ساكنة ثم نون وهو حال أي حال كونه على عادته في السكون والرفق انتهى (والناس يضربون) زاد أبو داود الابل (يلتفت إليهم) في رواية أبي داود لا يلتفت إليهم بزيادة لا قال المحب الطبري قال بعضهم رواية الترمذي بإسقاط
[ 534 ]
لا أصح وقد تكررت هناك على بعض الرواة من قوله شما كذا في قوت المغتذي قال أبو الطيب وعلى تقدير صحتها معناه لا يلتفت إلى مشيهم ولا يشاركه فيه وعلى تقدير الاسقاط حال كونه يلتفت إليهم ويقول لهم الخ (عليكم السكينة) بالنصب على الأعزاء قال السيوطي (ثم أتى جمعا) بفتح الجيم وسكون الميم هو علم للمزدلفة اجتمع فيه آدم وحواء لما أهبطا كذا في المجمع (أتى قزح) بفتح القاف وفتح الزاء وحاء مهملة اسم جبل بالمزدلفة وهو غير منصرف للعدل والعلمية (إلى وادي محسر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتشديد السين المهملة وكسرها قال النووي سمي بذلك لأن فيل أصحاب الفيل حسر فيه أي أعي وكل ومنه قوله تعالى ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير فقرع ناقته أي ضربها بمقرعة بكسر الميم وهو السوط (فخبت) من الخبب محركة وهو ضرب من العدو (حتى جاوز الوادي) قيل الحكمة في ذلك أنه فعله لسعة الموضع وقيل لأن الأودية مأوى الشياطين وقيل لأنه كان موقفا للنصارى فأحب الاسراع فيه مخالفة لهم وقيل لأن رجلا اصطاد فيه صيدا فنزلت نار فأحرقته فكان إسراعه لمكان العذاب كما أسرع في ديار ثمود قاله السيوطي (ولوى عنق الفضل) أي صرف عنقه من جانب الجارية إلى جانب آخر (لولا أن يغلبكم عليه الناس لنزعت) قال النووي معناه لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث
[ 535 ]
يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم لزيادة فضيلة هذا الاستقاء وقال بعضهم لولا يغلبكم أي قصدا للإتباع لنزعت أي أخرجت الماء وسقيته الناس كما تفعلون أنتم قاله حثا لهم على الثبات قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم والترمذي قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود مختصرا قوله (وقال بعض أهل العلم إذا صلى الرجل في رحله الخ) قال الامام البخاري في صحيحه وكان ابن عمر إذا فاتته الصلاة مع الامام جمع بينهما انتهى قال الحافظ في الفتح وصله إبراهيم الحربي في المناسك له قال حدثنا الحوضي عن همام أن نافعا حدثه أن ابن عمر كان إذا لم يدرك الامام يوم عرفة جمع بين الظهر والعصر في منزله وأخرج الثوري في جامعه رواية عبد الله بن الوليد العدني عنه عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع مثله وأخرجه ابن المنذر من هذا الوجه وبهذا قال الجمهور وخالفهم في ذلك النخعي والثوري وأبو حنيفة فقالوا يختص الجمع بمن صلى مع الامام وخالف أبا حنيفة في ذلك صاحباه والطحاوي ومن أقوى الأدلة لهم صنيع ابن عمر هذا وقد روى حديث جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين وكان مع ذلك يجمع وحده فدل على أنه عرف أن الجمع لا يختص بالإمام ومن قواعدهم أن الصحابي إذا خالف ما روى دل على أن عنده بأن مخالفه أرجح تحسينا للظن به فينبغي أن يقال هذا ههنا انتهى كلام الحافظ قوله (وزيد بن علي هو ابن حسين بن علي بن أبي طالب) المدني أحد أئمة أهل البيت ثقة من الرابعة وهو الذي ينسب إليه الزيدية خرج في خلافه هشام بن عبد الملك فقتل بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة كذا في التقريب والخلاصة
[ 536 ]
52 باب ما جاء في الافاضة من عرفات قوله (أوضع) وضع البعير يضع وضعا وأوضعه راكبه أيضاعا إذا حمله على سرعة السير كذا في النهاية (في وادي محسر) تقد ضبط في الباب المتقدم قال الأزرقي وهو خمس مائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعا وإنما شرع الاسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم (وأفاض من جمع) أي من المزدلفة (وعليه السكينة) جملة حالية (وأمرهم بالسكينة) وفي حديث أسامة الذي أشار إليه الترمذي وفي هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات كان يسير العنق وإذا وجد فجوة نص وفي حديث الفضل بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته رواه أحمد ومسلم وفي هذه الأحاديث كيفية السير في الدفع من عرفات إلى مزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الاسراع عند عدم الزحام (وأمرهم أن يرموا مثل حصا الخذف) بفتح الخاء المعجمة وسكون الذال المعجمة وبالفاء قال العلماء حصى الخذف كقدر حبة الباقلاء قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى
[ 537 ]
53 باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة قوله (عن عبد الله بن مالك) بن الحارث الهمداني روى عن علي وابن عمر وعنه أبو إسحاق السبيعي وأبو روق الهمداني ذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب (صلى بجمع) أي بالمزدلفة (فجمع بين الصلاتين بإقامة) استدل به من قال بالجمع بين الصلاتين في المزدلفة بإقامة واحدة وهو قول سفيان الثوري كما صرح به الترمذي قوله (وفي الباب عن علي وأبي أيوب وعبد الله بن مسعود وجابر وأسامة بن زيد) أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي أيوب فأخرجه البخاري ومسلم عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع المغرب والعشاء بالمزدلفة ورواه الطحاوي في شرح معاني الاثار وزاد بإقامة واحدة وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه البخاري موقوفا عليه وأما حديث جابر فأخرجه مسلم مطو في قصة حجة الوداع وفيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما وأما حديث أسامة بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري والطحاوي في شرح الاثار قوله (حديث ابن عمر رواية سفيان أصح من رواية إسماعيل بن أبي خالد وحديث سفيان حديث حسن صحيح) حديث ابن عمر في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة
[ 538 ]
بإقامة واحدة متفق عليه قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه لا يصلي صلاة المغرب دون جمع) قال العيني قال شيخنا زين الدين رحمه الله كأنه أراد أن العمل عليه مشروعية واستحبابا لا تحتما ولا لزوما فانهم لم يتفقوا على ذلك بل اختلفوا فيه فقال سفيان الثوري لا يصليهما حتى يأتي جمعا وله السعة في ذلك إلى نصف الليل فإن صلاهما دون جمع أعاد وكذا قال أبو حنيفة إن صلاهما قبل أن يأتي المزدلفة فعليه الاعادة وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق أو بعده عليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة وقال مالك لا يصليهما أحد قبل جمع إلا من عذر فإن صلاهما من عذر لم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق وذهب الشافعي إلى أن هذا هو الأفضل وأنه إن جمع بينهما في وقت المغرب أو في وقت العشاء بأرض عرفات أو غيرها أو صلى كل صلاة في وقتها جاز لذلك وبه قال الأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وأبو يوسف وأشهب وحكاه النووي عن أصحاب الحديث وبه قال من التابعين عطاء وعروة وسالم والقاسم وسعيد بن جبير انتهى (فإذا أتى جمعا وهو المزدلفة جمع بين الصلاتين بإقامة واحدة ولم يتطوع فيما بينهما وهو الذي اختاره بعض أهل العلم وذهبوا إليه وهو قول سفيان الثوري) قال العيني في العمدة الذي قال بإقامة واحدة قال بحديث الزهري عن سالم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة وكذا رواه ابن عباس مرفوعا عند مسلم انتهى (قال سفيان وإن شاء صلى المغرب ثم تعشى ووضع ثيابه ثم أقام فصلى العشاء) روى البخاري في صحيحه عن عبد الرحمن بن يزيد
[ 539 ]
يقول حج عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبا من ذلك فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم أمر فأذن وأقام قال عمرو ولا أعلم الشك إلا من زهير وصلى العشاء ركعتين الحديث وهذا هو متمسك سفيان الثوري لكنه موقوف (وقال بعض أهل العلم) يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين يؤذن لصلاة المغرب ويقيم ويصلي المغرب ثم يقيم ويصلي العشاء (وهو قول الشافعي) قال النووي في شرح مسلم الصحيح عند أصحابنا أنه يصليهما بأذان للأولى وإقامتين لكل واحدة إقامة وقال في الايضاح إنه الأصح كذا في العمدة قلت وهو المختار عندي ويدل عليه حديث جابر الطويل في قصة حجة الوداع أخرجه مسلم وفيه حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا وفي هذه المسألة أقوال أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري منها هذا الذي ذكره الترمذي قال العيني الثالث أنه يؤذن للأولى ويقيم لكل واحدة منهما وهو قول أحمد بن حنبل في أصح قوليه وبه قال أبو ثور وعبد الملك بن الماجشون من المالكية والطحاوي وقال الخطابي هو قول أهل الرأي وذكر ابن عبد البر أن الجوزجاني حكاه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله قال الرابع أنه يؤذن للأولى ويقيم لها ولا يؤذن للثانية ولا يقيم لها وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف حكاه النووي وغيره قال هذا هو مذهب أصحابنا وعند زفر بأذان وإقامتين قال الخامس أنه يؤذن لكل منهما ويقيم وبه قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون وليس لهم في ذلك حديث مرفوع قاله ابن عبد البر انتهى كلام العيني قلت روى البخاري في صحيحه عن ابن مسعود الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة لكل منهما من فعله وقد تقدم لفظه وقد روى ذلك الطحاوي بإسناد صحيح من فعل عمر رضي الله عنه قال الحافظ في الفتح وقد أخذ بظاهره مالك وهو اختيار البخاري
[ 540 ]
54 باب ما جاء فيمن أدرك الامام بجمع فقد أدرك الحج الجمع بفتح الجيم وسكون الميم علم للمزدلفة اجتمع فيها ادم وحواء لما أهبطا كذا في المجمع أي من أدرك الامام بالمزدلفة وقد وقف بعرفة فقد أدرك الحج قوله (عن عبد الرحمن بن يعمر) بفتح التحتانية وسكون العين المهملة وفتح الميم ويضم غير منصرف قال الحافظ صحابي نزل بالكوفة ويقال مات بخراسان قوله (فسألوه) وفي رواية أبي داود فجاء ناس أو نفر من أهل نجد فأمروا رجلا فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الحج (الحج عرفة) أي الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة قاله الشوكاني وقال الشيخ عز الدين عبد السلام تقديره إدراك الحج وقوف عرفة لأنه يفوت بفواته (من جاء ليلة جمع) أي ليلة المبيت بالمزدلفة وهي ليلة العيد (قبل طلوع الفجر) أي فجر يوم النحر أي من جاء عرفة ووقف فيها ليلة المزدلفة قبل طلوع فجر يوم النحر وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث بلفظ من أدرك عرفة ليلة جمع قبل طلوع الفجر (فقد أدرك الحج) أي لم يفته وأمن من الفساد وفيه رد على من زعم أن الوقوف يفوت بغروب الشمس يوم عرفة ومن زعم أن وقته يمتد إلى ما بعد الفجر إلى طلوع الشمس فظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت وبه قال الجمهور وحكى النووي قو أنه لا يكفي الوقوف لي ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج والأحاديث الصحيحة ترده (أيام منى ثلاثة) مبتدأ وخبر يعني أيام منى ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر وليس يوم النحر منهم لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاثة لجاز أن ينفر من شاء في ثانيه (فمن تعجل في يومين) أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها (فلا إثم عليه) في تعجيله
[ 541 ]
(ومن تأخر) أي عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث (فلا إثم عليه) في تأخيره وقيل المعنى ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه والتخيير ههنا وقع بين الفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل فإن قيل إنما يخاف الاثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة قوله (قال محمد) هو ابن بشار (وزاد يحيى) هو ابن سعيد أي زاديحيى بن سعيد في روايته في اخر الحديث لفظ وأردف رجلا فنادى به قوله (قال سفيان بن عيينة وهذا أجود حديث رواه سفيان الثوري) قال السيوطي أي من حديث أهل الكوفة وذلك لأن أهل الكوفة يكثر فيهم التدليس والإختلاف وهذا الحديث سالم من ذلك فإن الثوري سمعه من بكير وسمع بكير من عبد الرحمن وسمعه عبد الرحمن من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يختلف رواته في إسناده وقام الاجماع على العمل به انتهى ونقل ابن ماجه في سننه عن شيخه محمد بن يحيى ما أرى للثوري حديثا أشرف منه
[ 542 ]
قوله (عن عروة بن مضرس) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة قال الحافظ صحابي له حديث واحد في الحج (بن لام) بوزن جام (من جبلى طئ) هما جبل سلمى وجبل أجا قاله المنذري وطئ بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة (أكللت مطيتي) أي أعييت دابتي (ما تركت من جبل) بالجيم وفي بعض النسخ حبل بالحاء المهملة المفتوحة والموحدة الساكنة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري قال العراقي المشهور في الرواية فتح الحاء المهملة وسكون الموحدة وهو ما طال من الرمل وروى بالجيم وفتح الباء قاله الترمذي في بعض النسخ قوله في بعض النسخ ما تركت من جبل إلا وقفت عليه إذا كان من رمل يقال له حبل وإذا كان من حجارة يقال له جبل قال السيوطي ليس هذا في روايتنا (صلاتنا هذه) يعني صلاة الفجر (لي ونهارا فقد تم حجه) تمسك بهذا أحمد بن حنبل فقال وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوع يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه قاله الشوكاني (وقضى تفثه) قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الابط وغيره من خصال الفطرة ويدخل في ذلك نحو البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلى بعد ذلك وأصل التفث الوسخ والقذر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه أيضا
[ 543 ]
55 باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل قوله (في ثقل) بفتح الثاء المثلثة والقاف متاع المسافر وحشمه و (من جمع) أي المزدلفة (بليل) قال الطيبي يستحب تقديم الضعفة لئلا يتأذوا بالزحام (وفي الباب عن عائشة) قالت كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تفيض من جمع بليل فاستأذن لها أخرجه الشيخان (وأم حبيبة) أخرجه مسلم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بها من جمع بليل (وأسماء) أخرجه الشيخان (والفضل) أخرجه الترمذي قوله (عن مشاش) بضم الميم وتكرار الشين المعجمة كذا في قوت المغتذي وقال في التقريب مشاش بمعجمتين أبو ساسان أو أبو الأزهر السلمي البصري أو المروزي وقيل هما اثنان مقبول من السادسة قوله (قدم ضعفة أهله) بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء والصبيان والخدم قوله (عن مقسم) بوزن منبر قال في التقريب بكسر أوله بن بجرة بضم الموحدة
[ 544 ]
وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال مولى عبد الله بن الحارث ويقال له مولى ابن عباس للزومة له صدوق وكان يرسل من الرابعة قوله (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) فيه دليل على عدم جواز الرمى في الليل وعليه أبو حنيفة والأكثرون خلافا للشافعي والتقييد بطلوع الشمس لأن الرمى حينئذ سنة وما قبله بعد طلوع الفجر جائز اتفاقا كذا في المرقاة قوله (وهو قول الثوري والشافعي) احتج الشافعي بحديث أسماء أخرج البخاري ومسلم عن عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها رمت الجمرة قلت لها إنا رمينا الجمرة بليل قالت إنا كنا نصنع هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجمع بين هذا الحديث وبين حديث ابن عباس لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس بحمل الأمر على الندب ويؤيده ما أخرجه الطحاوي من طريق شعبة مولى ابن عباس عنه قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأمرني أن أرمي مع الفجر قاله الحافظ في الفتح وقال فيه وقال الحنفية لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس فإن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جاز وإن رماها قبل الفجر أعادها وبهذا قال أحمد وإسحاق والجمهور وزاد إسحاق ولا يرميها قبل طلوع الشمس وبه قال النخعي ومجاهد والثوري وأبو ثور ورأى جواز ذلك قبل طلوع الفجر عطاء وطاؤس والشعبي والشافعي واحتج الجمهور بحديث ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله الحديث وفيه فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر ومنهم من يقدم بعد ذلك فإذا قدموا رموا الجمرة وكان ابن عمر يقول أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ومسلم واحتج إسحاق بحديث ابن عباس لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس انتهى كلام الحافظ
[ 545 ]
56 باب ما جاء في رمي يوم النحر ضحى قوله (يرمى يوم النحر ضحى) قال العراقي الرواية فيه بالتنوين على أنه مصروف انتهى أي وقت الضحوة من بعد طلوع الشمس إلى ما قبل الزوال (وأما بعد ذلك) أي بعد يوم النحر وهو أيام التشريق (بعد زوال الشمس) أي فيرمي بعد الزوال وفيه دليل على أن السنة أن يرمى الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه كذا في فتح الباري قلت لا دليل على ما ذهب إليه عطاء وطاوس لا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا من قوله وأما ترخيص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال فاستدلوا عليه بأثر ابن عباس رضي الله عنه وهو ضعيف فالمعتمد ما قال به الجمهور قال في الهداية وأما اليوم الرابع فيجوز الرمي قبل الزوال عند أبي حنيفة خلافا لهما ومذهبه مروى عن ابن عباس رضي الله عنه انتهى قال ابن الهمام أخرج البيهقي عنه إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمى والصدر والانتفاخ الارتفاع وفي سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي قال ابن الهمام ولا شك أن المعتمد في تعيين الوقت للرمي في الأول من أول النهار وفيما بعده من بعد الزوال ليس إلا فعله كذلك مع أنه غير معقول ولا يدخل وقته قبل الوقت الذي فعله فيه عليه الصلاة والسلام كما لا يفعل في غير ذلك المكان الذي رمى فيه عليه الصلاة والسلام وإنما رمى عليه الصلاة والسلام في الرابع بعد الزوال فلا يرمي قبله انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
[ 546 ]
57 باب ما جاء أن الافاضة من جمع قبل طلوع الشمس الإفاضة الدفعة قوله (أفاض قبل طلوع الشمس) وفي بعض النسخ أفاض من جمع قبل طلوع الشمس قوله (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه البخاري والأربعة قوله (كنا وقوفا) جمع واقف (بجمع) أي بالمزدلفة (إن المشركين كانوا لا يفيضون) أي من جمع (أشرق) بفتح أوله فعل أمر من الاشراق أي أدخل في الشروق والمشهور أن المعنى لتطلع عليك الشمس (ثبير) بفتح المثلثة وكسر الموحدة جبل معروف هناك وهو على يسار الذاهب إلى منى وهو أعظم جبال مكة عرف برجل من هذيل اسمه ثبير دفن فيه والحديث فيه مشروعية الدفع من الموقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الاسفار وقد نقل الطبري الاجماع على أن من لم يقف فيها حتى طلعت الشمس فإنه الوقوف قال ابن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه وكان مالك يرى أن يدفع قبل الاسفار وهو مردود بالنصوص
[ 547 ]
58 باب ما جاء أن الجمار التي ترمي مثل حصى الخذف أي صغارا كالباقلاء قوله (يرمي الجمار بمثل حصى الحذف) قال العلماء هو نحو حبة الباقلاء قاله النووي وقال قال أصحابنا ولو رمى بأكبر منها أو أصغر جاز وكان مكروها انتهى قوله (وفي الباب عن سلميان بن عمرو بن الأحوص عن أمه وهي أم جندب الأزدية) صحابية وابنها سليمان كوفي مقبول من الثانية (وابن عباس والفضل جندب الأزدية) صحابية وابنها سليمان كوفي مقبول من الثانية (وابن عباس والفضل ابن عباس وعبد الرحمن بن عثمان التيمي وعبد الرحمن بن معاذ) أما حديث أم جندب فأخرجه أبو داود وابن ماجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي وبان ماجه وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه مسلم وفيه عليكم بحصى الخذف الذي ترمي به الجمرة وفي رواية أخرى له والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الانسان وأما حديث ابن عباس وحديث عبد الرحمن بن عثمان وعبد الرحمن بن معاذ فلينظر من أخرجهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 548 ]
59 باب ما جاء في الرمي بعد زوال الشمس قوله (عن الحجاج) هو ابن دينار الواسطي (عن الحكم) هو ابن عتيبة (عن مقسم) بكسر الميم وسكون القاف ابن بجرة ابن نجدة قوله (يرمي الجمار إذا زالت الشمس) أي في غير يوم النحر لما روى مسلم وابن خزيمة وابن حبان من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس والحديث يدل على أن السنة أن يرمي الجمار في غير يوم الأضحى بعد الزوال وبه قال الجمهور وخالف فيه عطاء وطاوس فقالا يجوز قبل الزوال مطلقا ورخص الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزوال وقال إسحاق إن رمى قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزئه انتهى كذا في فتح الباري قلت احتج الحنفية بما رواه البيهقي عن ابن عباس إذا انتفخ النهار من يوم النفر فقد حل الرمي والصدر قال الزيلعي في نصب الراية في سنده طلحة بن عمرو ضعفه البيهقي قال والانتفاخ الارتفاع انتهى والحق ما ذهب إليه الجمهور وفي الباب عن ابن عمر كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا رواه البخاري وأبو داود وعن عائشة قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من اخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس الحديث رواه أحمد وأبو داود وأحاديث الباب كلها ترد على من قال بجواز الرمي قبل الزوال في غير يوم النحر قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه أيضا وإسناد ابن ماجه هكذا حدثنا جبارة ابن المفلس حدثنا ابراهيم بن عثمان بن أبي شيبة أبو شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس
[ 549 ]
60 باب ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا قوله (رمى الجمرة) أي جمرة العقبة قوله (وفي الباب عن جابر) قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه أخرجه أحمد ومسلم والنسائي (وقدامة بن عبد الله) بضم القاف وتخفيف الدال المهملة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر على ناقة صهباء ليس ضرب ولا طرد وليس قيل إليك إليك أخرجه الشافعي والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي (وأم سليمان بن عمرو بن الأحوص) قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة من بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة الحديث أخرجه أبو داود وسكت عنه وأخرجه ابن ماجه بنحوه قال المنذري وفي إسناده يزيد بن أبي زياد قال وقد تقدم الكلام عليه قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه قوله (والعمل عليه عند بعض أهل العلم) قال النووي مذهب مالك والشافعي وغيرهما أنه يستحب لمن وصل منى
[ 550 ]
راكبا أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا ولو رماها ماشيا جاز وأما من وصلها ماشيا فيرميها ماشيا وهذا في يوم النحر وأما اليومان الأولان من أيام التشريق فالسنة أن يرمي فيهما جميع الجمرات ماشيا وفي اليوم الثالث يرمي راكبا وينفر هذا كله مذهب مالك والشافعي وغيرهما وقال أحمد وإسحاق يستحب يوم النحر أن يرمي ماشيا قال ابن المنذر وكان ابن عمر وابن الزبير وسالم يرمون مشاة قال وأجمعوا على أن الرمي يجزيه على أي حال رماه إذا وقع في المرمى انتهى كلام النووي 61 باب ما جاء كيف ترمى الجمار قوله (أخبرنا المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي المسعودي صدوق اختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط مات سنة 061 ستين ومائة قوله (لما أتى عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (استبطن الوادي) أي قصد بطن الوادي ووقف في وسطه (واستقبل القبلة) كذا في رواية الترمذي وروى البخاري هذا الحديث وفيه وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وكذلك رواه مسلم قال الحافظ ما رواه البخاري هو الصحيح وما رواه الترمذي شاذ في إسناده المسعودي وقد اختلط انتهى (يكبر مع
[ 551 ]
كل حصاة) استدل به على اشتراط رمي الجمرات واحدة واحدة وقد قال صلى الله عليه وسلم خذوا عني مناسككم وخالف في ذلك عطاء وصاحبه أبو حنيفة رحمه الله فقالا لو رمي السبع دفعة واحدة أجزأه (الذي أنزلت عليه سورة البقرة) خص سورة البقرة بالذكر لأن كثيرا من أفعال الحج مذكور فيها فكأنه قال هذا مقام الذي أنزلت عليه أحكام المناسك منبها بذلك على أن أفعال الحج توقيفية وقيل خص البقرة بذلك لطولها وعظم قدرها وكثرة ما فيها من الأحكام أو أشار بذلك إلى أنه يشرع الوقوف عندها بقدر سورة البقرة والله أعلم قوله (وفي الباب عن الفضل بن عباس) أخرجه ابن جرير (وابن عباس) أخرجه ابن خزيمة والطبراني والحاكم والبيهقي كذا في شرح سراج أحمد (وابن عمر رضي الله عنه) أخرجه البخاري (وجابر) أخرجه مسلم ففي حديثه الطويل متى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر قوله (حديث ابن مسعود حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح في إسناده المسعودي وقد اختلط قال ولفظ واستقبل القبلة فيه شاذ كما عرفت آنفا قوله (يختارون أن يرمي الرجل من بطن الوادي) قال النووي في شرح مسلم في حديث ابن مسعود استحباب كون الرمي من بطن الوادي فيستحب أن يقف تحتها في بطن الوادي فيجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ويستقبل العقبة والجمرة ويرميها بالحصيات السبع وهذا هو الصحيح في مذهبنا وبه قال جمهور العلماء وقال بعض أصحابنا يستحب أن يقف مستقبل الجمرة مستديرا مكة وقال بعض أصحابنا يستحب أن يقف مستقبل الكعبة وتكون الجمرة عن يمينه والصحيح الأول انتهى كلام النووي قلت من قال بإستحباب استقبال القبلة وكون الجمرة عن اليمين استدل برواية الترمذي بلفظ واستقبل القبلة وجعل يرمي الجمرة على حاجبه الأيمن واحتج الجمهور القائلون باستحباب استقبال العقبة والجمرة
[ 552 ]
برواية البخاري ومسلم عن ابن مسعود بلفظ جعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه وقالوا إن رواية الشيخين مقدمة على رواية الترمذي (سبع حصيات ويكبر مع كل حصاة) قال النووي استحباب التكبير مع كل حصاة هو مذهبنا ومذهب مالك والعلماء كافة قال القاضي وأجمعوا على أنه لو ترك التكبير لا شئ عليه قوله (من ههنا رمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة) خصها بالذكر لما فيها من أحكام الحج قوله (وفي الباب عن الفضل بن عباس وابن عباس وابن عمر وجابر) أما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أيضا مسلم وغيره وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه فأخرجه مالك في الموطأ قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (إنما جعل رمى الجمار والسعي بين الصفا والمروة قامة ذكر الله) أي لأن يذكر الله في هذه المواضع المتبركة فالحذر الحذر من الغفلة وإنما خصا بالذكر مع أن المقصود من جميع العبادات هو ذكر الله تعالى لأن ظاهرهما فعل لا تظهر فيهما العبادة وإنما فيهما التعبد للعبودية بخلاف الطواف حول بيت الله والوقوف للدعاء فإن أثر العبادة لائحة فيهما كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي 62 باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار قوله (عن أيمن) بفتح الهمزة وسكون التحتية وفتح الميم (ابن نابل) بالنون وبالموحدة المكسورة صدوق يهم قاله الحافظ (عن قدامة بن عبد الله) بضم القاف وبالدال المهملة أسلم
[ 553 ]
قديما وسكن مكة ولم يهاجر وشهد حجة الوداع (ليس) أي هناك (ضرب ولا طرد ولا إليك إليك) أي تنح تنح وهو اسم فعل بمعنى تنح عن الطريق قوله (وفي الباب عن عبد الله بن حنظلة) لينظر من أخرجه قوله (حديث قدامة بن عبد الله حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي والنسائي وابن ماجه والدارمي 63 باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة قال في القاموس البدنة محركة من الابل والبقر وقال في النهاية البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة وهي بالإبل أشبه وقال في الفتح إن أصل البدن من الابل وألحقت بها البقرة شرعا قوله (البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة) وفي رواية لمسلم اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر أيشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة وعائشة وابن عباس) أما حديث ابن عمر وأبي هريرة وعائشة فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وفي الباب أيضا عن حذيفة أنه صلى الله عليه وسلم أشرك بين المسلمين في البقرة عن سبعة رواه أحمد كذا في التلخيص
[ 554 ]
قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وهو قول سفيان والثوري والشافعي وأحمد) وهو قول الحنفية واحتجوا بحديث الباب وما في معناه (وروى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أن البقرة عن سبعة والجزور عن عشرة) أسنده الترمذي فيما بعد بقوله حدثنا الحسين بن حريث الخ (وهو قول إسحاق) أي ابن راهويه (واحتج بهذا الحديث) ويشهد له ما في الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير 64 باب ما جاء في إشعار البدن قال الجزري في النهاية إشعار البدن هو أن يشق أحد جنبي سنام البدئة حتى يسيل دمها ويجعل ذلك لها علامة تعرف بها أنها هدى انتهى قال الحافظ وفائدة الاشعار الاعلام بأنها صارت هديا ليتبعها من يحتاج إلى ذلك وحتى لو اختلطت بغيرها تميزت أو ضلت عرفت أو عطبت عرفها المساكين بالعلامة فأكلوها مع ما في ذلك من تعظيم شعار الشرع وحث الغير عليه
[ 555 ]
قوله (قلد نعلين) أي علقهما وجعلهما في رقبة الهدى قال العيني رحمه الله التقليد هو تعليق نعل أو جلد ليكون علامة الهدى (وأشعر الهدي في شق الأيمن) وفي رواية مسلم فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن قال النووي صفحة السنام جانبه أي في جانب سنامها الأيمن (وأماط عنه الدم) أي مسحه وسلته عنه والحديث أخرجه مسلم ولفظه هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بذي الحليفة ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلت الدم وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج انتهى قوله (وفي الباب عن المسور بن مخرمة) أخرجه البخاري وفي الباب أيضا عن عائشة أخرجه الشيخان قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (اسمه مسلم) أي ابن عبد الله المشهور بكنيته صدوق رمى برأي الخوارج قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم الخ) قال النووي في هذا الحديث استحباب الاشعار والتقليد في الهدايا من الابل وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف وقال أبو حنيفة الاشعار بدعة لأنه مثلة وهذا يخالف الأحاديث الصحيحة المشهورة في الاشعار وأما قوله إنها مثلة فليس كذلك بل هذا كالفصد والحجامة والختان والكي والوسم انتهى قال الحافظ وأبعد من منع الاشعار واعتل باحتمال أنه كان مشروعا قبل النهي عن المثلة فإن النسخ لا يصار إليه بالاحتمال بل وقع الاشعار في حجة الوداع وذلك بعد النهي عن المثلة بزمان قوله (قال سمعت يوسف بن عيسى) أي قال أبو عيسى سمعت يوسف بن عيسى وهو من شيوخ الترمذي ثقة فاضل من العاشرة (فقال لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا فإن
[ 556 ]
الاشعار سنة وقولهم بدعة) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أشار بهذا إلى قول الامام أبي حنيفة قيل إن الاشعار عنده مكروه وقيل بدعة انتهى وقال صاحب العرف الشذي لفظ أهل الرأي ليس للتوهين بل يطلق على الفقيه إلا أن أول إطلاق هذا اللفظ على أبي حنيفة وأصحابه فإنه أول من دون الفقه قال ثم يستعمل لفظ أهل الرأي في كل فقيه انتهى قلت لا شك في أن مراد وكيع بأهل الرأي الامام أبو حنيفة وأصحابه يدل على ذلك قول وكيع الاتي أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة هو مثله وقول وكيع هذا وقوله لا تنظروا إلى قول أهل الرأي الخ كلاهما للإنكار على الامام أبو حنيفة في قوله الاشعار مثله أو مكروه فأنكر وكيع بهذين القولين عليه وعلى أصحابه إنكارا شديدا ورد عليه ردا بليغا وظهر من هذين القولين أن وكيعا لم يكن حنفيا مقلدا للإمام أبي حنيفة فإنه لو كان حنفيا لم ينكر عليه هذا الانكار البتة فبطل قول صاحب العرف الشذي أن وكيعا كان حنفيا فإن قلت قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة وكيع قال يحيى ما رأيت أفضل منه يعني من وكيع يقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة انتهى فقول يحيى هذا يدل على أن وكيعا كان حنفيا قلت المراد بقوله ويفتي بقول أبي حنيفة هو الاقتناء بجواز شرب نبيذ الكوفيين فإن وكيعا كان يشربه ويفتي بجوازه على قول أبي حنيفة قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ما فيه أي ما في وكيع إلا شربه نبيذ الكوفيين وملازمته له جاء ذلك من غير وجه عنه انتهى والحاصل أن المراد بقوله يفتي بقول أبي حنيفة الخصوص لا العموم ولو سلم أن المراد به العموم فلا شك أن المراد أنه كان يفتي بقول أبي حنيفة الذي ليس مخالفا للحديث والدليل على ذلك قولاه المذكوران وأما قول صاحب العرف الشذي لفظ أهل الرأي يطلق على الفقيه وقوله يستعمل في كل فقيه ففيه أن هذا اللفظ لا يطلق على كل فقيه كما بيناه في المقدمة (فإن الاشعار سنة وقولهم بدعة) يعني أن الاشعار ثابت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قول أهل الرأي بأن الاشعار مثلة فهو بدعة لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ولم يفهم صاحب العرف الشذي معنى هذه الجملة حيث قال قوله بدعة الخ لم يصرح وكيع بأن هذا قول أبي حنيفة وإذا ذكر قوله لم يقله بدعة إلا أنه لم يرض به انتهى كلامه بلفظه (ويقول أبو حنيفة هو مثلة) قال في النهاية يقال مثلت بالحيوان أمثل به مثلا إذا قطعت أطرافه وشوهت به ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئا من أطرافه
[ 557 ]
والاسم المثلة انتهى ومعنى قول أبي حنيفة هو مثلة أي الاشعار داخل في المثلة والمثلة حرام فالإشعار حرام ولا شك أن هذا القول مخالف لحديث الباب والظاهر عندي أنه لم يبلغه رحمه الله تعالى وأما العذر الذي ذكره الطحاوي وغيره فهو عندي بارد والله تعالى أعلم (ما أحقك بأن تحبس) بصيغة المجهول وما أحقك فعل التعجب (حتى تنزع عن قولك هذا) أي ترجع عنه وإنما غضب وكيع على ذلك الرجل الذي كان ينظر في الرأي لأنه عارض الحديث النبوي بقول ابراهيم النخعي وذكر صاحب العرف الشذي أن الامام أبا يوسف قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب الدباء فقال رجل إني لا أحبه فأمر أبو يوسف بقتل ذلك الرجل 65 باب قوله (حدثنا ابن اليمان) اسمه يحيى العجلي الكوفي صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير من كبار التاسعة (عن عبيد الله) هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أبو عثمان ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح على مالك بن نافع قوله (اشترى هديه من قديد) قال في النهاية قديد مصغرا وهو موضع بين مكة والمدينة انتهى قوله (لا نعرفه من حديث الثوري إلا من حديث يحيى بن اليمان) وقد عرفت حاله (وهذا أصح) أي هذا الموقوف من المرفوع الذي رواه يحيى بن اليمان عن الثوري
[ 558 ]
66 باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم أي من غير أن يتلبس بالإحرام والهدي ما يهدي إلى الكعبة من النعم لتنحر به وتقليدها أن يجعل في رقابها شئ كالقلادة من لحاء الشجرة أو الصوف ونحو ذلك ليعلم أنها هدي قوله (فتلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قلائد جمع قلادة وهي ما تعلق بالعنق (ثم لم يحرم) أي لم يصر محرما (ولم يترك شيئا من الثياب) أي التي أحلها الله له وفي رواية للبخاري من طريق عمرة بنت عبد الرحمن أن زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة أن عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه قالت عمرة فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئ أحله الله حتى نحر الهدي انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم قالوا إذا قلد الرجل الهدى وهو يريد الحج الخ) قال النووي من بعث هديه لا يصير محرما ولا يحرم عليه شئ مما يحرم على المحرم وهذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة انتهى (وقال بعض أهل العلم إذا قلد الرجل الهدي فقد وجب عليه ما وجب على المحرم) وبه قال ابن عباس وقد ثبت ذلك عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر رواه ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب وابن المنذر من طريق ابن جريج كلاهما عن نافع أن ابن عمر كان إذا بعث بالهدى يمسك عما يمسك عنه المحرم إلا أنه لا يلبي ومنهم قيس بن سعد بن عبادة أخرج سعيد بن منصور عن طريق
[ 559 ]
سعيد بن المسيب نحو ذلك وروى ابن أبي شيبة عن عمر وعلي أنهما قالا في الرجل يرسل ببدنة أنه يمسك عما يمسك عنه المحرم وهذا منقطع قال ابن المنذر قال عمر وعلي وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون من أرسل الهدى وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون لا يصير بذلك محرما وإلى ذلك صار نقهاء الأمصار واحتج من قال بأنه يجب عليه ما يجب على المحرم بما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي الحديث وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده كذا في فتح الباري والمذهب القوي هو أن باعث الهدى لا يصير محرما لثبوته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة وما ذهب إليه ابن عباس وغيره لم يثبت عنه بسند صحيح والله تعالى أعلم 67 باب ما جاء في تقليد الغنم قوله (كنت أفتل قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها) بالنصب تأكيد للقلائد أو بالجر تأكيد لهدى (غنما) حال عن الهدى إلا أنه اشترط في الحال من المضاف إليه صحة وضعه موضع المضاف وهو ههنا مفقود إلا على قول من قال إذا كان المضاف مثل جزء المضاف إليه مطلقا فحينئذ لا إشكال كذا في شرح الترمذي لأبي الطيب قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم الخ) وهو قول الكثيرين قال النووي في حديث عائشة دلالة لمذهبنا ومذهب
[ 560 ]
الكثيرين أنه يستحب تقليد الغنم وقال مالك وأبو حنيفة لا يستحب بل خصا التقليد بالإبل والبقر وهذا الحديث صريح في دلالته عليهما انتهى وقال ابن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي تقليد الغنم ولم نجد لهم حجة إلا قول بعضهم إنها تضعف عن التقليد وهو حجة ضعيفة لأن المقصود من التقليد العلامة وقد اتفقوا على أنها لا تشعر لأنها تضعف عنه فتقلد بما لا يضعفها والحنفية في الأصل يقولون ليست الغنم من الهدى فالحديث حجة عليهم من جهة أخرى انتهى 68 باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به عطب كفرح هلك والمراد قرب هلاكها حتى خيف عليها الموت قوله (عن ناجية الخزاعي) هو ابن جندب بن كعب وقيل ابن كعب بن جندب صحابي تفرد بالرواية عنه عروة بن الزبير قال السيوطي ليس له في الكتب إلا هذا الحديث وكان اسمه ذكوان فسماه النبي صلى الله عليه وسلم ناجية حين نجا من قريش واسم أبيه جندب وقيل كعب انتهى قوله (كيف أصنع بما عطب) قال في النهاية عطب الهدي هلاكه وقد يعبر عن افة تعتريه وتمنعه عن السير فينحر انتهى (ثم أغمس نعلها) إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به أنه هدي فيأكله (ثم خل بين الناس وبينها فيأكلوها) وفي حديث ذويب أبي قبيصة ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك قال النووي وفي المراد بالرفقة وجهان لأصحابنا أحدهما الذين يخالطون المهدي في الأكل وغيره دون باقي القافلة والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور أصحابنا أن المراد بالرفقة جميع القافلة لأن السبب الذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة فإن قيل إذا لم تجوزوا لأهل الرفقة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا إضاعة مال قلنا ليس فيه إضاعة بل العادة الغالبة أن سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك وقد تأتي قافلة إثر قافلة والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان انتهى
[ 561 ]
قوله (وفي الباب عن ذويب أبي قبيصة الخزاعي) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول إن عطب منها شئ فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك قوله (حديث ناجية حديث حسن صحيح) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا النسائي قوله (ويخلي بينه وبين الناس) أي يترك بينه وبين الناس (يأكلونه) قال النووي ولا يجوز للأغنياء الأكل منه مطلقا لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى وقال القاري في شرح الموطأ لمحمد اعلم أن هدي التطوع إذا بلغ الحرم يجوز لصاحبه وغيره من الأغنياء لأن القربة فيه بالإراقة إنما يكون في الحرم وفي غيره التصدق انتهى (وقد أجزأ عنه) أي لا بدل عليه (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا إن أكل منه شيئا غرم مقدار ما أكل منه) أي تصدق قيمة ما أكل منه من الغرم وهو أداء شئ لازم قال سعيد بن المسيب إنه كان يقول من ساق بدنة تطوعا ثم عطبت فنحرها فليجعل قلادتها ونعلها في دمها ثم يتركها للناس يأكلونها وليس عليه شئ فإن هو أكل منها أو أمر بأكلها فعليه الغرم رواه محمد في الموطأ وقوله فعليه الغرم بضم الغين أي الغرامة وهي قيمة ما أكل (وقال بعض أهل العلم إذا أكل من هدي التطوع شيئا فقد ضمن) أي عليه البدل وهذا خلاف مذهب الجمهور قال عياض فما عطب من هدي التطوع لا يأكل منه صاحبه ولا سائقه ولا رفقته لنص الحديث وبه قال مالك والجمهور وقالوا لا بدل عليه لأنه موضع بيان ولم يبين صلى الله عليه وسلم بخلاف الهدي الواجب إذا عطب قبل محله فيأكل منه صاحبه والأغنياء لأن صاحبه يضمنه لتعلقه بذمته قاله الزرقاني
[ 562 ]
69 باب ما جاء في ركوب البدنة قوله (رأى رجلا) قال الحافظ لم أقف على اسمه بعد طول البحث (يسوق بدنة) بفتح الموحدة والدال والنون وفي رواية لمسلم مقلدة وكذا في رواية للبخاري (فقال يا رسول الله إنها بدنة) أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده الاخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيدا لأن كونها من الابل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وسلم كونها هديا فقال إنها بدنة قال في الفتح والحق أنه لم يخف ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك (ويحك أو ويلك) شك من الراوي قال الجزري في النهاية ويح كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها وقد يقال بمعنى المدح والتعجب وهي منصوبة على المصدر وقد ترتفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحاله وويح له انتهى وقال الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ومعنى النداء فيه يا حزني ويا هلاكي ويا عذابي أحضر فهذا وقتك وأوانك فكأنه نادى الويل أن يحضره لما عرض له من الأمر الفظيع قال وقد يرد الويل بمعنى التعجب قوله (وفي الباب عن علي وأبي هريرة وجابر) أما حديث علي فأخرجه أحمد عنه أنه سئل أيركب الرجل هديه فقال لا بأس به قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه قال لا تتبعون شيئا أفضل من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي بنحو حديث أنس المذكور في الباب وأما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عنه أنه سئل عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 563 ]
قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة ونقل الطحاوي عن أبي حنيفة جواز الركوب مع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب أمامه وقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدى الواجب كذا في النيل وقال بعضهم لا يركب ما لم يضطر إليه قال في النيل وقيد بعض الحنفية الجواز بالاضطرار ونقله ابن أبي شيبة عن الشعبي وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوبا غير قادح وحكى ابن العربي عن مالك أن يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهب ضرورته والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكورة من قوله صلى الله عليه وسلم اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها 70 باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق قوله (نحر نسكه) جمع نسيكة بمعنى ذبيحة قال في النهاية نسك ينسك نسكا إذا ذبح والنسيكة الذبيحة (ثم ناول الحالق شقه الأيمن) فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب قاله الشوكاني (فأعطاه) أي الشعر المحلوق (فقال اقسمه بين الناس) فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارته شعر الادمي وبه قال الجمهور
[ 564 ]
قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه البخاري ومسلم تنبيه ذكر صاحب العرف الشذي ههنا قصة الامام أبي حنيفة والحجام المشهورة فقال إن أبا حنيفة لما ذهب حاجا ففرغ عن حجته وأراد الحلق فاستدبر القبلة قال الحالق استقبلها ثم بدأ أبو حنيفة باليسار قال الحالق ابدأ باليمين ثم بعد الحلق أخذ أبو حنيفة أن يقوم وما دفن الأشعار قال الحالق ادفنها فقال أبو حنيفة أخذت ثلاثة مسائل من الحالق ثم قال هذه الحكاية ثبوتها لا يعلم انتهى كلامه بلفظه قلت قال الحافظ بن حجر في التلخيص وهي قصة مشهورة أخرجها ابن الجوزي في مثير العزم الساكن بإسناده إلى وكيع عنه انتهى وقال الرافعي وإذا حلق فالمستحب أن يبدأ بالشق الأيمن ثم الأيسر وأن يكون مستقبل القبلة وأن يكبر بعد الفراغ وأن يدفن شعره انتهى كلام الرافعي قال الحافظ في التلخيص أما البداءة ففي الصحيحين عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى جمرة العقبة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن فلما فرغ منه قسم شعره بين من يليه ثم أشار إلى الحلاق فحلق الأيسر الحديث وأما استقبال القبلة فلم أره في هذا المقام صريحا وقد استأنس له بعضهم بعموم حديث ابن عباس مرفوعا خير المجالس ما استقبلت به القبلة أخرجه أبو داود وهو ضعيف وأما التكبير بعد الفراغ فلم أره أيضا وأما دفن الشعر فقد سبق في الجنائز ولعل الرافعي أخذه من قصة أبي حنيفة عن الحجام ففيها أنه أمره أن يتوجه قبل القبلة وأمره أن يكبر وأمره أن يدفن وهي مشهورة إلى آخر ما نقلنا انفا 71 باب ما جاء في الحلق والتقصير قوله (قال رحم الله المحلقين مرة أو مرتين الخ) لفظ حديث أبي هريرة عند الشيخين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله
[ 565 ]
وللمقصرين قال وللمقصرين والحديث يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لأنه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه إلا مجازا وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزئ البعض عندهم واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع إلا أن أبا يوسف قال النصف وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف في التقصير كذا في النيل قوله (وفي الباب عن ابن عباس وابن أم الحصين ومارب وأبي سعيد وأبي مريم وحبشي بن جنادة وأبي هريرة) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه وأما حديث ابن أم الحصين فلم أقف عليه نعم أخرج مسلم عن أم الحصين مرفوعا وفيه دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة واحدة وأما حديث مارب ويقال له قارب فأخرجه ابن مندة في الصحابة وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث أبي مريم فأخرجه أحمد في مسنده وأما حديث حبشي بن جنادة فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وقد ذكر العيني في عمدة القاري ألفاظ حديث هؤلاء الصحابة مع تراجمهم رضي الله عنهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما قوله (هو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح في حديث الباب من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه انتهى
[ 566 ]
72 باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء قوله (عن خلاس) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام (ابن عمرو) الهجري البصري ثقة (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها) أي في التحلل أو مطلقا وفيه دليل على أنه لا يجوز الحلق للنساء في التحلل بل المشروع لهن التقصير قوله (حديث علي فيه اضطراب) فإنه رواه همام عن قتادة عن خلاس بن عمرو مرة مسندا بذكر علي ومرة مرسلا من غير ذكر علي ورواه حماد بن سلمة عن قتادة عن عائشة وقال عبد الحق في أحكامه هذا حديث يرويه همام عن يحيى عن قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي وخالفه هشام الدستوائي وحماد بن سلمة فروياه عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا انتهى وفي الباب عن ابن عباس مرفوعا ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير أخرجه أبو داود والدارقطني والطبراني وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن القطان ورد عليه ابن الموفق فأصاب كذا في النيل وفي الباب أيضا عن عائشة من وجه آخر أخرجه البزار وهو ضعيف وعن عثمان رضي الله عنه أخرجه البزاروهو أيضا ضعيف قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون على المرأة حلقا ويرون أن عليها التقصير) وحكى الحافظ في الفتح الاجماع على ذلك
[ 567 ]
73 باب ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح أو نحر قبل أن يرمي قوله (فقال اذبح ولا حرج الخ) أي لا ضيق عليك في ذلك اعلم أن وظائف يوم النحر بالاتفاق أربعة أشياء رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الافاضة وقد أجمع العلماء على مطلوبية هذا الترتيب واختلفوا في جواز تقديم بعضها على بعض فأجمعوا على الاجزاء في ذلك إلا أنهم اختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع والظاهر جواز تقديم بعضها على بعض وعدم وجوب الدم فإن قوله صلى الله عليه وسلم لا حرج ظاهر في رفع الاثم والفدية معا لأن اسم الضيق يشملهما وهو مذهب الشافعي وجمهور السلف والعلماء وفقهاء أصحاب الحديث قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه أحمد والترمذي (وجابر) أخرجه ابن جرير (وابن عباس) أخرجه الشيخان (وابن عمر) أخرجه البزار (وأسامة بن شريك) أخرجه أبو داود قوله (حديث عبد الله بن عمرو حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق الخ) قال الطيبي رحمه الله أفعال يوم النحر أربعة رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق ثم طواف الافاضة فقيل هذا الترتيب سنة وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق لهذا الحديث يعني لحديث
[ 568 ]
عبد الله بن عمرو فلا يتعلق بتركه دم وقال ابن جبير إنه واجب وإليه ذهب جماعة من العلماء وبه قال أبو حنيفة ومالك وأولوا قوله ولا حرج على دفع الاثم لجله دون الفدية انتهى قال القاري ويدل على هذا أن ابن عباس روى مثل هذا الحديث وأوجب الدم فلولا أنه فهم ذلك وعلم أنه المراد لما أمر بخلافه انتهى كلام القاري قلت احتج الطحاوي بقول ابن عباس من قدم شيئا من نسكه أو أخره فليهرق لذلك دما قال وهو أحد من روى أن لا حرج فدل على أن المراد بنفي الحرج نفي الاثم فقط وأجيب بأن الطريق بذلك إلى ابن عباس فيها ضعف فإن ابن أبي شيبة أخرجها وفيها ابراهيم بن مهاجر وفيه مقال وعلى تقدير الصحة فيلزم من يأخذ بقول ابن عباس أن يوجب الدم في كل شئ من الأربعة المذكورة ولا يخصه بالحلق قبل الذبح أو قبل الرمي 74 باب ما جاء في الطيب عند الاحلال قبل الزيارة أي قبل طواف الزيارة قوله (ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب الخ) هذا دليل صريح على أنه يجوز استعمال الطيب يوم النحر قبل الطواف بالبيت وهو الراجح المعول عليه (وفي الباب عن ابن عباس) قال إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شئ إلا النساء فقال له رجل يا ابن عباس والطيب فقال أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا أخرجه النسائي وابن ماجه قوله (وهو الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية
[ 569 ]
قوله (وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال حل له كل شئ إلا النساء والطيب) أخرجه محمد في الموطأ بلفظ من رمى الجمرة ثم حلق أو قصر ونحر هديا إن كان معه حل له ما حرم عليه في الحج إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) وبه قال ابن عمر رضي الله عنه وهو قول مالك (وهو قول أهل الكوفة) ليس المراد بأهل الكوفة الامام أبا حنيفة لأن مذهبه في هذا الباب هو ما ذهب إليه الشافعي وأحمد وإسحاق قال محمد في الموطأ بعد رواية أثر عمر رضي الله عنه المذكور هذا قول عمر وابن عمر وقد روت عائشة خلاف ذلك قالت طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين بعد ما حلق قبل أن يزور البيت فأخذنا بقولها وعليه أبو حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى وقد استدل لمالك بما روى الحاكم عن عبد الله بن الزبير قال من سنة الحج إذا رمى الجمرة الكبرى حل له شئ حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت لكن زيادة الطيب في هذه الرواية شاذة كما صرح به الحافظ في الدراية والقول الراجح القوي هو ما ذهب إليه الشافعي وغيره 75 باب ما جاء متى يقطع التلبية في الحج قوله (من جمع) بفتح الجيم وسكون الميم اسم للمزدلفة (حتى رمى جمرة العقبة) وفي رواية لمسلم حتى بلغ الجمرة قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي وابن مسعود أخرجه أبو داود بلفظ رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة كذا في
[ 570 ]
الدراية (وابن عباس) أخرجه ابن جرير قوله (حديث الفضل حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة كذا في المنتقى (أن الحاج لا يقطع التلبية حتى يرمي الجمرة وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ في الفتح واختلفوا هل يقطع التلبية مع رمي أول حصاة أو عند تمام الرمي فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال أفضت مع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة قال ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسر لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد بقوله حتى رمى جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى كلام الحافظ قال الشوكاني والأمر كما قال ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه انتهى قلت واحتج الجمهور برواية مسلم بلفظ حتى بلغ الجمرة وبحديث ابن مسعود المذكور قال النووي في شرح مسلم قوله لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة دليل على أنه يستديم التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة غداة يوم النحر وهذا مذهب الشافعي وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأبي ثور وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ومن بعدهم وقال الحسن البصري يلبي حتى يصلي الصبح يوم عرفة ثم يقطع وحكي عن علي وابن عمر وعائشة ومالك وجمهور فقهاء المدينة أنه يلبي حتى تزول الشمس يوم عرفة ولا يلبي بعد الشروع في الوقوف وقال أحمد وإسحاق وبعض السلف يلبي حتى يفرغ من رمي جمرة العقبة ودليل الشافعي والجمهور هذا الحديث الصحيح ولا حجة للاخرين في مخالفتها فيتعين اتباع السنة وأما قوله في الرواية الأخرى فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة فقد يحتج به أحمد وإسحاق لمذهبهما ويجيب الجمهور عنه بأن المراد حتى شرع في الرمي ليجمع بين الروايتين انتهى كلام النووي قلت رواية ابن خزيمة المذكورة تخدش هذا الجواب
[ 571 ]
76 باب ما جاء متى يقطع التلبية في العمرة قوله (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كما صرح به المنذري قال الحافظ في التقريب صدوق سئ الحفظ جدا قوله (قال يرفع الحديث) أي قال عطاء يرفع ابن عباس الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحديث رواه أبو داود بلفظ حدثنا مسدد أخبرنا هشيم عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر (أنه كان) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا استلم الحجر) أي الحجر الأسود يقال استلم الحجر إذا لمسه وتناوله قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لينظر من أخرجه قوله (حديث ابن عباس حديث صحيح) قال المنذري في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى وقد عرفت أنه سئ الحفظ جدا ففي صحة هذا الحديث نظر وقال أبو داود بعد روايته رواه عبد الملك بن أبي سليمان وهمام عن عطاء عن ابن عباس موقوفا انتهى قوله (قالوا لا يقطع المعتمر التلبية حتى يستلم الحجر) واستدلوا بحديث الباب وظاهره أن المعتمر يلبي في حال دخوله المسجد وبعد رؤية البيت وفي حال مشيه حتى يشرع في الاستلام ويستثني منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص (وقال بعضهم إذا انتهى إلى بيوت مكة قطع التلبية) لم يقم على هذا القول دليل وهو مخالف لحديث الباب
[ 572 ]
77 باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل قوله (أخر طواف الزيارة إلى الليل) قال ابن القطان الفاسي هذا الحديث مخالف لما رواه ابن عمر وجابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طاف يوم النحر نهارا انتهى قلت روى الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى وروى مسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر وقد أشار الامام البخاري في صحيحه إلى الجمع بين الأحاديث بأن يحمل حديث ابن عمر وجابر على اليوم الأول وحديث ابن عباس وعائشة هذا على بقية الأيام قال البخاري في صحيحه باب الزيارة يوم النحر وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل ويذكر عن أبي حسان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى وقال لنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه طاف طوافا واحدا ثم أتى منى يعني يوم النحر ورفعه عبد الرزاق قال حدثنا عبيد الله ثم ذكر البخاري حديث أبي سلمة أن عائشة قالت حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر الحديث قال الحافظ في الفتح ولرواية أبي حسان شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عيينة حدثنا ابن طاوس عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة انتهى قلت حديث ابن عباس وعائشة المذكور في هذا الباب ضعيف كما ستعرف فلا حاجة إلى الجمع الذي أشار إليه البخاري وأما على تقدير الصحة فهذا الجمع متعين قوله (هذا حديث حسن) في كون هذا الحديث حسنا نظر فإن أبا الزبير ليس له سماع من ابن عباس وعائشة كما صرح به الحافظ ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل قوله (وقد رخص بعض أهل العلم في أن يؤخر طواف الزيارة إلى الليل) قال في زاد
[ 573 ]
المعاد أفاض صلى الله عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكبا فطاف طواف الافاضة وهو طواف الزيارة والصدر ولم يطف غيره ولم يسع معه هذا هو الصواب وطائفة زعمت أنه لم يطف في ذلك اليوم وإنما أخر طواف الزيارة إلى الليل وهو قول طاؤس ومجاهد وعروة واستدلوا بحديث ابي الزبير المكي عن عائشة المخرج في سنن أبي داود والترمذي قال الترمذي حديث حسن وهذا الحديث غلط بين خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم بحجته صلى الله عليه وسلم وقال أبو الحسن القطان عندي أن هذا الحديث ليس بصحيح إنما طاف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ نهارا وإنما اختلفوا هل هو صلى الظهر بمكة أو رجح إلى منى فصلى الظهر بها بعد أن فرغ من طوافه فإبن عمر يقول إنه رجع إلى منى فصلى الظهر بها وجابر يقول إنه صلى الظهر بمكة وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه التي فيها أنه أخر الطواف إلى الليل وهذا شئ لم يرو إلا من هذا الطريق وأبو الزبير مدلس لم يذكر ههنا سماعا من عائشة انتهى 78 باب ما جاء في نزول الأبطح أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة قاله الحافظ وقال النووي المحصب والحصبة والأبطح والبطحاء وخيف بني كنانة اسم لشئ واحد انتهى قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان ينزلون الأبطح) ويأتي في هذا الباب عن ابن عباس أنه قال ليس التحصيب بشئ إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن عائشة إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأبطح لأنه كان أسمح لخروجه قال النووي فحصل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم ومذهب الشافعي ومالك والجمهور استحبابه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وغيرهم وأجمعوا على أن من تركه لا شئ عليه ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل أو كله اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة) قالت نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه
[ 574 ]
كان أسمح لخروجه إذا خرج أخرجه الشيخان وغيرهما (وأبي رافع) قال لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل أخرجه مسلم وأبو داود (وابن عباس) أخرجه الترمذي والشيخان قوله (حديث ابن عمر حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وقد استحب بعض أهل العلم نزول الأبطح من غير أن يروا ذلك واجبا) وهو مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والجمهور قال العيني قال الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري التحصيب مستحب عند جميع العلماء وقال شيخنا زين الدين وفيه نظر لأن الترمذي حكى استحبابه عن بعض أهل العلم وحكى النووي استحبابه عن مذهب الشافعي ومالك والجمهور وهذا هو الصواب وقد كان من أهل العلم من لا يستحبه فكانت أسماء وعروة بن الزبير لا يحصبان حكاه ابن عبد البر انتهى كلام العيني والاستحباب هو الحق لتقريره صلى الله عليه وسلم على ذلك وقد فعله الخلفاء بعده ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشا على الكفر يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤووهم ولا يبايعوهم قال الزهري والخيف الوادي وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا فذكر نحوه قوله (وليس التحصيب بشئ) أي من أمر المناسك الذي يلزم فعله قاله ابن المنذر قال الحافظ من نفى أنه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شئ ومن أثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم لا الالزام بذلك انتهى
[ 575 ]
79 باب من نزل الأبطح قوله (لأنه كان أسمح لخروجه) أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي في ذلك البطئ أو المعتدل ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة قاله الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما 80 باب ما جاء في حج الصبي قوله (محمد بن طريف) بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي عن عمرو بن عبيد وأبي بكر بن عياش وأبي معاوية وعنه م د ت ق صدوق مات سنة 242 اثنتين وأربعين ومائتين (أخبرنا أبو معاوية) اسمه محمد بن حازم التميمي الضرير الكوفي ثقة (عن محمد بن سوقة) بضم السين المهملة وسكون الواو والغنوي أبو بكر الكوفي العابد ثقة مرضي عابد من الخامسة
[ 576 ]
قوله (قال نعم ولك أجر) قال النووي فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء أن حج الصبي منعقد صحيح يثاب عليه وإن كان لا يجزئه عن حجة الاسلام بل يقع تطوعا وهذا الحديث صريح فيه وقال أبو حنيفة رحمه الله لا يصح حجه قال أصحابه وإنما فعلوه تمرينا له ليعتاده فيفعله إذا بلغ وهذا الحديث يرد عليهم قال ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج به كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شئ بفعل شئ من محظورات الاحرام وإنما يحج به على جهة التدريب كذا في فتح الباري قلت واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم نعم ولك أجر وهو حجة على أبي حنيفة قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي قوله (حديث جابر حديث غريب) لم يحكم الترمذي على هذا الحديث بشئ من الصحة والحسن والظاهر أنه حسن ويشهد له حديث ابن عباس المذكور قوله (أخبرنا قزعة) بفتح القاف والزاي والعين (ابن سويد) بالتصغير أبو محمد البصري ضعيف قاله الحافظ قوله (حج بي أبي) وقال ابن سعد عن الواقدي عن حاتم حجت بي أمي ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه
[ 577 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبخاري قوله (قد أجمع أهل العلم أن الصبي إذا حج قبل أن يدرك) من الادراك أي يبلع (فعليه الحج إذا أدرك لا تجزئ عنه تلك الحجة عن حجة الاسلام) وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الاسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم نعم في جواب قولها ألهذا حج وقال الطحاوي لا حجة فيه لذلك بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم ساقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوف وأخرجه كذلك قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحارث بن شريح أخرجه كذلك الاسماعيلي والخطيب ثم ذكر الشوكاني روايات أخرى قال فيؤخذن مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الاسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة انتهى 81 باب قوله (فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان) وأخرج هذا الحديث أحمد وابن ماجه وابن أبي شيبة بلفظ حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها
[ 578 ]
غيرها أجمع على ذلك أهل العلم قوله (هذا حديث غريب) ومع غرابته ضعيف فإن في سنده أشعث بن سوار وهو ضعيف كما صرح به الحافظ في التقريب وفيه أيضا أبو الزبير المكي وهو مدلس ورواه عن جابر بالعنعنة 82 باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت قوله (حدثنا روح بن عبادة) بفتح راء وسكون واو وإهمال حاء ومن ضم الراء أخطأ كذا في المغنى قوله (أن امرأة من خثعم) بفتح الخاء المعجمة والعين المهملة أبو قبيلة من اليمن سموا به ويجوز منعه وصرفه (وهو شيخ كبير) قال الطيبي بأن أسلم شيخا وله المال أو حصل له المال في هذا الحال لا يستطيع أن يستوي على ظهر البعير (استئناف مبين قال حجي عنه) فيه دليل على جواز الحج عن غيره إذا كان معضوبا وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قاله العيني قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه البيهقي بلفظ أن امرأة من خثعم شابة قالت يا رسول الله إن أبي شيخ كبير أدركته فريضة الله على عباده في الحج لا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها قال نعم ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه (وبريدة) أخرجه الترمذي ومسلم (وحصين بن عوف) أخرجه ابن ماجه من طريق محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال حدثني حصين بن عوف قلت يا رسول الله إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج إلا معترضا فصمت ساعة ثم قال حج عن أبيك انتهى قال العقيلي قال أحمد محمد بن كريب منكر الحديث كذا في نصب الراية (وأبي رزين العقيلي) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين (وسودة) أخرجه الطبراني وذكر
[ 579 ]
الزيلعي سنده ومتنه في نصب الراية (وابن عباس) أخرجه الشيخان قوله (وروي عن ابن عباس أيضا عن سنان بن عبد الله الجهني عن عمته عن النبي صلى الله عليه وسلم) قيل في قول الترمذي هذا نظر من حيث أن الموجود بهذا الاسناد هو حديث اخر في المشي إلى الكعبة لا عن الكبير العاجز رواه الطبراني من رواية عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن كريب عن كريب عن ابن عباس عن سنان بن عبد الله الجهني أن عمه حدثته أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله توفيت أمي وعليها مشي إلى الكعبة نذرا فقال النبي صلى الله عليه وسلم هل تستطيعين أن تمشي عنها قالت نعم قال فامشي عن أمك قالت أو يجزئ ذلك عنها قال نعم أرأيت لو كان عليها دين ثم قضيتيه عنها هل كان يقبل منك قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فالله أحق بذلك وأجيب عنه بأنه أراد أن يبين الاختلاف في هذا الحديث عن ابن عباس في المتن والإسناد معا وهذا اختلاف في متنه كذا في عمدة القاري قلت لو كان إرادة الترمذي بيان الاختلاف في هذا الحديث في المتن أيضا ساق لفظ حديث ابن عباس عن سنان بن عبد الله عن عمته فالظاهر أنه قد جاء بهذا الاسناد حديث في الحج عن الكبير العاجز أيضا وقد وقف عليه الترمذي والبخاري ولم يقف عليه من تعقب على الترمذي في قوله المذكور والله تعالى أعلم قوله (فقال أصح شئ في هذا ما روى ابن عباس عن الفضل بن عباس الخ) قال الحافظ في الفتح إنما رجح البخاري الرواية عن الفضل لأنه كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ وكان ابن عباس قد تقدم من مزدلفة إلى منى مع الضعفة وقد سبق في باب التلبية والتكبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل فأخبر الفضل أنه لم يزل يلبي حتى رمى الجمرة فكأن الفضل حدث أخاه بما شاهده في تلك الحالة انتهى كلام الحافظ
[ 580 ]
قوله (وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث) أي أحاديث كثيرة وقد ذكرها الزيلعي في نصب الراية قوله (وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون أن يحج عن الميت) وبه قال أبو حنيفة قال محمد في موطأه لا بأس بالحج عن الميت وعن المرأة والرجل إذا بلغا من الكبر مالا يستطيعان أن يحجا وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى قوله (وقال مالك إذا أوصى أن يحج عنه حج عنه إلخ) قال العيني في شرح البخاي وحاصل ما في مذهب مالك ثلاثة أقوال مشهورها لا يجوز ثانيها يجوز من الولد ثالثها يجوز إن أوصى به وعن النخعي وبعض السلف لا يصح الحج عن ميت ولا عن غيره وهي رواية عن مالك وإن أوصى به وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال لا يحج أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد وكذا قال إبراهيم النخعي وقال الشافعي والجمهور يجوز الحج عن الميت عن فرضه ونذره سواء أوصى به أو لم يوص وهو واجب في تركته انتهى (وقد رخص بعضهم أن يحج عن الحي إذا كان كبيرا إلخ) وهو قول أحمد وإسحاق وأي حنيفة كما تقدم 83 باب منه قوله (قال نعم حجي عنها) فيه جواز الحج عن الميت قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأخرجه الحاكم في المستدرك وزاد فيه الصوم والصدقة وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه كذا في نصب الراية 84 باب منه قوله (عن عمرو بن أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو وبالسين المهملة الثقفي الطائفي تابعي كبير من الثانية ووهم من ذكره في الصحابة (عن أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاء
[ 581 ]
(العقيلي) بالتصغير واسمه لقيط بن عامر كذا في فتح الباري قوله (فقال يا رسول الله إن أبي شيخ كبير إلخ) قال الحافظ في الفتح هذه قصة أي غير قصة الخثعمية قال ومن وحد بينها وبين حديث الخثمعي فقد أبعد وتكلف (ولا الظعن) بفتح ظاء وسكون عين وحركتها الراحلة أي لا يقوى على السير ولا على الركوب من كبر السن كذا في المجمع (حج عن أبيك) فيه جواز الحج عن الغير واستدل الكوفيون بعمومة على جواز صحة حج من لم يحج نيابة عن غيره وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بما في السنن وصحيح ابن خزيمة وغيره من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يلي عن شبرمة فقال أحججب عن نفسك فقال لا قال حج عن نفسك ثم احجج عن شبرمة كذا في الفتح قلت الظاهر الراجح هو قول الجمهور والله تعالى أعلم (واعتمر) استدل به من قال بوجوب العمرة قال الامام أحمد لا أعلم في إيجاب العمرة حديثا أجود من هذا ولا أصح منه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري في تلخيصه تصحيح الترمذي وأقره وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وغيرهم كما تقدم قوله (وأبو رزين العقيلي اسمه لقيط بن عامر) قال الحافظ في التقريب لقيط بن صبره بفتح المهلمة وكسر الموحدة صحابي مشهور ويقال إنه جده واسم أبيه عامر وهو رزين العقيلي والأكثر على أنهما اثنان انتهى قوله (قال نعم حجي عنها) فيه جواز الحج عن الميت قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأخرجه الحاكم في المستدك وزاد فيه الصوم والصدقة وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه كذا في نصب الراية
[ 582 ]
85 باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا قوله (عن الحجاج) هو ابن أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس قوله (قال لا وأن يعتمروا هو أفضل) احتج به الحنفية والمالكية على أن العمرة ليست بواجبة لكن الحديث ضعيف كما ستعرف قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في الفتح في إسناده الحجاج وهو ضعيف وقد روى ابن لهيعة عن عطاء بن جابر مرفوعا الحج والعمرة فريضتان أخرجه ابن عدي وابن لهيعة ضعيف ولا يثبت في هذا الباب عن جابر شئ بل روى ابن الجهم المالكي بإسناد حسن عن جابر ليس مسلم إلا عليه عمرة موقوف على جابر وانتهى وقال العيني في شرح البخاي فإن قلت قال المنذري وفي تصحيحه له نظر فإن سنده الحجاج بن أرطاة ولم يحتج به الشيخان في صحيحهما وقال ابن حبان تركه ابن المبارك ويحيى القطان وابن معين وأحمد وقال قال الدارقطني لا يحتج به وإنما روى هذا الحديث موقوف على جابر وقال البيهقي ورفعه ضعيف قلت قال الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد في كتاب الامام وهذا الحكم بالتصحيح في رواية الكرخي لكتاب الترمذي وفي رواية غيره حسن لا غير وقال شيخنا زين الدين لعل الترمذي إنما حكم عليه بالصحة لمجيئه من وجه آخر فقد رواه يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عمر عن أبي الزئير عن جابر قلت يا رسول الله العمرة فريضة كالحج قال لا وأن تعتمر خير لك ذكره صاحب الامام وقال إعترض عليه بضعف عبد الله بن عمر العمري قال العيني رواه الدارقطني من رواية يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر قال قلت يا رسول الله العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج قال لا وأن تعتمر خير لك ورواه البيهقي من رواية يحيى بن أبي أيوب عن عبيد الله غير منسوب عن أبي الزبير ثم قال وهو عبيد الله بن
[ 583 ]
المغيرة تفرد به عن أبي الزبير وروى ابن ماجه من حديث طلحة بن عبيدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الحج جهاد والعمرة تطوع وروى عبد الباقي بن قانع من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وكذا روى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه انتهى قوله (وهو قول بعض أهل العلم قالوا العمرة ليست بواجبة) وهو قول الحنفية والمالكية واستدلوا بحديث الباب قد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج قوله (وكان يقال هما حجان الحج الأكبر يوم النحر والحج الأصغر العمرة) قال في مجمع البحار ومنه الحج الأكبر هو يوم النحر أو يوم عرفة ويسمون العمرة الحج الأصغر وأيام الحج كلها أو القران أو يوم حج أبو بكر والأصغر العمرة أو يوم عرفة أو الافراد انتهى ما في المجمع (وقال الشافعي العمرة سنة) أي واجبة ثابتة بالسنة قال العيني قال شيخنا زين الدين ما حكاه الترمذي عن الشافعي لا يريد به أنها ليست بواجبة بدليل قوله لا نعلم أحدا رخص في تركها لأن السنة التي يراد بها خلاف الواجب يرخص تركها قطعا والسنة تطلق ويراد بها الطريقة وغير سنة الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى (قال) أي الشافعي (وقد روى) أي في كون العمرة تطوعا (عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف) وقد تقدم آنفا الأحاديث التي رويت في كون العمرة تطوعا (وقد بلغنا عن ابن عباس أنه كان يوجبها) أخرج الشافعي وسعيد بن منصور كلاهما عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار سمعت طاوسا يقول سمعت ابن عباس يقول والله إنها لقرينتها في كتاب الله (وأتموا الحج والعمرة لله) وللحاكم من طريق عطاء عن ابن عباس الحج والعمرة فريضتان وإسناده ضعيف والضمير في قوله لقرينتها للفريضة وكأن أصل الكلام أن يقول لقرينته لأن المراد الحج كذا في فتح الباري وقد ذهب الشافعي وأحمد وغيرهما من أهل الأثر إلى وجوب العمرة واختاره البخاري في صحيحه واستدلوا بقول ابن عباس المذكور وذكره البخاري تعليقا وبقول ابن عمر رضي الله عنه ليس من خلق الله أحد إلا عليه حجة
[ 584 ]
وعمرة واجبتان من استطاع إليه سبيلا فمن زاد شيئا فهو خير وتطوع أخرجه ابن خزيمة والدارقطني والحاكم وذكره البخاري وتعليقا وقال سعيد بن أبي عروبة في المناسك عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال الحج والعمرة فريضتان وبقول صبي بن معبد لعمر رأيت الحج والعمرة مكتوبين علي فأهللت بهما فقال له هديت لسنة نبيك أخرجه أبو داود وروى ابن خزيمة وغيره في حديث عمر سؤال جبريل عن الايمان والإسلام فوقع فيه أن تحج وتعتمر وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه وبأحاديث أخر غير ما ذكر وبقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أي أقيموهما والظاهر هو وجوب العمرة والله تعالى أعلم 86 باب منه قوله (دخلت العمرة في الحج) أي في أشهر الحج قوله (وفي الباب عن سراقة) بضم السين (بن مالك بن جعشم) بضم الجيم والشين صحابي مشهور من مسلمة الفتح مات في خلافة عثمان رضي الله عنه سنة 24 أربع وعشرين وقيل بعدها أخرج النسائي وابن ماجه من طريق طاوس عن سراقة أنه قال يا رسول الله أرأيت عمرتنا هذه لعامنا أم للأبد فقال لا بل للأبد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ولطاوس عن سراقة في اتصاله نظر ولكن أخرجه الدارقطني من طريق أبي الزبير عن جابر عن سراقة (وجابر بن عبد الله) أخرج مسلم حديثه الطويل في قصة حج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقال سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله ألعامنا هذا أم للأبد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل لأبد أبد قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) في إسناده زياد بن عبد الله بن الطفيل
[ 585 ]
العامري البكائي أبو محمد الكوفي صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين ولم يثبت أن وكيعا كذبه وله في البخاري موضع واحد متابعة وفي إسناد هذا الحديث أيضا يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا فتحسين الترمذي لعله لشواهده قوله (ومعنى هذا الحديث أن لا بأس بالعمرة في أشهر الحج وهكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الجزري في النهاية دخلت العمرة في الحج معناه أنها سقط فرضها بوجوب الحج ودخلت فيه وهذا تأويل من لم يرها واجبة فأما من أوجبها فقال معناه أن عمل العمرة قد دخل في عمل الحج فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد وطواف وسعي وقيل معناه أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره لأنهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل الاسلام ذلك وأجازه انتهى قلت هذا المعنى الأخير هو الذي اختاره الترمذي وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهو الظاهر والله تعالى أعلم قوله (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أولا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر هذا يوم الحج الأكبر العمرة قد دخل في عمل الحج فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد وطواف وسعي وقيل معناه أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره لأنهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل الاسلام ذلك وأجازه انتهى قلت هذا المعنى الأخير هو الذي اختاره الترمذي وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهو الظاهر والله تعالى أعلم قوله (وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة) أجمع العلماء على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أولا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وسلم في يوم النحر هذا يوم الحج الأكبر
[ 586 ]
87 باب ما جاء في ذكر فضل العمرة قوله (عن سمى) بضم السين وفتح الميم وشدة التحتانية مولى أبي بكر ابن عبد الرحمن ثقة قوله (العمرة إلى العمرة تكفر ما بينهما) من الذنوب دون الكبائر كما في قوله الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما قاله العيني (والحج المبرور) قال ابن خالويه المبرور المقبول وقال غيره الذي لا يخالطه شئ من الاثم ورجحه النووي وقال القرطبي الأقوال التي ذكرت في تفسيره متقاربة المعنى وهي أنه الحج الذي وفيت أحكامه ووقع موقعالما طلب من المكلف على الوجه الأكمل قوله هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود .