تحفة الأحوذي
المباركفوري ج 2
[ 1 ]
تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري 1353 1283 ه طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين الهندية والمصرية ، مع ملحق خاص بالاحاديث المستدركة من جامع الترمذي الجزء الثاني تتمة أبواب الصلاة أبواب الوتر أبواب الجمعة دار الكتب العلمية بيروت . لبنان
[ 2 ]
الطبعة الاولى 1410 ه 1990 م
[ 3 ]
باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة قوله (نا يعلى ب عطاء) العامري ويقال الليثي الطائفي ثقة من الرابعة (نا جابر ابن يزيد بن الأسود) السوائي ويقال الخزاعي صدوق من الثالثة ولأبيه صحبة كذا في التقريب قوله (شهدت) أي حضرت (حجته) أي حجة الوداع (في مسجد الخيف) هو مسجد مشهور بمنى قال الطيبي الخيف ما انهدر من غليظ الجبل وارتفع عن المسيل يعني هذا وجه تسميته به (فلما قضى صلاته) أي أداها وسلم منها (انحرف) قال القاري أي انصرف عنها قلت والظاهر أن المعنى انحرف عن القبلة وقال ابن حجر أي جعل يمينه للمأمومين ويساره للقبلة ما هو السنة (فإذا هو) أي النبي صلى الله عليه وسلم (على) اسم فعل (بهما) أي أئتوني بهما وأحضروهما عندي (ترعد) بالبناء للمجهول أي تحرك من أرعد الرجل إذا أخذته الرعدة وهي الفزع والاضطراب (فرائصهما) جمع الفريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها وهي ترجف عند الخوف أي تتحرك وتضطرب والمعنى يخافان من رسول الله صلى الله عليه وسلم (في رحالنا) أي في منازلنا فلا تفعلا أي كذلك ثانيا فصليا معهم أي مع العلم فإنها لكما نافلة فيه تصريح بأن الثانية في الصلاة المعادة
[ 4 ]
نافلة وظاهره عدم الفرق بين أن تكون الأولى جماعة أو فرادى لأن في ترك الاستفصال مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال قال ابن عبد البر قال جمهور الفقهاء إنما يعيد الصلاة مع الامام في جماعة من صلى وحده في بيته أو في غير بيته وأما من صلى في جماعة وإن قلت فلا يعيد في أخرى قلت أو كثرت ولو أعاد في جماعة أخرى لأعاد في ثالثة ورابعة إلى ما لا نهاية له وهذا لا يخفى فساده قال ومن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم ومن حجتهم قوله صلى الله عليه وسلم لا تصلى صلاة في يوم مرتين انتهى وذهب الأوزاعي وبعض أصحاب الشافعي وهو قول الشافعي القديم إلى أن الفريضة هي الثانية إذا كانت الأولى فرادى واستدلوا بما أخرجه أبو داود عن يزيد بن عامر قال جئت والنبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فجلست ولم أدخل معهم في الصلاة فانصرف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فراه جالسا فقال ألم تسلم يا يزيد قال بلى يا رسول الله قد سلمت قال فما منعك أن تدخل مع الناس في صلاتهم قال إني كنت قد صليت في منزلي وأنا أحسب أن قد صليتم فقال إذا جئت إلى الصلاة فوجدت الناس فصل معهم وإن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة ولكنه قد ضعفه النووي وقال البيهقي إن حديث يزيد بن الأسود يعني حديث الباب أثبت منه وأولى ورواه الدارقطني بلفظ ويجعل التي صلى في بيته نافلة وقال هي رواية ضعيفة شاذة انتهى وعلى فرض صلاحية حديث يزيد بن عامر للاحتجاج به فالجمع بينه وبين حديث الباب ممكن بحمل حديث الباب على من صلى الصلاة الأولى في جماعة وحمل هذا على من صلى منفردا كما هو الظاهر من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث ابن عمر عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان بلفظ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تصلوا صلاة في يوم مرتين على فرض شموله عادة الفريضة من غير فرق بين أن تكون الاعادة بنية الافتراض أو التطوع وأما إذا كان النهي مختصا بإعادة الفريضة بنية الافتراض فقط فلا يحتاج إلى الجمع بينه وبين حديث الباب كذا في النيل قوله (وفي الباب عن محجن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الجيم صحابي قليل الحديث وأخرج حديثه مالك في الموطأ بلفظ أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة
[ 5 ]
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ورجع ومحجن في مجلسه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم فقال بلى يا رسول الله ولكن كنت قد صليت في أهلي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جئت المسجد وكنت قد صليت فأقيمت الصلاة فصل مع الناس وإن كنت قد صليت ورواه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم (ويزيد بن عامر) أخرج حديثه أبو داود وتقدم لفظه قوله (حديث يزيد بن الأسود حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه وأخرجه أيضا الدارقطني وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن قال الحافظ في التلخيص كلهم من طريق يعلى بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه وقال الشافعي في القديم إسناده مجهول قال البيهقي لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى قال الحافظ يعلى من رجال مسلم وجابر ثقة وثقه النسائي وغيره وقد وجدنا لجابر بن يزيد راو غير يعلى أخرجه ابن منده في المعرفة من طريق بقية عن إبراهيم بن ذي حماية عن عبد الملك بن عمير عن جابر انتهى قوله (فإنه يعيد الصلوات كلها في الجماعة) أي الصلوات الخمس كلها في الجماعة بعموم أحاديث الباب وللتصريح في حديث يزيد بن الأسود بأن قوله صلى الله عليه وسلم إذا صليتما في رحالكما إلخ كان في صلاة الصبح وقال أبو حنيفة لا يعيد الصبح ولا العصر ولا المغرب لكراهية التطوع بعد صلاة الصبح والعصر ولعدم مشروعية التطوع وترا قلت حديث الباب يدل على مشروعية الدخول مع الجماعة بنية التطوع لمن كان قد صلى تلك الصلاة ولو كان الوقت وقت كراهة للتصريح بأن ذلك كان في صلاة الصبح وإلى ذلك ذهب الشافعي فيكون هذا مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة الصبح ومن جوز التخصيص بالقياس ألحق ما ساواه من أوقات الكراهة وظاهر التقييد بقوله صلى الله عليه وسلم ثم أتيتما مسجد جماعة أن ذلك مختص بالجماعات التي تقام في المساجد لا التي تقام في غيرها فيحمل المطلق من ألفاظ الحديث على المقيد بمسجد الجماعة قاله الشوكاني قوله (ويشفع بركعة) روى ابن أبي شيبة عن علي قال إذا أعاد المغرب شفع بركعة (والتي
[ 6 ]
صلى وحده هي المكتوبة عندهم) واستدلوا عليه بحديث يزيد بن أسود المذكور في الباب وكذلك وقع في حديث أبي ذر وغيره في اخر الحديث حيث قال ولتجعلها نافلة كذا في التلخيص قلت وهذا القول هو الراجح وأما قول من قال بأن الفريضة هي الثانية فلم يقم عليه دليل صحيح كما قد عرفت باب ما جاء في الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة قوله (نا عبدة) بإسكان الباء هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي روى عن هشام بن عروة والأعمش وطائفة وعنه أحمد وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد بن سعد والعجلي قال أحمد مات سنة 781 سبع وثمانين ومائة (عن سعيد بن أبي عروبة) ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة كذا في التقريب قلت قد تابعه وهيب عن سليمان الناجي في رواية أبي داود فلا يضر تدليسه واختلاطه في هذا الحديث (عن سليمان الناجي) بالنون والجيم ويقال له سليمان الأسود أيضا وكذلك وقع في رواية أبي داود وثقه ابن معين (أيكم تيجر) بشدة التاء من أتجر يتجر إتجارا من باب الافتعال قال ابن الأثير في ا لنهاية في باب التاء مع الجيم وفيه من يتجر على هذا فيصلي معه هكذا يرويه بعضهم وهو يفتعل من التجارة لأنه يشتري بعمله الثواب ولا يكون من الأجر على هذه الرواية لأن الهمزة لا تدغم في التاء فإنما يقال فيه يأتجر وقال في باب الهمزة مع الجيم في حديث الأضاحي كلوا وادخروا وأتجروا أي تصدقوا طالبين الأجر بذلك ولا يجوز فيه اتجروا با دغام لا الهمزة لا تدغم في التاء وإنما هو من الأجر لا التجارة وقد أجازه الهروي في كتابه واستشهد عليه بقوله في الحديث الاخر أن رحلا دخل المسجد وقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته فقال من يتجر فيقوم فيصلي معه والرواية إنما هي يأتجر وإن صح فيها يتجر فيكون من التجارة لا الأجر كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة أي مكسبا انتهى كلام ابن الأثير
[ 7 ]
قلت في قولهم الهمزة لا تدغم في التاء تأمل فقف قال الله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا وقالت عائشة وكان يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض رواه الشيخان ففي اتخذ واتزر قد أدغمت في التاء وأما إنكار النحاة الادغام في قول عائشة فأتزر فلا وجه له مع صحة روايتها با دغام قال القاري في المرقاة قال في المفصل قول من قال فأتزر خطأ خطأ وقال الكرماني فأتزر في قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة فالمخطئ مخطئ انتهى وقد تقدم بعض ما يتعلق بهذا في باب مباشرة الحائض فتذكر فمعنى قوله أيكم يتجر على هذا أيكم يتصدق على هذا طالبا الأجر بذلك وقد وقع في رواية أبي داود ألا رجل يتصدق على هذا قال المظهري سماه صدقة لأنه يتصدق عليه بثواب ست وعشرين درجة إذ لو صلى منفردا لم يحصل له إلا ثواب صلاة واحدة انتهى (فقام رجل) هو أبو بكر الصديق قال الزيلعي في نصب الراية وفي رواية البيهقي أن الذي قام فصلى معه أبو بكر رضي الله عنه قوله (وفي الباب عن أبي أمامة وأبي موسى والحكم بن عمير) أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والطبراني بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى يصلي وحده فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه فقام رجل فصلى معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذان جماعة قال الهيثمي في مجمع الزوائد له طرق كلها ضعيفة انتهى وأما حديث أبي موسى وحديث الحكم بن عمير فلم أقف على من أخرجهما وفي الباب عن أنس أن جاء وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم فقام يصلي وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يتجر على هذا فيصلي معه أخرجه الدارقطني قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية إسناده جيد وكذا قال الحافظ بن حجر في الدراية وفي الباب أيضا عن سلمان أن دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم قد صلى فقال ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه وفيه محمد بن عبد الملك أبو جابر قال أبو حاتم أدركته وليس بالقوي في الحديث ورواه البزار وفيه الحسين بن الحسن الأشقر وهو ضعيف جدا وقد وثقه ابن حبان كذا في مجمع الزوائد وفي الباب أيضا عن عصمة ذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية والهيثمي وهو ضعيف قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح
[ 8 ]
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين) وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه قال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا إسحاق الأزرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل أن ابن مسعود دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود وإسناده صحيح وهو قول أنس بن مالك رضي الله عنه قال البخاري في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة انتهى قال الحافظ في الفتح وصله أبو يعلى في مسنده من طريق الجعد أبي عثمان قال مر بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة فذكر نحوه قال وذلك في صلاة الصبح وفيه فأمر فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه وأخرجه ابن أبي شيبة من طرق عن الجعد وعند البيهقي من طريق أبي عبد الصمد العمي عن الجعد نحوه وقال في مسجد بني رفاعة وقال فجاء أنس في نحو عشرين من فتيانه انتهى قوله (وبه يقول أحمد وإسحاق) قال العيني في شرح البخاري ص 096 وهو قول عطاء والحسن في رواية وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأشهب عملا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ الحديث انتهى وهذا القول هو الحق ودليله أحاديث الباب قوله (وقال اخرون من أهل العلم يصلون فرادى وبه يقول سفيان وابن المبارك ومالك والشافعي يختارون الصلاة فرادى) واستدل لهم بحديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وقال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات انتهى وأجيب عنه بوجوه منها أن هذا الحديث لا يعلم حاله كيف هو صحيح قابل للاحتجاج أم
[ 9 ]
لا وأما قول الهيثمي رجاله ثقات فلا يدل على صحته لاحتمال أن يكون فيهم مدلس ورواه بالعنعنة أو يكون فيهم مختلط ورواه عنه صاحبه بعد اختلاطه أو يكون فيهم من لم يدرك من رواه عنه أو يكون فيه علة أو شذوذ قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية في الكلام على بعض روايات الجهر بالبسملة لا يلزم من ثقة الرجال صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ والعلة وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص في الكلام على بعض روايات حديث بيع العينة لا يلزم من كون رجال الحديث ثقات أن يكون صحيحا انتهى هذا بعد تسليم أن رجال هذا الحديث ثقات على ما قال الحافظ الهيثمي لكن قال صاحب العرف الشذي إن في سنده معاوية بن يحيى وهو متكلم فيه ولفظه هكذا ولقد صنف مولانا الكنكوهي رسالة في مسألة الباب وأتى فيه بحديث أنه عليه السلام دخل المسجد وقد صلى فيه فذهب إلى بيته وجمع أهله وصلى بالجماعة ولو كانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي أخرجه في معجم الطبراني في الأوسط والكبير وقال الحافظ نور الدين الهيثمي إن رجال السند ثقات محسنة وأقول إن في سنده معاوية بن يحيى من رجال التهذيب متكلم فيه انتهى كلامه بلفظه قلت الأمر كما قال صاحب العرف الشذي لا شك في إن في سنده معاوية بن يحيى أبا مطيع الطرابلسي وهو متكلم فيه وذكر الحافظ الذهبي في الميزان أحاديثه المناكير وذكر فيها حديث أبي بكرة هذا أيضا حيث قال فيه الوليد بن مسلم عن معاوية أبي مطيع عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من بعض نواحي المدينة يريد الصلاة فوجدهم قد صلوا فانصرف إلى منزله فجمع أهله ثم صلى بهم وأما رسالة الشيخ الكنكوهي فقد صنف علمائنا في الرد عليها رسالة حسنة جيدة وأجاب عن ما استدل به الشيخ الكنكوهي جوابا شافيا ومنها أن الحديث ليس بنص على أنه صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم في منزله بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله لا للصلاة فيه وحينئذ يكون هذا الحديث دليلا لاستحباب الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة لا لكراهتها فما لم يدفع هذا الاحتمال كيف يصح الاستدلال ومنها أنه لو سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأهله في منزله لا يثبت منه كراهة تكرار الجماعة في المسجد بل غاية ما يثبت منه أنه لو جاء رجل في مسجد قد صلى فيه فيجوز له أن لا يصلي فيه بل يخرج منه فيميل إلى منزله فيصلي بأهله فيه وأما أنه لا يجوز له أن يصلي في ذلك المسجد بالجماعة أو يكره له ذلك فلا دلالة للحديث عليه البتة كما لا يدل الحديث على كراهة أن يصلي فيه منفردا ومنها أنه لو ثبت من هذا الحديث كراهة تكرار الجماعة لأجل أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في المسجد
[ 10 ]
لثبت منه كراهة الصلاة فرادى أيضا في مسجد قد صلى فيه لأنه صلى الله عليه وسلم لم يصل في المسجد لا منفردا ولا بالجماعة والحاصل أن الاستدلال بحديث أبي بكرة المذكور على كراهة تكرار الجماعة في المسجد واستحباب الصلاة فرادى ليس بصحيح ولم أجد حديثا مرفوعا صحيحا يدل على هذا المطلوب وأما قول الشيخ الكنكوهي لكانت الجماعة الثانية جائزة بلا كراهة لما ترك فضل المسجد النبوي ففيه أنه يلزم من هذا التقرير كراهة الصلاة فرادى أيضا في مسجد قد صلى فيه بالجماعة فإنه يقال لو كانت الصلاة فرادى جائزة بلا كراهة في مسجد قد صلى فيه با لجماعة لما ترك فضل المسجد النبوي فتفكر تنبيه إعلم أن الفقهاء الحنفية يذكرون في كتبهم أثرا عن أنس بن مالك يستدلون به أيضا على كراهة تكرار الجماعة في المسجد قال الشامي في رد المختار وروى عن أنس بن مالك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا إذا فاتتهم الجماعة صلوا فرادى انتهى قلت لم يثبت هذا عن أنس بن مالك في كتب الحديث البتة بل ثبت عنه خلافه قال البخاري في صحيحه وجاء أنس بن مالك إلى مسجد قد صلى فيه فأذن وأقام وصلى جماعة وقد تقدم ذكر من أخرجه موصو نعم أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال كان أصحاب محمد إذا دخلوا في مسجد قد صلى فيه صلوا فرادى انتهى لكن قد صرح الحسن بأن صلاتهم فرادى إنما كانت لخوف السلطان قال ابن أبي شيبة في مصنفه حدثنا هشيم أنا منصور عن الحسن قال إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان انتهى تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه واقعة الباب ليس حجة علينا فإن المختلف فيه إذا كان الامام والمقتدي مفترضين وفي حديث الباب كان المقتدي متنف انتهى قلت إذا ثبت من حديث الباب حصول إثبات الجماعة بمفترض ومتنفل فحصول ثوابها بمفترضين بالأولى ومن ادعى الفرق فعليه بيان الدليل الصحيح على أنه لم يثبت عدم جواز تكرار الجماعة أص لا بمفترضين ولا بمفترض ومتنفل فللقول بجواز تكرارها بمفترض ومتنقل وعدم جواز تكرارها بمفترضين مما لا يصغي إليه كيف وقد تقدم أن أنسا جاء في نحو عشرين من فتيانه إلى مسجد قد صلى فيه فصلى بهم جماعة وظاهر أنه وفتيانه كلهم كانوا مفترضين وكذلك جاء ابن مسعود إلى مسجد قد صلى فيه فجمع بعلقمة ومسروق والأسود وظاهر أنه وهؤلاء الثلاثة كلهم كانوا مفترضين فتفكر
[ 11 ]
باب ما جاء في فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة قوله (نا بشر بن السري) الأفوه بصري سكن مكة وكان واعظا ثقة متقنا طعن فيه برأى جهم ثم اعتذر وتاب روى عن الثوري وغيره (حدثنا سفيان) هو الثوري (عن عثمان بن الحكيم) بن عباد بن حنيف الأنصاري الأوسي أبو سهل المدني ثم الكوفي ثقة (عن عبد عبد الرحمن بن أبي عمرة) الأنصاري النجاري المدني ثقة كثير الحديث قوله من شهد العشاء في جماعة وفي رواية مسلم من صلى العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة وفي رواية مسلم فكأنما قام نصف الليل ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة وكذلك في رواية أبي داود وفي رواية مسلم ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله قال الحافظ المنذري في الترغيب قال ابن خزيمة في صحيحه باب فضل صلاة العشاء والفجر وبيان أن صلاة الفجر في الجماعة أفضل من صلاة العشاء في الجماعة وأن فضلها في الجماعة ضعفا فضل العشاء في الجماعة ثم ذكر حديث عثمان بنحو لفظ مسلم قال المنذري ولفظ أبي داود والترمذي يدافع ما ذهب إليه انتهى قلت الأمر كما قال المنذري فإن قلت فما التوفيق بين رواية مسلم التي تقتضي بظاهرها أن من صلى العشاء والفجر في جماعة كان له قيام ليلة ونصف وبين رواية أبي داود والترمذي التي تدل على أن له قيام ليلة قلت المراد بقوله ومن صلى الصبح في جماعة في رواية مسلم أي منضما لصلاة العشاء جماعة قاله المناوي وقال القاري في المرقاة في شرح قولهه فكأنما صلى الليل كله أي بانضمام ذلك النصف فكأنه أحي نصف الليل الأخير انتهى وهذا هو المتعين جمعا بين الروايتين والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن ابن
[ 12 ]
عمر وأبي هريرة وأنس وعمارة بن أبي رويبة وجندب وأبي بن كعب وأبي موسى وبريدة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا بلفظ من صلى العشاء في جماعة وصلى أربع ركعات قبل أن يخرج من المسجد كان كعدل ليلة القدر قال الهيثمي في مجمع الزوائد في إسناده ضعيف غير متهم بالكذب انتهى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وفيه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا وأما حديث أنس فأخرجه أحمد بمعنى حديث أبي هريرة قال الهيثمي رجاله موثقون وأما حديث عمارة بن رويبة فأخرجه مسلم في صحيحه أما حديث جندب فأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود والترمذي قوله (عن جندب) بضم الجيم وسكون النون وضم الدال وفتحها (بن سفيان) هو اسم جد جندب واسم أبيه عبد الله ينسب تارة إلى أبيه وتارة إلى جده وله صحبة من صلى الصبح فهو في ذمة الله أي في عهده وأمانه في الدنيا وا خرة وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد فلا تخفروا الله في ذمته قال في النهاية خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه والهمزة فيه للازالة أي أزلت خفارته كأشكيته إذا أزلت وهو المراد في الحديث انتهى قوله (حديث عثمان حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم ولم يحكم الترمذي قوله بشر المشائين هذا من الخطاب العام ولم يرد به أمرا واحدا على
[ 13 ]
حديث جندب بن سفيان بشئ وهو حديث صحيح أخرجه مسلم قوله (بشر المشائين) هذا من الخطاب العام ولم يردبه أمرا واحدا بعينه كذا في قوت المغتذي والمشائين جمع المشاء وهو كثير المشي بالنور التام الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم أي على الصراط لما قاسوا مشقة المشي في ظلمة الليل جوزوا بنور يضئ لهم ويحيطهم قاله المناوي وقال الطيبي في وصف النور بالتام وتقييده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا إلى وجه المنافقين في قوله تعالى انظرونا نقتبس من نوركم انتهى كلامه (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود قال المنذري في الترغيب رجال إسناده ثقات وقد ذكر في معنى هذا الحديث أحاديث أخرى بأسانيد حسان من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى الترغيب باب ما جاء في فضل الصف الأول قوله خير صفوف الرجال أولها لقربهم من الامام واستماعهم لقراءته وبعدهم من النساء وشرها اخرها لقربهم من النساء وبعدهم من الامام وخير صفوف النساء اخرها لبعدهن من الرجال وشرها أولها لقربهن من الرجال والحديث أخرجه مسلم أيضا في صحيحه قال النووي أما صفوف الرجال فهي على عمومها فخيرها أولها أبدا وشهرها اخرها أبدا أما صفوف النساء فالمراد بالحديث صفوف النساء اللواتي يصلين مع الرجال وأما إذا
[ 14 ]
صلين متميزات لا مع الرجال فهن كالرجال خير صفوفهن أولها وشرها اخرها والمراد بشر الصفوف في الرجال والنساء أقلها ثوابا وفض وأبعدها من مطلوب الشرع وخيرها بعكسه وإنما فضل اخر صفوف النساء الحاضرات مع الرجال لبعدهن من مخالطة الرجال ورؤيتهم وتعلق القلب بهم عند رؤية حركاتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وذم أول صفوفهن بعكس ذلك انتهى قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستغفر للصف الأول ثلاثا وللثاني مرة) رواه النسائي وابن ماجه وأحمد عن العرباض بن سارية قوله ما في النداء والصف الأول زاد أبو الشيخ في رواية من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير و البركة كذا في الفتح (ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا) أي إلا أن يقترعوا قال الخطابي قيل للاقتراع الاستهام لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشئ فمن خرج سهمه غلب قال الحافظ أي لم يجدوا شيئا من وجوه الأولوية أما في الأذان فبأن يستووا في معرفة الوقت وحسن الصوت ونحو ذلك من شرائط المؤذن وتكملاته وأما في الصف الأول فبأن يصلوا دفعة واحدة ويستووا في الفضل فيقرع بينهم إذا لم يتراضوا بينهم في الحالين قاله الحافظ (عليه) أي على ما ذكر ليشمل الأمرين الأذان والصف الأول وقد رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ فاستهموا عليهما قاله الحافظ قوله (عن سمي) بضم أوله بلفظ التصغير مولى أبي بكر بن عبد الرحمن المخزومي المدني وثقه أحمد وغيره
[ 15 ]
باب ما جاء في إقامة الصفوف أي في تعديلها يقال أقام العود إذا عدله وسواه قوله (لتسون) بضم التاء المثناة وفتح السين وضم الواو المشددة وتشديد النون قال البيضاوي هذه اللام هي التي يتلقى بها القسم والقسم هنا مقدر ولهذا أكده بالنون المشددة قوله أو ليخالفن الله وجوهكم أي إن لم تسووا قال النووي قيل معناه يمسخها ويحولها عن صورها لقوله صلى الله عليه وسلم يجعل الله صورته صورة حمار وقيل يغير صفاتها والأظهر والله أعلم أن معناه يوقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب كما يقال تغير وجه فلان على أي ظهر لي من وجهه كراهة لي وتغير قلبه علي لأن مخالفتهم في الصفوف مخالفة في ظواهرهم واختلاف الظواهر سبب لاختلاف البواطن انتهى قال الحافظ في الفتح ويؤيده رواية أبي داود وغيره بلفظ أو ليخالفن بين قلوبكم انتهى والحديث يدل بظاهره على وجوب تسوية الصفوف قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وجابر بن عبد الله وأنس وأبي هريرة وعائشة) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه البراء فأخرجه أبو داود وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أحمد وغيره وسيأتي لفظه وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وغير هما وله ألفاظ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود بلفظ توسطوا الامام وسدوا الخلل وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار
[ 16 ]
قوله (حديث النعمان بن بشير حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من تمام الصلاة إقامة الصف في مجمع الزوائد عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من تمام الصلاة إقامة الصف رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وقد اختلف في الاحتجاج به انتهى قوله (وروى عن عمر أنه كان يوكل بإقامة الصفوف ولا يكبر حتى يخبر أن الصفوف قد استوت) رواه مالك في الموطأ عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذ جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر (وروى عن علي وعثمان أنهما كانا يتعاهدان ذلك ويقولان أستووا إلخ) في الموطأ عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال كنت مع عثمان ابن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو يستوي الحصباء بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت فقال لي استو في الصف ثم كبر باب ما جاء ليليني منكم أولو الأحلام والنهى قوله ليليني بكسر اللامين وتخفيف النون من غير ياء قبل النون ويجوز إثبات الياء مع
[ 17 ]
تشديد النون على التوكيد . كذا قال النووي قلت قد وقع في بعض نسخ الترمذي ليلني بحذف الياء قبل النون وفي بعضها بإثباتها وقال الطيبي من حق هذا اللفظ أن يحذف منه الياء لأنه على صيغة الأمر وقد وجدنا بإثبات الياء وسكونها في سائر كتب الحديث والظاهر أنه غلط انتهى والمعنى ليدن مني فإنه من الولي بمعنى الدنو والقرب أولو الأحلام والنهي بمعنى واحد وهي العقول وقال بعضهم المراد بأولى الأحلام البالغون وبأولى النهي العقلاه فعلى الأول يكون العطف فيه من باب قوله وألفي قولها كذبا ومينا وهو أن تغاير اللفظ قائم مقام تغاير المعنى وهو كثير في الكلام وعلى الثاني يكون لكل لفظ معنى مستقل انتهى ثم الذين يلونهم قال النووي معناه الذين يقربون منهم في هذا الوصف انتهى وقال القاري في المرقاة كالمراهقين أو الذين يقربون الأولين في النهي والحلم (ثم الذين يلونهم) قال القاري كالصبيان المميزين والذين هم أنزل مرتبة من المتقدمين حلما وعق والمعنى هلم جرا فالتقدير ثم الذين يلونهم كالنساء فإن نوع الذكر أشرف على الاطلاق وقيل المراد بهم الخناثى ففيه إشارة إلى ترتيب الصفوف انتهى كلام القاري (ولا تختلفوا) أي بالأبدان (فتختلف قلوبكم) أي أهويتها وإرادتها قال الطيبي فتختلف بالنصب أي على جواب النهي وفي الحديث أن القلب تابع للأعضاء فإذا اختلفت اختلف وإذا اختلف فسد ففسدت الأعضاء لأنه رئيسها (وإياكم وهيشات الأسواق) قال النووي بفتح الهاء وإسكان الياء وبالشين المعجمة أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها انتهى وفي المرقاة جمع هيشة وهي رفع الأصوات نهاهم عنها لأن الصلاة حضور بين يدي الحضرة الالهية فينبغي أن يكونوا فيها على السكوت واداب العبودية وقيل هي الاختلاط والمعنى لا تكونوا مختلطين اختلاط أهل الأسواق فلا يتميز أصحاب الأحلام والعقول من غيرهم ولا يتميز الصبيان واناث من غيرهم في التقدم والتأخر وهذا المعنى هو الأنسب بالمقام قال الطيبي ويجوز أن يكون المعنى قوا أنفسكم من الاشتغال بأمور الأسواق فإنه يمنعكم أن تلوني قوله (وفي الباب عن أبي بن كعب وأبي مسعود وأبي سعيد والبراء وأنس) أما حديث
[ 18 ]
أبي بن كعب فأخرجه أحمد والنسائي وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي سعيد والبراء فأخرجه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم وسعيد بن منصور كذا في شرح سراج أحمد السرهندي وأما حديث أنس فأخرجه أحمد وابن ماجه بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه (حديث ابن مسعود حديث حسن غريب) وأخرجه مسلم قوله (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعجبه إلخ) رواه ابن ماجه من حديث أنس كما تقدم انفا قوله (هو خالد بن مهران) بكسر الميم وسكون الهاء (ويكنى أبا المنازل) بفتح الميم وقيل بضمها وكسر الزاء (أن خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة (ما حذا نع) قال في القاموس حذا النعل حذوا وحذاء قدرها وقطعها باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري جمع سارية بمعنى الاسطوانة
[ 19 ]
قوله (كنا نتقي هذا) أي الصلاة بين الساريتين قوله (وفي الباب عن قرة بن إياس المزني) قال كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا أخرجه ابن ماجه وفي إسناده هارون بن مسلم البصري وهو مجهول كما قال أبو حاتم يشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها وقال لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه قوله (وقد كره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه يقول أحمد وإسحاق) وبه قال النخعي وروى سعيد بن منصور في سننه النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة قال ابن سيد الناس ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر بن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال قال ابن سيد الناس والأول أشبه لأن الثاني محدث قال القرطبي روى أن سبب كراهة ذلك أن مصلى جن المؤمنين قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك) أي الصلاة بين السواري رخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسا على الامام والمنفرد قالوا وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين قال ابن رسلان وأجازه الحسن وابن سيرين وكان سعيد بن جبير وإبراهيم التيمي وسويد بن غفلة يؤمون قومهم بين الأساطين وهو قول الكوفيين قال الشوكاني حديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ففيه
[ 20 ]
دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد ولكن حديث أنس الذي أخرجه الحاكم فيه النهي عن الصلاة مطلقا فيحمل المعلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين دون صلاة الامام والمنفرد وهذا أحسن ما يقال وأما قياس المؤتمين على الامام والمنفرد ففاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب انتهى باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده قوله (عن هلال بن يساف) بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء ويقال ابن أساف الأشجعي مولاهم الكوفي ثقة من أوساط التابعين (ونحن بالرقة) بفتح الراء وشدة القاف اسم موضع قوله (فقال زياد حدثني هذا الشيخ) يعني وابصة بن معبد (والشيخ يسمع) هذا مقول هلال بن يساف وهو جملة حالية أي فقال زياد حدثني هذا الشيخ أن إلخ والحال أن الشيخ كان يسمع كلامه ولم ينكر عليه (فأمره صلى الله عليه وسلم أن يعيد الصلاة) فيه دلالة على أن الصلاة خلف الصف وحده لا تصح وأن من صلى خلف الصف وحده فعليه أن يعيد الصلاة قوله (وفي الباب عن علي بن شيبان وابن عباس) أما حديث علي بن شيبان فأخرجه أحمد وابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رج يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له استقبل صلاتك فلا صلاة لمنفرد خلف الصف إسناده حسن روى الأثرم عن أحمد أنه قال حديث حسن قال ابن سيد الناس رواته ثقا ت معروفون وهو من رواية عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه ابن حزم وما نعلم أحدا عابه بأكثر من أنه لم يرو عنه إلا عبد الرحمن بن بدر وهذا ليس جرحة انتهى ويشهد لحديث علي بن شيبان ما أخرجه ابن حبان عن
[ 21 ]
طلق مرفوعا لا صلاة لمنفرد خلف الصف كذا في النيل وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم من اخر الليل فصليت خلفه فأخذ بيدي فجرني حتى جعلني حذاءه قوله (حديث وابصة حديث حسن) قال الحافظ في الفتح أخرجه أصحاب السنن وصححه أحمد وابن خزيمة وغيرهما قوله (وبه يقول أحمد وإسحاق) وبه قال بعض محدثي الشافعية كابن خزيمة وممن قال بذلك النخعي والحسن بن صالح وبه قال قوم من أهل الكوفة كما بينه الترمذي واستدلوا بأحاديث الباب (وقد قال قوم من أهل العلم تجزئه إذا صلى خلف الصف وحده وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي) وهو قول الحنفية واستدل لهم بحديث أنس قال صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي أم سليم خلفنا رواه البخاري ومسلم قال الزيلعي في نصب الراية وأحكام الرجال والنساء في ذلك سواء انتهى وقال ابن بطال لما ثبت ذلك للمرأة كان للرجل أولى انتهى ورد هذا الاستدلال بأنه إنما ساغ ذلك للمرأة لامتناع أن تصف مع الرجال بخلاف الرجل فإن له أن يصف معهم وأن يزاحمهم وأن يجذب رجلا من حاشية الصف فيقوم معه فافقترقا قال الحافظ في الفتح قال ابن خزيمة لا يصح الاستدلال به لأن صلاة المرء خلف الصف وحده منهي عنها باتفاق ممن يقول تجزئه أو لا تجزئه وصلاة المرأة وحدها إذا لم يكن هناك امرأة أخرى مأمور بها باتفاق فكيف يقاس مأمور على منهى انتهى واستدل لهم أيضا بحديث ابن عباس بأنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فأخذه صلى الله عليه وسلم بيده وجعله حذاءه ولم يأمره بإعادة الصلاة وأجيب عنه بأن رواية ابن عباس هذه هي إحدى الروايات التي وردت في صفة دخوله مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل في الليلة التي بات فيها عند خالته ميمونة والذي في الصحيحين وغيرهما
[ 22 ]
أنه قام عن يساره فجعله عن يمينه وهو الأصح الأرجح واستدل لهم أيضا بحديث أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف ثم مشى إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال زادك الله حرصا ولا تعد رواه البخاري وأبو داود والنسائي قال التوربشتي ومحي السنة فيه دلالة على أن الانفراد خلف الصف لا يبطل لأنه لم يأمره با عادة وأرشده في المستقبل بما هو أفضل بقوله ولا تعد فإنه نهي تنزيه لا تحريم إذا لو كان للتحر يم لأمره با عادة انتهى وقال ابن الهمام من العلماء الحنفية وحمل أئمتنا حديث وابصة على الندب وحديث علي بن شيبان على نفي الكمال ليوافقا حديث أبي بكرة إذ ظاهره عدم لزوم الاعادة لعدم أمره بها انتهى كلامه محصلا قلت قال الحافظ في الفتح جمع أحمد وغيره بين الحديثين يعني بين حديث وابصة وحديث أبي بكرة بأن حديث أبي بكرة مخصص لعموم حديث وابصة فمن ابتدأ الصلاة منفردا خلف الصف ثم دخل في الصف قبل القيام من الركوع لم تجب عليه الاعادة كما في حديث أبي بكرة وإلا فيجب على عموم حديث وابصة وعلي بن شيبان انتهى وهذا الجمع حسن بل هو المتعين فإنه يحصل التوفيق بين الأحاديث بلا تكلف والله تعالى
[ 23 ]
فائدة قد اختلف في من لم يجد فرجة ولا سعة في الصف ما الذي يفعل فقيل إنه يقف منفردا ولا يجذب إلى نفسه أحدا لأنه لو جذب إلى نفسه واحدا لفوت عليه فضيلة الصف الأول ولأوقع الخلل في الصف وبهذا قال أبو الطيب الطبري وحكاه عن مالك وقال أكثر أصحاب الشافعي إنه يجذب إلى نفسه واحدا ويستحب للمجذوب أن يساعده ولا فرق بين الداخل في أثناء الصلاة والحاضر في ابتدائها في ذلك وقد روى عن عطاء وإبراهيم النخعي أن الداخل إلى الصلاة والصفوف قد استوت واتصلت يجوز له أن يجذب إلى نفسه واحدا ليقوم معه واستقبح ذلك أحمد وإسحاق وكرهه الأوزاعي ومالك واستدل القائلون بالجواز بما رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي من حديث وابصة أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل صلى خلف الصف أيها المصلي هلا دخلت في الصف أو جررت من الصف أعد صلاتك وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك وله طريق أخرى في تاريخ أصبهان لأبي نعيم وفيها قيس بن الربيع وفيه ضعف لأبي داود في المراسل من رواية مقاتل بن حيان مرفوعا إن جاء فلم يجد أحدا فليختلج إليه من الصف فليقم معه فما أعظم أجر المختلج وأخرج الطبراني عن ابن عباس بإسناد قال الحافظ واه بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الاتي وقد تمت الصفوف أن يجتذب إليه يقيمه إلى جنبه كذا في النيل باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل
[ 24 ]
قوله (ذات ليلة) أي في ليلة ولفظ ذات مقحم وقال جار الله وهو من إضافة المسمى إلى اسمه (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسي من ورائي) كلا الجارين متعلقان بأخذ (فجعلني عن يمينه) فيه دلالة على أن المأموم الواحد يقف على يمين الامام وهو مذهب جميع أهل العلم ونقل جماعة الاجماع فيه قاله النووي قوله (وفي الباب عن أنس) أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى به وبأمه أو خالته قال فأقامني عن يمينه وأقام المرأة خلفنا أخرجه مسلم قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين قوله (أن يتقدمنا أحدنا) معمول لقوله أمرنا على حذف الباء أي بأن يتقدمنا أحدنا وإذا كنا ظرف يتقدمنا وجاز تقديمه على أن المصدرية للاتساع في الظروف قاله الطيبي
[ 25 ]
قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وجابر) أما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد عن الأسود بن يزيد قال دخلت أنا وعمي علقمة على ابن مسعود بالهاجرة قال فأقام الظهر ليصلي فقمنا خلفه فأخذ بيدي ويد عمي ثم جعل أحدنا عن يمينه وا خر عن يساره فصففنا صفا واحدا قال ثم قال هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا كانوا ثلاثة وأخرج أبو داود والنسائي معناه وأخرجه مسلم مطو ومختصرا وسيجئ لفظه المختصر وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي فجئت حتى قمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدينا جميعا فدفعنا حتى أقامنا خلفه قوله (وحديث سمرة حديث غريب) في إسناده إسماعيل بن مسلم وقد تكلم بعض الناس كما صرح به الترمذي وقد تكلم الناس في سماع الحسن عن سمرة لكنه مؤيد بحديث جابر المذكور وبحديث أنس قال صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم خلفنا رواه مسلم قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم إذا كانوا ثلاثة قام رجلان خلف الامام) وهو الحق وقال ابن مسعود رضي الله عنه وصاحباه الأسود وعلقمة ونفر يسير من أهل الكوفة قام أحدهما عن يمين الامام وا خر عن شماله وخالفهم جميع العلماء من الصحابة فمن بعضهم كما ستقف عليه في كلام النووي قوله (وروى عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود فأقام أحدهما عن يمينه وا خر عن يساره إلخ) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وتقدم انفا لفظه وبه قال بعض الكوفيين واحتجوا
[ 26 ]
بحديث ابن مسعود هذا وأجاب عنه ابن سيرين بأن ذلك كان لضيق المكان رواه الطحاوي كذا في فتح الباري وفي صحيح مسلم عن إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فقال أصلي من خلفكم قالا نعم فقام بينهما وجعل أحدهما عن يمينه وا خر عن شماله ثم ركعنا فوضعنا أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي هذا مذهب ابن مسعود وصاحبيه وخالفهم جميع العلماء من الصحابة إلى الان فقالوا إذا كان مع الامام رجلان وقفا وراءه صفا لحديث ث جابر وجبار بن صخر وقد ذكر مسلم في صحيحه في اخر الكتاب في الحديث الطويل عن جابر وأجمعوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة يقفون وراءه وأما الواحد فيقف عن يمين الامام عند العلماء كافة ونقل جماعة الاجماع فيه انتهى كلام النووي باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجال ونساء قوله (أن جدته) أي جدة أنس (مليكة) بضم الميم تصغير ملكة وقيل ضمير جدته يرجع إلى إسحاق بن عبد الله وقد بسط الحافظ في الفتح الكلام في هذا من شاء الوقوف عليه فليرجع إليه (من طول ما لبس) أي استعمل وفيه أن الافتراش يسمي لبسا (فنضحته بالماء) يحتمل أن يكون النضح لتليين الحصير أو لتنظيفه أو لتطهيره ولا يصح الجزم بالأخير بل المتبادر غيره لأن الأصل الطهارة (والعجوز من ورائنا) هي مليكة المذكورة ثم انصرف أي إلى بيته أو من الصلاة وفي هذا الحديث من الفوائد صلاة النافلة جماعة في البيوت وقيام الصبي مع الرجل صفا وتأخير النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفا وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها وصحة صلاة الصبي المميز ووضوئه
[ 27 ]
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان باب من أحق بالإقامة قوله (وابن نمير) بالتصغير هو عبد الله نمير الهمداني الخارقي أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة روى عن الأعمش وغيره قال ابنه محمد مات سنة 991 تسع وتسعين ومائة (عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي) بضم الزاي مصغرا أبي إسحاق الكوفي ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة (عن أوس بن ضمعج) بفتح المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة مفتوحة ثم جيم بوزن جعفر الكوفي ثقة مخضرم من الثانية قاله الحافظ (سمعت أبا مسعود الأنصاري) اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة البدري صحابي جليل (عن أوس بن ضمعج) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم قوله يؤم القوم قال الطيبي بمعنى الأمر أي ليؤمهم (أقرؤهم لكتاب الله) قيل المراد به
[ 28 ]
الأفقه وقيل هو على ظاهره وبحسب ذلك اختلف الفقهاء قال النووي قال أصحابنا الأفقه مقدم على الأقرأ فإن الذي يحتاج إليه من القراءة مضبوط والذي يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط فقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصلاة فيه إلا كامل الفقه ولهذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله عليه وسلم نص على أن غيره أقرأ منه كأنه عنى حديث أقرؤكم أبي قال وأجابوا عن الحديث بأن الأقرأ من الصحابة كان هو الأفقه انتهى قال الحافظ في الفتح وهذا الجواب يلزم منه أن من نص النبي صلى الله عليه وسلم على أنه أقرأ من أبي بكر كان أفقه من أبي بكر فيفسد الاحتجاج بأن تقديم أبي بكر كان لأنه الأفقه انتهى ثم قال النووي بعد ذلك إن قوله في حديث أبي مسعود فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم في الهجرة يدل على تقديم الأقرأ مطلقا انتهى قال الحافظ وهو واضح للمغايرة وهذه الرواية أخرجها مسلم من وجه اخر عن إسمعيل بن رجاء ولا يخفى أن محل تقديم الأقرأ إنما هو حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فأما إذا كان جاه بذلك فلا يقدم اتفاقا والسبب فيه أن أهل ذلك العصر كانوا يعرفون معاني القران لكونهم أهل اللسان فالأقرأ منهم بل القاري كان أفقه في الدين من كثير من الفقهاء الذين جاؤا بعدهم انتهى كلام الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث الباب ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه إلا أن الحاكم قال عوض قوله فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا انتهى قال وقد أخرج مسلم في صحيحه هذا الحديث ولم يذكر فيه فأفقههم فقها وهي لفظة عزيزة غريبة بهذا الاسناد الصحيح وسنده عن يحيى بن بكير ثنا الليث عن جرير بن حازم عن الأعمش عن إسمعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود فذكره ثم أخرجه الحاكم عن الحجاج ابن أرطاة عن إسمعيل بن رجاء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأفقهم في الدين فإن كانوا في الفقه سواء فأقرأهم للقران والحديث وسكت عنه والباقون من الأئمة يخالفوننا في هذه المسألة ويقولون إن الأقرأ لكتاب الله يقدم على العالم كما هو لفظ الحديث حتى إذا اجتمع من يحفظ القران وهو غير عالم وفقيه يحفظ يسيرا من القران يقدم حافظ القران عندهم ونحن نقول يقدم الفقيه وأجاب صاحب الكتاب بأن الأقرأ في ذلك الزمان كان أعلمهم وهذا يرده لفظ الحاكم الأول ويؤيد مذهبنا لفظه الثاني إلا أنه معلول بالحجاج بن أرطأة قال ويشهد للخصم أيضا حديث عمرو بن سلمة ثم ذكره عن البخاري وفيه وبدر أبي قومهم بإسلامهم فلما قدم قال جئتكم والله من عند النبي حقا فقالوا صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلاة كذا في حين كذا وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم
[ 29 ]
قرانا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرانا منى لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين إلخ قلت القول الظاهر الراجح عندي هو تقديم الأقرأ على الأفقه وقد عرفت في كلام الحافظ أن محل تقديم الأقرأ حيث يكون عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فاعلمهم بالسنة قال الطيبي أراد بها الأحاديث فالأعلم بها كان هو الأفقه في عهد الصحابة فاقدمهم هجرة أي انتقا من مكة إلى المدينة قبل الفتح فمن هاجر أو فشرفه أكثر ممن هاجر بعده قال تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الاية ولا يؤم الرجل بصيغة المجهول وفي رواية مسلم لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه أي في مظهر سلطنته ومحل ولايته أو فيما يملكه أو في محل يكون في حكمه ويعضد هذا التأويل الرواية الأخرى في أهله ورواية أبي داود في بيته ولا في سلطانه ولذا كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج وصح عن ابن عمر أن إمام المسجد مقدم على غير السلطان وتحريره أن الجماعة شرعت لاجتماع المؤمنين على الطاعة وتالفهم وتوادهم فإذا أم الرجل الرجل في سلطانه أفضى ذلك إلى توهين أمر السلطنة وخلع ربقة الطاعة وكذلك إذا أمه في قومه وأهله أدى ذلك إلى التباغض والتقاطع وظهور الخلاف الذي شرع لدفعه الاجتماع فلا يتقدم رجل على ذي السلطنة لا سيما في الأعياد والجماعة ولا على إمام الحي ورب البيت إلا بالاذن قاله الطيبي (ولا يجلس) بصيغة المجهول (على تكرمته) كسجادته أو سريره وهي وهي في الأصل مصدر كرم تكريما أطلق مجازا على ما يعد للرجل إكراما له في منزله (إلا بإذنه) قال ابن الملك متعلق بجميع ما تقدم قلت كل من قال إن صاحب المنزل إذا أذن لغيره فلا بأس أن يصلي بهم يقول إن إلا بإذنه متعلق بجميع ما تقدم وكل من لم يقل به إنه متعلق بقوله ولا يجلس فقط قوله (قال محمود) يعني ابن غيلان (قال ابن نمير في حديثه أقدمهم سنا) أي قال هذا اللفظ مكان لفظ أكبرهم سنا قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأنس بن مالك ومالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة)
[ 30 ]
أما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي وأما حديث أنس فلم أقف عليه وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه الجماعة وأما حديث عمرو بن سلمة فأخرجه البخاري قوله (حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وقال بعضهم إذا أذن صاحب المنزل لغيره فلا بأس أن يصلي بهم) قال في المنتقى وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه ويعضده عموم ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة عبد أدى حق الله وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل ليلة رواه الترمذي وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الاخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه أبو داود (وكرهه بعضهم) أي وإن أذن صاحب المنزل وقالوا السنة أن يصلي صاحب البيت أي يؤم صاحب البيت ولا يؤم الزائر لحديث مالك بن الحويرث قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم رواه الخمسة إلا ابن ماجه وقال هؤلاء قوله (إلا بإذنه) في حديث الباب متعلق بقوله لا يجلس على تكرمته وليس متعلقا بقوله لا يؤم الرجل (فإذا أذن فأرجو أن الاذن في الكل) فقوله إلا بإذنه متعلق بكلا الفعلين عند أحمد قال الشوكاني في النيل ويعضده عموم قوله في حديث ابن عمرو هم به راضون وقوله في حديث أبي هريرة إلا بإذنه كما قال المصنف يعني صاحب المنتقى فإنه يقتضي جواز إمامة الزائر عند رضي المزور قال العراقي ويشترط أن يكون المزور أهلا ل مامة فإن لم يكن أهلا كالمرأة في صورة كون الزائر رجلا والأمي في صورة كون الزائر قارئا ونحوهما فلا حق له في الامامة واعلم أن الامام البخاري قال في صحيحه باب إذا زار الامام قوما فأمهم ثم ذكر فيه
[ 31 ]
حديث عتبان بن مالك قد استأذ ن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له فقال أين تحب أن أصلي من بيتك فأشرت إلى المكان الذي أحب فقام وصففنا خلفه ثم سلم وسلمنا قال الحافظ في الفتح قيل أشار بهذه الترجمة إلى أن حديث مالك بن الحويرث الذي أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه مرفوعا من زار قوما فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم محمول على من عدا الامام الأعظم وقال الزين بن المنير مراده أن الامام الأعظم ومن يجري مجراه إذا حضر بمكان مملوك لا يتقدم عليه مالك الدار ولكن ينبغي للمالك أن يأذن له ليجمع بين الحقين حق الامام في التقدم وحق المالك في منع التصرف بغير إذنه انتهى ملخصا ويحتمل أنه أشار إلى ما في حديث أبي مسعود ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فإن مالك الشئ سلطان عليه وا مام الأعظم سلطان على المالك وقوله إلا بإذنه يحتمل عوده على الأمرين الامامة والجلوس وبذلك جزم أحمد كما حكاه الترمذي فتحصل بالاذن مراعاة الجانبين انتهى باب ما جاء إذا أم أحدكم الناس فليخفف قوله (حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن) بن عبد الله الخزامي المدني روى عن أبي الزناد فأكثر وعنه يحيى بن يحيى وقتيبة قال أبو داود رجل صالح وقال أحمد ما بحديثه بأس وقال الكسائي ليس بالقوي كذا في الخلاصة وقال الحافظ ثقة له غرائب فليخفف قال ابن دقيق العيد التطويل والتخفيف من الأمور الاضافية فقد يكون الشئ خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طوي بالنسبة لعادة اخرين قال وقول الفقهاء لا يزيد الامام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير تقتضي أن لا يكون ذلك تطويلا قال الحافظ وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له أنت إمام قومك وأقدر القوم بأضعفهم إسناده حسن وأصله في مسلم أنتهى فإن فيهم الصغير والكبير أي في السن والضعيف أي ضعيف الخلقة والمريض وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع وله من حديث
[ 32 ]
عدي بن حاتم والعابر السبيل ووقع في حديث أبي مسعود وذا الحاجة وهو أشمل الأوصاف المذكورة قال الحافظ في الفتح قوله فإن فيهم مقتضاه أنه متى لم يكن فيهم متصف بصفة من المذكورات لم يضر التطويل قال وقد قدمت ما يرد عليه من إمكان مجئ من يتصف بإحداها وقال اليعمري الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا قال وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وعلل بالمشقة وهو مع ذلك يشرع ولو لم يشق عم بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهناك كذلك انتهى ما في الفتح وقال ابن عبد البر ينبغي لكل إمام أن يخفف لأمره صلى الله عليه وسلم وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض وحاحة وحدث وغيره فليصل كيف شاء أو مخففا أو مطو وفي رواية البخاري فليطول ما شاء قال القاري في المرقاة والحديث بظاهره ينافي قول بعض الشافعية إن تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين مبطل للصلاة انتهى قلت الأولى أن يقال إن الحديث ينفي قول بعض الشافعية ويرده قوله (وفي الباب عن عدي بن حاتم وأنس وجابر بن سمرة ومالك بن عبد الله وأبي واقد وعثمان بن أبي العاص وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس) أما حديث عدي بن حاتم فأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأما حديث مالك بن عبد الله وهو الخزاعي وحديث أبي واقد فأخرجهما الطبراني وأما حديث عثمان بن أبي العاص فأخرجه مسلم وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان وابن ماجه وأحمد وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة وفي الباب أيضا عن حزم بن أبي كعب أخرجه أبو داود وعن ابن عمر أخرجه النسائي وعن بريدة أخرجه أحمد وعن رجل من بني سلمة يقال له سليم من الصحابة أخرجه أحمد قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه قوله (وهو قول أكثر أهل العلم اختاروا أن لا يطيل الامام الصلاة إلخ) قال ابن عبد البر
[ 33 ]
التخفيف لكل إمام مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى عن نقر الغراب ورأى يصلي فلم يتم ركوعه فقال له أرجع فصل فإنك لم تصل وقال لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده ثم قال لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أم قوما على ما شرطنا من الاتمام وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال لا تبغضوا الله إلى عباده يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه انتهى قوله (من أخف الناس صلاة في تمام) قال القاضي خفة الصلاة عبارة عن عدم تطويل قراءتها والاقتصار على قصار المفصل وعن ترك الدعوات الطويلة في الانتقالات وتمامها عبارة عن الاتيان بجميع الأركان والسنن واللبث راكعا وساجدا بقدر ما يسبح ثلاثا انتهى قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام القاضي هذا وفيه إيهام إنه ما كان يقرأ أوساط المفصل وطوالها وقد ثبت قراءته إياها فالمعنى بالخفة أنه ما كان يمططها ويمددها في غير مواضعها كما يفعله الأئمة المعظمة حتى في مكة المكرمة في زماننا فإنهم يمدون في المدات الطبيعية قدر ثلاث ألفات ويطولون السكتات في مواضع الوقوفات ويزيدون في عدد التسبيحات أنتظارا لفراغ المكبرين المطولين في النغمات بل كانت قراءته عليه السلام مجودة محسنة مرتلة مبينة من خاصية قراءته اللطيفة أنها كانت خفيفة على النفوس الشريفة ولو كانت طويلة لأن الأرواح لا تشبع منها والأشباح لا تقنع بها انتهى تنبيه قال صاحب العرف الشذي الحنفي ظهور التخفيف إنما يكون في القراءة لا في الركوع والسجود وتعديل الأركان ما هو معلوم من فعل صاحب الشريعة انتهى قلت لكن أكثر الحنفية يخالفون فعل صاحب الشريعة هذا فيخففون في الركوع والسجود غاية التخفيف حتى يكون سجودهم كنقر الديك وأما تعديل الأركان فلا يخففون فيه بل يتركونه رأسا فهداهم الله تعالى إلى فعل صاحب الشريعة الذي قال صلوا كما رأيتموني أصلي قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 34 ]
باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها قوله (عن أبي سفيان طريف السعدي) هو طريف بن شهاب أو ابن سعد البصري الأشل ويقال له الأعصم ضعيف من السادسة كذا في التقريب وقال في الميزان ضعفه ابن معين وقال أحمد ليس بشئ وقال البخاري ليس بالقوي عندهم وقال النسائي متروك (عن أبي نضرة) بنون مفتوحة ومعجمة ساكنة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة بضم القاف وفتح المهملة العبدي العوفي البصري مشهور بكنيته ثقة من الثالثة قوله مفتاح الصلاة الطهور تقدم هذا الحديث مع شرحه في أبواب الطهارة رواه الترمذي هناك من حديث علي ورواه ههنا من حديث أبي سعيد ولا صلاة لمن لم يقرأ بالحمد وسورة في فريضة وغيرها فيه دلالة على أن قراءة سورة بعد الفاتحة واجبة لكن الحديث ضعيف ويعارضه ما رواه الدارقطني عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أم القران عوض من غيرها وليس غيرها منها بعوض وقال الحافظ في التلخيص وروى الحاكم من طريق أشهب عن ابن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة مرفوعا أم القران عوض من غيرها وليس غيرها عوضا منها وله شواهد فساقها انتهى وما في صحيح البخاري عن أبي هريرة يقول في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى عناأخفينا عنكم وإن لم تزد على أم القران أجزأت وإن زدت فهو خير قال الحافظ في الفتح وأخرجه أبو عوانة من طريق يحيى بن أبي الحجاج عن ابن جريج كرواية الجماعة لكن زاد في اخره وسمعته يقول لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة نعم قوله ما أسمعنا وما أخفى عنا يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون للجميع حكم الرفع انتهى وما رواه ابن خزيمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فصلى ركعتين لم يقرأ فيهما إلا بفاتحة الكتاب ذكره الحافظ في الفتح
[ 35 ]
قوله (وفي الباب عن علي وعائشة) أما حديث علي فتقدم في أبواب الطهارة وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين قوله (وحديث علي بن أبي طالب أجود وأصح من حديث أبي سعيد) لأن في سند حديث أبي سعيد طريف السعدي وهو ضعيف كما عرفت (وقد كتبناه) أي حديث علي (أول) بالبناء على الضم أي في أول الكتاب (في كتاب الوضوء) أي في باب ما جاء مفتاح الصلاة الطهور (والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق إن تحريم الصلاة التكبير ولا يكون الرجل داخ في الصلاة إلا بالتكبير) وهو قول الجمهور ووافقهم أبو يوسف واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب ومن حجتهم حديث رفاعة في قصة المسئ صلاته أخرجه أبو داود بلفظ لا تتم صلاة أحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء مواضعه ثم يكبر ورواه الطبراني بلفظ ثم يقول الله أكبر وحديث أبي حميد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه ثم يقول الله أكبر أخرجه ابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان وهذا فيه بيان المراد بالتكبير وهو قول الله أكبر وروى البزار بإسناد صحيح عن علي على شرط مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة قال الله أكبر كذا في فتح الباري (قال أبو عيسى سمعت أبا بكر محمد بن أبان) ابن الوزير البلخي يلقب بحمدويه و كان مستملي وكيع ثقة حافظ من العاشرة قال ابن حبان كان ممن جمع وصنف روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري والأربعة وخلق (يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي) البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه يقول لو افتتح الرجل الصلاة بتسعين اسما من أسماء الله ولم يكبر لم يجزه يعني لفظ الله أكبر متعين لافتتاح
[ 36 ]
الصلاة لا يكون الافتتاح إلا به فلو قال أحد الله أجل أو أعظم أو قال الرحمن أكبر مثلا لم يجزه ولم يصح الافتتاح به خلافا للحنفية والقول الراجح المنصور هو قول عبد الرحمن بن مهدي (وإن أحدث قبل أن يسلم أمرته أن يتوضأ ثم يرجع إلى مكانه ويسلم) لقوله صلى الله عليه وسلم تحليلها التسليم فكما أن التكبير متعين للتحريم ولافتتاح الصلاة كذلك التسليم متعين للتحليل والخروج عن الصلاة (إنما الأمر على وجهه) قال أبو الطيب السندي وفي شرحه يعني قوله تحليلها التسليم لا يأول بل يحمل على ظاهره من أن السلام فرض لأنه لا يحل له ما حرم عليه في الصلاة إلا به فيما لم يخرج من الصلاة إلا به يكون فرضا كما أن ما يدخل به فيها يكون فرضا وبه قال الامام الشافعي وغيره وقال علماؤنا يعني الحنفية إنه واجب دون فرض انتهى كلام السندي واعلم أن الامام أبا حنيفة ومحمدا رحمهما الله قالا بجواز افتتاح الصلاة بكل ما دل على التعظيم الخالص غير المشوب بالدعاء لأن التكبير هو التعظيم قال الله تعالى وربك فكبر أي عظم وقال تعالى وذكر اسم ربه فصلى وذكر اسمه أعم من أن يكون باسم الله أو باسم الرحمن أو غير ذلك مما يدل على التعظيم غاية ما في الباب أن يكون اللفظ المنقول سنة مؤكدة لا أنه الشرط دون غيره كذا ذكره الحنفية وأجابوا عن حديث الباب بأن العبرة للمعاني لا للألفاظ فليس معنى الحديث تحريمها لفظ التكبير بل معناه تحريمها ما يدل على التعظيم قلت الحق في هذا الباب هو ما ذهب إليه الجمهور من أن تحريم التكبير ولا يكن الرجل داخلا في الصلاة إلا بالتكبير كما عرفت وأما قوله تعالى وربك فكبر فلا نسلم أن المراد بالتكبير في هذه الاية تكبير الافتتاح فإنها مكية نزلت قبل قصة الاسراء التي فرضت الصلاة فيها فكيف يكون المراد بالتكبير فيها تكبير الافتتاح وأما القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعبد ويصلي تطوعا في جبل حراء وغيره قبل أن تفرض عليه الصلاة فلا بأس بأن يراد بالتكبير في هذه الاية تكبير الافتتاح ففيه أنه لا يتعين على هذا التقدير أيضا أن يراد بالتكبير تكبير الافتتاح كما لا يخفني على المتأمل ولو سلم أنه المتعين فالمراد به خصوص لفظ التكبير لأحاديث الباب ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم افتتاح الصلاة بغير لفظ التكبير البتة ولا عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وأما قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى فلا نسلم فيه أيضا أن المراد بذكر اسم ربه تكبير الافتتاح لم لا يجوز أن
[ 37 ]
يكون المراد بالذكر تكبير التشريق وبالصلاة صلاة العيد وبقوله تزكى زكاة الفطر كما رواه عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد الرزاق وابن مردويه والبيهقي وغيرهم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنها وابن عمر وغيرهما وعلى هذا فلا تكون الاية ما نحن فيه وأما جوابهم عن حديث الباب بأن العبرة للمعاني لا للألفاظ ففيه أن الأصل في الأذكار والأدعية لا سيما أذكار الصلاة وأدعيتها هو التوقيف فالحاصل أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب وأما قول الحنفية فلا دليل عليه قال الحافظ بن القيم في إعلام الموقعين ص 264 ج 1 المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر وقوله تحريمها التكبير وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهي نصوص في غاية الصحة فردت بالتشابه من قوله وذكر اسم ربه فصلى انتهى باب في نشر الأصابع قوله (نا يحيى بن يمان) العجلي الكوفي صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير من كبار التاسعة كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال أحمد ليس بحجة وقال ابن المديني صدوق تغير حفظه وقال يعقوب بن شيبة صدوق أنكروا عليه كثرة الغلط (عن ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب القرشي العامري المدني ثقة فقيه فاضل من السابعة كذا في التقريب قال في الخلاصة قال أحمد يشبه بابن المسيب وهو أصلح وأروع وأقوم بالحق من مالك ولما حج المهدي دخل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فقال له المسيب بن زهير قم هذا أمير المؤمنين فقال ابن أبي ذئب إنما يقوم الناس لرب العالمين فقال المهدي دعه فلقد قامت كل شعرة في رأسي قال أبو نعيم مات سنة 159 تسع وخمسين ومائة (عن سعيد بن سمعان) بكسر السين وفتحها وسكون الميم قال الحافظ ثقة ولم يصب الأزدي في تضعيفه من الثالثة قوله (إذا كبر للصلاة نشر أصابعه) أي بسطها قاله السيوطي يعني أن المراد بالنشر ضد
[ 38 ]
القبض وقال أبو الطيب السندي أو المراد خلاف الضم أي تركها على حالها ولم يضم بعضها إلى بعض انتهى وفي السعاية شرح شرح الوقاية لبعض العلماء الحنفية قوله غير مفرج أصابعه ولا ضام أي لا يتكلف في تفريج الأصابع عند رفع اليدين ولا في ضمها بل يتركها عند الرفع كما كانت قبله واختار بعضهم استحباب التفريج مستدلين بما رواه ابن حبان من طريق يحيى بن يمان عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشر أصابعه في الصلاة نشرا والجمهور على خلافه ولم يعتبروا بالرواية المذكورة لقول الترمذي في جامعه بعد رواية الحديث ثم ذكر قول الترمذي حديث أبي هريرة قد رواه غير واحد إلخ قلت والظاهر الراجح هو ما ذهب إليه الجمهور فإن حديث الباب باللفظ المذكور غير محفوظ قد أخطأ فيه ابن يمان كما صرح به الترمذي قوله (وهو أصح من رواية يحيى بن اليمان وأخطأ ابن يمان في هذا الحديث) المراد بقوله أصح الصحيح يعني أن رواية من روى بلفظ كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا صحيحة ورواية يحيى بن اليمان المذكورة فإنها غير صحيحة بل هي خطأ قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) بن الفضل بن بهرام السمرقندي أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة فاضل متقن روى عن يزيد بن هارون ويعلى بن عبيد وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وغيرهم وعنه مسلم وأبو داود والترمذي والبخاري في غير الصحيح (أنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي) أبو علي البصري صدوق لم يثبت أن يحيى بن سعيد ضعفه كذا في التقريب قوله (رفع يديه مدا) قال ابن سيد عباس يجوز أن يكون مدا مصدرا مختصا كقعد القرفصاء أو مصدرا من المعنى كقعدت جلوسا أو حا من رفع انتهى قلت وإذا كان حا يكون بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول أي رفع مادا يديه أو رفع
[ 39 ]
يديه ممدودتين وقال الشو كاني في النيل يجوز أن يكون منتصبا على المصدرية بفعل مقدر وهو يمدهما مدا ويجوز أن يكون منتصبا على الحالية أي رفع يديه في حال كونه مادا لهما إلى رأسه ويجوز أن يكون مصدرا منتصبا بقوله رفع لأن الرفع بمعنى المد وأصل المد في اللغة الجر قاله الراغب والارتفاع ومد النهار ارتفاعه وله معان أخر ذكره صاحب القاموس وغيره وقد فسر ابن عبد البر المد المذكور في الحديث بمد اليدين فوق الأذنين مع الرأس انتهى ما في النيل قلت لم يبين في هذا الحديث غاية المد فهو مجمل فيها فلا بد من أن يحمل على الأحاديث التي بينت فيها غايته هذا ما عندي والله تعالى أعلم قوله (قال عبد الله) أي ابن عبد الرحمن الدارمي (وهذا أصح من حديث يحيى بن يمان) تقدم توضيحه وهذا الحديث أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه قاله في المنتقى وقال الشوكاني في النيل لا مطعن في إسناده (وحديث يحيى بن يمان خطأ) قال ابن أبي حاتم قال أبي وهم يحيى إنما أراد كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا كذا رواه الثقات من أصحاب ابن أبي ذئب انتهى باب في فضل التكبيرة الأولى قوله (حدثنا عقبة بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتح الراء العمي البصري الحافظ روى عن يحيى القطان وغندر وابن مهدي وخلق وعنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه قال أبو داود ثقة ثقة تنبيه قد وقع في النسخة الأحمدية عتبة بن مكرم بالعين والمثناة الفوقانية وهو غلط والصحيح بالعين والقاف (قالا نا سلم بن قتيبة) بفتح السين وسكون اللام الشعيري الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة (عن طعمة بن عمرو) بضم الطاء المهملة وسكون العين الجعفري وثقه ابن معين
[ 40 ]
قوله من صلى لله أي خالصا لله أربعين يوما أي وليلة في جماعة متعلق يصلى يدرك التكبيرة الأولى جملة حالية وظاهرها التكبيرة التحريمية مع الامام ويحتمل أن تشمل التكبيرة التحريمية للمقتدي عند لحوق الركوع فيكون المرا د إدراك الصلاة بكمالها مع الجماعة وهو يتم بإدراك الركعة الأولى كذا قال القارئ في المرقاة قلت هذا الاحتمال بعيد والظاهر الراجح هو الأول كما يدل عليه رواية أبي الدرداء مرفوعا لكل شئ أنف وإن أنف الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها أخرجه ابن أبي شيبة (براءة من النار) أي خلاص ونجاة منها يقال برأ من الدين والعيب خلص (وبراءة من النفاق) قال الطيبي أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويوفقه لعمل أهل الاخلاص وفي الاخرة يؤمنه مما يعذبه المنافق ويشهد له بأنه غير منافق يعني بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى وحال هذا بخلافهم كذا في المرقاة قوله (قد روى هذا الحديث عن أنس موقوفا) قال القاري ومثل هذا ما يقال من قبل الرأي فموقوفه في حكم المرفوع قال ابن حجر رواه الترمذي بسند منقطع ومع ذلك يعمل به في فضائل الأعمال وروى البزار وأبو داود خبر لكل شئ صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها ومن ثم كان إدراكها سنة مؤكدة وكان السلف إذا فاتتهم عزوا أنفسهم ثلاثة أيام وإذا فاتتهم الجماعة عزوا أنفسهم سبعة أيام (وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي) بموحدة وجيم أبي عمرو والبصري نزيل الكوفة مقبول من الرابعة وقيل يكنى أبا كشوثا بفتح الكاف بعدها معجمة مضمومة ثم واو ساكنة ثم مثلثة كذا في التقريب وقال في تهذيب روى عن أنس بن مالك وعنه خالد بن طهمان أبو العلاء الخفاف وطعمة بن عمرو الجعفري روى له الترمذي حديثا واحدا في فضل من صلى أربعين يوما في جماعة موقوفا ذكره ابن حبان في الثقات انتهى
[ 41 ]
قوله (وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة) بضم العين المهملة (بن غزية) بفتح العين المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة ابن الحارث الأنصاري المازني المدني لا بأس به وروايته عن أنس مرسلة كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه أحمد وأبو زرعة مات سنة 140 أربعين ومائة (عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) أخرجه ابن ماجه ولفظه أنه كان يقول من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء كتب الله له بها عنقا من النار قوله (وهو حديث مرسل) أي منقطع قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث أنس المذكور في الباب رواه الترمذي من حديث أنس وضعفه ورواه البزار واستغربه وروى عن أنس عن عمر رواه ابن ماجه وأشار إليه الترمذي وهو في سنن سعيد بن منصور عنه وهو ضعيف أيضا مداره على إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في غير الشاميين وهذا من روايته عن مدني وذكره الدارقطني الاختلاف فيه في العلل وضعفه وذكر أن قيس بن الربيع وغيره روياه عن أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت قال وهو وهم وإنما هو حبيب الاسكاف وله طريق أخرى أوردها ابن الجوزي في العلل من حديث بكر بن أحمد بن محمى الواسطي عن يعقوب بن تحية عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس رفعه من صلى أربعين يوما في جماعة صلاة الفجر وصلاة العشاء كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق وقال بكر ويعقوب مجهولان انتهى قال الرافعي ووردت أخبار في إدراك التكبيرة الأولى مع الامام نحو هذا قال الحافظ منها ما رواه الطبراني في الكبير والعقيلي في الضعفاء والحاكم أبو أحمد في الكنى من حديث أبي كاهل بلفظ المصنف وزاد يدرك التكبيرة الأولى قال العقيلي إسناده مجهول وقال أبو أحمد والحاكم ليس إسناده بالمعتمد عليه وروى العقيلي في الضعفاء أيضا عن أبي هريرة مرفوعا لكل شئ صفوة وصفوة الصلاة التكبيرة الأولى وقد رواه البزار ولبس فيه إلا الحسن بن السكن لكن قال لم يكن الفلاس يرضاه ولأبي نعيم في الحلية من حديث عبد الله بن أوفى مثله وفيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف وروى ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث أبي الدرداء رفعه لكل شئ أنف وإن أنف
[ 42 ]
الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها وفي إسناده مجهول والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى كثيرة وفي الطبراني عن رجل من طئ عن أبيه أن ابن مسعود خرج إلى المسجد فجعل يهرول فقيل له أتفعل هذا وأنت تنهي عنه قال إنما أردت حد الصلاة التكبيرة الألى انتهى ما في التلخيص باب ما يقول عند افتتاح الصلاة قوله (حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة أبو سليمان البصري صدوق زاهد لكنه كان يتشيع (عن علي بن علي الرفاعي) بالفاء البصري يكنى أبا إسماعيل لا بأس به رمى بالقدر وكان عابدا ويقال كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب قوله ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك قال ابن الملك سبحان اسم أقيم مقام المصدر وهو التسبيح منصوب بفعل مضمر تقديره أسبحك تسبيحا أي أنزهك تنزيها من كل السوء والنقائض وقيل تقديره أسبحك تسبيحا ملتبسا ومقترنا بحمدك فالباء للملابسة والواو زائدة وقيل الواو بمعنى مع أي أسبحك مع التلبس بحمدك وحاصله نفي الصفات السلبية وإثبات النعوت الثبوتية وتبارك اسمك أي كثرت بركة اسمك إذ وجد كل خير من ذكر اسمك وقيل تعاظم ذاتك أو هو على حقيقته لأن التعاظم إذا ثبت لأسمائه تعالى فأولى لذاته ونظيره قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى وتعالى جدك قال ميرك تعالى تفاعل من العلو أي علا ورفع عظمتك على عظمة غيرك غاية العلو والرفع وقال ابن حجر أي تعالى غناؤك عن أن ينقصه إنفاق أو يحتاج إلى معين ونصير ثم يقول الله أكبر بالسكون ويضم قاله القاري كبيرا حال مؤكدة وقيل منصوب على القطع من اسم الله وقيل بإضمار أكبر وقيل صفة لمحذوف أي تكبيرا كبيرا
[ 43 ]
من همزه بدل اشتمال أي وسوسته ونفخه أي كبره المؤدى إلى كفره ونفثه أي سحره قال الطيبي النفخ كناية عن الكبر كأن الشيطان ينفخ فيه بالوسوسة فيعظمه في عينيه ويحقر الناس عنده والنفث عبارة عن الشعر لأنه ينفثه الانسان من فيه كالرقية إنتهى وقيل من نفخه أي تكبره يعني مما يأمر الناس به من التكبر ونفثه مما يأمر الناس بإنشاء الشعر المذموم مما فيه هجو مسلم أو كفر أو فسق وهمزه أي من جعله أحدا وغمزه مجنونا ينخسه كذا في المرقاة قال السيوطي في قوت المغتذي من همزه فسر في الحديث بالموتة وهي شبه الجنون ونخفه فسر بالكبر ونفثه فسر بالشعر قال ابن سيد الناس وتفسير الثلاثة بذلك من باب المجاز انتهى قلت قد جاء هذا التفسير في حديث جبير بن مطعم عند أبي داود قوله (وفي الباب عن علي وعبد الله بن مسعود وعائشة وجابر وجبير بن مطعم وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه إسحاق بن راهويه وأعله أبو حاتم كذا في التلخيص وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطبراني وذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده ومتنه وأما حديث عائشة فأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأما حديث جابر فأخرجه البيهقي وفيه محمد بن المنكدر قال البيهقي اختلف عليه فيه وليس له إسناد قوي وأما حديث جابر بن مطعم فأخرجه أبو داود وابن ماجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في معجمه وذكره الزيلعي في نصب الراية بإسناده ومتنه قال والحديث معلول بعبد الله بن عامر قوله (وحديث أبي سعيد أشهر حديث في هذا الباب) أخرجه أصحاب السنن الأربعة قوله (وقد أخذ قوم من أهل العلم بهذا الحديث) فاختاروا أن يقال عند افتتاح الصلاة بعد التكبير سبحانك اللهم إلى قوله ولا إله غيرك ثم يقال الله أكبر كبيرا ثم يقال أعوذ بالله السميع العليم الخ (وما أكثر أهل العلم فقالوا إنما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك) فاختاروا هذا الدعاء دون ما
[ 44 ]
في حديث أبي سعيد المذكور من الزيادة (وهكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود) أما أثر عمر فأخرجه مسلم في صحيحه وغيره وأما أثر عبد الله بن مسعود فأخرجه ابن المنذر قال الحافظ في التلخيص قال الحاكم وقد صح ذلك عن عمر ثم ساقه وهو في صحيح ابن خزيمة وهو في صحيح مسلم أيضا ذكره في موضع غير مظنته استطرادا وفي إسناده انقطاع إنتهى ما في التلخيص قلت ذكره مسلم في باب عدم الجهر بالبسملة عن عبدة أن عمر بن الخطاب كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وعبدة هذا هو ابن أبي لبابة وهو لم يسمع من عمر قاله النووي ولذا قال الحافظ في إسناده انقطاع ورواه الدارقطني موصو كما في بلوغ المرام فإن قلت كيف روى مسلم في صحيحه أثر عمر رضي الله عنه هذا وهو منقطع ومن شرط مسلم أن لا يخرج في صحيحه الحديث الضعيف والمنقطع من أقسام الضعيف قلت أخرجه استطرادا ومقصوده الأصلي هو الحديث الذي أخرجه بعد هذا الأثر في عدم الجهر بالبسملة وهو صحيح متصل فإن قلت فلم أخرجه استطرادا ولم لم يقتصر على إخراج الحديث الصحيح المتصل قلت إنما فعل مسلم هذا لأنه سمعه هكذا فأداه كما سمع ولهذا نظائر كثيرة في صحيح مسلم وغيره ولا إنكار في هذا كله قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم) وعليه عمل الحنفية قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك تعالى جدك ولا إله غيرك وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي بكر الصديق أنه كان يستفتح بذلك وكذلك رواه الدارقطني عن عثمان بن عفان وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود وقال الأسود كان عمر إذا أفتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك يسمعنا ذلك ويعلمنا رواه الدارقطني ثم قال ابن تيمية واختيار هؤلاء وجهر عمر به أحيانا بمحضر من الصحابة ليتعلمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل وأنه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه غالبا وإن
[ 45 ]
استفتح بما روا ه علي وأبو هريرة فحسن لصحة الرواية انتهى كلام ابن تيمية قال الشوكاني في النيل ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى با يثار والاختيار وأصح ما رو ى في الاستفتاح حديث أبي هريرة المتقدم ثم حديث علي انتهى قلت أراد الشوكاني بحديث أبي هريرة الذي رواه الجماعة إلا الترمذي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة فقلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقران ما تقول قال أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث وأراد بحديث علي الذي رواه أحمد ومسلم والترمذي قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الحديث ولا شك في أن أصح ما روى في الاستفتاح هو حديث أبي هريرة فهو أولى بالايثار والاختيار وهذا الحديث لم يروه الترمذي في هذا الباب ولم يشر إليه لكنه أشار إليه في باب السكتتين قوله (حدثنا الحسن بن عرفة) وثقه ابن معين وأبو حاتم (عن حارثة بن أبي الرجال) قال النسائي متروك قاله في الخلاصة وقال في التقريب ضعيف قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه) روى أبو داود هذا الحديث في سننه من غير هذا الوجه ليس فيه حارثة وسنده هكذا حدثنا حسين بن عيسى ناطلق بن غنام نا عبد السلام بن حرب الملائي عن بديل بن ميسرة عن أبي الجوزاء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم الخ وهذا الحديث من هذا الطريق أيضا ضعيف قال أبو داود بعد روايته وهذا الحديث ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب لم يروه إلا طلق بن غنام وقد روى قصة الصلاة عن بديل جماعة لم يذكروا فيه شيئا من هذا انتهى قال المنذري يعني دعاء الاستفتاح وقال الدارقطني قال أبو داود ولم يروه عن عبد السلام غير طلق بن غنام وليس هذا الحديث بالقوي هذا اخر كلامه انتهى (وحارثة قد تكلم فيه من قبل حفظه) قال الذهبي في
[ 46 ]
الميزان ضعفه أحمد وابن معين وقال النسائي متروك وقال خ منكر الحديث لم يعتد به أحمد قال ابن عدي عامة ما يرويه منكر انتهى فائدة قال الحافظ في التلخيص قال ابن خزيمة لا نعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم خبرا ثابتا عند أهل المعرفة بالحديث وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد ثم قال لا نعلم أحدا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه فائدة أخرى أصح ما ورد في الاستفتاح حديث أبي هريرة الذي جاء فيه دعاء الافتتاح بلفظ اللهم باعد بيني وبين خطاياي ألخ قال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير بعد ذكر هذا الحديث وهو الأصح من الكل لأنه متفق عليه انتهى قلت فهو الأولى بالاختيار ثم أصح ما ورد فيه حديث علي رضي الله عنه الذي جاء فيه دعاء الافتتاح بلفظ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض الخ لأنه رواه مسلم فبعد حديث أبي هريرة هو أولى بالاختيار في جميع الصلوات مكتوبة كانت أو تطوعا هذا ما عندي والله تعالى أعلم فإن قلت حديث علي هذا رواه مسلم في صلاة الليل فإيراده في هذا الباب يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في التهجد وقال الحافظ في بلوغ المرام بعد ما ذكره عن مسلم ما لفظه وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل انتهى فيكون هذا الدعاء مخصوصا بصلاة التطوع كما هو مذهب الحنفية ولا يكون مشروعا في المكتوبة قلت مجرد إيراد مسلم هذا الحديث في صلاة الليل لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله في التهجد كما لا يخفى وأما قول الحافظ وفي رواية له أن ذلك في صلاة الليل ففيه نظر فإن هذا الحديث مروي في صحيح مسلم في باب صلاة الليل من وجهين ليس في واحد منهما أن ذلك في صلاة الليل وهذا الحديث رواه الترمذي في كتاب الدعوات من ثلاثة وجوه ليس في واحد منها أن ذلك في صلاة الليل بل وقع في واحد منها إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ورواه أبو داود أيضا في سننه في كتاب الصلاة من وجهين لم يقع في واحد منهما أن ذلك في صلاة الليل بل واقع في واحد منهما إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ووقع في رواية للدارقطني إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة قال وجهت وجهي الخ وقال الشوكاني في النيل وأخرجه أيضا ابن حبان وزاد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضا بالمكتوبة وكذا غيرهما فالقول بأن هذا الدعاء مخصوص بصلاة التطوع ولا يكون مشروعا في المكتوبة باطل جدا ومن ههنا ظهر
[ 47 ]
بطلان قول صاحب اثار السنن أن القيد بالمكتوبة في هذا الحديث غير محفوظ فإن هذا القيد موجود في كثير من روايات هذا الحديث تنبيه روى النسائي من حديث محمد بن مسلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي تطوعا قال الله أكبر وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض الخ قال الشيخ عبد الحق في اللمعات في قوله إذا قام يصلي تطوعا دليل على المخصوصية بالتطوع كما هو مذهبنا انتهى قلت ليس فيه دليل على المخصوصية بالتطوع كيف وقد وقع في كثير من روايات حديث علي إذا قام إلى الصلاة المكتوبة على أنه لو كان في هذا دليل على مخصوصية هذا الدعاء بالتطوع لكان الدعاء الذي اختاره الحنفية للفرض أيضا مخصوصا بالتطوع فإن الترمذي وأبا داود قد رويا عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل كبر ثم يقول سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك الحديث فتفكر تنبيه اخر قال الفاضل اللكنوي في عمدة الرعاية اختار المتأخرون يعني من الحنفية أن يقرأ إني وجهت وجهي قبل التحريمة ليكون أبلغ في أحضار القلب وجمع العزيمة كما ذكره في النهاية والبناية وغيرهما لكن هذا مما لا أصل له في السنة وإنما الثابت في الأحاديث التوجيه في الصلاة لا قبلها انتهى كلامه قلت الأمر كما قال ففي حديث محمد بن مسلمة عند النسائي كان إذا قام يصلي تطوعا قال الله أكبر وجهت وجهي الخ وفي حديث علي رضي الله عنه عند مسلم في رواية له إذا افتتح الصلاة كبر ثم قال وجهت وجهي الخ باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم إعلم أن في قراءة البسملة في الصلاة ثلاثة أقوال أحدها أنها واجبة الفاتحة كمذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد وطائفة من أهل الحديث بناء على أنها من الفاتحة والثاني أنها مكروهة سرا وجهرا وهو المشهور عن مالك والثالث أنها جائزة بل مستحبة وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور عن أحمد وأكثر أهل الحديث ثم مع قراءتها هل يسن الجهر بها أو لا فيه ثلاثة أقوال أحدها يسن الجهر وبه قال الشافعي ومن وافقه والثاني لا يسن الجهر وبه قال أبو حنيفة وجمهور أهل الحديث والرأي وفقهاء الأمصار وجماعة من أصحاب الشافعي وقيل مخير بينهما وهو قول إسحاق بن راهويه وابن حزم كذا في نصب الرواية قلت قد ثبت قراءة البسملة في الصلاة
[ 48 ]
بأحاديث صحيحة وهي حجة على الامام مالك وا سرار بها عندي أحب من الجهر بها والله تعالى أعلم فائدة قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة سفيان الثوري ما لفظه اللالكائي في السنة نا المخلص نا أبو الفضل شعيب بن محمد نا علي بن حرب بن بسام سمعت شعيب بن جرير يقول قلت لسفيان الثوري حدث بحديث السنة ينفعني الله به فإذا وقفت بين يديه قلت يا رب حدثني بهذا سفيان فأنجو أنا وتؤخذ قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم القران كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود من قال غير هذا فهو كافر وا يمان قول وعمل ونية يزيد وينقص إلى أن قال يا شعيب لا ينفعك ما كتبت حتى ترى المسح على الخفين وحتى ترى أن إخفاء بسم الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر به إلى أن قال إذا وقفت بين يدي الله فسألك عن هذا فقل يا رب حدثني بهذا سفيان الثوري ثم خل بيني وبين الله عز وجل قال الذهبي هذا ثابت عن سفيان وشيخ المخلص ثقة انتهى قوله (حدثنا اسمعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري) بن علية وهي أمه قال أحمد إليه المنتهى في التثبت قال ابن معين كان ثقة مأمونا (حدثنا سعيد الجريري) بضم الجيم مصغرا هو سعيد بن إياس أبو مسعود البصري ثقة اختلط قبل موته (عن قيس بن عباية) بفتح العين المهملة وتخفيف الموحدة ثم تحتانية ثقة من أوساط التابعين كنيته أبو نعامة قال ابن عبد البر هو ثقة عند جيمعهم (عن ابن عبد الله بن مغفل) اسمه يزيد كذا في التقريب قوله (وأنا في الصلاة) جملة حالية (أي بنى محدث) أي قوله بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة محدث (إياك والحدث) تحذير أي حذر نفسك من الحدث واتق منه (قال) أي ابن عبد الله بن مغفل (يعني منه) أي من أبيه عبد الله بن مغفل وهذا قول بعض الرواة (وقال) أي عبد الله بن مغفل (وقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم
[ 49 ]
يقولها) أي البسملة ولم يذكر عليا رضي الله عنه لأن عليا رضي الله عنه عاش في خلافته بالكوفة وما أقام بالمدينة إلا يسيرا فلعل عبد الله بن مغفل لم يدركه ولم يضبط صلاته كذا في إنجاح الحاجة (فلا تقلها) ظاهره أنه نهاه عن البسملة رسا يعني لا يقول سرا ولا جهرا لكنه يحمل على الجهر إذ السماع عادة يتعلق بالجهر وإليه أشار المصنف في الترجمة قاله أبو الطيب السندي قوله (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن) وأخرجه النسائي وابن ماجه قال النووي في الخلاصة وقد ضعف الحفاظ هذا الحديث وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب وقالوا إن مداره على ابن عبد الله بن مغفل وهو مجهول انتهى وقال الحافظ في الدراية وقع في رواية للطبراني عن يزيد بن عبد الله بن مغفل وهو كذلك في مسند أبي حنيفة انتهى وقال في تهذيب التهذيب ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه في ترك الجهر بالبسملة وعنه أبو نعامة الحنفي قيل اسمه يزيد قلت ثبت كذلك في مسند أبي حنيفة للبخاري انتهى وقد أطال الحافظ الزيلعي الكلام على هذا الحديث في نصب الراية ثم قال وبالجملة فهذا حديث صريح في عدم الجهر بالتسمية وهو وإن لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وقد حسنه الترمذي والحديث الحسن يحتج به لا سيما إذا تعددت شواهده وكثرت متابعاته انتهى كلامه قلت لم أجد ترجمة يزيد بن عبد الله بن مغفل فإن كان ثقة قاب للاحتجاج فالأمر كما قال الزيلعي من أن هذا الحديث لم يكن من أقسام الصحيح فلا ينزل عن درجة الحسن وإلا فهو ضعيف قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم الخ) واستدلوا بحديث الباب وبحديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانو يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين أخرجه البخاري ومسلم زاد مسلم لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في اخرها وفي رواية لأحمد والنسائي وابن خزيمة لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم وفي أخرى لابن خزيمة كانوا يسرون قال الحافظ في بلوغ المرام وعلى هذا يحمل النفي في رواية مسلم خلافا لمن أعلها انتهى وقال في فتح الباري فاندفع بهذا تعليل من أعله بالاضطراب كابن عبد البر لأن الجمع إذا أمكن تعين المصير إليه انتهى
[ 50 ]
قلت والعلة التي أعلها بها من أعلها هي أن الأوزاعي روى هذه الزايادة عن قتادة مكاتبة وقد ردت هذه العلة بأن الأوزاعي لم ينفرد بها بل قد رواها غيره رواية صحيحة فإن قلت روى عن أنس إنكار ذلك فروى أحمد والدارقطني من حديث سعيد بن يزيد أبي سلمة قال سألت أنسا أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم أو الحمد لله رب العالمين وقال إنك لتسألني عن شئ ما أحفظه أو ما سألني عنه أحد قبلك قال الدارقطني إسناده صحيح قلت قال الزيلعي في نصب الراية وأما ما روى من إنكار أنس فلا يقاوم ما يثبت عن خلافه في الصحيح ويحتمل أن يكون أنس نسي في تلك الحال لكبره وقد وقع مثل ذلك كثيرا كما سئل يوما عن مسألة فقال عليكم بالحسن فاسألوه فإنه حفظ ونسينا وكم ممن حدث ونسي ويحتمل أنه سأله عن ذكرها في الصلاة أصلا لا عن الجهر بها وإخفائها انتهى كلام الزيلعي وقال وهذا الحديث مما يدل على أن ترك الجهر عندهم كان ميراثا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم يتوارثه خلفهم عن سلفهم وهذا وحده كاف في المسألة لأن الصلوات الجهرية دائمة صباحا ومساء فلو كان عليه السلام يجهر بها دائما لما وقع فيه اختلاف ولا اشتباه ولكان معلوما بالاضطرار ولما قال أنس لم يجهر بها عليه السلام ولا خلفاؤه الراشدون ولا قال عبد الله بن مغفل ذلك أيضا وسماه حدثا ولما استمر عمل أهل المدينة في محراب النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه على ترك الجهر يتوارثه اخرهم عن أولهم وذلك جار عندهم مجرى الصاع والمد بل أبلغ من ذلك لاشتراك جميع المسلمين في الصلاة ولأن الصلاة تتكرر كل يوم وليلة وكم من إنسان لا يحتاج إلى صاع ولا مد ومن يحتاجه يمكث مدة لا يحتاج إليه ولا يظن عاقل أن أكابر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم كانوا يواظبون على خلاف ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله انتهى كلامه الزيلعي باب ما جاء من رأى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قوله (حدثني اسمعيل بن حماد) قال الحافظ في تهذيب التهذيب اسمعيل بن حماد بن أبي سليمان الأشعري مولاهم الكوفي روى عن أبيه وأبي خالد الوالبي وعنه معتمر بن سليمان قال
[ 51 ]
ابن معين ثقة وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه وفرق ابن أبي حاتم بينه وبين اسمعيل بن حماد البصري الراوي عن أبي خالد الوالبي عن ابن عباس وعنه معتمر ولم يذكر البخاري في التاريخ غير ابن أبي سليمان وقال الأزدي في إسمعيل يتكلمون فيه وقال العقيلي حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول يعني الحديث الذي رواه عن أبي خالد الوالبي عن ابن عباس في الاستفتاح بالبسملة وقال ابن عدي ليس إسناده بذاك وذكره ابن حبان في الثقات انتهى (عن أبي خالد) الوالبي يأتي ترجمته في اخر الباب (يفتتح صلاته ببسم الله الرحمن الرحيم) ظاهره يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالبسملة لكن الحديث ضعيف قوله (وليس إسناده بذاك) أي بذاك القوي قال الطيبي المشار إليه بذاك ما في ذهن من يعتني بعلم الحديث ويعتد با سناد القوي قال الحافظ في الدراية وأخرجه ابن عدي وقال لا يرويه وفيه أبو خالد وهو مجهول والحديث غير محفوظ وقال أبو زرعة لا أعرف أبا خالد وأخرجه العقيلي وقال هو مجهول وقيل إنه الوالبي وأسمه هرمز والله أعلم والراوي عنه إسمعيل بن حماد قال العقيلي ضعيف إنتهى قوله (وقد قال بهذا عدة من أهل العلم) أي قال بالجهر بالبسملة جماعة من أهل العلم واستدلوا بحديث الباب وبعدة أحاديث أخرى أكثرها ضعيفة وأجودها حديث نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القران حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال امين وقال الناس امين الحديث وفي اخره قال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وهو أصح حديث ورد في ذلك يعني في الجهر بالبسملة قال وقد تعقب الاستدلال بهذا الحديث باحتمال أن يكون أبو هريرة أراد بقوله أشبهكم أي في معظم الصلاة لا في جميع أجزائها وقد رواه جماعة غير نعيم عن أبي هريرة بدون ذكر البسملة والجواب أن نعيما ثقة فتقبل زيادته والخبر ظاهر في جميع الأجزاء فيحمل على عمومه حتى يثبت دليل يخصصه انتهى وقال صاحب سبل السلام قول أبي هريرة إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان
[ 52 ]
محتملا أنه يريد في أكثر أفعال الصلاة وأقوالها إلا أنه خلاف الظاهر ويبعد عن الصحابي أن يبتدع في صلاته شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم يقول والذي نفسي بيده إني لأشبهكم انتهى قال والأقرب أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها تارة جهرا وتارة يخفيها انتهى قوله (وإسمعيل بن حماد) قال الذهبي في الميزان إسمعيل بن حماد بن أبي سليمان الكوفي وثقه ابن معين وقال الأزدي يتكلمون فيه وقال العقيلي حديثه غير محفوظ ويحكيه عن مجهول ثم ذكر الذهبي حديث الباب من طريقه (هو أبو خالد الوالبي) قال في التقريب بموحدة قبلها كسرة الكوفي أسمه هرمز ويقال هرم مقبول من كبار التابعين وفد على عمر وقيل حديثه عنه مرسل فيكون من أوساط التابعين انتهى وقال الذهبي في الميزان أبو خالد عن ابن عباس لا يعرف باب افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين قوله (يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين) بضم الدال على الحكاية واختلف في المراد بذلك فقيل المعنى كانوا يفتتحون بالفاتحة وهذا قول من أثبت البسملة في أولها وتعقب بأنها إنما تسمى الحمد فقط وأجيب بمنع الحصر ومستنده ثبوت تسميتها بهذه الجملة وهي الحمد لله رب العالمين في صحيح البخاري أخرجه في فضائل القران من حديث أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ألا أعلمك أعظم سورة في القران فذكر الحديث وفيه قال الحمد لله رب العالمين هي سبع المثاني وقيل المعنى كانوا يفتتحون بهذا اللفظ تمسكا بظاهر الحديث وهذا قول من نفي قراءة البسملة لكن لا يلزم من قوله كانوا يفتتحون بالحمد أنهم لم يقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم سرا وقد أطلق أبو هريرة السكوت على القراءة سرا كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 53 ]
باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب قوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) هذا دليل على أن قراءة فاتحة الكتاب فرض في جميع الصلوات فريضة كانت أو نافلة وركن من أركانها قال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة تحت قوله الأمور التي لا بد منها في الصلاة وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الركنية كقوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وقوله صلى الله عليه وسلم لا تجزئ صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وما سمى الشارع الصلاة به فإنه تنبيه بليغ على كونه ركنا في الصلاة انتهى كلامه والحديث بعمومه شامل لكل مصل منفردا كان أو إماما أو مأموما قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم مرفوعا بلفظ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج ثلاثا غير تمام الحديث وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وابن ماجه والطحاوي والبيهقي في كتاب القراءة
[ 54 ]
والبخاري في جزء القراءة بلفظ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج وأما حديث أنس وأبي قتادة فلم أقف عليهما وأما حديثهما في القراءة خلف الامام فسيجئ تخريجهما في باب القراءة خلف الامام وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البيهقي في كتاب القراءة والبخاري في جزء القراءة مرفوعا بلفظ كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القران فهي مخدجة مخدجة مخدجة وفي رواية فهي خداج قوله (حديث عبادة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين وغيرهم) كعبادة بن الصامت وأبي هريرة رضي الله عنهم أجمعين (قالوا لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) فعند هؤلاء قراءة الفاتحة في الصلاة فرض من فروضها وركن من أركانها واستدلوا عليه بأحاديث الباب فإن حديث عبادة بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب تنبيه بليغ على ركنية الفاتحة كما تقدم ورواه الدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم بإسناد صحيح بلفظ لا تجزئ صلاة لايقرأ فيها بفاتحة الكتاب كما ذكره الحافظ في الفتح فهذه الرواية نص صريح في ركنية الفاتحة لا يحتمل تأوي وحديث أبي هريرة وغيره بلفظ من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج أيضا يدل على ركنيه الفاتحة في الصلاة فإن معنى قوله خداج أي ناقصة نقص فساد وبطلان قال الزمخشري في أساس البلاغة ومن المجاز خدج الرجل فهو خادج إذا نقص عضو منه وأخدجه الله فهو مخدج وكان ذو الثدية مخدج اليد وأخدج صلاته نقص بعض أركانها وصلاتي مخدجة وخادجة وخداج وصف بالمصدر انتهى وقال الخطابي في معالم السنن فهي خداج أي ناقصة نقص بطلان وفساد تقول العرب أخدجت الناقة إذا ألقت ولدها وهو دم لم يستبن خلقه فهي مخدج والخداج إسم مبني منه وقال البخاري في جزء القراءة قال أبو عبيد أخدجت الناقة إذا أسقطت والسقط ميت لا ينتفع به انتهى
[ 55 ]
وقال الجزري في النهاية الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل انتهى وقال في المصباح المنير قال أبو زيد خدجت الناقة وكل ذات خف وظلف وحافر إذا ألقت ولدها لغير تمام الحمل وزاد ابن القوطية وإن تم خلقه وأخدجته بالألف ألقته ناقص الخلق انتهى قلت والمراد من القاء الناقة ولدها لغير تمام الحمل وإن تم خلقه إسقاطها والسقط ميت لا ينتفع به كما عرفت فظهر من هذا كله أن قوله فهي خداج معناه ناقصة نقص فساد وبطلان ويدل عليه ما رواه البيهقي في كتاب القراءة بإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب قلت فإن كنت خلف الامام قال فأخذ بيدي وقال إقرأ في نفسك يا فارسي قال البيهقي رواه ابن خزيمة الامام عن محمد بن يحيى محتجا به على أن قوله في سائر الروايات فهي خداج المراد به النقصان الذي لا تجزئ معه انتهى فالحاصل أن استدلال أكثر أهل العلم وجمهورهم بأحاديث الباب على ركنية الفاتحة في الصلاة صحيح لا غبار عليه وقولهم هو الراجح المنصور وقال الحنفية بأن قراءة الفاتحة في الصلاة ليست بفرض وأجابوا عن حديث عبادة بأن النفي في قوله لا صلاة للكمال ورد هذا الجواب بوجهين الأول أن رواية ابن خزيمة وغيره بلفظ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب تبطل تأويلهم هذا إبطالا صريحا وهذه الرواية صحيحة صرح بصحتها أئمة الفن قال الحافظ في التلخيص ورواه يعني حديث عبادة الدارقطني بلفظ لا تجزئ صلاة إلا أن يقرأ الرجل فيها بأم القران وصححه ابن القطان انتهى وقال القاري في المرقاة نق عن ابن حجر المكي ومنها خبر ابن خزيمة وابن حبان والحاكم في صحاحهم بإسناد صحيح لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ورواه الدارقطني بإسناد حسن وقال النووي رواته كلهم ثقات انتهى والثاني أن النفي في قوله لا صلاة إما أن يرد به نفي الحقيقة أو نفي الصحة أو نفي الكمال فالأول حقيقة والثاني والثالث مجاز والثاني أعني نفي الصحة أقرب المجازين إلى الحقيقة والثالث أعني نفي الكمال أبعدهما فحمل النفي على الحقيقة واجب إن أمكن وإلا فحمله على أقرب الماجزين واجب ومتعين ومع إمكان الحقيقة أو أقرب المجازين لا يجوز حمله على أبعد المجازين قال الشوكاني في النيل والحديث يعني حديث عبادة يدل على تعين الفاتحة في الصلاة وأنه لا يجزئ غيرها وإليه ذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا
[ 56 ]
إلى الكمال لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما والحمل على أقرب المجازين واجب وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية وإذا كان المنفى الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج إلى إضمار الصحة ولا الاجزاء ولا الكمال كما روى عن جماعة لأنه إمنا يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات ولو سلم أن المراد ههنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى الذات لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض لكان المتعين توجيه النفي إلى الصحة أو الاجزاء لا إلى الكمال ما أولا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجازين وأما ثانيا فلرواية الدارقطني المذكورة في الحديث فإنها مصرحة با جزاء فتعين تقديره انتهى كلام الشوكاني وقال الحافظ في الفتح إن سلمنا تعذر على الحقيقة فالحمل على أقرب المجازين إلى الحقيقة أولى من الحمل على أبعدهما ونفي الاجزاء أقرب إلى نفي الحقيقة وهو السابق إلى الفهم ولأنه يستلزم نفي الكمال من غير عكس فيكون أولى ويؤيده رواية الاسماعيلي من طريق العباس بن الوليد النرسي أحد شيوخ البخاري عن سفيان بهذا الاسناد بلفظ لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وتابعه على ذلك زياد بن أيوب أحد الأثبات أخرجه الدارقطني وله شاهد من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ولأحمد من طريق عبد الله بن سوادة القشيري عن رجل عن أبيه مرفوعا لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القران انتهى كلام الحافظ وأجاب الحنفية عن حديث أبي هريرة المذكور بأن لفظ الخداج يدل على النقصان لا على البطلان لأنه وقع مثل هذا في ترك الدعاء بعد الصلاة في حديث فضل بن عباس ورد بأنه يدل على أن من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فصلاته ناقصة نقص بطلان وفساد وقد عرفت بيانه ولم يقع لفظ الخداج في حديث فضل بن عباس على ترك الدعاء بعد الصلاة فقط بل على ترك مجموع ما ذكر في هذا الحديث ولفظه هكذا الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن ثم تقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقب تنبيه إعلم أن مذهب الحنفية أن قراءة الفاتحة ليست بفرض بل هي واجبة قالوا الفرض عندنا مطلق القراءة لقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران وتقييده بالحديث زيادة على الكتاب وذا لا يجوز فعملنا بالكتاب والحديث فقلنا إن مطلق القران فرض وقراءة الفاتحة واجب
[ 57 ]
قلت إثبات فرضية مطلق القران بهذه الاية مبني على أن المراد من قوله تعالى فاقرأوا قراءة القران بعينها وهو ليس بمتفق عليه بل فيه قولان قال الرازي في تفسيره فيه قولان الأول أن المراد من هذه القراءة الصلاة أي فصلوا ما تيسر عليكم القول الثاني أن المراد من قوله فاقرأوا ما تيسر من القران قراءة القران بعينها انتهى وهكذا في عامة كتب التفسير والقول الثاني فيه بعد عن مقتضى السياق قال الشيخ الألوسي البغدادي في تفسيره المسمى بروح المعاني أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها وقيل الكلام على حقيقته من طلب قراءة القران بعينها وفيه بعد عن مقتضى السياق انتهى كلامه فلما ظهر أن في قوله تعالى فاقرأوا القولين المذكورين وأن القول الثاني فيه بعد لاح لك أن الاستدلال به على فرضية مطلق القراءة غير صحيح ولو سلمنا أن المراد هو القول الثاني أعني قراءة القران بعينها فحديث الباب مشهور بل متواتر قال الامام البخاري في جزء القراءة تواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة أم القران انتهى والزيادة بالحديث المشهور جائز عند الحنفية على أن قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران عام مخصوص منه البعض فهو ظني فلا يدل على فرضية مطلق القراءة ويجوز تخصيصه ولو بالاحاديث قال الملاجيون في تفسيره ثم أقل القراءة فرضا عندنا اية واحدة طويلة كاية الكرسي وغيرها أو ثلاث ايات قصيرة كمدهامتان وهذا هو الأصح وقيل إنه واحدة طويلة كانت أو قصيرة وذلك مما لا يعتد به ينادي عليه كتب الفقه وعلى كل تقدير يكون ما دون الاية مخصوصا من هذا العام فيكون العام ظنيا فينبغي أن لا يدل على فرضية القراءة وأن يعارضه الحديث حجة للشافعي انتهى كلامه وأما ما قيل من أن الاية لا يسمى قراءة القران عرفا والعرف قاض على الحقيقة اللغوية فهذه دعوى لا دليل عليها ويلزم منهالا أن يكون مدهامتان التي هي كلمة واحدة قراءة القران ولا يكون أكثر اية المداينة التي هي كلمات كثيرة قراءة القران وهذا كما ترى وأيضا يلزم منه أنه لو قرأ أحد نصف اية المداينة في الصلاة لا تجوز وعامة الحنفية على جوازها قال في فتح القدير ولو قرأ نصف اية المداينة قيل لا يجوز لعدم تمام الاية وعامتهم على الجواز انتهى فإن قلت قوله صلى الله عليه وسلم حين تعليم المسئ صلاته إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القران رواه البخاري يدل على عدم فرضية الفاتحة إذ لو كانت فرضا لأمره لأن المقام مقام التعليم فلا يجوز تأخير البيان عنه قلت قد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة الفاتحة فأخرج أبو داود في سننه من حديث رفاعة بن رافع مرفوعا وإذا قمت فتوجهت فكبر ثم اقرأ بأم القران وبما شاء الله أن تقرأ وأجاب الخطابي عن
[ 58 ]
هذا بأن قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القران ظاهر لاطلاق التخيير لكن المراد به فاتحة الكتال بدليل حديث عبادة وهو كقوله تعالى (فما استيسر من الهدي) ثم عينت السنة المراد . والحاصل أن قراءة الفاتحة في الصلوات فرض من فروضها ولم يقم دليل صحيح على ما ذهب إليه الحنفية هذا ما عندي والله تعالى أعلم باب ما جاء في التأمين التأمين مصدر أمن أي قال امين وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات وعن جميع القراء وحكى الواحدي عن حمزة والكسائي الامالة وفيها ثلاث لغات أخرى شاذة القصر أي أمين والتشديد مع المد والقصر أي امين وأمين وخطأ الأخريين جماعة وأما الأولى منها فحكاها ثعلب وأنشد لها شاهدا وأنكرها ابن درستويه وطعن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر ومعنى امين اللهم استجب عند الجمهور وقيل غير ذلك مما يرجع جميعه إلى هذا المعنى وقيل هو اسم من أسماء الله تعالى رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة بإسناد ضعيف وعند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن امين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ختم بامين فقد أوجب قوله (حدثنا بندار) بضم الموحدة وسكون النون لقب محمد بن بشار بن عثمان العبدي أحد أوعية السنة قال الذهبي انعقد الاجماع على الاحتجاج ببندار نا (يحيى بن سعيد) القطان أحد أئمة الجرح والتعديل (قالا نا سفيان) هو الثوري (عن سلمة بن كهيل) الحضرمي الكوفي قال الحافظ ثقة وقال الخزرجي وثقه أحمد والعجلي واعلم أن سلمة هذا وكله بفتح اللام إلا عمرو بن سلمة إمام قومه وبني سلمة القبيلة من الانصار فبكسرها وفي عبد الخالق بن سلمة الوجهان (عن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم (بن عنبس) بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة الحضرمي صدوق من كبار التابعين قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه ابن معين (عن وائل بن حجر) بضم الحاء المهملة وسكون الجيم ابن سعد بن مسروق الحضرمي صحابي جليل وكان من ملوك اليمن ثم سكن الكوفة ومات في ولاية معاوية رضي الله عنه
[ 59 ]
قوله (وقال امين) فيه دليل على أن الامام يقول امين وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى ابن القاسم عن مالك أن الامام لا يقول امين وإنما يقول ذلك من خلفه وهو قول المصريين من أصحاب مالك وقال جمهور أهل العلم يقولها الامام كما يقول المنفرد وهو قول مالك في رواية المدنيين وحجتهم أن ذلك ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة ووائل بن حجر وحديث بلال لا تسبقني بامين كذا في الاستذكار قلت عن أبي حنيفة أيضا في ذلك قولان أحدهما أنه يؤمن من خلف الامام ولا يؤمن الامام ذكره محمد في الموطأ والثاني كقول الجمهور ذكره محمد في الاثار ولا شك في أن قول الجمهور هو الحق (ومد بها صوته) أي رفع بها صوته وجهر ورواه أبو داود بإسناد صحيح بلفظ فجهر بامين ورواه أيضا بإسناد صحيح بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال امين ورفع بها صوته فظهر أن المراد من قوله ومد بها صوته وجهر بها ورفع صوته بها فإن الروايات يفسر بعضها بعضا قال الحافظ في التلخيص احتج الرافعي بحديث وائل الذي بلفظ مد بها صوته على استحباب الجهر بامين وقال في أماليه يجوز حمله على أنه تكلم لغة المد دون القصر من جهة اللفظ ولكن رواية من قال رفع بها صوته تبعد هذا الاحتمال ولهذا قال الترمذي عقبه وبه يقول غير واحد يرون أنه يرفع صوته انتهى وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات قوله مد بها صوته أي بكلمة امين يحتمل الجهر بها ويحتمل مد الألف على اللغة الفصيحة والظاهر هو الأول بقرينة الروايات الأخر ففي بعضها يرفع صوته وهذا صريح في معنى الجهر وفي رواية ابن ماجه حتى يسمعها الصف الأول فيرتج بها المسجد وفي بعضها يسمعها من كان في الصف الأول رواه أبو داود وابن ماجه انتهى كلام الشيخ قلت قول من قال أن قوله مد بها صوته يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد دون القصر غير صحيح ولا يجوز حمله على هذا البتة لما عرفت ولأن هذا اللفظ لا يطلق إلا على رفع الصوت والجهر كما لا يخفى على من تتبع مظان استعمال هذا اللفظ ونحن نذكر ههنا بعضها روى البخاري في صحيحه عن البراء قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه يقول اللهم لولا أنت ما اهتدنا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا قال يمد صوته باخرها انتهى وروى الترمذي عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أسلم وغفار ومزينة خير من تميم وأسد وغطفان وبنى عامر بن صعصعة يمد بها صوته فقال القوم قد خابوا وخسروا قال فهم خير منهم قال الترمذي هذا حديث حسن وروى أبو داود وغيره حديث أبي مخدورة في الترجيع بلفظ ثم ارجع فمد من صوتك فلفظ يمد صوته باخرها في الأول ويمد بها صوته في الثاني وفمد من صوتك في الثالث لم يطلق إلا
[ 60 ]
على رفع الصوت وكذلك إذا تتبعت هذا اللفظ أعني لفظ المد مع الصوت في مظان استعماله لا تجد إلا في معنى رفع الصوت فقول من قال إن قوله مد بها صوته في حديث الباب يجوز حمله على أنه تكلم على لغة المد ليس مما يلتفت إليه والحديث حجة قوية لمن قال بسنية الجهر بالتأمين ورفع الصوت به وهو القول الراجح المعول عليه قوله (وفي الباب عن علي وأبي هريرة) وفي الباب أيضا عن أم الحصين أما حديث علي فأخرجه الحاكم بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول امين إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين وأخرج أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ولا الضالين رفع صوته بامين كذا في إعلام الموقعين وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني والحاكم قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من قراءة أم القران رفع صوته وقال امين قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث قال الدارقطني إسناده حسن والحاكم صحيح على شرطهما والبيهقي حسن صحيح انتهى وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه وقال الحافظ بن القيم في إعلام الموقعين رواه الحاكم بإسناد صحيح انتهى ولأبي هريرة حديث اخر في الجهر بالتأمين رواه النسائي عن نعيم المجمر قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القران حتى إذا بلغ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال امين فقال الناس امين الحديث وفي اخره قال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم وإسناده صحيح وأما حديث أم الحصين فأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده قال أخبرنا النضر بن شميل ثنا هارون بن الأعور عن إسماعيل بن مسلم عن أبي إسحاق عن ابن أم الحصين عن أمه أنها صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين قال امين فسمعته وهي في صف النساء ذكره الحافظ بن حجر والحافظ الزيلعي في تخريجهما للهداية وسكتا عنه وذكر هذا الحديث الهيثمي في مجمع الزوائد وقال بعد ذكره رواه الطبراني في الكبير وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف انتهى قوله (حديث وائل بن حجر حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قال الحافظ في التلخيص سنده صحيح وصححه الدارقطني وأعله ابن القطان بحجر بن عنبس وأنه لا يعرف وأخطأ في ذلك بل هو ثقة معروف قيل له صحبة ووثقه يحيى بن معين وغيره انتهى قلت وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وقد اعترف غير واحد من العلماء الحنفية بأن حديث وائل بن حجر هذا صحيح كالشيخ عبد الحق الدهلوي في ترجمة المشكاة وأبي الطيب
[ 61 ]
المدني في شرح الترمذي وابن التركماني في الجوهر النقي وغيرهم وقال الفاضل اللكنوي في السعاية لقد طفنا كما طفتم سنينا بهذا البيت طرا جميعنا فوجدنا بعد التأمل وا معان أن القول بالجهر بامين هو الأصح لكونه مطابقا لما روى عن سيد بني عدنان ورواية الخفض عنه صلى الله عليه وسلم ضعيفة لا توازي روايات الجهر وأي ضرورة داعية إلى حمل روايات الجهر على بعض الأحيان أو الجهر للتعليم مع عدم ورود شئ من ذلك في رواية والقول بأنه كان في ابتداء الأمر أضعف لأن الحاكم قد صححه من رواية وائل بن حجر وهو إنما أسلم في أواخر الأمر كما ذكره ابن حجر في فتح الباري وقال في التعليق الممجد الانصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل انتهى قوله (وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها) وقال البخاري في صحيحه أمن ابن الزبير ومن معه حتى إن للمسجد للجة انتهى قال العيني وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قلت له أكان ابن الزبير يؤمن على أثر أم القران قال نعم ويؤمن من وراءه حتى أن للمسجد للجة ثم قال إنما امين دعاء ورواه الشافعي عن مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال كنت أسمع الأئمة ابن الزبير ومن بعدهم يقولون امين ويقول من خلفه امين حتى إن للمسجد للجة وفي المصنف حدثنا ابن عيينة قال لعله ابن جريج عن عطاء بن الزبير قال كان للمسجد رجة أو قال لجة إذا قال الامام ولا الضالين وروى البيهقي عن خالد بن أيوب عن عطاء قال أدركت مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد إذا قال الامام غير المغضوب عليهم ولا الضالين سمعت لهم رجة بامين انتهى وكذلك ذكر الحافظ في الفتح رواية عبد الرزاق ورواية البيهقي قلت وكذلك قد ثبت جهر الصحابة والتابعين بالتأمين خلف أبي هريرة تقدم ولم يثبت من أحد من الصحابة الاسرار بالتأمين بالسند الصحيح ولم يثبت عن أحد منهم الانكار على من جهر بالتأمين فقد ثبت إجماع الصحابة رضي الله عنهم على الجهر بالتأمين على طريق الحنفية فإنهم قالوا إن ابن الزبير أفتى في زنجي وقع في بئر زمزم بنزح مائها وذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد فكان إجماعا فكذلك يقال إن ابن الزبير أمن بالجهر في المسجد بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه أحد بل وافقوه وجهروا معه بامين حتى كان للمسجد للجة فكان إجماع الصحابة
[ 62 ]
على الجهر بالتأمين (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ بن القيم سئل الشافعي عن الامام هل يرفع صوته بامين قال نعم ويرفع بها من خلفه أصواتهم إلى أن قال ولم يزل أهل العلم عليه انتهى وهذا القول أعني الجهر بالتأمين ل مام ولمن خلفه هو الراجح القوي يدل عليه أحاديث الباب وقال الحنفية با سرار بالتأمين وا خفاء به واستدلوا على ذلك بحديث وائل الذي ذكره الترمذي بعد هذا بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال امين وخفض بها صوته وهو حديث لا يصلح للاحتجاج كما ستعرف واستدل بعضهم بحديث سمرة ابن جندب أنه حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سكتتين سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الأظهر أن السكتة الثانية كانت للتأمين سرا والجواب أن السكتة الثانية لم تكن للتأمين سرا لأنه صلى الله عليه وسلم كان يجهر صوته بالتأمين ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم الاسرار بالتأمين فكيف يقال إنها كان للتأمين سرا بل السكتة الثانية كانت لأن يتراد إليه نفسه كما صرح به قتادة في بعض رواياته واستدلوا أيضا بأثر عمر وعلي رضي الله عنهما روى الطحاوي عن أبي وائل قال كان عمر وعلي لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم ولا بالتعوذ ولا بامين والجواب أن هذا الأثر ضعيف جدا فإن في سنده سعيد بن المرذبان البقال قال الذهبي في الميزان تركه الفلاس وقال ابن معين لا يكتب حديثه وقال البخاري منكر الحديث انتهى وقال الذهبي في ترجمة أبان بن جبلة الكوفي نقل ابن القطان أن البخاري قال كل من قلت فيه منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه انتهى واستدلوا أيضا بقول ابراهيم النخعي خمس يخفيهن الامام سبحانك اللهم وبحمدك والتعوذ وبسم الله الرحمن الرحيم وامين واللهم ربنا لك الحمد رواه عبد الرزاق والجواب أن قول ابراهيم النخعي هذا مخالف للأحاديث المرفوعة الصحيحة فلا يلتفت إليه قال الفاضل اللكنوي في السعاية أما أثر النخعي ونحوه فلا يوازي الروايات المرفوعة انتهى قوله (وروى شعبة هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة ابن
[ 63 ]
وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقال امين وخفض بها صوته) فخالف شعبة سفيان الثوري في رواية هذا الحديث في ثلاثة مواضع كما بينه الترمذي بعد بقوله وأخطأ شعبة في مواضع الخ (سمعت محمدا يقول حديث سفيان أصح من حديث شعبة في هذا) أراد بقوله أصح الصحيح والمعنى أن حديث سفيان صحيح وحديث شعبة ليس بصحيح فإنه أخطأ فيه في مواضع (وأخطأ شعبة في مواضع من هذا الحديث) أي في ثلاثة مواضع منه (فقال) أي شعبة (عن حجر أبي العنبس وإنما هو حجر بن العنبس) كما في رواية سفيان (ويكنى) أي حجر بن العنبس (أبا السكن) أي ليس كنيته أبا العنبس بل كنيته أبو السكن وهذا هو الموضع الأول من خطأ شعبة (وزاد فيه عن علقمة بن وائل) أي زاد بين حجر ووائل علقمة بن وائل (وليس فيه عن علقمة) كما في رواية سفيان وهذا هو الموضع الثاني من خطأ شعبة فإن قيل سفيان وشعبة كلاهما ثقتان حافظان فلم نسب الخطأ في هذين الموضعين إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان قلنا نسب الخطأ إلى شعبة دون سفيان لأربعة وجوه الأول أن شعبة كان يخطئ في الرجال كثيرا وأما سفيان فلم يكن يخطئ قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة شعبة ثقة ثبت في الحديث وكان يخطئ في أسماء الرجال قلي وكذلك نقل الحافظ عن أبي داود ثم قال بعد عدة أسطر وأما ما تقدم من أنه كان يخطئ في الأسماء فقد قال الدارقطني في العلل كان شعبة يخطئ في أسماء الرجال كثيرا لتشاغله بحفظ المتون انتهى كلام الحافظ وقد ذكر الترمذي خطأ شعبة في مواضع من جامعه فمنها في باب وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان قال الترمذي وروى شعبة هذا الحديث يعني حديث علي عن خالد بن علقمة فأخطأ في اسمه واسم أبيه فقال مالك بن عرفطة قال والصحيح خالد بن علقمة ومنها في باب ما جاء في التخشع في الصلاة قال الترمذي سمعت محمد بن إسماعيل يقول روى شعبة هذا الحديث يعني حديث الفضل بن
[ 64 ]
عباس عن عبد ربه بن سعيد فأخطأ في مواضع فقال عن أنس بن أبي أنيس وهو عمران بن أبي أنس وقال عن عبد الله بن الحارث وإنما هو عبد الله بن نافع بن العميا عن ربيعة بن الحارث وقال شعبة عن عبد الله بن الحارث عن المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب عن الفضل بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحمد وحديث الليث بن سعد أصح من حديث شعبة انتهى ومنها في باب كراهية الطواف عريانا حدثنا ابن عمر ونصر بن علي قالا نا سفيان عن أبي إسحاق نحوه يعني نحو الحديث المذكور وقالا زيد بن يثيع وهذا أصح وشعبة وهم فيه فقال زيد بن أثيل انتهى والوجه الثاني أن شعبة كان شاكا يشك كثيرا في الأسانيد والمتون وأما شعبة فلم يكن شاكا والوجه الثالث أن شعبة وسفيان في أنهما ثقتان حافظان لكن سفيان أحفظ من شعبة كما ستقف على هذا والوجه الرابع أن شعبة قد تفرد بما قال في روايته في هذين الموضعين ولم يتابعه على ذلك أحد وأما سفيان فلم يتفرد بما قال في روايته فيهما بل تابعه على ذلك العلاء بن صالح وعلي بن صالح ومحمد بن سلمة فبهذه الوجوه قد نسب الخطأ إلى شعبة ولم ينسب إلى سفيان فإن قيل قد أجاب العيني في شرح البخاري عما نسب إليه الترمذي من الخطأ الأول حيث قال قوله هو حجر بن العنبس وليس بأبي العنبس ليس كما قاله بل هو أبو العنبس حجر بن العنبس وجزم به ابن حبان في الثقات فقال كنيته كاسم أبيه وقول محمد يكنى أبا السكن لا ينافي أن تكون كنيته أيضا أبا العنبس لأنه لا مانع أن يكون لشخص كنيتان انتهى قلنا لم يثبت من كتب الرجال والتراجم أن كنية حجر بن العنبس أبو العنبس أيضا وأن له كنيتان ولم يصرح به أحد من أئمة الفن غير ابن حبان مع أنه يحتمل أن يكون مبنى قوله هو رواية شعبة فالظاهر أنه خطأ شعبة كما نص عليه الامام البخاري والحافظ أبو زرعة والله أعلم فإن قيل قد تابع سفيان شعبة في أبي العنبس أخرج أبو داود حدثنا محمد بن كثير نا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس الحضرمي الحديث وأخرج الدارقطني في سننه حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي حدثنا وكيع والمحاربي قالا حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس وهو ابن العنبس الحديث فثبت أن شعبة ليس متفردا بأبي العنبس بل ذكره محمد بن كثير ووكيع والمحاربي عن سفيان الثوري أيضا
[ 65 ]
قلنا كل من قال في روايته عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحجر أبي العنبس فروايته غير محفوظة أما رواية محمد بن كثير فإنه قد خالف في ذكر حجر أبي العنبس يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي فإنهما قالا في روايتهما حجر بن العنبس كما في رواية الترمذي المذكورة وهما أحفظ وأتقن من محمد بن كثير وأما رواية وكيع والمحاربي فقد تفرد بها عبد الله بن سعيد الكندي وقد خالف في ذكر حجر أبي العنبس أحمد بن حنبل وأحمد بن سنان ويعقوب الدورقي فإن هؤلاء الثقات الحفاظ قالوا في رواياتهم حجر بن العنبس قال أحمد بن حنبل في مسنده حدثنا وكيع ثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ ولا الضالين فقال امين يمد بها صوته وقال الدارقطني في سننه حدثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ح وحدثنا أبو محمد بن صاعد ثنا يعقوب الدورقي قالا نا عبد الرحمن عن سفيان عن سلمة عن حجر بن عنبس قال سمعت وائل بن حجر قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال امين ومد بها صوته قلت الظاهر أن عبد الرحمن هذا هو المحاربي ففي كون لفظ أبي العنبس في رواية سفيان محفوظا كلام فإن قيل قد أجاب العيني أيضا عما نسب الترمذي إلى شعبة من خطئه الثاني حيث قال وقوله وزاد فيه علقمة لا يضر لأن زيادة الثقة مقبولة لا سيما من مثل شعبة انتهى قلنا قد عرفت انفا أن شعبة كان يخطئ كثيرا في الرجال وأنه قد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابعه عليها أحد لا ثقة ولا ضعيف وقد خالف في ذكر هذه الزيادة سفيان والعلاء بن صالح وعلي بن الصالح ومحمد بن مسلمة فإن هؤلاء لم يذكروا في رواياتهم هذه الزيادة وستعرف أن سفيان أحفظ من شعبة وأنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان ومع هذا كله قد نص الامام البخاري رحمه الله تعالى على أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة فالظاهر أن شعبة أخطأ في هذه الزيادة والله تعالى أعلم (وقال خفض بها صوته وإنما هو مد بها صوته) هذا هو الموضع الثالث من المواضع التي أخطأ فيها شعبة فقول شعبة فيه وخفض بها صوته خطأ والصواب مد بها صوته كما رواه سفيان فإن قيل إن سفيان وشعبة كليهما ثقتان ثبتان أمير المؤمنين في الحديث وليس أحد منهما أحق بالخطأ من الاخر فلقائل أن يقول إن سفيان هو الذي أخطأ في قوله ومد بها صوته فأي دليل على أن المخطئ هو شعبة
[ 66 ]
قلنا إن هنا أدلة عديدة على أن المخطئ هو شعبة فمنها أن سفيان وشعبة وإن كانا ثقتين حافظين لكنهما ليس بمتساويين في الحفظ بل سفيان أحفظ من شعبة وقد نص على هذه شعبة نفسه قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ كان شعبة يقول سفيان أحفظ مني انتهى وقال الترمذي في باب ما جاء ص 424 في تعليم القران قال علي بن عبد الله قال يحيى بن سعيد ما أحد يعدل عندي شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان سمعت أبا عمار يذكر عن وكيع قال شعبة سفيان أحفظ مني وما حدثني سفيان عن أحد بشئ فسألته إلا وجدته كما حدثني إنتهي وبطل بهذا قول من قال إن شعبة جعل سفيان أحفظ من نفسه هضما لنفسه وقد صرح أئمة الحديث بأن سفيان أحفظ من شعبة قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ قال صالح جزرة سفيان أحفظ من شعبة يبلغ حديثه ثلاثين ألف وحديث شعبة نحو عشرة الاف إنتهى وقال الحافظ بن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة سفيان قال أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين هو أحفظ من شعبة انتهى ومنها أنه قد تقرر أن شعبة إذا خالف سفيان فالقول قول سفيان قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن البهيقي قال يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان انتهى ولذلك رجح الترمذي حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في سند حديث خيركم من تعلم القران وعلمه حيث زاد شعبة فيه ولم يزده سفيان قال الترمذي في جامعه كان حديث سفيان أشبه قال علي بن عبد الله قال يحيى بن سعيد ما عندي أحد يعدل شعبة وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان إلى اخر ما نقلت عن الترمذي انفا ولذلك رجح أبو داود حديث سفيان على حديث شعبة لما اختلفا في حديث اشتراء سراويل حيث قال سفيان فيه وثم رجل يزن بالأجر ولم يقل شعبة يزن بالأجر قال أبو داود في سننه رواه قيس كما قال سفيان والقول قول سفيان حدثنا أحمد بن حنبل ثنا وكيع عن شعبة قال كان سفيان أحفظ مني انتهى كلام أبي داود تنبيه كلام الترمذي وكلام أبي داود هذان يدلان على أن المراد بالمخالفة في قول يحيى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فالقول قول سفيان المخالفة في الرواية فبطل قول من قال إن المراد بالمخالفة في الفقه والدراية ومنها أن شعبة لم يتابعه أحد في قوله وخفض بها صوته لا ثقة ولا ضعيف وأما سفيان فقد تابعه في قوله مد بها صوته ثلاثة أحدهم العلاء بن صالح فإنه قد روى هذا الحديث عن
[ 67 ]
سلمة بن كهيل نحو حديث سفيان كما ذكره الترمذي في هذا الباب والعلاء بن صالح ثقة والثاني علي بن صالح قال أبو داود في سننه حدثنا مخلد بن خالد الشعيري حدثنا ابن نميرنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بامين الحديث وعلي بن صالح أيضا ثقة والثالث محمد بن سلمة قال الدارقطني بعد رواية حديث شعبة ما لفظه هكذا قال شعبة وأخفى بها صوته ويقال إنه وهم لأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة وغيرهما رووه عن سلمة بن كهيل فقالوا ورفع بها صوته انتهى ومحمد بن سلمة ضعيف فتابع سفيان ثقتان وضعيف ولم يتابع شعبة أحد لا ثقة ولا ضعيف ومنها أن سفيان لم يرو عند خلاف المد بالصوت والرفع والجهر لا بسند صحيح ولا بسند ضعيف وأما شعبة فروى عنه خلاف الخفض وا خفاء فروى عنه موافقا لحديث سفيان في السند والمتن قال الزيلعي في نصب الراية وطعن صاحب التنقيح في حديث شعبة هذا بأنه قد روى عنه خلافه كما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن سلمة بن كهيل سمعت حجرا أبا عنبس يحدث عن وائل الحضرمي أنه صلى خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال ولا الضالين قال امين رافعا بها صوته قال فهذه الدراية توافق رواية سفيان وقال البيهقي في المعرفة إسناد هذه الرواية صحيح انتهى قلت وقال البيهقي فيحتمل أن يكون تنبه لذلك فعاد إلى الصواب في متنه وترك ذكر علقمة في إسناده انتهى كلام البيهقي فهذه الأدلة بمجموعها تدل على أن المخطئ هو شعبة ولذلك جزم الامام البخاري والحافظ أبو زرعة الرازي بخطأ شعبة وقال البيهقي قد أجمع البخاري وغيره من الحفاظ على أن شعبة أخطأ في هذا الحديث فقد روى من أوجه فجهر بها انتهى وقال الحافظ في التلخيص وقد رجحت رواية سفيان بمتابعة اثنين له بخلاف شعبة ولذلك جزم النقاد بأن حديث سفيان أصح وأرجح من حديث شعبة انتهى قلت فإذا ثبت أن حديث سفيان بلفظ مد بها صوته هو الصواب وأن حديث شعبة بلفظ وخفض بها صوته خطأ ظهر لك أن القول برفع الصوت بالتأمين والجهر به هو الراجح القوي المعول عليه وأجاب الحنفية عن أحاديث الجهر بالتأمين واعتذروا عن العمل بها بما لا ينبغي الالتفات إليها فقال بعضهم قال عطاء امين دعاء وقد قال الله تعالى (أدعوا ربكم تضرعا وخفية) انتهى
[ 68 ]
قلت تقرير استدلال هذا البعض على الشكل الأول هكذا امين دعاء وكل دعاء لا بد أن يخفي به لقوله تعالى (ادعو ربكم تضرعا وخفية) فامين لا بد أن يخفي بها ولا شك في أنه لو ثبت صحة الصغرى وكلية الكبرى صحت هذه النتيجة لكن في صحة الصغرى نظرا فإنا لا نسلم أن امين دعاء بل نقول إنها كالطابع والخاتم للدعاء كما عند أبي داود من حديث أبي زهير النميري الصحابي أن امين مثل الطابع على الصحيفة ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم إن ختم بامين فقد أوجب ولو سلمنا أن امين دعاء فنقول إنها ليست بدعاء مستقل بالاصالة بل هي من توابع الدعاء ولذلك لا يدعي بامين وحدها بل يدعي بدعاء أولا ثم تقال هي عقيبة فالظاهر أن يكون الجهر بها والاخفاء بها تابعا لأصل الدعاء إن جهرا فجهرا وإن سرا فسرا ولو سلمنا أن امين دعاء بالأصالة فلا نسلم كلية الكبرى ألا ترى أن اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم الخ دعاء ويقرأ في الصلاة الجهرية بالجهر وكذلك كثير من الأدعية قد ثبت الجهر بها فهذا الاستدلال مما لا يصغي إليه وقال بعضهم إن الجهر كان أحيانا للتعليم كما جهر عمر بن الخطاب بالثناء على الافتتاح كذلك كان الجهر بالتأمين تعليما قلت القول بأن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم سخيف جدا فإنه ادعاء محض لا دليل عليه ويدل على سخافته أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يجهرون خلف الامام حتى كان للمسجد رجة فلو كان جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين للتعليم لم يجهروا بالتأمين خلف إمامهم وأيضا لو كان جهره به للتعليم كان أحيانا لا على الدوام وقد روى أبو داود وغيره بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ ولا الضالين قال امين ورفع بها صوته فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يداوم على الجهر فإن قلت أخرج الدولابي في كتاب الأسماء والكنى حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال حدثنا الحسن بن عطية قال أنبأنا يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي سكن حجر بن عنبس الثقفي قال سمعت وائل بن حجر الحضرمي يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه وقرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال امين ومد بها صوته ما أراد إلا يعلمنا فقوله ما أراد إلا يعلمنا في هذه الرواية يدل على أن جهره صلى الله عليه وسلم بالتأمين كان للتعليم قلت قد تفرد بزيادة قوله ما أراد إلا يعلمنا . يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهو متروك قال الحافظ في التقريب في ترجمته متروك وكان شيعيا انتهى . وقد روي حديث وائل بن حجر هذا من طرق كثيرة وليس في واحد منها هذه الزيادة فهذه الزيادة منكرة مردودة فالاستد لال بهذه الزيادة المنكرة على أن الجهر بالتأمين كان أحيانا للتعليم باطل حدا .
[ 69 ]
قال (وسألت أبا زرعة) الرازي اسمه عبيد الله بن عبد الكريم بن زيد بن فروخ المخزومي أحد ثقة الحفاظ تقدم ترجمته في المقدمة قال ابن وارة سمعت إسحاق بن راهويه يقول كل حديث لا يعرفه أبو زرعة ليس له أصل كذا في تهذيب التهذيب (قال) أي أبو زرعة (روى العلاء بن صالح الأسدي) قال الحافظ في تهذيب التهذيب العلاء بن صالح التيمي ويقال الأسدي الكوفي وسماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم روى عن المنهال بن عمرو وعدي بن ثابت وسلمة بن كهيل وروى عنه أبو أحمد الزبيري وعبد الله بن نمير قال بن معين وأبو داود ثقة وقال ابن معين أيضا وأبو حاتم لا بأس به قال الحافظ له عند الترمذي حديث وائل في الصلاة انتهى قلت روى أبو داود في سننه حديث وائل من طريق ابن نمير عن علي بن صالح عن سلمة بن كهيل وذكر الحافظ في هذا الكتاب في ترجمة علي بن صالح روى عن أبيه وأبي إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل وعنه أخوه وابن عيينة ووكيع وأبو أحمد الزبيري وابن نمير انتهى فإذا ثبت أن العلاء بن صالح الأسدي وعلي بن صالح رجلان وكلاهما يرويان عن سلمة بن كهيل ويروي عن كليهما ابن نمير فالظاهر أن العلاء بن صالح وعلي بن صالح كليهما يرويان حديث وائل عن سلمة بن كهيل ويروي عن كليهما ابن نمير فلا أدري لم جزم الحافظ بأنه سماه أبو داود في روايته علي بن صالح وهو وهم فتفكر قوله (ثنا أبو بكر محمد بن أبان) بن وزير البلغي المستملي يلقب حمدويه وكان مستملي وكيع ثقة حافظ قاله الحافظ روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري وأصحاب السنن الأربع مات سنة 144 أربع وأربعين ومائة (نا عبد الله بن نمير) بضم النون مصغرا الهمداني أبو هشام الكوفي ثقة صاحب حديث من أهل السنة من رجال الكتب الستة
[ 70 ]
باب ما جاء في فضل التأمين قوله إذا أمن الامام فأمنوا أي إذا قال الامام امين فقولوا امين وهذا يدل على أن الامام يجهر بالتأمين وجه الدلالة أنه لو لم يكن تأمين الامام مسموعا للمأموم لم يعلم به وقد علق تأمينه بتأمينه وأجيب بأن موضعه معلوم فلا يستلزم الجهر به وفيه نظر لاحتمال أن يخل به فلا يستلزم علم المأموم به وقد روى روح بن عبادة عن مالك في هذا الحديث قال ابن شهاب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال ولا الضالين جهر بامين أخرجه السراج ولابن حبان من رواية الزبيدي في هذا الحديث عن ابن شهاب كان إذا فرغ من قراءة أم القران رفع صوته وقال امين كذا في الفتح فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة زاد يونس عن ابن شهاب عند مسلم فإن الملائكة تؤمن قبل قوله فمن وافق وهو دال على أن المراد الموافقة في القول والزمان خلافا لمن قال المراد الموافقة في الاخلاص والخشوع كابن حبان ثم ظاهره أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره بن بزيزة وقيل الحفظة منهم وقيل الذين يتعاقبون منهم إذا قلنا أنهم غير الحفظة والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء ففي رواية للبخاري إذا قال أحدكم امين وقالت الملائكة في السماء امين وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق امين في الأرض امين في السماء غفر للعبد ومثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى قاله الحافظ غفر له ما تقدم من ذنبه ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماء على الصغائر لورود الاستثناء في غير هذه الرواية قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما
[ 71 ]
باب ما جاء في السكتتين قوله (عن الحسن) البصري ثقة فقيه فاضل مشهور وكان يرسل كثيرا ويدلس وقال البزار كان يروى عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة من أوساط التابعين قوله (عن سمرة) بفتح أوله وضم ثانيه ابن جندب بن هلال الفزاري حليف الأنصار صحابي مشهور (سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية لأبي داود حفظت سكتتين في الصلاة سكتة إذا كبر الامام حتى يقرأ وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع وفي رواية أخرى له سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين فأنكر ذلك أي ما حفظه سمرة من السكتتين (عمران بن حصين) بالتصغير كان من علماء الصحابة وكانت الملائكة تسلم عليه وهو ممن اعتزل الفتنة (قال) أي عمران (حفظنا سكتة) أي واحدة (فكتبنا) قائلة سمرة (إلى أبي بن كعب) الأنصاري الخزرجي سيد القراء كتب الوحي وشهد بدرا وما بعدها وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه رضي الله عنه وكان ممن جمع القران (فكتب أبي) بن كعب (أن) بفتح الهمزة وسكون النون (حفظ سمرة) وفي رواية أبي داود فصدق سمرة (إذا دخل في صلاة) هذا السكتة لدعاء الاستفتاح وقد وقع بيانها في حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير والقراءة يقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث (إذا فرغ من القراءة) أي كلها كما في رواية لأبي داود وهذه السكتة ليتراد إليه نفسه كما يأتي بيانها في قول قتادة (ثم قال) أي قتادة (بعد ذلك وإذا قرأ ولا الضالين) قال النووي عن أصحاب الشافعي يسكت قدر قراءة المأمومين الفاتحة قال ويختار الذكر والدعاء والقراءة سرا لأن الصلاة ليس فيها سكوت في حق الامام انتهى
[ 72 ]
قلت تعيين هذه السكتة بهذا المقدار واختيار الذكر والدعاء والقراءة سرا في هذه السكتة للامام محتاج إلى الدليل قال الشوكاني حصل من مجموع الروايات ثلاث سكتات الأولى بعد تكبير الاحرام والثانية إذا قرأ ولا الضالين والثالثة إذا فرغ من القراءة كلها قيل وهي أخف من الأولى والثانية وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصل فيه انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وفيه بيان سكوته صلى الله عليه وسلم بين التكبير والقراءة وقوله في هذا السكوت اللهم باعد بيني وبين خطاياي إلخ قوله (حديث سمرة حديث حسن) قال الشوكاني قد صحح الترمذي حديث الحسن عن سمرة في مواضع من سننه منها حديث نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وحديث جار الدار أحق بدار الجار وحديث لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار وحديث صلاة الوسطى صلاة العصر فكان هذا الحديث على مقتضى تصرفه جديرا بالتصحيح وقد قال الدارقطني رواه الحديث كلهم ثقات انتهى باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال قوله (عن قبيصة بن هلب) بضم الهاء وسكون اللام بعدها موحدة الطائي الكوفي مقبول
[ 73 ]
من الثالثة قاله الحافظ في التقريب وفي الخلاصة وثقه العجلي (عن أبيه هلب الطائي) صحابي نزل الكوفة وقيل اسمه يزيد وهلب لقب (فيأخذ شماله بيمينه) أي ويضعهما على صدره ففي رواية أحمد ورأيته يضع هذه لى صدره وصف يحيى اليمني على اليسرى فوق المفصل وستأتي هذه الرواية بتمامها قوله (وفي الباب عن وائل بن حجر وغطيف بن الحارث وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سهل كذا وقع في النسخة الأحمدية سهل بن سهل) ووقع في غيرها من النسخ سهل بن سعد وهو الصحيح والأول غلط أما حديث وائل بن حجر فأخرجه مسلم في صحيحه عنه أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة ثم كبر التحف ثم وضع يده اليمنى على اليسرى فلما أراد أن يركع الحديث ورواه ابن خزيمة بلفظ صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره وأما حديث غطيف وهو بضم الغين مصغرا فأخرجه الحافظ ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار بلفظ قال مهما رأيت شيئا نسيته فإن لم أنس أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده اليمنى على اليسرى في الصلاة كذا في اعلام الموقعين وأما حديث ابن عباس وابن مسعود فلينظر من أخرجه وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري في صحيحه بلفظ قال كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قوله (حديث هلب حديث حسن) وأخرجه ابن ماجه قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة) وقال المالكية بإرسال اليدين في الصلاة قال الحافظ بن القيم في الأعلام بعد ذكر أحاديث وضع اليدين في الصلاة ما لفظه فهذه الاثار قد و ردت برواية القاسم عن مالك قال تركه أحب إلي وأعلم شيئا قد ردت به سواه انتهى والعجب من المالكية أنهم كيف اثروا رواية القاسم عن مالك مع أنه ليس في إرسال اليدين حديث
[ 74 ]
صحيح وتركوا أحاديث وضع اليدين في الصلاة وقد أخرج مالك حديث سهل بن سعد المذكور وقد عقد له بابا بلفظ وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة فذكر أولا أثر عبد الكريم بن أبي المخارق أنه قال من كلام النبوة إذا لم تستح فاصنع ما شئت ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة يضع اليمنى على اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناس بالسحور ثم ذكر حديث سهل بن سعد المذكور (ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ورأى بعضهم أن يضع تحت السرة) قد أجمل الترمذي الكلام في هذا المقام فلنا أن نفصله فاعلم أن مذهب الامام أبي حنيفة أن الرجل يضع اليدين في الصلاة تحت السرة والمرأة تضعهما على الصدر ولم يرو عنه ولا عن أصحابه شئ خلاف ذلك وأما الامام مالك فعنه ثلاث روايات إحداها وهي المشهورة عنه أنه يرسل يديه كما نقله صاحب الهداية والسرخسي في محيطه وغيرهما عن مالك وقد ذكر العلامة أبو محمد عبد الله الشاسي المالكي في كتابة المسمى بعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة والزرقاني في شرح الموطأ أن إرسال اليد رواية ابن القاسم عن مالك وزاد الزرقاني أن هذا هو الذي صار إليه أكثر أصحابه الثانية أن يضع يديه تحت الصدر فوق السرة كذا ذكره العيني في شرح الهداية عن مالك وفي عقد الجواهر أن هذه رواية مطرف والماجشون عن مالك الثالثة أنه تخير بين الموضع وا رسال وذكر في عقد الجواهر وشرح الموطأ أنه قول أصحاب مالك المدنيين وأما الامام الشافعي فعنه أيضا ثلاث روايات إحداها أنه يضعهما تحت الصدر فوق السرة وهي التي ذكرها الشافعي في الأم وهي المختارة المشهورة عند أصحابه المذكروة في أكثر متونهم وشروحهم الثانية وضعهما على الصدر وهي الرواية التي نقلها صاحب الهداية من الشافعي وقال العيني إنها المذكورة في الحاوي من كتبهم الثالثة وضعهما تحت السرة وقد ذكر هذه الرواية في شرح المنهاج بلفظ قيل وقال في المواهب اللدنية إنها رواية عن بعض أصحاب الشافعي وأما الامام أحمد رحمه الله فعنه أيضا ثلاث روايات إحداها وضعهما تحت السرة والثانية وضعهما تحت الصدر والثالثة التخيير بينهما وأشهر الروايات عنه الرواية الأولى وعليه جماهير الحنابلة هذا كله مأخوذ من فوز الكرام للشيخ محمد قائم السندي ودراهم الصرة لمحمد هاشم السندي
[ 75 ]
وكل ذلك واسع عندهم أن الاختلاف بينهم في الوضع فوق السرة وتحت السرة إنما هو في الاختيار والأفضلية وأعلم أن الأحاديث وا ثار قد وردت مختلفة في هذا الباب ولأجل ذكل وقع الاختلاف بين الأئمة رحمهم الله تعالى وها أنا أذكر متمسكاتهم في ثلاثة فصول مع بيان ومالها وما عليها الفصل الأول في بيان من ذهب إلى وضع اليدين تحت السرة وقد تمسك هؤلاء على مذهبهم هذا بأحاديث الأول حديث وائل بن حجر رضي الله عنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه قال حدثنا وكيع عن موسى بن عمير عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله تحت السرة قال الحافظ القاسم بن قطلوبغا في تخريج أحاديث الاختيار شرح المختار هذا سند جيد وقال الشيخ أبو الطيب المدني في شرح الترمذي هذا حديث قوي من حيث السند وقال الشيخ عابد السندي في طوالع الأنوار رجاله ثقات قلت إسناد هذا الحديث وإن كان جيدا لكن في ثبوت لفظ تحت السرة في هذا الحديث نظرا قويا قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور في زيادة تحت السرة نظر بل هي غلط منشؤه السهو فإني راجعت نسخة صحيحة من المصنف فرأيت فيها هذا الحديث بهذا السند وبهذه الألفاظ إلا أنه ليس فيها تحت السرة وذكر فيها بعد هذا الحديث أثر النخعي ولفظه قريب من لفظ هذا الحديث أو في اخره في الصلاة تحت السرة فلعل بصر الكاتب زاغ من محل إلى محل اخر فأدرج لفظ الموقوف في المرفوع انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي وقال صاحب الرسالة المسماة بالدرة في إظهار غش نقد الصرة وأما ما استدل به من حديث وائل الذي رواه ابن أبي شيبة فهذا حديث فيه كلام كثير قال وروى هذا الحديث ابن أبي شيبة وروى بعده أثر النخعي ولفظهما قريب وفي اخر الأثر لفظ تحت السرة واختلف نسخه ففي بعضها ذكر الحديث من غير تعيين محل الوضع مع وجود الأثر المذكور وفي البعض وقع الحديث المرفوع بزيادة لفظ تحت السرة بدون أثر النخعي فيحمل أن هذه الزيادة منشؤها ترك الكاتب سهوا نحو سطر في الوسط وأدراج لفظ الأثر في المرفوع كما يحتمل سقوط لفظ تحت السرة في النسخة المتقدمة لكن اختلاف النسختين على هذا الوجه يؤذن بإدخال الأثر في المرفوع انتهى كلام صاحب الدرة
[ 76 ]
وقال الشيخ محمد فاخر المحدث الاله ابادي في منظومته المسماة بنور السنة وأنكه ازجمع حلقة أعلام ابن قطلوا بغاست قاسم نامإ از كتاب مصنف ارد نقل نكند هيج بأور انرا عقلا دركتا بيكه من دران ديدم غير مقصود أعيان ديدمإ حاصله أن ما نقله القاسم ابن قطعوبغا عن المصنف لا اعتماد عليه ولاعبرة به فإن الكتاب الذي رأيته أنا وجدت فيه خلاف مقصوده قلت ما قاله هؤلاء الأعلام يؤيده أن هذا الحديث رواه أحمد في مسنده بعين سند ابن أبي شيبة وليست فيه هذه الزيادة ففي مسند أحمد حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة انتهى ورواه الدارقطني أيضا بعين سند ابن أبي شيبة وليس فيه أيضا هذه الزيادة قال في سننه حدثنا الحسين بن إسمعيل وعثمان بن جعفر بن محمد الأحول قالا نا يوسف بن موسى نا وكيع نا موسى بن عمير العنبري عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة انتهى ويؤيده أيضا أن ابن التركماني شيخ الحافظ الزيلعي ذكر في الجوهر النقي لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين حيث قال قال ابن حزم وروينا عن أبي هريرة قال وضع الكف على الكف في الصلاة تحت السرة وعن أنس قال ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الافطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة تحت السرة انتهى ونقل قبل هذين الحديثين أثر أبي مجلز عن مصنف ابن أبي شيبة حيث قال قال ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا يزيد بن هارون نا الحجاج بن حسان سمعت أبا مجلز أو سألته قلت كيف أضع قال يضع باطن كف يمينه على ظاهر كف شماله ويجعلهما أسفل من السرة انتهى ولم ينقل ابن التركماني عن مصنف ابن أبي شيبة غير هذا الأثر فالظاهر أنه لم يكن في حديث وائل الذي أخرجه ابن أبي شيبة زيادة تحت السرة فإنه لو كان هذا الحديث فيه مع هذه الزيادة لنقله ابن التركماني إذ بعيد كل البعد أن يذكر ابن التركماني لتأييد مذهبه حديثين ضعيفين وينقل عن مصنف ابن أبي شيبة أثر أبي مجلز التابعي ولا ينقل عنه حديث وائل المرفوع مع وجوده فيه بهذه الزيادة ومع صحة إسناده ويؤيده أيضا ما قال الشيخ محمد حياة السندي في رسالته فتح الغفور من أن غير واحد من أهل الحديث روى هذا الحديث ولم يذكر تحت السرة بل ما رأيت ولا سمعت أحدا من أهل
[ 77 ]
العلم ذكر هذا الحديث بهذه الزيادة إلا القاسم هذا ابن عبد البر حافظ دهره قال في التمهيد وقال الثوري أبو حنيفة أسفل السرة وروى ذلك عن علي وإبراهيم النخعي ولا يثبت ذلك عنهم فلو كان هذا الحديث الصحيح بهذه اللفظة في مصنف ابن أبي شيبة لذكره مع أنه قد أكثر في هذا الباب وغيره الرواية عن ابن أبي شيبة وهذا ابن حجر حافظ عصره يقول في فتحه وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره وللبزار عند صدره وعند أحمد في حديث هلب نحوه ويقول في تخريج الهداية وإسناد أثر علي ضعيف ويعارضه حديث وائل بن حجر قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره وأشار إلى ذلك في تخريج أحاديث الرافعي فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها وكتبه مملوءة من أحاديثه واثاره وقد اختصره كما قال السيوطي في شرح ألفيته والظاهر أن الزيلعي الذي شمر ذيله بجمع أدلة المذهب لم يظفر بها وإلا لذكرها وهو من أوسع الناس اطلاعا وهذا السيوطي الذي هو حافظ وقته يقول في وظائف اليوم والليلة وكان يضع يده اليمنى على اليسرى ثم يشدهما على صدره وقد ذكر في جامعه الكبير في مسند وائل نحو تسعة أحاديث عن المصنف ولفظ بعضها رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع يمينه على شماله في الصلاة وهذا اللفظ هو الذي ذكره صاحب نقد الصرة إلا أنه زاد لفظ تحت السرة فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها السيوطي وهذا العيني الذي يجمع بين الغث والسمين في تصانيفه يقول في شرحه على البخاري احتج الشافعي بحديث وائل بن حجر أخرجه ابن خزيمة في صحيحه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره ويستدل علماؤنا الحنيفة بدلائل غير وثيقة فلو كانت هذه الزيادة موجودة في المصنف لذكرها وقد ملأ تصانيفه بالنقل عنه وهذا ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن الهمام في التحقيق وسعة الاطلاع يقول في شرح المنية إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ولم يثبت يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور وهكذا قال صاحب البحر الرائق فلو كان الحديث في المصنف بهذه الزيادة لذكره ابن أمير الحاج مع أن شرحه محشو من النقل عنه فهذه أمور قادحة في صحة هذه الزيادة في هذه الحديث انتهى كلام الشيخ محمد حياة السندي قلت فحديث وائل بن حجر المذكور وإن كان إسناده جيدا لكن في ثبوت زيادة تحت
[ 78 ]
السرة فيه نظر قويا كما عرفت فكيف يصح الاستدلال بهذا الحديث على وضع اليدين تحت السرة والحديث الثاني حديث علي رضي الله عنه روى أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي عن أبي جحيفة أن عليا قال السنة وضع الكف على الكف تحت السرة قلت في إسناد هذا الحديث عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وعليه مدار هذا الحديث وهو ضعيف لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث قال ابن القطان عبد الرحمن بن إسحاق هو ابن الحرب أبو شيبة الواسطي قال فيه ابن حنبل وأبو حاتم منكر الحديث وقال ابن معين ليس بشئ وقال البخاري فيه نظر وقال البيهقي في المعرفة لا يثبت إسناده تفرد به عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو متروك وقال النووي في الخلاصة وشرح مسلم هو حديث متفق على تضعيفه فإن عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف بالاتفاق انتهى ما في نصب الراية وقال الشيخ بن الهمام في التحرير إذا قال البخاري للرجل فيه نظر فحديثه لا يحتج به ولا يستشهد به ولا يصلح للاعتبار انتهى فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث على هذا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار ثم حديث علي هذا يخالف لتفسيره قوله تعالى (وانحر) أنه وضع يده على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة رواه البيهقي وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه كذا في الدر المنثور قال الفاضل ملا الهداد في حاشية الهداية إذا كان حديث وضع اليدين تحت السرة ضعيفا ومعارضا بأثر علي بأنه فسر قوله تعالى (وانحر) بوضع اليمين على الشمال على الصدر يجب أن يعمل بحديث وائل الذي ذكره النووي ثم حديث علي هذا منسوخ على طريق الحنفية قال صاحب الدرة في إظهار غش نقد الصرة وهو حنفي المذهب روى أبو داود عن جرير الضبي أنه قال رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسخ فوق السرة وأصل علمائنا إذا خالف الصحابي في مرويه فهو يدل على نسخه وهذا الفعل وإن لم يكن أقوى من القول فلا أقل أن يكون مثله انتهى قلت إسناد أثر على هذا الذي رواه أبو داود عن جرير الضبي صحيح كما ستعرف والحديث الثالث حديث أبي هريرة رواه أبو داود في سننه عن أبي وائل قال قال أبو هريرة أخذ الأكف على الأكف في الصلاة تحت السرة قلت في إسناد حديث أبي هريرة أيضا عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي فهذا الحديث
[ 79 ]
أيضا لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار كما عرفت انفا والحديث الرابع حديث أنس ذكره ابن حزم في المحلى تعليقا بلفظ ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الافطار وتأخير السحور ووضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة تحت السرة قلت لم أقف على سند هذا الحديث والعلماء الحنفية يذكرونه في كتبهم ويحتجون به ولكنهم لا يذكرون إسناده فما لم يعلم إسناده لا يصلح للاحتجاج ولا للاستشهاد ولا للاعتبار قال صاحب الدرة وأما حديث أنس من أخلاق النبوة وضع اليمين والشمال تحت السرة الذي قال فيه العيني إنه رواه ابن حزم فسنده غير معلوم لينظر فيه هل رجاله مقبولون أم لا وقد روى هذا الحديث غير واحد من المحدثين من غير زيادة تحت السرة والزيادة إنما تقبل من الثقة المعلوم انتهى كلام صاحب الدرة وقال الشيخ هاشم السندي في رسالته دراهم الصرة ومنها ما ذكره الزاهدي في شرح القدوري وابن أمير الحاج وابن نجيم في البحر الرائق أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث من سنن المرسلين تعجيل الافطار وتأخير السحور ووضع اليمين على الشمال تحت السرة في الصلاة قال لم أقف على سند هذا الحديث غير أن الزاهدي زاد أنه رواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن قال ابن أمير الحاج وابن نجيم إن المخرجين لم يعرفوا فيه موقوفا ومرفوعا لفظ (تحت السرة) انتهى كلام هاشم السندي فهذه الأحاديث هي التي استدل بها على وضع اليدين تحت السرة في الصلاة وقد عرفت أنه لا يصلح واحد منها للاستدلال الفصل الثاني في ذكر ما تمسك به من ذهب إلى وضع اليدين فوق السرة لم أقف على حديث مرفوع يدل على هذا المطلوب نعم أثر علي رضي الله عنه يدل على هذا روى أبو داود في سننه عن جرير الضبي قال رأيت عليا يمسك شماله بيمينه على الرسغ فوق السرة قلت إسناده صحيح أو حسن لكنه فعل علي رضي الله عنه ليس بمرفوع ثم الظاهر أن المراد من قوله فوق السرة على مكان مرتفع من السرة أي على الصدر أو عند الصدر كما جاء في حديث وائل بن حجر وفي حديث هلب الطائي ومرسل طاؤس وستأتي هذه الأحاديث الثلاثة ويؤيده تفسيره رضي الله عنه قوله تعالى (وانحر) بوضع اليدين على الصدر في الصلاة كما تقدم الفصل الثالث في ذكر متمسكات من ذهب إلى وضع اليدين على الصدر أحتج هؤلاء بأحاديث منها حديث وائل بن حجر قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره أخرجه ابن خزيمة وهذا حديث صحيح صححه ابن خزيمة كما صرح به ابن سيد الناس في شرح الترمذي وقد اعترف الشيخ محمد قائم السندي الحنفي في رسالته فوز
[ 80 ]
الكرام أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة حيث قال فيها الذي أعتقده أن هذا الحديث على شرط ابن خزيمة وهو المتبادر من صنيع الحافظ في الإتحاف والظاهر من قول ابن سيد الناس بعد ذكر حديث وائل في شرح جامع الترمذي وصححه ابن خزيمة انتهى وقال ابن أمير الحاج الذي بلغ شيخه ابن همام في التحقيق وسعة الاطلاع في شرح المنية إن الثابت من السنة وضع اليمين على الشمال ولم يثبت حديث يوجب تعيين المحل الذي يكون الوضع فيه من البدن إلا حديث وائل المذكور وهكذا قال صاحب البحر الرائق كذا في فتح الغفور للشيخ حياة السندي وقال الشوكاني في النيل أخرجه ابن خزيمة في صحيحه وصححه انتهى وقال الحافظ في فتح الباري ولم يذكر أي سهل بن سعد محلهما من الجسد وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره والبزار عنه صدره وعند أحمد في حديث هلب الطائي نحوه في زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة وإسناده ضعيف انتهى فالظاهر من كلام الحافظ هذا أن حديث وائل عنده صحيح أو حسن لأنه ذكر ههنا لغرض تعيين محل وضع اليدين ثلاثة أحاديث حديث وائل وحديث هلب وحديث علي وضعف حديث علي وقال إسناده ضعيف وسكت عن حديث وائل هلب فلو كانا هما أيضا ضعيفين عنده لبين ضعفهما ولأنه قال في أوائل مقدمة الفتح ما لفظه فإذا تحررت هذا الفصول وتقررت هذه الأصول أفتتحت شرح الكتاب فأسوق الباب وحديثه أولا ثم أذكر وجه المناسبة بينهما إن كانت خفية ثم أستخرج ثانيا ما يتعلق به غرض صحيح في ذلك الحديث من الفوائد المتنية والاسنادية من تتمات وزيادات وكشف غامض وتصريح مدلس بسماع ومتابعة سامع من شيخ اختلط قبل ذلك منتزعا كل ذلك من أمهات المسانيد والجامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك انتهى كلام الحافظ فقوله بشرط الصحة أو الحسن فيما أورده من ذلك يدل على أن حديث وائل وكذا حديث هلب الطائي عنده صحيح أو حسن فتفكر وأيضا قد صرح الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث وائل أخرجه ابن خزيمة وهو في مسلم دون قوله على صدره انتهى فالظاهر من كلامه هذا أن حديث ابن خزيمة هذا هو الذي في صحيح مسلم في وضع اليمنى على اليسرى سندا ومتنا بدون ذكر المحل فالحاصل أن حديث وائل بن حجر صحيح قابل للاحتجاج والاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة تام صحيح ومنها حديث هلب الطائي رواه الامام أحمد في مسنده قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان ثنا سماك عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن
[ 81 ]
يساره ورأيته يضع هذه على صدره ووصف يحيى اليمنى على اليسرى فوق المفصل ورواة هذا الحديث كلهم ثقات وإسناده متصل أما يحيى بن سعيد فهو أبو سعيد القطان البصري الحافظ الحجة أحد أئمة الجرح والتعديل قال الحافظ في التقريب ثقة متقن حافظ إمام قدوة وأما سفيان فهو الثوري قال في التقريب ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة وربما كان دلس إنتهى قلت قد صرح ههنا بالتحديث فانتفت تهمة التدليس وأما سماك فهو ابن حرب أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي أبو المغيرة صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وكان قد تغير باخره فكان ربما يلقن كذا في التقريب وقال الذهبي قال أحمد سماك مضطرب وضعفه شيبة وقال ابن عمار كان يغلط وقال العجلي ربما وصل الشئ وكان الثوري يضعفه وقال روايته مضطربة وليس من المثبتين وقال صالح يضعف وقال ابن خداش فيه لين ووثقه ابن معين وأبو حاتم انتهى وكون السماك مضطرب الحديث لا يقدح في حديثه المذكور لأنه رواه عن قبيصة وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وكذا تغيره في اخره لا يقدح أيضا لأن الحديث المذكور رواه عنه سفيان وهو ممن سمع قديما من سماك قال في تهذيب الكمال قال يعقوب وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وهو في غير عكرمة صالح وليس من المثبتين ومن سمع قديما من سماك مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه مستقيم انتهى وأما قبيصة فهو أيضا ثقة كما عرفت فيما تقدم وأما أبوه فهو صحابي فحديث هلب الطائي هذا حسن وقد أعترف صاحب اثار السنن بأن إسناده حسن فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح ومنها حديث طاوس رواه أبو داود في المراسيل قال حدثنا أبو توبة حدثنا الهيثم يعني ابن حميد عن ثور عن سليمان بن موسى عن طاوس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة وهذا الحديث قد وجد في بعض نسخ أبي داود قال الحافظ المزي في الأطرف في حرف الطاء من كتاب المراسيل الحديث أخرجه أبو داود في كتاب المراسيل وكذا قال البيهقي في المعرفة فحديث طاوس هذا مرسل لأن طاوسا تابعي وإسناده حسن والحديث المرسل حجة عند الامام أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقا وعند الشافعي إذا إعتضد بمجيئه من وجه اخر يباين الطريق الأولى مسندا كان أو مرس وقد اعتضد هذا المرسل بحديث وائل وبحديث هلب الطائي المذكورين فالاستدلال به على وضع اليدين على الصدر في الصلاة صحيح تنبيه قال بعض الحنفية حديث وائل فيه اضطراب فأخرج ابن خزيمة في هذا الحديث على صدره والبزار عند صدره وابن أبي شيبة تحت السرة
[ 82 ]
قلت قد تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم (ولا يعل الصحيح) بالمرجوح ومع الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين وههنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية فإن في ثبوت لفظ (تحت السرة) في رواية ابن أبي شيبة نظرا قويا كما تقدم بيانه وأما رواية ابن خزيمة بلفظ على صدره ورواية البزار بلفظ عد صدره فالأولى راجحة فتقدم على الأخرى ووجه الرجحان أن لها شاهدا حسنا من حديث هلب وأيضا يشهدها مرسل طاوس بخلاف الأخرى فليس لها شاهد ولو سلم أنهما متساويتان فالجمع بينهما ليس بمتعذر قال الشيخ أبو المحاسن محمد الملقب بالقائم السندي في رسالته فوز الكرام قال العلامة الشيخ أبو الحسن في رسالة جواز التقليد والعمل بالحديث بعد ذكر حديث وائل وهلب ومرسل طاوس وتفسير علي وأنس وابن عباس هذه الأحاديث قد أخذ بها الشافعي لكن قال بوضع اليد على الصدر بحيث تكون اخر اليد تحت الصدر جمعا بين هذه الأحاديث وبين ما في بعض الروايات عند الصدر إنتهى وقد جمع بعض أهل العلم بينهما بالحمل على صلاتين مختلفتين ونظير هذا الاختلاف اختلاف رفع اليدين حذو المنكبين وحذو الأذنين في الصلاة فقول بعض الحنفية بالاضطراب في حديث وائل مما لا يصغي إليه تنبيه اخر قال النيموي في اثار السنن بعد ذكر حديث هلب الطائي رواه أحمد وإسناده حسن لكن قوله على صدره غير محفوظ يعني أنه شاذ وبين وجه كونه شاذا غير محفوظ أن يحيى بن سعيد القطان خالف في زيادة قوله على صدره غير واحد من أصحاب سفيان وسماك فإنهم لم يذكروا هذه الزيادات وعرف الشاذ بأنه ما رواه الثقة مخالفا في نوع من الصفات لما رواه جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ وأعم من أن تكون المخالفة منافية للرواية الأخرى أم لا وأدعى أن هذا هو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وغيرهم من المحدثين المتقدمين واستدل عليه بأن هذا يفهم من صنيعهم في زيادة ثم لا يعود في حديث ابن مسعود وفصاعدا في حديث عبادة وإذا قرأ فانصتوا في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري وكذلك في كثير من المواضع حيث جعلوا الزيادات شاذة بزعمهم أن راويها قد تفرد بها مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث قلت تعريف الشاذ هذا الذي ذكره صاحب اثار السنن ليس بصحيح وليس هو مذهب المحدثين المتقدمين البتة وجه عدم صحته أنه يلزم منه أن يكون كل زيادة زادها ثقة ولم يزدها جماعة من الثقات أو لم يزدها من هو أوثق منه وليست منافية لأصل الحديث شاذة غير مقبولة
[ 83 ]
واللازم باطل فالملزوم مثله والدليل على بطلان اللازم أن كل زيادة هذا شأنها قبلها المحدثون المتقدمون كالشافعي والبخاري وغيرهما وكذا قبلها المتأخرون إلا أن ظهرت لهم قرينة تدل على أنها وهم من بعض الرواة فحينئذ لا يقبلونها ألا ترى أن الامام البخاري رحمه الله قد أدخل في صحيحه من الأحاديث ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه غير منافية ولم يزدها جماعة من الثقات أو من هو أوثق منه وأحفظ وقد طعن بعض المحدثين بإدخال مثل هذه الأحاديث في صحيحه ظنا منهم أن مثل هذه الزيادات ليست بصحيحة وقد أجاب المحققون عن هذا الطعن بأن مثل هذه الزيادات صحيحة قال الحافظ في مقدمة ص 402 الفتح فالأحاديث التي انتقدت عليهما أي البخاري ومسلم تنقسم أقساما ثم بين الحافظ والقسم الأول والثاني ثم قال القسم الثالث منها ما تفرد به بعض الرواة بزيادة فيه دون من هو أكثر عددا أو أضبط ممن لم يذكرها فهذا لا يؤثر التعليل به إلا إن كانت الزيادة منافية بحيث يتعذر الجمع أما إذا كانت الزيادة لا منافاة فيها بحيث يكون كالحديث المستقل فلا اللهم إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تلك الزيادة مدرجة في المتن من كلام بعض رواته فما كان من هذا القسم فهو مؤثر كما في الحديث الرابع والثلاثين انتهى وأيضا قال الحافظ فيها قال الدارقطني أخرج البخاري حديث أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يقاتل المشركين فقال هو من أهل النار الحديث وفيه أن العبد ليعمل فيما يرى الناس عمل أهل الجنة وإنه لمن أهل النار ويعمل فيما يرى الناس عمل أهل النار وهو من أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم قال وقد رواه ابن أبي حازم ويعقوب بن عبد الرحمن وسعيد الجمحي عن أبي حازم فلم يقولوا في اخره وإنما الأعمال بالخواتيم قال الحافظ زادها أبو غسان وهو ثقة حافظ فاعتمده البخاري انتهى وقد صرح بقبول مثل هذه الزيادة ابن التركماني في الجوهر النقي والحافظ الزيلعي في نصب الراية في مواضع عديدة بل أشار النيموي نفسه في كتابه اثار السنن أيضا بقبول مثل هذه الزيادة في موضع منه ص 17 حيث قال فزيادته أي زيادة الحميدي تقبل جدا لأنها ليست منافية لمن هو أوثق منه انتهى فلما ظهر بطلان اللازم ثبت بطلان الملزوم أعني بطلان تعريف الشاذ الذي ذكره صاحب اثار السنن من عند نفسه فإن قلت فما تعريف الشاذ الذي عليه المحققون قلت قال الحافظ بن حجر في مقدمة فتح الباري ص 445 وأما المخالفة وينشأ عنها الشذوذ والنكارة فإذا روى الضابط أو الصدوق شيئا فرواه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا بخلاف ما روى بحيث يتعذر الجمع على قواعد المحدثين فهذا شاذ انتهى فهذا التعريف هو
[ 84 ]
الذي عليه المحققون وهو المعتمد قال الحافظ في شرح النخبة ص 37 فإن خولف بأرجح منه لمزيد ضبط أو كثرة عدد أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالراجح يقال له المحفوظ ومقابله وهو المرجوح يقال له الشاذ (إلى أن قال) وعرف من هذا التقرير أن الشاذ ما رواه المقبول مخالفا لمن هو أولى منه وهو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح انتهى والمراد من المخالفة في قوله مخالفا المنافاة دون مطلق المخالفة يدل عليه قول الحافظ في هذا الكتاب ص 37 وزيادة روايهما أي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة لأن الزيادة إما أن تكون مقبولة لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها فهذه تقبل مطلقا لأنها في حكم الحديث المستقل الذي يتفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره وإما أن تكون منافية بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى فهذه هي التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها فيقبل الراجح ويرد المرجوح انتهى وقال الشيخ ابن حجر الهيثمي في رسالته المتعلقة بالبسملة الشاذ اصطلاحا فيه اختلاف كثير والذي عليه الشافعي والمحققون أن ما خالف فيه راو ثقة بزيادة أو نقص في سند أو متن ثقات لا يمكن الجمع بينهما مع اتحاد المروي عنه انتهى وقال الشيخ عمر البيقوني في منظومته في مصطلح أهل الحديث وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ والمقلوب قسمان تلا قال الشارح الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني وما يخالف ثقة فيه بزيادة أو نقص في السند أو المتن الملا أي الجماعة الثقات فيما رووه وتعذر الجمع بينهما فالشاذ كما قاله الشافعي وجماعة من أهل الحجاز وهو المعتمد كما صرح به في شرح النخبة لأن العدد أولى بالحفظ من الواحد وعليه فما خالف الثقة فيه الواحد الأحفظ شاذ وفي كلام ابن الصلاح وغيره ما يفهمه انتهى وقال العلامة المجد صاحب القاموس في منظومته في أصول الحديث ثم الذي ينعت بالشذوذ كل حديث مفرد مجذوذ خالف فيه الناس ما رواه لأن روى ما لا يروى سواه قال الشيخ سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الأهدل في شرحه المسمى بالمنهل الروى الشاذ لغة المنفرد يقال شذيشذ شذوذا إذا انفرد وأما إصطلاحا ففيه اختلاف كثير ومقتضى ما ذكره الناظم الاشارة إلى قولين الأول ما ذهب إليه الشافعي وجماعة من أهل الحجاز أنه ما رواه الثقة مخالفا لرواية الناس أي الثقات وإن كانوا دونه في الحفظ وا تقان وذلك لأن العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد وألحق ابن الصلاح بالثقات الثقة الأحفظ وسواء كانت المخالفة بزيادة أو نقص في سند أو متن إن كانت لا يمكن الجمع بين الطرفين فيهما مع إتحاد المروي انتهى
[ 85 ]
فإن قلت فلم لم يقبل المحدثون المتقدمون كالشافعي وأحمد بن حنبل وابن معين والبخاري وأبي داود وأبي حاتم وأبي علي النيسابوري والحاكم والدارقطني وغيرهم زيادة ثم لا يعود في حديث ابن مسعود وزيادة فصاعدا في حديث عبادة وزيادة وإذا قرأ فأنصتوا في حديث أبي هريرة وأبي موسى الأشعري ولم يجعلوها غير محفوظة مع أن هذه الزيادات غير منافية لأصل الحديث قلت إنما لم يقبلوا هذه الزيادات لأنه قد وضح لهم دلائل على أنها وهم من بعض الرواة كما بينوه وأوضحوه لا لمجرد أن راويها قد تفرد بها كما زعم النيموي وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لئلا يغتر القاصرون بما حقق النيموي في زعمه الفاسد قوله (واسم هلب يزيد بن قنافة الطائي) بضم القاف وخفة النون وبفاء كذا في المغنى لصاحب مجمع البحار باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود قوله (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في كل خفض ورفع الخ) هذا دليل على مشروعية التكبير في كل خفض ورفع وقيام وقعود إلا في الرفع من الركوع فإنه يقول سمع الله لمن حمده قال النووي وهذا مجمع عليه اليوم ومن الأعصار المتقدمة وقد كان فيه خلاف زمن أبي هريرة وكان بعضهم لا يرى التكبير إلا ل حرام انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مالك الأشعري وأبي موسى وعمران
[ 86 ]
بن حصين ووائل بن حجر وابن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان نحو حديث الباب وأما حديث أنس فأخرجه النسائي وأما حديث بن عمر فأخرجه أحمد والنسائي وأما حديث أبي مالك الأشعري فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أبو داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والبخاري عن عكرمة عنه قال قلت لابن عباس صليت الظهر بالبطحاء خلف شيخ أحمق فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه فقال ابن عباس تلك صلاة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم قوله (حديث عبد الله بن مسعود حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي قوله (والعمل عليه عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم ومن بعدهم من التابعين وعليه عامة الفقهاء والعلماء) قال البغوي اتفقت الأمه على هذه التكبيرات قال ابن سيد الناس وقال اخرون لا يشرع إلا تكبير الاحرام فقط يحكى ذلك عن عمر بن الخطاب وقتادة وسعيد بن جبير وعمر بن عبد العزيز والحسن البصري ونقله ابن المنذر عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر ونقله ابن بطال عن جماعة أيضا منهم معاوية بن أبي سفيان وابن سيرين قال أبو عمر قال قوم من أهل العلم إن التكبير ليس بسنة إلا في الجماعة وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر وقال أحمد أبح إلي أن يكبر إذا صلى وحده في الفرض وأما التطوع فلا وروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده واستدل من قال بعدم مشروعية التكبير كذلك بما أخرجه أحمد وأبو داود عن ابن أبزي عن أبيه أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يتم التكبير وفي لفظ لأحمد إذا خفض ورفع وفي رواية فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين وفي إسناده الحسن بن عمران قال أبو زرعة شيخ ووثقه ابن حبان وحكى عن أبي داود الطيالسي أنه قال هذا عندي باطل وهذا لا يقوى على معارضة أحاديث الباب لكثرتها وصحتها وكونها مثبتة ومشتملة على الزيادة والأحاديث الواردة في هذا الباب أقل أحوالها الدلالة على سنية التكبير في كل خفض ورفع وقد روى أحمد عن عمران بن حصين أن أول من ترك التكبير عثمان حين كبر وضعف صوته وهذا يحتمل أنه ترك الجهر وروى الطبري عن أبي هريرة أن أول من ترك التكبير معاوية وروى أبو عبيد أن أول من تركة زياد وهذه
[ 87 ]
الروايات غير متنافية لأن زيادا تركه بترك معاوية وكان معاوية تركه بترك عثمان وقد حمل ذلك جماعة من أهل العلم على الاخفاء وحكى الطحاوي أن بني أمية كانوا يتركون التكبير في الخفض دون الرفع وما هذه بأول سنة تركوها وقد اختلف القائلون بمشروعية التكبير فذهب جمهورهم إلى أنه مندوب فيما عدا تكبيرة الاحرام وقال أحمد في رواية عنه وبعض أهل الظاهر أنه يجب كله واحتج الجمهور على الندبية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ صلاته ولو كان واجبا لعلمه وأيضا حديث ابن أبزي يدل على عدم الوجوب لأن تركه صلى الله عليه وسلم له في بعض الحالات لبيان الجواز وا شعار بعدم الوجوب واحتج القائلون بالوجوب بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه المسئ صلاته أخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسئ بلفظ ثم يقول الله أكبر ثم يركع حتى تطمئن مفاصله ثم يقول سمع الله لمن حمده حتى يستوي قائما ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يقول الله أكبر ويرعف رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته قلت وفي هذا الحديث رد على من قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسئ صلاته التكبير قوله (حدثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون اخره راء أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد ثقة عابد روى عنه البخاري وقال لم أر مثله وروى عنه أيضا الترمذي والنسائي ووثقه (قال سمعت علي بن الحسن) ابن شقيق أبا عبد الرحمن المروزي ثقة ثبت روى عن إبراهيم بن طهمان وابن المبارك وغيرهما وعنه البخاري وأحمد وابن معين وأبو بكر بن أبي شيبة مات سنة 215 خمس عشرة ومائتين قوله (كان يكبر وهو يهوى أي يهبط إلى السجود الأول من هوى يهوى هويا كضرب يضرب إذا سقط وأما هوى بمعنى مال وأحب فهو من باب سمع يسمع والحديث رواه البخاي مطولا وفيه) ثم يقول الله أكبر حين يهوى ساجدا قال الحافظ في الفتح فيه أن التكبير ذكر الهوى فيبتدي به من حين يشرع في الهوى بعد الاعتدال إلى حين يتمكن ساجدا انتهى
[ 88 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها في رمضان وغيره فيكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع الحديث وفي اخره ثم يقول حين ينصرف والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كانت هذه الصلاة حتى فارق الدنيا باب رفع اليدين عند الركوع قوله (وابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني نزيل مكة ويقال إن أبا عمر كنية يحيى صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم كانت فيه غفلة (عن سالم) وهو ابن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله (إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع) هذا دليل صريح على أن رفع اليدين في هذه المواضع سنة وهو الحق والصواب ونقل البخاري في صحيحه عقب حديث ابن عمر هذا عن شيخه علي بن المديني قال حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم عند الركوع والرفع منه لحديث ابن عمر هذا وهذا في رواية ابن عساكر وقد ذكره البخاري في جزء رفع اليدين وزاد وكان أعلم أهل زمانه انتهى (وكان لا يرفع بين السجدتين) وفي رواية للبخاري ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود
[ 89 ]
قوله (حدثنا الفضل بن الصباح البغدادي) السمسار روى عن ابن عيينة وهشيم وعنه الترمذي وابن ماجه وثقه ابن معين قال الحافظ أصله من نهاوند ثقة عابد قوله (وفي الباب عن عمر وعلي ووائل بن حجر ومالك بن الحويرث وأنس وأبي هريرة وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي قتادة وأبي موسى الأشعري وجابر وعمير الليثي) أما حديث عمر فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي وصححه أيضا أحمد بن حنبل فيما حكاه الخلال وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث مالك بن الحويرث فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن ماجه وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وأخرجه البخاري مختصرا وأما حديث أبي أسيد وسهل بن سعد فأخرجه أبو داود وأما حديث محمد بن مسلمة فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي قتادة فأخرجه أبو داود وأما حديث أبي موسى الأشعري فأخرجه الدارقطني وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه وأما حديث عمير الليثي فأخرجه ابن ماجه قال السيوطي في الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الشيخان عن ابن عمر ومالك بن الحويرث ومسلم عن وائل ابن حجر والأربعة عن علي وأبو داود عن سهل بن سعد وابن الزبير وابن عباس و محمد بن مسلمة وأبي أسيد وأبي قتادة وأبي هريرة وابن ماجه عن أنس وجابر وعمير الليثي وأحمد عن الحكم بن عمير والبيهقي عن أبي بكر والبراء والدارقطني عن عمر وأبي موسى والطبراني عن عقبة بن عامر ومعاذ بن جبل انتهى قال الحافظ في الفتح وذكر البخاري أن رفع اليدين عند الركوع وعند الرفع منه رواه سبعة عشر رجلا من الصحابة وذكر الحاكم وأبو القاسم بن مندة ممن رواه العشرة المبشرة وذكر شيخنا أبو الفضل الحافظ أنه تتبع من رواه من الصحابة فبلغوا خمسين رجلا انتهى وقال الشوكاني في النيل وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات أسماء من
[ 90 ]
روى الرفع نحوا من ثلاثين صحابيا وقال سمعت الحاكم يقول اتفق على رواية هذه السنة العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أكابر الصحابة قال البيهقي وهو كما قال قال الحاكم والبيهقي أيضا ولا يعلم سنة اتفق على روايتها العشرة فمن بعدهم من أكابر الصحابة على تفرقهم في الأقطار الشاسعة غير هذه السنة انتهى قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وبهذا يقول بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر وجابر بن عبد الله إلخ) قال الحافظ في الفتح قال محمد بن نصر المروزي أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك قال البخاري ولم يستثن الحسن أحدا انتهى قلت قال البخاري في جزء رفع اليدين قال الحسن وحميد بن هلال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم لم يستثن أحدا منهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد ولم يثبت عند أهل العلم عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرفع يديه ويروى أيضا عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما وصفنا وكذلك روايته عن عدة من علماء أهل مكة وأهل الحجاز وأهل العراق والشام والبصرة واليمن وعدة من أهل خراسان منهم سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ومجاهد والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والنعمان بن أبي عياش والحسن وابن سيرين وطاووس ومكحول وعبد الله بن دينار ونافع مولى عبد الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيس بن سعد وعدة كثيرة وكذلك يروى عن أم الدرداء أنها كانت ترفع يديها وقد كان عبد الله بن المبارك يرفع يديه وكذلك عامة أصحاب ابن المبارك منهم علي بن الحسين وعبد بن عمر ويحيى بن يحيى ومحدثي أهل بخارى منهم عيسى بن موسى
[ 91 ]
وكعب بن سعيد ومحمد بن سلام وعبد الله بن محمد والمسندي وعدة ممن لا يحصى لا اختلاف بين ما وصفنا من أهل العلم وكان عبد الله بن الزبير وعلي بن عبد الله ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرونها حقا وهؤلاء أهل العلم من أهل زمانهم انتهى كلام البخاري (وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه يقول مالك وهو آخر قوليه وأصحهما قال الحافظ في الفتح قال ابن عبد البر لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم والذي نأخذ به الرفع حديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهب وغيره من مالك ولم يحك الترمذي عن مالك غيره ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قولي مالك وأصحهما ولم أر للمالكية دليلا على تركه ولا متمسكا إلا بقول ابن القاسم انتهى لطيفة قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن جزء رفع اليدين للبخاري وكان ابن المبارك يرفع يديه وهو أعلم أهل زمانه فيما يعرف ولقد قال ابن المبارك صليت يوما إلى جنب النعمان فرفعت يدي فقال لي أنا خشيت أن تطير قال فقلت له إذ لم أطر في الأولى لم أطر في الثانية قال وكيع رحم الله ابن المبارك كان حاضر الجواب انتهى قوله (حدثنا بذلك) أي بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع إلا أول مرة (عن سفيان بن عبد الملك) المروزي من كبار أصحاب ابن المبارك ثقة مات قبل المائتين قاله الحافظ قوله (حدثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن سفيان) هو الثوري (عن عاصم بن كليب) قال الحافظ في مقدمة فتح الباري عاصم بن كليب الجرمي وثقه النسائي وقال ابن المديني لا يحتج بما ينفرد به
[ 92 ]
قوله (فصلى فلم يرفع يديه إلا في أول مرة) استدل به من قال بنسخ مشروعية رفع اليدين عند الركوع وعند رفع الرأس منه لكن هذا حديث ضعيف كما ستعرف وليس في هذا الباب حديث صحيح قوله (وفي الباب عن البراء بن عازب) قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لم يعد أخرجه أبو داود والدارقطني وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه واتفق الحفاظ على أن قوله ثم لم يعد مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد ورواه عنه بدونها شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ وقال الحميدي إما روى هذه الزيادة يزيد ويزيد يزيد وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن حنبل لا يصح وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى الدارمي والحميدي وغير واحد وقال يحيى بن محمد بن يحيى سمعت أحمد بن حنبل يقول هذا حديث واه قد كان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه (ثم لا يعود) فما لقنوه تلقن فكان يذكرها إذا قال الحافظ في التلخيص ص 83 وذكر فيه أن الدارقطني روى من طريق علي بن عاصم عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن يزيد بن أبي زياد هذا الحديث قال علي بن عاصم فقدمت الكوفة فلقيت يزيد بن أبي زياد فحدثني به وليس فيه (ثم لا يعود) فقلت له إن ابن أبي ليلى حدثني عنك وفيه ثم لا يعود قال لا أحفظ هذا انتهى قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود وقد حسن الترمذي هذا الحديث وصححه ابن حزم وقد ضعفه ابن المبارك وقال لم يثبت حديث ابن مسعود كما ذكره الترمذي وقال أبو داود في سننه ص 272 بعد رواية هذا الحديث هذا حديث مختصر من حديث طويل وليس هو بصحيح على هذا اللفظ انتهى وقال البخاري في جزء رفع اليدين بعد ذكر هذا الحديث قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن آدم قال نظرت في حديث عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب ليس فيه ثم لم يعد فهذا أصح لأن الكتاب أحفظ عند أهل العلم لأن الرجل يحدث بشئ ثم يرجع إلى الكتاب فيكون كما في الكتاب حدثنا الحسن بن الربيع ثنا ابن إدريس عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود ثنا علقمة أن عبد الله قال (علمنا
[ 93 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فقام فكبر ورفع يديه ثم ركع وطبق يديه فجعلهما بين ركبتيه) فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي ألا بل قد نفعل ذلك في أول سلام ثم أمرنا بهذا قال البخاري وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله ابن مسعود انتهى كلام البخاري وقال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد وأما حديث ابن مسعود (ألا أصلي بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة) فإن أبا داود قال هذا حديث مختصر من حديث طويل وليس بصحيح على هذا المعنى وقال البزار فيه أيضا إنه لا يثبت ولا يحتج بمثله وأما حديث ابن عمر رضي الله عنه المذكور في هذا الباب فحديث مدني صحيح لا مطعن لأحد فيه وقد روى نحوه عن النبي صلى الله عليه وسلم أزيد من إثنى عشر صحابيا انتهى كلام ابن عبد البر وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل سألت أبي عن حديث رواه سفيان الثوري عن عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد) فقال أبي هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري فقد رواه جماعة عن عاصم وقالوا كلهم (إن النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلهما بين ركبتيه) ولم يقل أحد ما روى الثوري إنتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ في التلخيص وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم وقال ابن المبارك لم يثبت عندي وقال ابن أبي حاتم عن أبيه هذا حديث خطأ وقال أحمد بن حنبل وشيخه يحيى بن آدم هو ضعيف نقله البخاري عنهما وتابعهما على ذلك وقال أبو داود ليس هو بصحيح وقال الدارقطني لم يثبت وقال ابن حبان في الصلاة هذا أحسن خبر روي لأهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه وهو في الحقيقة أضعف شئ يعول عليه لأن له عللا تبطله انتهى فثبت بهذا كله أن حديث ابن مسعود ليس بصحيح ولا يحسن بل هو ضعيف لا يقوم بمثله حجة وأما تحسين الترمذي فلا اعتماد عليه لما فيه من التساهل وأما تصحيح ابن حزم فالظاهر أنه من جهة السند ومن المعلوم أن صحة السند لا تستلزم صحة المتن على أن تصحيح ابن حزم لا اعتماد عليه أيضا في جنب تضعيف هؤلاء الحفاظ النقاد فالاستدلال بهذا الحديث الضعيف على ترك رفع اليدين ونسخه في غير الافتتاح ليس بصحيح ولو تنزلنا وسلمنا أن حديث ابن مسعود هذا صحيح وأحسن فالظاهر أن ابن مسعود قد نسيه كما قد نسي أمورا كثيرة قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية نقلا عن صاحب التنقيح ليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب قد نسي ابن
[ 94 ]
مسعود من القران ما لم يختلف المسلمون فيه بعد وهي المعوذتان ونسي ما اتفق العلماء على نسخه كالتطبيق ونسي كيف قيام الاثنين خلف الامام ونسي ما لم يختلف العلماء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الأرض في السجود ونسي كيف كان يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وما خلق الذكر والأنثى وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين انتهى ولو سلم أن ابن مسعود لم ينس في ذلك فأحاديث رفع اليدين في المواضع الثلاثة مقدمة على حديث ابن مسعود لأنها قد جاءت عن عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم حتى قال السيوطي إن حديث الرفع متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم كما عرفت فما قبل وقا العيني في شرح البخاري إن من جملة أسباب الترجيح كثرة عدد الرواة وشهرة المروي حتى إذا كان أحد الخبرين يرويه واحد والأخر يرويه اثنان فالذي يرويه اثنان أولى بالعمل به انتهى وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار ومما يرجح به أحد الحديثين على الاخر كثرة العدد في أحد الجانبين وهي مؤثرة في باب الرواية لأنها تقرب مما يوجب العلم وهو التواتر انتهى ثم حديث ابن مسعود لا يدل على نسخ رفع اليدين في غير الافتتاح بل إنما يدل على عدم وجوبه قال ابن حزم في الكلام على حديث البراء بن عازب المذكور فيما تقدم ما لفظه إن صح دل على أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره انتهى قلت هذا كله على تقدير التنزل وإلا فحديث ابن مسعود ضعيف لا يقوم به حجة كما عرفت قوله (وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) روي ذلك عن عمر وعلي وابن عمر ويأتي الكلام على آثار هؤلاء رضي الله عنهم (وهو قول سفيان وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة قال الحنفية إنه منسوخ بحديث ابن مسعود والبراء وقد عرفنا أنهما ضعيفان لا يقوم بهما الحجة استدلوا أيضا بأثر عمر رضي الله عنه رواه الطحاوي وأبو بكر ابن أبي شيبة عن الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود قلت فيه إن هذا الأثر بهذا اللفظ غير محفوظ قال الحافظ ابن حجر في الدراية قال البيهقي عن
[ 95 ]
الحاكم رواه ابن الحسن بن عياش عن عبد الملك بن أبجر عن الزبير بن عدي بلفظ كان يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود وقد رواه الثوري عن الزبير بن عدي بلفظ كان يرفع يديه في التكبير ليس فيه ثم لا يعود وقد رواه الثوري وهو المحفوظ انتهى ثم هذا الأثر يعارضه رواية طاووس عن ابن عمر أن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه قال الزيلعي في نصب الراية واعترضه الحاكم بأن هذه الرواية شاذة لا يقوم بها الحجة فلا تعارض بها الأخبار الصحيحة عن طاووس بن كيسان عن ابن عمر أن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه انتهى وقال الحافظ في الدراية ويعارضه رواية طاووس عن ابن عمر كان يرفع يديه في التكبير وعند الرفع منه انتهى قلت ولرواية طاووس شاهد ضعيف قال الزيلعي في نصب الراية أخرج البيهقي عن رشدين بن سعد عن محمد بن سهم عن سعيد بن المسيب قال رأيت عمر بن الخطاب يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة وإذا رفع رأسه من الركوع انتهى تنبيه زعم النيموي أن زيادة قوله إن عمر بعد قوله عن ابن عمر في نصب الراية هي سهو غير صحيحة قال والصواب هكذا عن طاووس بن كيسان عن ابن عمر كان يرفع يديه الخ وقد قال الحافظ ابن حجر في الدراية وهو مختصر من نصب الراية ويعارضه رواية طاووس عن ابن عمر كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه وقال ابن الهمام في فتح القدير وعارضه الحاكم برواية طاووس بن كيسان عن ابن كيسان عن ابن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه الخ قال فثبت بهذه الأقوال أن الحاكم عارضه به رواية ابن عمر لا برواية عمر بن الخطاب انتهى كلام النيموي قلت دعوى السهو في زيادة قوله إن عمر باطلة جدا كيف وقد حكم الحاكم بشذوذ أثر عمر من طريق الأسود قال رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرفع يديه في أول تكبيرة ثم لا يعود برواية طاووس عن ابن عمر أن عمر رضي الله عنه كان يرفع يديه في الركوع وعند الرفع منه فهذا دليل واضح على أن قوله إن عمر في رواية طاؤس صحيح ثابت فإنه لا يحكم بشذوذ أثر صحابي بأثر صحابي اخر وأما قول الحافظ في الدراية ويعارض رواية طاووس عن ابن عمر كان يرفع يديه الخ فحذف الحافظ لفظ أن عمر اختصارا والضمير في كان يرجع إلى عمر وكذلك فعل ابن الهمام في فتح القدير ومثل هذا الحذف شائع اختصارا واعتمادا على الرواية السابقة واستدلوا أيضا بأثر علي رضي الله عنه رواه الطحاوي وابن أبي شيبة والبيهقي عن عاصم بن كليب عن أبيه أن عليا يرفع يديه في أول تكبيرة من الصلاة ثم لا يرفع بعد قال
[ 96 ]
الزيلعي هو أثر صحيح وقال العيني في عمدة القارئ إسناد عاصم بن كليب صحيح على شرط مسلم قلت أثر على هذا ليس بصحيح وإن قال الزيلعي هو أثر صحيح وقال العيني إسناده صحيح على شرط مسلم قال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين قال عبد الرحمن بن مهدي ذكرت للثوري حديث النهشلي عن عاصم بن كليب فأنكره انتهى قلت وانفرد بهذا الأثر عاصم بن كليب قال الذهبي في الميزان كان من العباد الأولياء لكنه مرجئ وثقه يحيى بن معين وغيره وقال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به انتهى ولو سلم أن أثر على هذا صحيح فهو لا يدل على النسخ كما زعم الطحاوي وغيره قال صاحب التعليق الممجد الحنفية ذكر الطحاوي بعد روايته عن علي لم يكن علي ليرى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يترك إلا وقد ثبت عنده نسخه انتهى وفيه نظر فقد يجوز أن يكون ترك علي وكذا ترك ابن مسعود وترك غيرهما من الصحابة إن ثبت عنهم لأنهم لم يروا الرفع سنة مؤكدة يلزم الأخذ بها ولا ينحصر ذلك في النسخ بل لا يجترء بنسخ أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد حسن الظن بالصحابي مع إمكان الجمع بين فعل الرسول وفعله انتهى كلام صاحب التعليق الممجد واستدلوا أيضا بأثر ابن عمر رواه الطحاوي وأبو بكر ابن أبي شيبة والبيهقي في المعرفة عن مجاهد قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة قلت أثر ابن عمر هذا ضعيف من وجوه الأول أن في سنده أبا بكر بن عياش وكان تغير حفظه باخره والثاني أنه شاذ فإن مجاهدا خالف جميع أصحاب ابن عمر وهم ثقات حفاظ والثالث أن إمام هذا الشأن يحيى بن معين قال حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له قال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين ويروى عن أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه لم ير ابن عمر رفع يديه إلا مرة في أول التكبير وروى عنه أهل العلم أنه لم يحفظ من ابن عمر إلا أن يكون سها ألا ترى أن ابن عمر كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصى فكيف يترك ابن عمر شيئا يأمر به غيره وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم فعله قال البخاري قال يحيى بن معين حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم منه لا أصل له انتهى مختصرا وقال البيهقي في كتاب المعرفة حديث أبي بكر بن عياش هذا أخبرناه أبو عبد الله الحافظ فذكره بسنده ثم أسند عن البخاري أنه قال أبو بكر بن عياش اختلط بآخره وقد رواه الربيع والليث وطاووس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا ابن عمر يرفع يديه
[ 97 ]
إذا كبر وإذا رفع وكان يرويه أبو بكر قديما عن حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلا موقوفا أن ابن مسعود كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يرفعهما بعد وهذا هو المحفوظ عن أبي بكر بن عياش والأول خطأ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب ابن عمر قال الحاكم كان أبو بكر بن عياش من الحفاظ المتقين ثم اختلط حين ساء حفظه فروى ما خولف فيه فكيف يجوز دعوى نسخ حديث ابن عمر بمثل هذا الحديث الضعيف أو نقول إنه ترك للجواز إذا لا يقول بوجوبه ففعله يدل على أنه سنة وتركه على أنه غير واجب انتهى كذا في نصب الراية للزيلعي وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري وأما الحنفية فعولوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف ابن عمر فلم يره يفعل ذلك وأجيبوا بالطعن في إسناده لأن أبا بكر بن عياش راو ساء حفظه بآخره وعلى تقدير صحته فقد أثبت ذلك سالم ونافع وغيرهما والعدد الكثير أولى من واحد لا سيما وهم مثبتون وهو ناف مع أن الجمع بين الروايتين ممكن وهو أنه لم يره واجبا ففعله تارة تركه أخرى انتهى كلام الحافظ وقال الفاضل اللكنوي في تعليقه على موطأ محمد المشهور في كتب أصول أصحابنا إن مجاهدا قال صحبت ابن عمر عشر سنين فلم أره يرفع يديه إلا مرة وقالوا قد روى ابن عمر حديث الرفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركه والصحابي الراوي إذا ترك مرويا ظاهرا في معناه غير محتمل للتأويل يسقط الاحتجاج بالمروي وقد روى الطحاوي من حديث أبي بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد أنه قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة ثم قال فهذا ابن عمر قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم يرفع ثم قد ترك الرفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولا يكون ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه وههنا أبحاث الأول مطالبة إسناد ما نقلوه عن مجاهد من أنه صحب عشر سنين ولم ير ابن عمر فيها يرفع يديه إلا في التكبير الأول الثاني المعارضة بخبر طاووس وغيره من الثقات أنهم رأوا ابن عمر يرفع والثالث إن في طريق الطحاوي أبو بكر بن عياش وهو متكلم فيه لا توازي روايته رواية غيره من الثقات قال البيهقي في كتاب المعرفة بعد ما أخرج حديث مجاهد من طريق ابن عياش قال البخاري أبو بكر بن عياش اختلط بآخره وقد رواه الربيع وليث وطاووس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا ابن عمر يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع ثم ذكر كلام البيهقي إلى اخر ما نقلته فيما تقدم ثم قال فإن قلت آخذا من شرح معاني الاثار أنه يجوز أن
[ 98 ]
يكون ابن عمر فعل ما راه طاووس قبل أن تقوم الحجة بنسخه ثم لما ثبت بنسخه عنده تركه وفعل ما ذكره مجاهد قلت هذا مما لا يقوم به الحجة فإن لقائل أن يعارض ويقول يجوز أن يكون فعل ابن عمر ما رواه مجاهد قبل أن تقوم الحجة بلزوم الرفع ثم لما ثبت عنده التزم الرفع على أن احتمال النسخ احتمال من غير دليل فلا يسمع فإن قال قائل الدليل هو خلاف الراوي مرويه قلنا لا يوجب ذلك النسخ كما مر والرابع وهو أحسنها أنا سلمنا ثبوت الترك عن ابن عمر لكن يجوز أن يكون تركه لبيان الجواز أو لعدم رواية الرفع سنة لازمة فلا يقدح ذلك في ثبوت الرفع عنه وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخامس أن ترك الراوي مرويه إنما يكون مسقطا للاحتجاج عند الحنفية إذا كان خلافه بيقين كما هو مصرح في كتبهم وههنا ليس كذلك لجواز أن يكون الرفع الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمله ابن عمر على العزيمة وترك أحيانا بيانا للرخصة فليس تركه خلافا لروايته بيقين انتهى ما في التعليق الممجد تنبيه قال صاحب العرف الشذي ولنا ما في الطحاوي بسند قوي عن ابن أبي زياد عن أحمد بن يونس عن أبي بكر بن عياش قال ما رأيت فقيها قط يرفع يديه في غير تكبير التحريمة انتهى قلت لعل قول أبي بكر بن عياش هذا إنما هو ما ساء حفظه واختلط كيف وقد اعترف صاحب العرف الشذي بأنه قد ثبت الرفع تواترا عملا لا يمكن لأحد إنكاره وقال الامام محمد بن نصر أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا أهل الكوفة كما عرفت وقال ولنا حديث آخر مرفوع عن ابن عمر أنه عليه السلام لا يرفع يديه إلا في أول مرة في خلافيات البيهقي ونقله الزيلعي في التخريج وقال الحاكم إنه موضوع ولم أطلع على أول إسناده (إلى قوله) فلعل إسناده قوي انتهى قلت حديث ابن عمر هذا باطل موضوع قال الزيلعي في نصب الراية بعد نقل هذا الحديث من خلافيات البيهقي ما لفظه قال البيهقي قال الحاكم هذا باطل موضوع لا يجوز أن يذكر إلا على سبيل القدح انتهى وقال الحافظ في الدراية وروى البيهقي أيضامن طريق الزهري عن سالم عن أبيه نحوه ونقل عن الحاكم أنه موضوع وهو كما قال انتهى كلام الحافظ فهدى الله سبحانه وتعالى هؤلاء المقلدين الذي يتركون حديث ابن عمر الصحيح المتفق عليه ويتمسكون بحديثه الذي حكم الحاكم عليه بأنه موضوع ولا سيما هذا المقلد الذي مع عدم
[ 99 ]
اطلاعه على أول إسناد هذا الحديث ومع علمه بأن الحاكم حكم عليه بأنه موضوع يرجو أن إسناده قوي ويتمسك به وقال ولنا حديث آخر مرسل عن عباد بن عبد الله بن الزبير وعباد تابعي قال لم يرفع النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أول مرة ومر عليه الحافظ في الدراية وقال ولينظر في إسناده وإني رأيت السند وبدا لي في نصب الراية سهو الكاتب فإنه كتب محمد أبي يحيى وهو غير مشهور والحق أنه محمد بن أبي يحيى وهو ثقة فصار السند صحيحا انتهى قلت لم يقل الحافظ في الدراية ولينظر في إسناده بل قال وهذا مرسل وفي إسناده أيضا من ينظر فيه فتكلم الحافظ على هذا الحديث بوجهين الأول أنه مرسل والمرسل على القول الراجح ليس بحجة والثاني أن في إسناده من ينظر فيه فكل من يدعي صحة إسناد هذا الحديث فعليه أن يثبت كون كل واحد من رجال سنده ثقة قابلا للاحتجاج واتصاله ودونه خرط القتاد وأما دعوى سهو الكاتب في محمد أبي يحيى فبعد تسليم صحتها لا تستلزم صحة سند هذا الحديث فإن فيه من لا يعرف حاله من كتب الرجال واستدلوا أيضا بحديث جابر بن سمرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس أسكنوا في الصلاة رواه مسلم والجواب أنه لا دليل فيه على منع الرفع على الهيئة المخصوصة في المواضع المخصوصة وهو الركوع والرفع منه لأنه مختصر من حديث طويل وبيان ذلك أن مسلما رواه أيضا من حديث جابر بن سمرة قال كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وأشار بيديه إلى الجانبين فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم على ما تؤمنون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يسلم على أخيه من عن يمينه ومن عن شماله وفي رواية إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيديه وقال ابن حبان ذكر الخبر المتقصي للقصة المختصرة المقتدمة بأن القوم إنما أمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم دون الرفع الثابت عند الركوع ثم رواه كنحو رواية مسلم قال البخاري من احتج بحديث جابر بن سمرة منع الرفع عند الركوع فليس له خط من العلم هذا مشهور لا خلاف فيه أنه إنما كان في حال التشهد كذا في التلخيص الحبير وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث جابر بن سمرة المختصر المذكور ملخصه واعترضه البخاري في كتابه الذي وضعه في رفع اليدين فقال وأما احتجاج بعض من لا يعلم
[ 100 ]
بحديث تميم بن طرفة بن جابر بن سمرة فذكر حديثه المختصر وقال سمعت جابر بن سمرة يقول كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وذكر حديثه الطويل المذكور ثم قال البخاري ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضا منهيا عنه لأنه لم يستثن رفعا دون رفع بل أطلق انتهى قال الزيلعي ولقائل أن يقول إنهما حديثان لا يفسر أحدهما الاخر كما جاء في لفظ الحديث الأول اسكنوا في الصلاة والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة إنما يقال ذلك لمن يرفع يديه في أثناء الصلاة هو حالة الركوع والسجود ونحو ذلك هذا هو الظاهر والراوي روى هذا في وقت كما شاهده وروى الاخر في وقت اخر كما شاهده وليس في ذلك بعد انتهى قلت لم يجب الزيلعي عن قول البخاري ولو كان كما ذهبوا إليه لكان الرفع في تكبيرات العيد أيضا منهيا عنه فما هو جوابه عنه فهو جوابنا عن الرفع عند الركوع والرفع منه وأما قوله والذي يرفع يديه حال التسليم لا يقال له اسكن في الصلاة فهو ممنوع بل الذي يرفع يديه قبل الفراغ والانصراف من الصلاة وإن كان حال التسليم الأول والثاني يقال له اسكن في الصلاة فان الفراغ والانصراف منها إنما يكون بالفراغ من التسليم الثاني فما لم يفرغ من التسليم الثاني هو في الصلاة ألا ترى أن عبد الله بن الزبير رأى رجلا رافعا يديه يدعو قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته رواه الطبراني ورجاله ثقات فتفكر باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع قوله (نا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملة اسمه عثمان بن عاصم الكوفي الأسدي أحد الأئمة الأثبات قال الحافظ في التقريب ثقة ثبت سني وربما دلس من الرابعة انتهى وقال في الخلاصة قال أبو شهاب الخياط سمعت أبا حصين يقول إن أحدهم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر مات سنة ثمان وعشرين ومائة (عن أبي عبد الرحمن السلمي) بفتح السين واللام كذا في المغنى اسمه عبد الله بن حبيب الكوفي مشهور بكنيته
[ 101 ]
ثقة ثبت ولأبيه صحبة قوله (إن الركب) جمع ركبة (سنت لكم) بصيغة المجهول والضمير يرجع إلى الركب أي سن أخذها لكم ففيه مجاز الحذف وفي رواية النسائي قال عمر إنما السنة الأخذ بالركب (فخذوا بالركب) أي في الركوع وروى البيهقي هذا الحديث بلفظ كنا إذا ركعنا جعلنا أيدينا بين أفخاذنا فقال عمر إن من السنة الأخذ بالركب قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذه الرواية هذا حكمه حكم الرفع لأن الصحابي إذا قال السنة كذا أو سن كذا كان الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما إذا قاله مثل عمر رضي الله عنه انتهى قوله وفي الباب عن سعد وأنس وأبي حميد وأبي أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة وأبي مسعود (أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه الجماعة) وأما حديث أنس وهو ابن مالك فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير كذا في شرح سراج أحمد السرهندي وأما حديث أبي حميد فأخرجه الخمسة إلا النسائي عنه أنه قال وهو في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه في بيان هيئة الركوع ووضع يديه على ركبتيه وأخرجه البخاري مختصرا وقد سمي من العشرة أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة في رواية أحمد كما ذكره الحافظ في الفتح وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي قوله (حديث عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي قوله (إلا ما روي عن ابن مسعود وبعض أصحابهم أنهم كانوا يطبقون) رواه عنه مسلم وغيره من طرق إبراهيم عن علقمة والأسود أنهما دخلا على عبد الله فذكر الحديث وفيه فوضعنا
[ 102 ]
أيدينا على ركبنا فضرب أيدينا ثم طبق بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صلى قال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل هذا على أن ابن مسعود لم يبلغه النسخ قوله (والتطبيق منسوخ عند أهل العلم) التطبيق هو إلصاق بين باطني الكفين وجعلهما بين الفخذين ويدل على نسخ التطبيق حديث سعد بن أبي وقاص كما ذكره الترمذي بقوله قال سعد بن أبي وقاص إلخ وروى ابن خزيمة عن علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه فركع فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا يعني الامساك بالركب قال الحافظ فهذا شاهد قوي لطريق مصعب بن سعد قال وروى عبد الرزاق عن معمر ما يوافق قول سعد أخرجه من وجه أخر عن علقمة والأسود قال صلينا مع عبد الله فطبق ثم لقينا عمر فصلينا معه فطبقنا فلما انصرف قال ذلك الشئ كنا نفعله ثم ترك انتهى وقال الحازمي في كتاب الاعتبار بعد رواية حديث التطبيق من طريقين ما لفظه قد اختلف أهل العلم في هذا الباب ذهب نفر إلى العمل بهذا الحديث منهم عبد الله بن مسعود والأسود بن يزيد وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن الأسود وخالفهم في ذلك كافة أهل العلم من الصحابة والتابعين فيمن بعدهم ورأوا أن الحديث الذي رواه ابن مسعود كان محكما في ابتداء الاسلام ثم نسخ ولم يبلغ ابن مسعود نسخه وعرف ذلك أهل المدينة فرووه وعملوا به ثم ذكر الحازمي بإسناده عن مصعب بن سعد قال صليت إلى جنب أبي فلما ركعت جعلت يدي بين ركبتي فنحاهما فعدت فنحاهما وقال إنما كنا نفعل هذا فنهينا عنه وأمرنا أن نضع الأيدي على الركب قال هذا حديث صحيح ثابت أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي الوليد عن شعبة وأخرجه مسلم من حديث أبي عوانة عن أبي يعفور وله طرق في كتب الأئمة ثم روى بإسناده عن عبد الرحمن بن الأسود عن علقمة عن عبد الله قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فرفع يديه ثم ركع فطبق ووضع يديه بين ركبتيه فبلغ ذلك سعدا فقال صدق أخي كنا نفعل هذا ثم أمرنا بهذا ووضع يديه على ركبتيه قال ففي إنكار سعد حكم التطبيق بعد إقراره بثبوته دلالة على أنه عرف الأول والثاني وفيهم الناسخ والمنسوخ انتهى كلام الحازمي (قال سعد بن أبي وقاص كنا نفعل ذلك إلخ) أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما كما عرفت في كلام الحازمي
[ 103 ]
باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع قوله (حدثنا أبو عامر العقدي) بفتح العين المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمر ثقة (حدثنا فليح) بضم الفاء مصغرا (بن سليمان) بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أو يحيى المدني ويقال فليح لقب واسمه عبد الملك صدوق كثير الخطأ من السابعة مات سنة 861 ثمان وستين ومائة (حدثنا عباس بن سهل) بن سعد السعدي ثقة من الرابعة (قال اجتمع أبو حميد) بالتصغير (وأبو أسيد) بالتصغير أيضا (وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة) كذا ذكر عباس بن سهل في روايته اجتماع أبي حميد مع هؤلاء الثلاثة وقال محمد بن عمرو بن عطاء في روايته عن أبي حميد الساعدي قال سمعته وهو في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهم أبو قتادة بن ربعي يقول أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ وتأتي هذه الرواية في باب وصف الصلاة قوله (ووتر يديه) من التوتير وهو جعل الوتر على القوس قال في النهاية أي جعلهما كالوتر من قولك وترت القاموس وأوترته شبه يد الراكع إذا مدها قابضا على ركبتيه بالقوس إذا أوترت انتهى (فنحاهما عن جنبيه) من نحى ينحى تنحية إذا أبعد يعني أبعد يديه عن جنبيه حتى كانت يده كالوتر وجنبه كالقوس
[ 104 ]
قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه الأزرقي في كتاب مكة من طريق إسماعيل ابن رافع عن أنس كذا في شرح الترمذي لسراج أحمد السرهندي قوله (وحديث أبي حميد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود بلفظ الترمذي باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود قوله (عن ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب ثقة فقيه فاضل (عن إسحاق بن يزيد الهذلي) قال في التقريب مجهول (عن عون بن عبد الله بن عتبة) بن مسعود الهذلي الكوفي ثقة عابد من الرابعة قوله (وذلك أدناه) أي أدنى تمام ركوعه قال ابن الملك أي أدنى الكمال في العدد وأكمله سبع مرات فالأوسط خمس مرات كذا في المرقاة قال الماوردي إن الكمال إحدى عشرة أو تسع وأوسطه خمس ولو سبح مرة مرة حصل التسبيح انتهى وقيل إن الكمال عشر تسبيحات ويدل عليه ما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سعيد ابن جبير عن أنس قال ما صليت وراء أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من
[ 105 ]
هذا الفتى يعني عمر بن عبد العزيز قال فحذرنا في ركوعه عشر تسبيحات وفي سجوده عشر تسبيحات قال الشوكاني فيه حجة لمن قال إن كمال التسبيح عشر تسبيحات والأصح أن المنفرد يزيد في التسبيح ما أراد وكلما زاد كان أولى والأحاديث الصحيحة في تطويله صلى الله عليه وسلم ناطقة بهذا وكذلك الامام إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل انتهى كلامه قلت الأولى للمنفرد أن يقتصر في التسبيح على قدر ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلواته الطويلة منفردا وأما الامام فالأولى له بل المتعين له التخفيف في تمام وأما إذا كان المؤتمون لا يتأذون بالتطويل فهل يزيد الامام في التسبيح ما أراد ويطول في الركوع والسجود ما شاء كما قال الشوكاني أو يخفف في هذه الصورة أيضا فقال ابن عبد البر ينبغي لكل إمام أن يخفف لأمره صلى الله عليه وسلم وإن علم قوة من خلفه فإنه لا يدري ما يحدث عليهم من حادث وشغل وعارض وحاجة وحدث وغيره انتهى وقد تقدم الكلام في هذا في باب إذا أم أحدكم الناس فليخفف قوله (وفي الباب عن حذيفة وعقبة بن عامر) أما حديث حذيفة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه ولفظه قال لما نزلت فسبح باسم ربك العظيم قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال اجعلوها في سجودكم قوله (ليس إسناده بمتصل) ومع عدم اتصال السند فيه إسحاق بن يزيد الهذلي وهو مجهول كما عرفت وقال الشوكاني قال ابن سيد الناس لا نعلمه وثق ولا عرف إلا برواية ابن أبي ذئب عنه خاصة فلم ترتفع عنه الجهالة العينية ولا الحالية انتهى وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أيضا الشافعي وأبو داود وابن ماجه
[ 106 ]
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم يستحبون أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات) واستدل على ذلك بحديث ابن مسعود المذكور وقد عرفت أنه منقطع ومع انقطاعه في سنده مجهول وبحديث أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا رواه البزار والطبراني في الكبير وقال البزار لا نعلمه يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الاسناد وعبد الرحمن بن أبي بكرة صالح الحديث كذا في مجمع الزوائد وبحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا وفي سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا رواه البزار والطبراني في الكبير قال البزار لا يروى عن جبير إلا بهذا الاسناد وعبد العزيز بن عبيد الله صالح ليس بالقوي كذا في مجمع الزوائد وبحديث أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى فلما ركع قال سبحان الله وبحمده ثلاث مرات ثم رفع رأسه رواه الطبراني في الكبير وفيه شهر بن حوشب وفيه بعض كلام وقد وثقه غير واحد كذا في مجمع الزوائد والظاهر أن هذه الأحاديث بمجموعها تصلح بأن يستدل بها على استحباب أن لا ينقص الرجل في الركوع والسجود من ثلاث تسبيحات والله تعالى أعلم قوله (وروى عن ابن المبارك أنه قال أستحب أن يسبح خمس تسبيحات إلخ) قال القاضي الشوكاني في النيل بعد نقل قول ابن المبارك هذا عن الترمذي ونقل قول الماوردي الذي تقدم ما لفظه لا دليل على تقييد الكمال بعدد معلوم بل ينبغي الاستكثار من التسبيح على مقدار تطويل الصلاة من غير تقييد بعدد وأما إيجاب سجود السهو فيما زاد على التسع واستحباب أن يكون عدد التسبيح وترا لا شفعا فيما زاد على الثلاث فمما لا دليل عليه انتهى
[ 107 ]
(وهكذا قال إسحاق بن إبراهيم) بن مخلد الحنظلي أبو محمد بن راهويه المروزي ثقة حافظ مجتهد قرين أحمد بن حنبل قاله الحافظ قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي إسمه سليمان بن داود (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران (قال سمعت سعد بن عبيدة) بضم العين السلمي أبو حمزة الكوفي وثقه النسائي (يحدث عن المستورد) بضم أوله وإسكان المهملة وفتح المثناة وكسر الراء ابن الأحنف الكوفي وثقه ابن المديني (عن صلة) بكسر أوله وفتح اللام الخفيفة (ابن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة الكوفي تابعي كبير ثقة جليل قاله الحافظ قوله (إنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم) وفي رواية مسلم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلي بها ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء الخ فظهر بهذه الرواية أن هذه الصلاة التي صلى حذيفة معه صلى الله عليه وسلم كان صلاة الليل (إلا وقف وسأل) أي الرحمة (إلا وقف وتعوذ) أي من عذاب الله قال الشيخ عبد الحق في اللمعات الظاهر أنه كان في الصلاة وهو محمول عندنا على النوافل قلت قد وقع في رواية مسلم صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة كما عرفت وهذا نص صريح في أن وقوفه صلى الله عليه وسلم وسؤاله عند الإتيان على آية الرحمة وكذا وقوفه وتعوذه عند الإتيان على آية العذاب كان في صلاة الليل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم
[ 108 ]
باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود قوله (عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين) بضم الحاء المهملة مصغرا الهاشمي مولاهم المدني ثقة (عن أبيه) ثقة قوله (نهى عن لبس القسي) قال الباجي بفتح القاف وتشديد السين قال فسره ابن وهب بأنها ثياب مضلعة يريد مخططه بالحرير وكانت تعمل بالقس وهو موضع بمصر يلي الفرما وفي النهاية هي ثياب من كتان مخلوط بالحرير يؤتى بها من مصر نسبت إلى قرية على ساحل البحر قريبا من تنيس يقال لها القس بفتح القاف وبعض أهل الحديث يكسرها وقيل أصل القسي القزي منسوب إلى القز وهو ضرب من الابريسم أبدل الزاء سينا كذا في تنوير الحوالك (والمعصفر) أي ما صبغ بالعصفر (وعن تختم الذهب) النهي عنهما للرجال دون النساء (وعن قراءة القرآن في الركوع) قال الخطابي لما كان الركوع والسجود وهما في غاية الذل والخضوع مخصوصين بالذكر والتسبيح نهي عن القراءة فيهما قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وفيه ألا وإني نهيت أن أقرأ القران راكعا وساجدا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم
[ 109 ]
قوله (وحديث علي حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود قوله (عن عمارة بن عمير) التيمي الكوفي ثقة ثبت (عن أبي معمر) إسمه عبد الله بن سخبرة بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة وفتح الموحدة الازدي الكوفي ثقة (عن أبي مسعود الأنصاري) البدري اسمه عقبة بن عمرو بن ثعلبة صحابي جليل مات قبل الأربعين وقيل بعدها قوله لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها يعني صلبه أي أظهره أي لا يجوز صلاة من لا يسوي ظهره في الركوع والسجود والمراد الطمأنينة قاله في مجمع البحار واستدل بهذا الحديث على وجوب الطمأنينة في الأركان واعتذر بعض من لم يقل به بأنه زيادة على النص لأن المأمور به في القرآن مطلق السجود فيصدق بغير طمأنينة فالطمأنينة زيادة والزيادة على المتواتر بالاحاد لا تعتبر وعورض بأنها ليست زيادة لكن لبيان المراد بالسجود وأنه خالف السجود اللغوي لأنه مجدد وضع الجبهة فبينت السنة أن السجود الشرعي ما كان بالطمأنينة ويؤيده أن الاية نزلت تأكيدا لوجوب السجود وكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه قبل ذلك ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بغير طمأنينة قاله الحافظ في الفتح قوله (وفي الباب عن علي بن شيبان وأنس وأبي هريرة ورفاعة الزرقي) أما حديث علي بن شيبان فأخرجه أحمد وابن ماجه ولفظه لا صلاة لمن لم يقم صلبه في الركوع والسجود وأما حديث
[ 110 ]
أنس فأخرجه الشيخان ولفظه أقيموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من بعدي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان من حديث المسئ صلاته وأما حديث رفاعة فأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث المسئ صلاته أيضا قوله (حديث أبي مسعود حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى قال الشوكاني إسناده صحيح قوله (وقال الشافعي وأحمد وإسحاق من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة الخ) فعند هؤلاء الأئمة الطمأنينة في الأركان فرض وبه قال الجمهور وهو الحق قال الحافظ واشتهر عن الحنفية أن الطمأنينة سنة وصرح بذلك كثير من مصنفيهم لكن كلام الطحاوي كالصريح في الوجوب عندهم فإنه ترجم مقدار الركوع والسجود ثم ذكر الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره في قوله سبحان ربي العظيم ثلاثا في الركوع وذلك أدناه قال فذهب قوم من أن هذا مقدار الركوع والسجود ولا يجزئ أدنى منه قال وخالفهم آخرون فقالوا إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد انتهى كلام الحافظ قلت تعديل الأركان والطمأنينة فيها فرض عند أبي يوسف أيضا وأما عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله فقيل واجب وقيل سنة قال صاحب السعاية ص 142 ج 2 بعد ذكر عبارات كتب الحنفية في هذا الباب ما لفظه وجملة المرام في هذا المقام أن الركوع والسجود ركنان اتفاقا وإنما الخلاف في اطمئنانها فعند الشافعي وأبي يوسف فرض وعند محمد وأبي حنيفة فرض ما نقله الطحاوي وسنة على تخريج الجرجاني واجب على تخريج الكرخي وهو الذي نقله جمع
[ 111 ]
عظيم عنهما وعليه المتون والقومة والجلسة والاطمئنان فيهما كل منها فرض أيضا عند أبي يوسف والشافعي سنة عند أبي حنيفة ومحمد على ما ذكره القدماء واجب على ما حققه المتأخرون ومقتضى القاعدة المشهورة أن تقوم القومة والجلسة واجبتين والاطمئنان فيهما سنة لكن لا عبرة بها بعد تحقيق الحق انتهى كلامه واحتج من قال بالفرضية بحديث الباب فإنه نص صريح في أن من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود لا تجوز صلاته وهو المراد بفرضية الطمأنينة في الركوع والسجود وبحديث المسئ صلاته أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى فسلم عليه فرد وقال ارجع فصل فإنك لم تصل الحديث وفيه إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك في صلاتك كلها ورواه أبو داود نحوه وفيه فإذا فعلت هذه فقد تمت صلاتك وما انتقصت من هذا شيئا فإنما انتقصته من صلاتك ورواه ابن أبي شيبة وفيه دخل رجل فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا سجودها واسم هذا الرجل خلاد بن رافع كما وقع في بعض طرق هذا الحديث فقوله صلى الله عليه وسلم صل فإنك لم تصل صريح في أن التعديل من الأركان بحيث أن فوته يفوت أصل الصلاة وإلا لم يقل لم تصل فإن من المعلوم أن خلاد بن رافع لم يكن ترك ركنا من الأركان المشهورة إنما ترك التعديل والاطمئنان فعلم أن تركه مبطل للصلاة وأجاب الحنفية عن هذا الاستدلال بوجوه كلها مخدوشة منها ما قالوا إن أخر حديث المسئ صلاته يدل على عدم فرضية التعديل فإنه صلى الله عليه وسلم قال وما نقصت من ذلك فإنما نقصته من صلاتك فلو كان ترك التعديل مفسدا لما سماه صلاة كما لو ترك الركوع والسجود ورده العيني في البناية بأن للخصم أن يقول إنما سماه صلاة بحسب زعم المصلي كما تدل عليه الاضافة على أنه ورد في بعض الروايات وما نقصت شيئا من هذا أي مما ذكر سابقا ومنه الركوع والسجود أيضا فيلزم أن تسمى مالا ركوع فيه أو لا سجود فيه أيضا صلاة بعين التقرير المذكور وإذا ليس فليس انتهى ومنها ما قالوا إن هذا الحديث لا يدل على فرضية التعديل بل على عدم فرضيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأعرابي حين فرغ عن صلاته ولو كان ما تركه ركنا لفسدت صلاته فكان المضي بعد ذلك من الأعرابي عبثا ولا يحل له صلى الله عليه وسلم أن يتركه فكان تركه دلالة منه أن صلاته جائزة إلا أنه ترك
[ 112 ]
الاكمال فأمره بالإعادة زجرا له عن هذه العادة ورده العيني في البناية بأن للخصم أن يقول كانت صلاته فاسدة ولذا أمر بالإعادة وقال له لم تصل وإنما عليه لأنه ربما يهتدي إلى الصلاة الصحيحة ولم ينكر عليه لأنه كان من أهل البادية كما شهدت به رواية الترمذي يعني بها التي رواها الترمذي في باب ما جاء في وصف الصلاة وفيها إذا جاءه رجل كالبدوي ومن المعلوم أن أهل البادية لهم جفاء وغلظ فلو أمره ابتداء لكان يقع في خاطره شئ وكان المقام مقام التعليم وبالجملة لا دلالة لعدم إنكاره عليه الصلاة والسلام على صلاته ابتداء وأمره بالإعادة على ما ادعوه انتهى ومنها ما قالوا من الله تعالى أمرنا بالركوع والسجود بقوله يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا والركوع والسجود لفظ خاص معناه معلوم فالركوع هو الانحناء والسجود هو الانخفاض فمطلق الميلان عن الاستواء ووضع الجبهة على الأرض فرض بالاية المذكورة وفرضية التعديل الثابتة بقوله عليه الصلاة والسلام فإنك لم تصل وكذا فرضية القومة والجلسة بحديث لا تجزئ صلاة المقيم الرجل فيها ظهره في الركوع والسجود وأمثاله أن لحقت بالقرآن على سبيل البيان فهو ليس بصحيح لأن البيان إنما يكون للمجمل ولا إجمال في الركوع والسجود وإن لحقت على سبيل التغيير لإطلاق القرآن فهو ليس بجائز أيضا لأن نسخ إطلاق القرآن بأخبار الاحاد لا يجوز كما حققه الأصوليون ولما لم يجز إلحاق ما ثبت بهذه الأخبار بالثابت بالقرآن ولم يمكن ترك أخبار الاحاد بالكلية أيضا فقلنا ما ثبت بالقطعي وهو الركوع والسجود فرض وما ثبت بهذه الأخبار الظنية الثبوت واجب والجواب أن المراد بالركوع والسجود في الاية المذكورة معناهما الشرعي وهو غير معلوم فهو محتاج إلى البيان فهذه الأخبار لحقت بالقرآن على سبيل البيان ولا إشكال وقد صرح العلماء الحنفية أن معناهما الشرعي هو المراد عند أبي يوسف رحمه الله أن هذه الأخبار قد لحقت بالقرآن على سبيل البيان عنده واعلم أن أبا يوسف رحمه الله شريك لأبي حنيفة ومحمد في القاعدة الأصولية المذكورة ويجريها في مواضع كثيرة ومع هذا فهو قائل بفرضية التعديل فيرد عليه إشكال عسير وهو أنه كيف ينسخ إطلاق ههنا بخبر الاحاد ويجعل التعديل فرضا وقد ذكر العلماء الحنفية في دفع هذا الإشكال ما نقله ابن عابدين في حواشي البحر عن بعض المحققين من أن المراد بالركوع
[ 113 ]
والسجود في الاية عندهما معناه اللغوي وهو معلوم لا يحتاج إلى البيان فلو قلنا بافتراض التعديل تلزم الزيادة على النص بخبر الاحاد وعند أبي يوسف معناهما الشرعي وهو غير معلوم فيحتاج إلى البيان انتهى ثم اعلم أن حمل لفظ الركع ولفظ السجود في الاية المذكورة على معناهما الشرعي هو المتعين لأنه قد تقرر أن أمثال هذه الألفاظ في النصوص يجب حملها على معانيها الشرعية إلا أن يمنع مانع ولا مانع ههنا وحاصل الكلام أن القول بأن تعديل الأركان فرض هو الراجح المعول عليه والله تعالى أعلم باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع قوله (الماجشون) بكسر الجيم بعدها معجمة مضمومة هو لقب عبد العزيز بن عبد الله وهو معرب ماه كون أي شبه القمر أحد الأعلام روى عن الزهري وابن المنكدر وخلق وعنه الليث وابن مهدي وخلق قال الحافظ ثقة فقيه مصنف قلت هو مدني نزيل بغداد (عن عمي) هو يعقوب بن أبي سلمة كذا في التقريب وفيه ترجمة أنه صدوق (عن عبيد الله بن أبي رافع المدني مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان كاتب علي وهو ثقة) قوله (قال سمع الله لمن حمده) معناه قبل حمد من حمد واللام في (لمن) للمنفعة والهاء في (حمده) للكناية وقيل للسكتة والاستراحة ذكره ابن الملك وقال الطيبي أي أجاب حمده وتقبله يقال اسمع دعائي أي أجب لأن غرض السائل الاجابة والقبول انتهى فهو دعاء بقبول الحمد كذا قيل ويحتمل الاخبار (ربنا ولك الحمد) أي ربنا تقبل منا ولك الحمد على
[ 114 ]
هدايتك إيانا لما يرضيك عنا بناء على أن الواو عاطفة لا زائدة خلافا للأصمعي وعطف الخبر على الانشاء جوزه جمع من النحويين وغيرهم وبتقدير اعتماد ما عليه الأكثرون من امتناعه فالخبر هنا بمعنى إنشاء الحمد لا الإخبار بأنه موجود إذ ليس فيه كبير فائدة ولا يحصل به الامتثال لما أمرنا به من الحمد (ملء السماوات) بالنصب هو أشهر كما في شرح مسلم صفة مصدر محذوف وقيل حال أي حال كونه مالئا لتلك الأجرام على تقدير تجسيمه وبالرفع صفة الحمد والملء بالكسر اسم ما يأخذه الاناء إذا امتلأ قال الجزري في النهاية هذا تمثيل لأن الكلام لا يسع الأماكن والمراد به كثرة العدد يقول لو قدر أن تكون كلمات الحمد أجساما لبلغت من كثرتها أن تملأ السماوات والأرض ويجوز أن يكون المراد به تفخيم شأن كلمة الحمد ويجوز أن يريد به أجرها وثوابها انتهى (وملء ما شئت من شئ بعد) بضم الدال على البناء للقطع عن الاضافة ونية المضاف إليه أي بعد المذكور وذلك كالكرسي والعرش وغيرهما مما لم يعلمه إلا الله والمراد الاعتناء في تكثير الحمد قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن عباد وابن أبي أوفى وأبي جحيفة وأبي سعيد) أما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأما حديث ابن عباس فأخرجه النسائي وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه مسلم وابن ماجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم والنسائي قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (وقال بعض أهل الكوفة يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في صلاة المكتوبة) وهو قول الحنفية لا دليل على هذا القول والصحيح ما قاله الشافعي وغيره فإن حديث علي هذا
[ 115 ]
قد أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات من ثلاثة وجوه ووقع في إحداها إذا قام إلى الصلاة المكتوبة وكذلك وقع في رواية لأبي داود ووقع في رواية للدارقطني إذا ابتدأ الصلاة المكتوبة وقال الشوكاني في النيل وأخرجه أيضا ابن حبان وزاد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة كذا رواه الشافعي وقيده أيضا بالمكتوبة وكذا غيرهما انتهى فثبت بهذه الروايات أن قول الشافعي وغيره يقول هذا في المكتوبة والتطوع حق وصواب وأن قول بعض أهل الكوفة يقول هذا في صلاة التطوع ولا يقوله في صلاة المكتوبة ليس بصحيح باب منه اخر قوله (الأنصاري) هو أسحاق بن موسى الأنصاري (عن سمي) بضم السين المهملة وبفتح الميم وشدة الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي ثقة (عن أبي صالح) اسمه ذكوان السمان الزيات ثقة ثبت من أوساط التابعين قوله فقولوا ربنا ولك الحمد بالواو بعد ربنا وفي رواية للبخاري فقولوا اللهم ربنا ولك الحمد وبوب عليه البخاري باب فضل اللهم ربنا ولك الحمد قال الحافظ في الفتح وفيه رد على ابن القيم حيث جزم بأنه لم يرد الجمع بين اللهم والواو في ذلك انتهى قوله فإنه من وافق قوله قول الملائكة أي في الزمان والظاهر أن المراد بالملائكة جميعهم واختاره ابن بزيزة وقيل الحفظة منهم وقيل الذين يتعلمون منهم إذا قلنا إنهم غير الحفظه والذي يظهر أن المراد بهم من يشهد تلك الصلاة من الملائكة ممن في الأرض أو في السماء قاله الحافظ في الفتح غفر له ما تقدم من ذنبه ظاهره غفران جميع الذنوب الماضية وهو محمول عند العلماء على الصغائر
[ 116 ]
قوله (وبه يقول أحمد) أي قول الامام أحمد بأن الامام يقول سمع الله لمن حمده فقط والمؤتم يقول ربنا ولك الحمد فقط وهو قول مالك وأبي حنيفة واستدل هؤلاء بحديث الباب قال الحافظ في الفتح استدل به (أي بحديث أبي هريرة إذا قال الامام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد) على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد وعلى أن المأموم لا يقول سمع الله لمن حمده لكون ذلك لم يذكر في هذه الرواية كما حكاه الطحاوي وهو قول مالك وأبي حنيفة وفيه نظر لأنه ليس فيه ما يدل على النفي بل فيه أن قول المأموم ربنا ولك الحمد يكون عقب قول الإمام سمع الله لمن حمده والواقع في التصوير ذلك لأن الامام يقول التسميع في حال انتقاله والمأموم يقول التحميد في حال اعتداله فقوله يقع عقب قول الإمام ما في الخبر وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين فإنه لا يلزم من قوله إذا قال ولا الضالين فقولوا امين أن الإمام لا يؤمن بعد قوله ولا الضالين وليس فيه أن الإمام يؤمن كما أنه ليس في هذا أنه يقول ربنا ولك الحمد لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة قال وأما ما احتجوا به من حيث المعنى من أن المعنى سمع الله لمن حمده طلب التحميد فيناسب حال الإمام وأما المأموم فتناسبه الاجابة بقوله (ربنا ولك الحمد) ويقويه حديث أبي موسى الأشعري عند مسلم وغيره ففيه وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد يسمع ما ذكرتم فجوابه أن يقال لا يدل ما ذكرتم على أن الإمام لا يقول ربنا ولك الحمد إنما يمتنع أن يكون طالبا ومجيبا وهو نظير ما تقدم في مسألة التأمين من أنه لا يلزم من كون الامام داعيا والمأموم مؤمنا أن لا يكون الامام مؤمنا وقضية ذلك أن الامام يجمعهما وهو قول الشافعي وأحمد وأبي موسى ومحمد والجمهور والأحاديث الصحيحة تشهد له وزاد الشافعي أن المأموم يجمعهما بينهما أيضا لكن لم يصح في ذلك شئ وأما المنفرد فحكى الطحاوي وابن عبد البر الاجماع على أنه يجمع بينهما وجعله الطحاوي حجة لكون الإمام يجمع بينهما للاتفاق على اتحاد حكم الامام والمنفرد لكن أشار صاحب الهداية إلى خلاف عندهم في المنفرد انتهى كلام الحافظ باختصار قوله (وقال ابن سيرين وغيره يقول من خلف الامام سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد الخ) احتج هؤلاء بحديث أبي هريرة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة وفيه ثم
[ 117 ]
يقول (سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد الخ) بانضمام قوله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي واستدلوا أيضا بما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة قال كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمع الله لمن حمده قال من وراءه سمع الله لمن حمده لكن قد صرح الدارقطني بأن المحفوظ لفظ إذا قال الامام سمع الله لمن حمده فليقل من وراءه اللهم ربنا ولك الحمد واستدلوا أيضا بما أخرجه الدارقطني عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بريدة إذا رفعت رأسك من الركوع فقل سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شئ بعد وظاهره عدم الفرق بين كونه منفردا أو إماما أو مأموما ولكن سنده ضعيف وليس في جمع المأموم بين التسميع والتحميد حديث صحيح صريح كما قال الحافظ والله تعالى أعلم باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود وفي بعض النسخ باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين وهذا هو يطابقه حديث الباب قوله (حدثنا سلمة بن شبيب النيسابوري أبو عبد الله الحافظ نزيل مكة روى عنه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال أبو حاتم صدوق وقال أبو نعيم أحد الثقات وعبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون آخره راء مهملة أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد ثقة عابد روى عنه البخاري وقال لم أر مثله والترمذي والنسائي ووثقه (وأحمد بن إبراهيم الدورقي) النكري بضم النون البغدادي ثقة حافظ (حدثنا يزيد بن هارون) ابن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي ثقة متقن عابد قوله (إذا سجد يضع ركبتيه قبل يديه) استدل به من قال بوضع الركبتين قبل اليدين لكن
[ 118 ]
الحديث ضعيف كما ستعرف قوله (هذا حديث غريب حسن لا نعرف أحدا رواه غير شريك) في كون هذا الحديث حسنا نظر فإنه قد تفرد به شريك وهو ابن عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثير تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وقال الدارقطني في سننه بعد رواية هذا الحديث تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما ينفرد به انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن قال أبو بكر البيهقي هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام مرسلا هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين هذا اخر كلامه وشريك هذا هو ابن عبد الله النخعي القاضي وفيه مقال وقد أخرج له مسلم متابعة انتهى كلام المنذري وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار بعد رواية هذا الحديث من طريق شريك عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل ما لفظه ورواه همام بن يحيى عن محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال همام وثنا شقيق يعني أبا الليث عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو المحفوظ انتهى كلام الحازمي قلت طريق همام بن يحيى عن محمد بن جحادة منقطع فإن عبد الجبار لم يسمع عن أبيه وطريق همام عن شقيق أيضا ضعيف فإن شقيقا أبا الليث مجهول قال في التقريب شقيق أبو الليث عن عاصم بن كليب مجهول انتهى وقال في الميزان شقيق عن عاصم بن كليب وعنه همام لا يعرف انتهى قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم يرون أن يضع الرجل ركبتيه قبل يديه إلخ) قال الحازمي في كتاب الاعتبار قال ابن المنذر وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب فممن رأى أن يضع ركبتيه قبل يديه عمر بن الخطاب وبه قال النخعي ومسلم ابن يسار وسفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الكوفة وقالت طائفة يضع يديه إلى الأرض إذا سجد قبل ركبتيه كذلك قال مالك وقال الأوزاعي أدركت الناس يضعون أيديهم
[ 119 ]
قبل ركبهم انتهى وقال البخاري في صحيحه قال نافع كان ابن عمر يضع يديه قبل ركبتيه انتهى وقال الشوكاني في النيل وذهبت العترة والأوزاعي ومالك وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين وهي رواية عن أحمد وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال ابن أبي داود وهو قول أصحاب الحديث انتهى قوله (وروى همام عن عاصم هذا مرس ولم يذكر فيه وائل ابن حجر) قال الحافظ في التلخيص بعد نقل قول الترمذي هذا ما لفظه وقد تعقب قول الترمذي أن هماما إنما رواه عن شقيق عن عاصم عن أبيه مرس انتهى قلت الأمر كما قال الحافظ كما عرفت فيما تقدم في كلام الحازمي باب اخر منه قوله يعمد أحدكم فيبرك في صلاته برك الجمل بتقدير همزة الاستفهام الانكاري أي أيعمد أحدكم فيضع ركبتيه قبل يديه في الصلاة كما يضع البعير ركبتيه قبل يديه أي لا يفعل هكذا بل يضع يديه قبل ركبتيه وفي رواية أحمد وأبي داود والنسائي إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه انتهى قال القاري في شرح المشكاة في شرح هذا الحديث إذا سجد أحدكم فلا يبرك نهي وقيل نفي كما يبرك البعير أي لا يضع ركبتيه قبل يديه كما يبرك البعير شبه ذلك ببروك البعير مع أنه يضع يديه قبل رجليه لأن ركبة الانسان في الرجل وركبة الدواب في اليد إذا وضع ركبتيه أولا فقد شابه الابل في البروك وليضع بسكون اللام وتكسر يديه قبل ركبتيه قال التوربشتي كيف نهى عن بروك البعير ثم أمر بوضع اليدين قبل الركبتين والبعير يضع اليدين قبل الرجلين والجواب أن الركبة من الانسان في الرجلين ومن ذوات
[ 120 ]
الأربع في اليدين انتهى كلام القاري والحديث استدل به من قال باستحباب وضع اليدين قبل الركبتين وهو قول مالك وهو قول أصحاب الحديث وقال الأوزاعي أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم وهي رواية عن أحمد كما عرفت هذا كله في الباب المتقدم قال الحافظ في الفتح قال مالك هذه الصفة أحسن في خشوع الصلاة وبه قال وعن مالك وأحمد رواية بالتخيير انتهى قوله (حديث أبي هريرة حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي الزناد إلا من هذا الوجه) حديث أبي هريرة هذا أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وسكت عنه أبو داود قال الحازمي في كتاب الاعتبار بعد روايته وهو على شرط أبي داود والترمذي والنسائي أخرجوه في كتبهم انتهى وقال القاري في المرقاة قال ابن حجر سنده جيد انتهى قلت حديث أبي هريرة هذا صحيح أو حسن لذاته رجاله كلهم ثقات فأما قتيبة فهو ابن سعيد بن جميل الثقفي أبو رجاء البغلاني ثقة ثبت كذا في التقريب وأما عبد الله بن نافع فهو الصائغ أبو محمد المدني وثقه ابن معين والنسائي كذا في الخلاصة وأما محمد بن عبد الله بن الحسن فوثقه النسائي قاله الخزرجي وقال الحافظ يلقب بالنفس الزكية ثقة من السابعة وأما أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة فقال البخاري أصح الأسانيد أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قاله الخزرجي فإن قلت قال الحافظ في التقريب في ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ ثقة صحيح الكتاب في حفظه لين انتهى فإذا كان في حفظه لين فكيف يكون حديثه صحيحا قلت قد عرفت أنه قد وثقه إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين ووثقه أيضا النسائي ثم هو ليس متفردا برواية هذا الحديث بل تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عند الدارقطني قال في سننه حدثنا أبو بكر بن أبي داود ثنا محمود بن خالد ثنا مروان بن محمد حدثنا عبد العزيز بن محمد ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل رجليه ولا يبرك بروك البعير حدثنا أبو سهل بن زياد ثنا إسماعيل بن إسحاق ثنا أبو ثابت محمد بن عبد الله ثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بإسناده عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك الجمل انتهى وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام وهو أقوى من حديث وائل ابن حجر فإن للأول شاهدا من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة وذكره البخاري معلقا موقوفا انتهى كلام
[ 121 ]
الحافظ وقال الحافظ ابن سيد الناس أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح وقال ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخ في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته عن الجرح انتهى وقال ابن التركماني في الجوهر النقي والحديث المذكور أولا يعني وليضع يديه ثم ركبتيه دلالة قولية وقد تأيد بحديث ابن عمر فيمكن ترجيحه على حديث وائل لأن دلالته فعلية على ما هو الأرجح عند الأصوليين انتهى ورجح القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي حديث أبي هريرة على حديث وائل من وجه اخر فقال الهيئة التي رأى مالك (وهي الهيئة التي هي مروية في حديث أبي هريرة) منقولة في صلاة أهل المدينة فترجحت بذلك على غيره انتهى قوله (وقد روي هذا الحديث عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الاثار بلفظ إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل (وعبد الله بن سيعد المقبري ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره) قال ابن معين ليس بشئ وقال مرة ليس بثقة وقال الفلاس منكر الحديث متروك وقال يحيى بن سعيد استبان كذبه في مجلس وقال الدارقطني متروك ذاهب وقال أحمد مرة ليس بذاك ومرة قال متروك وقال فيه البخاري تركوه كذا في الميزان اعلم أن الحنفية والشافعية وغيرهم الذين ذهبوا إلى استحباب وضع الركبتين قبل اليدين أجابوا عن حديث أبي هريرة المذكور في الباب بوجوه عديدة كلها مخدوشة الأول أن حديث أبي هريرة هذا منسوخ بما رواه ابن خزيمة عن مصعب بن سعد سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين وفيه أن دعوى النسخ بحديث سعد بن أبي وقاص باطلة فإن هذا الحديث ضعيف قال الحازمي في كتاب الاعتبار أما حديث سعد ففيه إسناده مقال ولو كان محفوظا لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق انتهى قلت وفي إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل وهو يرويه عن أبيه وقد تفرد به عنه وهما ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج قال في الخلاصة في ترجمة إبراهيم ابن إسماعيل اتهمه أبو زرعة وقال في التقريب في ترجمة إسماعيل والد إبراهيم متروك
[ 122 ]
الثاني أن في حديث أبي هريرة قلبا من الراوي وكان أصله وليضع ركبتيه قبل يديه ويدل عليه أول حديث وهو قوله فلا يبرك كما يبرك البعير فإن المعروف من بروك البعير هو تقديم اليدين على الرجلين قاله ابن القيم في زاد المعاد وقال ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أو فهذا هو المنهي عنه قال وهو فاسد وحاصلها أن البعير إذا برك يضع يديه ورجلاه قائمتان وهذا هو المنهي عنه وأن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة وأنه لو كان الأمر كما قالوالقال النبي صلى الله عليه وسلم فليبرك كما يبرك البعير لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه انتهى وفيه أن قوله في حديث أبي هريرة قلب من الراوي فيه نظر إذ لو فتح هذا الباب لم يبق اعتماد على رواية راو مع صحته وأما قوله كون ركبتين البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة ففيه أنه قد وقع في حديث هجرة النبي صلى الله عليه وسلم قول سراقة ساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغنا الركبتين رواه البخاري في صحيحه فهذا دليل واضح على أن ركبتين البعير تكونان في يديه وأما قوله لو كان الأمر كما قالوا لقال النبي صلى الله عليه وسلم فليبرك كما يبرك البعير ففيه أنه لما ثبت أن ركبتي البعير تكونان في يديه ومعلوم أن ركبتين الانسان تكونان في رجليه وقد قال صلى الله عليه وسلم في اخر هذا الحديث وليضع يديه قبل ركبتيه فكيف يقول في أوله فليبرك كما يبرك البعير أي فليضع ركبتيه قبل يديه والثالث أن حديث أبي هريرة ضعيف فإن الدارقطني قال تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن حسن انتهى والدراوردي وإن وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما لكن قال أحمد بن حنبل إذا حدث من حفظه يهم وقال أبو زرعة سئ الحفظ فتفرد الدراوردي عن محمد بن عبد الله مورث للضعف وقال البخاري محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه وقال لاأدري أسمع من أبي الزناد أم لا أنتهي وفيه أن حديث أبي هريرة صحيح صالح للاحتجاج كما عرفت وأما قول الدارقطني تفرد به الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن الحسن فليس بصحيح بل قد تابعه عبد الله بن نافع عند أبي داود والنسائي قال المنذري وفي ما قال الدارقطني نظر فقد روى نحوه عبد الله بن نافع عن محمد بن عبد الله وأخرجه أبو داود والنسائي من حديثه ثم تفرد الدراوردي ليس مورثا للضعف لأنه قد احتج به مسلم وأصحاب السنن ووثقه إمام هذا الشأن يحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهما وأما قول البخاري محمد بن عبد الله بن الحسن لا يتابع عليه فليس بمضر فإنه ثقة ولحديثه شاهد من حديث ابن عمر وصححه ابن خزيمة قال ابن التركماني في الجوهر النقي محمد بن عبد الله وثقه النسائي وقول البخاري لا يتابع على حديثه ليس بصريح في الجرح فلا
[ 123 ]
يعارض توثيق النسائي انتهى وكذا لا يضر قوله لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا فإن محمد بن عبد الله ليس بمدلس وسماعه من أبي الزناد ممكن فإنه قتل سنة 145 خمس وأربعين ومائة وهو ابن خمس وأربعين وأبو الزناد مات سنة 130 ثلاثين ومائة فيحمل عنعنته على السماع عند جمهور المحدثين والرابع أن حديث أبي هريرة مضطرب فإنه رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والطحاوي في شرح الاثار عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل فهذه الرواية تخالف الرواية التي رواها الترمذي وغيره بحيث لا يمكن الجمع بينهما والاضطراب مورث للضعف وفيه أن رواية ابن أبي شيبة والطحاوي هذه ضعيفة جدا فإن مدارها على عبد الله بن سعيد وقد عرفت حاله في هذا الباب فلا اضطراب في حديث أبي هريرة فإن من شرط الاضطراب استواء وجوه الاختلاف ولا تعل الرواية الصحيحة بالرواية الضعيفة الواهية كما تقرر في مقره والخامس أن حديث وائل بن حجر أقوى وأثبت من حديث أبي هريرة قال ابن تيمية في المنتقى قال الخطابي حديث وائل بن حجر أثبت من هذا انتهى فحديث وائل هو الأولى بالعمل وفيه أن في كون حديث وائل أثبت من حديث أبي هريرة نظرا فإن حديث وائل ضعيف كما عرفت ولو سلم أنه حسن كما قال الترمذي فلا يكون هو حسنا لذاته بل لغيره لتعدد طرقه الضعاف وأما حديث أبي هريرة فهو صحيح أو حسن لذاته ومع هذا فله شاهد من حديث ابن عمر صححه ابن خزيمة وقد عرفت قول الحافظ ابن حجر وابن سيد الناس وابن التركماني والقاضي أبي بكر ابن العربي في ترجيح حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر فالقول الراجح أن حديث أبي هريرة أثبت وأقوى من حديث وائل فإن قيل إن كان لحديث أبي هريرة شاهد فلحديث وائل شاهدان أحدهما ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عن عاصم الأحول عن أنس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه قال الحاكم هو على شرطهما ولا أعلم له علة وثانيهما ما أخرجه ابن خزيمة في صحيحه عن مصعب ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن الركبتين قبل اليدين يقال هذان الحديثان لا يصلحان أن يكونا شاهدين لحديث وائل أما حديث أنس فلأنه قد تفرد به العلاء بن إسماعيل العطار وهو مجهول قاله البيهقي وقال الدارقطني تفرد به العلاء
[ 124 ]
بن إسماعيل عن حفص بن غياث وهو مجهول انتهى وحفص بن غياث ساء حفظة في الاخر صرح به الحافظ في مقدمة الفتح وقال الذهبي في الميزان قال أبو زرعة ساء حفظة بعد ما استقضى فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح انتهى وأما حديث سعد بن أبي وقاص فقد عرفت فيما سبق أنه قد تفرد به إبراهيم بن إسماعيل وإبراهيم هذا أتهمه أبو زرعة وأبوه اسمعيل متروك وأن المحفوظ عن مصعب عن أبيه نسخ التطبيق فالحاصل أن حديث أبي هريرة صحيح أو حسن لذاته وهو أقوى وأثبت وأرجح من حديث وائل هذا عندي والله تعالى أعلم باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف قوله (ثنا أبو عامر) العقدي قوله (كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته الأرض) قال في القاموس مكنته من الشئ أو أمكنته منه فتمكن وأستمكن وقال في الصراح تمكين بأي برجا كردن وكذا الامكان يقال مكنة الله من الشئ وأمكنه منه بمعنى انتهى وفيه أن يضع المصلى جبهته وأنفه في السجود على الأرض (ونحى يديه) أي أبعدهما من نحى ينحى تنحية (ووضع كفيه حذو منكبيه) فيه مشروعية وضع اليدين في السجود حذو المنكبين قوله (وفي الباب عن ابن عباس ووائل بن حجر وأبي سعيد) أما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان ولفظه أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين وفي لفظ قال النبي صلى الله عليه وسلم أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين والقدمين وفي رواية أمر أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين رواه
[ 125 ]
مسلم والنسائي كذا في المنتقى وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أحمد ولفظه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعا جبهته وأنفه في سجوده وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان وفيه فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأيت أثر الطين والماء على جبهة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرنبته قوله (حديث أبي حميد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وأخرجه بهذا اللفظ أيضا ابن خزيمة في صحيحه كذا في النيل قوله (والعمل عليه عند أهل العلم أن يسجد على جبهته وأنفه فإن سجد على جبهته دون أنفه فقال قوم من أهل العلم بجزئه الخ) قال النووي في شرح مسلم في الأحاديث فوائد منها أن أعضاء السجود وأنه ينبغي للساجد أن يسجد عليها كلها وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعا فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض ويكفي بعضها والأنف مستحب فلو تركه جاز ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز هذا مذهب الشافعي ومالك والأكثرين وقال أبو حنيفة وابن القاسم من أصحاب مالك له أن يقتصر على أيهما شاء وقال أحمد رحمه الله وابن حبيب من أصحاب مالك يجب أن يسجد على الجهة والأنف جميعا لظاهر الحديث قال الأكثرون بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد لأنه قال في الحديث سبعة فإن جعلا عضوين صارت ثمانية وذكر الأنف استحبابا انتهى قلت ذهب الجمهور إلى وجوب السجدة على الجبهة دون الأنف وقال أبو حنيفة إنه يجزئ السجود على الأنف وحدها وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم إلى أنه يجب أن يجمعهما وهو قول الشافعي واستدل الجمهور برواية ابن عباس التي رواها الشيخان وغيرهما بلفظ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا الجبهة واليدين والركبتين والرجلين واستدل أبو حنيفة برواية ابن عباس التي رواها الشيخان بلفظ أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار على أنفه الخ وجه الاستدلال أنه صلى الله عليه وسلم ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف فدل على أنه المراد أورده ابن دقيق العيد فقال إن الإشارة لا تعارض التصريح بالجبهة لأنها قد تعين المشار إليه بخلاف العبارة فإنها معينة وأستدل القائلون بوجوب الجمع
[ 126 ]
بينهما برواية ابن عباس التي رواها مسلم والنسائي بلفظ أمرت أن أسجد على سبع ولا أكفت الشعر ولا الثياب الجبهة والأنف واليدين والركعتين والقدمين لأن جعلهما كعضو واحد ولو كان كل واحد منهما عضوا مستق للزم أن تكون الأعضاء ثمانية وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحدها والجبهة وحدها فيكون دلي لأبي حنيفة لأن كل واحد منهما بعض العضو وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم والمناقشة بالمجاز بدون موجب للمصير إليه غير ضائرة ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب وقد أخرج أحمد من حديث وائل قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد على الأرض واضعا جبهته وأنفه في سجوده وأخرج الدارقطني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين قال الدارقطني الصواب عن عكرمة مرسلا وروى اسماعيل بن عبد الله المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك هذا تلخيص ما في النيل قلت الراجح عندي هو وجوب السجود على مجموع الجبهة والأنف والله تعالى أعلم باب ما جاء أين يضع الرجل وجهه إذا سجد قوله (عن الحجاج) بن أرطأة الكوفي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس (عن أبي إسحاق) السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله ثقة عابد من الثالثة اختلط باخره قوله (فقال بين كفيه) أي كان يضع وجهه بين كفيه وفي حديث أبي حميد الذي تقدم في الباب المتقدم وضع كفيه حذو منكبيه ولهذين الحديثين المختلفين وما في معناهما اختلف عمل أهل العلم فبعضهم عملوا على حديث البراء هذا وما في معناه وبعضهم على حديث أبي حميد وما في معناه والكل جائز وثابت
[ 127 ]
قوله (وفي الباب عن وائل بن حجر وأبي حميد) أما حديث وائل فأخرجه مسلم في صحيحه وفيه فلما سجد سجد بين كفيه وروى إسحاق بن راهويه في سنده أخبرنا الثوري عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلما سجد وضع يديه حذاء أذنيه انتهى وكذلك رواه الطحاوي في شرح الاثار ورواه عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا الثوري به ولفظه كانت يداه حذو أذنيه كذا في نصب الراية وأما حديث أبي حميد فأخرجه البخاري وفيه أنه عليه السلام لما سجد وضع كفيه حذو منكبيه أخرجه عن فليح عن عباس بن سهيل عن أبي حميد ورواه أبو داود والترمذي ولفظهما كان إذا سجد مكن أنفه وجبهته ونحى يديه عن جنبه ووضع كفيه حذو منكبيه انتهى كذا في نصب الراية قوله (حديث البراء حديث حسن) وأخرجه الطحاوي في شرح الاثار قوله (وهو الذي اختاره بعض أهل العلم أن يكون يداه قريبا من أذنيه) قال الطحاوي في شرح الاثار بعد ذكر حديث أبي حميد الساعدي ووائل بن حجر والبراء ما لفظه فكان كل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى المنكبين يجعل وضع اليدين في السجود حيال المنكبين أيضا وكل من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى الأذنين يجعل وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضا وقد ثبت فيما تقدم من هذا الكتاب تصحيح قول من ذهب في الرفع في افتتاح الصلاة إلى حيال الأذنين فثبت بذلك أيضا قول من ذهب في وضع اليدين في السجود حيال الأذنين أيضا وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى انتهى قال الزيلعي بعد ذكر كلام الطحاوي هذا ولم يجب الطحاوي عن حديث أبي حميد بشئ قلت قد ذكرنا ما هو الأولى في الرفع في افتتاح الصلاة في موضعه
[ 128 ]
باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء قوله (حدثنا بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة المصري أبو محمد أو أبو عبد الملك ثقة ثبت من الثامنة روي عن جعفر بن ربيعة ويزيد بن حبيب وغيرهما وعنه ابن وهب وابن القاسم وقتيبة مات سنة 174 أربع وسبعين ومائة (عن ابن الهادي) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي أبو عبد الله المدني ثقة مكثر من الخامسة (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر التيمي المدني أبو عبد الله قال الخزرجي أحد العلماء المشاهير عن أنس وجابر وعائشة في ت س فما أدري سمع منه أم لا فأرسل عن أسامة وعنه يزيد بن الهاد ويحيى بن أبي كثير ويحيى بن سعيد الأنصاري وعدة قال ابن سعد كان فقيها محدثا وقال أحمد يروى أحاديث منكرة ووثقه ابن معين والناس توفي سنة 120 عشرين ومائة (عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص) الزهري المدين ثقة من الثالثة مات سنة 104 أربع ومائة (عن ابن العباس ابن عبد المطلب) عم النبي صلى الله عليه وسلم قوله (سجد معه سبعة اراب) بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو (وجهه وكفاه) إلخ بدل من سبعة اراب قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وجابر وأبي سعيد) أما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين وأطراف القدمين ولا نكفت الثياب ولا الشعر وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السجود على سبعة أعضاء قال الهيثمي فيه أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف وأما حديث جابر وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما وفي الباب أيضا عن عبد الله بن مسعود وسعد بن أبي وقاص ذكر حديثهما الهيثمي في مجمع الزوائد قوله (حديث العباس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (أمر) قال
[ 129 ]
الحافظ هو بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله وهو الله جل جلاله قال البيضاوي وعرف ذلك بالعرف وذلك يقتضي الوجوب ونظره الحافظ قال لأنه ليس فيه صيغة أفعل وهو ساقط لأن لفظ أمر أدل على المطلوب من صيغة أفعل كما تقرر في الأصول ولكن الذي يتوجه على القول باقتضائه الوجوب على الأمة أنه لا يتم إلا على القول بأن خطابه صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته وفيه خلاف معروف ولا شك أن عموم أدلة التأسي تقتضي ذلك وقد أخرجه البخاري في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس بلفظ أمرنا وهو دال على العموم كذا في النيل قوله (ولا يكف) أي لا يضم ولا يجمع قوله (شعره) أي شعر رأسه وظاهره يقتضي أن النهي عنه في حال الصلاة وإليه جنح الداؤدي ورده القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها قال الحافظ واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة لكن حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الاعادة قيل والحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبرين قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان باب ما جاء في التجافي في السجود أي التفرج فيه قوله (عن داود بن قيس) الفراء الدباغ المدني ثقة فاضل قوله (عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم) بتقديم القاف على الراء حجازي ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي عبد الله بن أقرم وهو صحابي مقل قوله (بالقاع) قال في القاموس القاع أرض سهلة مطمئنة قد انفرجت عنها الجبال وا كام ج قيع وقيعة وقيعان بكسرهن وأقواع وأقوع انتهى (من نمره) بفتح ثم كسر قال في القاموس نمرة كفرحة
[ 130 ]
موضع بعرفات أو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك خارجا من المأزمين انتهى (إلى عفرتي إبطيه) العفرة بالضم هو بياض غير خالص بل كلون عفر الأرض وهو وجهها أراد منبت الشعر من الابطين بمخالطة بياض الجلد سواد الشعر كذا في المجمع (ورأى بياضه) عطف على قوله وأنظر إلى عفرتي إبطيه عطف تفسير والحديث يدل على أن السنة في السجود أن ينحي يديه عن جنبيه ولا خلاف في ذلك قوله (قال وفي الباب عن ابن عباس وابن بحينة وجابر بن جزء وميمونة وأبي حميد وأبي أسيد وأبي مسعود وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة والبراء بن عازب وعدي بن عميرة وعائشة) أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد ولفظه قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض إبطيه وهو مجنح قد فرج يديه وأما حديث ابن بحينة فأخرجه الشيخان ولفظه إذا صلى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه واسم ابن بجينة عبد الله اسم أمه وأما حديث جابر فأخرجه أحمد وأبو عوانة في صحيحه ولفظه إذا سجد جافى حتى يرى بياض إبطيه وأما حديث بن جزء فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه ابن دقيق العيد على شرط البخاري ولفظه قال إن كنا لنأوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجافي مرفقيه عن جنبيه إذا سجد وأما حديث ميمونة وأبي حميد فأخرجه مسلم ولفظها كان إذا سجد خوى بيديه حتى يرى وضح إبطيه وأما حديث أبي أسيد وأبي مسعود وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة فلينظر من أخرجه وأما حديث البراء فأخرجه أحمد وفيه كان إذا سجد بسط كفيه ورفع عجيزته وخوى ورواه ابن خزيمة والنسائي وغيرهما بلفظ كان إذا جنح يقال جنح الرجل في صلاته إذا مد ضبعيه وقال الهروي أي فتح عضديه وخوى يعني جنح وأما حديث عدي بن عميرة فأخرجه الطبراني بمثل حديث جابر المذكور وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع
[ 131 ]
باب ما جاء في الاعتدال في السجود قوله (عن أبي سفيان) اسمه طلحة بن نافع الواسطي الاسكاف نزل مكة صدوق قاله في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبي أيوب وابن عباس وجابر وعنه الأعمش فأكثر قال أحمد والنسائي ليس به بأس وقال ابن معين لا شئ قوله إذا سجد أحدكم فليعتدل أي فليتوسط بين الافتراش والقبض ويوضع الكفين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع وأبلغ في تمكين الجبهة وأبعد من الكسالة كذا في المجمع ولا يفترش ذراعيه أي لا يجعل ذراعيه على الأرض كالفراش افتراش الكلب بالنصب أي مثل افتراش الكلب قال القرطبي لا شك في كراهة هذه الهيئة ولا في استحباب نقيضها قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة الأنصاري الأوسي أحد النقباء المدني نزيل حمص مات في أيام معاوية والبراء وأنس وأبي حميد وعائشة) أما حديث عبد الرحمن بن شبل فأخرجه أبو داود والنسائي والدارمي ولفظه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير وأما
[ 132 ]
حديث البراء فأخرجه مسلم ولفظه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتدلوا في السجود ولا ينبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب وأما حديث أبي حميد فأخرجه البخاري وفيه إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما وأخرجه مسلم وتقدم لفظه في الباب المتقدم وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل ذراعيه افتراش السبع قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والترمذي وابن خزيمة كذا في فتح الباري قوله (اعتدلوا في السجود) أي كونوا متوسطين بين الافتراش والقبض قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود قوله (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي الحافظ صاحب السند (أخبرنا وهيب) بالتصغير هو ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري ثقة ثبت لكنه تغيرقلي باخره
[ 133 ]
قاله الحافظ (عن محمد بن عجلان) المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كذا في التقريب (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدين ثقة له أفراد (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص ثقة كثير الحديث (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد العشرة وأول من رمى بسهم في سبيل الله ومناقبه كثيرة قوله (أمر بوضع اليدين) المراد بهما الكفان المنهي عن افتراش الذراعين كافتراش الكلب والمراد وضعهما حذاء المنكبين أو حذاء الوجهين ويستقبل بهما القبلة لما روى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان يقول إذا سجد أحدكم فليستقبل القبلة بيديه فإنهما يسجدان مع الوجه انتهى قلت ومن ثم ندب ضم الأصابع في السجود لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بعضها عن القبلة (ونصب القدمين) والمراد أن يجعل قدميه قائمتين على بطون أصابعهما ويستقبل بأطرافهما القبلة كما في حديث أبي حميد في صحيح البخاري قوله (وقال المعلى أخبرنا حماد بن مسعدة عن محمد بن عجلان الخ) حاصله أن المعلى بن أسد روي هذا الحديث عن وهيب وعن حماد بن مسعدة كلاهما عن محمد بن عجلان عن محمد بن إبراهيم عن عامر بن سعد فأما وهيب فأسند الحديث فقال عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم الخ وأما حماد بن مسعدة فأرسله ولم يذكر عن أبيه وحديث حماد ابن مسعدة المرسل هو أصح من حديث وهيب المسند فإن غير واحد رووه مرسلا كرواية حماد بن مسعدة
[ 134 ]
باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود والركوع قوله (كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع الخ) ولفظ البخاري كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده وبين السجدتين وإذا رفع من الركوع ماخلا القيام والقعود قريبا من السواء قال ابن دقيق العيد هذا الحديث يدل على أن الاعتدال ركن طويل وحديث أنس صريح في الدلالة على ذلك بل هو نص فيه فلا ينبغي العدول عنه لدليل ضعيف وهو قولهم لم يسن فيه تكرير التسبيحات كالركوع والسجود ووجه ضعفه أنه قياس في مقابلة النص فهو فاسد وأيضا فالذكر المشروع في الاعتدال أطول من الذكر المشروع في الركوع فتكرير سبحان ربي العظيم ثلاثا يجئ قدر قوله اللهم ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وقد شرع في الاعتدال ذكر أطول كما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس بعد قوله حمدا كثيرا طيبا ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شئ بعد زاد في حديث ابن أبي أوفى اللهم طهرني بالثلج إلخ وزاد في حديث الاخرين أهل الثناء والمجد إلخ كذا في فتح الباري ص 435 ج ا والمراد بحديث أنس ما رواه مسلم عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال سمع الله لمن حمده قام حتى تقول قد أوهم ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول قد أوهم قوله (قريبا من السواء) فيه إشعار بأن فيها تفاوتا لكنه لم يعينه وهو دال على الطمأنينة في الاعتدال وبين السجدتين لما علم من عادته من تطويل الركوع والسجود تنبيه قال بعض الحنفية في تعليقه على الترمذي في حديث الباب مبالغة الراوي انتهى قلت كلا ثم كلا فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يبالغون من عند أنفسم في وصف صلاته وحكاية أفعاله في الصلاة وغيرها ولا يقصرون بل يحكون على حسب ما يرون فقوله في حديث الباب مبالغة الراوي باطل ومردود عليه
[ 135 ]
قوله (وفي الباب عن أنس) أخرجه مسلم وتقدم لفظه انفا قوله (حديث البراء حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان باب ما جاء في كراهية أن يبادر الامام في الركوع والسجود قوله (أخبرنا سفيان) وهو الثوري (عن أبي إسحاق) هو السبيعي (عن عبد الله بن يزيد) الخطمي صحابي صغير كان أميرا على الكوفة في زمن ابن الزبير (وهو غير كذوب) أي غير كاذب قال الحافظ الظاهر أنه من كلام عبد الله بن يزيد وعلى ذلك جرى الحميدي في جمعه وصاحب العمدة لكن روى الدوري في تاريخه عن يحيى بن معين أنه قال قوله وهو غير كذوب إنما يريد عبد الله بن يزيد الراوي عن البراء لا البراء ولا يقال لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كذوب يعني أن هذه العبارة إنما تحسن في مشكوك في عدالته والصحابة كلهم عدول لا يحتاجون إلى تزكية وقد تعقبه الخطابي فقال هذا القول لا يوجب تهمة في الراوي إنما يوجب حقيقة الصدق له قال وهذه عادتهم إذا أرادوا تأكيد العلم بالراوي والعمل بما روى كان أبو هريرة يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق وقال ابن مسعود حدثني الصادق المصدوق وقال عياض وتبعه النووي لا وصم في هذا على الصحابة لأنه لم يرد به التعديل وإنما أراد به تقوية الحديث إذا حدث البراء وهو غير متهم ومثل هذا قول أبي مسلم الخولاني حدثني الحبيب الأمين وقد قال ابن مسعود وأبو هريرة فذكرهما قال وهذا قالوه تنبيها على صحة الحديث لا أن قائله قصد به تعديل رواية وأيضا فتنزيه ابن معين للبراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عن ذلك عبد الله بن يزيد لا وجه له فإن عبد الله بن يزيد معدود في الصحابة انتهى كلامه قال الحافظ وقد علمت
[ 136 ]
أنه أخذ كلام الخطابي فبسطه واستدرك عليه الالزام الأخير وليس بوارد لأن يحيى بن معين لا يثبت صحبة عبد الله بن يزيد وقد نفاها أيضا مصعب الزبيري وتوقف فيها أحمد بن حنبل وأبو حاتم وأبو داود وأثبتها ابن البرقي والدارقطني وأخرون انتهى قوله (لم يحن) بفتح التحتانية وسكون المهملة أي لم يثن يقال حنيت العود إذا ثنيته وفي رواية لمسلم لا يحنو وهي لغة صحيحة يقال حنيت وحنوت بمعنى قاله الحافظ (حتى يسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم) وفي رواية للبخاري حتى يضع جبهته على الأرض (فنسجد) ولأحمد عن غندر عن شعبة حتى يسجد ثم يسجدون واستدل به ابن الجوزي على أن المأموم لا يشرع في الركن حتى يتمه الامام وتعقب بأنه ليس فيه إلا التأخر حتى يتلبس الامام بالركن الذي ينتقل إليه بحيث يشرع المأموم بعد شروعه وقبل الفراغ منه ووقع في حديث عمرو بن حريث عند مسلم فكان لا يحنى أحد منا ظهره حتى يستتم ساجدا ولأبي يعلى من حديث أنس حتى يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود وهو أوضح في انتفاء المقارنة قاله الحافظ قوله (وفي الباب عن أنس ومعاوية وابن مسعدة صاحب ب الجيوش وأبي هريرة) أما حديث أنس فأخرجه مسلم وفيه يا أيها الناس إني إمامكم لا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني في الكبير قال العراقي ورجاله رجال الصحيح وأما حديث ابن مسعدة فأخرجه أحمد قال الهيثمي في مجمع الزوائد ورجاله ثقات إلا أن الذي رواه عن ابن مسعدة عثمان بن أبي سليمان وأكثر روايته عن التابعين انتهى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله (حديث البراء حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وبه يقول أهل العلم أن من خلف الامام إنما يتبعون الامام فبما يصنع ولا يركعون
[ 137 ]
إلا بعد ركوعه ولا يرفعون إلا بعد رفعه إلخ) فلا يجوز لهم التقدم ولا المقاربة باب ما جاء في كراهية الاقعاء بين السجدتين قد اختلف في تفسير الاقعاء اختلافا كثيرا قال النووي والصواب الذي لا يعدل عنه أن الاقعاء نوعان أحدهما أن يلصق إليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الرض كإقعاء الكلب هكذا فسره أبو عبيدة معمر بن المثنى وصاحبه أبو عبيد القاسم ابن سلام واخرون من أهل اللغة وهذا النوع هو المكروه الذي ورد النهي عنه والنوع الثاني أن يجعل إليتيه على العقبين بين السجدتين انتهى وذكر الجزري في النهاية التفسير الأول ثم ذكر التفسير الثاني بلفظ قيل ثم قال والقول الأول أصح قوله (حدثنا عبد الله بن دينار) هو الدارمي الحافظ صاحب المسند ثقة متقن قوله يا علي أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي المقصود إظهار المحبة لوقوع النصحية وإلا فهو مع كل مؤمن كذلك لا تقع بين السجدتين من الاقعاء والحديث فيه النهي عن الاقعاء بين السجدتين وحديث ابن عباس المذكور في الباب الاتي يدل على أنه سنة ونذكر وجه الجمع بينهما في الباب الاتي قوله (وقد ضعف بعض أهل العلم الحارث الأعور) هو الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني بسكون الميم أبو زهير صاحب على كذبه الشعبي في رواية ورمى بالرفض وفي حديثه ضعف وليس له عند النسائي سوى حديثين مات في خلافة ابن الزبير كذا في التقريب وروى
[ 138 ]
مسلم في مقدمة صحيحه بإسناده عن الشعبي حدثني الحارث الأعور كان كذابا انتهى قال النووي في شرحه هو متفق على ضعفه انتهى قال الحافظ في تهذيب التهذيب قرأت بخط الذهبي في الميزان والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج به والجمهور على توهينه مع روايتهم لحديثه في الأبواب وهذا الشعبي يكذبه ثم يروى عنه الظاهر أنه يكذب في حكاياته لا في الحديث قال الحافظ لم يحتج به النسائي وإنما خرج له في السنن حديثا واحدا مقرونا بابن ميسرة واخر في اليوم والليلة متابعة وهذا جميع ماله عنده انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم وفيه وكان يقول في كل ركعتين التحيات وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقب الشيطان وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه بلفظ إذا رفعت رأس من السجود فلا تقع كما يقعي الكلب الحديث وفي إسناده العلاء أبو محمد وقد ضعفه بعض الأئمة وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد بلفظ قال نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث عن نقرة كنقرة الديك وإقعاء كإقعاء الكلب والتفات كالتفات الثعلب وأخرجه البيهقي أيضا وهو من رواية ليث بن أبي سليم وأخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني في الأوسط قال الهيثمي في مجمع الزوائد وإسناد أحمد حسن باب في الرخصة في الاقعاء تقدم في الباب أن الاقعاء على نوعين وسيطهر لك أن الرخصة في الاقعاء بالمعنى الثاني (إنا لنراه جفاء بالرجل) قال الحافظ في التلخيص ضبط ابن عبد البر بالرجل بكسر الراء وإسكان الجيم وغلط من ضبطه بفتح الراء وضم الجيم وخالفه الأكثرون وقال النووي رد
[ 139 ]
الجمهور على ابن عبد البر وقالوا الصواب الضم وهو الذي يليق به إضافة الجفاء إليه انتهى ويؤيد ما ذهب إليه أبو عمر ما روى أحمد في مسنده في هذا الحديث بلفظ جفاء بالقدم ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور ما رواه ابن أبي خيثمة بلفظ لنراه جفاء المرء فالله أعلم بالصواب انتهى كلام الحافظ والجفاء غلط الطبع وترك الصلة والبر (بل هي سنة نبيكم) هذا الحديث نص صريح في أن الاقعاء سنة واختلف العلماء في الجمع بين هذا الحديث وبين الحديثين الواردة في النهي عن الاقعاء فجنح الخطابي والماوردي إلى أن الاقعاء منسوخ ولعل ابن عباس لم يبلغه النسخ وجنح البيهقي إلى الجمع بينهما بأن الاقعاء ضربان أحدهما أن يضع إليتيه على عقبيه وتكون ركبتاه في الأرض وهذا هخو الذي رواه ابن عباس وفعلته العبادلة ونص الشافعي في البويطي على استحبابه بين السجدتين لكن الصحيح أن الافتراش أفضل منه لكثرة الرواة له ولأنه أعون للمصلى وأحسن في هيئة الصلاة والثاني أن يضع إليتيه ويديه على الأرض وينصب ساقيه وهذا هو الذي وردت الأحاديث بكراهته وتبع البيهقي على هذا الجمع ابن الصلاح والنووي وأنكرا على من ادعى فيهما النسخ وقالا كيف ثبت النسخ مع عدم تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ كذا في التلخيص الحبير وقال في النيل وهذا الجمع لا بد منه وأحاديث النهي والمعارض لها يرشد لما فيها من التصريح بإقعاء الكلب ولما في أحاديث العبادلة من التصريح با قعاء على القدمين وعلى أطراف الأصابع وقد روي عن ابن عباس أيضا أنه قال من السنة أن تمس عقبيك إليتيك وهو مفسر للمراد فالقول بالنسخ غفلة عن ذلك وعما صرح به الحفاظ من جهل تاريخ هذه الأحاديث وعن المنع من المصير إلى النسخ مع إمكان الجمع وقد روى عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم فعله كما قال النووي ونص الشافعي في البويطي وا ملاء على استحبابه انتهى ما في النيل قلت الأمر كما قال الشوكاني وقد اختار هذا الجمع بعض الأئمة الحنفية كابن الهمام وغيره فائدة قال ابن حجر المكي الافتراش بين السجدتين أفضل من الاقعاء المسنون بينهما لأن ذلك هو الأكثر من أحواله عليه السلام انتهى قال القاري في المرقاة بعد نقل كلام بن حجر هذا ما لفظه وفيه أن الأولى أن يحمل الأكثر على أنه هو المسنون وغيره إما لعذر أو لبيان الجواز انتهى قلت لو كان لعذر لم يقل ابن عباس رضي الله عنهما هي سنة نبيكم والظاهر هو ما قال ابن حجر والله تعالى أعلم
[ 140 ]
قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يرون با قعاء بأسا) قال الحافظ في التلخيص وللبيهقي عن ابن عمر أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه السنة وفيه عن ابن عمر وابن عباس أنهما كانا يقعيان وعن طاووس قال رأيت العبادلة يقعون أسانيدها صحيحة انتهى قلت لكن إقعاء هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم كان بالمعنى الثاني ولم يكن كإقعاء الكلب كما تقدم (وهو قول أهل مكة من أهل الفقة والعلم) وهو قول عطاء وطاووس وابن أبي مليككة ونافع والعبادلة كذا نقل العيني عن ابن تيمية (وأكثر أهل العلم يكرهون الاقعاء بين السجدتين) وهو قول أبي حنيفة ومالك الشافعي وأحمد كذا قيل وقد عفرت أن الشافعي نص في البويطي وغيره على استحبابه وقال بعض الحنفية لنا ما في موطأ مالك عن ابن عمر تصريح أنه ليس بسنته ومن المعلوم عند المحدثين أن زيادة الاعتماد في نقل السنة على ابن عمر فإن ابن عباس ربما يقول باجتهاده ورأيه ويعبره بالسنة انتهى قلت هذا مجرد ادعاء ولو سلم فإنما يكون تعبيره بالسنة لا بسنة نبيكم وقد قال في الاقعاء هي سنة نبيكم على أنه صرح ابن عمر أيضا بأنه سنة كما روى البيهقي عنه أنه كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يقعد على أطراف أصابعه ويقول إنه السنة وإسناده صحيح كما عرفت باب ما يقول بين السجدتين قوله (حدثنا سلمة بن شبيب) المسمعي النيسابوري نزيل مكة ثقة من شيوخ التمرمذي
[ 141 ]
ومسلم وغيرهما (عن كامل أبي العلاء) هو كامل بن العلاء التميمي الكوفي صدوق يخطئ من السابعة كذا في التقريب قوله (كان يقول بين السجدتين اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني) وعند أبي داود اللهم اغفر لي وارحمني وعافني واهدني وارزقني وعند ابن ماجه رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارزقني وارفعني قال الحافظ في التلخيص وجمع بينهما الحاكم كلها إلا أنه لم يقل وعافني انتهى قال الجزري في النهاية واجبرني أي اغنني من جبر الله مصيبته أي رد عليه ما ذهب عنه أو عوضه عنه وأصله من جبر الكسر والحديث يدل على مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في القعدة بين السجدتين وفي الباب عن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي رب اغفر لي رواه النسائي وابن ماجه ورواه مسلم في صحيحه مطولا قوله (هذا حديث غريب) تفرد به كامل أبو العلاء ولم يحكم عليه الترمذي بشئ من الصحة والضعف ورواه الحاكم وصححه وسكت عنه أبو داود وقال المنذري في تلخيص السنن وأخرجه الترمذي وابن ماجه ونق قول الترمذي هذا حديث غريب إلخ ثم قال وكامل هو أبو العلاء ويقال أبو عبيد الله كامل بن العلاء التميمي السعدي الكوفي وثقه يحيى بن معين وتكلم فيه غيره انتهى كلام المنذري قلت وقال بن عدي لم أر للمتقدمين فيه كلاما وفي بعض رواياته أشياء أنكرتها ومع هذا أرجو أنه لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وقال مرة ليس به بأس وقال ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل كذا في الميزان وغيره من كتب الرجال فقول النسائي ليس بالقوي جرح مبهم ثم هو معارض بقوله ليس به بأس وأما قول ابن حبان كان ممن يقلب الأسانيد إلخ غير قادح فإنه متعنت ومسرف كما تقرر في مقره فحديثه هذا إن لم يكن صحيحا فلا ينزل عن درجة الحسن والله تعالى أعلم
[ 142 ]
باب ما جاء في الاعتماد تماد في السجود قوله (عن سمي) بضم السين وفتح الميم وشدة الياء مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المخزومي المدني روى عن مولاه وأبي صالح ذكوان وابن المسيب وغيرهم قال أحد وأبو حاتم ثقة وذكره ابن حبان في الثقات وقال قتلته الحرورية سنة 53 خمس وثلاثين وقال النسائي في الجرح والتعديل ثقة كذا في تهذيب التهذيب (عن أبي صالح) هو ذكوان قوله (إذا تفرجوا) إذا باعدوا اليدين عن الجنبين ورفعوا البطن عن الفخذين في السجود استعينوا بالركب قال ابن عجلان أحد رواة الحديث وذلك أن يضع مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا ذكره الحافظ في الفتح والحديث يدل على مشروعية الاستعانة بالركب في السجود عند المشقة في التفريج قال الحافظ بعد ذكر أحاديث التفريج في السجود ما لفظه ظاهر هذه الأحاديث وجوب التفريج المذكور لكن أخرج أبو داود ما يدل على أنه للاستحباب وهو حديث أبي هريرة شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له مشقة السجود عليهم إذا انفرجوا فقال استعينوا بالركب وترجم له الرخصة في ذلك أي في ترك التفريج انتهى قلت الظاهر أن التفريج في السجود واجب عند عدم المشقة فيه وأما عند وجود المشقة فيه فيجوز ترك التفريج والاستعانة بالركب والله تعالى أعلم وحديث الباب أخرجه أبو داود تنبيه قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري بعد نقل حديث الباب عن سنن أبي داود ما لفظه وقد أخرج الترمذي الحديث المذكور ولم يقع في روايته يعني في رواية الترمذي إذا انفرجوا فترجم له باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود فجعل محل الاستعانة بالركب لمن يرفع من
[ 143 ]
السجود طالبا للقيام واللفظ يحتمل ما قال لكن الزيادة التي أخرجها أبو داود تعين المراد انتهى كلام الحافظ وقال العيني في عمدة القاري ما لفظه وفي التلويح وزعم أبو داود أن هذا كان رخصة وأما أبو عيسى الترمذي فإنه فهم منه غير ما قاله ابن عجلان فذكره في باب ما جاء في الاعتماد إذا قام من السجود انتهى قلت قد وقع في جميع نسخ جامع الترمذي الموجودة عندنا باب ما جاء في الاعتماد في السجود وليس في واحد منها إذا قام من السجود وقد وقع في جميعها لفظ إذا تفرجواكما وقع في رواية أبي داود فلعله وقع في بضع النسخ كما قال الحافظ وصاحب التوشيح والله تعالى أعلم باب كيف النهوض من السجود قوله (إذا كان في وتر من صلاته) أي في الركعة الأولى والثالثة (لم ينهض) أي لم يقم (حتى يستوى جالسا) وهذه الجلسة تسمى بجلسة الاستراحة قال الحافظ في الفتح وفيه مشروعية جلسة الاستراحة وأخذ بها الشافعي وطائفة من أهل الحديث وعن أحمد روايتان وذكر الخلال بن أحمد رجع إلى القول بها ولم يستحبها الأكثر انتهى كلامه وأستدل من قال بسنيه جلسة الاستراحة بحديث الباب وهو حديث صحيح وبأحاديث أخرى فمنها حديث أبي حميد الساعدي أنه قال في عشرة إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنا أعلمكم
[ 144 ]
بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فاعرض قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه الحديث وفيه ثم يهوي إلى الأرض ساجدا فيجافي يديه عن جنبيه ويفتح أصابع رجليه ثم يرفع رأسه ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ثم يعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه معتد ثم يسجد ثم يقول الله أكبر ويرفع ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها ثم يعتدل حتى يرجع كل عظم إلى موضعه ثم ينهض ثم يصنع في الركعة الثانية مثل ذلك إلخ رواه أبو داود والدارمي وروى الترمذي وابن ماجه معناه وقال الترمذي هذا حديث ث حسن صحيح كذا في مشكاة المصابيح ولفظ الترمذي هكذا ثم هوى إلى الأرض ساجدا ثم قال الله أكبر ثم جافى عن إبطيه وفتح أصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها ثم اعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ثم ينهض ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك إلخ ومنها حديث ابن عباس في صلاة التسبيح رواه أبو داود واخرون وفيه ثم تهوى ساجدا فتقولها وأنت ساجدا عشرا ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشرا ثم تسجد فتقولها عشرا ثم ترفع رأسك فتقولها عشرا فذلك خمس وسبعون في كل ركعة تفعل ذلك في أربع ركعات الحديث قال الفاضل اللكنوي في كتابه الاثار المرفوعة بعد كلام طويل في إثبات صلاة الصبح ما لفظه إعلم أن أكثر أصحابنا الحنفية وكثيرا من المشايخ الصوفية قد ذكروا في كيفية صلاة التسبيح الكيفية التي حكاها الترمذي والحاكم عن عبد الله بن المبارك الخالية عن جلسة الاستراحة والشافعية والمحدثون أكثرهم اختاروا الكيفية المشتملة على جلسة الاستراحة وقد علم مما أسلفنا أن الأصح ثبوتا هو هذه الكيفية فليأخذ بها من يصليها حنفيا كان أو شافعيا انتهى قلت الأمر كما قال تنبيه قد اعتذر الحنفيه وغيرهم ممن لم يقل بجلسة الاستراحة عن العمل بحديث مالك بن الحويرث المذكور في الباب بأعذار كلها باردة فمنها ما قال صاحب الهداية من الحنفية إنه محمول على حال الكبر ورده صاحب بحر الرائق حيث قال يرد عليه بأن هذا الحمل يحتاج إلى دليل وقد قال علهي السلام صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى وقال الحافظ ابن حجر في الدراية هذا تأويل يحتاج إلى دليل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحويرث لما أراد أن يفارقه صلوا كما رأيتموني أصلي ولم يفصل له فالحديث حجة في الاقتداء به في ذلك انتهى ومنها ما قال الطحاوي من أن حديث أبي حميد الساعدي خال عنها أي عن جلسة الاستراحة فإنه ساقه بلفظ قام ولم يتورك قال فلما تخالفا احتمل أن يكون ما فعله في حديث
[ 145 ]
مالك بن الحويرث لعلة كانت به فقعد لأجلها لا أن ذلك من سنة الصلاة انتهى وفيه أن الأصل عدم العلة وأن مالك بن الحويرث هو راوي حديث صلوا كما رأيتموني أصلي فحكاياته لصفات صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم داخلة تحت هذا الأمر ولم تتفق الروايات عن أبي حميد على نفي هذه الجلسة بل أخرجه أبو داود من وجه اخر بإثباتها كذا في فتح الباري قلت وكذلك أخرجه الترمذي بإثباتها كما تقدم ومنها أنها لو كانت لشرع لها ذكر مخصوص وفيه أنها جلسة خفيفة جدا استغنى فيها بالتكبير المشروع للقيام فإنها من جملة النهوض إلى القيام ومنها أنها لو كانت سنة لذكرها كل من وصف صلاته صلى الله عليه وسلم وفيه أن السنن المتفق عليها لم يستوعبها كل واحد ممن وصفع صلاته صلى الله عليه وسلم إنما أخذ مجموعها من مجموعهم والحاصل أن حديث مالك بن الحويرث حجة قوية لمن قال بسنيه جلسة الاستراحة وهو الحق والاعذار التي ذكرها الحنفية وغيرهم لا يليق أن يلتفت إليها قوله (حديث مالك بن الحويرث حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما وابن ماجه قوله (والعمل عليه عند بعض أهل العلم) وبه قال الشافعي وطائفة من أهل الحديث وإلى القول بها رجع أحمد كما تقدم تنبيه إعلم أنه قد ثبت أن الامام أحمد رجع عن القول بترك جلسة الاستراحة إلى القول بها قال ابن قدامة في المغنى واختلفت الرواية عن أحمد هل يجلس للاستراحة فروى عنه لا يجلس وهو اختيار الخرقى والرواية الثانية أنه يجلس واختارها الخلال قال الخلال رجع أبو عبد الله إلى هذا يعني ترك قوله بترك الجلوس لما روى مالك بن الحويرث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض متفق عليه وذكره أيضا أبو حميد في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو حديث حسن صحيح فيتعين العمل به والضمير إليه انتهى وكذلك في الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبي الفرج عبد الرحمن المقدسي وفيه والثانية أنه يجلس اختارها الخلال قال الخلال رجع أبو عبد الله عن قوله بترك الجلوس وقال الحافظ بن القيم في زاد المعاد قال الخلال رجع أحمد إلى حديث مالك بن الحويرث في جلسة الاستراحة انتهى وكذلك
[ 146 ]
في كثير من كتب الحنابلة وغيرهم ففي رجوع الامام أحمد عن القول بترك جلسة الاستراحة إلى القول بها لا شك فيه وقد نقل بعض الحنفية في تعليقاته على الترمذي رجوعه عن الحافظ ابن حجر وعن ابن القيم ثم قال وظني أن أحمد لم يرجع انتهى قلت مبني ظنه هذا ومنشؤوه ليس إلا التقليد فإنه إذا تمكن في قلب ورسخ فيه ينشأ منه كذلك ظنون فاسدة (وبه يقول أصحابنا) يعني أصحاب الحديث وقد تقدم في المقدمة أن الترمذي رحمه الله إذا قال أصحابنا يريد بهم أصحاب الحديث باب منه أيضا قوله (عن خالد بن إياس) بكسر الهمزة وخفة التحتية (ويقال خالد بن إلياس) قال الحافظ في التقريب خالد بن إلياس بن صخر بن أبي الجهم بن حذيفة أبو الهيثم العدوي المدني إمام المسجد النبوي متروك الحديث من السابعة وقال الذهبي في الميزان قال البخاري ليس بشئ وقال أحمد والنسائي متروك (عن صالح مولى التوأمة) بفتح المثناة الواو بعدها همزة مفتوحة قال الحافظ صدوق اختلط باخره قال ابن عدي لا بأس به برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج من الرابعة قوله (ينهض في الصلاة على صدور قدميه) أي بدون الجلوس والحديث قد استدل به من لم يقل بسنية جلسة الاستراحة لكن الحديث ضعيف لا يقوم بمثله الحجة فإن في سنده خالد بن إياس وهو متروك كما عرفت وأيضا فيه صالح مولى التوأمة وكان قد اختلط باخره كما عرفت قوله (حديث أبي هريرة عليه العمل عند أهل العلم يختارون أن ينهض الرجل في الصلاة على صدور قدميه) لو قال الترمذي عليه العمل عند بعض أهل العلم أو عند أكثر أهل العلم
[ 147 ]
لكان أولى فإنه قد قال في الباب المتقدم بعد رواية حديث مالك بن الحويرث والعمل عليه عند بعض أهل العلم وبه يقول أصحابنا واستدل من اختار النهوض في الصلاة على صدور القدمين بحديث الباب وقد عرفت أنه حديث ضعيف لا يصلح للاستدلال واستدلوا بأحاديث أخرى واثار فعلينا أن نذكرها مع الكلام عليها فمنها حديث عكرمة قال صليت خلف شيخ بمكة فكبر ثنتين وعشرين تكبيرة فقلت لابن عباس إنه أحمق فقال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم رواه البخاري قيل يستفاد منه ترك الجلسة الاستراحة وإلا لكانت التكبيرات أربعا وعشرين مرة لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وأجيب عنه بأن جلسة الاستراحة جلسة خفيفة جدا ولذلك لم يشرع فيها ذكر فهي ليست بجلسة مستقلة بل هي من جملة النهوض إلى القيام فكيف يستفاد من هذا الحديث ترك جلسة الاستراحة ولو سلم فدلالته على الترك ليس إلا بالإشارة وحديث مالك بن الحويرث يدل على ثبوتها بالعبارة ومن المعلوم أن العبارة مقدمة على الأشارة ومنها حديث أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه ثم كبر وخر ساجدا ثم كبر فرفع رأسه ثم كبر فانتهض قائما رواه أحمد قيل قوله ثم كبر فسجد ثم كبر فانتهض قائما يدل على نفي جلسة الاستراحة وأجيب عنه بأن في إسناده شهر بن حوشب قال الحافظ في التقريب كثير الارسال والأوهام انتهى ثم هذا الحديث ليس بصريح ينفي جلسة الاستراحة ولو سلم فهو إنما يدل على نفي وجوبها لا على نفي سنيتها ثم حديث مالك بن الحويرث أقوى وأصح وأثبت من هذا الحديث ومنها حديث أبي حميد الساعدي وفيه ثم كبر فسجد ثم كبر فقام ولم يتورك رواه أبو داود وأجيب عنه بأن أبا داود رواه بإسناد اخر صحيح والترمذي بإثبات جلسة الاستراحة وقال الترمذي حسن صحيح وقد تقدم لفظهما والمثبت مقدم على النافي
[ 148 ]
وأما الاثار فمنها أثر النعمان بن أبي عياش قال أدركت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا رفع رأسه من السجدة في أول ركعة والثالثة قام كما هو ولم يجلس رواه أبو بكر بن أبي شيبة والجواب عنه أن في إسناده محمد بن عجلان وهو مدلس ورواه عن النعمان بن عياش بالعنعنة على أن محمد بن عجلان سئ الحفظ وقد تفرد هو به وروى عنه أبو خالد الأحمر وهو أيضا سيئ الحفظ ومنها أثر ابن مسعود رواه الطبراني في الكبير والبيهقي في السنن الكبرى عن عبد الرحمن بن يزيد قال رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس قال ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة والجواب عنه أن البيهقي قال في السنن الكبرى بعد ذكر هذا الأثر وهو عن ابن مسعود صحيح ومتابعة السنة أولى انتهى كذا في الجوهر النقي ص 741 ج 1 قلت وترك ابن مسعود رضي الله عنه جلسة الاستراحة إنما يدل على عدم وجوبها لا على نفي سنيتها ومنها ما أخرج البيهقي عن عطية العوفي قال رأيت ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وأبا سعيد الخدري يقومون على صدور أقدامهم في الصلاة والجواب أن البيهقي قال بعد إخراج هذا الأثر وعطية لا يحتج به انتهى وقال الذهبي في الميزان عيطة بن سعد العوفي الكوفي تابعي شهير ضعيف انتهى باب ما جاء في التشهد قوله (التحيات) جمع تحية ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الافات والنقص وقيل الملك قال المحب الطبري يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين هذه المعاني وقال الخطابي والبغوي المراد بالتحيات لله أنواع التعظيم له (والصلوات) قيل المراد الخمس أو ما هو أعم من ذلك من الفرائض والنوافل في كل شريعة وقيل العبادات كلها وقيل
[ 149 ]
المراد الرحمة وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادة الفعلية والطيبات الصدقات المالية (والطيبات) أي ما طاب من الكلام وحسن أن يثنى به على الله تعالى دون ما لا يليق بصفاته مما كان الملوك يحيون به وقيل الطيبات ذكر الله وقيل الأقوال الصالحة كالدعاء والثناء وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم قال ابن دقيق العيد إذا حملت التحية على السلام فيكون التقدير التحيات التي تعظم بها الملوك مستمرة لله تعالى وإذا حمل على البقاء فلا شك في اختصاص الله به وكذلك الملك الحقيقي والعظمة التامة وإذا حملت الصلاة على العهد أو الجنس كان التقدير أنها لله واجبة لا يجوز أن يقصد بها غيره وإذا حملت على الرحمة فيكون معنى قوله لله أنه المتفضل بها لأن الرحمة التامة لله يؤتيها من يشاء وإذا حملت على الدعاء فظاهر وأما الطيبات فقد فسرت بالأقوال ولعل تفسيرها بما هو أعم أولى فتشمل الأفعال والأقوال والأوصاف وطيبها كونها كاملة خالصة عن الشوائب (السلام عليك أيها النبي) فإن قيل كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهيا عنه في الصلاة فالجواب أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم فإن قيل ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب في قوله عليك أيها النبي مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق كأن يقول السلام على النبي فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي ثم إلى تحية النفس ثم إلى تحية الصالحين أجاب الطيبي بما محصله نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة قاله الحافظ في الفتح قال وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة ففي الاستيذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال وهو بين أظهرنا فلما قبض قلنا السلام يعني على النبي كذا وقع في البخاري وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسارج والجوزقي وأبو نعيم الأصبحاني والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري فيه بلفظ فلما قبض قلنا السلام على النبي بحذف لفظ يعني وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم قال وقد وجدت له متابعا قويا قال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي صلى الله عليه وسلم حي السلام عليك أيها النبي فلما مات قالوا السلام على النبي وهذا إسناد صحيح انتهى (ورحمة الله) أي إحسانه (وبركاته) أي زيادته من كل خير (السلام علينا) استدل به على استحباب البداءة بالنفس في الدعاء وفي الترمذي مصححا عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه وأصله ومنه قول نوح وإبراهيم عليها السلام كما في التنزيل (وعلى عباد الله الصالحين) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه
[ 150 ]
من حقوق الله وحقوق عباده وتتفاوت درجاته قال الحكيم الترمذي من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبدا صالحا وا حرام هذا الفضل العظيم كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي موسى وعائشة أما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود والدارقطني) والطبراني وأما حديث جابر فأخرجه النسائي وابن ماجه والحاكم ورجاله ثقات كذا في النيل وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأما حديث عائشة فأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي ورجح الدارقطني وقفه قاله في النيل قوله (حديث ابن مسعود قد روى عنه من غير وجه هو أصح حديث الخ) قال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال هو عندي حديث ابن مسعود وروى من نيف وعشرين طريقا ثم سرد أكثرها وقال لا أعلم في التشهد أثبت منه ولا أصح أسانيد ولا أشهر رجا ذكره الحافظ وقال لا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك ومن رجحانه أنه متفق عليه دون غيره وأن الرواة عنه الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره وأنه تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم تلقينا ففي رواية للطحاوي أخذت التشهد من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقنيه كلمة كلمة ثم ذكر الحافظ وجوها أخر لرجحانه قوله (وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة واختار مالك وأصحابه تشهد عمر لكونه علمه للناس وهو على المنبر ولم ينكروه فيكون إجماعا ولفظه نحو حديث ابن عباس إلا أنه قال الزاكيات بدل المباركات وكأنه بالمعنى واختار الشافعي تشهد ابن عباس وقال بعد أن أخرج حديث ابن عباس رويت أحاديث في التشهد مختلفة وكان هذا أحب إلى أنه أكملها وقال في موضع اخر وقد سئل عن اختياره تشهد ابن عباس لما رأيته واسعا
[ 151 ]
وسمعته عن ابن عباس صحيحا كان عندي أجمع وأكثر لفظا من غيره وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح ذكره الحافظ وقال ثم إن هذا الاختلاف إنما هو الأفضل وكلام الشافعي المتقدم على ذلك انتهى قلت لا شك في أن حديث ابن مسعود أرجح من جميع الأحاديث المروية في التشهد فالأخذ به هو الأولى والله تعالى أعلم باب منه أيضا قوله (التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله) المباركات جمع مباركة معناها كثيرة الخير وقيل النماء قال النووي تقديره والمباركات والصلوات والطيبات كما في حديث ابن مسعود وغيره ولكن حذفت الواو اختصارا وهو جائز معروف في اللغة (سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا) كذا وقع في هذا الكتاب سلام عليك وسلام علينا بغير الألف واللام والحديث رواه مسلم في صحيحه السلام عليك السلام علينا بالألف واللام قال النووي يجوز فيه وفيما بعدها حذف اللام وإثباتها وا ثبات أفضل وهو الموجود في روايات الصحيحين قال الحافظ في الفتح لم يقع في شئ من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف ذلك في حديث ابن عباس وهو من أفراد مسلم قوله (الرؤاسي) بضم راء فهمزة وسين مهملة منسوب إلى رؤاس بن كلاب كذا في
[ 152 ]
المغنى قوله (وروى أيمن بن نابل) بنون وموحدة (عن أبي الزبير عن جابر) وأما الليث وعبد الرحمن بن حميد فرويا عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاووس عن ابن عباس (وهو غير محفوظ) قال الحافظ في التلخيص أيمن بن نابل رواية عن أبي الزبير أخطأ في إسناده وخالفه الليث وهو من أوثق الناس في أبي الزبير فقال عن أبي الزبير عن طاووس وسعيد بن جبير عن ابن عباس قال حمزة الكناني قوله عن جابر خطأ ولا أعلم أحدا قال في التشهد بسم الله وبالله إلا أيمن وقال الدارقطني ليس بالقوي خالف الناس ولو لم يكن إلا حديث التشهد وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال خطأ وقال النسائي لا نعلم أحدا تابعه وهو لا بأس به لكن الحديث خطأ انتهى باختصار باب ما جاء أنه يخفى التشهد قوله (يونس بن بكير) بن واصل الشيباني أبو بكر الجمال الكوفي صدوق يخطئ قاله الحافظ وقال الخزرجي قال ابن معين ثقة وضعفه النسائي وقال أبو داود ليس بحجة يأخذ كلام ابن إسحاق فيوصله روى له مسلم متابعة قوله (من السنة) قال الطيبي إذا قال الصحابي من السنة كذا فهو في الحكم كقوله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء وجعل بعضهم موقوفا وليس بشئ انتهى
[ 153 ]
قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن غريب) والحديث رواه أبو داود والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط مسلم قلت في سنده يونس بن بكير وقد عرفت حاله وفيه محمد بن إسحاق وهو مدلس باب كيف الجلوس في التشهد قوله (أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد قوله (افترش رجله اليسرى) وفي رواته الطحاوي وسعيد بن منصور فرش قدمه اليسرى على الأرض وجلس عليها والحديث قد احتج به القائلون باستحباب الافتراش في التشهدين وأجيب بأن هذا الحديث مطلق وحديث أبي حميد الاتي مقيد فيحمل المطلق على المقيد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل
[ 154 ]
الكوفة) قال النووي اختلف العلماء في أن الأفضل في الجلوس في التشهدين التورك أم الافتراش فمذهب مالك وطائفة تفضيل التورك يهما ومذهب أبي حنيفة وطائفة تفضيل الافتراش فيهما ومذهب الشافعي وطائفة يفترش في الأول ويتورك في الأخير الحديث أبي حميد الساعدي ورفقته في صحيح البخاري وهو صريح في الفرق بين التشهدين قال الشافعي والأحاديث الواردة بتورك أو افتراش مطلقة لم يبين فيها أنه في التشهدين أو في أحدهما وقد بينه أبو حميد ورفقته ووصفوا الافتراش في الأول والتورك في الأخير وهذا مبين فوجب حمل ذلك المجمل عليه والله أعلم انتهى كلام النووي وقال الحافظ في الفتح فيه قول أحمد والمشهور عنه اختصاص التورك بالصلاة التي فيها التشهدان انتهى قلت استدل لما ذهب إليه مالك ومن معه بما رواه مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد فنصب رجله اليمنى وثنى رجله اليسرى وجلس على وركه الأيسر ولم يجلس على قدمه ثم قال أراني هذا عبيد الله بن عبد الله بن عمر وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك والجواب أن هذا معارض بما رواه النسائي من طريق عمرو بن الحارث عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عمر عن أبيه قال من سنة الصلاة أن ينصب اليمنى ويجلس على اليسرى فيحمل ما رواه مالك على التشهد الأخير وما رواه النسائي على التشهد الأول دفعا للتعارض واستدل للشافعي ومن معه بحديث أبي حميد الساعدي قال أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى فإذا جلس في الركعة الاخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته رواه البخاري قال الحافظ في الفتح في رواية عبد الحميد حتى إذا كانت السجدة التي يكون فيها التسليم وفي رواية عند ابن حبان التي تكون خا تمة الصلاة أخرج رجله اليسرى وقعد متوركا على شقه الأيسر قال وفي هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير وقد قيل في حكمة المغايرة بينهما إنه أقرب إلى عدم اشتباه عدد الركعات ولأن الأول تعقبه حركة بخلاف الثاني ولأن المسبوق إذا راه علم قدر ما سبق به واستدل به
[ 155 ]
الشافعي أيضا على أن تشهد الصبح كالتشهد الأخير من غيره لعموم قوله في الركعة الأخيرة انتهى كلام الحافظ واستدل لما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه من تفضيل الافتراش في التشهدين بحديث وائل بن حجر المذكور في هذا الباب والجواب أنه محمول على التشهد الأول بحديث أبي حميد الساعدي المذكور لما رواه النسائي في باب موضع اليدين عند الجلوس للتشهد الأول عن وائل بن حجر قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يرفع يديه إذا افتتح الصلاة الحديث وفيه وإذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى إلخ وبحديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة الحديث وفيه وكان يقول في كل ركعتين التحيات وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى وكان ينهى عن عقبة الشيطان رواه مسلم والجواب أن هذا الحديث محمول على التشهد الأول جمعا بين الأحاديث وأما قول ابن التركماني بأن اطلاقه يدل على أن ذلك كان في التشهدين بل هو في قوة قولها وكان يفعل ذلك في التشهدين إذ قولها أو وكان يقول في كل ركعتين التحيات يدل على هذا التقرير ففيه وإن اطلاقه وإن كان يدل على ما قال لكن حمله على التشهد الأول متعين جمعا بين الأحاديث على أن حديث أبي حميد الساعدي المذكور نص صريح في ثبوت التورك في التشهد الثاني وحديث عائشة ليس بنص في نفيه بل غاية ما يقال إنه يدل بظاهره على نفي التورك وقد تقرر في مقره أن النص يقدم على الظاهر عند التعارض وبحديث ابن عمر قال من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعه القبلة والجلوس على اليسرى رواه النسائي قلت تقدم الجواب عن هذا الحديث انفا فتذكر والحاصل أنه ليس نص صريح فيما ذهب إليه مالك ومن معه ولا فيما ذهب إليه أبو حنيفة ومن معه وأما ما ذهب إليه الشافعي ومن معه ففيه نص صريح فهو المذهب الراجح تنبيه اعلم أن صاحب الهداية من الحنفية أجاب عن حديث أبي حميد الساعدي بأنه ضعفه الطحاوي أو يحمل على الكبر قلت جوابه هذا ليس مما يصغي إليه قال الحافظ في الدراية قوله والحديث يعني حديث أبي حميد ضعفه الطحاوي أو يحمل على حالة الكبر أما تضعيف الطحاوي فمذكور في شرحه بما لا يلتفت إليه وأما الحمل فلا يصح لأن أبا حميد وصف صلاته التي واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 156 ]
ووافقه عشرة من الصحابة ولم يخصوا ذلك بحال الكبر والعبرة بعموم اللفظ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى كلام الحافظ وقد أنصف صاحب التعليق الممجد من الحنفية حيث قال في تلعيقه على موطأ محمد المسمى بالتعليق الممجد وحمل أصحابنا هذا يعني أبي حميد الساعدي على العذر وعلى بيان الجواز وهو حمل يحتاج إلى دليل وما الطحاوي إلى تضعيفه وتعقبه البيهقي وغيره في ذلك بما لا مزيد عليه وذكر قاسم بن قطلوبغا في رسالته الأسوس في كيفية الجلوس في إثبات مذهب الحنفية أحاديث كحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى وحديث وائل صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قعد وتشهد فرش رجله اليسرى أخرجه سعيد بن منصور وحديث المسئ صلاته أنه قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا جلست فاجلس على فخذك اليسرى أخرجه أحمد وأبو داود وحديث ابن عمر من سنة الصلاة إلخ ولا يخفى على الفطن أن هذه الأخبار وأمثالها لا تدل على مذهبنا صريحا بل يحتمله وغيره وما كان منها دا صريحا لا يدل على كونه في جميع القعدات على ما هو المدعي وا نصاف أنه لم يوجد حديث يدل صريحا على استنان الجلوس على الرجل اليسرى في القعدة الأخيرة وحديث أبي حميد مفصل فليحمل المبهم على المفصل انتهى باب منه أيضا قوله (أخبرنا فليح بن سليمان) بن أبي المغيرة المدني ويقال فليح لقب واسمه عبد الملك صدوق كثير الخطأ (أخبرنا عباس بن سهل الساعدي) ثقة قوله (فافترش رجله اليسرى وأقبل بصدر اليمنى على قبلته) هذه الجلسة هي جلسة التشهد الأول بديل حديث أبي حميد الذي رواه البخاري فإنه وصف فيه هيئة الجلوس الأول بهذه الصفة ثم وصف بعدها هيئة الجلوس الاخر فذكر التورك وقد تقدم لفظه ورواه الترمذي في هذا الباب مختصرا ورواه في باب وصف الصلاة مطو وفي اخره حتى كانت الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا ثم سلم
[ 157 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يقعد في التشهد الاخر على وركه) قال في القاموس الورك بالفتح والكسر وككيف ما فوق الفخذ مؤنثة ج أوراك وورك يرك وركا وتورك وتوارك اعتمد على وركه انتهى وقد تقدم أن المشهور عن أحمد اختصاص التورك بالصلاة التي فيها تشهدان (واحتجوا بحديث أبي حميد) أي بحديثه المطول الاتي في باب وصف الصلاة وهو احتجاج قوي لمن قال بسنية التورك في الجلسة الأخيرة وهو القول الراجح وأما قول من قال الحنفية كصاحب الهداية إنه ضعيف أو إنه محمول على حالة الكبر أو على حالة الكبر أو على حالة العذر فهو مما لا يلتفت إليه كما عرفت في الباب المتقدم باب ما جاء في الاشارة في التشهد قوله (كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته ورفع إصبعه) ظاهره أن
[ 158 ]
رفع الاصبع كان في ابتداء الجلوس (التي تلي الابهام) وهي المسبحة (يدعو بها) أي يشير بها (باسطها عليه) بالنصب أي حال كونه باسطايده على ركبته اليسرى من غير رفع إصبع وفي رواية مسلم باسطها عليها وهو الظاهر واعلم أنه قد ورد في وضع اليد اليمنى على الفخذ حال التشهد هيئات هذه إحداها وليس في هذا الحديث ذكر قبض الأصابع وكذلك أخرج مسلم من حديث ابن الزبير وكذلك أخرج أبو داود والترمذي من حديث أبي حميد بدون ذكر القبض والظاهر أن تحمل هذه الأحاديث على الأحاديث التي فيها ذكر القبض والثانية أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويرسل المسبحة ويضم الابهام إلى أصل المسبحة هو عقد ثلاثة وخمسين كما أخرج مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى وعقد ثلاثا وخمسين وأشار بالسبابة قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث وصورتها أن يجعل الابهام معترضة تحت المسبحة انتهى والثالثة أن يعقد الخنصر والبنصر ويرسل السبابة ويحلق الابهام والوسطى كما أخرج أبو داود والنسائي من حديث وائل بن حجر في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه الأيمن على فخذه اليمنى وقبض ثنتين وحلق حلقة وأشار بالسبابة والرابعة قبض الأصابع كلها وا شارة بالسبابة ما روي مسلم من حديث ابن عمر مرفوعا كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الابهام قال الزيلعي الأخبار وردت بها جميعا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع مرة هكذا مرة هكذا وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام الظاهر أنه مخير بين هذه الهيئات انتهى فجعل الحافظ ابن القيم في زاد المعاد هذه الروايات كلها واحدة وتكلف في بيان توحيدها والحق ما قال الرافعي ومحمد بن إسماعيل الأمير
[ 159 ]
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن غريب الخ) وأخرجه مسلم قوله (والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين يختارون الاشارة في التشهد هو قول أصحابنا) المراد بقوله أصحابنا أهل الحديث رحمهم الله تعالى كما حققناه في المقدمة وكان الترمذي أن يقول والعمل عليه عند أهل العلم أو عند عامة أهل العلم فإنه لا يعرف في هذا خلاف السلف قال محمد في موطأه بعد ذكر حديث ابن عمر في الاشارة وبصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم نأخذ وهو قول أبي حنيفة انتهى قال علي القاري وكذا قول مالك والشافعي وأحمد ولا يعرف في المسألة خلاف السلف من العلماء وإنما خالف فيها بعض الخلف في مذهبنا من الفقهاء انتهى وقال صاحب التعليق الممجد من العلماء الحنفية أصحابنا الثلاثة يعني أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا اتفقوا على تجويز الاشارة لثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بروايات متعددة وقد قال به غير واحد من العلماء حتى قال ابن عبد البر إنه لا خلاف في ذلك وإلى الله المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا من أصحاب الفتاوى كصاحب الخلاصة وغيره حيث ذكروا أن المختار عدم الأشارة بل ذكر بعضهم أنها مكروهة فالحذر الحذر من الاعتماد على قولهم في هذه المسألة انتهى تنبيه قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا يشير عند قوله إلا الله من الشهادة انتهى وقال صاحب سبل السلام موضع الاشارة عند قوله لا إله إلا الله لما رواه البيهقي من فعل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقال الطيبي في شرح قوله وأشار بالسبابة في حديث ابن عمر أي رفعها عند قوله إلا الله ليطابق القول الفعل على التوحيد انتهى وقال علي القاري في المرقاة بعد ذكر قول الطيبي هذا وعندنا يعني الحنفية يرفعها عند لا إله ويضعها عند إلا الله لمناسبة الرفع للنفي وملاءمة الوضع للإثبات ومطابقة بين القول والفعل حقيقة انتهى قلت ظاهر الأحاديث يدل على الاشارة من ابتداء الجلوس ولم أر حديثا صحيحا يدل على ما قال الشافعية والحنفية وأما ما رواه البيهقي من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقف عليه ولم يذكر صاحب السبل سنده ولا لفظه فالله تعالى أعلم كيف حاله
[ 160 ]
تنبيه اخر قد جاء في تحريك السبابة حين الاشارة حديثان مختلفان فروى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن الزبير قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه إذا دعا ولا يحركها قال النووي إسناده صحيح فهذا الحديث يدل صراحة على عدم التحريك وهو قول أبي حنيفة وحديث وائل بن حجر يدل على التحريك وهو مذهب مالك قال البيهقي يحتمل أن يكون المراد بالتحريك الاشارة بها لا تكرير تحريكها حتى يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ كان يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته قال الشوكاني في النيل ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي رواية أبي داود لحديث وائل فإنها بلفظ وأشار بالسبابة انتهى فائدة السنة أن لا يجاوز بصره إشارته كما في حديث ابن الزبير المذكور انفا ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص وقال ابن رسلان والحكمة في الاشارة بها أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد باب ما جاء في التسليم في الصلاة قوله (عن عبد الله) هو ابن مسعود رضي الله عنه (كان يسلم عن يمينه) قال الطيبي أي مجاوزا نظره عن يمينه كما يسلم أحد على من في يمينه (وعن يساره) فيه مشروعية أن يكون التسليم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة اليسار وزاد أبو داود حتى يرى بياض خده وفيه دليل على مبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار (السلام عليكم الخ) إما حال مؤكدة أي يسلم قائ السلام عليكم أو جملة استئنافية على تقدير ماذا كان يقول قوله (وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وابن عمر وجابر بن سمرة والبراء وعمار
[ 161 ]
ووائل بن حجر وعدي بن عميرة وجابر بن عبد الله) أما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه مسلم بلفظ قال كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى أرى بياض خده وأما حديث ابن عمر فأخرجه البيهقي مرفوعا بلفظ كان يسلم عن يمينه وعن يساره وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأما حديث البراء فأخرجه الدارقطني في سننه بلفظ أن النبي صلى ا لله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين وفيه حريث بن أبي عطر تكلم فيه البخاري وغيره وأما حديث عمار فأخرجه الدارقطني وابن ماجه وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه أبو داود قال صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله وعن شماله السلام عليكم ورحمة الله قال النووي في الخلاصة إسناده صحيح وأما حديث عدي بن عميرة فأخرجه ابن ماجه قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن وأما حديث جابر بن عبد الله فلينظر من أخرجه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الحافظ في التلخيص والزيلعي في نصب الراية من شاء الوقوف عليها فليرجع إليهما قوله (حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح) قال في التلخيص أخرجه الأربعة والدارقطني وابن حبان وله ألفاظ وأصله في صحيح مسلم من طريق أبي معمر أن أميرا كان بمكة يسلم تسليمتين فقال عبد الله يعني ابن مسعود أني علقها من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله وقال العقيلي والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في تسليمتين ولا يصح في تسلمية واحدة قوله (والعمل عليه) أي على ما يدل عليه حديث ابن مسعود من أن المسنون في الصلاة تلسيمتان (عن أكثر أهل العلم الخ) وهو القول الراجح المنصور المعول عليه
[ 162 ]
باب منه أيضا قوله (عن زهير بن محمد) قال الحافظ في التقريب زهير بن محمد التيمي أبو المنذر سكن الشام ثم الحجاز ورواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها قال البخاري عن أحمد كان زهيرا الذي يروى عنه الشاميون اخر وقال أبو حاتم حدث بالشام من حفظه فكثر غلطله انتهى قوله (كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه) فيه دلالة على مشروعية التسليمة الواحدة في الصلاة لكن الحديث ضعيف فإنه رواه عن زهير بن محمد عمرو بن أبي سلمة وهو شامي ورواية أهل الشام عنه ضعيفة وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح أما رواية عمرو بن أبي سلمة التنيسي يعين عن زهير بن محمد فبواطيل انتهى وقال في الفتح ذكر العقيلي وابن عبد البر كن حديث التسليمة الواحدة معلول وبسط بن عبد البر الكلام على ذلك انتهى قوله (وفي الباب عن سهل بن سعد) أخرجه ابن ماجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه وفي إسناده عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وقد قال البخاري إنه منكر الحديث وقال النسائي متروك كذا في النيل وفي الباب أحاديث أخرى كلها ضعيفة ذكرها الزيلعي في نصب الراية مع بيان ضعفها قوله (وحديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه) والحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك وقال على شرط الشيخين قال صاحب التنقيح وزهير بن محمد وإن كان من رجال الصحيحين لكن له مناكير وهذا الحديث منها قال أبو حاتم هو حديث منكر والحديث
[ 163 ]
أصله الوقف على عائشة هكذا رواه الحفاظ انتهى وقال النووي في الخلاصة هو حديث ضعيف ولا يقبل تصحيح الحاكم له وليس في الاقتصار على تسليمة واحدة شئ ثابت انتهى كذا في نصب الراية قوله (ورواية أهل العراق أشبه) أي رواية أهل العراق عن زهير بن محمد أشبه بالصواب والصحة (كأن) من الحروف المشبهة بالفعل (والذي كان وقع عندهم) أي عند أهل الشام (ليس هو هذا الذي يروى عنه بالعراق) أي يروى الناس عنه في العراق فقوله يروى بصيغة المجهول قوله (وقد قال به بعض أهل العلم في التسليم في الصلاة) يعني قال بالتسليم الواحد في الصلاة قال الشوكاني في النيل وذهب إلى أن المشروع تسليمة واحدة ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكرع وعائشة من الصحابة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز من التابعين ومالك والأوزاعي وا مامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم قال والحق ما ذهب إليه الأولون يعني القائلين بالتسلمتين لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة وكونها مثبتة بخلاف الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج ولو سلم أنتهاضها لم تصلح لمعارضته أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة انتهى كلام الشوكاني قوله (قال الشافعي إن شاء سلم تسليمة واحدة وإن شاء تسليمتين) كذا قال
[ 164 ]
الترمذي وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث سعد رضي الله عنه قال كنت أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره إلخ فيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من السلف والخلف أنه يسن تسليمتان انتهى فكلام النووي هذا خلاف ما حكاه الترمذي عن الشافعي فالظاهر أن للشافعي في هذه المسألة قولين باب ما جاء أن حذف السلام سنة قال ابن الأثين حذف السلام هو تخفيفه وترك الاطالة فيه يدل عليه حديث النخعي التكبير جزم والسلام جزم فإنه إذا جزم السلام وقطعه فقد خففه وحذفه انتهى قوله (والهقل بن زياد) بكسر أوله وسكون القاف ثم لام قيل هو لقب واسمه محمد أو عبد الله وكان كاتب الأوزاعي ثقة كذا في التقريب قوله (حذف السلام بفتح الماء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها فاء هو ما نقل الترمذي عن ابن المبارك) أي تمده مدا يعني يترك الاطالة في لفظه ويسرع فيه وقال ابن سيد الناس قال العلماء يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمده مدا لا أعلم في ذلك خلافا بين العلماء انتهى (سنة) قال ابن سيد الناس وهذا مما يدخل في المسند عند أهل الحديث أو أكثرهم وفيه خلاف عند الأصوليين معروف انتهى (وقال ابن المبارك يعني أن تمده مدا) وقد أسند الحاكم عن أبي عبد الله أنه سئل عن حذف السلام فقال لا يمد كذا في المقاصد الحسنة للسخاوي قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن خزيمة والحاكم قال الحافظ في
[ 165 ]
التلخيص وقال الدارقطني في العلل الصواب موقوف وهو من رواية قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف اختلف فيه انتهى قوله (التكبير جزم والسلام جزم) أي لا يمدان ولا يعرب أواخر حروفهما بل يسكن فيقال الله أكبر السلام عليكم ورحمة الله والجزم القطع منه سمى جزم الاعراب وهو السكون كذا في النهاية لأبن الأثير الجزري وقال الحافظ في التلخيص صفحة 48 حذف السلام الاسراع به وهو المراد بقوله جزم وأما ابن الأثير في النهاية فقال معناه أن التكبير والسلام لا يمدان ولا يعرب التكبير بل يسكن اخره وتبعه المحب الطبري وهو مقتضى كلام الرافعي في الاستدلال به على أن التكبير جزم لا يمد قال الحافظ وفيه نظر لأن استعمال لفظ الجزم في مقابل الاعراب اصطلاح حادث لأهل العربية فكيف يحمل عليه الألفاظ النبوية انتهى ما في التلخيص تنبيه قال الرافعي في شرح الوجيز روى أنه روى أنه صلى الله عليه وسلم قال التكبير جزم والسلام جزم قال الحافظ في التلخيص لا أصل له بهذا اللفظ وإنما هو قول إبراهيم النخعي حكاه الترمذي عنه انتهى وقال السخاوي في المقاصد الحسنة حديث التكبير جزم لا أصل له في المرفوع مع وقوعه في كتاب الرافعي وإنما هو حق من قول إبراهيم النخعي حكاه الترمذي في جامعه ومن جهته رواه سعيد بن منصور في سننه بزيادة والقراءة جزم والأذان جزم وفي لفظ عنه كانوا يحزمون التكبير انتهى باب ما يقول إذا سلم من الصلاة قوله (عن عبد الله بن الحارث) البصري تابعي روى عن عائشة وأبي هريرة وعنه عاصم الأحول وغيره وثقه أبو زرعة والنسائي قوله (إذا سلم لا يقعد إلا مقدار ما يقول الخ) أي في بعض الأحيان فإنه قد ثبت قعوده
[ 166 ]
صلى الله عليه وسلم بعد السلام أزيد من هذا المقدار (اللهم أنت السلام) هو من أسماء الله تعالى أي أنت السليم من المعائب والافات ومن كل نقص (ومنك السلام) هذا بمعنى السلامة أي أنت تعطي السلامة وتمنعها قال الشيخ الجزري في تصحيح المصابيح وأما ما يزداد بعد قوله ومنك السلام وإليك يرجع السلام فحينا ربنا بالسلام وأدخلنا دارك السلام فلا أصل له بل مختلق بعض القصاص كذا في المرقاة (تباركت) من البركة وهي الكثرة والنماء أي تعاظمت إذا كيرت صفات الملك جلالك وكمالك (ذا الجلال والأكرام) أي يا ذا الجلال بحذف حرف النداء والجلال العظمة وا كرام الاحسان (وقال تباركت يا ذا الجلال وا كرام) أي قال هناد في روايته يا ذا الجلال وا كرام بزيادة لفظ يا قوله (وفي الباب عن ثوبان وابن عمر وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة والمغيرة ابن شعبة) أما حديث ثوبان فأخرجه الجماعة إلا البخاري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال اللهم أنت السلام منك السلام تباركت يا ذا الجلال والأكرام وأما حديث ابن عمر فأخرجه الخمسة وصححه الترمذي كذا في المنتقى قلت أخرجه الترمذي في الدعوات وأما حديث ابن عباس فأخرجه الشيخان قال كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة قال قلنا لأبي سعيد هل حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا كان يقوله بعد ما سلم قال نعم كان يقول سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات انتهى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قال إن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا قد ذهب أهل الدثور بالدرجات العى الحديث وأما حديث المغيرة بن شعبة فأخرجه الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحديث
[ 167 ]
قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول بعد التسليم لا إله إلا الله إلخ) أخرجه الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة بدون لفظ يحيى ويميت قال الحافظ في الفتح زاد الطبراني من طريق أخرى عن المغيرة يحيي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير إلى قدير ورواته موثقون وثبت مثه عند البزار من حديث عبد الرحمن بن عوف بسند صحيح لكن في القول إذا أصبح وإذا أمسى انتهى (لا ينفع ذا الجد منك الجد) بفتح الجيم في اللفظين أي لا ينفع صاحب الغنى منك غناه وإنما ينفعه العمل الصالح قال الحافظ في الفتح قال الخطابي الجد الغنى ويقال الحظ قال ومن في قوله منك بمعنى البدل قال الشاعر فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على الظمان بريد ليت لنا بدل ما زمزم انتهى وفي الصحاح معنى منك هنا عندك أي لا ينفع ذا الغنى عندك غناه إنما ينفعه العمل الصالح وقال ابن التين الصحيح عندي أنها ليست بمعنى البدل ولا عند بل هو كما تقول ولا ينفعك مني شئ إن أنا أردتك بسوء ولم يظهر من كلامه معنى ومقتضاه أنها بمعنى عند أوفيه حذف تقديره من قضائي أو سطوتي أو عذابي واختار الشيخ جمال الدين في المغنى الأول قال والجد مضبوط في جميع الروايات بفتح الجيم ومعناه الغنى أو الحظ وقال النووي الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه بالفتح وهو الحظ في الدنيا بالمال أو الولد أو العظمة أو السلطان والمعنى لا ينجيه حظه منك وإنما ينجيه فضلك ورحمتك انتهى كلام الحافظ ملخصا قلت فالجد بفتح الجيم الراجح المعول عليه وأما الجد بكسر الجيم فقد حكى عن أبي عمر والشيباني أنه رواه بالكسر قال القرطبي ولا يستقيم معناه هنا إلا بتكليف قيل معناه لا ينفع ذا الاجتهاد وأنكره الطبري وقال القزاز في توجيه إنكاره الاجتهاد في العمل نافع لأن الله تعالى قد دعا الخلق إلى ذلك فكيف لا ينفع عنده قال فيحتمل أن يكون المراد أنه لا ينفع الاجتهاد في طلب الدنيا وتضييع أمر الاخرة وقيل لعل المراد أنه لا ينفع بمجرده ما لم يقارنه القبول وذلك لا يكون إلا بفضل ورحمته
[ 168 ]
قوله (وروى أنه كان يقول سبحان ربك إلخ) أخرجه أبو يعلى كما عرفت (رب العزة) أي الغلبة بدل من ربك (عما يصفون) بأن له ولدا (وسلام على المرسلين) أي المبلغين عن الله التوحيد والشرائع (والحمد لله رب العالمين) على نصرهم وهلاك الكافرين قوله (أخبرنا شداد أبو عمار) هو شداد بن عبد الله القرشي الدمشقي ثقة (قال حدثني أبو أسماء الرحبي) اسمه عمر بن مرثد ويقال اسمه عبد الله من الثالثة مات في خلافه عبد الملك كذا في التقريب قوله (إذا أراد أن ينصرف من صلاته) وفي رواية مسلم إذا انصرف من صلاته قال النووي المراد بالانصراف السلام (استغفر ثلاث مرات) قال مسلم في صحيحه بعد رواية هذا الحديث قال الوليد فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار قال يقول أستغفر الله أستغفر الله وقد استشكل استغفاره صلى الله عليه وسلم مع أنه مغفور له قال ابن سيد الناس هو وفاء بحق العبودية وقيام بوظيفة الشكر كما قال أفلا أكون عبدا شكورا وليبين للمؤمنين سنته فع كما بينها قو في الدعاء والضراعة ليقتدي به في ذلك انتهى (أنت السلام) وفي رواية غير التمرمذي اللهم أنت السلام قوله (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري فائدة قال الحافظ بن القيم في زاد المعاد وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم أصلا ولا روى عنه بإسناد صحيح ولا حسن وأما تخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه ولا أرشد إليه أمته وإنما هو إستحسان راه من راه عوضا من السنة بعدهما والله أعلم وعامة الأدعية المتعلقة
[ 169 ]
بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها وهذا هو اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة وزاد ذلك الموقف بين يديه والقرب منه فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه وا قبال عليه ثم يسأل إذا انصرف عنه ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلى إلا أن ههنا نكتة لطيفة وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو ما شاء يكون دعاءه عقيب هذه العبادة الثانية لا لكونه دبر الصلاة فإن كل من ذكر الله وحمده وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم استجيب له الدعاء عقيب ذلك كما في حديث فضالة بن عبيد إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بما شاء قال الترمذي حديث صحيح انتهى كلام ابن القيم وتعقبه الحافظ بن حجر كما نقله القسطلاني في المواهب بقوله ما ادعاه من النفي مطلقا مردود فقد ثبت عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له يا معاذ والله إني لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن نقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك أخرجه أبو داود النسائي وحديث زيد بن أرقم سمعته صلى الله عليه وسلم يدعو في دبر الصلاة اللهم ربنا ورب كل شئ أخرجه أبو داود والنسائي وحديث صهيب رفعه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من الصلاة يقول اللهم أصلح لي ديني الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن حبان وغير ذلك فإن قيل المراد بدبر الصلاة قرب اخرها وهو التشهد قلت قدورد الأمر بالذكر دبر الصلاة والمراد به بعد السلام إجماعا فكذا هذا حتى يثبت ما يخالفه وقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل أي الدعاء أسمع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات وأخرج الطبراني من رواية جعفر بن محمد الصادق قال الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة وفهم كثير من الحنابلة أن مراد القيم نفي الدعاء بعد الصلاة مطلقا وليس كذلك فإن حاصل كلامه أنه نفاه بقيد استمرار المصلى القبلة وإيراده عقب السلام وأما إذا نفل بوجهه أو قدم الأذكار المشروعة فلا يمنع عنده الاتيان بالدعاء حينئذ انتهى كلامه قلت لا ريب في ثبوت الدعاء بعد الانصراف من الصلاة المكتوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وقد ذكره الحافظ بن القيم أيضا في زاد المعاد حيث قال في فصل ما كان رسول الله صى الله عليه وسلم يقول بعد انصرافه من الصلاة ما لفظه وقد ذكر أبو حاتم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند
[ 170 ]
إنصرافه من صلاته اللهم لهم أصلح لي ديني الذي جعلته عصمة أمري واصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد وذكر الحاكم في مستدركه عن أبي أيوب أنه قال ما صليت وراء نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته حين ينصرف من صلاته يقول اللهم اغفر خطاياي وذنوبي كلها اللهم ابعثني واحيني وارزقني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق إنه لا يهدي لصالحها ولا يصرف إلا أنت وذكر ابن حبان في صحيحه عن الحارث بن مسلم التميمي قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك من مت من يومك كتب الله لك جوارا من النار وإذ صليت المغرب قبل أن تتكلم اللهم أجرني من النار سبع مرات فإنك إن مت من ليلتك كتب الله لك جوارا من النار انتهى كلام ابن القيم فقوله أما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه صلى الله عليه وسلم لا أدري ما معناه وما مراده بهذا إلا أن يقال نفاه بقيد استمرار المصلى القبلة وإيراده عقب السلام كما قال الحافظ والله تعالى أعلم فائدة أعلم أن علماء أهل الحديث قد اختلفوا في هذا الزمان في أن الامام إذا انصرف من الصلاة المكتوبة هل يجوز له أن يدعو رافعا يديه ويؤمن من خلفه من المأمومين رافعي أيديهم فقال بعضهم بالجواز وقال بعضهم بعدم طنا منهم أنه بدعة قالوا إن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح بل هو أمر محدث وكل محدث بدعة وأما القائلون بالجواز فاستدلوا بخمسة أحاديث الأول حديث أبي هريرة قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ص 172 ج 3 قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو معمر المقري حدثني عبد الوارث حدثنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه بعدما سلم وهو مستقبل القبلة فقال اللهم خلص الوليد بن الوليد وعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام وضعفة المسلمين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبي من أيدي الكفار وقال ابن جرير حدثنا المثنى حدثنا حجاج حدثنا حماد عن علي بن زيد عن عبد الله أو إبراهيم بن عبد الله القرشي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو في دبر صلاة الظهر اللهم خلص الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة وضعفه المسلمين من أيدي المشركين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبي ولهذا الحديث شاهد في الصحيح من غير هذا الوجه كما تقدم انتهى ما في تفسير ابن كثير
[ 171 ]
قلت وفي سند هذا الحديث علي بن زيد بن جدعان وهو متكلم فيه الحديث الثاني حديث عبد الله بن الزبير ذكر السيوطي في رسالته فض الوعاء عن محمد بن يحيى الأسلمي قال رأيت عبد الله بن الزبير ورأى رج رافعا يديه قبل أن يفرغ من صلاته فلما فرغ منها قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه حتى يفرغ من صلاته قال رجاله ثقات قلت وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني وترجم له فقال محمد بن يحيى الأسلمي عن عبد الله بن الزبير ورجاله ثقات انتهى الحديث الثالث حديث أنس أخرجه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني في كتابه عمل اليوم والليلة قال حدثني أحمد بن الحسن حدثنا أبو إسحاق يعقوب بن خالد بن يزيد البالسي حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خصيف عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ما من عبد بسط كفيه في دبر كل صلاة ثم يقول اللهم إلهي وإله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإله جبريل وميكائيل وإسرافيل أسألك أن تستجيب دعوتي فإني مضطر وتعصمني في ديني فإني مبتلي وتنالني برحمتك فإني مذنب وتنفي عني الفقر فإني متمسكن إلا كان حقا على الله عز وجل أن لا يرد يديه خائبتين قلت في سنده عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي قال في الميزان اتهمه أحمد وقال بن حبان كتبنا عن عمر بن سنان عن إسحاق بن خالد عنه نسخة ثبتها بمائة حديث مقلوبة منها ما لا أصل له ومنها ما هو ملزق بإنسان لا يحل الاحتجاج به بحال وقال النسائي وغيره ليس بثقة وضرب أحمد بن حنبل على حديثه انتهى الحديث الرابع حديث الأسود العامري عن أبيه قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر فما سلم انحرف ورفع يديه ودعا الحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه كذا ذكر بعض الأعلام هذا الحديث بغير سند وعزاه إلى المصنف ولم أقف على سنده فالله تعالى أعلم كيف هو صحيح أو ضعيف الحديث الخامس حديث الفضل بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع وتمسكن ثن تقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقب ببطونهما وجهك وتقول يا رب يا رب ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا وفي رواية فهو خداج رواه الترمذي
[ 172 ]
واستدلوا أيضا بعموم أحاديث رفع اليدين في الدعاء قالوا إن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة مستحب مرغب فيه وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بعد الصلاة المكتوبة وأن رفع اليدين من اداب الدعاء وأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع اليدين في كثير من الدعاء وأنه لم يثبت المنع عن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة بل جاء في ثبوته الأحاديث الضعاف قالوا فبعد ثبوت هذه الأمور الأربعة وعدم ثبوت المنع لا يكون رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة بدعة سيئة بل هو جائز لا بأس على من يفعله أما الأول والثاني فقد أخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قيل يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات وقال هذا حديث حسن وأخرج النسائي في سننه عن عطاء بن مروان عن أبيه أن كعبا حلف له بالله الذي فلق البحر لموسى إنا لنجد في التوراة أن داود نبي الله صلى الله عليه وسلم كان إذا انصرف من صلاته قال اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي الحديث وفي اخره قال وحدثين كعب أن صهيبا حدثه أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقولهن عند إنصرافه من صلاته والحديث صححه ابن حبان كما في فتح الباري وقد تقدم في كلام ابن القيم حديث أبي أيوب وحديث الحارث بن مسلم في الدعاء بعد الصلاة المكتوبة وأما الثالث والرابع فقد أخرج أبو داود والترمذي وحسنه من حديث سلمان رفعه إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا بكسر المهملة وسكون الفاء أي خالية قال الحافظ سنده جيد وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا الحديث وفيه ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطمعه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأني بستجاب لذلك وقال الحافظ في الفتح فيه أحاديث كثيرة أفردها المنذري في جزء سرد منها النووي في الأذكار وفي شرح المهذب جملة وعقد لها البخاري أيضا في الأدب المفرد بابا ذكر فيه حديث أبي هريرة قدم الطفيل بن عمرو على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن دوسا عصت فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال اللهم اهد دوسا وهو في الصحيحين دون قوله ورفع يديه وحديث جابر أن الطفيل بن عمر وهاجر فذكر قصة الرجل الذي هاجر معه وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ولينيه فاغفر ورفع يديه وسنده صحيح وأخرجه مسلم وحديث عائشة أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو رافعا يديه يقول اللهم إنما بشر الحديث وهو صحيح الاسناد ومن الأحاديث الصحيحة في ذلك ما أخرجه المصنف يعني البخاري في جزء رفع اليدين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان ولمسلم من حديث عبد الرحمن بن سمرة في قصة الكسوف فانتهيت
[ 173 ]
إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو رافع يديه يدعو وعنده في حديث عائشة في الكسوف أيضا ثم رفع يديه وفي حديثها عنده في دعائه لأهل البقيع فرفع يديه ثلاث مرات الحديث ومن حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة فرفع يديه وجعل يدعو وفي الصحيحين من حديث أبي حميد في قصة ابن اللتبية ثم رفع يديه حتى رأيت عفرة إبطيه يقول اللهم هل بلغت ومن حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قول إبراهيم وعيسى فرفع يديه وقال اللهم أمتى وفي حديث عمر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل فأنزل الله عليه يوما ثم سرى عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فدعا الحديث أخرجه الترمذي واللفظ له والنسائي والحاكم وفي حديث أسامة كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمات به ناقته فسقط خطامها فتناوله بيده وهو رافع اليد الأخرى أخرجه النسائي بسند جيد وفي حديث قيس بن سعد عند أبي داود ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول اللهم صلواتك ورحمتك على ال سعد بن عبادة الحديث وسنده جيد والأحاديث في ذلك كثيرة انتهى كلام الحافظ قلت وفي رفع اليدين في الدعاء رسالة للسيوطي سماها فض الوعاء في أحاديث رفع اليدين في الدعاء واستدلوا أيضا بحديث أنس رضي الله تعالى عنه قال أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال يا رسول الله هكلت الماشية هلك العيال هلك الناس فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون الحديث رواه البخاري قالوا هذا الرفع هكذا وإن كان في دعاء الاستسقاء لكنه ليس مختصا به ولذلك استدل البخاري في كتاب الدعوات بهذا الحديث على جواز رفع اليدين في مطلق الدعاء قلت القول الراجح عندي أن رفع اليدين في الدعاء بعد الصلاة جائز لو فعله أحد لا بأس عليه إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم تنبيه إعلم أن الحنفية في هذا الزمان يواظبون على رفع اليدين في الدعاء بعد كل مكتوبة مواظبة الواجب فكأنهم يرونه واجبا ولذلك ينكرون على من سلم من الصلاة المكتوبة وقال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام ثم قال ولم يدع يرفع يديه وصنيعهم هذا مخالف لقول إمامهم الامام أبي حنيفة وأيضا مخالف لما في كتبهم المعتبرة قال العيني في عمدة القاري قال أبو حنيفة كل صلاة يتنفل بعدها يقوم ما لا يتنفل بعدها كالعصر والصبح فهو مخير وهو قول أبي مجلز لا حق ابن حميد انتهى وقال في البحر الرائق ولم
[ 174 ]
يذكر المصنف ما يفعله بعد السلام وقد قالوا إن كان إماما وكانت صلاة يتنفل بعدها بإنه يقوم ويتحول عن مكانه إما يمنة أو يسرة أو خلفه والجلوس مستقب بدعة وإن كان لا يتنفل بعدها يقعد مكانه وإن شاء انحرف يمينا أو شما وإن شاء استقبلهم بوجهه انتهى وقال في العالم كيرية وإذا سلم الامام من الظهر والمغرب كره له المكث قاعدا لكنه يقوم إلى التطوع ولا يتطوع في مكان الفريضة ولكن ينحرف يمنة أو يسرة أو يتأخر وإن شاء رجع إلى بيته يتطوع فيه وإن كان مقتديا أو يصلي وحده إن لبث في مصلاه يدعو جاز وكذا إن قام إلى التطوع في مكانه أو تأخر أو انحرف يمنة أو يسرة جاز والكل سواء وفي صلاة لا تطوع بعدها كالفجر والعصر يكره المكث قاعدا في مكانه مستقبل القبلة والنبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا بدعة ثم هو بالخيار إن شاء ذهب وإن شاء جلس في محرابه إلى طلوع الشمس وهو أفضل ويستقبل القوم بوجهه إذا لم يكن بحذائه مسبوق فإن كان ينحرف يمنة أو يسرة والصيف والشتاء سواء هو الصحيح كذا في الخلاصة انتهى باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله قوله فينصرف على جانبيه جميعا وفي رواية أبي داود فكان ينصرف عن شقيه (على يمينه وعلى شماله) بيان لقوله على جانبيه أي حينا على يمينه وحينا على شماله قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الجماعة إلا الترمذي قال لا يجعلن أحدكم للشيطان شيئا من صلاته يرى أن حقا عليه أن لا ينصرف إلا عن يمينه لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره وفي لفظ أكثر إنصرافه عن يساره وأما حديث أنس فأخرجه مسلم والنسائي قال أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه قال
[ 175 ]
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفتل عن يمينه وعن يساره في الصلاة وأما حديث أبي هريرة فلم أقف على من أخرجه قوله (حديث هلب حديث حسن) وصححه ابن عبد البر في الاستيعاب وذكره عبد الباقي بن قانع في معجمه من طرق متعددة وفي إسناده قبيصة بن هلب وقد رماه بعضهم بالجهالة ولكنه وثقه العجلي وابن حبان ومن عرفه حجة على من لم يعرف كذا في النيل والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه قوله (وقد صح الأمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ففي حديث عبد الله بن مسعود المذكور لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ينصرف عن يساره وفي حديث أنس المذكور أكثر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه فإن قلت قد استعمل كل واحد منهما صيغة أفعل التفضيل فظاهر قول أحدهما ينافي ظاهر قول الاخر فما وجه التوفيق قلت قال النووي يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل تارة هذا وتارة هذا فأخبر كل منهما بما اعتقد أنه الأكثر وقال الحافظ ويمكن الجمع بينهما بوجه اخر وهو أن يحمل حديث ابن مسعود على حالة الصلاة في المسجد لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كانت من جهة يساره ويحمل حديث أنس على ما سوى ذلك كحال السفر ثم إذا تعارض اعتقاد ابن مسعود وأنس رجح ابن مسعود لأنه أعلم وأسن وأجل وأكثر ملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى مواقفه في الصلاة من أنس وبأن في إسناد أنس من تكلم فيه وهو السدى وبأن حديث ابن مسعود متفق عليه وبأن رواية ابن مسعود توافق ظاهر الحال لأن حجرة النبي صلى الله عليه وسلم كان على جهة يساره انتهى كلام الحافظ قلت الظاهر عندي هو الجمع الاول والله تعالى أعلم قوله (ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال إن كانت حاجته عن يمينه أخذ عن يمينه
[ 176 ]
إلخ) أخرجه ابن أبي شيبة ولفظه قال إذا قضيت الصلاة وأنت تريد حاجة فكانت حاجتك عن يمينك أو عن يسارك فخذ نحو حاجتك انتهى قال في النيل قال العلماء يستحب الانصراف إلى جهة حاجته لكن قالوا إذا استوت الجهتان في حقه فاليمين أفضل لعموم الأحاديث المصرحة بفضل التيامن انتهى باب ما جاء في وصف الصلاة قوله (حدثنا اسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري ثقة ثبت توفي سنة 081 ثمانين ومائة (عن يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي) بضم الزاء وفتح الراء وبعدها قاف المدني مقبول من السادسة قاله في التقريب (عن جده) وفي رواية النسائي عن أبيه عن جده وأبو علي بن يحيى بن خلاد ثقة وجده يحيى بن خلاد بن رافع له رواية وذكره بن حبان في ثقات التابعين (عن رفاعة بن رافع) بن مالك بن العجلان أبي معاذ الأنصاري صحابي بدري جليل قوله (بينما هو جالس في المسجد أي في ناحيته كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين إذا جاءه رجل كالبدوي) هذا الرجل هو خلاد بن رافع جد علي بن يحيى راوي الخبر بينه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن علي بن يحيى عن رفاعة أن خلادا دخل المسجد قاله الحافظ وقال وأما ما وقع عند الترمذي إذ جاء رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته فهذا لا يمنع تفسيره بخلاد لأن رفاعة شبهه بالبدوي لكونه أخف الصلاة أو لغير ذلك انتهى (فصلى) زاد النسائي من رواية داود بن قيس ركعتين قال الحافظ وفيه إشعار بأنه صلى نفلا والأقرب أنها تحية المسجد (فأخف صلاته) وفي رواية ابن أبي شيبة فصلى صلاة خفيفة لم يتم ركوعها ولا
[ 177 ]
سجودها (ثم انصرف) أي من صلاته (فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم) قال القاري في المرقاة قدم حق الله على حق رسوله كما هو أدب الزيارة لأمره عليه السلام بذلك لمن سلم عليه قبل صلاة التحية فقال له أرجع فصل ثم ائت فسلم علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك وفي رواية مسلم من حديث أبي هريرة فقال وعليك السلام فارجع فصل فإنك لم تصل قال عياض فيه أن أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزئ وهو مبني على أن المراد بالنفي نفي الاجزاء وهو الظاهر ومن حمله على نفي الكمال تمسك بأنه بأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمره بعد التعليم با عادة فدل على إجزائها وإلالزم تأخير البيان كذا قاله بعض المالكية وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره في المرة الأخيرة با عادة فسأله التعليم فعلمه فكأنه قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية أشار إلى ذلك بن المنير كذا في الفتح (مرتين أو ثلاثا) وفي رواية للبخاري ثلاثا بغير الشك (كل ذلك يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم) فيه استحباب تكرار السلام ورده وإن لم يخرج من الموضع إذا وقعت صورة انفصال (فعاف الناس) أي كرهوا (وكبر عليهم) بضم الباء وفاعله قوله (أن يكون من أخف صلاته لم يصل) أي عظم ذلك عليهم وخافوا منه (فقال الرجل في اخر ذلك فأرني) صيغة أمر من الاراءة (وعلمني) قال ابن الملك في شرح المشارك فإن قيل لم سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن تعليمه أو حتى افتقر إلى المراجعة كرة بعد أخرى قلنا لأن الرجل لما لم يستكشف الحال مغترا بما عنده سكت عن تعليمه زجرا له وإرشادا إلى أنه ينبغي أن يستكشف ما استبهم عليه فلما طلب كشف الحال بينه بحسن المقال انتهى واستشكل تقريره عليه السلام على صلاته وهي فاسدة ثلاث مرات على القول بأن النفي للصحة وأجيب بأنه أراد استدراجه بفعل ما جهله مرات لاحتمال أن يكون فعله ناسيا أو غاف فيتذكر فيفعله من غير تعليم فليس من باب التقرير على الخطأ بل من باب تحقق الخطأ أو بأنه لم يعلمه أو ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره ولتفخيم الأمر وتعظيمه عليه وقال ابن دقيق العيد ليس التقرير بدليل على الجواز مطلقا بل لا بد من انتفاء الموانع ولا شك أن في زيادة قبول المتعلم لما يلقى عليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله مصلحة مانعة من وجوب المبادرة إلى التعليم لا سيما مع عدم خوف الفوات إما بناء على ظاهر الحكم أو
[ 178 ]
بوحي خاص انتهى فقال أجل أي نعم قال في القاموس أجل جواب كنعم إلا أنه أحسن منه في التصديق ونعم أحسن منه في الاستفهام ثم تشهد أي أذن فأقم أيضا وفي رواية أبي داود ثم تشهد فأقم وليس فيها لفظه أيضا قال في المرقاة ثم تشهد أي قل أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بعد الوضوء فأقم أي الصلاة وقيل معنى تشهد أذن لأنه مشتمل على كلمتي الشهادة فأقم على هذا يراد به الاقامة للصلاة كذا نقله ميرك عن الأزهار انتهى ما في المرقاة والظاهر أن المراد بقوله ثم تشهد فأقم الأذان وا قامة يدل عليه لفظ أيضا بعد قوله فأقم فإن كان معك قران فافرأ وفي رواية لأبي داود ثم اقرأ بأم القران وبما شاء الله أن تقرأ قال الحافظ بعد ذكر هذه الرواية ولأحمد وابن حبان من هذا الوجه ثم اقرأ بأم القران ثم اقرأ بما شئت ترجم له ابن حبان بباب فرض المصلى قراءة فاتحة الكتاب في كل ركعة ثم اعتدل قائما وفي لفظ لأحمد فأقم صلبك حتى يرجع العظام إلى مفاصلها ثم اسجد فاعتدل ساجدا ثم جلس فاطمئن جالسا وفي رواية لأبي داود ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يقول الله أكبر ويرفع رأسه حتى يستوي قاعدا ثم يقول الله أكبر ثم يسجد حتى تطمئن مفاصله ثم يرفع رأسه فيكبر فإذا فعلت ذلك أي ما ذكر فقد تمت صلاتك أي صارت تماما غيرنا قصة وإن انتقصت أي نقصت قال في القاموس انقصة ونقصه وانتقصه نقصه وكان هذا أهون أي أسهل عليهم أي على الصحابة رضي الله عنه من الأولى أي من المقالة الأولى وهي فارجع فصل فإنك لم تصل أنه من انتقص من ذلك شيئا إلخ بدل من قوله هذا قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعمار بن ياسر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا في هذا الباب وأما حديث عمار فلينظر من أخرجه قوله (حديث رفاعة بن رافع حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وقال ابن عبد
[ 179 ]
البر هذا حديث ثابت نقله ميرك عن المنذري كذا في المرقاة قوله (وقد روى عن رفاعة هذا الحديث من غير وجه) قال الحافظ في الفتح أخرجه أبو داود والنسائي من رواية إسحاق بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق ومحمد بن عمرو ومحمد بن عجلان وداود بن قيس كلهم عن علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرفي عن أبيه عن عمه رفاعة بن رافع فمنهم من لم يسم رفاعة قال عن عم له بدرى ومنهم من لم يقل عن أبيه ورواه النسائي والترمذي من طريق يحيى بن علي بن يحيى عن أبيه عن جده عن رفاعة لكن لم يقل الترمذي عن أبيه وفيه اختلاف اخر ذكره الحافظ في الفتح قوله (حدثنا عبيد الله بن عمر) هو العمري قوله (فدخل رجل) هو خلاد بن رافع كما تقدم ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وافعل ذلك إلخ لم يذكر في هذه الرواية السجدة الثانية وفي رواية البخاري ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها قال الحافظ وقع في رواية ابن نمير في الاستيذان يعني في باب الاستيذان من صحيح البخاري بعد ذكر السجود الثاني ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وقد قال بعضهم هذا يدل على إيجاب جلسة الاستراحة ولم يقل به أحد وأشار البخاري إلى أن هذه اللفظة
[ 180 ]
وهم فإنه عقبه بأن قال قال أبو أسامة في الأخير حتى تستوي قائما ويمكن أن يحمل إن كان محفوظا على الجلوس للتشهد وكلام البخاري ظاهر في أن أبا أسامة خالف ابن نمير لكن رواه إسحاق بن راهويه في مسنده عن أبي أسامة كما قال ابن نمير بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم اقعد حتى تطمئن قاعدا ثم افعل ذلك في كل ركعة وأخرجه البيهقي من طريقه وقال كذا إسحاق بن راهويه عن أبي أسامة والصحيح رواية عبيد الله بن سعيد بن أبي قدامة ويوسف بن موسى عن أبي أسامة بلفظ ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تستوي قائما ثم ساقه من طريق يوسف بن موسى كذلك انتهى كلام الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر أصح) أي من رواية ابن نمير عن عبيد الله بن عمر قال الدارقطني خالف يحيى القطان أصحاب عبيد الله كلهم في هذا الاسناد فإنهم لم يقولوا عن أبيه ويحيى حافظ قال فيشبه أن يكون عبيد الله حدث به على الوجهين وقال البزار لم يتابع يحيى عليه ورجح الترمذي رواية يحيى قال الحافظ لكل من الروايتين وجه مرجح أما رواية يحيى فللزيادة من الحافظ وأما الرواية الأخرى فللكثرة ولأن سعيدا لم يوصف بالتدليس وقد ثبت سماعه من أبي هريرة ومن ثم أخرج الشيخان الطريقين انتهى كلام الحافظ قوله (قال سمعته) أي قال محمد بن عمرو وسمعت أبا حميد (وهو في عشرة) أي والحال أنه
[ 181 ]
كان جالسا في عشرة (أحدهم أبو قتادة بن ربعي) بكسر الراء بعد مهملة اسمه الحارث ويقال عمرو أو النعمان شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا مات لسنة 54 أربع وخمسين وقيل سنة 38 ثمان وثلاثين والأول أصح وأشهر كذا في التقريب (فأعرض) بهمزة وصل أي إذا كنت أعلم فاعرض وبين قال في النهاية يقال عرضت عليه أمر كذا أو عرضت له الشئ أظهرته وأبرزته إليه إعرض بالكسر لا غير أي بين علمك بصلاته صلى الله عليه وسلم من كنت صادقا لنوافقك إن حفظناه وإلا استفدناه (وركع ثم أعتدل) أي في الركوع بأن سوى رأسه وظهره حتى صار كالصفحة (فلم يصوب رأسه) من التصويب أي لم يحطه بلغا بل يعتدل وهذا تفسير لقوله اعتدل (ولم يقنع) من أقنع رأسه إذا رفع أي لا يرفع رأسه حتى يكون أعلى من ظهره (ثم هوى) أي نزل وانحط والهوى السقوط من علو إلى أسفل (جافى) أي باعد ونحى (وفتح أصابع رجليه) بالخاء المعجمة أي ثناها ولينها فوجهها إلى القبلة (ثم ثنى رجله) أي عطفها (وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ثم نهض) فيه سنية جلسة الاستراحة في كل ركعة لا تشهد فيها وقد تقد بيانها في موضعها (حتى إذا قام من السجدتين) أي الركعتين الأوليين (حتى كان الركعة التي تنقضي فيها صلاته أخر رجله اليسرى وقعد على شقه متوركا) فيه سنيه التورك في القعدة الأخيرة قال
[ 182 ]
الحافظ في الفتح في هذا الحديث حجة قوية للشافعي ومن قال بقوله في أن هيئة الجلوس في التشهد الأول مغايرة لهيئة الجلوس في الأخير انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والدارمي وابن ماجه قوله (والحسن بن علي الحلواني) بضم المهملة أبو علي الخلاد نزيل مكة ثقة حافظ له تصانيف من شيوخ الترمذي مات سنة 242 إثنين وأربعين ومائتين باب ما جاء في القراءة في الصبح قوله (عن مسعر) بكسر أوله وسكون ثانيه وفتح المهملة هو ابن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه ابن ظهير الهلالي الكوفي ثقة ثبت فاضل قال القطان ما رأيت مثله كان من أثبت الناس وقال شعبة كان يسمى المصحف تقانه وقال وكيع شكه كيقين غيره مات سنة 153 ثلاث وخمسين ومائة (وسفيان) هو الثوري (عن زياد بن علاقة) بكسر المهملة وبالقاف الثعلبي بالمثلثة الكوفي ثقة مات سنة 125 خمس وعشرين ومائة (عن عمه قطبة بن مالك) بضم القاف وسكون
[ 183 ]
الطاء صحابي سكن الكوفة رضي الله عنه (يقرأ في الفجر والنخل باسقات) أي يقرأ في صلاة الفجر السورة التي فيها والنخل باسقات وهي ق وفي رواية لمسلم فقرأ ق والقران المجيد وفي رواية أخرى له فقرأ في أول ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد قوله (وفي الباب عن عمرو بن حريث وجابر بن سمرة وعبد الله بن السائب وأبي برزة وأم سلمة) أما حديث عمرو بن حريث فأخرجه مسلم بلفظ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه أحمد ومسلم ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بق والقران المجيد ونحوها وكان صلاته بمد إلى تخفيف وفي رواية كان يقرأ في الظهر والليل إذا يغشى وفي العصر نحو ذلك وفي الصبح أطول من ذلك ورواه أبو داود بلفظ كان إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحو من والليل إذا يغشى والعصر كذلك والصلوات كلها كذلك إلا الصبح فإنه كان يطيل وأما حديث عبد الله بن السائب فأخرجه مسلم بلفظ صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسى وهارون أو ذكر عيسى أخذت النبي صلى الله عليه وسلم سعلة فركع فأما حديث أبي برزة فأخرجه الشيخان بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة اية وفي لفظ ابن حبان كان يقرأ بالستين إلى المائة كذا في نصب الراية وأما حديث أم سلمة فذكره البخاري في صحيحه في باب القراءة في الفجر تعليقا بلفظ قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بالطور ووصله في موضع اخر من صحيحه قوله (حديث قطبة ابن مالك حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وغيره قوله (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الصبح بالواقعة) أخرجه عبد الرزاق من حديث جابر بن سمرة (وروى عنه أنه كان يقرأ في الفجر من ستين اية إلى مائة) أخرجه الشيخان من حديث أبي برزة (وروى عنه أنه قرأ إذا الشمس كورت) أخرجه النسائي من حديث
[ 184 ]
عمرو بن حريث (وروى عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الصبح بطوال المفصل) قال الزيلعي في نصب الراية ص 922 روى عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن الحسن وغيره قال كتب عمر إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بوسط المفصل وفي الصبح بطوال المفصل وفي الصبح بطوال المفصل إنتهى وروى البيهقي في المعرفة من طريق مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري أن اقرأ في ركعتي الفجر بسورتين طويلتين من المفصل انتهى ما في نصب الراية وفي معنى أثر عمر ما رواه النسائي مرفوعا من حديث سليمان بن يسار رضي الله عنه قال كان فلان يطيل الأوليين من الظهر ويخفف العصر ويقرأ في المغرب بقصار المفصل وفي العشاء بوسطه وفي الصبح بطواله فقال أبو هريرة ما صليت وراء أحد أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا ذكره الحافظ في بلوغ المرام وقال أخرجه النسائي بإسناد صحيح والمفصل من الحجرات إلى اخر القران وطواله من الحجرات إلى اخر سورة البروج ووسطه إلى اخر سورة لم يكن وقصاره إلى اخر القران قوله (وعلى هذا العمل عند أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي) قال في النووي في شرح مسلم وأما اختلاف قدر القراءة في الصلوات فهو عند العلماء على ظاهره قالوا فالسنة أن يقرأ في الصبح والظهر بطوال المفصل وتكون الصبح أطول وفي العشاء والعصر بأوساطه وفي المغرب بقصاره قالوا والحكمة في إطالة الصبح والظهر أنهما في وقت غفلة بالنون اخر الليل وفي القائلة فيطولهما ليدركهما المتأخر بغفلة ونحوها والعصر ليست كذلك بل تفعل في وقت تعب أهل الأعمال فخففت عن ذلك والمغرب ضيقة الوقت فاحتيج إلى زيادة التخفيف لذلك ولحاجة الناس إلى عشاء صائمهم وضيفهم والعشاء في وقت غلبة النوم والنعاس ولكن وقتها واسع فأشبهت العصر انتهى كلام النووي قلت قد عرفت وستعرف اختلاف أحوال صلاته صلى الله عليه وسلم في قدر القراءة في الصلوات بما لا يتم به هذا التفصيل
[ 185 ]
باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر قوله (كان يقرأ في الظهر والعصر بالسماء ذات البروج والسماء والطارق وشبههما) قد وردت أحاديث مختلفة في قدر القراءة في الظهر والعصر كما ستعرف قال الحافظ في الفتح وجمع بينها بوقوع ذلك في أحوال متغايرة إما لبيان الجواز أو لغير ذلك من الأسباب واستدل ابن العربي باختلافها على عدم مشروعية سورة معينة في صلاة معينة وهو واضح فيما اختلف لا فيما لم يختلف كتنزيل وهل أتى في صبح يوم الجمعة انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن خباب أبي سعيد وأبي قتادة وزيد بن ثابت والبراء) أما حديث خباب فأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم بلفظ قال كنا نحزر قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهر والعصر فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة الم تنزيل السجدة وفي رواية في كل ركعة قدر ثلثين اية وحزرنا قيامه في الأخريين قدر النصف من ذلك وحزرنا في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك وأما حديث أبي قتادة فأخرجه الشيخان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب ويسمعنا الاية أحيانا ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية وهكذا في صلاة العصر وهكذا في الصبح وأما حديث زيد بن ثابت فلم أقف عليه وأما حديث البراء فأخرجه النسائي قال كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الاية بعد الايات من سورة لقمان والذاريات قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي (
[ 186 ]
وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الظهر قدر تنزيل السجدة إلخ) تقدم تخريجه انفا وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى من الظهر يسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية رواه النسائي من حديث أنس (وروى عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في الظهر بأوساط المفصل) تقدم تخريجه في باب ما جاء في القراءة في الصبح (وروى عن إبراهيم النخعي أنه قال تعدل صلاة العصر بصلاة المغرب في القراءة) أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن إبراهيم كانوا يعدلون الظهر بالعشاء والعصر بالمغرب كذا في الرحمة المهداة (وقال إبراهيم تضعف صلاة الظهر على صلاة العصر في القراءة أربع مرار) يخدشه حديث أبي سعيد الذي تقدم باب في القراءة في المغرب قوله عن أمه أم الفضل أسمها لبابة بنت الحارث الهلالية ويقال إنها أول امرأة أسلمت بعد خديجة قاله الحافظ
[ 187 ]
قوله (وهو عاصب رأسه) أي شاد رأسه بعصابة (فصلى المغرب فقرأ بالمرسلات قال الحافظ في الفتح وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف وهو يرد على أبي داود ادعاءه نسخ التطويل لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار قال وهذا يدل على نسخ حديث زيد ولم يبين وجه الدلالة وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه ولا يخفى بعد هذا الحمل وكيف تصح دعوى النسخ وأم المفصل تقول إن اخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات انتهى كلام الحافعبد الرحمن (فما صلاها بعد حتى لقي الله عز وجل) وقد ثبت من حديث عائشة أي اخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته الظهر رواه البخاري في باب إنما جعل الامام ليؤتم به جمع الحافظ في الفتح بين هذين الحديثين بأن عائشة حكت اخر صلاة صلاها في المسجد لقرينة قولها بأصحابه والتي حكتها أم الفضل كانت في بيته كما روى ذلك النسائي ولكنه يشكل على ذلك ما أخرجه الترمذي عن أم الفضل بلفظ خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عاصب رأسه في مرضه فصلى المغرب ويمكن حمل قولها خرج إليها أنه خرج من مكانه الذي كان فيه راقدا إلى من في البيت انتهى ملخصا قوله (وفي الباب عن جير بن مطعم وابن عمر وأبي أيوب وزيد بن ثابت) أما حديث جبير بن مطعم فأخرجه الشيخان بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه بلفظ قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب (قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين جميعا وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه البخاري بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بطولي الطوليين زاد أبو داود قلت وما طولى الطوليين قال الأعراف قوله (حديث أم الفضل حديث حسن صحيح أخرجه الأئمة الستة (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين كلتيهما) روى النسائي عن عائشة قالت أن رسول
[ 188 ]
الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب بسورة الأعراف فرقها في الركعتين قال ميرك إسناده حسن وروى هذا عن أبي أيوب أيضا وقد تقدم لفظه (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في المغرب بالطور) رواه الشيخان وغيرهما عن جبير بن مطعم وتقدم لفظه (وروى عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن أقرأ في المغرب بقصار المفصل) تقدم تخريجه (وروى عن أبي بكر أنه قرأ في المغرب بقصار المفصل) لم أقف على من أخرجه قوله (وعلى هذا العمل عند أهل العلم) يعني على القراءة بقصار المفصل في المغرب وبه يقول الحنفية واستدلوا على ذلك بما روى الطحاوي عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل وبما روى ابن ماجه عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب قل يا أيها الكافرون (وقال هو الله أحد) وبما روى الطحاوي وغيره عن عمر أنه كتب إلى أبي موسى أن اقرأ في المغرب بقصار المفصل وبما روى أبو داود عن هشام بن عروة أن أباه كان يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرأون والعاديات ونحوه من السور وروى عن أبي عثمان النهدي أنه صلى خلف ابن مسعود المغرب فقرأ بقل هو الله أحد وربما رواه الشيخان عن رافع بن خديج قال كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وأنه ليبصر مواقع نبله (وقال الشافعي) مقولة قوله الاتي لا أكره ذلك إلخ (وذكر عن مالك أنه يكره إلخ) بالواو للحال والجملة حالية (قال الشافعي لا أكره ذلك بل أستحب أن يقرأ بهذه السور في صلاة المغرب) أعاد قوله قال الشافعي لطول الفصل بينه وبين مقوله لا أكره ذلك إلخ قال الحافظ في الفتح قال الترمذي ذكر عن مالك أنه كره أن يقرأ في المغرب بالسور الطوال نحو الطور والمرسلات وقال الشافعي لا أكره ذلك بل أستحب وكذا نقله البغوي نقله البغوي في شرح السنة عن الشافعي والمعروف عند الشافعية أنه لا كراهة في ذلك ولا
[ 189 ]
استحباب وأما مالك فاعتمد العمل بالمدينة بل وبغيرها قال ابن دقيق العيد استمر العمل على تطويل القراءة في الصبح وتقصيرها في المغرب والحق عندنا أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك وثبت مواظبته عليه فهو مستحب وما لا يثبت مواظبته عليه فلا كراهة فيه قال الحافظ ولم أر حديثا مرفوعا فيه التنصيص على القراءة فيها بشئ من قصار المفصل إلا حديثا في ابن ماجه عن ابن عمر نص فيه على الكافرون والاخلاص ومثله لابن حبان عن جابر بن سمرة فأما حديث ابن عمر فظاهر إسناد الصحة إلا أنه معلول قال الدارقطني أخطأ فيه بعض رواته وأما حديث جابر بن سمرة ففيه سعيد بن سماك وهو متروك والمحفوظ أنه قرأ بهما في الركعتين بعد المغرب واعتمد بعض مشائخنا وغيرهم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة أنه قال ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان قال سليمان فكان يقرأ في الصبح بطوال المفصل وفي المغرب بقصار المفصل الحديث أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وغيره وهذا يشعر بالمواظبة على ذلك ولكن في الاستدلال به نظر نغم حديث رافع أنهم كانوا ينتضلون بعد صلاة المغرب يدل على تخفيف القراءة فيها وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يطيل القراءة في المغرب إما لبيان الجواز وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين وليس في حديث جبير بن مطعم (أي الذي أخرجه البخاري بلفظ قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور) دليل على أن ذلك تكرر منه وأما حديث زيد بن ثابت يعني ما روى البخاري وغيره عن مروان بن الحكم قال قال لي زيد بن ثابت ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل ولو كان مروان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم واظب على ذلك ليحتج به على زيد لكن لم يرد زيد منه فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما راه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث أم الفضل إشعار بأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه وهو مظنة التخفيف انتهى كلامه قال ابن خزيمة في صحيحه هذا من الاختلاف المباح فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب إلا أنه إذا كان إماما استحب له أن يخفف في القراءة كما
[ 190 ]
تقدم انتهى قال الحافظ وهذا أولى من قول القرطبي ما ورد في مسلم وغيره من تطويل القراءة فيما استقر عليه التقصير أو عكسه فهو متروك وادعى الطحاوي أنه لادلالة في شئ من الأحاديث الثلاثة على تطويل القراءة لاحتمال أن يكون المراد أنقرأ بعض السورة ثم استدل لذلك بما رواه من طريق هشيم عن الزهري في حديث جبير بلفظ فسمعته يقول (إن عذاب ربك لواقع) قال فأخبر أن الذي سمعه من هذه السورة هي هذه الاية خاصة انتهى وليس في السياق ما يقتضي قوله خاصة مع كون رواية هشيم عن الزهري بخصوصها مضعفة بل جاء في روايات أخرى ما يدل على أنه قرأ السورة كلها فعند البخاري في التفسير سمعته يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الاية أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون الايات إلى قوله (المصيطرون) كاد قلبي يطير ونحوه لقاسم بن اصبع وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمين سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لا بن سعد وزاد في أخرى فاستمعت قراءته حتى خرجت من المسجد ثم ادعى الطحاوي أن الاحتمال المذكور يأتي في حديث زيد بن ثابت وكذا أبداه الخطابي احتمالا وفيه نظر لأنه لو كان قرأ بشئ منها يكون قدر سورة من قصار المفصل لما كان نكار زيد معنى وقد روى حديث زيد عن هشام عن أبيه عنه أنه قال لمروان إنك لتخف القراءة في الركعتين من المغرب فوالله لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بسورة الأعراف في الركعتين جميعا أخرجه ابن خزيمة واختلف على هشام في صحابيه والمحفوظ عن عروة أنه زيد بن ثابت وقال أكثر الرواة عن هشام عن زيد بن ثابت أو أبي أيوب وقيل عن عائشة أخرجه النسائي مقتصرا على المتن دون القصة انتهى كلام الحافظ باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء قوله (أخبرنا ابن واقد) هو الحسين بن واقد مولى عبد الله بن عامر المروزي قاضيها وثقه ابن معين مات سنة 159 تسع وخمسين ومائة (عن عبد الله بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي
[ 191 ]
المروزي قاضيها ثقة (عن أبيه) بريدة بن الحصيب بمهملتين مصغرا صحابي أسلم قبل بدر مات سنة 63 ثلاث وستين قوله (يقرأ في العشاء الاخرة بالشمس وضحاها ونحوها من السور) هذا فعله صلى الله عليه وسلم وقال لمعاذ رضي الله عنه أتريد أن تكون يا معاذ فتانا إذا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى قاله له حين أخبر أنه صلى بأصحابه العشاء فطول عليهم ورواه الشيخان وهذان الحديثان يدلان على أنه يقرأ في العشاء الاخرة هذه السور ونحوها قوله (وفي الباب عن البراء بن عازب) قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء (والتين والزيتون) الحديث أخرجه الأئمة الستة وفي رواية للبخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فقرأ في العشاء في إحدى الركعتين بالتين والزيتون وفي الباب عن أبي هريرة رواه البخاري وغيره عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء أنشقت فسجد فقلت ما هذه قال سجدت فيها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه واعلم أن سورة (والتين والزيتون) من قصار المفصل وسورة (إذا السماء انشقت) من أوساط المفصل قال الجاحظ في الفتح وإنما قرأ في العشاء بقصار المفصل لكونه كان مسافرا والسفر يطلب فيه التخفيف وحديث أبي هريرة محمول على الحضر فلذلك قرأ فيها بأوساط المفصل انتهى قوله (حديث بريدة حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في العشاء الاخر بسورة والتين والزيتون) أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أيضا غيره من الأئمة الستة كما عرفت (وروى عن عثمان بن عفان أنه كان يقرأ في العشاء بسور من أوساط
[ 192 ]
المفصل نحو سورة المنافقين وأشباهها) وقد تقدم حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة وفيه ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل (كأن الأمر عندهم واسع) كأن بشدة النون من الحروف الشبهة بالفعل يعني كأن أمر القراء في صلاة العشاء فيه وسعة عندهم لا تضييق فيه ولأجل ذلك قرأوا فيها بأكثر من المذكور وأقل (وأحسن شئ في ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالشمس وضحاها والتين والزيتون) بل أحسن شئ في ذلك ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا رضي الله عنه بقراءته من السور وأمثالها والله تعالى أعلم باب ما جاء في القراءة خلف الامام قوله (عن محمد بن إسحاق) هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي وهو ثقة قابل للاحتجاج على ما هو الحق قال بدر الدين العيني في شرح البخاري ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير وأما ابن إسحاق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك ولا عند محققي المحدثين انتهى وقال أيضا وهو يعني توثيق ابن إسحاق الحق الأبلج وما نقل عن مالك فيه لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم كيف وقد قال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث وروى عنه مثل الثوري وابن أدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن علية وعبد الوارث وابن المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل
[ 193 ]
الحديث غفر الله لهم وقد أطال البخاري في توثيثقه في كتاب القراءة خلف الامام وذكره ابن حبان في الثقات وإن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية انتهى كلام ابن الهمام وقال الحافظ بن حجر في القول المسدد وأما حمله يعني ابن الجوزي على محمد بن إسحاق فلا طائل فيه فإن الأئمة قبلوا حديثه وأكثر ما عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هو في نفسه فصدوق وهو حجة في المغازي عند الجمهور انتهى كلام الحافظ (عن مكحول) وفي رواية الدارقطني وأحمد والبيهقي حدثني مكحول وقال الزيلعي في نصب الراية ورواهن إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق فذكر فيه سماع ابن إسحاق عن مكحول فصار الحديث موصو صحيحا انتهى ومكحول هذا هو مكحول الشامي وأبو عبد الله ثقة فقيه كثير الارسال مشهور من الخامسة مات سنة بضع عشرة ومائة كذا في التقريب قوله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة) أي شق عليه التلفظ والجهر بالقراءة وفي رواية أبي داود كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة (فلما أنصرف) أي فرغ من الصلاة (إي والله) بكسر الهمزة وسكون التحتية أي نعم والله نحن نقرأ قال لا تفعلوا إلا بأم القران فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها قال الخطابي هذا الحديث صريح بأن قراءة الفاتحة واجبة على من خلف الامام سواء جهر الامام بالقراءة أو خافت بها وإسناده جيد لا طعن فيه انتهى قلت الأمر كما قال الخطابي لا شك في أن هذا الحديث نص صريح في أن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من خلف الامام في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية وهو القول الراجح المنصور عندي قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة وأنس وأبي قتادة وعبد الله بن عمرو) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج ثلاثا غير تمام فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الامام قال اقرأ بها في نفسك الحديث وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وابن ماجه والطحاوي من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن
[ 194 ]
عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القران فهي خداج وإسناده حسن وجاء في رواية الطحاوي تصريح سماع ابن إسحاق من يحيى بن عباد فزالت شبهة التدليس وهذان الحديثان بعمومها شاملان للمأمومين أيضا وأما حديث أنس فأخرجه البخاري في جزء القراءة والبيهقي في كتاب القراءة وابن حبان والطبراني في الأوسط ولفظ البخاري إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال أتقرأون في صلاتكم وا مام يقرأ فسكتوا فقالها ثلاث مرات فقال قائل أو قائلون إنا لنفعل قال فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه قاله صاحب الجوهر النقي من العلماء الحنفية أخرجه بن حبان في صحيحه من حديث أبي قلابة عن أنس ثم قال سمعه من أنس وسمعه من ابن أبي عائشة فالطريقان محفوظان انتهى وقال البيقهي في كتاب القراءة بعد روايته من طريق ابن علية عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس احتج به البخاري في كتاب القراءة خلف الامام وأما حديث أبي قتادة فأخرجه البيهقي في كتاب القراءة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتقرأون خلفي قلنا نعم قال فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البيهقي في كتاب القراءة عنه من طريق عبد العظيم عن النضر بن محمد عن عكرمة بن عمار عن عمرو بن سعد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتقرأون خلفي قالوا نعم يا رسول الله إنا لنهزه هزا قال فلا تفعلوا إلا بأم القران قال البيهقي رواه في كتاب القراءة خلف الامام عن شجاع ابن الوليد عن النضر وفي باب أحاديث أخرى ذكرناها في كتابنا تحقيق الكلام في وجوب القراءة خلف الامام وفي كتابنا أبكار المنن في نقد اثار السنن وذكرها البيهقي في كتاب القراءة فمنها حديث محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي لفظه قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن وقال البيهقي في معرفة السنن بعد روايته هذا إسناد صحيح وقال في كتاب القراءة هذا حديث صحيح احتج به محمد بن إسحاق بن خزيمة في جملة ما احتج به في هذا الباب قوله (حديث عبادة حديث حسن) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أحمد والبخاري في جزء القراءة وصححه أبو داود والترمذي والدارقطني وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق ابن إسحاق حدثني مكحول عن محمود بن ربيعة عن بادة وتابعه زيد بن واقد وغايره عن مكحول ومن شواهده ما رواه أحمد من طريق خالد الحذاء عن أبي قلابة عن محمد بن أبي عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلكم
[ 195 ]
تقرأون والامام يقرأ قالوا إنا لنفعل قال لا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب إسناده حسن انتهى كلام الحافظ وقال في الدراية أخرجه أبو داود بإسناد رجاله ثقات انتهى وقال في نتائج الأفكار لتخريج أحاديث الأذكار هذا حديث حسن انتهى وسكت عنه أبو داود وذكر الحافظ المنذري تحسين الترمذي وأقره وقال القاري في المرقاة شرح المشكاة قال ميرك نق عن الملقن حديث عبادة بن الصامت رواه أبو داود والترمذي والدارقطني وابن حبان والبيهقي والحاكم وقال الترمذي حسن وقال الدارقطني إسناده حسن ورجاله ثقات وقال الخطابي إسناده جيد لا مطعن فيه وقال الحاكم إسناده مستقيم وقال البيهقي صحيح انتهى ما في المرقاة قوله (وهذا أصح) أي من حديث عبادة المذكور في الباب من طريق ابن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عنه وحديث عبادة من طريق الزهري عن محمود أخرجه الأئمة السته قوله (والعمل على هذا الحديث في القراءة خلف الامام عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وهو قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون القراءة خلف الامام) وهو قول بعض العلماء الحنفية أيضا قال العيني في عمدة القاري بعض أصحابنا يستحسنون ذلك على سبيل الاحتياط في جميع الصلوات وبعضهم في السرية فقط وعليه فقهاء الحجاز والشام انتهى وقال الملاجيون من العلماء الحنفية في التفسير الأحمدي فإن رأيت الطائفة الصوفية والمشائخين الحنفية تراهم يستحسنون قراءة الفاتحة للمؤتم كما استحسنه محمد رحمه الله أيضا احتياطا فما روى عنه انتهى وقال صاحب عمدة الرعاية حاشية شرح الوقاية من العلماء الحنفية وروى عن محمد أنه استحسن قراءة الفاتحة للمؤتم في السرية وروى
[ 196 ]
مثله عن أبي حنيفة صرح به في الهداية المجتبى شرح مختصر القدوري وغيرهما وهذا هو مختار كثير من مشائخنا انتهى تنبيه إعلم أن قول الترمذي وهو قول مالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق يرون القراءة خلف الامام فيه إجمال ومقصوده أن هؤلاء الأئمة كلهم يروا القراءة خلف الامام إما في جميع الصلوات أو في السرية فقط وإما على سبيل الوجوب أو على سبيل الاستحباب والاستحسان فأما من قال بوجوب القراءة خلف الامام في جميع الصلوات سرية كما كانت أو جهرية فاستدل بأحاديث الباب وهو القول الراجح المنصور وسيأتي تفصيل الأقوال في هذه المسألة باب ما جاء في ترك القراءة خلف الامام إذا جهر الامام بالقراءة قوله (حدثنا الأنصاري) وهو إسحاق بن موسى الأنصاري (عن ابن أكيمة) بالتصغير اسمه عمارة بضم أوله والتخفيف الليثي المدني يكنى أبا الوليد وقيل اسمه عمار أو عمر أو عامر يأتي غير مسمى ثقة من أوساط التابعين قوله (انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة) وفي رواية لأبي داود صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة نظن أنها الصبح (إني أقول مالي أنازع القران) بفتح الزاي ونصب القران على أنه مفعول ثان أي فيه كذا قال صاحب الازهار وقال الخطابي معناه أداخل في القراءة وأغالب عليها وقال الجزري في النهاية أي أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة وأغالب عليها وقال الجزري في النهاية أجاذب في قراءته كأنهم جهروا بالقراءة خلفه فشغلوه فالتبست عليه القراءة وأصل النزع الجذب ومنه نزع الميت بروحه انتهى (قال فانتهى الناس إلخ) أي قال فانتهى الناس كما روى بعض أصحاب الزهري فانتهى الناس مدر من قول الزهري وسيجئ تصريح الحفاظ بكونه مدرجا والحديث قد استدل به على ترك القراءة خلف
[ 197 ]
الامام إذا جهر الامام بالقراءة وفي الاستدلال به على هذا المطلوب نظر كما ستقف عليه قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله) أما حديث بن مسعود فأخرجه الطحاوي وغيره عنه قال كانوا يقرأون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال خلطتم على القران وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه مسلم وغيره عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر أو العصر فقال أيكم قرأ خلفي بسبح اسم ربك الأعلى فقال رجل أنا ولم أرد بها إلا الخير قال قد علمت أن بضعكم خالجنيها وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه وغيره مرفوعا من كان له إمام فقراءه الامام له قراءة وهذا حديث ضعيف كما ستعرف قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه مالك في الموطأ وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وروى بعض أصحاب الزهري هذا الحديث وذكروا هذا الحرف قال قال الزهري فانتهى الناس عن القراءة إلخ) يعني أن بعض أصحاب الزهري فصل قوله فانتهى الناس الخ عن الحديث وجعله من قول الزهري قال الامام البخاري في جزء القراءة قوله فانتهى الناس من كلام الزهري وقد بينه لي الحسن بن الصباح قال حدثنا مبشر عن الأوزاعي قال الزهري فاتعظ المسلمون بذلك فلم يكونوا يقرأون فيما جهر وقال مالك قال ربيعة إذا حدثت فبين كلامك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقال البيهقي في معرفة السنن قوله فانتهى الناس في القراءة من قول الزهري قاله محمد بن يحيى الذهلي صاحب الزهريات ومحمد بن إسماعيل البخاري وأبو داود واستدلوا على ذلك برواية الأوزاعي حين ميزه من الحديث وجعله من قول الزهري وكيف يصح ذلك عن أبي هريرة وأبو هريرة يأمر بالقراءة خلف الامام فيما جهر به وفيما خافت انتهى وقال في كتاب القراءة رواية ابن عيينة عن معمر دالة على كونه من قول الزهري وكذلك انتهاء الليث بن سعد وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع ابن جريج برواية
[ 198 ]
الحديث من الزهري إلى قوله ما لي أنازع القران الدال على أن ما بعده ليس في الحديث وأنه من قول الزهري ففصل كلام الزهري من الحديث بفصل ظاهر انتهى وقال الحافظ في التلخيص الحبير وقوله فانتهى الناس إلى اخره مدرج في الخبر من كلام الزهري بينه الخطيب واتفق عليه البخاري في التاريخ وأبو داود ويعقوب بن سفيان والذهلي والخطابي وغيرهم انتهى قوله (وليس في هذا الحديث ما يدخل على من رأى القراءة خلف الامام إلخ) حاصل كلامه إن حديث أبي هريرة المروي في هذا الباب لا يدل على منع القراءة خلف الامام حتى يكون حجة على القائلين بها فإن أبا هريرة الذي روى هذا الحديث قد روى هو حديث الخداج الذي يدل على وجوب قراءة الفاتحة على كل مصلى إماما كان أو مأموما أو منفردا وقد أفتى أبو هريرة بعد رواية هذا الحديث بقراءة فاتحة الكتاب خلف الامام حيث قال اقرأ بها في نفسك فعلم أن حديث أبي هريرة المروي في هذا الباب ليس فيه ما يدخل على من رأى القراءة خلف الامام أي ليس فيه ما يضر القائلين بالقراءة خلف الامام قال في القاموس الدخل محركة ما داخلك من فساد في عقل أو جسم وقد دخل كفرح وعنى دخ ودخ والمكر والخديعة والعيب في الحسب انتهى (وروى أبو عثمان النهدي عن أبي هريرة قال أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب) رواه البيهقي في كتاب القراءة بأسانيد وألفظ من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه تنبيه إعلم أن الامام مالك والزهري وغيرهما ممن قالوا بالقراءة خلف الامام في الصلوات السرية دون الجهرية قد استدلوا بأحاديث البا ب لكن في الاستدلال بهذه الأحاديث على مطلوبهم نظر أما حديث المنازعة الذي روى الترمذي في هذا الباب فإنه لا يدل على منع القراءة خلف الامام المتنازع فيها وهي القراءة بالسر وفي النفس بحيث لا يفضي المنازعة بقراءة
[ 199 ]
الامام نعم يدل على منع القراءة بالجهر خلفه وهي ممنوعة با تفاق قال الشوكاني في النيل استدل به القائلون بأنه لا يقرأ المؤتم خلف الامام في الجهرية وهو خارج عن محل النزاع لأن محل النزاع هو القراءة خلف الامام سرا والمنازعة إنما تكون مع جهر المؤتم لا مع إسراره وقال الفاضل اللكنوي غاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما لي أنازع القران فهو إن دل على النهي فإنما يدل على نهي القراءة المفضية إلى المنازعة في الجهر به انتهى وأما حديث ابن مسعود فإنه إنما يدل على منع التخليط على الامام والتخليط لا يكون إلا إذا قرئ خلف الامام بالجهر وأما إذا قرئ خلفه بالسر وفي النفس فلا يكون التخليط البتة وقد روى البيهقي في كتاب القراءة والبخاري في جزء القراءة حديث ابن مسعود هذا من طريق أبي الأحوص عن عبد الله قال خلطتم علي القران فهذه الرواية صريحة أن تخليطهم القران على النبي صلى الله عليه وسلم كان لقراءتهم خلفه بالجهر وعلى ذلك أنكر صلى الله عليه وسلم بقوله خلطتم على القران فهذا الحديث أيضا خارج عن محل النزاع وأما حديث عمران بن حصين فهو أيضا خارج عن محل النزاع قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد معنى قوله خالجنيها أي نازعني والمخالجة هنا عندهم كالمنازعة فحديث عمران هذا الحديث ابن اكيمة عن أبي هريرة ولا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الامام ويدل على ذلك قول أبي هريرة وهو راوي الحديث في ذلك اقرأ بها في نفسك يا فارسي انتهى وقال البيهقي في كتاب القراءة ثم إن كان كره النبي صلى الله عليه وسلم فإنما شيئا فإنما كره جهره بالقراءة خلف الامام ألا تراه قال أيكم قرأ بسبح اسم ربك الأعلى فلولا أنه رفع صوته بقراءة هذه السورة وإلا لم يسم له ما قرأ ونحن نكره للمأموم رفع الصوت بالقراءة خلف الامام فأما أن يترك أصل القراءة فلا وقد روينا عن عمران بن حصين رضي الله عنه في هذا الكتاب ما روى عنه في القراءة خلف الامام وذلك يؤكد ما قلنا انتهى وأما حديث جابر بن عبد الله فهو بجميع طرقه ضعيف كما ستعرف وقد استدل القائلون بالقراءة خلف الامام في السرية دون الجهرية بقوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا وبحديث أبي موسى وإذا قرأ فانصتوا وسيأتي الجواب عن ذلك فانتظر قوله (واختار أصحاب الحديث أن لا يقرأ الرجل إذا جهر الامام بالقراءة وقالوا يتبع سكتات الامام) جاء فيه حديث مرفوع رواه الحاكم عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا من صلى
[ 200 ]
صلاة مكتوبة مع الامام فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته ورواه البيهقي في كتاب القراءة من طريق محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا وفيه من صلى صلاة ما إمام يجهر فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته فإن لم يفعل فصلاته خداج غير تمام وقال بعد روايته ما لفظه ومحمد ابن عبد الله بن عبيد بن عمير وإن كان غير محتج به وكذلك بعض من تقدم ممن رواه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده فلقراءة المأموم فاتحة الكتاب في سكتة الامام شواهد صحيحة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده خبرا عن فعلهم وعن أبي هريرة من فتواهم ونحن نذكرها إن شاء الله تعالى في ذكر أقاويل الصحابة انتهى كلامه قلت قد ذكر البيهقي في هذا الكتاب في أقاويل الصحابة بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم كانوا يقرأون خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنصت فإذا قرأ لم يقرأوا وإذا أنصت قرأواوكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القران فهي خداج ثم ذكر بإسناده عن سعيد بن جبير قال كانوا إذا كبروا لا يفتتحون القراءة حتى يعلم أن من خلفه قد قرأوا فاتحة الكتاب قال البيهقي وقرأت في كتاب القراءة خلف الامام تصنيف البخاري قال قال ابن خثيم قلت لسعيد بن جبير اقرأ خلف الامام قال نعم وإن سمعت قراءته فإنهم قد أحدثوا ما لم يكونوا يصنعونه إن السلف كان إذا أم أحدهم الناس كبر ثم أنصت حتى يظن أن من خلفه قرأ بفاتحة الكتاب ثم قرأ وأنصت انتهى ما في كتاب القراءة قلت قال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار هذا موقوف صحيح فقد أدرك سعيد بن جبير جماعة من علماء الصحابة ومن كبار التابعين انتهى ثم ذكر البيهقي بإسناده عن هشام بن عروة عن أبيه قال يا بني اقرأوا في سكتة الامام فإنه لا تتم صلاة إلا بفاتحة الكتاب ثم ذكر بإسناده عن عبد الملك بن المغيرة عن أبي هريرة قال كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج ثم هي خداج فقال بعض القوم فكيف إذا كان الامام يقرأ قال أبو سلمة للإمام سكتتان فاغتنموها سكتة حين يكبروا وسكتة حين يقول غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال فهذا الجواب من أبي سلمة بن عبد الرحمن كان بين يدي أبي هريرة ولم ينكر عليه ذلك فهو كما قاله أبو هريرة ورواية العلاء بن عبد الرحمن تشهد لذلك بالصحة انتهى قلت رواية العلاء ليست مقيدة بقراءة المأموم في سكتات الامام ففي صحيح مسلم فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الامام فقال اقرأ بها في نفسك الحديث وعند البيهقي في هذا
[ 201 ]
الكتاب ص 21 قال قلت يا أبا هريرة إني أسمع قراءة الامام فقال يا فارسي أو يا ابن الفارسي اقرأ في نفسك وعنده أيضا في هذا الكتاب ص 19 قلت يا أبا هريرة فكيف أصنع إذا جهر الامام قال إقرأ بها في نفسك ثم ذكر البيهقي بإسناده قال مكحول إقرأ بها يعني بالفاتحة فيما جهر به الامام إذا قرأ بفاتحة الكتاب وسكت سراو إن لم يسكت اقر اقرأ بها قبله ومعه وبعده لا تتركها على حال انتهى قوله (وقد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الامام فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم القراءة خلف الامام) وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أخرج الدارقطني في سننه بإسناده عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر عن القراءة خلف الامام فقال اقرأ بفاتحة الكتاب قلت وإن كنت قال وإن كنت أنا قلت وإن جهرت قال وإن جهرت قال الدارقطني رواية كلهم ثقات وأخرجه بإسناد اخر وقال هذا إسناد صحيح وأخرج إسناده عن عبيد الله بن أبي رافع قال كان علي يقول اقرأوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الامام بفاتحة الكتاب وسورة قال الدارقطني بعد إخراجه هذا إسناد صحيح خرجه بإسناد اخر بلفظ كان يأمر أو يقول إقرأوا خلف الامام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين أو بفاتحة الكتاب وقال الحاكم في المستدرك قد صحت الرواية عن عمر وعلي أنهما كانا يأمران بالقراءة خلف الامام انتهى وإن شئت أن تقف على اثار الصحابة في القراءة خلف الامام فارجع إلى كتابنا تحقيق الكلام وإلى كتاب القراءة خلف الامام للبيهقي قوله (وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) قال البخاري في جزء القراءة وكان سعيد بن المسيب وعروة والشعبي وعبيد الله بن عبد الله ونافع بن جبير وأبو المليح والقاسم بن محمد وأبو مجلز ومكحول ومالك بن عون وسعيد بن عروبة يرون القراءة وقال فيه وقال الحسن وسعيد بن جبير وميمون بن مهران ومالا أحصى من التابعين وأهل العلم أنه يقرأ خلف الامام وإن جهر انتهى (وروي عن عبد الله بن المبارك أنه قال أنا أقرأ خلف الامام والناس يقرأون إلا قوم من الكوفيين) يعني أبا حنيفة وأصحابه فهم لا يرون القراءة خلف الامام
[ 202 ]
لا في السرية وفي الجهرية وظهر من كلام ابن المبارك هذا أن كل من كان في عهد ابن المبارك من التابعين وأتباعهم كانوا يقرأون خلف الامام غير قوم من أهل الكوفة (وأرى أن من لم يقرأ) أي خلف الامام (صلاته جائزة) فابن المبارك كان يقرأ خلف الامام ولكن لم يكن من القائلين بوجوب القراءة خلف الامام (وشدد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الامام) فقالوا لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلفه الامام قولهم هذا هو القول الراجح المنصور وذهبوا إلى ما روى عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فإن لفظ من في هذا الحديث من ألفاظ العموم فهو شامل للمأموم قطعا كما هو شامل ل مام والمنفرد وكذلك لفظ صلاة في قوله لا صلاة عام يشمل كل صلاة فرضا كانت أو نف صلاة الامام كانت أو صلاة المنفرد سرية كانت أو جهرية قال الحافظ ابن عبد البر وقال اخرون لا يترك أحد من المأمومين قراءة فاتحة الكتاب فيما جهر بالقراءة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخص بقوله ذلك مصليا من مصلى انتهى وقال الحافظ في الفتح واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سواء أسر الامام أو جهر لأن صلاته حقيقة فتنتفى عند انتفاء القراءة انتهى (وقرأ عباده بن الصامت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلف الامام وتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب روى الدارقطني عن زيد بن واقد عن حرام بن حكيم ومكحول عن نافع بن محمود بن الربيع كذا قال أنه سمع عبادة ابن الصامت يقرأ بأم القران وأبو نعيم بجهر بالقراءة فقلت رأيتك صنعت في صلاتك شيئا قال وما ذاك قلت سمعتك بأم القران وأبو نعيم يجهر بالقراءة قال نعم صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة فلما انصرف قال منكم من أحد يقرأ شيئا من القران إذا جهرت بالقراءة قلنا نعم يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول ما لي أنازع القران فلا يقرأن أحد منكم شيئا من القران إذا جهرت
[ 203 ]
بالقراءة إلا بأم القران رواه الدارقطني وقال هذا إسناد حسن ورجاله ثقات كلهم (وبه يقول الشافعي وإسحاق وغيرهما) قال الخطابي في معالم السنن قد اختلف العلماء في هذه المسألة نروي عن جماعة من الصحابة أنهم أوجبوا القراءة خلف الامام وقد روي عن اخرين أنهم كانوا لا يقرأون وافترق الفقهاء فيه على ثلاثة أقاويل فكان مكحول والأوزاعي والشافعي وأبو ثور يقولون لا بد من أن يقرأ خلف الامام فيها بجهر من الصلاة وقال الزهري ومالك وابن المبارك وأحمد وإسحاق يقرأ فيما أسر الامام فيه ولا يقرأ فيما جهر به وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقرأ خلف الامام جهر أو أسر انتهى كلام الخطابي تنبيه قال العيني في شرح البخاري تحت حديث عبادة المذكور ما لفظه استدل بهذا الحديث عبد الله بن المبارك والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود على وجوب قراءة الفاتحة خلف الامام في جميع الصلوات انتهى قلت هذا وهم من العيني فإن عبد الله بن المبارك لم يكن من القائلين بوجوب القراءة خلف الامام كما عرفت وكذلك الامام مالك وا مام أحمد لم يكونوا قائلين بوجوب قراءة الفاتحة خلف الامام في جميع الصلوات (وأما أحمد بن حنبل فقال معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إذا كان وحده وكذا قال سفيان كما ذكرناه أبو داود في سننه قلت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخص إلا بدليل من الكتاب والسنة ولا يجوز تخصيصه بقول أحمد ولا بقول سفيان واحتج بحديث جابر بن عبد الله حيث قال من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القران فلم يصل إلا أن يكون وراء الامام هذا قول جابر رضي الله عنه وليس بحديث مرفوع (قال أحمد فهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تأول قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أن هذا إذا كان وحده) حمل جابر هذا الحديث على غير المأموم مخالف لظاهره فإنه بعمومه شامل للمأموم أيضا وقد عرفت أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو راوي الحديث قد حمله على ظاهره وعمومه وقد تقرر أن راوي الحديث أدرى بمراد الحديث من غيره وحديث عبادة الذي أخرجه الترمذي في باب القراءة خلف
[ 204 ]
الامام من طريق ابن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن دليل واضح على أن حديث عبادة هذا محمول على ظاهره وعمومه قال البيهقي في كتاب القراءة ص 151 فأما قراءة فاتحة الكتاب فجملة حديث عبادة ابن الصامت وأبي هريرة تدل على وجوبها على كل أحد سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا مع ثبوت الدلالة فيه عن من حمل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ذلك على العموم وأن وجوبها على المنفرد والامام والمأموم وهو بالاثار التي رويناها عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة في ذلك فمن ترك تفسيرهما وأخذ بتفسير سفيان ابن عيينة الذي ولد بعدهما بسنين ولم يشاهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاهدا حيث قال لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه هذا لمن يصلي وحده أو أخذ بتأويل من تأوله على غير ما تأولا من الفقهاء كان تاركا لسبيل أهل العلم في قبول الأخبار وردها فنحن إنما صرنا إلى تفسير الصحابي الذي حمل الحديث لفضل علمه بسماع المقال ومشاهده الحال على غيره قال ولو صار تأويل سفيان حجة لم يجب على الامام قراءة القران في صلاته لأنه لا يصلي وحده إنما يصلي بالجماعة انتهى (وأختار أحمد مع هذا القراءة خلف الامام وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الامام) وكذلك جابر رضي الله عنه حمل حديث عبادة المذكور على الذي يكون وحده ومع هذا كان يقرأ في صلاة الظهر والعصر خلف الامام تنبيه عقد الترمذي للقراءة خلف الامام ما بين وذكر فيهما مذاهب أهل العلم ولم يذكر في واحد منهما مذهب أهل الكوفة من الامام أبي حنيفة ومن تبعه فلنا أن نذكر مذهبهم ودلائلهم مع بيان ما لها وما عليها بالاختصار ولنا كتاب مبسوط في تحقيق هذه المسألة سميناه تحقيق الكلام في وجوب القراءة خلف الامام وفيه بابان الباب الأول في إثبات وجوب القراءة خلف الامام والباب الثاني في الجواب عن أدلة المانعين وقد أشبعنا الكلام في كل من البابين وبسطناه وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا أبكار المنن فأعلم أن مذهب الامام أبي حنيفة أن لا يقرأ خلف الامام مطلقا جهر الامام أو أسر قال محمد في موطأ لا قراءة خلف الامام فيما جهر فيه ولا فيما لم يجهر وهو قول أبي حنيفة رحمه الله انتهى هذا هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأما أكثر الحنفية فيقولون إن القراءة خلف الامام
[ 205 ]
مكروهة كراهة تحريم ويستدلون على مذهبهم بد لائل لا يثبت بواحد منها مطلوبهم وكان أعلى دلائلهم وأجلها عند أجلة علمائهم كالشيخ ابن الهمام وغيره هو قوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون فكانوا يحتجون بقوله (فاستمعوا) على منع القراءة خلف الامام في الصلوات الجهرية وبقوله (وأنصتوا) على المنع في الصلوات السرية ولان قد حصحص الحق لهم فاعترفوا بما في هذا الاستدلال من الاختلال فقال قائل منهم في رسالته إمام الكلام الانصاف الذي يقبله من لا يميل إلا الاعتساف أن الاية التي أستدل بها أصحابنا على مذهبهم لا تدل على عدم جواز القراءة في السرية ولا عدم جواز القراءة في الجهرية حال السكتة انتهى وقال قائل منهم في رسالته الفرقان أن كثيرا من العلماء الحنفية قد أدعوا الحنفية قد أدعوا أن قراءة المقتدي منسوخة بقوله وإذا قرئ القران فاستمعوا له وأنصتوا وأجتهدوا في إثبات النسخ به والحق أن هذا أدعاء محض لا يساعده الدليل والعجب من أكابر العلماء يعني الحنفية الذي في العلوم الدينية كالبحر الذخار كيف تصدوا ثبات النسخ بهذه الاية انتهى كلامه مترجما وقال قائل منهم بعد ذكر وجوه عديدة تخدش الاستدلال بهذ الاية ما لفظه غاية ما في الباب أن الاية لما أحتملت هذه الوجوه كان الاستدلال بقوله عليه السلام من كان له إمام فقراء القران له قراءة كما تمسك به صاحب الهداية أوضح من الاستدلال بهذه الاية انتهى قلت قد ذكرنا في تحقيق الكلام وجوها كثيرة كلها تدل على أن أستدلال الحنفية بهذه الآية على مطلوبهم المذكور ليس بصحيح المذكور ليس بصحيح ولا يثبت بها مدعاهم ونذكر ههنا خمسة وجوه منها فالأول منها أن هذه ساقطة عن الإستدلال عند الفقهاء الحنفية لا يجوز الإستدلال بها وقد صرح بذلك في كتب أصولهم قال في التلويح في باب المعارضة والترجيح مثال المصير إلى السنة عند تعارض الآيتين قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن وقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون تعارضنا فصرنا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة انتهى وكذا في نور الأنوار وزاد فيه فالأول بعمومه يوجب القراءة على المقتدي والثاني بخصوصه ينفيه وقد وردا في جميعا فتساقطا فيصار إلى حديث بعده إلى حديث بعده وهو قوله عليه السلام من كانت له إمام إلخ فالعجب من العلماء أنهم مع وجود هذا التصريح في كتب أصولهم كيف استدلوا بهذه الآية
[ 206 ]
والثاني أن قوله تعالى (وإذا قرئ القرآن) إنما ينفي القراءة خلف الإمام جهرا وبرفع الصوت فإنها تشغل عن أستماع القرآن وأما القراءة خلفه في النفس وبالسر فلا ينفيها فإنها لا تشغل عن الإستماع فنحن نقرأ الفاتحة خلف الإمام عملا بأحاديث القراءة خلف الإمام في النفس وسرا ونستمع القرآن عملا بقوله (وإذا قرئ القرآن) ولاشتغال بأحدهما لا يفوت الآخر ألا ترى أن الفقهاء الحنفية يقولون إن أستماع الخطبة يوم الجمعة واجب لقوله تعالى وإذا قرئ القرآن ومع هذا يقولون إذا خطب الخطيب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما فيصلي السامع سرا وفي النفس قال في الهداية إلا أن يقرأ الخطيب قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه الآية فيصلي السامع في نفسه انتهى وقال في الكفاية قوله فيصلي السامع في نفسه أي فيصلي بلسانه خفيا انتهى وقال العيني في رمز الحقائق لكن إذا قرأ الخطيب يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما يصلي السامع ويسلم في نفسه سرا إئتمارا للأمر انتهى وقال في البناية فإن قلت توجه عليه أمران أحدهما صلوا عليه وسلموا والأمر الآخر قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال مجاهد نزلت في الخطبة والإشتغال بأحدهما يفوت الآخر قلت إذا صلى في نفسه ونصت وسكت يكون آتيا بموجب الأمرين انتهى وقال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير وعن أبي يوسف ينبغي أن يصلي في نفسه لأن ذلك مما لا يشغله عن سماع الخطبة فكان إحرازا للفضلين انتهى والثالث قال الرازي في تفسيره السؤال الثالث وهو المعتد أن نقول الفقهاء أجمعوا على أنه يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد فهب أن عموم قوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا بوجب سكوت المأموم عند قراءة الإمام إلا أن قوله عليه السلام لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أخص من ذلك العموم وثبت أن تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لازم فوجب المصير إلى تخصيص هذه الآية بهذا الخبر وهذا السؤال حسن انتهى وفي تفسير النيسابوري وقد سلم كثير من الفقهاء عموم اللفظ إلا أنهم جوزوا تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد ههنا قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب انتهى وقال صاحب غيث الغمام حاشية إمام الكلام ذكر ابن الحاجب في مختصر الأصول والعضد في شرحه أن تخصيص عام القرآن بالمتواتر جائز أتفاقا وأما بخبر الواحد فقال بجوازه
[ 207 ]
الأئمة الأربعة وقال ابن أبان من الحنفية إنما يجوز إذا كان العام قد خص من قبل بدليل قطعي منفصلا كان أو متصلا وقال الكرخي إنما يجوز إذا كان العام قد خص من قبل بدليل منفصلا قطيعا كان أو ظنيا انتهى والرابع أنه لو سلم أن هذه الآية تدل على منع القراءة خلف الإمام فإنما تدل على المنع إذا جهر الإمام فإن الإستماع والإنصات لا يمكن إلا إذا جهر وقد أعترف به العلماء الحنفية أيضا فقال قائل في تعليقاته على الترمذي ما لفظه ولا تعلق لها يعني هذه الآية بالسرية والإنصات معناه في اللغة كان لكانا أورسننا ويكون في الجهرية سيما إذا اجتمع الإستماع والإنصات وما من كلام فصيح يكون الإنصات فيه في السر انتهى فنحن نقرأ خلف الإمام في الصلوات السرية وفي الجهرية أيضا عند سكتات الإمام فإن الآية لا تدل على المنع إذا جهر قال الإمام البخاري في جزء القراءة قيل له احتجاجك بقول الله تعالى فاستمعوا وأنصتوا أرأيت إذا لم يجهر الإمام يقرأ خلفه فإن قال لا بطل دعواه لأن الله تعالى قال فاستمعوا له وأنصتوا وإنما يستمع لما يجهر مع أنا نستعمل قول الله تعالى فاستمعوا له نقول يقرأ خلف الإمام عند السكتات انتهى وقد أعترف بهذا كله بعض الفاضل الكنوي العلماء الحنفية حيث قال هذه الآية لا تدل على عدم جواز القراءة في السرية ولا على عدم الجواز القراءة في الجهرية حال السكتة الخامس أن هذه الآية لا تعلق لها بالقراءة خلف الإمام فإنه ليس فيها خطاب مع المسلمين بل فيها خطاب مع الكفار في ابتداء التبليغ قال الرازي في تفسيره وللناس فيه أقوال الأول هو قول الحسن وهو قول أهل الظاهر أنا نجري هذه الآية على عمومها ففي أي موضع قرأ الإنسان وجب على كل أحد استماعه والقول الثاني أنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة والقول الثالث نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام وهو قول أب حنيفة وأصحابه والرابع أنها نزلت في السكوت عند الخطبة وفي الآية قول الخامس وهو أنه خطاب مع الكفار في ابتداء التبلغ وليس خطابا مع المسلمين وهذا قول حسن مناسب وتقريره أن الله تعالى حكى قبل هذه الآية أن أقواما من الكفار يطلبون آيات مخصوصة ومعجزات مخصوصة فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام لا يأتيهم بها قالوا لولا اجتبيتها فأمر الله رسوله أن يقول جوابا عن كلامهم إنه ليس لي أن أقترح على ربي و ليس إلى إلا أن أنتظر الوحي ثم بين أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ترك الإتيان بتلك المعجزات التي اقترحوها في صحة النبوة لأن القرآن معجزة تامة كافية في إثبات النبوة وعبر الله تعالى عن هذا المعنى بقوله هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فلو قلنا إن قوله
[ 208 ]
تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا المراد منه قراءة المأموم خلف الإمام لم يحصل بين هذه الآية وبين ما قبلها تعلق بوجه من الوجوه وانقطع النظم وحصل فساد التركيب وذلك لا يليق بكلام الله تعالى فوجب أن يكون المراد منه شيئا آخر سوى هذا الوجه وتقريره أنا لما أدعى كون القرآن بصائر وهدى ورحمة من حيث أنه معجزة دالة على صدق محمد عليه الصلاة والسلام وكونه كذلك لا يظهر إلا بشرط مخصوص وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على أولئك الكفار استمعوا له وأنصتوا حتى يقفوا على فصاحته ويحيطوا بما فيه من العلوم الكثيرة فحينئذ يظهر لهم كونه معجزا دالا على صدق محمد صلى الله عليه وسلم فيستغنوا بهذا القرآن عن طلب سائر المعجزات ويظهر لهم صدق قوله في صفة القرآن بصائر وهدى ورحمة فثبت أنا إذا حملنا الآية على هذا الوجه استقام النظم وحصل الترتيب فثبت أن حمله على ما ذكرناه أولى وإذا ثبت هذا ظهر أن قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا خطاب مع الكفار عند قراءة الرسول عليهم القرآن في معرض الإحتجاج وبكونه معجزا على صدق نبوته وعند هذا يسقط استدلال الخصوم بهذه الآية من كل الوجوه ومما يقوى أن حمل الآية على ما ذكرناه أولى وجوه الأول أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم قالوا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلما حكى عنهم ذلك ناسب أن يأمرهم بالإستماع والسكوت حتى يمكنهم الوقوف على ما في القرآن من الوجوه الكثيرة البالغة إلى حد الإعجاز والوجه الثاني أنه قال قبل هذه الآية هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فحكم بكون هذا القرآن رحمة للمؤمنين على سبيل القطع والجزم ثم قال وإذا قرئ القرآن إلخ ولو كان المخاطبون بقوله فاستمعوا وأنصتوا هم المؤمنون لما قال لعلكم ترحمون لأنه جزم قبل هذه الآية يكون القرآن رحمة للمؤمنين قطعا فكيف يقول بعده من غير فصل لعله يكون القرآن رحمة للمؤمنين أما إذا قلنا إن المخاطبين به هم الكافرون صح حينئذ قوله (لعلكم ترحمون انتهى كلام الرازي ملخصا فإن قلت قد أخرج البيهقي عن الإمام أحمد قال أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة انتهى فمع إجماع الناس على أن هذه الآية في الصلاة كيف يصح قول من قال إن فيها خطابا مع الكفار وليس فيها خطاب مع المسلمين قلت لم يذكر الزيلعي إنساد قول أحمد هذا ولم يبين أن البيهقي في أي كتاب أخرجه وقد طالعت كتاب القراءة له من أوله إلى آخره ولم أجد فيه قول أحمد هذا وكذا طالعت باب القراءة
[ 209 ]
خلف الإمام في كتابه معرفة السنن له ولم أجد فيه قول أيضا هذا القول فالله أعلم أن البيهقي في أي كتاب أخرجه وكيف حال إسناده ثم هذا القول ليس بصحيح في نفسه فإن في شأن نزول هذه الآية أقوالا منها أنها نزلت في السكوت عند الخطبة وأيضا يدل على عدم صحته قول ابن المبارك أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إلا قوم من الكوفيين وأيضا يدل على عدم صحته أن الإمام أحمد أختار القراءة خلف الإمام وأن لا يترك الرجل فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام كما ذكره الترمذي فتفكر وأيضا يدل على عدم صحة أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في القراءة خلف الإمام وقد قال بها أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي فتفكر فإن قلت الخطاب في هذا الآية وإن كان مع الكفار لكن قد تقرر في مقرة أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب قلت لا شك في أن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن قد تقرر أيضا في مقره أن اللفظ لو يحمل على عمومه يلزم التعارض والتناقض ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض فحينذ يحمل على خصوص السبب قال الشيخ ابن الهمام في فتح القدير وما روى في الصحيحين أن عليه الصلاة والسلام كان في سفر فرأى زحاما ورجل قد ظلل عليه فقال ما هذا فقالوا صائم فقال ليس من البر الصيام في السفر محمول على أنهم استضروا به بدليل ما ورد في صحيح مسلم في لفظ أن الناس قد شق عليهم الصوم والعبرة وإن كان لعموم اللفظ لا لخصوص السبب لكن يحمل عليه دفعا للمعارضة بين الأحاديث الخ فإذا عرفت هذا فاعلم أنه لو يحمل قوله تعالى وإذا قرئ القرآن على عمومه لزم التعارض والتناقض والتناقض بينه وبين قوله تعالى فاقرأ وما تيسر من القرآن وأحاديث القراءة خلف الإمام ولو يحمل على خصوص السبب يندفع التعارض فحينئذ يحمل على خصوص السبب هذا وإن شئت الوقوف على الوجوه الأخرى فارجع إلى كتابنا تحقيق الكلام والدليل الثاني للحنفية حديث أبي موسى قال علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا قمتم إلى الصلاة فليؤمكم أحدكم وإذا قرأ الإمام فأنصتوا أخرجه أحمد ومسلم وحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا أخرجه الخمسة إلا الترمذي قلت محل الإستدلال من هذين الحديثين هو قوله وإذا قبرأ الإمام فأنصتوا وهو غير محفوظ عند أكثر الحفاظ قال الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي في المعرفة بعد أن روى حديث أبي هريرة وأبي موسى وقد أجمع الحافظ على خطأ هذه اللفظة في الحديث أبو داود وأبو حاتم وابن
[ 210 ]
معين والحاكم والدارقطني وقالوا إنها ليست بمحفوظة انتهى ولو سلم أن لفظ وإذا قرأ فأنصتوا في هذين الحديثين محفوظ فالإستدلال به على منع القراءة خلف الإمام ليس بصحيح كما أن الإستدلال على هذا المطلوب بقوله تعالى وإذا قرئ القرآن ليس بصحيح كما عرفت وعلى عدم صحة الإستدلال به على المنع وجوه أخرى ذكرناها في كتابنا تحقيق الكلام منها أن قوله وإذا قرئ فأنصتوا محمول على ما عدا الفاتحة جمعا بين الأحاديث قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث وإذا قرأ فأنصتوا وهو حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري ولا دلالة في لامكان الجمع بين الأمرين فينصت فيما عدا الفاتحة أو ينصت إذا قرأ الإمام إذا سكت وقال الإمام البخاري في جزء القراءة ولو صح لكان يحتمل سوى الفاتحة وإن قرأ فيما سكت الإمام ويؤيد هذا أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يفتي بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام في جميع الصلوات جهرية كانت أو سرية وهو راوي حديث وإذا قرأ فأنصتوا أيضا والدليل الثالث للحنفية حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة أخرجه الدارقطني والطحاوي وغيرهما قلت الإستدلال بهذا الحديث على منع القراءة خلف الإمام ليس بصحيح فإن هذا الحديث بجميع طرقه ضعيف كما بيناه في كتابنا تحقيق الكلام قال الحافظ في فتح الباري واستدل من أسقطها عن المأموم مطلقا كالحنفية بحديث من صلى خلف الإمام فقراءة الإمام له قراءة لكنه ضعيف عند الحافظ وقد استوعب طرقه وعلله الدارقطني وغيره انتهى وقال في التلخيص حديث من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة مشهورة من حديث جابر وله طرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة انتهى ولو سلمنا أن هذا الحديث صحيح فلنا عنه أجوبة عديدة ذكرناها في تحقيق الكلام فمنها ما قال الفاضل اللكنوي في كتابه إمام الكلام إن هذا الحديث يعني حديث من كان له إمام الخ لس بنص على ترك قراءة بل يحتملها ويحتمل قراءة ما عداها وتلك الروايات يعني روايات عبادة وغيره في القراءة خلف الإمام تدل على وجوب قراءة الفاتحة أو استحسانها نصا فينبغي تقديمها عليه قطعا انتهى وقال في أيضا حديث عبادة نص في قراءة الفاتحة خلف الإمام وأحاديث الترك والنهي لا تدل على تركها نصا بل ظاهرا وتقديم النص على الظاهر منصوص في كتب الأعلام انتهى وقال الحازمي في كتاب الإعتبار الوجه الثالث والثلاثون أن يكون الحاكم
[ 211 ]
الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملا يعني فيتقدم الأول على الثاني انتهى ومنها ما قال الإمام البخاري في جزء القراءة فلو ثبت الخبر أن كلاهما لكان هذا مستثنى من الأول لقوله لا يقرأن إلا بأم الكتاب وقوله من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة جملة وقوله إلا بأم القرآن مستثنى من الجملة كقول النبي صلى الله عليه وسلم جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ثم قال في أحاديث آخر إلا المقبرة وما استثناه من الأرض والمستثنى خارج من الجملة وكذلك فاتحة الكتاب خارج من قوله من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة مع انقطاعه انتهى ومنها أن هذا الحديث وارد فيما عدا الفاتحة قال صاحب إمام الكلام قد يقال إن مورد هذا الحديث هو قراءة رجل خلف النبي صلى الله عليه وسلم فهو شاهد لكونه واردا فيما عدا الفاتحة انتهى وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وحمل البيهقي هذه الأحاديث على ما عدا الفاتحة واستدل بحديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ثم قال لعلكم تقرأون خلف إمامكم قلنا نعم قال فالا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب وأخرجه أبو داود بإسناد رجاله ثقات وبهذا يجمع الأدلة المثبتة للقراءة والنافية انتهى ومنها أن هذا الحديث منسوخ عند الحنفية فلا يصح الإستدلال به على منع القراءة خلف الإمام وتقرير النسخ عندهم أن جابرا راوي هذا الحديث رضي الله عنه كان يقرأ خلف الإمام وكذلك روى هذا الحديث أبو هريرة وأنس وأبو سعيد وابن عباس وعلي وعمران بن حصين رضي الله عنهم وكل هؤلاء كانوا يقرأون خلف الإمام ويفتون بها وعمل الراوي وفتواه خلاف حديثه يدل على نسخه عندهم أما قراءة جابر فقد رواه ابن ماجه بسند صحيح عنه قال كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب قال الشيخ أبو الحسن السندي في حاشية ابن ماجه قوله كنا نقرأ قال المزي موقوف ثم قال هذا إسناد صحيح رجاله ثقات انتهى وأما فتوى أبي هريرة مسلم في صحيحه في حديث الخداج بفظ فقيل لأبي هريرة إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك انتهى وأخرجه الحافظ أبو عوانة في صحيحه في هذا الحديث بلفظ فقلت لأبي هريرة فإني أسمع قراءة القرآن فغمزني بيده قال يا فارسي أو ابن الفارسي اقرأ بها في نفسك انتهى وقال البيهقي في معرفة السنن وفي رواية عن سفيان عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة في هذا الحديث قلت يا أيا هريرة إني أسمع
[ 212 ]
قراءة الإمام فقال يا فارسي أبو ابن الفارسي اقرأ بها في نفسك انتهى . وأخرجه البخاري في جزء القراءة في هذا الحديث قلت يا أبا هريرة كيف أصنع إذا كنت مع الامام وهو يجهر بالقراءة قال ويلك يا فارسي اقرأ بها في نفسك انتهى وأسانيد هذا الفتوى صحيحة وأما فتوى أنس رضي الله عنه فأخرجه البيهقي في كتاب القراءة بإسناده عن ثابت عنه قال كان يأمرنا بالقراءة خ لف الإمام قال وكنت أقوم إلى جنب أنس فيقرأ بفاتحة الكتاب وسورة من المفصل ويسمعنا قراءته لنأخذ عنه وأما فتوى أبي سعيد الخدري فأخرجه البيهقي أيضا بإسناده عن أبي نضرة قال سألت أبا سعيد الخدري عن القراءة خلف الإمام فقال بفاتحة الكتاب وإسناده حسن وقد اعترف به صاحب آثار السنن وأما فتوى ابن عباس رضي الله عنه فأخرجه البيهقي أيضا بإسناده عن عطاء عنه قال اقرأ خلف الإمام جهرا ولم يجهر وفي رواية له قال لا تدع فاتحة الكتاب جهر الإمام أو لم يجهر وأخرجه بإسناده عن إسماعيل بن أبي خالد حدثنا العيزار ابن حريث قال سمعت ابن عباس يقول اقرأ خلف الإمام بفاتحة الكتاب قال البيهقي وهذا سند صحيح لا غبار عليه وأما فتوى علي رضي الله عنه فأخرجه البيهقي أيضا في كتاب القراءة بإسناده عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه قال اقرأ في صلاة الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة قال البيهقي هذا الإسناد من أصحح الأسانيد في الدنيا انتهى وأما فتوى عمران بن حصين رضي الله عنه فأخرجه البيهقي أيضا في كتاب القراءة عنه قال لا تزكوا صلاة مسلم إلا بطهور وركوع وسجود وفاتحة الكتاب وراء الإمام وغير الإمام ومنها أن هذا الحديث معارض ومخالف لقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن فإنه بعمومه نص صريح في أن المقتدي لا بد له من قراءة حقيقية خلف الإمام وهذا الحديث يدل على منع القراءة الحقيقية خلف الامام على قول أكثرهم أو يدل على أن المقتدي لا حاجة له إلى القراءة الحقيقية خلف الامام بل قراءة إمامه تكفيه على قول بعضهم وعلى كلا القولين يسقط هذا الحديث عن الاستدلال وقد استدل الحنفية بحديث ابن أكيمة عن أبي هريرة الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب بلفظ أني أقول مالي أنازع القران وبحديث ابن مسعود وبحديث عمران بن حصين الذين أشار إليهما الترمذي وقد عرفت أن هذه الأحاديث الثلاثة لا تدل على منع القراءة خلف الامام المتنازع فيها وهي قراءة خلف الامام في النفس
[ 213 ]
وبالسر بحيث لا تقضي إلا المنازعة بقراءة الامام نعم تدل على منع القراءة بالجهر خلفه وهي ممنوعة با تفاق تنبيه إعلم أن الحنفية قد استدلوا على منع القراءة خلف الامام ببعض اثار الصحابة رضي الله عنه كأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه قال لا قراءة مع الامام في شئ رواه مسلم وأخرجه الطحاوي رحمه الله عن زيد وجابر وابن عمر أنهم قالوا لا يقرأ خلف الامام في شئ من الصلوات قلت احتجاجهم بهذه الاثار ليس بشئ فإن الأئمة الحنفية كالشيخ ابن الهمام وغيره قد صرحوا بأن قول الصحابي حجة ما لم ينفه شئ من السنة وقد عرفت أن الأحاديث المرفوعة الصحيحة دالة على وجوب القراءة خلف الامام فهي تنفي هذه الاثار فكيف يصح الاحتجاج بها قال صاحب إمام الكلام صحر ابن الهمام وغيره أن قول الصحابي حجة ما لم ينفيه شئ من السنة ومن المعلوم أن الأحاديث المرفوعة دالة على إجازة قراءة الفاتحة خلف الأئمة فكيف يؤخذ با ثار وتترك السنة انتهى وأيضا قد صرحوا بأن حجية الصحابة إنما تكون مفيدة إذا لم يكن الأمر مختلفا فيه بينهم كما في التوضيح ونور الأنوار والأمر فيما نحن فيه ليس كذلك بل فيه اختلاف الصحابة رضي الله عنه كما عرفت فكيف يصح احتجاجهم بهذه الاثار لا بد أن تحمل على قراءة السورة التي بعد الفاتحة أو على الجهر بالقراءة مع الامام لئلا تخالف الأحاديث المرفوعة الصحيحة قال النووي في شرح مسلم والثاني أنه أي قول زيد بن ثابت محمول على قراءة السورة التي بعد الفاتحة في الصلاة الجهرية فإن المأموم لا يشرع له قراءتها وهذا التأويل متعين ليحمل قوله على موافقة الأحاديث الصحيحة انتهى وقال البيهقي في كتاب القراءة وهو قول زيد رضي الله عنه محمول عندنا على الجهر بالقراءة مع الامام وما من أحد من الصحابة وغيرهم من التابعين قال في هذه المسألة قو لا يحتج به من لم ير القراءة خلف الامام إلا وهو يحتمل أن يكون المراد به ترك الجهر بالقراءة انتهى قوله (من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القران فلم يصح إلخ) قال البيهقي في كتاب القراءة
[ 214 ]
ص 112 بعد ما أخرج هذا الأثر ما لفظه فيه حجة على تعين القراءة في الصلاة بأم القران ووجوب قراءتها في كل ركعة من ركعات الصلاة خلاف قول من قال لا يتعين ولا يجب قراءتها في الركعتين الأخريين فأما قوله إلا وراء الامام فيحتمل أن يكون من مذهبه جواز ترك القراءة خلف الامام فيما يجهر فيه الامام بالقراءة فقد روينا عنه فيما تقدم كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الامام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ويحتمل أن يكون المراد به الركعة التي يدرك المأموم إمامه راكعا فيجزي عنه بلا قراءة وإلى هذا التأويل ذهب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي فيما حكاه محمد بن إسحاق بن خزيمة عنه فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو غانم أزهر بن أحمد بن حمدون المنادي ببغداد أخبرنا أبو قلابة الرقاشي أخبرنا بكير بن بكار أخبرنا مسعر بن يزيد الفقير عن جابر بن عبد الله قال كان يقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في الأخريين بفاتحة الكتاب قال وكنا نتحدث أنه لا يجوز صلاة إلا بفاتحة الكتاب وشئ معها وفي رواية ابن بشر أن فما فوق ذاك أو قال فما أكثر من ذاك وهذا لفظ عام يجمع المنفرد والمأموم وا مام ورواه عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أنه قال سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأولين بأم القران وسورة وفي الأخريين بأم القران والصحابي إذا قال سنة وكنا نتحدث فإن جماعة من أصحاب الحديث يخرجونه في المسانيد انتهى ما في كتاب القراءة باب ما جاء ما يقول عند دخوله المسجد قوله (عن ليث) هو ليث بن أبي سليم صدوق اختلط أخيرا فلم يتميز حديثه فترك كذا في التقريب (عن عبد الله بن الحسن) هو عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب الهاشمي المدني أبو محمد ثقة جليل القدر (عن أمه فاطمة بنت الحسين) هي فاطمة بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمية المدينة زوج الحسن بن الحسن بن علي بن طالب ثقة عن (جدتها فاطمة الكبرى) هي فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم الحسنين سيدة نساء هذه الأمة تزوجها
[ 215 ]
علي في السنة الثانية من الهجرة وماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر وقد جاوزت العشرين بقليل قوله (إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك قال القاري في المرقاة يحتمل قبل الدخول وبعده والأول أولى ثم حكمته بعد تعلمي أمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يجب عليه الايمان بنفسه كما كان يجب على غيره فكذا طلب منه تعظيمها بالصلاة منه عليها كما طلب ذلك من غيره انتهى وفي رواية ابن ماجه إذا دخل المسجد يقول بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك وكذلك في رواية أحمد (وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك قال الطيبي لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول والفضل بالخروج أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته فيناسب ذكر الرحمة وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال الله تعالى فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله انتهى قوله (وفي الباب عن أبي حميد وأبي أسيد وأبي هريرة) أما حديث أبي حميد فأخرجه ابن ماجه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك وأما حديث أسيد فأخرجه مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل أحدكم المسجد فليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليقل اللهم إني أسألك من فضلك وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي ثم ليقل اللهم افتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج فليسلم على النبي وليقل اللهم اعصمني من الشيطان الرجيم
[ 216 ]
قوله (حديث فاطمة حديث حسن وليس إسناده بمتصل إلخ) فإن قلت قد اعترف الترمذي بعدم اتصال إسناد حديث فاطمة فكيف قال حديث فاطمة حديث حسن قلت الظاهر أنه حسنه لشواهده وقد بينا في المقدمة أن الترمذي قد يحسن الحديث مع ضعف الاسناد للشواهد وهذا الحديث أخرجه أحمد وابن ماجه أيضا فإن قلت لم أورد الترمذي في هذا الباب حديث فاطمة وليس إسناده بمتصل ولم يورد فيه حديث أبي أسيد وهو صحيح بل أشار إليه قلت ليبين وما فيه من الانقطاع وليستشهد بحديث أبي أسيد وغيره وقد بينا ذلك في المقدمة باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قوله (عن عامر بن عبد الله بن الزبير) ابن العوام الأسدي المدني ثقة عابد (عن عمرو بن سليم الزرقي بضم الزاي وفتح الراء بعده قاف ثقة من كبار التابعين مات سنة 104 أربع ومائة يقال له رواية) قوله فليركع ركعتين أي فليصل ركعتين من إطلاق الجزء على الكل قال الحافظ في الفتح واتفق أئمة الفتوى على أن الأمر في ذلك للندب ونقل ابن بطال عن أهل الظاهر الوجوب والذي صرح به ابن حزم عدمه ومن أدلة عدم الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم الذي راه يتخطى اجلس فقد اذيت ولم يأمره بصلاة كذا استدل به الطحاوي وغيره وفيه نظر انتهى قلت لعل وجه النظر أنه لا مانع له من أن يكون قد فعلها في جانب من المسجد قبل وقوع التخطي منه أو أنه كان ذلك الأمر بها والنهي عن تركها
[ 217 ]
قلت ومن أدلة عدم الوجوب ما أخرجه ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون وأجيب عن ذلك بأن التحية إنما تشرع لمن أراد الجلوس وليس في الرواية أن الصحابة كانوا يدخلون ويجلسون ويخرجون بغير صلاة تحية وليس فيها إلا مجرد الدخول والخروج فلا يتم الاستدلال إلا بعد تبيين أنهم كانوا يجلسون ومن أدلة عدم الوجوب ضمام بن ثعلبة عند الشيخين وغيرهما لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما فرض الله عليه من الصلاة فقال الصلوات الخمس فقال هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع وأجيب عن ذلك بأن التعاليم الواقعة في مبادئ الشريعة لا تصلح الصرف وجوب ما تجدد من الأوامر وإلا لزم قصر واجبات الشريعة على الصلاة والصوم والحج والزكاة والشهادتين واللازم باطل فكذا الملزوم وأجيب أيضا بأن قوله إلا أن تطوع ينفي وجوب الواجبات ابتداء لا الواجبات بأسباب يختار المكلف فعلها كدخول المسجد مث لأن الداخل ألزم نفسه الصلاة بالدخول فكأنه أوجبها على نفسه فلا يصح شمول ذلك الصارف لمثلها وذكر الشوكاني جوابا ثالثا وذكر الجواب الأول مفصلا وقال في اخر كلامه إذا عرفت هذا لاح لك أن الظاهر ما قاله أهل الظاهر انتهى وقال الطحاوي أيضا الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ليس هذا الأمر بداخل فيها قال الحافظ هما عمومان تعارضا الأمر بالصلاة لكل داخل من غير تفصيل والنهي عن الصلاة في أوقات مخصوصة فلا بد من تخصيص أحد العمومين فذهب جمع إلى تخصيص النهي وتعميم الأمر وهو الأصح عند الشافعية وذهب جمع إلى عكسه وهو قول الحنفية والمالكية وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر هذين العمومين ما لفظه فتخصيص أحد العمومين بالاخر تحكم وكذلك ترجيح أحدهما على الاخر مع كون كل واحد منهما في الصحيحين بطرق متعددة ومع اشتمال كل واحد منهما على النهي أو النفي الذي في معناه ولكنه إذا ورد ما يقضي بتخصيص أحد العمومين عمل عليه وصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر مختص به بل ثبت عند أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له أم سلمة أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا ولو سلم عدم الاختصاص لما كان في ذلك إلا جواز قضاء سنة الظهر لا جواز جمبع ذوات الأسباب نعم حديث يزيد بن الأسود الذي سيأتي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجلين ما منعكما أن تصليا معنا فقالا قد صلينا في رحالنا فقال إذا صليتما في رحالكما ثم
[ 218 ]
أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة وكانت تلك الصلاة صلاة الصبح كما سيأتي يصلح لأن يكون من جملة المخصصات لعموم الأحاديث القاضية بالكراهة وكذلك ركعتا الطواف وبهذا التقرير يعلم أن فعل تحية المسجد في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلوا عند القائل بوجوبها من إشكال والمقام عندي من المضائق والأولى للمتورع ترك دخول المساجد في أوقات الكراهة انتهى كلام الشوكاني قوله (قبل أن يجلس) قال الحافظ صرح جماعة بأنه إذا خالف وجلس لا يشرع التدارك وفيه نظر لما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي ذرأنه دخل المسجد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أركعت ركعتين قال لا قال قم فاركعهما ترجم عليه ابن حبان تحية المسجد لا تفوت بالجلوس قال الحافظ ومثله قصة سليك كما سيأتي في الجمعة انتهى قال القاري في المرقاة وما يفعله بعض العوام من الجلوس أولا ثم القيام للصلاة ثانيا باطل لا أصل له انتهى قلت ويبطله حديث الباب قوله (وفي الباب عن جابر وأبي أمامة وأبي هريرة وأبي ذر وكعب بن مالك) أما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سليكا الغطفاني لما أتى يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقعد قبل أن يصلي الركعتين أن يصليهما وأخرج مسلم عن جابر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره لما أتى المسجد بثمن جمله الذي أشتراه منه صلى الله عليه وسلم أن يصلي الركعتين أما حديث أبي أمامة فلم أقف عليه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن عدي كما في التلخيص وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن حبان في صحيحه وتقدم لفظه وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه الشيخان بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يقدم من سفر إلا نهارا في الضحى فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة في كتبهم (وروى سهيل بن أبي صالح هذا الحديث عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم عن
[ 219 ]
جابر بن عبد الله) فذكر سهيل بن أبي صالح عن جابر بن عبد الله بدل أبي قتادة وخالف غير واحد من أصحاب عامر بن عبد الله باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام قوله (وأبو عمار الحسين بن حريث) بضم الحاء المهملة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمثلثة الخزاعي مولاهم المروزي ثقة من العاشرة روى عن الفضل بن موسى والنضر بن شميل وفضل بن عياض وخلق وعنه خ م د ت س ود بالإجازة مات راجعا من الحج سنة أربع وأربعين ومائتين قوله الأرض كلها مسجد أي يجوز الصلاة فيها إلا المقبرة قال في القاموس المقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضع القبور والحمام بتشديد الميم الأولى هو الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل لموضع الاغتسال بأي ماء كان والحديث يدل على منع الصلاة في المقبرة والحمام وقد أختلف الناس في ذلك وأما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئا يقيه من النجاسة أم لا ولا بين أن
[ 220 ]
يكون في القبور أو في مكان منفرد منها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإ صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة وحديث الباب يرد عليه والظاهر ما ذهب إليه الظاهرية والله تعالى أعلم وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وظاهر الحديث هو المنع والله تعالى أعلم قوله وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة وجابر وابن عباس وحذيفة وأنس وأبي أمامة وأبي ذر قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم قال جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهورا يعني أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنه لم يذكروا الاستثناء أما حديث علي فأخرجه البزار وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والترمذي وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان والنسائي وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وأما حديث حذيفة فأخرجه مسلم والنسائي وأما حديث أنس فأخرجه السراج في مسنده بإسناد قال العراقي صحيح وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والترمذي في كتاب السير وقال حسن صحيح وأما حديث أبي ذر فأخرجه أبو داود قلت وفي الباب أيضا عن أبي موسى أخرجه أحمد والطبراني بإسناده جيد وعن ابن عمر أخرجه البزار والطبراني وعن السائب بن يزيد فأخرجه أيضا الطبراني قوله (حديث أبي سعيد قد روى عن عبد العزيز بن محمد روايتين) أي روى عنه على نحوين فبعض أصحابه رواه عنه موصولا بذكر أبي سعيد وبعضهم رواه عنه مرسلا وبينه
[ 221 ]
الترمذي بقوله منهم من ذكر عن أبي سعيد ومنهم من لم يذكره قوله (ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه) يعني لم يذكر أبا سعيد (قال) أي أبو عيسى الترمذي (وكان عامة روايته) أي رواية محمد بن إسحاق (عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي كان عامة رواية محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه بذكر أبي سعيد موصو (ولم يذكر فيه عن أبي سعيد) أي لكن أبا إسحاق لم يذكر في حديث الباب أبا سعيد بل رواه مرس (وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت وأصح) قال الحافظ في التلخيص وقال البزار رواه عبد الواحد بن زياد وعبد الله بن عبد الرحمن ومحمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى موصولا وقال الدارقطني في العلل المرسل المحفوظ وقال فيها حدثنا جعفر بن محمد المؤذن ثقة حدثنا السري بن يحيى حدثنا أبو نعيم وقبيصة حدثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد به موصو وقال المرسل المحفوظ وقال الشافعي وجدته عندي عن ابن عيينة موصو ومرس ورجح البيهقي المرسل أيضا وقال النووي في الخلاصة هو ضعيف وقال صاحب الامام حاصل ما علل به الارسال وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول وأفحش ابن دحية فقال في كتاب التنوير له هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال فلم يصب قلت وله شواهد منها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا نهى عن الصلاة في المقبرة أخرجه ابن حبان ومنها حديث علي أن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة أخرجه أبو داود انتهى
[ 222 ]
باب ما جاء في فضل بنيان المسجد قوله (أخبرنا أبو بكر الحنفي) اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد بن عبيد الله البصري وهو أبو بكر الحنفي الصغير روى عنه بندار وأحمد وعلي بن المديني وغيرهم قال في التقريب ثقة من التاسعة مات سنة أربع ومائتين انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة قوله من بنى لله مسجدا التنكير فيه للشيوع فيدخل فيه الكبير والصغير كما في الرواية الاتية صغيرا كان أو كبيرا وقوله لله يعني يبتغي به وجه الله قال ابن الجوزي من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الاخلاص انتهى ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الاخلاص وإن كان يؤجر في الجملة كذا في التفح بنى الله له مثله صفة لمصدر محذوف أي بنى بناء مثله قال النووي يحتمل قوله مثله أمرين أن يكون معناه بنى الله تعالى مثله في مسمى البيت وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها وأنها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر الثاني أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا انتهى كلام النووي وقيل أي مثل المسجد في القدر والمساحة لكنه أنفس منه بزيادات كثيرة وقال الحافظ في الفتح المثل له استعمالان أحدهما الافراد مطلقا كقوله تعالى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وا خر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة فيحصل جواب من أستشكل التقيد بقوله مثله مع أن الحسنة بعشر أمثالها لاحتمالها أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله والأصل أن ثواب الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل والزيادة بحكم الفضل ومن الأجوبة المرضية أن المثلية ههنا بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية فكم من بيت خير من عشرة بل من مائة أو أن المقصود من المثلية أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره من قطع النظر عن غير ذلك مع أن التفاوت حاصل قطعا بالنسبة إلى ضيق الدنيا وسعة الجنة إذ موضع شبر فيها خير من الدنيا وما فيها كما ثبت في الصحيح وقد روى من حديث واثلة بلفظ بنى الله في الجنة أفضل منه والطبراني من
[ 223 ]
حديث أبي أمامة بلفظ أوسع منه وهذا يشعر بأن المثلية لم يقصد بها المساواة من كل وجه انتهى قوله (وفي الباب عن أبي بكر وعمرو وعلي وعبد الله بن عمرو وأنس وابن عباس وعائشة) أما حديث أبي بكر فأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا بلفظ من بنى الله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قال الهيثمي في مجمع الزوائد وهب بن حفص وهو ضعيف انتهى وأما حديث عمر فأخرجه ابن حبان بلفظ من بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله بيتا في الجنة وأما حديث علي فأخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ من بنى مسجدا لله بنى الله له بيتا في الجنة وإسناده ضعيف وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو نعيم من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحو حديث علي وزاد أوسع منه وروى أحمد أيضا نحوه وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو مسلم الكجي مثل حديث أنس وزاد ولو كمفحص قطاة وأما حديث عائشة فأخرجه مسدد في مسنده الكبير عنهنا قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قلت يا رسول الله وهذه المساجد التي في طريق مكة قال وتلك وأما حديث أم حبيبة فأخرجه الطبراني في الأوسط وأما حديث أبي ذر فأخرجه البزار وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه النسائي وأما حديث واثلة بن الأسقع فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير بلفظ من بنى مسجدا يصلي فيه بنى الله له بيتا في الجنة أفضل منه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الايمان من بنى لله بيتا يعبد الله فيه حلا بنى الله له بيتا في الجنة من الدر والياقوت وأما حديث جابر فأخرجه ابن خزيمة بلفظ من حفر ماء لم يشرب كبد حي من جن ولا إنس ولا طائر إلا اجره الله يوم القيامة ومن بنى مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة قلت وفي الباب عن أبي قرصافة ونبيط بن شريط وعمر بن مالك وأسماء بنت يزيد ومعاذ وأبي أمامة وعبد الله بن أبي أوفى وأبي موسى وعبد الله بن عمرو بن الخطاب رضي الله عنهم
[ 224 ]
فأما حديث أبي قرصافة واسمه جندرة بن خيشنة فأخرجه الطبراني في الكبير أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها فمن بنى فذكره وزاد قال رجل يا رسول الله وهذه المساجد التي تبنى في الطريق قال نعم وإخراج القمامة منها مهور حور العين وفي إسناده جهالة وأما حديث نبيط فأخرجه الطبراني أيضا في الصغير وأما حديث عمر بن مالك فأخرجه أبو موسى المديني في كتاب الصحابة ولفظه من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة وأما حديث أسماء بنت يزيد فأخرجه الطبراني نحوه وأما حديث معاذ فأخرجه أبو الفرج في كتاب العلل من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ومن علق فيه قندي صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يطفئ ذلك القنديل ومن بسط فيه حصيرا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى ينقطع ذلك الحصير ومن أخرج منه قذاة كان له كفلان من الأجر وفيه كلام كثير وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أبو نعيم وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فأخرجه الحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي في جزء جمعه وحديث أبي موسى كذلك وأما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من رواية الحاكم بن ظهير وهو متروك عن ابن أبي ليلى عن نافع عن بن عمر فذكره وزاد فيه الطبراني ولو كمفحص قطاة كذا في عمدة القاري قوله (حديث عثمان حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا وفي رواية ابن أبي شيبة من حديث عثمان من بنى مسجدا ولو كمفحص قطاة وهذه الزيادة أيضا عند ابن حبان والبزار من حديث أبي ذر وعند أبي مسلم الكجي من حديث ابن عباس وعند الطبراني في الأوسط من حديث أنس وابن عمر وعند أبي نعيم في الحلية من حديث أبي بكر الصديق وحمل أكثر العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحص القطاة عنه لتضع فيها بيضها وترقد عليها لا يكفي مقداره للصلاة فيه كذا في الفتح قلت للعلماء في توجيه قوله ولو كمفحص قطاة قولان الأول أنه محمول على المبالغة وهو قول الأكثر وقال اخرون هو على ظاهر فالمعنى على هذا أن يزيد في مسجد قدرا يحتاج إليه وتكون هذه الزيادة على هذا القدر أو يشترك جماعة في بناء المسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر
[ 225 ]
قيل هذا كله بناء على أن المراد بالمسجد ما يتبادر إليه الذهن وهو المكان الذي يتخذ للصلاة فيه فإن كان المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما يسع الجبهة فلا يحتاج إلى شئ مما ذكر قلت قوله صلى الله عليه وسلم من بنى يقتضي وجود بناء على الحقيقة فيحمل على المسجد المعهود بين الناس ويؤيد ذلك حديث أم حبيبة من بنى لله بيتا وقد تقدم وحديث عمر رضي الله عنه أيضا من بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله وقد تقدم أيضا (حدثنا نوح بن قيس) بن رباح الأزدي أبو روح البصري أخو خالد صدوق رمى بالتشيخ (عن عبد الرحمن مولى قيس) مجهول كذا في التقريب والخلاصة (عن زيادة النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرا وزياد هذا هو زياد بن عبد الله النميري البصري قال الحافظ في التقريب ضعيف وقال الذهبي في الميزان ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم لا يحتج به وذكره ابن حبان في الثقات وذكره في الضعفاء أيضا فقال لا يجوز الاحتجاج به قال الذهبي فهذا تناقض قال له في بناء المساجد انتهى (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا) أي بهذا الحديث المذكور وهو حديث ضعيف لأن في سنده راويا مجهو وراويا ضعيفا ولكن الأحاديث التي فيها زيادة ولو كمفحص قطاة تعضده قوله (وهما غلامان صغيران) قال في التقريب في ترجمة محمود بن لبيد صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة وكذلك قال في ترجمة محمود بن الربيع باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا قوله (أخبرنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري مولاهم البصري ثقة ثبت (عن
[ 226 ]
محمد بن جحادة) بضم الجيم وتخفيف المهملة ثقة قوله لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور قال الترمذي في كتاب الجنائز قد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء وقال بعضهم إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهم وكثرة جزعهن انتهى ونذكر هناك ما هو الراجح في هذه المسألة (والمتخذين عليها المساجد) قال ابن الملك إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود انتهى قال القاري في المرقاة وقيد عليها يفيد أن اتخاذ المساجد بجنبها لا بأس به ويدل عليه قوله عبد السلام لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد انتهى قلت إن كان اتخاذ المساجد بجنب القبور لتعظيمها أو لنية أخرى فاسدة فليس بجائز كما ستقف عليه (والسرج) جمع سراج قال في مجمع البحار نهى عن الاسراج لأنه تضييع مال بلا نفع أو احترازا عن تعظيم القبور كاتخاذها مساجد تنبيه قال في مجمع البحاري وحديث لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد كانوا يجعلونها قبلة يسجدون إليها في الصلاة كالوثن وأما من اتخذ مسجدا في جوار صالح أو صلى في مقبرة قاصدا به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من اثار عبادته إليه لا التوجه نحوه والتعظيم له فلا حرج فيه ألا يرى أن مرقد إسماعيل في الحجر في المسجد الحرام والصلاة فيه أفضل انتهى وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات في شرح هذا الحديث لما أعلمه الله بقرب أجله فخشى أن يفعل بعض أمته بقبره الشريف ما فعلته اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم فنهي عن ذلك قال التوربشتي هو مخرج على الوجهين أحدهما كانوا يسجدون لقبور الأنبياء تعظيما لهم وقصد العبادة في ذلك وثانيهما أنهم كانوا يتحرون الصلاة في مدافن الأنبياء والتوجه إلى قبورهم في حالة الصلاة والعبادة لله نظرا منهم أن ذلك الصنيع أعظم موقعا عند الله لاشتماله على الأمرين عبادة والمبالغة في تعظيم الأنبياء وكلا الطريقين غير مرضية وأما الأول فشرك جلي وأما الثانية فلما فيها من معنى الاشراك بالله عز وجل وإن كان خفيا والدليل على ذم الوجهين قوله صلى الله عليه وسلم اللهم لا تجعل قبري وثنا اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد والوجه الأول أظهر وأشبه كذا قال التوربشتي وفي شرح الشيخ فعلم منه أنه يحرم الصلاة إلى قبر نبي أو صالح تبركا وإعظاما قال وبذلك صرح النووي وقال التوربشتي وأما إذا وجد بقربها موضع بنى
[ 227 ]
للصلاة أو مكان يسلم فيه المصلى عن التوجه إلى القبور فإنه في ندحة من الأمر وكذلك إذا صلى في موضع قد اشتهر بأن فيه مدفن بنى لم ير للقبر فيه علما ولم يكن تهده ما ذكرناه من العمل الملتبس بالشرك الخفي وفي شرح الشيخ مثله حيث قال وخرج بذلك اتخاذ مسجد بجوار نبي أو صالح والصلاة عند قبره لا لتعظيمه والتوجه نحوه بل لحصول مدد منه حتى يكمل عبادته ببركة مجاورته لتلك الروح الطاهرة فلا حرج في ذلك لما ورد أن قبر إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب وأن في الحطم بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا ولم ينه أحد عن الصلاة فيه انتهى وكلام الشارحين مطابق في ذلك انتهى ما في اللمعات قلت ذكر صاحب الدين الخالص عبارة اللمعات هذه كلها ثم قال ردا عليها ما لفظه ما أبرد هذه التحرير وا ستدلال عليه بذلك التقرير لأن كون قبر إسماعيل عليه السلام وغيره من الأنبياء سواء كانوا سبعين أو أقل أو أكثر ليس من فعل هذه الأمة المحمدية ولا هو وهم دفنوا الغرض هناك ولا نبه على ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولا علامات لقبورهم منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحري نبينا عليه الصلاة والسلام قبرا من تلك القبور على قصد المجاورة بهذه الأرواح المباركة ولا أمر به أحدا ولا تلبس بذلك أحد من سلف هذه الأمة وأئمتها بل الذي أرشدنا إليه وحثنا عليه أن لا نتخذ قبور الأنبياء مساجد كما اتخذت اليهود والنصارى وقد لعنهم على هذا الاتخاذ فالحديث برهان قاطع لمواد النزاع وحجة نيرة على كون هذه الأفعال جالبة للعن واللعن أمارة الكبيرة المحرمة أشد التحريم فمن اتخذ مسجدا بجوار نبي أو صالح رجاء بركته في العبادة ومجاورة روح ذلك الميت فقد شمله الحديث شمو واضحا كشمس النهار ومن توجه إليه واستمد منه فلا شك أنه أشرك بالله وخالف أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في هذا الحديث وما ورد في معناه ولم يشرع الزيارة في ملة الاسلام إلا للعبرة والزهد في الدنيا والدعاء بالمغفرة للموتى وأما هذه الأغراض التي ذكرها بعض من يعزى إلى الفقه والرأي والقياس فإنها ليست عليها أثارة من علم ولم يقل بها فيما علمت أحد من السلف بل السلف أكثر الناس إنكارا على مثل هذه البدع الشركية انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وفي رواية لمسلم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان أيضا بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا
[ 228 ]
قبور أنبيائهم مساجد وفي الباب أيضا عن جندب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك أخرجه مسلم قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي باب ما جاء في النوم في المسجد قوله (ونحن شباب) على وزن سحاب جمع شاب ولا يجمع فاعل على فعال غيره قوله (حديث ابن عمر حديث صحيح) وأخرجه البخاري مختصرا ومطو وأخرجه ابن ماجه مختصرا قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم الخ) قال الحافظ في الفتح ذهب الجمهور إلى جواز النوم في المسجد وروى عن ابن عباس كراهيته إلا لمن يريد الصلاة وعن ابن مسعود مطلقا وعن مالك بين من له مسكن فيكره وبين من لا مسكن له فيباح انتهى وقال العيني في عمدة القاري وقد اختلف العلماء في ذلك فمن رخص في النوم فيه ابن عمرو قال كنا نبيت فيه
[ 229 ]
ونقيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن سعيد بن المسيب والحسن البصري وعطاء ومحمد بن سيرين مثله وهو أحد قولي الشافعي واختلف عن ابن عباس فروى عنه أنه قال لا تتخذ المسجد مرقدا وروى عنه أنه قال إن كنت تنام فيه لصلاة لا بأس وقال مالك لا أحب لمن له منزل أن يبيت في المسجد ويقيل فيه وبه قال أحمد وإسحاق وقال مالك وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبيتون في المسجد وكره النوم فيه ابن مسعود وطاووس ومجاهد وهو قول الأوزاعي وقد سئل سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار عن النوم فيه فقالا كيف تسألون عنها وقد كان أهل الصفة ينامون فيه وهم قوم كان مسكنهم المسجد وذكر الطبري عن الحسن قال رأيت عثمان بن عفان نائما فيه وليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين قال وقد نام في المسجد جماعة من السلف بغير محذور للانتفاع به فيما يحل كالأكل والشرب والجلوس وشبه النوم من الأعمال والله أعلم باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة والشعر في المسجد قال الجزري في النهاية الضالة هي الضائعة من كل ما يقتني من الحيوان وغيره ضل الشئ إذا ضاع وضل عن الطريق إذا حار وهي في الأصل فاعلة ثم اتسع فيها فصارت من الصفات الغالبة وتقع على الذكر والأنثى وا ثنين والجمع وتجمع على الضوال انتهى وقال يقال نشدت الضالة فأنا ناشد إذا طلبتها وأنشدتها فأنا منشد إذا عرفتها انتهى وفي القاموس أنشد الضالة عرفها واسترشد عنها ضد انتهى وفي الصراح تعريف كردن كم شده وشعر خواندن قوله (عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده) يأتي تراجم هؤلاء في هذا الباب قوله (أنه نهى عن تناشد الأشعار في المسجد) قال في القاموس أنشد الشعر قرأه وبهم هجاهم وتناشدوا أنشد بعضهم بعضا والنشدة بالكسر الصوت والنشيد رفع الصوت والشعر المتناشد كالأنشودة انتهى وقال في المجمع هو أن ينشد كل واحد صاحبه نشيدا لنفسه أو لغيره افتخارا أو مباهاة وعلى وجه التفكه بما يستطاب منه وأما ما كان في مدح حق وأهله وذم
[ 230 ]
باطل أو تمهيد قواعد دينه أو إرغاما للمخالفين فهو حق خارج عن الذم وإن خالطه نشيب انتهى (وعن البيع والشراء فيه) أي في المسجد بفتح الشين والمد قال الشوكاني في النيل ذهب جمهور العلماء إلى أن النهي محمول على الكراهة قال العراقي وقد أجمع العلماء على أن ما عقد من البيع في المسجد لا يجوز نقضه وهكذا قال الماوردي وأنت خبير بأن حمل النهي على الكراهة يحتاج إلى قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي الذي هو التحريم عند القائلين بأن النهي حقيقة في التحريم وهو الحق وإجماعهم على عدم جواز النقض وصحة العقد لا منافاة بينه وبين التحريم فلا يصح جعله قرينة لحمل النهي على الكراهة وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا يكره البيع والشراء في المسجد والأحاديث ترد عليه انتهى (وأن يتحلق الناس في يوم الجمعة قبل الصلاة) أي أن يجلسوا متحلقين حلقه واحدة أو أكثر وإن كان لمذاكرة علم وذلك لأنه ربما قطع الصفوف مع كونهم مأمورين بالتبكير يوم الجمعة والتراص في الصفوف الأول فالأول ولأنه يخالف هيئة أجتماع المصلين ولأن للجمعة خطب عظيم لا يسع من حضرها أن يهتم بما سواها حتى يفرغ منها والتحلق قبل الصلاة يوهم غفلتهم عن الأمر الذي ندبوا إليه ولأن الوقت وقت الاشتغال با نصات للخطبة والتقييد بقبل الصلاة يدل على جوازه بعدها للعلم والذكر والتقييد بيوم الجمعة يدل على جوازه في غيره والحديث رواه أبو داود وزاد وأن تنشد فيه ضالة قوله (وفي الباب عن بريدة وجابر وأنس) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه وأما حديث جابر فأخرجه النسائي وأما حديث أنس فأخرجه الطبراني قال العراقي ورجاله ثقات قوله (حديث عبد الله بن عمرو بن العاص حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والحديث صححه ابن خزيمة وقال الحافظ في الفتح ص 273 وإسناده صحيح إلى عمرو بن شعيب فمن يصح نسخته يصححه قال وفي المعنى عدة أحاديث لكن في أسانيدها مقال انتهى وقال الحافظ في موضع اخر من الفتح ص 15 ترجمة عمرو بن قوية على المختار لكن حيث لا تعارض انتهى
[ 231 ]
قوله (عمرو بن شعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص) مرجع هو شعيب فمحمد بن عبد الله هو شعيب وجد عمرو وعبد الله بن عمرو جد شعيب والد جد عمرو (قال محمد بن إسماعيل) هو الامام البخاري (رأيت أحمد وإسحاق وذكر غيرهما يحتجون بحديث عمرو بن شعيب) في شرح ألفية العراقي للمصنف قد اختلف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وأصح الأقوال أنها واجبة مطلقا إذا صح السند إليه قال ابن الصلاح وهو قول أكثر أهل الحديث حم للجد عند الاطلاق على الصحابي عبد الله بن عمرو دون ابنه محمد والد شعيب لما ظهر لهم من إطلاقه ذلك فقد قال البخاري رأيت أحمد بن حنبل وعلي بن المديني وإسحاق بن راهويه وأبا عبيد خيثمة وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ما تركه أحد منهم وثبتوه فمن الناس بعدهم وقول ابن حبان هي منقطعة لأن شعيبا لم يلق عبد الله مردود فقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو كما صرح به البخاري في التاريخ وأحمد وكما رواه الدارقطني والبيهقي في السنن بإسناد صحيح وذكر بعضهم أن محمدا مات في حياة أبيه وأن أباه كفل شعيبا ورباه وقيل لا يحتج به مطلقا انتهى كلامه بتلخيص قال (محمد) يعني البخاري (وقد سمع شعيب بن محمد من عبد الله بن عمرو) وكذلك قد صرح غير واحد بسماعه منه قال أبو بكر بن زياد صح سماع عمرو من أبيه وصح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو كذا في الخلاصة وقال الجوزجاني قلت لأحمد سمع عمرو من أبيه شيئا قال يقول حدثني أبي قلت فأبوه سمع من عبد الله بن عمرو قال نعم أراه قد سمع منه كذا في هامش الخلاصة نقلا عن التهذيب وقال الحافظ في التقريب ثبت سماعه من جده انتهى قلت ويدل على سماعه منه ما رواه الدارقطني والحاكم والبيهقي عنه في إفساد الحجج فقالوا عن عمرو بن شعيب عن أبيه أن رجلا أتى عبيد الله بن عمرو يسأله عن المحرم وقع ما بامرأته فأشار إلى عبد الله بن عمر فقال اذهب إلى ذلك فاسأله قال شعيب فلم يعرفه الرجل فذهبت
[ 232 ]
معه فسأل ابن عمر وإسناده صحيح كما عرفت في كلام العراقي (ومن تكلم في حديث عمرو بن شعيب إنما ضعفه لأنه يحدث عن صحيفة جده كأنهم رأوا أنه لم يسمع هذه الأحاديث من جده) قد أطال الحافظ الذهبي الكلام في ترجمة عمرو بن شعيب وقال في اخره قد أجبنا عن روايته عن أبيه عن جده بأنها ليست بمرسلة ولا منقطعة أما كونها وجادة أو بعضها سماع وبعضها وجادة فهذا محل نظر ولسنا نقول إن حديثه من أعلى أقسام الصحيح بل هو من قبيل الحسن انتهى كلامه (قال علي بن عبد الله وذكر عن يحيى بن سعيد أنه قال حديث عمرو بن شعيب عندنا واه) أي ضعيف وعلي بن عبد الله هو ابن المديني ويحيى بن سعيد هو القطان وقد عرفت أن عند أكثر أهل الحديث حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حجة مطلقا إذا صح السند إليه وهو أصح الأقوال والله تعالى أعلم قوله (وقد كره قوم من أهل العلم البيع والشراء في المسجد وبه يقول أحمد وإسحاق) وهو قول الجمهور وهو الحق (وقد روى عن بعض أهل العلم من التابعين رخصة في البيع والشراء في المسجد) لم يقم على قول هذا البعض دليل صحيح بل ترده أحاديث الباب وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير حديث (رخصة في إنشاد الشعر في المسجد) كحديث جابر بن سمرة قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة في المسجد وأصحابه يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر الجاهلية فربما تبسم معهم رواه أحمد ورواه الترمذي في كتاب الاداب من جامعه ص 463 بلفظ جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويذكرون أشياء من أمر الجاهلية فربما يتبسم معهم قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكحديث سعيد بن المسيب قال عمر في المسجد وحسان فيه ينشد فلحظ إليه فقال كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال أنشدك أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال نعم أخرجه الشيخان وقد جمع بين الأحاديث بوجهين الأول حمل النهي على التنزيه والرخصة على بيان الجواز
[ 233 ]
والثاني حمل أحاديث الرخصة على الشعر الحسن المأذون فيه كهجاء حسان للمشركين ومدحه صلى الله عليه وسلم وغير ذلك ويحمل النهي على التفاخر والهجاء ونحو ذلك ذكر هذين الوجهين العراقي في شرح الترمذي وقال الحافظ في الفتح والجمع بين الأحاديث أن يحمل النهي على تناشد الأشعار الجاهلية والمبطين المأذون فيه ما سلم من ذلك وقيل المنهى عنه ما إذا كان التناشد غالبا على المسجد حتى يتشاغل به من فيه انتهى وقال ابن العربي لا بأس بإنشاد الشعر في المسجد إذا كان في المدح الدين وإقامة الشرع وإن كان فيه الخمر ممدوحة بصفاتها الخبيثة من طيب رائحة وحسن لون وغير ذلك مما يذكره من يعرفها وقد مدح فيه كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بانت سعاد وقلبي اليوم متبول إلى قوله في صفة ريقها كأنه منهل بالراح معلول قال العراقي وهذه قصيدة قد رويناها من طرق لا يصح منها شئ وذكرها ابن إسحاق بسند منقطع وعلى تقدير ثبوت هذه القصيدة عن كعب وإنشاده بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فليس فيها مدح الخمر وإنما فيه مدح ريقها وتشبيهه بالراح انتهى باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى قوله (عن أنيس بن أبي يحيى) بضم الهمزة مصغرا الأسلمي واسم أبي يحيى سمعان ثقة (عن أبيه) سمعان المدني لا بأس به
[ 234 ]
قوله (وأمترى رجل) وفي رواية النسائي تمارى قال في مجمع البحار الامتراء والمماراة المجادلة والمعنى أنهما تنازعا واختلفا فقال هو أي المسجد الذي أسس على التقوى المذكور في قوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه (هذا) أي هذا المسجد وفي رواية لأحمد هو مسجدي (يعني مسجده) هذا قول الراوي يفسر قوله صلى الله عليه وسلم هذا وفي ذلك أي مسجد قبا خير كثير زاد في رواية لأحمد يعني مسجد قبا وهذا قول الراوي يفسر قوله صلى الله عليه وسلم ذلك أي يريد صلى الله عليه وسلم بقوله ذلك مسجد قبا والحديث دليل على أن المسجد الذي أسس على التقوى هو المسجد النبوي قال الحافظ في الفتح قد أختلف في المراد بقوله تعالى لمسجد أسس على التقوى من أول يوم فالجمهور على أن المراد به مسجد قباء وهو ظاهر الاية وروى مسلم من طريق عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدكم هذا ولأحمد والترمذي من وجه اخر عن أبي سعيد اختلف رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى فقال أحدهما هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وقال الاخر هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه عن ذلك فقال هو هذا وفي ذلك يعني مسجد قباء خير كثير ولأحمد عن سهل بن سعد نحوه وأخرجه من وجه اخر عن سهل بن سعد عن أبي كعب مرفوعا قال السيوطي هذا السؤال صدره ممن ظهرت له المساواة بين المسجدين في أشتراكهما في أن كلا منهما بناه النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب بأن المراد مسجده وكأن المزية التي أقتضت تعيينه دون مسجد قباء لم يكن بناؤه بأمر جزم من الله لنبيه أو كان رأيا بخلاف مسجده أو كان حصل له أو لأصحابه فيه من الأحوال القلبية ما لم يصل لغيره انتهى قال الحافظ يحتمل أن تكون المزية لما أتفق من طول إقامته صلى الله عليه وسلم بمسجد المدينة بخلاف مسجد قباء فما أقام به إلا أيام قلائل وكفى بهذا مزية من غير حاجة إلى ما تكلفه القرطبي والحق أن كلا منهما أسس على التقوى وقوله تعالى في بقية الاية فيه رجال يحبون أن يتطهروا يؤيد كون المراد مسجد قباء وعند أبي داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال نزلت (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) في أهل قباء وعلى هذا فالسر في جوابه صلى الله عليه وسلم بأن المسجد الذي أسس على التقوى مسجده رفع توهم أن ذلك خاص بمسجد قباء والله أعلم قال الداوردي وغيره ليس هذا
[ 235 ]
أختلافا لأن كلا منهما أسس على التقوى وكذا قال السهيل وزاد غيره أن قوله تعالى (من أول يوم) يقتضي أنه مسجد قباء لأن تأسيسه كان في يوم حل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الهجرة انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء بضم القاف ثم موحدة ممدودة عند أكثر أهل اللغة قال البكري من العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه وفي الطالع على ثلاثة أميال من المدينة وقال ياقوت على يسار قاصد مكة وهو من عوالي المدينة وسمي باسم بئر هناك كذا في الفتح ومسجد قبا هو مسجد بنى عمرو بن عوف وهو أول مسجد أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (أخبرنا أبو الأبرد مولى بني خطمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة اسمه زياد المدني مقبول كذا في التقريب (أنه سمع أسيد بن حضير) كلاهما بالتصغير ولهما صحبة قوله الصلاة في مسجد قبا كعمرة أي الصلاة الواحدة فيما يعدل ثوابها عمرة قوله (وفي الباب عن سهل بن حنيف) أخرجه النسائي وابن ماجه مرفوعا بلفظ من خرج حتى يأتي هذا المسجد قباء فيصلي فيه كان له كعدل عمرة وفي الباب أيضا ما
[ 236 ]
أخرجه الطبراني من طريق يزيد بن عبد الملك النوفل عن سعيد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبيه عن جده مرفوعا من توضأ فأسبغ الوضوء ثم عمد إلى مسجد قباء لا يريد غيره ولا يحمله على الغدو إلا الصلاة في مسجد قباء فصلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بأم القران كان له كأجر المعتمر إلى الله ويزيد بن عبد الملك ضعيف كذا في عمدة القاري وفي الباب أيضا ما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد عن سعد بن أبي وقاص قال لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إلى من اتى بيت المقدس مرتين لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الابل كذا في فتح الباري وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزوره راكبا وماشيا رواه البخاري وغيره عن ابن عمر وفي رواية كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا قوله (قال) أي أبو عيسى (حديث أسيد حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه والحاكم قال الذهبي في الميزان في ترجمة زياد كبي الأبرد روى عن أسيد ابن ظهير صحح له الترمذي حديثه وهو صلاة في مسجد قباء كعمرة وهذا حديث منكر روى عنه عبد الحميد بن جعفر فقط انتهى قلت لا أدري ما وجه كونه منكرا ويشهد له حديث سهل بن حنيف حديث كعب بن عجرة قوله (وأبو الأبرد اسمه زياد مديني) قال الحافظ في تهذيب التهذيب أبو الأبرد المدني مولى بني خطبة روى عن أسيد بن ظهير وعنه عبد الحميد بن جعفر روى له الترمذي وابن ماجه حديثا واحدا صلاة في مسجد قباء كعمرة قال تبع المصنف في ذلك كلام الترمذي وهو وهم وكأنه أشتبه عليه بأبي الأبرد الحارثي فإن اسمه زياد كما قال ابن معين وأبو أحمد الحاكم وأبو بشر الدولابي وغيرهم والمعروف أن أبا الأبرد لا يعرف اسمه وقد ذكره في من لا يعرف اسمه أبو أحمد الحاكم في الكنى وابن أبي حاتم وابن حبان وأما الحاكم أبو عبد الله فقال في 4 المستدرك اسمه موسى بن سليم انتهى
[ 237 ]
باب ما جاء في أي المساجد أفضل (عن زيد بن رباح) المدني ثقة (وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر) ثقة اسم أبي عبد الله سلمان كما صرح به الترمذي (عن أبي عبد الله الأغر) المدني ثقة قوله (صلاة في مسجدي هذا) قال النووي ينبغي أن يحرص المصلي على الصلاة في الموضع الذي كان في زمانه صلى الله عليه وسلم دون ما زيد فيه بعده لأن التضعيف إنما ورد في مسجده وقد أكده بقوله هذا بخلاف مسجد مكة فإنه يشمل جميع مكة بل صح أنه يعم جميع الحرم كذا ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه قلت قال القاري في المرقاة قد وافق النووي السبكي وغيره وأعترضه ابن تيمية وأطال فيه والمحب الطبري وأورد اثارا استدلا بها وبأنه سلم في مسجد مكة أن المضاعفة لا تختص بما كان موجودا في زمنه صلى الله عليه وسلم وبأن الاشارة في الحديث إنما هي خراج غيره من المساجد المنسوبة إليه عليه السلام وبأن الامام مالكا سئل عن ذلك فأجاب بعدم الخصوصية وقال لأنه عليه السلام أخبر بما يكون بعده وزويت له الأرض فعلم بما يحدث بعده ولولا هذا ما استجاز الخلفاء الراشدون أن يتسزيدوا فيه بحضرة الصحابة لم ينكر ذلك عليهم وبما في تاريخ المدينة عن عمر رضي الله عنه أنه لما فرغ من الزيادة قال لو انتهى إلى الجبانة وفي رواية إلى ذي الحليفة لكان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لو زيد في هذا المسجد ما زيد كان الكل مسجدي وفي رواية لو بنى هذا الى صنعاء كما مسجدي هذا خلاصة ما ذكره ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم انتهى ما في المرقاة قلت لو كان حديث أبي هريرة لو زيد في هذا المسجد إلخ لكان قاطعا للنزاع ولا أدري ما حاله قابل للاحتجاج أم لا ولم أقف على سنده خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام قبل الاستثناء يحتمل أن الصلاة في مسجدي لا تفضل الصلاة في المسجد
[ 238 ]
الحرام بألف بل بدونهما ويحتمل أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل ويحتمل أن السماواة أيضا قلت كأن هذا القائل لم يقف على الأحاديث التي تدل على أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في المسجد النبوي فمنها حديث عبد الله بن الزبير أخرجه الامام أحمد وصححه ابن حبان من طريق عطاء عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وفي رواية ابن حبان وصلاة في ذلك أفضل من مائة صلاة في مسجد المدينة قال ابن عبد البر اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي انتهى ومنها حديث جابر رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه مرفوعا صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه قال الحافظ في الفتح وفي بعض النسخ من مائة صلاة فيما سواه فعلى الأول معناه فيما سواه إلا مسجد المدينة وعلى الثاني معناه من مائة صلاة في مسجد المدينة ورجال إسناده ثقات لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما وعلى ذلك يحمله أهل الحديث ويؤيده أن عطاء إمام واسع الدراية معروف بالرواية عن جابر وابن الزبير ومنها حديث أبي الدرداء أخرجه البزار والطبراني مرفوعا الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمس مائة صلاة قال الحافظ في الفتح قال البزار إسناده حسن قوله (وفي الباب عن علي وميمونة وأبي سعيد وجبير بن مطعم وعبد الله بن الزبير وابن
[ 239 ]
عمر وأبي ذر) أما حديث علي رضي الله عنه فلينظر من أخرجه وأما حديث ميمونة فأخرجه ابن ماجه عنها قالت قلت يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس قال أرض المحشر والمنشر إيتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره قلت أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه قال تهدي إليه زيتا يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث جبير بن مطعم فلينظر من أخرجه وأما حديث عبد الله بن الزبير فأخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا وزاد ابن حبان يعني مسجد المدينة وأخرجه البزار بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإنه يزيد عليه مائة صلاة قال المنذري في الترغيب وإسناده صحيح وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وأما حديث أبي ذر فأخرجه البيهقي عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال قوس الرجل حيث يرى عنه بيت المقدس خير له أحب إليه من الدنيا جميعا قال المنذري رواه البيهقي بإسناده لا بأس به وفي متنه غرابة انتهى قوله لا تشد على البناء للمفعول بلفظ النفي والمراد النهي قال الطيبي هو أبلغ من صريح النهي كأنه قال لا يستقيم أن يقصده بالزيادة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما أختصت به الرحال جمع رحل وهو كور البعير كنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في
[ 240 ]
المعنى المذكور ويدل عليه قوله في بعض طرقه إنما يسافر أخرجه مسلم إلا إلى ثلاثة مساجد الاستثناء مفرغ والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها لأن المستثنى منه في الفراغ مقدر بأعم العام لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص وهو المسجد قاله الحافظ مسجد الحرام أي المحرم وهو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب والمسجد بالخفض على البدلية ويجوز الرفع على الاستئناف والمراد جميع الحرم وقيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم ومسجدي هذا أي مسجد المدينة ومسجد الأقصى أي بيت المقدس وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة وقد جوز الكوفيون واستشهدوا بقوله تعالى وما كنت بجانب الغربي والبصريون يأولونه بإضمار المكان أي الذي بجانب المكان الغربي ومسجد المكان الأقصى ونحو ذلك وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء ولأن الأول قبلة الناس وإليه حجهم والثاني أسس على التقوى والثالث كان قبلة الأمم السالفة واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك لها والصلاة فيها فقال الشيخ أبو محمد الجويني يحرم شد الرحال إلى غيرها عم بظاهر هذا الحديث وأشار القاضي حسين إلى أختياره وبه قال عياض وطائفة ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكاره نضرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور وقال له لو أردكتك قبل أن تخرج ما خرجت وأستدل بهذا الحديث فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ووافقه أبو هريرة والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم وأجابوا عن الحدث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز وقع في رواية لأحمد بلفظ لا ينبغي للمطي أن تعمل وهو لفظ ظاهر في غير التحريم ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المسجاد غير الثلاثة فإنه لا يجب الوفاء به ومنها أن المراد حكم المساجد فقط وأنه حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه
[ 241 ]
غير هذه الثلاثة وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو طلب علم أو تجارة أو نزهة فلا يدخل في النهي ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال سمعت أبا سعيد بن وذكرت عنده الصلاة في الطور فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي وشهر حسن الحديث وإن كان فيه بعض الضعف ومنها أن المراد قصدها با عتكاف فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال لا يعتكف في غيرها وهو أخص من الذي قبله كذا في فتح الباري قلت في هذه الأجوبة أنظار وخدشات أما الجواب الأول منها ففيه أن قولهم المراد قولهم المراد الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد الخ خلاف ظاهر الحديث ولا دليل عليه وأما لفظ لا ينبغي في رواية لأحمد فهو خلاف أكثر الروايات فقد وقع في عامة الروايات لفظ لا تشد وهو ظاهر في التحريم وأما قولهم لفظ لا ينبغي ظاهر في غير التحريم فهو ممنوع قال الحافظ ابن القيم في أعلام الموقعين قد اطرد في كلام الله ورسوله استعمال لا ينبغي في المحظور شرعا أو قدرا وفي المستحيل الممتنع كقوله تعالى وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا وقوله وما علمنا الشعر وما ينبغي له وقوله تنزلت به الشياطين وما ينبغي لهم وقوله على لسان نبيه كذنبي ابن ادم وما ينبغي له وشتمني ابن ادم وما ينبغي له وقوله صلى الله عليه وسلم إن الله لا ينام ولا ينبغي له وقوله صلى الله عليه وسلم في لباس الحرير لا ينبغي هذا للمتقين انتهى وأما الجواب الثاني ففيه أن قولهم النهى مخصوص بمن نذر على نفسه الخ ففيه أنه تخصيص بلا دليل وكذا في الجواب الرابع تخصيص بلا دليل وأما الجواب الثالث ففيه أن قولهم المراد حكم المساجد فقط وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد إلخ غير مسلم بل ظاهر الحديث العموم وأن المراد لا تشد الرحال إلى موضع إلا إلى ثلاثة مساجد فإن الاستثناء مفرغ والمثنى منه في المفرغ يقدر بأعم العام نعم لو صح رواية أحمد بلفظ لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد إلخ لاستقام هذا الجواب لكنه قد تفرد بهذا اللفظ شهر بن حوشب ولم يزد لفظ مسجد أحد غيره فما أعلم وهو كثير الأوهام كما صرح به الحافظ بن حجر في التقريب في ثبوت لفظ مسجد في هذا الحديث كلام فظاهر الحديث هو العموم وأن المراد لا يجوز السفر إلى موضع للتبرك به والصلاة فيه إلا إلى ثلاثة
[ 242 ]
مساجد وأما السفر إلى موضع للتجارة أو لطلب العلم أو لغرض اخر صحيح مما ثبت جوازه بأدلة أخرى فهو مستثنى من حكم هذا الحديث هذا ما عندي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم باب ما جاء في المشي إلى المسجد قوله وإذا أقيمت الصلاة وفي رواية للبخاري إذا سمعتمم الاقامة قال الحافظ هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة إذا أتيتم الصلاة لكن الظاهر أنه من مفهوم الموافقة لأن المسرع إذا أقيمت الصلاة يترجى إدراك فضيلة التكبيرة الأولى ونحو ذلك ومع ذلك فقد نهى عن الاسراع فغيره ممن جاء قبل الاقامة لا يحتاج إلى الاسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينهي عن الاسراع من باب الأولى انتهى فلا تأتوها وأنتم تسعون قال في الصراح سعى ديدون وشتاب كردن وجملة وأنتم تسعون حالية وعليكم السكينة زاد في رواية للبخاري والوقار قال عياض والقرطبي هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد وقال النووي الظاهر أن بينهما فرقا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة كغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات فما أدركتم فصلوا قال الكرماني الفاء جواب شرط محذوف أي إذا بينت لكم ما هو أولى بكم فما أردكتم فصلوا انتهى قال الحافظ أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم أي فعتلم الذي أمرتكم به من السكينة وترك الاسراع وما فاتكم فأتموا أي أكملوا وحديث أبي هريرة هذا أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما وله طرق وألفاظ
[ 243 ]
قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وأبي بن كعب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وجابر وأنس) أما حديث أبي قتادة فأخرجه البخاري ومسلم قال بينما نحن نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع جلبة رجال فلما صلى قال ما شأنكم قالوا استعجلنا إلى الصلاة قال فلا تفعلوا إذا أتيتم إلى الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه مسلم وأما حديث أبي حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني في الكبير قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نريد الصلاة فكان يقارب الخطى فقال أتدرون لم أقارب الخطى قلت الله ورسوله أعلم قال لا يزال العبد في الصلاة ما دام في طلب الصلاة وفيه الضحاك بن نبراس وهو ضعيف ورواه موقوفا على زيد بن ثابت ورجاله رجال الصحيح كذا في مجمع الزوائد وأما حديث جابر فأخرجه ابن حبان وأما حديث أنس وهو ابن مالك فأخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا إذا أتيتم الصلاة فأتوا وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقتم قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون وكذا في التلخيص قوله (اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الاسراع إذا خاف فوت تكبيرة الأولى) هذا رأى مخالف لحديث الباب وقد وقع في رواية البخاري إذا سمعتم الاقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا قال الحافظ قوله ولا تسرعوا فيه زيادة تأكيد ويستفاد منه الرد على من أول قوله في حديث أبي قتادة لا تفعلوا أي الاستعجال المفضي إلى عدم الوقار وأما الاسراع الذي لا ينافي الوقار كمن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا وهذا محكى عن إسحاق بن راهويه قال وقد تقدمت رواية العلاء التي فيها فهو في صلاة قال النووي نبه بذلك على أنه لو لم يدرك من الصلاة شيئا لكان محص لمقصوده لكونه في صلاة وعدم الاسراع أيضا يستلزم كثرة الخطى وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث انتهى (حتى ذكر عن بضعهم أنه كان يهرول إلى الصلاة) قال في الصراح هرولة نوعي ازرفتار ودويدن وقال في النهاية هي بين المشي والعدو (ومنهم من كره الاسراع واختار أن يمشي على تؤده ووقار) أي وإن خاف
[ 244 ]
فوت التكبيرة الأولى والتؤدة بضم التاء وفتح الهمزة التأني وأصل التاء فيها واو (وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا العلم على حديث أبي هريرة) وهذا القول هو الصواب الموافق لأحاديث الباب (وقال إسحاق إن خاف فوت تكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي) لا دليل على هذا بل هو مخالف لحديث الباب كما عرفت وأيضا قد وقع في اخر حديث الباب في رواية المسلم فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة أي أنه في حكم المصلى فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه وإذا ثبت أن العامد إلى الصلاة في الصلاة فكيف يقال إنه لا بأس في الاسراع إن خاف فوت تكبيره الأولى قوله (وهذا أصح من حديث يزيد بن زريع) يعني قول عبد الرزاق في روايته عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أصح من قول يزيد بن زريع في روايته عن أبي سلمة عن أبي هريرة وذلك لأن سفيان قد تابع عبد الرزاق فقال هو أيضا في روايته عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وقد أخرج الترمذي رواية سفيان بعد هذا قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وهذا عمل صحيح لو لم يثبت أن الزهري حدث به عنهما قال وقد جمعهما المصنف يعني البخاري في باب المشي إلى الجمعة عن ادم فقال فيه عن سعيد وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وكذلك أخرجه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عنهما وذكر الدارقطني الاختلاف فيه عن الزهري وجزم بأنه عنده عنهما جميعا وقال وكان ربما اقتصر على أحدها انتهى قوله (أخبرنا سفيان) هو ابن عيينة كما صرح به الحافظ في الفتح
[ 245 ]
باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة من الفضل قوله (عن همام بن منبه) بضم الميم وفتح النون وكسر الموحدة المشددة ابن كامل الصنعاني وهو أخو وهب بن منبه ثقة من الرابعة قوله (لا يزال أحدكم في صلاة) أي في ثواب صلاة لا في حكمها لأنه يحل له الكلام وغيره مما منع في الصلاة (ولا تزال الملائكة تصلي) أي تستغفر والمراد بالملائكة الحفظة أو السيارة أو أعم من ذلك (ما دام في المسجد) وفي رواية للبخاري ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ومفهومه أنه إذا انصرف عنه انقضى ذلك ويمكن أن يحمل قوله في مصلاه على المكان المعد للصلاة لا الموضع الخاص بالسجود فلا يكون بين هذه الرواية وبين حديث الباب تخالف (اللهم اغفر له اللهم أرحمه) بيان لقوله تصلي أي تقول اللهم أغفر له إلخ والفرق بين المغفرة والرحمة أن المغفرة ستر الذنوب والرحمة إفاضة الاحسان إليه (ما لم يحدث) من الاحداث أي ما لم يبطل وضوءه (وما الحدث يا أبا هريرة) لعل سبب الاستفسار إطلاق الحديث عندهم على غير ما ذكر أو ظنوا أن الاحداث بمعنى الابتداع (فقال فساء أو ضراط) الصوت الخارج من الدبر إن كان بلا صوت فهو الفساء بضم الفاء والمد وإن كان بالصوت فهو الضراط بضم الضاد قال السفاقسي الحدث في المسجد خطيئة يحرم به المحدث استغفار الملائكة ولما لم يكن للحدث فيه كفارة ترفع أذاه كما يرفع الدفن أذى النخامة فيه عوقب بحرمان الاستغفار من الملائكة لما اذاهم به من الرائحة الخبيثة وقال ابن بطال من أراد أن تحط عنه ذنوبه من غير تعب فليغتنم ملازمة مصلاه بعد الصلاة ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له فهو مرجو إجابته لقوله تعالى لا يشفعون إلا لمن ارتضى وفي
[ 246 ]
الحديث بيان فضيلة من انتظر الصلاة مطلقا سواء ثبت في مجلسه ذلك من المسجد أو تحول إلى غيره كذا في عمدة القاري قوله (وفي الباب عن علي وأبي سعيد وأنس وعبد الله بن مسعود وسهل بن سعد) أما حديث علي فأخرجه أبو يعلى والبزار قال المنذري بإسناد صحيح إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا وأخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والدارمي في مسنده وفيه وما من أحد يخرج من بيته متطهرا حتى يأتي المسجد فيصلي فيه مع المسلمين أو مع الامام ثم ينتظر الصلاة التي بعدها إلا قالت الملائكة اللهم أغفر له اللهم أرحمه الحديث وأما حديث أنس فأخرجه البخاري بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر ليلة صلاة العشاء إلى شطر الليل ثم أقبل بوجهه بعد ما صلى فقال صلى الناس ورقدوا ولم تزالوا في صلاة منذ انتظرتموها وأما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه الطبراني وفيه وإن المسجد ينتظر الصلاة فهو في صلاة ما لم يحدث قال الهيثمي في مجمع الزوائد في عبد بن إسحاق العطار وهو متروك ورضيه أبو حاتم وذكره ابن حبان في الثقات وقال يغرب انتهى وأما حديث سهل بن سعد فلينظر من أخرجه باب ما جاء في الصلاة على الخمرة بضم الخاء المعجمة وسكون الميم قال الطبري هو مصلى صغير يعمل من سعف النخل
[ 247 ]
سميت بذلك لسترها الوجه والكفين من حر الأرض وبردها فإن كانت كبيرة سميت حصيرا وكذا قال الأزهري في تهذيبه وصاحبه أبو عبيد الهروي وجماعة بعدهم وزاد في النهاية ولا تكون خمرة إلا هذا المقدار وقال الخطابي هي السجدة يسجد عليها المصلي ثم ذكر حديث ابن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها الحديث قال ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه كذا في فتح الباري ص 413 ج 1 قلت حديث ابن عباس الذي ذكره الخطابي أخرجه أبو داود ولفظه هكذا قال جاءت فأرة تجر الفتيلة فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا فأحرقت منها مثل موضع الدرهم فقال إذا تمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل على هذا فيحرقكم والحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن طلحة ولم نجد له ذكرا فيما رأيناه من كتبهم وإن كان هو عمرو بن طلحة وقع فيه تصحيف كذا في الأصل وفي طبقة لا تختج بحديثه انتهى كلام المنذري قلت عمرو بن طلحة هذا هو عمرو بن حماد بن طلحة الكوفي أبو محمد القناد روى عن أسباط بن نصر ومندل ابن علي وروى عنه مسلم فرد حديثه وإبراهيم الجوزاني قال مطين ثقة وقال أبو داود رافضي كذا في الخلاصة والحديث أخرجه الحاكم وقال إسناده صحيح قوله (كان يصلي على الخمرة) قال ابن بطال لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شئ دون الأرض وكذا روي عن غير عروة ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه كذا في الفتح ص 243 ج 1 وقال الشوكاني في النيل والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كان من الخرق و الخوص أو غير ذلك سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط لما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح يا أفلح ترب وجهك أي في سجوده قال العراقي والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض وكأنه راه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه راه يصلي على شئ يستره من الأرض فأمره بنزعه انتهى
[ 248 ]
قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وابن عمر وأم سلمة وعائشة وميمونة وأم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ولم تسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطبراني وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وأحمد والبزار وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود وأما حديث ميمونة فأخرجه الجماعة إلا الترمذي وأما حديث أم كلثوم فأخرجه ابن أبي شيبة كذا في النيل قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ميمونة (وبه يقول بضع أهل العلم) قال الشوكاني في النيل قد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور قال الترمذي وبه يقول بعض أهل العلم وقد نسبه العراقي إلى الجمهور انتهى قوله (والخمرة هو حصير صغير يدل عليه حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو داود وقد ذكرنا لفظه باب ما جاء في الصلاة على الحصير قال ابن بطال إن كان يصلي عليه كبيرا قدر الرجل وأكثر فإنه يقال له حصير ولا يقال له خمرة وكل ذلك يصنع من سعف النخل وما أشبهه قوله (صلى على الحصير) فيه دليل على أنه
[ 249 ]
صلى الله عليه وسلم صلى على الحصير وأما ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير والله يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فقالت لم يكن يصلي على الحصير فهو شاذ مردود لمعارضته ما هو أقوى منه كحديث الباب وغيره بل روى البخاري في صحيحه من طريق أبي سلمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حصير يبسطه ويصلي عليه قوله (وفي الباب عن أنس والمغيرة بن شعبة) أما حديث أنس فأخرجه الجماعة وأما حديث المغيرة فأخرجه أحمد وأبو داود قوله (وحديث أبي سعيد حديث حسن) وأخرجه مسلم قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم الخ) قال في النيل وقد روي عن زيد بن ثابت وأبي ذبر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وسعيد بن المسيب ومكحول وغيرهما من التابعين أستحباب الصلاة على الحصير وصرح ابن المسيب بأنها سنة وممن أختار مباشرة المصلى للأرض من غير وقاية عبد الله بن مسعود فروى الطبراني عنه أنه كان لا يصلي ولا يسجد إلا على الأرض وعن إبراهيم النخعي أنه كان يصلي على الحصير ويسجد على الأرض باب ما جاء في الصلاة على البسط بضم الباء والسين بساط بكسر الباء وهو ما يبسط أي يفرش وأما البساط بفتح الباء فهي الأرض الواسعة المستوية كذا في القاموس وغيره قوله (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقانية وتشديد التحتانية واخره مهملة اسمه يزيد بن
[ 250 ]
حميد مشهور بكنيته ثقة ثبت (الضبعي) بضم الضاء المعجمة وفتح الموحدة قوله (حتى كان يقول) غاية يخالط أي انتهى مخالطته لأهلنا حتى الصبي يلاعبه (ما فعل النغير) بضم النون وفتح الغين المعجمة مصغر نغر بضم ثم فتح طير كالعصفور محمر المنقار أهل المدينة يسمونه البلبل أي ما شأنه وحاله قاله القسطلاني وقال في القاموس النغر كصرد البلبل جمعه نغران كصردان انتهى وقال في النهاية النغير هو تصغير النغر وهو طائر يشبه العصفور أحمر المنقار انتهى (ونضح) أي رش قال في القاموس نضح البيت ينضحه رشه (بساط لنا قال السيوطي فسر في سنن أبي داود بالحصير انتهى قلت روى أبو داود في سننه عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور أم سليم فتدركه الصلاة أحيانا فيصلي على بساط لنا وهو حصير تنضحه بالماء وقال العراقي في شرح الترمذي فرق المصنف يعني الترمذي بين حديث أنس في الصلاة على البساط وبين حديث أنس في الصلاة على الحصير وعقد لكل منهما بابا وقد روى ابن أبي شيبة في سننه ما يدل على أن المراد بالبساط الحصير بلفظ فيصلي أحيانا على بساط لنا وهو حصير فننضحه بالماء قال العراقي فتبين أن مراد أنس بالبساط الحصير ولا شك أنه صادق على الحصير لكونه يبسط على الأرض أي يفرش انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه أحمد وابن ماجه عنه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط وفي إسناده زمعة بن صالح الحيدي ضعفه أحمد وابن معين وأبو حاتم والنسائي وقد أخرج له مسلم فرد حديث مقرونا باخر قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه قوله (لم يروا بالبساط والطنفسة بأسا) قال في المجمع الطنفسة بكسر طاء وفاء وضمهما
[ 251 ]
وبكسر ففتح بساط له خمل رقيق طنافس وقال فيه أيضا هو كساء ذو خمل يجلس عليه انتهى قوله (وبه يقول أحمد وإسحاق) وهو قول الأوزاعي والشافعي وجمهور الفقهاء وقد كره جماعة من التابعين فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين أنهما قالا الصلاة على الطنفسة وهي البساط الذي تحته خمل محدثة وعن جابر بن زيد كان يكره الصلاة على كل شئ من الحيوان ويستحب الصلاة على كل شئ من بنات الأرض وعن عروة بن الزبير أنه كان يكره أن يسجد على شئ دون الأرض كذا في النيل والحق ما ذهب إليه الجمهور باب ما جاء في الصلاة في الحيطان جمع حائط قال في القاموس الحائط الجدار جمعه حيطان والبستان قوله (حدثنا الحسن بن أبي جعفر) ليس له عند المصنف إلا هذا الحديث واشتهر بالنسبة إلى كنية واسم أبيه عجلان وقيل عمرو الجفري بضم الجيم وسكون الفاء وراء النسبة إلى جفرة خالد مكان بالبصرة كذا في قوت المغتذي قوله (كان يستحب الصلاة في الحيطان) قال صاحب النهاية الحائط البستان من النخل إذا كان عليه حائط وهو الجدار قال العراقي استحبابه صلى الله عليه وسلم الصلاة في الحيطان يحتمل معاني أحدها قصد الخلوة عن الناس فيها وبه جزم القاضي أبو بكر بن العربي الثاني قصد حلول البركة في ثمارها ببركة الصلاة فإنها جالبة للرزق الثالث أن هذا من كرامة المزور أن يصلي في مكانه
[ 252 ]
الرابع إنها تحية كل منزل نزله أو توديعه كذا في قوت المغتذي قوله (قال أبو داود) هو الطيالسي الراوي عن الحسن بن أبي جعفر (يعني البساتين) جمع بستان قوله (والحسن بن أبي جعفر قد ضعفه يحيى بن سعيد وغيره) قال الفلاس صدوق منكر الحديث وقال ابن المديني ضعيف وضعفه أحمد والنسائي وقال البخاري منكر الحديث كذا في الميزان قوله (أبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس) بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء وهو صدوق إلا أنه كان مدلسا باب ما جاء في سترة المصلى قوله مثل مؤخرة الرحل هو العود الذي يستند إليه راكب الرحل وفي المؤخرة لغات ضم الميم وسكون الهمزة وكسر الخاء حكاها أبو عبيد وأنكرها يعقوب وفتح الهمزة والخاء معا مع تشديد الخاء حكاها صاحب المشارق وقال ابن العربي المحدثون يروونه مشددا وأنكرها صاحب النهاية فقال ولا تشدد وسكون الهمزة وفتح الخاء المخففة حكاها صاحب السرقسطي في غريبة وأنكرها ابن قتيبة وفتح الميم وسكون الواو من غير همزة وكسر الخاء حكاها صاحب المشارق
[ 253 ]
واللغة المشهورة فيها اخره الحل بالمد وكسر الخاء وكذا ورد في حديث أبي ذر الاتي وقال ابن العربي إنه الصواب قاله السيوطي قال الحافظ في الفتح اعتبر الفقهاء مؤخرة الرحل في مقدار أقل السترة واختلفوا في تقديرها بفعل ذلك فقيل ذراع وقيل ثلثا وهو أشهر لكن في مصنف عبد الرزاق عن نافع أن مؤخرة رحل ابن عمر كانت قدر ذراع انتهى وقال النووي في شرح مسلم في هذا الحديث بيان أقل السترة مؤخرة الرحل وهي قدر عظم الذراع هو نحو ثلثي ذراع ويحصل بأي شئ أقامه بين يديه هكذا وشرط مالك أن يكون في غلط الرمح انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وسهل بن أبي حثمة وابن عمر وسبرة بن معبد وأبي جحيفة وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأما حديث سهل بن أبي حثمة فأخرجه أبو داود وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وأما حديث سبرة فأخرجه البخاري أيضا وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه الشيخان وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان أيضا قوله (حديث طلحة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (وقالوا سترة الامام لمن خلفه) أي من المأمومين فلا حاجة لهم إلى اتخاذ سترة لهم على حدة بل يكفيهم سترة الامام وتعتبر تلك السترة لهم أيضا ولهذا يكون المرور المضر بين يدي المصلي في حق المأموم هو المرور بين يدي المصلى في حق الامام قال ابن عبد البر حديث ابن عباس هذا أي الذي رواه البخاري وفيه فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر على أحد يخص حديث أبي سعيد إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه فإن ذلك مخصوص بالامام والمنفرد فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه لحديث ابن عباس هذا قال وهذا كله لا خلاف بين العملاء وكذا نقل عياض الاتفاق على أن المأمومين يصلون إلى سترة لكن اختلفوا أهل سترتهم سترة الامام أم سترتهم الامام نفسه انتهى وفيه نظر لما رواه عبد الرزاق عن الحكم بن عمرو والغفاري الصحابي أنه صلى بأصحابه في سفر
[ 254 ]
وبين يديه سترة فمرت حمير بين يدي أصحابه فأعاد بهم الصلاة وفي رواية له إنه قال لهم إنها لم تقطع صلاتي لكن قطعت صلاتكم فهذا يعكر على ما نقل من الاتفاق وروى الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن عبد العزيز عن عاصم عن أنس مرفوعا سترة الامام سترة لمن خلفه وقال تفرد به سويد عن عاصم انتهى وسويد ضعيف عندهم ووردت أيضا في حديث موقوف على ابن عمر أخرجه عبد الرزاق ويظهر أثر الخلاف الذي نقله عياض فيما لو مر بين الامام أحد فعلى قول من يقول إن سترة الامام من خلفه يضلا صلاته وصلاتهم معا وعلى قول من يقول إن الامام نفسه سترة من خلفه يضر صلاته ولا يضر صلاتهم كذا في فتح الباري باب ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلى قوله (حدثنا الأنصاري) وهو إسحاق بن موسى بن عبيد الله بن موسى الخطمي أبو موسى المدني ثم الكوفي أحد أئمة السنة ثقة متقن من العاشرة قوله (أرسل إلى أبي جهيم) بضم الجيم بالتصغير أي أرسل زيد بن خالد بسر بن سعيد ففي رواية البخاري أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم قوله بين يدي المصلي أي أمامه بالقرب منه وعبر باليدين لكون أكثر الشغل يقع بهما واختلف في تحديد ذلك فقيل إذا مر بينه وبين مقدار سجوده وقيل بينه قدر ثلاثة أذرع وقيل بينه وبينه قدر رميه بحجر قاله الحافظ وقال الحافظ السيوطي المراد بالمرور أن يمر بين يديه معترضا أما إذا مشى بين يديه ذاهبا لجهة القبلة فليس داخلا في الوعيد انتهى وقال الحافظ في الفتح ظاهر الحديث أن الوعيد المذكور يختص بمن مر لا يمكن وقف عامدا مث بين يدي المصلي أو قعد أو رقد لكن إن كانت العلة فيها التشويش على المصلي فهو في معنى المار انتهى قوله ماذا عليه أي من الاثم
[ 255 ]
قوله لكان أن يقف أربعين يعني أن المار لو علم مقدار الاثم الذي يلحقه من مروره بين يدي المصلي ليختار أن يقف المدة المذكورة حتى لا يلحقه ذلك الاثم قوله خير له بالرفع كذا وقع في رواية الترمذي قال السيوطي في قوت المغتذي وقع هنا بالرفع على أنه اسم كان وفي البخاري بالنصب على الخبرية وقال أبو الطيب المدني في شرحه متعقبا عليه وفيه أن قوله أن يقف اسم معرفة تقدير أي وقوفه وخير نكرة فلا يصلح أن يكون اسما لكان وأن يقف خبرا له على أن المعنى يأبى ذلك انتهى قلت يحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها قوله (قال أبو النضر) هو قول مالك قوله الحافظ (لا أدري قال أربعين شهرا أو أربعين سنة) فيه إبهام ما على المار من الاثم زجرا له وفي رواية البزار أربعين خريفا قال الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكر حديث البزار بلفظ أربعين خريفا رجاله رجال الصحيح انتهى والحديث يدل على أن المرور بين يدي المصلي من الكبائر الموجبة للنار وظاهره عدم الفرق بين صلاة الفريضة والنافلة قال النووي في الحديث دليل على تحريم المرور فإن في معنى الحديث النهي الأكيد والوعيد الشديد على ذلك انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد الخدري) أخرجه الشيخان (وأبي هريرة) أخرجه ابن ماجه (وابن عمر) أخرجه البخاري (وعبد الله بن عمرو) وأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والذي يمر بين يدي الرجل وهو يصلي عمدا يتمنى يوم القيامة أنه شجرة يابسة قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد وفيه من أجد من مترجمه قوله (حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأن يقف مائة عام) أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة قاله السيوطي وقال الحافظ في الفتح وفي ابن ماجه وابن حبان من حديث
[ 256 ]
أبي هريرة لكان أن يقف مائة عام خير له من الخطوة التي خطاها قال وهذا يشعر بأن إطلاق الأربعين للمبالغة في تعظيم الأمر لخصوص عدد معين وجنح الطحاوي إلى أن التقيد بالمائة وقع بعد التقييد بالأربعين زيادة في تعظيم الأمر على المار لأنهما لم يقعا معا إذ المائة أكثر من الأربعين والمقام مقام زجر وتخويف فلا يناسب أن يتقدم ذكر المائة على الأربعين بل المناسب أن يتأخر ومميز الأربعين إن كان هو السنة ثبت المدعي أو ما دونها فمن باب الأولى انتهى قوله (والعمل عليه عند أهل العلم كرهوا المرور إلخ) المراد من الكراهة التحريم وقد تقدم في المقدمة معنى الكراهة عند السلف باب ما جاء لا يقطع الصلاة شئ وقال البخاري في صحيحه باب من قال لا يقطع الصلاة شئ قال الحافظ في الفتح أي من فعل غير المصلي والجملة المترجم بها أوردها في الباب صريحا من قول الزهري ورواها مالك في الموطأ عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه من قوله وأخرجها الدارقطني مرفوعة من وجه اخر عن سالم لكن إسنادها ضعيف ووردت أيضا مرفوعة من حديث أبي سعيد عند أبي داود ومن حديث أنس وأبي أمامة عند الدارقطني ومن حديث جابر عند الطبراني في الأوسط وفي إسناد كل منهما ضعف وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا انتهى ما في الفتح قوله (كنت رديف الفضل) هو الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي هو أكبر أولاد عباس رضي الله عنه استشهد في خلافة عمر (على أتان) بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هي الأنثى من الحمير وربما قالوا للأنثى أتانة حكاه يونس وأنكره غيره (فجئنا
[ 257 ]
والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى) زاد في رواية الشيخين إلى غير جدار قال القاري في المرقاة قد نقل البيهقي عن الشافعي أن المراد بقول ابن عباس إلى غير جدار إلى غير سترة ويؤيده رواية البزار بلفظ والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي المكتوبة ليس شئ يستره لكن البخاري أورد هذا الحديث في باب الامام سترة لمن خلفه وهذا مصير منه إلى أن الحديث محمول على أنه كان هناك سترة قال الشيخ ابن حجر يعني العسقلاني كأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته عليه السلام أن لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه كذا ذكره ميرك وفي شرح الطيبي قال المظهر قوله إلى غير جدار أي إلى غير سترة والغرض من الحديث أن المرور بين يدي المصلي لا يقطع الصلاة انتهى كلامه فإن قلت قوله إلى غير جدار لا ينفي شيئا غيره فكيف فسره بالسترة قلت إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم وعن عدم جدار مع أنهم لم ينكروا عليه وأنه مظنة إنكار يدل على حدوث أمر لم يعهد قيل ذلك من كون المرور مع عدم السترة غير منكر فلو فرض سترة أخرى لم يكن لهذا الاخبار فائدة انتهى قال القاري يمكن إفادته أن سترة الامام سترة القوم كما فهم البخاري (فنزلنا عنها) أي عن الأتان (فوصلنا الصف فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم) أستدل به على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة فيكون ناسخا لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون الحمار يقطع الصلاة وكذا مرور المرأة والكلب الأسود قلت في هذا الاستدلال نظر فتفكر وقد أوضحه الشوكاني قوله (وفي الباب عن عائشة والفضل بن عباس وابن عمر) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل وأنا معترضة بينه وبين القبلة كاعتراض الجنازة وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أبو داود عنه قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في بادية لنا ومعه عباس فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة وحماره لنا وكلبة تعيشان بين يديه فما بالي بذلك وأخرجه النسائي نحوه وفي إسناده مجالد بن سعيد بن عمرو الهمداني الكوفي وقد تكلم فيه غر واحد وأخرج له مسلم حديثا مقرونا بجماعة من أصحاب الشعبي وأما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا لا يقطع صلاة المسلم شئ وادرأ ما أستطعت وفيه إبراهيم بن يزيد الخوذي وهو ضعيف قال
[ 258 ]
العراقي والصحيح عن ابن عمر ما رواه مالك في الموطأ من قوله إنه كان يقول لا يقطع الصلاة شئ مما يمر بين يدي المصلى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان بنحوه ليس في روايتهما فمرت بين أيديهم فلم تقطع صلاتهم قوله (قالوا لا يقطع الصلاة شئ وبه يقول سفيان والشافعي) وبه يقول الحنفية وأستدلوا بحديث الباب وبحديث لا يقطع الصلاة شئ روى عن ابن عمر وأبي سعيد وأنس وأبي أمامة وجابر وبما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن علي وعثمان وغيرهما نحو ذلك موقوفا كما عرفت في كلام الحافظ باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار والمرأة قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير هو ابن بشئ بوزن عظيم بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية بن أبي حازم الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس أخبرنا (يونس ومنصور بن زاذان) يونس هذا هو ابن عبيد بن دينار العبدي مولاهم البصري روي عن حميد بن هلال وخلق ثقة ثبت فاضل ورع ومنصور بن زاذان بالزاي والذال المعجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي ثقة ثبت عابد (عن حميد بن هلال) العدوي البصري ثقة عالم توقف فيه ابن سيرين لدخوله عمل السلطان من الثالثة (عن عبد الله بن الصامت) الغفاري البصري ثقة من الثالثة (قال سمعت أبا ذر) الغفاري الصحابي المشهور اسمه جندب بن جنادة على الأصح تقدم إسلامه وتأخر هجرته فلم يشهد بدرا
[ 259 ]
ومناقبة كثيرة جدا قوله وليس بين يديه كاخره الرحل بالمد وكسر الخاء المعجمة الخشبة التي يستند إليها الراكب من كور البعير أو كواسطة الرجل قال في القاموس واسطة الكور وواسطة مقدمه وقال في الصراح واسط الكور بيش بالان قال العراقي يحتمل أن يراد بها وسطه ويحتمل أن يراد بها مقدمه ويحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك جميعا ويحتمل أن شك من بعض رواة إسناد المصنف فإن ذكر واسطة الرحل أنفرد به المصنف انتهى قطع صلاته الكلب الأسود والمرأة والحمار قال النووي أختلف العلماء في هذا فقال بعضهم يقطع هؤلاء الصلاة وقال أحمد بن حنبل يقطعها الكلب الأسود وفي قلبي من الحمار والمرأة شئ ووجه قوله إن الكلب لم يجئ في الترخيص فيه شئ يعارض هذا الحديث وأما المرأة ففيها حديث عائشة رضي الله عنها يعني الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وذكرنا لفظه وفي الحمار حديث ابن عباس يعني الذي رواه الترمذي في الباب المتقدم وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي رضي الله عنهم وجمهور من السلف والخلف لا تبطل الصلاة بمرور شئ من هؤلاء ولا من غيرهم وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي نسخه بالحديث الاخر لا يقطع صلاة المرء شئ وادرأوا ما أستطعتم وهذا غير مرضي لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرناه مع أن حديث لا يقطع صلاة المرء شئ ضعيف انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد والحكم الغفاري وأبي هريرة وأنس) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع الصلاة وأدرأوا ما أستطعتم فإنما هو شيطان وأما حديث الحكم الغفاري فأخرجه الطبراني في معجمه الكبير وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب ويقي ذلك مثل مؤخرة
[ 260 ]
الرحل وأما حديث أنس فأخرجه البزار بلفظ يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة قال العراقي رجال ثقات وفي الباب أيضا عن عبد الله بن المغفل أخرجه أحمد وابن ماجه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار قال الشوكاني رواه ابن ماجه من طريق جميل بن الحسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات وعن ابن عباس أخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ولم يقل أبو داود الأسود وقد روى موقوفا عن ابن عباس وعن ابن عباس حديث اخر مرفوع عند أبي داود وزاد فيه الخنزير واليهودي والمجوسي وقد صرح أبو داود أن ذكر الخنزير والمجوسي فيه نكارة قال ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد بن إسماعيل وأحسبه وهم لأنه كان حدثنا من حفظه انتهى وعن عبد الله بن عمر وأخرجه أحمد قال بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض أعلى الوادي يريد أن يصلي قد قام وقمنا إذ خرج علينا حمار من شعب فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده قال العراقي وإسناده صحيح وعن عائشة أخرجه أحمد قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقطع صلاة المسلم شئ إلا الحمار والكافر والكلب والمرأة لقد قرنا بدواب سوء قال العراقي ورجاله ثقات قوله (حديث أبي ذر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إليه قالوا يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود قال أحمد الذي لا أشك فيه أن الكلب الأسود يقطع الصلاة وفي نفس من الحمار والمرأة شئ) قال الشوكاني أحاديث الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة والمراد بقطع الصلاة إبطالها وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه وحكى أيضا عن أبي ذر وابن عمر وجاء عن ابن عمر أنه قال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود ومن الأئمة أحمد بن حنبل في ما حكاه عنه ابن حزم الظاهري وحكى الترمذي عنه أنه يخصصه بالكلب الأسود ويتوقف في الحمار والمرأة
[ 261 ]
قال ابن دقيق العيد وهو أجود مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار وذهب أهل الظاهر أيضا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه سواء كان الكلب والحمار مارا أم غير مار وصغيرا أم كبيرا حيا أم ميتا وكون المرأة بين يدي الرجل مارة أم غير مارة صغيرة أم كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة وذهب إلى أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ابن عباس وعطاء بن أبي رباح وأستدلا بالحديث السابق عند أبي داود وابن ماجه يعني الذي ذكرناه في ما تقدم ولا عذر لمن يقول بحمل المطلق على المقيد من ذلك وهم الجمهور وأما من يعمل بالمطلق وهم الحنفية وأهل الظاهر فلا يلزمهم ذلك وقال ابن العربي إنه لا حجة لمن قيد بالحائض لأن الحديث ضعيف قال وليست حيضة المرأة في يدها ولا بطنها ولا رجلها قال العراقي إن أراد بضعفه ضعف رواته فليس كذلك فإن جميعهم ثقات وإن أراد به كون الأكثرين وقفوه على ابن عباس فقد رفعه شعبة ورفع الثقة مقدم على وقف من وقفه وإن كانوا أكثر على القول الصحيح في الأصول وعلوم الحديث انتهى قوله (وقال إسحاق لا يقطعها شئ إلا الكلب الأسود) وحكاه ابن المنذر عن عائشة ودليل على هذا القول أن حديث ابن عباس المذكور في الباب المتقدم أخرج الحمار وحديث أم سلمة أخرج المرأة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجرتها فمر بين يديه عبد الله أو عمر فقال بيده هكذا فرجع فمر ابنة أم سلمة فقال بيده هكذا فمضت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هن أغلب رواه أحمد وابن ماجه وفي إسناده مجهول وهو قيس المدني وبقية رجاله ثقات وكذلك أخرجه المرأة حديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم وذكرنا لفظه والتقييد بالأسود أخرج ما عداه من الكلاب قلت في الاستدلال بحديث ابن عباس المذكور على إخراج الحمار وبحديث أم سلمة وعائشة على إخراج المرأة كلام فتفكر وقد ذكره الشوكاني في النيل باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد قوله (مشتملا في ثوب واحد) زاد الشيخان واضعا طرفيه على عاتقيه والعاتق ما بين
[ 262 ]
المنكب إلى أصل العنق وقال الطيبي الاشتمال التوشح والمخالفة بين طرفي الثوب بأن يأخذ الذي ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى ويأخذ طرفه الذي ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقدهما على صدره يعني لئلا يكون سد وكذا قال ابن السكتي وقال ابن بطال فائدة الالتحاف المذكور أن لا ينظر المصلي إلى عورة نفسه إذا ركع ولئلا يسقط الثوب عند الركوع والسجود قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وسلمة بن الأكوع وأنس وعمرو بن أبي أسيد وأبي سعيد الخدري وكيسان وابن عباس وعائشة وأم هانئ وعمار بن ياسر وطلق بن علي وعبادة بن الصامت الأنصاري) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري بلفظ من صلى في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه وأخرج الشيخان عنه بلفظ لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه منه شئ وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان وأبو داود بلفظ يا جابر إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقويك وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث أنس فأخرجه البخاري وأما حديث عمرو بن أبي أسيد الخدري فأخرجه أحمد وأما حديث كيسان بفتح الكاف وسكون التحتانية فأخرجه ابن أبي شيبة عنه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر في ثوب واحد متلببابه وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن أبي شيبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في ثوب واحد يتقي فضوله حر الأرض وبردها وأما حديث عائشة فأخرجه الخطيب في المتفق وأما حديث أم هانئ عمار بن ياسر فأخرجه ابن عساكر بلفظ قال أمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوب واحد متوشحا به
[ 263 ]
وأما حديث طلق بن علي فأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بلفظ قال جاء رجل فقال يا نبي الله ما ترى في الصلاة في ثوب واحد فأطلق النبي صلى الله عليه وسلم إزاراه فطارت به رداءه ثم أشتمل بهما فلما قضى الصلاة قال أكلكم يجد ثوبين وأما حديث عبادة بن الصامت الأنصاري أخرجه ابن عساكر بلفظ قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه قطيفة رومية قد عقدها على عنقه ثم صلى بنا ما عليه غيرها قوله (حديث عمر بن أبي سلمة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان (وقد قال بعض أهل العلم يصلي الرجل في ثوبين) قال الحافظ في الفتح كان الخلاف في منع جواز الصلاة في الثوب الواحد قديما روى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال لا تصلين في ثوب واحد وإن كان واسع ما بين السماء والأرض ونسب ابن بطال ذلك لابن عمر ثم قال لا يتابع عليه ثم استقر الأمر على الجواز انتهى فائدة أعلم أنه لا شك في أن الصلاة في الثوب الواحد جائزة لكنها في الثوبين أفضل عند وجودهما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال قام رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد فقال أو كلكم يجد ثوبين ثم سأل رجل عمر فقال إذا وسع الله فأوسعوا جمع رجل عليه ثيابه صلى رجل في إزار وقميص في إزار وقباء في سراويل ورداء في سراويل وقميص في سراويل وقباء الحديث قال الحافظ جمع رجل هو بقية قول عمر وأورده بصيغة الخبر ومراده الأمر قال ابن بطال يعني ليجمع ويصلي انتهى قال وفيه أن الصلاة في الثوبين أفضل من الثوب الواحد انتهى قال العيني في شرح البخاري واختلف أصحاب مالك في من صلى في سروايل وهو قادر على الثياب ففي المدونة لا يعيد في الوقت ولا في غيره وعن ابن القاسم مثله وعن أشهب عليه الاعادة في الوقت وعنه أن صلاته تامة إن كان ضيقا وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي في لحاف ولا يوشح به وا خر أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء وبظاهره أخذ بعض أصحابنا وقال تكره الصلاة في السروايل وحدها والصحيح أنه إذا ستر عورته لا تكره الصلاة فيه انتهى الكلام العيني
[ 264 ]
باب ما جاء في ابتداء القبلة قوله (يجب أن يوجه) بضم أوله وفتح الجيم مبنيا للمفعول أي يجب أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة لأنها قبلة إبراهيم قوله قد نرى تقلب وجهك في السماء أي تردد وجهك في جهة السماء متطلعا للوحي قوله (فصلى رجل معه العصر) هو عباد بن بشر قويل عباد بن نهيك قوله (وهم ركوع) جمع راكع (في صلاة العصر نحو بيت المقدس) وفي رواية البخاري في صلاة العصر يصلون نحو بيت المقدس قال الحافظ في الفتح وقع في تفسير ابن أبي حاتم من طريق تويله بنت أسلم صليت الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء فصلينا سجدتين أي ركعتين ثم جاءنا من يخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استقبل البيت الحرام (فقال) أي الرجل (هو يشهد) يعني بذلك نفسه وهو على سبيل التجريد وفي رواية البخاري أشهد بالله (فانحرفوا وفي ركوع) بأن تحول الامام من مقدم المسجد إلى مؤخره ثم تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال وقد وقع بيان كيفية الانحراف والتحول في خبر تويله قالت فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء قال الحافظ وتصويره أن الامام تحول
[ 265 ]
من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخر المسجد لأن من استقبل الكعبة استدبر بيت المقدس وهو لو دار في مكانه لم يكن خلفه مكان يسع الصفوف ولما تحول الامام تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال وهذا يستدعي عم كثيرا في الصلاة فيحتمل أن ذلك وقع قبل تحريم العمل الكثير كما كان قبل تحريم الكلام ويحتمل أن يكون اغتفر العمل المذكور من أجل المصلحة المذكورة أو وقعت الخطوات غير متوالية عند التحول بل مفرقة انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن عباس وعمارة بن أوس وعمرو بن عوف المزني وأنس) أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وأحمد وأما حديث عمارة بن أوس فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث عمرو بن عوف المزني وأنس فأخرجه ابن أبي شيبة قوله (حديث البراء حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود قوله (عن ابن عمر قال كانوا ركوعا في صلاة الصبح) أخرج الشيخان عن ابن عمر قال بينما الناس بقبا في صلاة الصبح إذا جاءهم ات فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قران وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة وجه الجمع بين اختلاف الرواية في الصبح والعصر أن الأمر بلغ إلى قوم في العصر وبلغ إلى أهل قبا في الصبح انتهى وقال الحافظ هذا لا يخالف حديث البراء في الصحيحين أنهم كانوا في صلاة الصبح لأن الخبر وصل وقت العصر إلى من هو داخل المدينة وهم بنو حارثة وذلك في حديث البراء ووصل الخبر وقت الصبح إلى من هو خارج المدينة وهم بنو عمرو بن عوف وذلك في حديث ابن عمر انتهى
[ 266 ]
قلت ههنا اختلاف اخر وهو أنه وقع في رواية الترمذي فصلى رجل معه العصر وفي حديث عمارة بن أوس أ التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة إحدى صلاتي العشئ وهكذا في حديث عمارة بن روبية وحديث تويلة وفي حديث أبي سعيد بن المعلى أنها الظهر والجمع بين هذه الروايات أن من قال إحدى صلاتي العشى شك هل هي الظهر أو العصر وليس من شك حجة على من جزم فنظرنا من جزم فوجدنا بعضهم قال الظهر وبعضهم قال العصر ووجدنا رواية العصر أصح لثقة رجالها وإخراج البخاري لها في صحيحه وأما حديث كونها الظهر ففي إسنادها مروان بن عثمان وهو مختلف فيه وأما رواية أن أهل قبا كانوا في صلاة الصبح فيمكن أن أبطأ الخبر عنهم إلى صلاة الصبح كذا في النيل باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة قوله (حدثنا محمد بن أبي معشر) السندي الكبير بكسر السين وسكون النون واسم أبي معشر نجيح صدوق قاله في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبيه وعنه الترمذي وثقه أبو يعلى الموصلي قال ابن قانع مات سنة أربع وأربعين ومائتين وقال ابنه داود سنة سبع (أخبرنا أبي) أي نجيح أبو معشر وهو ضعيف كما ستقف عليه (عن محمد بن عمرو) ابن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر عن الثالثة قوله (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين المشرق والمغرب قبلة قال السيوطي ليس هذا عاما في سائر البلاد إنما هو بالنسبة إلى المدينة الشريفة ونحوها قال البيهقي في الخلافيات المراد والله أعلم أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمت أهل المدينة انتهى وقال الشوكاني وقد اختلف في معنى هذا الحديث فقال العراقي ليس هذا عاما في سائر البلاد وإنما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها وهكذا قال البيهقي في الخلافيات وهكذا قال أحمد بن خالويه الرهبي قال ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك قال ابن عبد البر وهذا صحيح لا مدفع له ولا خلاف بين أهل العلم فيه وقال الأثرم سألت أحمد بن حنبل عن معنى
[ 267 ]
الحديث فقال هذا في كل البلدان إلا بمكة عند البيت فإنه إن زال عنه شيئا وإن قل فقد ترك القبلة ثم قال هذا المشرق وأشار بيده وهذا المغرب وأشار بيده وما بينهما قبلة قلت له فصلاة من صلى بينهما جائزة قال نعم وينبغي أن يتحرى الوسط قال ابن عبد البر تفسير قول أحمد هذا في كل البلدان يريد أن البلدان كلها لأهلها في قبلتهم مثل ما كانت قبلتهم بالمدينة الجنوب التي يقع لهم فيها الكعبة فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشما فيها مابين المشرق والمغرب يجعلون المغرب عن إيمانهم والمشرق عن يسارهم وكذلك لأهل اليمن من السعة في قبلتهم مثل ما لأهل المدينة ما بين المشرق والمغرب إذا توجهوا أيضا قبل القبلة إلا أنهم يجعلون المشرق عن إيمانهم والمغرب عن يسارهم وكذلك أهل العراق وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان لأهل المدينة فيما بين المشرق والمغرب وكذلك ضد العراق على ضد ذلك أيضا وإنما تضيق القبلة كل الضيق على أهل المسجد الحرام وهي لأهل مكة أوسع قلي ثم هي لأهل الحرم أوسع قلي ثم هي لأهل الافاق من السعة على حسب ما ذكرنا انتهى قوله (حديث أبي هريرة قد روي عنه من غير وجه) يعني من أسانيد متعددة والحديث أخرجه ابن ماجه والحاكم والدارقطني (وقد تكلم بعض أهل العلم في أبي معشر من قبل حفظه واسمه نجيح) قال في التقريب نجيح بن عبد الرحمن السندي بكسر السين المهملة وسكون النون المدني أبو معشر وهو مولى بني هاشم مشهور بكنيته ضعيف من السادسة أسن وأختلط (قال محمد لا أروي عنه شيئا) محمد هذا هو محمد بن إسماعيل البخاري قال الذهبي في الميزان في ترجمة أبي معشر نجيح قال البخاري وغيره منكر الحديث قوله (أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء الخفيفة هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة أبو محمد المدني قال الحافظ ليس به بأس (عن عثمان بن محمد الأخنسي) قال في التقريب صدوق له أوهام وقال في الخلاصة
[ 268 ]
وثقه ابن معين وقال ابن المديني روى ابن المسيب مناكير (هذا حديث حسن صحيح) كذا قال الترمذي وخالفه البيهقي فقال بعد إخراجه من طريق الترمذي هذا إسناد ضعيف قال الشوكاني في النيل فنظرنا في الاسناد فوجدنا عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس بن شريق قد تفرد به عن المقبري وقد اختلف فيه فقال ابن المديني إنه روى أحاديث مناكير ووثقه ابن معين وابن حبان فكان الصواب ما قاله الترمذي وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا وتصحيح الترمذي ما لفظه وقوله عليه السلام في حديث أبي أيوب ولكن شرقوا أو غربوا يعضد ذلك انتهى قوله (منهم عمر بن الخطاب) روى الامام مالك في الموطأ عن نافع أن عمر بن الخطاب قال ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قبل البيت (وعلي بن أبي طالب) أخرج قوله ابن أبي شيبة (وقال ابن عمر إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة) فإن مكة على جهة الجنوب من المدينة وهذا لأهل المدينة وقول ابن عمر هذا أخرجه البيهقي (وقال ابن المبارك ما بين المشرق والمغرب قبلة هذا لأهل المشرق) قال الشوكاني في النيل وقد يستشكل قول ابن المبارك من حيث أن من كل المشرق وإنما يكون قبلته المغرب فإن مكة بينه وبين المغرب والجواب عنه أنه أراد بالمشرق البلاد التي يطلق عليها اسم المشرق كالعراق مث فمن قبلتهم أيضا بين المشرق والمغرب وقد ورد مقيدا بذلك في بعض طرق حديث أبي هريرة ما بين المغرب والمشرق قبلة لأهل العراق رواه البيهقي في الخلافيات وروى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه قال إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة لأهل المشرق انتهى وقال الطيبي
[ 269 ]
يريد ما بين مشرق الشمس في الشتاء وهو مطلع قلب العقرب ومغرب الصيف وهو مغرب السماك الرامح والظاهر أنها قبلة أهل المدينة فإنها واقعة بين الشرق والغرب وهي إلى الطرف الغربي أميل انتهى ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا (واختار عبد الله بن المبارك التياسر لأهل مرو) قال في القاموس المرو بلد بفارس انتهى وقال العلامة محمد طاهر في المغنى مدينة بخراسان انتهى وقال في الصراح مرو شهرى ست ازخراسان سروزي منسوب إليه على غير قياس وهم مراوزة انتهى والتياسر ضد التيامن والأخذ في جهة اليسار قاله في القاموس قال المظهر في شرح حديث الباب يعني من جعل من أهل المشرق أول المغارب وهو مغرب الصيف عن يمينه واخر المشارق وهو مشرق الشتاء عن يساره كان مستقب للقبلة والمراد بأهل المشرق أهل الكوفة وبغداد وخوزستان وفارس وعراق وخراسان وما يتعلق بهذه البلاد انتهى كذا في المرقاة باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم قوله (أخبرنا أشعث بن سعيد السمان) قال في التقريب متروك وقال السيوطي ليس له عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث (عن عاصم بن عبيد الله) بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني روي عن أبيه وعم أبيه عبد الله بن عمرو وابن عمه سالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عامر بن ربيعة وغيرهم وروى عنه مالك حديثا واحدا وشعبة والسفيانان وأشعث بن سعيد السمان وغيرهم ضعيف (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف بني عدي أبي محمد المدني ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال العجلي مدني تابعي ثقة من كبار التابعين (عن أبيه) عامر بن ربيعة بن كعب بن مالك العنزي كان من المهاجرين الأولين أسلم قبل عمر وهاجر الهجرتين وشهد بدرا والمشاهد كلها
[ 270 ]
قوله (على حياله) أي في جهته وتلقاء وجهه والحيال بكسر الحاء وفتح الياء الخفيفة قبالة الشئ وقعد حياله وبحياله أي بإزائه قوله (ليس إسناده بذاك) أي ليس بالقوي (لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان) قال العراقي تابعه عليه عمر بن قيس بن الملقب بسندل عن عاصم أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده والبيهقي في سننه قال إلا عمر بن قيس مشارك لأشعث في الضعف بل ربما يكون أسوأ حا منه فلا عبرة حينئذ بمتابعته وإنما ذكرته ليستفاد انتهى كذا في قوت المغتذي قلت يؤيد حديث الباب ما رواه الطبراني من حديث معاذ بن جبل قال صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم في سفر إلى غير القبلة فلما قضى صلاته تجلت الشمس فقلنا يا رسول الله صلينا إلى غير القبلة قال قد رفعت صلاتكم بحقها إلى الله قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام بعد ذكره وفيه أبو عيلة وقد وثقه ابن حبان انتهى قوله (وأشعث بن سعيد أبو الربيع السمان يضعف في الحديث) قال أحمد مضطرب الحديث ليس بذالك وقال ابن معين ليس بشئ وقال س لا يكتب حديثه وقال الدارقطني متروك وقال هشام كان يكذب وقال خ ليس بالحافظ عندهم سمع منه وكيع وليس بمتروك كذا في الميزان قوله (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) قال أبو الطيب المدني وبه قال علماؤنا يعني الحنفية فقالوا ومن اشتبهت عليه القبلة تحرى وإن أخطأ لم يعد لأنه أتى بالوجوب في حقه وهو الصلاة إلى جهة تحريه انتهى وقال الشافعي تجب الاعادة عليه في الوقت وبعده لأن الاستقبال واجب قطعا وحديث السرية فيه ضعف قال صاحب سبل السلام بعد ذكر قول
[ 271 ]
الشافعي ما لفظه الأظهر العمل بخبر السرية لتقويه بحديث معاذ بل هو حجة وحده انتهى باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه وفيه قوله (حدثنا المقرئ) هو عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن أصله من البصرة أو الأهواز ثقة فاضل أقرأ القران نيفا وسبعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي المصري أبو العباس عالم أهل مصر ومفتيهم روى عن أبي نبيل ويزيد بن أبي حبيب وعنه المقرئ وخلف كذا في الميزان وقال الحافظ في التقريب صدوق ربما أخطأ (عن زيد بن جبيرة) بفتح الجيم وكسر الموحد قال الحافظ متروك وقال السيوطي ليس له عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث قوله (نهى أن يصلي) على بناء المفعول (في المزبلة) بفتح الميم وتثبيت الموحدة المكان الذي يلتقي فيه الزبل قال في القاموس الزبل بكسر الزاي وكأمير السرقين والمزبلة وتضم الباء ملقاه وموضعه (والمجزرة) بفتح الميم والزاي وبكسرها وهي الوضع الذي ينحر فيها الابل ويذبح البقر والشاة نهى عنها لأجل النجاسة فيها من الدماء والأرواث (والمقبرة) قال في القاموس القبر مدفن الانسان والمقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضعها انتهى (وقارعة الطريق) الاضافة بيانية أي الطريق التي يقرعها الناس بأرجلهم أي يدقونها ويمرون عليها وقيل هي وسطها أو أعلاها والمراد ههنا نفس الطريق وكأن القارعة بمعنى المقروعة أو الصيغة للنسبة وإنما يكره الصلاة فيها لاشتغال القلب بمرور الناس وتضييق المكان عليهم (وفي الحمام) تقدم الكلام في الصلاة في الحمام وفي المقبرة في باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام (ومعاطن الابل) جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء وهو مبرك الابل حول الماء ويجئ الكلام عليه في الباب الاني (وفوق ظهر بيت الله) لأنه إذا لم يكن بين يديه سترة ثابتة تستره لم تصبح صلاته لأنه مصلى على البيت لا إلى
[ 272 ]
البيت وذهب الشافعي إلى الصحة بشرط أن يستقبل من بناءها قدر ثلثي ذراع وعند أبي حنيفة لا يشترط ذلك وكذا قال ابن السريج قال لأنه كمستقبل العرصة لو هدم البيت عياذا بالله كذا في النيل قوله (وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس) أما حديث أبي مرثد فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ولفظه لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها وأما حديث جابر وأنس فعند ابن عدي في الكامل كما في النيل قوله (حديث ث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي إلخ) وأخرجه ابن ماجه وعبد بن حميد في مسنده وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه) قال الزيلعي في نصب الراية اتفق الناس على ضعف زيد بن جبيرة فقال البخاري منكر الحديث وقال النسائي ليس بثقة وقال أبو حاتم والأزدي منكر الحديث جدا لا يكتب حديثه وقال الدارقطني ضعيف الحديث وقال ابن عدي عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد انتهى مختصرا قوله (وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمرو العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر إلخ) أخرجه ان ماجه عن أبي صالح حدثنا الليث بن سعد إلخ وهذه الرواية من مسند عمر والرواية المذكورة في الباب من مسند ابن عمر والروايتان ضعيفتان قال الحافظ في التلخيص في سند الترمذي زيد بن جبير وهو ضعيف جدا وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح وعبد الله بن عمر العمري المذكور في سنده ضعيف أيضا انتهى قوله (وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد) قيل إنه قوله
[ 273 ]
من حديث الليث صفة لحديث ابن عمر بأنه من حديث الليث الذي هو أصح من حديث ابن جبيرة كذا في النيل قلت هذا خلاف الظاهر والظاهر أن كلمة من تفضيلية والمعنى أن حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي من طريق زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع أصح وأحسن من حديث الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن حديث ابن عمر أحسن حالا وأقل ضعفا من حديث الليث لأنك قد عرفت أن الحديثين كليهما ضعيفان وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر لكن في كون حديث ابن عمر أصح وأحسن من حديث الليث نظرا ظاهرا بل الأمر بالعكس ولعله لأجل ذلك قيل إن قوله من حديث الليث صفة لحديث ابن عمر والله تعالى أعلم (وعبد الله بن عمر العمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان) قال الحافظ في التقريب ضعيف عابد وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ روى عن نافع وجماعة روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأسيكتب حديثه وقال الدارمي قلت لابن معين كيف حاله في نافع قال صالح ثقة وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن عدي في نفسه صدوق وقال أحمد كان عبيد الله رجلا صالحا كان يسأل عن الحديث في حياة أخيه عبيد الله فيقول أما وأبو عثمان حي فلا وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجوده الحفظ للاثار فما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة ثلاث وسبعين ومائة انتهى ما في الميزان قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي والمواضع التي لا يصلي فيها ثلاثة عشر فذكر السبعة المذكورة في حديث الباب وزاد (8) الصلاة إلى المقبرة و (9) إلى جدار مرحاض عليه نجاسة و (10) الكنيسة و (11) البيعة و (12) إلى التماثيل و (13) في دار العذاب وزاد العراقي و (14) الصلاة في الدار المغصوبة و (15) الصلاة إلى النائم والمتحدث و (16) الصلاة في بطن الوادي و (17) الصلاة في الأرض المغصوبة و (18) الصلاة في مسجد الضرار و (19) الصلاة إلى التنور فصارت تسعة عشر موضعا ودليل المنع من الصلاة في هذه المواطن أما السبعة الأول فلما تقدم وأما الصلاة إلى المقبرة فلحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث ابن عباس في سبعة من الصحابة بلفظ نهى عن الصلاة في المسجد تجاهه
[ 274 ]
حش أخرجه ابن عدي قال العراقي ولم يصح إسناده وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن عمرو أنه قال لا يصلي في الحش وعن علي قال يصلي تجاه حش وفي كراهة استقباله خلاف بين الفقهاء وأما الكنيسة والبيعة لا فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير وقد رويت الكراهة عن الحسن ولم ير الشعبي وعطاء بن أبي رباح بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسا ولم ير ابن سيرين بالصلاة في الكنيسة بأسا وصلى أبو موسى الأشعري وعمر بن عبد العزيز في كنيسة ولعل وجه الكراهة اتخاذهم لقبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد لأنها تصير جميع البيع والمساجد مظنة لذلك وأما الصلاة إلى التماثيل فلحديث عائشة الصحيح أنه قال لها صلى الله عليه وسلم أزيلي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي وكان لها ستر فيه تماثيل وأما الصلاة في دار العذاب فلما عند أبي داود من حديث علي قال نهاني حبي أن أصلي في أرض بابل لأنها ملعونة وفي إسناده ضعف وأما إلى النائم والمتحدث فهو في حديث ابن عبا س عند أبي داود وابن ماجه وفي إسناده من لم يسم وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فلما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه وأما الصلاة في مسجد الضرار فقال ابن حزم إنه لا يجزي أحدا الصلاة فيه لقصة مسجد الضرار وقوله (لا تقم فيه أبدا) فصح أنه ليس موضع صلاة وأما الصلاة إلى التنور فكرهها محمد بن سيرين وقال بيت نار رواه ابن أبي شيبة في المصنف وزاد بعضهم مواطن أخرى ذكرها الشوكاني في النيل قال واعلم أن القائلين بصحة الصلاة في هذه المواطن أو في أكثرها تمسكوا في المواطن التي صحت أحاديثها بأحاديث أينما أدركتك الصلاة فصل ونحوها وجعلوها قرينة قاضية بصحة تأويل القاضية بعدم الصحة وقد عرفناك أن أحاديث النهي عن المقبرة والحمام ونحوهما خاصة فتبنى العامة عليها وتمسكوا في المواطن التي لم تصح أحاديثها بالقدح فيها لعدم التعبد بما لم يصح وكفاية البراءة الأصلية حتى يقوم دليل صحيح ينقل عنها لا سيما بعد ورود عمومات قاضية بأن كل موطن من مواطن الأرض مسجد تصح الصلاة فيه وهذا متمسك صحيح لا بد انتهى كلام الشوكاني باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الابل
[ 275 ]
قوله صلوا في مرابض الغنم جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة واخره ضاد معجمة وهو مأوى الغنم قال الجوهري المرابض للغنم كالمعاطن للإبل وأحدها مربض مثال مجلس قال وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الابل وجثوم الطير انتهى والأمر ل باحة قال العراقي اتفاقا وإنما نبه صلى الله عليه وسلم لئلا يظن أن حكمها حكم الابل أو إنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الابل بالمنع وفي الغنم با ذن قوله ولا تصلوا في أعطان الابل جمع عطن بفتح العين والطاء المهملتين وفي بعض الطرق معاطن وهي جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء قال في النهاية العطن مبرك الابل حول الماء قال السيوطي قال ابن حزم كل عطن مبرك وليس كل مبرك عطنا لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط والمبرك أعم لأنه الموضع المتخذ له في كل حال انتهى قلت المراد بأعطان الابل في هذا الحديث مبادكها ففي حديث البراء عند أبي داود قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الابل فقال لا تصلوا في مبارك الابل فإنها من الشياطين قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وسبرة بن معبد الجهني وعبد الله مغفل وابن عمر وأنس) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وأما حديث البراء فأخرجه أبو داود وأما حديث سبرة بن معبد فأخرجه ابن ماجه وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه ابن ماجة أيضا والنسائي وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه أيضا وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وفي الباب أيضا عن أسيد بن حضير عند الطبراني وعن سليك الغطفاني عند الطبراني أيضا وفي إسناده جابر الجعفي ضعفه الجمهور ووثقه شعبة وسفيان وعن طلحة بن عبد الله عند أبي يعلى في مسنده وعن عبد الله بن عمرو ابن العاص عند أحمد وفي إسناده ابن لهيعة وعن عقبة بن عامر عند الطبراني ورجال إسناده ثقات وعن يعيش الجهني المعروف بذي الغرة عند أحمد والطبراني ورجال إسناده ثقات
[ 276 ]
فائدة ذكر ابن حزم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الابل متواترة بنقل تواتر يوجب العلم قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه قوله (وعليه العمل) أي على ما يدل عليه حديث أبي هريرة من جواز الصلاة في مرابض الغنم وتحريمها في معاطن الابل (عند أصحابنا) يعني أصحاب الحديث (وبه يقول أحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم وعلى تحريمها في معاطن الابل وإليه ذهب أحمد بحنبل فقال لا تصح بحال وقال من صلى في عطن إبل أعاد أبدا وسئل مالك عمن لا يجد إلاعطن إبل قال لا يصلي فيه قبل فإن بسط عليه ثوبا قال لا وقال ابن حزم لا تحل في عطن إبل وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الابل وأزبالها وقد عرفت ما قدمنا فيه ولو سلمنا النجاسة فيه لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما أفترق الحال بين أعطانها وبين مرابض ض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي وأيضا قد قيل إن حكمة النهي ما فيها من النفور فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك وعلى هذا فيفرق بين كون الابل في معاطنها وبين غيبتها عنها إذ يؤمن نفورها حينئذ ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن
[ 277 ]
مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ لا تصلوا في أعطان الابل فإنها خلقت من الجن ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت وقد يحتمل أن علة النهي أن يجاء بها إلى معاطنها بعد شروعه في الصلاة فيقطعها أو يستمر فيها مع شغل خاطره وقيل لأن الراعي يبول بينها وقيل الحكمة في النهي كونها خلقت من الشياطين ويدل على هذا أيضا حديث ابن مغفل السابق وكذا عند النسائي من حديثه وعند أبي داود من حديث البراء وعند ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة إذا عرفت هذا الاختلاف في العلة تبين لك أن الحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم كما ذهب إليه أحمد والظاهرية وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر أباحة ليس للوجوب قال العراقي اتفاقا وإنما نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الابل أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الابل بالمنع وفي الغنم بالإذن وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ فإنها بركة فهو إنما ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الابل كما وصف أصحاب الابل بالغلط والقسوة ووصف أصحا ب الغنم بالسكينة انتهى باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به قوله (ويحيى بن ادم) بن سليمان الكوفي مولى بني أمية ثقة حافظ من كبار التاسعين مات سنة ثلاث ومائتين (قالا أخبرنا سفيان هو الثوري) قوله (يصلي على راحلته نحو المشرق) ليس فيه قيد السفر وقد وقع في حديث أنس
[ 278 ]
عند أبي داود قيد السفر وكذا في حديث ابن عمر عند الشيخين وفيه دليل على جواز التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده وهو إجماع كما قال النووي والحافظ والعراقي وغيرهم وإنما الخلاف في جواز ذلك في الخضر فجوزه أبو يوسف وأبو سعيد الأصطخري من أصحاب الشافعي وأهل الظاهر قال ابن حزم وقد روينا عن وكيع عن سفيان عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي قال كانوا يصلون على رحالهم ودوابهم حيث ما توجهت قال وهذه حكاية عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم عموما في الحضر والسفر قال النووي وهو محكي عن أنس بن مالك انتهى قال العراقي استدل من ذهب إلى ذلك بعموم الأحاديث التي يصرح فيها بذكر السفر وهو ماش على قاعدتهم في أنه لا يحمل المطلق على المقيد بل يعمل بكل منهما فأما من يحمل المطلق على المقيد وهم جمهور العلماء فحمل الروايات فحمل الروايات المطلقة على المقيدة بالسفر انتهى قلت وهو الظاهر والله تعالى أعلم وظاهر الأحاديث المقيدة بالسفر عدم الفرق بين السفر الطويل والقصير وإليه ذهب الشافعي وجمهور العلماء قوله (وفي الباب عن أنس وابن عمر وأبي سعيد وعامر بن ربيعة) أما حديث أنس فأخرجه أبداود بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر وأراد أن يتطوع استقبل القبلة بناقته فكبر ثم صلي حيث وجهه ركابه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به يومئ إيماء صلاة الليل إلا الفرائض ويوتر على راحلته وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد وأحمد حديث عامر بن ربيعة فأخرجه الشيخان قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود
[ 279 ]
باب في الصلاة إلى الراحلة قال الجوهري الراحلة الناقة التي تصلح لأن يوضع الرحل عليها وقال الأزهري الراحلة المركوب النجيب ذكرا كان أو أنثى والهاء فيها للمبالغة والبعير يقال لما دخل في الخامسة قوله (صلى إلى بعيره أو راحلته) وفي رواية البخاري عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعرض راحلته فيصلى إليها وقوله يعرض بتشديد الراء أي يجعلها عرضا قال الحافظ في الفتح قال القرطبي في هذا الحديث دليل على جواز التستر بما يستقر من الحيوان ولا يعارضه النهي عن الصلاة في معاطن الابل لأن المعاطن مواضع إقامتها عند الماء وكراهة الصلاة حينئذ عندها إما لشدة نتنها وإما لأنهم كانوا يتخلون بينها مستترين بها انتهى وقال غيره علة النهي عن ذلك كون الابل خلقت من الشياطين فيحمل ما وقع منه في السفر من الصلاة إليها على حالة الضرورة ونظيره صلاته إلى السرير الذي عليه المرأة لكون البيت كان ضيقا وعلى هذا فقول الشافعي في البويطي لا يستتر بامرأة ولا دابة في حال الاختيار وروى عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عبد الله بن دينار أن ابن عمر كان يكره أن يصلي إلى البعير إلا وعليه رحل وكأن حكمه في ذلك أنها في حال شد الرحل عليها أقرب إلى السكون من حال تجريدها انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وهو قول بعض أهل العلم لا يرون بالصلاة إلى البعير بأسا أن يستتر به) وهو الحق ولا يستلزم من النهي عن الصلاة في معاطن الابل النهي على الصلاة إلى البعير الواحد في غير المعاطن
[ 280 ]
باب ما جاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء قوله (عن أنس يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم) أي يرفعه إليه صلى الله عليه وسلم قوله إذا حضر العشاء بفتح العين وهو طعام يؤكل عند العشاء قال العراقي المراد بحضوره وضعه بين يدي الاكل لا استواؤه ولا غرفه في الأوعية لحديث ابن عمر المتفق عليه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء ولا يعجل حتى يفرغ منه وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ منه وإنه ليسمع قراءة الإمام انتهى وقد أشار إلى هذه الرواية المصنف أيضا حيث قال وروي عن ابن عمر إلخ ويؤيد ما قال العراقي من أن المراد بحضوره وضعه بين يدي الاكل حديث أنس عند البخاري بلفظ إذا قدم العشاء ولمسلم إذا قرب العشاء وعلى هذا فلا يناط الحكم بما إذا حضر العشاء لكنه لم يقرب للاكل كما لو لم يقرب قوله وأقيمت الصلاة قال ابن دقيق العيد الألف واللام في الصلاة لا ينبغي أن تحمل على الاستغراق ولا على تعريف الماهية بل ينبغي أن تحمل على المغرب لقوله فابدأوا بالعشاء ويترجح حمله على المغرب لقوله في الرواية الأخرى فابدأوا به قبل أن تصلوا المغرب والحديث يفسر بعضه بضعا وفي رواية صحيحة إذا وضع العشاء وأحدكم صائم انتهى وقال الفاكهاني ينبغي حمله على العموم نظرا إلى العلة وهي التشويش المفضي إلى ترك الخشوع وذكر المغرب لا يقتضي حصرا فيها لأن الجائع غير الصائم قد يكون أشوق إلى الأكل من الصائم انتهى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذين القولين وحمله على العموم نظرا إلى العلة إلحاقا للجائع بالصائم وللغذاء بالعشاء لا بالنظر إلى اللفظ الوارد انتهى قوله فابدأوا بالعشاء بفتح العين أي بطعام العشاء
[ 281 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عمر وسلمة بن الأكوع وأم سلمة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم بلفظ لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وابن ماجه وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه أحمد والطبراني وأما حديث أم سلمة فلينظر من أخرجه قوله (وبه يقول أحمد وإسحاق يقولان يبدأ بالعشاء وإن فاتته الصلاة بالجماعة) قال الحافظ في الفتح اختلفوا فمنهم من قيده بمن إذا كان محتاجا إلى الأكل وهو المشهور عند الشافعية وزاد الغزالي ما إذا خشي فساد المأكول ومنهم من لم يقيد وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق وعليه يدل فعل ابن عمر أي الاتي ومنهم من اختار البداء بالصلاة إلا إن كان الطعام خفيفا نقله ابن المنذر عن مالك انتهى قلت والظاهر ما قاله الثوري وأحمد وإسحاق (سمعت الجارود يقول سمعت وكيعا يقول في هذا الحديث يبدأ بالعشاء إذا كان الطعام يخاف فساده) هذا مقول الترمذي والجارود هو ابن معاذ السلمي الترمذي شيخ المؤلف المتوفي سنة 244 أربع وأربعين ومائتين ووكيع هو وكيع بن الجراح وقول وكيع هذا لا دليل عليه بل يخالف إطلاق الحديث ولذا قال الترمذي (والذي ذهب إليه بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أشبه بالاتباع) أي أولى والعمل مما قال وكيع (وإنما أرادوا) أي بعض أهل العلم المذكورون (أن لا يقوم الرجل إلى الصلاة وقلبه مشغول بسبب شئ) أي حال كون قلبه مشغولا بسبب شئ (وقد روي
[ 282 ]
عن ابن عباس أنه قال لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شئ) روى سعيد بن منصور وابن أبي شيبة بإسناد حسن عن أبي هريرة وابن عباس أنهما كان يأكلان طعاما وفي التنور شواء فأراد المؤذن أن يقيم فقال له ابن عباس لا تعجل لئلا نقوم وفي أنفسنا منه شئ كذا في فتح الباري باب ما جاء في الصلاة عند النعاس النعاس أول النوم ومقدمته قوله إذا نعس أحدكم وهو يصلي الواو للحال والجملة الحالية فليرقد وفي رواية النسائي فلينصرف والمراد به التسليم من الصلاة قاله الحافظ وفي حديث أنس عند محمد إبن نصر في قيام الليل فلينصرف فليرقد وقد حمله طائفة على صلاة الليل وقال النووي مذهبنا ومذهب الجمهور أنه عام في صلاة النفل والفرض في الليل والنهار انتهى وقال الحافظ في الفتح قال المهلب إنما هذا في صلاة الليل لأن الفريضة ليست في أوقات النوم ولا فيها من التطويل ما يوجب ذلك قال الحافظ وقد قدمنا أنه جاء على سبب لكن العبرة بعموم اللفظ فيعمل به أيضا في الفرائض إن وقع ما أمكن بقاء الوقت انتهى كلام الحافظ قلت وقع في حديث عائشة في رواية لمحمد بن نصر في قيام الليل قالت مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم الحولاء بنت تويت فقيل له يا رسوالله إنها تصلي بالليل صلاة كثيرة فإذا غلبها النوم ارتبطت بحبل فتعلقت به الحديث فهذا هو السبب الذي أشار إليه الحافظ بقوله وقدمنا أنه جاء على سبب فلعله
[ 283 ]
يذهب ليستغفر فليسب نفسه قال الحافظ معنى يسب يدعو على نفسه وصرح به النسائي في روايته أي يريد ويقصد أن يستغفر فيسب نفسه من حيث لا يدري مثلا يريد أن يقول اللهم اغفر لي فيقول اللهم أعفر لي والعفر هو التراب فيكون دعاء عليه بالذل والهوان وهو تمثيل وإلا فلا يشترط والتصحيف وقوله فيسب منصوب عطفا على يستغفر وهو منصوب بلام كي ويجوز رفعه على الاستئناف قوله (وفي البا ب عن أنس وأبي هريرة) أما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصل أحدكم نشاطه وإذا فتر فليقعد كذا في المشكاة وفي صحيح البخاري في باب الوضوء من النوم إذا نعس في الصلاة فلينم حتى يعلم ما يقرأ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل مرفوعا إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم باب ما جاء من زار قوما فلا يصل بهم قوله (عن بديل بن ميسرة) بضم الموحدة بالتصغير (العقيلي) بضم العين قال في التقريب ثقة من الخامسة قوله (عن أبي عطية) قال الذهبي في الميزان أبو عطية عن مالك بن الحويرث لا
[ 284 ]
يدري من هو روى عنه بديل بن ميسرة وقال الحافظ في التقريب أبو عطية مولى بني عقيل مقبول من الثالثة (رجل) بالجر بدل من عطية (منهم) أي من بني عقيل قوله (في مصلانا) أي في مسجدنا (تقدم) أي وصل بنا وأمنا (حتى أحدثكم) وفي رواية أبي داود وسأحدثكم من زار قوما فلا يؤمهم في أن المزور أحق بالإمامة من الزائر وإن كان أعلم أو أقرأ من المزور قوله (وقال بعض أهل العلم إذا أذن فلا بأس أن يصلي به) كذا قال الترمذي وقال الحافظ ابن تيمية في المنتقى وأكثر أهل العلم أنه لا بأس بإمامة الزائر بإذن رب المكان لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي مسعود إلا بإذنه ويعضده عموم ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة على كثبان المسك يوم القيامة عبد أدى حق الله وحق مواليه ورجل أم قوما وهم به راضون ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل ليلة رواه الترمذي وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الاخر أن يؤم قوما إلا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم رواه أبو داود انتهى ما في المنتقى قلت وحديث أبي مسعود الذي أشار إليه صاحب المنتقى رواه أحمد ومسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله الحديث وفيه ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه ورواه سعيد بن منصور لكن قال فيه لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه إلا بإذنه ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه وعند أبي داود بلفظ لا يؤم الرجل في بيته ولا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فائدة قال ابن العربي في عارضة الأحوذي إذا كان الرجل من أهل العلم والفضل
[ 285 ]
فالأفضل لصاحب المنزل أن يقدمه وأن استويا فمن حسن الأدب أن يعرض عليه انتهى فائدة أخرى قال العراقي في شرح الترمذي يشترط أن يكن المزور أهلا للإمامة فإن لم يكن أهلا كالمرأة في صورة كون الزائر رجلا والأمي في صورة كون الزائر قارئا ونحوهما فلاحق له في الإمامة انتهى باب ما جاء في كراهية أن يخص الامام نفسه بالدعاء قوله (أخبرنا إسماعيل بن عياش) بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفه في الحجازيين انتهى قلت روى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن حبيب بن أبي صالح وهو من أهل بلده فإنه حمصي (حدثني حبيب بن صالح) قال في التقريب حبيب بن صالح أو ابن أبي موسى الطائي أبو موسى الحمصي ثقة من السابعة (عن يزيد بن شريح الحضرمي الحمصي مقبول من الثالثة) كذا في التقريب وقال في الخلاصة ووثقه ابن حبان (عن أبي حي المؤذن) اسمه شداد بن حي صدوق من الثالثة كذا في التقريب قال السيوطي في قوت المغتذي ليس للثلاثة يعني لحبيب بن صالح ويزيد بن شريح وأبي حي عند المؤلف إلا هذا الحديث انتهى (عن ثوبان) الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة 54 أربع وخمسين قوله لا يحل أي لا يجوز لامرئ وكذا لمرأة أن ينظر في جوف بيت امرئ أي
[ 286 ]
داخله وفي رواية أبي داود في قعر بيت حتى يستأذن أي أهل البيت فإن نظر فقد دخل أي إن نظر قبل الاستئذان من حجر أو غيره فقد ارتكب إثم من دخل البيت بلا استئذان قال ابن العربي الاطلاع على الناس حرام بالإجماع فمن نظر داره فهو بمنزلة من دخل داره ولا يؤم بالرفع نفي بمعنى النهي قوما فيخص بالنصب بأن المقدرة لوروده بعد النفي على حد لا يقضى عليهم فيموتوا قاله المناوي قلت ويمكن أن يكون بالرفع عطفا على لا يؤم (نفسه بدعوة دونهم) أي دون مشاركتهم في دعائه (فإن فعل فقد خانهم) قال الطيبي نسب الخيانة إلى الامام لأن شرعية الجماعة ليفيد كل من الإمام والمأموم الخير على صاحبه ببركة قربه من الله تعالى فمن خص نفسه فقد خان صاحبه وإنما خص الإمام بالخيانة فإنه صاحب الدعاء وإلا فقد تكون الخيانة من جانب المأموم (وهو حقن) بفتح الحاء وكسر القاف وهو الذي به بول شديد يحبسه والجملة حال قال ابن العربي اختلف في تعليله فقيل لأنه يشتغل ولا يوفي الصلاة حقها من الخشوع وقيل لأنه حامل نجاسة لأنها متدافعة للخروج فإذا أمسكها قصدا فهو كالحامل لها انتهى والمعتمد هو الأول وفي رواية أبي داود ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف نفسه بخروج الفضلة قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي أمامة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود من طريق ثور عن يزيد بن شريح عن أبي حي المؤذن عنه وأما حديث أبي أمامة فلينظر من أخرجه قوله (حديث ثوبان حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (وقد روى هذا الحديث عن معاوية بن صالح عن السفر) بفتح السين المهملة وسكون الفاء (بن نسير) بضم النون وفتح السين المهملة مصغرا وآخره راء الأزدي الحمصي أرسل عن أبي الدرداء وهو ضعيف من السادسة وروى هذا الحديث بهذا الطريق ابن ماجه بلفظ نهي أن يصلي الرجل وهو حاقن وحديث ثوبان رضي الله عنه هذا يدل على كراهة أن
[ 287 ]
يخص الامام نفسه بالدعاء ولا يشارك المأمومين فيه ولذلك قال العلماء الشافعية والحنبلية يستحب للإمام أن يقول في دعاء القنوت المروي عن الحسن بن علي رضي الله عنه اللهم اهدنا فيمن هديت بجمع الضمير مع أن الرواية اللهم اهدني فيمن هديت بإفراد الضمير قال الشيخ منصور بن إدريس الحنبلي في كشاف القناع في شرح الاقناع والرواية إفراد الضمير وجمع المؤلف لأن الإمام يستحب له أن يشارك المأموم في الدعاء انتهى وكذلك قال الشيخ منصور بن يونس البهوتي الحنبلي في شرح المنتهى فإن قلت قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته وهو إمام بالإفراد فكيف التوفيق بين ذلك وبين حديث ثوبان قلت ذكروا في التوفيق بينهما وجوها قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد والمحفوظ في أدعيته صلى الله عليه وسلم في الصلاة كلها بلفظ الإفراد كقوله رب اغفر لي وارحمني واهدني وسائر الأدعية المحفوظة عنه ومنها قوله في دعاء الاستفتاح اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والبرد والماء البارد اللهم باعد بينوبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب الحديث وروى أحمد وأهل السنن من حديث ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة فإن فعل فقد خانهم قال ابن خزيمة في صحيحه وقد ذكر الحديث اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث قال في هذا دليل على رد الحديث الموضوع لا يؤم عبدا قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم وسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث عندي في الدعاء الذي يدعو به الإمام لنفسه وللمأمومين ويشتركون فيه كدعاء القنوت ونحوه انتهى كلام ابن القيم قلت الحكم على حديث ثوبان المذكور بأنه موضوع ليس بصحيح بل هو حسن كما صرح به الترمذي وقال العزيزي هذا في دعاء القنوت خاصة بخلاف دعاء الافتتاح والركوع والسجود والجلوس بين السجدتين والتشهد وقال في التوسط معناه تخصيص نفسه بالدعاء في الصلاة والسكوت عن المقتدين وقيل نفيه عنهم كارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا وكلاهما حرام أو الثاني حرام فقط لما روي أنه كان يقول بعد التكبير اللهم نقني من خطاياي الحديث انتهى قلت قول الشافعية وغيرهم أنه يستحب للإمام أن يقول اللهم اهدنا بجمع الضمير فيه
[ 288 ]
أنه خلاف المأثور والمأثور إنما هو بإفراد الضمير فالظاهر أن يقول الإمام بإفراد الضمير كما ثبت لكن لا ينوي به خاصة نفسه بل ينوي به العموم والشمول لنفسه ولمن خلفه من المأمومين هذا ما عندي والله تعالى أعلم باب ما جاء من أم قوما وهم له كارهون قوله (أخبرنا محمد بن القاسم الأسدي) قال العراقي لم أرله عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث وليس له في بقية الكتب شئ وهو ضعيف جدا كذبه أحمد والدارقطني وقال أحمد أحاديثه موضوعة (عن الفضل بن دلهم) بفتح الدال وسكون اللام بوزن جعفر هو لين رمي بالاعتزال من السابعة (عن الحسن) هو الحسن البصري قوله رجل أم قوما وهم له كارهون لأمر مذموم في الشرع وإن كرهوا لخلاف ذلك فلا كراهة قال ابن الملك كارهون لبدعته أو فسقه أو جهله أما إذا كان بينه وبينهم كراهة عداوة بسبب أمر دنيوي فلا يكون له هذا الحكم وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط هذا إذا كان السخط لسوء خلقها أو سوء أدبها أو قلة طاعتها أما إن كان سخط زوجها من غير جرم فلا إثم عليها قاله ابن الملك وقال المظهر هذا إذ كان السخط لسوء خلقها وإلا فالأمر بالعكس انتهى قال في القاموس السخط بالضم وكعنق وجبل ومقعد ضد الرضا وقد سخط كفرح وتسخط وأسخطه أغضبه ورجل سمع حي على الفلاح ثم لم يجب أي لم يذهب إلى المسجد للصلاة مع الجماعة من غير عذر قوله (وفي الباب عن ابن عباس وطلحة) أي طلحة بن عبيد الله (وعبد الله بن عمرو وأبي أسامة) أما حديث ابن عباس فأخرجه ابن ماجه بلفظ قال ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق
[ 289 ]
رؤوسهم شبرا رجل أم قوما وهم له كارهون وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط وأخوان متصارمان قال العراقي وإسناده حسن وأما حديث طلحة فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أيما رجل أم قوما وهم له كارهون لم تجر صلاته أذنيه وفي إسناده سليمان بن أيوب الطلحي قال فيه أبو زرعة عامة أحاديثه لا يتابع عليها وقال الذهبي في الميزان صاحب مناكير وقد وثق وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوما وهم له كارهون ورجل أتى الصلاة دبارا والدبار أن يأتيها بعد أن تفوته ورجل اعتيد محرره وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي ضعفه الجمهور وأما حديث أبي أمامة فأخرجه المصنف في هذا الباب وفي الباب أيضا عن أبي سعيد عند البيهقي وعن سلمان عند ابن أبي شيبة قوله (حديث أنس لا يصح إلخ) حاصله أن الثابت هو المرسل وأما الموصول فهي ضعيف فإنه قد تفرد بوصله محمد بن القاسم الأسدي وهو ضعيف قال الشوكاني في النيل وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضا فينتهض للاستدلال بها على تحريم أن يكون الرجل إماما لقوم يكرهونه ويدل على التحريم نفي قبول الصلاة وأنها لا تجاوز آذان المصلين ولعن الفاعل لذلك انتهى قوله (فإذا كان الإمام غير ظالم فإنما الاثم على من كرهه) يريد أن محمل الحديث ما إذا كان سبب الكراهة من الإمام وإلا فلا إثم عليه بل الإثم على القوم (قال أحمد وإسحاق في هذا إذا كره واحد أو اثنان أو ثلاثة فلا بأس أن يصلي بهم حتى يكرهه أكثر القوم) قال الشوكاني وقيدوه بأن
[ 290 ]
يكون الكارهون أكثر المأمومين ولا اعتبار بكراهة الواحد والاثنين والثلاثة إذا كان المؤتمون جمعا كثيرا إلا إذا كانوا اثنين أو ثلاثة فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم مقبرة قال والاعتبار وبكراهة أهل الدين دون غيرهم حتى قال الغزالي في الإحياء لو كان الأقل من أهل الدين يكرهونه فالنظر إليهم قال وحمل الشافعي الحديث على إمام غير الوالي لأن الغالب كراهة ولاة الأمر قال وظاهر الحديث عدم الفرق انتهى قوله (عن هلال بن يساف) بكسر التحتانية ثم مهملة ثم فاء ثقة من الثالثة (عن زياد بن أبي الجعد) الأشجعي أخو سالم الكوفي عن وابصة بن معبد وعنه هلال بن يساف وثقه ابن حبان قاله الخزرجي وقال الحافظ مقبول من الرابعة (عن عمرو بن الحارث بن المصطق) أخو جويرية أم المؤمنين صحابي قليل الحديث قوله (قال كان يقال أشد الناس عذابا اثنان الخ) قال العراقي هذا كقول الصحابي كنا نقول وكنا نفعل فإن عمرو بن الحارث له صحبة وهو أخو جويرية بنت الحارث إحدى أمهات المؤمنين وإذا حمل على الرفع فكأنه قال قيل لنا والقائل هو النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (أخبرنا الحسين بن واقد المروزي أبو عبد الله القاضي ثقة له أوهام من السابعة قوله لا تجاوز صلاتهم آذانهم جمع الأذن الجارحة أي لا تقبل قبولا كاملا أو ترفع إلى الله رفع العمل الصالح قال التوربشتي بل أدنى شئ من الرفع وخص الاذان بالذكر لما يقع فيها من التلاوة والدعا ولا تصل إلى الله تعالى قبولا وإجابة وهذا مثل قوله عليه السلام في المارقة يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم عبر عن عدم القبول بعدم مجاوزة الاذان قال الطيبي ويحتمل أن يراد لا يرفع
[ 291 ]
عن آذانهم فيظلهم كما يظل العمل الصالح صاحبه يوم القيامة كذا في المرقاة وقال السيوطي في قوت المغتذي أي ترفع إلى السماء كما في حديث ابن عباس عند ابن ماجه لا نرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرا وهو كناية عن عدم القبول كما في حديث ابن عباس عند الطبراني لا يقبل الله لهم صلاة انتهى حتى يرجع أي إلى أمر سيده وفي معناه الجارية الابقة قوله (هذا حديث حسن غريب) وصفه البيهقي قال النووي في الخلاصة والأرجح هنا قول الترمذي وذكر المنذري هذا الحديث وذكر تحسين الترمذي وأقره قوله (وأبو غالب اسمه حزور) بفتح الحاء المهملة والزاي المعجمة وشدة الواو المفتوحة وآخره راء مهملة قال الحافظ في التقريب أبو غالب صاحب أبي أمامة البصري نزل أصبهان قيل اسمه حزور وقيل سعيد بن الحزور وقيل نافع صدوق يخطئ من الخامسة باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا قوله (خر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس) من الخرور أي سقط (فجحش) بضم الجيم وكسر الحاء أي خدش شقه الأيمن يعني قشر جلده فتأثر تأثرا منعه استطاعة القيام كذا قال أبو الطيب المدني في شرحه قلت في رواية البخاري من طريق حميد عن أنس سقط عن فرسه فجحشت ساقه أو كتفه وفي رواية الشيخين من طريق الزهري عن أنس فجحش شقه الأيمن وروى أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح من حديث جابر ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسا في المدينة فصرعه على جذع نخلة فانفكت قدمه الحديث قال الحافظ في الفتح لا منافاة بينهما لاحتمال وقوع الأمرين انتهى وإذا
[ 292 ]
صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون قد استدل به القائلون أن المأموم يتابع الامام في الصلاة قاعدا وإن لم يكن المأموم معذورا قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وجابر وابن عمر ومعاوية) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها أنها قالت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر كبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وابن ماجه والنسائي عنه بلفظ اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال إن كنتم انفا تفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد والطبراني وأما حديث معاوية فأخرجه الطبراني في الكبير قال العراقي ورجاله رجال الصحيح وفي الباب أيضا عن أسيد بن حضير عند أبي داود وعبد الرزاق وعن قيس بن فهد عند عبد الرزاق أيضا وعن أبي أمامة عند ابن حبان في صحيحه قوله (حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم خر عن فرس فجحش حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد ذهب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الحديث إلخ) قد استدل بأحاديث
[ 293 ]
الباب القائلون إن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعدا وإن بذالك أحمد وإسحاق والأوزاعي وابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر قال لم يكن المأموم معذورا وممن قال ابن حزم وبهذا نأخذ إلا فيمن يصلي إلى جنب الامام يذكر الناس ويعلمهم تكبير الإمام فإنه يتخير بين أن يصلي قاعدا وبين أن يصل قائما قال ابن حزم وبمثل قولنا يقول جمهور السلف ثم رواه عن جابر وأبي هريرة وأسيد بن حضير قال ولا مخالف لهم يعرف في الصحابة ورواه عن عطاء وروي عن عبد الرزاق أنه قال ما رأيت الناس إلا على أن الإمام إذا صلى قاعدا صلى من خلفه قعودا قال وهي السنة عن غير واحد وقد حكاه ابن حبان أيضا عن الصحابة الثلاثة المذكورين وعن قيس بن فهد أيضا من الصحابة وعن أبي الشعثاء وجابر بن زيد من التابعين وحكاه أيضا عن مالك بن أنس وأبي أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبي خيثمة وابن أبي شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ثم قال بعد ذلك وهو عندي ضرب من الإجماع الذي أجمعوا على إجازته لأن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أفتوا به والإجماع عندنا إجماع الصحابة ولم يرووا عن أحد من الصحابة خلافا لهؤلاء الأربعة لا بإسناد متصل ولا منقطع فكأن الصحابة أجمعوا على أن الإمام إذا صلى قاعدا كان على المأمومين أن يصلوا قعودا وقد أفتى به من التابعين جابر بن زيد وأبو الشعثاء ولم يرو عن أحد من التابعين أصلا خلافه لا بإسناد صحيح ولا واه فكأن التابعين أجمعوا على إجازته قال وأول من أبطل في هذه الأمة صلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه حماد بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من كان بعده من أصحابه انتهى كلام ابن حبان وحكى الخطابي في المعالم والقاضي عياض عن أكثر الفقهاء خلاف ذلك وحكى النووي عن جمهور السلف خلاف ما حكى ابن حزم عنهم وحكاه ابن دقيق العيد عن أكثر الفقهاء المشهورين وقال الحازمي في كتاب الاعتبار ما لفظه وقال أكثر أهل العلم يصلون قياما ولا يتابعون الإمام في الجلوس
[ 294 ]
وقد أجاب المخالفون لأحاديث الباب بأجوبة أحدها دعوى النسخ قاله الشافعي والحميدي وغير واحد وجعلوا الناسخ ما ورد من صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته بالناس قاعدا وهم قائلون خلفه ولم يأمرهم بالقعود وأنكر أحمد نسخ الأمر بذلك وجمع بين الحديثين بتنزيلهم على حالتين إحداهما إذا ابتدأ الامام الراتب الصلاة قاعدا لمرض يرجى بروه فحينئذ يصلون خلفه قعودا ثانيتهما إذا ابتدا الإمام الراتب قائما لزم المأمومين ان يصلوا خلفه قياما سواء طرأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعدا أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله عليه وسلم فإن تقريره لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة قائما وصلوا معه قياما بخلاف الحالة الأولى فإنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ الصلاة جالسا فلما صلوا خلفه قياما أنكر عليهم ويقوي هذا الجمع أن الأصل عدم النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزم النسخ مرتين لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصلي قاعدا وقد نسخ إلى القعود في حق من صلى إمامه قاعدا فدعوى نسخ القعود بعد ذلك تقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد والجواب الثاني من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب دعوى التخصيص بالنبي صلى الله عليه وسلم في كونه يؤم جالسا حكى ذلك القاضي عياض قال ولا يصح لأحد أن يؤم جالسا بعده صلى الله عليه وسلم قال وهو مشهور قول مالك وجماعة أصحابه قال وهذا أولى الأقاويل لأنه صلى الله عليه وسلم لا يصح التقدم بين يديه في الصلاة ولا في غيرها ولا لعذر ولا لغيره ورد بصلاته صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف وخلف أبي بكر وقد استدل على دعوى التخصيص بحديث الشعبي عن جابر مرفوعا لا يؤمن أحد بعدي جالسا وأجيب عن ذلك بأن الحديث لا يصح من وجه من الوجوه كما قال العراقي وهو أيضا عند الدارقطني من رواية جابر الجعفي عن الشعبي مرسلا وجابر متروك وروى أيضا من رواية مجالد عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور وقال ابن دقيق العيد وقد عرف أن الأصل عدم التخيصي حتى يدل عليه دليل انتهى على أنه يقدح في التخصيص ما أخرجه أبو داود أن أسيد بن حضير كان يؤم قومه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فقيل يا رسول الله إن إمامنا مريض فقال إذا صلى قاعدا فصلوا قعودا قال أبو داود وهذا الحديث ليس بمتصل وما أخرجه عبد الرزاق عن قيس ابن فهد الأنصاري أن إماما لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فكان يؤمنا جالسا ونحن جلوس قال العراقي وإسناده صحيح
[ 295 ]
والجواب الثالث من الأجوبة التي أجاب بها المخالفون لأحاديث الباب أنه يجمع بين الأحاديث بما تقدم عن أحمد بن حنبل وأجيب عنه بأن الأحاديث ترده لما في بعض ض الطرق أنه أشار إليهم بعد الدخول في الصلاة وقد أجاب المتمسكون بأحاديث البا ب عن الأحاديث المخالفة لها بأجوبة منها قول ابن خزيمة إن الأحاديث التي ورد ت بأمر المأموم أن يصلي قاعدا لم يختلف في صحتها ولا في سباقها وأما صلاته صلى الله عليه وسلم في مرض موته فاختلف فيها هل كان إماما أو مأموما ومنها أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب وتقريره قيامهم خلفه كان لبيان الجواز ومنها أنه أستمر عمل الصحابة على القعود خلف الامام القاعد في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد موته كما تقدم من أسيد بن حضير وقيس بن قهد وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه أشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالسا وصلوا معه جلوسا وعن أبي هريرة أيضا أنه أفتى بذلك وإسناده كما قال الحافظ صحيح ومنها ما روى عن ابن شعبان أنه نازع في ثبوت كون الصحابة صلوا خلفه صلى الله عليه وسلم قياما غير أبي بكر لأن ذلك لم يرد صريحا قال الحافظ والذي أدعى نفيه قد أثبته الشافعي وقال إنه في رواية إبراهيم عن الأسود عن عائشة قال الحافظ ثم وجدت مصرحا به في مصنف عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عطاء فذكر الحديث ولفظه فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا وجعل أبا بكر ورواءه بينه وبين الناس وصلى الناس وراءه قياما وهذا مرسل يعتضد بالرواية التي علقها الشافعي عن النخعي قال وهذا الذي يقتضيه النظر لأنهم ابتدأوا الصلاة مع أبي بكر قياما فمن أدعى أنهم قعدوا بعد ذلك فعليه البيان باب منه قوله (أخبرنا شبابة) بن سوار المدائني أصله من خراسان يقال كان اسمه مروان مولى بني فزارة ثقة حافظ رمى بارجاء من التاسعة مات سنة أربع أو خمسين أو ست ومائتين (عن نعيم) بالتصغير (بن أبي هند) النعمان بن اشيم الأشجعي ثقة رمى بالنصب من الرابعة مات سنة 110 عشر ومائة (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافه
[ 296 ]
عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة قوله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر في مرضه الذي مات فيه قاعدا) فيه دليل على جواز صلاة القاعد لعذر خلف القائم قال الشوكاني لا أعلم فيه خلافا قوله (حديث عائشة حديث ث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي قوله وقد روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى الامام جالسا فصلوا جلوسا رواه الشيخان وقد ذكرنا لفظه بتمامه في الباب المتقدم (وروي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في مرضه وأبو بكر يصلي بالناس فصلى إلى جنب أبي بكر والناس يأتمون بأبي بكر وأبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم) رواه الشيخان عنها قال مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروا أبو بكر يصلي بالناس فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه فخرج يهادي بين رجلين فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر وكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بصلاة أبي بكر وللبخاري في رواية فخرج يهادي بين رجلين في صلاة الظهر ولمسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير فقوله عن يسار أبو بكر فيه رد على القرطبي حيث قال لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى الله عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره وقوله يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما وأبو بكر مؤتما به وقد اختلف في ذلك أختلافا شديدا كما قال الحافظ ففي رواية لأبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المقدم بين يدي أبي بكر وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة أنها قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم المقدم وأخرج ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وأخرج ابن حبان عنها بلفظ كان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر وأخرج الترمذي والنسائي وابن خزيمة
[ 297 ]
عنها بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قال في الفتح تضافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الامام في تلك الصلاة ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأموما للجزم بها في رواية أبي معاوية وهو أحفظ في حديث الأعمش من غيره ومنهم من عكس ذلك فقدم الرواية التي فيها أنه كان إماما ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد والظاهر من رواية حديث الباب المتفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إماما وأبو بكر مؤتما لأن الاقتداء المذكور المراد به الائتمام ويؤيد ذلك رواية لمسلم بلفظ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير قوله (وروى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر قاعدا) أخرج الترمذي هذه الرواية في هذا الباب (وروى عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر وهو قاعد) ذكر الترمذي إسناد هذا الحديث بعده فقال (حدثنا بذلك ك) أي بالحديث المذكور بغير السند (عبد الله بن أبي زياد) هو عبد الله بن الحكم بن أبي زياد القطواني بفتح القاف والمهملة أبو عبد الرحمن الكوفي الدهقان صدوق قاله الحافظ روى عن ابن عيينة ووكيع وزيد بن الحباب وعنه د ت ق قال أبو حاتم صدوق قاله الخزرجي أخبرنا (شبابة بن سوار) بفتح السين المهملة وشدة الواو تقدم ترجمته (أخبرنا محمد بن طلحة) بن مصرف اليامي الكوفي عن أبيه والحكم بن عتيبة وطائفة وعنه شبابة بن سوار وخلق قال أحمد لا بأس به إلا أنه لا يكاد يقول حدثنا وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن حبان ثقة يخطئ وأختلف فيه كلام ابن معين مات سنة 167 سبع وستون ومائة كذا في الخلاصة وقال الحافظ صدوق له أوهام وأنكروا سماعه من أبيه لصغره (عن حميد) بالتصغير هو حميد بن أبي حميد مولى طلحة الطلحات أبو عبيدة الطويل مختلف في اسم أبيه البصري عن أنس والحسن وعكرمة وعنه شعبة ومالك والسفيانان والحمادان وخلق قال القطان مات حميد وهو قائم يصلي قال شعبة لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا مات سنة 142 ثنتين وأربعين ومائة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة مدلس وعابه زائدة لدخوله في شئ من أمر الأمراء (عن ثابت) بن أسلم البناني بضم الموحدة وبنونين مولاهم البصري عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين وعنه شعبة والحمادان ومعمر قال الحافظ ثقة عابد
[ 298 ]
قوله (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه خلف أبي بكر قاعدا) أستدل به من قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يكن في تلك الصلاة إماما بل كان الامام أبا بكر وقد تقدم الكلام في هذا (في ثوب متوشحا به) أي متغشيا به قال في النهاية إنه كان يتوشح أي يتغشى به قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي والبيهقي باب ما جاء في الامام ينهض في الركعتين ناسيا قوله (أخبرنا ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سئ الحفظ جدا قاله الحافظ في التقريب أخذ عن أخيه عيسى والشعبي وعطاء وغيرهم (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة هو عامر بن شراحيل الشعبي ثقة مشهور فقيه فاضل قال مكحول ما رأيت أفقه منه ولد لست سنين خلف من خلافه عمر وروى عنه وعن علي وابن مسعود ولم يسمع منهم وعن أبي هريرة وعائشة وجرير وابن عباس وخلق قال أدركت خمسمائة من الصحابة وعنه ابن سيرين والأعمش وشعبة وخلق قوله (فنهض في الركعتين) يعني أنه قام إلى الركعة الثالثة ولم يتشهد بعد الركعتين (فسبح به القوم) أي قالوا سبحان الله ليرجع عن القيام ويجلس على الركعتين (وسبح بهم) أي قال سبحان
[ 299 ]
الله مشيرا إليهم أن يقوموا فالباء بمعنى اللام كما في قوله تعالى (فكلا أخذنا بذنبه) (فلما قضى صلاته سلم ثم سجد سجدتي السهو) أستدل به من قال إن سجود السهو بعد التسليم وسيجئ الكلام فيه قوله (وفي الباب عقبة بن عامر وسعد وعبد الله بن بحينة) أما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الطبراني في الكبير عنه أنه قالم في صلاته وعليه جلوس فقال الناس سبحان الله سبحان الله فعرف الذي يريدون فلما أتم صلاته سجد سجدتين وهو جالس ثم قال سمعتكم تقولون سبحان الله لكي أجلس وأن ليس تلك السنة إنما السنة التي صنعت قال المنذري رواه الطبراني في الكبير من رواية الزهري عن عقبة ولم يسمع منه وفيه عبد الله بن صالح وهو مختلف في الاحتجاج به وأما حديث سعد وهو سعد بن أبي وقاص ففي مجمع الزوائد عن قيس بن أبي حازم قال صلى بنا سعد بن أبي وقاص فنهض في الركعتين فسبحنا له فاستتم قائما قال فمضى في قيامه حتى فرغ قال أكنتم ترون أن أجلس إنما صنعت كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع قال أبو عثمان عمرو بن محمد الناقد لم نسمع أحدا يرفع هذا الحديث غير أبي معاوية رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح وأما حديث عبد الله بن بحينة فأخرجه الجماعة قوله (وقد تكلم بعض أهل العلم في ابن أبي ليلى من قبل حفظه قال أحمد لا يحتج بحديث ابن أبي ليلى) قال الذهبي في الميزان صدوق إمام سئ الحفظ وقد وثق قال أحمد بن عبد الله العجلي كان فقهيا صدوقا صاحب سنة جائز الحديث وقال أبو زرعة ليس بأقوى ما يكون وقال أحمد مضطرب الحديث وقال شعبة ما رأيت أسوأ من حفظه وقال يحيى القطان سئ الحفظ جدا وقال يحيى بن معين ليس بذلك وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني ردئ الحفظ كثير الوهم وقال أبو أحمد الحاكم عامة أحاديثه مقلوبة انتهى ما في الميزان مختصرا
[ 300 ]
قوله (وروى سفيان عن جابر) هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي (عن المغيرة ابن شبيل) بضم الشين مصغرا وفي بعض النسخ شبل قال الحافظ المغيرة بن شبل بكسر المعجمة وسكون الموحدة ويقال بالتصغير البجلي الأحمصي أبو الطفيل الكوفي ثقة من الرابعة (عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة أخرجه أبو داود وابن ماجه من هذا الطريق) بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام الامام في الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس فإن أستوى قائما فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو وجابر الجعفي قد ضعفه بعض أهل العلم تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن المهدي وغيرهما جابر الجعفي هذا أحد علماء الشيعة يؤمن برجعة علي بن أبي طالب قال الثوري كان جابر ورعا في الحديث وقال شعبة صدوق وإذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس وقال وكيع إن جابرا ثقة هذه أقوال المعدلين فيه وأما أقوال الجارحين فقال أيوب كذاب وقال إسماعيل بن أبي خالد إتهم بالكذب وتركه يحيى القطان وقال أبو حنيفة النعمان الكوفي ما رأيت أكذب من جابر الجعفي وقال ليث بن أبي سليم كذا وقال النسائي وغيره متروك وتركه سفيان بن عيينة وقال الجونجاني كذاب وقال ابن عدي عامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة وليس لجابر الجعفي في النسائي وأبي داود سوى حديث وأحد في سجود السهو وقال ابن حبان كان يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا وقال زائدة جابر الجعفي رافضي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والحاصل أن جابرا ضعيف رافضي لا يحتج به كذا في غاية المقصود قلت وقال في التلخيص وهو ضعيف جدا انتهى وقال في التقريب ضعيف رافضي
[ 301 ]
قوله (منهم من رأى قبل التسليم ومنهم من رأى بعد التسليم إلخ) يجئ الكلام في هذه المسألة في أبواب السجود قوله (عن المسعودي) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود استشهد به البخاري وتكلم فيه غير واحد قاله المنذري في تلخيص السنن وقال الحافظ في التقريب في ترجمته صدوق أختلط قبل موته وضابطه أن من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط انتهى باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين قوله أخبرنا سعيد أبي إبراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف ولي قضاء المدينة وكان ثقة فاضلا عابدا من الخامسة (سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود) قال المنذري أبو عبيدة هذا اسمه عامر ويقال اسمه كنيته وقد أحتج البخاري ومسلم بحديثه في صحيحيهما غير أنه لم يسمع من أبيه كما قال الترمذي وغيره وقال عمرو بن مرة سألت أبا عبيدة هل تذكر عن عبد الله شيئا قال ما أذكر شيئا انتهى كلام المنذري
[ 302 ]
قوله (كأنه على الرضف) بسكون المعجمة وبفتح وبعدها فاء جمع رضفه وهي الحجارة المحماة على النار وهو كناية عن التخفيف في الجلوس وقال شعبة ثم حرك سعد أي ابن إبراهيم شيخ شعبة (شفتيه بشئ) أي تكلم سعد بشئ بالسر لم يسمعه شعبة إلا أنه رأى تحريك شفتيه (فأقول حتى يقوم) أي قال شعبة فقلت لسعد الذي حركت به شفتيه هو متى يقوم (فيقول حتى يقوم) أي فقال سعد حتى يقوم والضمير في يقوم يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقوله أقول ويقول مضارعان بمعنى الماضي إشعارا حضار تلك الحالة لضبط الحديث وفي رواية النسائي عن ابن مسعود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين كأنه على الرضف قلت حتى يقوم قال ذلك يريد قوله (هذا حديث حسن إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه) فالحديث منقطع قال الحافظ في التلخيص وروى ابن أبي شيبة من طريق تميم بن سلمة كان أبو بكر إذ جلس في الركعتين كأنه على الرضف إسناده صحيح وعن ابن عمر نحوه وروى أحمد وابن خزيمة من حديث ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد فكان يقول إذا جلس في وسط الصلاة وفي اخرها على وركه اليسرى التحيات إلى قوله عبده ورسوله قال ثم إن كان في وسط الصلاة نهض حين يفرغ من تشهده وإن كان في اخرها دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو ثم يسلم انتهى ما في التلخيص قوله (وقالوا إن زاد على التشهد فعليه سجدتا السهو هكذا روي عن الشعبي وغيره) قال أبو الطيب المدني وهو الذي اختاره الامام أبو حنيفرحمه الله قلت ولي فيه تأمل
[ 303 ]
باب ما جاء في الاشارة في الصلاة أي لرد السلام أو لحاجة تعرض قوله (عن نابل صاحب العباء) أوله نون وبعد الألف باء موحدة وليس له في الكتب سوى هذا الحديث عند الضعف وأبي داود والنسائي كذا في قوت المغتذي وقال الحافظ في التقريب نابل صاحب العباء والأكسية والشمال بكسر المعجمة مقبول من الثالثة (عن صهيب) هو صهيب ابن سنان أبو يحيى الرومي أصله من النمر يقال كان اسمه عبد الملك وصهيب لقب صحابي شهير ما ت بالمدينة سنة 38 ثمان وثلاثين في خلافه علي وقيل قبل ذلك كذا في التقريب وكان منزله بأرض الموصل بين دجلة والفرات فأعارت الروم على تلك الناحية فسبته وهو غلام فنشأ بالروم فابتاعه منهم كلب ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان فأعتقه معه إلى أن هلك ويقال إنه لما كبر في الروم وعقل هرب منهم وقدم مكة فخالف عبد الله بن جدعان وأسلم قديما بمكة وكان من المستضعفين المعذبين في الله بمكة ثم هاجر إلى المدينة وفيه نزل ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله كذا في أسماء الرجال لصاحب المشكاة قوله (فرد إلى إشارة) أي با شارة (وقال) أي نابل (لا أعلم إلا أنه) أي ابن عمر (وفي الباب عن بلال وأبي هريرة وأنس وعائشة) أما حديث بلال فأخرجه المصنف في هذا الباب وأخرجه أبو داود أيضا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن حبان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشير في الصلاة وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه في صلاته صلى الله عليه وسلم شاكيا وفيه فأشار إليهم أن أجلسوا الحديث وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل وأحاديث الباب تدل على جواز رد السلام با شارة في الصلاة وهو مذهب الجمهور وهو الحق واختلف الحنفية فمنهم من كرهه
[ 304 ]
ومنهم الطحاوي ومنهم من قال لا بأس به وأستدل المانعون بحديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التسبيح للرجال يعني الصلاة والتصفيق للنساء من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه فليعدها يعني الصلاة رواه أبو داود والجواب أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج فإن في سنده محمد بن إسحاق وهو مدلس ورواه عن يعقوب بن عتبة بالعنعنة وقال أبو داود بعد روايته هذا الحديث وهم وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ سئل أحمد عن حديث من أشار في صلاته إشارة يفهم عنه فليعد الصلاة فقال لا يثبت إسناده ليس بشئ وقال الشوكاني في النيل قال ابن أبي داود وفي إسناده أبو غطفان قال ابن أبي داود هو رجل مجهول قال واخر الحديث زيادة والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة قال العراقي قلت وليس بمجهول فقد روى عنه جماعة ووثقه النسائي وابن حبان انتهى وأستدلوا أيضا بأن الرد با شارة منسوخ لأنه كلام معنى وقد نسخ الكلام في الصلاة والجواب عنه أن كون الاشارة في معنى الكلام باطل قد أبطله الطحاوي في شرح الاثار رواية ودراية من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه وأجابوا عن أحاديث الباب بأنها كان قبل نسخ الكلام في الصلاة وهو مردود إذ لو كانت قبل نسخ الكلام لرد باللفظ لا با شارة قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وقد يجاب عن هذه الأحاديث بأنه كان قبل نسخ الكلام في الصلاة يؤيده حديث ابن مسعود كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا ولم يقل فأشار إلينا وكذا حديث جابر أنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي فلو كان الرد با شارة جائزا الفعله وأجيب عن هذا بأن أحاديث الاشارة لو لم تكن بعد نسخه لودعه باللفظ إذ الرد باللفظ واجب إلا لمانع كالصلاة فلما رد بالإشارة علم أنه ممنوع من الكلام قالوا وأما حديث ابن مسعود وجابر فالمراد بنفي الرد فيه الرد بالكلام بدليل لفظ ابن حبان في حديث ابن مسعود وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة انتهى كلام الزيلعي وأجابوا أيضا عن أحاديث الباب بأنها محمولة على أن إشارته صلى الله عليه وسلم كان للنهي عن السلام لا لرده والجواب عنه أن هذا الحمل يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه بل أحاديث الباب ترده وتبطله
[ 305 ]
قوله (قال كان يشير بيده) وفي حديث صهيب المتقدم بأصبعه ولا اختلاف بينهما فيجوز أن يكون أشار مرة بأصبعه ومرة بيده ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع حملا للمطلق على المقيد قاله الشوكاني قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود (وحديث صهيب حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء قوله التسبيح للرجال أي قول سبحان الله إذا ناب شئ في الصلاة والتصفيق للنساء وقع في بعض الروايات التصفيح للنساء قال الحافظ زين الدين العراقي المشهور إن معناهما واحد قال عقبة والتصفيح التصفيق وكذا قال أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري وقال ابن حزم لا خلاف في أن التصفيح التصفيق معنى واحد وهو الضرب بإحدى صفحتي الكف على الأخرى قال العراقي وما ادعاه من نفي الخلاف ليس بجيد بل فيه قولان اخران أنهما مختلفا المعنى أحدهما أن التصفيح الضرب بظاهر إحداهما على الأخرى والتصفيق الضرب بباطن إحداهما على باطن الأخرى حكاه صاحب الأكمال وصاحب المفهم والقول الثاني أن التصفيح الضرب بأصبعين للانذار والتنبيه وبالقاف بالجميع للهو واللعب وروى أبو داود في سننه عن عيسى بن
[ 306 ]
أيوب أن التصفيح الضرب بأصبعين من اليمين على باطن الكف اليسرى كذا في النيل والحديث دليل على جواز التسبيح للرجال والتصفيق للنساء إذا ناب أمر من الأمور قوله (وفي الباب عن علي وسهل بن سعد وجابر وأبي سعيد وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود بلفظ من نابه شئ في صلاته فليسبح فإنما التصفيق للنساء وحديثه طويل وهذا طرف منه وأما حديث جابر فأخرجه ابن أبي شيبة وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن عدي في الكامل وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه قوله (قال علي كنت إذا استأذنت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي سبح) أخرجه أحمد وابن ماجه والنسائي وصححه ابن السكن وقال البيهقي هذا مختلف في إسناده ومتنه وقيل سبحه وقيل تنحنح ومداره على عبد الله بن نجي قال الحافظ واختلف عليه فيه فقيل عن علي وقيل عن أبيه عن علي قال البخاري فيه نظر وضعفه غيره ووثقه النسائي وابن حبان وقال يحيى بن معين لم يسمعه عبد الله بن علي بينه وبين علي أبوه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة التثاؤب تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وكدورة الحواس قوله التثاؤب في الصلاة من الشيطان جعله من الشيطان كراهية له لأنه يكون مع ثقل
[ 307 ]
البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم فأضيف إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس شهوتها وأراد به التحذير من سببه وهو التوسع في المطعم والشبع كذا في المجمع فإذا تثاؤب أحدكم أي فتح فاه للكسل وكدروة الحواس فيكظم بفتح ياء المضارعة وكسر الظاء المعجمة أي ليحبسه وليمسكه بوضع اليد على الفم أو تطبيق السن وضم الشفتين ما استطاع أي ما أمكنه وفي رواية ابن ماجه إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه قوله (وفي الباب عن أبي سعد الخدري وجد عدي بن ثابت) أما حديث أبي سعيد فأخرجه مسلم وأما حديث جد عدي بن ثابت فأخرجه ابن ماجه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري عنه بلفظ إذا تثاءبت أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع ولا يقل ها فإنما ذلكم من الشيطان يضحك منه قوله (وقد كره قوم من أهل العلم التثاؤب في الصلاة) وهو الظاهر الموافق لأحاديث الباب قوله (قال إبراهيم) هو النخعي (إني لأرد) أي من الرد أي إني لأدفع باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم قوله (عن عمران بن حصين) وفي رواية البخاري حدثني عمران بن حصين وكان ميسورا أي كانت به بواسير
[ 308 ]
قوله (ومن صلاها نائما) أي مضطجعا قال الخطابي في المعالم لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا فإن صحت هذه اللفظة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو تكن من بعض الرواة مدرجة في الحديث قياسا على صلاة القاعدة أو اعتبار بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود دلت على جواز تطوع القادر على القعود مضطجعا قال ولا أعلم أني سمعت نائما إلا في هذا الحديث وقال ابن بطال وأمال قوله من صلى نائما فله نصف أجر القاعد فلا يصح معناه عند العلماء لأنهم مجمعون على أن النافلة لا يصليها القادر على القيام إيماء قال وإنما دخل الوهم على ناقل الحديث وتعقب ذلك العراقي فقال أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود فإن في مذهب الشافعية وجهين الأصح منهما الصحة وعند المالكية ثلاثا أوجه حكاها القاضي عياض في الاكمال أحدها الجواز مطلقا في الاضطرار واختيار للصحيح والمريض وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه فكيف يدعى مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق انتهى وقد أختلف شراح الحديث في هذا هل هو محمول على التطوع أو على الفرائض في حق غير القادر فحمله الخطابي على الثاني وهو محمل ضعيف لأن المريض المفترض الذي أتى بما يجب عليه من القعود وا ضطجاع يكتب له جميع الأجر لا نصفه وحمله سفيان الثوري وابن الماجشون على التطوع وحكاه النووي عن الجمهور وقال إنه يتعين حمل الحديث عليه كذا في النيل قلت قال الخطابي المراد بحديث عمر أن المريض المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة فجعل أجر القاعد على النصف من أجر القائم ترغيبا له القيام مع جواز القعود انتهى قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قوالخطابي هذا وهو حمل متجه قال فمن صلى فرضا قاعدا وكان يشق عليه القيام أجزأه وكان هو ومن صلى قائما سواء فلو تحامل هذا المعذور وتكلف القيام ولو شق عليه كان أفضل لمزيد أجر تكلف القيام فلا يمتنع أن يكون أجره على ذلك نظير أجره على أصل الصلاة فيصح أن أجر القاعد على النصف من أجر القائم ومن صلى النفل قاعدا مع القدرة على القيام أجزأه وكان أجره على النصف من أجر القائم بغير إشكال قال ولا يلزم من اقتصار العلماء في حمل الحديث المذكور على صلاة النافلة أن لا تراد الصورة التي ذكرها الخطابي
[ 309 ]
وقد ورد في الحديث ما يشهد لها فعند أحمد عن أنس قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي محمة فحمى الناس فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والناس يصلون من قعود فقال صلاة القاعد مثل صلاة القائم رجاله ثقات وعند النسائي متابع له من وجه اخر وهو وارد في المعذور فيحمل عن من تكلف القيام مع مشقته عليه كما بحثه الخطابي انتهى كلام الحافظ مختصرا قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمر وأنس ويزيد بن السائب) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي بلفظ صلاة الرجل قاعدا نصف الصلاة ولكن لست كأحد منكم وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الأرض في المكتوبة قاعدا وقعد في التسبيح في الأرض فأومى إيماء قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه حفص بن عمر قاضي حلب وهو ضعيف انتهى وأما حديث يزيد بن السائب فلم أقف عليه وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في مجمع الزوائد والنيل قوله (حديث عمران بن حصين حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري (وقد روى هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان) رواه البخاري قوله (بهذا الاسناد) أي عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين (إلا أنه يقول) أي إبراهيم بن طهمان (فإن لم تستطع فقاعدا) قال الحافظ لم يبين كيفية القعود فيؤخذ من إطلاقه جوازه على أي صفة شاء المصلي وهو قضية كلام الشافعي في البويطي وقد اختلف في الأفضل فعن الأئمة الثلاثة يصلي متربعا وقيل يجلس مفترشا وهو موافق لقول الشافعي في مختصر المزني وصححه الرافعي ومن تبعه وقيل متوركا وفي كل منها أحاديث انتهى (فعلى جنب) في حديث علي عند الدارقطني على جنبه الأيمن مستقبل القبلة بوجهه وهو حجة للجمهور في الانتقال من القعود إلى الصلاة على الجنب وعن الحنفية وبعض الشافعية يستلقي على ظهره ويجعل على رجليه إلى القبلة ووقع في حديث علي أن حالة الاستلقاء تكون عند العجز عن حالة الاضطجاع واستدل به من قال لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى
[ 310 ]
كالإ شارة بالرأس ثم الايماء بالطرف ثم إجراء القران والذكر على اللسان ثم القلب لكون جميع ذلك لم يذكر في الحديث وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية عن إبراهيم بن طهمان الخراساني أبي سعيد سكن نيسابور ثم مكة ثقة يغرب وتكلم فيه الارجاء ويقال رجع عنه من السابعة (لا نعلم أحدا روى عن حسين المعلم نحو رواية إبراهيم بن طهمان وقد روى أبو أسامة وغير واحد عن حسين المعلم نحو رواية عيسى بن يونس) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه ولا يؤخذ من ذلك تضعيف رواية إبراهيم كما فهمه ابن العربي تبعا لابن بطال ورد على الترمذي بأن رواية إبراهيم توافق الأصول ورواية غيره تخالفها فتكون رواية إبراهيم أرجح لأن ذلك راجع إلى الترجح من حيث المعنى لا من حيث الاسناد وإلا فاتفاق الأكثر على شئ يقتضي أن رواية من خالفهم تكون شاذة والحق أن الروايتين صحيحتان كما صنع البخاري وكل منهما مشتملة على حكم غير الحكم الذي اشتملت عليه الأخرى انتهى قوله (ومعنى هذا الحديث) أي المذكور أو من طريق عيسى بن يونس عن الحسين المعلم (عند بعض أهل العلم في صلاة التطوع) وحكاه النووي عن الجمهور كما تقدم (عن الحسن) هو الحسن البصري (قال إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا) قال الطيبي وهل يجوز أن يصلي التطوع قائما مع القدرة على القيام أو القعود فذهب بعض إلى أنه لا يجوز وذهب قوم إلى جوازه فأجره نصف القاعد وهو قول الحسن وهو الأصح والأولى لثبوته في السنة انتهى قلت الظاهر الراجح عندي هو ما قال الطيبي وقال القاري ومذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز فقيل هذا الحديث في حق المفترض المريض الذي أمكنه القيام أو القعود مع شدة وزيادة في المرض انتهى
[ 311 ]
قلت هذا عندي خلاف الظاهر والله تعالى أعلم قوله (فله مثل أجر القائم وقد روى في بعض الحديث مثل قول سفيان الثوري) وهو ما أخرجه البخاري في الجهاد من حديث أبي موسى رفعه إذا مرض العبد أو سافر كتب له صالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم قال الحافظ في الفتح وله شواهد كثيرة باب من يتطوع جالسا قوله (عن المطلب بن أبي وداعة السهمي) صحابي مسلم يوم الفتح ونزل المدينة ومات بها وأمه أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب قوله (صلى في سبحته) السين المهملة وسكون الباء الموحدة أي نافلته قال في مجمع البحار ويقال للذكر وصلاة النافلة سبحة أيضا وهي من التسبيح كالسخرة من التسخير وخصت النافلة بها وإن شاركتها الفريضة في معناها لأن التسبيحات في الفرائض نوافل فالنافلة شاركتها في عدم الوجوب انتهى قوله (حتى تكون أطول من أطول منها) يعني أن مدة قراءته لها أطول من قراءة سورة أخرى أطول منها إذا قرئت غير مرتلة وإلا فلا يمكن أن تكون السورة نفسها أطول من اطول منها من غير تقيد بالترتيل والإسراع والحديث يدل على جواز صلاة التطوع من قعود وهو مجمع عليه وفيه
[ 312 ]
استحباب ترتيل القراءة قوله (وفي الباب عن ام سلمة وأنس بن مالك) أما حديث أم سلمة فأخرجه عبد الرزاق وأما حديث أنس فلعله أشار إلى حديثه الذي أشار إليه في الباب المتقدم قوله (حديث حفصة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليوسلم أنه كان يصلي من الليل جالسا فإذا بقي من قراءته ألخ) أخرجه المؤلف في هذا الباب عن أبي سلمة عن عائشة قوله (وروي عنه أنه كان يصلي قاعدا فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم الخ) أخرجه المؤلف في هذا الباب عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قال أبو الطيب المدني لا شك أن الركوع والسجود ينافيان القيام فالمراد إذا أراد أن يركع ويسجد وهو نائم فيخر من قيامه إلى ركوعه ومن قومته التي هي القيام أيضا إلى سجوده قوله (قال أحمد وإسحاق) والعمل على كلا الحديثين الخ قال العراقي يحمل على أنه كان يفعل مرة كذا ومرة كذا
[ 313 ]
باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني لأسمع إلخ قوله (فأخفف) بين مسلم في رواية ثابت عن أنس محل التخفيف ولفظه فيقرأ السورة القصيرة وبين ابن أبي شيب من طريق عبد الرحمن بن سابط مقدارها ولفظه أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الأولى بسورة طويلة فسمع بكاء صبي فقرأ بالثانية ثلاث ايات وهذا مرسل كذا في فتح الباري (مخافة أن تفتن أمه) من الافتتان وفي رواية البخاري أن تفتن من الفتنة قال الحافظ أي تلتهي عن صلاتها لاشتغال قلبها ببكائه زاد عبد الرزاق من مرسل عطاء أو تتركه فيضيع انتهى وقوله مخافة بفتح الميم أي خوفا من افتتان أمه قال ابن بطال إحتج به من قال يجوز ل مام إطالة الركوع إذا سمع بحس داخل ليدركه وتعقبه ابن المنير بأن التخفيف نقيض التطويل فكيف يقاس عليه قال ثم أن فيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد انتهى ويمكن أن يقال محل ذلك ما لم يشق على الجماعة وبذلك قيده أحمد وإسحاق وأبو ثور وما ذكره ابن بطال سبق إليه الخطابي ووجهه بأنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان
[ 314 ]
التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز وتعقبه القرطبي بأن في التطويل ههنا زيادة عمل في الصلاة غير مطلوب بخلاف التخفيف فإنه مطلوب انتهى وفي هذه المسألة خلاف عند الشافعية وتفصيل وأطلق النووي عن المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للحاملي نقل كراهيته عن الجديد وبه قال الأوزاعي ومالك وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال محمد أخشى أن يكون شركا كذا في فتح الباري قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وأبي سعيد وأبي هريرة) أما حديث أبي قتادة فأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم قوله (حديث أنس حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا أبا داود والنسائي باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار قوله لا تقبل صلاة الحائض المراد من الحائض من بلغ سن المحيض لا من هي ملابسة المحيض فإنها ممنوعة من الصلاة إلا بخمار بكسر الخاء هو ما يغطى به رأس المرأة قال في القاموس الخمار بالكسر النصيف كالخمر كطمر وكل ما ستر شيئا فهو خمارة جمعه أخمرة وخمر وخمر وقال نصيف كأسير الخمار والعمامة وكل ما غطى الرأس انتهى والحديث استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام ونفي القبول المراد به هنا نفي الصحة وا جزاء وقد يطلق القبول ويراد به كون العبادة بحيث يترتب عليها الثواب فإذا نفى كان نفيا لما يترتب عليها من الثواب لا نفيا للصحة كما ورد أن الله لا يقبل
[ 315 ]
صلاة الابق ولا من في جوفه خمر كذا قيل قال وقد بينا في رسالة الاسبال وحواشي شرح العمدة أن نفي القبول يلازم نفي الصحة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) لم أقف عليه وفي الباب أيضا عن أبي قتادة أخرجه الطبراني في الصغير والأوسط بلفظ لا يقبل الله من امرأه صلاة حتى توارى زينتها ولا من جارية بلغت الحيض حتى تختمر ذكره الزيلعي فنصب الراية بإسناده قوله (حديث عائشة حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قوله (إذا أدركت) أي بلغت وصارت مكلفة قول (قال الشافعي وقد قيل إن كان ظهر قدميها مكشوفا فصلاتها جائزة) لكن حديث أم سلمة يدل على أنه لا بد للمرأة من تغطية ظهور قدميها ولفظه أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار قال إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها أخرجه أبو داود وصحح الأئمة وقفه كذا في بلوغ المرام قال في سبل السلام وله حكم الرفع وإن كان موقوفا وإذا الأقرب أنه لا مسرح للاجتهاد في ذلك وقد أخرجه مالك وأبو داود موقوفا ولفظه عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب قالت تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها انتهى ما في السبل واعلم أن حديث الباب قد استدل به على وجوب ستر المرأة رأسها حال الصلاة واستدل به من سوى بين الحرة والأمة في العورة لعموم ذكر الحائض ولم يفرق بين الحرة والأمة وهو قول أهل الظاهر وفرق الشافعي وأبو حنيفة والجمهو بين عورة الحرة والأمة فجعلوا عورة الأمة ما بين السرة والركبة كالرجل والحجة لهم ما رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في حديث وإذا زوج أحدكم خادمه أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة وفوق الركبة وما رواه أبو داود أيضا بلفظ إذا زوج أحدكم عبده أمته فلا ينظر إلى عورتها قالوا
[ 316 ]
والمراد بالعورة في هذا الحديث ما صرح ببيانه في الحديث وقال مالك الأمة عورتها كالحرة حاشا شعرها فليس بعورة وكأنه رأى العمل في الحجاز على كشف الاماء لرؤوسهن هكذا حكاه عنه ابن عبد البر في الاستذكار قال العراقي في شرح الترمذي والمشهور عنه أن عورة الأمة كالرجل وقد اختلف في مقدار عورة الحرة فقيل بدنها ما عدا الوجه والكفين وإلى ذلك ذهب الشافعي في أحد أقواله وأبو حنيفة في إحدى الروايتين عنه ومالك وقيل والقدمين وموضعا الخلخال وإلى ذلك ذهب القاسم في قول وأبو حنيفة في رواية عنه والثوري وأبو العباس وقيل بل جميعها إلا الوجه وإليه ذهب أحمد بن حنبل وداود وقيل جميعها بدون استثناء وإليه ذهب بعض أصحاب الشافعي وروى عن أحمد وسبب اختلاف هذه الأقوال ما وقع من المفسرين من الاختلاف في تفسير قوله تعالى (إلا ما ظهر منها) وقد استدل بحديث الباب على أن يستر العورة شرط في صحة الصلاة لأن قوله لا يقبل صالح للاستدلال به على الشرطية كما قيل وقد اختلف في ذلك فقال الحافظ في الفتح ذهب الجمهور إلى أن ستر العورة من شروط الصلاة انتهى باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة قوله (أخبرنا قبيصة) بن عقبة بن محمد بن سفيان السوائي بضم المهملة وتخفيف الواو والمد أبو عامر الكوفي صدوق ربما خالف (عن عسل بن سفيان) قال في التقريب بكسر أوله وسكون المهملة وقيل بفتحتين التميمي أبو قرة البصري ضعيف انتهى قلت ذكره ابن حبان في الثقات كما في التهذيب (عن عطاء) هو ابن أبي رباح قوله نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السدل في الصلاة قال في النيل قال قال أبو عبيد في غريبه السدل إسدال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه فإن ضمه فليس بسدل وقال صاحب النهاية هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك قال وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب قال وقيل هو أن يضع وسط الازار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه
[ 317 ]
وشماله من غير أ يجعلهما على كتفيه وقال الجوهري سدل ثوبه يسدله بالضم سدل أي أرخاه وقال الخطابي السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض انتهى فعلى هذا السدل والاسبال واحد قال العراقي ويحتمل أن يراد بالسدل سدل الشعر ومنه حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سدل ناصيته وفي حديث عائشة أنها سدلت قناعها وهي محرمة أي أسبلته انتهى قال الشوكاني ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركا بينها وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوي انتهى كلامه قوله (وفي الباب عن أبي جحيفة) أخرجه الطبراني وسيأتي لفظه قوله (حديث أبي هريرة لا نعرفه إلخ) قال الحافظ في الدراية بعد ذكر حديث أبي هريرة هذا أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم والطبراني في الأوسط وزاد أبو داود وابحبان وأن يغطي الرجل فاه انتهى وقال الشوكاني في النيل وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديث الباب يعني حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب فمنهم من لم يحتج به لتفرد عسل من سفيان وقد ضعفه أحمد قال الخلال سئل أحمد عن حديث السدل في الصلاة من حديث أبي هريرة فقال ليس هو بصحيح الاسناد وقال عسل بن سفيان غير محكم الحديث وقد ضعفه الجمهور يحيى بن معين وأبو حاتم والبخاري واخرون وذكره ابن حبان في الثقات وقال يخطئ ويخالف على قلة روايته انتهى قال الشوكاني وعسل بن سفيان لم ينفرد به فقد شاركه في الرواية عن عطاء الحسن ابن ذكوان وترك يحيى له لم يكن إلا لقوله إنه كان قدريا وقد قال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به انتهى كلام الشوكاني قلت في قوله فقد شاركه في الرواية عن عطاء عن الحسن بن ذكوان نظر فروى أبو داود حديث الباب في سننه بإسناده عن ابن المبارك عن الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء عن أبي هريرة فالمشارك لعسل بن سفيان في الرواية عن عطاهو سليمان الأحول لا الحسن بن ذكوان واعلم أن أبا داود أخرج حديث الباب من الطريق المذكور وأشار إلى طريق عسل ابن سفيان ثم ذكر بإسناده عن ابن جريج قال أكثر ما رأيت عطاء يصلي ساد قال أبو داود وهذا يضعف ذلك الحديث انتهى فحديث ث الباب عند أبي داود ضعيف قلت حديث الباب عندي لا ينحط عن درجة الحسن فرجال إسناده كلهم ثقات إلا عسل ابن سفيان وهو لم يتفرد بل تابعه سليمان الأحول عند أبي داود كما عرفت وتابعه أيضا عامر
[ 318 ]
الأحول قال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر متابعة سليمان الأحول ما لفظه وتابعه أيضا عامر الأحول كما أخرجه الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي بحر البكراوي واسمه عبد الرحمن بن عثمان حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحول عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا فذكره ورجاله كلهم ثقات إلا البكراوي فإنه ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما وكأن يحيى بن سعيد حسن الرأي فيه وروى عنه قال ابن عدي وهو ممكن يكتب حديثه انتهى كلام الزيلعي قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن أبي جحيفة مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل سدل ثوبه في الصلاة فضمه وفي رواية فقطعه وفي رواية فعطفه رواه الطبراني انتهى وهو حديث ضعيف كما صرح به الشوكاني في النيل قوله فكره بعضهم السدل في الصلاة وقالوا هكذا تصنع اليهود وأخرج الخلال في العلل وأبي عبيد في الغريب من رواية عبد الرحمن بن سعيد بن وهب عن أبيه عن علي عليه السلام أنه خرج فرأى قوما يصلون قد سدلوا ثيابهم فقال كأنهم اليهود خرجوا من قهرههم قال أبو عبيد هو موضع مدارسهم الذي يجتمعون فيه قال صاحب الامام والقهر بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الذي يجتمعون وذكره في القاموس والنهاية في الفاء لا في القاف كذا في النيل (قال بعضهم إنما كره السدل في الصلاة إذا لم يكن عليه إلا ثوب واحد فأما إذا سدل على القميص فلا بأس) لم أقف على دليل هذا التقييد والحديث مطلق (وكره ابن المبارك السدل في الصلاة) أي مطلقا قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على تحريم السدل في الصلاة لأنه معنى النهي الحقيقي وكرهه ابن عمر ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري والشافعي في الصلاة وغيرها وقال أحمد يكره في الصلاة وقال جابر بن عبد الله وعطاء والحسن وابن سيرين ومكحول والزهري لا بأس به وروى ذلك عن مالك وأنت خبير بأنه لا موجب للعدول عن التحريم إن صح الحديث لعدم وجدان صارف له عن ذلك انتهى قلت الأمر كان كما قال الشوكاني والله تعالى أعلم
[ 319 ]
باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة قوله (عن أبي الأحوص) قال النسائي لم نقف على اسمه ولا نعرفه وقد انفرد الزهري بالرواية عنه وليس له عند المصنف وعند ابن ماجه إلا هذا الحديث كذا في قوت المغتذي وقال المنذري في تلخيص السنن أبو الأحوص هذا لا يعرف اسمه وقد تكلم فيه يحيى بن معين وغيره انتهى وقال الحافظ في التقريب أبو الأحوص مولى بني ليث وغفار مقبول لم يرو عنه غير الزهري قوله إذا قام أحدكم إلى الصلاة أي إذا دخل فيها فلا يمسح الحصى هي الحجارة الصغيرة والتقييد بالحصى خرج مخرج الغالب لكونه كان الغالب على فر ش مساجدهم ولا فرق بينه وبين التراب والرمل على قول الجمهور ويدل على ذلك قوله فحديث معيقيب عند البخاري وغيره في الرجل يسوي التراب والمراد بقوله إذا قام أحدكم إلى الصلاة الدخول فيها فلا يكون منهيا عن مسح الحصى إلا بعد دخوله ويحتمل أن المراد قبل الدخول حتى لا يشتغل عند إرادة الصلاة إلا بالدخول فيها قال العراقي والأول أظهر ويرجحه حديث معيقيب فإنه سأل عن مسح الحصى في الصلاة دون مسحه عند القيام كما في رواية الترمذي قال الشوكاني وقال الخطابي في المعالم يريد مسح الحصى تسويته ليسجد عليه وكان كثير من العلماء يكرهون ذلك وكان مالك بن أنس لا يرى به بأسا ويسوي في صلاته غير مرة انتهى (فإن الرحمة تواجهه) أي تنزل عليه وتقبل إليه هذا التعليل يدل على أن الحكمة في النهي عن المسح أن لا يشغل خاطره بشئ يلهيه عن الرحمة المواجهة له فيفوته حظه منها وقد روى أن حكمة ذلك أن لا يغطي شيئا من الحصى بمسحه فيفوته السجود عليه رواه ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي صالح قال إذا سجدت فلا تمسح الحصى فإن كل حصاة تحب أن يسجد عليها قال ابن العربي معناه الاقبال على الرحمة وترك الاشتغال عنها بالحصباء وسواه إلا أن يكون لحاجة كتعديل موضح السجود أو إزالة مضر وقد كان مالك يفعله وغيره يكرهه انتهى
[ 320 ]
قوله (حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر من أوساط التابعين (عن معيقيب) بقاف واخره موحدة مصغرا ابن فاطمة الدوسي حليف بني بعد شمس من السابقين والأوليين هاجر الهجرتين وشهد المشاهد وولى بيت المال لعمر ومات في خلافة عثمان أو علي قوله (فقال إن كنت لا بد فاع فمرة واحدة) بالنصب أي فافعل مرة واحدة وفيه الاذن بمسح الحصى مرة واحدة عند الحاجة قوله (هذا حديث صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وفي الباب عن علي بن أبي طالب وحذيفة وجابر بن عبد الله ومعيقيب) أما حديث على بن أبي طالب فأخرجه أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث حذيفة فأخرجه أيضا أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه أيضا أحمد وابن أبي شيبة وأما حديث معيقيب فقد تقدم تخرجه ولعل الترمذي أشار إلى حديث اخر له في هذا الباب وفي الباب أحاديث أخرى أشار إليها الشوكاني في النيل قوله (حديث أبي ذرحديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه النسائي وابن ماجه قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم) وحكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح
[ 321 ]
الحصى وغيره في الصلاة وفيه نظر فقد حكى الخطابي في المعالم عن مالك أنه لم ير به بأسا وكان يفعله فكأنه لم يبلغه الخبر انتهى باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة النفخ إخراج الريح من الفم قوله (أخبرنا ميمون أبو حمزة) الأعور القصاب مشهور بكنيته ضعيف من السادسة كذا في التقريب (عن أبصالح مولى طلحة عن أم سلمة) قال الذهبي في الميزان هو مولاها واسمه ذكوان لا يعرف وقال المزي في التهذيب اسمه زاذن وليس له في الكتاب إلا هذا الحديث عند المصنف كذا في قوت المغتذى وقال الحافظ أبو صالح مولى طلحة أو أم سلمة مقبول من الثالثة يقال اسمه زاذان انتهى قوله (إذا سجد نفخ) أي في الأرض ليزول عنها التراب فيسجد ترب وجهك من التتريب أي أوصله إلى التراب وضعه عليه ولا تبعده عن موضع وجهك بالنفخ فإنه أقرب إلى التواضع فإن إلصاق التراب بالوجه الذي هو أفضل الأعضاء غاية التواضع قوله (قال أحمد بن منيع وبه نأخذ) وهو القول الراجح كما ستعرف
[ 322 ]
قوله (وحديث أم سلمة إسناده ليس بذاك وميمون أبو حمزة قد ضعفه بعض أهل العلم) قال أحمد متروك الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال البخاري ليس بالقوي عندهم وقال النسائي ليس بثقة كذا في الميزان قوله (فقال بعضهم إن نفخ في الصلاة استقبل الصلاة) أي استأنف (وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) واستدلوا بحديث الباب هو حديث ضعيف قال الحافظ في الفتح ولو صح ليكن فيه حجة على إبطال الصلاة بالنفخ لأنه لم يأمره بإعادة الصلاة وإنما استفاد من قوله ترب وجهك استحباب السجود على الأرض فهو نحو النهي عن مسح الحصى قال وفي الباب عن أبي هريرة في الأوسط للطبراني وعن زيد بن أبي ثابت عند البيهقي وعن أنس وبريدة عند البزار وأسانيد الجميع ضعيفة جدا وثبت كراهة النفخ عن ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة والرخصة فيه عن قدامة بن عبد الله أخرجه البيهقي انتهى واستدلوا أيضا بأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة وقالوا إن النفخ كلام واحتجوا على كون النفخ كلاما بأثر ابن عباس رضي الله عنه قال النفخ في الصلاة كلام رواه بن منصور في سننه وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عباس أنه كان يخشى أيكون النفخ كلاما واستدلوا أيضا بأحاديث تدل على كراهة النفخ في السجود فمنها ما رواه الطبراني في الكبير عن زيد بن ثابت قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النفخ في السجود وعن النفخ في الشراب ولا تقوم به حجة لأن في إسناده خالد بن إلياس وهو متروك ومنها ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا أنه كره أن ينفخ بين يديه في الصلاة أو في شرابه قال العراقي وفي إسناده غير واحد متكلم فيه ومنها ما رواه البزار في مسنده عن أنس بن مالك رفعه قال ثلاثة من الجفاء أن ينفخ الرجل في سجوده الحديث وفي إسناده خالد بن أيوب وهو ضعيف وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الشوكاني في النيل مع بيان ما فيها من الكلام (وقال بعضهم يكره النفخ في الصلاة وإن نفخ في صلاته لم تفسد صلاته وهو قول أحمد وإسحاق) واستدلوا بما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نفخ في صلاة الكسوف وذكره البخاري تعليقا وأجابوا بمنع كون النفخ من الكلام لأن الكلام متركب من الحروف المعتمدة على المخارج ولا اعتماد في النفخ وأيضا الكلام المنهي عنه في الصلاة هو المكالمة قالوا ولو سلم
[ 323 ]
صدق اسم الكلام على النفخ كما قال ابن عباس لكان فعله صلى الله عليه وسلم لذلك في الصلاة مخصصا لعموم النهي عن الكلام كذا في النيل باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة المراد من الاختصار وضع اليد على الخاصرة قوله (نهى أن يصلي الرجل مختصرا) قال الحافظ في الفتح قد فسره ابن أبي شيبة في روايته فقال قال ابن سيرين هو أن يضع يده على خاصرته وهو يصلي وبذلك جزم أبو داود ونقله الترمذي عن بعض أهل العلم وهذا هو المشهور من تفسيره وحكى الهروي في الغربيين أن المراد بالاختصار قراءة اية أو ايتين من اخر السورة وقيل إن بحذف الطمأنينة وهذان القولان وإن كان أخذهما من الاختصار ممكنا لكن رواية الخصر والخصر تأباهما وقيل الاختصار أن يحذف الاية التي فيها السجدة إذا أمر بها في قراءته حتى لا يسجد في الصلاة لتلاوتها حكاه الغزالي وحكى الخطابي أن معناه أن يمسك بيده مخصرة أي عصا يتوكأ عليها في الصلاة وأنكر هذا ابن العربي في شرح الترمذي فأبلغ ويؤيد الأول ماروى أبو داود والنسائي من طريق سعيد بن زياد قال صليت إلى جنب ابن عمر فوضعت يدي على خاصرتي فلما صلى قال هذا الصلب في الصلاة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه قوله (وفي الباب عن ابن عمر) تقدم تخريجه ولفظه انفا قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا ابن ماجه قوله (وقدكره قوم من أهل العلم الاختصار في الصلاة) قال العيني في شرح البخاري
[ 324 ]
ص 237 ج 3 أختلفوا في حكم الخصر في الصلاة فكرهه ابن عمر وابن عباس وعائشة وإبراهيم النخعي ومجاهد وأبو مجلز واخرون وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي وذهب أهل الظاهر إلى تحريم الاختصار في الصلاة عم بظاهر الحديث انتهى كلامه قلت الظاهر ما قاله أهل الظاهر لعدم قيام قرينة تصرف النهي عن التحريم الذي هو معناه الحقيقي كما هو الحق (وا ختصار هو أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة) وهذا التفسير هو المشهور وهو الحق فائدة أختلف في حكمه النهي عن ذلك فقيل لأن إبليس أهبط متخصرا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال موقوفا وقيل لأن اليهود تكثر من فعله فنهى عنه كراهة للتشبه بهم أخرجه البخاري في ذكر بني إسرائيل عن عائشة زاد ابن أبي شيبة فيه في الصلاة وفي رواية لا تشبهوا باليهود وقيل لأنه راحلة أهل النار أخرجه ابن أبي شيبة أيضا عن مجاهد قال وضع اليد على الحقو أستراحة أهل النار وقيل إونه صفة الراجز حين ينشد رواه سعيد بن منصور من طريق قيس بن عباد بإسناد حسن وقيل لأنه فعل المتكبرين حكاه المهلب وقيل لأنه فعل أهل المصائب حكاه الخطابي قال الحافظ بعد ذكر هذه الأقوال وقول عائشة أعلى ما ورد في ذلك ولا منافاة بين الجميع انتهى قوله (وكره بعضهم أن يمشي الرجل مختصرا ويروى أن إبليس إذا مشى يمشي متخصرا) لم أقف على من أخرجه باب ما جاء في كراهة كف الشعر في الصلاة الكف الضم والجمع قوله (عن عمران بن موسى) بن عمرو بن سعيد بن العاص هو أخو أيوب مقبول كذا في التقريب وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن سعيد بن أبي سعيد المقبري) ثقة تغير قبل موته
[ 325 ]
بأربع سنين (عن أبيه) وهو أبو سعيد واسمه كيسان ثقة ثبت من الثانية (عن أبي رافع) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه ابراهيم وقيل أسلم أو ثابت أو هرمز مات في أول خلافة علي على الصحيح قوله وقد عقص ضفرته قال في المجمع العقص جمع الشعر وسط رأسه أو لف ذوائبه حول رأسه كفعل النساء وقال فيه أصل العقص اللي وإدخال أطراف الشعر في أصوله انتهى وفي رواية أبي داود وقد غرز ضفره أي لو ى شعره وأدخل أطرافه في أصوله والمراد من الضفر المضفور من الشعر وأصل الضفر الفتل والضفير والضفائر هي العقائص المضفورة قاله الخطابي (في قفاه) القفا بالفارسية يس سر يذكر ويؤنث (فحلها) أي أطلق ضفائره المغروزة في قفاه (مغضبا) بفتح الضاد (ذلك) أي الظفر المغروز (كفل الشيطان) بكسر الكاف وسكون الفاء أي موضع قعود الشيطان وفي رواية أبي داود ذلك كفل الشيطان يعني مقعد الشيطان يعني مغرز ضفره فقال الخطابي وأما الكفل فأصله أن يجمع الكساء على سنام البعير ثم يركب قال الشاعر وراكب على البعير مكتفل يحفى على اثارها وينتعلإ وإنما أمره بإرسال الشعر ليسقط على الموضع الذي يصلي فيه صاحبه من الأرض فيسجد معه وقد روى عنه أيضا عليه السلام أمرت أن أسجد على سبعة اراب وأن لا أكف شعرا ولا ثوبا انتهى قوله (وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عباس) أما حديث أم سلمة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل وأما حديث عبد الله بن عباس فأخرجه الشيخان باللفظ الذي ذكره الخطابي وقد تقدم انفا وفي الباب أيضا عن ابن مسعود أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح وعن أبي موسى أخرجه أبو علي الطوسي في الأحكام وعن جابر أخرجه ابن عدي في الكامل وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف ذكره الشوكاني في النيل قوله (حديث أبي رافع حديث حسن) وأخرجه أبو داود وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره
[ 326 ]
قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يصلي الرجل وهو معقوص شعره) قال العراقي وهو مختص بالرجال دون النساء لأن شعرهن عورة يجب ستره في الصلاة فإذا نقضته ربما استرسل وتعذر ستره فتبطل صلاتها وأيضا فيه مشقة عليها في نقضه للصلاة وقد رخص لهن صلى الله عليه وسلم في أن لا ينقضن ضفائرهن في الغسل مع الحاجة إلى بل جميع الشعر باب ما جاء في التخشع في الصلاة التخشع هو السكون والتذلل قيل والخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البصر والبدن والصوت وقيل الخضوع في الظاهر والخشوع في الباطن قوله (أخبرنا عبد ربه بن سعيد) بن قيس الأنصاري أخو يحيى المدني ثقة من الخامسة (عن عمران بن أبي أنس) عن عبد الله بن نافع (العمياء) مجهول من الثالثة كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان عبد الله بن نافع بن أبي العمياء وربما قيل ابن النافع بن العمياء عن ربيعة بن الحارث قال البخاري لا يصح حديثه وقال العقيلي روى عنه عمران بن أبي أنس حديثه الصلاة مثنى مثنى وتضرع وتخشع الحديث قوله الصلاة مثنى مثنى قيل الصلاة مبتدأ ومثنى مثنى خبره والأول تكرير والثاني توكيد (تشهد في كل ركعة) خبر بعد خبر كالبيان لمثنى مثنى أي ذات تشهد وكذا المعطوفات ولو جعلت أوامر أختل النظم وذهب الطراوة والطلاوة قاله الطيبي وقال التوربشتي وجدنا الرواية فيهن بالتنوين لا غير وكثير ممن لا علم له بالرواية يسردونها على الأمر ونراها تصحيفا كذا في المرقاة شرح المشكاة وقال السيوطي في قوت المغتذى قال العراقي المشهور في هذه الرواية أنها أفعال مضارعة حذف منها إحدى التاءين ويدل عليه قوله في رواية أبي داود وأن تشهد ووقع في بعض
[ 327 ]
الروايات بالتنوين فيها على الاسمية وهو تصحيف من بعض الرواة انتهى (وتخشع) التخشع السكون والتذلل وقيل الخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن والخشوع في البصر والبدن والصوت وقيل الخضوع في الظاهر والخشوع في الباطن والأظهر أنهما بمعنى لقوله عليه السلام لو خشع قلبه لخشعت جوارحه كذا في المرقاة والخشوع من كمال الصلاة قال الله تعالى قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون قال القاري وفي قوله تخشع إشارة إلى أنه إن لم يكن له خشوع فيتكلف ويطلب من نفسه الخشوع ويتشبه بالخاشعين (وتضرع) في النهاية التضرع التذلل والمبالغة في السؤال والرغبة يقال ضرع يضرع بالكسر والفتح إذا خضع وذل (وتمسكن) قال ابن الملك التمسكن إظهار الرجل المسكنة من نفسه وقال الجزري في النهاية وفي أنه قال للمصلي تبأس أن تذل وتخضع وهو تمفعل من السكون والقياس أن يقال تسكن وهو الأكثر الأفصح وقد جاء على الأول أحرف قليلة قالوا تمدرع وتمنطق وتمندل انتهى (وتقنع يديك) من إقناع اليدين رفعهما في الدعاء ومنه قوله تعالى مقنعي رؤوسهم أي ترفع بعد الصلاة يديك للدعاء فعطف على محذوف أي إذا فرغت منها فسلم ثم أرفع يديك سائلا حاجتك فوضع الخبر موضع الطلب قال المظهر فإن قلت لو جعلتها أوامر وعطفت أمرا على أمر وقطعت تشهد عن الجملة الأولى لاختلاف الخبر والطلب لكان لك مندوحة عن هذا التقدير قلت حينئذ خرج الكلام الفصيح إلى التعاظل في التركيب وهو مذموم وذكر ابن الأثير أن توارد الأفعال تعاظل ونقلنا عنه في التبيان شواهد نقله الطيبي وقوله تعاظل المشالة ففي القاموس تعظلوا عليه اجتمعوا ويوم العظالى كحبارى معروف لأن الناس ركب بعضهم بعضا أو لأنه ركب الاثنان والثلاثة دابة كذا في المرقاة (يقول) أي الراوي معناه (ترفعهما) أي لطلب الحاجة (إلى ربك) متعلق بقوله تقنع وقيل يقول فاعله النبي صلى الله عليه وسلم وترفعهما ويكون تفسيرا لقوله وتقنع يديك (مستقبلا ببطونهما وجهك) أي ولو كان الدعاء أستعاذة (وتقول يا رب يا رب) الظاهر أن المراد بالتكرار التكثير (ومن لم يفعل ذلك) أي ما ذكر من الأشياء في الصلاة (فهو) أي فعل صلاته (كذا وكذا قال الطيبي كناية عن أن صلاته ناقصة غير تامة يبين ذلك الرواية الأخرى) أعني قوله فهو
[ 328 ]
خداج (وقال غير ابن المبارك في هذا الحديث) أي مكان من لم يفعل كذا وكذا (ومن لم يفعل ذلك فهو خداج) بكسر الخاء المعجمة أي ناقص قيل تقديره فهو ذات خداج أي صلاته ذات خداج أو وصفها بالمصدر نفسه للمبالغة والمعنى أنها ناقصة وفي الفائق الخداج مصدر خدجت الحامل إذا ألقت ولدها قبل وقت النتاج فاستعير والمعنى ذات نقصان فحذ ف المضاف وفي النهاية وصفها بالمصدر مبالغة كقوله فإنما هي إقبال وإدبار كذا في المرقاة وتقدم تفسير الخداج بالبسط فتذكر وقال المنذري في الترغيب والخداج معناه ههنا الناقص في الأجر والفضيلة انتهى فتفكر قوله (فأخطأ في مواضع) أي من الاسناد (فقال عن أنس بن أنيس) بضم الهمزة مصغرا (قال محمد وحديث الليث ث بن سعد أصح من حديث شعبة) قال المنذري في الترغيب قال الخطابي أصحاب الحديث يغلطون شعبة في هذا الحديث ثم حكى قول البخاري المتقدم وقال قال يعقوب بن سفيان في هذا الحديث مثل قول البخاري وخطأ شعبة وصوب ليث بن سعد وكذلك قال محمد بن إسحاق بن خزيمة انتهى وقال المنذري بعد ذكر حديث الباب ما لفظه رواه الترمذي والنسائي وابن خزيمة في صحيحه وتردد في ثبوته رووه كلهم عن ليث بن سعد بإسناد الترمذي قال ورواه أبو داود وابن ماجه من طريق شعبة عن عبد ربه عن ابن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب ب بن أبي وداعة انتهى وقال ابن حجر المكي إسناده حسن قلت مدار هذا الحديث على عبد الله بن نافع بن العمياء وهو مجهول على ما قال الحافظ وقال البخاري لم يصح حديثه وذكره ابن حبان في الثقات
[ 329 ]
باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة التشبيك إدخال الأصابع بعضها في بعض قوله (إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه) بمراعاة السنن وحضور القلب وتصحيح النية (ثم خرج) أي من بيته (عامدا إلى المسجد) أي قاصدا إليه (فلا يشبكن بين أصابعه) أي لا يدخلن بعضها في بعض (فإنه في صلاة) أي حكما والحديث فيه كراهة التشبيك من وقت الخروج إلى المسجد للصلاة وفيه أنه يكتب الصلاة أجر المصلى من حين يخرج من بيته إلى أن يعود إليه قال صاحب المنتقى بعد أن ساق هذا الحديث وقد ثبت في خبر ذي اليدين أنه عليه الصلاة والسلام شك أصابعه في المسجد وذلك يفيد عدم التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادرا انتهى قال الشوكاني قد عارض حديث الباب يعني حديث كعب بن عجرة المذكور في هذا الباب مع ما فيه هذا الحديث الصحيح في تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه في المسجد وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين بلفظ ثم قام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه وفيهما من حديث أبي موسى المؤمن للمؤمن كالبنيان وشبك بين أصابعه وعند البخاري من حديث ابن عمر قال شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وهذه الأحاديث أصح من حديث الباب ويمكن الجمع بين هذه الأحاديث ث بأن تشبيكه صلى الله عليه وسلم في حديث السهو كان لاشتباه الحال عليه في السهو الذي وقع منه ولذلك وقف كأنه غضبان وتشبيكه في حديث أبي موسى وقع لقصد التشبيه لتعاضد المؤمنين بعضهم ببعض كما أن البيان المشبك بعضه بعض يشد بعضه بعضا وأما حديث الباب فهو محمول على التشبيك للعبث وهو منهي عنه في الصلاة ومقدماتها ولواحقها من الجلوس في المسجد والمشي إليه أو يجمع بما ذكره المصنف يعني صاحب المنتقى من أن فعله صلى الله عليه وسلم نادرا يرفع التحريم ولا يرفع الكراهة ولكن يبعد أن يفعل صلى الله عليه وسلم ما كان مكروها والأولى أن يقال إن النهي عن التشبيك ورد بألفاظ خاصة بالأمة وفعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بهم كما تقرر في الأصول انتهى كلام الشوكاني
[ 330 ]
قوله (حديث كعب بن عجرة رواه غير واحد عن ابن عجلان مثل حديث الليث) والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي كذا في المشكاة قال ميرك كلهم من حديث سعيد المقبري عن رجل غير مسمى عن كعب بن عجرة لم يذكر الرجل لكن له شاهدا عند أحمد من حديث أبي سعيد ذكره القاري في المرقاة وقد ذكر قبل هذا حديث أبي سعيد فقال وقد أخرج أحمد بإسناد جيد من حديث أبي سعيد يرفعه إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبكن فإن التشبيك من الشيطان فإن أحدكم لا يزال في الصلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه انتهى وقال الشوكاني في النيل وحديث كعب بن عجرة أخرجه أيضا ابن ماجه وفي إسناده عند الترمذي رجل مجهول وهو الراوي له عن كعب بن عجرة وقد كنى أبو داود هذا الرجل المجهول فرواه من طريق سعد بن إسحاق قال حدثني أبو ثمامة الخياط عن كعب وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج له في صحيحه هذا الحديث انتهى (وحديث شريك غير محفوظ) لأن شريكا قد خالف الليث بن سعد وغير واحد في روايته عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة وكان قد تغير حفظه وكان كثير الخطأ وأما الليث بن سعد فقد كان ثقة ثبتا باب ما جاء في طول القيام في الصلاة قوله قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أي الصلاة أفضل قال طول القنوت هو يطلق بازاء معان والمراد هنا طول القيام قال النووي باتفاق العلماء ويدل على ذلك تصريح أبي داود في حديث عبد الله بن حبشي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال طول القيام والحديث يدل على أن القيام أفضل من السجود والركوع وغيرهما وإلى ذلك ذهب جماعة منهم الشافعي
[ 331 ]
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن حبشي) بضم الحاء المهملة وسكون الموحدة وكسر الشين المعجمة وشدة الياء (وأنس بن مالك) أما حديث عبد الله بن حبشي فأخرجه أبو داود والنسائي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل قال إيمان لا شك فيه الحديث وفيه فأي الصلاة أفضل قال طول القنوت وأما حديث أنس وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم في الأوسط وفى الباب أيضا عن أبي ذر وأخرجه أحمد وابن حبان والحاكم في المستدرك عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه فأي الصلاة أفضل قال طول القنوت قوله (حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود قوله (حدثنا أبو عمار) أسمه الحسين بن حريث بن الحسن بن ثابت مولى عمران بن حصين الخزاعي المروزي عن الفضل بن موسى والنضر بن شميل وفضيل بن عياض والوليد بن مسلم وعنه خ م د ت س د با جازة وثقه النسائي مات راجعا من الحج سنة أربع وأربعين ومائتين (حدثني معدان بن طلحة اليعمري) قال الحافظ في التقريب معدان بن أبي طلحة ويقال ابن طلحة اليعمري بفتح التحتانية والميم بينهما مهملة شامي ثقة من الثانية (قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ ثوبان الهاشمي مولى النبي صلى الله عليه وسلم صحبه ولازمه ونزل بعده الشام ومات بحمص سنة أربع وخمسين (فسكت عني مليا) قال في النهاية الملي الطائفة من الزمان لا حد لها
[ 332 ]
يقال مضى ملى من النهار وملى من الدهر أي طائفة منه ثم التفت إلي (وفي رواية مسلم) قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني به الله الجنة أو قال بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته فسكت ت ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال عليك بالسجود فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من عبد إلخ) وفي رواية أحمد ومسلم وأبي داود عن ثوبان قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة إلخ قال الشوكاني في النيل وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها والمراد به السجود في الصلاة وسبب الحث عليه ما ورد في حديث أبي هريرة من أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقوله تعالى واسجد واقترب كذا قال النووي وفيه دليل لمن يقول إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة وفي هذه المسألة مذاهب قدذكرها المصنف قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي فاطمة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلقال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء وأما حديث أبي فاطمة فلينظر من أخرجه قوله (حديث ثوبان وأبي الدرداء في كثرة الركوع والسجود حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قوله (وقد اختلف أهل العلم في هذا فقال بعضهم طول القيام في الصلاة أفضل من كثرة الركوع والسجود) لحديث جابر المذكور في الباب المتقدم وإلى ذلك ذهب الشافعي وجماعة قال
[ 333 ]
الشوكاني في النيل وهو الحق قال ولا يعارض حديث جابر وما في معناه الأحاديث الواردة في فضل السجود لأن صيغة أفعل الدالة على التفضيل إنما وردت في فضل طول القيام ولا يلزم من فضل الركوع والسجود أفضليتهما على طول القيام وأما حديث ما تقرب العبد إلى الله بأفضل من سجود خفي فإنه لا يصح رساله كما قال العراقي ولأن في إسناده أبا بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وكذلك أيضا لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعا قال العراقي الظاهر أن أحاديث أفضلية طول القيام محمولة على صلاة النفل التي لا نشرع فيها الجماعة وعلى صلاة المنفرد فأما الامام في الفرائض والنوافل فهو مأمور بالتخفيف المشروع إلا إذا علم من حال المأمومين المحصورين إيثار التطويل ولم يحدث ما يقتضي التخفيف من بكاء الصبي ونحوه فلا بأس بالتطويل وعليه يحمل صلاته في المغرب بالأعراف (وقال بعضهم كثرة الركوع والسجود أفضل من طول القيام وممن قال بذلك بن عمر وقال أحمد بن حنبل قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان ولم يقض فيه بشئ) بل توقف فيه (وقال إسحاق أما بالنهار فكثرة الركوع والسجود) أي أفضل من طول القيام (وأما الليل فطول القيام) أي أفضل من كثرة الركوع والسجود إلا أن يكون رجل له جزء بالليل يأتي عليه أي جزء من القران يقوم به في الليل (فكثرة الركوع والسجود في هذا أحب إلي لأنه يأتي على جزئه وقد ربح كثرة الركوع والسجود) والمعنى أن من كان له جزء من القران يقوم به كل ليلة فتكثير الركوع والسجود أفضل له لأنه يقرأ جزأه ويربح كثرة الركوع والسجود (قال أبو عيسى وإنما قال إسحاق
[ 334 ]
هذا لأنه كذا وصف) بصيغة المجهول (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ووصف طول القيام إلخ) وكذا وجه ابن عدي قول إسحاق ولفظه على ما نقل الشوكاني في النيل إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل بطول القيام ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل انتهى باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة المراد بالأسودين الحية والعقرب قوله (عن علي بن المبارك) الهنائي بضم الهاء وتخفيف النون ممدودا ثقة كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان أحدهما سماع وا خر إرسال فحديث الكوفيين عنه شئ من كبار السابعة كذا في التقريب وقال النسائي ليس به بأس وقال ابن حبان كان متقنا ظابطا كذا في التهذيب (عن ضمضم بن جوس) بفتح الجيم وسكون الواو ثم سين مهملة ويقال ابن الحارث بن جوس اليمامي ثقة من الثالثة قوله (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الأسودين في الصلاة) فيجوز قتلهما في الصلاة من غير كراهة (الحية والعقرب) بيان للأسودين وتسمية العقرب والحية بالأسودين من باب التغليب ولا يسمى بالأسود في الأصل إلا الحية قوله (وفي الباب عن ابن عباس وأبي رافع) أما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم بإسناد ضعيف وأما حديث أبي رافع فأخرجه ابن ماجه وفي إسناده مندل وهو ضعيف وكذلك شيخه محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وفي الباب عن ابن عمر عن إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري ومسلم وعن عائشة عند أبي يعلى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصد في ضعفه وعن رجل من بني عدي بن كعب عند أبي داود بإسناد منقطع قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) كذا في النسخ الموجودة عندنا وذكر
[ 335 ]
صاحب المنتقى هذا الحديث وقال رواه الخمسة وصححه الترمذي إنتهى قال الشوكاني في النيل الحديث نقله ابن عساكر في الأطراف وتبعه المزي وتبعهما المصنف أن الترمذي صححه والذي في النسخ أنه قال حديث حسن ولم يرتفع إلى الصحة وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححه انتهى فظهر من كلام الشوكاني أن نسخ الترمذي مختلفة ففي بعضها حديث حسن وفي بعضها حديث حسن صحيح قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم وبه يقول أحمد وإسحاق) وقد ذهب إلى ذلك جمهور العلماء كما قال العراقي وقال وأما من قتلها في الصلاة أوهم بقتلها فعلي بن أبي طالب وابن عمر روى بن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح أنه رأى ريشة وهو يصلي فحسب أنها عقرب فضربها بنعله ورواه البيهقي أيضا وقال فضربها برجله وقال حسبت أنها عقرب ومن التابعين الحسن البصري وأبو العالية وعطاء ومورق العجلي وغيرهم إنتهى (وكره بعض أهل العلم قتل الحية والعقرب في الصلاة قال إبراهيم) هو النخعي (إن في الصلاة لشغلا) كذا روذلك عن إبراهيم بن أبي شيبة في المصنف وروى ابن أبي شيبة أيضا عن قتادة أنه قال إذا لم تتعرض لك فلا تقتلها واستدل المانعون من ذلك إذا بلغ إلى حد الفعل الكثير كالهادويه والكارهون له كالنخعي بحديث إن في الصلاة لشغلا وبحديث اسكنوا في الصلاة عند أبي داود ويجاب عن ذلك بأن حديث الباب خاص فلا يعارضه ما ذكروه وهكذا يقال في كل فعل كثير ورد الاذن به كحديث حمله صلى الله عليه وسلم لأمامة وحديث خلعه للنعل وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم على المنبرو نزوله للسجود ورجوعه بعد ذلك وحديث أمره صلى الله عليه وسلم بدرء المار و إن أفضى إلى المقاتلة وحديث مشيه لفتح الباب وكل ما كان كذلك ينبغي أن يكون مخصصا لعموم أدلة المنع واعلم أن الأمر بقتل الحية والعقرب مطلق غير مقيد بضربة أو ضربتين وقد أخرج البيهقي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كفاك للحية ضربة أصبتها أم أخطأتها وهذا يوم التقييد بالضربة قال البيهقي وهذا إن صح فإنما أراد والله أعلم وقوع الكفاية بها في الاتيان بالمأمور فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها وأراد والله أعلم إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ثم استدل البيهقي على ذلك بحديث أبي هريرة عند مسلم من
[ 336 ]
قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة أدنى من الأولى ومن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة أدنى من الثانية قال في شرح السنة وفي معنى الحية والعقرب كل ضرار مباح القتل كالزنانير ونحوها كذا في النيل باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام قال الحافظ في الفتح السهو الغفلة عن الشئ وذهاب القلب إلى غيره وفرق بعضهم بين السهو والنسيان وليس بشئ انتهى وقال العيني بينهما فرق دقيق وهو أن السهو أن ينعدم له شعور والنسيان له فيه شعور قوله (عن عبد الله بن بحينة) هو عبد الله بن مالك وأما بحينة فهي أمه فاسم أبيه مالك وإسم أمبحينة (الأسدي) بسكون السين والأسد والأزد واحد وبحينة بضم الباء الموحدة وفتح الحاء المهملة وبعدها ياء التصغير ونون وهي أمه وأبوه مالك ابن القشب وليس له عند المنصف وأبي داود إلا هذا الحديث كذا في قوت المغتذي قوله (قام في صلاة الظهر وعليه جلوس أي والحال أن عليه أن يجلس) وفي رواية البخاري قام من اثنتين من الظهر (فلما أتم صلاته) قد استدل به لمن زعم أن السلام ليس من الصلاة حتى لو أحدث بعد أن جلس وقبل أن يسلم تمت صلاته وهو قول بعض الصحابة والتابعين وبه قال أبو حنيفة وتعقب بأنه لما كان السلام لتحليل من الصلاة كان المصلى إذا انتهى إليه كمن فرغ من صلاته ويدل على ذلك قوله في رواية ابن ماجه من طريق جماعة من الثقات عن يحيى بن سعيد عن الأعرج حتى إذا فرغ من الصلاة إلا أن يسلم فدل على أن بعض الرواة حذف الاستثناء لوضوحه والزيادة من الحافظ مقبولة كذا في فتح الباري (سجد سجدتين يكبر في كل سجدة) وفي رواية ابن ماجه فكبر ثم سجد ثن كبر فرفع رأسه ثم كبر فسجد ثم كبر فرفع رأسه ثم سلم (وهو جالس) جملة حالية متعلقة بقوله سجد أي أنشأ السجود جالسا (قبل أن يسلم) استدل به على أن سجود السهو قبل السلام ولا حجة فيه في كون جميعه كذلك نعم يرد على من زعم أن جميعه بعد
[ 337 ]
السلام كالحنفية وسيأتي ذكر مستندهم (وسجدهما الناس معه مكان ما نسي من الجلوس) استدل به على أن السجود خاص بالسهو فلو تعمد ترك شئ مما يخبر بسجود السهو لا يسجد وهو قول الجمهور ورجحه الغزالي وناس من الشافعية قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف) أخرجه أحمد وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضا قوله (أخبرنا عبد الأعلى أبو داود وأبو داود هذا هو أبو داود الطيالسي واسمه سلمان بن داود) وأما عبد الأعلى فهو ابن عبد الأعلى بن محمد البصري الشامي روي عن هشام الدستوائي وخلق وعنه بندار وغيره قال ابن معين وأبو زرعة ثقة وقال النسائي بأس به وذكره ابن حبان في الثقات وقال كان متقنا في الحديث قدريا غير واعية إليه (قال أخبرنا هشام) هو هشام بن أبي عبد سنبر الدستوائي ثقة ثبت روى عنه أبو داود الطيالسي وقال كان أمير المؤمنين في الحديث (عن محمد بن إبراهيم) التيمي المدني ثقة قوله (أن أبا هريرة والسائب القاري كانا يسجدان سجدتي السهو قبل التسليم) وذكر الحافظ العراقي أبا هريرة فيمن ذهب إلى أن سجود السهو كله بعد التسليم قال وروى الترمذي عنه خلاف ذلك قوله (حديث ابن بحينة حديث حسن) بل هو صحيح أخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول الشافعي يرى سجود السهو كله قبل التسليم) قال الحازمي في كتاب الاعتبار وممن رأى السجود كله قبل التسليم أبو هريرة ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن والأوزاعي وأهل الشام
[ 338 ]
والليث بن سعد وهو مذهب الشافعي انتهى (ويقول) أي الشافعي (هذا الناسخ لغيره من الأحاديث ويذكر أن اخر فعل النبي صلى الله عليه وسلم كان على هذا) قال الشافعي أخبرنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتي السهو قبل السلام وبعده واخر الأمرين قبل السلام ثم أكده الشافعي برواية معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم سجدهما قبل السلام قال وصحبة معاوية متأخرة ذكره الحازمي في كتاب الاعتبار ثم قال وطريق الانصاف أن نقول أما حديث الزهري الذي فيه دلالة على النسخ ففيه انقطاع فلا يقع معارضا للأحاديث الثابتة وأما بقية الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قو وفع فهي وإن كانت صحيحة ثابتة ففيها نوع تعارض غير أن تقديم بعضها على بعض غير معلوم برواية موصولة صحيحة والأشبه حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين انتهى كلام الحازمي ورواية معاوية التي أشار إليها الحازمي أخرجها هو بلفظ إن معاوية بن أبي سفيان صلى بهم فنسى وقام وعليه جلوس فلم يجلس فلما كان اخر صلاته سجد سجدتين قبل التسليم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع (وقال أحمد وإسحاق إذا قام الرجل في الركعتين فإنه سجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث ابن بحينة) يأتي تحرير مذهبهما في هذا الكتاب (وعبد الله بن بحينة) هو وعبد الله بن مالك بالتنوين (ابن بحينة) بالألف (مالك أبوه وبحينة أمه) فيجب أن يكتب ألف ابن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن ابن بحينة نعت لعبد الله لا لمالك قال الحافظ في الفتح بحينة اسم أمه أو أم أبيه وعلى هذا فينبغي أن يكتب ابن بحينة بألف انتهى (فرأى بعضهم أن يسجدهما بعد السلام وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة) قال الحازمي في كتاب الاعتبار طائفة رأت السجود كله بعد السلام وممن روينا ذلك عنه من
[ 339 ]
الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم ومن التابعين الحسن وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن ابن أبي ليلى والثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأهل الكوفة انتهى واستدلوا بالأحاديث التي ذكر فيها السجود بعد السلام وأنت تعلم أنه لا حجة فيها في كون جميعه كذلك (وقال بعضهم يسجدهما قبل السلام وهو قول أكثر الفقهاء إلخ) قال الحازمي في كتاب الاعتبار وممن رأى السجود كله قبل السلام أبو هريرة ومكحول والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عبد الرحمن والأوزاعي وأهل الشام والليث بن سعد وهو مذهب الشافعي (وقال بعضهم إذا كانت زيادة في الصلاة فبعد السلام وإذا كان نقصانا فقبل السلام وهو قول مالك بن أنس) وهو قول المزني وأبي ثور من الشافعية وزعم ابن عبد البر أنه أولى من قول غيره للجمع بين الخبرين قال هو موافق للنظر لأنه في النقص جبر فينبغي أن يكون من أصل الصلاة وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها وقال ابن دقيق العيد لا شك أن الجمع أولى من الترجيح وادعاء النسخ ويترجح الجمع المذكور بالمناسبة المذكورة وإذا كانت المناسبة ظاهرة وكان الحكم على وقفها كانت علة فيعم الحكم جميع محالها فلا تخصص إلا بنص وتعقب بأن كون السجود في الزيادة ترغيما للشيطان فقط ممنوع بل هو جبر أيضا لما وقع من الخلل فإنه وإن كان زيادة فهو نقص في المعنى وإنما سمي النبي صلى الله عليه وسلم سجود السهو ترغيما للشيطان في حالة الشك كما في حديث أبي سعيد عند مسلم وقال الخطابي لم يرجح من فرق بين الزيادة والنقصان إلى فرق صحيح وأيضا فقصة ذي اليدين وقع السجود فيها بعد السلام وهي عن نقصان كذا في فتح الباري (وقال أحمد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيستعمل) على البناء للمفعول (كل) أي كل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (على جهته) أي على جهة ما روى (يرى إذا قام في الركعتين على حديث ابن بحينة فإنه يسجدها قبل السلام) هذا تفصيل لقوله فيستعمل كل على جهته ويرى بمعنى يعتقد أن يرى الامام أحمد أنه إذا قام الرجل في الرباعية أو الثلاثية في الركعتين سهوا ولم
[ 340 ]
يجلس فإنه يسجد سجدتي السهو قبل السلام كما في حديث عبد الله بن بحينة (وإذا صلى الظهر خمسا فإنه يسجدهما بعد السلام كما في حديث عبد الله بن مسعود الاتي وإذا سلم في الركعتين من الظهر والعصر فإنه يسجدهما بعد السلام) كما في حديث ذي اليدين والمواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أحدها قام من ثنتين على ما جاء في حديث ابن بحينة والثاني سلم في ثنتين كما جاء في حديث ذي اليدين والثالث سلم من ثلاث كما جاء في حديث عمران بن حصين والرابع أنه صلى خمسا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود والخامس السجود على الشك كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري كذا ذكره العيني في شرح البخاري قلت هذا إذا كانت واقعة حديث ذي اليدين غير واقعة حديث عمران بن حصين وأما إذا كانتا واحدة فالمواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة (وكل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر فإن سجدتي السهو فيه قبل السلام) هذا اخر قول الامام أحمد وحاصل قوله أنه يستعمل كل حديث فيما ورد فيه وما لم يرد فيه شئ يسجد قبل السلام وقال لولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لرأيته كله قبل السلام لأنه من شأن الصلاة فيفعله قبل السلام كذا في فتح الباري (وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا كله إلا أنه قال كل سهو ليس فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر إلخ) حرر إسحاق مذهبه من قولي أحمد ومالك قال الحافظ وهو أعدل المذاهب فيما يظهر انتهى وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر ثمانية أقوال في هذه المسألة ما لفظه وأحسن ما يقال في المقام أنه يعمل على ما تقتضيه أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم من السجود قبل السلام وبعده فما كان من أسباب السجود مقيدا بقبل السلام سجد له قبله وما كان مقيدا ببعد السلام سجد له بعده وما لم يرده تقييده بأحدهما كان مخيرا بين السجود قبل السلا وبعده من غير فرق بين الزيادة والنقص لما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا زاد أو نقص فليسجد سجدتين وجميع أسباب السجود لا تكون إلا زيادة أو نقصا أو مجموعهما قال وهذا ينبغي أن يعد مذهبا تاسعا انتهى كلام الشوكاني قلت هذا هو أحسن الأقوال عندي والله تعالى أعلم
[ 341 ]
باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام قوله (عن الحكم) بفتحتين هو ابن عتيبة الفقيه الكوفي (عن إبراهيم) هو ابن يزيد النخعي قوله (صلى الظهر خمسا) أي خمس ركعات (أزيد في الصلاة) بهمزة الاستفهام للاستخبار (فسجد سجدتين بعد ما سلم) أي فسجد سجدتين للسهو بعد السلام الصلاة وفي رواية للبخاري فقيل له أزيد في الصلاة فقال وما ذاك قالوا صليت خمسا فسجد سجدتين بعد ما سلم وفي رواية لمسلم فلما انفتل توشوش القوم فقال ما شأنكم قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة قال لا قالوا فإنك قد صليت خمسا فانفتل فسجد سجدتين والحديث ظاهر فيما ترجم به الترمذي واستدل به على أن من صلى خمسا ساهيا ولم يجلس في الرابعة أن صلاته لا تفسد خلافا للكوفيين وقولهم يحمل على أنه قعد في الرابعة يحتاج إلى دليل بل السياق يرشد إلى خلافه وعلى أن الزيادة في الصلاة على سبيل السهو لا تبطلها وعلى أن من لم يعلم بسهوه إلا بعد السلام للسهو وعلى أن الكلام العمد فيها يصلح به الصلاة لا يفسد كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد الكلام) كذا رواه الأعمش عن إبراهيم هذا الحديث مختصرا وأخرجه مسلم وغيره أيضا هكذا مختصرا من هذا الطريق ولفظ مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد سجدتي السهو بعد السلام والكلام
[ 342 ]
قوله (وفي الباب عن معاوية وعبد الله بن جعفر وأبي هريرة) أما حديث معاوية وهو ابن خديج فأخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما كذا في فتح الباري وأما حديث عبد الله بن جعفر فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وفي إسناده مصعب بن شيبة وهو مختلف فيه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) ونسبه النووي إلى الجمهور حيث قال فيه أي في حديث عبد الله بن مسعود دليل لمذهب مالك والشافعي وأحمد والجمهور من السلف والخلف أن من زاد في صلاته ركعة ناسيا لم تبطل صلاته بل إن علم بعد السلام فقد مضت صلاته صحيحة ويسجد للسهود إن ذكر بعد السلام بقريب وإن طال فالأصح عندنا أنه لا يسجد قال وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنه إذا زاد ركعة ساهيا بطلت صلاته ولزمه إعادتها وقال أبو حنيفة رضي الله عنه إن كان تشهد في الرابعة ثم زاد خامسة أضاف إليها سادسة شفعا وكان نفلا بناء على أصله في أن السلام ليس بواجب ويخرج من الصلاة بكل ما ينافيها وأن الركعة المفردة لا تكون صلاة قال وإن لم يتشهد بطلت صلاته لأن الجلوس بقدر التشهد واجب ولم يأت به حتى أتى بالخامسة وهذا الحديث أي حديث عبد الله بن مسعود يرد كل ما قالوه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع من الخامسة ولم يشفعها وإنما تذكر بعد السلام ففيه رد عليهم وحجة الجمهور انتهى كلام النووي
[ 343 ]
قوله (وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة رحمه الله وحديث الباب حجة عليهم باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو قوله (أخبرني أشعث) هو أشعث بن عبد الملك ثقة فقيه (عن ابن سيرين) هو محمد بن سيرين البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان يرى الرواية بالمعنى قوله (فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم) فيه دليل لمن قال بالتشهد بعد سجدتي السهو وهم الحنفية وغيرهم قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم وسكت عنه أبو داود وذكر المنذري تحسين الترمذي وأقره قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وقول الترمذي حسن غريب ما لفظه وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وضعفه البيهقي وابن عبد البر وغيرهما ووهموا أشعث لمخالفته غيره من الحفاظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضا في هذه القصة قلت لابن سيرين فالتشهد قال لم أسمع في التشهد شيئا وكذا المحفوظ عن خالد الحذاء بهذا الاسناد في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد كما أخرجه مسلم فصارت زيادة أشعث شاذة ولهذا قال ابن المنذر لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت لكن قد ورد في التشهد في سجود السهو عن ابن مسعود عند أبي داود والنسائي وعن المغيرة عند البيهقي وفي إسنادهما ضعف فقد يقال إن الأحاديث الثلاثة في التشهد بإجتماعها يرتقى إلى درجة الحسن قال العلائي وليس ذلك ببعيد وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة انتهى
[ 344 ]
قوله (وروى ابن سيرين عن أبي المهلب وهو عم أبي قلابة غير هذا الحديث) يعني أن ابن سيرين روى غير هذا الحديث المذكور في الباب عن أبي المهلب من غير واسطة خالد الحذاء وأما حديث الباب فرواه بواسطة خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب (وروى محمد) أي ابن سيرين (هذا الحديث) أي المذكور (عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المهلب) قال ابن حبان ما روى ابن سيرين عن خالد غير هذا الحديث ذكره الحافظ في الفتح وقال هو من رواية الأكابر عن الأصاغر انتهى قلت محمد بن سيرين من الطبقة الثالثة وخالد الحذاء من الطبقة الخامسة ولذلك قال الحافظ هو من رواية الأكابر عن الأصاغر (وهو حديث عمران بن حصين أخرجه مسلم ولفظه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر وسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه وخرج غضبان يجر رداءه حتى إنتهى إلى الناس فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم قوله (واختلف أهل العلم في التشهد في سجدتي السهو) أي إذا سجدهما بعد السلام من الصلاة أما قبل السلام فالجمهور على أنه لا يعيد التشهد وحكى ابن عبد البر عن الليث أنه يعيده وعن البويطي عن الشافعي مثله وخطؤه في هذا النقل فإنه لا يعرف وعن عطاء يتخير واختلف فيه عند المالكية وأما من سجد بعد السلام فحكى الترمذي عن أحمد وإسحاق أنه يتشهد وهو قول بعض المالكية والشافعية ونقله أبو حامد الاسفرائني عن القديم لكن وقع في مختصر المزني سمعت الشافعي يقول إذا سجد بعد السلام تشهد أو قبل السلام أجزأه التشهد الأول وتأول بعضهم هذا النص على أنه تفريع على القول القديم وفيه ما لا يخفي كذا في فتح
[ 345 ]
الباري (فقال بعضهم يتشهد فيهما ويسلم) لحديث الباب (وقال بعضهم ليس فيها تشهد وتسليم) أما عدم التشهد فلعدم ذكره في الأحاديث الصحيحة وأما عدم التسليم فليس له وجه فقد ثبت في حديث عمران بن حصين عند مسلم وغيره التسليم في سجدتي السهو ففيه فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم قال الشوكاني فيه دليل على مشروعية التسليم في سجود السهو وقد نقل بعض المتأخرين عن النووي أن الشافعية لا يثبتون التسليم وهو خلاف المشهور عن الشافعية والمعروف في كتبهم وخلاف ما صرح به النووي في شرح مسلم فإنه قال والصحيح في مذهبنا أنه يسلم ولا يتشهد إنتهى باب في من يشك بالزيادة والنقصان قوله (إذا صلى أحدكم فلم يدر كم صلى فليسجد سجدتين) أي فليطرح الشك فليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل التسليم كما في رواية مسلم غيره فأخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم الحديث قوله (وفي الباب عن عثمان وابن مسعود وعائشة وأبي هريرة) أما حديث عثمان فأخرجه أحمد وفيه من صلى فلم يرد أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته قال العراقي ورجاله ثقات إلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن أبي
[ 346 ]
كبشة عن مروان عن عثمان وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الجماعة إلا االترمذي عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال صلى الله عليه وسلم قال إبراهيم زاد أو نقص فلما سلم قيل له يا رسول الله الله حدث في الصلاة شئ الحديث وفيه وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ليسلم ثم ليسجد سجدتين (قبل أن يسلم) وفي لفظه ابن ماجه ومسلم في رواية فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الأوسط كذا في النيل وأخرجه أبو يعلى في مسنده والبيهقي على ما قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرحه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ إن الشيطان يدخل بين ابن ادم وبين نفسه فلا يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم وهو لبقية الجماعة إلا قوله قبل أن يسلم قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قال ابن المنذر حديث أبي سعيد أصح حديث في الباب (وقد روى هذا الحديث عن أبي سعيد من غير هذا الوجه) رواه مسلم في صحيحه بإسناد غير إسناد الترمذي قوله وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شك أحدكم في الواحدة والثنيتين فليجعلهما واحدة إلخ أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبد الرحمن بن عوف وأخرجه المصنف أيضا في هذا الباب وهو حديث معلول كما ستعرف قوله (والعمل على هذا عند أصحابنا) أي العمل عند أصحابنا على ما يدل عليه حديث إذا شك أحدكم في الواحدة والثنتين إلخ من البناء على الأقل قال النووي في شرح مسلم ذهب الشافعي والجمهور إلى أنه إذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا مث لزمه البناء على اليقين وهو الأقل فيأتي عمله بما بقي ويسجد للسهو واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد فليطرح الشك ليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم الخ وهذا صرح في وجوب البناء على اليقين وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين قالوا والتحري هو القصد ومنه قول الله تعالى (تحروا رشدا) فمعنى الحديث فليقصد الصواب فليعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في
[ 347 ]
حديث أبي سعيد وغيره إنتهى قوله (وقال بعض أهل العلم إذا شك في صلاته فلم يدركم صلى فليعد) واستدلوا على ذلك بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدا وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت قال العراقي لم يسمع إسحاق من جده عبادة إنتهى فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل واحتجوا أيضا بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت أفتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى قال ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسوا س يعرض فيسهيه عن صلاته وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري مختلف فيه وهو كبقية في الشاميين يروى عن المجاهيل وفي إسناده أيضا عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما في العراقي كذا في النيل ومذهب الحنفية في هذا الباب أنه إن شك أول مرة أنه كم صلى استأنف وإن كثر تحرى وأخذ ما غلب على ظنه وإن لم يغلب الأقل ووجه الاختلاف في هذه المسألة أنه ورد في هذا الباب أحاديث مختلفة فبعضها يدل على أن من شك ولم يدر أنه كم صلى فإنه يبني على ما إستيقن وفي بعضها يبني على الأقل وبعضها يدل على أنه يتحرى الصواب وبعضها يدل على أنه يعيد الصلاة فالحنفية حملوا ما يدل على الاعادة على من عرض له الشك أول مرة وما يدل على أنه يتحرى الصواب على ما إذا كثر الشك وما يدل على أنه يبني على الأقل على ما لم يتبين له شئ بعد التحري ومن قال با عادة أخذ بالأحاديث التي تدل على الاعادة وقد عرفت أنها لا تصلح للاحتجاج لضعفها والجمهور أخذوا بالأحاديث التي تدل على البناء على ما استيقن وحملوا التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين كما مر في كلام النووي وأقوى المذاهب هو مذهب الجمهور قال الشوكاني في النيل والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب وذلك لأن التحري في اللغة هو طلب ما هو أحرى إلى الصواب وقد أمر به صلى الله عليه وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحري عن نائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن
[ 348 ]
الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدارية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا التحري قد حصلت له الدارية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين هذه الأحاديث وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضائق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدأ والمبتلي والركن والركعة انتهى كلام الشوكاني قوله (فيلبس عليه) بفتح الياء المضارعة وكسر الموحدة أي يخلط عليه ويشوش خاطره قال في النهاية لبست الأمر بالفتح ألبسه إذا خلطت بعضه ببعض ومنه قوله تعالى (ولبسنا عليهم ما يلبسون) وربما شدد للتكثير (فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين) زاد في رواية أبي داود وابن ماجه قبل أن يسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (أخبرنا محمد بن خالد بن عثمة) بفتح العين المهملة وسكون المثلثة يقال إنها أمه وهو بصري صدوق يخطئ من العاشرة قوله سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة إلخ قال أبو الطيب المدني في شرح الترمذي هذا الحديث مفصل للاجمال الوارد في الأحاديث السابقة فعليه التعويل ويجب إرجاع الاجمال إليه والحق أنه لا تفصيل في الشك من كونه أول ما سها وثانيا لأن الحديث مطلق وهو أرفق بالناس والنبي صلى الله عليه وسلم أرسل رحمه
[ 349 ]
ورأفة لهم انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ في التلخيص الحديث معلول لأنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف وقد رواه أحمد في المسند عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرس قال ابن إسحاق فلقيت حسين بن عبد الله فقال لي هل أسنده لك قلت لا فقال لكنه حدثني أن كريبا حدثه به وحسين ضعيف جدا انتهى قوله (وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عوف من غير هذا الوجه رواه الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف إلخ) قال الحافظ في التلخيص ورواه إسحاق بن راهويه والهيثم بن كليب في مسنديهما من طريق الزهري عن عبيد الله عن عبد الله عن ابن عباس مختصرا إذا كان أحدكم في شك من النقصان في صلاته فليصل حتى يكون في شك من الزيادة وفي إسنادهما إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف انتهى باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر والعصر قوله (حدثنا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري (انصرف من اثنتين) أي ركعتين اثنتين من الصلاة الرباعية وكان إحدى صلاتي العشى على ما جاء في لفظ البخاي صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي قال ابن سيرين سماها أبو هريرة ولكن نسيت أنا وفي رواية أيوب عن محمد أكبر ظني أنها الظهر وكذا ذكره البخاري في الأدب وفي الموطأ
[ 350 ]
العصر قاله العيني قلت قد وقع في شرحه المطبوع وكانت إحدى صلاتي العشاء وهو وهم والصواب العشى لا العشاء (فقال له ذو اليدين) قال الحافظ ذهب الأكثر إلى أن اسم ذي اليدين الخرباق بكسر المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة واخره قاف اعتمادا على ما وقع في حديث عمران بن حصين عند مسلم ولفظه فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول وهذا صنيع من يوجد حديث أبي هريرة بحديث عمران وهو الراجح في نظري وإن كان ابن خزيمة ومن تبعه جنحوا إلى التعدد والحامل لهم على ذلك الاختلاف الواقع في السياقين ففي حديث أبي هريرة أن السلام وقع من انثنتين وأنه صلى الله عليه وسلم قام إلى خشبة في المسجد وفي حديث عمران أنه سلم من ثلاث ركعات وأنه دخل منزله لما فرغ من الصلاة فأما الأول فقد حكى العلائي أن بعض شيوخه حمله على أن المراد به أنه سلم في ابتداء الركعة الثالثة واستبعده ولكن طريق الجمع يكتفي فيها بأدنى مناسبة وليس بأبعد من دعوى تعدد القصة فإنه يلزم منه كون ذي اليدين في كل مرة استفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك واستفهم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن صحة قوله وأما الثاني فلعل الراوي لما راه تقدم من مكانه إلى جهلة الخشبة ظن دخل منزله لكون الخشبة كانت في جهة منزله فإن كان كذلك وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة ابن عمر له على سياقه كما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة ولموافقة ذي اليدين نفسه له على سياقه كما أخرجه أبو بكر الأثرم وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند وأبي بكر بن حثمة وغيرهم وقد تقدم في باب تشبيك الأصابع ما يدل على أن محمد بن سيرين راوي الحديث عن أبي هريرة كان يرى التوحيد بينهما وذلك أنه قال في اخر حديث أبي هريرة نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم انتهى كلام الحافظ قوله (أقصرت الصلاة) بهمزة الاستفهام وقصرت بضم القاف وكسر المهملة على البناء للمفعول أي أن الله قصرها وبفتح ثم ضم على البناء للفاعل أي صارت قصيرة قال النووي هذا أكثر وأرجح (أم نسيت يا رسول الله) حصر في الأمرين لأن السبب إما من الله وهو القصر أو من النبي ؤ صلى الله عليه وسلم وهو النسيان (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق ذو اليدين) الهمزة للاستفهام أي أصدق في النقص الذي هو سبب السؤال المأخوذ من مفهوم الاستفهام (فقال الناس نعم) أي صدق (فصلى اثنتين) أي ركعتين (أخريين) بضم الهمزة وسكون الخاء المعجمة ومثناة مفتوحة وأخرى ساكنة تحتيتين (ثم كبر فسجد) أي للسهو (مثل سجوده) السابق في صلاته (أو أطول من سجوده السابق) (ثم كبر
[ 351 ]
فرفع) أي رأسه (ثم سجد) أي مرة ثانية (مثل سجوده أو أطول) فسجد للسهو سجدتين بعد السلام وفي رواية للبخاري من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين فقيل صليت ركعتين فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتين والحديث دليل لمن قال إن من يسلم في الركعتين من الظهر والعصر ناسيا يصلي ركعتين أخريين ثم يسلم ثم يسجد سجدتين للسهو ولا حاجة إلى إعادة الصلاة قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين وابن عمر وذي اليدين) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الجماعة إلا البخاري والترمذي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاثة ركعات ثم دخل منزله وفي لفظ فدخل الحجرة فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يده طول فقال يا رسول الله فذكر له صنيعه فخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال أصدق هذا قالوا نعم فصلى ركعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم في الركعتين فذكر نحو حديث ابن سيرين عن أبي هريرة قال ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن ماجه بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سها فسلم في الركعتين فقال هل رجل يقال له ذو اليدين يارسول الله أقصرت أم نسيت قال ما قصرت ما نسيت قال إذا فصليت ركعتين قال أكما يقول ذو اليدين قالوا نعم فتقدم فصلى ركعتين ثم سلم ثم سجد سجدتي السهو وأما حديث ذي اليدين فأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند ص 77 والبيهقي وفي الباب أيضا عن ابن عباس عند البزارفي مسنده والطبراني وعن عبد الله بن مسعدة عند الطبراني في الأوسط وعن معاوية بن خديج عند أبي داود والنسائي وعن أبي العريان عند الطبراني في الكبير قال ابن عبد البر في التمهيد وقد قيل إن أبا العريان المذكور هو أبو هريرة وقال النووي في الخلاصة إن ذا اليدين يكنى بالعريان قال العراقي كلا القولين غير صحيح وأبو العريان صحابي اخر لا يعرف اسمه ذكره الطبراني فيهم في الكنى وكذلك أورده أبو موسى المديني في ذيله على ابن مندة في الصحابة قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قال في التلخيص لهذا الحديث طرق كثيرة وألفاظ وقد جمع جميع طرقه الحافظ صلاح الدين العلائي وتكلم عليه كلاما شافيا انتهى
[ 352 ]
قوله (واختلف أهل العلم في هذا الحديث فقال بعض أهل الكوفة إذا تكلم في الصلاة ناسيا أو جاه أو ما كان فإنه يعيد الصلاة واعتلوا بأن هذا الحديث كان قبل التحريم الكلام في الصلاة) قال صاحب ب اثار السنن ما محصله إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان حاضرا في حادثة ذي اليدين فقد وقع في رواية الشيخين وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه إلخ فحضوره في تلك الحادثة يدل على أنها كانت حين كان الكلام مباحا في الصلاة لأن عمر بن الخطاب قد حدث به تلك الحادثة بعد النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته وفعل فيها بخلاف ما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذي اليدين أخرج الطحاوي في معاني الاثار بإسناده عن عطاء قال صفلى عمر بن الخطاب بأصحابه فسلم في الركعتين ثم انصرف فقيل له في ذلك فقال إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة فصلى بهم أربع ركعات قاله هذا مرسل جيد قلت ليس هذا مرسلا جيدا بل هو من أضعف المراسيل قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عطاء قال أحمد ليس في المرسل أضعف من مرسل الحسن والعطاء يأخذان عن كل أحد انتهى فمرسل عطاء هذا لا يصح للأستدلال على أن قصة ذي اليدين كانت حين كان الكلام مباحا على أنه يحتمل أن عمر رضي الله عنه كان إذ ذاك قد ذهل عن قصة ذي اليدين كما كان قد ذهل عن قصة التميم ولم يتذكر بتذكير عمار مع أنه حضر معه تلك القصة وأيضا يحتمل أن عمر رضي الله عنه كان يرى أن من حدث به هذه الحادثة فله أن يستأنف الصلاة وله أن يبني ولم ير ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واجبا فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ثم الظاهر أن عمر إنما أعاد الصلاة لأنه تكلم بعد الانصراف من الركعتين بكلام لم يكن مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين حيث قال إني جهزت عيرا من العراق بأحمالها وأقتابها حتى وردت المدينة فتفكر قال النيموي أحاديث أبي هريرة من مراسيل الصحابة فإنه لم يحضر قصة ذي اليدين لأن ذا اليدين قتل ببدر وكان إسلام أبي هريرة بعده عام خيبر سنة سبع من الهجرة قلت القول بأن أبا هريرة لم يحضر قصته ذي اليدين باطل قطعا فإنه قد ثبث ت حضوره قصة ذي اليدين بأحاديث صحيحة صريحة ففي رواية الشيخين وغيرهما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم وغيره صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم وأحمد وغيرهما بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 353 ]
وأما الاستدلال على عدم حضور أبي هريرة قصة ذي اليدين بأن ذاليدين قتل ببدر وكان إسلام أبي هريرة بعده ففاسد فإن المقتول ببدر هو ذو الشمالين لا ذو اليدين قال الحافظ بن عبد البر في الاستذكار وهو (أي ذو اليدين) غير ذي الشماين المقتول ببدر بدليل ما في حديث أبي هريرة ومن ذكرها معه من حضورهم تلك الصلاة ممن كان إسلامه بعد بدر وقول أبي هريرة في حديث ذي اليدين صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا وبينا نحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محفوظ من نقل الحافظ وأما قول ابن شهاب الزهري إنه ذو الشمالين فلم يتابع عليه أحد وحمله الزهري على أنه المقتول يوم بدر وغلط فيه والغلط لا يسلم منه أحد إنتهى وقال صاحب التعليق الممجد قال بعضهم إن أبا هريرة لم يحضرها وإنما رواها مرس بدليل أن ذا الشمالين قتل يوم بدر وهو صاحب القصة ورده بأن رواية مسلم وغيره صريحة في حضور أبي هريرة تلك القصة والمقتول ببدر هو ذو الشمالين وصاحب القصة هو ذو اليدين وهو غيره انتهى وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري قوله صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهر في أنا أبا هريرة حضر القصة وحمله الطحاوي على المجاز فقال إن المراد به صلى بالمسلمين ويدفع المجاز الذي ارتكبه الطحاوي ما رواه أحمد ومسلم وغيرهما من طريق يحيى بن كثير عن أبي سلمة في هذا الحديث عن أبي هريرة بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقال البيهقي في المعرفة بأن هذا ترك الظاهر على أنه رواه يحيى بن كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجز في هذا القول معناه صلى بالمسلمين إنتهى قلت رواية مسلم وأحمد بلفظ بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نص صريح في حضور أبي هريرة قصة ذي اليدين وليس عند من ادعى عدم حضوره عن هذه القصة الرواية الصحيحة الصريحة جواب شاف وقد اعترف به صاحب البحر من الحنفية وقد اعترف به صاحب العرف الشذي أيضا حيث قال ولكن الطحاوي لم يجب عما في طريق في مسلم عن أبي هريرة بينا أنا أصلي إلخ وقال صاحب البحر لم أجد جوابا شافيا عن هذه وقال ابن عابدين ما قال وتعجب من عدم جواب البحر أقول إن ابن عابدين غفل عما فمسلم فإن الرواية ههنا أنا أصلي رواها مسلم ص 412 وأما أنا فلم أجد شافيا أيضا إنتهى كلام صاحب العرف الشذي بلفظه تنبيه إعلم أن الحنفية لما عجزوا عن جواب رواية مسلم بلفظ بينا أنا أصلي مع رسول الله
[ 354 ]
صلى الله عليه وسلم اعترف بعضهم بعدم وجدان الجواب الشافي عنها وسعى بعضهم في إثبات الوهم فيها من الراوي فقال صاحب العرف الشذي بعد قوله وأما أنا فلم أجد جوابا شافيا أيضا ما لفظه إلا أن يحكم بأنه وهم الراوي فإنه لما رأى بينا نحن نصلي زعم كون أبي هريرة في الواقعة وأما وجه الوهم فلعله وهم من شيبان فإنه اختلط عليه حديثان فإنه روى حديث معاوية بن الحكم السلمي كما في مسلم ص 302 حديث العطاس وفيه بينا أنا أصلي إذ عطس رجل وأخذ هذا اللفظ من هذا الحديث ووضعه بسبب الاختلاط في حديث ذي اليدين عن أبي هريرة في مسلم ص 412 إنتهى كلامه قلت قوله (فإنه روى حديث معاوية بن الحكم السلمي كما في مسلم) حديث العطاس وهم صريح فإن شيبان لم يرو حديث معاوية بن الحكم السلمي حديث العطاس فإن سنده في مسلم ص 312 هكذا حدثنا أبو جعفر محمد بن الصباح وأبو بكر بن أبي شيبة وتقاربا في لفظ الحديث قالا أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن حجاج الصواف عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمون عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل الخ فقوله (وأخذ هذا اللفظ من هذا الحديث إلخ) بناء الباطل على الباطل والعجب من صاحب العرف الشذي كيف ارتكب الأمر القبيح ثبات وهم الراوي في رواية مسلم الصحيحة تنبيه اخر قال النيموي قوله بينما أنا أصلي ليس بمحفوظ ولعل بعض رواة الحديث فهم من قول أبي هريرة صلى بنا أنه كان حاضرا فروى هذا الحديث بالمعنى على ما زعمه وقد أخرجه مسلم من خمس طرق فلفظه في طريقين صلى بنا وفي طريق صلى لنا وفي طريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين وفي طريق بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرد به يحيى بن أبي كثير وخالفه غير واحد من أصحاب أبي سلمة وأبي هريرة فكيف يقبل أن أبا هريرة قال في هذا الخبر بينما أنا أصلي إنتهى قلت يحيى بن أبي كثير ثقة ثبت متقن قال الحافظ في مقدمة الفتح أحد الأئمة الثقات الأثبات قال شعبة حديثه أحسن من حديث الزهري وقال في تهذيب التهذيب وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه يحيى من أثبت الناس إنما يعد مع الزهري ويحيى بن سعيد وإذا خالفه الزهري فالقول قول يحيى انتهى فكيف لا يقبل ما تفرد به مثل هذا الثقة الثبت الذي هو من أثبت الناس وإذا خالفه الزهري فالقول قوله فقول النيموي قوله بينما أنا أصلي غير محفوظ مردود عليه
[ 355 ]
والحاصل أن رواية مسلم وأحمد بلفظ بينما أنا أصلي صحيحة محفوظة وهي نص صريح في شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين وليس لمن أنكر ذلك جواب شاف عن هذه الرواية واعلم أن الحنفية قد استدلوا على عدم شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين بثلاثة وجوه ذكرها النيموي في اثار السنن وكلها مخدوشة واهية فلنا أن نذكرها ههنا مع بيان ما فيها من الخدشة فقال النيموي واستدل على ذلك بثلاثة وجوه أحدها أن ابن عمر نص بأن إسلام أبي هريرة كان بعد ما قتل ذو اليدين أخرجه الطحاوي في معاني الاثار فذكر بإسناده عن عبد الله العمري عن نافع عن ابن عمر أنه ذكر له حديث ذي اليدين فقال كان إسلام أبي هريرة بعد ما قتل ذو اليدين انتهى قلت هذه الرواية ضعيفة منكرة مخالفة لروايات الصحيحين وغيرهما تفرد بها عبد الله العمري وهو ضعيف قال الحافظ في التقريب ضعيف عابد وقال في تهذيب التهذيب قال الترمذي في العلل الكبير عن البخاري ذاهب لا أروي عنه شيئا وقال البخاري في التاريخ كان يحيى بن سعيد يضعفه انتهى وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ ل ثار فلما فحش استحق الترك انتهى فا ستدلال بهذه الرواية الضعيفة المنكرة على عدم شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين ليس بشئ قال النيموي في تصحيح هذه الرواية الضعيفة المنكرة ما لفظه رجاله كلهم ثقات إلا العمري فاختلف فيه قواه غير واحد من الأئمة وضعفه النسائي وابن حبان وغيرها من المتشددين وتبعهم الحافظ في التقريب وقال ضعيف وأعرض عن أعدل ما وصف به خلافا لما وعده في ديباجته وأحسن شئ ما قاله الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ انتهى قلت لو سلم أن أحسن شئ هو ما قاله الذهبي فلا شك أن العمري في حفظه شئ وحديثه هذا مخالف لأحاديث الصحيحين التي تدل على شهود أبي هريرة قصة ذي اليدين فهو منكر غير مقبول وليعلم أن النيموي جعل ابن حبان ههنا من المتشددين فإنه ضعف العمري وجعله في بحث القراءة خلف الامام من المتساهلين فإنه وثق نافع بن محمود أحرواة حديث القراءة خلف الامام حيث قال وأما ابن حبان فهو من المتساهلين انتهى
[ 356 ]
ثم ليعلم أن من عادة النيموي أنه إذا اختلف أقوال أئمة الحديث في راو ويكون القول الذي ذكره الحافظ في التقريب مفيدا له يذكره ثم يقول هذا أعدل الأقوال فيه لما وعد الحافظ في ديباجة التقريب من أنه يحكم على كل راو بأعدل ما وصف به وأما إذا لا يكون قوله مفيدا له فيذكره ثم يقول أعرض الحافظ عن أعدل ما وصف به خلافا لما وعد في ديباجته فاعتبروا يا أولي الأبصار ثم ذكر النيموي الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة فقال وثانيهما أن ذا اليدين هو ذو الشمالين واستدل على ذلك بوجوه منها ما رواه الزهري في حديث أبي هريرة ذا الشمالين مكان ذا اليدين أخرجه النسائي وغيره ومنها ما رواه البزار والطبراني في الكبير عن ابن عباس قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ثم سلم فقال له ذو الشمالين أنقصت الصلاة يا رسول الله قال كذلك يا ذا اليدين قال نعم فركع ركعة وسجد سجدتين ثم ذكر النيموي أقوال بعض أهل العلم كابن سعد وغيره ثم قال فثبت بهذه الأقوال أن ذااليدين وذا الشمالين واحد وقد اتفق أهل الحديث والسير أن ذا الشمالين استشهد ببدر انتهى كلام النيموي قلت استشهاد ذي الشمالين ببدر مسلم وأما أن ذا اليدين هو ذو الشمالين الذي قتل ببدر فهو غير مسلم بل الحق والصواب أن ذااليدين غير ذي الشمالين قال الحافظ بن حجر في الفتح وقد اتفق معظم أهل الحديث ث من المصنفين وغيرهم على أن ذا الشمالين غير ذي اليدين ونص على ذلك الشافعي في اختلاف الحديث انتهى وقال الحافظ بعد ورقة وقد تقدم أن الصواب التفرقة بين ذي اليدين وذي الشمالين انتهى وأما رواية الزهري بلفظ ذي الشمالين مكان ذي اليدين وكذا بعض الروايات الأخرى التي وقع فيها لفظ ذي الشمالين مكان ذي اليدين فهي مخالفة لعامة الروايات الصحيحة فلا اعتداد بها قال البيهقي في المعرفة وهم الزهري في قوله ذو الشمالين وإنما هو ذو اليدين وذو الشمالين تقدم موته في من قتل ببدر وذو اليدين بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقال انتهى وقال في موضع اخر وذو الشمالين استشهد يوم بدر هكذا ذكره عروة بن الزبير وسائر أهل العلم بالمغازي انتهى وقال إن أبا هريرة شهد قصة ذي اليدين في الصلاة وحضرها كما ورد في الصحيحين عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لفظ بينما نحن نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشى قال وقد أجمعوا على أن إسلام أبي هريرة كان عام خيبر سنة سبع بعد بدر بخمس سنين انتهى وقال السهيلي في الروض الأنف روى الزهري حديث التسليم من الركعتين وقال فيه فقام ذو الشمالين رجل من بني زهرة لم يروه أحد هكذا إلا الزهري وهو غلط عند أهل الحديث وإنما هو
[ 357 ]
ذو اليدين السلمي واسمه خرباق وذو الشمالين قتل ببدر والحديث شهده أبو هريرة وكان إسلامه بعد بدر بسنين ومات ذو اليدين السلمي في خلافة معاوية انتهى كذا نقل الزيلعي وقول البيهقي والسهيلي في نصب الراية ونقل عن خلاصة النووي ما لفظه وذو اليدين اسمه خرباق وكنيته أبو العريان وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم وأما ذو الشمالين فهو عمير بن عمرو الخزاعي قتل يوم بدر شهيدا وهو غير المتكلم في حديث السهو هذا قول جميع الحفاظ إلا الزهري وقد اتفقوا على تغليط الزهري في ذلك انتهى وقد بسطنا الكلام في هذا الباب في كتابنا أبكار المنن فعليك أن تطالعه باب ما جاء في الصلاة في النعال بكسر النون جمع نعل وهي معروفة قوله (عن سعيد بن يزيد أبي سلمة الأزدي ثم الطالحي البصري القصير ثقة روى عن أنس
[ 358 ]
وأبي نضرة والحسن البصري وغيرهم وعنه شعبة وابن علية وغيرهما) قوله (يصلي في نعليه) قال ابن بطال هو محمول على ما إذا لم يكن فيهما نجاسة ثم هي من الرخص كما قال ابن دقيق العيد لا من المستحبات لأن ذلك لايدخل في المعنى المطلوب من الصلاة وهو وإن كان من ملابس الزينة إلا أن ملامسته الأرض التي تكثر فيها النجاسات قد تقصر عن هذه الرتبة وإذا تعارضت مراعاة مصلحة التحسين ومراعاة إزالة النجاسة قدمت الثانية لأنها من باب دفع المفاسد والأخرى من باب جلب المصالح قال إلا أن يرد دليل بالحاقه بما يتجمل به فيرجع إليه ويترك هذا النظر انتهى قال الحافظ ابن حجر قد روى أبو داود والحاكم من حديث شداد ابن أوس مرفوعا خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم فيكون استحباب ذلك من جهة قصد المخالفة المذكورة قال وورد في كون الصلاة في النعال من الزينة المأمور بأخذها في الاية حديث ضعيف جدا وردها ابن عدي في الكامل وابن مردويه في تفسيره والعقيلي من حديث أنس انتهى قوله (وفي البا الباب عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن أبي حبيبة وعبد الله بن عمرو وعمرو ابن حريث وشداد بن أوس وأوس الثقفي وأبي هريرة وعطاء رجل من بني شيبة) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه ابن ماجه وله حديث اخر عند الطبراني في إسناده علي بن عاصم تكلم فيه وله حديث ثالث عند البزار وفي إسناده أبو حمزة الأعور وهو غير محتج به وأما حديث عبد الله بن أبي حبيبة فأخرجه أحمد والبزار والطبراني وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود وابن ماجه وأما حديث عمرو بن حريث فأخرجه المؤلف في الشمائل والنسائي وأما حديث شداد بن أوس فأخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وتقدم لفظه قال الشوكاني لا مطعن في إسناده وأما حديث أوس الثقفي فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود وله حديث اخر عند أحمد والبيهقي وأما حديث عطاء فأخرجه ابن مندة في معرفة الصحابة والطبراني وابن قافع
[ 359 ]
قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري ومسلم والعمل على هذا عند أهل العلم يعني يجوزون الصلاة في النعال إذا كانت طاهرة سواء كانت النعال جديدة أو سواء كانت الصلاة في المسجد أو في غيره وقد استدل الطحاوي في شرح الاثار بجواز دخول المسجد بالنعال ويجوز الصلاة فيها على جواز المشي بها بين القبور حيث قال قد جاءت الاثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قد ذكرنا عنه من صلاته في نعليه ومن إباحته الناس في النعال ثم ذكر أحاديث الصلاة في النعال ثم قال فلما كان دخول المساجد بالنعال غير مكروه وكانت الصلاة بها أيضا غير مكروهة كان المشي بها بين القبور أحرى أن لا يكون مكروها وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد انتهى مختصر باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر قال الحازمي في كتاب الاعتبار اتفق أهل العلم على ترك القنوت من غير سبب في أربع صلوات وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال واختلف الناس في القنوت في صلاة الصبح فذهب أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار على إثبات القنوت فيها قال فممن روينا ذلك عنه من الصحابة الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومن الصحابة عمار بن ياسر وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عباس وأبو هريرة والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو حليمة معاذ بن الحارث الأنصاري وخفاف بن إيماء بن رحضة وأهبان بن صيفي وسهل بن سعد الساعدي وعرفجة بن شريح الأشجعي ومعاوية بن أبي سفيان وعائشة الصديقة ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن بن الحسن ومحمد بن سيرين وأبان بن عثمان وقتادة وطاووس وعبيد بن عمير والربيع بن خيثم وأيوب السختياني وعبيدة السلماني وعروة بن الزبير وزياد بن عثمان وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمر بن عبد العزيز وحميد الطويل ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق وأبو بكر بن محمد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه وعن الثوري روايتان وغير هؤلاء خلق كثير
[ 360 ]
وخالفهم في ذلك نفر من أهل العلم ومنعوا من شرعية القنوت في الصبح وزعم نفر منهم أنه كان مشروعا ثم نسخ انتهى كلام الحازمي قوله (كان يقنت في صلاة الصبح والمغرب) قال الحافظ ابن حجر وغيره أي في أول الأمر انتهى قال الشوكاني في النيل واحتج بهذا الحديث من أثبت القنوت في الصبح ويجاب بأنه لا نزاع في وقع القنوت في الصبح ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وسلم إنما النزاع في استمرار مشروعيته فإن قالوا لفظ كان يفعل يدل على استمرار المشروعية قلنا إن النووي قد حكى عن جمهور المحققين أنها لا تدل على ذلك سلمنا فغاية مجرد الاستمرار وهو لا ينافي الترك اخرا كما صرحت به الأدلة الأخرى على أن هذا الحديث فيه أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا عن الفجر وأيضا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت في الركعة الاخرة من صلاة الظهر والعشاء الاخرة وصلاة الصبح فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ههنا فهو جوابنا قالوا أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارقنا الدنيا وأول الحديث في الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعا للبراع ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي قال فيه عبد الله بن أحمد ليس بالقوي وقال علي بن المديني يخلط وقال أبو زرعة يهم كثيرا وقال عمرو بن علي الفارسي صدوق سئ الحفظ وقال ابن معين ثقة لكنه يخطئ وقال الدوري ثقة لكنه يغلط وحكى الساجي أنه قال صدوق ليس بالمتقن وقد وثقه غير واحد ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن عبيد وليس بحجة قال الحافظ ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قلنا لأنس إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت فيها الفجر قال كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة انتهى إذا تقرر لك هذا علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص
[ 361 ]
من حديث أنس عند ابن خزيمة وقد تقدم ومن حديث أبي هريرة عند ابن حبان بلفظ كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد وأصله في البخاري انتهى كلام الشوكاني قوله (وفي الباب عن علي وأنس وأبي هريرة وابن عباس وخفاف) بضم الخاء المعجمة وفاءين (ابن إيماء) بكسر الهمزة ومثناة من تحت ممدود مصروف وفيه أيضا فتح الهمزة مع القصر (بن رحضة) بفتح الراء والحاء المهملة والضاد المعجمة له ولأبيه صحبة كذا في قوت الغتذي أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه البخاري بلفظ قال كان القنوط في المغرب والفجر وله أحاديث أخرى في القنوت في الصحيحين وغيرهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الركعة الاخرة من صلاة الظهر والعشاء الاخرة وصلاة الصبح بعد ما يقول سمع الله لمن حمده فيدعو للمؤمنين يلعن الكفار وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود بلفظ قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح في دبر كلا صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الاخرة يدعو عليهم على حي من بني سليم على رعل وذكوان وعصية ويؤمن من خلفه وأما حديث خفاف فأخرجه مسلم قوله (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم القنوت في صلاة الفجر وهو قول الشافعي وحكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين كما تقدم وقال النووي في شرح المهذب القنوت في الصبح مذهبنا وبه قال أكثر السلف ومن بعدهم وقد عرفت متمسكاتهم وما فيها
[ 362 ]
باب ما جاء في ترك القنوت قوله (عن أبي مالك الأشجعي) اسمه سعد بن طارق بن أشيم على وزن الأحمر (قال) أي أبو مالك الأشجعي (قلت لأبي) أي طارق بن أشيم بن مسعود الأشجعي قال مسلم لم يرو عنه غير أبنه (وأبي بكر وعمر وعثمان) أي بالمدينة (وعلي بن أبي طالب ههنا بالكوفة) أي صليت خلف علي ههنا بالكوفة فهما ظرفان متعلقان بصليت خلف على المحذوف كذا في شرح أبي الطيب المدني (نحوا من خمس سنين) هذا أيضا متعلق بصليت خلف على المحذوف (أكانوا يقنتون) وفي رواية ابن ماجه أكانوا يقنتون في الفجر (أي بنى محدث) وفي رواية النسائي صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقنت وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت وصليت خلف عمر فلم يقنت وصليت خلف عثمان فلم يقنت وصليت خلف علي فلم يقنت ثم قال يا بني إنها بدعة والحديث يدل على عدم مشروعية القنوت وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم كما حكاه المصنف واختلف النافون لمشروعية هي يشرع في النوازل أم لا وقد تقدم أن القول الراجح هو أن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه قال الحافظ في التلخيص إسناده حسن وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في النيل وكلها ضعاف قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم إلخ) وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي
[ 363 ]
وابن عباس وقال قد صح عنهم القنوت وإذا تعارض الاثبات والنفي قدم المثبت وحكاه عن أربعة من التابعين وعن أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق (وأبو مالك الأشجعي اسمه سعد ابن طارق بن أشيم) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح التحتانية الأشجعي الكوفي ثقة من الرابعة باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة قوله (أخبرنا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع الزرقي) الأنصاري إمام مسجد بني زريق صدوق من الثامنة (عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع الأنصاري الزرقي المدين صدوق من الرابعة عن أبيه) أي رفاعة بن رافع الأنصاري هو من أهل بدر مات في أول خلافه معاوية (صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال السيوطي زاد الطبراني في المغرب انتهى وهذه الزيادة إن ثبتت ترد على التأويل الذي نقله المصنف عن بعض أهل العلم أنه في التطوع على أن المعتاد في الصلاة جماعة هو الفرض لا النفل (مباركا فيه مباركا عليه) قال الحافظ يحتمل أن يكون قوله مباركا عليه تأكيدا هو الظاهر وقيل الأول بمعنى الزيادة والثاني بمعنى البقاء (كما يحب ربنا
[ 364 ]
ويرضى) فيه من حسن التفويض إلى الله تعالى ما هو الغاية في القصد (بضع وثلاثون) البضع ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس أو مابين الواحد إلى الأربعة أو من أربع إلى تسع أو سبع كذا في القاموس وفيه رد على من زعم أن البضع يختص بما دون العشرين (أيهم يصعد بها) أيهم مبتدأ ويصعد خبره وفي رواية البخاري أيهم يكتبها أول والحديث استدل به على أن العاطس في الصلاة يحمد الله بغير كراهة وعلى جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان مخالف للمأثور وعلى جواز رفع الصوت بالذكر ما لم يشوش على من معه قاله الحافظ قوله (وفي الباب عن أنس ووائل ابن حجر وعامر بن ربيعة) أما حديث أنس فأخرجه مسلم وأما حديث وائل بن حجر فلينظر من أخرجه وأما حديث عامر بن ربيعة فأخرجه أبو داود قوله (حديث رفاعة حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وأخرجه البخاري أيضا ولفظه عن رفاعة بن رافع الزرقي قال كنا نصلي يوما وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده فقال رجل من ورائه ربنا ولك الحمد كثيرا طيبا مباركا فيه فلما أنصرف قال من المتكلم قال أنا قال رأيت بضعا وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يتكبها أول ولم يذكر العطاس ولا زاد كما يحب ربنا ويرضى وزاد أن ذلك عند الرفع من الركوع فيجمع بين الروايتين بأن الرجل المبهم في رواية البخاري هو رفاعة كما في حديث الباب ولا مانع أن يكنى عن نفسه إما لقصد إخفاء عمله أو لنحو ذلك ويجمع بأن عطاسه وقع عند رفع رأسه قوله (وكان هذا الحديث عند بعض أهل العلم أنه في التطوع) قال في الفتح وأفاد بشر بن عمر الزاهراني في روايته عن رفاعة بن يحيى أن تلك الصلاة كانت المغرب انتهى فهذه الرواية ترد على من حمل هذا الحديث على التطوع (قالوا إذا عطس الرجل في الصلاة المكتوبة إنما يحمد الله في نفسه ولم يوسعوا بأكثر من ذلك) قال القاري في المرقاة قال ابن الملك يدل الحديث على جواز الحمد للعاطس في الصلاة يعني على الصحيح المعتمد بخلاف رواية البطلان
[ 365 ]
فإنها شاذة لكن الأولى أن يحمد في نفسه أو يسكت خروجا من الخلاف على ما في شرح المنية انتهى قلت لو كان سكت القاري عن قوله أو يسكت لكان خيرا له فإن حديث الباب يدل على جواز الحمل للعاطس بلا مرية باب في نسخ الكلام في الصلاة قوله (عن الحارث بن شبيل) بالمعجمة والموحدة مصغر العجلي أبي الطفيل ثقة من الخامسة قوله (يكلم الرجل منا صاحبه إلى جنبه) تفسير لقوله كنا نتكلم زاد البخاري بحاجته قال الحافظ والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شئ وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه (حتى زلت وقوموا لله قانتين) أي ساكتين قوله (وفي الباب عن ابن مسعود ومعاوية بن الحكم) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الشيخان بلفظ قال كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا فقلنا يا رسول الله كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا فقال إن الصلاة لشغ وأما حديث معاوية بن الحكم فأخرجه مسلم بلفظ قال بينا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني لكن سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني قال إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القران الحديث
[ 366 ]
قوله (حديث زيد بن أرقم حديث حسن صحيح) أخرجه الترمذي من وجه اخر قوله (وهو قول الثوري وابن المبار ك) وهو قول الحنفية (وقال بعضهم إذا تكلم عامدا في الصلاة أعاد الصلاة وإن كان ناسيا أو جاه أجزأه وبه يقول الشافعي) وهو مذهب الجمهور قال الحافظ في الفتح أجمعوا على أن الكلام في الصلاة من عالم بالتحريم عامدا لغير مصلحتها أو إنقاذ مسلم مبطل لها وأختلفوا في الساهي والجاهل فلا يبطلها القليل منه عند الجمهور وأبطلها الحنفية انتهى وقال العيني في عمدة القاري أجمع العلماء على أن الكلام في الصلاة عامدا عالما بتحريمه لغير مصلحتها أو لغير إنقاذ هالك أو شبهة مبطل للصلاة عامدا عالما حنيفة والشافعي ومالك وأحمد تبطل الصلاة وجوزه الأوزاعي وبعض أصحاب مالك وطائفة قليلة وأما الناسي فلا تبطل صلاته بالكلام عند الشافعي وبه قال مالك وأحمد والجمهور وعند أصحابنا تبطل وقال النووي دليلنا حديث ذي اليدين وأجاب بعض أصحابنا إن حديث قصة ذي اليدين منسوخ بحديث ابن مسعود وزيد بن أرقم لأن ذا اليدين قتل يوم بدر كذا روي عن الزهري وأن قصته في الصلاة كانت قبل بدر ولا يمنع من هذا كون أبي هريرة رواه وهو متأخر الاسلام عن بدر لأن الصحابي قد يروي ما لا يحضره بأن يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من صحابي أخر انتهى كلام العيني قلت هذا الجواب الذي نقله العيني عن بعض أصحابه قد رده صاحب البحر الرائق حيث قال هذا غير صحيح لما في صحيح مسلم عنه أي عن أبي هريرة بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الواقعة وهو صريح في حضوره فحديث أبي هريرة حجة للجمهور فإن كلام الناسي ومن يظن أنه ليس فيها لا يفسدها ولم أر عنه جوابا شافيا انتهى قلت الأمر كما قال صاحب البحر الرائق لا شك في حضور أبي هريرة في واقعة ذي اليدين
[ 367 ]
فإنه قد ثبت ذلك بأحاديث صحيحة صريحة ففي رواية الشيخين صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم وغيره صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية لمسلم وأحمد وغيرهما بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تقدم الكلام في هذا مبسوطا في باب ما جاء يسلم الرجل في الركعتين من الظهر والعصر فتذكر باب ما جاء في الصلاة عند التوبة قوله (عن عثمان بن المغيرة) الثقفي مولاهم الكوفي الأعشى وهو عثمان بن أبي زرعة ثقة من السادسة روي عن زيد بن وهب وأبي عبد الرحمن السلمي وعلي بن ربيعة وعنه مسعر وشعبة والثوري وثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي (عن علي بن ربيعة) بن نضلة الوالبي بكسر اللام وموحدة الكوفي أبي المغيرة ثقة من كبار الثلاثة (عن أسماء بن الحكم الفزاري) الكوفي عن علي فرد حديث وعنه علي بن ربيعة وثقه العجلي ذكره الخزرجي وقال الحافظ في التقريب صدوق من الثالثة قال العراقي ليس له في الكتاب إلا هذا الحديث ولا أعلم روى عنه إلا علي بن ربيعة قال البخاري لم يرو عنه إلا هذا الحديث ث وحديث اخر لم يتابع عليه انتهى قوله (فإذا حلف لي صدقته) ظاهره أنه كان لا يصدقه بلا حلف وهذا مخالف لما علم من قبول خبر الواحد العدل بلا حلف فالظاهر أن مراده بذلك زيادة التوثيق بالخبر والأطمئنان به إذا الحاصل بخبر الواحد الظن وهو مما يقبل الضعف والشدة ومعنى صدقته أي على وجه الكمال وإن كان القبول الموجب للعمل حاص بدونه كذا في شرح أبي الطيب المدني (وصدق أبو بكر) أي علمت صدقه في ذلك على وجه الكلام بلا حلف وقال ابن حجر بين بها علي رضي الله عنه جلالة أبي بكر رضي الله عنه ومبالغته في الصدق حتى سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقا وقال القاري في المرقاة وفيه وجه اخر وهو أن الصديق رضي الله عنه كان ملتزما أن لا يروى إلا إذا كان محفوظه بالمبنى دون المروي بالمعنى بخلاف أكثر الصحابة ولذا قلت روايته كأبي حنيفة تبعا له في هذه الخصوصية فهذا وجه لقوله وصدق أبو بكر انتهى كلام القاري
[ 368 ]
قلت قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال محمد بن سعد العوفي سمعت ابن معين يقول كان أبو حنيفة ثقة لا يحد يحدث بالحديث إلا بما يحفظه ولا يحدث بما لا يحفظ انتهى (يقول ما من رجل) أي أو امرأة ومن زائدة لزيادة إفادة الاستغراق (يذنب ذنبا) أي ذنب كان (ثم يقوم) قال الطيبي ثم المتراخي في الرتبة وإلا ظهر أنه للتراخي الزماني يعني ولو تأخر القيام بالتوبة عن مباشرة المعصية لأن التعقيب ليس بشرط فا تيان بثم للرجاء والمعنى ثم يستيقظ من نوم الغفلة كقوله تعالى أن تقوموا لله (فيتطهر) أي فيتوضأ كما في رواية ابن السني (ثم يصلي) أي ركعتين كما في رواية ابن السني وابن حبان والبيهقي (ثم يستغفر الله) أي لذلك الذنب كما في رواية ابن السني والمراد بالاستغفار التوبة بالندامة وا قلاع والعزم على أن لا يعود إليه أبدا وأن يتدارك الحقوق إن كانت هناك وثم في الموضعين لمجرد العطف التعقبي (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم استشهاد واعتضادا أو قرأ أبو بكر تصديقا وتوفيقا والذين إذا فعلوا فاحشة أي ذنبا قبيحا كالزنا أو ظلموا أنفسهم أي بما دونه كالقبلة قال الطيبي أي أي ذنب كنا مما يؤاخذون به انتهى فيكون تعميما بعد تخصيص ذكروا الله أي ذكروا عقابه قاله الطيبي (إلى اخر الاية) تمام الاية فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي الدرداء وأنس وأبي أمامة ومعاذ وواثلة وأبي اليسر) بفتح التحتانية والسين المهملة (اسمه كعب بن عمرو) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الطبراني وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه أيضا الطبراني وأما حديث أنس فأخرجه البيهقي في شعب الايمان وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني وأما حديث معاذ وواثلة وأبي اليسر فلم أقف عليه وفي الباب أيضا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا بلالا فقال يا بلال بم سبقتني إلى الجنة إني دخلت البارحة فسمعت خشخشتك أمامي فقال يا رسول الله ما أذنبت قط إلا صليت ركعتين وما أصابني حدث قط إلا توضأت عندها وصليت ركعتين رواه ابن خزيمة في صحيحه وفي رواية ما أذنبت كذا في الترغيب للمنذري وعن
[ 369 ]
الحسن رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أذنب عبد ذنبا ثم توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى براز من الأرض فصلى فيه ركعتين واستغفر الله من ذلك الذنب إلا غفره الله له رواه البيهقي مرسلا البراز بكسر الباء بعدها راء ثم ألف ثم زاي هو الأرض الفضاء كذا في الترغيب للمنذري قوله (حديث على حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والبيهقي وقالا ثم يصلي ركعتين وذكره ابن خزيمة في صحيحه بغير إسناد وذكر فيهم الركعتين كذا في الترغيب للمنذري باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة قوله (أخبرنا حرملة بن عبد العزيز بن الربيع بن سبرة) بفتح السين المهملة وسكون الموحدة (الجهني) أبو معبد لا بأس به قاله الحافظ روى عن أبيه وعنه الحميدي وثقه ابن حبان (عن عمه عبد الملك بن الربيع بن سبرة) وثقه العجلي قال الحافظ في التقريب وقال الذهبي ضعفه ابن معين وقال ابن القطان وإن أخرج له مسلم فغير محتج به انتهى (عن أبيه) الضمير يرجع إلى عبد الملك وأبوه هو البيع بسبرة وهو ثقة كما في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبيه وعنه ابنا عبد العزيز وعبد الملك وثقه النسائي والعجلي (عن جده) أي جد عبد الملك وهو سبرة قال في التقريب سبرة بن معبد الجهني والد الربيع له صحبة وأول مشاهده الخندق وكان ينزل المروة ومات بها في خلافة معاوية قوله (علموا الصبي الصلاة) وفي رواية أبي داود مروا الصبي بالصلاة قال العلقي في
[ 370 ]
شرح الجامع الصغير بأن يعلموهم ما تحتاج إليه الصلاة من شروط وأركان وأن يأمرهم بفعلها بعد التعليم وأجرة التعليم في مال الصبي إن كان له مال وإلا فعلى الولي انتهى (ابن سبع سنين) حال من الصبي وهكذا ابن عشرة وفي رواية أبي داود إذا بلغ سبع سنين (واضربوه عليها) أي على تركها والضمير يرجع إلى الصلاة (ابن عشرة) قال العلقي إنما أمر بالضرب لعشر لأنه حد يتحمل فيه الضرب غالبا والمراد بالضرب ضربا غير مبرح وأن يتقي الوجه في الضرب انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص وأخرج حديثه أبو داود مرفوعا بلفظ مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري قوله (حديث سبرة بن معبد الجهني حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وسكت عنه وذكر المنذري تصحيح الترمذي وأقره وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم قوله (وعليه العمل عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا ما ترك الغلام بعد عشر من الصلاة فإنه يعيد) قال الخطابي قوله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها يدل على إغلاظ العقوبة له إذا تركها مدركا وكان بعض فقهاء أصحاب الشافعي يحتج به في وجوب قتله إذا تركها متعمدا بعد البلوغ ويقول إذا استحق الصبي الضرب وهو غير بالغ فقد عقل أنه بعد البلوغ يستحق من العقوبة ما هو أشد من الضرب وليس بعد الضرب شئ مما قاله العلماء أشد من القتل وقد أختلف الناس في حكم تارك الصلاة فقال مالك والشافعي يقتل تارك الصلاة وقال مكحول يستتاب فإن تاب وإلا قتل وإليه ذهب حماد بن يزيد ووكيع ابن الجراح وقال أبو حنيفة لا يقتل ولكن يضرب ويحبس وعن الزهري أنه قال فاسق يضرب ضربا مبرحا ويسجن وقال جماعة من العلماء تارك الصلاة حتى يخرج وقتها لغير عذر كافر وهذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه
[ 371 ]
وقال أحمد لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا واحتجوا بحديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة انتهى باب ما جاء في الرجل يحدث بعد التشهد قوله (حدثنا أحمد بن محمد) هو ابن موسى أبو العباس السمسار المروزي الملقب بمردويه كذا في قوت المغتذي قال الحافظ ثقة حافظ (أنبأنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة الافريقي قاضيها قال الحافظ ضعيف في حفظه من السابعة (أن عبد الرحمن بن رافع) التنوخي المصري قاضي أفريقية ضعيف قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى عن عبد الله بن عمرو بن العاص وغزية ويقال عقبة بن الحارث وعنه ابنه إبراهيم وعبد الرحمن بن زيابن أنعم وغيرهما قال البخاري في حديثه مناكير وقال أبو حاتم شيخ مغربي حديثه منكر وذكره ابن حبان في الثقات وقال لا يحتج بخبره إذا كان من رواية ابن أنعم وإنما وقع المناكير في حديثه من أجله انتهى (وبكر بن سوادة) بن ثمامة الجذامي المصري ثقة فقيه من الثالثة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذييب التهذيب وقال النووي في شرح المهذب لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص (عن عبد الله بن عمرو) بن العاص السهمي أحد السابقين المكثرين من الصحابة وأحد العباد له الفقهاء ما ت ذي الحجة ليالي الحرة قوله (إذا أحدث يعني الرجل) ضمير يعني يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا تفسير الضمير المستتر في أحدث من بعض الرواه قال القاري أي عمدا عند أبي حنيفة ومطلقا عند صاحبيه بناء على أن الخروج من الصلاة بصنعه فرض عنده خلافا لهما انتهى قلت ليس في الحديث تقييد بالعمد فالظاهر ما قال صاحبا أبي حنيفة رحمه الله (وقد جلس في اخر صلاته) قال القاري أي قدر التشهد انتهى
[ 372 ]
قلت ليس في الحديث بيان مقدار الجلوس (قبل أن يسلم فقد جازت صلاته) أستدل به أبو حنيفة وأصحابه على أن المصلي إذا أحدث في اخر صلاته بعد ما جلس قدر التشهد فقد جازت صلاته وفيه أن هذا الحديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج قوله (هذا حديث ليس إسناده بالقوي وقد اضطربوا في أسناده) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وأخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما قال الدارقطني وعبد الرحمن بن زياد ضعيف لا يحتج به وقال البيهقي وهذا الحديث إنما يعرف بعبد الرحمن بن زياد الافريقي وقد ضعفه يحيى بن معين ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن مهدي قال وإن صح فإنما كان قبل أن يفرض التسليم ثم روى بأسناده عن عطاء بن أبي رباح قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في اخر صلاته قدر التشهد أقبل على الناس بوجهه وذلك قبل أن ينزل التسليم أنتهى قال القاري في المرقاة تحت هذا الحديث قال ابن الصلاح المضطرب هو الذي يروى على أوجه مختلفة متفاوتة والاضطراب قد يقع في السند أو المتن أو من راو أو من رواة والمضطرب ضعيف شعاره بأنه لم يضبط ذكره الطيبي قال القاري لهذا الحديث طرق ذكرها الطحاوي وتعدد الطرق يبلغ الحديث الضعيف إلى حد الحسن انتهى كلام القاري قلت فيه إن تعدد طرق الحديث إنما يبلغه إلى حد الحسن إذا كانت تلك الطرق متباينة ولم يكن مدار كلها على ضعيف لا يحتج به وطرق هذا الحديث التي ذكرها الطحاوي ليست متباينة بل مدار كلها على عبد الرحمن بن زياد الافريقي قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا قالوا إذا جلس مقدار التشهد وأحدث قبل أن يسلم فقد تمت صلاته) وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه لكن عند أبي حنيفة إذا أحدث عمدا صوتا وعند صاحبيه مطلقا بنا على أن الخروج من الصلاة فرض عنده لا عندهما
[ 373 ]
واستدلوا بحديث الباب وقد عرفت أنه لا يصلح للاستدلال (وقال بعض أهل العلم إذا أحدث قبل أن يتشهد أو قبل أن يسلم أعاد الصلاة وهو قول الشافعي) بناء على أن التشهد والسلام كليهما فرضان عنده (وقال أحمد إذا لم يتشهد وسلم أجزأه لقول النبي صلى الله عليه وسلم وتحليلها التسليم والتشهد أهون) أي ليس بفرض قام النبي صلى الله عليه وسلم في اثنتين فمضى في صلاته ولم يتشهد هذا دليل الأهوينة فعند الامام أحمد التسليم فرض والتشهد ليس بفرض (وقال إسحاق بن إبراهيم إذا تشهد ولم يسلم أجزأه وأحتج بحديث ابن مسعود حين علمه النبي صلى الله عليه وسلم التشهد فقال إذا فرغت من هذا فقد قضيت ما عليك) أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وقال الصحيح أن قوله إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود فصله شبابة عن زهير وجعله من كلام ابن مسعود وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه كذا في المنتقى وقال البيهقي في المعرفة ذهب الحافظ إلى أن هذا وهم من زهير بن معاوية وقال النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مدرجة وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الامام فقم إن شئت قال وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود وقال ابن حزم قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضا وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه كذا في النيل وقال ابن العربي في شرح الترمذي وإنما يعني به فقد قضيت صلاتك فأخرج عنها بتحليل كما دخلتها بإحرام انتهى
[ 374 ]
باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة في الرحال قال النووي وغيره الرحال المنازل سواء كان من حجر أو مدر أو خشب أو شعر أو صوف أو وبر أو غير ذلك واحده رحل قوله (أخبرنا زهير بن معاوية) بن خديج بن خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ثقة ثبت إلا أن سماعه عن أبي إسحاق باخره (من شاء فليصل في رحله) فيه دليل على أن الصلاة في الرحال لعذر المطر ونحوه رخصة وليست بعزيمة قوله (وفي الباب عن ابن عمر وسمرة وأبي المليح عن أبيه وعبد الرحمن بن سمرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال وأما حديث سمرة فأخرجه أحمد من طريق الحسن عنه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين في يوم مطير الصلاة في الرحال زاد البزار كراهة أن يشق علينا رحاله ثقات كذا في التلخيص وأما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود بلفظ أن يوم حنين كان يوم مطر فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن الصلاة في الرحال قال المنذري وأبو المليح أسمه عامر بن أسامة وقيل زيد بن أسامة وقيل أسامة بن عامر وقيل عمير بن أسامة هذلي بصري أتفق الشيخان على الاحتجاج بحديثه وأبوه له صحبة أنتهى
[ 375 ]
وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فأخرجه الحاكم وعبد الله بن أحمد في زيادات السند بلفظ إذا كان مطر وابل فصلوا في رحالكم وفي إسناده ناصح بن العلاء وهو منكر الحديث قاله البخاري وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ووثقه أبو داود كذا في التلخيص (قوله حديث جابر حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قوله (وقد رخص أهل العلم في القعود عن الجماعة والجمعة الخ) لأحاديث الباب ولحديث بن عباس أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا فقال فعله من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض رواه البخاري في صحيحه وبوب عليه الرصخة إن لم يحضر الجمعة في المطر قال الحافظ في الفتح أورد المصنف يعني البخاري هنا حديث ابن عباس وهو مناسب لما ترجم له وبه قال الجمهور ومنهم من فرق بين قليل المطر وكثيره وعن مالك لا يرخص في تركها بالمطر وحديث ابن عباس هذا حجة في الجواز أنتهى واعلم أنه وقع في حديث ابن عمر المذكور في رواية للبخاري في الليلة الباردة أو المطيرة وفي صحيح أبي عوانة ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح قال الشوكاني وفيه أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة ونقل ابن بطال فيه الاجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل وفي السنن من طريق أبي أسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بأسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يوما فرخص لهم وكذلك في حديث ابن عباس في يوم مطير قال الحافظ ولم أر في شئ من الأحاديث الترخيص لعذر الريح في النهار صريحا أنتهى كلام الشوكاني
[ 376 ]
وقال الكرماني هل يكفي المطر فقط أو الريح أو البرد في رخصة ترك الجماعة أم احتجاج إلى ضم أحد الأمرين بالمطر فأجاب بأن كل واحد منها عذر مستقل في ترك الحضور إلى الجماعة نظرا إلى العلة وهي المشقة انتهى كلام الكرماني قلت رواية أبي عوانة المذكورة نص صريح في أن لك واحد منها عذر مستقل في التأخر عن الجماعة فإن كلمة أو فيها للتنويع لا للشك والله تعالى أعلم وقال القاري في المرقاة قال ابن الهمام عن أبي يوسف سألت أبا حنيفة عن الجماعة في طين وردغة أي وحل كثير فقال لا أحب تركها وقال محمد في الموطأ الحديث رخصة يعني قوله عليه السلام إذا أبتلت النعال فالصلاة في الرحال أنتهى كلام القاري قلت قال محمد في الموطأ بعد رواية حديث ابن عمر المذكور ما لفظه هذا رخصة والصلاة في الجماعة أفضل انتهى فقول القارئ يعني قوله عليه السلام إذا أبتلت الخ نظر ظاهر وأما الحديث بلفظ إذا أبتلت النعال فالصلاة في الرحال فقال الحافظ في التلخيص لم أره في كتب الحديث وقال الشيخ تاج الدين الفزاري في الاقليد لم أجده في الأصول وإنما ذكره أهل العربية انتهى كلام الحافظ قوله (قال سمعت أبا زرعة) أي قال أبو عيسى سمعت أبا زرعة وأبو زرعة هذا هو أبو زرعة الرازي واسمه عبيد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ إمام حافظ ثقة مشهور وقد تقدم ترجمته في المقدمة (روى عفان بن مسلم عن عمرو بن علي حديثا) يعني أن عفان بن مسلم من شيوخ عمرو بن علي وهو من تلاميذه ومع هذا فقد روى عفان ابن مسلم عنه حديثا كما أن الامام البخاري من شيوخ الترمذي وقد روى عنه حديثا كما تقدم في المقدمة قال الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمة عمرو ابن علي حدث عنه الستة والنسائي أيضا بواسطة وعفان وهو من شيوخه وأبو زرعة الخ (وقال أبن زرعة لم أر بالبصرة أحفظ من هؤلاء
[ 377 ]
الثلاثة علي بن المديني وابن الشاذكوني وعمرو بن علي) كذا وقع في نسخ جامع الترمذي وابن الشاذكوني ووقع في تذكرة الحفاظ والشاذكوني بحذف لفظ ابن وعبادة تذكرة الحفاظ هكذا قال أبو زرعة ذلك (يعني عمرو بن علي) من فرسان الحديث لم ير بالبصرة أحفظ منه ومن ابن المديني والشاذكوني انتهى عبارة تذكرة الحافظ الشاذكوني هذا هو سليمان بن داود المنقري البصري أبو أيوب الحافظ ذكر ترجمته الذهبي في تذكرة الحفاظ والميزان وعمرو بن علي هذا هو أبو حفص المذكور في أسناد حديث الباب ثقة حافظ باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة واحد الأدبار الدبر قال في القاموس الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومن كل شئ عقبه ومؤخره انتهى قوله (جاء الفقراء) وفي حديث أبو هريرة المتفق عليه أن فقراء المهاجرين أتوا (ولهم أموال يعتقون ويتصدقون) أي ونحن لا نعتق ولا نتصدق (قال فإذا صليتم) أي المكتوبة كما في حديث كعب بن عجرة ووقع في حديث أبي هريرة تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة قال الحافظ في الفتح ظاهره يشمل الفرض والنفل لكن حلمه أكثر العلماء على الفرض وقد وقع في حديث كعب بن عجرة عند مسلم التقييد بالمكتوبة وكأنهم حملوا المطلقات عليها (فقولوا سبحان الله ثلاثا وثلاثين مرة والحمد لله ثلاثا وثلاثين مرة والله أكبر أربعا وثلاثين مرة ولا إله إلا الله عشرة مرات) وفي حديث أبي هريرة عند مسلم مرفوعا من سبح الله في دبر كل صلاة
[ 378 ]
ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين فتلك تسعة وتسعون وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر وفي حديث كعب بن عجرة عند مسلم مرفوعا معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وعشرون تكبيرة قال الحافظ في الفتح قال النووي ينبغي أن يجمع بين الروايتين بأن يكبر أربعا وثلاثين ويقول معها لا إله إلا الله وحده إلى اخره وقال غيره بل يجمع بأن يختم مرة بزيادة تكبيرة ومرة بلا إله إلا الله على وفق ما وردت به الأحاديث انتهى قلت وهذا هو الأولى عندي وعلى هذا فيقول مرة كما في حديث الباب والله تعالى أعلم واعلم أن في كل من تلك الكلمات الثلاث روايات مختلفة قال ابن حجر المكي ورد التسبيح ثلاثا وخمسا وعشرين وإحدى عشرة وعشرة وثلاثا ومرة واحدة وسبعين ومائة وورد التحميد ثلاثا وثلاثين وخمسا وعشرين وإحدى عشرة وعشرة ومائة وورد التهليل عشرة وخمسا وعشرين ومائة قال الحافظ الزين العراقي وكل ذلك حسن وما زاد فهو أحب إلى الله تعالى وجمع البغوي بأنه يحتمل صدور ذلك في أوقات متعددة وأن يكون على سبيل التخيير أو يفترق بافتراق الأحوال فائدة قال الحافظ في الفتح قد كان بعض العلماء يقول إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلاة إذا رتب عليها ثواب مخصوص فزاد الاتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد قال شيخنا الحافظ أبو الفضل في شرح الترمذي وفيه نظر لأنه أتى بالمقدار الذي رتب الثواب على الاتيان به فحصل له الثواب بذلك فاذازاد عليه من جنسه فكيف تكون الزيادة مزيلة لذلك الثواب بعد حصوله انتهى ويمكن أن يفترق الحال فيه بالنية فإن نوى عند الانتهاء إليه امتثال الأمر الوارد ثم أتى بالزيادة فالأمر كما قال شيخنا لا محالة وإن زاد بغير نية بأن يكون الثواب رتب على عشرة مث فرتبه هو على مائة فيتجه القول الماضي وقد بالغ القرافي في القواعد فقال من البدع المكروهة الزيادة في المندوبات المحددة شرعا لأن شأن العظماء إذا حدوا شيئا أن يوقف عنده ويعد الخارج عنه مسيئا للأدب انتهى وقد مثله بعض العلماء بالدواء يكون مث فيه أوقية سكر فلو زيد فيه أوقية أخرى لتخلف الانتفاع به فلو اقتصر على الأوقية في الدواء ثم استعمل من السكر بعد ذلك ما شاء لم يتخلف الانتفاع ويؤيد ذلك أن الأذكار المتغايرة إذا ورد لكل منها عدد مخصوص مع طلب الاتيان بجميعها متوالية لم تحسن الزيادة على العدد المخصوص لما في ذلك من
[ 379 ]
قطع الموالاة لاحتمال أن يكون للموالاة في ذلك حكمة خاصة تفوت بفواتها ولله أعلم انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن كعب بن عجرة وأنس وعبد الله بن عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وابن عمر وأبي ذر) وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي والنسائي . وأما حديث عبد الله عمر وفلينظر من أخرجه . وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه النسائي . وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه النسائي وأما حديث ابن عمر فأخرجه الخمسة وأما حديث أبي ذر فأخرجه ابن ماجة وفي الباب أحاديث أخرى قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه النسائي (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال خصلتان لا يحصيهما رجل مسلم الخ) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر قوله (أخبرنا عمر بن الرماح) بفتح الراء وتشديد الميم هو عمر بن ميمون قال في التقريب عمر بن ميمون بن بحر بن سعد الرماح البلخي أو علي القاضي وسعد هو الرماح ثقة عمى في اخره (عن عمر بن عثمان بن يعلى بن مرة) قال الحافظ في التقريب مستور وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن أبيه) أي عثمان بن يعلى قال الحافظ في التقريب
[ 380 ]
مجهول (عن جده) أي يعلى بن مرة وهو صحابي شهد الحديبية وما بعدها قوله (إلى مضيق) أي إلى موضع ضيق (فمطروا) بصيغة المجهول (السماء من فوقهم) السماء مبتدأ ومن فوقهم خبره والجملة حلا بلا واو والمراد من السماء ههنا المطر قال الشاعر إذا نزل السماء بأرض قوم رعيناه وإن كانوا غضاباإ قال الجوهري يقال ما زلنا نطأ في السماء حتى أتيناكم (والبلة) بكسر الموحدة وتشديد اللام أي النداوة (فأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) من التأذين قال السيوطي في قوت المغتذي استدل بهذا الحديث النووي وغيره على أنه صلى الله عليه وسلم باشر الأذان بنفسه وعلى استحباب الجمع بين الأذان وا مامة ذكره في شرح المهذب مبسوطا وفي الروضة مختصرا ووردت رواية أخرى مريحة ذلك في سنن سعيد بن منصور ومن قال إنه صلى الله عليه وسلم لم يباشر هذه العبادة بنفسه وألغز في ذلك بقوله ما سنة أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها فقد غفل وقد بسطت المسألة في شرح الموطأ وفي حواشي الروضة انتهى كلام السيوطي في قوت المغتذي وقال القاري في المرقاة جزم النووي بأنه صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر واستدل له بخبر الترمذي ورد بأن أحمد أخرجه في مسنده من طريق الترمذي فأمر بلالا فأذن وبه يعلم اختصار رواية الترمذي وأن معنى أذن فيها أمر بلالا بالأذان كبنى الأمير المدينة ورواه الدارقطني أيضا بلفظ فأمر بلا فأذن قال السهيلي والمفصل يقضي على المجمل انتهى وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري ومما كثر السؤال عنه هل باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه وقد وقع عند السهيلي أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في السفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح يرفعه إلى أبي هريرة اه وليس هو من حديث أبي هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الذي أخرجه الترمذي ولفظه فأمر بلا فأذن فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن
[ 381 ]
معنى قوله أذن أمر بلا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه امرا به انتهى كلام الحافظ (فصلى بهم) قال أبو الطيب المدني الحنفي في شرح الترمذي يعني أمهم في تلك الصلاة والظاهر أنه كان فرضا لأن المتبادر من صلاة الجماعة الفرض وكذلك يدل عليه هذا الاهتمام والأذان لأن النوافل لم يشرع لها الأذان فدل الحديث على جواز الفرض على الدابة عند العذر وبه قال علماؤنا وأهل العلم كما جزم به المصنف انتهى قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه النسائي والدارقطني وثبت ذلك عن أنس من فعله وصححه وحسنه التوزي وضعفه البيهقي كذا في النيل (والعمل على هذا عند أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق) ويجوز الفريضة عندهم على الدابة إذا لم يجد موضعا يؤدي فيه الفريضة ناز ورواه العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي وقال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة حديث يعلى ضعيف السند صحيح المعنى قال الصلاة با يماء على الدابة صحيحة إذا خاف من خروج الوقت ولم يقدر على النزول لضيق الموضع أو لأنه غلبه الطين والماء انتهى باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة قال في القاموس الجهد الطاقة والمشقة واجهد جهدك أبلغ غايتك وجهد كمنع جد كاجتهد (حتى انتفخت قدماه) وفي رواية للبخاري حتى تورمت وفي رواية له حتى ترم من الورم وللنسائي من حديث أبي هريرة حتى تزلع قدماه بزاي وعين مهملة وقال البخاري في
[ 382 ]
صحيحه قالت عائشة حتى تفطر قدماه والفطور الشقوق قال الحافظ في الفتح لا اختلاف بين هذه الروايات فإنه إذا حصل الانتفاخ أو الورم حصل الزلع والتشقق انتهى (أتتكلف هذا) أي تلزم نفسك بهذه الكلفة والمشقة وفي رواية الشيخين لم تصنع هذا (وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) قال ابن حجر المكي قد ظن من سأل عن سبب تحمله المشقة في العبادة أن سببها إما خوف الذنب أو رجاء المغفرة فأقادهم أن لها سببا اخر أتم وأكمل وهو الشكر على التأهل لها مع المغفرة وإجزال النعمة انتهى (أفلا أكون عبدا شكورا) أي بنعمة الله علي بغفران ذنوبي وسائر ما أنعم الله علي قال ابن حجر المكي في شرح الشمائل أي أترك تلك الكلفة نظرا إلى المغفرة فلا أكون عبدا شكورا لا بل ألزمها وإن غفر لي لأكون عبدا شكورا وقال الطيبي الفاء مسبب عن محذوف أي أأترك قيامي وتهجدي لما غفر لي فلا أكون عبدا شكورا يعني أن غفران الله إياي سبب لأن أقوم وأتهجد شكرا له فكيف أتركه قول ابن بطال في هذا الحديث أخذ الانسان على نفسه بالشدة في العبادة وإن أضر ذلك ببدنه لأنه صلى الله عليه وسلم إذا فعل ذلك مع علمه بما سبق له فكيف بمن لم يعلم بذلك فض عمن لم يأمن من أنه استحق النار انتهى قال الحافظ ومحل ذلك ما إذا لم يفض إلى الملال لأن حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكمل الأحوال فكان لا يمل من عبادة ربه وإن أضر ذلك ببدنه بل صح أنه قال وجعلت قرة عيني في الصلاة فأما غيره صلى الله عليه وسلم فإذا خشي الملال لا ينبغي له أن يكره نفسه وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا انتهى قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وأما حديث عائشة فأخرجه البخاري قوله (حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجه
[ 383 ]
باب ما جاء في أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة قوله (عن الحسن) هو الحسن البصري (عن حريث بن قبيصة) قال في التقريب قبيصة بن حريث ويقال حريث بن قبيصة والأول أشهر الأنصاري البصري صدوق من الثالثة قوله (إن أول ما يحاسب به العبد) بالرفع على نيابة الفاعل (يوم القيامة من عمله صلاته) أي المفروضة قال العراقي في شرح الترمذي لا تعارض بينه وبين الحديث الصحيح إن أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء فحديث الباب محمول على حق الله تعالى وحديث الصحيح محمول على حقوق الادميين فيما بينهم فإن قيل فأيهما يقدم محاسبة العباد على حق الله أو محاسبتهم على حقوقهم فالجواب أن هذا أمر توقيفي وظواهر الأحاديث دالة على أن الذي يقع أو المحاسبة على حقوق الله تعالى قبل حقوق العباد انتهى وقيل الأول من ترك العبادات والثاني من فعل السيئات (فإن صلحت) بضم اللام وفتحها قال ابن الملك صلاحها بأدائها صحيحة (فقد أفلح وأنجح) الفلاح الفوز والظفر والانجاح بتقديم الجيم على الحاء يقال أنجح فلان إذا أصاب مطلوبة قال القاري في المرقاة فقد أفلح أي فاز بمقصوده وأنجح أي ظفر بمطلوبه فيكون فيه تأكيد وفاز بمعنى خلص من العقاب وأنجح أي حصل له الثواب (وإن فسدت) بأن لم تؤد أو أديت غير صحيحة أو غير مقبولة (فقد خاب) بحرمان المثوبة (وخسر) بوقوع العقوبة وقيل معنى خاب ندم وخسر أي صار محروما من الفوز والخلاص قبل العذاب (فإن انتقص) بمعنى نقص المتعدي (شيئا) أي من الفرائض (هل لعبدي من تطوع) أي في صحيفته سنة أو نافلة من صلاة على ما هو ظاهر من السياق قبل الفرض أو بعده أو مطلقا (فيكمل) بالتشديد
[ 384 ]
ويخفف على بناء الفاعل أو المفعول وهو الأظهر وبالنصب ويرفع قاله القاري (بها) قال ابن الملك أي بالتطوع وتأنيث الضمير باعتبار النافلة وقال الطيبي الظاهر نصب فيكمل على أنه من كلام الله تعالى جوابا للاستفهام ويؤيده رواية أحمد فكلموا بها فريضته وإنما أنث ضمير التطوع في بها نظر إلى الصلاة (ما انتقص من الفريضة) فهو متعد قال العراقي في شرح الترمذي يحتمل أن يراد به ما انتقصه من السنن والهيئات المشروعة فيها من الخشوع والأذكار والأدعية وأنه يحصل له ثواب ذلك في الفريضة وإن لم يفعله فيها وإنما فعله في التطوع ويحتمل أن يراد به ما انتقص أيضا من فروضها وشروطها ويحتمل أن يراد ما ترك من الفرائض رأسا فلم يصله فيعوض عنه من التطوع والله سبحانه وتعالى يقبل من التطوعات الصحيح عوضا من الصلوات المفروضة انتهى وقال ابن العربي يحتمل أن يكون يكمل له ما نقص من فرض الصلاة وإعدادها بفضل التطوع ويحتمل ما نقصه من الخشوع عندي أظهر لقوله ثم الزكا كذلك وسائر الأعمال وليس في الزكاة إلا فرض أو فضل فكما يكمل فرض الزكاة بفضلها كذلك الصلاة وفضل الله أوسع ووعده أنفذ وعزمه أعم انتهى (ثم يكون سائر عمله على ذلك) أي إن انتقص فريضة من سائر الأعمال تكمل من التطوع قوله (وفي الباب عن تميم الداري) أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بلفظ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة صلاته فإن كان أتمها كتبت له تامة وإن لم يكن أتمها قال الله تعالى لملائكته أنظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فيكمل بها فريضة ثم الزكاة كذلك ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن غريب إلخ) وأخرجه أبو داود ورواه أحمد عن رجل كذا في المشكاة قال ميرك ورواه الترمذي بهذا اللفظ وابن ماجه قال ابن حجر ورواه النسائي واخرون ورواه أبو داود أيضا من رواية تميم الداري معناه بإسناد صحيح وأما خبر لا تقبل نافلة المصلى حتى يؤدي الفريضة فضعيف كذا في المرقاة قوله (وقد روى بعض أصحاب الحسن عن الحسن عن قبيصة بن حريث غير هذا
[ 385 ]
الحديث والمشهور هو قبيصة بن حريث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب قبيصة بن حريث ويقال حريث بن قبيصة الأنصاري البصري روى عن سلمة بن المحبق وعنه الحسن البصري قال البخاري في حديثه نظر وقال الترمذي في حديث حريث بن قبيصة عن أبي هريرة رواه بعض أصحاب الحسن عنه عن قبيصة بن حريث والمشهور هو قبيصة بن حريث وذكر ابن حبان في الثقات وقال مات في طاعون الجارف سنة 167 سبع وستين ومائة قال الحافظ وجهله ابن القطان وقال النسائي لا يصح حديثه وذكر أبو العرب التميمي أن أبا الحسن العجلي قال قبيصة بن حريث تابعي ثقة وأفرط ابن حزم فقال ضعيف مطروح انتهى قوله (وروى عن أنس بن حكيم) الضبي البصري مستود من الثالثة (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) رواه أبو داود عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي قال خاف من زياد أو ابن زياد فأتى المدينة فلقي أبا هريرة قال فنسبني فانتسبت له فقال يا فتى ألا أحدثك حديثا قال قلت بلى رحمك الله قال إن أول ما يحاسب الناس الحديث باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة إلخ قوله (حدثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة (أخبرنا إسحاق بن سليمان الرازي) أبو يحيى كوفي الأصل ثقة فاضل من التاسعة (أخبرنا المغيرة بن زياد) البجلي الموصلي وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق له أوهام (عن عطاء) هو عطاء بن أبي رباح كما في رواية للنسائي وهو ثقة فقيه فاضل لكنه كثير الارسال قال ابن سعد كان ثقة عالما كثير الحديث انتهت إليه الفتوى بمكة وقال أبو حنيفة ما لقيت أفضل من عطاء وقال ابن عباس وقد سئل
[ 386 ]
عن شئ يا أهل مكة تجتمعون علي وعندكم عطاء مات سنة 114 أربع عشرة ومائة قوله (من ثابر) أي دام قال في النهاية المثابرة الحرص على الفعل والقول وملازمتهما (أربع ركعات إلخ) بالجر بدل من ثنتي عشرة ركعة قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي هريرة وأبي موسى وابن عمر) أما حديث أم حبيبة فأخرجه مسلم وغيره بلفظ قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة وفي رواية تطوعا وأخرجه الترمذي في هذا الباب وفي زيادة التفسير وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وابن ماجه مرفوعا بلفظ من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد الظهر قبل الظهر وركعتين أظنه قال قبل العصر وركعتين بعد المغرب أظنه قال وركعتين بعد العشاء الاخرة وفي إسناده محمد بن سليمان الأصبهاني وهو ضعيف وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط بنحو حديث أم حبيبة بدون التفسير وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان عنه قال حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب بعد العشاء وركعتين قبل الغداة الحديث قوله (حديث عائشة حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه النسائي وابن ماجه (ومغيرة بن زياد قد تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه) قد عرفت أنه قد وثقه وكيع وابن معين في رواية وابن عدي وغيرهم فالظاهر أن إسناد هذا الحديث لا ينحط عن درجة الحسن والله تعالى أعلم قوله (أخبرنا مؤمل) بن إسماعيل العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري عن شعبة والثوري وجماعة وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وطائفة وثقه ابن معين وقال البخاري ومنكر
[ 387 ]
الحديث مات سنة 206 ست ومائتين كذا في الخلاصة وقال في الميزان وثقه ابن معين وقال أبو حاتم صدوق شديد في السنة كثير الخطأ وقال البخاري منكر الحديث وقال أبو زرعة في حديثه خطأ كثير وذكره أبو داود فعظمه ورفع من شأنه مات بمكة في رمضان سنة 206 ست ومائتين (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة عابد اختلط باخره (عن المسيب بن رافع) الأسدي الكاهلي الكوفي ثقة من الرابعة (عن عنبسة بن أبي سفيان) بن حرب بن أمية القرشي الأموي أخي معاوية يقال له روية وقال أبو نعيم اتفق الأئمة على أنه تابعي وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قوله (أربعا قبل الظهر إلخ) فيه وفي حديث عائشة المتقدم دلالة على أن السنة قبل الظهر أربع ركعات وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة وفي حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر رضي الله عنهما اللذين أشار إليهما الترمذي وذكرنا لفظهما دلالة على أن السنة قبل الظهر ركعتان قال الحافظ في الفتح قال الداودي وقع في حديث ابن عمران قبل الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعا وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى قال ويحتمل أن يكون نسي ابن عمر ركعتين من الأربع وقال الحافظ هذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي ثنتين وتارة يصلي أربعا وقيل هو محمول على أنه كان يقتصر في المسجد على ركعتين وفي بيته يصلي أربعا ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فصلى ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت عائشة على الأمرين ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج قال أبو جعفر الطبري الأربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها انتهى كلام الحافظ قوله (وحديث عنسبة عن أم حبيبة في هذا الباب حسن صحيح) وأخرجه النسائي
[ 388 ]
باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل قوله (حدثنا صالح بن عبد الله) بن ذكوان الباهلي أبو عبد الله الترمذي نزيل بغداد ثقة من العاشرة (عن زرارة) بضم الزاي المعجمة (بن أوفى) العامري الحرشي بمهملة وراء مفتوحتين ثم معجمة البصري قاضيها ثقة عابد من الثالثة مات فجأة في الصلاة (عن سعد بن هشام) بن عامر الأنصاري المدين ثقة من الثالثة استشهد بأرض الهند قوله (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) أي من متاع الدنيا قاله النووي وقال الطيبي إن حمل الدنيا على أعراضها وزهرتها فالخير إما مجرى على زعم من يرى فيها خيرا أو يكون من باب أي الفريقين خير مقاما وإن حمل على الانفاق في سبيل الله فتكون هاتان الركعتان أكثر ثوابا منها وقال الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة إنما كانتا خيرا منها لأن الدنيا فانية ونعيهما لا يخلو عن كدر النصب والتعب وثوابهما باق غير كدر انتهى قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم من طريق محمد بن عبيد الغبري عن أبي عوانة بعين سند الترمذي وفي رواية له عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر لهما أحب إلي من الدنيا جمعيا قوله (وفي الباب عن علي وابن عمر وابن عباس) أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير عنه قال قال رجل يا رسول الله دلني على عمل ينفعني الله به قال عليك بركعتي الفجر فمن فيهما فضيلة وفي رواية له أيضا قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تدعوا الركعتين قبل صلاة الفجر فإن فيهما الرغائب وروى أحمد عنه ركعتي
[ 389 ]
الفجر حافظوا عليهما فإن فيهما الرغائب كذا في الترغيب للمنذري وأما حديث ابن عباس فأخرجه ابن عدي في الكامل قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وفي رواية له عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في شأن الركعتين عند طلوع الفجر لهما أحب إلي من الدنيا جميعا باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر والقراءة فيها قوله (وأبو عمار) اسمه حسين بن حريث الخزاعي مولاهم المروزي ثقة من العاشرة روى عن الجماعة سوى ابن ماجه وسوى أبو داود فكتابة (أخبرنا أبو أحمد الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري (أخبرنا سفيان) هو الثوري قوله (رمقت النبي صلى الله عليه وسلم شهرا) أي نظرت إليه صلى الله عليه وسلم (فكان يقرأ في الركعتين قبل الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) فيه دلالة على استحباب قراءة سورتي الاخلاص في ركعتي الفجر قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وأبي هريرة وابن عباس وحفصة وعائشة) أما حديث ابن مسعود فأخرجه الترمذي في باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب والقراءة فيهما وأما حديث أنس فأخرجه البزار ورجال إسناده ثقات قاله الشوكاني وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الجماعة بلفظ
[ 390 ]
فصلى ركعتين خفيفتين وله حديث اخر عند مسلم وأبو داود والنسائي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر قولوا امنا بالله وما أنزل إلينا والتي في ال عمران تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم وفي رواية لمسلم وفي الاخرة بامنا بالله واشهد بأنا مسلمون وأما حديث حفصة فأخرجه الجماعة إلا أبا داود بلفظ ركعتين خفيفتين وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان بلفظ قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بأم القران وأما حديث الباب تدل على مشروعية التخفيف وقد ذهب إلى ذلك الجمهور وخالف في ذلك الحنفية فذهبت إلى استحباب إطالة القراءة وهو مخالف لصرائح الأدلة وبحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه تمسك مالك وقال بالاقتصار على قراءة فاتحة الكتاب في هاتين الركعتين وليس فيه إلا أن عائشة رضي الله عنها شكت هل كان يقرأ بالفاتحة أم لا لشدة تخفيفه لهما وهذا لا يصلح التمسك به لرد الأحاديث الصريحة الصحيحة الواردة من طرق متعددة وقد أخرج ابن ماجه عن عائشة نفسها أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فكان يقول نعم السورتان هما يقرأ بهما في ركعتين الفجر قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ولا ملازمة بين مطلق التخفيف وا قتصار على الفاتحة لأنه من الأمور النسبية وقد اختلف في الحكمة في التخفيف لهما فقيل ليبادر إلى صلاة الفجر في أول الوقت وبه جزم القرطبي وقيل ليستفتح صلاة النهار بركعتين خفيفتين كما يصنع في صلاة الليل ليدخل في الفرض أو ما يشابهه بنشاط واستعداد تام ذكره الحافظ في الفتح والعراقي في شرح الترمذي قوله (حديث ابن عمر حديث حسن) أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى وقال
[ 391 ]
الشوكاني في النيل وأخرجه أيضا مسلم وأبو أحمد الزبيري ثقة حافظ وكذا وثقه غير واحد من أئمة الحديث كأبن معين والعجلي والنسائي وغيرهم وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل كان كثير الخطأ في حديث سفيان كذا في تهذيب التهذيب (واسمه محمد بن عبد الله بن الزبيري) كذا في النسخ الموجودة ولا شك في أنه غلط والصحيح محمد بن عبد الله بن الزبيري أو محمد بن عبد الله الزبيري قال الحافظ في التقريب محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي أبو أحمد الزبيري الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري انتهى باب ما جاء في الكلام بعد ركعتي الفجر قوله (أخبرنا عبد الله بن أدريس) بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي بسكون الواو أبو محمد الكوفي ثقة فقيه عابد من الثامنة (عن أبي النضر) اسمه سالم بن أمية المدني ثقة ثبت (عن أبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن قوله (فمن كانت له إلي حاجة كلمني وإلا خرج إلى الصلاة) وروى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا أضطجع واللفظ لمسلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وقد كره بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الكلام بعد طلوع الفجر إلخ)
[ 392 ]
قال الشوكاني في النيل وفي تحديثه صلى الله عليه وسلم لعائشة بعد ركعتي الفجر دليل على جواز الكلام بعدهما وإليه ذهب الجمهور وقد روى عن ابن مسعود أنه كرهه روى ذلك عن سعيد بن المسيب وقال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون الكلام بعد الركعتين وعن عثمان بن أبي سليمان قال إذا طلع الفجر فليسكتوا وإن كانوا ركبانا وإن لم يركعوها فليسكتوا انتهى (وهو قول أحمد وإسحاق) قال النووي في شرح مسلم فيه دليل على إباحة الكلام بعد سنة الفجر وهو مذهبنا ومذهب مالك والجمهور وقال القاضي وكرهه الكوفيون وروى عن ابن مسعود وبعض السلف أنه وقت الاستغفار والصواب الاباحة لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وكونه وقت استحباب الاستغفار لا يمنع من الكلام انتهى وقال القسطلاني في إرشاد الساري وفيه أنه لا بأس بالكلام المباح بعد ركعتي الفجر قال ابن العربي ليس في السكوت في ذلك الوقت فضل مأثور إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس انتهى قلت أما أثر ابن مسعود رضي الله عنه في الكراهة فروى الطبراني في الكبير عن عطاء قال خرج ابن مسعود على قوم يتحدثون بعد الفجر فنهاهم عن الحديث وقال إنما أجبتم للصلاة فإما أن تصلوا وإما أن تسكتوا وكذا رواه فيه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وليس هذا الأثر بمتصل عطاء لم يسمع من ابن مسعود وكذا أبو عبيدة لم يسمع من أبيه وإن صح فيحمل على أن القوم المتحدثين لعلهم كانوا يتكلمون بما لا يجدي فنهاهم عن ذلك والسكوت عن مثل هذا ليس بمختص في هذا بوقت وإن لم يحمل على هذا فالتحديث بالكلام المباح ثابت من الشارع وكلام الصحابة لا يوازن كلام الشارع وأما قول ابن العربي إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس فأشار إلى ما ورد في ذلك من الأحاديث فمنها حديث أنس مرفوعا من صلى الصبح في جماعة ثم قعد بذكر الله حتى كانت له تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كأجر حجة وعمرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تامة تامة تامة أخرجه الترمذي وغيره باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين قوله (لا صلاة بعد الفجر) أي بعد طلوع كما فسر به الترمذي في اخر الباب الفجر (إلا
[ 393 ]
سجدتين) يعني ركعتي الفجر السنة قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وحفصة) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الدارقطني بلفظ لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين وأخرجه أيضا محمد بن نصر في قيام الليل بهذا اللفظ وفي إسنادهما عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي وأما حديث حفصة فأخرجه الشيخان عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين واللفظ لمسلم قوله (حديث ابن عمر حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى وروى عنه غير واحد) قال الحافظ في التلخيص قد اختلف في اسم شيخه يعني شيخ قدامة بن موسى فقيل أيوب بن حصين وقيل محمد بن حصين وهو مجهول انتهى وقال الذهبي في الميزان لا يعرف وقال الدارقطني مجهول انتهى فحديث ابن عمر هذا ضعيف وقد أعترض الحافظ الزيلعي على قول الترمذي لا نعرفه إلا من حديث قدامة بن موسى بأن الطبراني قد رواه من طريقين اخرين ليس فيهما قدامة قلت لا اعتراض على الترمذي فإنه إنما ينفي علمه ومعرفته (وهو ما أجمع عليه أهل العلم قال الحافظ في التلخيص دعوى الترمذي الاجماع على الكراهة لذلك عجيب فإن الخلاف فيه مشهور حكاه ابن المنذر وغيره) وقال الحسن البصري لا بأس به وكان مالك يرى أن فعله من فاتته صلاة الليل وقد أطنب في ذلك محمد بن نصر في قيام الليل انتهى وقد استدل من أجاز التنفل بأكثر من ركعتي الفجر بما أخرجه أبو داود في حديث عمرو بن عنبسة قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الأخير فصل ما شئت فإن الصلاة مشهورة مقبولة حتى تصلي الصبح وفي لفظ فصل ما بدا لك حتى تصلي الصبح الحديث قلت الراجح عندي هو قول من قال بالكراهة لدلالة أحاديث الباب عليه صراحة وأما
[ 394 ]
حديث أبي داود فليس بصريح في عدم الكراهة والله تعالى أعلم باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر قوله (حدثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (بن معاذ العقدي) بفتح العين المهملة والقاف أبو سهل البصري الغرير صدوق من العاشرة (أخبرنا عبد الواحد بن زياد) العبدي البصري قال الحافظ في مقدمة فتح الباري قال ابن معين أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ثم أبو معاوية ثم عبد الواحد بن زياد وعبد الواحد ثقة وأبو معاوية أحب إلي منه ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن سعد والنسائي وأبو داود والعجلي والدارقطني حتى قال ابن عبد البر لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت كذا قال وقد أشار يحيى القطان إلى لينه فروى ابن المديني عنه أنه قال ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره لحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا قال الحافظ وهذا غير قادح لأنه كان صاحب كتاب وقد احتج به الجماعة انتهى (إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر) يعني سنة الفجر كما يشهد له حديث عائشة قاله الطيبي يعني بحديث عائشة الذي أخرج الشيخان بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة الحديث وفي اخره فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن ل قامة فيخرج (فليضطجع على شقه الأيمن) هذا نص صريح في مشروعية الاضطجاع بعد سنة الفجر لكل أحد المتهجد وغيره وهو الحق قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه الشيخان وتقدم لفظه انفا وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن وفي رواية كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع وفي الباب أحاديث أخرى قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه) وأخرجه أحمد وأبو
[ 395 ]
داود وابن ماجه قال في النيل رجاله رجال الصحيح وقال النووي في شرح مسلم إسناده على شرط الشيخين وكذلك قال الشيخ أبو يحيى زكريا الأنصاري في فتح العلام أن إسناده على شرط الشيخين فإن قلت كيف يكون حديث أبي هريرة هذا حسنا صحيحا وكيف يكون إسناده إلى الأعمش على شرط الشيخين وفيه الأعمش وهو مدلس وقد رواه عن أبي صالح بالعنعنة قلت نعم هو مدلس لكن عنعنته عن أبي صالح محمولة على الاتصال قال الحافظ الذهبي في الميزان هو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال أخبرنا فلان فلا كلام ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وابن وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال انتهى فإن قلت قال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر حديث أبي هريرة سمعت ابن تيمية يقول هذا باطل وليس بصحيح وإنما الصحيح عنه الفعل والأمر تفرد به عبد الواحد ابن زياد وغلط فيه قلت تفرد عبد الواحد بن زياد به غير قادح في صحته فإنه ثقة ثبت قد احتج به الأئمة الستة وهو من أثبت أصحاب الأعمش كما عرفت من عبارة مقدمة الفتح فقول الامام ابن تيمية هذا باطل وليس بصحيح إلخ ليس بصحيح كيف وقد صححه الترمذي وهو من أئمة الشان وقال النووي وغيره إسناده على شرط الشيخين وأما قول يحيى القطان ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره لحديث فلا يعرف منه حرفا فغير قادح أيضا فإنه كان صاحب كتاب وقد احتج به ما عرفت فيما سبق والحاصل أن حديث أبي هريرة صحيح وكل ما ضعفوه به فهو مدفوع قوله (وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر في بيته اضطجع على يمينه) قد تقدم تخريجه واستدل بهذه الرواية على استحباب الاضطجاع في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد أخرجه إبن أبي شيبة انتهى كلام الحافظ . قلت حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب مطلق فبإطلاقه يثبت استحباب الاضطجاع في البت وفي
[ 396 ]
المسجد فحيث يصلي سنة الفجر يضطجع هناك إن صلى في البيت فيضطجع في البيت وإن صلى في المسجد ففي المسجد وإنما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الفجر في البيت فكان يضطجع في البيت قوله (وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا) أي الاضطجاع بعد سنة الفجر (استحبابا) أي على طريق الاستحباب دون الوجوب وإن كان ظاهر الأمر في حديث أبي هريرة المذكور الوجوب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على هذا الاضطجاع كما يدل عليه رواية عائشة كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع قال الحافظ في الفتح وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب قال وأفرط بن حزم فقال يجب على أحد وجعله شرطا لصلاة الصبح ورده عليه العلماء بعده حتى طعن ابن تيمية ومن تبعه في صحة الحديث لتفرد عبد الواحد بن زياد به وفي حفظه مقال والحق أنه تقوم به الحجة انتهى كلام الحافظ وللعلماء في هذا الاضطجاع أقوال الأول أنه مشروع على سبيل الاستحباب كما حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وهو قول أبي موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبي هريرة قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد قد ذكر عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك رضي الله عنهم كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ويأمرون بذلك وقال العراقي ممن كان يفعل ذلك أو يفتي به عن الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة انتهى ومن قال به من التابعين محمد بن سيرين وعروة بن الزبير كما في شرح المنتقى وقال أبو محمد علي بن حزم في المحلى وذكر عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة أنهم يعني سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبا بكر هو ابن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عتبة بن سليمان بن يسار كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح انتهى وممن قال به من الأئمة الشافعي وأصحابه قال العيني في عمدة القاري ذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه سنة انتهى والقول الثاني أن هذا الاضطجاع واجب لا بد من الاتيان به وهو قول أبي محمد علي بن حزم الظاهري كما قال في المحلى كل من ركع ركعتي الفجر لم يجز له صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على جنبه الأيمن بين سلامة من ركعتي الفجر وبين تكبيره لصلاة الصبح فإن لم يصل
[ 397 ]
ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع فإن عجز عن الضجعة على اليمين لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته ثم قال بعيد هذا قال علي قد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض حتى يأتي نص اخر أو إجماع متيقن على أنه ندب فنقف عنده وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فالرد إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم انتهى قلت قد عرفت أن الأمر الوارد في حديث أبي هريرة محمول على الاستحباب لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على الاضطجاع فلا يكون واجبا فضلا عن أن يكون شرطا لصحة صلاة الصبح وقد مال العلامة الشوكاني إلى الوجوب حيث قال في اخر بحث الاضطجاع وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى الله عليه وسلم لا يعارض الأمر للامة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب والقول الثالث أن هذا الاضطجاع بدعة ومكروه وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه والقول الرابع أنه خلاف الأولى روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر والقول الخامس التفرقة بين من يقوم الليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربي وقال لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة إلا أن يكون قام الليل فيضطجع استجماما لصلاة الصبح فلا بأس ويشهد لهذا ما رواه الطبراني وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلة فيستريح وهذا لا تقوم به حجة أما أولا فلان في إسناده روايا لم يسم كما قال الحافظ وأما ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة وقد روت أنه كان يفعله والحجة في فعله وقد ثبت أمره به فتأكدت بذلك مشروعيته وقد أجاب من لم ير مشروعية الاضطجاع عن أحاديث الباب بأجوبة كلها مخدوشة فإن شئت الوقوف عليها وعلى ما فيها من الخدشات فعليك أن تطالع فتح الباري والنيل وغيرهما والقول الراجح المعول عليه هو أن الاضطجاع بعد سنة الفجر مشروع على طريق الاستحباب والله تعالى أعلم
[ 398 ]
باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قوله (أخبرنا روح) بفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة (بن عبادة) بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري الحافظ أحد الرؤساء الأشراف عن حسين المعلم وابن عون وهشام بن حسان وخلق وعنه أحمد وإسحاق وعبد بن حميد وخلق وثقه الخطيب وغيره وله مصنفات منها التفسير والسنن قال خليفة مات سنة خمس ومائتين وقيل سنة سبع قوله (أخبرنا زكريا بن إسحاق) المكي عن عمرو بن دينار وعنه وكيع وأبو عاصم وروح بن عبادة وجماعة قال ابن معين يرى القدر وثقه البخاري ومسلم قوله (إذا أقيمت الصلاة) أي إذا شرع في الاقامة وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما أخرجه ابن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في الاقامة كذا في الفتح (فلا صلاة إلا المكتوبة) وفي رواية لأحمد إلا التي أقيمت قال الحافظ في الفتح فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا لأن المراد بالمكتوبة المفروضة وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتين الفجر أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب وإسناده حسن انتهى والحديث يدل على أنه لا يجوز الشروع في النافلة عند إقامة الصلاة من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما قوله (وفي الباب عن ابن بحينة وعبد الله بن عمرو بن سرجس وابن عباس وأنس) أما حديث ابن بحينة وهو عبد الله بن مالك بن بحينة فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلي ركعتين فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح أربعا الصبح أربعا وأما حديث عبد الله بن عمرو فلم
[ 399 ]
أقف عليه وأما حديث عبد الله بن سرجس فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال جاء رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح فصلى ركعتين قبل أن يدخل في الصلاة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له يا فلان بأي صلاتيك اعتددت بالتي صليت وحدك أو بالتي صليت معنا وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود الطيالسي قال كنت أصلي وأخذ المؤذن في الاقامة فجذبني نبي الله صلى الله عليه وسلم وقال أتصلي الصبح أربعا وأخرجه أيضا البيهقي والبزار وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال إنه على شرط الشيخين والطبراني وأما حديث أنس فأخرجه البزار قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أقيمت الصلاة فرأى ناسا يصلون ركعتي الفجر فقال صلاتان معا ونهى أن تصليا إذا أقيمت الصلاة وأخرجه مالك في الموطأ وفي الباب أيضا عن زيد بن ثابت عند الطبراني في الأوسط قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي ركعتي الفجر وبلال يقيم الصلاة فقال أصلاتان معا وفي إسناده عبد المنعم بن بشير الأنصاري وقد ضعفه ابن معين وابن حبان وعن أبي موسى عند الطبراني في الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي ركعتي الغداة حين أخذ المؤذن يقيم فغمزه النبي صلى الله عليه وسلم في منكبيه وقال ألا كان هذا قبل هذا قال العراقي إسناده جيد وعن عائشة عند ابن عبد البر في التمهيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين أقيمت صلاة الصبح فرأى ناسا يصلون فقال أصلاتان معا وفي إسناده شريك بن عبد الله وقد أختلف عليه في وصله وإرساله قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى قوله (وهكذا روى أيوب وورقاء بن عمر وزياد بن سعد وإسماعيل بن مسلم ومحمد بن جحادة عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي هؤلاء الخمسة من أصحاب عمرو بن دينار رووا هذا الحديث مرفوعا (وروى حماد بن زيد وسفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ولم يرفعاه) بل روياه موقوفا على أبي هريرة رضي الله عنه وروى مسلم في صحيحه من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن عمرو بن دينار مرفوعا وفي اخره قال حماد ثم لقيت عمرا فحدثني به ولم يرفعه قال النووي في شرح مسلم هذا الكلام لا يقدح في صحه
[ 400 ]
الحديث ورفعه لأن أكثر الرواة رفعوه (والحديث المرفوع أصح عندنا) لكثرة عدد الرافعين فانهم خمسة وقد روى مرفوعا من غير هذا الوجه أيضا كما ذكره الترمذي قال النووي في شرح مسلم الرفع مقدم على الوقف على المذهب الصحيح وإن كان عدد الرفع أقل فكيف إذا كان أكثر انتهى (رواه عياش) بتشديد التحتانية واخره معجمة (بن عباس) بموحدة واخره مهملة (القتباني) بكسر القاف وسكون المثناة (المصري) ثقة من السادسة قوله وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قال النووي في هذه الأحاديث النهي الصريح عن افتتاح نافلة بعد إقامة الصلاة سواء كانت راتبة كسنة الصبح والظهر والعصر وغيرها وهذا مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة إذا لم يكن صلى ركعتي سنة الصبح صلاهما بعد الاقامة في المسجد ما لم يخش فوت الركعة الثانية وقال الثوري ما لم يخش فوت الركعة الأولى وقال طائفة يصليهما خارج المسجد ولا يصليهما بعد الاقامة في المسجد انتهى قلت في هذه المسألة تسعة أقوال قال الشوكاني رحمه الله تعالى في النيل قد اختلف الصحابة والتابعون ومن بعدهم في ذلك على تسعة أقوال أحدها الكراهة وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر على خلاف عنه في ذلك وأبو هريرة ومن التابعين عروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رياح وطاووس ومسلم بن عقيل وسعيد بن جبير ومن الأئمة سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ومحمد بن جرير هكذا أطلق الترمذي الرواية عن الثوري وروى عنه ابن عبد البر والنووي تفصي وهو أنه إذا خشي فوت ركعة من صلاه الفجر دخل معهم وترك سنة الفجر وإلا صلاها وسيأتي
[ 401 ]
القول الثاني أنه لا يجوز صلاة شئ من النوافل إذا كانت المكتوبة قد قامت من غير فرق بين ركعتي الفجر وغيرهما قاله ابن عبد البر في التمهيد القول الثالث أنه لا بأس بصلاة سنة الصبح وا مام في الفريضة حكاه ابن المنذر عن ابن مسعود ومسروق والحسن البصري ومجاهد ومكحول وحماد بن أبي سليمان وهو قول الحسن بن حي ففرق هؤلاء بين سنة الفجر وغيرها واستدلوا بما رواه البيهقي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إلا ركعتي الصبح وأجيب عن ذلك أن البيهقي قال هذه الزيادة لا أصل لها وفي إسنادها حجاج بن نصر وعباد بن كثير وهما ضعيفان على أنه قد روى البيهقي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة قيل يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال ولا ركعتي الفجر وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وهو متكلم فيه وقد وثقه ابن حبان واحتج به في صحيحه القول الرابع التفرقة بين أن يكون في المسجد أو خارج وبين أن يخاف فوت الركعة الأولى مع الامام أو وهو قول مالك فقال إذا كان قد دخل المسجد فليدخل مع الامام ولا يركعها يعني ركعتي الفجر وإن لم يدخل المسجد فإن لم يخف أن يفوته الامام بركعة فليركع خارج المسجد وإن خاف أن تفوته الركعة الأولى مع الامام فليدخل وليصل معه القول الخامس أنه إن خشي فوت الركعتين معا وأنه لا يدرك الامام قبل رفعه من الركوع في الثانية دخل معه وإلا فيركعهما يعني ركعتي الفجر خارج المسجد ثم يدخل مع الامام وهو قول أبي حنيفة وأصحابه كما حكاه ابن عبد البر وحكى عنه أيضا نحو قول مالك وهو الذي حكاه الخطابي وهو موافق لما حكاه عنه أصحابه وحكى النووي عنه مثل قول الأوزاعي الاتي ذكره القول السادس أنه يركعهما في المسجد إلا أن يخاف فوت الركعة الأخيرة فأما الركعة الأولى فليركع وإن فاتته وهو قول الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وحكاه النووي عن أبي حنيفة وأصحابه القول السابع يركعهما في المسجد وغيره إلا إذا خاف فوت الركعة الأولى وهو قول سفيان الثوري حكى ذلك عنه ابن عبد البر وهو قول مخالف لما رواه الترمذي عنه القول الثامن أنه يصليهما وإن فاتته صلاة الامام إذا كان الوقت واسعا قاله ابن الجلاب من المالكية
[ 402 ]
القول التاسع أنه إذا سمع الاقامة لم يحل له الدخول في ركعتي الفجر ولا في غيرهما من النوافل سواء كان في المسجد أو خارجه فإن فعل فقد عصى وهو قول أهل الظاهر ونقله ابن حزم عن الشافعي وعن جمهور السلف وكذا قال الخطابي وحكى الكراهة عن الشافعي وأحمد وحكى القرطبي في المفهم عن أبي هريرة وأهل الظاهر وأهل الظاهر أنها لا تنعقد صلاة تطوع في وقت إقامة الفريضة وهذا القول هو الظاهر إن كان المراد بإقامة الصلاة الاقامة التي يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة وهو المعنى المتعارف قال العراقي وهو المتبادر إلى الأذهان من هذا الحديث إلا إذا كان المراد بإقامة الصلاة فعلها كما هو المعنى الحقيقي ومنه قوله تعالى (الذين يقيمون الصلاة) فإنه لا كراهة في فعل النافلة عند إقامة المؤذن قبل الشروع في الصلاة وإذا كان المراد المعنى الأول فهل المراد به الفراغ من الاقامة لأنه حينئذ يشرع في فعل الصلاة والمراد شروع المؤذن في الاقامة قال العراقي يحتمل أن يراد كل من الأمرين والظاهر أن المراد شروعه في الاقامة ليتهيأ المأمون دراك التحريم مع الامام ومما يدل على ذلك حديث أبي موسى عند الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صلى ركعتي الفجر حين أخذ المؤذن يقيم قال العراقي وإسناده جيد انتهى ما في النيل قلت المراد بإقامة الصلاة في قوله إذا أقيمت الصلاة الاقامة التي يقولها المؤذن عند إرادة الصلاة وهذا هو المتعين لرواية ابن حبان بلفظ إذا أخذ المؤذن في الاقامة والروايات بعضها يفسر بعضا ثم المراد با قامة شروع المؤذن فيها لا الفراغ منها يدل على ذلك رواية ابن حبان هذه وحديث ابن عباس بلفظ قال كنت أصلي وأخذ المؤذن في الاقامة فجذبني نبي الله صلى الله عليه وسلم الخ وحديث أبي موسى عند الطبراني المذكور انفا وقد تقدم بتمامه والقول الراجح المعول عليه هو القول التاسع وعليه يدل أحاديث الباب والله تعالى أعلم باب ما جاء في من تقوته الركعتان قبل الفجر يصليهما بعد صلاة الصبح قوله (حدثنا محمد بن عمرو السواق) بفتح السين وتشديد الواو البلخي صدوق روى عن الدراوردي وهشيم ووكيع وغيرهم وعنه البخاري والترمذي وأبو زرعة وغيرهم توفي سنة 236 ست وثلاثين ومائتين (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) بن أبي عبيد الدراوردي أبو محمد المدني
[ 403 ]
قال الحافظ في مقدمة فتح الباري أحد مشاهير المحدثين وثقه يحيى بن معين وعلي بن المديني وقال أحمد كان معروفا بالطلب وإذا حدث من كتابه فهو صحيح وإذا حدث من كتب الناس وهم وقال أبو زرعة سئ الحفظ وربما حدث من حفظ السئ فيخطئ وقال النسائي ليس به بأس وحديثه عن عبيد الله بن عمر منكر وقال أبو حاتم لا يحتج به قال روى له البخاري حديثين قرنه فيهما بعبد العزيز بن أبي حازم وغيره وأحاديث يسيرة أفرده لكنه أوردها بصيغة التعليق في المتابعات واحتج به الباقون انتهى كلام الحافظ مختصرا (عن سعد بن سعيد) بن قيس بن عمرو الأنصاري وهو أخو يحيى بن سعيد الأنصاري قال الحافظ صدوق سئ الحفظ وقال الخزرجي في الخلاصة ضعفه أحمد وابن معين وقال مرة صالح وقال النسائي ليس بالقوي وقال ابن عدي لا أرى بحديثه بأسا وقال ابن سعد ثقة (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي المدني ثقة (عن جده) أي جد سعد بن سعيد (قيس) بن عمرو بن سهل الأنصاري صحابي من أهل المدينة قوله (فقال مه يا قيس) قال في القاموس يقال مه يا رجل وكذا للأنثى والجمع بمعنى أمهل (أصلاتان معا) الاستفهام للانكار أي أفرضان في وقت فرض واحد إذ لا نقل بعد صلاة الفجر قاله أبو الطيب السندي (إني لم أكن ركعت ركعتي الفجر) وفي رواية أبي داود إني لم أكن صليت الركعتين اللتين قبلهما الان (فلا إذن) أي إذا كان كذلك فلا بأس عليك أن تصليهما حينئذ وفي رواية أبي داود فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن الملك سكوته يدل على قضاء سنة الصبح بعد فرضه لمن لم يصلها قبله وبه قال الشافعي قال القاري في المرقاة هذا الحديث لم يثبت فلا يكون حجة على أبي حنيفة انتهى قلت قد ثبت هذا الحديث كما ستقف عليه تنبيه إعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم فلا إذن معناه فلا بأس عليك أن تصليهما حينئذ كما ذكرته ويدل عليه رواية أبي داود بلفظ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواية عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار بلفظ فلم يقل له شيئا قال الشوكاني في النيل قال العراقي إسناده حسن ورواية ابن أبي شيبة بلفظ فلم يأمره ولم ينهه ورواية ابن حبان بلفظ فلم ينكر عليه والروايات بعضها يفسر بعضا وبهذا فسر العلماء الشافعية والحنفية قال أبو الطيب السندي الحنفي في شرح
[ 404 ]
الترمذي في شرح قوله فلان إذن أي فلا بأس عليك حينئذ ولا شئ عليك ولا لوم عليك انتهى وقال الشيخ سراج أحمد السرهندي الحنفي في شرح الترمذي في ترجمة فلا إذن بس نداين وقت منع ميكتم ترا اذكزاردن سنت انتهى فإذا عرفت هذا كله ظهر لك بطلان قول صاحب العرف الشذي في تفسير قوله فلا إذن معناه فلا تصل مع هذا العذر أيضا فلا إذن للانكار انتهى وأما إطالته الكلام في إثبات هذا المعنى فمبني على قصور فهمه كما لا يخفى على المتأمل بالمتأمل الصادق قوله (حديث محمد بن إبراهيم لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث سعد بن سعيد) والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد في مسنده وابن شيبة والدارقطني والحاكم (وقال سفيان بن عيينة سمع عطاء بن أبي أبي رباح من سعد بن سعيد) هذا الحديث وإنما يروى هذا الحديث مرس وقال أبو داود في سننه بعد ذكر حديث الباب ما لفظه حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال قال سفيان كان عطاء بن أبي رباح يحدث بهذا الحديث عن سعد بن سعيد قال أبو داود وروى عبد ربه ويحيى ابنا سعيد هذا الحديث مرس أن جدهم زيدا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه القصة قوله (وقد قال قوم من أهل مكة بهذا الحديث لم يروا بأسا أن يصلي الركعتين بعد المكتوبة قبل أن تطلع الشمس) وهذا هو مذهب عطاء وطاووس وابن جريج والشافعي قال الخطابي في المعالم قد اختلف الناس في وقت قضاء ركعتي الفجر فروى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال يقضيهما بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وطاووس وابن جريج وقالت طائفة يقضيها إذا طلعت الشمس وبه قال القاسم بن محمد وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وقال أبو حنيفة وأصحابه إن أحب قضاهما إذا ارتفعت الشمس فإن لم يفعل فلا شئ عليه لأنه تطوع وقال مالك يقضيهما ضحى إلى وقت زوال الشمس ولا يقضيهما بعد الزوال انتهى وقال الشوكاني
[ 405 ]
في النيل قال العراقي والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلان بعد الصبح ويكونان أداء انتهى قوله (وقيس هو جد يحيى بن سعيد ويقال هو قيس بن عمرو ويقال هو قيس بن قهد) بفتح القاف وسكون الهاء وبالدال (وإسناد هذا الحديث ليس بمتصل محمد بن إبراهيم التيمي لم يسمع من قيس) قال الشوكاني في النيل قول الترمذي إنه مرسل ومنقطع ليس بجيد فقد جاء متص من رواية يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس رواه ابن خزيمة في صحيحه وابن حبان من طريقه وطريق غيره والبيهقي في سننه عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس المذكور وقد قيل إن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه فيصح ما قاله الترمذي من الانقطاع وأجيب عن ذلك بأنه لم يعرف القائل بذلك انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني فقد أخرج ابن حبان في صحيحه قال حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة ووصيف بن عبد الله الحافظ قالا حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثنا يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن قهد أنه صلى الله عليه وسلم الصبح ولم يكن ركع ركعتي الفجر فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فركع ركعتي الفجر ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه فلم ينكر عليه ورجاله ورجاله كلهم ثقات أما ابن أبي شيبة وشيخه محمد بن إسحاق بن خزيمة فهما إمامان جليلان حافظان ثقتان ثبتان وأما الربيع بن سليمان وهو أبو محمد المرادي المصري المؤذن صاحب الشافعي فقال الحافظ في التقريب ثقة وقال في التهذيب قال النسائي لا بأس به وقال ابن يونس كان ثقة وكذا قال الخطيب وقال ابن أبي حاتم سمعنا منه هو صدوق ثقة سئل أبي عنه فقال صدوق وقال الخليلي ثقة متفق عليه انتهى وأما أسد بن موسى ويقال له أسد السنة فقال البخاري مشهور الحديث وقال النسائي ثقة وقال ابن يونس حدث بأحاديث منكرة وأحسب الافة من غيره وقال أيضا هو وابن قانع والعجلي والبزار ثقة وذكره ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وأما الليث بن سعد فقال الحافظ في التقريب ثقة ثبت فقيه إمام مشهور وأما يحيى بن سعيد بن قيس فقال الحافظ في التقريب ثقة ثبت وأما سعيد بن قيس فثقة أورده ابن حبان في كتاب ثقات التابعين وأما قيس جد يحيى بن سعيد الخطابي من أهل المدينة وأخرج الحاكم هذا الحديث هذا في المستدرك قال حدثنا أبو العباس
[ 406 ]
محمد بن يعقوب حدثنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الفجر فصلى معه فلما سلم قام فصلى ركعتي الفجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هاتان الركعتان فقال لم أكن صليتهما قبل الفجر فسكت ولم يقل شيئا قيس بن قهد الأنصاري صحابي والطريق إليه صحيح انتهى وأخرجه الدارقطني في سننه قال حدثنا أبو بكر النيسابوري حدثنا الربيع بن سليمان ونصر بن مرزوق قالا أخبرنا أسد بن موسى قيس الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بمثل لفظ الحاكم وأما ما قيل من أن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه فقد ذكر الشوكاني جوابه وهو أنه لم يعرف القائل بذلك وقد عرفت انفا أن الحاكم قد قال بعد إخراجه قيس بن قهد الأنصاري صحابي والطريق إليه صحيح فإن قلت قال الحافظ في الاصابة في تمييز الصحابة وأخرجه ابن مندة من طريق أسد بن موسى عن الليث عن يحيى عن أبيه عن جده وقال غريب تفرد به أسد موصولا وقال غيره عن الليث عن يحيى أنه حديثه مرسل قلت تفرده لا يقدح في صحة الحديث لأنه ثقة قال النووي في مقدمة المنهاج إذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم موقوفا وبعضهم مرفوعا أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله أو وقفه في وقت فالصحيح الذي قاله المحققون من المحدثين وقاله الفقهاء وأصحاب الأصول وصححه الخطيب البغدادي أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر أو أحفظ لأنه زيادة ثقة وهي مقبولة وقال في شرح مسلم في باب صلاة الليل إن الصحيح بل الصواب الذي عليه الفقهاء والأصوليون ومحققو المحدثين أنه إذا روى الحديث مرفوعا وموقوفا أو موصولا ومرسلا حكم بالرفع والوصل لأنها زيادة ثقة وسواء كان الرافع والواصل أكثر أو أقل في الحفظ والعدد انتهى فإن قلت قال الشيخ يوسف بن موسى في المعتصر من المحتصر وما روى الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن قهد ثم سافه ثم قال فهو من الأحاديث التي لا يحتج بمثلها لعلة في رواته ذكرت مفصلة في المطول انتهى كلامه فكيف يكون هذا الحديث صحيحا قاب للاحتجاج قلت الشيخ يوسف بن موسى صاحب المعتصر ليس من أئمة الحديث وقوله هذا ليس مما
[ 407 ]
يعول عليه فإنه ليس في رواته علة توجب القدح في صحة الحديث وأما ما قيل من أن سعيد بن قيس لم يسمع من أبيه فقد عرفت الجواب عن ذلك وكذا عرفت الجواب عن تفرد أسد بن موسى به فالحديث صحيح قابل للاحتجاج وله شواهد منها ما أخرجه الترمذي في هذا الباب ومنها ما أخرج ابن حزم في المحلى عن الحسن بن ذكوان عن عطاء بن أبي رباح عن رجل من الأنصار (قال رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي بعد الغداة فقال يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فصليتهما الان فلم يقل شيئا) قال العراقي إسناده حسن ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه مرس قال حدثنا هشيم عن عبد الملك عن عطاء أن رجلا صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح الحديث وفي الباب روايات أخرى باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس قوله (حدثنا عقبة) بضم العين وسكون القاف (بن مكرم) بضم الميم وسكون الكاف وفتحا الراء (العمى) بفتح العين المهملة وتشديد الميم أبو عبد الملك البصري ثقة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى يحيى القطان وغندر بن مهدي وخلق وعنه م د ت ق قال أبو داود ثقة ثقة (أخبرنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله الكلابي القيسي أبو عثمان البصري صدوق في حفظه شئ كذا قال الحافظ في التقريب وقال في مقدمة الفتح وثقه ابن معين والنسائي وقال أبو داود لا أنشط لحديثه وقدم عليه الحوضي قال الحافظ قد احتج به أبو داود في السنن والباقون انتهى (عن بشير بن نهيك) بفتح النون وكسر الهاء واخره كاف السدوسي البصري ثقة قوله (من لم يصل ركعتي الفجر فليصليهما بعد ما تطلع الشمس) وفي رواية الدارقطني والحاكم من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما وفي رواية للحاكم من نسي ركعتي الفجر فليصلهما إذا طلعت الشمس قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه) يعني من طريق عمرو بن عاصم أخبرنا
[ 408 ]
همام عن قتادة إلخ وأخرجه أيضا الدارقطني في سننه من هذا الطريق وأخرجه أيضا الحاكم من هذا الطريق وتقدم لفظهما انفا وقال الحاكم هذا الحديث صحيح على شرط الشيخين انتهى ولم يحكم الترمذي عليه بشئ من الصحة والضعف قلت في إسناد هذا الحديث قتادة وهو مدلس ورواه عن النضر بن أنس بالعنعنة قال الحافظ بن حجر في طبقات المدلسين قتادة بن دعامة السدوسي البصري صاحب أنس بن مالك رضي الله عنه كان حافظ عصره ومشهور بالتدليس وصفه به النسائي وغيره ثم هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ تفرد به عمرو بن عاصم عن همام وخالف جميع أصحاب همام فإنهم رووه بغير هذا اللفظ قوله (وقد روى عن أبي عمر أنه فعله) أخرجه مالك في الموطأ قال إنه بلغه أن عبد الله بن عمر فاتته ركعتا الفجر فقضاهما بعد أن طلعت الشمس ورواه ابن أبي شيبة أيضا قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك) قال الشوكاني في النيل بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه وحكاه الخطابي عن الأوزاعي قال العراقي والصحيح من مذهب الشافعي أنهما يفعلان بعد الصبح ويكونان أداء قال والحديث لا يدل صريحا على أن من تركهما قبل صلاة الصبح لا يفعلهما إلا بعد طلوع الشمس وليس فيه إلا الأمر لمن لم يصلهما مطلقا أن يصليهما بعد طلوع الشمس ولا شك أنهما إذا تركا في وقت الأداء فعلا في وقت القضاء وليس في الحديث ما يدل على المنع من فعلهما بعد صلاة الصبح ويدل على ذلك رواية الدارقطني والحاكم والبيهقي فإنهما بلفظ من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلهما انتهى كلام الشوكاني قوله (والمعروف من حديث قتادة إلخ) الظاهر أن مقصود الترمذي أن حديث الباب باللفظ المذكور شاذ والمحفوظ ما هو المعروف من حديث قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد
[ 409 ]
أدرك الصبح والله تعالى أعلم باب ما جاء في الأربع قبل الظهر قوله (حدثنا محمد بن بشار) بضم الموحدة وسكون النون هو محمد بن بشار (أخبرنا أبو عامر) اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي بفتح المهملة والقاف ثقة من التاسعة (عن عاصم بن ضمرة) السلولي الكوفي صدوق من الثالثة وقال في الخلاصة وثقه ابن المديني وابن معين وتكلم فيه غيرهما قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين) على هذا العمل عند أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي وتمسكوا بهذا الحديث وبحديث عائشة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الغداة أخرجه البخاري وبحديث أم حبيبة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر صلاة الغداة أخرجه الترمذي في باب من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة من السنة ماله من الفضل وقال حسن صحيح وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ركعتان أيضا قبل الظهر روى الشيخان عن ابن عمر قال حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته بعد العشاء وركعتين قبل صلاة الصبح قال الحافظ في الداودي وقع في حديث ابن عمر أن قبل الظهر ركعتين وفي حديث عائشة أربعا وهو محمول على أن كل واحد منهما وصف ما رأى قال ويحتمل أن يكون ابن عمر نسي ركعتين من الأربع قال الحافظ هذا الاحتمال بعيد والأولى أن يحمل على حالين فكان يصلي تارة ثنتين وتارة يصلي أربعا وقيل هو محمول على أنه كان يقتصر في المسجد على ركعتين وفي بيته يصلي أربعا ويحتمل أن يكون يصلي إذا كان في بيته ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون ما في بيته واطلعت
[ 410 ]
عائشة على الأمرين ويقوي الأول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج قال أبو جعفر الطبري الأربع كانت في كثير من أحواله وركعتان في قليلها انتهى كلام الحافظ قلت والأولى أن يحمل على الحالين فكان تارة يصلي أربعا وتارة ركعتين كما قال الحافظ والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن عائشة وأم حبيبة) تقدم تخريج حديثهما انفا قوله (حديث علي حديث حسن) في إسناده أبو إسحاق السبيعي وهو مدلس ورواه عن عاصم بن ضمرة بالعنعنة قوله (حدثنا أبو بكر العطار) اسمه أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي صدوق (قال قال علي بن عبد الله) بن جعفر الحسن بن المديني أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استصغرت نفسي إلا عنده (عن يحيى بن سعيد) بن فروخ القطان أحد أئمة الجرح والتعديل (عن سفيان) هو الثوري كما في الميزان (كنا نعرف فضل حديث عاصم بن ضمرة على حديث الحارث) أي الأعور وقال أحمد هو أعلى من الحارث الأعول وهو عندي حجة وقال ابن حبان روى عنه أبو إسحاق والحكم كان ردئ الحفظ فاحش الخطأ يرفع عن علي قوله كثيرا فاستحق الترك على أنه أحسن حا من الحارث كذا في الميزان قوله (وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق) وهو قول الحنفية (وقال بعض
[ 411 ]
أهل العلم صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يرون الفصل بين كل ركعتين وبه يقول الشافعي وأحمد) واستدل لهم بحديث ابن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى رواه أحمد وأصحاب السنن وابن خزيمة وابن حبان من طريق علي بن عبد الله البارقي الأزدي عنه وأصله في الصحيحين بدون ذكر النهار وفيه أن في صحة زيادة والنهار في هذا الحديث كلاما قال الحافظ في الفتح إن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحافظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من علي الأزدي حتى أقبل منه وادعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا يفصل بينهن بتسليم وهو الحنفية وغيرهم لمفهوم حديث ابن عمر صلاة الليل مثنى مثنى أخرجه الشيخان وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجه على الراجح وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل الجواب بذلك مطابقة للسؤال وبحديث أبي أيوب مرفوعا قال أربع قبل الظهر ليس فيهن بتسليم تفتح لهن أبواب السماء أخرجه أبو داود والترمذي في الشمائل ورواه ابن ماجه في سننه بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم وضعفه أبو داود وقال أبو عبيدة بن معتب الضبي انتهى ورواه محمد بن الحسن في موطأه حدثنا بكير بن عامر البجلي عن إبراهيم والشعبي عن أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس فسأله أبو أيوب الأنصاري عن ذلك فقال إن أبواب السماء تفتح في هذه الساعة فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير قلت أفي كلهن قراءة ا قال نعم قتل أتفصل بينهن بسلام فقال لا قلت حديث أبي أيوب هذا ضعيف بكلتا الطريقين أما طريق أبي داود وغيره ففيها أبو عبيدة بن معتب الضبي وهو ضعيف ومع ضعفه قد اختلط باخره كما صرح به الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية قال صاحب التنقيح وروى ابن خزيمة هذا الحديث في مختصر المختصر وضعفه فقال وعبيدة بن معتب ليس ممن يجوز الاحتجاج بخبره انتهى وأما طريق محمد بن الحسن ففيها بكير بن عامر البجلي وهو ضعيف كما في التقريب وقال في الميزان ضعفه ابن معين والنسائي وقال أبو زرعة ليس بقوي وقال أحمد ليس بذاك وقال مرة ليس به بأس انتهى ولم أجد حديثا مرفوعا صحيحا صريحا في الفصل بين الأربع قبل الظهر بالتسليم ولا في الوصل بينهن فإن شاء صلاهن بسلام واحد وإن شاء صلاهن بسلامين هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 412 ]
باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر قوله (وركعتين بعدها) فيه أن السنة بعد الظهر ركعتان وقد جاء أربع ركعات أيضا كما رواه الترمذي في الباب الاتي قوله (وفي الباب عن علي وعائشة) أما حديث علي فأخرجه الترمذي في الباب المتقدم وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم قول (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان مطو وتقدم في الباب المتقدم باب منه اخر قوله (حدثنا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي) بفتح العين المهملة والمثناة الفوقية صدوق قوله (كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها) أي بعد الظهر بعد الركعتين ففي رواية ابن ماجه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر ورواه رواية ابن ماجه كلهم ثقات إلا قيس بن الربيع ففيه مقال وقد وثق قاله الشوكاني قلت قال الحافظ في التقريب في ترجمته صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به انتهى والحديث يدل على مشروعية المحافظة على السنن التي قبل الفرائض وعلى امتداد وقتها إلى
[ 413 ]
اخر وقت الفريضة وذلك لأنها لو كانت أوقاتها تخرج بفعل الفرائض لكان فعلها بعدها قضاء وكانت مقدمة على فعل سنة الظهر وقد ثبت في حديث الباب أنها تفعل بعد ركعتي الظهر ذكر معنى ذلك العراقي قال وهو الصحيح عند الشافعية قال وقد يعكس هذا فيقال لو كان وقت الأداء باقيا لقدمت على ركعتي الظهر وذكر أن الأول أولى كذا في النيل قوله (هذا حديث حسن غريب) قال الشوكاني في النيل رجال إسناده ثقات إلا عبد الوارث بن عبيد الله العتكي وقد ذكره ابن حبان في الثقات انتهى قلت وقد قال الحافظ إنه صدوق (ورواه قيس بن الربيع عن شعبة عن خالد الحذاء نحو هذا) أخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه (وقد روى عن الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا) أخرجه ابن أبي شيبة عنه مرسلا بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاتته أربع قبل الظهر صلاها بعدها قوله أخبرنا (يزيد بن هارون) ثقة متقن (عن محمد بن عبد الله الشعيثي) بضم الشين المعجمة وفتح العين المهملة وبعدها تحتانية ساكنة ثم مثلثة قال الحافظ صدوق وقال في النيل وثقه دحيم والمفضل بن غسان العلائي وابن حبان انتهى (عن أبيه) أي عبد الله بن المهاجر الشعثي النصري الدمشقي قال الحافظ مقبول وذكره ابن حبان في الثقات (عن عنبسة بن أبي سفيان) قال في التقريب عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية القرشي الأموي أخو معاوية يكنى أبا الوليد وقيل غير ذلك يقال له رواية وقال أبو نعيم اتفق الأئمة على أنه تابعي وذكره ابن حبان في ثقات التابعين مات قبل أخيه قوله (من صلى قبل الظهر أربعا وبعدها أربعا حرمه الله على النار) وفي رواية لم تمسه النار وفي رواية حرم على النار وفي رواية حرم الله لحمه على النار وقد اختلف في معنى ذلك هل المراد أنه لا يدخل النار أص أو أنه إن قدر عليه دخولها لا تأكله النار أو أنه يحرم على النار أن
[ 414 ]
تستوعب أجزاءه وإن مست بعضه كما في بعض طرق الحديث عند النسائي بلفظ فتمس وجهه النار أبدا وهو موافق لقوله في الحديث الصحيح وحرم على النار أن تأكل مواضع السجود فيكون قد أطلق الكل وأريد البعض مجازا والحمل على الحقيقة أولى وأن الله تعالى يحرم جميعه على النار وفضل الله أوسع ورحمته أعم وظاهر قوله من صلى أن التحريم يحصل بمرة واحدة لكن الرواية الاتية بلفظ من حافظ تدل على أن التحريم لا يحصل إلا للمحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الخمسة كذا في المنتقى قوله (حديث أبو بكر بن إسحاق البغدادي) المغاني بفتح المهملة ثم المعجمة ثقة ثبت (حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي) بكسر مثناة فوق وقيل بفتحها وكسر نون مشددة فمثناة تحت وسين مهملة لذا في المغنى قال الحافظ في الفتح ثقة متقن (عن القاسم أبي عبد الرحمن) قد بين ترجمته الترمذي في اخر هذا الباب قوله (من حافظ) أي داوم واظب قال القاري في المرقاة ركعتان منها مؤكدة وركعتان مستحبة فالأولى بتسليمتين بخلاف الأولى انتهى قلت فيه ما فيه كما لا يخفى على المتأمل وقال الشوكاني في النيل والحديث يدل على تأكد استحباب أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعده وكفى بهذا الترغيب باعثا على ذلك انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وهو ثقة شامي) قال المنذري في تلخيص السنن القاسم هذا اختلف فيه فمنهم
[ 415 ]
من يضعف روايته ومنهم من يوثقه انتهى قلت قال الحافظ في التقريب إنه صدوق وقال الذهبي في الميزان وثقه ابن معين من وجوه عنه وقال الجوزجاني كان خيارا فاض أدرك أربعين من المهاجرين والأنصار وقال الترمذي ثقة وقال يعقوب بن شيبة منهم من يضعفه انتهى وقال الذهبي قبل هذا قال الامام أحمد روى عنه علي بن يزيد أعاجيب وما أراها إلا من قبل القاسم وقال ابن حبان كان القاسم أبو عبد الرحمن يزعم أنه لقي أربعين بدريا كان ممن يروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المعضلات وأتى عن الثقات بالمقلوبات حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها انتهى باب ما جاء في الأربع قبل العصر قوله (أخبرنا أبو عامر) العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي ثقة (أخبرنا سفيان) الظاهر أنه هو الثوري (عن أبي إسحاق) اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي ثقة مدلس (عن عاصم بن ضمرة) السلولي صدوق قوله (يصلي قبل العصر أربع ركعات) فيه استحباب أربع ركعات قبل العصر وروى أبو داود من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر ركعتين فالمراد أنه صلى الله عليه وسلم أحيانا يصلي أربع ركعات وأحيانا ركعتين جمعا بين الروايتين فالرجل مخير بين أن يصلي أربعا أو ركعتين والأربع أفضل (يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين) المراد بالتسليم التشهد دون تسليم التحلل كما ستقف عليه قوله (وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن عمرو) وأما حديث ابن عمر فأخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط مرفوعا بلفظ من صلى أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار وفي الباب أيضا عن أبي
[ 416 ]
هريرة عند أبي نعيم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى ركعات قبل العصر غفر الله له وهو من رواية الحسن عن أبي هريرة وهو لم يسمع منه وعن أم سلمة عند الطبراني في الكبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى أربع ركعات قبل العصر حرم الله بدنه على النار كذا في النيل قوله (حديث علي حديث حسن) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه رواه أحمد الترمذي والبزار والنسائي من حديث عاصم بن ضمرة عنه يعني عن علي قال البزار لا تعرفه إلا من حديث عاصم وقال الترمذي كان ابن المبارك يضعف هذا الحديث انتهى كلام الحافظ قلت قد أعاد الترمذي حديث علي هذا في الباب كيف يتطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار وذكر هناك أنه روى عن ابن المبارك أنه كان يضعف هذا الحديث ونذكر هناك ما في هذا الحديث من الكلام قوله (واختار إسحاق بن إبراهيم أن لا يفصل في الأربع قبل العصر) ألا يصلي الأربع بتسليمتين بل بتسليمة واحدة (واحتج بهذا الحديث وقال معنى قوله إنه يفصل بينهن بالتسليم يعني التشهد) قال البغوي المراد بالتسليم التشهد دون السلام أي وسمى تسليما على من ذكر لاشتماله عليه وكذا قاله ابن الملك قال الطيبي ويؤيده حديث عبد الله بن مسعود كنا إذا صلينا قلنا السلام على الله قبل عباده السلام على جبريل وكان ذلك في التشهد انتهى قلت وقيل المراد بالتسليم التحلل من الصلاة والراجح عندي هو ما اختاره إسحاق ويأتي تحقيقه حيث أعاد الترمذي هذا الحديث (ورأى الشافعي وأحمد صلاة الليل والنهار مثنى مثنى أن الفصل أي بتسليمتين وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة صلاة الليل والنهار رباع رباع وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد صلاة الليل مثنى مثنى وصلاة النهار رباع رباع) والاختلاف في الأولوية ونذكر دلائل كل من هؤلاء مع بيان مالها وما عليها وما هو الأولى عندي في هذه المسألة في باب كيف يتطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار
[ 417 ]
قوله (وأحمد بن إبراهيم) بن كثير الدورقي النكري البغدادي روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم قال أبو حاتم صدوق وقال صالح جزرة كان أحمد أكثرهما حديثا وأعلمهما بالحديث وكان يعقوب يعني أخاه أسندهما وكانا جميعا ثقتين وكان مولد أحمد سنة (168) ومات في شعبان سنة (246) قاله الحافظ (أخبرنا محمد بن مسلم بن مهران) هو محمد بن إبراهيم بن مسلم بن مهران بن المثنى قال الدارقطني بصري يحدث عن جده لا بأس بهما وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ (سمع جده) هو مسلم بن مهران أبو المثنى قال الحافظ مسلم بن المثنى ويقال بن مهران بن المثنى أبو المثنى الكوفي روى عن ابن عمر وعنه حفيده محمد بن إبراهيم بن مسلم قال أبو زرعة ثقة وذكره ابن حبان في الثقات قوله (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) قال العراقي يحتمل أن يكون دعاء وأن يكون خبرا قوله (هذا حديث حسن غريب) كذا في النسخ الموجودة بتقديم لفظ حسن على لفظ غريب وقال العراقي جرت عادة المصنف على أن يقدم الوصف بالحسن على الغرابة وقدم هنا غريب على حسن والظاهر أنه يقدم الوصف الغالب على الحديث فإن غلب عليه الحسن قدمه وإن غلبت عليه الغرابة قدمها وهذا الحديث بهذا اللفظ لا يعرف إلا من هذا الوجه وانتفت فيه وجوه المتابعات والشواهد فغلب عليه وصف الغرابة انتهى كذا في قوت المغتذي فيظهر من كلام العراقي هذا أنه كان في النسخة الموجودة انتهى كلام في قوت المغتذي فيظهر من كلام العراقي هذا أنه كان في النسخة الموجودة عنده هذا غريب حسن بتقديم لفظ غريب على لفظ حسن وحديث ابن عمر هذا قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره رواه أبو داود والترمذي وحسنه ابن حبان وصححه وكذا شيخه ابن خزيمة من حديث ابن عمر وفيه محمد بن مهران وفيه مقال لكن وثقه ابن حبان انتهى
[ 418 ]
باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب والقراءة فيهما قوله (أخبرنا بدل) بفتحتين (بن المحبر) على وزن محمد وهو بالمهملة بعد الميم وبالموحدة ثقة ثبت إلا في حديثه عن زائدة (أخبرنا بعد الملك بن معدان) هو عبد الملك بن الوليد بن المعدان قال الذهبي في الميزان قال ابن معين صالح وقال أبو حاتم ضعيف وقال ابن حبان يقلب الأسانيد لا يحل الاحتجاج به وقال البخاري فيه نظر سمع منه بدل وعبد الصمد انتهى وقال الحافظ في التقريب ضعيف (عن عاصم بن بهدلة) بفتح الموحدة وسكون الهاء وفتح الدال المهملة هو ابن أبي النجود الكوفي أحد السبعة القراء ثبت في القراءة وهو في الحديث دون الثبت صدوق بهم وقال النسائي ليس بحافظ وقال الدارقطني في حفظه شئ وقال أبو حاتم محله الصدق وقال ابن خراش في حديثه نكرة قال الذهبي هو حسن الحديث وقال أحمد وأبو زرعة ثقة خرج له الشيخان لكن مقرونا بغيره لا أص وانفرادا انتهى كلام الذهبي وقال الحافظ في التقريب صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون انتهى قوله (قال ما أحصى) أي لا أستطيع أن أعد (ما سمعت) ما مصدرية أو موصولة (يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) أي يقرأ في الركعة الأولى منهما قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد على استحباب قراءة هاتين السورتين في الركعتين بعد المغرب قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الخمسة إلا النسائي كذا في المنتقى وقال في النيل وأخرجه أيضا مسلم قوله (حديث ابن مسعود حديث غريب) هو حديث ضعيف لضعف عبد الملك بن
[ 419 ]
معدان لكن له شواهد تعضده باب ما جاء أنه يصليهما في البيت قوله (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد المغرب في بيته) المراد من المعية هذه مجرد المتابعة في العدد وهو أن ابن عمر صلى ركعتين وحده كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين لا أنه اقتدى به عليه الصلاة والسلام فيهما قاله العيني وقال الحافظ بنحو ذلك ثم قال فلا حجة فيه لمن قال يجمع في رواتب الفرائض انتهى وأحاديث الباب تدل على أن الأفضل أن يصلي سنة المغرب في البيت قوله (وفي الباب عن رافع بن خديج وكعب بن عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم والراء المهملة أما حديث رافع فأخرجه ابن ماجه بلفظ إركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم السبحة بعد المغرب وأما حديث كعب بن عجرة فأخرجه أبو داود بفلظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني الأشهل فصلى فيه المغرب فلما قضوا صلاتهم راهم يسبحون بعدها فقال هذه صلاة البيوت قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قوله (وركعتين قبل الظهر) وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا قال الحافظ الأولى أن يحمل على حالين فكان يصلي تارة ثنتين وتارة يصلي أربعا (وركعتين بعد المغرب) زاد البخاري في بيته (وركعتين بعد العشاء الاخرة) زاد البخاري في بيته وفي رواية له أما المغرب
[ 420 ]
والعشاء ففي بيته قال الحافظ في الفتح استدل به على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد بخلاف رواتب النهار وحكى ذلك عن مالك والثوري وفي الاستدلال به لذلك نظر والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد وإنما كان صلى الله عليه وسلم يتشاغل بالناس في النهار غالبا وبالليل يكون في بيته غالبا قال وأغرب ابن أبي ليلى فقال لا تجزئ سنة المغرب في المسجد حكاه عبد الله بن أحمد عنه عقب روايته الحديث محمود بن لبيد رفعه أن الركعتين بعد المغرب من صلاة البيوت وقال إنه حكى ذلك لأبيه عن ابن أبي ليلى فاستحسنه انتهى قلت في مسند الامام أحمد حدثنا عبد الله حدثني أبي وحدثنا ابن أبي عدي عن محمد بن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بعد الأشهل فصلى بهم المغرب فلما سلم قال اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم قال أبو عبد الرحمن قلت لأبي أن رجلا قال من صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد لم تجزه إلا أن يصليهما في بيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه من صلوات البيوت قال من قال هذا قلت محمد بن عبد الرحمن قال ما أحسن ما قال أو ما أحسن ما انتزع انتهى ما في المسند وفيه أيضا حدثنا عبد الله حدثني أبي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني عصام بن عمر بن قتادة بنحوه وهذا الحديث حسن وهو دليل على أن فعل الركعتين اللتين بعد المغرب في البيت أفضل وأن ذلك وقع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عمد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 421 ]
باب ما جاء في فضل التطوع ست ركعات بعد المغرب قوله (أخبرنا عمر بن أبي خثعم) هو عمر بن عبد الله بن أبي خثعم وقد ينسب إلى جده ضعيف قاله الحافظ قوله (من صلى بعد المغرب) أي بعد فرضه (ست ركعات) المفهوم أن الركعتين الراتبتين داخلتان في الست وكذا في العشرين المذكورة في الحديث الاتي قاله الطيبي قال القاري فيصلي المؤكدتين بتسليمة وفي الباقي بالخيار (لم يتكلم فيما بينهن) أي في أثناء أدائهن وقال ابن حجر إذا سلم من كل ركعتين (بسوء) أي بكلام سئ أو بكلام يوجب سوءا (عدلن) بصيغة للمجهول وقيل بالمعلوم وقال الطيبي يقال عدلت فلانا بفلان إذا سويت بينهما (له) أي لم صلى (بعبادة ثنتي عشرة سنة) قال الطيبي هذا من باب الحث والتحريض فيجوز أن يفضل ما لا يعرف على ما لا يعرف وإن كان أفضل حثا وتحريضا وقال القاضي لعل القليل في هذا الوقت والحال يضاعف على الكثير في غيره قوله (وقد روى عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من صلى بعد المغرب عشرين ركعة إلخ) أخرجه ابن ماجه من رواية يعقوب بن الوليد المدائني عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال المنذري في الترغيب ويعقوب كذبه أحمد وغيره انتهى قلت قال الذهبي في الميزان قال أحمد خرقنا حديثه وكذبه أبو حاتم ويحيى وقال أحمد أيضا كان من الكذابين الكبار يضع الحديث قوله (حديث أبي هريرة حديث غريب) قال المنذري في الترغيب رواه ابن ماجه وابن
[ 422 ]
خزيمة في صحيحه والترمذي كلهم من حديث عمر بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه (وضعفه جدا) أي تضعيفا قويا قال الذهبي في الميزان له حديث منكر أن من صلى بعد المغرب ست ركعات ومن قرأ الدخان في ليلة حدث عنه زيد بن الحباب وعمر بن يونس اليمامي وغيرهما وهاه أبو زرعة وقال البخاري منكر الحديث ذاهب انتهى وفي الباب عن محمد بن عمار بن ياسر قال رأيت عمار بن ياسر يصلي بعد المغرب ست ركعات وقال من صلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر قال المنذري في الترغيب حديث غريب رواه الطبراني في الثلاثة وقال تفرد به صالح بن قطن البخاري قال الحافظ المنذري صالح هذا لا يحضرني الان فيه جرح ولا تعديل انتهى قلت لم أجد أنا أيضا ترجمته فالله سبحانه وتعالى أعلم بحاله وعن حذيفة رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب فصلى إلى العشاء قال المنذري رواه النسائي بإسناد جيد وقد ورد في فضيلة الصلاة بين العشائين غير هذه الأحاديث ذكرها الشوكاني في النيل وقال بعد ذكرها الأحاديث المذكورة وإن كان أكثرها ضعيفة فهي منتهضة بمجموعها لا سيما في فضائل الأعمال انتهى باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء قوله (فقالت كان يصلي قبل الظهر ركعتين) وفي رواية مسلم فقالت كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ثم يخرج فيصلي بالناس قال القاري في المرقاة هذا دليل المختار مذهب أن المؤكدة قبلها أربع انتهى قلت والمختار عند الشافعية ركعتان والكل ثابت بالأحاديث
[ 423 ]
الصحيحة (وبعدها ركعتين وبعد المغرب ثنتين وبعد العشاء ركعتين إلخ) وفي رواية مسلم ثم يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس بالمغرب ثم يدخل فيصلي ركعتين ثم يصلي بالناس العشاء ويدخل بيتي فيصلي ركعتين إلخ قال ابن الملك فيه دليل على استحباب أداء السنة في البيت قيل في زماننا إظهار السنة الراتبة أولى ليعملها الناس انتهى قال القاري أي ليعلموا عملها أو لئلا ينسبوه إلى البدعة ولا شك أن متابعة السنة أولى مع عدم الالتفات إلى غير المولى قوله (وفي الباب عن علي وابن عمر) أما حديث علي فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي أيضا وقد تقدم قوله (حديث عبد الله بن شقيق عن عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم باب ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى قوله (قال صلاة الليل مثنى مثنى) أي اثنين اثنين وهو غير منصرف لتكرار العدل قاله صاحب الكشاف وقال اخرون العدل والوصف وأما إعادة مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره ابن عمر راوي الحديث فعند مسلم من طريق عقبة بن حريث قلت لابن عمر ما معنى مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين وفيه رد على من زعم من الحنفية أن معنى مثنى أن يتشهد بين كل ركعتين لأن راوي الحديث أعلم بالمراد به قال الحافظ وما فسره به وهو المتبادر إلى الفهم لأنه لا يقال في الرباعية مثلا إنها مثنى واستدل بهذا على تعيين الفصل بين كل ركعتين من صلاة الليل قال ابن دقيق العيد وهو ظاهر السياق لحصر المبتدأ في الخبر وحمله الجمهور على أنه لبيان الأفضل لما صح من فعله صلى الله عليه وسلم بخلافه ولم يتعين أيضا كونه كذلك بل يحتمل أن يكون للإشاد إلى الأخف إذ السلام بين كل ركعتين أخف على المصلي من
[ 424 ]
الأربع فما فوقها لما فيه من الراحة غالبا وقضاء ما يعرض من أمرهم وقد اختلف السلف في الفصل والوصل أيهما أفضل وقال الأثرم عن أحمد الذي اختاره في صلاة الليل مثنى مثنى فإن صلى بالنهار أربعا فلا بأس وقال محمد بن نصر نحوه في صلاة الليل قال وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في اخرها إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الوصل إلا أنا نختار أن يسلم من كل ركعتين لكونه أجاب به السائل ولكون أحاديث الفصل أثبت وأكثر طرقا كذا في الفتح وقال الحنفية إن الأفضل في صلاة النهار أن تكون أربعا واستدلوا بمفهوم حديث الباب وتعقب بأنه مفهوم لقب وليس بحجة على الراجح وعلى تقدير الأخذ به فليس بمنحصر في أربع وبأنه خرج جوابا للسؤال عن صلاة الليل فقيد الجواب بذلك مطابقة للسؤال وبأنه قد تبين من رواية أخرى أنه حكم المسكوت عنه المنطوق به ففي السنن وصححه ابن خزيمة وغيره من طريق على الأزدي عن ابن عمر مرفوعا صلاة الليل والنهار مثنى مثنى وقد تعقب هذا الأخير بأن أكثر أئمة الحديث أعلوا هذه الزيادة وهي قوله والنهار بأن الحفاظ من أصحاب ابن عمر لم يذكروها عنه وحكم النسائي على راويها بأنه أخطأ فيها وقال يحيى بن معين من علي الأزدي حتى أقبل منه وأدعى يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع أن ابن عمر كان يتطوع بالنهار أربعا لا يفصل بينهن ولو كان حديث الأزدي صحيحا لما خالفه ابن عمر يعني مع شدة اتباعه رواه عنه محمد بن نصر في سؤالاته لكن روى ابن وهب بإسناد قوى عن ابن عمر قال صلاة الليل والنهار مثنى مثنى موقوف أخرجه ابن عبد البر من طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذ وقد روى ابن أبي شيبة من وجه اخر عن ابن عمر أنه كان يصلي بالنهار أربعا أربعا وهذا موافق لما نقله ابن معين كذا في فتح الباري 534 قوله (وفي الباب عن عمرو بن عنبسة) بالعين المهملة والموحدة والسين المهملة مفتوحات صحابي مشهور أسلم قديما وهاجر بعد أحد ثم نزل الشام وأخرج حديثه ابن نصر والطبراني بلفظ صلاة الليل مثنى مثنى وجوف الليل أحق به قال المناوي في شرح الجامع الصغير وفيه أبو بكر بن مريم ضعيف قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان
[ 425 ]
باب ما جاء في فضل صلاة الليل قوله (عن أبي بشر) اسمه جعفر بن إياس اليشكري ثقة (عن حميد بن عبد الرحمن) ثقة فقيه قوله (شهر الله) صيام شهر الله والاضافة للتعظيم (المحرم) بالرفع صفة المضاف قال الطيبي أراد بصيام شهر الله صيام يوم عاشوراء قال القاري الظاهر أن المراد جميع شهر المحرم وفي خبر أبي داود وغيره صم من المحرم واترك صم من المحرم وأترك صم من المحرم واترك انتهى قلت الأمر كما قال القاري (وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) قال النووي الحديث حجة أبي إسحاق المروزي عن أصحابنا ومن وافقه على أن صلاة الليل أفضل من السنن الرواتب لأنها تشبه الفرائض وقال أكثر العلماء الرواتب أفضل والأول أقوى وأوفق لنص هذا الحديث قال الطيبي ولعمري إن صلاة التهجد لو لم يكن فيها فضل سوى قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وقوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع إلى قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين) وغيرهما من الايات لكفاه زية انتهى قوله (وفي الباب عن جابر وبلال وأبي أمامة) أما حديث جابر فأخرجه مسلم بلفظ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرا من الدنيا والاخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة وأما حديث بلال فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الترمذي في كتاب الدعاء من هذا الكتاب وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها الحافظ المنذري في كتاب الترغيب
[ 426 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن) وأخرجه وأبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه قوله (وهو جعفر بن أبي وحشية) بفتح الواو وسكون المهملة وكسر المعجمة وتثقيل التحتانية كذا ضبطه الحافظ في التقريب باب ما جاء في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قوله (يصلي أربعا) يحتمل أنها متصلات وهو الظاهر ويحتمل أنها مفصلات وهو بعيد إلا أنه يوافق حديث صلاة الليل مثنى مثنى قاله صاحب السبل قلت الأمر كما قال فلا تسأل عن حسنهن وطولهن نهت عن سؤال ذلك إما لأنه لا يقدر المخاطب على مثله فأي حاجة له في السؤال أو لأنه قد علم حسنهن وطولهن لشهرته فلا يسأل عنه أو لأنها لا تقدر تصف ذلك (ثم يصلي ثلاثا) الظاهر أنها مفصلات (أتنام قبل أن توتر) كأنه كان ينام بعد الأربع ثم يقوم فيصلي الثلاث وكأنه كان قد تقرر عند عائشة أن النوم ناقص (إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) قال النووي في شرح مسلم هذا من خصائص الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه انتهى وقال الحافظ في التلخيص لا ينتقص وضوؤه صلى الله عليه وسلم بالنوم يدل عليه ما في الصحيحين عن عائشة أن عيني تنامان ولا ينام قلبي وعن ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى ولم يتوضأ وفي البخاري
[ 427 ]
في حديث الاسراء من طريق شريك عن أنس وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم انتهى قال النووي فإن قيل كيف نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس يعني ليلة التعريس مع قوله إن عيني تنامان ولا ينام قلبي فجوابه من وجهين أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به كالحدث والألم ونحوهما ولا يدرك طلوع الفجر وغيره مما يتعلق بالعين وإنما يدرك ذلك بالعين والعين نائمة وإن كان القلب يقظان والثاني أنه كان له حالان أحدهما ينام فيه القلب وصادف هذا الموضع والثاني لاينام وهذا هو الغالب من أحواله وهذا التأويل ضعيف والصحيح المعتمد هو الأول انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر بها منها بواحدة) قال محمد بن نصر في قيام الليل بعد رواية هذا الحديث ما لفظه وفي رواية كان يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء وهي التي يدعون الناس العتمة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل اثنتين ويوتر بواحدة وفي رواية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العشاء الاخرة إلى أن ينصدع الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل اثنتين ويوتر بواحدة وكان يمكث في سجوده بقدر ما يقرأ الرجل منكم خمسين اية قبل أن يرفع رأسه ويركع ركعتين قبل الفجر ويضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن وفي أخرى كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) أصل هذا الحديث متفق عليه
[ 428 ]
باب منه قوله (عن أبي جمرة) بالجيم والراء اسمه نصر بن عمران بن عصام الضبعي نزيل خراسان مشهور بكنيته ثقة ثبت من الثالثة قوله (يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة) وروى محمد بن نصر في قيام الليل قال حدثنا يحيى عن مالك عن مخرمة عن كريب أن ابن عباس أخبره أنه بات ليلة عند ميمونة فذكر الحديث وفيه ثم قام فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم أوتر ثم ذكر حديث زيد بن خالد الجهني بإسناده وفيه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة ثم ذكر حديث جابر بن عبد الله بإسناده وفيه قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وجابر رضي الله عنه إلى جنبه فصلى العتمة ثم صلى ثلاث عشرة سجدة قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال بت عند خالتي ميمونة ليلة الحديث وفيه فقام فصلى فتتامت صلاته ثلاث عشرة ركعة الخ باب منه قوله (يصلي من الليل تسع ركعات) روى محمد بن نصر في قيام الليل ومسلم في صحيحه من طريق سعد بن هشام عن عائشة في حديث طويل قلت يا أم المؤمنين أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله متى شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ
[ 429 ]
ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله وحده ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليمة يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصنع الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وزيد بن خالد والفضل بن عباس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه مسلم قال لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فصلى ركعتين خفيفتين الحديث وفي اخره ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه الترمذي في باب ما جاء في التخشع في الصلاة قوله (حديث عائشة حديث حسن غريب) أخرجه مسلم في صحيحه عن سعد بن هشام حديثا طوي وفيه قال قلت يا أم المؤمنين يعني عائشة رضي الله عنها أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني الحديث قوله (وأكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الليل ثلاث عشر ركعة مع الوتر) كما عرفت في حديث ابن عباس وحديث زيد بن خالد الجهني (وأقل ما وصف من صلته من الليل تسع ركعات بل سبع ركعات كما في حديث عائشة) فلما أسن نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وروى البخاري في صحيحه عن مسروق قال سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالت سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر
[ 430 ]
قوله (إذا لم يصل من الليل منعه نوم أو غلبته عيناه) وفي رواية مسلم وكان إذا غلبه النوم أو وجع عن قيام الليل (صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) أي فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كما في حديث عمر رضي الله عنه مرفوعا من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل رواه مسلم والحديث دليل على استحباب على الأورد وأنها إدا فاتت تقصى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم في ضمن حديث طويل قوله (كان زرارة بن أوفى قاضي البصرة) هو من أوساط التابعين ثقة عابد (فكان يوم بنى قشير) وفي رواية محمد بن نصر في قيام الليل وهو يؤم في المسجد الأعظم (فقرأ يوما) في صلاة الصبح (فإذا نقر في الناقور) أي نفخ في الصور وبعده فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير (خرميتا) وكذلك وقع الاخرين أنهم ماتوا لسماع بعض ايات القران ففي قيام الليل وصلى خليد رحمه الله فقرأ كل نفس ذائقة الموت فرددها مرارا فناداه من ناحية البيت كم تردد هذه الاية فلقد قتلت بها أربعة نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إلى السماء حتى ماتوا من تردادك هذه الاية فوله خليد بعد ذلك ولها شديدا حتى أنكره أهله كأنه ليس الذي كان وسمع اخر قارئا يقرأ (وردوا إلى الله مولاهم الحق) الاية فصرخ واضطرب حتى مات وسمع اخر قارئا يقرأ قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة فمات لأن مرارته تفطرت وقيل لفضيل بن عياض ما سبب موت ابنك قال بات يتلو القران في محرابه فأصبح ميتا
[ 431 ]
باب في نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا في كل ليلة قوله (أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن الاسكندراني) ثقة قوله (ينزل الله تبارك وتعالى كل ليلة) قد اختلف في معنى النزول على أقوال فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة تعالى الله عن قولهم ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة وهم الخوارج والمعتزلة وهو مكابرة ومنهم من أوله ومنهم من أجرأه على ما ورد مؤمنا به على طريق الاجمال منزها الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمادين والأوزاعي والليث وغيرهم وهذا القول هو الحق فعليك أتباع جمهور السلف وإياك أن تكون من أصحاب التأويل والله تعالى أعلم (حين يمضي ثلث الليل الأول) بالرفع صفة ثلث (من الذي يدعوني فأستجيب) بالنصب على جواب الاستفهام والرفع على الاستئناف وكذا قوله فأعطيه وفأغفر له وقد قرئ بهما في قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له الاية وليست السين في أستجيب للطلب بل أستجيب بمعنى أجيب (حتى يضئ الفجر) وفي رواية مسلم حتى ينفجر الفجر والمعنى حتى يطلع ويظهر الفجر قوله (وفي الباب عن علي بن أبي طالب وأبي سعيد ورفاعة الجهني وجبير بن مطعم وابن
[ 432 ]
مسعود وأبي الدرداء وعثمان بن أبي العاص) أما حديث علي وابن مسعود وعثمان ابن أبي العاص فأخرجه أحمد وأما حديث جبير بن مطعم ورفاعة الجهني فأخرجه النسائي وأما حديث أبي الدرداء فأخرجه الطبراني كذا في فتح الباري وأما حديث أبي سعيد فأخرجه النسائي قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة (وقد روى هذا الحديث من أوجه كثيرة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ينزل الله تبارك وتعالى حين يبقى ثلث الليل الاخر وهذا أصح الروايات) برفع الاخر لأنه صفة الثلث قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي وهذا أصح الروايات ما لفظه ويقوي ذلك أن الروايات المخالفة له اختلف فيها على رواتها وسلك بعضهم طريق الجمع وذلك أن الروايات انحصرت في ستة أشياء أولها هذه يعني حين يبقى ثلث الليل الاخر ثانيها إذا مضى الثلث الأول أو النصف رابعها النصف خامسها النصف أو الثلث الأخير سادسها الاطلاق فأما الروايات المطلقة فهي محمولة على المقيدة وأما التي بأو فإن كانت أو للشك فالمجزوم به مقدم على الشكوك فيه وإن كانت للتردد بين حالين فيجمع بذلك بين الروايات بأن ذلك يعق بحسب اختلاف الأحوال لكون أوقات الليل تختلف في الزمان وفي الافاق باختلاف تقدم دخول الليل عند قوم وتأخره عند قوم وقال بعضهم يحتمل أن يكون النزول يقع في ثلث الأول والقول يقع في النصف والثلث الثاني وقيل يحمل على ذلك يقع في جميع الأوقات التي وردت بها الأخبار ويحمل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم بأحد الأمور في وقت فأخبر به ثم أعلم به في وقت اخر فأخبر به فنقل الصحابة ذلك عنه والله أعلم انتهى كلام الحافظ
[ 433 ]
باب ما جاء في القراءة الليل قوله (أخبرنا يحيى بن أبي إسحاق) البجلي أبو زكريا السيلحيني البغدادي قال ابن سعد كان ثقة حافظا كذا في الخلاصة وقال الحافظ صدوق (عن عبد الله بن رباح الأنصاري المدني أبي خالد مسكن البصرة ثقة من الثالثة قتله الأزارقة قوله (قال لأبي بكر مررت بك) وفي رواية أبي داود رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يخفض من صوته ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال يا أبا بكر مررت بك إلخ (وأنت تقرأ) جملة حالية (وأنت تخفض) ضد الرفع (فقال إني أسمعت من ناجيت) جواب متضمن لعلة الخفض أي أنا أناجي ربي وهو يسمع لا يحتاج إلى رفع الصوت (فقال إني أوقظ) أي أنبه (الوسنان) أي النائم الذي ليس بمستغرق في نومه (وأطرد الشيطان) أي أبعده (قال ارفع قلي) وفي رواية أبي داود ارفع من صوتك شيئا (قال اخفض قلي) أي اخفض من صوتك شيئا كما في رواية أبي داود قوله (وفي الباب عن عائشة وأم هانئ وأنس وأم سلمة وابن عباس) أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث أم هانئ فأخرجه الحافظ محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ قالت كنت أسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وأنا على عريش أهلي وأما حديث أنس فلينظر من أخرجه وأما حديثث أم سلمة فأخرجه أبو داود ثم ينام قدر ما صلى حتى يصبح ثم نعتت قراءته فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود بلفظ قال كانت قراءة النبي
[ 434 ]
صلى الله عليه وسلم على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت وفي قيام الليل لمحمد بن بصر سئل ابن عباس عن جهر النبي صلى الله عليه وسلم بالقراءة بالليل فقال كان يقرأ في حجرته قراءة لو أراد حافظ أن يحفظها فعل قوله (عن عبد الله بن أبي قيس) النصري بالنون هو أبو الاسود الحمصي وثقه النسائي قال الحافظ ثقة مخضرم من كبار التابعين قوله (كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل) أي في قيام الليل بالسر أو بالجهر (ربما أسر بالقراءة وربما جهر) بيان لما قبله . والحديث يدل على أن الجهر والاسرار جائزان في قراءة صلاة الليل . وحديث أبي قتادة المذكور وما في معناه يدل على أن المستحب في القراءة في الصلاة الليل التوسط بين الجهر والاسرار . (هذا حديث صحيح غريب) قال في المنتقى رواه الخمسة وصححه الترمذي . وقال في النيل رجاله رجال الصحيح (حديث أبي قتادة حديث غريب) أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري (وإنما أسنده يحيى بن إسحاق عن حمادبن سلمة الخ) قال المنذري ويحيى بن إسحاق هذا هو البجلي السيحليني وقد احتج به مسلم في صحيحه انتهى . قوله (حدثنا أبو بكر محمد بن نافع البصري) لم أقف على ترجمته (عن إسماعيل بن مسلم العبدي) البصري القاضي ثقة (قام النبي صلى الله عليه وسلم باية من القران ليلة) والظاهر أن تلك الاية إن
[ 435 ]
تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فروى النسائي وابن ماجه عن أبي ذر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح باية وا ية إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ورواه محمد بن نصر في قيام الليل مطو وفيه فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح يتلو اية واحدة من كتاب الله بها يركع وبها يسجد وبها يدعو (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) الحديث وفي آخره فقال عبد الله بأبي وأمي يا رسول الله قمت الليلة بآية واحدة بها تركع وبها تسجد وبها تدعو وقد علمك الله القرآن كله قال إني دعوت لأمتي قوله (هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه) في إسناده أبو بكر محمد بن نافع البصري لم أقف على حاله باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت قوله (أخبرنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند) الفزاري مولاهم أبو بكر المدني صدوق ربما وهم كذا في التقريب قلت هو من رجال الكتب الستة وثقه ابن معين وأحمد وغيرهما (عن سالم أبي النضر) هو سالم بن أبي أمية التيمي المدني ثقة ثبت وكان يرسل وهو من رجال الستة (عن يسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون السين المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة قال مالك مات ولم يخلف كفنا (أفضل صلاتكم) مبتدأ وخبره في بيوتكم وهذا عام لجميع النوافل والسنن إلا النوافل التي من شعار الإسلام كالعيد والكسوف والاستسقاء (إلا المكتوبة) أي المفروضة فإنها في المسجد أفضل لأن الجماعة تشرع لها فهي بمحلها أفضل
[ 436 ]
قوله (وفي الباب عن عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وأبي سعيد وأبي هريرة وابن عمر وعائشة وعبد الله بن سعد وزيد بن خالد الجهني) أما حديث عمر رضي الله عنه فأخرجه ابن ماجة بلفظ قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أما صلاة الرجل في بيته فنور فنوروا بيوتكم وفيه انقطاع . وأما حديث جابر رضي الله عنه فأخرجه مسلم بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجد فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن ماجه مثل حديث جابر قال العراقي وإسناده صحيح وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم والنسائي مرفوعا لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة وأما حديث ابن عمر فأخرجه الشيخان وغيرهما وأخرجه الترمذي أيضا من هذا الباب وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول صلوا في بيوتكم ولا تجعلوها عليكم قبورا وأما حديث عبد الله بن سعد فأخرجه ابن ماجه والترمذي في الشمائل ولفظه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد قال ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار والطبراني مرفوعا صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا قال العراقي إسناده صحيح قوله (حديث زيد بن ثابت حديث حسن) قال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديثه بلفظ أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة رواه الجماعة إلا ابن ماجه قوله (صلوا في بيوتكم) أي النوافل وفي رواية الصحيحين اجعلوا في بيوتكم من
[ 437 ]
صلاتكم (ولا تتخذوها قبورا) أي لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور وقيل المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر ويؤيده ما رواه مسلم مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت وقيل معناه لا تدفنوا فيها موتاكم قال الخطابي هذا ليس بشئ فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وقال الكرماني متعقبا عليه لعل ذلك من خصائصه وقد روى أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون قول (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
[ 438 ]
أبواب الوتر باب ما جاء في فضل الوتر قوله (عن يزيد أبي حبيب) المضري أبي رجاء واسم أبيه سويد ثقة فقيه من رجال الكتب الستة (عن عبد الله ابن راشد الزوفي) بفتح الزاي وسكون الواو وبفاء الحافظ مستور وقال الخزرجي وثقه ابن حبان وقال الذهبي في الميزان في ترجمته روي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بحث الوتر رواه عنه يزيد بن أبي حبيب وخالد بن يزيد لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة قلت ولا هو بالمعروف وذكره ابن حبان في الثقات انتهى (عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي) صدوق أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة قاله الحافظ وقال الخزرجي في الخلاصة قال ابن حبان خبره باطل والاسناد منقطع انتهى والمراد بخبره حديث الوتر كما صرح به الحافظ في التهذيب (عن خارجة بن حذافة) هو صحابي سكن مصر كان أحد فرسان قريش يقال إنه كان يعدل بألف فارس وعداده في أهل مصر وهو الذي قتله الخارجي ظنا منه أنه عمرو بن العاص والخارجي هو أحد الثلاثة الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص وتوجه كل واحد منهم إلى واحد من الثلاثة فنفذ قضاء الله في علي دونهما وكان قتل خارجة في سنة أربعين قوله (إن الله أمدكم بصلاة) قال الطيبي أي زادكم كما في بعض الروايات انتهى وقال صاحب مجمع البحار هو من أمد الجيش إذا ألحق به ما يقويه أي فرض عليكم الفرائض
[ 439 ]
ليؤجركم بها ولم يكتف به فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان انتهى وقال القاري وغيره أي جعلها زيادة لكم في أعمالكم من مد الجيش وأمده أي زاد والأصل في المزيد أن يكون من جنس المزيد عليه فمقتضاه أن يكون الوتر واجبا انتهى قلت (استدل به الحنفية على وجوب الوتر بهذا التقرير) وقد رد عليهم القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي حيث قال فيه به احتج علماء وأبو حنيفة فقالوا إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد وهذه دعوى بل الزيادة تكون من غير جنس المزيد كما لو ابتاع بدرهم فلما قضاه زاده ثمنا أو ربعا إحسانا كزيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر في ثمن الجمل فإنها زيادة وليست بواجبة وليس في هذا الباب حديث صحيح يتعللون به انتهى قلت الأمر كما قال ابن العربي لا شك في أن قولهم إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد مجرد دعوى لا دليل عليها بل يردها ما ذكره هو بقوله كما لو ابتاع بدرهم إلخ وقال الحافظ في الدراية ليس في قوله زادكم دلالة على وجوب الوتر لأنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد فقد روى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث أبي سعيد رفعه إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر وأخرجه البيهقي ونقل عن ابن خزيمة أنه قال لو أمكني لرحلت في هذا الحديث انتهى ويأتي الكلام في هذه المسألة في الباب الاتي (هي خير لكم من حمر النعم) بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر والنعم الابل فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف وإنما قال ذلك ترغيبا للعرب فيها لأن حمر النعم أعز الأموال عندهم فكانت كناية عن أنها خير من الدنيا كلها لأنها ذخيرة الاخرة التي هي خير وأبقى (الوتر) بالجر بدل من صلاة بدل المعرفة من النكرة وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي الوتر قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وبريدة وأبي بصرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي في الخلافيات بلفظ إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن وله حديث آخر عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يوتر فليس منا وفي إسناده الخليل بن مرة قال فيه أبو زرعة شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود بلفظ الوتر حق
[ 440 ]
فمن لم يوتر فليس منا قال المنذري في إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي المروزي وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم الرازي صالح الحديث وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما وأما حديث أبي بصرة فأخرجه أحمد ولفظه إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها في ما بين العشاء إلى الفجر ورواه الطبراني بلفظ فحافظوا عليها قوله (حديث خارجة بن حذافة حديث غريب) وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه لتفرد التابعي عن الصحابي ورواه ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال لا يعرف سماع بعض هؤلاء عن بعض كذا في نصب الراية وقد عرفت أن البخاري أشار إلى أن رواية عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة منقطعة وقال ابن حبان خبره باطل والاسناد منقطع وقال السيوطي ليس لعبد الله الزوفي ولا لشيخه عبد الله بن أبي مرة ولشيخه خارجة بن حذافة عند المؤلف يعني أبا داود والترمذي وابن ماجه إلا هذا الحديث الواحد وليس لهم رواية في بقية الكتب الستة انتهى باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم أي ليس بواجب وقد ذهب الجمهور إلى أن الوتر غير واجب بل سنة وخالفهم أبو حنيفة فقال إنه واجب وروي عنه أنه فرض قال الحافظ بن حجر وقد بالغ أبو حامد فادعى أن أبا حنيفة انفرد بوجوب الوتر ولم يوافقه صاحباه مع أن ابن أبي شيبة أخرج عن سعيد بن المسيب وأبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود والضحاك يدل على وجوبه عندهم وعنده عن مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله ابن العربي عن أصبغ عن المالكية ووافقه سحنون وكأنه أخذه من قول مالك من تركه أدب وكان جرحة في شهادته انتهى
[ 441 ]
قوله (الوتر ليس بحتم) قال في النهاية الحتم اللازم الواجب الذي لا بد من فعله انتهى (ولكن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي جعله مسنونا غير حتم (إن الله وتر) قال في النهاية الوتر الفرد وتكسر واوه وتفتح فالله واحد في ذاته لا يقبل الانقسام والتجزئة واحد في صفاته فلا شبه له ولا مثل واحد في أفعاله فلا شريك له ولا معين (يحب الوتر) أي يثيب عليه ويقبله من عامله قال القاضي كل ما يناسب الشئ أدنى مناسبة كان أحب إليه مما لم يكن له تلك المناسبة (فأوتروا) أمر بصلاة الوتر وهو أن يصلي مثنى مثنى ثم يصلي في آخرها ركعة مفردة أو يضيفها إلى ما قبلها من الركعات كذا في النهاية قال ابن الملك الفاء تؤذن بشرط مقدر كأنه قال إذا اهتديتم إلى أن الله يحب الوتر فأوتروا انتهى (يا أهل القرآن) أي أيها المؤمنون به فإن الأهلية عامة لمن آمن به سواء قرأ أم لم يقرأ وإن كان الأكمل منهم من قرأ وحفظ وعلم وعمل شاملة ممن تولى قيام تلاوته ومراعاة حدوده وأحكامه قوله (وفي الباب عن ابن عمر وابن مسعود وابن عباس) أما حديث ابن عمر فأخرجه مالك في الموطأ بلاغا أن سأل ابن عمر من الوتر أواجب هو فقال عبد الله قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون فجعل الرجل يردد عليه وعبد الله يقول أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوتر المسلمون وأما حديث ابن مسعود فأخرجه محمد بن نصر في كتاب قيام الليل من طريق أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن فقال أعرابي ما يقول النبي قال النبي صلى الله عليه وسلم ليست لك ولا لأحد من أصحابك وفي رواية ما يقول رسول الله قال لست من أهله وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي مرفوعا ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى هذا لفظ أحمد وهو حديث ضعيف كما بينه الحافظ في التلخيص وفي الباب عن عبادة ابن الصامت أخرجه الحاكم بلفظ قال الوتر حسن جميل عمل به النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده وليس بواجب ورواته ثقات قاله البيهقي كذا في التلخيص قوله (حديث علي حديث حسن) وأخرجه النسائي وصححه الحاكم
[ 442 ]
اعلم أن الجمهور قد استدلوا على عدم وجوب الوتر بأحاديث الباب وبحديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على بعيره رواه الجماعة وهو ظاهر في عدم الوجوب لأنه الفريضة لا تصلى على الراحلة وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة وبما روى عبد الله بن محيريز أن رجلا من بني كنانة يدعى المخدجي سمع رجلا بالشام يدعى أبا محمد يقول إن الوتر واجب قال فرحت إلى عبادة بن الصامت فأخبرته فقال عبادة كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة الحديث أخرجه أبو داود وأحمد وقد عقد الحافظ محمد بن نصر المروزي في كتابه قيام الليل بابا بلفظ باب الأخبار الدالة على أن الوتر سنة وليس بفرض وذكر فيها أحاديث وأثارا كثيرة من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه واستدل من قال بوجوب الوتر بحديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا رواه الشيخان وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل كذا في فتح الباري قلت هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة بالليل وترا على وجوب نفس الوتر والمطلوب هذا لاذا فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح وكذا الاستدلال بحديث جابر رضي الله عنه أوتروا قبل أن تصبحوا رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار واستدلوا أيضا بحديث بريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الحديث رواه أبو داود قال الحافظ في الفتح في سنده أبو المنيب وفيه ضعف وعلى تقدير قبوله فيحتاج من احتج به إلى أن يثبت أن لفظ حق بمعنى واجب في عرف الشارع وأن لفظ واجب بمعنى ما ثبت من طريق الاحاد انتهى واستدلوا أيضا بحديث إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر الحديث وقد تقدم في باب فضل الوتر وقد عرفت هناك الجواب عنه قال ابن قدامة في المغنى بعد ذكر أحاديث القائلين بوجوب الوتر ما لفظه وأحاديثهم قد تكلم فيها ثم إن المراد بها تأكيده وفضيلته وأنه سنة مؤكدة وذلك حق وزيادة الصلاة يجوز أن تكون سنة والتوعد على تركه للمبالغة في تأكيده كقوله من أكل هاتين الشجرتين فلا يقربن مسجدنا انتهى وقال الشوكاني في النيل بعد ذكر الأحاديث التي تدل بظاهرها على الوجوب والأحاديث
[ 443 ]
التي تدل على عدمه ما لفظه واعلم أن هذه الأحاديث فيها ما يدل على الوجوب كقوله فليس منا وقوله الوتر حق وقوله أوتروا وحافظوا وقوله الوتر واجب وفيها ما يدل على عدم الوجوب وهو بقية أحاديث الباب فتكون صارفة لما يشعر بالوجوب وأما حديث الوتر واجب فلو كان صحيحا لكان مشك لأن التصريح بالوجوب لا يصح أن يقال إنه مصروف إلى غيره بخلاف بقية الألفاظ المشعرة بالوجوب انتهى قلت حديث الوتر واجب على كل مسلم أخرجه البزار عن ابن مسعود وفي إسناده جابر الجعفي فهو ضعيف ثم التصريح بالوجوب لا يمنع أن يقال إنه مصروف إلى غيره إذا قامت قرينة صارفة ثم قال الشوكاني ومن الأدلة الدالة على عدم وجوب الوتر ما اتفق عليه الشيخان من حديث طلحة بن عبيد الله قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع وروى الشيخان أيضا من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن الحديث وفيه فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة قال الشوكاني وهذا من أحسن ما يستدل به لأن بعث معاذ كان قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بيسير انتهى قوله (حديث علي حديث حسن) وأخرجه النسائي وصححه الحاكم كذا في التلخيص باب ما جاء في كراهية النوم قبل الوتر أي لمن يخشى أن لا يستيقظ من آخر الليل قوله (عن عيسى بن أبي عذة) بمهملة ثم معجمة مشددة واسمه مساك الكوفي مولى
[ 444 ]
عبد الله بن الحارث الشعبي روى عن ابن عمر مولاه عامر الشعبي وشريح القاضي وعنه إسرائيل وغيره صدوق ربما وهم كذا في تهذيب التهذيب والتقريب (عن أبي ثور الأزدي) الحداني الكوفي قيل هو حبيب بن أبي مليكة مقبول من الثانية كذا في التقريب وذكره ابن حبان في الثقات قوله (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أوتر قبل أن أنام) وروى الشيخان عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام قال الحافظ في الفتح وفيه استحباب تقدم الوتر على النوم وذلك في حق من لم يثق با ستيقاظ وهذه الوصية لأبي هريرة ورد مثلها لأبي الدرداء فيما رواه مسلم ولأبي ذر فيما رواه النسائي قوله (وفي الباب عن أبي ذر) أخرجه النسائي بلفظ قال أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهن إن شاء الله تعالى أبدا أوصاني بصلاة الضحى وبالوتر قبل النوم وبصيام ثلاثة أيام في كل شهر وفي الباب عن أبي الدرداء أيضا أخرجه مسلم بمعنى حديث أبي ذر قوله (حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه) وأخرجه الشيخان من وجه اخر عنه باللفظ الذي ذكرنا (وأبو ثور الأزدي اسمه حبيب بن أبي مليكة) كذا جزم الترمذي بأنهما واحد وفرق الحاكم أبو أحمد وغيره بينهما كذا في تهذيب التهذيب وقال في التقريب في ترجمة حبيب بن أبي مليكة النهدي إنه أبو ثور الكوفي مقبول من الثالثة وقيل إنه أبو ثور الأزدي ولا يصح انتهى (وقد اختار قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن لا ينام الرجل حتى يوتر) والظاهر أنهم اختاروه لمن يخشى أن لا يستيقظ من اخر الليل كما يدل عليه حديث جابر
[ 445 ]
رضي الله عنه الذي ذكره الترمذي بعد هذا (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من خشي منكم إلخ) رواه مسلم أيضا فإن قراءة القران في اخر الليل محضورة أي تحضرها ملائكة الرحمة (وهي) أي قراءة القرآن في آخر الليل قال الحافظ في الفتح لا معارضة بين وصية أبي هريرة بالوتر قبل النوم وبين قول عائشة وإنتهى وتره إلى السحر لأن الأول لإرادة الاحتياط والاخر لمن علم من نفسه قوة كما ورد في حديث جابر عند مسلم انتهى وقال النووي تحت حديث جابر هذا فيه دليل صريح على أن تأخير الوتر إلى اخر الليل أفضل لمن وثق بالاستيقاظ اخر الليل وأن من لا يثق بذلك فالتقديم له أفضل وهذا هو الصواب يحمل باقي الأحاديث المطلقة على هذا التفصيل الصحيح الصريح انتهى باب ما جاء في الوتر من أول الليل واخره (أخبرنا أبو حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهلتين (عن يحيى بن وثاب) بتشديد المثلثة الأسدي مولاهم الكوفي المقري ثقة عابد من الرابعة قوله (من كل الليل قد أوتر) أي قد أوتر من كل أجزاء الليل (وأوله وأوسطه واخره) بالجر بدل من كل الليل والمراد بأوله بعد صلاة العشاء (فانتهى وتره حين مات في وجه السحر) قال النووي معناه كان اخر أمر الإيتار في السحر والمراد به اخر الليل كما قالت في الروايات
[ 446 ]
الأخرى ففيه استحباب الإيتار اخر الليل وقد تظارهت الأحاديث الصحيحة عليه قال وفيه جواز الإيتار في جميع أوقات الليل بعد دخول وقته انتهى وقال الحافظ أجمعوا على أن ابتداء وقت الوتر مغيب الشفق بعد صلاة العشاء كذا نقله ابن المنذر لكن أطلق بعضهم أنه يدخل بدخول وقت العشاء قالوا ويظهر أثر الخلاف فيمن صلى العشاء وبان أنه كان بغير طهارة ثم صلى الوتر متطهرا أو ظن أنه صلى العشاء فصلى الوتر فإنه يجزئ على هذا القول دون الأول انتهى قوله (وفي الباب عن علي وجابر وأبي مسعود الأنصاري وأبي قتادة) أما حديث علي فأخرجه ابن ماجه بنحو حديث عائشة المذكور في الباب وأما حديث جابر فقد تقدم في الباب المتقدم وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد والطبراني بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر من أول الليل وأوسطه واخره قال العراقي إسناده صحيح وأما حديث أبي قتادة فأخرجه أبو داود وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة في النيل قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة باب ما جاء في الوتر بسبع قوله (عن يحيى بن الجزار) العرني الكوفي قيل اسم أبيه زبان صدوق رمى بالغلو بالتشيع قوله (يوتر بثلاث عشرة) أي مع سنة العشاء أو مع الركعتين الخفيفتين اللتين يفتتح بهما صلاة الليل كما ستعرف (فلما كبر) من باب علم يستعمل في كبر السن
[ 447 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة) أخرجه البخاري في صحيحه في باب ما يقرأ في ركعتي الفجر من طريق الزهري عن عروة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين وقد أخرج البخاري من طريق القاسم ابن محمد بن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم من الليل ثلاث عشرة ركعة منها الوتر وركعتا الفجر وفي رواية مسلم من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات ويوتر بسجدة ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة فظاهر رواية عائشة الأولى يخالف روايتها الثانية قال الحافظ يحتمل أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء لكونه كان يصليها في بيته أو ما كان يفتتح به صلاة الليل فقد ثبت عند مسلم من طريق سعد بن هشام عنها أنه كان يفتتحها بركعتين خفيفتين قال الحافظ وهذا أرجح في نظري لأن رواية أبي سلمة عنها بلفظ ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة الحديث دلت على الحصر في إحدى عشرة جاء في صفتها عند المصنف يعني البخاري وغيره يصلي أربعا ثم أربعا ثم ثلاثا فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين وتعرضت لهما في رواية الزهري والزيادة من الحافظ مقبولة وبهذا يجمع بين الروايات انتهى كلام الحافظ قوله (حديث أم سلمة حديث حسن) وأخرجه النسائي (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة وإحدى عشرة وتسع وسبع وخمس وثلاث وواحدة) ورد في كل ذلك أحاديث كما ستعرف (قال إسحاق بن إبراهيم) هو إسحاق بن راهويه (قال إنما معناه أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة مع الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر) وأطلق على صلاة الليل مع الوتر لفظ الوتر فمعنى قوله يوتر بثلاث عشرة أي يصلي صلاة الليل مع الوتر ثلاث عشرة ركعة (وروى في ذلك
[ 448 ]
حديثا عن عائشة) الظاهر أنه أشار إلى ما وقع عند أحمد وأبي داود من رواية عبد الله بن أبي قيس عن عائشة بلفظ كان يوتر بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشرة وثلاث ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة ولا أنقص من سبع باب ما جاء في الوتر بخمس قوله (لا يجلس في شئ منهن إلا في اخرهن) أي لا يجلس في ركعة من الركعات الخمس إلا في اخرهن وفيه دليل على جواز الإيتار بخمس ركعات بقعدة واحدة وفيه رد على من قال بتعيين الثلاث وفي رواية عند محمد بن نصر في قيام الليل كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة بركعتيه قبل الفجر إحدى عشرة ركعة من الليل ست منهن مثنى مثنى ويوتر بخمس لا يقعد فيهن وروى أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي عن سعيد بن هشام أنه قال لعائشة أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول فتلك تسع يا بني وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في السابعة فهاتان الروايتان تدلان على إثبات القعود في السادسة في الإيتار بالسبع والروايتان الأوليان تدلان على نفيه قال الشوكاني ويمكن الجمع بحمل النفي للقعود في الروايتين على القعود الذي يكون فيه التسليم انتهى
[ 449 ]
قلت الظاهر عندي أنه صلى الله عليه وسلم كان قد يقعد في السادسة في الإيتار بالسبع وقد لا يقعد فيها والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن أبي أيوب) أخرجه النسائي بلفظ الوتر حق فمن شاء بسبع ومن شاء أوتر بخمس وقد روى في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث كثير فمنها عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس لا يفصل بينهن بسلام ولا كلام أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وعن ابن عباس عند أبي داود بلفظ ثم صلى سبعا أو خمسا لم يسلم إلا في اخرهن قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم الوتر بخمس وقالوا لا يجلس في شئ منهن إلا في اخرهن) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن إسماعيل بن زيد بن ثابت كان يوتر بخمس ركعات لا ينصرف فيها أي لا يسلم وقال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي وهو مذهب سفيان الثوري وبعض الأئمة انتهى باب ما جاء في الوتر بثلاث قوله (عن الحارث) هو ابن عبد الله الأعور صاحب على أحد كبار الشيعة قال الشعبي وابن المديني كذاب قوله (يقرأ في كل ركعة بثلاث سور اخرهن (قل هو الله أحد) زاد في مسند أحمد قال أسود بن عامر شيخ أحمد يقرأ في الركعة الأولى (ألهاكم التكاثر وإنا أنزلناه في ليلة القدر وإذا
[ 450 ]
زلزلت الأرض) وفي الركعة الثانية (والعصر وإذا جاء نصر الله والفتح وإنا أعطيناك الكوثر) وفي الركعة الثالثة (قل يا أيها الكافرون وتبت يدا أبي لهب وقل هو الله أحد) كذا في قوت المغتذي قوله (وفي الباب عن عمران بن حصين وعائشة وابن عباس وأبي أيوب وعبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه النسائي والطبراني بنحو حديث ابن عباس المذكور في الباب الآتي . وأما حديث عائشة فأخرجه البخاي ومسلم وفيه يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثا الحديث ولعائشة رضي الله عنها أحاديث أخرى في الإيتار بثلاث وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم وفيه ثم أوتر بثلاث ولابن عباس حديث أخرجه الترمذي في الباب الاتي وأخرجه النسائي وابن ماجه أيضا وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الأربعة إلا الترمذي وصححه ابن حبان ورجح النسائي وقفه وسيأتي لفظه في هذا الباب وأما حديث عبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب فأخرجه الخمسة إلا الترمذي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي رواية النسائي يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد (ويروى أيضا عن عبد الرحمن بن أبزى عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه النسائي والطحاوي وأحمد وعبد بن حميد (هكذا روى بعضهم إلخ) قال الشوكاني في النيل وعبد الرحمن بن أبزى قد وقع الاختلاف في صحبته وقد اختلفوا هل هذا الحديث من روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو من روايته عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت قال الحافظ في التقريب صحابي صغير وكان في عهد عمر رجلا وكان على خراسان لعلي انتهى . قال الخزرجي في الخلاصة قال البخاري له صحبة ووقع في رواية الطحاوي أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فالراجح أنه صحابي وروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أبي بن كعب وبغير واسطة أيضا والله تعالى أعلم قال العراقي وكلاهما عند النسائي بإسناد صحيح انتهى
[ 451 ]
قوله (قال سفيان إن شئت أوترت بخمس وإن شئت أوترت بثلاث وإن شئت أوترت بركعة) روى أبو داود والنسائي وابن ماجه واخرون عن أبي أيوب الأنصاري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم الوتر حق واجب على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل قال الحافظ في التلخيص صحح أبو حاتم والذهلي والدارقطني في العلل والبيهقي وغير واحد وقفه وهو الصواب انتهى وقال الأمير اليماني في سبل السلام وله حكم الرفع إذ لا مسرح للاجتهاد فيه انتهى فهذا الحديث والأحاديث الأخرى تدل على ما قال سفيان وقال محمد بن نصر في قيام الليل الأمر عندنا أن الوتر بواحدة وبثلاث وخمس وسبع وتسع كل ذلك جائر حسن على ما روينا من الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده انتهى قلت وهو الحق (قال والذي أستحب أن يوتر بثلاث ركعات) وقد كره بعض أهل العلم أن يوتر بثلاث ركعات كما ستقف عليه (وهو قول ابن المبارك وأهل الكوفة) وأستدلوا بأحاديث الباب وقال الحنفية الوتر ثلاث ركعات لا يجوز أكثر من ذلك ولا أقل وقولهم هذا باطل ظاهر البطلان فإنه قد ثبت الايتار بأكثر من ثلاث ركعات وبأقل منها بالأحاديث الصحيحة والاثار القوية كما عرفت وكما ستعرف قوله (حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني) أبو بكر ثقة صاحب حديث قال ابن حبان ربما أخطأ (عن هشام هو ابن حسان الأزدي القردوسي) بالقاف وضم الدال البصري ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال لأنه قيل كان يرسل عنهما (قال كانوا يوترون) أي الصحابة والتابعون (بخمس وبثلاث وبركعة ويرون كل ذلك حسنا) ولم يقل أحد
[ 452 ]
منهم ما قال الحنفية من أنه لا يجوز الايتار بأكثر من ثلاث ركعات ولا بأقل قال محمد بن نصر في قيام الليل وزعم النعمان أن الوتر ثلاث ركعات لا يجوز أن يزاد على ذلك ولا ينتقص منه فمن أوتر بواحدة فوتره فاسد والواجب عليه أن يعيد الوتر فيوتر بثلاث إلى أن قال محمد بن نصر وقوله هذا خلاف للأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وخلاف لما جمع عليه أهل العلم انتهى تنبيه قال الحنفية إن العلماء قد أجمعوا على جواز الايتار بثلاث واختلفوا فيما عداه فأخذنا ما أجمعوا عليه وتركنا ما عداه وقلنا لا يجوز بأقل من ثلاث ولا بأكثر قلت دعوى الاجماع مردودة عليهم وقد ثبت الايتار بأقل من ثلاث وبأكثر منها بأحاديث صحيحة صريحة فلا تترك باختلاف العلماء البتة قال محمد بن نصر قد احتج بعض أصحاب الرأي للنعمان في قوله إن الوتر لا يجوز بأقل من ثلاث ولا بأكثر بأن زعم أن العلماء قد أجمعوا على أن الوتر بثلاث جائز حسن واختلفوا في الوتر بأقل من ثلاث وأكثر فأخذ بما أجمعوا عليه وترك ما اختلفوا فيه وذلك من قلة معرفة المحتج بهذا بالأخبار واختلاف العلماء وقد روى في كراهة الوتر بثلاث أخبار بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضها عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ثم ذكر حديث أبي هريرة مرفوعا لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب ولكن أوتروا بخمس أو بسبع أو بتسع أو بإحدى عشرة أو أكثر من ذلك قال وفي الباب عن عائشة وميمونة وعن ابن عباس الوتر سبع أو خمس ولا نحب ثلاثا بترا وفي رواية إن لأكره أن تكون ثلاثا بترا لكن بسبع أو خمس وعن عائشة رضي الله عنها الوتر سبع أو خمس وإني لأكره أن تكون ثلاثا بترا وفي لفظ أولى للوتر خمس وعن يزيد بن حازم قال سألت سليمان بن يسار عن الوتر بثلاث فكره الثلاث وقال لا تشبه التطوع بالفريضة أوتر بركعة أو بخمس أو بسبع انتهى قلت وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث أبي هريرة لا توتروا بثلاث إلخ من رواية محمد بن نصر ما لفظه وقد صححه من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وإسناده على شرط الشيخين وقد صححه ابن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن ابن عباس وعائشة كراهة الوتر بثلاث وأخرجه النسائي أيضا وعن سليمان بن يسار أنه كره الثلاث في الوتر فهذه الاثار تقدح في الاجماع الذي نقله انتهى كلام الحافظ فإن قلت ما وجه الجمع بين حديث أبي هريرة المذكور الذي يدل على المنع من الايتار بثلاث والتشبيه بصلاة المغرب وبين الأحاديث التي تدل على جواز الايتار بثلاث موصولة
[ 453 ]
قلت قد جمع بينهما بأن النهي عن الثلاث إذا كان يقعد للتشهد الأوسط لأنه يشبه المغرب وأما إذا لم يقعد إلا في اخرها فلا يشبه المغرب قال الأمير اليماني وهو جمع حسن وقال الحافظ في فتح الباري وجه الجمع أن يحمل النهي عن صلاة الثلاث بتشهدين وقد فعله السلف يعني الايتار بثلاث بتشهد واحد فروى محمد بن نصر من طريق الحسن أن عمر كان ينهض في الثالثة من الوتر بالتكبير ومن طريق المسور بن مخرمة أن عمر أوتر بثلاث لم يسلم إلا في اخرهن ومن طريق ابن طاوس عن أبيه أنه كان يوتر بثلاث لا يقعد بينهن ومن طريق قيس بن سعد عن عطاء وحماد بن زيد عن أيوب مثله وروى محمد بن نصر عن ابن مسعود وأنس وأبي العالية أنهم أوتروا بثلاث كالمغرب وكأنهم لم يبلغهم النهي المذكور انتهى كلام الحافظ قلت يؤيد هذا الجمع حديث عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث لا يقعد إلا في اخرهن وهذا وتر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذه أهل المدينة رواه الحاكم في المستدرك من طريق أبان بن يزيد العطار عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عنها فإن قلت هذا الحديث بهذا اللفظ غير محفوظ والمحفوظ ما رواه الحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام عن عائشة بلفظ قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر فإن سعيد بن أبي عروبة ثقة حافظ أثبت الناس في قتادة وأبان بن يزيد العطار وإن كان من الثقات لكنه دون سعيد فيكون ما رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أبان عنه قلت لا مخالفة بين قوله لا يسلم في الركعتين الأوليين من الوتر وقوله لا يقعد إلا في اخرهن فتفكر على أن أبان بن يزيد ثقة ثبت قال الحافظ في تهذيب التهذيب قال أحمد ثبت في كل المشايخ وقال ابن معين ثقة انتهى وكان صاحب كتاب قال ابن عدي في الكامل وهو حسن الحديث متماسك يكتب حديثه انتهى وكان صاحب كتاب . قال ابن عدي في الكامل . وهو حسن الحديث متماسك يكتب حديثه انتهى . ومع هذا لم يكن فيه شئ من الاختلاط قط وأما سعيد بن أبي عروبة فلم يكن صاحب كتاب قال أبو حاتم سمعت أحمد بن حنبل يقول لم يكن لسعيد بن أبي عروبة كتاب إنما يحفظ ذلك كله انتهى ومع هذا كان قد اختلط في اخر عمره قال الأزدي اختلط اختلاطا قبيحا قال ابن حبان في الثقات بقي في اختلاطه خمس سنين وقال الذهلي عن عبد الوهاب الخفاف خولط سعيد سنة (148) وعاش بعد ما خولط تسع
[ 454 ]
سنين انتهى وروى عن سعيد بن أبي عروبة هذا الحديث عيسى بن يونس ولا يعلم أنه من أصحابه القدماء أو من أصحابه المتأخرين فكيف يكون ما رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أبان عن قتادة فإن قلت قد رواه هشام الدستوائي ومعمر وهمام عن قتادة مثل رواية سعيد قلت لم أقف على رواية هؤلاء فمن يدعى صحة متابعة هؤلاء لسعيد فعليه أن يذكر رواياتهم سندا ومتنا لينظر هل هي صالحة للمتابعة أم لا هذا ما عندي والله تعالى أعلم تنبيه قال صاحب اثار السنن متعقبا على هذا الجمع ما لفظه هذا الجمع سخيف جدا بعيد في غاية البعد لا يذهب إليه ذهن الذاهن بل هو غلط صريح ثم بين معنى حديث لا توتروا بثلاث تشبهوا بالمغرب فقال المعنى أنه لا يترك تطوعا قبل الايتار بثلاث فرقا بينه وبين المغرب قلت كلام صاحب اثار السنن هذا مبني على فرط التعصب فإن حسن الجمع المذكور لا يخفى على أهل العلم وا نصاف وأما قوله في بيان معنى حديث لا توتروا بثلاث إلخ أنه لا يترك تطوعا قبل الايتار بثلاث فكفى لبطلانه أنه يلزم منه أن يكون التطوع قبل الايتار بثلاث واجبا واللازم باطل فالملزوم مثله فتفكر ولبطلانه وجوه أخرى لا تخفى على المتأمل باب ما جاء في الوتر بركعة قوله (عن أنس بن سيرين) هو أخو محمد بن سيرين ثقة قوله (أطيل في ركعتي الفجر) بتقدير همزة الاستفهام والمراد بركعتي الفجر سنة الفجر وفي رواية البخاري قلت لابن عمر أرأيت الركعتين قبل صلاة الغداة أطيل فيهما القراءة (يصلي من الليل مثنى مثنى) بلا تنوين لعدم انصرافه للعدل والوصف على ما قاله سيبويه أي ثنتين ثنتين قال ابن الملك أستدل أبو يوسف ومحمد والشافعي به على أن الأفضل في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين (ويوتر بركعة) فيه المشروعية الايتار بركعة واحدة وهو الحق (وكان يصلي الركعتين) أي سنة الفجر (والأذان في أذنه) وفي رواية البخاري وكأن الأذان بأذنيه قال حماد أي بسرعة
[ 455 ]
قال الحافظ في الفتح قوله بأذنيه أي لقرب صلاته من الأذان والمراد به ههنا الاقامة فالمعنى أنه كان يسرع بركعتي الفجر إسراع من يسمع إقامة الصلاة خشية فوات أول الوقت ومقتضى ذلك تخفيف القراءة فيهما فيحصل به الجواب عن سؤال أنس بن سيرين عن قدر القراءة فيهما قال وقوله بسرعة هو تفسير من الراوي لقوله كأن الأذان بأذنيه انتهى وقال النووي قال القاضي المراد بالأذان هنا الاقامة وهو إشارة إلى شدة تخفيفها بالنسبة إلى باقي صلاته صلى الله عليه وسلم قوله (وفي الباب عن عائشة وجابر والفضل بن عباس وأبي أيوب وابن عباس) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة الحديث وأما حديث جابر فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الله مثنى مثنى وأوتر بواحدة وأما حديث الفضل بن عباس فأخرجه أيضا محمد بن نصر في قيام الليل وفيه فتوضأ ثم صلى ركعتين ركعتين حتى صلى عشر ركعات ثم سلم ثم قام فصلى سجدة فأوتر بها ونادى المنادي عند ذلك قال محمد بن نصر فجعل هذه الرواية عن الفضل بن عباس والناس إنما رووا هذا الحديث عن عبد الله بن عباس وهو المحفوظ عندنا انتهى وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عنه مرفوعا الوتر حق على كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وقد تقدم أن وقفه هو صواب وأما حديث ابن عباس فأخرجه محمد بن نصر بإسناده عن أبي مجلز سألت ابن عباس عن الوتر فقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر ركعة من اخر الليل قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) فأخرجه الشيخان قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين رأوا أن يفصل الرجل بين الركعتين والثالثة يوتر بركعة وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب وبحديث القاسم بن محمد عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بركعة رواه
[ 456 ]
الدارقطني وإسناده صحيح وبحديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين الوتر والشفع بتسليمة ويسمعناها قال الحافظ في التلخيص بعد ذكره رواه أحمد وابن حبان وابن السكن في صحيحهما والطبراني من حديث إبراهيم الصائغ عن نافع عن ابن عمر به وقواه أحمد انتهى قال محمد بن نصر بعد روايته ابن عمر رضي الله عنه بلفظ إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى ما لفظه فالذي تختاره لمن صلى بالليل في رمضان وغيره أن يسلم بين كل ركعتين حتى إذا أراد أن يوتر صلى ثلاث ركعات يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ويتشهد في الثانية ويسلم ثم يقوم فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد والموذتين وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بسبع لم يجلس إلا في السادسة والسابعة ولم يسلم إلا في اخرهن وقد روى عنه أنه أوتر بتسع لم يجلس إلا في الثامنة والتاسعة وكل ذلك جائز أن يعمل به اقتداء به صلى الله عليه وسلم غير أن الاختيار ما ذكرنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صلاة الليل أجاب أن صلاة الليل مثنى مثنى فاخترنا ما هو اختيار لأمته وأجزنا فعل من اقتدى به ففعل مثل فعله إذا لم يرو عنه نهى عن ذلك بل قد روى عنه أنه قال من شاء فليوتر بخمس ومن شاء فليوتر بثلاث ومن شاء فليوتر بواحدة غير أن الأخبار التي رويت عنه أنه أوتر بواحدة هي أثبت وأصح وأكثر عند أهل العلم بالأخبار وقد روينا عن جماعة من السلف من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أوتروا بركعة ثم ذكر محمد بن نصر الأخبار المروية عن السلف في الوتر بركعة فنحن نذكر ههنا بعضا منها من كتابه قيام الليل وغيره روى البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة قال أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى ابن عباس فقال دعه فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الطحاوي والدارقطني حسن عن عبد الرحمن التيمي قال قلت لا يغلبني الليلة على المقام أحد فقمت أصلي فوجدت حس رجل من خلف ظهري فإذا عثمان بن عفان فتنحيت له فتقدم فاستفتح القران حتى ختم ثم ركع وسجد فقلت أوهم الشيخ فلما صلى قلت يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة واحدة فقال أجل هي وترى وروى الطحاوي بإسناد حسن عن عبد الله بن سلمة قال أمنا بعد بن أبي وقاص في صلاة العشاء الاخرة فلما انصر حتى تنحى في ناحية المسجد فصلى ركعة فأتبعته فأخذت بيده فقلت
[ 457 ]
يا أبا إسحاق ما هذه الركعة فقال وتر أنام عليه وفي كتاب قيام الليل أن المطلب بن عبد الله المخزومي قال أتى عبد الله بن عمر رجل فقال كيف أوتر قال أوتر بواحدة قال إني أخشى أن يقول الناس إنها البتيراء قال أسنة الله وسنة رسوله تريد هذه اسنة الله وسنة رسوله وعن حنش الصنعاني قال كان أبي بن كعب حين أمره عمر بن الخطاب أن يقوم بالناس يسلم في اثنتين من الوتر ثم قرأ بعد زيد بن ثابت فسلم في ثلاث فقال له ابن عمر لم سلمت في ثلاث فقال إنما فعلت ذلك لئلا ينصرف الناس فلا يوترون وعن نافع سمعت معاذ القاري يسلم بين الشفع والوتر وهو يؤم الناس في رمضان بالمدينة على عهد عمر بن الخطاب وعنه كنا نقوم في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمنا معاذ فكان يسلم رافعا صوته ثم يقوم فيوتر بواحدة وكان يصلي معه رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أر أحدا يعيب ذلك عليه وعن السائب بن يزيد أن عثمان بن عفان قرأ القران في ركعة أوتر بها وعن مالك بن دينار عن مولى بن أبي طالب أن علي بن أبي طالب أوتر بركعة وعن شرحبيل أنه رأى سعدا دخل المسجد فصلى ركعة أوتر بها ثم خرج وعن أبي عبيد الله رأيت أبا الدرداء وفضالة بن عبيد ومعاذ بن جبل يوتر كل واحد منهم بركعة وذكر محمد بن نصر في هذا الباب اثارا أخرى من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه باب ما جاء ما يقرأ في الوتر قوله (عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر إلخ) الحديث رواه أبو داود وابن ماجه أيضا
[ 458 ]
(في ركعة ركعة) قال العراقي انفرد المصنف يعني الترمذي بهذه الزيادة عن النسائي وابن ماجه ومعناها أنه يقرأ بكل سورة من السور الثلاث في ركعة كذا في قوت المغتذي قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه الترمذي في باب ما جاء في الوتر بثلاث (وعائشة) أخرجه الترمذي في هذا الباب (وعبد الرحمن بن أبزى عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أحمد وأبو داود قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ في الوتر في الركعة الثالثة بالمعوذتين وقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ورواه الترمذي في هذا الباب ورواه الدارقطني والطحاوي والحاكم عن عمرة عن عائشة بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث يقرأ في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (والذي اختاره أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد يقرأ في كل ركعة من ذلك بسورة) وبه قال الحنفية قال ابن الهام وذلك لأن أبا حنيفة روى في مسنده عن حماد عن إبراهيم عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بثلاث يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد انتهى
[ 459 ]
قلت وإنما اختاره أكثر أهل العلم لأن حديث ابن عباس وأبي بن كعب بإسقاط المعوذتين أصح وقال ابن الجوزي أنكر أحمد ويحيى بن معين زيادة المعوذتين كذا في التلخيص قوله (حدثنا إسحاق بن حبيب بن الشهيد البصري) الشهيدي ثقة من العاشرة (أخبرنا محمد بن سلمة الحراني) ثقة (عن خصيف) بالصاد المهملة مصغرا هو ابن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيئ الحفظ خلط باخره رمى بالارجاء كذا في التقريب وقال في الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة وقال ابن عدي إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به (عن عبد العزيز بن جريج) المكي مولى قريش لين قال العجلي لم يسمع من عائشة وأخطأ خصيف فصرح بسماعه من الرابعة كذا في التقريب وقال في الخلاصة لا يتابع فيها حديثه انتهى قوله (وهذا حديث حسن غريب) في كونه حسنا نظر فإن عبد العزيز بن جريج لم يسمع من عائشة كما عرفت وأيضا فيه خصيف وهو قد خلط باخره ولا يدري أن محمد بن سلمة رواه عنه قبل الاختلاط أو بعده والله تعالى أعلم نعم يعتضد برواية عمرة عن عائشة التي أشار إليها الترمذي قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث فيه خصيف وفيه لين انتهى قوله (وعبد العزيز هذا) الذي وقع في إسناد حديث عائشة المذكور (والد ابن جريج) ابن جريج هذا هو الفقيه المشهور المكي المتوفي سنة 051 خمسين ومائة (صاحب عطاء) قال ابن جريج لزمت عطاء سبع عشرة سنة وعطاء هذا هو ابن أبي رباح (واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج) فهو منسوب إلى جده جريج قوله (وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة) رواه
[ 460 ]
الدارقطني والطحاوي والحاكم وقد ذكرنا لفظه قال الحافظ في التلخيص ورواه الدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة وتفرد به يحيى بن أيوب عنه وفيه مقال ولكنه صدوق وقال العقيلي إسناده صالح انتهى باب ما جاء في القنوت في الوتر قوله (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء مصغرا (بن أبي مريم) السلولي البصري ثقة مات سنة 144 أربع وأربعين ومائة (عن أبي الحوراء) بفتح المهملتين اسمه ربيعة بن شيبان السعدي البصري ثقة قوله (اللهم اهدني) أي ثبتني على الهداية (فيمن هديت) أي في جملة من هديتهم أو هديته من الأنبياء والأولياء كما قال سليمان (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) وقال ابن الملك أي أجعلني فيمن هديتهم إلى الصراط المستقيم وقيل في فيه وفيما بعده بمعنى مع قال تعالى فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم (وعافني فيمن عافيت) قال ابن الملك من المعافاة التي هي دفع السوء (وتولني فيمن توليت) أمر مخاطب من تولى أحب عبدا وقام بحفظه وحفظ أمره (وبارك) (أي أكثر الخير لي) أي لمنفعتي (فيما أعطيت) أي فيما أعطيتني من العر والمال والعلوم والأعمال (وقني) أي احفظني (شر ما قضيت) ما قدرت لي (فإنك تقضي) أي تقدر أو تحكم بكل ما أردت (ولا يقضي عليك) فإنه لا معقب لحكمك (وإنه) أي الشأن (لا يذل) بفتح فكسر أي لا يصير ذلي (من واليت) الموالاة ضد المعاداة قال ابن حجر أي لا يذل من واليت من عبادك في الاخرة أو مطلقا وإن ابتلى بمات ابتلى به وسلط عليه من أهانه وأذله باعتبار الظاهر لأن ذلك غاية الرفعة والعزة عند الله وعند أوليائه ولا عبرة إلا بهم ومن ثم وقع للأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الامتحانات العجيبة ما هو مشهور وزاد البيهقي وكذا الطبراني من عدة طرق ولا يعز من
[ 461 ]
عاديت أي لا يعز في الاخرة أو مطلقا وإن أعطي من نعيم الدنيا وملكها ما أعطى لكونه لم يمتثل أوامرك ولم يجتنب نواهيك (تباركت) أي تكاثر خيرك في الدارين (ربنا) بالنصب أي يا ربنا (وتعاليت) أي ارتفع عظمتك وظهر قهرك وقدرتك على من في الكونين . وقال ابن الملك أي ارتفعت عن مشابهة كل شئ وقال الحافظ في بلوغ المرام زاد النسائي في اخره وصلى الله على النبي قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في اخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك الحديث قوله (هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي قوله (واختلف أهل العلم في القنوت في الوتر) هل يقنت في الوتر في السنة كلها أم في النصف الاخر من رمضان فقط وهل يقنت قبل الركوع أم بعده (فرأى عبد الله بن مسعود القنوت في الوتر في السنة كلها وأختار القنوت قبل الركوع) روى محمد بن الحسن في كتاب الاثار عن إبراهيم أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يقنت السنة كلها في الوتر قبل الركوع وسنده منقطع وروى ابن أبي شيبة عن علقمة أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع قال ابن التركماني في الجوهر النفي هذا سند صحيح على شرط مسلم وقال الحافظ في الدراية إسناده حسن (وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وإسحاق وأهل الكوفة) وهو قول الحنفية واستدلوا بحديث أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
[ 462 ]
يوتر فيقنت قبل الركوع رواه ابن ماجه والنسائي وبما روى البخاري في صحيحه في المغازي عن عبد العزيز قال سأل رجل أسنا رضي الله عنه عن القنوت بعد الركوع أو عند فراغ من القراءة قال بل عند فراغ من القراءة وبما روى البخاري ومسلم عن عاصم قال سألت أنس عن بن مالك رضي الله عنه عن القنوت فقال قد كان القنوت قلت قبل الركوع أو بعده قال قبله قال فإن فلانا أخبرني عنك أنك قلت بعد الركوع فقال كذب إنما قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهرا أراه كان بعث قوما يقال لهم القراء زهاء سبعين إلا قوم مشركين دون أولئك وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم قلت قد جاء عن أنس روايات مختلفة في هذا الباب (وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان لا يقنت إلا في النصف الاخر من رمضان وكان يقنت بعد الركوع) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن علي أنه كان يقنت في النصف الاخر من رمضان وروى أيضا فيه أن عليا كان يقنت في الوتر بعد الركوع وقد عقد بابا بلفظ باب ترك القنوت في الوتر إلا في النصف الاخر من رمضان وذكر فيه اثارا عديدة فروى أثر معاذ بن الحارث الأنصاري إذا انتصف رمضان لعن الكفرة وكان ابن عمر لا يقنت في الصبح ولا في الوتر إلا في النصف الاخر من رمضان وعن الحسن كانوا يقنتون في النصف الاخر من رمضان وكان الحسن ومحمد وقتادة يقولون القنوت في النصف الأواخر من رمضان وعن عمران بن حدير أمرني أو مجلز أن أقنت في النصف الباقي من رمضان قال إذا رفعت رأسك من الركوع فاقنت وعن ابن شهاب كانوا يلعنون الكفرة في النصف وفي رواية لا قنوت في السنة كلها إلا في النصف الاخر من رمضان وروى فيه عن الحسن عن أبي بن كعب أم الناس في رمضان فكان لا يقنت في النصف الأول ويقنت في النصف الاخر فلما دخل العشر أبق وخلا عنهم فصلى بهم معاذ القاري وسئل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر فقال بعث عمر بن الخطاب جيشا فورطوا متورطا خاف عليهم فلما كان النصف الاخر من رمضان قلت يدعو لهم قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وبه يقول الشافعي وأحمد) قال محمد بن نصر في قيام
[ 463 ]
الليل قال الزعفراني عن الشافعي أحب إلى أن يقنتوا في الوتر في النصف الاخر ولا يقنت في سائر السنة ولا في رمضان إلا في النصف الاخر قال محمد بن نصر وكذلك حكى المزني عن الشافعي حدثني أبو داود قلت لأحمد القنوت في الوتر السنة كلها قال إن شاء قلت فما تختار قال أما أنا فلا أقنت إلا في النصف الباقي إلا أن أصلي خلف إمام يقنت فأقنت معه قلت إذا كان يقنت النصف الاخر متى يبتدئ قال إذا مضى خمس عشرة ليلة سادس عشرة وكان إسحاق بن راهويه يختار القنوت في السنة كلها انتهى كلام محمد بن نصر قلت استدل من قال بكون القنوت بعد الركوع بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الركعة وأبو بكر وعمر حتى كان عثمان فقلت قبل الركعة ليدرك الناس قال العراقي إسناده جيد وبحديث أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع رواه البخاري في المغازي وبحديث عبد الله بن عمر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الاخرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعدما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله (ليس لك من الأمر شئ) إلى قوله (فإنهم ظالمون) قال الحافظ في التلخيص روى البخاري من طريق عاصم الأحول عن أنس أن القنوت قبل الركوع وقال البيهقي رواة القنوت بعد الرفع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء الراشدون انتهى وقال محمد بن نصر في قيام الليل وسئل أحمد عن القنوت في الوتر قبل الركوع أم بعده ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر فقال القنوت بعد الركوع ويرفع يديه على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الغداة وبذلك قال أبو أيوب وأبو خيثمة وابن أبي شيبة وكان إسحاق يختار القنوت بعد الركوع في الوتر قال محمد بن نصر وهذا الرأي أختاره انتهى قلت يجوز القنوت في الوتر قبل الركوع وبعده والمختار عندي كونه بعد الركوع قال العراقي ويعضد كونه بعد الركوع أولى فعل الخلفاء الأربعة لذلك والأحاديث الواردة في الصبح انتهى واعلم أن الحنفية اختاروا القنوت قبل الركوع فإذا كانوا يريدون القنوت قبل ركوع الركعة الثانية يكبرون ويرفعون أيديهم كرفع اليدين عند التحريمة ثم يقنتون أما التكبير فيستدلون على ثبوته ببعض الاثار وقد عقد محمد بن نصر في قيام الليل لذلك بابا فقال باب التكبير للقنوت وذكر فيه عن طارق بن شهاب أن عمر بن الخطاب لما فرغ من القراءة بكر ثم ثنت ثم كبر وركع يعني
[ 464 ]
في لفجر وعن علي أنه كبر في القنوت حين فرغ من القراءة وحين ركع وفي رواية كان يفتتح الفنوت بتكبيرة وكان عبد الله بن مسعود يكبر في الوتر إذا فرغ من قراءته حين يقنت وإذا فرغ من القنوت وعن البراء أنه كان إذا فرغ من السورة كبر ثم قنت وعن إبراهيم في القنوت في الوتر إذا فرغ من القراءة كبر ثم قنت ثم كبر وركع وعن سفيان كانوا يستحبون إذا فرغ من القراءة في الركعة الثالثة من الوتر أن يكبر ثم يقنت وعن أحمد إذا كان يقنت قبل الركوع افتتح بتكبيرة قلت لم أقف على حديث مرفوع في التكبير للقنوت ولم أقف على أسانيد هذه الاثار وأما رفع اليدين في قنوت الوتر فلم أقف على حديث مرفوع فيه أيضا نعم جاء فيه عن ابن مسعود من فعله فروى البخاري في جزء رفع اليدين عن الأسود عن عبد الله رضي الله عنه أنه كان يقرأ في اخر ركعة من الوتر قل هو الله أحد ثم يرفع يديه فيقنت قبل الركعة وقد عقد محمد بن نصر بابا بلفظ باب رفع الأيدي عند القنوت وذكر فيه عن الأسود أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يرفع يديه في القنوت إلى صدره وعن أبي عثمان النهدي كان عمر يقنت بنا في صلاة الغداة ويرفع يديه حتى يخرج ضبعية وكان أبو هريرة يرفع يديه في قنوته في شهر رمضان وعن أبي قلابة ومكحول أنهما كانا يرفعان أيديهما في قنوت رضمان وذكر اثارا أخرى عن التابعين وغيرهم بعضها في ثبوت رفع اليدين وبعضها في نفيه من شاء الوقوف عليها فليرجع إلى كتاب قيام الليل وقد استدل الحنفية على ثبوت رفع اليدين في قنوت الوتر كرفعهما عند التحريمة بهذه الاثار وفي الاستدلال بها على هذا المطلوب نظر إذ ليس فيها ما يدل على هذا بل الظاهر منها ثبوت رفع اليدين كرفعهما في الدعاء فإن القنوت دعاء باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر أو ينسى قوله (أخبرنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم) ضعيف ضعفه أحمد وابن المديني والنسائي وغيرهم (عن أبيه) زيد بن أسلم العدوي فولى عمر بن الخطاب ثقة
[ 465 ]
قوله (من نام عن الوتر) أي عن أدائه (أو نسيه) فلم يصله (فليصل) أي قضاء (إذا ذكر) راجع إلى النسيان (وإذا استيقظ) راجع إلى النوم والحديث أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه قوله (أخبرنا عبد الله بن زيد بن أسلم) صدوق فيه لين من السابعة قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه أحمد والقزاز وضعفه ابن معين وابن عدي قوله (من نام عن وتره فليصل إذا أصبح) قال ابن الملك أي فليقض الوتر بعد الصبح متى اتفق وإليه ذهب الشافعي في أظهر قوليه وقال مالك وأحمد لا يقضي الوتر بعد الصبح انتهى قلت مذهب الشافعي موافق لهذا الحديث وهو حجة على مالك وأحمد فإن قلت هذا الحديث مرسل والمرسل من أقسام الضعيف قلت قال ميرك نق عن التصحيح وله شاهد من حديث أغر المدني عند الطبراني بإسناد جيد انتهى ويؤيده حديث أبي سعيد المذكور في الباب وإسناده عند أبي داود صحيح كما ستعرف قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) يعني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه مرس أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري متص فإن عبد الرحمن بن زيد ضعيف وعبد الله بن زيد ثقة عند أحمد وابن المديني لكن حديث أبي سعيد هذا قد رواه أبو داود من طريق أخرى قال في النيل وإسناد الطريق التي أخرجه منها أبو داود صحيح كما قال العراقي قوله (سمعت أبا داود السجزي) بسين مكسورة وغيرها وسكون جيم وبزاي نسبة إلى سجز واسم لسجستان وقيل نسبة إلى سجستان بغير قياس كذا في المغنى وأبو داود هذا هو صاحب السنن واسمه سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد الأزدي السجستاني
[ 466 ]
(وسمعت محمدا) هو محمد بن إسماعيل البخاري (يذكر عن علي بن عبد الله) هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن ابن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصرة بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استغفرت نفسه إلا عنده وقال فيه شيخه ابن عيينة كنت أتعلم منه أكثر مما يتعلمه مني كذا في التقريب قوله (وقد ذهب بعض أهل الكوفة إلى هذا الحديث وقالوا يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طلعت الشمس إلخ) قال الشوكاني في النيل الحديث يعني حديث أبي سعيد الخدري يدل على مشروعية قضاء الوتر إذا فات وقد ذهب إلى ذلك من الصحابة علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعبادة بن الصامت وعامر بن ربيعة وأبو الدرداء ومعاذ بن جبل وفضاله بن عبيد وعبد الله ابن عباس كذا قال العراقي قال ومن التابعين عمرو بن شرحبيل وعبيدة السلمان وإبراهيم النخعي ومحمد بن المنتشر وأبو العالية وحماد بن أبي سليمان ومن الأئمة سفيان الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو أيوب سليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة ثم اختلف هؤلاء إلى متى يقضي على ثمانية أقوال أحدها ما لم يصل الصبح وهو قول ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومسروق والحسن البصري وإبراهيم النخعي وقتادة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي أيوب وأبي خيثمة حكاه محمد بن نصر عنهم ثانيها أنه يقضي الوتر ما لم تطلع الشمس ولو بعد صلاة الصبح وبه قال النخعي ثالثها أنه يقضي الصبح وبعد طلوع الشمس إلى الزوال روى ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاووس ومجاهد وحماد بن أبي سليمان وروى أيضا عن ابن عمر وذكر الشوكاني باقي الأقوال قال ثامنها التفرقة بين أن يتركه لنوم أو نسيان وبين أن يتركه عمدا فإن تركه لنوم أو نسيان قضاه إذا استيقظ أو إذا ذكر في أي وقت كان لي أو نهارا وهو ظاهر الحديث واختاره ابن حزم واستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها قال وهذا عموم
[ 467 ]
يدخل فيه كل صلاة فرض أو نافلة وهو في الفرض أمر فرض وفي النفل أمر انتهى باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر قوله (أخبرنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة) الهمداني أبو سعيد الكوفي ثقة متقن من رجال السنة (أخبرنا عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ثقة ثبت قوله (بادروا الصبح بالوتر) أي أسرعوا بأداء الوتر قبل الصبح والحديث رواه أبو داود أيضا قوله (أوتروا قبل أن تصبحوا) الحديث رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود قوله (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وتر بعد صلاة الصبح) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل من حديث أبي سعيد الخدري بلفظ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا وتر بعد الفجر وفي سنده أبو هارون العبدي قال الدارقطني يتلون خارجي وشيعي وضعفه شعبة وكذبه الجوزجاني قال محمد بن نصر بعد رواية حديث ابن عمر وحديث أبي سعيد الخدري المذكورين
[ 468 ]
في الباب ما لفظه فالذي عليه جمهور أهل العلم أن لا يؤخر الوتر إلى طلوع الفجر أتباعا ل ثار التي رويناها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوتر قبل الصبح وكان وتره صلى الله عليه وسلم عامته كذلك في اخر الليل قبل طلوع الفجر ثم اختلف الناس فيمن نام عن الوتر أو سها عنه أو فرط فيه فلم يوتر حتى طلع الفجر فرأى بعضهم أن الفجر إذا طلع فقد ذهب وقت الوتر ولا يقضي بعد ذلك لأنه ليس بفرض وإنما يصلي في وقته فإذا ذهب وقته لم يقض على ما روينا عن عطاء وغيره واحتج بعضهم بحديث يروى عن أبي سعيد الخدري ثم ذكره بإسناده وقد ذكر لفظه انفا ثم قال وهذا حديث لو ثبت لكان حجة لا يجوز مخالفته غير أن أصحاب الحديث لا يحتجون برواية هارون العبدي قال والذي ذهب إليه جماعة من أصحابنا أن من طلع عليه الفجر ولم يوتر فإنه يوتر ما لم يصل الغداة إتباعا للأخبار التي رويت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أوتروا بعد الصبح وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه أوتر بعد ما أصبح فإذا صلى الغداة فإن جماعة من أصحابنا قالوا لا يقضي الوتر بعد ذلك وقد روى ذلك عن جماعة من المتقدمين أيضا وإلى هذا ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم من أصحابنا ثم ذكر محمد بن نصر الأخبار التي جاءت في الوتر بعد طلوع الفجر بعضها مرفوعة وأكثرها اثار الصحابة والتابعين ومن بعدهم ثم قال والذي أقول به أنه يصلي الوتر ما لم يصل الغداة فإذا صلى الغداة فليس عليه أن يقضيه بعد ذلك وإن قضاة على ما يقضي التطوع فحسن قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين قبل الفجر بعد طلوع الشمس في الليلة التي نام فيها عن صلاة الغداة حتى طلعت الشمس وكذا الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الظهر بعد العصر في اليوم الذي شغل فيه عنها وقد كانوا يقضون صلاة الليل إذا فاتتهم بالليل نهارا فلذلك حسن وليس بواجب انتهى كلام محمد بن نصر قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق لا يرون الوتر بعد صلاة الصبح) قال في شرح السنة قيل وتر بعد صلاة الصبح وهو قول عطاء وبه قال مالك وأحمد وذهب اخرون إلى أنه يقضيه متى كان وهو قول سفيان الثوري وأظهر قولي الشافعي لما روى أنه قال من نام عن وتر فليصل إذا أصبح ذكره الطيبي ومذهب أبي حنيفة أنه يجب قضاء الوتر حتى لو كان المصلى صاحب ترتيب وصلى الصبح قبل الوتر ذاكرا لم يصح
[ 469 ]
باب ما جاء لا وتران في ليلة قوله (أخبرنا ملازم بن عمرو) هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر اليمامي صدوق من الثامنة (حدثني عبد الله بن بدر) اليمامي عن ابن عباس وطلق بن علي وعنه سبطه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة كذا في الخلاصة قوله (لا وتران في ليلة) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي معناه أن من أوتر في اخر الليل ثم صلى بعد ذلك لا يعيد الوتر انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه كذا في المنتقى وقال الشوكاني في النيل قال عبد الحق وغير الترمذي صححه وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه (فرأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم نقص الوتر وقالوا يضيف إليها ركعة الخ) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا قمت ضممت إليها ركعة فما شبهتها إلا بالغربية من الابل تضم إلى الابل وقاله سعيد بن مالك أما أنا فإذا ركعت أردت أن أصلي من الليل أوترت بركعة فإذا إستيقظت صليت إليها ركعة ثم صليت ركعتين ركعتين ثم أوترت وعن سالم كان ابن عمر رضي الله عنه إذا أوتر أول الليل ثم قال يصلي يشفع وتره الأول بركعة ثم يصلي بوتر وعن ابن عباس أنه قال إذا أوتر الرجل من أول الليل ثم أراد أن يصلي شفع وتره ثم صلى ما بدا له ثم أوتر من اخر صلاته وعن أسامة بمعناه وعن هشام بن عروة كان أبي يوتر أول الليل فإذا قام شفع انتهى باختصار
[ 470 ]
واحتج هؤلاء بحديث الباب واحتجوا أيضا بقول النبي صلى الله عليه وسلم إجعلوا اخر صلاتكم من الليل وترا فقالوا إذا هو قام من الليل فلم يشفع وتره وصلى مثنى مثنى ثم لو يوتر في اخر صلاته كان قد جعل صلاته من الليل شفعا لا وترا وترك قول النبي صلى الله عليه وسلم إجعلوا اخر صلاتكم بالليل وترا كذا في قيام الليل واحتجوا أيضا باثار الصحابة المذكورين رضي الله عنهم قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه الخمسة إلا ابن ماجه وأخرجه أيضا ابن حبان وصححه قال عبد الحق وغير الترمذي صححه قوله (وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا أوتر من أول الليل ثم نام ثم قام من اخره أنه يصلي ما بدا له ولا ينقص وتره الخ) روى محمد ابن نصر في قيام الليل عن عائشة عن أبي بكر الصديق أنه كان يوتر قبل أن ينام فإذا قام من الليل صلى مثنى مثنى حتى يفرغ مما يرد أن يصلي وعن عمار بن ياسر وقد سئل عن الوتر فقال أما أنا فأوتر قبل أن أنام فإن رزقني الله شيئا صليت شفعا شفعا إلى أن أصبح وعن عائشة الذين ينقضون وترهم هم الذين يلعبون بصلاتهم وروي عن ابن عباس أيضا بنحوه وعنه في رواية في الذي يوتر ثم يريد أن يصلي قال يصلي مثنى مثنى وفي رواية حسبه وتره الأول وعنه لما بلغه فعل ابن عمر لم يعجبه وقال إن ابن عمر يوتر في ليلة ثلاث مرات وعن أبي هريرة إذا صليت العشاء صليت بعدها خمس ركعات ثم أنام فإن قمت صليت مثنى مثنى وإن أصبحت على وتر وسئل رافع بن خديج عن الوتر فقال أما أنا فإني أوتر من أول الليل فإن رزقت شيئا من اخره صليت ركعتين ركعتين حتى أصبح قوله (وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك وهذا أصح) وقال محمد بن نصر في قيام الليل وهذا مذهب الشافعي وأحمد وهو أحب إلي وإن شفع وتره اتباعا للأخبار التي رويناها رأيته جائزا انتهى وقال العراقي وإلى هذا ذهب أكثر العلماء وقالوا إن من أوتر وأراد الصلاة بعد ذلك لا ينقص وتره ويصلي شفعا شفعا حتى يصبح انتهى وهذا هو المختار عندي ولم أجد حديثا مرفوعا صحيحا يدل على ثبوت نقص الوتر والله تعالى أعلم
[ 471 ]
قوله (لأنه قد روى من غير وجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى بعد الوتر) وأجابوا عن القائلين بجواز نقص الوتر بأنه إذا أوتر الرجل أول الليل فقد قضى وتره فإذا هو نام بعد ذلك ثم قام وتوضأ وصلى ركعة أخرى فهذه صلاة غير تلك الصلاة وغير جائز في النظر أن تتصل هذه الركعة بالركعة الأولى التي صلاها في أول الليل فلا يصيران صلاة واحدة وبينهما نوم وحدث ووضوء وكلام في الغالب وإنما هما صلاتان متباينتان ومن فعل ذلك فقد أوتر مرتين ثم هو إذا أوتر أيضا في اخر صلاته صار موترا ثلاث مرات وقد قال صلى الله عليه وسلم إجعلوا اخر صلاتكم من الليل وترا وهذا قد جعل الوتر في مواضع من صلاة الليل وأيضا قال صلى الله عليه وسلم لا وتران في ليلة وهذا قد أوتر ثلاث مرات وقال محمد بن نصر وقد قال من ذهب هذا المذهب قول النبي صلى الله عليه وسلم إجعلوا اخر صلاتكم من الليل وترا إنما هو ندب واختيار وليس بإيجاب والدليل على ذلك صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعد الوتر بالليل قال والدليل على ذلك أيضا أن ابن عمر الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجعلوا اخر صلاتكم من الليل وترا وهو الذي كان يشفع وتره وروى عنه أنه سئل عمن قام من الليل وقد أوتر قبل أن ينام مثنى مثنى ولم يشفع وتره قال ذلك حسن جميل فدل فتياه أنه رأى قوله إجعلوا اخر صلاتكم وترا ندبا لا إيجابا ثم ذكر محمد بن نصر فتياه بسنده وكذلك قوله صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة إنما هو ندب واختيار لا إيجاب والدليل عليه وتر النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وسبع وتسع لم يسلم إلا في اخرهن انتهى قوله (أخبرنا حماد بن مسعدة) التميمي أبو سعيد البصري ثقة (عن ميمون بن موسى الموائي) بفتحتين وهمزة أبو موسى البصري صدوق مدلس من السابعة (عن الحسن) هو مدلس البصري (عن أمه) اسمها خيرة مولاة أم سلمة مقبوله من الثانية قوله (كان يصلي بعد الوتر ركعتين) ورواه أحمد وابن ماجه وزادا وهو جالس قوله (وقد روى نحو هذا عن أبي أمامة وعائشة وغير واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم) أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد والبيهقي بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس يقرأ جالس يقرأ فيهما بإذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون وأخرجه بنحوه محمد بن نصر في قيام الليل وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وفي الباب عن أنس رضي الله عنه عند
[ 472 ]
الدارقطني بنحو حديث أبي أمامة قال النووي الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما صلى الله عليه وسلم بعد الوتر جالسا لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك بل فعله مرة أو مرات قليلة ولا يغتر بقولها كان يصلي فإن المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظ كان لا يلزم منها الدوام ولا التكرار قال وإنما تأولنا حديث الركعتين لأن الروايات المشهورة في الصحيحين كثيرة مشهورة بالأمر بجعل اخر صلاة الليل وترا فكيف يظن به صلى الله عليه وسلم مع هذه الأحاديث وأشباهها أنه يداوم على ركعتين بعد الوتر ويجعلهما اخر صلاة الليل قال وأما ما أشار إليه القاضي عياض من ترجيح الأحاديث المشهورة ورد رواية الركعتين فليس بصواب لأن الأحاديث إذا صحت وأمكن الجمع بينها تعين وقد جمعنا بينها ولله الحمد انتهى كلام النووي باب ما جاء في الوتر على الراحلة قوله (عن أبي بكر بن عمر بن عبد الرحمن) بن عبد الله بن عمر القرشي العدوي المدني ثقة (عن سعيد بن يسار) المدني ثقة قوله (فتخلفت عنه) وفي رواية البخاري فلما خشيت الصبح نزلت فأوترت ثم لحقته (فقال أين كنت فقلت أوترت) وفي رواية البخاري فقال عبد الله بن عمر أين كنت فقلت خشيت الصبح فنزلت فأوترت (أليس لك في رسول الله أسوة حسنة) قال في القاموس الأسوة بالكسر والضم القدوة إرشاد العالم لرفيقه ما قد يخفى عليه من السنن (يوتر على راحلته) فيه دليل على جواز الوتر على الراحلة وهو الحق وفي رواية وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسبح وهو على الراحلة قبل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة كذا في قيام الليل قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر على راحلته
[ 473 ]
قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وقد ذهب بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إلى هذا ورأوا أن يوتر الرجل إلى راحلته) روى محمد بن نصر في قيام الليل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يوتر على راحلته عن نافع كان عبد الله رضي الله عنه يوتر على البعير يومئ برأسه وعن ابن جريج قلت لعطاء أوتر وأنا مدبر عن القبلة على دابتي قال نعم وعن عطاء لا بأس أن يوتر على بعيره وعن سفيان إن أوترت على دابتك فلا بأس والوتر بأرض أحب إلى (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو الحق قوله (وقال بعض أهل العلم لا يوتر الرجل على الراحلة الخ) وهو قول أبي حنيفة قال محمد بن نصر في قيام الليل بعد رواية حديث ابن عمر وابن عباس المذكورين والاثار المذكورة ما لفظه وزعم النعمان يعني أبا حنيفة أن الوتر على الدابة لا يجوز خلافا لما روينا وأحتج بعضهم له بحديث رواه عن ابن عمر أنه نزل عن دابته فأوتر بالأرض فيقال لمن احتج بذلك هذا ضرب من الغفلة هل قال أحد إنه لا يحل للرجل أن يوتر بالأرض إنما قال العلماء لا بأس أن يوتر على الدابة وإن شاء أوتر بالأرض وكذلك كان ابن عمرو يفعل ربما أوتر على الدابة وربما أوتر على الأرض وعن نافع أن ابن عمر كان ربما أوتر على راحلته وربما نزل وفي رواية كان يوتر على راحلته وكان ربما نزل انتهى وقال صاحب التعليق الممجد أخذ أصحابنا يعني الحنفية با ثار الواردة بنزول ابن عمر رضي الله عنه للوتر وشيدوه بالأحاديث المرفوعة الواردة في نزوله صلى الله عليه وسلم للوتر وقال المجوزون لأدائه على الدابة إنه لا تعارض ههنا إذا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الأمرين فأحيانا أدى الوتر على الدابة وأحيانا على الأرض واقتدى به ابن عمر ويؤيده ما أخرجه الطحاوي في شرح معاني الاثار عن مجاهد عن محمد بن أسحاق عن نافع قال كان ابن عمر يوتر على الراحلة وربما نزل فأوتر على الأرض
[ 474 ]
وذكر الطحاوي بعد ما أخرج اثار الطرفين الوجه في ذلك عندنا أنه قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر على الراحلة قبل أن يحكم ويغلظ أمره ثم أحكم بعد ولم يرخص في تركه ثم أخرج حديث إن الله أمدكم بصلاة هي خير من حمر النعم ما بين صلاة العشاء إلى الفجر الوتر الوتر من حديث خارجة وأبي بصرة ثم قال فيجوز أن يكون ما روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وتره على الراحلة كان منه قبل تأكيده أياه ثم نسخ ذلك انتهى وفيه نظر لا يخفى إذ لا سبيل إلى إثبات النسخ بالإحتمال ما لم يعلم ذلك بنص وارد في ذلك انتهى باب ما جاء في صلاة الضحى قال العيني في شرح البخاري الضحى بالضم والكسر فوق الضحوة وهي أرتفاع أول النهار والضحاء بالفتح والمد هو إذا علت الشمس إلى ربع السماء فما بعده أنتهى قال القاري في المرقاة قيل صلاة وقت الضحى والظاهر أن إضافة الصلاة إلى الضحى بمعنى في كصلاة النهار وصلاة الليل فلا حاجة إلى القول بحذف المضاف وقيل من باب إضافة المسبب إلى السبب كصلاة الظهر أنتهى قوله (حدثني موسى بن فلان بن أنس) ويقال هو موسى بن حمزة مجهول من السادسة كذا في التقريب (عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك) قال الحافظ في التقريب ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك الأنصاري البصري قاضيها صدوق من الرابعة قوله (من صلى الضحى ثنتي عتشرة ركعة) هذا أكثر ما ورد في عدد صلاة الضحى قال العيني لم يرد في صلاة الضحى أكثر من ذلك قوله (وفي الباب عن أم هانئ) أخرجه الشيخان وأخرجه المؤلف أيضا وأبي هريرة أخرجه المؤلف في الباب وأخرجه أيضا أحمد وابن ماجه
[ 475 ]
وأخرج مسلم في صحيحه عنه قال أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد (ونعيم بن همار) بهاء مفتوحة وشدة ميم وبراء صحابي أخرج حديثه أبو داود والنسائي في الكبرى قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل يا ابن ادم لا تعجزني من أربع ركعات في أول النهار أكفك اخره (وأبي ذر) أخرجه مسلم مرفوعا قال يصبح على كل سلامي الحديث وفي اخره يجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى (وعائشة) أخرجه مسلم من طريق معاذة أنها سألت عائشة كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى قالت أربع ركعات ويزيد ما شاء وأخرج مالك في الموطأ عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول لو نشر لي أبواي ما تركتها (وأبي أمامة) أخرجه الطبراني بنحو حديث أبي هريرة (وعتبة بن عبد السلمي) أخرجه الطبراني مرفوعا من صلى صلاة الصبح في جماعة ثم ثبت حتى يسبح الله سبحة الضحى كان له كأجر حاج ومعتمر (وابن أبي أوفى) أخرجه الطبراني في الكبير بلفظ أن عبد الله بن أبي أوفى صلى الضحى ركعتين قالت له امرأته إنما صليتها ركعتين فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين (وأبي سعيد) أخرجه المؤلف في هذا الباب (وزيد بن أرقم) أخرجه مسلم (وابن عباس) أخرجه الطبراني في الأوسط مرفوعا بلفظ على كل سلامي من بني ادم في كل يوم صدقة ويجزئ من ذلك كله ركعتا الضحى وفي الباب عن جماعة من الصحابة غير هؤلاء المذكورين رضي الله عنهم قد ذكر أحاديثهم العيني في شرح البخاري قوله (حديث أنس غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه) قال ميرك وذكر النووي هذا الحديث في الأحاديث الضعيفة كذا في المرقاة قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث وعند الطبراني من حديث أبي الدرداء مرفوعا من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين ومن صلى أربعا كتب من التائبين ومن صلى ستا كفى ذلك اليوم ومن صلى ثمانيا كتب من العابدين ومن صلى عشرة بنى الله له بيتا في الجنة
[ 476 ]
قال وفي إسناده ضعف أيضا وله شاهد من حديث أبي ذر رواه البزار في أسناده ضعف أيضا قال لكن إذا ضم إليه أي إلى حديث أنس حديث أبي ذر وأبي الدرداء قوى وتصلح للاحتجاج به انتهى كلام الحافظ قوله (ما أخبرني أحد وفي رواية ابن شيبة عن ابن أبي ليلى أدركت الناس وهم متوافرون فلم يخبرني أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى إلا أم هانئ) وهذا إخبار عن عدم وصول الخبر إليه فلا يلزم عدمه إلا أم هانئ بهمزة بعد النون واسمها فاخته بنت أبي طالب أخت على شقيقته قوله (سبح ثمان ركعات) قال الحافظ زاد كريب عن أم هانئ فسلم من كل ركعتين أخرجه ابن خزيمة وفيه رد على من تمسك به في صلاتها موصولة سواء صلى ثما ركعالت أو أقل وفي الطبراني من حديث ابن أبي أوفى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفتح ركعتين وهو محمول على أنه رأى من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين ورأت أم هانئ بقية الثمان وهذا يقوي أنه صلاها مفصولة انتهى كلام الحافظ (غير أنه كان يتم الركوع والسجود) قال الطيبي استدل به على استحباب صلاة الضحى وفيه نظر لاحتمال أن يكون السبب فيه التفرغ لمهمات الفتح لثكرة شغله به وقد ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم أنه صلى الضحى فطول فيها أخرجه ابن أبي شيبة من حديث حذيفة وأستدل بهذا الحديث على إثبات سنة الضحى وحكى عياض عن قوم أنه ليس في حديث أم هانئ دلالة على ذلك قالوا وإنما هي سنة الفتح وقد صلاها خالد بن الوليد في بعض فتوحه كذلك وقد قيل إنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك الليلة من حزبه وتعقبه النووي بأن الصواب صحة الاستدلال به لما رواه أبو داود وغيره من طريق كريب عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى سبحة الضحى ولمسلم في كتاب الطهارة ثم صلى ثمان ركعات سبحة الضحى وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق عكرمة بن خالد عن أم هانئ قالت قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه قالت هذه صلاة الضحى
[ 477 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وكأن أحمد رأى أصح شئ في الباب حديث أم هانئ) قال الحافظ وهو كما قال قوله (واختلفوا في نعيم) بالتصغير أي في اسم أبيه (فقال بعضهم نعيم بن خمار) بفتح الخاء المعجمة وشدة الميم وبراء (وقال بعضهم ابن همار) بفتح الهاء وشدة الميم وبراء (ويقال ابن هبار) بفتح الهاء الموحدة وبراء (ويقال ابن همام) بميمين (والصحيح ابن هبار) قال الحافظ في التقريب رجح الأكثر أن اسم أبيه همار انتهى وقال الغلابي عن ابن معين أهل الشام يقولون نعيم بن همار وهم أعلم به كذا في تهذيب التهذيب (وأبو نعيم وهم فيه) أبو نعيم هذا هو فضل بن دكين وهو من كبار شيوخ البخاري أي أبو نعيم فضل بن دكين وهم في اسم والد نعيم المذكور (أخبرني بذلك عبد بن حميد) بن نصر الكشي أبو محمد قيل اسمه عبد الحميد وبذلك جزم ابن حبان وغير واحد ثقة حافظ انتهى قلت روى عنه مسلم والترمذي وغيرهما (أبو جعفر السمتاني) بكسر السين المهملة وسكون الميم ونونين اسمه محمد بن جعفر ثقة من الحادية عشرة (أخبرنا أبو مسهر) بمضمومة وسكون مهملة وكسر هاء براء اسمه عبد الأعلى بن مسهر الغساني الدمشقي ثقة فاضل من كبار العاشرة (عن بحير بن سعد) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة ثقة ثبت من السادسة قوله (ابن ادم) أي يا ابن ادم (اركع) أي صل (لي) وقيل أي خالصا لوجهي (من أول النهار)
[ 478 ]
قبل المرد صلاة الضحى وقيل صلاة الإشراق سنة الصبح وفرضه لأنه أو فرض النهار الشرعي قلت حمل المؤلف وكذا أبو داود هذه الركعات على صلاة الضحى ولذلك أدخلا هذا الحديث في باب صلاة الضحى (أكفك) أي مهماتك (أخره) أي النهار قال الطيبي أي أكهفك شغلك وحوائجك وأدفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى اخر النهار والمعنى أفرغ بالك بعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في اخره بقضاء حوائجك انتهى قوله (هذا حديث غريب) قال المنذري في تلخيص السنن وأخرجه الترمذي من حديث أبي الدرداء وأبي ذر وقال حسن غريب هذا اخر كلامه وفي إسناده إسماعيل ابن عياش وفيه مقال ومن الأئمة من يصحح حديثه عن الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد انتهى وعمل من كلام المنذري هذا أن في نسخة الترمذي التي كانت عنده كان فيها هذا حديث حسن غريب قوله (عن نهاس) بفتح النون وتشديد الهاء واخره سين مهملة (بن قهم) بفتح القاف وسكون الهاء ضعيف من السادسة قوله (من حافظ على شفعة الضحى) قال العراقي المشهور في الرواية ضم الشين وقال الهروي وابن الأثير تروى بالفتح والضم كالغرفة والغرفة وهي مأخوذة من الشفع وهو الزوج والمراد ركعتا الضحى كذا في قوت المغتذي (وإن كانت مثل زبد البحر) لاشتهاره بالكثرة عند المخاطبين قوله (فضيل بن مرزوق) بضم الفاء مصغرا صدوق يهم ورمى بالتشيع (عن عطية العوفي) بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالفاء هو عطية بن سعيد بن جنادة الكوفي صدوق يخطئ كثيرا كان شيعيا مدلسا من الثالثة
[ 479 ]
قوله (حتى تقول) بالنون (لا يدع) أي لا يتركها أبدا (ويدعها) أي أحيانا (حتى نقول) بالنون (لا يدع) أي لا يتكرها أبدا (ويدعها) أي أحيانا (حتى نقول لا يصلي) وكان ذلك بحسب مقتضى الأوقات من العمل بالرخصة والعزيمة كما يفعل في صوم النفل وما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الضحى كانت واجبة عليه فضعيف قال الحافظ في الفتح لم يثبت ذلك في خير صحيح وقال فيه حكى شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بين العوام أن من صلى الضحى ثم قطعها يعمى فصار كثير من الناس يتركونها أصلا لذلك وليس لما قالوه أصل بل الظاهر أنه مما ألقاه الشيطان على السنة العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما وما وقع في حديث أبي ذر انتهى قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الحاكم باب ما جاء في الصلاة عند الزوال قوله (حدثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح) بفتح الواو وشدة الضاد المعجمة وبالحاء المهملة (هو أبو سعيد المؤدب) القضاعي الجزري مشهور بكنيته صدوق يهم (عن عبد الله بن السائب) هو وأبوه صحابي وليس له عند المصنف إلا هذا الحديث (كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس) قال العراقي هي غير الأربع التي هي سنة الظهر قبلها وتسمى هذه سنة الزوال (وقال إنها) أي ما بعد الزوال وانثه باعتبار الخبر وهو (ساعة تفتح) بالتخفيف ويجوز التشديد (فيها أبواب السماء) لطلوع أعمال الصالحين (أن يصعد) بفتح الياء ويضم (فيها) أي في تلك الساعة (عمل صالح) أي إلى السماء وفيه تلميح إلى قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه)
[ 480 ]
قوله (في الباب عن علي) لم أقف عليه (وأبي أيوب) الأنصاري أخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء قوله (حديث عبد الله بن السائب حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد (وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال لا يسلم إلا في اخرهن) روى ابن ماجه عن أبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعا إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بتسليم وقال إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس قال المناوي إسناده ضعيف وقال الحنفية فيه إن الأفضل صلاة الأربع قبل الظهر بتسليمة واحدة وقالوا هو حجة على الشافعي في صلاتها بتسليمتين انتهى باب ما جاء في صلاة الحاجة قوله (وأخبرنا عبد الله بن منير) عطف على حدثنا علي بن عيسى وعبد الله بن منير هذا شيخ المؤلف (عن عبد الله بن بكر) هو السهمي المذكور ولو قال المؤلف حدثنا علي بن عيسى بن يزيد البغدادي وعبد الله بن منير عن عبد الله بن بكر السهمي عن فائد بن عبد الرحمن الخ لكان أوضح وأخضر لكنه لم يقل هكذا لأن علي بن عيسى رواه عن عبد الله بن أبي بكر بلفظ التحديث وعبد الله بن منير رواه عنه بلفظ عن فلا ظهار هذا الفرق قال كما قال (عن فائد بن عبد الرحمن) بالفاء متروك اتهموه من صغار الخامسة وليس له عند المؤلف إلا هذا الحديث قوله (ثم ليثن) من الإثناء (وليصل) الأصح الأفضل صلاة التشهد (لا إله إلا الله
[ 481 ]
الحليم) الذي لا يعجل بالعقوبة (الكريم) الذي يعطي بغير استحقاق وبدون المنة (رب العرش العظيم) اختلف في كون العظيم صفة للرب أو العرش كما قوله عليه الصلاة والسلام لا إله إلا الله رب العرش العظيم نقل ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع العظيم على أنه نعت للرب والذي ثبت في رواية الجمهور على أنه نعت للعرش وكذلك قراءة الجمهور في قوله تعالى (رب العرش العظيم ورب العرش الكريم) بالجر كذا في المرقاة والمعنى المراد في المقام أنه منزه عن العجز فإن القادر على العرش العظيم لا يعجز عن إعطاء مسؤول عبده المتوجه إلى ربه الكريم (موجبات رحمتك) بكسر الجيم أي أسبابها قال الطيبي جمع موجبة وهي الكلمة الموجبة لقائلها الجنة وقال ابن الملك يعني الأفعال والأقوال والصفات التي تحصل رحمتك بسببها (وعزائم مغفرتك) قال السيوطي أي موجباتها جمع عزيمة وقال الطيبي أي أعمالا تتعزم وتتأكد بها مغفرتك (والغنيمة من كل بر) قال القاري أي طاعة وعبادة فإنهما غنيمة مأخوذة بغلبة دواعي عسكر الروح على جند النفس فإن الحرب قائم بينهما على الدوام ولهذا يسمى الجهاد الأكبر لأن أعدى عدوك نفسك التي بينها جنبيك (والسلام من كل إثم) قال العراقي فيه جواز سؤال العصمة من كل الذنوب وقد أنكر بعضهم جواز ذلك إذ العصمة إنما هي للأنبياء والملائكة قال والجواب أنها في حق الأنبياء والملائكة واجبة وفي حق غيرهم جائزة وسؤال الجائز جائز إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة وقد يكون هذا هو المراد هنا انتهى (لا تدع) أي لا تترك (لي ذنبا إلا غفرته) أي إلا موصوفا بوصف الغفران فالاستثناء فيه وفيما يليه مفرع من أعم الأحوال (ولاهما) أي غما (إلا فرجته) بالتشديد ويخفف أي أزلته وكشفته (ولا حاجة هي لك رضى) أي بها يعني مريضة قوله (هذا حديث غريب إلخ) قال المنذري في الترغيب رواها الترمذي وابن ماجه كلاهما من رواية فائد بن عبد الرحمن بن أبي الورقاء وزاد ابن ماجه بعد قوله يا أرحم الراحمين ثم يسأل من أمر الدنيا والآخرة ما شاء فإنه يقدر ورواه الحاكم باختصار ثم قال أخرجته شاهدا وفائد مستقيم
[ 482 ]
الحديث وزاد بعد قوله وعزائم مغفرتك والعصمة من كل ذنب قال الحافظ المنذري وفائد متروك روى عنه الثقات وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه باب ما جاء في صلاة الإستخارة قوله (أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الموالي) بفتح اسمه زيد وقيل أبو الموال جده أبو محمد مولى ال علي صدوق ربما أخطأ من السابعة قوله (يعلمنا الاستخارة) أي صلاة الاستخارة ودعاءها (في الأمور) زاد في رواية البخاري كلها وفيه دليل على العموم وأن المرء لا يحتقر أمرا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أوفى تركه (كما يعلمنا السورة من القران) فيه دليل على الاهتمام بأمر الاستخارة وأنه متأكد مرغب فيه (إذا هم) أي قصد (بالأمر) أي من نكاح أو سفر أو غيرهما مما يريد فعل أو تركه (فليركع ركعتين) أي فليصل ركعتين (من غير الفريضة) فيه دليل على أنه لا تحصل سنة صلاة الاستخارة بوقوع الدعاء بعد صلاة الفريضة (ثم ليقل) أي بعد الصلاة (اللهم إني أستخيرك) أي أطلب منك الخير أو الخيرة قال صاحب المحكم استخار الله طلب منه الخير وقال صاحب النهاية خار الله لك أي أعطاك الله ما هو خير لك قال والخيرة بسكون الياء الاسم منه قال فأما بالفتح فهي الاسم من قوله اختاره الله كذا في النيل (بعلمك) الباء فيه وفي قوله بقدرتك للتعليل أي بأنك أعلم وأقدر قاله زين الدين العراقي وقال الكرماني يحتمل أن تكون للاستعانة وأن تكون للاستعطاف كما في قوله (رب بما أنعمت علي) أي بحق علمك وقدرتك الشاملين كذا في عمدة القاري وقال القاري في المرقاة أي بسبب علمك والمعنى أطلب منك رأ ن تشرح صدري لخير الأمرين بسبب علمك بكيفيات الأمور وجزئياتها وكلياتها إذ يحيط بخير الأمرين على الحققية إلا من هو كذلك كما قال تعالى عسى أن تكرهوا شيئا هو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم
[ 483 ]
لا تعلمون قال الطيبي الباء فيهما إما للاستعانة أي أطلب خبرك مستعينا بعلمك فإني لا أعلم فيهم خيرك وأطلب منك القدرة فإنه لا حول ولا قوة إلا بك وإما للاستعطاف انتهى مختصرا وأستقدرك أي طلب منك أن تجعل لي قدرة عليه (واسألك من فضلك العظيم) أي تعيين الخير وتبيينه وتقديره وتيسيره وإعطاء القدرة لي عليه (اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر) أي الذي يريده قال الطيبي معناه اللهم إنك معلم فأوقع الكلام موقع الشك على معنى التفويض إليه والرضا بعلمه فيه وهذا النوع يسميه أهل البلاغة تجاهل العارف ومزج الشك باليقين يحتمل أن الشك في أن العلم متعلق بالخير أو الشر لا في أصل العلم انتهى قال القاري والقول الآخر هو الظاهر ونتوقف في جواز الأول بالنسبة إلى الله تعالى (في ديني) أي فيما يتعلق بديني (ومعيشتي) وقع في البخاري ومعاشي قال العيني المعاش والمعيشة واحد يستعملان مصدرا واسما وفي المحكم العيش الحياة عاش عيشا وعيشة ومعيشا ومعاشا ثم قال المعيش والمعاش المعيشة ما يعاش به انتهى قال الحافظ زاد أبو داود ومعادي وهو يؤيدذ أن المراد بالمعاش الحياة ويحمتل أن يريد بالمعاش ما يعاش فيه ولذلك وقع في حديث ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط في ديني ودنياي وفي حديث أبي أيوب عند الطبراني في دنياي واخرتي انتهى (وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري واجله) هو شك من الراوي واقتصر في حديث أبي سعيد على عاقبة أمري وكذا في حديث ابن مسعود هو يؤيد أحد الاحتمالين وأن العاجل والآجل مذكوران بدل الألفاظ الثلاثة أو بدل الآخيرين فقط وعلى هذا فقول الكرماني لا يكون الداعي جازما بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن دعا ثلاث مرات يقول مرة في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ومرة في عاجل أمري واجله ومرة في ديني وعاجل أمري واجله ذكره الحافظ قال ولم يقع ذلك أي الشك في حديث كبي أيوب ولا أبي هريرة أصلا انتهى (فيسره لي) وفي رواية البزار عن ابن مسعود فوفقه وسهله (واقدر لي الخير) بضم الدال وكسرها أي يسره علي وأجعله مقدورا لفعلي (حيث كان) أي الخير (ثم أرضني به) بهمزة قطع أي
[ 484 ]
اجعلني راضيا به (يسمى حاجته) أي أثناء الدعاء عند ذكرها بالكناية عنها في قوله إن كان هذا الأمر وفي الحديث استحباب صلاة الاستخارة والدعاء المأثور بعدها في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها أما هو معروف خيره كالعبادات وصنائع المعروف فلا حاجة للاستخارة فيها قال النووي إذا استخار مضى بعدها لما شرح له صدره انتهى وهل يستحب تكرار الصلاة والدعاء وفي الأمر الواحد إذا لم يظهر له وجه الصواب في الفعل أو الترك مما لم ينشرح له صدره قال العراقي الظاهر الاستحباب وقد ورد تكرار الاستخارة في حديث رواه ابن السني من حديث أنس مرفوعا بلفظ إذا هممت بأمر فاستخر ربك فيها سبع مرات ثم انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإن الخير فيه لكن الحديث ساقط لا حجة فيه قال النووي وغيره يستحب أن يقرأ في ركعتي الاستخارة في الأولى بعد الفاتحة قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد وقال العراقي لم أجد في شئ من طرق أحاديث الاستخارة ما يقرأ فيهما قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود) أخرجه الطبراني في الكبير من طريق الأعمش عن إبراهيم بن علقمة عن عبد الله (وأبي أيوب) أخرجه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي (حديث جابر حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري قوله (وهو شيخ مدني ثقة الخ) قال العيني في شرح البخاري حكم الترمذي على حديث جابر بالصحة تبعا للبخاري في إخراجه في الصحيح وصححه أيضا ابن حبان ومع ذلك فقد ضعفه أحمد بن حنبل فقال إن حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي في الاستخارة منكر وقال ابن عدي في الكامل والذي أنكر عليه حديث الاستخارة وقد رواه غير واحد من الصحابة وقال شيخنا زين الدين كان ابن عدي أراد بذلك أن لحديثه هذا شاهد من حديث غير واحد من الصحابة فخرج بذلك أن يكون فردا مطلقا وقد وثقه جمهور أهل العلم انتهى
[ 485 ]
باب ما جاء في صلاة التسبيح قوله (أخبرنا موسى بن عبيدة) بضم أوله ابن نشيط الربذي أبو عبد العزيز المدني ضعيف ولا سيما في عبد الله بن دينار وكان عابدا من صغار السادسة (حدثني سعيد بن أبي سعيد) قال الحافظ في التقريب مجهول وقال في تهذيب التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات وكذا قال السيوطي في قوت المغتذي (عن أبي رافع) القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه ابن إبراهيم وقيل أسلم أو ثابت أو هرمز مات في أول خلافة على على الصحيح قوله (ألا أصلك) من الصلة (ألا أحبوك) أي ألا أعطيك يقال حباه كذا وبكذا إذا أعطاه والحباء العطية كذا في النهاية (يا عم صل أربع ركعات) ظاهر أنه بتسليم واحد لي كان أو نهارا (فإذا انقضت القراءة) وفي حديث ابن عباس فإذا فرغت عن القراءة (فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله) وفي رواية ابن عباس عند أبي داود قلت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر خمس عشرة فأفادت هذه الرواية أن الترتيب غير لازم بل بأيهن بدأ يصح (ثم اركع فقلها عشرا) أي بعد تسبيح الركوع كذا (في شرح السنة ثم ارفع رأسك فقلها عشرا) أي بعد التسميع والتحميد (ثم اسجد فقلها عشرا) أي بعد تسبيح السجود (ثم ارفع رأسك فقلها عشرا) قال القاري من غير زيادة دعاء عندنا وظاهر مذهب الشافعي أن يقولها بعد رب أغفر لي ونحوه انتهى قلت ظاهر مذهب الشافعي هو الراجح المعول عليه (ثم ارفع رأسك فقلها عشرا قبل أن تقوم) أي في جلسة الاستراحة وفيه ثبوت جلسة الاستراحة قال القاري هو يحتمل جلسة
[ 486 ]
الاستراحة وجلسة التشهد انتهى قالت هو لا يحتمل إلا جلسة الاستراحة فإن جلسة التشهد لا تكون في الركعة الأولى (فذلك) أي مجموع ما ذكر من التسبيحات (مثل رمل عالج) أوله عين مهملة واخره جيم وهو ما تراكم من الرمل ودخل بعضه في بعض وهو أيضا اسم موضع كثير الرمال (حتى قال فقلها في سنة) وفي رواية ابن عباس فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة فإن لم تفعل ففي عمرك مرة قوله وهذا حديث غريب من حديث أبي رافع قال السيوطي في قوت المغتذي بالغ ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات وأعله بموسى بن عبيدة الربذي وليس كما قال فإن الحديث وإن كان ضعيفا لم ينته إلى درجة الوضع وموسى ضعفوه وقال فيه ابن سعد ثقة وليس بحجة وقال يعقوب بن شيبة صدوق ضعيف الحديث جدا وشيخه سعيد ليس له عند المصنف إلا هذا الحديث وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال الذهبي في المزان ما روى عنه سوى موسى بن عبيدة انتهى ما في قوت المغتذي قوله كبري الله عشرا وسبحي الله عشرا واحمديه عشرا قال العراقي إيراد هذا الحديث في باب صلاة التسبيح فيه نظر فإن المعروف انه ورد في التسبيح عقب الصلوات لا في صلاة التسبيح وذلك مبين في عدة طرق منها في مسند أبي يعلى والدعاء للطبراني فقال يا أم سليم إذا صليت المكتوبة فقولي سبحان الله عشرا الى أخره انتهى كذا في قوت المغتذي وقال أبو الطيب المدني أجاب عنه بعض الفضلاء بأنه يمكن أن يقال علمها النبي صلى الله عليه وسلم أن تقول في الصلاة وأن
[ 487 ]
تقول بعدها وهو الذي فهمه المصنف وبه يحصل التوفيق مع بقاء كل رواية على ظاهرها قال ويؤيد أنه علمها صلى الله عليه وسلم أن تقولها في الصلوات قولها أقولهن في صلاتي لكن أم يذهب أحد من أحد من العلماء إلى هذه الطريقة في صلاة التسبيح فالظاهر أنه بحذف المضاف أي أقولهن في دبر صلاتي وإيراد المصنف ههنا باعتبار مناسبة ما انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عباس) أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في الدعوات الكبير وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان والحاكم (وعبد الله بن عمرو) بن العاص أخرجه أبو داود (والفضل بن عباس) أخرجه أبو نعيم في كتاب القربان من رواية موسى بن إسماعيل عن عبد الحميد بن عبد الرحمن الطائي عن أبيه عن أبي رافع عن الفضل بن العباس كذا في تخريج أحاديث الأذكار المسماة بنتائج الأفكار للحافظ بن حجر (وأبي رافع) أخرجه المؤلف وابن ماجه قوله (وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح) قال الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار وردت صلاة التسبيح من حديث عبد الله بن عباس وأخيه الفضل وأبيهما العباس وعبد الله بن عمرو علي بن أبي طالب وأخيه جعفر وابنه عبد الله بن جعفر وأم سلمة والأنصاري غير مسمى وقد قيل أنه جابر بن عبد الله ثم ذكر الحافظ تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم قوله (ولا يصح منه كبير شئ) قال الحافظ المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث عكرمة عن ابن عباس المذكور وقد روى هذا الحديث من طريق كثيرة وعن جماعة من الصحابة وأمثلها حديث عكرمة هذا وقد صححه جماعة منهم الحافظ أبو بكر الاجري وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي وقال أبو بكر ابن أبي داود سمعت أبي يقول ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا وقال مسلم ابن الحجاج رحمه الله تعالى لا يروى هذا الحديث إسناد أحسن من هذا يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس انتهى كلام المنذري وقال الحافظ في التلخيص قال الدارقطني أصح شئ في فضائل سور القران قل هو الله أحد وأصح شئ في فضل الصلاة صلاة التسبيح وقال أبو جعفر العقيلي ليس في صلاة التسبيح
[ 488 ]
حديث يثبت وقال أبو بكر بن العربي ليس فيها حديث صحيح ولا حسن وبالغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات وصنف أبو موسى المديني جزءا في تصحيحه فتباينا والحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات موسى بن عبد العزيز وإن كان صادقا صالحا فلا يحتمل منه هذا التفرد وقد ضعفها ابن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه ابن الهادي في أحكامه عنهم وقد أختلف كلام الشيخ محي الدين فوهاها في شرح المهذب فقال حديثها ضعيف وفي استحبابها عندي نظر لأن فيها تغييرا الهيئة الصلاة المعروفة فينبغي أن لا تفعل وليس حديثها بثابت وقال في تهذيب الأسماء واللغات قد جاء في صلاة التسبيع حديث حسن في كتاب الترمذي وغيره وذكره المحاملي وغيره من أصحابنا وهي سنة حسنة ومال في الأذكار أيضا إلى استحبابه أنتهى ما في التلخيص قلت قد أختلف كلام الحافظ أيضا فضعفه في التلخيص كما عرفت انفا ومال إلى تحسينه في الخصال المفكرة للذنوب المقدمة والمؤخرة فقال رجال إسناده لا بأس بهم عكرمة أحتج به البخاري والحكم صدوق وموسى ابن عبد العزيز قال فيه ابن معين لا أرى به بأسا وقال النسائي نحو ذلك قال ابن المديني فهذا الاسناد من شرط الحسن فإن له شواهد تقويه وقد أساء ابن الجوزي بذكره في الموضوعات وقوله إن موسى مجهول لم يصب فيه لأن من يوثقه ابن معين والنسائي فلا يضره أن يجهل حاله من جاء بعدهما وشاهده ما رواه الدارقطني من حديث العباس والترمذي وابن ماجه من حديث أبي رافع ورواه أبو داود من حديث ابن عمرو بأسناد لا بأس به ورواه الحاكم من طريق ابن عمرو وله طرق أخرى انتهى وكذا مال إلى تحسينه في أمالي الأذكار قوله (وقد روى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيه)
[ 489 ]
قال المنذري في الترغيب بعد ذكر حديث أبي رافع المذكور رواه ابن ماجه والترمذي والدارقطني والبيهقي وقال كان عبد الله بن المبارك يفعلها وتداولها الصالحون بعضهم من بعض وفيه تقوية للحديث المرفوع انتهى قوله (أخبرنا أبو وهب) اسمه محمد بن مزاحم العامري مولاهم المروزي صدوق من كبار العاشرة مات سنة تسع ومائتين (ثم يقول خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم يتعوذ ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وفاتحة الكتاب وسورة) ليس فيه حديث أبي رافع ولا في حديث ابن عباس المذكورين ذكر التسبيح قبل القراءة كما عرفت (ثم يقول عشر مرات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم يركع) وفي رواية أبي رافع المذكور فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله سحبان الله خمس عشرة مرة وكذلك في حديث ابن عباس المذكور بذكر التسبيح خمس عشرة مرة في هذا الموضع كما عرفت (ثم يسجد الثانية فيقولها عشرا يصلي أربع ركعات على هذا) ليس في رواية ابن المبارك هذه ذكر التسبيح في جلسة الاستراحة وقد وقع ذلك في حديث أبي رافع وحديث ابن عباس المذكوري وقد ذكر المنذري رواية عبد الله بن المبارك هذه في الترغيب نقلا عن هذا الكتاب أعني جامع الترمذي ثم قال وهذا الذي ذكره عن عبد الله بن المبارك من صفتها موافق لما في حديث ابن عباس وأبي رافع إلا أنه قال يسبح قبل القراءة خمش عشرة وبعدها عشرا ولم يذكر في جلسة الاستراحة تسبيحا وفي حديثهما أنه يسبح بعد القراءة خمس عشرة ولم يذكر قبلها تسبيحا ويسبح أيضا بعد الرفع في جلسة الاستراحة قبل أن يقوم عشرا
[ 490 ]
وروى البيهقي من حديث أبي جناب الكلبي عن أبي الجوزاء عن ابن عمر وقال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم ألا أحبوك ألا أعطيك فذكر الحديث بالصفة التي رواها الترمذي عن ابن المبارك قال وهذا يوافق ما رويناه عن ابن المبارك ورواه قتيبة بن سعيد عن يحيى بن سليم عن عمران بن مسلم عن أبي الجوزاء قال نزل على عبد الله بن عمرو بن العاص فذكر الحديث وخالفه في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر التسبيحات في إبتداء القراءة إنما ذكرها بعدها ثم ذكر جلسة الاستراحة كما ذكرها سائر الرواة انتهى قال الحافظ المنذري جمهور الرواة على الصفة المذكورة في حديث ابن عباس وأبي رافع والعمل بها أولى أولى إذا لا يصح رفع غيرها انتهى كلام المنذري قلت الأمر كما قال المنذري (وأخبرني عبد العزيز هو ابن أبي رزمة) بكسر الراء المهملة وسكون الزاي المعجمة اليشكري مولاهم أبو محمد المروزي ثقة (عن عبد الله) هو ابن المبارك (قال أحمد بن عبدة) هو الضبي (أخبرنا وهب بن زمعة) التميمي أبو عبد الله المروزي ثقة من قدماء العاشرة (قلت لعبد الله بن المبارك إن سها فيها) أي في صلاة التسبيح (أيسبح في سجدتي السهو عشرا عشرا قال لا إنما هي ثلاث مائة تسبيحة) قال القاري في المرقاة مفهومة أنه سها ونقص عددا من محل معين يأتي به في محل اخر تكمله للعد المطلوب انتهى فوائد فيما يتعلق بصلاة التسبيح الأولى قد وقع اختلاف أهل العلم في أن حديث صلاة التسبيح هل هو صحيح أم حسن أم ضعيف أم موضوع والظاهر عندي أنه لا ينحط عن درجة الحسن . وأما قول الحافظ في التلخيص والحق أن طرقه كلها ضعيفة وإن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية فيه وعدم المتابع والشاهد من وجه
[ 491 ]
معتبر فجوابه ظاهر من كلامه في الخصال المكفرة وأمالي الأذكار وأما مخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات فلا وجه لضعفه بعد ثبوته هذا ما عندي والله تعالى أعلم الفائدة الثانية قال بعض العلماء الحنفية في كتابة الاثار المرفوعة إعلم أن أكثر أصحابنا الحنفية وكثير من المشائخ الصوفية قد ذكروا في كيفية صلاة التسبيح الكيفية التي حكاها الترمذي والحاكم عن عبد الله بن المبارك الخالية عن جلسة الاستراحة والمشتملة على التسبيحات قبل القراءة وبعد القراءة وذلك لعدم قولهم بجلسة الاستراحة في غيرها من الصلوات الراتبة والشافعية والمحدثون أكثرهم اختاروا الكيفية المشتملة على جلسة الاستراحة وقد علم مما أسلفنا أن الأصح ثبوتا هو هذه الكيفية فليأخذ بها من يصليها حنيفا كان أو شافعيا انتهى قلت الأمر كما قال وقد قال الحافظ المنذري إن جمهور الرواة على الصفة المذكورة في حديث ابن عباس وأبي رافع والعمل بها أولى إذ لا يصح رفع غيرها انتهى وقد تقدم قوله هذا الفائدة الثالثة الأولى أن يصلي صلاة التسبيح بعد زوال الشمس فقد روى أبو داود في سننه بعد رواية حديث عكرمة عن ابن عباس من حديث أبي الجواز حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو قال قال لي النبي صلى الله عليه وسلم أئتني غدا أحبوك وأثيبك وأعطيك حتى ظننت أنه يعطيني قال إذا زال النهار فقم فصل أربع ركعات فذكر نحوه قال ثم ترفع رأسك يعني من السجدة الثانية فاستو جالسا ولا تقم حتى تسبح عشرا وتكبير عشرا وتحمد عشرا وتهلل عشرا ثم تصنع ذلك في الأربع ركعات الحديث وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال السيوطي في اللالئ قال المنذري رواة هذا الحديث ثقات تنبيه قال القاري في المرقاة وينبغي للمتعبد أن يعمل بحديث ابن عباس تارة ويعمل بحديث ابن المبارك أخرى وأن يفعلها بعد الزوال قبل صلاة الظهر وأن يقرأ فيها تارة بالزلزلة والعاديات والفتح وا خلاص وتارة بألهاكم والعصر والكافرون وا خلاص وأن يكون دعاءه بعد التشهد قبل السلام ثم يسلم ويدعو لحاجته ففي كل شئ ذكرته وردت سنة انتهى قلت لم أقف على ما ورد في هذه الأمور من السنة إلا في فعل صلاة التسبيح بعد الزوال والأولى عندي العمل بحديث ابن عباس وأبي رافع والله تعالى أعلم
[ 492 ]
باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قوله (عن مسعر) هو ابن كدام (والأجلح) بن عبد الله بن حجيبة بالمهملة والجيم مصغر الكندي يقال اسمه يحيى صدوق شيعي من السابعة (مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وفتح الواو الكوفي أبو عبد الله ثقة من كبار السابعة (هذا السلام عليك قد علمنا) يعني بما في أحاديث التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وهو يدل على تأخر مشروعية الصلاة عن التشهد كذا في النيل (فكيف الصلاة عليك) وفي رواية الصحيحين على ما في المشكاة كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله علمنا كيف نسلم عليك وفي المرقاة وفي رواية سندها جيد لما نزلت هذه الاية إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذي امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هذا السلام عيك قد عرفناه فكيف الصلاة عليك قال قولوا اللهم صل على محمد إلخ وفي أخرى لمسلم وغيره أمرنا الله أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك فسكت عليه السلام حتى تمنينا أنه لم يسأل ثم قال قولوا اللهم صل على محمد إلخ وفي اخره والسلام كما علمتم أي بفتح فكسر أو بضم فكسر مع تشديد اللام انتهى (قولوا اللهم صلي على محمد) قال ابن الأثير في النهاية معناه عظمة في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الاخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته وقيل المعنى لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله وقلنا اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق به وهذا الدعاء قد اختلف فيه هل يجوز إطلاقه على غير النبي صلى الله عليه وسلم أم لا والصحيح أنه خاص به فلا يقال لغيره وقال الخطابي الصلاة التي بمعنى التعظيم والتكريم لا تقال لغيره والتي بمعنى الدعاء والتبرك تقال لغيره ومنه الحديث اللهم صل على ال أبي أوفي أي ترحم وبرك وقيل فيه إن هذا خاص له ولكنه هو اثر به غيره وأما سواه فلا يجوز أن يخص به أحد انتهى ما في النهاية (على
[ 493 ]
ال محمد) في رواية لأبي داود وال محمد بحذف على وسائر الروايات في هذا الحديث وغيره بإثباتها وقد ذهب فالأكثر على أنهم أهل بيته قال الشافعي دل هذا الحديث يعني حديث لا تحل الصدقة لمحمد وال محمد أن ال محمد هم الذي حرمت عليهم الصدقة وعوضوا منها الخمس وهم صليبة بني هاشم وبني المطلب قيل اله أصحابه ومن امن به وهو في اللغة يقع على الجميع انتهى ما في النهاية قلت وفي تفسير ال النبي صلى الله عليه وسلم أقوال أخرى وقد جاء في تفسير الال حديث مرفوع وهو ما أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الال قال ال محمد تقي وروي هذا من حديث علي ومن حديث أنس رضي الله عنهما وفي أسانيدها مقال ويؤيد ذلك معنى الال لغة قال في القاموس الال أهل الرجل وأتباعه وأولياؤه ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالبا فلا يقال ال الاسكاف كما يقال أهل انتهى (كما صليت على إبراهيم) في هذا التشبيه إشكال مشهور وهو أن المقرر كون المشبهه دون المشبه به والواقع ههنا عكسه لأن محمدا وحده صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم واله وأجيب بأجوبة منها أن هذا قبل أن يعلم أنه أفضل ومنها أنه قال تواضعا ومنها أن التشبيه في الأصل لا في القدر كما قيل في (كما كتب على الذين من قبلكم) وكما في (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح) وأحسن كما أحسن الله إليك ومنها أن الكاف للتعليل كقول تعالى (ولتكبروا الله على ما هداكم) ومنها أن التشبيه معلق بقوله وعلى ال محمد ومنها أن التشبيه من باب إلحاق ما لم يشتهر بما اشته ومنها أن المقدمة المذكورة مدفوعة بل قد يكون التشبيه بالمثل وبما دونه كما في قوله تعالى (مثل نوره كمشكاة) ومنها أن المشبه مجموع الصلاة على محمد واله بمجموع الصلاة على إبراهيم واله وفي ال إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية ومنها أن مراده صلى الله عليه وسلم أن يتم النعمة عليه كما أتمها على إبراهيم واله ومنها أنه صلى الله عليه وسلم من جملة ال إبراهيم وكذلك اله فالشبه هو الصلاة عليه وعلى اله بالصلاة على
[ 494 ]
إبراهيم واله الذي هو من جملتهم فلا ضير في ذلك (إنك حميد) فعيل بمعنى مفعول أي محمود في ذاته وصفاته وأفعاله بألسنة خلقه أو بمعنى فاعل فإنه يحمد ذاته وأولياءه وفي الحقيقة هو الحامد وهو المحمود (مجيد) أي عظيم كريم (وبارك على محمد) أي ادم وأثبت ما أعطيته من التشريف والكرامة وأصله من برك البعير إذا ناخ في موضعه ولزمه وتطلق البركة على الزيادة والأصل هو الأول قوله (قال محمود) أي ابن غيلان شيخ الترمذي (وزادني زائدة) هو ابن قدامة الثقفي الكوفي ثقة ثبت صاحب سنة (قال ونحن نقول علينا معهم) أي قال عبد الرحمن بن أبي ليلى ونحن نقول بعد قوله وعلى ال محمد وعلينا معهم وهذه الزيادة ليست في الحديث إنما يزيدونها من عند أنفسهم قوله (وفي الباب عن علي وأبي حميد وأبي مسعود وطلحة وأبي سعيد وبريدة وزيد بن خارجة ويقال ابن جارية وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه النسائي في مسند علي بلفظ أبي هريرة كذا في النيل ولفظ حديث أبي هريرة يأتي في تخريجه وأما حديث أبي حميد فأخرجه الشيخان بلفظ أنهم قالوا يا رسول الله كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على ال إبراهيم وبارك على محمد وأوزاجه وذريته كما باركت على ال إبراهيم إنك حميد مجيد وأما حديث أبي مسعود فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي كذا في المنتفي وأما حديث طلحة وهو ابن عبيد الله فأخرجه النسائي بلفظ اللهم صلى على محمد كما صليت على إبراهيم وال إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وال محمد كما باركت على إبراهيم وال إبراهيم إنك حميد مجيد وفي رواية وال محمد في الموضعين ولم يقل فيها وال إبراهيم كذا في النيل وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه بلفظ قولوا اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وال محمد كما باركت على إبراهيم وال إبراهيم وأما حديث بريدة فأخرجه أحمد بلفظ اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وال محمد كما جعلتها على ال إبراهيم إنك حميد مجيد وفيه أبو داود الأعمى اسمه نفيع
[ 495 ]
وهو ضعيف جدا ومتهم بالوضع وأما حديث زيد بن خارجة فأخرجه أحمد والنسائي بلفظ قولوا اللهم صلى على محمد وال محمد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود بلفظ من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللهم صلى على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على ال إبراهيم إنك حميد مجيد والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري قوله (حديث كعب بن عجرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة (عبد الرحمن بن أبي ليلى) مبتدأ (كنيته أبو موسى) جملة وهي خبر المبتدأ قال في الخلاصة عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي عن عمرو بن معاذ وبلال وأبي ذر وأدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين وعنه ابنه عيسى ومجاهد عمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق وثقه ابن معين مات سنة ثلاث وثمانين انتهى (وأبو ليلى اسمه يسار) قال في التقريب أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن صحابي اسمه بلال أو بليل بالتصغير ويقال داود وقيل هو يسار بالتحتانية وقيل أوس شهد أحدا وما بعدها وعاش إلى خلافة علي انتهى باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قوله (أخبرنا محمد بن خالد بن عثمة) بمثلثة ساكنة قبلها فتحة ويقال إنها أمه الحنفي البصري صدوق يخطئ من العاشرة كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال أبو زرعة لا بأس به وقال في هامشها نق عن التهذيب قال أبو حاتم صالح الحديث وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ (حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي) أبو محمد المدني صدوق سئ الحفظ كذا في التقريب وقال الذهبي في الميزان وثقه ابن معين وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود هو صالح وقال ابن المديني ضعيف منكر الحديث وقال ابن عدي عندي لا بأس به وبرواياته
[ 496 ]
انتهى (حدثني عبد الله بن كيسان الزهري مولاهم عن عبد الله بن شداد وعنه موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة وقال في التقريب عبد الله بن كيسان الزهري مولى طلحة بن عبد الله بن عوف مقبول من الخامسة (أن عبد الله بن شداد) ابن الهاد الليثي أبا الوليد المدني ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات وكان معدودا في الفقهاء مات بالكوفة مقتو سنة إحدى وثمانين وقيل بعدها انتهى قوله (أولى الناس بي) أي أقربهم بي أو أحقهم بشفاعتي (أكثرهم علي صلاة) لأن كثرة الصلاة منبئة عن التعظيم المقتضي للمتابعة الناشئة عن المحبة الكاملة المرتبة عليها محبة الله تعالى قال تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه ابن حبان في صحيحه قال ابن حبان عقب هذا الحديث في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في القيامة يكون أصحاب الحديث إذ ليس في هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم وقال غيره لأنهم يصلون عليه قولا وفعلا كذا في المرقاة قوله (من صلى علي صلاة) أي واحدة (صلى الله عليه عشرا) أي عشر صلوات والمعنى رحمه وضاعف أجره كقوله تعالى من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والظاهر أنه أفل المضاعفة قال الطيبي ويجوز أن تكون الصلاة على ظاهرها كلاما يسمعه الملائكة تشريفا للصملي وتكريما له كما جاء وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام الطيبي هذا لا حاجة إلى التقيد بسماع الملائكة لأنه جاء وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي
[ 497 ]
انتهى قلت إذا كانت الصلاة على ظاهرها كلاما تشريفا للمصلي وتكريما له فلا بد من التقييد بسماع الملائكة ليظهر عندهم شرافته وكرامته بسماعهم صلاة الله عليه قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس وأبي بن كعب) أما حديث عبد الرحمن بن عوف فأخرجه أحمد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل نخ فسجد فأطال السجود حتى خشيت أن يكون الله تعالى قد توفاه قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال مالك فذكرت له ذلك فقال إن جبريل عليه السلام قال لي ألا أبشرك إن لله عز وجل يقول لك من صلى عليك صلاة صليت عليه ومن سلم عليك سلمت عليه قال ميرك ورواه الحاكم وقال صحيح الاسناد رواه أبو يعلى وابن أبي الدنيا نحوه وزاد أحمد في بعض رواياته فسجدت شكرا لله انتهى وقال السخاوي في القول البديع ونقل البيهقي في الخلافيات عن الحاكم وقال هذا حديث صحيح ولا أعلم في سجدة الشكر أصح من هذا الحديث انتهى وله طرق متعددة ذكرها السخاوي في القول البديع وأما حديث عامر ابن ربيعة فلينظر من أخرجه وأما حديث عمار وهو ابن ياسر فأخرجه الدارقطني بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمار إن الله عز وجل ملكا أعطاه الخلائق كلها وهو قائم على قبري إذا مت إلى يوم القيامة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا سماه باسمه وباسم أبيه قال صلى عليك فلان وفلان كذا وكذا فيصلي الرب على ذلك الرجل بكل واحد عشرا انتهى وأما حديث أبي طلحة النسائي والدارمي بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشر في وجهه فقال جاءني جبريل فقال إن ربك يقول أما يرضيك يا محمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليه أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا انتهى ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وابن أبي شيبة في مصنفه انتهى وأما حديث أن فأخرجه النسائي بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر خطيئات ورفعت له عشر درجات انتهى قال ميرك ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحهما وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه الترمذي قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
[ 498 ]
قوله (وروى عن سفيان الثوري غير واحد من أهل العلم قالوا صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار) وقال البخاري في صحيحه قال أبو العالية صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء قال ابن عباس يصلون يبركون انتهى قال الحافظ في الفتح تحت قول أبي العالية أخرجه ابن أبي حاتم وقال تحت قول ابن عباس وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله (يصلون على النبي) قال يبركون على النبي أي يدعون له بالبركة فيوافق قول أبي العالية لكنه أخص منه انتهى قوله (حدثنا أبو داود بن سليمان بن سلم البلخي المصاحفي) قال في الخلاصة سليمان بن سلم بإسكان اللام ابن سابق الهدادي أبو داود البلخي المصاحفي عن ابن مطيع والنضر بن شميل وعنه تعليقات س ووثقه مات سنة ثمان وثلاثين ومائتين انتهى وقال في التقريب ثقة (أخبرنا النضر بن شميل) المازني أبو الحسن النحوي نزيل مرو ثقة ثبت من كبار التاسعة مات سنة أربع ومائتين وله أثنان وثمانون كذا في التقريب (عن أبي قرة) بضم القاف وشدة الراء المهملة (الأسدي) قال في التقريب أبو قرة الأسدي من أهل البادية مجهول من السادسة انتهى وقال في الميزان أبو قرة الأسدي حدث ببلد صيدا عن سعيد بن المسيب مجهول تفرد عنه النضر بن شميل انتهى قوله (لا يصعد) بفتح الياء وقيل بضمها كما في قوله تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب) والجمهور على الفتح وقرئ في الشواذ بالضم (منه) أي من الدعاء جنسه (حتى تصلي على نبيك) قال الطيبي يحتمل أن يكون من كلام عمر فيكون موقوفا وأن يكون ناقلا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحينئذ فيه تجريد وعلى التقديرين الخطاب عام لا يختص مخاطب دون مخاطب انتهى قال ميرك رواه الترمذي موقوفا وقد روى مرفوعا أيضا والصحيح وقفه لكن قال المحققون من علماء الحديث إن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو مرفوع حكما انتهى قلت لكن الحديث ضعيف لجهالة أبي قرة الأسدي وفي الحصن الحصين قال الشيخ أبو سليمان الداراني إذا سألت
[ 499 ]
الله حاجة فابدأ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ادع بما شئت ثم اختم بالصلاة عليه فإن الله سبحانه بكرمه يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما انتهى قوله (والعلاء بن عبد الرحمن) أي الواقع في سند حديث أبي هريرة مر قبل هذا (هو ابن يعقوب هو مولى الحرقة) بضم الحاء وفتح الراء المهملتين قال في التقريب العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف أبو شبل بكسر المعجمة وبسكون الموحدة المدني صدوق ربما وهم من الخامسة وقال في الخلاصة العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الجهني مولى الحرقة المدني أحد الأعلام عن أبيه وأنس وعكرمة وعنه ابن جريج وابن إسحاق ومالك وخلق وثقهن أحمد وقال يحيى بن معين ليس بذاك وقال النسائي ليس به بأس وقال أبو حاتم صالح أنكر من حديثه أشياء قال الواقدي توفي في خلافة المنصور انتهى (والعلاء هو من التابعين) أي من صغارهم فإن الحافظ عده من الطبقة الخامسة وهي الطبقة الصغرى من التابعين (وعبد الرحمن بن يعقوب والد العلاء هو من التابعين) أي من أوساطهم فإن الحافظ جعله في التقريب من الطبقة الثالثة وهي طبقة الوسطى من التابعين (ويعقوب هو من كبار التابعين قد أدرك عمر بن الخطاب الخ) جعله الحافظ في التقريب من الطبقة الثانية وهي طبقة كبار التابعين وقال في الخلاصة يعقوب مولى الحرقة مدني مقل عن عمر وعنه ابنه عبد الرحمن له عنده يعني عند الترمذي حديث موقوف انتهى وهو قوله لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في الدين كما صرح به في التهذيب قوله (حدثنا عباس بن عبد العظيم العنبري) ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة (عن أبيه) أي عبد الرحمن (عن جده) أي يعقوب (قال قال عمر بن الخطاب لا يبع الخ) قد استدل به
[ 500 ]
الترمذي على ما ادعى من أن يعقوب قد أدرك عمر بن الخطاب وروى عنه ولأجل ذلك أدخل هذا الحديث في هذا الباب
[ 501 ]
بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الجمعة يقال بضم الجيم والميم وإسكانها وفتحها حكاهن الفراء والواحدي وغيرهما ووجهوا الفتح بأنها تجمع الناس ويكثرون فيها كما يقال همزة ولمزة بكثرة الهمز واللمز ونحو ذلك سميت جمعة لاجتماع الناس فيها وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى العروبة قاله النووي باب فضل يوم الجمعة قوله (فيه خلق ادم الخ) قال القاضي عياض الظاهر أن هذه القضايا المعدودة ليست لذكر فضيلته لأن إخراج ادم وقيام الساعة لا يعد فضيلة وإنما هو بيان لما وقع فيه من الأمور العظام وما سيقع ليتأهب العبد فيه بالأعمال الصالحة لنيل رحمة الله ودفع نقمته انتهى وقال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي الجميع من الفضائل وخروج ادم من الجنة هو سبب وجود الذرية وهذا النسل العظيم ووجود الرسل والأنبياء والصالحين والأولياء ولم يخرج منها طردا كما كان خروج إبليس وإنما كان خروجه مسافرا لقضاء أوطار ثم يعود إليها وأما قيام الساعة فسبب لتعجيل جزاء الأنبياء والصديقين والأولياء وغيرهم وإظهار كرامتهم وشرفهم قوله (وفي الباب عن أبي لبابة) أخرجه ابن ماجه (وسلمان) أخرجه البخاري والنسائي
[ 502 ]
(وأبي ذر) هو الغفار وحديثه عند ابن عبد البر في التمهيد وابن المنذر على ما قاله الشوكاني في النيل (وسعد بن عبادة) أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ (وأوس بن أوس) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدرامي والبيهقي في الدعوات الكبير قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي باب في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة أي تطمع إجابة الدعوة فيها قوله (أخبرنا محمد بن أبي حميد) في التقريب محمد بن أبي حميد إبراهيم الأنصاري الزرقي أبو إبراهيم المدني لقبه حماد ضعيف من السابعة قوله (التمسوا) أي اطلبوا (ترجى) بصيغة المجهول أي تطمع إجابة الدعاء فيها (بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) (وقد روي هذا الحديث عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه) قال القاري نق عن ميرك ورواه الطبراني من رواية ابن لهيعة زواد في اخره وهي قدر هذا وأشار إلى قبضته وإسناده أصح من إسناد الترمذي وقال العسقلاني يعني الحافظ بن حجر في شرح البخاري وروى هذا عن ابن عباس موقوفا عليه رواه ابن جرير ورواه أيضا مرفوعا من حديث أبي سعيد
[ 503 ]
الخدري انتهى (وقال أحمد أكثر الحديث في الساعة التي ترجى إجابة الدعوة أنها بعد صلاة العصر وترجى بعد زوال الشمس) اختلف العلماء في هذه الساعة وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح أكثر من أربعين قو وقال بعد ذكرها ولا شك أن أرجح الأقوال المذكورة حديث أبي موسى وحديث عبد الله بن سلام انتهى والمراد بحديث أبي موسى هو ما رواه مسلم عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي ما بين أن يجلس الامام إلى أن تقضى الصلاة والمراد بحديث عبد الله بن سلام هو ما روى الترمذي وغيره في حديث أبي هريرة من قوله هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس قال الحافظ بن حجر قال المحب الطبري أصح الأحاديث فيها حديث أبي موسى وأشهر الأقوال فيها قول عبد الله بن سلام انتهى قال وما عداهما إما موافق لهما أو لأحدهما أو ضعيف الاسناد أو موقوف استند قائله إلى اجتهاد دون توقيف ولا يعارضهما حديث أبي سعيد في كونه صلى الله عليه وسلم أنسيها بعد أن علمها لاحتمال أ يكونا سمعا ذلك منه قبل أن أنسى أشار إلى ذلك البيهقي وغيره وقد اختلف السلف في أيهما أرجح فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النسيابوري أن مسلما قال حديث أبي موسى أجود شئ في هذا الباب وأصحه وبذلك قال البيهقي وابن العربي وجماعة وقال القرطبي هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره وقال ابن النووي هو الصحيح بل الصواب وجزم في الروضة بأنه الصواب ورجحه أيضا بكونه مرفوعا صريحا وفي أحد الصحيحين وذهب آخرون إلى ترجيح قول عبد الله بن سلام فحكى الترمذي عن أحمد أنه قال أكثر الأحاديث على ذلك وقال ابن عبد البر إنه أثبت شئ في هذا الباب وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح إلى أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من الصحابة اجتمعوا فتذاكروا ساعة الجمعة
[ 504 ]
ثم افترقوا فلم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة ورجحه كثير من الأئمة أيضا كأحمد وإسحاق ومن المالكية الطرطوشي وحكى العلائي أن شيخه ابن الزملكاني شيخ الشافعية في وقته كان يختاره ويحكيه عن نص الشافعي وأجابوا عن كونه ليس في أحد الصحيحين بأن الترجيح بما في الصحيحين أو أحداهما إنما هو حيث لا يكون مما انتقده الحفاظ كحديث أبو موسى هذا فإنه أعلى بالانقطاع والاضطراب ثم ذكر الحافظ وجه الانقطاع والاضطراب ثم قال وسلك صاحب الهدى مسلكا آخر فاختار أن ساعة الإجابة منحصرة في أحد الوقتين المذكورين وأنهما لا يعارض أحدهما الآخر لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم دل على أحدهما في وقت وعلى الآخر في وقت آخر وهذا كقول ابن عبد البر الذي ينبغي الاجتهاد في الدعاء في الوقتين المذكورين وسبق إلى نحو ذلك الامام أحمد وهو أولى في طريق الجمع انتهى كلام الحافظ قوله (زياد بن أيوب البغدادي) أو هاشم الطوسي الأصل ولقبه شعبة الصغير ثقة حافظ من العاشرة مات سنة 252 (أخبرنا أبو عامر العقدي) بفتح العين والقاف اسمه عبد الملك بن عمرو ثقة من التاسعة كذا في التقريب (أخبرنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده) قال الحافظ في التقريب ضعيف من السابعة منهم من نسبه إلى الكذب انتهى وقال الذهبي في الميزان كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف بن زيد المزني عن أبيه عن جده قال ابن معين ليس بشئ وقال الشافعي وأبو داود ركن من أركان الكذب وضرب أحمد على حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وأما حديث الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي انتهى مختصرا قوله (لا يسأل الله العبد فيها شيئا) أي يليق السؤال فيه وقد ورد في بعض الروايات الاخرى خيرا مكان شيئا (إلا اتاه) أي أعطى العبد (إياه) أي ذلك الشئ أي إما أن يعجله له وإما أن يدخره له كما ورد في الحديث (قال حين تقام الصلاة إلى انصراف منها) وفي حديث أبو موسى
[ 505 ]
عند مسلم هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة قوله (وفي الباب عن أبي موسى) أخرجه مسلم وتقدم لفظه (وأبي ذر) روى ابن المنذر وابن عبد البر بإسناد قوي إلى الحارث بن يزيد الحضرمي عن عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عنها فقال بعد زوال الشمس بشبر إلى ذراع كذا في فتح الباري (وسلمان) لينظر من أخرجه (وعبد الله بن سلام) أخرجه ابن ماجه (وأبي لبابة) أخرجه ابن ماجه وأحمد (وسعد بن عبادة) أخرجه أحمد والبخاري في تاريخه قوله (حديث عمرو بن عوف حديث حسن غريب) في كون هذا الحديث حسنا كلام فإن في سنده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد تقدم حاله قال الحافظ في كلام فإن في سنده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد تقدم حاله قال الحافظ في فتح الباري بعد ذكر هذا الحديث وقد ضعف كثير رواية كثير ورواه البيهقي في الشعب من هذا الوجه بلفظ ما بين أن ينزل الإمام من المنبر إلى أن تقضى الصلاة ورواه ابن أبي شيبة من طريق مغيرة عن واصل الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوى إليه وفيه أن ابن عمر استحسن ذلك منه وبرك عليه ومسح على رأسه وروى ابن جرير وسعيد بن منصور عن ابن سيرين نحوه انتهى قوله (لا يوافقها) أي لا يصادفها وهو أعلم من أن يقصد لها أو يتفق له وقوع الدعاء فيها (يصلي) صفة لعبد أو حال لاتصافه بمسلم (فيسأل الله فيها شيئا) أي مما يليق أن يدعو به المسلم ويسأل ربه تعالى وفي رواية عن أبي هريرة عند البخاري في الطلاق يسأل الله خيرا وفي حديث أبي لبابة عند ابن ماجه ما لم يسأل حراما وفي حديث سعد بن عبادة عند أحمد ما لم يسأل إنما أو قطيعة رحم (ولا تضنن) أي لا تبجل قال العراقي يجوز في ضبطه ستة أوجه أحدها فتح
[ 506 ]
الضاد وتشديد النونين وفتحهما والثاني كسر الضاد والباقي مثل الأول والثالث فتح الضاد وتشديد النون الأولى وفتحها وتخفيف الثانية والرابع كسر الضاد والباقي مثل الذي قبله والخامس إسكان الضاد وفتح النون الأولى وإسكان الثانية والسادس كسر النون الأولى والباقي مثل الذي قبله انتهى قال أبو الطيب المدني حاصل جميع الوجوه أنه من باب التأكيد بالنون الثقيلة أو الخفيفة أو من باب الفك وعلى التقديرين فالباب يحتمل فتح العين في المضارع وكسرها فتصير الوجوه ستة انتهى (وفي الحديث قصة طويلة) رواه مالك وأبو داود بطوله قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مالك وأبو داود والنسائي (والضنين البخيل والظنين المتهم) الضن بالكسر والضنين يخيل كردن وهو ضنين والظنة بالظاء بالكسر التهمة والظنين المتهم كذا في الصراح والقاموس باب ما جاء في الاغتسال في يوم الجمعة قوله (من أتى الجمعة فليغتسل) هذا الحديث رواه الجماعة ولمسلم إذا أراد أحدكم أن
[ 507 ]
يأتي الجمعة فليغتسل واستدل به من قال بوجوب غسل الجمعة واستدل من مفهوم الحديث أن الغسل لا يشرع لمن لا يحضر الجمعة وقد جاء التصريح بمقتضاه في رواية عثمان بن واقد عن نافع عند أبي عوانة وابن خزيمة وابن حبان في صحاحهم بلفظ من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل ومن لم يأتها فليس عليه غسل قال الحافظ في الفتح رجاله ثقات لكن قال البزار أخشى أن يكون عثمان بن واقد وهم فيه انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وعمر وجابر والبراء وعائشة وأبي الدرداء) أما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيخان مرفوعا بلفظ غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه وأما حديث عمر فأخرجه الشيخان وأخرجه الترمذي في هذا الباب وأما حديث جابر فأخرجه النسائي مرفوعا بلفظ على كل رجل مسلم في كل سبعة أيام غسل يوم الجمعة وأما حديث البراء فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة الحديث وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان عنها قالت كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح الحديث وفيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو تطهرتم ليومكم هذا وأخرج البزار عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى الجمعة فليغتسل ذكره العيتي في شرح البخاري وأما حديث أبي الدرداء فلينظر من أخرجه قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة وله طريق كثيرة ورواه غير واحد من الأئمة وعد ابن مندة من رواه عن نافع فبلغوا فوق ثلثمائة نفس وعد من رواه من الصحابة غير ابن عمر فبلغوا أربعة وعشرين صحابيا قال الحافظ وقد جمعت طرقه من نافع فبلغوا مائة وعشرين نفسا قوله (وروى عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه إلخ) يعني روى هذا الحديث عن الزهري على وجهين أحدهما عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والثاني عن عبد الله بن عبد الله عن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلاهما صحيح كما نقل الترمذي عن الامام
[ 508 ]
البخاري قوله (إذا دخل رجل) هو عثمان رضي الله عنه كما جاء في عدة روايات قال ابن عبد البر لا أعلم خلافا في ذلك (فقال) أي عمر رضي الله عنه في أثناء الخطبة (أية ساعة هذه) بتشديد التحتية تأنيث أي وهذا الاستفهام استفهام إنكار وتوبيخ على تأخره إلى هذه الساعة وكأنه يقول لم تأخرت إلى هذه الساعة (فقال) أي الرجل (ما هو) الضمير للشأن (إلا أن سمعت النداء وما زدت على أن توضأت) وفي رواية البخاري قال إن شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين وفي رواية في الموطأ فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت والمراد من النداء الأذان بين يدي الخطيب (والوضوء أيضا) قال العراقي المشهور في الرواية النصب أي توضأت الوضوء انتهى وقال الحافظ في الفتح في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه واخترته دون الغسل والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي الوضوء أيضا يقتصر عليه انتهى قوله وروى مالك هذا الحديث عن الزهري عن سالم قال بينما عمر الخ أي لم يذكر 509 مالك عبد الله بن عمر بل رواه منقطعا بخلاف معمر ويونس فإنهما روياه عن الزهري موصولا بذكر عبد الله بن عمر سألت محمدا عن هذا أي عن حديث الزهري عن سالم قال بينما عمر الخ فقال الصحيح حديث الزهري عن سالم عن أبيه كما روى معمر ويونس قال محمد وقد روي عن مالك أيضا عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن سالم بن النداء وما زدت على أن توضأت) وفي رواية البخاري قال إن شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين وفي رواية في الموطأ فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت والمراد من النداء الأذان بين يدي الخطيب (والوضوء أيضا) قال العراقي المشهور في الرواية النصب أي توضأت الوضوء انتهى وقال الحافظ في الفتح في روايتنا بالنصب وعليه اقتصر النووي أي والوضوء أيضا اقتصرت عليه واخترته دون الغسل والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي الوضوء أيضا يقتصر عليه انتهى قوله وروى مالك هذا الحديث عن الزهري عن سالم قال بينما عمر الخ أي لم يذكر 509 مالك عبد الله بن عمر بل رواه منقطعا بخلاف معمر ويونس فإنهما روياه عن الزهري موصولا بذكر عبد الله بن عمر سألت محمدا عن هذا أي عن حديث الزهري عن سالم قال بينما عمر الخ فقال الصحيح حديث الزهري عن سالم عن أبيه كما روى معمر ويونس قال محمد وقد روي عن مالك أيضا عن الزهري عن سالم عن أبيه نحو هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينما هو قائم في الخطبة الحديث قال الحافظ في الفتح وهو عند رواة الموطأ عن مالك ليس فيه ذكر ابن عمر فحكى الإسماعيلي عن البغوي بعد أن أخرجه من طريق روح بن عبادة عن مالك أنه لم يذكر في هذا الحديث أحد عن مالك عن عبد الله بن عمر غير روح بن عبادة وجويرية انتهى وقد تابعهما أيضا عبد الرحمن بن مهدي أخرجه أحمد بن حنبل عنه بذكر ابن معمر وقال الدارقطني في الموطأ رواه جماعة من أصحاب مالك الثقات عنه خارج الموطأ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثلاثة ثم قال وأبو عاصم النبيل وإبراهيم بن طهمان والوليد بن مسلم وعبد الوهاب بن عطاء وذكر جماعة غيرهم في بعضهم مقال ثم ساق أسانيدهم إليهم بذلك انتهى . تم بحمد الله الجزء الثاني من كتاب " تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي " ويليه الجزء الثالث وأوله " باب في فضل الغسل يوم الجمعة "