تحفة الأحوذي
المباركفوري ج 1
[ 1 ]
تحفة الاحوذي بشرح جامع الترمذي للامام الحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن ابن عبد الرحيم المباركفوري 1283 - 1353 ه . طبعة جديدة مقارنة مع الطبعتين الهندية والمصرية ، مع ملحق خاص بالاحاديث المستدركة من جامع الترمذي الجزء الاول أبواب الطهارة - أبواب الصلاة . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان
[ 2 ]
الطبعة الاولى 1410 ه . 1990 م مقدمة الشارع
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، وننعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . أما بعد : فيقول العبد الضعيف ، الراجي رحمة ربه الكريم . محمد عبدالرحم ن ابن الحافظ عبد الرحيم ، جعل الله مالهما النعيم المقيم : إني قد فرغت بعونه تعالى من تحرير المقدمة التي كنت أردت إيرادها في أول شرحي لجامع الترمذي ، والان قد حان الشروع في تحرير الشرح ، وفقني الله تعالى لاتمامه ، وأعانني عليه بفضله وكرمه وسميته " تحفة الاحوذي في شرح جامع الترمذي " ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ، وانفع به كل من يرومه من الطالب المبتدي والراغب المتهي ، واجعله لنا من الباقيات الصالحات ، ومن الاعمال التي لا تنقطع بعد الممات . اعلم زادك الله علما نافعا : أني رأيت أن أكثر شراح كتب الحديث قد بدأوا شروحهم بذكر أسانيدهم إلى مصنفيها ، وحكى الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " عن بعض الفضلاء : أن الاسانيد أنساب الكتب ، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الامام الترمذي رحمه الله تعالى أنساب الكتب ، فأحببت أن أبدأ شرحي بذكر إسنادي إلى الامام الترمذي رحمه الله تعالى ، فأقول : إني قرأت جامع الترمذي من أوله إلى آخره على شيخنا : العلامة السيد محمد نذير حسين ، المحدث الدهلوي ، رحمه الله تعالى سنة ست بعد ألف وثلاثمائة من الهجرة النبوية ، في دهلي ، فأجازني به ، ويجمع ما قرأت عليه من كتب الحديث وغيرها ، كتب لي الاجازة بخطه الشريف ، وهذه صورتها . الحمد لله رب العالمين : والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين . أما بعد : فيقول العبد الضعيف ، طالب الحسنيين ، محمد نذير حسين ، عافاه الله تعالى في الدارين ، إن المولوي الذكي ، أبا العلي ، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ الحاج عبد الرحيم الاعظم كدهي ، المباركفوري ، قد قرأ على صحيح البخاري وصحيح ابن ماجة ، ومشكاة المصابيح ، وبلوغ المرام ، وتفسير الجلالين ، وتفسير البيضاوي ، وأوائل الهداية وأكثر شرح نخبة الفكر ، وسمع ترجمة القرآن المجيد إلا ستة أجزأ ، فعليه أن يشتغل بإقراء الكتب المذكورة ، والمؤطأ وسنن الدارمي والمنتقي ، وغيرها من كتب الحديث والتفسير والفقه ، وتدريسها ، لانه أهلها بالشروح
[ 4 ]
المعتبرة عند أهل الحديث ، وإني حصلت القراءة والسماعة والاجازة عن الشيخ المكرم الاورع البارع في الافاق محمد إسحاق المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وهو حصل القراءة والسماعة والاجازة عن الشيخ الاجل مسند الوقت الشاه عبد العزيز المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وهو حصل القراءة والسماعة والاجازة عن الشيخ القرم المعظم بقية السلف وحجة الخلف الشاه ولي الله المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، وباقي السند مكتوب عنده . وأوصيه بتقوى الله تعالى في السر والعلانية ، وإشاعة السنة السنية بلا خوف لومة لائم حرر سنة 1306 الهجرية المقدسة . قلت : باقي السند هكذا : قال الشاه ولي الله : قرأت طرفا من جامع الترمذي على أبي الطاهر : يعني محمد بن أبراهيم الكردي المدني ، وأجاز لسائره عن أبيه يعني إبراهيم الكردي المدني ، عن المزاحي ، يعني السلطان بن أحمد ، عن الشهاب أحمد بن الخليل السبكي ، عن النجم الغيطي ، عن الزين زكريا ، عن العز عبد الرحيم بن محمد بن الفرات عن عمر بن الحسن المراغي ، عن الفخر بن أحمد البخاري ، عن عمر بن طبرزد البغدادي ، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل الكروخي ، أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الازدي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله الجراحي المروزي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب المحبوبي المروزي ، أخبرنا أبو عيسى بن سورة بن موسى الترمذي . قلت : وإني قرأت أطرافا من جامع الترمذي وغيره من الامهات الست وغيرها على شيخنا العلامة الشيخ حسين بن محسن الانصاري الخزرجي اليماني ، فأجازني لسائر ما قرأت عليه من كتب الحديث ، بل لجميع ما حواه إتحاف الاكابر في إسناد الدفاتر ، من الكتب الحديثية وغيرها ، وكتب لى الاجازة وهذه صورتها : الحمد لله الذي تواتر علينا فضله وإحسانه ، الموصول إلينا بره وامتنانه ، والصلاة والسلام على من صح سند كمالاته ، وتسلسل إلينا مرفوع ما وصل من هباته ، وعلى آله وأصحابه ، وناصريه وأحزابه . وبعد : فإنه وقع الاتفاق في بلدة آره بالمولوي محمد عبد الرحمن : المتوطن مباركبور من توابع أعظم كده ، وقرأ علي أطرافا من الامهات الست ، ومن موطأ الامام مالك ومن مسند الدارمي ، ومن مسند الامام الشافعي ، والامام أحمد ، ومن الادب المفرد للبخاري ، ومن معجم الطبراني الصغير ، ومن سنن الدارقطني ، وطلب مني الاجازة بعد القراءة ، ووصل سنده بسند مؤلفيها الاجلاء القادة ، فأسعفته بمطلوبه ، تحقيقا لظنه ومرغوبه ، وإن كنت لست أهلا لذلك ولا ممن يخوض في هذه المسالك ، ولكن تشبها بالائمة الاعلام السابقين الكرام .
[ 5 ]
وإذا أجزت مع القصور فإنني أرجو التشبه بالذين أجازوا للسالكين إلى الحقيقة منهجا سبقوا إلى غرف الجنان ففازوا فأقول وبالله التوفيق : إني قد أجزت المولوي محمد عبد الرحمن المذكور أن يروي عني هذه الكتب المذكورة بأسانيدها المتصلة إلى مؤلفيها ، المذكورة في ثبت شيخ مشايخنا الامام الحافظ الرباني ، القاضي محمد بن علي الشوكاني ، المسمى " بإتحاف الاكابر في إسناد الدفاتر " مع بيان كل إسناد إلى مؤلفه ، بل أجزته أن يروي عني جميع ما حواه إتحاف الاكابر من كتب الحديثية وغيرها ، أجازني برواية جميع ما فيه شيخاي : الشريف محمد بن ناصر الحسني الحازمي ، وشيخنا القاضي العلامة أحمد ابن الامام المؤلف محمد بن علي الشوكاني كلاهما عن مؤلفه الامام الحافظ الرباني محمد بن علي الشوكاني رحمه الله تعالى ، وأوصيه بتقوى الله في السر والعلن ، ومتابعة السنن ، وأن لا ينساني من صالح دعواته في كل حالاته ، ومشايخي ووالدي وأولادي ، وفقنا الله وإياه لما يرضاه ، وسلك بنا وبه بطريق النجاة ، والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم . مؤرخه يوم الاحد لاثنتي عشرة خلون من شهر شعبان أحد شهور ألف وثلاثمائة وأربعة عشر من الهجرة النبوية ، على مشرفها أفضل الصلاة وأزكى التسليم والتحية . أملاه المجيز بلسانه ، الحقير الفقير إلى إحسان ربه الكريم الباري ، حسين بن محسن الانصاري الخزرجي اليماني ، عفا الله عنه . قلت : ثبت شيخ شيوخ مشايخنا القاضي الشوكاني المسمى بإتحاف الاكابر عندي موجود ، نقلته من نسخة قلمية صحيحة ، والان قد طبع هذا الثبت المبارك ، وشاع ، وقد ذكر القاضي الشوكاني مصنف هذا الثبت أسانيد جامع الترمذي في فصل السين ، فقال : سنن الترمذي أرويها بالسماع لجميعها من لفظ شيخنا السيد العلامة عبد القادر أحمد بإسناده المتقدم في تفسير الثعلبي ، إلى الشماخي ، عن أحمد بن محمد الشرجي اليمني ، عن زاهر بن رستم الاصفهاني ، عن القاسم بن أبي سهل الهروي ، عن محمود بن القاسم الازدي ، عن عبد الجبار بن محمد المروزي ، عن محمد بن أحمد بن محبوب المروزي عن المؤلف . وأرويها عن شيخنا المذكور بإسناده المتقدم في أول هذا المختصر إلى محمد البابلي ، عن النور علي بن يحيى الزيادي ، عن الرملي ، بإسناده المتقدم قريبا إلى ابن طبرزد ، عن عبد الملك بن أبي سهل الكروخي ، عن محمود بن القاسم الازدي ، عن عبد الجبار بن محمد المروزي ، عن محمد بن محبوب المروزي ، عن المؤلف . وأرويها عن شيخنا المذكور ، عن محمد بن الطيب المغربي ، عن إبراهيم بن محمد المراغي ،
[ 6 ]
عن أحمد بن محمد العجلي ، عن يحيى بن مكرم الطبري ، عن جده المحب الطبري عن الزين المراغي ، عن أبي العباس أحمد بن أبي طالب الحجار ، عن أبي النجا عبد الله بن عمر اللتي ، عن أبي الوقت عبد الاول بن عيسى السجزي ، عن أبي عامر الازدي ، عن أبي محمد الجراحي ، عن أبي العباس المحبوبي ، عن المؤلف . وأوريها عن شيخنا السيد علي بن إبراهيم بن عامر بإسناده السابق في سنن أبي داود إلى الديبع ، عن السخاوي ، عن ابن حجر ، عن البرهان التنوخي ، عن أبي القاسم بن عساكر ، عن عبد الرحمن بن محمد بن مسعود ، عن محمد بن علي بن صالح ، عن أبي عامر محمود بن القاسم الازدي ، عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي عن المؤلف . وأوريها عن شيخنا السيد علي المذكور ، وشيخنا الحسن بن إسماعيل المغربي بالاسناد المتقدم في سنن أبي داود إلى علي بن أحمد المرحومي ، عن إبراهيم الذماري ، عن الشهاب القليوبي ، عن النور الزيادي ، عن الشمس الرملي ، عن زكريا الانصاري ، عن الشمس القاياتي ، عن أحمد بن أبي زرعة ، عن أبيه ، عن الزين عبد الرحيم العراقي ، عن عمر العراقي ، عن علي بن البخاري ، عن ابن طبرزد بإسناده السابق إلى المؤلف . وأوريها عن شيخنا يوسف بن محمد بن علاء الدين المزجاجي ، عن أبيه عن جده عن إبراهيم الكردي بإسناده المتقدم في سنن أبي داود إلى ابن طبرزد بإسناده المذكور ههنا إلى المؤلف . انتهى ما في إتحاف الاكابر . قلت : قد قال العلامة الشوكاني في خطبة هذا الثبت : قد اقتصرت في الغالب على ذكر إسناد واحد ، وأحلت في أسانيد البعض على البعض طلبا للاختصار . انتهى . فعليك أن ترجع إلى إتحاف الاكابر لتقف على ما أحال عليه في أسانيد جامع الترمذي بعضها على البعض ، وأنا أذكر ههنا إسناده المتقدم في تفسير الثعلبي إلى الشماخي . قال الشوكاني : تفسير الكشف والبيان في تفسير القرآن : أرويه عن شيخي السيد عبد القادر بن أحمد ، عن شيخه السيد سليمان بن يحيى الاهدل ، عن السيد أحمد بن محمد الاهدل ، عن السيد يحيى بن محمد البطاح الاهدل ، عن السيد طاهر بن حسين الاهدل ، عن الحافظ الديبع ، عن زين الدين الشرجي ، عن نفيس الدين العلوي ، عن أبيه عن أحمد بن أبي الخير الشماخي إلخ . وها أنا أشرع في المقصود ، متوكلا على الله الملك الودود ، وما توفيقي إلا بالله ، وهو حسبي ونعم الوكيل .
[ 7 ]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وأصحابه أجمعين . أما بعد : فيقول العبد الضعيف ، محمد عبد الرحمن ابن الحافظ عبد الرحيم المباركفوري (1) عفا الله عنه تعالى عنهما : إني قرأت هذا الكتاب المبارك ، أعني " جامع الترمذي " من أوله إلى آخره ، على شيخنا العلامة السيد محمد نذير حسين المحدث الدهلوي رحمه الله تعالى ، أجازني به وقال : إني حصلت القراءة والسماعة والاجازة عن الشيخ المكرم الاورع البارع في الافاق ، محمد إسحاق ، المحدث الدهلوي ، وهو حصل القراءة والسماعة والاجازة عن أبيه الشيخ القرم المعظم بقية السلف حجة الخلف الشاه ولي الله بن الشاه عبد الرحيم المحدث الدهلوي ، وقال الشاه ولي الله : قرأت على أبي الطاهر المدني طرفا من جامع الترمذي وأجاز لسائره ، عن أبيه ، عن المزاحي ، عن الشهاب أحمد السبكي عن النجم الغيطي ، عن الزين زكريا ، عن العز عبد الرحيم بن محمد الفرات ، عن عمر بن الحسن المراغي ، عن الفخر بن أحمد البخاري ، عن عمر بن طبرزد البغدادي ، أخبرنا أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم إلخ . . . (1) مباركبور : قرية كبيرة عامرة من قرى بلدة كده الواقعة في أرض الهند . وهي في وسط بلاد جونفور ونبارس وغازيفور وكوركهبور . (*)
[ 9 ]
[ بسم الله الرحمن الرحيم ] قوله (بسم الله الرحمن الرحيم) افتتح الكتاب بالبسملة اقتداء بكتاب الله العظيم ، واقتفاء بكتب نبيه الكريم ، وعملا بحديثه في بداءة كل أمر ذي بال ببسم الله الرحمن الرحيم . وهو ما أخرجه الحافظ عبد القادر الرهاوي في أربعينه من حديث أبي هريرة مرفوعا " كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع " واقتصر المصنف على البسملة كالامام البخاري في صحيحه ، وكأكثر المتقدمين في تصانيفهم ، ولم يأت بالحمد والشهادة ، مع ورود قوله (صلى الله عليه وسلم) " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع " وقوله " كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء " وأخرجهما أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة ، لما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : من أن الحديثين في كلم منهما مقال ، سلمنا صلاحيتهما للحجة لكن ليس فيهما أن ذلك اقتصارا على البسملة ، لان القدر الذي يجمع الامور الثلاثة ذكر الله ، وقد حصل بها ، انتهى كلام الحافظ . قلت : قد جاء في رواية لفظ " ذكر الله " . ففي مسند الامام أحمد : حدثنا أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن الاوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله فهو أبتر أو أقطع " فبهذه الرواية يجمع بين الروايات الثلاث المختلفة ما لفظه : وأما الحمد والبسملة فجائز ان ، يعني بهما ما هو الاعم منهما وهو ذكر الله والثناء عليه على الجملة ، إما بصيغة الحمد أو غيرها ، ويدل على ذلك رواية ذكر الله ، وحينئذ فالحمد والذكر والبسملة سواء ، وجائز أن يعني خصوص الحمد وخصوص البسملة ، وحينئذ فرواية الذكر أعم ، فيقضى لها على الروايتين الاخريين لان المطلق إذا قيد بقيدين والبسملة متنافيان لم يحمل على واحد منهما ، ويرجع إلى أصل الاطلاق ، وإنما قلنا إن خصوص الحمد والبسملة متنافيان ، لان البداءة إنما تكون بواحد ، ولو وقع الابتداء بالحمد لما وقع بالبسملة وعكسه ، ويدل على أن المراد الذكر ، فتكون روايته هي المعتبرة [ و ] أن غالب الاعمال الشرعية غير مفتتحة بالحمد ، ولم لا يكون المراد ما هو أعم من لفظ الحمد والبسملة ، ويدل على ذلك ما ذكرت لك من الاعمال الشرعية التي لم يشرع الشارع افتتاحها بالحمد بخصوصه . انتهى كلام التاج السبكي . ثم قال الحافظ ابن حجر في تأييد كلامه المذكور : ويؤيده أن أول شئ نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ، فطريق التأسي به
[ 10 ]
[ . . . . . . . . . . . . . ] الافتتاح بالبسملة ، ويؤيده أيضا وقوع كتب النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها ، كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل ، وحديث البراء في قصة سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وغير ذلك من الاحاديث انتهى . تنبيه : قال الشيخ بدر الدين العيني في عمدة القاري شرح البخاري : اعتذروا عن البخاري أي عن اقتصاره على البسملة بأعذار هي بمعزل عن القبول ، ثم ذكر العيني سبعة أعذار ، واعترض على كل واحد منها ثم قال : والاحسن فيه ما سمعته من بعض أساتذتي الكبار أنه ذكر الحمد بعد التسمية كما هو دأب المصنفين في مسودته ، كما ذكره في بقية مصنفاته ، وإنما سقط ذلك من بعض المبيضين فاستمر على ذلك . انتهى كلام العيني ، قلت : هذا الاعتذار أيضا بمعزل عن القبول ، فإنه ليس بحسن فضلا عن أن يكون أحسن ، بل هو أبعد الاعذار كلها ، فإن قوله : إنه ذكر الحمد بعد التسمية ، كما صرح به الحافظ ابن حجر ، وأما قوله كما ذكره في بقية مصنفاته ، فيدل على أنه لم ير بقية مصنفات البخارج أيضا ، فإن من مصنفاته الادب المفرد وكتاب خلق أفعال العباد والرد على الجهمية وكتاب الضعفاء والتاريخ الصغير وجزء القراءة خلف الامام وجزء رفع اليدين ، ولم يذكر في ابتداء واحد من هذه الكتب الحمد بعد التسمية ، بل اقتصر في كل منها على التسمية . قال الحافظ في الفتح : وأبعد من ذلك كله قول من ادعى أنه ابتداء الخطبة فيها حمد وشهادة فحذفها بعض من حمل عنه الكتاب ، وكأن قائل هذا ما رأى تصانيف الائمة من شيوخ البخاري وشيوخ شيوخه وأهل عصره ، كمالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنف وأحمد في المسند وأبي داود في السنن إلى ما لا يحصى ممن لم يقدر في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية وهم الاكثر ، والقليل منهم من افتتح كتابه بخطبة ، أفيقال في كل هؤلاء إن الرواة عنه حذفوا ذلك ؟ كلا بل يحمل ذل من صنيعهم على أنهم حمدوا لفظا ، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد : أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا كتب الحديث ، ولا يكتبها ، والحامل له على ذلك إسراع أو غيره ، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصا بالخطب دون الكتب ، ولهذا من افتتح كتابه منهم بخطبة حمد وتشهد كما صنع مسلم والله تعالى أعلم . انتهى كلام الحافظ . تنبيه آخر : قد اختلفوا في حديث الحمد المذكور ، فبعضهم ضعفوه كالحافظ ابن حجر ، وبعضهم حسنوه كالحافظ ابن الصلاح ، وبعضهم صححوه كابن حبان . قال العيني " في عمدة
[ 11 ]
[ أخبرنا الشيخ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل الهروي الكروخي في العشر الاول من ذي الحجة سنة 547 سبع وأربعين وخمسمائة ، بمكة ] القارئ " : الحديث صحيح صححه ابن حبان وأبو عوانة ، وقد تابع سعيد بن عبد العزيز قرة كما أخرجه النسائي . انتهى . قلت : قد وقع في إسناده ومتنه اختلاف كثير ، وقد استوعب طرقه وألفاظه تاج الدين السبكي في أول كتاب طبقات الشافعية الكبرى ، وبسط الكلام في بيان ما وقع إسناده ومتنه من الاختلاف ، ثم في دفعه ، وقال في آخر كلامه ما لفظه : هذا منتهى الكلام على الحديث ، ولا ريب في أنه بعد ثبوت صحته ورفعه مسندا غير بالغ مبلغ الاحاديث المتفق على أنها مسندة ، ولكن الصحيح مراتب . انتهى كلام السبكي ، وقال في أثناء كلامه : وقد قضى ابن الصلاح بأن الحديث حسن دون الصحيح وفوق الضعيف ، محتجا بأن رجاله رجال الصحيحين سوى قرة ، قال : فإنه ممن انفرد مسلم عن البخاري بالتخريج له انتهى . فائدة : قال الحافظ في الفتح : اختلف القدماء فيما إذا كان الكتاب كله شعرا ، فجاء عن الشعبي منع ذلك ، يعني كتاب بسم الله الرحمن الرحيم في أوله ، وعن الزهري قال مضت السنة أن لا يكتب في الشعر بسم الله الرحمن الرحيم ، وعن سعيد بن جبير جواز ذلك ، وتابعه على ذلك الجمهور ، وقال الخطيب هو المختارر انتهى . وقال القاري في المرقاة : والاحسن التفصيل ، بل هو الصحيح ، فإن الشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح ، فيصان إيراد البسملة في الهجويات ومدائح الظلمة ونحوها . انتهى . قوله : أخبرنا الشيخ (أبو الفتح) قائله عمر بن طبرزد البغدادي تلميذ أبي الفتح عبد الملك . (عبد الله بن أبي سهل) بالجر هو اسم أبي القاسم (الهروي) بالهاء والراء المهملة المفتوحتين نسبة إلى الهراة مدينة مشهورة بخراسان كذا في المغني للعلامة محمد طاهر صاحب مجمع البحار . (الكروخي) بفتح الكاف وضم الراء الخفيفة وبالخاء المعجمة منسوب إلى كروخ من بلاد خراسان ، والمراد به عبد الملك بن أبي القاسم راوي الترمذي ، كذا في المغني ، وقال في القاموس : كروخ كصبور قرية بهراة انتهى . فائدة : قال الحافظ ابن الصلاح في مقدمته : قد كانت العرب إنما تنسب إلى قبائلها ، فلما جاء الاسلام وغلب عليهم مسكن القرى والمدائن حدث فيما بينهم الانتساب إلى الاوطان وأضاع كثير منهم أنسابهم ، فلم يبق لهم غير الانتساب إلى الاوطان ، قال : ومن كان من الناقلة من بلد إلى بلد وأراد الجمع بينهما بالانتساب فليبدأ بالاول ثم بالثاني المنتقل إليه . وحسن أن يدخل على الثاني كلمة " ثم " ، فيقال في الناقلة من مصر إلى دمشق مثلا " فلان المصري ثم الدمشقي " ومن كان من
[ 12 ]
[ شرفها الله وأنا أسمع . قال : أنا القاضي الزاهد أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد الازدي رحمه الله قراءة عليه وأنا أسمع في ربيع الاول من سنة اثنين وثمانين وأربعمائة ، ] أهل قرية من قرى بلدة فجائز أن ينسب إلى القرية أو إلى البلدة أيضا وإلى الناحية التي تلك البلدة منها أيضا . انتهى . (وأنا أسمع) جملة حالية ، أي قال عمر بن طبرزد ، أخبرنا أبو الفتح والحال أني كنت سامعا (قال أنا القاضي) أي قال الكروخي : أخبرنا القاضي ، فقوله " أنا " رمز إلى أخبرنا ، قال النووي في مقدمة شرح مسلم : جرت العادة بالاقتصار على الرمز في حدثنا وأخبرنا ، واستمر الاصطلاح عليه من قديم الاعصار إلى زماننا واشتهر ذلك بحيث لا يخفى ، فيكتبون من حدثنا " ثنا " وهي الثاء والنون والالف ، وربما حذف الثاء ، ويكتبون من أخبرنا " أنا " ولا تحسن زيادة الباء قبل نا . انتهى . فائدة : قال النووي : كان من مذهب مسلم رحمه الله الفرق بين حدثنا وأخبرنا : أن حدثنا لا يجوز إطلاقه إلا لما سمعه من لفظ الشيخ خاصة ، وأخبرنا لما قرئ على الشيخ ، وهذا الفرق هو مذهب الشافعي وأصحابه ، وجمهور أهل العلم بالمشرق . قال محمد بن الحسن الجوهري المصري : وهو مذهب أكثر أهل الحديث الذين لا يحصيهم أحد ، وروي هذا المذهب أيضا عن ابن جريج والاوزاعي وابن وهب ، وقال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة : وتخصيص التحديث بما سمع من لفظ الشيخ هو الشائع بين أهل الحديث اصطلاحا انتهى . قلت : وكذا الاخبار مخصوص بالقراءة على الشيخ ، قال الحافظ : ولا فرق بين التحديث والاخبار من حيث اللغة ، وفي ادعاء الفرق بينهما تكلف شديد ، لكن لما تقرر في الاصطلاح صار ذلك حقيقة عرفية ، فتقدم على الحقيقة اللغوية ، مع أن هذا الاصطلاح إنما شاع عند المشارقة ومن تبعهم ، وأما غالب المغاربة فلم يستعملوا هذا الاصطلاح ، بل الاخبار والتحديث عندهم بمعنى واحد انتهى كلام الحافظ . قلت : وهو مذهب الامام البخاري . واعلم ان ههنا تفصيلا آخر ، وهو أن من سمع وحده من لفظ الشيخ قال حدثني ، ومن سمع مع غيره جمع ، فقال حدثنا ، وكذا الفرق بين أخبرني وبين أخبرنا (الازدي) منسوب إلى الازد : بفتح الهمزة المفتوحة وسكون الزاي المعجمة ، قبيلة (قراءة عليه وأنا أسمع) أي أخبرنا القاضي حال كونه يقرأ عليه وأنا أسمع ، أو حال كونه قارئا عليه غيري وأنا أسمع ، فقوله قراءة مصدر بمعنى اسم المفعول أو اسم الفاعل ، منصوب على الحالية ، قال السيوطي في تدريب الراوي : قول الراوي أخبرنا سماعا أو قراءة هو من باب قولهم " أتيته سعيا " وكلمته مشافهة ، وللنحاة موقعه نعتا ، في " زيد عدل " وأنه لا يستعمل منها إلا ما سمع ولا يقاس ، فعلى هذا استعمال الصيغة المذكورة في الرواية ممنوع ، لعدم نطق العرب بذلك . والثاني
[ 13 ]
[ قال الكروخي : وأخبرنا الشيخ أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن إبراهيم الترياقي ، والشيخ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حامد الغورجي رحمهما الله قراءة عليهما وأنا أسمع في ربيع الاخر من سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ، قالوا أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المروزي المرزباني قراءة عليه ، أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي ، فأقر به الشيخ الثقة الامين ، ] وهو للمبرد : ليست أحوالا بل مفعولات لفعل مضمر من لفظها ، وذلك المضمر هو الحال ، وأنه يقاس في كل ما دل عليه الفعل المتقدم ، وعلى هذا تتخرج الصيغة المذكورة ، بل كلام ابن حبان في تذكرته يقتضي أن أخبرنا سماعا مسموع ، وأخبرنا قراءة لم يسمع ، وأنه يقاس على الاول على هذا . القول الثالث : وهو للزجاج ، قال بقول سيبويه فلا يضمر لكنه مقيس . الرابع : وهو للسيرافي ، قال هو من باب " جلست قعودا " منصوب بالظاهر ، مصدرا معنويا . انتهى كلام السيوطي (الترياقي) منسوب إلى الترياق : بالكسر قرية بهراة (الغورجي) قال في المغني : بمضمونة وسكون واو وبراء وجيم منسوب كذا ، والمراد منه أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل أحد مشايخ الكروخي في الترمذي . انتهى . قال في القاموس في باب الغور : الغورة بالضم قرية عند باب هراة وهو غورجي على خلاف القياس انتهى (قالوا) أي الازدي والترياقي والغورجي ، وهم شيوخ الكروخي ، (الجراحي) قال في المغني : بمفتوحة وشدة راء وبحاء مهملة منه عبد مروي ومروي ومروزي انتهى . وقال فيه أيضا : المروزي نسبة إلى مرو بزيادة زاي مدينة بخراسان انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير المروي بسكون الراء نسبة إلى قرية من قرى الكوفة ، وأما النسبة إلى مرو المعروفة بخراسان فقد التزموا فيها بزيادة الزاي ، كأنه للفرق بين القريتين انتهى (المرزباني) قال في المغني : بمفتوحة وسكون راء وضم زاي وبموحدة وبنون ، منسوب إلى مرزبان : جد محمد بن أحمد راوي الترمذي انتهى . وقلت فيه أن المرزباني وقع نعتا لابي محمد عبد الجبارر لا لمحمد بن أحمد ، وقال في القاموس : المرزبة كمرحلة رئاسة الفرس ، وهو مرزبانهم بضم الزاي ج مرازبة . (أنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي فأقر به الشيخ الثقة الامين) ، هكذا وقعت هذه العبارة في النسخ المطبوعة في الهند بزيادة لفظ " فأقر به الشيخ الثقة الامين " بعد لفظ المروزي ، وقد وقعت هذه العبارة في بعض النسخ القلمية الصحيحة هكذا : أنا الشيخ الثقة الامين أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل
[ 14 ]
المحبوبي المروزي ، بحذف لفظ فأقر به ، ووقوع لفظ الشيخ الثقة الامين بعد لفظ [ . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ] أنا ، وهكذا وقعت هذه العبارة في الاثبات الصحيحة ، كثبت الكردي والكزبري والشنواني والشاه ولي الله ، وهذا مما أفادني شيخنا العلامة القاضي حسين بن محسن الانصاري الخزرجي السعدي اليماني غفر الله له ، وقد وقعت هذه العبارة في نسخة قلمية صحيحة عتيقة هكذا : قال أنبأ أبو العباس محمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي الشيخ الثقة الامين قال أنبأ أبو عيسى بن سورة الترمذي ، بحذف لفظ فأقر به ، وهذه النسخة موجودة في مكتبة خدابخش خان العظيم أبادي . تنبيه : العبارة التي وقعت في بعض النسخ القلمية والاثبات الصحيحة معناها ظاهر واضح وكذا العبارة التي وقعت في النسخة القلمية العتيقة معناها واضح ، وأما العبارة التي وقعت في النسخ المطبوعة فقد جزم بعض أهل العلم بأن جملة فأقر به الشيخ الثقة الامين فيها غلظ لا يستقيم معناها . قلت : هذه الجملة فيها ليست عندي بغلط بل هي صحيحة معناها مستقيم ، فاعلم أن المراد بالشيخ الثقه الامين في هذه الجمله أبو محمد عبد الجبار ، والمعنى ، أن القاضي الزاهد أبا عامر والشيخ أبا نصر عبد العزيز والشيخ أبا بكر أحمد بن عبد الصمد من تلامذة أبي محمد عبد الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه ، بأن كان أحد من تلامذة أبي محمد عبد الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه ، بأن كان أحد من تلامذته يقرؤه عليه والباقون أبي محمد عبد الجبار أخذوا هذا الكتاب عنه بالعرض عليه ، بأن كان أحدا من تلامذته يقرؤه عليه والباقون كانوا يسمعون ، والشيخ أبو محمد عبد الجبار كان مصغيا فاهما غير منكر ، وكان قراءة القارئ عليه هكذا . قلت : أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي المروزي إلخ فأقر به الشيخ الثقة الامين . أي أبو محمد عبد الجبار يعني فأقر بما قرئ عليه ، ولم ينكر فصح سماعهم منه وجاز لهم الرواية عنه . وينبغي لكل من يقرأ هذا الكتاب على شيخه ويعرضه عليه أن يقول بعد قوله قراءة عليه : قيل له قلت أخبرنا أبو العباس إلخ ، ولا بد لنا من أن نذكر ههنا بعض عبارات تدريب الراوي وغيره ليتضح لك ما قلنا في تصحيح الجملة المذكورة . قال السيوطي في التدريب ، القسم الثاني من وجوه التحمل : القراءة على الشيخ ، ويسميها أكثر المحدثين عرضا ، سواء قرأت عليه بنفسك أو قرأ عليه غيرك وأنت تسمع ، والاحوط في الرواية بها أن يقول قرأت على فلان إن قرأ بنفسه ، أو قرئ عليه وأنا أسمع فأقر به ، ثم يلي ذلك عبارات السماع مقيدة بالقراءة : كحدثنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع ، أو أخبرنا بقراءتي أو قراءة عليه وأنا أسمع انتهى . وقال فيه : وإذا قرأ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظا صح السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ، ولا يشترط نطق الشيخ بالاقرار كقوله نعم ، على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض
[ 15 ]
أصحاب الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى كلام السيوطي ملخصا . وقال النووي [ . . . . . . . . . ] في مقدمة شرح مسلم : جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الاسناد في الخط ، وينبغي للقارئ أن يلفظ بها ، وإذا كان في الكتاب : قرئ على فلان أخبرك فلان فليقل القارئ : قرئ على فلان قيل له أخبرك فلان ، وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرنا فلان فليقل قرئ على فلان قيل له قلت أخبرنا فلان . انتهى كلام النووي . فإذا وقفت على هذه العبارات وعرفت مدلولها يتضح لك ما قلنا في تصحيح جملة فأقر به الشيخ الثقة الامين إن شاء الله تعالى . تنبيه : قال صاحب العرف الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه : المراد بالشيخ هو المحبوبي كما في ثبت ابن عابدين ، وهذه العبارة يعني فأقر به الشيخ الثقة الامين ليست في النسخ المعتبرة ، وأما على تقدير وجودها في الكتاب فمرادها أن الشيخ المحبوبي نسخ الكتاب ، وكان علم من قلبه بالصدور ، فإذ صار العلم بالكتاب فاحتاج تلامذة الشيخ المحبوبي إلى أن يقر المحبوبي بكتابه وصحته ، فلذا قال تلميذ المحبوبي أقر الشيخ المحبوبي بهذا الكتاب لتوثيق الكتاب انتهى كلامه . قلت : هذا التوجيه باطل جدا ، فإن مبناه على أن علم من قبل الشيخ المحبوبي من أصحاب الكتب الستة وغيرهم كان في الصدور ولم يكن في الكتاب ، وهذا باطل ظاهر البطلان ، وقد عرفت في المقدمة أن تدوين الاحاديث وجمعها في الكتاب قد حدث في أواخر عصر التابعين ، قال الحافظ في مقدمة الفتح : إن آثار النبي (صلى الله عليه وسلم) لم تكن في عصره وعصر أصحابه وتبعهم مدونة في الجوامع . إلى أن قال : ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الاثار وتبويب الاخبار لما انتشر العلماء بالامصار وكثر الابتداع اه . وتنبيه آخر : وقال بعضهم في توجيه الجملة المذكورة : إن قوله فأقر به الشيخ الثقة الامين يحتمل وجهين أحدهما أن يقال : بأن المراد بالشيخ الثقة الامين هو أبو العباس الذي تلميذه أبو محمد عبد الجبار ، والمعنى على هذا الوجه : أن القاضي الزاهد أبا عامر أو الشيخ أبا نصر أو الشيخ أبا بكر الذين هم تلامذة أبي محمد عبد الجبار قد سأل أستاذ أستاذه أعني أبا العباس عن أنك أخبرت تلميذك أبا محمد عبد الجبار بهذا الكتاب فأقر به ، أي بالاخبار بهذا الكتاب أبو العباس وأجاب بإقرار الاخبار ، وثانيهما أن يراد بالشيخ الثقة الامين أبو محمد عبد الجبار ، ويكون المعنى على هذا أنه سأله أحد تلامذته وهم القاضي الزاهد أبو عامر وأبو نصر وأبو بكر عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس فأقر به أبو محمد عبد الجبار بأخذ هذا الكتاب من شيخه أبي العباس . هذا هو الوجه الثاني ، فعلى كلا الوجهين : الضمير في قوله به راجع إلى الاخبار بهذا الكتاب الذي يفهم
[ 16 ]
[ . . . . . . . . . . . . . . . . . . ] ضمنا ، وفاعل قوله أقر المعبر عنه بالشيخ الثقة الامين إما أبو العباس . وإما أبو محمد عبد الجبار انتهى كلامه . قلت : هذا التوجيه أيضا ليس بشئ ، فإن في كلا الوجهين من هذا التوجيه نظرا ، أما الوجه الاول : فلان مبناه على أن أحدا من تلامذة أبي محمد عبد الجبار المذكورين قد لقي أستاذ أستاذه أعني أبا العباس ، وهذا ادعاء محض . فلا بد لهذا البعض أن يثبت أولا لقاءه منه ثم بعد ذلك يتوجه إلى هذا الوجه ودونه خرط القتاد . وأما الوجه الثاني ففيه أن أبا محمد عبد الجبار ، لما حدث تلامذته المذكورين بلفظ أخبرنا أبو العباس فبعد سماعهم هذا اللفظ منه لا معنى لسؤال أحد تلامذته عن أنك أخبرك شيخك أبو العباس ، فتفكر . تنبيه آخر : قال صاحب الطيب الشذي في توجيه الجملة المذكورة ما لفظه : الظاهر أن المراد بالشيخ الثقة أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، فقائل هذا القول هو أبو محمد عبد الجبار الجراحي ، فالمعنى أن تلامذة أبي العباس لما قرؤا الكتاب على أستاذهم أبي العباس فقال لهم : نعم هذا كنت قرأت عليكم . انتهى كلامه . قلت : هذا التوجيه أيضا باطل ظاهر البطلان ، فإن تلامذة أبي العباس إما كانوا قرؤا الكتاب على أستاذهم أبي العباس وكان هو ساكتا مصغيا لقراءتهم أو كان هو القارئ وهم كانوا ساكتين مصغين لقراءته ، فعلى التقدير الاول لا معنى لقوله ، فقال لهم نعم هكذا كنت قرأت عليكم ، وعلى التقدير الثاني لا معنى لقوله لما قرؤا الكتاب فتفكر ثم قال ويمكن أن يكون المراد من الثقة الامين هو عبد الجبار ، وقائل قوله فأقر به أيضا عبد الجبار ، فالمعنى أن تلامذة عبد الجبار قالوا له أخبرك أبو العباس ؟ فقال : نعم أخبرني أستاذي أبو العباس . فهذا معنى قوله فأقر به الشيخ الثقة الامين . انتهى . قلت : قد أخذ هذا صاحب الطيب الشذي من الوجه الثاني من الوجهين المذكورين لبعضهم ، ولكنه قد تخبط في قوله ، وقائل قوله أقر به أيضا عبد الجبار .
[ 17 ]
قوله (أخبرني أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة) بفتح السين وسكون الواو (الترمذي) بكسر التاء والميم وبضمهما وبفتح التاء وكسر الميم مع الذال المعجمة ، نسبة الى مدينة قديمة على طرق جيحون : نهر بلخ (الحافظ) تقدم حد الحافظ في المقدمة ، وتقدم فيها أيضا ترجمة ابي عيسى الترمذي وما يتعلق بكنيته . قوله (أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) أبواب جمع باب وهو حقيقة لما كان حسيا يدخل منه إلى غيره ومجاز لعنوان جملة من المسائل المتناسبة واعلم أنه قد جرت عادة أكثر المصنفين من الفقهاء أنهم يذكرون مقاصدهم بعنوان الكتاب والباب والفصل فالكتاب عندهم عبارة عن طائفة من المسائل اعتبرت مستقلة شملت أنواعا أو لم تشمل فإن كان تحته أنواع فكل نوع يسمى بالباب والأشخاص المندرجة تحت النوع تسمى بالفصول وقال السيد نور الدين في فروق اللغات الكتاب هو الجامع لمسائل متحدة في الجنس مختلفة في النوع والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في النوع مختلفة في الصنف والفصل هو الجامع لمسائل متحدة في الصنف مختلفة في الشخص انتهى وهكذا جرت عادة أكثر المحدثين أنهم يذكرون الأحاديث والآثار في كتبهم على طريقة الفقهاء بعنوان الكتاب والباب لكن الترمذي يذكر مكان الكتاب لفظ الأبواب ولفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول أبواب الطهارة وأبواب الصلاة وأبواب الزكاة وهكذا ثم يزيد بعد الأبواب مثلا يقول أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعض العلماء في توجه هذه الزيادة ما لفظه فائدة ذكره أي ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الإشارة إلى أن الأحاديث الواردة فيها مرفوعات لا موقوفات ذلك لأن قبل زمان الترمذي وطبقته كانت العادة أنهم كانوا يخلطون الأحاديث والآثار كما يفصح عنه مؤطا مالك ومغازي موسى بن عقبة وغيرهما ثم جاء البخاري والترمذي وأقرانهما فميزوا الأحاديث المرفوعة عن الآثار انتهى والمراد
[ 18 ]
من الطهارة الطهارة من الحدث والخبث وأصلها النظافة والنزاهة من كل عيب حسي أو معنوي ومنه قوله تعالى إنهم أناس يتطهرون والطهارة لما كانت مفتاح الصلاة التي هي عماد الدين افتتح المؤلفون بها مؤلفاتهم . قوله (باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء وفتحها 1 - قوله (حدثنا قتيبة) بضم القاف وفتح المثناة الفوقانية (بن سعيد) الثقفي مولاهم أبو رجاء البغلاني محدث خراسان ولد سنة 149 تسع وأربعين ومائة وسمع من مالك والليث وابن لهيعة وشريك وطبقتهم وعنه الجماعة سوى ابن ماجه وكان ثقة عالما صاحب حديث ورحلات وكان غنيا متمولا قال ابن معين ثقة وقال النسائي ثقة مأمون مات سنة 240 أربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة كذا في تذكرة الحفاظ (أبو عوانة) اسمه الوضاح بن عبد الله اليشكرى الواسطي البزاز أحد الأعلام روى عن قتادة وابن المنكدر وخلق وعنه قتيبة ومسدد وخلائق ثقة ثبت مات سنة 176 ست وسبعين ومائة فائدة قال النووي جرت عادة أهل الحديث بحذف قال ونحوه فيما بين رجال الإسناد في الخط وينبغي للقارئ أن يلفظ بها انتهى قلت فينبغي للقارئ أن يقرأ هذا السند هكذا قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال أخبرنا أبو عوانة بذكر لفظ قال قبل حدثنا قتيبة وقبل أخبرنا أبو عوانة (عن سماك) بكسر السين المهملة وتخفيف الميم (بن حرب) ابن أوس بن خالد الذهلي البكري الكوفي صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن كذا في التقريب وقال في الخلاصة أحد الأعلام التابعين عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير ثم عن علقمة بن وائل ومصعب ابن سعد وغيرهم وعنه الأعمش وشعبة وإسرائيل وزائدة وأبو عوانة وخلق قال ابن المديني له نحو مائتي حديث وقال أحمد أصح حديثا من عبد الملك بن عمرو وثقه أبو حاتم وابن معين في رواية ابن أبي خيثمة وابن أبي مريم وقال أبو طالب عن أحمد مضطرب الحديث قلت عن عكرمة فقط مات سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة انتهى (ح) اعلم أنه إذا كان للحديث إسنادان أو أكثر كتبوا عند الإنتقال من إسناد إلى إسناد ح وهي حاء مهملة مفردة والمختار أنها مأخوذة من التحول لتحوله من إسناد إلى إسناد وأنه يقول القارئ إذا انتهى إليها ح ويستمر في قراءة ما بعدها وقيل إنها من حال الشئ يحول إذا حجز لكونها حالت بين الإسنادين وأنه لا
[ 19 ]
يلفظ عند الإنتهاء إليها بشئ وليست من الرواية وقيل إنها رمز إلى قوله الحديث وأن أهل المغرب كلهم يقولون إذا وصلوا إليها الحديث قاله النووي (قال ونا هناد) أي قال أبو عيسى الترمذي وحدثنا هناد وهو ابن السرى بن مصعب الحافظ القدوة الزاهد شيخ الكوفة أبو السرى التميمي الدارمي روى عن أبي الأحوص سلام وشريك بن عبد الله وإسماعيل بن عياش وطبقتهم وعنه الجماعة سوى البخاري وخلق سئل أحمد بن حنبل عمن يكتب بالكوفة قال عليكم بهناد قال قتيبة ما رأيت وكيعا يعظم أحدا تعظيمه هناد ثم يسأله عن الأهل وقال النسائي ثقة توفي سنة 243 ثلاث وأربعين ومائتين عن إحدى وتسعين سنة وما تزوج قط ولا تسرى وكان يقال له راهب الكوفة وله مصنف كبير في الزهد كذا في تذكرة الحفاظ تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه ربما تجد في كتب الصحاح وغيرها أنهم يبدؤن السند من الأول أي الأعلى بالعنعنة ثم في الأسفل بالإخبار والتحديث لأن التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين فاحتاج المحدثون إلى التصريح بالسماع انتهى قلت قوله التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين مبني على غفلته عن أسماء الرجال فقد كان التدليس في السلف وكان كثير من التابعين وأتباعهم مدلسين وهذا أمر جلي عند من طالع كتب أسماء الرجال والكتب المؤلفة في المدلسين ومن التابعين الذين كانوا موصوفين بالتدليس معروفين به قتادة وأبو الزبير المكي وحميد الطويل وعمرو بن عبد الله السبيعي والزهري والحسن البصري وحبيب بن أبي ثابت الكوفي وابن جريج المكي وسليمان التيمي وسليمان بن مهران الأعمش ومحمد بن عجلان المدني وعبد الملك بن عمير القبطي الكوفي وعطية بن سعيد العوفي وغيرهم فهؤلاء كلهم من التابعين موصفون بالتدليس فقول هذا القائل التدليس لم يكن في السلف وحدث في المتأخرين باطل بلا مرية بل الأمر بالعكس قال الفاضل اللكنوي في ظفر الأماني ص 213 قال الحلبي في التبيين التدليس بعد سنة ثلاثمائة يقل جدا قال الحاكم لا أعرف في المتأخرين يذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي انتهى تنبيه آخر وقال هذا القائل قال شعبة إن التدليس حرام والمدلس ساقط العدالة ومن ثم قالوا السند الذي فيه شعبة برئ من التدليس وإن كان بالعنعنة انتهى قلت لم يقل أحد من أئمة الحديث أن السند الذي فيه شعبة برئ من التدليس بل قالوا إن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم صرح به الحافظ في الفتح وقال البيهقي في المعرفة روينا عن شعبة قال كنت أتفقد قتادة فإذا قال ثنا وسمعت حفظته وإذا
[ 20 ]
قال حدث فلان تركته وقال روينا عن شعبة أنه قال كفتكم تدليس ثلاثة الأعمش وأبي إسحاق وقتادة قال الحافظ في كتابه تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس بعد ذكر كلام البيهقي هذا ما لفظه فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة أنها إذا جاءت من طريق أشعبة دلت على السماع ولو كانت معنعنة انتهى وأما القول بأن السند الذي فيه شعبة برئ من التدليس فلم يقل بهذا الإطلاق أحد فتفكر (نا وكيع) هو ابن الجراح بن مليح الرواسي الكوفي محدث العراق ولد سنة تسع وعشرين ومائة سمع هشام بن عروة والأعمش وابن عون وابن جريج وسفيان وخلائق وعنه ابن المبارك مع تقدمه وأحمد وابن المديني ويحيى وإسحاق وزهير يونس بن أبي وأمم سواهم وكان أبوه على بيت المال وأراد الرشيد أن يولي وكيعا قضاء الكوفة فامتنع وقال أحمد ما رأيت أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع توفى سنة 197 سبع وتسعين ومائة يوم عاشوراء كذا في تذكرة الحفاظ وقال الحافظ في التقريب ثقة حافظ تنبيه قال بعض الحنفية إن وكيع بن الجراح كان يفتي بقول أبي حنيفة وكان قد سمع منه شيئا كثيرا انتهى وزعم بعضهم أنه كان حنفيا يفتى بقول أبي حنيفة ويقلده قلت القول بأن وكيعا كان حنفيا يقلد أبا حنيفة باطل جدا ألا ترى أن الترمذي قال في جامعه هذا في باب إشعاء البدن سمعت يوسف بن عيسى يقول سمعت وكيعا يقول حين روى هذا الحديث (يعني حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قلد النعلين وأشعر الهدى) فقال لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في الإشعار فإن الإشعار سنة وقولهم بدعة وسمعت أبا السائب يقول كنا عند وكيع فقال رجل ممن ينظر في الرأي أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول أبو حنيفة هو مثلة قال الرجل فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال الإشعار مثله قال فرأيت وكيعا غضب غضبا شديدا وقال أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول قال إبراهيم ما أحقك بأن تحبس ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا انتهى فقول وكيع هذا من أوله إلى آخره ينادي بأعلى نداء أنه لم يكن مقلدا لأبي حنيفة ولا لغير بل كان متبعا للسنة منكرا أشد الإنكار على من يخالف السنة وعلى من يذكر عنده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيذكر هو قول أحد من الناس مخالفا لقوله صلى الله عليه وسلم وأما من قال إن وكيعا كان يفتي بقول أبي حنيفة فليس مراده أنه كان يفتي بقوله في جميع المسائل بل مراده أنه كان يفتي بقوله في بعض المسائل ثم لم يكن إفتاؤه في بعضها تقليدا لابي حنفية بل كان اجتهاد منه فوافق قوله فظن أنه كان يفتي بقوله والدليل على هذا كله قول وكيع المذكور ثم الظاهر أن المسألة التي يفتي فيها وكيع بقول أبي حنيفة هي شرب نبيذ الكوفيين قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ في ترجمته ما فيه إلا شربه لنبيذ الكوفيين وملازمته له جاء ذلك من غير وجه عنه انتهى
[ 21 ]
(عن إسرائيل هو ابن) يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي قال أحمد ثبت وقال أبو حاتم صدوق من أتقن أصحاب إسحاق قال الحافظ في التقريب ثقة تكلم فيه بلا حجة (عن مصعب بن سعد) ابن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من أوساط التابعين أرسل عن عكرمة بن أبي جهل مات سنة 301 ثلاث ومائة (عن ابن عمر) هو عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي أبو عبد الرحمن ولد بعد المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة وهو أحد المكثرين من الصحابة والعبادلة وكان من أشد الناس اتباعا للأثر مات سنة 37 ثلاث وسبعين في آخرها أو أول التي تليها كذا في التقريب قوله (لا تقبل صلاة بغير طهور) بضم الطاء والمراد به ما هو أعم من الوضوء والغسل قال النووي قال جمهور أهل اللغة يقال الطهور والوضوء بضم أولهما إذا أريد به الفعل الذي هو المصدر ويقال الطهور والوضوء بفتح أولهما إذا أريد به الماء الذي يتطهر به هكذا نقله ابن الأنباري وجماعات من أهل اللغة وغيرهم عن أكثر أهل اللغة وذهب الخليل والأصمعي وأبو حاتم السجستاني وجماعة إلى أنه بالفتح فيهما انتهى والمراد بالقبول هنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الإتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال لأن الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين كذا في فتح الباري والحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة وأجمعت على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة والحديث دليل على وجوب الطهارة لصلاة الجنازة أيضا لأنها صلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم من صلى على الجنازة وقال صلوا على صاحبكم وقال صلوا على النجاشي قال الإمام البخاري سماها صلاة وليس فيها ركوع ولا سجود ولا يتكلم فيها وفيها تكبير وتسليم وكان ابن عمر لا يصلي عليها إلا طاهرا انتهى قال الحافظ ونقل ابن عبد البر الإتفاق على اشتراط الطهارة لها يعني لصلاة الجنازة إلا عن الشعبي قال ووافقه إبراهيم بن علية ونقل غيره أن ابن جرير الطبري وافقهما على ذلك وهو مذهب شاذ انتهى كلام الحافظ
[ 22 ]
قلت والحق أن الطهارة شرط في صحة صلاة الجنازة ولا التفات إلى ما نقل عن الشعبي وغيره فائدة قال البخاري في صحيحه إذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم انتهى قال الحافظ في الفتح وقد ذهب جمع من السلف إلى أنه يجزئ لها التيمم لمن خاف فواتها يعني فوات صلاة الجنازة لو تشاغل بالوضوء وحكاه ابن المنذر عن عطاء وسالم والزهرى والنخعي وربيعة والليث والكوفيين وهي رواية عن أحمد وفيه حديث مرفوع عن ابن عباس رواه ابن عدي وإسناده ضعيف انتهى (ولا صدقة من غلول) بضم الغين والغلول الخيانة وأصله السرقة من مال الغنيمة قبل القسمة قاله النووي وقال القاضي أبو بكر بن العربي الغلول الخيانة خفيفة فالصدقة من مال حرام في عدم القبول واستحقاق العقاب كالصلاة بغير طهور في ذلك انتهى قوله (قال هناد في حديثه إلا بطهور) أي مكان بغير طهور ومقصود الترمذي بهذا إظهار الفرق بين حديث قتيبة وحديث هناد فيقال قتيبة في حديثه لا تقبل صلاة بغير طهور وقال هناد في حديثه لا تقبل صلاة إلا بطهور قوله (هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن) والحديث وأخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى ورواه الطبراني في الأوسط بلفظ لا صلاة لمن لا طهور له (وفي الباب عن أبي المليح عن أبيه وأبي هريرة وأنس) أما حديث أبي المليح عن أبيه فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه ولفظه لا يقبل الله صدقه من غلول ولا صلاة بغير طهور والحديث سكت عند أبو داود ثم المنذري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان بلفظ لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ الحديث وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه بلفظ لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول قال الحافظ في التلخيص وفي الباب عن والد أبي المليح وأبي هريرة وأنس وأبي بكرة وأبي بكر الصديق والزبير بن العوام وأبي سعيد الخدري وغيرهم وقد أوضحت طرقه وألفاظه في الكلام على أوائل الترمذي انتهى قلت وفي الباب أيضا عن عمران بن حصين وأبي سبرة وأبي الدرداء وعبد الله بن مسعود ورباح بن حويطب عن جدته وسعد بن عمارة ذكر حديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد في باب فرض الوضوء مع الكلام عليها فمن شاء الوقوف عليها فليرجع إليه
[ 23 ]
تنبيهان الأول أن قول الترمذي هذا الحديث يعني حديث ابن عمر أصح شئ في هذا الباب فيه نظر بل أصح شئ في هذا الباب هو حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي وذكرنا لفظه فإنه متفق عليه الثاني قد جرت عادة الترمذي في هذا الجامع أنه يقول بعد ذكر أحاديث الأبواب وفي الباب عن فلان وفلان فإنه لا يريد ذلك الحديث بعينه بل يريد أحاديث أخر يصح أن تكتب في الباب قال الحافظ العراقي وهو عمل صحيح إلا أن كثيرا من الناس يفهمون من ذلك أن من سمى ممن الصحابة يروون ذلك الحديث بعينه وليس كذلك بل قد يكون كذلك وقد يكون حديثا آخر يصح إيراده في ذلك الباب وقد تقدم ما يتعلق به في المقدمة فتذكر قوله (وأبو المليح) بفتح الميم وكسر اللام (بن أسامة اسمه عامر) قال الحافظ في التقريب أبو المليح بن أسامة بن عمير أو عامر بن حنيف بن ناجية الهذلي اسمه عامر وقيل زيد وقيل زياد ثقة من الثالثة قوله باب ما جاء في فضل الطهور بضم الطاء وقد تقدم قول أكثر أهل اللغة أنه يقال الطهور بالضم إذا أريد به الفعل ويقال بالفتح إذا أريد به الماء والمراد هنا الفعل 2 - قوله حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري) الخطمي المديني الفقيه الحافظ الثبت أبو موسى قاضي نيسابور سمع سفيان بن عيينة وعبد السلام بن حرب ومعن بن عيسى وكان من أئمة الحديث صاحب سنة ذكره أبو حاتم فأطنب في الثناء عليه وقال النسائي ثقة حدث عنه مسلم والترمذي والنسائي وآخرون قيل إنه توفي بجوسية بليدة من أعمال حمص في سنة أربع وأربعين ومائتين كذا في تذكرة الحفاظ وقال في التقريب ثقة متقن فائدة قال الحافظ الذهبي في الميزان إذا قال الترمذي ابن الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري انتهى قلت الأمر كما قال الذهبي لكن يقول الترمذي الأنصاري لا ابن الأنصاري كما قال في باب ماء البحر أنه طهور حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري قال
[ 24 ]
حدثنا معن إلخ وكما قال في باب التغليس بالفجر حدثنا قتيبة عن مالك بن أنس ح قال ونا الأنصاري نا معن إلخ ئم قال قال الأنصاري فمر النساء متلففات بمروطهن إلخ فالحاصل أن الترمذي إذا قال في شيوخه الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري لا غير فاحفظ فإنه نافع تنبيه قد غفل صاحب الطيب الشذي عما ذكرنا انفا من أن الترمذي إذا يقول الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري فلذلك قد وقع في مغلطة عظيمة وهي أنه قال في باب ماء البحر أنه طهور ما لفظه قوله الأنصاري هو يحيى بن سعيد الأنصاري كما يظهر من تصريح الحافظ في التلخيص كما سيأتي في تصحيح الحديث انتهى قلت العجب أنه من هذه الغفلة الشديدة كيف جوز أن الأنصاري هذا هو يحيى بن سعيد الأنصاري والأنصاري هذا هو شيخ الترمذي فإنه قال حدثنا الأنصاري ويحيى ابن سعيد الأنصاري من صغار التابعين فبين الترمذي وبينه مفاوز تنقطع فيها أعناق المطايا فهل يمكن أن يقول الترمذي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري كلا ثم كلا ثم العجب على العجب أنه قال كما يظهر من تصريح الحافظ في التلخيص ولم يصرح الحافظ في التلخيص أو الأنصاري هذا يحيى بن سعيد الأنصاري ولا يظهر هذا من كلامه البتة وقد وقع هو في هذا في مغلطة أخرى والأصل أن الرجل إذا تكلم في غير فنه يأتي بمثل هذه العجائب (نا معن بن عيسى) أبو يحي المدني القزاز الأشجعي مولاهم أخذ عن ابن أبي ذئب ومعاوية بن صالح ومالك وطبقتهم روى عنه ابن أبي خيثمة وهارون الجمال وخلق قال أبو حاتم هو أحب إلى من ابن وهب وهو أثبت أصحاب مالك توفي في شوال سنة 198 ثمان وتسعين ومائة كذا في تذكرة الحفاظ وقال في التقريب ثقة ثبت (نا مالك بن أنس) هو مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني إمام دار الهجرة رأس المتقنين وكبير المثبتين تقدم ترجمته في المقدمة (عن سهيل بن أبي صالح) المدني صدوق تغير حفظه بآخره روى له البخاري مقرونا وتعليقا من السادسة مات في خلافة المنصور كذا في التقريب قلت قال الذهبي في الميزان وقال غيره أي ابن معين إنما أخذ عنه مالك قبل التغير وقال الحاكم روى له مسلم الكثير وأكثرها في الشواهد انتهى (عن أبيه) أي أبي صالح واسمه ذكوان كما صرح به الترمذي في هذا الباب قال الحافظ في التقريب ذكوان أبو صالح السمان الزيات المدني ثقة ثبت وكان يجلب الزيت إلى الكوفة من الثالثة مات سنة 101 إحدى ومائة تنبيه اعلم أن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان وهذا ظاهر لمن
[ 25 ]
له أدنى مناسبة بفن الحديث وقد صرح به الترمذي في هذا الباب وقد وقع صاحب الطيب الشذى ههنا في مغلطة عظيمة فظن أن أبا صالح والد سهيل هذا هو أبو صالح الذي اسمه مينا حيث قال قوله عن أبيه مولى ضباعة لين الحديث من الثالثة واسمه مينا بكسر الميم انتهى والعجب كل العجب أنه كيف وقع في هذه المغلطة مع أن الترمذي قد صرح في هذا الباب بأن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان واسمه ذكوان ثم قد حكم الترمذي بأن هذا الحديث حسن صحيح فكيف ظن أن أبا صالح والد سهيل هو أبو صالح الذي اسمه مينا وهو لين الحديث قوله (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن) هذا شك من الراوي وكذا قوله مع الماء أو مع قطر الماء قاله النووي وغيره (فغسل وجهه) عطف على توضأ عطف تفسير أو المراد إذا أراد الوضوء وهو الأوجه (خرجت من وجهه) جواب إذا (كل خطيئة نظر إليها) أي إلى الخطيئة يعني إلى سببها إطلاقا لاسم المسبب على السبب مبالغة (بعينيه) قال الطيبي تأكيد (مع الماء) أي مع انفصاله (أو مع آخر قطر الماء أو نحو هذا) قيل أو لشك الراوي وقيل لأحد الأمرين والقطر إجراء الماء وإنزال قطره كذا في المرقاة قلت أو ههنا للشك لا لأحد الأمرين يدل عليه قوله أو نحو هذا قال القاضي المراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي قوله خرجت الخطايا يعني غفرت لأن الخطايا هي أفعال وأعراض لا تبقى فكيف توصف بدخول أو بخروج ولكن البارئ لما أوقف المغفرة على الطهارة الكاملة في العضو ضرب لذلك مثلا بالخروج انتهى قال السيوطي في قوت المغتدي بعد نقل كلام ابن العربي هذا ما لفظه بل الظاهر حمله على الحقيقة وذلك أن الخطايا تورث في الباطن والظاهر سوادا يطلع عليه أرباب الأحوال والمكاشفات والطهارة تزيله وشاهد ذلك ما أخرجه المصنف والنسائي وابن ماجه والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أذنب ذنبا نكتت في قلبه نكتة فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن عاد زادت حتى تعلو قلبه وذلك الران الذي ذكره الله في القران كلا بل ران على قلوبهم ما كانو يكسبون وأخرج أحمد وابن خزيمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج وإنما خطايا المشركين قال السيوطي فإذا أثرت الخطايا أثرت الخطايا في الحجر ففي جسد فاعلها أولى فإما أن يقدر خرج من وجهه أثر خطيئه أو السواد الذي أحدثته وإما أن يقال إن الخطيئة
[ 26 ]
نفسها تتعلق بالبدن على أنها جسم لا عرض بناء على إثبات عالم المثال وأن كل ما هو في هذا العالم عرض له صورة في عالم المثال ولهذا صح عرض الأعراض على آدم عليه السلام ثم الملائكة وقيل لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء وإلا فكيف يتصور عرض الأعراض لو لم يكن لها صورة تشخص بها قال وقد حققت ذلك في تأليف مستقل وأشرت إليه في حاشيتي التي علقتها على تفسير البيضاوي ومن شواهده في الخطايا ما أخرجه البيهقي في سننه عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن العبد إذا قام يصلي أتى بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقه فكلما اركع وسجد تساقطت عنه وأخرج البزار والطبراني عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم يصلي وخطاياه مرفوعة على رأسه كلما سجد تحاتت عنه انتهى كلام السيوطي قلت لا شك في أن الظاهر هو حمله على الحقيقة وأما إثبات عالم المثال فعندي فيه نظر فتفكر قوله (بطشتها) أي أخذتها (حتى يخرج نقيا من الذنوب) قال ابن الملك أي حتى يفرغ المتوضئ من وضوئه طاهرا من الذنوب أي التي اكتسبها بهذه الأعضاء أو من جميع الذنوب من الصغائر وقيل حتى يخرج المتوضئ إلى الصلاة طاهرا من الذنوب قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي قوله حتى يخرج مترتب على تمام الوضوء لأن تقديره وهكذا باقي أعضاء الوضوء كما يفيد رواية مسلم فإذا غسل رجليه الحديث وروايات غيره انتهى قلت الأمر كما قال السندي فروى مالك والنسائي عن عبد الله الصنابحى مرفوعا إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت الخطايا من فيه وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه وإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من أظفار رجليه ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة له كذا في المشكاة قال الطيبي فإن قيل ذكر لكل عضو ما يخص به من الذنوب وما يزيلها عن ذلك والوجه مشتمل على العين والأنف والأذن فلم خصت العين بالذكر أجيب بأن العين طليعة القلب ورائده فإذا ذكرت أغنت عن سائرها انتهى قال ابن حجر المكي معترضا على الطيبي كون العين طليعة كما ذكره لا ينتج الجواب عن تخصيص خطيئتها بالمغفرة كما هو جلي
[ 27 ]
بل الذي يتجه في الجواب عن ذلك أن سبب التخصيص هو أن كلا من الفم والأنف والأذن له طهارة مخصوصة خارجة عن طهارة الوجه فكانت متكفلة بإخراج خطاياه بخلاف العين فإنه ليس لها طهارة إلا في غسل الوجه فخصت خطيئتها بالخروج عند غسله دون غيرها مما ذكر ذكره القاري في المرقاة ص 64 ج 2 انتهى قلت الأمر كما قال ابن حجر يدل عليه رواية مالك والنسائي المذكورة قال ابن العربي في العارضة الخطايا المحكوم بمغفرتها هي الصغائر دون الكبائر لقول النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس والجمعة كفارة لما بينهن ما أجتنبت الكبائر فإذا كانت الصلاة مقرونة بالوضوء لا تكفر الكبائر فانفراد الوضوء بالتقصير عن ذلك أحرى قال وهذا التكفير إنما هو للذنوب المتعلقة بحقوق الله سبحانه وأما المتعلقة بحقوق الآدميين فإنما يقع النظر فيها بالمقاصة مع الحسنات والسيئات قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم في صحيحه وتقدم في المقدمة حد الحسن والصحيح مفصلا قوله (وأبو صالح والد سهيل هو أبو صالح السمان) بشدة الميم أي بائع السمن وكان يجلب الزيت والسمن إلى الكوفة (واسمه ذكوان) المدني مولى جويرية الغطفانية شهد الدار وحصار عثمان وسأل سعد بن أبي وقاص وسمع أبا هريرة وعائشة وعدة من الصحابة وعند ابنه سهيل والأعمش وطائفة ذكره أحمد فقال ثقة من أجل الناس وأوثقهم قال الأعمش سمعت من أبي صالح ألف حديث توفي سنة إحدى ومائة قوله (وأبو هريرة اختلفوا في اسمه فقالوا عبد شمس وقالوا عبد الله بن عمرو وهكذا قال محمد بن إسماعيل وهذا الأصح) قال الحافظ ابن حجر في التقريب أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة اختلف في اسمه واسم أبيه قيل عبد الرحمن بن صخر وقيل ابن غنم إلى ذكر تسعة عشر قولا ثم قال هذا الذي وقفنا عليه من الاختلاف واختلف في أيها أرجح فذهب الأكثرون إلى الأول أي عبد الرحمن بن صخرو ذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر انتهى وفي المرقاة شرح المشكاة قال الحاكم أبو أحمد أصح شئ عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر وغلبت عليه كنيته فهو كمن لا اسم له أسلم عام خيبر وشهدها مع النبي صلى الله عليه وسلم
[ 28 ]
ثم لزمه وواظب عليه راغبا في العلم راضيا بشبع بطنه وكان يدور معه حيث ما دار وقال البخاري روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل فمنهم ابن عباس وابن عمرو وجابر وأنس قيل سبب تلقيبه بذلك ما رواه ابن عبد البر عنه أنه قال كنت أحمل يوما هرة في كمي فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما هذه فقلت هرة فقال يا أبا هريرة انتهى ما في المرقاة وذكر الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ أنه قال كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنما فوجدت أولاد هرة وحشية فلما أبصرهن وسمع أصواتهن أخبرته فقال أنت أبو هر وكان اسمي عبد شمس انتهى قلت روى الترمذي في هذا الكتاب في مناقب أبي هريرة بسند عن عبد الله بن أبي رافع قال قلت لأبي هريرة لم كنيت أبا هريرة قال أما تفرق مني قلت بلى والله إني لأهابك قال كنت أرعى غنم أهلي وكانت لي هريرة صغيرة فكنت أضعها بالليل في شجرة فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة هذا حديث حسن غريب فائدة اختلف في صرف أبي هريرة ومنعه قال القاري في المرقاة جر هريرة هو الأصل وصوبه جماعة لأنه جزء علم واختار آخرون منع صرفه كما هو الشائع على ألسنة العلماء من المحدثين وغيرهم لأن الكل صار كالكلمة الواحدة انتهى قلت وقد صرح غير واحد من أهل العلم أن منعه من الصرف هو الجاري على ألسنة أهل الحديث فالراجح هو منعه من الصرف وكان هو الجاري على ألسنة جميع شيوخنا غفر الله لهم وأدخلهم جنة الفردوس الأعلى ويؤيد منع صرفه منع صرف ابن داية علما للغراب قال قيس بن ملوح المجنون أقول وقد صاح ابن داية غدوة ببعد النوى لا أخطأتك الشبائك قال القاضي البيضاوي في تفسيره المسمى بأنوار التنزيل في تفسير قوله تعالى شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن رمضان مصدر رمض إذا احترق فأضيف إليه الشهر وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية والألف والنون كما منع داية في ابن داية علما للغراب للعلمية والتانيث انتهى فائدة قد تفوه بعض الفقهاء الحنفية بأن أبا هريرة لم يكن فقيها وقولهم هذا باطل مردود عليهم وقد صرح أجلة العلماء الحنفية بأن رضي الله عنه كان فقيها قال صاحب السعاية شرح شرح الوقاية وهو من العلماء الحنفية ردا على من قال منهم أن أبا هريرة كان غير فقيه ما لفظه كون أبي هريرة غير فقيه غير صحيح بل الصحيح أنه من الفقهاء الذي كانوا يفتون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كما صرح به ابن الهمام في تحرير الأصول وابن حجر في الإصابة في أحوال الصحابة انتهى وفي بعض حواشي نور الأنوار أن أبا هريرة كان فقيها صرح به ابن الهمام في التحرير
[ 29 ]
كيف وهو لا يعمل بفتوى غيره وكان يفتي بزمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وكان يعارض أجلة الصحابة كابن عباس فإنه قال إن عدة الحامل المتوفى عنها زوجها أبعد الأجلين فرده أبو هريرة وأفتى بأن عدتها وضع الحمل كذا قيل انتهى قلت كان أبو هريرة رضي الله عنه من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى قال الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ أبو هريرة الدوسي اليماني الحافظ الفقيه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من أوعية العلم ومن كبار أئمة الفتوى مع الجلالة والعبادة والتواضع انتهى وقال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين ثم قام بالفتوى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم برك الاسلام وعصابة الايمان وعسكر القرآن وجند الرحمن أولئك أصحابه صلى الله عليه وسلم وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط وكان المكثرون منهم سبعة عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة أم المؤمنين وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر والمتوسطون منهم فيما روى عنهم من الفتيا أبو بكر الصديق وأم سلمة وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة إلخ فلا شك في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان فقيها من فقهاء الصحابة ومن كبار أئمة الفتوى فإن قيل قد قال إبراهيم النخعي أيضا إن أبا هريرة لم يكن فقيها والنخعي من فقهاء التابعين قلت قد نقم على إبراهيم النخعي لقوله إن أبا هريرة لم يكن فقيها قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمته وكان لا يحكم العربية ربما لحن ونقموا عليه قوله لم يكن أبو هريرة فقيها انتهى عبرة قال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي في بحث حديث المصراة المروي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما قال بعضهم هذا الحديث لا يقبل لأنه يرويه أبو هريرة وابن عمر ولم يكونا فقيهين وإنما كانا صالحين فروايتهما إنما تقبل في المواعظ لا في الأحكام وهذه جرأة على الله واستهزاء في الدين عند ذهاب حملته وفقد نصرته ومن أفقه من أبي هريرة وابن عمر ومن أحفظ منهما خصوصا من أبي هريرة وقد بسط رداءه وجمعه النبي صلى الله عليه وسلم وضمه إلى صدره فما نسي شيئا أبدا ونسأل الله المعافاة من مذهب لا يثبت إلا بالطعن على الصحابة رضي الله عنهم ولقد كنت في جامع المنصور من مدينة السلام في مجلس علي بن محمد الدامغاني قاضي القضاة فأخبرني به بعض أصحابنا وقد جرى ذكر هذه المسألة أنه تكلم فيها بعضهم يوما وذكر هذا الطعن في أبي هريرة فسقط من السقف حية عظيمة في وسط المسجد فأخذت في سمت المتكلم بالطعن ونفر الناس وارتفعوا وأخذت الحية تحت السواري فلم يدر أين ذهبت فارعوى من بعد ذلك من الترسل في هذا القدح انتهى
[ 30 ]
قوله (وفي الباب عن عثمان وثوبان والصنابحى وعمر وبن عبسة وسلمان وعبد الله بن عمرو) أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان بلفظ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره وأما حديث ثوبان فأخرجه مالك وأحمد وابن ماجه والدارمي وأما حديث الصنابحي فأخرجه مالك والنسائي وابن ماجه والحاكم وقال صحيح على شرطهما ولا علة له والصنابحي صحابي مشهور كذا في الترغيب للمنذري وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه مسلم وأما حديث سلمان فأخرجه البيهقي في شعب الايمان بلفظ إذا توضأ العبد تحاتت عنه ذنوبه كما تحات ورق هذه الشجرة وأما حديث عبد الله بن عمرو فلم أقف عليه وفي الباب عن عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سوى المذكورين ذكر أحاديثهم المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع الزوائذ قوله (والصنابحي هذا الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الطهور هو عبد الله الصنابحي) هذه العبارة ليست في النسخ المطبوعة إنما هي في بعض النسخ القلمية الصحيحة وحديث عبد الله الصنابحي هذا أخرجه مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فمضمض خرجت خطاياه من فيه الحديث قال الحافظ ابن عبد البر قد اختلف على عطاء فيه قال بعضهم عن عبد الله الصنابحي وقال بعضهم عن أبي عبد الله الصنابحي وهو الصحيح كذا في المحلى وقال البخاري وهم مالك في قوله عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله كذا في إسعاف المبطأ (والصنابحي الذي روى عن أبي بكر الصديق ليس له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ويكنى أبا عبد الله) قال الحافظ في التقريب عبد الرحمن بن عسيلة بمهملة مصغرا المرادي أبو عبد الله الصنابحي ثقة من كبار التابعين قدم المدينة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أيام مات في خلافة عبد الملك انتهى (رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق) روى البخاري في صحيحه عن أبي الخير عن الصنابحي أنه قال متى هاجرت قال خرجنا من اليمن مهاجرين فقدمنا الجحفة فأقبل راكب فقلت له الخبر الخبر
[ 31 ]
فقال دفنا النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمس قلت هل سمعت في ليلة القدر شيئا قال أخبرني بلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في السبع في العشر الأواخر (والصنابح بن الأعسر الأحمسي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له الصنابحي أيضا) قال الحافظ في التقريب الصنابح بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة ابن الأعسر الأحمسي صحابي سكن الكوفة ومن قال فيه الصنابحي فقد وهم انتهى (وإنما حديثه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني مكاثر بكم الأمم) قال في مجمع البحار كاثرته أي غلبته وكنت أكثر منه يعني إني أباهي بأكثرية أمتي على الأمم السالفة فلا تقتتلن بعدي بصيغة النهي المؤكد بنون التأكيد من الاقتتال قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي فإن قلت ما وجه تترتب قوله لا تقتتلن بعدي على المكاثرة قلت وجهه أن الاقتتال موجب لقطع النسل إذا لا تناسل من الأموات فيؤدي إلى قلة الأمة فينافي المطلوب فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه فإن قلت المقتول ميت بأجله فلا وجه لقطع النسل بسبب الاقتتال قلت إما أن يقال إن الإقدام على الاقتتال مفض بقطع النسل فالنسل باعتبار فعلهم الاختياري أو يقال يكون لهم أجلان أجل على تقدير الاقتتال وأجل بدونه ويكون الثاني أطول من الأول وبالاقتتال يقصر الأجل فتقل الأمة وهذه يرد عليه أن عند الله لا يكون إلا أجل واحد انتهى كلام أبي الطيب وحديث الصنابحي هذا أخرجه أحمد في مسنده ص 153 ج 4 بألفاظ تنبيه أعلم أنه يفهم من كلام الترمذي المذكور أمران أحدهما أن عبد الله الصنابحي الذي روى في فضل الطهور صحابي والثاني أن عبد الله الصنابحي هذا غير الصنابحي الذي اسمه عبد الرحمن بن عسيلة وكنيته أبو عبد الله لكنه ليس هذان الأمران متفقا عليهما بل في كل منهما اختلاف قال الحافظ في التقريب عبد الله الصنابحي مختلف في وجوده فيقل صحابي مدني وقيل هو أبو عبد الله الصنابحي عبد الرحمن بن عسيلة وقال ابن أبي حاتم في مراسيله عبد الله الصنابحي هم ثلاثة فالذي يروي عنه عطاء بن يسار هو عبد الله الصنابحي ولم تصح صحبته انتهى وقال السيوطي في إسعاف المبطأ عبد الله الصنابحي ويقال أبو عبد الله مختلف في صحبته روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعبادة بن الصامت وعنه عطاء بن يسار وقال البخاري وهم مالك في قوله عبد الله الصنابحي وإنما هو أبو عبد الله واسمه عبد الرحمن بن عسيلة ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكذا قال غير واحد وقال يحيى بن معين عبد الله الصنابحي يروي عنه المدنيون يشبه أن تكون له صحبة انتهى قوله باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور بضم الطاء المهملة
[ 32 ]
قوله (حدثنا هناد وقتيبة) تقدم ترجمتهما (ومحمود بن غيلان) العدوي مولاهم المروزي أبو أحمد أحد أئمة الأثر حدث عن سفيان بن عيينة والفضل بن موسى السيناني والوليد بن مسلم وأبي عوانة ووكيع وخلق وعنه الجماعة سوى أبي داود قال أحمد بن حنبل أعرف بالحديث صاحب سنة وقال النسائي ثقة كذا في تذكرة الحفاظ توفي سنة 239 تسع وثلاثين ومائتين (قالوا نا وكيع) تقدم (عن سفيان) هو الثوري وهو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد الله الكوفي ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة من رؤوس الطبقة السابعة وكان ربما دلس مات سنة 161 إحدى وستين ومائة ومولده سنة 77 سبع وسبعين كذا في التقريب والخلاصة قلت قال الحافظ في طبقات المدلسين وهم أي المدلسون على مراتب الأولى من لم يوصف بذلك إلا نادرا كيحيى بين سعيد الأنصاري الثانية من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روي كالثوري أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة انتهى (وثنا بن بشار) لقبه بندار بضم الموحدة وسكون النون قال الذهبي في تذكرة الحفاظ بندار الحافظ الكبير الإمام محمد بن عثمان العبدي البصري النساج كان عالما بحديث البصرة متقنا مجودا لم يرحل برا بأمه ثم ارتحل بعدها سمع معتمر بن سليمان وغندرا ويحيى بن سعيد وطبقتهم حدث عنه الجماعة وخلق كثير قال أبو حاتم صدوق وقال العجلي ثقة كثير الحديث حائك قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد له حدثنا إمام أهل زمانه في العلم والأخبار محمد بن بشار قال الذهبي لا عبرة بقول من ضعفه توفي سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين انتهى وقال رجى في الخلاصة قال النسائي لا بأس به وقال الذهبي انعقد الإجماع بعد على الإحتجاج ببندار انتهى ما في الخلاصة (نا عبد الرحمن) بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ العلم عن عمر بن ذر وعكرمة بن عمار وشعبة والثوري ومالك وخلق وعنه ابن المبارك وابن وهب أكبر منه وأحمد وابن معين قال ابن المديني أعلم الناس بالحديث ابن مهدي وقال أبو حاتم إمام ثقة أثبت من القطان وأتقن من وكيع وقال أحمد إذا حدث ابن مهدي عن رجل فهو حجة وقال القواريري أملى علينا ابن مهدي عشرين ألفا من حفظه قال ابن سعد مات سنة 891 ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاث وستين سنة وكان يحج كل سنة كذا في الخلاصة (عن عبد الله بن محمد بن عقيل) بفتح العين ابن أبي طالب الهاشمي أبي محمد المدني عن أبيه وخاله محمد بن الحنفية وعنه ابن عجلان والسفيانان وسيجئ كلام أئمة الحديث فيه (عن محمد بن الحنفية) هو محمد بن
[ 33 ]
علي ابن أبي طالب الهاشمي أبو محمد الإمام المعروف بابن الحنفية أمه خولة بنت جعفر الحنفية نسب إليها روى عن أبيه وعثمان وغيرهما وعنه بنوه إبراهيم وعبد الله والحسن وعمرو ابن دينار وخلق قال إبراهيم بن الجنيد لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنيفة مات سنة ثمانين كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة عالم من الثانية مات بعد الثمانين قوله مفتاح الصلاة الطهور بالضم ويفتح والمراد به المصدر وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحا مجاز لأن الحدث مانع من الصلاة فالحدث كالقفل موضوع على المحدث حتى إذا توضأ انحل الغلق وهذه استعارة بديعة لا يقدر عليها إلا النبوة وكذلك مفتاح الجنة الصلاة لأن أبواب الجنة مغلقة يفتحها الطاعات وركن الطاعات الصلاة قاله ابن العربي وتحريمها التكبير قال المظهري سمى الدخول في الصلاة تحريما لأنه يحرم الأكل والشرب وغيرهما على المصلي فلا يجوز الدخول في الصلاة إلا بالتكبير مقارنا به النية انتهى قال القاري وهو ركن عند الشافعي وشرط عندنا ثم المراد بالتكبير المذكور في الحديث وفي قوله تعالى وربك فكبر هو التعظيم وهو أعم من خصوص الله أكبر وغيره مما أفاده التعظيم والثابت ببعض الأخبار اللفظ المخصوص فيجب العمل به حتى يكره لمن يحسنه تركه كما قلنا في القراءة مع الفاتحة وفي الركوع والسجود مع التعديل كذا في الكافي قال ابن الهمام وهذا يفيد وجوبه ظاهرا وهو مقتضى المواظبة التي لم تقترن بترك فينبغي أن يعول على هذا انتهى ما في المرقاة قال ابن العربي قوله تحريمها التكبير يقتضي أن تكبيرة الإحرام جزء من أجزائها كالقيام والركوع والسجود خلافا لسعيد والزهري فإنهما يقولان إن الإحرام يكون بالنية وقوله التكبير يقتضي اختصاص إحرام الصلاة بالتكبير دون غيره من صفات تعظيم الله تعالى وجلاله وهو تخصيص لعموم قوله وذكر اسم ربه فصلى فخص التكبير بالسنة من الذكر المطلق في القرآن لا سيما وقد اتصل في ذلك فعله بقوله فكان يكبر صلى الله عليه وسلم ويقول الله أكبر وقال أبو حنيفة يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لعموم القرآن وقد بينا أنه متعلق ضعيف وقال الشافعي يجوز بقولك الله الأكبر وقال أبو يوسف يجوز بقولك الله الكبير أما الشافعي فأشار إلى أن الألف واللام زيادة لم تخل باللفظ ولا بالمعنى وأما أبو يوسف فتعلق بأنه لم يخرج من اللفظ الذي هو التكبير قلنا لأبي يوسف إن كان لم يخرج عن اللفظ الذي هو في الحديث فقد خرج عن اللفظ الذي جاء به الفعل ففسر المطلق في القول وذلك لا يجوز في العبارات التي يتطرق إليها التعليل وبهذا يرد على الشافعي أيضا فإن العبادات إنما تفعل على الرسم الوارد دون نظر إلى شئ من المعنى قال قال علماؤنا قوله تحريمها التكبير يقتضي اختصاص التكبير بالصلاة دون غيره من اللفظ لأنه ذكره بالألف واللام الذي هو باب شأنه التعريف كالإضافة وحقيقة الألف واللام
[ 34 ]
إيجاب الحكم لما ذكر ونفيه عما لم يذكر وسلبه عنه وعبر عنه بعضهم بأنه الحصر قال وقوله تحليلها التسليم مثله في حصر الخروج عن الصلاة على التسليم دون غيره من سائر الأفعال المناقضة للصلاة خلافا لأبي حنيفة حيث يرى الخروج منها بكل فعل وقول يضاد كالحدث ونحوه حملا على السلام وقياسا عليه وهذا يقتضي إبطال الحصر انتهى كلام ابن العربي ملخصا قال لحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين المثال الخامس عشر رد المحكم الصريح من تعيين التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر وقوله تحريمها التكبير وقوله لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهي نصوص في غاية الصحة فردت بالمتشابه من قوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى انتهى وتحليلها التسليم التحليل جعل الشئ المحرم حلال وسمى التسليم به لتحليل ما كان حراما على المصلي لخروجه عن الصلاة وهو واجب قال ابن الملك إضافة التحريم والتحليل إلى الصلاة لملابسة بينهما وقال بعضهم أي سبب كون الصلاة محرمة ما ليس منها التكبير ومحللة التسليم أي إنها صارت بهما كذلك فهما مصدران مضافان إلى الفاعل كذا في المرقاة وقال الحافظ ابن الأثير في النهاية كأن المصلي بالتكبير والدخول في الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها فقيل للتكبير تحريم لمنعه المصلي من ذلك ولهذا سميت تكبيرة الإحرام أي الإحرام بالصلاة وقال قوله تحليلها التسليم أي صار المصلي بالتسليم يحل له ما حرم عليه بالتكبير من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها كما يحل للمحرم بالحج عند الفراغ منه ما كان حراما عليه انتهى قال الرافعي وقد روى محمد بن أسلم في مسنده هذا الحديث بلفظ وإحرامها التكبير وإحلالها التسليم قوله (هذا الحديث أصح شئ في هذا الباب وأحسن) هذا الحديث أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والبزار وأصحاب السنن إلا النسائي وصححه الحاكم وابن السكن من حديث عبد اللهبن محمد بن عقيلة عن ابن الحنفية عن علي قال البزار لا يعلم عن علي إلا من هذا الوجه وقال أبو نعيم تفرد به ابن عقيل عن ابن الحنفية عن علي وقال العقيلي في إسناده لين وهو أصلح من حديث جابر كذا في التلخيص وقال الزيلعي في نصب الراية قال النووي في الخلاصة هو حديث حسن انتهى (وعبد الله بن محمد بن عقيل هو صدوق وقد تكلم فيه بعض
[ 35 ]
أهل العلم من قبل حفظه) قال أبو حاتم وغيره لين الحديث وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقال ابن حبان ردئ الحفظ يجئ بالحديث على غير سننه فوجبت مجانبة أخباره وقال أبو أحمد الحاكم ليس بالمتين عندهم وقال أبو زرعة يختلف عنه في الأسانيد وقال الفسوى في حديثه ضعف وهو صدوق كذا في الميزان (وسمعت محمد ابن إسماعيل) يعني البخاري (يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد وهو مقارب الحديث) هذا من ألفاظ التعديل وتقدم تحقيقه في المقدمة قال الحافظ الذهبي في الميزان في ترجمة عبد الله بن محمد ابن عقيل بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين حديثه في مرتبة الحسن انتهى فالراجح المعول عليه هو أن حديث علي المذكور حسن يصلح للاحتجاج وفي الباب أحاديث أخرى كلها يشهد له قوله (وفي الباب عن جابر وأبي سعيد) أما حديث جابر فأخرجه أحمد والبزار والترمذي والطبراني من حديث سليمان بن قرم عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عنه وأبو يحيى القتات ضعيف وقال ابن عدي أحاديثه عندي حسان وقال ابن العربي حديث جابر أصح شئ في هذا الباب كذا قال وقد عكس ذلك العقيلي وهو أقعد منه بهذا الفن كذا في التلخيص وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الترمذي وابن ماجه وفي إسناده أبو سفيان طريف وهو ضعيف قال الترمذي حديث علي أجود إسنادا من هذا كذا في التلخيص قلت قد أخرج الترمذي حديث أبي سعيد في كتاب الصلاة في باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها وقال بعد إخراجه حديث علي بن أبي طالب أجود إسنادا وأصح من حديث أبي سعيد انتهى وفي الباب أيضا عن عبد الله بن زيد وابن عباس وغيرهما ذكر أحاديثهم الترمذي ابن حجر في التلخيص والحافظ الزيلعي في نصب الراية باب ما يقول إذا دخل الخلاء بفتح الخاء والمد أي موضع قضاء الحاجة سمى به لخلائه في
[ 36 ]
غير أوقات قضاء الحاجة وهو الكنيف والحش والمرفق والمرحاض أيضا وأصله المكان الخالي ثم كثر استعماله حتى تجوز به عن ذلك قاله العيني 5 - قوله (حدثنا قتيبة وهناد قالا نا وكيع) تقدم تراجم هؤلاء (عن شعبة) بن الحجاج ابن الورد العتكي مولاهم أبو بسطام الواسطي ثم البصري ثقة حافظ متقن كان الثوري يقول هو أمير المؤمنين في الحديث وهو أول من فتش بالعراق عن الرجال وذب عن السنة وكان عابدا كذا في التقريب وقال أحمد بن حنبل كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعني في الرجال وبصره بالحديث وقال الشافعي لولا شعبة لما عرف الحديث بالعراق ولد شعبة سنة 28 ثنتين وثمانين ومات 061 ستين ومائة كذا في تذكرة الحفاظ (عبد العزيز بن صهيب) البناني بنانة بن سعد بن لؤي بن غالب مولاهم البصري عن أنس وشهر وعنه شعبة والحمادان وثقه أحمد قال ابن قانع مات سنة 031 ثلاثين ومائة (عن أنس بن مالك) بن النضر الأنصاري الخزرجي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين صحابي مشهور مات سنة 039 29 اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وقد جاوز المائة قوله (إذا دخل الخلاء) أي موضع قضاء الحاجة وفي الأدب المفرد للبخاري من طريق سعيد بن زيد عن عبد العزيز عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء وأفادت هذه الرواية تبيين المراد من قوله إذا دخل الخلاء أي كان يقول هذا الذكر عند إرادة الدخول لا بعده قال الحافظ في الفتح الكلام ههنا في مقامين الأول هل يختص هذا الذكر بالأمكنة المعدة لذلك لكونها تحضرها الشياطين كما ورد في حديث زيد بن أرقم في السنن أو يشمل حتى لو بال في إناء مثلا في جانب البيت الأصح الثاني ما لم يشرع في قضاء الحاجة المقام الثاني متى يقول ذلك فمن يكره ذكر الله في تلك الحالة يفصل أما في الأمكنة المعدة لذلك فيقول قبيل دخولها وأما في غيرها فيقوله في أول الشروع كتشمير ثيابه مثلا وهذا مذهب الجمهور وقالوا في من نسي يستعيذ بقلبه لا بلسانه ومن يجيز مطلقا لا يحتاج إلى
[ 37 ]
تفصيل انتهى كلام الحافظ قلت القول الراجح المنصور هوما ذهب إليه الجمهور (قال اللهم إني أعوذ بك) أي ألوذ والتجئ قال ابن الأثير عذت به عوذا ومعاذا أي لجأت إليه والمعاذ المصدر والمكان الزمان (قال شعبة وقد قال) أي عبد العزيز (مرة أخرى أعوذ بالله) أي مكان اللهم إني أعوذ بك يعني قال عبد العزيز مرة اللهم إني أعوذ بك وقال مرة أخرى أعوذ بالله قال العيني في عمدة القاري وقد وقع في رواية وهب فليتعوذ بالله وهو يشمل كل ما يأتي به من أنواع الإستعاذة من قوله أعوذ بك أستعيذ بك أعوذ بالله أستعيذ بالله اللهم إني أعوذ بك ونحو ذلك من أشباه ذلك انتهى قلت والأولى أن يختار من أنواع الإستعاذة ما جاء في الحديث وقد ثبت زيادة بسم الله مع التعوذ فروى العمري حديث الباب بلفظ إذا دخلتم الخلاء فقولوا بسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث قال الحافظ في الفتح إسناده على شرط مسلم (من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث) قال الحافظ في فتح الباري وقع في رواية الترمذي وغيره أعوذ بالله من الخبث والخبيث أو الخبث والخبائث هكذا على الشك الأول بالإسكان مع الإفراد والثاني بالتحريك مع الجمع أي من الشئ المكروه ومن الشئ المذموم أو من ذكران الشياطين وإنائهم انتهى كلام الحافظ قلت وجاء في رواية صحيح البخاري وعامة الروايات اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث من غير شك قال الحافظ تحت هذه الرواية الخبث بضم المعجمة والموحدة كذا في الرواية وقال الخطابي أنه لا يجوز غيره وتعقب بأنه يجوز إسكان الموحدة كما في نظائره مما جاء على هذا الوجه ككتب وكتب قال النووي وقد صرح جماعة من أهل المعرفة بأن الباء هنا ساكنة منهم أبو عبيدة إلا أن يقال إن ترك التخفيف أولى لئلا يشبه بالمصدر والخبث جمع خبيث والخبائث جمع خبيثة يريد ذكر أن الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وابن حبان وغيرهما ووقع في نسخة ابن عساكر قال أبو عبد الله أي البخاري ويقال الخبث أي بإسكان الموحدة فإن كانت مخففة عن المحركة فقد تقدم توجيهه وإن كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال ابن الأعرابي المكروه قال فإن كان من الكلام فهو الشتم وإن كان من الملل فهو الكفر وإن كان من الطعام فهو الحرام وإن كان من الشراب فهو الضار وعلى هذا فالمراد بالخبائث المعاصي أو مطلق الأفعال المذمومة ليحصل التناسب ولهذا وقع في رواية الترمذي وغيره إلى آخر ما نقلت عباراته آنفا قوله (وفي الباب عن علي وزيد بن أرقم وجابر وابن مسعود) أما حديث علي فأخرجه الترمذي
[ 38 ]
وابن ماجه وأما حديث زيد بن أرقم فأخرجه أبو داود ابن ماجه وأما حديث جابر فلم أقف عليه وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الاسماعيلي في معجمه قال العيني بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الغائط قال أعوذ بالله من الخبث والخبائث قوله (وحديث أنس أصح شئ في هذا الباب وأحسن) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (وحديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب) يعني روى بعض رواته على وجه وبعضهم على وجه آخر مخالف له (روى هشام الدستوائي إلخ) هذا بيان الإضطراب والدستوائي منسوب إلى دستواء بفتح الدال كورة من الأهواز أو قرية كذا في المغني وتوضيح الإضطراب على ما في غاية المقصود للعلامة أبي الطيب غفر الله له أن هشاما وسعيد بن أبي عروبة وشعبة ومعمرا كلهم يروون عن قتادة على اختلاف بينهم فروى سعيد عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم وروى هشام عن قتادة عن زيد بن أرقم فبين قتادة وزيد بن أرقم واسطة القاسم في رواية سعيد وليست هي في رواية هشام وروى شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس ثم اختلف فروى شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم وروى معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فالإضطراب في موضعين الأول في شيخ قتادة ففي رواية سعيد أن قتادة يرويه عن القاسم عن زيد بن أرقم وفي رواية هشام أنه يرويه عن زيد بن أرقم وفي رواية شعبة أنه يرويه عن النضر بن أنس عن زيد بن أرقم والثاني في شيخ النضر بن أنس ففي رواية شعبة أن النضر يرويه عن زيد بن أرقم وفي رواية معمر أنه يرويه عن أبيه انتهى ما في غاية المقصود (قال أبو عيسى سألت محمدا) يعني
[ 39 ]
البخاري (عن هذا) أي عن هذا الإضطراب (فقال يحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا) قال العلامة أبو الطيب في غاية المقصود أي يحتمل أن يكون قتادة سمع من القاسم والنضر بن أنس كما صرح به البيهقي وأخطأ من أرجع الضمير من محشى الترمذي إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس انتهى قلت الأمر كما قال أبو الطيب إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق وأما إرجاعه إلى زيد بن أرقم والنضر بن أنس فخطأ قال العلامة العيني في عمدة القاري شرح البخاري قال الترمذي حديث زيد بن أرقم في إسناده اضطراب وأشار إلى اختلاف الرواية فيه وسأل الترمذي البخاري عنه فقال لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيبابي والنضر بن أنس عن أنس ولم يقض فيه بشئ انتهى كلام العيني وروى أبو داود في سننه حديث زيد بن أرقم هكذا حدثنا عمرو بن مرزوق أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ قال السيوطي قوله أنا شعبة عن قتادة عن النضر بن أنس إلخ قال البيهقي في سننه هكذا رواه معمر عن قتادة وابن علية وأبو الجماهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ورواه يزيد بن زريع وجماعة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد ابن أرقم قال أبو عيسى قلت لمحمد يعني البخاري أي الروايات عندكم أصح فقال لعل قتادة سمع منهما جميعا عن زيد بن أرقم ولم يقض في هذا بشئ وقال البيهقي وقيل عن معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس وهو وهم انتهى فثبت من هذا كله أن إرجاع ضمير عنهما إلى القاسم والنضر بن أنس هو الحق والصواب تنبيه قول البخاري المذكور في كلام العيني لعل قتادة سمعه من القاسم بن عوف الشيباني والنضر بن أنس عن أنس مخالف لقوله المذكور في كلام البيهقي بلفظ لعل قتادة سمع منهما جميعا عن زيد بن أرقم والظاهر عندي أن لفظ عن أنس المذكور في كلام العيني سهو من الناسخ فتأمل فإن قلت لا يندفع الإضطراب من كل وجه بقول البخاري فيحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعا قلت نعم إلا أن يقال إن قتادة روى عنهما عن زيد بن أرقم وروى عن زيد ابن أرقم من
[ 40 ]
غير واسطة وأما رواية معمر عن قتادة عن النضر بن أنس عن أبيه فوهم كما صرح به البيهقي والله تعالى أعلم 6 - قوله (حدثنا أحمد بن عبدة الضبي) أبو عبد الله البصري عن حماد بن زيد وأبي عوانة وعبد الواحد بن زياد وخلق وعنه مسلم وأصحاب السنن الأربعة وثقة أبو حاتم والنسائي مات سنة 542 خمس وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة وقال الذهبي في الميزان وقال ابن خراش تكلم الناس فيه فلم يصدق ابن خراش في قوله هذا فالرجل حجة انتهى (نا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي أبو إسماعيل الأزرق البصري الحافظ مولى جرير بن حازم وأحد الأعلام عن أنس بن سيرين وثابت وعاصم بن بهدلة وابن واسع وأيوب وخلق كثير وعنه الثوري وابن مهدي وابن المديني وخلائق قال ابن مهدي ما رأيت أحفظ منه ولا أعلم بالسنة ولا أفقه بالبصرة منه توفي سنة 791 سبع وتسعين ومائة عن إحدى وثمانين سنة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة ثبت فقيه قوله (قال اللهم) معناه يا الله (إني أعوذ بك) قال ابن العربي ألجأ وألوذ والعوذ بإسكان العين والعياذ والمعاذ والملجأ ما سكنت إليه تقية عن محذور قال كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما من الشيطان حتى من الموكل به بشرط استعاذته منه ومع ذلك فقد كان اللعين يعرض له ليلة الإسراء فدفعه بالإستعاذة وعرض له في الصلاة فشد وثاقه ثم أطلقه وكان يخص الإستعاذة في هذا الموضع بوجهين أحدهما إنه خلاء وللشيطان بعادة الله قدرة تسلط في الخلاء ليس له في الملاء قال صلى الله عليه وسلم الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب الثاني إنه موضع قذر ينزه ذكر الله عن الجريان فيه على اللسان فيغتنم الشيطان عند ذكر الله فإن ذكره يطرده فلجأ إلى الإستعاذة قبل ذلك ليعقدها عصمة بينه وبين الشيطان حتى يخرج وليعلم أمته انتهى كلامه وقال الحافظ في الفتح كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهار للعبودية ويجهر بها للتعليم انتهى (من الخبث) بضم الخاء المعجمة والموحدة جميع خبيث أي ذكران الشياطين (والخبائث) جمع خبيثة أي إناث الشياطين
[ 41 ]
قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشخان قوله باب ما يقول إذا خرج من الخلاء 7 - قوله (حدثنا محمد بن حميد بن إسماعيل) كذا في النسخ المطبوعة في الهند وإني لم أجد في كتب الرجال رجلا اسمه محمد بن حميد بن إسماعيل من شيوخ الترمذي وفي النسخة المصرية حدثنا محمد بن إسماعيل ثنا حميد قال حدثنا مالك بن إسماعيل إلخ وإني لم أجد في كتب الرجال رجلا اسمه حميد وهو من تلامذة مالك بن إسماعيل ومن شيوخ محمد بن إسماعيل فتفكر وتأمل وقال بعضهم لعل لفظ حميد ههنا زائد في كلتا النسختين والصحيح هكذا حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا مالك بن إسماعيل ويدل على ذلك ما قال في الذر الغالي شرح إرشاد المتجلي بعد ما ذكر رواية أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الغائط قال غفرانك قال عقب ذلك وكذا رواه البخاري في الأدب المفرد وعنه رواه الترمذي عن عائشة وأورد رواية عائشة هذه بهذا المتن والسند وقال في ابتداء السند حدثنا مالك بن إسماعيل فظهر من هذا ومن النسخة المصرية أن الترمذي روى هذا الحديث عن محمد بن إسماعيل أعني البخاري دون محمد بن حميد انتهى كلامه بلفظه (نا مالك بن إسماعيل) ابن درهم النهدي مولاهم أبو غسان الكوفي الحافظ روى عن إسرائيل وأسباط بن النصر والحسن بن صالح وخلق وعنه البخاري والباقون بواسطة قال ابن معين ليس بالكوفة أتقن منه وقال يعقوب بن شيبة ثقة صحيح الحديث من العابدين مات سنة 219 تسع عشرة ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة متقن صحيح الكتاب عابد من صغار التاسعة انتهى (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الهمداني الكوفي ثقة تكلم فيه بلا حجة قال أحمد ثقة ثبت وقال أبو حاتم صدوق من أتقن أصحاب أبي إسحاق ولد سنة 100 مائة ومات سنة 261 اثنتين وستين ومائة
[ 42 ]
(عن يوسف بن أبي بردة) بن أبي موسى الأشعري الكوفي روى عن أبيه وعنه إسرائيل وسعيد بن مسروق وثقة ابن حيان كذا في الخلاصة وقال الحافظ مقبول (عن أبيه) أي أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قيل اسمه عامر وقيل الحارث ثقة من الثالثة قال في الخلاصة أبو بردة بن أبي موسى الأشعري الفقيه قاضي الكوفة اسمه الحارث أو عامر عن علي والزبير وحذيفة وطائفة وعنه بنوه عبد الله ويوسف وسعيد وبلال وخلق وثقة غير واحد توفي 301 ثلاث ومائة قوله (إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) إما مفعول به منصوب بفعل مقدر أي أسألك غفرانك أو أطلب أو مفعول مطلق أي اغفر غفرانك وقد ذكر في تعقيبه صلى الله عليه وسلم الخروج بهذا الدعاء وجهان أحدهما أنه استغفر من الحالة التي اقتضت هجران ذكر الله تعالى فأنه يذكر الله تعالى في سائر حالاته إلا عند الحاجة وثانيهما أن القوة البشرية قاصرة عن الوفاء بشكر ما أنعم الله عليه من تسويغ الطعام والشراب وترتيب الغذاء على الوجه المناسب لمصلحة البدن إلى أوان الخروج فلجأ إلى الإستغفار اعترافا بالقصور عن بلوغ حق تلك النعم كذا في المرقاة قلت الوجه الثاني هو المناسب لحديث أنس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني رواه ابن ماجه قال القاضي أبو بكر بن العربي سأل المغفرة من تركه ذكر الله في تلك الحالة ثم قال فإن قيل إنما تركه بأمر ربه فكيف يسأل المغفرة عن فعل كان يأمر الله والجواب أن الترك وإن كان بأمر الله إلا أنه من قبل نفسه وهو الإحتياج إلى الخلاء انتهى فإن قيل قد غفر له صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر فما معنى سؤاله المغفرة يقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب المغفرة من ربه قبل أن يعلمه أنه قد غفر له وكان يسألها بعد ذلك لأنه غفر له بشرط استغفاره ورفع إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة والكل له حاصل بفضل الله تعالى قاله ابن العربي قوله (هذا حديث غريب حسن) قال القاضي الشوكاني في نيل الأوطار هذا الحديث
[ 43 ]
أخرجه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم وأبو حاتم قال في البدر المنير ورواه الدارمي وصححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى (ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة) قال النووي في شرح المهذب وهو حديث حسن صحيح وجاء في الذي يقال عقب الخروج من الخلاء أحاديث كثيرة ليس فيها شئ ثابت إلا حديث عائشة المذكور قال وهذا مراد الترمذي بقوله ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة كذا في قوت المغتذي وقال العيني في شرح البخاري بعد ذكر حديث عائشة المذكور أخرجه ابن حبان وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم في صحيحهم وقال أبو حاتم الرازي هو أصح شئ في هذا الباب فإن قلت لما أخرجه الترمذي وأبو علي الطرطوسي قالا هذا حديث غريب حسن لا يعرف إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ولا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة قلت قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه ويمكن أن تكون الغرابة بالنسبة إلى الراوي لا إلى الحديث إذ الغرابة والحسن في المتن لا يجتمعان فإن قلت غرابة السند بتفرد إسرائيل غرابة المتن لكونه لا يعرف غيره قلت إسرائيل متفق على إخراج حديثه عند الشيخين والثقة إذا انفرد بحديث ولم يتابع عليه لا ينقص عن درجة الحسن وإن لم يرتق إلى درجة الصحة وقولهما لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ليس كذلك فإن فيه أحاديث وإن كانت ضعيفة منها حديث أنس رضي الله عنه رواه ابن ماجه قال كان صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ومنها حديث أبي ذر مثله وأخرجه النسائي ومنها حديث ابن عباس أخرجه الدارقطني مرفوعا الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني وأمسك علي ما ينفعني ومنها حديث سهل بن خيثمة نحوه وذكره ابن الجوزي في العلل ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا أخرجه الدارقطني الحمد لله الذي أذاقني لذته وأبقى على قوته وأذهب عني أذاه انتهى كلام العيني قلت المراد بقول الترمذي غريب من جهة السند فإنه قال لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ولا منافاة بين أن يكون الحديث غريبا من جهة السند وبين أن يكون حسنا أو صحيحا كما تقرر في مقره فقول العلامة العيني قوله غريب مردود بما ذكرنا من تصحيحه مردود عليه وأما قول الترمذي لا يعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة فقد عرفت ما هو المراد منه
[ 44 ]
باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول 8 - قوله (حدثنا سعيد بن عبد الرحمن المخزومي) ابن حسان المكي القرشي روى عن ابن عيينة والحسين بن زيد العلوي وعنه الترمذي والنسائي ووثقه مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين (أنا سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي أبو محمد الكوفي ثم المكي ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلا أنه تغير حفظه بآخر وكان ربما دلس لكن عن الثقات من رؤوس الطبقة الثامنة وكان أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن الزهري) يأتي اسمه وترجمته في هذا الباب (عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة (عن أبي أيوب الأنصاري) يأتي اسمه وترجمته قوله (إذا أتيتم الغائط) أي في موضع قضاء الحاجة والغائط في الأصل المطمئن من الأرض ثم صار يطلق على كل مكان أعد لقضاء الحاجة وعلى النجو نفسه أي الخارج من الدبر قال الخطابي أصله المطمئن من الأرض كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لذكره بخاص اسمه ومن عادة العرب التعفف في ألفاظها واستعمال الكناية في كلامها وصون الألسنة عما تصان الأبصار والأسماع عنه (فلا تستقبلوا القبلة) أي جهة الكعبة (بغائط ولا بول) الباء متعلقة بمحذوف وهو حال من ضمير لا تستقبلوا أي لا تستقبلوا القبلة حال كونكم مقترنين بغائط أو بول قال السيوطي قال أهل اللغة أصل الغائط المكان المطمئن كانوا يأتونه للحاجة فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لاسمه قال وقد اجتمع الأمران في الحديث فالمراد بالغائط في أوله المكان وفي آخره الخارج قال ابن العربي غلب هذا الاسم على الحاجة حتى صار فيها أعرف منه في مكانها وهو أحد قسمي المجاز انتهى كلام السيوطي (ولكن شرقوا أو غربوا) أي توجهوا إلى جهة المشرق أو المغرب هذا خطاب لأهل المدينة ومن قبلته على ذلك السمت ممن هو في جهة الشمال والجنوب فأما من قبلته الغرب أو الشرق فإنه ينحرف إلى الجنوب أو الشمال كذا في المجمع وشرح السنة (فوجدنا مراحيض) بفتح الميم وبالحاء المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض
[ 45 ]
بكسر الميم وهو البيت المتخذ لقضاء حاجة الإنسان أي التغوط قاله النووي وقال ابن العربي المراحيض واحدها مرحاض مفعال من رحض إذا غسل يقال ثوب رحيض أي غسيل والرحضاء عرق الحمى والرحضة إناء يتوضأ به انتهى (فننحرف عنها) أي عن جهة القبلة قاله القسطلاني (ونستغفر الله) قال ابن العربي يحتمل ثلاثة وجوه الأول أن يستغفر الله من الإستقبال الثاني أن يستغفر الله من ذنوبه فالذنب يذكر بالذنب الثالث أن نستغفر الله لمن بناها فإن الإستغفار للمذنبين سنة وقال ابن دقيق العيد قوله ونستغفر الله قيل يراد به لباني الكنيف على هذه الصورة الممنوعة عنده وإنما حملهم على هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يفعل ممنوعا فلا يحتاج إلى الإستغفار والأقرب أنه استغفار لنفسه ولعل ذلك لأنه استقبل واستدبر بسبب موافقته لمقتضى النهي غلطا أو سهوا فيتذكر فينحرف ويستغفر الله فإن قلت فالغالط والساهي لم يفعلا إثما فلا حاجة به إلى الإستغفار قلت أهل الورع والمناصب العلية في التقوى قد يفعلون مثل هذا بناء على نسبتهم التقصير إلى أنفسهم في عدم التحفظ ابتداء انتهى كلام ابن دقيق العيد قال صاحب بذل المجهود يعني كنا نجلس مستقبلي القبلة نسيانا على وفق بناء المراحيض ثم ننتبه على تلك الهيئة المكروهة فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى عنها وتأويل الإستغفار لباني الكنف بعيد غاية البعد قال وكان بناؤها من الكفار وبعيد غاية البعد أن يكون بناؤها من المسلمين مستقبلي القبلة انتهى قلت يمكن أن يكون بناؤها من بعض المسلمين الذين كان مذهبهم جواز استقبال القبلة واستدبارها في الكنف والمراحيض كما هو مذهب الجمهور فليس فيه بعد غاية البعد والله تعالى أعلم ثم القول بأن المراد كنا نجلس مستقبلي القبلة نسيانا إلخ فيه أن النسيان يكون مرة أو مرتين ولفظ كنا ننحرف كما في رواية على الاستمرار والتكرار فتفكر قوله (وفي الباب عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي) صحابي شهد فتح مصر واختط بها دارا مات سنة 68 ست وثمانين بمصر وهو آخر من مات بها من الصحابة (ومعقل بن أبي الهيثم ويقال معقل بن أبي معقل) ويقال أيضا معقل بن أم معقل وكله واحد يعد في أهل المدينة روى عنه أبو سلمة وأبو زيد مولاه وأم معقل توفي في أيام معاوية رضي الله عنه قاله ابن الأثير وقال الحافظ له ولأبيه صحبة (وأبي أمامة وأبي هريرة رضي الله عنه وسهل بن حنيف) أما
[ 46 ]
حديث عبد الله بن الحارث فأخرجه ابن ماجه وابن حبان قاله الحافظ وأما حديث معقل فأخرجه أبو داود وابن ماجه وأما حديث أبي هريرة فأخرجه مسلم في صحيحه مرفوعا بلفظ إذا جلس أحدكم على حاجة فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارمي وأما حديث سهل ابن حنيف فأخرجه الدارمي قوله (حديث أبي أيوب أحسن شئ في هذا الباب وأصح) وأخرجه الشيخان قوله (وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد) قال الحافظ في التقريب خالد بن زيد ابن كليب الأنصاري أبو أيوب من كبار الصحابة شهد بدرا ونزل النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة عليه مات غازيا بالروم سنة 05 خمسين وقيل بعدها انتهى (والزهري اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وكنيته أبو بكر) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة كذا في التقريب وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام قال الليث ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب وقال مالك كان ابن شهاب من أسخى الناس وتقيا ما له في الناس نظير مات سنة 421 أربع وعشرين ومائة انتهى قوله (قال أبو الوليد المكي) هو موسى بن أبي الجارود المكي أبو الوليد صاحب الشافعي عن ابن عيينة والبوطي وجماعة وعنه الترمذي وثقة ابن حبان كذا في الخلاصة (قال أبو عبد الله الشافعي) هو الإمام الشافعي أحد الأئمة المشهورين اسمه محمد ابن إدريس وتقدم ترجمته في المقدمة (إنما هذا في الفيافي) على وزن الصحارى ومعناه واحدها الفيفاء بمعنى الصحراء (فأما في الكنف المبنية) جمع كنيف أي البيوت المتخذة لقضاء الحاجة (له رخصة في أن يستقبلها) جزاء أما أي فجائز له أن يستقبل القبلة فيها (وهكذا قال إسحاق) هو إسحاق بن راهوية ثقة حافظ مجتهد
[ 47 ]
قرين الإمام أحمد بن حنبل تقدم ترجمته في المقدمة فمذهب الشافعي وإسحاق أن استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول حرام في الصحراء وجائز في البنيان ففرقا بين الصحراء والبنيان قال الحافظ في الفتح وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقا قال الجمهور وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة انتهى (وقال أحمد بن حنبل) هو الإمام أحمد بن محمد بن حنبل أحد الأئمة الأربعة المشهورين تقدم ترجمته في المقدمة (إنما الرخصة إلخ) حاصل قوله أنه لا يجوز الإستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الإستدبار فيهما وعن الإمام أحمد في هذا روايتان إحداهما هذه التي ذكرها الترمذي والرواية الثانية عنه كقوله الشافعي وإسحاق المذكور وعنه رواية ثالثة كما ستعرف اعلم أن الترمذي ذكر في هذا الباب قولين قول الشافعي وقول أحمد بن حنبل وههنا أربعة أقوال فلنا أن نذكرها مع بيان ما لها وما عليها قال النووي في شرح مسلم قد اختلف العلماء في النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط على مذاهب الأول مذهب مالك والشافعي أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ولا يحرم ذلك بالبنيان وهذا مروي عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي وإسحاق بن راهوية وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين والمذهب الثاني أنه لا يجوز ذلك لا في الصحراء ولا في البنيان وهو قول أبي أيوب الأنصاري الصحابي ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبي ثور وأحمد في رواية والمذهب الثالث جواز ذلك في الصحراء والبنيان جميعا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعه شيخ مالك وداود الظاهري والمذهب الرابع لا يجوز له الإستقبال في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الإستدبار فيهما وهي إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقا كحديث سلمان وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم واحتج من أباح مطلقا بحديث ابن عمر المذكور في الكتاب يعني في صحيح مسلم أنه
[ 48 ]
رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت القدس مستدبرا القبلة وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم أوقد فعلوها حولوا مقعدي إلى القبلة رواه أحمد وابن ماجه وإسناده حسن واحتج من أباح الإستدبار دون الإستقبال بحديث سلمان يعني الذي رواه مسلم بلفظ لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين الحديث واحتج من حرم الإستقبال والإستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث من عمر وبحديث عائشة المذكورين وبحديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وإسناده حسن وبحديث مروان الأصغر قال رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليها فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهى عن ذلك فقال بلى إنما نهى عن ذلك في الفضاء فإذا كان بينك وبين القبلة شئ يسترك فلا بأس رواه أبو داود وغيره فهذه أحاديث صحيحة صريحة بالجواز بين البنيان وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم وردت بالنهي فتحمل على الصحراء ليجمع بين الأحاديث ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها وقد أمكن الجمع على ما ذكرناه فوجب المصبر إليه انتهى كلام النووي بتلخيص قلت رجح النووي مذهب مالك والشافعي وغيرهما ورجحه أيضا الحافظ ابن حجر حيث قال هو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة وعندي أولى الأقوال وأقواها دليلا هو قول من قال إنه لا يجوز ذلك مطلقا لا في البنيان ولا في الصحراء فإن القانون الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب لأمته هو قوله لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها وهو بإطلاقه شامل للبنيان والصحراء ولم يغيره صلى الله عليه وسلم في حق أمته لا مطلقا ولا من وجه فأما حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم إلخ الذي ذكره النووي وقال إسناده حسن فهو حديث ضعيف منكر لا يصلح للاحتجاج قال الحافظ الذهبي في الميزان خالد بن أبي الصلت عن عراك بن مالك عن عائشة حولوا مقعدتي نحو القبلة أو قد فعلوها لا يكاد يعرف تفرد عنه خالد الحذاء وهذا حديث منكر فتارة رواه الحذاء عن عراك وتارة يقول عن رجل عن عراك وقد روى عن خالد بن أبي الصلت سفيان بن حصين ومبارك بن فضالة وغيرهما وذكره ابن حبان في الثقات وما علمت أحدا يعرض إلى لينه لكن
[ 49 ]
الخبر منكر انتهى وقال البخاري خالد بن أبي الصلت عن عراك مرسل كذا في التهذيب وقال ابن حزم في المحلى إنه ساقط لأن راويه خالد الحذاء وهو ثقة عن خالد ابن أبي الصلت وهو مجهول لا ندري من هو وأخطأ فيه عبد الرزاق فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن الصلت وهذا أبطل وأبطل لأن خالدا الحذاء لم يدرك كثير بن الصلت انتهى ولو صح هذا الحديث لما كانت فيه حجة على تغيير ذلك القانون ونسخة لأن نصه صلى الله عليه وسلم يبين أنه إنما كان قبل النهي لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم عن استقبال القبلة بالبول والغائط ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك وهذا مالا يظنه مسلم ولا ذو عقل وفي هذا الخبر إنكار ذلك عليهم فلو صح لكان منسوخا بلا شك وأما حديث جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها فهو أيضا ليس بدليل على نسخ ذلك القانون قال الحافظ ابن حجر في التلخيص في الإحتجاج به نظر لأنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه انتهى وقال القاضي الشوكاني في النيل إن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بنا كما تقرر في الأصول انتهى وأما حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلا بيت المقدس مستدبرا القبلة فهو أيضا لا يدل على نسخ ذلك القانون لما مر في حديث جابر آنفا وأما حديث مروان الأصغر فهو أيضا لا يدل على نسخ ذلك القانون لأن قول ابن عمر فيه إنما نهى عن ذلك في الفضاء يحتمل أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنه قال ذلك استنادا إلى الفعل الذي شاهده ورواه فكأنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة مستدبرا القبلة فهم اختصاص النهي بالبنيان فلا يكون هذا الفهم حجة فإذا جاء الإحتمال بطل الإستدلال فالحاصل أن أولى الأقوال وأقواها عندي والله أعلم هو قول من قال إنه لا يجوز الإستقبال والإستدبار مطلقا قال القاضي الشوكاني في النيل الإنصاف الحكم بالمنع مطلقا والجزم بالتحريم حتى ينتهض دليل يصلح للنسخ أو التخصيص أو المعارضة ولم نقف على شئ من ذلك انتهى وقال ابن العربي في شرح الترمذي والمختار والله الموفق أنه لا يجوز الإستقبال ولا الإستدبار في الصحراء ولا في البنيان لأنا إن نظرنا إلى المعاني فقد بينا أن الحرمة للقبلة ولا يختلف في البادية ولا في الصحراء وإن نظرنا إلى الآثار فإن حديث أبي أيوب عام في كل
[ 50 ]
موضع معلل بحرمة القبلة وحديث ابن عمر لا يعارضه ولا حديث جابر لأربعة أوجه أحدهما أنه قول وهذان فعلان ولا معارضة بين القول والفعل الثاني أن الفعل لا صيغة له وإنما هو حكاية حال وحكايات الأحوال معرضة للأعذار والأسباب والأقوال لا محتمل فيها من ذلك الثالث أن القول شرع مبتدأ وفعله عادة والشرع مقدم على العادة الرابع أن هذا الفعل لو كان شرعا لما تستر به انتهى وقد قال ابن العربي قبل هذا اختلف في تعليل المنع في الصحراء فقيل ذلك لحرمة المصلين وقيل ذلك لحرمة القبلة ولكن جاز في الحواضر للضرورة والتعليل بحرمة القبلة أولى لخمسة أوجه أحدها أن الوجه الأول قاله الشعبي فلا يلزم الرجوع إليه الثاني أنه إخبار عن مغيب فلا يثبت إلا عن الشارع الثالث أنه لو كان لحرمة المصلين لما جاز التغريب والتشريق أيضا لأن العورة لا تخفي معه أيضا عن المصلين وهذا يعرف باختبار المعاينة الرابع أن النبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم إنما علل بحرمة القبلة فروي أنه قال من جلس لبول قبالة القبلة فذكر فانحرف عنها إجلالا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له أخرجه البزار الخامس أن ظاهر الأحاديث يقتضي أن الحرمة إنما هي للقبلة لقوله لا تستقبلوا القبلة فذكرها بلفظها فأضاف الإحترام لها انتهى قلت الظاهر أن الحرمة إنما هي للقبلة والله تعالى أعلم ولو صح حديث البزار الذي ذكره ابن العربي لكان قاطعا في ذلك لكن لم نقف على سنده فالله أعلم بحال إسناده باب ما جاء من الرخصة في ذلك أي في استقبال القبلة بغائط أو بول 9 - قوله (حدثنا محمد بن بشار) هو بندار الحافظ ثقة (ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبي موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمه ثقة ثبت من العاشرة وكان هو وبندار فرسى رهان وماتا في سنة واحدة كذا في التقريب روى عن معتمر وابن عيينة وغندر
[ 51 ]
وخلق وعنه الأئمة الستة وخلق قال محمد بن يحيى حجة مات سنة 252 اثنتين وخمسين ومائتين كذا في الخلاصة (قالا نا وهب بن جرير) بن حازم بن زيد أبو عبد الله الأزدي البصري ثقة عن أبيه وابن عون وشعبة وخلق وعنه أحمد وإسحاق وابن معين ووثقه مات سنة 206 ست ومائتين (نا أبي) جرير بن حازم ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدث من حفظه مات سنة 071 سبعين ومائة بعد ما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه كذا في التقريب (عن محمد بن إسحاق) بن يسار المطلبي المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر مات سنة 150 خمسين ومائة ويقال بعدها كذا في التقريب وقال في القول المسدد وأما حمله أي ابن الجوزي على محمد بن إسحاق فلا طائل فيه فإن الأئمة قبلوا حديثه وأكثر ما عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هو في نفسه فصدوق وهو حجة في المغازي عند الجمهور انتهى قلت الأمر كما قال الحافظ فالحق أن محمد بن إسحاق في نفسه صدوق صالح للاحتجاج وقد اعترف به العيني وابن الهمام من الأئمة الحنفية قال العيني في عمدة القاري شرح البخاري ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير أما ابن إسحاق فثقة ثقة لا شبهة عندنا في ذلك ولا عند محققي المحدثين انتهى تنبيه قال صاحب العرف الشذي اختلف أهل الجرح والتعديل في ابن إسحاق ما لم يختلف في غيره حتى إنه قال مالك بن أنس إن قمت بين الحجر الأسود وباب الكعبة لحلفت أنه دجال كذاب وقال البخاري إنه إمام الحديث وقال ابن الهمام إنه ثقة ثلاث مرات وقال حافظ الدنيا إنه ثقة وفي حفظه شئ وإما البيهقي فيتكلم فيه في كتابه الأسماء والصفات واعتمده في كتاب القراءة خلف الإمام فالعجب وعندي أنه من رواة الحسان كما في الميزان ويمكن أن يكون في حفظه شئ انتهى كلامه بلفظه قلت جروح من جرح في ابن إسحاق كلها مدفوعة والحق أنه ثقة قابل للاحتجاج قال الفاضل اللكنوي في إمام الكلام محمد بن إسحاق وإن كان متكلما فيه من جانب كثير من الأئمة لكن جروحهم لها محامل صحيحة وقد عارضها تعديل جمع من ثقات الأمة ولذا صرح جمع من النقاد بأن حديثه لا ينحط عن درجة الحسن بل صححه بعض أهل الإسناد وقال في السعاية والحق في ابن إسحاق هو التوثيق انتهى وقال ابن الهمام في فتح القدير (وهو أي توثيق ابن إسحاق) هو الحق الأبلج وما نقل عن
[ 52 ]
مالك لا يثبت ولو صح لم يقبله أهل العلم كيف وقد قال شعبة فيه هو أمير المؤمنين في الحديث وروى عنه مثل الثوري وابن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وابن عليه وعبد الوارث وابن المبارك واحتمله أحمد وابن معين وعامة أهل الحديث غفر الله لهم إلى أن قال وإن مالكا رجع عن الكلام في ابن إسحاق واصطلح معه وبعث إليه هدية انتهى كلام ابن الهمام فأما قول صاحب العرف الشذي وأما البيهقي إلى قوله فالعجب فلم يذكر ما تكلم به البيهقي في الأسماء والصفات في ابن إسحاق حتى ينظر فيه أنه هو قابل للعجب أم لا ولو سلم أنه قابل للعجب فصنيع العيني أعجب فإنه يتكلم في ابن إسحاق ويجرحه إذا وقع هو في إسناد حديث يخالف مذهب الحنفية ويوثقه ويعتمده إذا وقع في إسناد حديث يوافق مذهبهم ألا ترى أنه قال في البناية في تضعيف حديث عبادة في القراءة خلف الإمام ما لفظه في حديث عبادة محمد بن إسحق بن يسار وهو مدلس قال النووي ليس فيه إلا التدليس قلت المدلس إذا قال عن فلان لا يحتج بحديثه عند جميع المحدثين مع أنه كذبه مالك وضعفه أحمد وقال لا يصح الحديث عنه وقال أبو زرعة الرازي لا يصح الحديث عنه وقال أبو زرعة الرازي لا يقضي له بشئ انتهى كلامه فانظر كيف تكلم العيني في ابن إسحاق ههنا وقال في عمدة القاري في تصحيح حديث أبي هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ومن أشار في الصلاة إشارة تفهم عنه فليعدها ما لفظه إسناد هذا الحديث صحيح وتعليل ابن الجوزي بابن إسحاق ليس بشئ لأن ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى كلام العيني فانظر ههنا كيف اعتمد علي ابن إسحاق ولم يبال بتدليسه أيضا مع أنه روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة بعن وكذلك صنيعة في عدة مواضع من كتابه فاعتبرو يا أولى الأبصار (عن أبان بن صالح) وثقة الأئمة ووهم ابن حزم فجهله وابن عبد البر فضعفه قاله الحافظ في التقريب (عن مجاهد) هو ابن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة أبو الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم من أوساط التابعين مات سنة إحدى أو اثنتين أو ثلاث أو أربع ومائة وله ثلاث وثمانون (عن جابر) هو ابن عبد الله بن عمرو بن حرام بمهملة وراء الأنصاري ثم السلمي بفتحتين صحابي ابن صحابي غزا تسع عشرة غزوة ومات بالمدينة بعد السبعين وهو ابن أربع وتسعين قوله (فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) استدل به من قال بجواز الإستقبال والإستدبار
[ 53 ]
في الصحراء والبنيان وجعله ناسخا لأحاديث المنع وفيه ما سلف من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وعائشة وعمار) أما حديث أبي قتادة فأخرجه الترمذي بعد هذا وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وقد تقدم لفظه وأما حديث عمار فأخرجه الطبراني في الكبير قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة بعد النهي لغائط أو بول قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه جعفر بن الزبير وقد أجمعوا على ضعفه قوله (حديث جابر في هذا الباب حديث حسن غريب) قال في المنتقى رواه الخمسة إلا النسائي انتهى قال في النيل وأخرجه أيضا البزار وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني وحسنه الترمذي ونقل عن البخاري تصحيحه حسنه أيضا ابن السكن وتوقف فيه النووي لعنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وغيره وضعفه ابن عبد البر بأبان بن صالح القرشي قال الحافظ ووهم في ذلك فإنه ثقة بالإتفاق وادعى ابن حزم أنه مجهول فغلط انتهى 10 - قوله (وقد روى هذا الحديث ابن لهيعة) هو عبد الله بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء ابن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري القاضي صدوق خلط بعد احتراق كتبه ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما وله في مسلم بعض شئ مقرون كذا قال الحافظ في التقريب ويجيئ باقي الكلام عليه عند كلام الترمذي عليه (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء الأسدي المكي صدوق إلا أنه يدلس كذا في التقريب قلت هو من رجال الكتب الستة (عن أبي قتادة) الأنصاري المدني شهد أحد وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا مات سنة 54 أربع وخمسين
[ 54 ]
قوله (وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره) قال يحيى بن معين ليس بالقوي وقال مسلم تركه وكيع ويحيى القطان وابن مهدي كذا في الخلاصة وقال أطال الحافظ الذهبي الكلام في ترجمته في ميزان الإعتدال قلت ومع ضعفه فهو مدلس أيضا كما عرفت وكان يدلس عن الضعفاء قال الحافظ في طبقات المدلسين عبد الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر اختلط في آخر عمره وكثر عنه المناكير في روايته وقال ابن حبان كان صالحا ولكنه كان يدلس عن الضعفاء انتهى قوله (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي عن هشام بن عروة والأعمش وطائفة وعنه أحمد وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد وابن سعد والعجلي مات سنة 781 سبع وثمانين ومائة (عن عبد الله بن عمر) ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أحد الفقهاء السبعة والعلماء الأثبات قال النسائي ثقة ثبت مات سنة 147 سبع وأربعين ومائة (عن محمد بن يحيى بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن منقذ الأنصاري المدني ثقة فقيه وثقة ابن معين والنسائي وغيرهما مات سنة 121 إحدى وعشرين ومائة (عن عمه واسع بن حبان) بفتح المهملة وتشديد الوحدة ابن منقذ بن عمرو الأنصاري المازني المدني صحابي ابن صحابي ثقة من كبار التابعين قاله الحافظ قوله (رقيت) أي علوت وصعدت (على بيت حفصة) هي أخت ابن عمر قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي قوله على بيت حفصة وقع في رواية على ظهر بيت لنا وفي أخرى ظهر بيتنا وكلها في الصحيح وفي رواية لابن خزيمة دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت وطريق الجمع أن يقال أضاف البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته وأضافه إلى حفصة لأنه البيت الذي أسكنها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أضافه إلى نفسه باعتبار ما آل إليه حاله لأنه ورث حفصة دون إخوته لكونه شقيقها انتهى (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) استدل به من قال بجواز الإستقبال والإستدبار ورأى أنه ناسخ واعتقد الإباحة مطلقا وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحارى ومن خص المنع بالإستقبال دون الإستدبار في
[ 55 ]
الصحارى والبنيان وقد عرفت ما فيه من أنها حكاية فعل لا عموم لها فيحتمل أن يكون لعذر وأن فعله صلى الله عليه وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة قاله الشوكاني في النيل باب النهي عن البول قائما قوله (حدثنا علي بن حجر) بضم الحاء وسكون الجيم ابن إياس السعدي المروزي نزيل بغداد ثم مرو ثقة حافظ روى عن شريك وإسماعيل بن جعفر وهقل بن زياد وهشيم وخلائق وعنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ووثقه مات سنة 442 أربع وأربعين ومائتين (أنا شريك) بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن زياد بن علاقة وزبيد وسلمة بن كهيل وسماك وخلق وعنه هشيم وعباد بن العوام وابن المبارك وعلي بن حجر وأمم قال أحمد هو في أبي إسحاق أثبت من زهير وقال ابن معين ثقة يغلط وقال العجلي ثقة قال يعقوب بن سفيان ثقة سئ الحفظ مات سنة 771 سبع وسبعين ومائة (عن المقدام) بكسر الميم (بن شريح) بضم الشين مصغرا ابن هاني بن يزيد الحارثي الكوفي ثقة روى عن أبيه وعند ابنه يزيد ومسعر وغيرهما وثقه أبو حاتم وأحمد والنسائي (عن أبيه) شريح بن هاني أبي المقدام من كبار أصحاب علي روى عن أبيه وعمر وبلال وعنه ابنه المقدام والشعبي وثقه ابن معين وهو مخضرم قوله (من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه) فيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يبول قائما بل كان هديه في البول القعود ولكن قول عائشة هذا لا ينفي إثبات من أثبت وقوع البول منه حال القيام كما سيأتي في الباب الذي بعده قوله (وفي الباب عن عمر وبريدة) أما حديث عمر فأخرجه ابن ماجه والبيهقي وأما حديث بريدة فأخرجه البزار مرفوعا بلفظ ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ من صلاته أو ينفخ في سجوده كذا في النيل وفي الباب أيضا عن جابر قال
[ 56 ]
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل قائما أخرجه ابن ماجه وفي إسناده عدى بن الفضل وهو متروك قوله (حديث عائشة أحسن شئ في هذا الباب وأصح) حديث عائشة هذا أخرجه أيضا أحمد والنسائي وابن ماجه وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي وقد عرفت أنه صدوق يخطئ كثيرا وتغير حفظه منذ ولي الكوفة قال الحافظ في الفتح لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن البول قائما شئ كما بينته في أوائل شرح الترمذي انتهى كلام الحافظ قلت فالمراد بقول الترمذي حديث عائشة أحسن شئ في هذا الباب وأصح أي هو أقل ضعفا وأرجح مما ورد في هذا الباب والله تعالى أعلم قوله (وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق إلخ) أخرجه ابن ماجه والبيهقي من هذا الطريق (فما بلت قائما بعد) بالبناء على الضم أي بعد ذلك قوله (إنما رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة أبو أمية المعلم البصري نزيل مكة (وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة فتح الباري عبد الكريم بن أبي المخارق أبو أمية البصري نزيل مكة متروك عند أئمة الحديث انتهى (ضعفه أيوب السختياني) بفتح المهملة بعدها معجمة ساكنة ثم مثناة فوقية مكسورة تم تحتانية وآخرة نون هو أيوب بن أبي تميمة كيسان البصري ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء تقدم ترجمته في المقدمة (وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال عمر ما بلت قائما منذ أسلمت) أخرجه البزار قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات وهذا الأثر يدل على أن عمر ما بال قائما منذ أسلم ولكن قال الحافظ في فتح الباري قد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما انتهى (وهذا) أي حديث عمر الموقوف (أصح من حديث أبي الحارق) لضعفه (وحديث بريدة في هذا غير محفوظ) قال العيني في شرح البخاري في قول الترمذي في هذا نظر لأن البزار أخرجه
[ 57 ]
بسند صحيح قال حدثنا نصر بن علي حدثنا عبد الله بن داود حدثنا سعيد بن عبيد الله حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من الجفاء إن يبول الرجل قائما الحديث وقال لا أعلم رواه عن ابن بريدة إلا سعيد بن عبد الله انتهى كلام العيني قلت الترمذي من أئمة هذا الشأن فقوله حديث بريدة في هذا غير محفوظ يعتمد عليه وأما إخراج البزار حديثه بسند ظاهره الصحة لا ينافي كونه غير محفوظ قوله (ومعنى النهي عن البول قائما على التأديب لا على التحريم) يدل عليه حديث أبي حذيفة الآتي في الباب الذي بعده (وقد روي عن عبد الله بن مسعود قال إن من الجفاء) قال في الصراح جفا بالمد بدى وستم يقال جفوته فهو مجفو ولا تقل جفيت وفلان ظاهر الجفوة بالكسر أي ظاهر الجفاء انتهى وقال المناوي في شرح الجامع الصغير الجفاء ترك البر والصلة وغلظ الطبع (وأنت قائم) جملة حالية وهذا الأثر ذكره الترمذي هكذا معلقا ولم أقف على من وصله باب ما جاء من الرخصة في ذلك 13 - (قوله حدثنا هناد) تقدم (نا وكيع) تقدم (عن الأعمش) هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي أبو محمد الكوفي ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس من الخامسة كذا في التقريب وقال في مقدمته الخامسة الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والإثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش انتهى وقال في الخلاصة رأى أنسا يبول انتهى (عن أبي وائل) اسمه شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي ثقة مخضرم مات في خلافة
[ 58 ]
عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة قوله (أتى سباطة قوم) بضم السين المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة (فأتيته بوضوء) بفتح الواو (فدعاني حتى كنت عند عقبيه) وفي رواية البخاري فأشار إلي قال الحافظ ليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم أنه كان بالإشارة لا باللفظ قال وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد عن قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة فقد قيل فيه أنه صلى الله عليه وسلم مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى احتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدعى حذيفة ليستره من خلفه عن رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستور بالحائط أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر روى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني فذكر الحديث وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكأن حذيفة لما وقف خلفه عند عقبه استدبره وظهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر انتهى قوله (وهكذا روى منصور) هو ابن المعتمر السلمى أبو عتاب الكوفي أحد الأعلام المشاهير عن إبراهيم وأبي وائل وخلق وعنه أيوب وشعبة وزائدة وخلق قال أبو حاتم متقن لا يخلط ولا يدلس وقال العجلى ثقة ثبت له نحو ألفي حديث قال زائدة صام منصور أربعين سنة وقام ليلها توفى سنة 231 اثنتين وثلاثين ومائة (عبيدة) بضم العين مصغرا (الضبي) بفتح الضاد المعجمة وشدة الموحدة المكسورة هو عبيدة ابن معتب روى عن إبراهيم النخعي وأبي وائل وعنه شعبة وهشيم قال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه علق له البخاري فرد
[ 59 ]
حديث كذا في الخلاصة وقال في التقريب ضعيف واختلط بآخره (وحديث أبي وائل عن حذيفة أصح) يعني من حديثه عن المغيرة قال الحافظ في الفتح هو كما قال الترمذي وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواسة حماد وعاصم لكونهما في حفظهما مقال انتهى قلت الظاهر أن الروايتين صحيحتان ورواية الأعمش ومنصور أصح والله أعلم وحديث حذيفة هذا أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائما) واحتجوا بحديث الباب وأجابوا عن حديث عائشة الذي أخرجه الترمذي في الباب المتقدم بأنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فيم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وعن حديثها الذي أخرجه أبو عوانة في صحيحة والحاكم قالت ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن بأنه أيضا مستند إلى علمها فقد ثبت أن قوله صلى الله عليه وسلم عند سباطة قوم كان بالمدينة كما جاء في بعض الروايات الصحيحة قال الحافظ في الفتح وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن وقد ثبت عن عمر وعلي وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شئ انتهى قال قوم بكراهة البول قائما إلا من عذر واستدلوا بحديثي عائشة المذكورين وقد عرفت الجواب عنهما وقالوا إن بوله صلى الله عليه وسلم قائما كان لعذر
[ 60 ]
فقيل فعل ذلك لأنه لم يجد مكانا للجلوس لامتلاء الموضع بالنجاسة وقيل كان ما يقابله من السباطة عاليا ومن خلفه منحدرا متسفلا لو جلس مستقبل السباطة سقط إلى خلفه ولو جلس مستدبرا لها بدت عورته للناس وقيل إنما بال قائما لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الدار قال الحافظ ما رواه عبد الرزاق عن عمر رضي الله عنه قال البول قائما أحصن للدبر وقيل السبب في ذلك ما روى الشافعي وأحمد أن العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بذلك فلعله كان به وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما لجرح كان في مأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعدها موحدة ثم معجمة باطن الركبة فكأنه لم يتمكن لأجله من القعود قال الحافظ في الفتح لو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز وكان أكثر أحواله البول عن قعود وسلك أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين فيه مسلكا آخر فزعما أن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديثي عائشة يعني المذكورين الصواب أنه غير منسوخ انتهى كلام الحافظ تنبيه قال صاحب العرف الشذي إن في البول قائما رخصة وينبغي الآن المنع عنه لأنه عمل غير أهل الإسلام انتهى بلفظه قلت بعد التسليم أن البول قائما رخصه لا وجه للمنع عنه في هذا الزمان وأما عمل غير أهل الإسلام عليه فليس موجبا للمنع باب في الإستتار عند الحاجة 14 - قوله (نا عبد السلام بن حرب الملائي) أبو بكر الكوفي أصله بصري ثقة حافظ
[ 61 ]
فقوله (إذا أراد الحاجة) أي قضاء الحاجة والمعنى إذا أراد القعود للغائط أو للبول (حتى يدنوا من الأرض) أي حتى يقرب منها محافظة على التستر واحترازا عن كشف العورة وهذا من أدب قضاء الحاجة قال الطيبي يستوي فيه الصحراء والبنيان لأن في رفع الثوب كشف العورة وهو لا يجوز إلا عند الحاجة ولا ضرورة في الرفع قبل القرب من الأرض قوله (هكذا روى محمد بن ربيعة) الكلابي الرؤاسي أبو عبد الله ابن عم وكيع الكوفي عن الأعمش وهشام بن عروة وابن جريج وطائفة وعنه أحمد وثقة ابن معين وأبو داود والدارقطني (وروى وكيع والحماني) بكسر المهملة وشدة الميم وهو عبد الحميد ابن عبد الرحمن أبو يحيى الكوفي عن الأعمش وعنه ابنه يحيى وأبو كريب وثقه ابن معين وضعفه أحمد وابن سعد كذا في الخلاصة وقال في التقريب لقبه بشمين صدوق يخطئ ورمي بالإرجاء من التاسعة مات سنة اثنتين ومائتين انتهى (عن الأعمش قال قال ابن عمر إلخ) فحديث وكيع الحماني عن الأعمش عن ابن عمر وأما حديث عبد السلام بن حرب محمد بن ربيعة فعن الأعمش عن أنس (وكلا الحديثين) أي حديث أنس وحديث ابن عمر رضي الله عنه (مرسل) أي منقطع وصورة المرسل أن يقول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل بحضرته كذا أو نحو ذلك ولا يذكر الصحابي وقد يجئ عند المحدثين رحمهم الله المرسل والمنقطع بمعنى والإصطلاح الأول أشهر وذكر السيوطي هذا الحديث في الجامع الصغير وقال رواه أبو داود والترمذي عن أنس وابن عمر والطبراني في الأوسط عن جابر انتهى وقال المناوي في شرح الجامع الصغير وبعض أسانيده صحيح قلت والحديث أخرجه أيضا أبو داود والدارمي (ويقال لم يسمع الأعمش عن أنس إلخ) قال علي بن المديني الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك إنما رآه رؤية بمكة يصلي خلف المقام فأما طرق الأعمش عن أنس فإنما يرويها عن يزيد الرقاشي عن أنس كذا في كتاب المراسيل لابن أبي حاتم ويزيد الرقاشي هذا هو يزيد بن أبان الرقاشي أبو عمرو البصري القاص زاهد ضعيف وقال الحافظ
[ 62 ]
المنذري في تلخيص السنن بعد نقل كلام الترمذي هذا وذكر أبو نعيم الأصفهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما والذي قاله الترمذي هو المشهور انتهى (والأعمش اسمه سليمان بن مهران) بكسر الميم وكنيته أبو محمد ثقة حافظ عارف بالقراءة ورع لكنه يدلس وهو من صغار التابعين الذين رأوا الواحد والإثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة رضي الله عنهم ولد سنة 61 إحدى وستين ومات سنة 148 ثمان وأربعين ومائة (الكاهلي وهو مولى لهم) أي نسبة الأعمش إلى قبيلة كاهل من جهة أنه مولى لهم لا من جهة أنه هو منهم صلبية قال ابن الصلاح في مقدمته النوع الرابع والستون معرفة الموالي من الرواة والعلماء وأهم ذلك معرفة الموالي المنسوبين إلى القبائل بوصف الإطلاق فإن الظاهر في المنسوب إلى قبيلة كما إذا قيل فلان القرشي أنه منهم صلبية فإذا بيان من قيل فيه قرشي من أجل كونه مولى لهم مهم انتهى فائدة أعلم أن من الموالي من يقال له مولى فلان أو لبني فلان والمراد به مولى العتاقة وهذا هو الأغلب في ذلك ومنهم من أطلق عليه لفظ المولى والمراد به ولاء الإسلام ومنهم أبو عبد الله البخاري فهو محمد بن إسماعيل الجعفي مولاهم نسب إلى ولاء الجعفيين لأن جده وأظنه الذي يقال له الأحنف أسلم وكان مجوسيا على يد اليمان بن أخنس الجعفي وكذلك الحسن بن عيسى الماسرجسي مولى عبد الله بن المبارك إنما ولاؤه له من حيث كونه أسلم وكان نصرانيا على يديه ومنهم من هو مولى بولاء الحلف والموالاة كما لك بن أنس الإمام ونفره هم أصبحيون صلبية ويقال له التيمي لأن نفره أصبح موال لتيم قريش بالحلف وقيل لأن جده مالك بن أبي عامر كان عسيفا على طلحة بن عبيد الله التيمي أي أجيرا وطلحة يختلف بالتجارة فقيل هو مولى التيميين لكونه مع طلحة ابن عبيد الله التيمي وهذا قسم رابع كما قيل في مقسم أنه مولى ابن عباس للزومه إياه كذا في مقدمة ابن الصلاح فائدة أخرى قال ابن الصلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال قدمت على عبد الملك بن مروان فقال من أين قدمت يا زهري قلت من مكة قال فمن خلفت بها يسود أهلها قلت عطاء بن أبي رباح قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال وبم سادهم قلت بالديانة والرواية قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا قال فمن يسود أهل اليمن
[ 63 ]
قال قلت طاووس بن كيسان قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال وبم سادهم قلت بما سادهم به عطاء قال إنه لينبغي قال فمن يسود أهل مصر قال قلت يزيد بن أبي حبيب قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل الشام قال قلت مكحول قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل قال فمن يسود أهل الجزيرة قلت ميمون بن مهران قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل خراسان قال قلت الضحاك بن مزاحم قال فمن العرب أو من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل البصرة قال قلت الحسن بن أبي الحسن قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من الموالي قال فمن يسود أهل الكوفة قال قلت إبراهيم النخعي قال فمن العرب أم من الموالي قال قلت من العرب قال ويلك يا زهري فرجت عني والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها قال قلت يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه من حفظه ساد ومن ضيعه سقط وفيما نرويه عن عبد الله بن زيد بن أسلم قال لما مات العبادلة صار الفقه في جميع البلدان إلى جميع الموالي إلا المدينة فإن الله حصنها بقرشي فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع قلت وفي هذا بعض الميل لقد كان حينئذ من العرب غير ابن المسيب فقهاء أئمة مشاهير انتهى كلام ابن الصلاح (قال الأعمش كان أبي حميلا فورثه مسروق) أي جعله وارثا والحميل الذي يحمل من بلاده صغيرا إلى دار الإسلام كذا في مجمع البحار وفي توريثه من أمه التي جاءت معه وقالت إنه هو ابنها خلاف فعند مسروق أنه يرثها فلذلك ورث والد الأعمش أي جعله وارثا وعند الحنفيه أنه لا يرث من أمه قال الإمام محمد في موطئه أخبرنا مالك أخبرنا بكير بن عبد الله بن الأشج عن سعيد ابن المسيب قال أبي عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا ما ولد في العرب قال محمد وبهذا نأخذ لا يورث الحميل الذي يسبى وتسبى معه امرأة وتقول هو ولدي أو تقول هو أخي أو يقول هي أختي ولا نسب من الأنساب يورث إلا ببينة إلا الوالد والولد فإنه إذا ادعى الوالد أنه ابنه وصدقه فإنه ابنه ولا يحتاج في هذا إلى بينة انتهى ومسروق هذا هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني الوداعي أبو عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية كذا في التقريب وقال في الخلاصة أخذ عن عمر وعلي ومعاذ وابن مسعود وعنه إبراهيم والشعبي وخلق وعن الشعبي قال ما علمت أحدا كان أطلب للعلم منه وكان أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح يستشيره وكان مسروق لا يحتاج إلى شريح مات سنة 36 ثلاث وستين كذا في تذكرة الحفاظ وقال أبو سعد السمعاني سمى مسروقا لأنه سرقة إنسان في صغره ثم وجد وغير عمر اسم أبيه إلى
[ 64 ]
عبد الرحمن فأثبت في الديوان مسروق بن عبد الرحمن كذا في التهذيب تنبيه لم يشر الترمذي إلى حديث آخر في الباب فأعلم أنه قد جاء في الباب عن أبي هريرة أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وعن عبد الله بن جعفر أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه وعن جابر أخرجه أبو داود وابن ماجه وعن المغيرة أخرجه النسائي وأبو داود والترمذي باب كراهية الإستنجاء باليمين 15 - قوله (حدثنا محمد بن أبي عمر المكي) هو محمد بن أبي عمر العدني نزيل مكة ويقال إن أبا عمر كنيته يحيى صدوق صنف المسند وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم فيه غفلة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن فضيل بن عياض وأبي معاوية وخلق وعنه مسلم والترمذي وابن ماجه مات سنة 342 ثلاث وأربعين ومائتين (عن معمر) بن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا وكذا فيما حدث به بالبصرة من كبار السابعة (عن يحيى بن أبي كثير) الطائي مولاهم اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل من الخامسة (عن عبد الله بن أبي قتادة) الأنصاري المدني ثقة من الثانية (عن أبيه) أي أبي قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه الحارث بن ربعي شهد أحدا والمشاهد مات سنة 45 أربع وخمسين بالمدينة وهو الأصح قوله (نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه) أي بيده اليمنى تكريما لليمين والنهي في هذا الحديث مطلق غير مقيد بحالة البول وقد جاء مقيدا ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة بلفظ لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول وفي صحيح البخاري عنه إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه قال البخاري في صحيحه باب لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال قال الحافظ في الفتح أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله محمول على المقيد بحالة البول فيكون ما عداه مباحا وقال بعض العلماء يكون ممنوعا أيضا من باب الأولى لأنه نهى عن ذلك مع مظنة الحاجة في تلك الحالة وتعقبه أبو محمد بن أبي جمرة بأن مظنة الحاجة لا
[ 65 ]
تختص بحالة الإستنجاء وإنما خص النهي بحالة البول من جهة الشئ يعطى حكمه فلما منع الاستنجاء باليمين منع مس آلته حسما للمادة ثم استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن علي حين سأله عن مس ذكره إنما هو بضعة منك فدل على الجواز في كل حال فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح وبقي ما عداها على الإباحة انتهى والحديث الذي أشار إليه صحيح أو حسن وقد يقال حمل المطلق على المقيد غير متفق عليه بين العلماء ومن قال به اشترط فيه شروطا لكن نبه ابن دقيق العيد على أن محل الإختلاف إنما هو حيث يتغاير مخارج الحديث بحيث يعد حديثين مختلفين أما إذا اتحد المخرج وكان الإختلاف فيه من بعض الرواة فينبغي حمل المطلق على المقيد بلا خلاف لأن التقييد حينئذ يكون زيادة من عدل فتقبل انتهى ما في فتح الباري قلت لا شك في أن حديث أبي قتادة الذي رواه الترمذي في هذا الباب مطلق فالظاهر هو أن يحمل على المقيد لاتحاد المخرج وأما حديث أبي قتادة الذي أخرجه البخاري بلفظ وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه وإليه أشار الحافظ بقوله أشار بهذه الترجمة إلى أن النهي المطلق عن مس الذكر باليمين كما في الباب قبله إلخ ففي كونه مطلقا كلام فتدبر قوله (وفي الباب عن عائشة وسلمان وأبي هريرة وسهل بن حنيف) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود من طريق إبراهيم عنها بلفظ قلت كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى قال المنذري إبراهيم لم يسمع من عائشة فهو منقطع وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة بمعناه وأخرجه في اللباس من حديث مسروق عن عائشة ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه انتهى كلام المنذري أما حديث سلمان فأخرجه مسلم بلفظ قال نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة لغائط أو بول أو نستنجي باليمين الحديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه والدارمي وفيه ونهى أن يستنجي الرجل بيمينه وأما حديث سهل بن خنيف فلم أقف عليه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان بلفظ قال إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه قوله (وأبو قتادة اسمه الحارث بن ربعي) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة ابن بلدمة بضم الموحدة والمهملة بينهما لام ساكنة السلمي بفتحتين المدني شهد أحدا وما بعدها ولم يصح شهوده بدرا
[ 66 ]
باب الإستنجاء بالحجارة 16 - قوله (حدثنا هناد تقدم (عن الأعمش) تقدم (عن إبراهيم) هو إبراهيم ابن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي الكوفي الفقيه ثقة إلا أنه يرسل كثيرا (عن عبد الرحمن بن يزيد) بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي ثقة قوله (قيل لسلمان) الفارسي ويقال له سلمان الخير وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان بن الإسلام أصله من فارس أسلم مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وكان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم والقائلون هم المشركون كما في رواية ابن ماجه قال له بعض المشركين وهم يستهزئون به وفي رواية مسلم قال لنا المشركون (حتى الخراءة) قال الخطابي الخراءة بكسر الخاء ممدودة الألف أدب التخلي والقعود عند الحاجة وقال النووي الخراءة بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الراء وبالمد وهو اسم لهيئة الحدث وأما نفس الحدث فبحذف التاء وبالمدمع فتح الخاء وكسرها انتهى (أجل) بسكون اللام حرف إيجاب بمعنى نعم (أو أن نستنجي باليمين) الإستنجاء باليمين للتنبيه على إكرامها وصيانتها عن الأقذار ونحوها (أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار) وفي رواية لأحمد ولا نكتفي بدون ثلاثة أحجار قال الخطابي فيه بيان أن الاستنجاء بالأحجار أحد الطهرين وأنه إذا لم يستعمل الماء لم يكن بد من الحجارة أو ما يقوم مقامها وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وفي قوله أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاثة أحجار البيان الواضح أن الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار لا يجوز وإن وقع الإنقاء بما دونها ولو كان المراد به الإنقاء حسب لم يكن لاشتراط عدد الثلاث معنى إذا كان معلوما أن الإنقاء يقع بالمسحة الواحدة وبالمسحتين فلما اشترط العدد لفظا وعلما لإنقاء فيه معنى دل على
[ 67 ]
إيجاب الأمرين انتهى مختصرا قال المظهري الاستنجاء بثلاثة أحجار واجب عند الشافعي رحمه الله وإن حصل النقاء بأقل وعند أبي حنيفة النقاء متعين لا العدد انتهى واستدل للشافعي بحديث الباب واستدل لأبي حنيفة رحمه الله بقوله صلى الله عليه وسلم من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج قال القاري في المرقاة هذا يدل دلالة واضحة على جواز الإستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وعدم شرط الإيتار وهو مذهب أبي حنيفة انتهى قلت حديث من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج أخرج أبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة وهو بظاهره مخالف لحديث سلمان المذكور في الباب وحديث سلمان أصح منه فيقدم عليه أو يجمع بينهما بما قال الحافظ في الفتح ما لفظه وأخذ بهذا أي بحديث سلمان الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء إذا لم يحصل بها فيزاد متى ينقى ويستحب حينئذ الإيتار لقوله من استجمر فليوتر وليس بواجب الزيادة في أبي داود حسنة الإسناد قال ومن لا فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب انتهى وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه وهذا محمول على أن القطع على وترسنة فيما زاد على ثلاث جمعا بين النصوص انتهى (وأن نستنجي برجيع أو عظم) لفظ أو للعطف لا للشك ومعناه الواو أي نهانا عن الإستنجاء بهما والرجيع هو الروث والعذرة فعيل بمعنى فاعل لأنه رجع عن حالته الأولى بعد أن كان طعاما أو علفا والروث هو رجيع ذوات الحوافر وجاء عند أبي داود في رواية رويفع بن ثابت رجيع دابة وأما عذرة الإنسان فهي داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم إنها ركس وأما علة النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظيم فيأتي بيانها كراهية ما يستنجي به قوله (وفي الباب عن عائشة وخزيمة بن ثابت وجابر وخلاد بن السائب عن أبيه) أما حديث عائشة فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي بلفظ قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه والحديث
[ 68 ]
سكت عنه أبو داود ثم المنذري وأما حديث خزيمة بن ثابت فأخرجه أبو داود وابن ماجه بلفظ سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع والحديث سكت عنه أبو داود ثم المنذري وأما حديث جابر فأخرجه أحمد عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا قال الهيثمي رجاله ثقات وأما حديث السائب والدخلاد فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا دخل أحدكم الخلاء فليمسح يثلاثة أحجار قال الهيثمي وفيه حماد بن الجعد وقد أجمعوا على ضعفه قوله (حديث سلمان حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم قوله (وهو قول أكثر أهل العلم إلخ) وهو الحق والصواب يدل عليه أحاديث الباب باب في الإستنجاء بالحجرين 17 - قوله (عن أبي عبيدة) هو ابن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه كذا في التقريب (عن عبد الله) هو ابن مسعود بن غافل بمعجمة ثم فاء مكسورة ابن حبيب ابن عبد الرحمن الكوفي أحد السابقين الأولين وصاحب النعلين شهد بدرا والمشاهد مات بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين عن بضع وستين سنة قوله (فأتيته بحجرين وروثة) زاد ابن خزيمة في رواية له في هذا الحديث إنها كانت روثة حمار ونقل التميمي أن الروث مختص بما يكون من الخيل والبغال والحمير وفي رواية البخاري وغيره فوجدت الحجرين والتمست الثالث فلم أجد فأخذت روثة فأتيت بها أي بالثلاثة من
[ 69 ]
الحجرين والروثة (فأخذ الحجرين وألقى الروثة) استدل به الطحاوي على عدم اشتراط الثلاثة قال لأنه لو كان مشترطا لطلب ثالثا كذا قال وغفل رحمه الله عما أخرجه أحمد في مسنده من طريق معمر عن أبي إسحاق عن علقمة عن ابن مسعود في هذا الحديث فإن فيه فألقى الروثة وقال إنها ركس ائتني بحجر ورجاله ثقات أثبات وقد تابع عليه معمر أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف أخرجه الدارقطني وتابعهما عمار بن رزيق أحد الثقات عن أبي إسحاق وقد قيل إن أبا إسحاق لم يسمع من علقمة لكن أثبت سماعه لهذا الحديث منه الكرابيسي وعلى تقدير أنه أرسله عنه فالمرسل حجة عند المخالفين وعندنا أيضا إذا اعتضد قاله الحافظ ابن حجر في فتح الباري وتعقب عليه العيني في عمدة القاري ص 737 ج 1 شرح البخاري فقال لم يغفل الطحاوي عن ذلك وإنما الذي نسبه إلى الغفلة هو الغافل وكيف يغفل عن ذلك وقد ثبت عنده عدم سماع أبي إسحاق عن علقمة فالحديث عنده منقطع والمحدث لا يرى العمل به وأبو شيبة الواسطي ضعيف فلا يعتبر بمتابعته فالذي يدعي صنعة الحديث كيف يرضي بهذا الكلام انتهى قلت هذا غفلة شديدة من العيني فإن الطحاوي رحمه الله قد احتج بحديث أبي إسحاق عن علقمة في مواضع من كتابه شرح الآثار فمنها ما قال حدثنا أبو بكرة قال ثنا أبو داود قال ثنا خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن علقمة بن مسعود قال ليت الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا سلمنا أن أبا شيبة ضعيف فلا يعتبر بمتابعته لكن عمار بن رزيق ثقة وهو قد تابعهما فمتابعته معتبرة بلا شك على أن قول الطحاوي لو كان مشترطا لطلب ثالثا فيه نظر لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ثالثا بنفسه من دون طلب أو استنجى بحجر وطرفي حجر آخر والإحتمال لا يصح الإستدلال قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال ابن الجوزي في التحقيق وحديث البخاري ليس فيه حجة لأنه يحتمل أن يكون عليه السلام أخذ حجرا ثالثا مكان الروثة وبالإحتمال لا يتم الإستدلال انتهى قوله (وقال إنها ركس) كذا وقع ههنا بكسر الراء وإسكان الكاف فقيل هي لغة في رجس ويدل عليه رواية ابن ماجه وابن خزيمة في هذا الحديث فإنها عندهما بالجيم وقيل الركس الرجيع رد من حالة الطهارة إلى حالة النجاسة قاله الخطابي وغيره والأولى أن يقال رد من حالة الطعام إلى حالة الروث كذا في فتح الباري
[ 70 ]
قوله (وهكذا روى قيس بن الربيع) الأسدي أبو محمد الكوفي صدوق تغير لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به (وهذا حديث فيه اضطراب) أي في سنده اضطراب فأصحاب أبي إسحاق يختلفون عليه كما بينه الترمذي (سألت عبد الله بن عبد الرحمن) هو أبو محمد الدارمي الحافظ صاحب المسند وتقدم ترجمته في المقدمة (سألت محمدا) هو الإمام البخاري (وكأنه) أي محمدا البخاري (أشبه) أي بالصحة وأقرب إلى الصواب (ووضعه في كتابه الجامع) أي الجامع الصحيح المشهور بصحيح البخاري في باب لا يستنجي بروث (لأن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من هؤلاء) أي معمر وعمار بن رزيق وزهير وزكريا بن أبي زائدة (وتابعه) أي إسرائيل (على ذلك) أي على روايته عن أبي عبيدة عن عبد الله (قيس بن الربيع)
[ 71 ]
بالرفع فاعل تابع (وزهير في أبي إسحاق) أي في رواية الحديث عن أبي إسحاق ليس بالقوي (لأن سماعه منه) أي لأن سماع زهير من أبي إسحاق (بأخرة) بفتح الهمزة والخاء أي في آخر عمره في نسخة قلمية صحيحة بآخره اعلم أن الترمذي رجح رواية إسرائيل على رواية زهير التي وضعها الإمام البخاري في صحيحه وعلى روايات معمر وغيره بثلاثة وجوه الأول أن إسرائيل أثبت وأحفظ لحديث أبي إسحاق من زهير ومعمر وغيرهما الثاني أن قيس بن الربيع تابع إسرائيل على روايته عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله الثالث أن سماع إسرائيل من أبي إسحاق ليس في آخر عمره وسماع زهير منه في آخر عمره قلت في كل من هذه الوجوه الثلاثة نظر فما قال في الوجه الأول فهو معارض بما قال الآجرى سألت أبا داود عن زهير وإسرائيل في أبي إسحاق فقال زهير فوق إسرائيل بكثير وما قال في الوجه الثاني من متابعة قيس بن الربع لرواية إسرائيل فإن شريكا القاضي تابع زهيرا وشريك أوثق من قيس وأيضا تابع زهيرا إبراهيم بن يوسف عن أبيه وابن حماد الحنفي وأبو مريم وزكريا بن أبي زائدة وما قال في الوجه الثالث فهو معارض بما قال الذهبي في الميزان قال أحمد بن حنبل حديث زكريا وإسرائيل عن أبي إسحاق لين سمعا منه بآخره فظهر الآن أنه ليس لترجيح رواية إسرائيل وجه صحيح بل الظاهر أن الترجيح لرواية زهير التي رجحها البخاري ووضعها في صحيحه قال الحافظ ابن حجر في مقدمة ص 304 فتح الباري حكى ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجحا رواية إسرائيل وكأن الترمذي تبعهما في ذلك والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجح وبيان ذلك أن مجموع كلام هؤلاء الأئمة مشعر بأنه الراجح على الروايات كلها أما طريق إسرائيل وهي عن أبي عبيدة عن أبيه وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه فيكون الإسناد منقطعا أو رواية زهير وهي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود فيكون متصلا وهو تصرف صحيح لأن الأسانيد فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد وإذا تقرر ذلك كان دعوى الاضطراب في الحديث منفية لأن الاختلاف على الحفاظ في
[ 72 ]
الحديث لا يوجب أن يكون مضطربا إلا بشرطين أحدهما استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح وثانيهما مع الإستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين أو يغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالإضطراب ويتوقف على الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك وههنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسناد منها من مقال غير الطريقين المقدم ذكرهما عن زهير وعن إسرائيل مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيرا وقد رواه الطبراني في المعجم الكبير من رواية يحيى بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحاق كرواية زهير ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود كرواية زهير عن أبي إسحاق وليث وإن كان ضعيف الحفظ فإنه يعتبر به ويستشهد فيعرف أن له من رواية عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه أصلا انتهى كلام الحافظ قوله (سمعت أحمد بن الحسن) ابن جنيدب الترمذي الحافظ الجوال كان من تلامذة أحمد بن حنبل روى عن أبي عاصم والفريابي ويعلى بن عبيد وغيرهم وعنه البخاري والترمذي وابن خزيمة وكان أحد أوعية الحديث مات سنة 502 خمس ومائتين (إذا سمعت الحديث عن زائدة) هو ابن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي أحد الأعلام روى عن سماك بن حرب وزياد بن علاقة وعاصم بن بهدلة وعنه ابن عيينة وابن مهدي وغيرهما وثقه أبو حاتم وغيره مات غازيا بأرض الروم سنة 261 اثنتين وستين ومائة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة ثبت صاحب سنة (وزهير) تقدم ترجمته آنفا (إلا حديث إبى إسحق) قال في الخلاصة قال أحمد زهير سمع من أبي إسحاق بأخرة وقال في هامشها نقلا عن التهذيب وقال أبو زرعة ثقة إلا أنه سمع من أبي إسحاق بعد الاختلاط انتهى (وأبو إسحاق اسمه عمرو بن عبد الله السبيعي الهمداني) قال في التقريب مكثر ثقة عابد من الثالثة يعني من أوساط التابعين اختلط بآخره مات سنة 921 تسع وعشرين ومائة وقيل قبل ذلك انتهى وقال في الخلاصة أحد أعلام التابعين قال أبو حاتم ثقة يشبه الزهري في الكثرة وقال حميد الرؤاسى سمع منه ابن عيينة بعد ما اختلط انتهى قلت
[ 73 ]
هو مدلس صرح به الحافظ في طبقات المدلسين (ولا يعرف اسمه) اسمه عامر لكنه مشهور بكنيته (حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي مولاهم الكوفي أبو عبد الله الكرابيسي الحافظ ربيب شعبة جالسة نحوا من عشرين سنة لقبه غندر قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا قال أبو داود مات سنة 391 ثلاث وتسعين ومائة وقال ابن سعد سنة أربع كذا في الخ صة وقال الحافظ ثقة صحيح الكتاب إلا أن فيه غفلة انتهى (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء قوله (سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئا قال لا) هذا نص صحيح صريح في أن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه شيئا وهو القول الراجح قال الحافظ في التقريب أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود مشهور بكنيته والأشهر أنه لا اسم له غيرها ويقال اسمه عامر كوفي ثقة والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبيه ولم يسمع منه ذكره ابن حبان في الثقات وقال لم يسمع من أبيه شيئا وقال ابن أبي حاتم في المراسيل قلت لأبي هل سمع أبو عبيدة من أبيه قال يقال إنه لم يسمع انتهى وقال الحافظ في الفتح أبو عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح انتهى تنبيه قال العيني في شرح البخاري رادا على الحافظ ما لفظه وأما قول هذا القائل أبو عبيدة لم يسمع من أبيه فمردود بما ذكر في المعجم الأوسط للطبراني من حديث زياد ابن سعد عن أبي الزبير قال حدثني يونس بن عتاب الكوفي سمعت أبا عبيدة بن عبد الله يذكر أنه سمع أباه يقول كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الحديث وبما أخرج الحاكم في مستدركه من حديث أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه في ذكر يوسف عليه السلام وصحح إسناده وبما حسن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه منها لما كان يوم بدر جئ بالأسرى ومنها كان في الركعتين الأوليين كأنه على الرضف ومنها قوله ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله ومن شرط الحديث الحسن أن يكون متصل الإسناد عند المحدثين انتهى كلام العيني قلت لا بد للعيني أن يثبت أولا صحة رواية المعجم الأوسط ثم بعد ذلك يستدل بها على صحة سماع أبي عبيدة ودونه خرط القتاد وأما استدلاله على سماعه من أبيه بما أخرجه الحاكم وتصحيحه فعجيب جدا فإن تساهله مشهور وقد ثبت بسند صحيح عن أبي عبيدة نفسه عدم سماعه من أبيه كما عرفت وأما استدلاله على ذلك بما حسن الترمذي عدة أحاديث رواها عن أبيه فمبني على أنه لم يقف على أن الترمذي قد يحسن الحديث مع الإعتراف بانقطاعه وقد ذكرنا ذلك في المقدمة
[ 74 ]
باب كراهية ما يستنجى به أي في بيان الأشياء التي يكره الإستنجاء بها وقد تقدم في المقدمة مبسوطا أن إطلاق لفظ الكراهية جاء في كلام الله ورسوله بمعنى التحريم والسلف كانوا يستعملون هذا اللفظ في معناه الذي استعمل فيه كلام الله ورسول ولكن المتأخرين اصطلحوا على تخصيص لفظ الكراهية بما ليس بمحرم وتركه أرجح من فعله ثم حمل من حمل منهم كلام الأئمة على الإصطلاح الحادث فغلط في ذلك 18 - قوله (نا حفص بن غياث) بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة ابن طلق بن معاوية النخعي أبو عمر الكوفي القاضي ثقة فقيه تغير حفظه قليلا في الآخر من الثامنة أي من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين كذا في التقريب وقال في مقدمة فتح الباري أجمعوا على توثيقه والاحتجاج به إلا أنه ساء حفظه في الآخر فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه روى له الجماعة (عن داود بن أبي هند) القشيري مولاهم ثقة متقن إلا أنه يهم بآخرة روى عن ابن المسيب وأبي العالية والشعبي وخلق وعنه يحيى بن سعيد قرينة وقتادة كذلك وشعبة والثوري وخلق وثقه أحمد والعجلي وأبو حاتم والنسائي مات سنة 931 تسع وثلاثين ومائة كذا في التقريب والخلاصة (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل الشعبي بفتح الشين أبو عمرو ثقة مشهور فقيه فاضل من الطبقة الوسطى من التابعين قال مكحول ما رأيت أفقه منه وكذلك قال أبو مجلز قال الشعبي أدركت خمسمائة من الصحابة قال ابن عيينة كانت الناس تقول ابن عباس في زمانه والشعبي في زمانه توفي سنة ثلاث ومائة كذا في التقريب والخلاصة (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي ثقة ثبت فقيه عابد من كبار التابعين عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وطائفة وعنه إبراهيم النخعي والشعبي وخلق قال ابن المديني أعلم الناس بابن مسعود علقمة والأسود قال ابن سعد مات سنة 62 اثنتين وستين كذا في التقريب والخلاصة قوله (لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام) جمع عظم وتقدم معنى الروث في الباب المتقدم (فإنه زاد إخوانكم من الجن) قال الطيبي الضمير في فإنه راجع إلى الروث والعظام باعتبار المذكور كما ورد في شرح السنة وجامع الأصول وفي بعض نسخ المصابيح وفي بعضها وجامع
[ 75 ]
الترمذي فإنها فالضمير راجع إلى العظام والروث تابع لها وعليه قوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وقال ابن حجر وإنما سكت عن الروث لأن كونه زادا لهم إنما هو مجاز لما تقرر أنه لدوابهم انتهى كذا في المرقاة وفي رواية مسلم في قصة ليلة الجن وسألوه عن الزاد فقال لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما وكل بعرة لدوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام الجن وحديث الباب يدل على أنه لا يجوز الإستنجاء بالروث والعظم والعلة أنهما من طعام الجن العظام لهم والروث لدوابهم وروى الدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بروث أو عظم وقال أنهما لا يطهران قال الدارقطني بعد روايته إسناده صحيح وهذا الحديث يدل على أن العلة أنهما لا يطهران قال في سبل السلام علل في رواية الدارقطني بأنهما لا يطهران وعلل بأنهما من طعام الجن وعللت الروثة بأنها ركس والتعليل بعدم التطهير فيها عائد إلى كونها ركسا وأما عدم تطهير العظم فإنه لزج لا يتماسك فلا ينشف النجاسة ولا يقطع البلة قال ولاتنافي بين هذه الروايات فقد يعلل الأمر الواحد بعلل كثيرة قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وسلمان وعلي وابن عمر) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري في كتاب الطهارة وفي باب ذكر الجن وأما حديث سلمان فأخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في نصب الراية وأما حديث جابر فأخرجه مسلم عن أبي الزبير عنه بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتمسح بعظم أو بعر وحديث ابن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا النسائي إلا أنه لم يذكر زاد إخوانكم من الجن كذا في المشكاة قوله (وقد روى هذا الحديث إسماعيل بن إبراهيم) بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر البصري المعروف ابن علية ثقة حافظ من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين روى عن أيوب وعبد العزيز بن رفيع وروح بن القاسم وخلق وعنه أحمد وابن راهوية وعلى بن حجر وخلق كثير قال شعبة ابن علية ريحانة الفقهاء قال أحمد إليه المنتهى في الثبت وقال ابن معين كان ثقة مأمونا ورعا تقيا (الحديث بطوله) بالنصب أي أتم الحديث بطوله وأخرج الترمذي هذا الحديث بطوله في تفسير سورة الأحقاف ومسلم في كتاب الصلاة في باب الجهر بالقراءة في الصبح
[ 76 ]
والقراءة على الجن قال الترمذي في التفسير حدثنا علي بن حجر نا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن الشعبي عن علقمة قال قلت لابن مسعود هل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد قال ما صحبة منا أحد ولكن افتقدناه ذات ليلة وهو بمكة اغتيل استطير ما فعل به فبتنا بشر ليلة بات بها قوم حتى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصبح إذا نحن به يجئ من قبل حراء قال فذكروا الذي كانوا فيه قال فقال أتانى داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم قال فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم قال الشعبي سألوه الزاد وكانوا من الجزيرة فقال كل عظم يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أو فرما كان لحما وكل بعرة أو روثة علف لدوابهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تستنجوا بهما فإنهما زاد إخوانكم من الجن هذا حديث حسن صحيح (وكأن رواية إسماعيل أصح من رواية حفص بن غياث) والفرق بين روايتيهما أن رواية إسماعيل مقطوعة ورواية حفص بن غياث مسندة ووجه كون رواية إسماعيل أصح أن حفصا خالف أصحاب داود بن أبي هند فروى هذه الرواية مسندة وهم رووها من قول الشعبي قال النووي في شرح مسلم قال الدارقطني انتهى حديث ابن مسعود عند قوله فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وما بعده من كلام الشعبي كذا رواه أصحاب داود الراوي عن الشعبي وابن علية وابن زريع وابن أبي زائدة وابن إدريس وغيرهم هكذا قال الدارقطني وغيره ومعنى قوله إنه من كلام الشعبي أنه ليس مرويا عن ابن مسعود بهذا الحديث وإلا فالشعبي لا يقول هذا الكلام إلا بتوقيف عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (وفي الباب عن جابر وابن عمر) كذا في النسخ الموجودة عندنا وهو تكرار باب الإستنجاء بالماء 19 - قوله (حدثنا قتيبة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب) الأموي البصري صدوق من كبار العاشرة روى عن عبد الواحد بن زياد وأبي عوانة ويزيد بن زريع وعنه مسلم والترمذي والنسائي وقال لا بأس وابن ماجه مات سنة 244 أربع وأربعين ومائتين (عن
[ 77 ]
قتادة) بن دعامة السدوسي البصري ثقة ثبت يقال ولد أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة قال ابن المسيب ما أتانا عراقي أحفظ من قتادة وقال ابن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال ابن مهدي قتادة أحفظ الناس وقال ابن مهدي قتادة أحفظ من خمسين مثل حميد توفي سنة 117 سبع عشرة ومائة وقد احتج به أرباب الصحاح كذا في التقريب والخلاصة قلت لكنه مدلس (عن معاذة) بنت عبد الله العدوية أم الصهباء البصرية العابدة قال ابن معين ثقة حجة روت عن علي وعائشة وعنها أبو قلابة ويزيد الرشك وأيوب وطائفة قال الذهبي بلغني أنها كانت تحيي الليل وتقول عجبت لعين تنام وقد علمت طول الرقاد في القبور قال ابن الجوزي توفيت سنة 38 ثلاث وثمانون قوله (قالت) أي للنساء (أي يستطيبوا) أي أن يستنجوا والإستطابة الاستنجاء (فأني استحييهم) أي من بيان هذا الأمر (كان يفعله) أي الاستنجاء بالماء قوله (وفي الباب عن جرير بن عبد الله البجلي وأنس وأبي هريرة) أما حديث جرير ابن عبد الله فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث إبراهيم بن جرير عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته فأتاه جرير بأداوة من ماء فاستنجى منها ومسح يده بالتراب قال الحافظ في التقريب إبراهيم بن جرير بن عبد الله البجلي صدوق إلا إنه لم يسمع من أبيه وقد روى عنه بالعنعنة وجاءت رواية بصريح التحديث لكن الذنب لغيره وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوي أداوة من ماء وعنزة فيستنجي بالماء وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه مرفوعا قال نزلت هذه الآية في أهل قباء فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين قال كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم هذه الآية وسنده ضعيف وفي الباب أحاديث صحيحة أخرى ومن هنا ظهر أن قوله من قال من الأئمة إنه لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث ليس بصحيح قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي قوله (وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء وإن كان الاستنجاء
[ 78 ]
بالحجارة يجزئ عندهم إلخ) قال العيني مذهب جمهور السلف والخلف والذي أجمع عليه أهل الفتوى من أهل الأمصار الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيقدم الحجر أولا ثم يستعمل الماء فتخف النجاسة وتقل مباشرتها بيده ويكون أبلغ في النظافة فإن أراد الإقتصار على أحدهما فالماء أفضل لكونه يزيل عين النجاسة وأثرها والحجر يزيل العين دون الأثر لكنه معفو عنه في حق نفسه وتصح الصلاة معه انتهى كلام العيني اعلم أن الإمام البخاري قد بوب في صحيحه باب الاستنجاء بالماء وذكر فيه حديث أنس المذكور قال الحافظ في الفتح أراد البخاري بهذه الترجمة الرد على من كرهه وعلى من لغي وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع عن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم انتهى قلت لعل الترمذي أيضا أراد ما أراد البخاري والله تعالى أعلم باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب 20 - قوله (نا عبد الوهاب الثقفي) هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت أبو محمد البصري ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين روى عن حميد وأيوب وخالد الحذاء وخلق وعنه أحمد وإسحاق وابن معين والمديني ومن القدماء الشافعي قال ابن المديني ليس في الدنيا كتاب عن يحيى الأنصاري أصح من كتاب عبد الوهاب مات سنة 491 أربع وتسعين ومائة (عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني صدوق له أوهام قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روى عن أبيه وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبيدة بن سفيان وذكر كثيرا من شيوخه ثم ذكر أقوال أئمة الحديث فيه وحاصلها ما قال في التقريب من أنه صدوق له أوهام
[ 79 ]
(عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مكثر من الثالثة كذا في التقريب (عن المغيرة بن شعبة) بن مسعود بن معتب الثقفي صحابي مشهور أسلم قبل الحديبية وولي إمرة البصرة ثم الكوفة كذا في التقريب قوله (فأبعد في المذهب) بفتح الميم أي فأبعد في الذهاب عند قضاء الحاجة وفي رواية أبي داود كان إذا ذهب المذهب أبعد قال الشيخ ولى الدين العراقي بفتح الميم وإسكان الذال مفعل من الذهاب ويطلق على معنين أحدهما المكان الذي يذهب إليه والثاني المصدر يقال ذهب ذهابا ومذهبا فيحمل أن يراد المكان فيكون التقدير إذا ذهب في المذهب أي موضع التغوط ويحتمل أن يراد المصدر أي ذهب مذهبا والإحتمال الأول هو المنقول عن أهل العربية وقال به أبو عبيد وغيره وجزم به في النهاية ويوافق الإحتمال الثاني قوله في رواية الترمذي أتى حاجته فأبعد في المذهب فإنه يتعين فيها أن يراد بالمذهب المصدر انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الرحمن بن أبي قراد) بضم القاف وتخفيف الراء الأنصاري صحابي له حديث ويقال له ابن الفاكه وأخرج حديثه النسائي وابن ماجه قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء وكان إذا أراد الحاجة أبعد هذا لفظ النسائي (وأبي قتادة وجابر ويحيى بن عبيد عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وبلال بن الحارث) أما حديث أبي قتادة فلم أقف عليه وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأتي البراز حتى يتغيب فلا يرى وأخرجه أيضا أبو داود قال المنذري فيه إسماعيل بن عبد الملك الكوفي نزيل مكة قد تكلم فيه غير واحد وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني في الأوسط وفيه سعد بن طريف اتهم بالوضع كذا في مجمع الزوائد وأما حديث بلال بن الحارث فأخرجه ابن ماجه وفيه كثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف وقد أجمعوا على ضعفه وقد حسن الترمذي حديثه قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الدارمي وأبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره
[ 80 ]
قوله (وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرتاد لبوله مكانا) أي يطلب مكانا لينا لئلا يرجع إليه رشاش بوله يقال راد وارتاد واستراد كذا في النهاية للجزري ولم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللفظ وقد أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبوأ لبوله كما يتبوأ لمنزله قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد بعد ذكره هو من رواية يحيى بن عبيد بن رجى عن أبيه قال ولم أر من ذكرهما وبقية رجاله موثقون انتهى وأخرج أبو داود عن أبي موسى قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأراد أن يبول فأتى دمثا في أصل جدار فبال ثم قال إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله قوله (اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري) قال في التقريب أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وقيل اسمه إسماعيل ثقة مكثر من الثالثة يعني من الطبقة الوسطى من التابعين وقال في الخلاصة قال عمرو ابن علي ليس له اسم روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وخلق وعنه عمرو وعروة والأعرج والشعبي والزهري وخلق قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث ونقل أبو عبد الله الحاكم أنه أحد الفقهاء السبعة انتهى باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل 21 - قوله (وأحمد بن محمد بن موسى) المروزي أبو العباس السمسار مردويه الحافظ عن بن المبارك وجرير بن عبد الحميد وإسحاق الأزرق وعنه البخاري والترمذي والنسائي وقال لا بأس به مات سنة 532 خمس وثلاثين ومائتين قال الحافظ ابن حجر هو المعروف بمردويه ثقة حافظ انتهى وفي المغني لصاحب مجمع البحار مروديه بمفتوحة وسكون راء وضم مهملة وبتحتية لقب أحمد بن محمد (قالا أنا عبد الله بن المبارك تقدم ترجمته في المقدمة (عن معمر) تقدم (عن أشعت) بن عبد الله بن جابر أبي عبد الله البصري عن أنس وشهرين حوشب
[ 81 ]
وغيرهما وعنه معمر وشعبة وغيرهما وثقة النسائي وغيره وأورده العقيلي في الضعفاء وقال في حديثه وهم قال الذهبي قول العقيلي في حديثه وهم ليس بمسلم وأنا أتعجب كيف لم يخرج له الشيخان وقال الشيخ ولي الدين العراقي لا يعتبر بما وقع في أحكام عبد الحق من أن أشعث لم يسمعه من الحسن فإنه وهم (عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري ثقة فقيه فاضل مشهور يرسل كثيرا ويدلس وهو رأس أهل الطبقة الثالثة قال البزار كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول حدثنا وخطبنا يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة كذا في التقريب قال الشيخ ولي الدين العراقي قد صرح أحمد بن حنبل بسماع الحسن من عبد الله بن مغفل قوله (نهى أن يبول الرجل في مستحمه) أي في مغتسله كما جاء في الحديث الذي أشار إليه الترمذي وقد ذكرنا لفظه قال الجزري في النهاية المستحم الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان استحمام وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شئ فيحصل منه الوسواس انتهى (وقال إن عامة الوسواس) بكسر الواو الأولى وفي رواية أبي داود فإن عامة الوسواس (منه) أي من البول أي من البول في المستحم أي أكثر الوسواس يحصل من البول في المغتسل لأنه يصير الموضع نجسا فيقع في قلبه وسوسة بأنه هل أصابه شئ من رشاشة أم لا قال الجزري في النهاية وسوست إليه نفسه وسوسة ووسوسا بالكسر وهو بالفتح الإسم والوسواس أيضا اسم للشيطان انتهى قوله (وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) أخرجه أبو داود بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله وأخرجه النسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود والمنذري قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري
[ 82 ]
قوله (ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين) هو محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن أبي عمرة البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة 110 عشر ومائة كذا في التقريب وكره ذلك آخرون واستدلوا عليه بحديث الباب وقولهم هو الراجح الموافق لحديث الباب قال الشوكاني في النيل وربط النهي بعلة إفضاء المنهي عنه إلى الوسوسة يصلح قرينة تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة (قيل له) أي لابن سيرين (يقال إن عامة الواسواس منه فقال ربنا الله لا شريك له) قال أبو الطيب السندي في شرحه للترمذي فهو المتوحد في خلقه لا دخل للبول في المغتسل في شئ من الخلق قال بعض العلماء في جوابه إن الله تعالى جعل للأشياء أسبابها فلا بد من التجنب عن الأسباب القبيحة أقول علم قبحه بنهي الشارع عنه انتهى كلام أبي الطيب (وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء) قال الحافظ ولي الدين العراقي حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض وإذا استقر فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبلوعة ونحوها فلا نهي روى ابن أبي شيبة عن عطاء قال إذا كان يسيل فلا بأس وقال ابن ماجه في سننه سمعت على بن محمد الطنافسي يقول إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم لمغتسلاتهم الجص والقير فإذا بال فأرسل عليه فلا بأس به وقال النووي إنما نهى عن الإغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشة فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة قال الشيخ ولي الدين وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي الصلبة يجري ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية انتهى والذي قاله النووي سبقه إليه صاحب النهاية كما عرفت آنفا قلت والأولى أن يحمل الحديث على إطلاقه ولا يقيد المستحم بشئ من القيود فيحترز عن البول في المغتسل مطلقا سواء كان له مسلك أم لا سواء كان المكان صلبا أو لينا فإن الوسواس قد يحصل من البول في المغتسل الذي له مسلك أيضا وكذلك قد يحصل الوسواس منه في
[ 83 ]
المغتسل اللين والصلب كما لا يخفى قوله (حديثا بذلك) أي بقول ابن المبارك المذكور (أحمد بن عبدة الآملي) بالمد وضم الميم يكنى أبا جعفر صدوق من الحادية عشرة روى عنه داود والترمذي (عن حبان) بكسر الحاء المهملة وشدة الموحدة هو حبان بن موسى بن سوار السلمي أبو محمد المروزي عن ابن المبارك وأبي حمزة السكري وعنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قال ابن معين لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة وقال الحافظ ثقة باب ما جاء في السواك هو بكسر السين على الأفصح ويطلق على الآلة وعلى الفعل وهو المراد هنا 22 - قوله (حدثنا أبو كريب) هو محمد بن العلاء بن كريب الهمداني الكوفي مشهور بكنيته ثقة حافظ من العاشرة روى عنه الأئمة الستة (عن أبي سلمة) هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري قوله (لولا أن أشق على أمتي) أي لولا أن أثقل عليهم المشقة وهي الشدة قاله في النهاية يقال شق عليه أي ثقل أو حمله من الأمر الشديد ما يشق ويشتد عليه والمعنى لولا خشية وقوع المشقة عليهم أو أن مصدريه في محل الرفع على الابتداء والخبر محذوف وجوبا أي لولا المشقة موجودة (لأمرتهم) أي وجوبا (بالسواك) أي باستعمال السواك لأن السواك هو الآلة ويستعمل في الفعل أيضا (عند كل صلاة) قال القاري في المرقاة أي عند وضوئها لما روى ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد والبخاري تعليقا في كتاب الصوم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ولخبر أحمد وغيره لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل طهور فتبين موضع السواك عند كل صلاة والشافعية يجمعون بين
[ 84 ]
الحديثين بالسواك في ابتداء كل منهما ثم اعلم أن ذكر الوضوء والطهور بيان للمواضع التي يتأكد استعمال السواك فيها أما أصل استحبابه فلا يتقيد بوقت ولا سبب نعم باعتبار بعض الأسباب يتأكد استحبابه كتغير الفم بالأكل أو بسكوت طويل ونحوهما وإنما لم يجعله علماؤنا من سنن الصلاة نفسها لأنه مظنة جراحة اللثة وخروج الدم وهو ناقض عندنا فربما يفضي إلى حرج ولأنه لم يروا أنه عليه الصلاة والسلام استاك عند قيامه إلى الصلاة فيحمل قوله عليه الصلاة والسلام لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة على كل وضوء بدليل رواية أحمد والطبراني لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء أو التقدير لولا وجود المشقة عليهم بالسواك عند كل صلاة لأمرتهم به لكنى لم آمر به لأجل وجودها وقد قال بعض علمائنا من الصوفية في نصائحه العبادية ومنها مداومة السواك لا سيما عند الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة أو عند كل صلاة رواه الشيخان وروى أحمد أنه عليه الصلاة والسلام قال صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك والباء للالصاق أو المصاحبة وحقيقتهما فيما اتصل حسا أو عرفا وكذا حقيقة كلمة مع وعند والنصوص محمولة على ظواهرها إذا أمكن وقد أمكن ههنا فلا مساغ إذا على حل الحمل على المجاز أو تقدير مضاف كيف وقد ذكر السواك عند نفس الصلاة في بعض كتب الفروع المعتبرة قال في التتارخانية نقلا عن التتمة ويستحب السواك عندنا عند كل صلاة ووضوء وكل شئ يغير الفم وعند اليقظة انتهى وقال الفاضل المحقق ابن الهمام في شرح الهداية ويستحب في خمسة مواضع اصفراء السن وتغير الرائحة والقيام من النوم والقيام إلى الصلاة وعند الوضوء انتهى فظهر أن ما ذكر في الكتب من تصريح الكراهة عند الصلاة معللا بأنه قد يخرج الدم فينتقض الوضوء ليس له وجه نعم من يخاف ذلك فليستعمل بالرفق على نفس الأسنان واللسان دون اللثة وذلك لا يخفى انتهى كلام القاري قلت حديث أبي هريرة المذكور في الباب ورد بألفاظ قال المنذري في الترغيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة رواه البخاري واللفظ له ومسلم إلا أنه قال عند كل صلاة والنسائي وابن حبان في صحيحه إلا أنه قال مع الوضوء عند كل صلاة ورواه أحمد وابن خزيمة في صحيحه وعندهما لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء انتهى ما في الترغيب وذكر الحافظ في بلوغ المرام حديث أبي هريرة لفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء وقال أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا انتهى فلو يحمل قوله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة على كل وضوء كما قال
[ 85 ]
القاري وغيره يرد عليه ما ذكره بعض علماء الحنفية من الصوفية ولو يحمل على ظاهره ويقال باستحباب السواك عند نفس الصلاة أيضا ويجمع بين الروايتين كما قال الشافعية وبعض العلماء الحنفية من الصوفية لا يرد عليه شئ وهو الظاهر فهو الراجح فقد حمله رواية زيد بن خلد الجهني على ظاهره كما رواه الترمذي في هذا الباب وروى الخطيب في كتاب أسماء من روى عن مالك من طريق يحيى بن ثابت عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سوكهم على آذانهم يستنون بها لكل صلاة وروى عن ابن أبي شيبة عن صالح بن كيسا أن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم قال الشيخ العلامة شمس الحق رحمه الله في غاية المقصود ما لفظه وأحاديث الباب مع ما أخرجه مالك وأحمد والنسائي وصححه ابن خزيمة وذكره البخاري تعليقا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء تدل على مشروعية السواك عند كل وضوء وعند كل صلاة فلا حاجة إلى تقدير العبارة بأن يقال أي عند كل وضوء وصلاة كما قدرها بعض الحنفية بل في هذا رد السنة الصحيحة الصريحة وهي السواك عند الصلاة وعلل بأنه لا ينبغي عمله في المساجد لأنه من إزالة المستقذرات وهذا التعليل مردود لأن الأحاديث دلت على استحبابه عند كل صلاة وهذا لا يقتضي أن لا يعمل إلا في المساجد حتى يتمشى هذا التعليل بل يجوز أن يستاك ثم يدخل المسجد للصلاة كما روى الطبراني في معجمه عن صالح بن أبي صالح عن زيد بن خالد الجهني قال ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته لشئ من الصلوات حتى يستاك انتهى وإن كان في المسجد فأراد أن يصلي جاز أن يخرج من المسجد ثم يستاك ثم يدخل ويصلي ولو سلم فلا نسلم أنه من إزالة المستقذرات كيف وقد تقدم أن زيد بن خالد الجهني كان يشهد الصلوات في المساجد وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ثم رده إلى موضعه وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوكهم خلف آذانهم يستنون بها لكل صلاة وأن عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يروحون والسواك على آذانهم انتهى قلت كلام الشيخ شمس الحق هذا كلام حسن طيب لكن صاحب الطيب الشذي لم يرض به فنقل شيئا منه وترك أكثره ثم تفوه بما يدل على أنه لم يفهم كلامه المذكور أو له تعصب شديد يحمله على مثل هذا التفوه
[ 86 ]
وأما حديث أحمد الذي ذكره القاري بلفظ صلاة بسواك أفضل من سبعين صلاة بغير سواك فلم أقف على هذا اللفظ نعم روى أحمد وغيره عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعون ضعفا قال المنذري بعد ذكره رواه أحمد والبزار وأبو يعلى وابن خزيمة في صحيحه وقال في القلب من هذا الخبر شئ فإني أخاف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمعه من ابن شهاب ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد كذا قال ومحمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم في المتابعات وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأن أصلي ركعتين بسواك أحب إلى من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك رواه أبو نعيم في كتاب السواك بإسناد جيد وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك رواه أبو نعيم أيضا بإسناد صحيح انتهى ما في الترغيب قوله (وأما محمد) بن إسماعيل البخاري (فزعم أن حديث أبي سلمة عن زيد بن خالد أصح) قال الحافظ في فتح الباري حكى الترمذي عن البخاري أنه سأله عن رواية محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ورواية محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد فقال رواية محمد بن إبراهيم أصح قال الترمذي كلا الحديثين صحيح عندي قلت رجح البخاري عن طربق محمد بن إبراهيم لأمرين أحدهما أن فيه قصة وهي قول أبي سلمة فكان زيد بن خالد يضع السواك منه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك ثانيهما أنه توبع فأخرج الإمام أحمد من طريق يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو سلمة عن زيد بن خالد فذكر نحوه انتهى كلام الحافظ
[ 87 ]
قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق وعلي وعائشة وابن عباس وحذيفة وزيد بن خالد وأنس وعبد الله بن عمرو وأم حبيبة وابن عمر وأبي أمامة وأيوب وتمام بن عباس وعبد الله بن حنظلة وأم سلمة وواثلة وأبي موسى) أما حديث أبي بكر رضي الله عنه فأخرجه أحمد وأبو يعلى مرفوعا بلفظ السواك مطهرة للفم مرضاة للرب قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد لم يسمع من أبي بكر وأما حديث علي فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء قال الهيثمي فيه ابن إسحاق وهو ثقة مدلس وقد صرح بالتحديث وإسناده حسن انتهى وقد حسن إسناده أيضا المنذري في الترغيب وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما بمثل حديث أبي بكر المذكور وأخرجه البخاري معلقا مجزوما قال المنذري وتعليقات البخاري المجزومة صحيحة انتهى ولعائشة أحاديث أخرى في السواك وأما حديث ابن عباس فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بمثل حديث أبي بكر المذكور وزاد فيه ومجلاة للبصر ولابن عباس أحاديث أخرى في السواك وأما حديث حذيفة فأخرجه الشيخان بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد من الليل يشوس فاه بالسواك وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أبو داود والترمذي وأما حديث أنس فأخرجه البخاري بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أكثرت عليكم في السواك ولأنس أحاديث في السواك وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو نعيم في كتاب السواك بلفظ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك بالأسحار وفي إسناد ابن لهيعة وأما حديث أم حبيبة فأخرجه أحمد وأبو يعلى بلفظ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة قال الهيثمي رجاله ثقات وأما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم مرضاة للرب تبارك وتعالى وفي إسناده ابن لهيعة ولابن عمر أحاديث أخرى في السواك وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ تسوكوا فإن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ما جاءني جبريل إلا أوصاني بالسواك الحديث وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد والترمذي مرفوعا بلفظ أربع من سنن المرسلين الختان والتعطر والسواك والنكاح وأما حديث تمام ابن عباس فأخرجه أحمد والطبراني في
[ 88 ]
الكبير مرفوعا بلفظ ما لكم تدخلون على قلحا استاكوا فلولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل طهور هذا لفظ الطبراني قال الهيثمي فيه أبو علي الصيقل وهو مجهول وأما حديث عبد الله بن حنظلة فلم أقف عليه وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي قال المنذري إسناده لين وأما حديث واثلة وهو ابن الأسقع فأخرجه أحمد والطبراني مرفوعا بلفظ قال أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي قال المنذري فيه ليث بن سليم وأما حديث أبي موسى فأخرجه الشيخان في السواك على طرف اللسان أعلم أنه قد جاء في السواك أحاديث كثيرة عن هؤلاء الصحابة المذكورين وغيرهم رضوان الله عليهم في الصحاح وغيرها ذكرها الحافظ عبد العظيم المنذري في الترغيب والحافظ الهيثمي في موضعين من كتابه مجمع الزوائد والحافظ ابن حجر في التلخيص والشيخ على المتقي في كنز العمال من شاء الإطلاع عليها فليرجع إلى هذه الكتب 23 - قوله (نا عبدة) تقدم (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبو عبد الله المدني ثقة له أفراد من الرابعة روى عن أنس وجابر وغيرهما وعنه يحيى بن أبي كثير وابن إسحاق وعدة قال ابن سعد كان فقيها محدثا وقال أحمد يروي مناكير ووثقه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن خراش توفي سنة 021 عشرين ومائة قوله (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) أي بفرضيته أي لولا مخافة المشقة عليهم بالسواك عند كل صلاة لأمرت به وفرضت عليهم لكن لم آمر به ولم أفرض عليهم لأجل خوف المشقة قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة اختلف العلماء في السواك فقال إسحاق إنه واجب ومن تركه عمدا أعاد الصلاة وقال الشافعي سنة من سنن الوضوء واستحبه مالك في كل حال يتغير فيه الفم وأما من أوجبه فظاهر الأحاديث تبطل قوله فأما القول بأنه سنة أو مستحب فمتعارف وكونه سنة أقوى انتهى (ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل) يأتي الكلام عليه في موضعه (قال) أي أبو سلمة (فكان زيد بن خالد) راوي الحديث (يشهد الصلوات) أي الخمس أي يحضرها (في المسجد) للجماعة (وسواكه على أذنه) بضم الذال ويسكن والجملة حال (موضع
[ 89 ]
القلم من أذن الكاتب) أي والحال أن سواكه كان موضوعا على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب (لا يقوم إلى الصلاة إلا استن) أي استاك والاستنان استعمال السواك (ثم رده) أي السواك (إلى موضعه) أي من الأذن وفي رواية أبي داود قال أبو سلمة فرأيت زيدا يجلس في المسجد وإن السواك من أذنه موضع القلم من أذن الكاتب فكلما قام إلى الصلاة استاك قال القاري في المرقاة قد انفرد زيد بن خالد به فلا يصلح حجة أو استاك لطهارتها انتهى قلت فيه أنه لم ينفرد به زيد بن خالد كما عرفت ثم صنيعه هذا يدل عليه ظاهر حديث الباب وليس ينفيه شئ من الأحاديث المرفوعة فكيف لا يكون حجة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء 24 - قوله (حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار) بفتح الموحدة وتشديد الكاف هو أحمد بن عبد الرحمن بن بكار بن عبد الملك بن الوليد بن أبي أرطاة قال الحافظ صدوق وتكلم فيه بلا حجة (من ولد بسر بن أرطاة) بضم الواو وسكون اللام جمع ولد بسر بضم الموحدة وسكون المهملة ويقال له بسر بن أبي أرطاة (قال نا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية روى عن ابن عجلان والأوزاعي وغيرهما وعنه أحمد وإسحاق وابن المديني وخلق مات سنة 591 خمس وتسعين ومائة (عن الأوزاعي) اسمه عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الفقيه ثقة جليل قال ابن سعد كان ثقة مأمونا فاضلا خيرا كثير الحديث والعلم والفقه قال إسحاق إذا اجتمع الأوزاعي والثوري ومالك على الأمر فهو سنة مات سنة 751 سبع وخمسين ومائة (عن الزهري) اسمه محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري وكنيته أبو بكر
[ 90 ]
الفقيه الحافظ متفق على جلالته وإتقانه وهو من رؤوس الطبقة الرابعة كذا في التقريب ومحمد بن مسلم هذا معروف بالزهري وابن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بن حزن أبي وهب بن عمرو القرشي المخزومي أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية قال ابن المديني لا أعلم في التابعين أوسع علما منه مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين كذا في التقريب (وأبي سلمة) هو ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني أحد الأعلام قال عمرو بن علي ليس له اسم روى عن أبيه وأسامة بن زيد وأبي أيوب وأبي هريرة وغيرهم وعنه ابنه عمر وعروة والأعرج والزهري وغيرهم قال ابن سعد كان ثقة فقيها كثير الحديث مات سنة 49 أربع وتسعين وكان مولده في بضع وعشرين قوله (إذا استيقظ أحدكم من الليل) كذا في رواية الترمذي وابن ماجه وفي رواية الشيخين إذا استيقظ أحدكم من نومه وليس في روايتهما من الليل (فلا يدخل) من الإدخال وفي رواية الشيخين فلا يغمس (يده في الإناء) أي في إناء الماء (حتى يفرغ) من الإفراغ أي حتى يصب الماء (عليها) أي على يده (مرتين أو ثلاثا) وفي رواية مسلم وغيره حتى يغسلها ثلاثا وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني حتى يغسلها ثلاث مرات (فإنه لا يدري أين باتت يده) روى النووي عن الشافعي وغيره من العلماء أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة وبلادهم حارة فإذا ناموا عرقوا فلا يؤمن أن تطوف يده على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة والنهي عن الغمس قبل غسل اليد مجمع عليه لكن الجماهير على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو غمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وقال التوبشتي هذا في حق من بات مستنجيا بالأحجار معروريا ومن بات على خلاف ذلك ففي أمره سعة ويستحب له أيضا غسلها لأن السنة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى كذا في المرقاة قوله (وفي الباب عن ابن عمر وجابر وعائشة) أما حديث ابن عمر فأخرجه الدارقطني وقال إسناده حسن ولفظه إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده أو أين طافت يده وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والدارقطني وأما حديث عائشة فأخرجه ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه وهم كذا في النيل
[ 91 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (قال الشافعي وأحب لكل من استيقظ من النوم قائلة كانت أو غيرها أن لا يدخل يده في وضوئه فإن أدخل يده قبل أن يغسلها كرهت ذلك له ولم يفسد ذلك الماء إذا لم يكن على يده نجاسة) فحمل الشافعي حديث الباب على الاستحباب وهو قول الجمهور قال ابن تيمية في المنتقى وأكثر العلماء حملوا هذا يعني حديث الباب على الاستحباب مثل ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات فإن الشيطان يبيت على خياشيمه متفق عليه انتهى قال الشوكاني في النيل وإنما مثل المصنف محل النزاع بهذا الحديث لأنه قد وقع الإتفاق على عدم وجوب الاستنثار عند الإستيقاظ ولم يذهب إلى وجوبه أحد انتهى وقال أحمد ابن حنبل إذا استيقظ من الليل فأدخل يده في وضوئه قبل أن يغسلها فأعجب إلى أن يهريق الماء قال في المرقاة ذهب الحسن البصري والإمام أحمد في إحدى الروايتين إلى الظاهر وحكما بنجاسة الماء كذا نقله الطيبي قال الشمني عن عروة بن الزبير أحمد بن جنبل وداود أنه يجب على المستيقط من نوم الليل غسل اليدين لظاهر الحديث انتهى ما في المرقاة وقال النووي في شرح مسلم تحت حديث الباب فيه النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وحكى أصحابنا عن الحسن البصري أنه ينحبس أن كان قام من نوم الليل وحكاه أيضا عن إسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري وهو ضعيف جدا فإن الأصل في الماء واليد الطهارة فلا ينجس بالشك وقواعد الشرع متظاهرة على هذا قال ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكى عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده أو هذا عام لوجود
[ 92 ]
احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده انتهى كلام النووي (وقال إسحاق) هو ابن راهوية (إذا استيقظ من النوم بالليل أو النهار فلا يدخل يده في وضوئه حتى يغسلها) فلم يخص إسحاق بن راهويه الحكم بالاستيقاظ من نوم الليل كما خصه به الإمام أحمد قلت القول الراجح عندي هو ما ذهب إليه إسحاق والله تعالى أعلم وأما إذا أدخل يده في الإناء قبل غسلها فهل صار الماء نجسا أم لا فالظاهر أن الماء صار مشكوكا فحكمه حكم الماء المشكوك والله تعالى أعلم واعلم أن الجمهور اعتذروا عن حمل حديث الباب على الوجوب بأعذار لا يطمئن بواحد منها قلبي فمن اطمأن بها قلبه فليقل بما قال به الجمهور باب في التسمية عند الوضوء ورد في هذا الباب أحاديث كثيرة واختلف أئمة الحديث في صحتها وضعفها فقال بعضهم كل ما روي في هذا الباب فهو ليس بقوي وقال بعضهم لا يخلو هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح وقال الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا انتهى قلت الأمر كما قال الحافظ ومقتضى أحاديث الباب هو الوجوب والله تعالى أعلم 25 - قوله (حدثنا نصر بن علي) بن نصر بن علي الجهضمي ثقة ثبت طلب للقضاء فامتنع من العاشرة كذا في التقريب وقال في الخلاصة أحد أئمة البصرة روى عن المعتمر ويزيد بن زريع وابن عيينة وخلق وعنه ع يعني الأئمة الستة قال أبو حاتم هو عندي أوثق من
[ 93 ]
الفلاس وأحفظ قال البخاري مات سنة 052 خمسين ومائتين (وبشر بن معاذ) البصري الضرير يكنى أبا سهل صدوق من العاشرة (والعقدي) بفتح المهملة والقاف (نا بشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد من الثامنة) (عن عبد الرحمن بن حرملة) بن عمرو بن سنة الأسلمي المدني صدوق ربما أخطأ (عن أبي ثقال) بكسر المثلثة بعدها فاء (المري) بضم الميم وتشديد الراء اسمه ثمامة بن وائل بن حصين وقد ينسب لجده وقيل اسمه وائل بن هاشم بن حصين وهو مشهور بكنيته مقبول من الخامسة كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال البخاري في حديثه نظر انتهى كذا في الخلاصة (عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب) بفتح الراء وبالموحدة المدني قاضيها قال في التقريب مقبول (عن جدته) وفي رواية الحاكم حدثتني جدتي أسماء بنت سعيد بن زيد بن عمرو أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في التقريب أسماء بنت سعيد بن زيد ابن عمرو بن نفيل لم تسم في الكتابين يعني جامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسماها البيهقي ويقال إن لها صحبة انتهى وذكرها الحافظ الذهبي في الميزان في النسوة المجهولات (عن أبيها) هو سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أبو الأعور أحد العشرة قوله (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) قال الشاه ولي الله الدهلوي في كتابه حجة الله البالغة هو نص على أن التسمية ركن أو شرط ويحتمل أن يكون المعنى لا يكمل الوضوء لكن لا أرتضي بمثل هذا التأويل فإنه من التأويل البعيد الذي يعود بالمخالفة على اللفظ انتهى قلت لا شك في أن هذا الحديث نص على أن التسمية ركن للوضوء أو شرط له لأن ظاهر قوله لا وضوء أنه لا يصح ولا يوجد إذ الأصل في النفي الحقيقة قال القاري في المرقاة قال القاضي هذه الصيغة حقيقة في نفي الشئ ويطلق مجازا على الاعتداد به لعدم صحته كقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة إلا بطهور وعلى نفي كماله كقوله عليه الصلاة والسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد وههنا محمولة على نفي الكمال خلافا لأهل الظاهر لما روى ابن عمر
[ 94 ]
وابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه ومن توضأ ولم يذكر اسم الله عليه كان طهورا لأعضاء وضوئه والمراد بالطهارة من الذنوب لأن الحدث لا يتجزأ انتهى قلت حديث ابن عمر وابن مسعود هذا ضعيف رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر وفيه أبو بكر الداهري عبد الله بن الحكم وهو متروك ومنسوب إلى الوضع ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث أبي هريرة وفيه مرداس بن محمد ابن عبد الله بن أبان عن أبيه وهما ضعيفان ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث ابن مسعود وفي إسناده يحيى بن هشام السمسار وهو متروك فالحديث لا يصلح للاحتجاج فلا يصح الاستدلال به على أن النفي في قوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه محمول على نفي الكمال فإن قلت قد صرح ابن سيد الناس في شرح الترمذي بأنه قد روي في بعض الروايات لا وضوء كاملا وقد استدل به الرافعي فهذه الرواية صريحة في أن المراد في قوله لا وضوء في حديث الباب نفي الكمال قلت قال الحافظ في التلخيص لم أره هكذا انتهى فلا يعلم حال هذه الرواية كيف هي صالحة للاحتجاج أم لا والله تعالى أعلم قوله (في الباب عن عائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وسهل بن سعد وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه البزار وأبو بكر بن أبي شيبة في مسنديهما وابن عدي وفي إسناده حارثة بن محمد وهو ضعيف وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني وابن السكن والحاكم والبيهقي من طريق محمد ابن موسى المخزومي عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة بهذا اللفظ ورواه الحاكم من هذا الوجه فقال يعقوب بن أبي سلمة وادعى أنه الماجشون وصححه لذلك فوهم والصواب أنه الليثي قال الحافظ قال البخاري لا يعرف له سماع من أبيه ولا لأبيه من أبي هريرة وأبوه ذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ وهذه عبارة عن ضعفه فإنه قليل الحديث جدا ولم يرو عنه سوى ولده فإذا كان يخطئ مع قلة ما روى فكيف يوصف بكونه ثقة قال ابن الصلاح انقلب إسناده على الحاكم فلا يحتج لثبوته بتخريجه له وتبعه النووي وله طرق أخرى كلها ضعيفة وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد والدارمي والترمذي في العلل وابن ماجه وابن السكن والبزار والدارقطني والحاكم
[ 95 ]
والبيهقي بلفظ حديث الباب وزعم ابن عدي أن زيد بن الحباب تفرد به عن كثير بن زيد قال الحافظ وليس كذلك فقد رواه الدارقطني من حديث أبي عامر العقدي وابن ماجه من حديث أبي أحمد الزهري وكثير بن زيد قال ابن معين ليس بالقوي وقال أبو زرعة صدوق فيه لين وقال أبو حاتم صالح الحديث ليس بالقوي يكتب حديثه وكثير بن زيد رواه عن ريح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد وربيح قال أبو حاتم شيخ وقال البخاري منكر الحديث وقال أحمد ليس بالمعروف وقال المروزي لم يصححه أحمد وقال ليس فيه شئ يثبت وقال البزار كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي وذكر أنه روى عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة وقال العقيلي الأسانيد في هذا الباب فيها لين وقد قال أحمد بن حنبل إنه أحسن شئ في هذا الباب وقد قال أيضا لا أعلم في التسمية حديثا صحيحا وأقوى شئ فيه حديث كثير بن زيد عن ربيح وقال إسحاق هذا يعني حديث أبي سعيد أصح ما في الباب وأما حديث سهل ابن سعد فأخرجه ابن ماجه والطبراني وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد بن سعد وهو ضعيف وتابعه أخوه أبي بن عباس وهو مختلف فيه وأما حديث أنس فأخرجه عبد الملك بن حبيب الأندلسي وعبد الملك شديد الضعف قوله (قال أحمد لا أعلم في هذا الباب حديثا له إسناد جيد) وقال البزار كل ما روي في هذا الباب فليس بقوي قلت أحاديث هذا الباب كثيرة يشد بعضها بعضا فمجموعها يدل أن لها أصلا قال الحافظ ابن حجر والظاهر أن مجموع الأحاديث يحدث منها قوة تدل على أن له أصلا وقال أبو بكر بن أبي شيبة ثبت لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وقال ابن سيد الناس في شرح الترمذي لا يخلوا هذا الباب من حسن صريح وصحيح غير صريح انتهى وقال الحافظ المنذري في الترغيب وفي الباب أحاديث كثيرة لا يسلم شئ منها عن مقال وقد ذهب الحسن وإسحاق بن راهويه وأهل الظاهر إلى وجوب التسمية في الوضوء حتى إنه إذا تعمد تركها أعاد الوضوء وهو راوية عن الإمام أحمد ولا شك أن الأحاديث التي وردت فيها إن كان لا يسلم شئ منها عن مقال فإنها تتعاضد بكثرة طرقها وتكتسب قوة انتهى كلام المنذري وحديث الباب أعني حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه والبزار والدارقطني والعقيلي والحاكم وأعل بالاختلاف والإرسال وفي إسناده أبو ثفال عن رباح مجهولان فالحديث ليس بصحيح قاله أبو حاتم وأبو زرعة وقد أطال الكلام على
[ 96 ]
حديث سعيد بن زيد هذا الحافظ ابن حجر في التلخيص قوله (وقال إسحاق إن ترك التسمية عامدا أعاد الوضوء وإن كان ناسيا أو متأولا أجزأه) فعند إسحاق التسمية واجب في الوضوء وهو قول الظاهرية وإحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل واختلفوا هل هي واجبة مطلقا أو على الذاكر فعند إسحاق على الذاكر وعند الظاهرية مطلقا وذهبت الشافعية والحنفية ومالك وربيعة إلى أنها سنة واحتج الأولون بأحاديث الباب واحتج الآخرون بحديث ابن عمر مرفوعا من توضأ وذكر اسم الله كان طهورا لجميع بدنه الحديث وقد تقدم وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج قوله (قال محمد بن إسماعيل أحسن شئ في هذا الباب حديث رباح بن عبد الرحمن) يعني حديث سعيد بن زيد المذكور في هذا الباب وقال أحمد أقوى شئ فيه حديث كثير ابن زيد عن ربيح يعني حديث أبي سعيد وسئل إسحاق بن راهويه أي حديث أصح في التسمية فذكر حديث أبي سعيد قوله (وأبو ثفال المرى أسمه ثمامة) بضم المثلثة (بن حصين) بالتصغير وحصين جد أبي ثقال واسم أبيه وائل كما تقدم (فنسبه إلى جده) أي إلى جده الأعلى
[ 97 ]
باب ما جاء في المضمضة والإستنشاق أصل المضمضة في اللغة التحريك ومنه مضمض النعاس في عينية إذا تحركتا بالنعاس ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه كذا في الفتح والاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف 27 - قوله (وجرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة وهو من رجال الكتب الستة (عن منصور) بن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ثقة ثبت وكان لا يدلس من طبقة الأعمش مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة وهو من رجال الكتب الستة أيضا (عن هلال بن يساف) قال في التقريب بكسر التحتية وكذا في القاموس وقال الخزرجي بفتح التحتية الأشجعي مولاهم ثقة من أوساط التابعين (عن سلمة بن قيس) الأشجعي صحابي سكن الكوفة قوله إذا توضأت فانتثر قال في القاموس استنثر استنشق الماء ثم استخرج بنفس الأنف كانتثر انتهى وقال الحافظ الاستنثار هو طرح الماء الذي يستنثقه المتوضئ أي يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا وحكي عن مالك كراهية فعله بغير إعانة اليد لكونه يشبه فعل الدابة والمشهور عدم الكراهة وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى بوب عليه النسائي وأخرجه مقيد بها من حديث علي انتهى (وإذا استجمرت) أي إذا استعملت الجمار وهي الحجارة الصغار في الاستنجاء (فأوتر) أي ثلاثا أو خمسا ووقع في رواية أبي هريرة من استجمر فليوتر من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه قال الحافظ في الفتح وهذه الزيادة حسنة الإسناد وأخذ بهذه الرواية أبو حنيفة ومالك فقالوا لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار وأخذ الشافعي وأحمد وأصحاب
[ 98 ]
الحديث بحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء وإذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى ويستحب حينئذ الإيتار لقوله من استجمر فليوتر وليس بواجب لقوله من لا فلا حرج وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب انتهى قوله (وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معد يكرب ووائل بن حجر) أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان وأما حديث لقيط بن صبرة فأخرجه أحمد وأهل السنن الأربع والشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وفيه وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما وفي رواية من هذا الحديث إذا توضأت فمضمض أخرجها أبو داود وغيره قال الحافظ في الفتح إن إسنادها صحيح وقد رد الحافظ في التلخيص ما أعل به حديث لقيط بن صبرة من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال ليس بشئ لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذي والبغوي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وقال النووي هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والحاكم وصححه ابن القطان ولفظه استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا كذا في التلخيص وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه الطبراني في الكبير والبزار وفيه سعيد بن عبد الجبار قال النسائي ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات وفي مسند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد ص 94 ج 1 وفي الباب أحاديث أخرى منها حديث أبي هريرة إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر أخرجه الشيخان قوله (حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح) وأخرجه النسائي قوله (فقالت طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة ورأوا ذلك في
[ 99 ]
الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق) واستدلوا بأحاديث الباب وقولهم هو الراجح لثبوت الأمر بهما والأصل في الأمر الوجوب مع ثبوت مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما (وقال أحمد الاستنشاق أو كد من المضمضة) لما ورد في حديث لقيط بن صبرة وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما (وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة ومن تبع فعند هؤلاء المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء وواجبان في غسل الجنابة واستدلوا على عدم الوجوب في الوضوء بحديث عشر من سنن المرسلين وقد رده الحافظ في التلخيص وقال إنه لم يرد بلفظ عشر من السنن بل بلفظ من الفطرة ولو ورد لم ينتهض دليلا على عدم الوجوب لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى الأصولي واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ المضمضة والاستنشاق سنة رواه الدارقطني قال الحافظ وهو حديث ضعيف واستدلوا أيضا بما رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار ورد بأن الأمر بغسل الوجه أمر بها وبأن وجوبها ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر منه أمر من الله تعالى بدليل وما آتاكم الرسول فخذوه قوله (وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة إلخ) ليس لهذه الطائفة دليل صحيح وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل والله تعالى أعلم
[ 100 ]
باب في المضمضة والاستنشاق من كف واحد 28 - قوله (حدثنا يحيى بن موسى) بن عبد ربه الحدني البلخي أبو زكريا لقبهخت بفتح المعجمة وتشديد المثناة ثقة روى عن الوليد بن مسلم ووكيع وغيرهما وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي والسراج وقال مأمون مات سنة 042 أربعين ومائتين كذا في التقريب والخلاصة (نا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي أبو إسحاق الفراء الصغير الرازي الحافظ أحد بحور الحديث وكان أحمد ينكر على من يقول الصغير ويقول هو كبير في العلم والجلالة روى عن أبي الأحوص وخالد الطحان وغيرهما وعنه البخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم قال أبو زرعة كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن وأحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة وثقة النسائي مات بعد العشرين ومائتين (نا خالد) هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد المزني مولاهم الواسطي الطحان ثقة ثبت قال أحمد كان ثقة دينا بلغني أنه اشترى نفسه من الله ثلاث مرات يتصدق بوزن نفسه فضة (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله بن زيد وثقة أبو حاتم والنسائي (عن أبيه) هو يحيى بن عمارة وثقة النسائي وغيره (عن عبد الله بن زيد) هو عبد الله بن زيد بن عاصم وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه صاحب الأذان كذا قاله الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين وغلطوا سفيان بن عيينة في قوله هو هو وممن نص على غلطه في ذلك البخاري في كتاب الاستسقاء من صحيحه وقد قيل إن صاحب الأذان لا يعرف له غير حديث الأذان والله أعلم قاله النووي قوله (مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا) وفي رواية مسلم مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا وكذلك وقع في رواية البخاري قال النووي فيه حجة صريحة للمذهب الصحيح المختار أن السنة في المضمضة والاستنشاق أن يكون بثلاث غرفات يتمضمض ويستنشق من كل واحدة منها انتهى وقال الحافظ في الفتح وهو صريح في الجمع في كل مرة انتهى
[ 101 ]
قلت حديث عبد الله بن زيد هذا دليل صحيح صريح لمن قال إن المستحب في المضمضة والاستنشاق أن يجمع بينهما بثلاث غرفات بأن يتمضمض ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة ثم يتمضمض ويستنشق من غرفة وإليه ذهب طائفة من أهل العلم وإليه ذهب الشافعي كما هو المشهور عنه وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد وكان هديه صلى الله عليه وسلم الوصل بين المضمضة والاستنشاق كما في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثا وفي لفظ تمضمض واستنثر غرفات فهذا أصح ما روى في المضمضة والاستنشاق ولم يجئ الفصل بين المضمضة والاستنشاق في حديث صحيح البتة انتهى فإن قلت قال القاري في المرقاة قوله مضمض واستنشق من كف واحد فيه حجة للشافعي كذا قاله ابن الملك وغيره من أئمتنا والأظهر أن قوله من كف تنازع فيه الفعلان والمعنى مضمض من كف وقيد الواحدة احترازا عن التثنية انتهى وقال العيني في شرح البخاري ص 096 ج 1 والجواب عما ورد في الحديث فتمضمض واستنشق بكف واحد أنه محتمل لأنه يحتمل أنه تمضمض واستنشق بكف واحد بماء واحد ويحتمل أنه فعل ذلك بكف واحد بمياه والمحتمل لا يقوم به حجة ويرد هذا المحتمل إلى الحكم الذي ذكرنا توفيقا بين الدليلين وقد يقال إن المراد استعمال الكف الواحد بدون الاستعانة بالكفين انتهى كلام العيني قلت قوله صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد فعل ذلك ثلاثا هو ظاهر في الجمع بين المضمضة والاستنشاق ولذلك قال ابن الملك وغيره من الأئمة الحنفية فيه حجة للشافعي وقد جاءت أحاديث أخرى صحيحة صريحة في الجمع لا احتمال فيها غيره فمنها حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة وجمع بين المضمضة والاستنشاق رواه الدارمي وابن حبان والحاكم وإسناده حسن ومنها حديث ابن عباس أيضا قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فغرف غرفة فتمضمض واستنشق ثم غرف غرفة فغسل وجهه ثم غرف غرفة فغسل يده اليمنى رواه النسائي ومنها حديث ابن عباس أيضا أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه الحديث وفي آخره ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ رواه البخاري في باب غسل الوجه
[ 102 ]
باليدين من غرفة واحدة ومنها حديث علي رواه أبو داود عن عبد خير قال رأيت عليا أتى بكرسي فقعد عليه ثم أتى بكوز من ماء فغسل يده ثلاثا ثم تمضمض مع الاستنشاق بماء واحد وسكت عنه أبو داود والمنذري ورواه النسائي بلفظ ثم مضمض واستنشق بكف واحد وفي آخر من سره أن ينظر إلى طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا طهوره ولأبي داود الطيالسي في حديث علي ثم تمضمض ثلاثا مع الاستنشاق بماء واحد كما في التلخيص الحبير للحافظ ابن حجر فظهر أن ما ذكره القاري والعيني من التأويل لا يليق أن يلتفت إليه ولذلك لم يرض به العيني نفسه حيث قال في شرح البخاري بعد ما ذكر من التأويل وفيه نظر لا يخفى والأحسن أن يقال إن كل ما روي من ذلك في هذا الباب هو محمول على الجواز انتهى وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية وذكر السغناقي في النهاية بعد ما ذكر مستند الشافعي أنه عليه الصلاة والسلام كان يتمضمض ويستنشق بكف واحد له عندنا تأويلان أحدهما أنه لم يستعن في المضمضة والاستنشاق باليدين كما في غسل الوجه والثاني أنه فعلهما باليد اليمنى ورده العيني بأن الأحاديث المصرحة بأنه تمضمض واستنشق بماء واحد لا يمكن تأويلها بما ذكره انتهى كلام بعض العلماء وأعلم أن مذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي المشهور هو الوصل بين المضمضة والاستنشاق وحجتهم حديث عبد الله بن زيد المذكور في الباب والأحاديث التي ذكرناها ومذهب الإمام أبي حنيفة الفصل بينهما بأن يتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات ثم يستنشق كذلك وحجتهم حديث كعب بن عمرو قال العيني في عمدة القاري ص 096 ج 1 وأما وجه الفصل بينهما كما هو مذهبنا فما رواه الطبراني عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمرو اليامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا فأخذ لكل واحدة ماء جديدا وكذا روى عنه أبو داود في سننه وسكت عنه وهو دليل رضاه بالصحة انتهى كلام العيني قلت حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده الذي رواه أبو داود في سننه والطبراني في معجمه ضعيف لا تقوم بمثله حجة لأن في سنديهما ليث بن أبي سليم وهو ضعيف اختلط أخيرا لم يميز حديثه فترك وأيضا في سنديهما مصرف بن عمرو وهو مجهول قال الحافظ ابن حجر في التلخيص ص 28 أما حديث طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده فرواه أبو داود في حديث فيه
[ 103 ]
ورأيته يفصل بين المضمضة والاستنشاق وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وقال ابن حبان كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ويأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم تركه يحيى بن القطان وابن مهدي وابن معين وأحمد ابن حنبل وقال النووي في تهذيب الأسماء اتفق العلماء على ضعفه انتهى وقال في التقريب صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك انتهى وقال فيه مصرف بن عمرو بن كعب بن عمرو واليامي الكوفي روى عنه طلحة بن مصرف مجهول انتهى والعلامة العيني ذكر حديث الطبراني ولم يذكر سنده بتمامه وسنده هكذا قال الطبراني حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا شيبان بن فروخ ثنا أبو سلمة الكندي ثنا ليث ابن أبي سليم حدثني طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بن عمر واليامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ إلخ هكذا في تخريج الهداية للزيلعي واحتج الحنفية أيضا على الفصل بالأحاديث التي وقع فيها لفظ مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا وأنت تعلم أن هذا اللفظ ليس صريحا فيما ذهبوا إليه من الفصل بل هو محتمل فإنه يحتمل أن يكون معناه أنه مضمض ثلاثا بثلاث غرفات أخرى واستنشق ثلاثا بثلاث غرفات ويحتمل أن يكون معناه أنه مضمض واستنشق بغرفة ثم فعل هكذا ثم فعل هكذا فللقائلين بالوصل أن يجيبوا عن هذا بمثل ما أجاب الحنفية عن حديث عبد الله ابن زيد المذكور بأن يقولوا هذا محتمل والمحتمل لا يقوم به حجة أو يرد هذا المحتمل إلى الأحاديث المحكمة الصريحة في الوصل المذكور توفيقا بين الدليلين واحتجوا أيضا بما رواه ابن السكن في صحاحه عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال شهدت علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان توضئا ثلاثا ثلاثا وأفردا المضمضة من الاستنشاق ثم قالا هكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ذكره الحافظ في التلخيص قلت ذكر الحافظ هذا الحديث في التلخيص لكنه لم يذكر سنده ولم يبين أنه صحيح أو حسن فلا يعلم حال إسناده فمتى لم يعلم أنه حسن أو صحيح لا يصلح للاحتجاج ولو فرض أن هذا الحديث قابل للاحتجاج وأن الأحاديث التي وقع فيها مضمض ثلاثا واستنشق ثلاثا تدل صراحة على الفصل فيقال إن الفصل والوصل كلاهما ثابتان جائزان كما قال العلامة العيني
[ 104 ]
الأحسن أن يقال إن كل ما روى من ذلك فهو محمول على الجواز وقد تقدم قوله هذا وقال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام ومع ورود الروايتين بالجمع وعدمه فالأقرب التخيير وأن الكل سنة وإن كان رواية الجمع أكثر وأصح انتهى وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي الجمع أقوى في النظر وعليه يدل الظاهر من الأثر وقد أخبرنا شيخنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أحمد القيسي قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له أجمع بين المضمضة والاستنشاق في غرفة واحدة قال نعم فائدة اعلم أن اختلاف الأئمة في الوصل والفصل إنما هو في الأفضلية لا في الجواز وعدمه وقد صرح به الخطيب الشافعي وابن أبي زيد المالكي وغيرهما وذكر صاحب الفتاوي الظهيرية إنه يجوز عند أبي حنيفة أيضا وصل المضمضة بالاستنشاق قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عباس) تقدم تخريجه قوله (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن غريب) حديث عبد الله بن زيد هذا أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما فالظاهر أن يقول حديث صحيح (ولم يذكروا هذا الحرف) أي هذا اللفظ (أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحد) بيان لقوله هذا الحرف (وخالد ثقة حافظ عند أهل الحديث) يعني والزيادة من الثقة الحافظ مقبول قوله (قال بعض أهل العلم إلخ) ذكر الترمذي هنا ثلاثة أقوال لكن لا يظهر الفرق بين الثاني والثالث فتفكر (وقال الشافعي إن جمعها في كف فهو جائز وإن فرقهما فهو أحب) جاء عن الشافعي في هذه المسألة قولان أحدهما كقول أبي حنيفة وهو الذي نقله الترمذي ههنا والثاني أن يتمضمض بغرفة ويستنشق بها ثم هكذا ثم هكذا وهذا هو المشهور عنه قال العيني في عمدة
[ 105 ]
القاري ص 690 ج 1 روى البويطي عن الشافعي أن يأخذ ثلاث غرفات للمضمضة وثلاث غرفات للاستنشاق وفي رواية غيره عنه في الأم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف غرفة يتمضمض بها ويستنشق ثم يغرف ثالثة يتمضمض بها ويستنشق فيجمع في كل غرفة بين المضمضة والاستنشاق واختلف نصه في الكيفيتين فنص في الأم وهو نص مختصر المزني أن الجمع أفضل ونص البويطي أن الفصل أفضل ونقله الترمذي عن الشافعي قال النووي قال صاحب المهذب القول بالجمع أكثر في كلام الشافعي وهو أكثر في الأحاديث الصحيحة انتهى كلام العيني باب ما جاء في تخليل اللحية بكسر اللام وسكون الحاء اسم لجمع من الشعر ينبت على الخدين والذقن 29 - قوله (حدثنا ابن أبي عمر) هو محمد بن يحيى بن أبي عمر المدني نزيل مكة تقدم (عن عبد الكريم بن أبي المخارق) بضم الميم وبالخاء المعجمة المعلم البصري نزيل مكة واسم أبيه قيس وقيل طارق ضعيف (أبي أمية) كنية عبد الكريم (عن حسان بن بلال) المزني البصري روى عن عمار بن ياسر وحكيم بن حزام وعنه أبو قلابة وأبو بشر وغيرهما وثقه ابن المديني قوله (فخلل لحيته) أي أدخل أصابعه في خلال لحيته (فقيل له) أي لعمار (أو قال) أي حسان بن بلال (فقلت له) أي لعمار (يخلل لحيته) قال ابن العربي أي يدخل يده في خللها وهي الفروج التي بين الشعر ومنه فلان خليل فلان أي يخالل حبه فروج جسمه حتى يبلغ إلى قلبه ومنه الخلال وبناء ذلك كله يرجع إلى هذا انتهى والحديث يدل على مشروعية تخليل اللحية في الوضوء قال الشوكاني وقد اختلف الناس في ذلك فذهب إلى وجوب ذلك في الوضوء والغسل العترة والحسن بن صالح وأبو ثور
[ 106 ]
والظاهرية كذا في البحر واستدلوا بما وقع في أحاديث الباب بلفظ هكذا أمرني ربي وذهب مالك والشافعي والثوري والأوزاعي إلى أن تخليل اللحية ليس بواجب في الوضوء قال مالك وطائفة من أهل المدينة ولا في غسل الجنابة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي والليث وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وداود والطبري وأكثر أهل العلم أن تخليل اللحية واجب في غسل الجنابة ولا يجب في الوضوء هكذا في شرح الترمذي لابن سيد الناس قال وأظنهم فرقوا بين ذلك والله تعالى أعلم لقوله صلى الله عليه وسلم تحت كل شعرة جنابة فبلو الشعر وأتقوا البشر انتهى وقال القاضي أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي اختلف العلماء في تخليلها على أربعة أقوال أحدها أنه لا يستحب قاله مالك الثاني أنه يستحب قاله ابن حبيب الثالث أنها إن كانت خفيفة وجب إيصال الماء إليها وإن كانت كثيفة لم يجب ذلك قاله مالك عن عبد الوهاب الرابع من علمائنا من قال يغسل ما قابل الذقن إيجابا وما وراءه استحبابا وفي تخليل اللحية في الجنابة روايتان عن مالك إحداهما أنه واجب وإن كثفت رواه ابن وهب وروى ابن القاسم وابن عبد الحكم سنة لأنها قد صارت في حكم الباطن كداخل العين ووجه آخر وهو قول أبي حنيفة والشافعي أن الفرض قد انتقل إلى الشعر بعد نباته كشعر الرأس انتهى كلام ابن العربي قلت أرجح الأقوال وأقواها عندي هو قول أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم 30 - قوله (نا سفيان) هو ابن عيينة (عن سعيد بن أبي عروبة) البشكرى مولاهم أبي النضر البصري ثقة حافظ له تصانيف لكنه كثير التدليس واختلط وكان من أثبت الناس في قتادة (عن قتادة) بن دعامة السدوسي البصري الأكمة ثقة ثبت مدلس احتج به أرباب الصحاح (عن حسان بن بلال عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله) قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذه الرواية حسان ثقة لكن لم يسمعه ابن عيينة من سعيد ولا قتادة من حسان انتهى
[ 107 ]
فحديث عمار من هذا الطريق ضعيف ومن طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن حسان أيضا ضعيف لأنه لم يسمع منه هذا الحديث كما بينه الترمذي قوله (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وأنس وابن أوفى وأبي أيوب) أما حديث عائشة فأخرجه أحمد من رواية طلحة بن عبد الله بن كريز عنها وإسناده حسن كذا في التلخيص وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني والعقيلي والبيهقي بلفظ كان إذا توضأ خلل لحيته وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث كذا في التلخيص وأما حديث أنس فأخرجه أبو داود بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكة فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة قاله الحافظ وأما حديث ابن أبي أوفى فأخرجه أبو عبيد في كتاب الطهور وفي إسناده أبو الورقاء وهو ضعيف وهو في الطبراني أيضا كذا في التلخيص وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجه والعقيلي وأحمد والترمذي في العلل وفيه أبو سورة لا يعرف قلت وفي الباب أيضا عن ابن عباس وابن عمر وأبي أمامة وأبي الدرداء وكعب بن عمرو وأبي بكرة وجابر بن عبد الله وجرير وعبد الله بن عكبرة ذكر أحاديث هؤلاء مع الكلام عليها الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية والحافظ في التلخيص قال ابن أبي حاتم في كتاب العلل سمعت أبي يقول لا يثبت في تخليل اللحية حديث انتهى وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه ليس في تخليل اللحية شئ صحيح انتهى قلت قولهما هذا معارض بتصحيح الترمذي لحديث عثمان الآتي وبتصحيح الحاكم وابن القطان وغيرهما لبعض أحاديث الباب غيره ولا شك في أن أحاديث تخليل اللحية كثيرة ومجموعها يدل على أن لها أصلا كيف وقد صحح الترمذي حديث عثمان وحسنه الإمام البخاري كما ستعرف وحسن الحافظ ابن حجر حديث عائشة وهي بمجموعها تصلح للاحتجاج على استحباب تخليل اللحية في الوضوء وهذا هو الحق عندي والله تعالى أعلم قوله (عن عامر بن شقيق) بن جمرة بالجيم والراء الأسدي الكوفي لين الحديث كذا في
[ 108 ]
التقريب وقال الذهبي في الميزان ضعفه ابن معين وقال أبو حاتم ليس بقوي وقال النسائي ليس به بأس انتهى وذكره ابن حبان في الثقات وحسن حديثه الإمام البخاري وصححه الترمذي فالظاهر أنه يصلح للاحتجاج وأما قول أبي حاتم ليس بقوي وتضعيف ابن معين فهو مجمل قوله (كان يخلل لحيته) وفي حديث أنس عند أبي داود أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجه والدارقطني والبيهقي كان إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك ثم يشبك لحيته بأصابعه من تحتها وحديث ابن عمر هذا صححه ابن السكن وضعفه غيره قوله (هذا حديث صحيح) وقال الترمذي في علله الكبير قال محمد بن إسمعيل يعني البخاري أصح شئ عندي في التخليل حديث عثمان وهو حديث حسن انتهى وقال الحافظ الزيلعي أمثل أحاديث تخليل اللحية حديث عثمان وقال الحافظ في بلوغ المرام أخرجه الترمذي وصححه ابن خزيمة انتهى ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد انتهى والحديث رواه أيضا ابن ماجه وابن حبان وابن خزيمة والدارقطني قوله (وقال بهذا أكثر أهل العلم) أي قالوا بما يدل عليه أحاديث الباب من استحباب تخليل اللحية (من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية) وقد روي عن ابن عباس وابن عمر وأنس وعلي وسعيد بن جبير وأبي قلابة ومجاهد وابن سيرين والضحاك وإبراهيم النخعي أنهم كانوا يخللون لحاهم ومن روي عنه أنه كان لا يخلل إبراهيم النخعي والحسن وابن الحنفية وأبو العالية وأبو جعفر الهاشمي والشعبي ومجاهد والقاسم وابن أبي ليلى ذكر ذلك عنهم ابن أبي شيبة بأسانيده إليهم ذكره الشوكاني (وقال إسحاق إن تركه ناسيا أو متأولا أجزأه وإن تركه عامدا أعاده) أي أعاد الوضوء فعند إسحاق تخليل اللحية واجب في
[ 109 ]
الوضوء واستدل من قال بالوجوب ببعض أحاديث التخليل الذي وقع فيه قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي أجاب عنه من قال بالاستحباب بأنه لا يصلح للاستدلال به على الوجوب لما فيه من المقال وقال الشوكاني في النيل والإنصاف أن أحاديث الباب بعد تسليم انتهاضها للاحتجاج وصلاحيتها للاستدلال لا تدل على الوجوب لأنها أفعال وما ورد في بعض الروايات من قوله صلى الله عليه وسلم هكذا أمرني ربي لا يفيد الوجوب على الأمة لظهوره في الاختصاص به وهو يتخرج على الخلاف المشهور في الأصول هل يعم الأمة ما كان ظاهر الاختصاص به أم لا والفرائض لا تثبت إلا بيقين والحكم على ما لم يفرضه الله بالفرضية كالحكم على ما فرضه بعدمها لا شك في ذلك لأن في كل واحد منهما من التقول على الله بما لم يقل ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي كث اللحية لغسل وجهه وتخليل لحيته ودفع ذلك كما قال بعضهم بالوجدان مكابرة منه نعم الاحتياط والأخذ بالأوثق لا شك في أولويته لكن بدون مجاراة على الحكم بالوجوب انتهى كلام الشوكاني وقد استدل من قال بعدم الوجوب بحديث ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه فأخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنشق ثم أخذ غرفة من ماء فجعل بها هكذا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى الحديث رواه البخاري وإلى هذا الاستدلال أشار الشوكاني بقوله ولا شك أن الغرفة الواحدة لا تكفي لغسل وجهه وتخليل لحيته إلخ وقد استدل ابن تيمية بحديث ابن عباس هذا على عدم وجوب إيصال الماء إلى باطن اللحية الكثة فقال وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية وأن الغرفة الواحدة وإن عظمت لا تكفي غسل باطن اللحية الكثة مع غسل الوجه فعلم أنه لا يجب انتهى
[ 110 ]
باب ما جاء في مسح الرأس أنه يبدأ بمقدم الرأس إلى مؤخره أي ذاهبا إلى مؤخره 32 - قوله (مسح رأسه) زاد ابن الطباع كله وكذا في رواية ابن خزيمة (فأقبل بهما وأدبر) أي بدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه وذهب بهما إلى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهو مبتدأ الشعر وهذا المعنى هو المتعين المعتمد ويدل عليه قوله (بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه إلخ) وهذه الجملة عطف بيان لقوله فأقبل بهما وأدبر ومن ثم لم تدخل الواو على بدأ قال الزرقاني قال الحافظ في الفتح الظاهر أنه من الحديث وليس مدرجا من كلامه مالك ففيه حجة على من قال السنة أن أن يبدأ بمؤخر الرأس إلى مقدمة لظاهر قوله أقبل وأدبر ويرد عليه أن الواو لا تقتضي الترتيب وعند البخاري من رواية سليمان بن بلال فأدبر بيديه وأقبل فلم يكن في ظاهرة حجة لأن الإقبال والإدبار ن الأمور الإضافية ولم يعين ما أقبل إليه وما أدبر عنه ومخرج الطريقين متحد فهما بمعنى واحد وعينت رواية مالك البداءة بمقدم الرأس فيحمل قوله أقبل على أنه من تسمية الفعل بابتدائه أي بدأ بقبل الرأس وقيل في توجيهه غير ذلك انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن معاوية والمقدام بن معد يكرب وعائشة) أما حديث معاوية فأخرجه
[ 111 ]
أبو داود بلفظ إن معاوية توضأ للناس كما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فلما بلغ رأسه غرف غرفة من ماء فتلقاها بشماله حتى وضعها على وسط رأسه حتى قطر الماء أو كاد يقطر ثم مسح من مقدمه إلى مؤخره إلى مقدمه وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أيضا أبو داود وفيه فلما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدم رأسه فأمرهما حتى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي منه بدأ والحديثان سكت عليهما أبو داود ثم المنذري وأما حديث عائشة فأخرجه النسائي وفيه ووضعت يدها في مقدم رأسها ثم مسحت رأسها واحدة إلى مؤخرة قوله (حديث عبد الله بن زيد أصح شئ في هذا الباب) حديث عبد الله بن زيد هذا أخرجه الجماعة (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ ابن عبد البر أصح حديث في هذا الباب حديث عبد الله بن زيد والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره انتهى باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس 33 - قوله (نا بشر بن المفضل) بن لاحق الرقاشي أبو إسماعيل البصري ثقة ثبت عابد قال أحمد إليه المنتهى في التثبيت في البصرة وقال ابن المديني كان يصلي كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوما ويفطر يوما سنة 187 سبع وثمانين ومائة (عن عبد الله بن محمد بن عقيل) متكلم فيه تقدم ترجمته في باب مفتاح الصلاة الطهور (عن الربيع) بضم الراء وفتح الموحدة وكسر التحتانية المشددة أنصارية نجارية من المبايعات تحت الشجرة (بنت معوذ) بضم الميم وفتح العين وكسر الواو المشددة (بن عفراء) بسكون
[ 112 ]
العين المهملة وسكون الفاء والمد (مسح برأسه مرتين بدأ بمؤخر رأسه تم بمقدمه) الظاهر أن قوله بدأ بمؤخر رأسه بيان لقوله مرتين فليستا بمسحتين والحديث يدل على البداءة بمؤخر الرأس وهو مذهب بعض أهل الكوفة كما حكى الترمذي وأجاب ابن العربي عنه بأن تحريف من الراوي بسبب فهمه فإنه فهم من قوله فأقبل بهما وأدبر أنه يقتضي الإبتداء بمؤخر الرأس فصرح بما فهم منه وهو مخطئ في فهمه وأجاب غيره بأنه عارض ما هو أصح منه وهو حديث عبد الله بن زيد وبأنه فعل لبيان الجواز وقال الشوكاني قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي هذه الرواية محمولة على الرواية بالمعنى عند من يسمي الفعل بما ينتهي إليه كأنه حمل قوله ما أقبل وما أدبر على الابتداء بمؤخر الرأس فأداها بمعناها عنده وإن لم يكن كذلك قال ذكر معناه ابن العربي ويمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا لبيان الجواز مرة وكانت مواظبته على البداءة بمقدم الرأس وما كان أكثر مواظبة عليه كان أفضل والبداءة بمؤخر الرأس محكية عن الحسن بن حي ووكيع بن الجراح قال أبو عمر بن عبد البر قد توهم بعض الناس في حديث ابن عبد الله بن زيد في قوله ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر أن بدأ بمؤخر رأسه وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل بيده وأدبر هذه ظنون لا تصح وقد روى عن ابن عمر أنه كان يبدأ من وسط رأسه ولا يصح وأصح حديث في الباب حديث عبد الله بن زيد والمشهور المتداول الذي عليه الجمهور البداءة من مقدم الرأس إلى مؤخره انتهى قوله (هذا حديث حسن) حديث ربيع بنت معوذ هذا له روايات وألفاظ مدار الكل على عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال مشهور لا سيما إذا عنعن وقد فعل ذ لك في جميعها قاله الشوكاني قلت عبد الله بن محمد بن عقيل مدلس كما صرح به الحافظ في طبقات المدلسين ولذا قال الشوكاني لا سيما إذا عنعن (وحديث عبد الله بن زيد أصح من هذا وأجود) لأن حديث عبد الله بن زيد متفق عليه وأما حديث ربيع بنت معوذ هذا فقد عرفت حاله (وقد ذهب بعض
[ 113 ]
أهل الكوفة إلى هذا الحديث) وهو مذهب مرجوح والمذهب الراجح المعول عليه هو البداءة بمقدم الرأس باب ما جاء أن مسح الرأس مرة 34 - قوله (نا بكر بن مضر) بن محمد بن حكيم مولى شرحبيل بن حسنة وثقه أحمد وابن معين (عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة كذا في التقريب قوله (ومسح ما أقبل منه وما أدبر) هذا عطف تفسيري نقوله ومسح رأسه أي مسح ما أقبل من الرأس ومسح ما أدبر من الرأس أي مسح من مقدم الرأس إلى منتهاه ثم رد يديه من مؤخر الرأس إلى مقدمه (وصدغيه وأذنيه) معطوفان على ما أقبل والصدغ بضم الصاد المهملة وسكون الدال الموضع الذي بين العين والأذن والشعر المتدلي على ذلك الموضع (مرة واحدة) متعلق بمسح فيكون قيدا في الإقبال والإدبار وما بعده فباعتبار الإقبال يكون مرة وباعتبار الإدبار مرة أخرى وهو مسح واحد وبه يجمع بينه وبين ما سبق من حديثها أنه مسح برأسه مرتين والحديث يدل على مشروعية مسح الصدغ والأذن وأن مسحهما مع الرأس وأنه مرة واحدة قوله (وفي الباب عن علي وجد طلحة بن مصرف) أما حديث علي فأخرجه الترمذي وابن ماجة وأما حديث جد طلحة بن مصرف فأخرجه أحمد عن ليث عن طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه حتى بلغ القذال وما يليه من مقدم العنق وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وأخرجه أبو داود وذكر له علة أخرى عن أحمد بن حنبل قال كان ابن عيينة ينكره ويقول أيش هذا طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده قوله حديث الربيع
[ 114 ]
حديث حسن صحيح قال الشوكاني وفي تصحيحه نظر فإنه روي من طريق ابن عقيل انتهى قلت تقدم الكلام في ابن عقيل في باب مفتاح الصلاة الطهور فتذكر قوله (وقد روى من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح برأسه مرة) روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس بلفظ ومسح برأسه مرة قال الحافظ وإسناده صالح ورواه بن السكن من حديث رزيق بن حكيم عن رجل من الأنصار مثله وفي الباب أحاديث كثيرة مذكورة في التلخيص والنيل ونصب الراية والدراية قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول جعفر بن محمد وسفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وإسحاق رأوا مسح الرأس مرة واحدة) قال في شرح السنة اختلفوا في تكرار المسح هل هو سنة أم لا فالأكثر على أنه يمسح مرة واحدة ومنهم الأئمة الثلاثة والمشهور من مذهب الشافعي أن المسح بثلاثة أصابع بثلاثة مياه جديدة كذا في المرقاة وقال في النيل قد اختلف في ذلك فذهب عطاء وأكثر العترة والشافعي إلى أنه يستحب تثليث مسحه كسائر الأعضاء انتهى فعلم أن للشافعي في مسح الرأس قولان التوحيد والتثليث ذكر الأول الترمذي والثاني صاحب شرح السنة واستدل من قال بالمسح مرة واحدة بأحاديث الباب وبما في الصحيحين من حديث عثمان وعبد الله بن زيد من إطلاق مسح الرأس مع ذكر تثليث غيره من الأعضاء وهو القول الراجح المعول عليه واستدل من قال بتثليث المسح بأحاديث لا يخلو واحد منها من كلام قال القاضي الشوكاني في النيل والإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ إلى درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها لما فيها من الزيادة فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما من حديث عثمان وعبد الله بن زيد وغيرهما هو المتعين لا سيما بعد تقييده في تلك الروايات بالمرة الواحدة وحديث من زاد على هذا فقد أساء وظلم الذي صححه ابن خزيمة وغيره قاض بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي صلى الله عليه وسلم هذه المقالة كيف وقد ورد في رواية سعيد بن منصور في هذا الحديث التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ثم قال من زاد قال الحافظ في الفتح ويحمل ما ورد من الأحاديث في تثليث المسح
[ 115 ]
إن صحت على إرادة الإستيعاب بالمسح لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس جميعا بين الأدلة انتهى قوله (حدثنا محمد بن منصور) بن داود الطوسي أبو جعفر العابد نزيل بغداد ثقة من صغار العاشرة (سألت جعفر بن محمد) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المعروف بالصادق ثقة صدوق فقيه إمام مات سنة 841 ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة (فقال إي والله) بكسر الهمزة حرف إيجاب باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديد 35 - قوله (حدثنا علي بن خشرم) بمعجمتين على وزن جعفر المروزي ثقة (نا عبد الله ابن وهب) بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه حافظ عابد من التاسعة مات سنة تسع وتسعين ومائة عن أربع وسبعين سنة (نا عمرو بن الحارث) بن يعقوب الأنصاري مولاهم المصري أبو أيوب ثقة فقيه حافظ من السابعة مات قديما قبل الخمسين ومائة (عن حبان) بفتح الحاء المهملة وبالموحده المشددة (بن واسع) بن حبان بن منقذ ابن عمرو الأنصاري ثم المازني المدني صدوق من الخامسة (عن أبيه) واسع بن حبان بفتح المهملة ثم موحدة ثقيلة صحابي ابن صحابي وقيل بل ثقة من كبار التابعين قوله (وأنه مسح بماء غير فضل يديه) قال النووي معناه أنه مسح الرأس بماء جديد لا ببقية من ماء يديه ولا يستدل بهذا على أن الماء المستعمل لا تصح الطهارة به لأن هذا إخبار عن الإتيان بماء جديد للرأس ولا يلزم من ذلك اشتراطه انتهى قال في سبل السلام وأخذ ماء جديد للرأس
[ 116 ]
أمر لا بد منه وهو الذي دلت عليه الأحاديث قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم مطولا قوله (وأنه مسح بماء غبر) بالغين المعجمة والباء الموحدة المفتوحتين أي بقي وما موصولة وفي بعض النسخ بماء غبر (فضل يديه) كذا في النسخ المطبوعة الموجودة عندنا وفي نسخة قلمية عتيقة صحيحة من فضل يديه بزيادة لفظة من وهو الظاهر والظاهر عندي أن من بيانية والمعنى أنه لم يمسح الرأس بماء جديد بل مسح بما بقي على يديه أي ببقية من ماء يديه وأما على ما في النسخة المطبوعة فالظاهر أن فضل يديه بالجر يدل ما غبر ويجوز أن يكون بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي وهو فضل يديه هذا كله ما عندي والله تعالى أعلم ورواية ابن لهيعة هذه مخالفة لرواية عمرو بن الحارث المذكورة أولا ولكن رواية عمرو أصح من رواية ابن لهيعة كما صرح به الترمذي قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم رأوا أن يأخذ لرأسه ماء جديدا) واستدلوا على ذلك بحديث الباب قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي وبه أخذ علماؤنا يعني الحنفية غير أنهم قالوا هذا إذا أصاب يده شيئا بحيث لم يبق البلل في يده وهو لا ينافي الحديث بل العلة تقتضيه نعم ظاهر هذا الحديث الإطلاق فيأخذ ماء جديدا على كل حال لكن الحديث الثاني مسح رأسه بماء غبر أي بقي من فضل يديه يدل على الذي ذهب إليه علماؤنا فهم حملوا الحديثين على حالة والآخر على حالة أخرى ففيه جمع بين الحديثين ولا شك أن الجمع أولى انتهى كلام أبي الطيب قلت رواية مسح بما غبر تفرد بها ابن لهيعة وهو ضعيف وخالف فيها عمرو بن الحارث وهو ثقة حافظ فهذه الرواية غير محفوظة نعم أخرج أبو داود عن ربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح برأسه من فضل ماء كان في يده قال السيوطي في مرقاة الصعود احتج به من رأى طهورية الماء المستعمل وتأوله البيهقي على أنه أخذ ماء جديدا وصب نصفه ومسح ببلل يده ليوافق
[ 117 ]
حديث عبد الله بن زيد ومسح رأسه بماء غير فضل يديه أخرجه مسلم والمصنف يعني أبا داود والترمذي انتهى كلام السيوطي قلت إن صح حديث ربيع بنت معوذ هذا فلا حاجة إلى تأويل البيهقي بل يقال كلا الأمرين جائزان إن شاء أخذ لرأسه ماء جديد أو إن شاء مسحه بفضل ما يكون في يده لكن في سنده ابن عقيل وفيه مقال مشهور كما عرفت وفي متنه اضطراب فإن ابن ماجه أخرج من طريق شريك عن عبد الله بن عقيل عن الربيع بنت معوذ قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال اسكبي فسكبت فغسل وجهه وذراعيه وأخذ ماء جديدا فمسح به رأسه مقدمه ومؤخره فالقول الراجح هو أن يؤخذ لمسح الرأس ماء جديد والله تعالى أعلم باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما 36 - قوله (نا ابن إدريس) هو عبد الله بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الكوفي ثقة فقيه عابد من الثامنة (عن ابن عجلان) هو محمد بن عجلان المدني صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة من الخامسة (عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني ثقة (عن عطاء بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة من صغار الثالثة قوله (ظاهرهما وباطنهما) بالجر فيهما بدلان من أذنيه وظاهر الأذنين خارجهما مما يلي الرأس وباطن الأذنين داخلهما مما يلي الوجه وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغرف غرفة فغسل وجهه الحديث ، وفيه ثم غرف غرفة فمسح برأسه وأذنيه داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ذكره الحافظ في التلخيص وقال صححه ابن خزيمة وابن مندة قال ورواه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي ولفظ النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ ابن
[ 118 ]
ماجه مسح أذنيه فأدخل فيهما السبابتين وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما ذكره الحافظ في التلخيص وقال صححه ابن خزيمة وابن مندة قال ورواه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي ولفظ النسائي ثم مسح برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ ابن ماجه مسح أذنيه فأدخلهما السبابتين وخالف بأبهمامية إلى ظاهر أذنيه فمسح ظاهرهما وباطنهما انتهى وفي حديث المقدام بن معد يكرب وأدخل أصبعيه في صماخي أذنه أخرجه أبو داود والطحاوي ففي هذه الآثار بيان كيفية مسح الأذنين قوله (وفي الباب عن الربيع) أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم في المستدرك (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح) وصححه أيضا ابن خزيمة وابن مندة كما تقدم قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم يرون مسح الأذنين ظهورهما وبطونهما) وهو الحق يدل عليه أحاديث الباب باب ما جاء أن الأذنين من الرأس 37 - قوله (عن سنان بن ربيعة) الباهلي البصري أبي ربيعة صدوق فيه لين أخرج له البخاري مقرونا من الرابعة (عن شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام من الثالثة كذا في التقريب قوله (وقال الأذنان من الرأس) أي فيمسحان معه لا من الوجه فيغسلان معه (قال حماد)
[ 119 ]
أي ابن زيد (لا أدري هذا) أي قوله الأذنان من الرأس قوله (وفي الباب عن أنس) قد ورد في أن الأذنين من الرأس ثمانية أحاديث قال الحافظ في التلخيص الأول حديث أبي أمامة رواه د ت ق وقد بينت أنه مدرج في كتابي في ذلك الثاني حديث عبد الله ين زيد قواه المنذري وابن دقيق العيد وقد بينت أيضا أنه مدرج الثالث حديث ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال إنه وهم والصواب رواية ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلا والرابع حديث أبي هريرة رواه ابن ماجه وفي عمرو بن الحصين وهو متروك الخامس حديث أبي موسى أخرجه الدارقطني واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف وهو منقطع أيضا السادس حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني وأعله أيضا السابع حديث عائشة أخرجه الدارقطني وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد الثامن حديث أنس أخرجه الدارقطني من طريق عبد الحكيم عن أنس وهو ضعيف انتهى ما في التلخيص قلت حديث عبد الله بن زيد أخرجه ابن ماجه قال الزيلعي في تخريج الهداية بعد ذكره هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته انتهى لكن قال الحافظ أنه مدرج كما عرفت قال الزيلعي أما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عن أبي كامل الجحدري ثنا غندر محمد بن جعفر عن ابن جريج عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأذنان من الرأس قال ابن القطان إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته انتهى قال وأعله الدارقطني با ضطراب في إسناده وقال إسناده وهم وإنما هو مرسل ثم أخرجه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وتبعه عبد الحق في ذلك وقال ابن جريج الذي دار الحديث عليه يروى عنه عن سليمان ابن موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا قال
[ 120 ]
وهذا ليس بقدح فيه وما يمنع أن يكون فيه حديثان مسند ومرسل انتهى قلت كلام ابن القطان هذا متجه قوله (هذا حديث ليس إسناده بذاك القائم) أي ليس بالقوي قال ابن دقيق العيد في الأمام وهذا الحديث معلول بوجهين أحدهما الكلام في شهر بن حوشب والثاني الشك في رفعه ولكن شهرا وثقه أحمد ويحي والعجلي ويعقوب بن شيبة وسنان بن ربيعة أخرج له البخاري وهو وإن كان قد لين فقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به وقال ابن معين ليس بالقوي فالحديث عندنا حسن والله أعلم انتهى كلامه وقال ابن القطان في الوهم والإيهام شهر بن حوشب ضعفه قوم ووثقه الأخرون وممن وثقه ابن حنبل وابن معين وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو حاتم ليس هو بدون ابن الزبير وغير هؤلاء ضعفه ولا أعرف لمضعفه حجة كذا في تخريج الزيلعي وقال الزيلعي وقد صحح الترمذي في كتابه حديث شهر بن حوشب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لف على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء وقال هؤلاء أهل بيتي ثم قال هذا حسن صحيح قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أن الأذنين من الرأس) أي فيمسحان معه وهو القول الراجح المعول عليه (به يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة (وقال بعض أهل العلم ما أقبل من الأذنين فمن الوجه وما أدبر فمن الرأس) وإليه ذهب الشعبي والحسن بن صالح ومن تبعهم فإنهم قالوا يغسل ما أقبل منهما مع الوجه ويمسح ما أدبر مع الرأس ذكره العيني وغيره (وقال إسحاق أختار أن يمسح مقدمهما مع وجهه ومؤخره مع رأسه) ذكر الترمذي في هذه المسألة ثلاثة مذاهب وههنا مذاهب أخرى فمنها أن الأذنين من الوجه فيغسلان معه وإليه ذهب الزهري وداود ذكره الشوكاني في النيل ومنها مذهب ابن شريح أنه كان يغسلهما مع الوجه ويمسحهما مع الرأس
[ 121 ]
واستدل من قال إن الأذنين من الرأس بأحاديث الباب واستدل الطحاوي لمذهب الشعبي ومن تبعه في شرح الآثار بما رواه بسنده عن علي أنه حكى الوضو النبوي فأخذ حفنة من ماء بيديه جميعا فضرب بهما وجهه ثم الثانية مثل ذلك ثم الثالثة ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فصبها على ناصيته ثم أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا واليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه وظهور أذنيه وذكر ابن تيمية هذا الحديث في المنتقى نقلا عن مسند أحمد وأبي داود وقال فيه حجة لمن رأى ما أقبل من الأذنين من الوجه انتهى قلت قال المنذري في الحديث مقال قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه فضعفه وقال ما أدري ما هذا انتهى وقال الحافظ في التلخيص ورواه البزار وقال لا نعلم أحد روى هذا هكذا إلا من حديث عبيد الله الخولاني ولا نعلم أن أحدا رواه عنه إلا محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة وقد صرح ابن إسحاق بالسماع فيه وأخرجه ابن حبان من طريقه مختصرا وضعفه البخاري فيما حكاه الترمذي انتهى فهذا الحديث لا يصلح للاستدلال وذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية في استدلال ابن شريح أنه روى أصحاب السنن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن سجد وجهى للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره فهذا الحديث يدل على أن الأذنين من الوجه فبهذا الحديث وحديث الأذنان من الرأس استند ابن شريح فيما كان يفعله قلت حديث عائشة هذا ليس بنص على أن الأذنين من الوجه ولم أقف على حديث صحيح صريح يدل على كون الأذنين من الوجه ثم لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم غسل الأذنين وإنما الثابت عنه صلى الله عليه وسلم هو مسح الأذنين فقط فالقول الراجح المعول عليه هو أن الأذنين من الرأس لأحاديث الباب ويدل عليه حديث الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه وذكر الحديث وفيه فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه مالك والنسائي وابن ماجه قال ابن تيمية في المنتقي فقوله تخريج من أذنيه إذا مسح رأسه دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه ومن جملته انتهى فالمتعين هو مسح الأذنين مع الرأس واختلفوا في أنهما يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد قال الشوكاني في النيل ذهب
[ 122 ]
مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور إلى أنه يؤخذ لهما ماء جديد وذهب الثوري وأبو حنيفة إلى أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد قال ابن عبد البر وروى عن جماعة مثل هذا القول من الصحابة والتابعين واحتج الأولون بما في حديث عبد الله ابن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس أخرجه الحاكم من طريق حرملة عن ابن وهب قال الحافظ إسناد ظاهره الصحة وأخرجه البيهقي من طريق عثمان الدارمي عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه وقال هذا إسناد صحيح لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام أنه رأى في رواية ابن المقبري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الاسناد ولفظه ومسح برأسه بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين وقال الحافظ كذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن مسلم عن حرملة وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب وقال عبد الحق ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم وتعقبه ابن القطان بأن الذي في رواية جارية بلفظ أخذ للرأس ماء جديدا رواه البزار والطبراني وروى في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه وصرح الحافظ في بلوغ المرام بعد أن ذكر حديث البيهقي السابق أن المحفوظ ما عند مسلم من هذا الوجه بلفظ ومسح برأسه بماء غير فضل يديه وأجاب القائلون أنهما يمسحان بماء الرأس بما سلف من إعلال هذا الحديث قالوا فيوقف على ما ثبت من مسحهما مع الرأس كما في حديث ابن عباس والربيع وغيرهما قال ابن القيم في الهدى لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر انتهى ما في النيل قلت لم أقف على حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام يدل على مسح الأذنين لماء جديد نعم ثبت ذلك عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من فعله روى الامام مالك في موطئه عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه والله تعالى أعلم
[ 123 ]
باب في تخليل الأصابع 38 - قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن أبي هاشم) أسمه إسماعيل بن كثير الحجازي المكي ثقة من السادسة (عن عاصم بن لقيط بن صبرة) بفتح المهملة وكسر الموحدة العقيلي بالتصغير ثقة من الثالثة (عن أبيه) لقيط بن صبرة صحابي مشهور قوله (إذا توضأت فخلل الأصابع) صيغة أمر من التخليل وهو إدخال الشئ خلال شئ وهو وسطه والحديث دليل على وجوب تخليل أصابع اليدين والرجلين قوله (وفي الباب عن ابن عباس والمستورد وأبي أيوب) أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وأما حديث المستورد فأخرجه الخمسة إلا أحمد وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف قلت وفي الباب أيضا عن عثمان أخرجه الدارقطني بلفظ أنه خلل أصابع قدميه ثلاثا وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت وعن الربيع بنت معوذ أخرجه الطبراني في الأوسط قال الحافظ وإسناده ضعيف وعن عائشة أخرجه الدارقطني وفيه عمر بن قيس وهو منكر الحديث وعن وائل بن حجر أخرجه الطبراني في الكبير قال الحافظ فيه ضعف وانقطاع وعن عبد الله بن زيد أخرجه أحمد وعن أبي هريرة أخرجه الدارقطني خللوا بين أصابعكم لا يخللها الله يوم القيامة بالنار وفي الباب أيضا أحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين من شاء الوقوف عليها فليرجع إلى النيل قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والشافعي وابن
[ 124 ]
الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي مطولا ومختصرا وصححه أيضا البغوي وابن القطان قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أنه يخلل أصابع رجليه في الوضوء وبه يقول أحمد وإسحاق) قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي قال أصحابنا من سنن الوضوء تخليل أصابع الرجلين في غسلهما قال وهذا إذا كان الماء يصل إليها من غير تخليل فلو كانت الأصابع ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل فحينئذ يجب التخليل لا لذاته لكن لأداء فرض الغسل انتهى قال الشوكاني بعد ذكر كلام ابن سيد الناس هذا والأحاديث قد صرحت بوجوب التخليل وثبت من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله ولا فرق بين إمكان وصول الماء بدون تخليل وعدمه ولا بين أصابع اليدين والرجلين فالتقييد بأصابع الرجلين أو بعدم إمكان وصول الماء لا دليل عليه انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني (وقال إسحاق يخلل أصابع يديه ورجليه) قول إسحاق هذا هو الراجح المعول عليه طلاق قوله صلى الله عليه وسلم فخلل الأصابع ولحديث ابن عباس الآتي في هذا الباب 39 - قوله (حدثنا إبراهيم بن سعيد) الجوهري أبو إسحاق الطبري نزيل بغداد ثقة حافظ تكلم فيه بلا حجة من العاشرة (قال ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر) الأنصاري أبو معاذ المدني نزيل بغداد صدوق له أغاليط من كبار العاشرة (قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد) المدني مولى قريش صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها من السابعة كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال ابن معين ما حدث بالمدينة فهو صحيح وقال في هامش الخلاصة نقلا عن التهذيب وما حدث به ببغداد والعراق فمضطرب (عن موسى بن عقبة) بن أبي عياش مولى آل الزبير ثقة فقيه إمام في المغازي من الخامسة لم يصح أن ابن معين لينه كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال مالك عليكم بمغازي عقبة فإنه ثقة وهي أصح المغازي مات سنة 141 إحدى وأربعين ومائة (عن صالح مولى التوأمة) بفتح المثناة وسكوت الواو
[ 125 ]
وبعدها همزة مفتوحة صدوق اختلط بآخره قال ابن عدي لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج من الرابعة كذا في التقريب قلت سماع موسى ابن عقبة منه قبل أن يختلط قوله (إذا توضأت بين يديك ورجليك) هذا الحديث حجة على من قيد التخليل بأصابع الرجلين وأما ما جاء في بعض الأحاديث من ذكر الرجلين فقط فهو تنصيص ببعض الأفراد قوله (هذا حديث حسن غريب) قال في النيل فيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف ولكن حسنه البخاري لأنه من رواية موسى بن عقبة عن صالح وسماع موسى عنه قبل أن يختلط انتهى قوله (عن يزيد بن عمرو) المعافري المصري صدوق من الرابعة (عن أبي عبد الرحمن الحبلى) بضم المهملة والموحدة المعافري ثقة من الثالثة قوله (ذلك) أي خلل (بخنصره) أي بخنصر يده اليسرى قوله (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة) عرابة هذا الحديث والذي قبله ترجع إلى الاسناد فلا ينافي الحسن قاله ابن سيد الناس وقد شارك ابن لهيعة في روايته عن يزيد بن عمرو الليث وعمرو بن الحارث فالحديث إذن صحيح سالم عن الغرابة كذا في النيل
[ 126 ]
باب ما جاء ويل للأعقاب من النار قوله (ثنا عبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر من الثامنة قوله (ويل للأعقاب من النار) الويل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب كذا في المجمع قال الحافظ في الفتح اختلف في معناه على أقوال أظهرها ما رواه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعا ويل واد في جهنم قال الحافظ وجاز الابتداء بالنكرة لأنه دعاء انتهى والأعقاب جمع عقب بفتح عين وكسر قاف وبفتح عين وكسرها مع سكون قاف مؤخر القادم قال البغوي معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها وقيل أراد أن العقب مختص بالعقاب ورواه غيره مطولا فروى عبد الله بن عمرو قال تخلف النبي صلى الله عليه وسلم عنا في سفرة فأدركنا وقد أرهقنا العصر فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري والحديث دليل على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ قال ابن خزيمة لو كان الماسح مؤديا للفرض لما توعد بالنار وأشار بذلك إلى ما كان من الخلاف من الشيعة أن الواجب المسح أخذ بظاهر قراءة وأرجلكم بالخفض وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة وضوئه أنه غسل رجليه وهو المبين لأمر الله وقال في حديث عمرو بن عنبسة الذي رواه ابن خزيمة وغيره مطولا في فضل الوضوء ثم يغسل قدميه كما أمره الله ولم يثبت عن أحد من الصحابة خلاف ذلك إلا عن علي وابن عباس وأنس وقد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك قال عبد الرحمن بن أبي ليلى أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على غسل القدمين رواه سعيد بن منصور وادعى الطحاوي وابن حزم أن المسح منسوخ والله أعلم كذا في فتح الباري
[ 127 ]
قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعائشة وجابر بن عبد الله وعبد الله بن الحارث ومعيقب وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ ويل للعراقيب من النار وأخرجه ابن ماجه وأخرجه الطحاوي أيضا كذا في عمدة القاري ص 656 ج 1 وأما حديث عبد الله بن الحارث فسيجئ تخريجه وأما حديث معيقيت فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير بمثل حديث الباب قال الهيثمي وفيه أيوب بن عتبة والأكثر على تضعيفه وأما حديث خالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان فأخرجه ابن ماجه بلفظ أتموا الوضوء ويل للأعقاب من النار قلت وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر أخرجه ابن أبي شيبة وعن أبي أمامة أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وقد روى من حديث أبي أمامة ومن حديث أخيه ومن حديثهما معا ومن حديث أحدهما على الشك قاله ابن سيد الناس وعن عمر بن الخطاب أخرجه مسلم وعن خالد بن معدان أخرجه أحمد كذا في النيل وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها العيني في عمدة القاري ص 656 ج 1 بألفاظها من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار) قال المنذري في الترغيب هذا الحديث الذي أشار إليه الترمذي رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في صحيحه من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي مرفوعا ورواه أحمد موقوفا عليه انتهى (وفقه هذا الحديث أنه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفان أو جوربان)
[ 128 ]
إذ لو جاز المسح على القدمين لم يدع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الماسح على القدمين بالويل من النار وقوله جوربان تثنية جورب ويجئ تفسيره وحكم المسح عليهما باب ما جاء في الوضوء مرة مرة 42 - قوله (عن سفيان) هو الثوري لأن أبا نعيم صرح به في كتابه قاله العيني (توضأ مرة مرة) فيه دليل على أن الواجب من الوضوء مرة مرة ولهذا اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان الواجب مرتين مرتين أو ثلاثا ثلاثا لما اقصر على مرة مرة قال النووي قد أجمع المسلمون على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء وبعضها مرتين والاختلاف دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ انتهى قوله (وفي الباب عن عمر وجابر وبريدة وأبي رافع وابن الفاكه) أما حديث عمر فأخرجه الترمذي وابن ماجه وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه وأما حديث بريدة فأخرجه البزار وأما حديث أبي رافع فأخرجه البزار أيضا والدارقطني في سننه وأما حديث ابن الفاكه فأخرجه البغوي في معجمه وفيه عدي بن الفضل وهو متروك وقد ذكر العيني في شرح البخاري حديث ابن الفاكه بسنده ومتنه قلت وفي الباب أيضا عن عبد الله بن عمر أخرجه البزار وعن عكراش بن ذؤيب ذكره أبو بكر الخطيب وعن أبي بن كعب أخرجه ابن ماجه قوله (حديث ابن عباس أحسن شئ في هذا الباب وأصح) أخرجه الجماعة إلا مسلما
[ 129 ]
قوله (وروى رشدين) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة (بن سعد) المهري أبو الحجاج المصري ضعيف رجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين في الحديث من السابعة (وغيره) كابن لهيعة (عن الضحاك بن شرحبيل) الغافقي المصري صدوق بهم من الرابعة ورواية رشدين هذه أخرجها ابن ماجه (والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد) المدني صدوق له أوهام ورمي بالتشيع من كبار السابعة (وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد) بن عبيد الدراوردي أبو محمد الجهني مولاهم المدني صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ قال النسائي حديثه عن عبيد الله العمري منكر من الثامنة باب ما جاء في الوضوء مرتين مرتين 43 - قوله (حدثنا أبو كريب ومحمد بن رافع) القشيري النيسابوري ثقة عابد من الحادية عشرة (نا زيد بن حباب) بضم المهملة وموحدتين أبو الحسين العكلي أصله من خراسان وكان بالكوفة ورحل في الحديث فأكثر منه وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري من التاسعة (عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان) العنسي الدمشقي الزاهد صدوق يخطئ ورمي بالقدر وتغير بآخره من السابعة (حدثني عبد الله بن الفضل) الهاشمي المدني ثقة من الرابعة (عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج) المدني ثقة عالم من الثالثة
[ 130 ]
قوله (توضأ مرتين مرتين) أي غسل أعضاء وضوئه مرتين مرتين وفيه دليل على أن التوضأ مرتين مرتين يجوز ولا خلاف في ذلك قوله (هذا حديث حسن غريب إلخ) وأخرجه أبو داود قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه ابن ماجه وفي الباب أيضا عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين أخرجه أحمد والبخاري (وقد روى عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا) يجئ تخريجه في الباب الآتي باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا 44 - قوله (نا عبد الرحمن بن مهدي) بن حسان العنبري مولاهم أبو سعيد البصري ثقة ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال ابن المديني ما رأيت أعلم منه مات سنة ثمان وتسعين ومائة بالبصرة عن ثلاث وستين سنة (عن سفيان) هو الثوري (عن أبي حية) بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية ابن قيس الهمداني الوادعي قيل اسمه عمرو بن نصر وقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه عامر بن الحارث وقال أبو أحمد الحاكم وغيره لا يعرف اسمه مقبول من الثالثة قوله (توضأ ثلاثا ثلاثا) قد أجمع العلماء على أن الواجب غسل الأعضاء مرة واحدة وأن الثلاث سنة لثبوت الاقتصار من فعله صلى الله عليه وسلم على مرة واحدة مرتين كما تقدم
[ 131 ]
قوله (وفي الباب عن عثمان والربيع وابن عمر وعائشة وأبي رافع وعبد الله بن عمرو ومعاوية وأبي هريرة وجابر وعبد الله بن زيد وأبي ذر) أما حديث عثمان فأخرجه أحمد ومسلم بلفظ حديث الباب وأما حديث الربيع وهي بنت معوذ بن عفراء فأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن حبان وغيره أنه توضأ ثلاثا ثلاثا ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما حديث عائشة وأبي هريرة فأخرجه ابن ماجه بسند لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأما حديث أبي أمامة فأخرجه ثابت بن القاسم السرقسطي في كتاب الدلائل بسند لا بأس به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وأما حديث أبي رافع فأخرجه الطبراني في الأوسط وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث معاوية ففي كتاب المفرد لأبي داود من حديث علي بن أبي جملة عن أبيه عن أمير المؤمنين عبد الملك حدثني أبو خالد عن معاوية رضي الله عنه رأيت النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا كذا في عمدة القاري ص 847 ج 1 وفي الباب أحاديث كثيرة أخرجها أصحاب الصحاح الستة وغيرهم قوله (حديث على أحسن شئ في هذا الباب وأصح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وقال ابن المبارك لا آمن إذا زاد في الوضوء على الثلاث أن يأثم) يدل عليه حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم رواه النسائي وابن ماجه قال الإمام حافظ الدين النسفي هذا إذا زاد معتقدا أن السنة هذا فأما لو زاد لطمانينة القلب
[ 132 ]
عند الشك أو نية وضوء آخر فلا بأس لأنه عليه الصلاة والسلام أمر بترك ما يريبه إلى ما لا يريبه انتهى قال القاري قلت أما قوله لطمأنينة القلب عند الشك ففيه أن الشك بعد الثليث لا وجه له وإن وقع بعده فلا نهاية له وهو الوسوسة ولهذا أخذ ابن المبارك بظاهره فقال لا آمن إذا زاد على الثلاث أن يأثم انتهى قال القاري وأما قوله أو بنية وضوء آخر فيه إن قبل الإتيان بعبادة بعد الوضوء لا يستحب له التجديد مع أنه لا يتصور التجديد إلا بعد تمام الوضوء لا في الأثناء وأما قوله لأنه أمر بترك ما يريبه إلخ ففيه أن غسل المرة الأخرى مما يريبه فينبغي تركه إلى ما لا يريبه وهو ما عينه الشارع ليتخلص عن الريبة والوسوسة انتهى كلام القاري قلت قوله قبل الإتيان بعبادة بعد الوضوء لا يستحب له التجديد يخدشه إطلاق حديث الوضوء على الوضوء نور على نور لكن هذا الحديث ضعيف قال الحافظ العراقي في تخريج الإحياء لم أقف عليه وقال الحافظ ابن حجر هو حديث ضعيف رواه رزين في مسنده (وقال أحمد وإسحاق لا يزيد الثلاث إلا رجل مبتلي) أي بالجنون لمظنة أنه بالزيادة يحتاط لدينه قال ابن حجر ولقد شاهدنا من الموسوسين من يغسل يده بالمئين وهو مع ذلك يعتقد أن حدثه هو اليقين كذا في المرقاة باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أي باب الحديث الذي ورد في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا يعني في الحديث الواحد المشتمل على ثلاث أحوال في ثلاث أوقات فيرجع مآل هذا الباب الواحد إلى مجموع الأبواب الثلاثة إلا أن الأبواب الثلاثة السابقة باعتبار الأحاديث الثلاثة وهذا الباب باعتبار حديث واحد لا باعتبار حالة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يجمع الأحوال المذكورة في وضوء واحد انتهى 45 - (حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري) الكوفي أبو محمد أو أبو إسحاق نسيب السدي
[ 133 ]
أو ابن أخته أو ابن بنته صدوق يخطئ ورمي بالرفض من العاشرة 46 - (عن ثابت بن أبي صفية) الثمالي بضم المثلثة كنيته أبو حمزة واسم أبيه دينار وقيل سعيد كوفي ضعيف رافضي من الخامسة مات في خلافة أبي جعفر قوله (قال قلت لأبي جعفر) هو محمد الباقر (حدثك جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة) أي تارة (ومرتين مرتين) أي أخرى (وثلاثا ثلاثا) أي أخرى (قال نعم) قال الطيبي من عادة المحدثين أن يقول القارئ بين يدي الشيخ حدثك فلان عن فلان يرفع إسناده وهو ساكت يقرر وذلك كما يقول الشيخ حدثني فلان عن فلان ويسمعه الطالب انتهى وتوضيحه ما قال ابن حجر أن من أحد طرق الرواية أن يقول التلميذ للشيخ حدثك فلان عن فلان كذا والشيخ يسمع فإذا فرغ قال نعم فهو بمنزلة قول الشيخ حدثني فلان إلخ والتلميذ ساكت أي يسمع كذا في المرقاة قلت قال السيوطي في تدريب الراوي إذا قرئ على الشيخ قائلا أخبرك فلان أو نحوه كقلت أخبرنا فلان والشيخ مصغ إليه فاهم له غير منكر ولا مقر لفظا صح السماع وجازت الرواية به اكتفاء بالقرائن الظاهرة ولا يشترط نطق الشيخ بالإقرار كقوله نعم على الصحيح الذي قطع به جماهير أصحاب الفنون وشرط بعض الشافعية والظاهريين نطقه به انتهى كلام السيوطي قوله (وروى وكيع هذا الحديث إلخ) الفرق بين رواية وكيع وشريك أن وكيعا رواه مختصرا بلفظ توضأ مرة مرة قال نعم ولم يذكر لفظ مرتين مرتين وثلاثا ثلاثا وأما شريك فرواه بلفظ توضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا قال نعم وحديث شريك رواه ابن ماجه أيضا وقال علي القاري في المرقاة سنده حسن قلت في سنده شريك وقد عرفت حاله وأيضا في سنده ثابت بن أبي صفية وهو ضعيف
[ 134 ]
كما عرفت ولكن في الباب أحاديث صحيحة (وشريك كثير الغلط) شريك هذا هو ابن عبد الله النخعي الكوفي القاضي بواسط تقدم ترجمته باب فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا 47 - قوله (عن عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عبد الله ابن زيد بن عاصم ثقة وثقة أبو حاتم والنسائي (عن أبيه) يحيى بن عمارة ثقة من الثالثة قوله (توضأ فغسل وجهه ثلاثا وغسل يديه مرتين مرتين ومسح برأسه وغسل رجليه) كذا في النسخة الحاضرة المطبوعة وفي نسخة قلمية عتيقة صحيحة وغسل رجليه مرتين بزيادة لفظ مرتين قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم مطولا قوله (وقد ذكر في غير حديث) أي في عدة أحاديث (وقد رخص بعض أهل العلم في ذلك لم يروا بأسا أن يتوضأ الرجل بعض وضوئه ثلاثا
[ 135 ]
وبعضه مرتين أو مرة) وهو القول الراجح المعول عليه لأحاديث الباب باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان 48 - قوله (نا أبو الأحوص) هو سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي ثقة متقن صاحب حديث من السابعة (عن أبي إسحاق) هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة مدلس (عن أبي حية) بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتانية المفتوحة هو ابن قيس الهمداني الوادعي عن علي وعنه أبو إسحاق فقط قال أحمد شيخ كذا في الخلاصة وقال الحافظ في التقريب قيل اسمه عمرو بن نصر وقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه عامر بن الحارث وقال أبو أحمد الحاكم وغيره لا يعرف اسمه مقبول من الثالثة انتهى قوله (توضأ فغسل كفيه) أي شرع في الوضوء أو أراده فالفاء تعقيبية والأظهر أنها لتفصيل ما أجمل في قوله توضأ قاله القارى (فغسل كفيه) المراد من الكفين اليدان إلى الرسغين (حتى أنقاهما) أي أزال الوسخ عنهما (ومسح برأسه مرة) فيه دليل على أن السنة في مسح الرأس أن يكون مرة واحدة وعليه الجمهور وقد تقدم الكلام في هذا في باب ما جاء أن مسح الرأس مرة (ثم غسل قدميه إلى الكعبين) فيه رد على من جوز المسح على الرجلين بغير خف أو جورب (ثم قام فأخذ فضل طهوره) بفتح الطاء أي بقية مائه الذي توضأ به (فشربه وهو قائم) زاد في رواية للبخاري ثم قال إن أناسا يكرهون الشرب قائما وإن النبي صلى الله عليه وسلم صنع مثل ما صنعت قال ابن الملك أما شرب فضله فلأنه ماء أدى به عبادة وهي الوضوء فيكون فيه بركة فيحسن شربه قائما تعليما الأمة أن الشرب قائما جائز فيه قلت هذا الحديث يدل على جواز الشرب قائما وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعليا كانوا يشربون قياما وكان سعد وعائشة لا يرون بذلك بأسا
[ 136 ]
وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين وقد ثبت المنع عن الشرب قائما ففي صحيح مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن الشرب قائما وفي رواية أخرى عنده نهى أن يشرب الرجل قائما وفيه عن أبي هريرة لا يشربن أحدكم قائما فمن نسي فليستقي فسلك أهل العلم في هذا مسالك فمنهم من قال إن أحاديث الجواز أثبت من أحاديث النهي ومنهم من قال إن أحاديث النهي منسوخة بأحاديث الجواز ومنهم من قال إن أحاديث النهي محمولة على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه قال الحافظ هذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض ويأتي الكلام مبسوطا في هذه المسألة في موضعها (ثم قال) أي علي رضي الله عنه (كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم) بضم الطاء أي وضوءه وطهارته قوله (وفي الباب عن عثمان وعبد الله بن زيد وابن عباس وعبد الله بن عمرو وعائشة والربيع وعبد الله بن أنيس) أما حديث عثمان فأخرجه البخاري ومسلم وغيرها وأما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه مطولا ومختصرا وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وغيره وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث عائشة فلم أقف عليه وأما حديث الربيع وهي بنت معوذ بن عفراء فأخرجه أبو داود وأما حديث عبد الله بن أنيس فلينظر من أخرجه 49 - قوله (عن عبد خير) بن يزيد الهمداني أبي عمارة الكوفي مخضرم ثقة من الثانية لم يصح له صحبة وهو من كبار أصحاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه (حديث علي رواه أبو إسحاق الهمداني) هو عمرو بن عبد الله السبيعي أي روى أبو إسحاق الهمداني حديث علي عن
[ 137 ]
ثلاثة شيوخ أبي حية وعبد خير والحارث وهؤلاء رووا عن علي قوله (وقد رواه زائدة بن قدامة وغير واحد عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي حديث الوضوء بطوله) أخرج حديث قدامة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي أبو داود والنسائي والدارمي والدارقطني (فقال مالك بن عرفطة) بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وفتح الطاء أي قال شعبة مالك بن عرفطة مكان خالد بن علقمة واتفق الحفاظ كالترمذي وأبي داود والنسائي على وهم شعبة في تسمية شيخه بمالك بم عرفطة وإنما هو خالد بن علقمة قال النسائي في سننه قال أبو عبد الرحمن هذا خطأ والصواب خالد بن علقمة ليس مالك بن عرفطة انتهى قوله (وروى عن أبي عوانة إلخ) بصيغة المجهول أي روى مرة عن أبي عوانة عن خالد بن علقمة عن عبد خير عن علي وروى مرة أخرى عن أبي عوانة عن مالك بن عرفطة كما روى شعبة والصحيح خالد بن علقمة قال أبو داود في سننه مالك بن عرفطة إنما هو خالد بن علقمة أخطأ فيه شعبة قال داود قال أبو عوانة يوما حدثنا مالك بن عرفطة عن عبد خير فقال عمرو الأعصف رحمك الله أبا عوانة هذا خالد بن علقمة ولكن شعبة مخطئ فيه فقال أبو عوانة هو في كتابي خالد بن علقمة ولكن قال شعبة هو مالك بن عرفطة قال أبو داود حدثنا عمرو بن عون قال حدثنا أبو عوانة عن مالك بن عرفطة قال أبو داود وسماعه قديم قال أبو داود وحدثنا أبو كامل قال حدثنا أبو عوانة عن خالد بن علقمة وسماعه متأخر كان بعد ذلك رجع إلى الصواب انتهى اعلم أن هذه العبارة ليست في أكثر نسخ أبي داود قال الحافظ المزي بعد ذكر هذه العبارة في رواية أبي الحسن بن العبد ولم يذكره أبو القاسم انتهى
[ 138 ]
باب في النضح بعد الوضوء المراد بالنضح ههنا هو أن يأخذ قليلا من الماء فيرش به مذاكيره بعد الوضوء لينفي عنه الوسواس وقد نضح عليه الماء ونضحه به إذا رشه عليه كذا في النهاية 50 - قوله (وأحمد بن أبي عبيد الله السليمي) بفتح المهملة وكسر اللام (البصري) الوراق ثقة من العاشرة (نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة) الخراساني نزيل البصرة صدوق من التاسعة (عن الحسن بن علي الهاشمي) هو الحسن بن علي بن محمد بن ربيعة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب النوفلي الهاشمي ضعيف كذا في التقريب (عن عبد الرحمن) وفي نسخة قلمية عتيقة صحيحة عن الأعرج وعبد الرحمن هذا هو عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ثقة ثبت من الثالثة قوله (يا محمد إذا توضأت) أي إذا فرغت من الوضوء (فانتضح) قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أربعة أقوال الأول معناه إذا توضأت فصب الماء على العضو صبا ولا تقتصر على مسحة فإنه لا يجزئ فيه إلا الغسل الثاني معناه استبرئ الماء بالنثر والتنحنح يقال نضحت استبرأت وانتضحت تعاطيت الاستبراء له الثالث معناه إذا توضأت فرش الإزار الذي يلي الفرج ليكون ذلك مذهبا للوسواس
[ 139 ]
الرابع معناه الاستنجاء بالماء إشارة إلى الجمع بينه وبين الأحجار فإن الحجر يخفف الوسخ والماء يطهره وقد حدثني أبو مسلم المهدي قال من الفقه الرائق الماء يذهب الماء معناه أن من استنجى بالأحجار لا يزال البول يرشح فيجد منه البلل فإذا استعمل الماء نسب الخاطر ما يجد من البلل إلى الماء وارتفع الوسواس انتهى كلام ابن العربي ملخصا وقال الخطابي في معالم السنن الانتضاح ههنا الاستنجاء بالماء وكان من عادة أكثرهم أن يستنجوا بالحجارة لا يمسون الماء وقد يتأول الانتضاح أيضا على رش الفرج بالماء بعد الاستنجاء ليدفع بذلك وسوسة الشيطان انتهى وذكر النووي عن الجمهور أن الثاني هو المراد ههنا وفي جامع الأصول الانتضاح رش الماء على الثوب ونحوه والمراد به أن يرش على فرجه بعد الوضوء ماء ليذهب عنه الوسواس الذي يعرض للانسان أنه قد خرج منذ ذكره بلل فإذا كان ذلك المكان بللا ذهب ذلك الوسواس وقيل أراد بالانتضاح الاستنجاء بالماء لأن الغالب كان من عادتهم أنهم يستنجون بالحجارة انتهى قلت والحق أن المراد بالانتضاح في هذا الحديث هو الرش على الفرج بعد الوضوء كما يدل عليه ألفاظ أكثر الأحاديث الواردة في هذا الباب قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه (وسمعت محمدا يقول الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث) قال في شرح النخبة قولهم متروك أو ساقط متروك أو ساقط أو فاحش الغلط ومنكر الحديث أشد من قولهم ضعيف أو ليس بالقوي أو فيه مقال انتهى قال الذهبي في الميزان ضعفه أحمد والنسائي وأبو حاتم والدارقطني وقال البخاري منكر الحديث انتهى قلت فحديث الباب ضعيف وفي الباب أحاديث عديدة مجموعها يدل على أن له أصلا قوله (وفي الباب عن أبي الحكم بن سفيان وابن عباس وزيد بن حارثة وأبي سعيد) أما حديث الحكم بن سفيان فأخرجه أبو داود وابن ماجه ولفظه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم أخذ كفا من ماء فنضح به فرجه وأما حديث ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق في جامعه أنه شكى إليه رجل فقال إني أكون في الصلاة فيتخيل لي أن بذكري بللا فقال قاتل الله الشيطان
[ 140 ]
إنه يمس ذكر الإنسان ليريه أنه قد أحدث فإذا توضأت فانضح فرجك بالماء فإن وجدت فقل هو من الماء ففعل الرجل ذلك فذهب كذا في شرح سراج أحمد وأما حديث زيد بن حارثة فأخرجه ابن ماجه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم علمني جبريل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء وأخرجه الدارقطني أيضا وفيه ابن لهيعة وفيه مقال مشهور وأما حديث أبي سعيد فلم أقف على من أخرجه وفي الباب أيضا عن جابر قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنضح فرجه أخرجه ابن ماجه وعن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه السلام لما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فعلمه الوضوء فلما فرغ من وضوئه أخذ حفنة من ماء فرش بها نحو الفرج فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرش بعد وضوئه رواه أحمد وفيه رشدين ابن سعد وثقه هيثم بن خارجة وأحمد بن حنبل في رواية وضعفه آخرون كذا في مجمع الزوائد قوله (وقال بعضهم) أي بعض الرواة (سفيان بن الحكم أو الحكم بن سفيان) أي بالشك (واضطربوا في الحديث) أي في إسناد هذا الحديث قال الحافظ ابن الأثير ورواه روح بن القاسم وشعبة وشيبان ومعمر وأبو عوانة وزائدة وجرير بن عبد الحميد وإسرائيل وهريم بن سفيان مثل سفيان على الشك وقال شعبة وأبو عوانة وجرير عن الحكم أو ابن الحكم ورواه عامة أصحاب الثوري على الشك إلا عفيف بن سالم والفريابي فإنهما روياه فقالا الحكم بن سفيان من غير شك ورواه وهيب بن خالد عن منصور عن الحكم عن أبيه ورواه مسعر عن منصور فقال عن رجل من ثقيف ولم يسمه وممن رواه ولم يشك سلام بن أبي مطيع وقيس بن الربيع وشريك فقالوا عن الحكم بن سفيان ولم يشكوا انتهى وقال الحافظ هو الحكم بن سفيان بن عثمان بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي قال أبو زرعة وأبو إبراهيم الحربي له صحبة واختلف فيه على مجاهد فقيل هكذا وقيل سفيان بن الحكم وقيل غير ذلك وقال أحمد والبخاري ليست للحكم صحبة وقال ابن المديني والبخاري وأبو حاتم الصحيح الحكم بن سفيان انتهى وقال ابن عبد البر له حديث واحد وهو مضطرب الإسناد انتهى تنبيه كون هذا الحديث مضطرب الإسناد ظاهر من كلام الحافظ ابن الأثير وقد صرح به الحافظ ابن عبد البر ولم يقف على هذا صاحب الطيب الشذي فاعترض على الإمام الترمذي الذي هو من أئمة الحديث حيث قال إن ما جرح الترمذي باضطراب ليس بسديد انتهى
[ 141 ]
فالعجب أنه مع عدم وقوفه كيف ارتكب هذه الجرأة الشنيعة ثم قال قوله واضطربوا في هذا الحديث الحديث بالمعنى اللغوي أي في لفظ الحكم بن سفيان انتهى قلت هذا جهل على جهل باب في إسباغ الوضوء قوله (في إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله والإسباغ في اللغة الإتمام ومنه درع سابغ 51 - قوله (نا إسماعيل بن جعفر) بن أبي كثير الأنصاري الزرقي أبو إسحاق القاري ثقة ثبت (عن العلاء بن عبد الرحمن) بن يعقوب الحرقي أبي شبل صدوق ربما وهم (عن أبيه) ثقة قوله (ألا أدلكم) الهمزة للاستفهام ولا نافية وليس ألا للتنبيه بدليل قولهم بلى (يمحو الله به الخطايا) قال القاضي عياض محو الخطايا كناية عن غفرانها قال ويحتمل محوها من كتاب الحفظة ويكون دليلا على غفرانها قاله النووي (ويرفع به الدرجات) أي يعلي به المنازل في الجنة (قالوا بلى يا رسول الله) فائدة السؤال والجواب أن يكون الكلام أوقع في النفس بحكم الإبهام والتبيين (قال إسباغ الوضوء) أي إتمامه وإكماله باستيعاب المحل بالغسل وتطويل الغرة وتكرار الغسل ثلاثا (على المكاره) جمع مكره بفتح الميم ما يكرهه شخص ويشق عليه والكره بالضم والفتح المشقة أي يتوضأ مع برد شديد وعلل يتأذى معها بمس الماء ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله وابتياعه بالثمن الغالي ونحوها مما يشق كذا في المجمع (وكثرة الخطى إلى المساجد) الخطى بضم الخاء المعجمة جمع خطوة وهي ما بين القدمين قال النووي كثرة الخطى
[ 142 ]
تكون ببعد الدار وكثرة التكرار (وانتظار الصلاة) أي وقتها أو جماعتها (بعد الصلاة) يعني إذا صلى بالجماعة أو منفردا ثم ينتظر صلاة أخرى ويعلق في فكره بها بأن يجلس في المجلس أو في بيته ينتظرها أو يكون في شغله وقلبه معلق بها (فذلكم الرباط) بكسر الراء وأصل الرباط أن يربط الفريقان خيولهم في ثغر كل منهما معدا لصاحبه يعني أن المواظبة على الطهارة ونحوها كالجهاد وقيل معناه أن هذه الخلال تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عن المحارم كذا في المجمع وقال النووي في شرح صحيح مسلم قوله فذلكم الرباط أي الرباط المرغب فيه وأصل الرباط الحبس على الشئ كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة وقيل إنه أفضل الرباط كما قيل الجهاد جهاد النفس ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي إنه من أنواع الرباط انتهى وقال القاضي إن هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان على النفس وتقهر الهوى وتمنعها من قبول الوساوس فيغلب بها حزب الله جنود الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر 52 - قوله (ثلاثا) أي قال هذه الكلمة ثلاث مرات وحكمة تكرارها للاهتمام بها وتعظيم شأنها وقيل كررها على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول أظهر والله أعلم قوله (وفي الباب عن علي وعبد الله بن عمرو وابن عباس وعبيدة ويقال عبيدة بن عمرو وعائشة وعبد الرحمن بن عائشة وأنس) أما حديث علي فأخرجه أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ولفظه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء في المكاره وإعمال الأقدام إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة يغسل الخطايا غسلا كذا في الترغيب وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والدارمي وأما حديث ابن عباس فأخرجه الترمذي بلفظ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني الليلة آت من ربي وفي رواية رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي يا محمد قلت لبيك رب وسعديك قال هل تدري فيم يحيصم الملأ الأعلى الحديث وأما حديث عبيدة بن عمرو فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجال أحمد ثقات ولفظه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 143 ]
توضأ فأسبغ الوضوء كذا في مجمع الزوائد وأما حديث عبد الرحمن بن عائش فأخرجه البغوي في شرح السنة كذا في المشكاة ص 26 وأما حديث أنس فأخرجه البزار ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا إسباغ الوضوء وكثرة الخطى إلى المساجد قال في مجمع الزوائد عاصم بن بهدلة لم يسمع من أنس وبقية رجاله ثقات قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) والحديث رواه مسلم أيضا قوله (والعلاء بن عبد الرحمن هو ابن يعقوب الجهني) ضمير هو يرجع إلى العلاء لا إلى عبد الرحمن (وهو) أي العلاء بن عبد الرحمن فهذا الضمير أيضا يرجع إلى العلاء لا إلى عبد الرحمن (ثقة عند أهل الحديث) قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة العلاء بن عبد الرحمن وقال الترمذي وهو ثقة عند أهل الحديث انتهى فظهر أن ضمير هو في قوله وهو ثقة عند أهل الحديث باب المنديل بعد الوضوء قال في القاموس المنديل بالكسر والفتح وكمنبر الذي يتمسح به وتمندل به وتمندل تمسح انتهى أي باب استعمال المنديل بعد الوضوء لتنشيف الماء قوله حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح أبو محمد الرواس الكوفي كان صدوقا إلا أنه إبتلي بوراقه فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقيل فسقط حديثه كذا في التقريب (عن أبي معاذ) اسمه سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أصل الحديث كما صرح به الترمذي فيما بعده 53 - قوله (كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة ينشف بها بعد الوضوء) من التنشيف قال
[ 144 ]
الجزري في النهاية أصل النشف دخول الماء في الأرض والثوب يقال نشفت الأرض الماء تنشفه نشفا شربته ونشف الثوب العرق وتنشفه وأرض نشفة ومنه الحديث كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم نشافة ينشف بها غسالة وجهه يعني منديلا يمسح بها وضوءه انتهى وقال في القاموس نشف الثوب العرق كسمع ونصر شربه والحوض الماء شربه كتنشفه وقال فيه نشف الماء تنشيفا أخذه بخرقة ونحوها انتهى والحديث دليل جواز التنشيف بعد الوضوء لكنه حديث ضعيف قوله (وفي الباب عن معاذ بن جبل) أخرجه الترمذي في هذا الباب قلت وفي الباب أحاديث أخرى فمنها حديث الوضين بن عطاء أخرجه ابن ماجه عن محفوظ بن علقمة عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه فمسح بها وجهه وهذا ضعيف عند جماعة ومنها حديث أبي بكر كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء أخرجه البيهقي وقال إسناده غير قوي ومنها حديث أنس مثله وأعله ومنها حديث أبي مريم إياس بن جعفر عن فلان رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ أخرجه النسائي في الكنى بسند صحيح ومنها حديث منيب بن مدرك المكي الأزدي قال رأيت جارية تحمل وضوء ومنديلا فأخذ صلى الله عليه وسلم الماء فتوضأ ومسح بالمنديل وجهه أسنده الإمام مغلطائي في شرحه كذا في عمدة القاري شرح البخاري للعيني قلت هذه الأحاديث كلها ضعيفة إلا حديث أبي مريم عن رجل من الصحابة فقال العيني أخرجه النسائي في الكنى بسند صحيح وإني لم أقف على سنده ولم أظفر بكتاب الكنى للنسائي 54 - قوله (حدثنا رشدين بن سعد) بكسر الراء وسكون الشين المعجمة على وزن مسكين قال الحافظ ضعيف ورجح أبو حاتم عليه ابن لهيعة وقال ابن يونس كان صالحا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط في الحديث انتهى
[ 145 ]
وقال الذهبي في الميزان كان صالحا عابدا سئ الحفظ غير معتمد انتهى (عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم العين المهملة الإفريقي قال الحافظ ضعيف في حفظه وكان رجلا صالحا انتهى قلت هو مع ضعفه مدلس أيضا صرح به الحافظ في طبقات المدلسين (عن عتبة بن حميد) الضبي البصري يكنى أبا معاذ وثقه ابن حبان وضعفه أحمد وقال أبو حاتم صالح كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق له أوهام (عن عبادة بن نسي) بضم النون وفتح المهملة وشدة التحتانية الخفيفة الكندي قاضي طبرية ثقة فاضل من الثالثة قاله الحافظ (عن عبد الرحمن بن غنم) بفتح المعجمة وسكون النون الأشعري مختلف في صحبته وذكره العجلي في كبار ثقات التابعين قاله الحافظ قوله (إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه) أي نشف به بعد الوضوء وهذا الحديث أيضا دليل على جواز التنشيف لكن هذا الحديث أيضا ضعيف قوله (حديث عائشة ليس بالقائم) وصححه الحاكم والحق أنه ضعيف قوله (وأبو معاذ يقولون هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث) قال الخزرجي في الخلاصة سليمان بن أرقم البصري أبو معاذ عن الحسن وعطاء وعنه الثوري ويحيى بن حمزة قال الترمزي متروك انتهى وقال الذهبي في الميزان قال خ هو مولى قريظة أو النضير روى عن الحسن والزهري أنهم تركوه وقال أحمد لا يروي عنه وقال عباس وعثمان عن ابن معين ليس بشئ وقال
[ 146 ]
الجوزجاني ساقط وقال أبو داود والدارقطني متروك وقال أبو زرعة ذاهب وقال محمد بن عبد الله الأنصاري كنا ننهي عن مجالسة سليمان بن أرقم فذكر منه أمرا عظيما انتهى قوله (وقد رخص قوم من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم في المنديل بعد الوضوء) قال ابن المنذر أخذ المنديل بعد الوضوء عثمان والحسن ابن علي وأنس وبشير بن أبي مسعود ورخص فيه الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود ومسروق والضحاك وكان مالك والثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي لا يرون به بأسا كذا في عمدة القاري واحتج المرخصون بأحاديث الباب وبحديث أم هاني عند الشيخين قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غسله فسترت عليه فاطمة ثم أخذ ثوبه فالتحف به قال العيني هذا ظاهر في التنشف بحديث قيس بن سعد رواه أبو داود أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له ماء فاغتسل ثم أتيناه بملحفة ورسية فاشتمل بها فكأني أنظر إلى أثر الورس عليه قلت في الاستدلال بهذين الحديثين على جواز التنشيف بعد الوضوء تأمل كما لا يخفى على المتأمل (ومن كرهه إنما كره من قبل أنه قيل إن الوضوء يوزن) أي من جهة أن ماء الوضوء يوزن فيكره إزالته بالتنشيف وفيه أن الظاهر أن المراد ما استعمل في الوضوء يوزن لا الباقي على الأعضاء وقيل لأن ماء الوضوء نور يوم القيامة وفيه مثل ما في ما قبله وقيل لأنه إزالة لأثر العبادة وفيه أنه قد ثبت نفضه صلى الله عليه وسلم يديه بعد الغسل قال ابن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة انتهى وقيل لأن الماء يسبح ما دام على أعضاء الوضوء وفيه ما قال القاري من أن عدم تسبيح ماء الوضوء إذا نشف يحتاج إلى نقل صحيح انتهى
[ 147 ]
قلت قد كره التنشيف عبد الرحمن بن أبي ليلى والنخعي وابن المسيب ومجاهد وأبو العالية كما ذكره العيني واحتجوا بما ذكر وقد عرفت ما فيه واحتجوا بحديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ولا أبو بكر ولا عمر ولا ابن مسعود أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ وفيه أن هذا الحديث ضعيف صرح به الحافظ في التلخيص فلا يصلح للاستدلال وبحديث ميمونة في غسل النبي صلى الله عليه وسلم وفيه فناولته ثوبا فلم يأخذه فانطلق وهو ينفض يديه أخرجه البخاري قالوا هذا الحديث يدل على كراهة التنشيف بعد الغسل فيثبت به كراهته بعد الوضوء أيضا وفيه ما قال الحافظ من أنه لا حجة فيه لأنها واقعة حال يتطرق إليه الاحتمال فيجوز أن يكون عدم الأخذ لأمر آخر لا يتعلق بكراهة التنشيف بل لأمر يتعلق بالخرقة أو لكونه كان مستعجلا أو غير ذلك قال المهلب يحتمل تركه الثوب لإبقاء بركة الماء أو للتواضع أو لشئ آخر رآه في الثوب من حرير أو وسخ وقد وقع عند الإسماعيلي من رواية أبي عوانة في هذا الحديث عن الأعمش قال فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال لا بأس بالمنديل وإنما رده مخافة أن يصير عادة وقال التيمي في شرحه في هذا الحديث دليل على أنه كان ينشف ولولا ذلك لم تأته بالمنديل وقال ابن دقيق العيد نفضه الماء بيده يدل على أن لا كراهة في التنشيف لأن كلا منهما إزالة انتهى كلام الحافظ والقول الراجح عندي هو قول من قال بجواز التنشيف والله تعالى أعلم قوله (حدثنا محمد بن حميد) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان ابن معين حسن الرأي فيه (قال حدثنا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه (حدثنيه علي بن مجاهد) بن مسلم القاضي الكابلي بضم الموحدة وتخفيف اللام متروك وليس في شيوخ أحمد أضعف منه (عني) كان جرير حدث به أولا على بن مجاهد ثم نسي جرير فأخبره علي بن مجاهد بأنك حدثتني به عن
[ 148 ]
ثعلبة فرواه جرير بعد ما نسى وقال حدثنيه علي بن مجاهد عني قال ابن الصلاح وقد روى كثير من الأكابر أحاديث نسوها بعد ما حدثوا بها وكان أحدهم يقول حدثني فلان عني عن فلان بكذا وصنف في ذلك الخطيب أخبار من حدث ونسي وكذلك الدارقطني (وهو عندي ثقة) هذا قول جرير (عن ثعلبة) بن سهيل التميمي الطهوي الكوفي كان يسكن بالري وكان متطببا روى عن الزهري وغيره وعنه جرير بن عبد الحميد وغيره قال الحافظ في تهذيب روى له الترمذي أثرا موقوفا في الوضوء انتهى قلت أشار الحافظ إلى أثر الزهري هذا باب ما يقال بعد الوضوء 55 - قوله (حدثنا جعفر بن محمد بن عمران الثعلبي) بالمثلثة ثم المهملة وفتح اللام وقد ينسب إلى جده صدوق روى عن وكيع ويحيى بن سليم وعنه أبو داود والترمذي والنسائي قال أبو حاتم صدوق قال الذهبي توفي بعد الأربعين ومائتين (عن معاوية بن صالح) بن حدير الحضرمي أحد الأعلام وقاضي الأندلس وثقة أحمد وابن معين روى عن مكحول وربيعة بن يزيد وخلق وعنه الثوري والليث وابن وهب وخلق قال ابن عدي هو عندي ثقة إلا أنه يقع في حديثه إفرادات مات سنة 851 ثمان وخمسين ومائة (عن ربيعة بن يزيد الدمشقي) قال الحافظ ثقة عابد وقال في الخلاصة أحد الأعلام روى عن واثلة وعبد الله بن الديلمي وجبير بن نفير وعنه جعفر بن ربيعة وحيوة بن شريح والأوزاعي وثقة النسائي قتل سنة 321 ثلاث وعشرين ومائة (عن أبي إدريس الخولاني) اسمه عائذ الله بن عبد الله ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين
[ 149 ]
وسمع من كبار الصحابة ومات سنة 08 ثمانين قال سعيد بن عبد العزيز كان عالم الشام بعد أبي الدرداء (وأبي عثمان) قال في التقريب أبو عثمان شيخ لربيعة بن يزيد بن يزيد الدمشقي قيل هو سعيد بن هاني الخولاني وقيل جرير بن عثمان وإلا فمجهول قلت قال أبو داود في سننه حدثنا أحمد بن سعيد عن ابن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي عثمان وأظنه سعيد بن هانئ عن جبير بن نفير عن عقبة قال معاوية وحدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن عقبة إلخ فرواية أبي داود هذا تؤيد أن أبا عثمان هو سعيد بن هانئ وأيضا تدل على أن قوله وأبي عثمان في رواية الترمذي معطوف على ربيعة تنبيه اعلم أن حديث الباب قد أخرجه مسلم بدون زيادة اللهم اجعلني من التوابين إلخ بإسنادين أحدهما عن شيخه محمد بن حاتم قال نا عبد الرحمن بن مهدي قال نا معاوية بن صالح عن ربيعة يعني ابن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن عقبة بن عامر قال وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر وثانيهما روى عن شيخه أبي بكر بن أبي شيبة قال نا زيد بن الحباب قال نا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن عقبة بن عامر وحقق النووي في شرح مسلم أن قائل وحدثني أبو عثمان في السند الأول هو معاوية ابن صالح وأن قوله وأبي عثمان في السند الثاني معطوف على ربيعة وأطنب في تصويبه نقلا عن أبي علي الغساني الجياني ثم قال النووي قال أبو علي وقد خرج أبو عيسى الترمذي في مصنفه هذا الحديث من طريق زيد بن الحباب عن شيخ له لم يقيم إسناده عن زيد وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب وزيد برئ من هذه العهدة والوهم في ذلك من أبي عيسى أو من شيخه الذي حدثه به لأنا قدمنا من رواية أئمة حفاظ عن زيد بن الحباب ما خالف ما ذكره أبو عيسى انتهى قلت قوله وحمل أبو عيسى في ذلك على زيد بن الحباب إلخ يشير به إلى قوله أبي عيسى فيما بعد قد خولف زيد بن الحباب في هذا الحديث إلخ
[ 150 ]
قوله (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جمع بينها إلماما بقوله تعالى إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ولما كانت التوبة طهارة الباطن عن أدران الذنوب والوضوء طهارة الظاهر عن الأحداث المانعة عن التقرب إليه تعالى ناسب الجمع بينهما قوله (وفي الباب عن أنس وعقبة بن عامر) وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجه وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه مسلم قوله (خولف زيد بن الحباب في هذا الحديث) خالفه عبد الله بن صالح وغيره وبين الترمذي صورة المخالفة بقوله روى عبد الله بن صالح وغيره إلخ قوله (هذا حديث في إسناده اضطراب ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم كثير شئ) أعلم أن حديث عمر هذا أخرجه مسلم في صحيحه من وجه آخر بدون زيادة اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فهو صحيح سالم من الاضطراب قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه لكن رواية مسلم سالمة من هذا الاعتراض والزيادة التي عنده رواها البزار والطبراني في الأوسط من طريق ثوبان ولفظه من دعا بوضوء فتوضأ فساعة فرغ من وضوئه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الحديث ورواه ابن ماجه من حديث أنس انتهى ما في التلخيص
[ 151 ]
ثم اعلم أنه لم يصح في هذا الباب غير حديث عمر الذي رواه مسلم وقد جاء في هذا الباب أحاديث ضعاف منها حديث أبي سعيد بلفظ من توضأ فقال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة واختلف في رفعه ووقفه والمرفوع ضعيف وأما الموقوف فهو صحيح كما حقق ذلك الحافظ في التلخيص ثم أعلم أن ما ذكره الحنفية والشافعية وغيرهم في كتبهم من الدعاء عند كل عضو كقولهم يقال عند غسل الوجه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وعند غسل اليد اليمنى اللهم اعطني كتابي بيميني وحاسبني حسابا يسيرا إلخ فلم يثبت فيه حديث قال الحافظ في التلخيص قال الرافعي ورد بها الأثر عن الصالحين قال النووي في الروضة هذا الدعاء لا أصل له وقال ابن الصلاح لم يصح فيه حديث قال الحافظ روى فيه عن علي من طرق ضعيفة جدا أوردها المستغفري في الدعوات وابن عساكر في أماليه انتهى وقال ابن القيم في الهدى ولم يحفظ عنه أنه كان يقول على وضوئه شيئا غير التسمية وكل حديث في أذكار الوضوء الذي يقال عليه فكذب مختلق لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا منه ولا علمه لأمته ولا يثبت عنه غير التسمية في أوله وقوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين في اخره انتهى باب الوضوء بالمد 56 - قوله (قال حدثنا إسماعيل بن علية) هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي مولاهم أبو بشر المعروف بابن علية ثقة حافظ من الثامنة (عن أبي ريحانة) اسمه عبد الله ابن مطر البصري مشهور بكنيته صدوق تغير باخره من الثالثة (عن سفينة) هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يكنى أبا عبد الرحمن يقال كان اسمه مهران أو غير ذلك فلقب سفينة لكونه حمل شيئا كبيرا في السفر مشهور له أحاديث
[ 152 ]
قوله (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع) قال الحافظ في فتح الباري المد بضم الميم وتشديد الدال إناء يسع رطلا وثلثا بالبغدادي قاله جمهور أهل العلم وخالف بعض الحنفية فقالوا المد رطلان انتهى وقال العيني في عمدة القاري وهو أي المد رطلان عند أبي حنيفة وعند الشافعي رطل وثلث بالعراق وأما الصاع فعند أبي يوسف خمسة أرطال وثلث رطل عراقية وبه قال مالك والشافعي وأحمد وقال أبو حنيفة ومحمد الصاع ثمانية أرطال انتهى وقال العيني معترضا على الحافظ ما لفظه مذهب أبي حنيفة أن المد رطلان وما خالف أبو حنيفة أصلا لأنه يستدل في ذلك بما رواه جابر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال أخرجه ابن عدي وبما رواه أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال أخرجه الدارقطني انتهى كلام العيني قلت هذان الحديثان ضعيفان لا تقوم بهما الحجة أما حديث جابر فأخرجه ابن عدي في الكامل عن عمران بن موسى بن وجيه الوجيهي عن عمرو بن دينار عنه وضعف عمران بن موسى هنا عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم وقال إنه في عداد من يضع الحديث كذا في نصب الراية وقال الحافظ في الدارية فيه عمران ابن موسى وهو هالك انتهى وأما حديث أنس فقال الحافظ في الدراية بعد ذكره هو من رواية ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن أنس وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا من طريق أخرى وفيه موسى ابن نصر وهو ضعيف جدا والحديث في الصحيحين عن أنس ليس فيه ذكر الوزن انتهى كلام الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية أخرجه الدارقطني في سننه من ثلاثة طرق ثم ذكرها ثم قال وضعف البيهقي هذه الأسانيد الثلاثة وقال الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد انتهى كلام الزيلعي والعجب من العيني أنه استدل لأبي حنيفة بهذين الحديثين الضعيفين ولم يذكر ما فيهما من المقال الذي يسقطهما عن الاحتجاج واستدل لأبي حنيفة بما رواه الدارقطني عن صالح بن موسى الطلحي حدثنا منصور بن المعتمر عن إبراهيم عن عائشة قالت جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغسل من الجنابة صاع من ثمانية أرطال وفي الوضوء رطلان وهذا الحديث أيضا ضعيف قال الدارقطني بعد روايته لم يروه عن منصور غير صالح وهو ضعيف الحديث انتهى
[ 153 ]
والحاصل أنه لم يقم دليل صحيح على ما ذهب إليه أبو حنيفة من أن المد رطلان لذلك ترك الامام أبو يوسف مذهبه واختار ما ذهب إليه جمهور أهل العلم أن المد رطل وثلث رطل قال البخاري في صحيحه باب صاع المدينة ومد النبي صلى الله عليه وسلم وبركته وما توارث أهل المدينة من ذلك قرنا بعد قرن انتهى قال العيني في عمدة القاري قوله وما توراث أهل المدينة أي بيان ما توارث أهل المدينة قرنا أي جيلا بعد جيل على ذلك ولم يتغير إلى زمنه ألا ترى أن أبا يوسف لما اجتمع مع مالك في المدينة فوقعت بينهما المناظرة في قدر الصاع فزعم أبو يوسف أنه ثمانية أرطال وقام مالك ودخل بيته وأخرج صاعا وقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو يوسف فوجدته خمسة أرطال وثلثا فرجع أبو يوسف إلى قول مالك وخالف صاحبيه في هذا انتهى كلام العيني وأخرج الطحاوي في شرح الآثار قال حدثنا ابن أبي عمران قال أخبرنا علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال قدمت المدينة فأخرجه إلى من أثق به صاعا فقال هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل وسمعت ابن أبي عمران يقول يقال إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس انتهى وقال الحافظ في التلخيص الحبير قوله والدليل على أن الصاع خمسة أرطال وثلث فقط بنقل أهل المدينة خلفا عن سلف ولمالك مع أبي يوسف فيه قصة مشهورة والقصة رواها البيهقي بإسناد جيد وأخرج ابن خزيمة والحاكم من طريق عروة عن أسماء بنت أبي بكر أمه أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمد الذي يقتات به أهل المدينة وللبخاري عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعطي زكاة رمضان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمد الأول انتهى ما في التلخيص وقال الزيلعي في نصب الراية والمشهور ما أخرجه البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي وهو ثقة قال قدم علينا أبو يوسف من الحج فقال إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم أهمني ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لهم ما حجتكم في ذلك فقالوا نأتيك بالحجة غدا فلما أصبحت أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظرت فإذا هي سواء قال فعيرته فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة هذا هو المشهور من قول أبي يوسف
[ 154 ]
وقد روى أن مالكا رضي الله عنه ناظره واستدل عليه بالصيعان التي جاء بها أولئك الرهط فرجع أبو يوسف إلى قوله وقال عثمان بن سعيد الدارمي سمعت علي بن المديني يقول عيرت صاع النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته خمسة أرطال وثلث رطل بالثمر انتهى ما في نصب الراية وروى البخاري في صحيحة ص 082 ج 7 بإسناده عن السائب بن يزيد أنه كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدا وثلثا بمدكم اليوم فزيد فيه في زمن عمر بن عبد العزيز قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال هذا يدل على أن مدهم حين حدث به السائب كان أربعة أرطال فإذا زيد عليه ثلثه وهو رطل وثلث قام منه خمسة أرطال وثلث وهو الصاع بدليل أن مده صلى الله عليه وسلم رطل وثلث وصاعه أربعة أمداد انتهى ثم روى البخاري عن نافع قال كان ابن عمر يعطي زكاة رمضان بمد النبي صلى الله عليه وسلم المد الأول وفي كفارة اليمين بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو قتيبة قال لنا مالك مدنا أعظم من مدكم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي مالك لو جاءكم أمير فضرب مدا أصغر من مد النبي صلى الله عليه وسلم بأي شئ كنتم تعطون قلت كنا نعطي بمد النبي صلى الله عليه وسلم قال أفلا ترى أن الأمر إنما يعود إلى مد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ويأتي باقي الكلام فيما يتعلق بالمد والصاع في باب صدقة الفطر قوله (وفي الباب عن عائشة وجابر وأنس بن مالك) أما حديث عائشة فأخرجه الشيخان قالت كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من قدح يقال له الفرق ولها روايات أخرى ففي بعضها كان يغتسل بخمس مكاكيك ويتوضأ بمكوك وفي أخرى يغسله الصعاع ويوضئه المد وأما حديث جابر فأخرجه أحمد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يجزئ من الغسل الصاع ومن الوضوء المد كذا في المنتقى وقال الشوكاني وأخرجه أبو داود وابن خزيمة وابن ماجه بنحوه وصححه ابن القطان وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد قوله (حديث سفينة حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه كذا في المنتقى
[ 155 ]
قوله (هكذا رأى بعض أهل العلم الوضوء بالمد والغسل بالصاع) أي بالتوقيت والتحديد (وقال الشافعي وأحمد وإسحاق ليس معنى هذا الحديث على التوقيت إلخ) هذا القول هو الراجح المعول عليه قال ابن حجر قد روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد هو الفرق قال ابن عيينة والشافعي وغيرهما هو ثلاثة آصع وروى مسلم أيضا من حديثها أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء يسع ثلاثة أمداد فهذا يدل على اختلاف الحال في ذلك بقدر الحاجة وفيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر في حديث الباب كابن شعبان من المالكية وكذا من قال به من الحنفيه مع مخالفتهم له في مقدار المد والصاع وحمله الجمهور على الاستحباب لأن أكثر من قدر وضوءه وغسله صلى الله عليه وسلم من الصحابة قدرهما بذلك ففي مسلم عن سفينة مثله ولأحمد وأبي داود بإسناد صحيح عن جابر مثله وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وغيرهم وهذا إذا لم تدع الحاجة إلى الزيادة وهو أيضا في حق من يكون خلقه معتد انتهى كلام الحافظ واعترض العيني على قوله فيه رد على من قدر الوضوء والغسل بما ذكر إلخ بأنه لا رد فيه على من قال به من الحنفية لأنه لم يقل ذلك بطريق الوجوب كما قال ابن شعبان بطريق الوجوب فإنه قال لا يجزئ أقل من ذلك وأما من قال به من الحنفية فهو محمد بن الحسن فإنه روي عنه أنه قال إن المغتسل لا يكن أن يعم جسده بأقل من مد وهذا يختلف باختلاف أجساد الأشخاص انتهى كلام العيني قلت قول محمد بن الحسن المذكور يدل دلالة ظاهرة على أنه قال ذلك بطريق الوجوب فإنه إذا لا يمكن عنده أن يعم المغتسل جسده بأقل من مد وجب أن يكون الماء مدا أو أكثر ولا يجزئ أقل من ذلك وأما قول العيني وهذا يختلف باختلاف أجساد الأشخاص فلا يجدي نفعا لأن محمد ابن الحسن لم يخص مغتسلا عن مغتسل فتفكر ثم قال العيني إن الروايات مختلفة في هذا الباب ففي رواية أبي داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد وفي حديث
[ 156 ]
أم عمارة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فأتى بإناء فيه ماء قدر ثلثي المد وفي رواية ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثلثي مد من ماء فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وذكر روايات كثيرة مختلفة ثم قال قال النووي قال الشافعي وغيره من العلماء الجمع بين هذه الروايات أنها كانت اغتسالات في أحوال وجد فيها أكثر ما استعمله وأقله فدل على أنه لا حد في قدر ماء الطهارة يجب استيفاؤه ثم قال الاجماع قائم على ذلك انتهى قلت في دعوى الاجماع كلام كيف وقد عرفت مذهب ابن شعبان وبعض الحنفية باب كراهية الاسراف في الوضوء 57 - قوله (نا أبو داود) هو الطيالسي واسمه سليمان بن داود بن الجارود الفارسي مولى الزبير الطيالسي البصري أحد الأعلام الحفاظ روى عن ابن عوف وهشام بن أبي عبد الله وخلائق وعنه أحمد وابن المديني وابن بشار وخلق قال ابن مهدي أبو داود أصدق الناس وقال أحمد ثقة يحتمل خطؤه وقال وكيع جبل العلم مات سنة 402 أربع ومائتين عن إحدى وسبعين كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة حافظ غلط في أحاديث (نا خارجة بن مصعب) أبو الحجاج السرخسي متروك وكان يدلس عن الكذابين ويقال إن ابن معين كذبه قاله الحافظ (عن يونس بن عبيد) العبدي مولاهم أبو عبد الله البصري أحد الأئمة وثقة أحمد وأبو حاتم (عن الحسن) هو البصري (عن عتي) بضم أوله مصغرا ثقة من الثالثة قوله (أن للوضوء شيطانا) أي للوسوسة فيها (يقال له الولهان) بفتحتين مصدر وله يوله ولهانا وهو ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد وغاية العشق سمي بها شيطان الوضوء إما لشدة حرصه على طلب الوسوسة في الوضوء وإما لقائه الناس بالوسوسة في مهواة الحيرة حتى يرى صاحبه حيران ذاهب العقل لا يدري كيف يلعب به الشيطان ولم يعلم هل وصل الماء إلى العضو أم لا وكم مرة غسله فهو بمعنى اسم الفاعل أو باق على مصدريته للمبالغة كرجل عدل قاله
[ 157 ]
القاري (فاتقوا وسواس الماء) قال الطيبي أي وسواسه هل وصل الماء إلى أعضاء الوضوء أم لا وهل غسل مرتين أو مرة وهل هو طاهر أو نجس أو بلغ قلتتين أو لا وقال ابن الملك وتبعه ابن حجر أي وسواس الولهان وضع الماء موضع ضميره مبالغة في كمال الوسواس في شأن الماء أو لشدة ملازمته له كذا في المرقاة والحديث يدل على كراهية الاسراف في الماء للوضوء وقد أجمع العلماء على النهي عن الاسراف في الماء ولو على شاطئ النهر قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وعبد الله بن مغفل) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه النسائي وابن ماجه ولفظه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه أبو داود وابن ماجه ولفظه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء قوله (حديث أبي بن كعب حديث غريب) وأخرجه ابن ماجه (لأنا لا نعلم أحدا أسنده) أي رواه مرفوعا (وخارجة ليس بالقوي عند أصحابنا) أي أهل الحديث قاله الطيبي كذا في المرقاة قلت الأمر كما قال الطيبي وقد تقدم في المقدمة تحقيق ذلك (وضعفه ابن المبارك) قال الذهبي في الميزان وهاه أحمد وقال ابن معين ليس بثقة وقال أيضا كذاب وقال البخاري تركه ابن المبارك ووكيع وقال الدارقطني وغيره ضعيف وقال ابن عدي هو ممن يكتب حديثه قال الذهبي انفرد بخبر إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان مات سنة 168 ثمان وستين ومائة وكان له جلالة بخراسان انتهى باب الوضوء لكل صلاة 58 - قوله (حدثنا محمد بن حميد الرازي) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان ابن
[ 158 ]
معين حسن الرأي فيه من العاشرة روي عن يعقوب بن عبد الله القمي وجرير ابن عبد الحميد وسلمة بن الفضل وغيرهم وعنه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد ابن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم كذا في التقريب وتهذيب التهذيب وقال في الخلاصة قال ابن معين ثقة كيس وقال البخاري فيه نظر وكذبه الكوسج وأبو زرعة وصالح بن محمد وابن خراش مات سنة 842 ثمان وأربعين ومائتين (نا سلمة بن الفضل) الأبرش بالمعجمة مولى الأنصار قاضي الري صدوق كثير الخطأ من التاسعة قاله الحافظ روى عن ابن إسحاق وحجاج بن أرطاة وعنه عثمان بن أبي شيبة وابن معين ووثقه وقال مرة ليس به بأس يتشيع قال البخاري عنده مناكير وقال أبو حاتم محله الصدق وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا وهو صاحب مغازي ابن إسحاق وقال النسائي ضعيف كذا في الخلاصة وهامشها قوله (عن حميد) هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري ثقة مدلس روى عن أنس والحسن وعكرمة وعنه شعبة ومالك والسفيانان والحمادان وخلق قال القطان مات حميد وهو قائم يصلي قال شعبة لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثا مات سنة 142 ثنتين وأربعين ومائة قوله (كان يتوضأ لكل صلاة) أي مفروضة (كنا نتوضأ وضوء واحدا) أي كنا نصلي الصلوات بوضوء واحد ما لم نحدث كما في الرواية الاتية قوله (حديث أنس حديث حسن غريب) تفرد به محمد بن إسحاق وهو مدلس ورواه عن حميد معنعنا قوله (وقد كان بعض أهل العلم يرى الوضوء لكل صلاة استحبابا لا على الوجوب) بل ان أكثر أهل العلم يرون الوضوء لكل صلاة استحبابا لا على الوجوب قال الطحاوي في شرح الآثار ذهب قوم إلى أن الحاضرين يجب عليهم أن يتوضؤا لكل صلاة واحتجوا في ذلك بهذا
[ 159 ]
الحديث أي بحديث سليمان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة وخالفهم في ذلك أكثر العلماء فقالوا لا يجب الوضوء إلا من حدث انتهى وقال الحافظ في الفتح اختلف السلف في معنى قوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الاية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين واستدل الدارمي في مسنده على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم لا وضوء إلا لمن أحدث ومن العلماء من حمله على ظاهره وقال كان الوضوء لكل صلاة واجبا ثم اختلفوا أهل نسخ أو استمر حكمه ويدل على النسخ ما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث عبد الله بن حنظلة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسواك وذهب إلى استمرار الوجوب قوم كما جزم به الطحاوي ونقله ابن عبد البر عن عكرمة وابن سيرين وغيرهما واستبعده النووي وجنح إلى تأويل ذلك إن ثبت عنهم وجزمنا بأن الاجماع استقر على عدم الوجوب ويمكن حمل الاية على ظاهرها من غير نسخ ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب وفي حق غيرهم على الندب وحصل بيان ذلك بالسنة انتهى كلام الحافظ قوله (نا يحيى بن سعيد) هو القطان (نا سفيان بن سعيد) هو الثوري (عن عمرو ابن عامر الأنصاري) الكوفي ثقة قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة) قال الحافظ أي مفروضة وظاهره أن تلك كانت عادته قال الطحاوي يحتمل أن ذلك كان واجبا عليه خاصة ثم نسخ يوم الفتح بحديث بريدة يعني الذي أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم صلى الصلوات يوم الفتح بوضوء واحد قال ويحتمل أنه كان يفعله استحبابا ثم خشي أن يظن وجوبه فتركه لبيان الجواز قال الحافظ وهذا أقرب وعلى التقدير الأول فالنسخ كان قبل الفتح بدليل حديث سويد بن النعمان فإنه كان في خيبر وهي قبل الفتح بزمان انتهى قلت وحديث سويد بن النعمان الذي أشار إليه الحافظ أخرجه البخاري وغيره قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما صلى دعا بالأطعمة فلم يؤت إلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب فمضمض ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ (قلت فأنتم ما كنتم تصنعون) وفي رواية البخاري قلت كيف كنتم تصنعون والقائل عمرو بن عامر والمراد الصحابة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وغيره قوله (من توضأ على طهر) أي مع كونه طاهرا (كتب الله له به عشر حسنات) قال ابن
[ 160 ]
رسلان يشبه أن يكون المراد كتب الله له به عشرة وضوءات فإن أقل ما وعد به من الأضعاف الحسنة بعشر أمثالها وقد وعد بالواحدة سبعمائة ووعد ثوابا بغير حساب قال في شرح السنة تحديد الوضوء مستحب إذا كان قد صلى بالوضوء الأول صلاة وكرهه قوم إذا لم يصل بالأول صلاة ذكره الطيبي قال القاري ولعل سبب الكراهة هو الاسراف فائدة قال الحافظ المنذري في الترغيب وأما الحديث الذي يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء على الوضوء نور على نور فلا يحضرني له أصل من حديث النبي صلى الله عليه وسلم ولعله من كلام بعض السلف قوله (روى هذا الحديث الافريقي) هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي وهو ضعيف (عن أبي غطيف) بالتصغير الهذلي قال الحافظ مجهول (حدثنا بذلك الحسين بن حريث المروزي) ثقة من العاشرة (حدثنا محمد بن يزيد الواسطي) أصله شامي ثقة ثبت عابد من كبار التاسعة قوله (وهو إسناد ضعيف) لأن الافريقي ضعيف وأبا غطيف مجهول والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه أيضا قوله (قال علي) هو علي بن عبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم أبو الحسن ابن المديني البصري ثقة ثبت إمام أعلم أهل عصره بالحديث وعلله حتى قال البخاري ما استصغرت نفسي إلا عنده وقال القطان كنا نستفيد منه أكثر مما يستفيد منا وكذلك قال شيخه ابن عيينة وقال النسائي كأن الله خلق عليا لهذا الشأن قوله (هذا إسناد مشرقي) أي رواة هذا الحديث أهل المشرق وهم أهل الكوفة والبصرة كذا في بعض الحواشي
[ 161 ]
باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد 61 - قوله (عن سفيان) هو ابن سعيد الثوري (عن علقمة بن مرثد) بفتح الميم والثاء وسكون الراء بينهما وثقة أحمد والنسائي قوله (عمدا صنعته) أي لبيان الجواز قال القاري في المرقاة شرح المشكاة الضمير راجع للمذكور وهو جمع الصلوات الخمس بوضوء واحد والمسح على الخفين وعمدا تمييزا أو حال من الفاعل فقدم اهتماما بشرعية المسألتين في الدين واختصاصهما ردا لزعم من لا يرى المسح على الخفين وفيه دليل على أن من يقدر أن يصلي صلوات كثيرة بوضوء واحد لا تكره صلاته إلا أن يغلب عليه الأخبثان كذا ذكره الشراح لكن رجوع الضمير إلى مجموع الأمرين يوهم أنه لم يكن يمسح على الخفين قبل الفتح والحال أنه ليس كذلك فالوجه أن يكون الضمير راجعا إلى الجمع فقط أي جمع الصلوات بوضوء واحد انتهى كلامه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه قوله (وروى هذا الحديث علي بن قادم) الخزاعي الكوفي صدوق (وروى سفيان الثوري
[ 162 ]
هذا الحديث أيضا عن محارب بن دثار) أي كما رواه عن علقمة بن مرثد فهذا الحديث عند سفيان عن شيخين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار كلاهما عن سليمان بن بريدة (مرسل) أي هذا مرسل وفي نسخة قلمية صحيحة مرسلا وهو الظاهر (وهذا أصح من حديث وكيع) أي هذا المرسل الذي رواه عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن سفيان عن محارب بن دثار عن سليمان بن بريدة بدون ذكر عن أبيه أصح من حديث وكيع الذي رواه عن سفيان عن محارب مسندا بذكر عن أبيه ووجه كون المرسل أصح لأن رواته أكثر والمرسل قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أو فعل كذا والمسند ما اتصل سنده مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تنبيه أعلم أن سفيان روى هذا الحديث عن شيخين علقمة بن مرثد ومحارب بن دثار واختلاف أصحاب سفيان في روايته مرسلا ومسندا إنما هو في روايته عن محارب لا في روايته عن علقمة فإن أصحابه لا يختلفون في روايته عن علقمة في الاسناد وا رسال بل كلهم متفقون في روايته مسندا وهذا ظاهر على من وقف على طرق الحديث ولم يقف على هذا صاحب الطيب الشذي فاعترض على الترمذي حيث قال ولعل الحق خلافه ثم هذا المعترض يظن أن بين الارسال والرفع منافاة فإنه قال في شرح قول الترمذي وهذا أصح من حديث وكيع أي رواية الإرسال أصح من رواية الرفع وجه الصحة كون المرسلين أكثر ممن رفعه انتهى والأمر ليس كذلك وهذا ظاهر فإن رواية الارسال أيضا مرفوعة قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم إلخ) قال النووي في شرح صحيح مسلم في هذا الحديث أنواع من العلم منها جواز الصلوات المفروضات والنوافل بوضوء واحد ما لم يحدث وهذا جائز بإجماع من يعتد به وحكى الطحاوي وابن بطال عن طائفة أنهم قالوا يجب الوضوء لكل صلاة وإن كان متطهرا واحتجوا بقول الله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم
[ 163 ]
الآية وما أظن هذا المذهب يصح عن أحد ولعلهم أرادوا استحباب تجديد الوضوء عند كل صلاة ودليل الجمهور الأحاديث الصحيحة منها هذا الحديث وحديث أنس وحديث سويد بن النعمان وفي معناه أحاديث كثيرة وأما الاية الكريمة فالمراد بها والله أعلم إذا قمتم محدثين انتهى كلام النووي مختصرا وقال الحافظ في الفتح اختلف السلف في معنى الاية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وقال الآخرون بل الأمر على عمومه من غير تقدير حذف إلا أنه في حق المحدث على الايجاب وفي حق غيره على الندب وقال بعضهم كان على الايجاب ثم نسخ فصار مندوبا ويدل لهذا ما رواه أحمد وأبو داود عن عبد الله بن حنظلة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق عليه وضع عنه الوضوء إلا من حدث ولمسلم من حديث بريدة كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر أنك فعلت شيئا لم تكن تفعله فقال عمدا فعلته أي لبيان الجواز وسيأتي حديث أنس في ذلك انتهى كلام الحافظ قلت (وإرادة الفضل) بالنصب عطف على استحبابا أي وطلبا للفضيلة والثواب لا على الوجوب قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله) أخرجه ابن ماجه باب في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد 62 - قوله (عن عمرو بن دينار) المكي أبي محمد الأثرم الجمحي مولاهم ثقة ثبت من الرابعة (عن أبي الشعثاء) اسمه جابر بن زيد الأزدي ثم الخزاعي البصري مشهور بكنيته ثقة فقيه من الثالثة كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن ابن عباس فأكثر ومعاوية وابن عمرو عنه عمرو بن دينار وقتادة وخلق قال ابن عباس هو من العلماء انتهى
[ 164 ]
قوله (وضوء الرجل) بضم الواو لأن المراد الفعل قوله (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) يحتمل أن يكون مفعولا معه يحتمل أن يكون عطفا على الضمير وهو من باب تغليب المتكلم على الغائب لكونها هي السبب في الاغتسال فكأنها أصل في الباب قاله الحافظ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (وهو قول عامة الفقهاء إلخ) قال النووي في شرح مسلم وأما تطهير الرجل والمرأة من إناء واحد فهو جائز بإجماع المسلمين لهذه الأحاديث التي في الباب انتهى وقال الحافظ في الفتح نقل الطحاوي ثم القرطبي والنووي الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الاناء الواحد وفيه نظر لما حكاه ابن المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهي عنه وكذا حكاه ابن عبد البر عن قوم وهذا الحديث حجة عليهم انتهى وتعقب العيني على الحافظ فقال في نظره نطر لأنهم قالوا با تفاق دون الاجماع فهذا القائل لم يعرف الفرق بين الاتفاق وا جماع انتهى كلام العيني قلت قال النووي هو جائز بإجماع المسلمين كما عرفت فنظر الحافظ صحيح بلا مرية ونظر العيني مردود عليه قوله (وفي الباب عن علي وعائشة وأنس وأم هانئ وأم صبية وأم سلمة وابن عمر) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأما حديث عائشة وأنس فأخرجه البخاري وغير وأما حديث أم هانئ فأخرجه النسائي وأما حديث أم صبية بصاد مهملة وموحدة مصغرا فأخرجه أبو داود والطحاوي وأما حديث أم سلمة فأخرجه ابن ماجه والطحاوي وأما حديث ابن عمر فأخرجه مالك في الموطأ والنسائي وابن ماجه
[ 165 ]
باب كراهية فضل طهور المرأة قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن سليما التيمي) هو ابن طرخان أبو المعتمر البصري نزل في التيم فنسب إليهم ثقة عابد من الرابعة (عن أبي حاجب) اسمه سودة بن عاصم العنزي البصري صدوق يقال إن مسلما أخرج له من الثالثة (عن رجل من بني غفار) هو الحكم بن عمرو قاله الحافظ قوله (عن فضل طهور المرأة) أي عما فضل من الماء بعد ما توضأت المرأة منه قوله (وفي الباب عن عبد الله بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة صحابي سكن البصرة وحديثه أخرجه ابن ماجه بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة والمرأة بفضل الرجل ولكن يشرعان جميعا قال ابن ماجه بعد إخراجه ما لفظه الصحيح هو الأول والثاني وهم انتهى قلت أراد بالأول حديث الحكم بن عمرو الآتي فإنه أخرجه قبل حديث عبد الله بن سرجس وأراد بالثاني حديث عبد الله بن سرجس وفي الباب ما أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حميد بن عبد الرحمن الحميري قال لقيت رجلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل ويغتسل الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا قال في الفتح رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية انتهى وقال في البلوغ إسناده صحيح قال أحمد قيده بما إذا خلت به لأن أحاديث الباب ظاهرة في الجواز إذا اجتمعا ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة قال لكن صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به وعورض بصحة الجواز عن جماعة من الصحابة منهم ابن عباس والله أعلم انتهى أعلم أن لأحمد في هذه المسألة قولين أحدهما هذا الذي ذكره الترمذي وهو المشهور والثاني كقول الجمهور قال ابن قدامة في المغنى اختلفت الرواية عن أحمد والمشهور عنه أنه لا يجوز ذلك إذا خلت به والثانية يجوز الوضوء به للرجال والنساء اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم
[ 166 ]
قوله (وكره بعض أهل العلم الوضوء بفضل المرأة وهو قول أحمد وإسحاق إلخ) قال الحافظ في الفتح صح عن عبد الله بن سرجس الصحابي وسعيد بن المسيب والحسن البصري أنهم منعوا التطهر بفضل المرأة وبه قوله (قال نا أبو داود) هو الطيالسي ففي رواية أبي داود حدثنا ابن بشار قال حدثنا أبو داود يعني الطيالسي وأبو داود الطيالسي اسمه سليمان بن داود بن الجارود البصري أحد حفاظ الإسلام والطيالسي بفتح الطاء وخفة التحتية وكسر اللام منسوب إلى بيع الطيالسة جمع طيلسان هو نوع من الأردية (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول أبو عبد الرحمن البصري وثقه ابن معين وأبو زرعة وقال أحمد ثقة من الحفاظ (عن الحكم) بفتح الحاء والكاف (بن عمرو الغفاري) ويقال له الحكم ابن الأقرع صحابي نزل البصرة قوله (نهى عن أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة) قيل النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز الآتية في الباب الاتي (أو قال) وقال بسؤرها شك من شعبة قوله (هذا حديث حسن) قال الحافظ في الفتح حديث الحكم بن عمرو وأخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وأغرب النووي فقال اتفق الحفاظ على تضعيفه باب الرخصة في ذلك 65 - قوله (نا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الكوفي الحافظ قال ابن معين ثقة
[ 167 ]
متقن (عن عكرمة) هو عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر ولا يثبت عنه بدعة كذا في التقريب قوله (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) هي ميمونة رضي الله عنها لما أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس عن ميمونة قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت له فقال الماء ليس عليه جنابة واغتسل منه (في جفنة) بفتح الجيم وسكون الفاء أي قصعة كبيرة وجمعة جفان (إني كنت جنبا) يضم الجيم والنون والجنابة معروفة يقال منها أجنب بالألف وجنب على وزن قرب فهو جنب ويطلق على الذكر والأنثى والمفرد والتثنية والجمع (إن الماء لا يجنب) بضم الياء وكسر النون ويجوز فتح الياء وضم النون قال الزعفراني أي لا يصير جنبا كذا في المرقاة وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز التطهر بفضل المرأة وحديث الحكم بن عمرو الغفاري الذي تقدم في الباب المتقدم يدل على النهي عن ذلك وقد جمع بينهما بأن النهي محمول على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملا والجواز على ما بقي من الماء وبذلك جمع الخطابي وبأن النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز قيل إن قول بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إني كنت جنبا عند إرادته صلى الله عليه وسلم التوضؤ بفضلها يدل على أن النهي كان متقدما فحديث الجواز ناسخ لحديث النهي والله تعالى أعلم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وقال الحافظ في البلوغ وصححه ابن خزيمة وقال في الفتح وقد أعله قوم بسماك بن حرب رواية عن عكرمة لأنه كان يقبل التلقين لكن قد رواه عنه شعبه وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم انتهى وأخرج أحمد ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة وأخرج أحمد وابن ماجه عن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة قوله (وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي) قال النووي في شرح مسلم وأما تطهير الرجل بفضلها فهو جائز عندنا وعند مالك وأبي حنيفة وجماهير العلماء سواء خلت به أو لم تخل قال بعض أصحابنا ولا كراهة في ذلك للأحاديث الصحيحة الواردة به وذهب أحمد بن حنبل وداود
[ 168 ]
إلى أنها إذا خلت بالماء واستعملته لا يجوز للرجل استعمال فضلها وروى عن أحمد كمذهبنا وروى عن الحسن وسعيد بن المسيب كراهة فضلها مطلقا والمختار ما قاله الجماهير لهذه الأحاديث الصحيحة في تطهيره صلى الله عليه وسلم مع أزواجه وكل واحد منهما يستعمل فضل صاحبه ولا تأثير للخلوة انتهى قلت هذا الاختلاف في تطهير الرجل بفضل المرأة وأما تطهير المرأة بفضل الرجل فقال النووي جائز بالإجماع وتعقبه الحافظ بأن الطحاوي قد أثبت فيه الخلاف واعلم أن الامام أحمد ومن تبعه حملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به قال ابن تيمية في المنتقى أكثر أهل العلم على الرخصة للرجل من فضل طهور المرأة والإخبار بذلك أصح وكرهه أحمد وإسحاق إذا خلت به وهو قول عبد الله بن سرجس وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعا بينه وبين حديث الحكم انتهى قلت في هذا الحمل نظر فإن الخلوة عند الامام أحمد كما في المغنى لابن قدامة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله لأن أحمد قال إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل به وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به وظاهر أن ميمونة رضي الله عنها خلت به كيف هو وقد قالت أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلخ كما في رواية الدارقطني فكيف يصح حمل حديث ميمونة على أنها لم تخل به وأما ما نقل الميموني عن أحمد من أنه قال الأحاديث من الطرفين مضطربة فأجاب عنه الحافظ بأنه إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن بأن يحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء والجواز على ما بقي من الماء أو يحمل النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة انتهى قلت حمل النهي على التنزيه هو أولى والله تعالى أعلم باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شئ 66 - قوله (والحسن بن علي الخلال) الحلواني الريحاني المكي روى عن عبد الرزاق ووكيع وعبد الصمد وخلق وعنه الأئمة الستة كان ثقة ثبتا متقنا توفي بمكة سنة 242 اثنتين وأربعين ومائتين (نا أبو أسامة) هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي مشهور بكنيته ثقة ثبت ربما دلس وكان باخره يحدث من كتب غيره من كبار التاسعة مات سنة 201 إحدى ومائتين وهو ابن
[ 169 ]
ثمانين (عن الوليد بن كثير) المدني ثم الكوفي وثقة ابن معين وأبو داود (عن محمد بن كعب) بن سليم بن أسد القرظي المدني وكان قد نزل الكوفة مدة ثقة عالم من الثالثة ولد سنة 04 أربعين على الصحيح ووهم من قال ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذا في التقريب (عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج) قال الحافظ في التقريب عبيد الله ابن عبد الله بن رافع بن خديج يأتي في عبيد الله بن عبد الرحمن ثم قال فيه عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري ويقال ابن عبد الله هو راوي حديث بئر بضاعة مستور من الرابعة انتهى قلت فالحق أنه ليس بمستور كما ستعرف (عن أبي سعيد الخدري) بضم الخاء المعجمة اسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري له ولأبيه صحبة استصغر بأحد ثم شهد ما بعدها وروى الكثير مات بالمدينة سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين كذا في التقريب قوله (قيل يا رسول الله أنتوضأ) كذا في النسخ الحاضرة بالنون والتاء بصيغة المتكلم مع الغير وقال الحافظ في التلخيص قوله أنتوضأ بتائين خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم انتهى قلت والظاهر هو ما قال الحافظ ففي رواية قاسم بن أصبغ في مصنفه قالوا يا رسول الله إنك تتوضأ من بئر بضاعة الحديث (من بئر بضاعة) بضم الباء الموحدة وأجيز كسرها وبالضاد المعجمة وحكي بالصاد المهملة وهي بئر معروفة بالمدينة قاله ابن الملك وقال الطيبي نقلا عن التوربشتي بضاعة دار بني ساعدة بالمدينة وهم بطن من الخزرج وأهل اللغة يضمون الباء ويكسرونها والمحفوظ في الحديث الضم (وهي بئر يلقى فيها الحيض) بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية جمع حيضة بكسر الحاء وسكون التحتية وهي الخرقة التي تستعمل في دم الحيض (ولحوم الكلاب والنتن) بفتح النون وسكون التاء وتكسر وهي الرائحة الكريهة والمراد ههنا الشئ النتن كالعذرة والجيفة قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود وينبغي أن يضبط بفتح النون وكسر التاء وهو الشئ الذي له رائحة كريهة من قولهم نتن الشئ بكسر التاء ينتن بفتحها فهو نتن انتهى
[ 170 ]
قال الطيبي معنى قوله يلقى فيها أن البئر كانت بمسيل من بعض الأودية التي يحتمل أن ينزل فيها أهل البادية فتلقي تلك القاذورات بأفنية منازلهم فيكسحها السيل فيلقيها في البئر فعبر عنه القائل بوجه يوهم أن الإلقاء من الناس لقلة تدينهم وهذا مما لا يجوزه مسلم فأنى يظن ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم انتهى قلت كذلك قال غير واحد من أهل العلم وهو الظاهر المتعين (إن الماء طهور) أي طاهر مطهر قال القاري في المرقاة قيل الألف واللام للعهد الخارجي فتأويله إن الماء الذي تسألون عنه وهو ماء بئر بضاعة فالجواب مطابقى لا عموم كلي كما قاله الامام مالك انتهى وإن كان الألف واللام للجنس فالحديث مخصوص بالإتفاق كما ستقف (لا ينجسه شئ) لكثرته فإن بئر بضاعة كان بئرا كثيرا الماء يكون ماؤها أضعاف قلتين لا يتغير بوقوع هذه الأشياء والماء الكثير لا ينجسه شئ ما لم يتغير قال العلامة الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة قوله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ معناه المعادن لا تنجس بملاقاة النجاسة إذا أخرجت ورميت ولم يتغير أحد أوصافه ولم تفحش وهل يمكن أن يظن ببئر بضاعة أنها كانت تستقر فيها النجاسات كيف وقد جرت عادة بني ادم با جتناب عما هذا شأنه فكيف يستقي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت تقع فيها النجاسات من غير أن يقصد إلقاؤها كما تشاهد من آبار زماننا ثم تخرج تلك النجاسات فلما جاء الاسلام سألوا عن الطهارة الشرعية الزائدة على ما عندهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الماء طهور لا ينجسه شئ يعني لا ينجس نجاسة غير ما عندكم انتهى قوله (هذا حديث حسن وقد جود أبو أسامة هذا الحديث) أي رواه بسند جيد وصححه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو محمد بن حزم قاله الحافظ في التلخيص وزاد في البدر المنير والحاكم وآخرون من الأئمة الحفاظ فإن قلت في سند هذا الحديث عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج وهو مستور كما قال الحافظ في التقريب فكيف يكون هذا الحديث صحيحا أو حسنا قلت صحح هذا الحديث أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وهما إماما الجرح والتعديل
[ 171 ]
وأيضا صحح هذا الحديث الحاكم وغيره وذكر ابن حبان عبيد الله هذا في الثقات فثبت أنه لم يكن عند هؤلاء الأئمة مستورا والعبرة لقول من عرف لا بقول من جهل فإن قلت قال ابن القطان في كتابه الوهم والإبهام إن في إسناده اختلافا فقوم يقولون عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقوم يقولون عبد الله بن عبد الله بن رافع ومنهم من يقول عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ومنهم من يقول عبد الله ومنهم من يقول عن عبد الرحمن بن رافع فيحصل فيه خمسة أقوال وكيف ما كان فهو لا يعرف له حال ولا عين كذا في تخريج الهداية للزيلعي وقال الحافظ في التلخيص وأعله ابن القطان بجهالة راوية عن أبي سعيد واختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه قلت أما إعلاله بجهالة الراوي عن أبي سعيد فليس بشئ فإنه إن جهله ابن القطان فقد عرفه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما وأما إعلاله باختلاف الرواة في اسمه واسم أبيه فهو أيضا ليس بشئ لأن اختلاف الرواة في السند أو المتن لا يوجب الضعف إلا بشرط استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم ولا يعل الصحيح بالمرجوح وههنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية بل رواية الترمذي وغيره التي وقع فيها عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج راجحة وباقي الروايات مرجوحة فإن مدار تلك الروايات على محمد بن إسحاق وهو مضطرب فيها وتلك الروايات مذكورة في سنن الدراقطني فهذه الرواية الراجحة تقدم على تلك الروايات المرجوحة ولا تعل هذه بتلك (وفي الباب عن ابن عباس وعائشة) أما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ ورواه أصحاب السنن بلفظ إن الماء لا يجنب وفيه قصة وقال الحازمي لا يعرف مجودا إلا من حديث سماك بن حرب عن عكرمة وسماك مختلف فيه وقد احتج به مسلم كذا في التلخيص وأما حديث عائشة فأخرجه الطبراني في الأوسط وأبو يعلى والبزار وأبو علي بن السكن في صحاحه من حديث شريك بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ ورواه أحمد من طريق أخرى صحيحة لكنه موقوف كذا في التلخيص قلت وفي الباب أيضا عن جابر بلفظ إن الماء لا ينجسه شئ وفيه قصة أخرجه ابن ماجه
[ 172 ]
وفي إسناده أبو سفيان طريف بن شهاب وهو ضعيف متروك وقد اختلف فيه على شريك الراوي عنه وههنا فوائد متعلقة بحديث الباب فلنا أن نذكرها الفائدة الأولى أعلم أن بئر بضاعة كانت بئر معروفة بالمدينة ولم تكن غديرا أو طريقا للماء إلى البساتين والدليل على ذلك أنها لو كانت غديرا أو طريقا للماء إلى البساتين لم تسم بئرا قال في القاموس بئر بضاعة بالضم وقد يكسر بالمدينة قطر رأسها ستة أذرع انتهى وقال في النهاية هي بئر معروفة بالمدينة انتهى وقال أبو داود في سننه سمعت قتيبة بن سعيد قال سألت قيم بئر بضاعة عن عمقها قال أكثر ما يكون الماء إلى العانة قلت فإذا نقصت قال دون العورة قال أبو داود وقدرت أنا بئر بضاعة بردائي مددته عليها ثم ذرعته فإذا عرضها ستة أذرع وسألت الذي فتح لي باب البستان فأدخلني إليه هل غير بناؤها قال لا ورأيت فيها ماء متغير اللون انتهى وأما قول صاحب الهداية إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين وكذا زعم الطحاوي أن بئر بضاعة كانت طريقا للماء إلى البساتين فغلط لا دليل عليه قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وقول صاحب الكتاب إن ماءها كان جاريا إلى البساتين هذا رواه الطحاوي في شرح الاثار عن الواقدي فقال أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي أحمد بن أبي عمران عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين انتهى وهذا سند ضعيف مرسل ومدلوله على جريانه غير ظاهر قال البيهقي في المعرفة وزعم الطحاوي أن بئر بضاعة كان ماؤها جاريا لا يستقر وأنها كانت طريقا إلى البساتين ونقل ذلك عن الواقدي والواقدي لا يحتج بما يسند فضلا عما يرسله وحال بئر بضاعة مشهور بين أهل الحجاز بخلاف ما حكاه انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ ابن حجر في الدراية وأما قوله إن ماء بئر بضاعة كان جاريا بين البساتين فهو كلام مردود على من قاله وقد سبق إلى دعوى ذلك وجزم به الطحاوي فأخرج عن أبي جعفر بن أبي عمران عن محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي قال كانت بئر بضاعة طريقا للماء إلى البساتين وهذا إسناد واه جدا ولو صح لم يثبت به المراد لاحتمال أن يكون المراد أن الماء كان ينقل منها بالسانية إلى البساتين ولو كانت سيحا جاريا لم تسم بئرا انتهى كلام الحافظ
[ 173 ]
قلت العجب من الطحاوي أنه أسنده من طريق محمد بن شجاع الثلجي عن الواقدي وجزم به محمد بن شجاع الثلجي كذاب قال الذهبي في الميزان محمد بن شجاع الثلجي الفقيه البغدادي أبو عبد الله صاحب التصانيف قال ابن عدي كان يضع الحديث في التشبيه وينسبها إلى أهل الحديث يثلبهم بذلك قال الذهبي جاء من غير وجه أنه كان ينال من أحمد وأصحابه يقول أيش قام به أحمد وقال زكريا الساجي محمد بن شجاع كذاب احتال في إبطال الحديث نصرة للرأي انتهى كلام الحافظ الذهبي والواقدي متروك قد استقر الاجماع على وهنه ومع هذا لم يدرك عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا عصر الصحابة رضي الله عنهم فإنه مات سنة سبع ومائتين ولم يذكر من أخذ هذا عنه فكيف يعبأ بقوله هذا ثم قول الواقدي هذا معارض بقوله الاخر فحكى البلاذري في تاريخه عن الواقدي أنه قال تكون بئر بضاعة سبعا في سبع وعيونها كثيرة فهي لا تنزح انتهى الفائدة الثانية حديث الباب قد استدل به الظاهرية على ما ذهبوا إليه من أن الماء لا يتنجس مطلقا وأن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بوقوع النجاسة فيه وأما غيرهم فكلهم خصصوه أما المالكية فبحديث أبي أمامة مرفوعا إن الماء لا ينجسه شئ إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه أخرجه ابن ماجه ومذهبهم أن الماء لا يتنجس إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه وأما الشافعية فبحديث القلتين وهو حديث صحيح كما ستعرف ومذهبهم أن الماء إن كان قلتين لا يتنجس إلا أن تغير ريحه أو طعمه أو لونه وإن كان دون القلتين يتنجس وإن لم يتغير أحد أوصافه وأما الحنفية فبالرأي ولهم في هذا الباب أثنا عشر مذهبا الأول التحديد بالتحريك قال الامام محمد في موطئه ص 66 إذا كان الحوض عظيما إن حركت منه ناحية لم تتحرك به الناحية الأخرى لم يفسد ذلك الماء ما ولغ فيه سبع ولا ما وقع فيه من قذر إلا أن يغلب على ريح أو طعم فإذا كان حوضا صغيرا إن حركت منه ناحية تحركت الناحية الأخرى فولغ فيه السباع أو وقع فيه القذر لا يتوضأ منه قال وهذا كله قول أبي حنيفة انتهى كلامه قلت وهو مذهب أصحابه القدماء والثاني التحديد بالكدرة والثالث التحديد بالصبغ والرابع التحديد بالسبع في السبع والخامس التحديد بالثمانية في الثمانية والسادس عشرين في عشرين والسابع العشر في العشر وهو مذهب جمهور الحنفية المتأخرين والثامن خمسة عشر في خمسة عشر والتاسع اثنا عشر في اثنا عشر قال صاحب التعليق الممجد بعد ذكر مذهب الظاهرية ومذهب المالكية ومذهب الشافعية وهذه المذاهب الإثني عشر للحنفية ما لفظه ولقد
[ 174 ]
خضت في بحار هذه المباحث وطالعت لتحقيقها كتب أصحابنا يعني الحنفية وكتب غيرهم المعتمدة فوضح لنا ما هو الأرجح منها وهو الثاني يعني مذهب المالكية ثم الثالث يعني مذهب الشافعية ثم الرابع وهو مذهب قدماء أصحابنا وأئمتنا والباقية مذاهب ضعيفة انتهى كلامه قلت والمذهب الرابع أعني مذهب قدماء الحنفية أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح فإن قلت قد احتج الامام محمد على هذا المذهب بما رواه بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا قال الحنفية إن غرض عمر من قوله لا تخبرنا أنك لو أخبرتنا لضاق الحال فلا تخبرنا فإنا نرد على السباع وترد علينا ولا يضرنا ورودها عند عدم علمنا ولا يلزمنا الاستفسار من ذلك ولو كان سؤر السباع طاهرا لما منع صاحب الحوض عن الإخبار لأن إخباره لا يضر قالوا والحوض كان صغيرا يتنجس بملاقاة النجاسة وإلا فلو كان كبيرا لما سأل فكيف قلتم إن المذهب الرابع لم يقم عليه دليل صحيح قلت يحتمل أن يكون غرض عمر من قوله لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك وعلى هذا حمل المالكية والشافعية قوله لا تخبرنا لم يقم وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ثم هذا الاستدلال موقوف على نجاسة سئور السباع وهي ليست بمتفق عليها بل المالكية والشافعية قائلون بطهارته وقد ورد بذلك بعض الأحاديث المرفوعة قال ابن الأثير في جامع الأصول زاد رزين قال زاد بعض الرواة في قول عمر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها ما أخذت في بطونها وما بقي فهو لنا طهور وشراب انتهى وروى ابن ماجه عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر وعن الطهارة منها فقال لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور وروى الدارقطني في سننه عن جابر قيل يا رسول الله انتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع وهذه الأحاديث تؤيد ما قال المالكية والشافعية من أن غرض عمر من قوله لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك فتفكر والحاصل أن الاستدلال بقول عمر المذكور على المذهب الرابع ليس بمستقيم على أنه ليس فيه ما يدل على ما في المذهب الرابع من التحريك وتحديده
[ 175 ]
فإن قلت كيف قلتم إن المذهب الرابع أيضا ضعيف لم يقم عليه دليل صحيح وقد أقام عليه الحنفية دلائل من الكتاب والسنة قال صاحب البحر الرائق استدل أبو حنيفة على ما ذكره الرازي في أحكام القرآن بقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث والنجاسات لا محالة من الخبائث فحرمها الله تعالى تحريما مبهما ولم يفرق بين حالة اختلاطها وانفرادها بالماء فوجب تحريم كل ما تيقنا فيه جزءا من النجاسة ويكون جهة الحظر من النجاسة أولى من جهة الإباحة لأن الأصل أنه إذا اجتمع المحرم والمبيح قدم المحرم ويدل عليه من السنة قوله صلى الله عليه وسلم لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه من الجنابة وفي لفظ آخر ولا يغتسل فيه من جنابة ومعلوم أن البول القليل في الماء الكثير لا يغير لونه ولا طعمه ولا رائحته ويدل أيضا قوله عليه الصلاة والسلام إذا استيقظ أحدكم من منامه فليغسل يده ثلاثا قبل أن يدخلها في الاناء فإنه لا يدري أين باتت يده فأمر بغسل اليد احتياطا من نجاسة أصابته من موضع الاستنجاء ومعلوم أنها لا تغير الماء ولولا أنها مفسدة عند التحقيق لما كان للأمر بالاحتياط معنى وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بنجاسته بولوغ الكلب بقوله طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبعا وهو لا يغير وهذا كلام الرازي والحاصل أنه حيث غلب على الظن وجود نجاسة في الماء لا يجوز استعماله لهذه الدلائل لا فرق بين أن يكون قلتين أو أكثر أو أقل تغير أو لا وهذا هو مذهب أبي حنيفة والتقدير بشئ دون شئ لا بد من نص ولم يوجد انتهى كلام صاحب البحر الرائق وقال أيضا وما صرنا إليه يشهد له الشرع والعقل أما الشرع فقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك وأما العقل فإنه إذا لم يتيقن بعدم النجاسة إلى الجانب الآخر أو يغلب على ظننا والظن كاليقين فقد استعملت الماء الذي فيه نجاسة يقينا وأبو حنيفة لم يقدر ذلك بشئ بل اعتبر غلبة ظن المكلف فهذا دليل عقلي مؤيد بالأحاديث الصحيحة المتقدمة فكان العمل به متعينا انتهى قلت هذه الدلائل كلها غير مفيدة أما الاستدلال بآية ويحرم عليهم الخبائث فلأن هذه الاية تفيد تحريم أكل الخبائث لا مطلق استعمالها بقرينة ما قبله وهو قوله تعالى ويحل لهم الطيبات فإن الحل والحرمة غالبا يستعملان في المأكولات ولذا فسر المفسرون الخبائث بالميتة والدم والخنزير وأمثال ذلك فالمعنى يحل لهم أكل الطيبات ويحرم أكل الخبائث فإذن لا تفيد الاية إلا حرمة النجاسة المخلوطة بالماء أكلا لا حرمة مطلق استعمالها ولئن سلمنا أن المراد تحريم
[ 176 ]
استعمال مطلق النجاسة فلا يفيد أيضا إذا الماء سيال بالطبع مغير لما اختلط به إلى نفسه إذا غلب عليه فإذا وقعت النجاسة في ماء ولم يغلب ريحه أو لونه أو طعمه عليه حصل العلم بأن تلك النجاسة فيه قد تغيرت إلى طبيعة الماء الغالب ولم تبق نجاسة وخبيثة فينبغي الوضوء حينئذ سواء تحرك جانب منه بتحريك جانب منه أو لم يتحرك بخلاف ما إذا غلب ريحه أو طعمه أو لونه فإنه لم يعلم مغلوبية الماء وبقاء النجاسة على حالها فلا يجوز الوضوء ح وأما الاستدلال بحديث لا يبولن فلأنه بعد تسليم دلالته على التحريم والتنجس إنما يفيد تنجس الماء الدائم في الجملة لا على تنجس كل ماء ولو حمل على الكلية للزم تنجس الحوض الكبير أيضا بالبول ولا قائل به وكذا الاستدلال بحديث الاستيقاظ فإنه لا يدل إلا على تنجس الماء في الجملة لا على الكلية فلا ينتهض هذا وأمثاله إلا إلزاما على من قال بالطهارة مطلقا لا تحقيقا لمذهب أبي حنيفة وكذا حديث ولوغ الكلب وأمثاله وأما شهادة العقل فتعارضه شهادة أخرى وهي ما مر من كون الماء مغيرا إلى نفسه وبالجملة الدلائل لا تثبت التحديد بالتحريك وأما التحديد بالقلتين فقد ثبت من كلام الشارع بنفسه وكذا التحديد بالغير وعدمه ثابت من كلامه الشارع ومؤيد بشهادة العقل أيضا والقياسات العقلية والاستنباطات الفقهية من الآيات المبهمة والأحاديث المطلقة لا تعارض هذه التحديدات المصرحة كذا أجاب صاحب السعاية حاشية شرح الوقاية وهو من العلماء الحنفية وقد أجاد وأصاب ثم قال والذي أظن أن هذه الأخبار لم تصل إلى الإمام أبي حنيفة أو وصلته وحملها على معنى لاح له وإلا لقال بها حتما ولم يحتج إلى الاستنباط قطعا ولقوة دليل الشافعية والمالكية في هذا الباب جوز أصحابنا تقليدهم في ذلك بل قلدهم أبو يوسف في بعض الوقائع مع كونه مجتهدا قد صرحوا بأن المجتهد يحرم عليه التقليد كما في الطريقة المحمدية وشرحها الحديقة الندية وقد جوز أئمتنا الحنفية الأخذ في باب الطهارة بمذهب الغير ولو كان الأخذ بعد صدور الفعل فاسدا في مذهبه كما حكى أن أبا يوسف اغتسل ليوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا الذي في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في التاتار خانية وغيرها ولعل حرمة التقليد للمجتهد مقيدة بما إذا لم يكن ما قلده حكما قويا موافقا للقياس داخلا في ظاهر النص فإذا كان حكما ضعيفا مخالفا للقياس غير داخل في ظاهر النص يحرم تقليد المجتهد فيه لمجتهد آخر وهذه المسألة الحكم فيها قوي لأن عدم التغير بوقوع النجاسة دليل على بقاء الطهارة موافق للقياس داخل في ظاهر النص وهو حديث القلتين انتهى كلامهما ملخصا
[ 177 ]
انتهى كلام صاحب السعاية الفائدة الثالثة تمسك الظاهرية بحديث الباب على أن البئر لا تتنجس بوقوع النجاسة فيها قليلا كان الماء فيها أو كثيرا تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير وقد عرفت أن حديث الباب وما في معناه ليس على إطلاقه وعمومه بل هو مخصوص بأحاديث أخرى صحيحة ولنا أن نذكر ههنا مذاهب أخرى في طهارة البئر ونجاستها فاعلم أنهم اختلفوا فيما إذا وقعت نجاسة في البئر هل تتنجس أم لا على مذاهب الأول مذهب الظاهرية وقد ذكرناه آنفا والثاني أنه إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه يتنجس وإلا لا وهو مذهب المالكية وتمسكوا بحديث الماء طهور لا ينجسه شئ إلا ما تغير لونه أو طعمه أو ريحه وقد تقدم تخريجه والثالث أن الماء في البئر إن كان دون القلتين يتنجس وإن كان قدر القلتين فصاعدا لا يتنجس إلا إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه وهو مذهب الشافعية وتمسكوا بحديث القلتين وهو المذهب الراجح وبه عمل الامام أبو يوسف في بغداد كما عرفت أن أبا يوسف اغتسل يوم الجمعة وصلى بالناس إماما ببغداد فوجدوا في البئر الذي اغتسل من مائه فأرة ميتة فأخبر بذلك فقال نأخذ بقول إخواننا من أهل المدينة تمسكا بالحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا كذا في التتارخانية وغيرها والرابع إن كان غديرا عظيما بحيث لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الآخر لم يتنجس وإلا يتنجس وهو مذهب المتقدمين من الحنفية الخامس إن كان عشرا في عشر لا يتنجس وإلا يتنجس وهو مسلك أكثر المتأخرين من الحنفية وقد مر في الفائدة الثانية أن للحنفية في الماء أربعة عشر مذهبا فكلها تجري ههنا وها هنا مذهب آخر زائد على ما مر خاص بالآبار وهو ما روي عن محمد أنه قال اجتمع رأيي ورأي أبي يوسف على أن ماء البئر في حكم الماء الجاري لأنه ينبع من أسفله ويؤخذ من أعلاه فهو كحوض الحمام يصب من جانب ويخرج من جانب آخر فلا يتنجس كذا نقله في الغنية وفتح القدير وغيرهما ثم إذا تنجس ماء البئر هل يطهر بنزح الماء أم لا فقال بشر المريسي إنه لا يطهر أبدا لأنه وإن نزح جميع ما فيها يبقى الطين والحجارة نجسا فيتنجس الماء الجديد فلا سبيل إلى طهارته كذا حكاه ابن الهمام والعيني وغيرهما عنه وقال غير بشر المريسي من أهل العلم يطهر البئر بنزح الماء
[ 178 ]
واستدل الحنفية على تنجس ماء البئر وإن كان زائدا على قدر القلتين وطهارته بنزح الماء بما رواه الطحاوي وابن أبي شيبة عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات فأمر ابن الزبير فنزح ماءها فجعل الماء لا ينقطع فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود فقال ابن الزبير حسبكم قالوا إسناد هذا الأثر صحيح ويردون به حديث القلتين قلت سلمنا أن إسناده صحيح لكن قد تقرر أن صحة الإسناد لا تستلزم صحة المتن ولو سلم صحة المتن فيحتمل أن يكون نزح لنجاسة ظهرت على وجه الماء أو تطييبا للقلوب وتنظيفا للماء فإن زمزم للشرب لا من جهة الوجوب الشرعي وقد اعترف به صاحب السعاية من الحنفية حيث قال فيها ص 224 وما روي عنهم من النزح لا يدل على النجاسة بل يحتمل التنظيف والتنزه انتهى وأما ما قال صاحب الجوهر النقي من أن الراوي جعل علة نزحها موته دون غلبة دمه لقوله مات فأمر أن تنزح كقوله زنى ماعز فرجم انتهى ففيه نظر فإنه ليس فيه دليل على أن الموت كان علة للنزح إنما فيه أن الزنجي مات في زمزم فأمر بعد ذلك أن تنزح وأما أن علة النزح هل هي الموت أو أمر آخر فلا يدل عليه لفظ مات فأمر أن تنزح كما قال الطحاوي في شرح الآثار ليس في حديث أبي الدرداء وثوبان قاء فأفطر دليل على أن القئ كان مفطرا له إنما فيه أنه قاء فأفطر بعد ذلك انتهى وقال الشيخ العلامة محدث الهند الشاه ولي الله في كتابه حجة الله البالغة ص 142 ج 1 وقد أطال القوم في فروع موت الحيوان في البئر والعشر في العشر والماء الجاري وليس في كل ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ألبتة وأما الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين كأثر ابن الزبير في الزنجي وعلى في الفأرة والنخعي والشعبي في نحو السنور فليست مما يشهد له المحدثون بالصحة ولا مما اتفق عليه جمهور أهل القرون الأولى وعلى تقدير صحتها يمكن أن يكون ذلك تطيبا للقلوب وتنظيفا للماء لا من جهة الوجوب الشرعي كما ذكر في كتب المالكية ودون نفي هذا الاحتمال خرط القتاد وبالجملة فليس في هذا الباب شئ يعتد به ويجب العمل عليه وحديث القلتين أثبت من ذلك كله بغير شبهة ومن المحال أن يكون الله تعالى شرع في هذه المسائل لعباده شيئا زيادة على ما لا ينفكون عنه من الارتفاقات وهي مما يكثر وقوعه وتعم به البلوى ثم لا ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم نصا جليا ولا يستفيض في الصحابة ومن بعدهم ولا حديث واحد فيه انتهى كلامه وقال الحافظ ابن حجر في الدراية روى البيهقي من طريق ابن عيينة كنت أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي ولا سمعت أحدا يقول نزحت زمزم وقال الشافعي إن ثبت هذا عن ابن عباس فلعل نجاسته ظهرت على وجه الماء أو نزحها للتنظيف انتهى قال البيهقي في السنن الكبرى بعد ذكر قول الشافعي وابن عيينة وعن أبي عبيد
[ 179 ]
قال وكذلك لا ينبغي لأن الآثار جاءت في نعتها أنها لا تنزح ولا تذم انتهى قلت فهذه الآثار أيضا تخدش في صحة واقعة نزح زمزم فإن صحتها تخالف قوله لا تنزح وكذلك تخالف قوله لا تذم فأي مذمة لزمزم تكون أقبح من أن يكون ماؤها نجسا خبيثا فإن قلت أجاب عن ذلك صاحب الجوهر النقي حيث قال ليس فيه أن ابن عباس وابن الزبير قدرا على استئصال الماء بالنضح حتى يكون مخالفا للآثار التي ذكرها أبو عبيد بل صرح في رواية ابن أبي شيبة بأن الماء لم ينقطع وفي رواية البيهقي بأن العين غلبتهم حتى دست بالقباطي والمطارف انتهى قلت ظن صاحب الجوهر النقي أن نزح البئر لا يكون إلا باستئصال مائها وليس كذلك ففي القاموس نزح البئر استقى ماءها حتى ينفد أو يقل انتهى وأما قول بعضهم عدم علمهما لا يصح دليلا فإنهما لم يدركا ذلك الوقت وبينه وبينهما قريب من مائه وخمسين سنة ففيه أن وقوع الزنجي في زمزم وموته فيها ثم نزحها من الوقائع العظام والحوادث الجسام فلو كان هذا صحيحا لم يكن في ذلك الوقت نسيا منسيا بحيث لا يعرفه أحد من أهل مكة لا صغير ولا كبير إذ بعيد كل البعد أن يحدث مثل هذه الحادثة بمكة في زمن ابن عباس وابن الزبير وهما من صغار الصحابة ثم لا يعرفه أحد من أهل مكة في زمن سفيان بن عيينة وهو من أوساط التابعين ولو سلم ثبوت واقعة نزح زمزم فلا تدل على أن نزحها كان لنجاسة كما قد عرفت باب منه اخر 67 - قوله (عن محمد بن إسحاق) هو إمام المغازي صدوق يدلس كذا في التقريب وقال ابن الهمام في فتح القدير أما ابن إسحاق فثقة لا شبهة عندنا ولا عند محققي المحدثين انتهى وقال العيني في عمدة القاري ابن إسحاق من الثقات الكبار عند الجمهور انتهى وتقدم ترجمته في باب الرخصة في استقبال القبلة بغائط أو بول بأبسط من هذا (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن العوام الأسدي ثقة (عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب شقيق سالم ثقة قوله (وهو يسأل) بصيغة المجهول جملة حالية (عن الماء يكون في الفلاة من الأرض) قال في القاموس الفلاة القفر أو المفازة لا ماء فيها أو الصحراء الواسعة ج فلا وفلوات وفلى وفلى (وما
[ 180 ]
ينوبه من السباع والدواب) عطف على الماء يقال ناب المكان وأنابه إذا تردد إليه مرة بعد أخرى (قال) صلى الله عليه وسلم إذا كان الماء قلتين تثنية القلة وسيأتي بيان معنى القلة (لم يحمل الخبث) بفتحتين النجس أي لم ينجس بوقوع النجاسة فيه وفي رواية لأبي داود إذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس ولفظ الحاكم فقال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ قال القاضي الحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجاسة فإن معنى لم يحمل لم يقبل النجاسة كما يقال فلان لا يقبل ضيما إذا امتنع عن قبوله وذلك إذا لم يتغير فإن تغير نجس ويدل بمفهومه على أنه إذا كان أقل ينجس بالملاقاة وهذا المفهوم يخصص حديث خلق الماء طهورا عند من قال بالمفهوم ومن لم يقل به أجراه على عمومه كما لك فإن الماء قل أو كثر لا ينجس عنده إلا بالتغير وقال الحافظ في التلخيص قوله لم يحمل الخبث معناه لم ينجس بوقوع النجاسة فيه كما فسره في الرواية الأخرى التي رواها أبو داود وابن حبان وغيرهما إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس والتقدير لا يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى يضعف عن حمله لم يكن للتقييد معنى فإن ما دونها أولى بذلك وقيل معناه لا يقبل حكم النجاسة كما في قوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا أي لم لم يقبلوا حكمها انتهى كلام الحافظ قوله (قال محمد بن إسحاق القلة هي الجرار) جمع جرة بفتح الجيم بالفارسية سوى وقال في القاموس القلة بالضم الحب العظيم والجرة العظيمة أو عامة أو من الفخار والكوز الصغار ضد ج كصرد وجبال انتهى والحب بضم الحاء المهملة بالفارسية خم وقال الجزري في النهاية القلة الحب العظيم والجمع قلال وهي معروفة بالحجار انتهى قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق قالوا إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ ما لم يتغير ريحه أو طعمه) أي أو لونه واستدلوا بحديث الباب وهو حديث صحيح قابل للاحتجاج وضعفه جماعة لكن الحق أنه صحيح قال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه قد صحح هذا الحديث الجم الغفير من أئمة الحفاظ الشافعي وأبو عبيد وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وابن
[ 181 ]
خزيمة والطحاوي وابن حبان والدارقطني وابن منده والحاكم والخطابي والبيهقي وابن حزم وآخرون كذا في قوت المغتذي وقال الحافظ في فتح الباري رواته ثقات وصححه جماعة من أهل العلم انتهى وقال فيه أيضا الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك وقال في بلوغ المرام صححه ابن خزيمة وابن حبان انتهى وقال في التلخيص قال الحاكم صحيح على شرطهما وقد احتجا بجميع رواته وقال ابن منده إسناده على شرط مسلم وقال ابن معين الحديث جيد الإسناد وقال ابن دقيق العيد هذا الحديث قد صححه بعضهم وهو صحيح على طريق الفقهاء لأنه وإن كان مضطرب الاسناد مختلفا في بعض ألفاظه فإنه يجاب عنه بجواب صحيح بأن يمكن الجمع بين الروايات انتهى ما في التلخيص والذين لم يقولوا بحديث القلتين فمنهم من اعترف بصحة واعتذر من العمل به بالإجمال في معنى القلة قال الحافظ في الفتح قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك لكنه اعتذر من القول به فإن القلة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملا فلا يعمل به وقواه ابن دقيق العيد لكن استدل له غيرهما فقال أبو عبيد القاسم بن سلام المراد القلة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد فإن الصغير بين قدر واحدة كبيرة ويرجع في الكبيرة إلى العرف عند أهل الحجاز والظاهر أن الشاع عليه السلام ترك تحديدها على سبيل التوسعة والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون فانتهى الإجمال انتهى كلام الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي في كتاب المعرفة وقلال هجر كانت مشهورة عند أهل الحجاز ولشهرتها عندهم شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأى ليلة المعراج من نبق سدرة المنتهى بقلال هجر فقال في حديث مالك بن صعصعة رفعت إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر قال واعتذار الطحاوي في ترك الحديث أصلا بأنه لا يعلم مقدار القلتين لا يكون عذرا عند من علمه انتهى وقال الحافظ في الفتح بعد ذكر كلام البيهقي هذا فإن قيل أي ملازمة بين هذا التشبيه وبين ذكر القلة في حد الماء فالجواب أن التقييد بها في حديث المعراج دال على أنها كانت معلومة عندهم بحيث يضرب بها المثل في الكبر كما أن التقييد المطلق إنما ينصرف إلى التقييد المعهود وقال الأزهري القلال مختلفة في قرى العرب وقلال هجر أكبرها وقلال هجر مشهورة الصنعة معلومة
[ 182 ]
المقدار والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى أحد معلوماتها وهي الأواني تبقى مترددة بين الكبار والصغار والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحد مقدارا بعدد فدل على أنه أشار إلى أكبرها لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة انتهى قلت وقد جاء في حديث ضعيف تقييد القلتين بقلال هجر وهو ما روى ابن عدي من حديث ابن عمر إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شئ قال الحافظ في التلخيص في إسناده المغيرة بن صقلاب وهو منكر الحديث قال النفيلي لم يكن مؤتمنا على الحديث وقال ابن عدي لا يتابع على عامة حديثه انتهى قلت قال الذهبي في الميزان في ترجمة المغيرة بن صقلاب قال أبو حاتم صالح الحديث وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى فالاعتذار من القول بحديث القلتين بزعم الإجمال في معنى القلة اعتذار بارد ومن الذين لم يقولوا به اعتذروا بأن الحديث ضعيف مضطرب الاسناد قالوا إن محمد بن إسحاق يروي تارة عن محمد بن جعفر عن عبيد الله عن ابن عمر كما رواه الترمذي وغيره وتارة عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وتارة عنه عن عبيد الله عن أبي هريرة ثم وقع الاختلاف في شيخ محمد بن جعفر فقال مرة عن عبد الله بن عبد الله المكبر ومرة عن عبيد الله بن عبد الله المصغر قلت هذا الاعتذار أيضا بارد فإن هذا الاختلاف ليس قادحا مورثا لضعف الحديث فإن وجوه الاختلاف ليست بمستوية فإن الرواية الصحيحة المخفوظة هي رواية ابن إسحاق عن محمد بن جعفر عن عبيد الله عن ابن عمر كما رواها الترمذي وغيره كذلك رواها جماعة كثيرة عن ابن إسحاق قال الدارقطني في سننه رواه إبراهيم ابن سعد وحماد بن سلمة ويزيد بن زريع وعبد الله بن المبارك وعبد الله بن نمير وعبد الرحيم ابن سليمان وأبو معاوية الضرير ويزيد بن هارون واسماعيل بن عياش وأحمد بن خالد الوهبي وسفيان الثوري وسعيد بن زيد أخو حماد بن زيد وزائدة بن قدامة عن محمد ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وقال الدارقطني فيه ورواه عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان في هذه الرواية قوة لرواية محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن أبيه انتهى وأما رواية ابن إسحاق عن الزهري عن سالم عن ابن عمر فمدارها على عبد الوهاب ابن
[ 183 ]
عطاء وهو مدلس ورواها عن ابن إسحاق بالعنعنة فهي ضعيفة لمظنة التدليس على أنه قد خالف جميع أصحاب ابن إسحاق وأما روايته عن الزهري عن عبيد الله عن أبي هريرة فليست بمحفوظة قال الدارقطني نا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد وعمر بن عبد العزيز بن دينار قالا حدثنا أبو إسماعيل الترمذي نا محمد بن وهب المسلمي نا ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن القليب الحديث قال الدارقطني كذا رواه محمد بن وهب عن إسماعيل بن عياش بهذا الاسناد والمحفوظ عن ابن عياش عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه انتهى وقد اعتذروا أيضا بأن الحديث مضطرب المتن ففي بعضها قلتين وفي بعضها قلتين أو ثلاثا وفي رواية موقوفة أربعين قلة وكذلك في رواية مرفوعة أربعين قلة قلت هذا الاعتذار أيضا بارد فإن هذا الاختلاف أيضا ليس قادحا مورثا للضعف فإن رواية أربعين قلة التي هي مرفوعة ضعيفة جدا فإن في سندها القاسم بن عبد الله العمري قال ابن التركماني في الجوهر النقي حكى البيهقي عن القاسم بن عبد الله العمري كان ضعيفا كثير الخطأ وفي كتاب ابن الجوزي قال أحمد ليس هو عندي بشئ كان يكذب ويضع الحديث ترك الناس حديثه وقال يحيى ليس بشئ وقال مرة كذاب خبيث وقال الرازي والنسائي والأزدي متروك الحديث وقال أبو زرعة لا يساوي شيئا متروك الحديث انتهى وقال الزيلعي في نصب الراية روى الدارقطني في سننه وابن عدي في الكامل والعقيلي في كتابه عن القاسم بن عبد الله العمري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بلغ الماء أربعين قلة فإنه لا يحمل الخبث انتهى قال الدارقطني كذا رواه القاسم العمري عن ابن المنكدر عن جابر ووهم في إسناده وكان ضعيفا كثير الخطأ وخالفه روح بن القاسم وسفيان الثوري ومعمر بن راشد رووه عن ابن المنكدر عن عبد الله بن عمرو موقوفا ورواه أيوب السختياني عن محمد بن المنكدر من قوله لم
[ 184 ]
يجاوزه ثم روى بأسناد صحيح من جهة روح بن القاسم عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو قال إذا بلغ الماء أربعين قلة لم ينجس انتهى فرواية أربعين قلة التي هي مرفوعة لشدة ضعفها لا تساوي رواية قلتين وأما رواية أربعين قلة التي هي موقوفة فهي قول عبد الله بن عمرو وقوله هذا وإن كان صحيحا من جهة السند فهو لا يساوي رواية قلتين التي هي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما رواية قلتين أو ثلاثا فقد قال البيهقي في المعرفة قوله أو ثلاث شك وقع لبعض الرواة انتهى فرواية قلتين أو ثلاثا بالشك ترجع إلى رواية قلتين التي هي خالية عن الشك والظاهر أن الشك من حماد بن سلمة فإن بعض أصحابه يروون عنه قلتين وبعضهم قلتين أو ثلاثا أو من عاصم بن المنذر فإن كل من روى هذا الحديث غيره عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر إنما رواه بلفظ قلتين بغير شك والله تعالى أعلم وقد اعتذروا أيضا بأن الحديث مضطرب من جهة المعنى فإن القلة مشترك بين رأس الرجل ورأس الجبل والجرة والقربة وغير ذلك ولم يتعين معناها وإن أريد بها الأواني كالجرة والخابية فلم يثبت مقدارها مع أنها متقاربة جدا قلت هذا الاعتذار أيضا ليس بشئ فإن القلة بمعنى رأس الرجل أو رأس الجبل لا يحصل بها التحديد البتة والمقصود من الحديث ليس إلا التحديد فلا يجوز أن يراد من القلة رأس الرجل أو رأس الجبل فتعين أن المراد من القلة الأواني ولما كانت قلال هجر مشهورة معروفة المقدار عند العرب كثيرة الاستعمال في أشعارهم ولذلك شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم نبق سدرة المنتهى بقلال هجر تعين أن تكون هي مرادة في الحديث وقد تقدم ما يتعلق بهذا فتذكر والحاصل أن حديث الباب صحيح قابل للاحتجاج وكل ما اعتذروا به عن العمل والقول به فهو مدفوع
[ 185 ]
قوله (وقالوا يكون نحوا من خمس قرب) جمع قربة أي يكون مقدار القلتين قريبا من خمس قرب وذلك نحو خمسمائة رطل كما في السبل وقال الجزري في النهاية القاسة الحب العظيم والجمع قلال وهي معروفة بالحجاز ومنه الحديث في صفة سدرة المنتهى نبقها مثل قلال هجر وهجر قرية قريبة من المدينة وليست هجر البحرين وكانت تعمل بها القلال تأخذ الواحدة منها مزادة من الماء سميت قلة لأنها تقل أي ترفع وتحمل انتهى كلام الجزري وقال الشيخ محمد طاهر في مجمع البحار القلة جرة عظيمة تسع خمسمائة رطل انتهى باب كراهية البول في الماء الراكد أي الساكن الذي لا يجري 68 - قوله (عن همام بن منبه) بن كامل الا بناوي الصنعاني اليماني عن أبي هريرة نسخة صحيحة ومعاوية وابن عباس وطائفة وعنه أخوه وهب ومعمر وثقه ابن معين قال ابن سعد مات سنة إحدى وثلاثين ومائة قوله (لا يبولن) بفتح اللام وبنون التأكيد الثقيلة (في الماء الدائم) زاد في رواية البخاري الذي لا يجري وهو تفسير للدائم وإيضاح لمعناه (ثم يتوضأ منه) كذا في رواية الترمذي وأحمد وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن حبان وفي رواية الشيخين وغيرهما ثم يغتسل فيه قال الحافظ في الفتح بضم اللام على المشهور وقال ابن مالك يجوز الجزم عطفا على يبولن لأنه مجزوم الموضع بلا الناهية ولكنه بني على الفتح لتوكيده بالنون ومنع ذلك القرطبي فقال لو أريد النهي يقال ثم لا يغتسلن فحينئذ يتساوى الأمران في النهي عنهما لأن المحل الذي تواردا عليه شئ واحد وهو الماء قال فعدوله عن ذلك يدل على أنه لم يرد
[ 186 ]
العطف بل نبه على مآل الحال والمعنى أنه إذا بال فيه قد يحتاج إليه فتمتنع عليه استعماله ومثله يقوله صلى الله عليه وسلم لا يضربن أحدكم امرأته ضرب الأمة ثم يضاجعها فإنه لم يروه أحد بالجزم لأن المراد النهي عن الضرب لأنه يحتاج في مآل حاله إلى مضاجعتها فتمتنع لإساءته إليها فلا يحصل له مقصوده وتقدير اللفظ ثم هو يضاجعها وفي حديث الباب ثم هو يغتسل منه وتعقب بأنه لا يلزم من تأكيد النهي أن لا يعطف عليه نهي آخر غير مؤكد لاحتمال أن يكون للتأكيد في أحدهما معنى ليس ل خر قال القرطبي ولا يجوز النصب إذ لا تضمر أن بعد ثم وأجازه ابن مالك بإعطاء ثم حكى الواو وتعقبه النووي بأن ذلك يقتضي أن يكون النهي عنه الجمع بين الأمرين دون إفراد أحدهما وضعفه ابن دقيق العيد بأنه لا يلزم أن يدل على الأحكام المتعددة لفظ واحد فيؤخذ النهي عن الجمع بينهما من هذا الحديث أن تثبيت رواية النصب ويؤخذ النهي عن الافراد من حديث آخر قال الحافظ وهو ما رواه مسلم من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البول في الماء الراكد وعنده من طريق أبي السائب عن أبي هريرة بلفظ لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب وروى أبو داود النهي عنهما في حديث واحد ولفظه لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ولا يغسل فيه من الجنابة انتهى كلام الحافظ فكل ما ذكر في يغتسل من الإعراب يجري في يتوضأ والحديث بظاهره يدل على تنجس الماء الراكد مطلقا قليلا كان أو كثيرا لكنه ليس بمجهول على ظاهره بالاتفاق قال العيني في عمدة القاري هذا الحديث عام فلا بد من تخصيصه اتفاقا بالماء المتبحر الذي لا يتحرك أحد طرفيه بتحريك الطرف الاخر أو بحديث القلتين كما ذهب إليه الشافعي أو بالعمومات الدالة على طهورية الماء ما لم يتغير أحد أوصافه الثلاثة كما ذهب إليه مالك رحمه الله انتهى وقال الحافظ في الفتح لا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في ماء ثم يصبه فيه خلافا للظاهرية
[ 187 ]
وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل وقد تقدم قول من لا يعتبر وعدمه وهو قوي لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه انتهى قلت الأمر عندي كما قال الحافظ والله تعالى أعلم قال ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير وهو قول الباقين في الكثير وقال القرطبي يمكن حمله على التحريم مطلقا على قاعدة سد الذريعة يفضي إلى تنجيس الماء انتهى قلت ما قال القرطبي حسن جيد قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه وأخرجه مسلم بهذا اللفظ إلا أن فيه منه مكان فيه وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وفي الباب عن جابر) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ أنه نهي أن يبال في الماء الراكد وفي الباب أيضا عن ابن عمر مرفوعا بلفظ لا يبولن أحدكم في الماء الناقع باب في ماء البحر أنه طهور 69 - قوله (وحدثنا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري وقد تقدم في باب ما جاء في فضل الطهور أن الترمذي إذا قال الأنصاري يريد به إسحاق بن موسى الأنصاري (عن صفوان بن سليم) بضم السين وفتح اللام الزهري مولاهم المدني روى عن ابن عمر وأبي أمامة بن سهل ومولاه حميد بن عبد الرحمن وعنه مالك والليث بن سعد وخلق قال أحمد ثقة من خيار عباد الله الصالحين يستشفي بحديثه وينزل القطر من السماء بذكره وقال أنس بن عياض رأيت صفوان بن سليم ولو قيل له غدا القيامة ما كان عنده مزيد على ما هو عليه من العبادة مات سنة 231 اثنتين وثلاثين ومائة كذا في الخلاصة قلت هو من رجال الكتب الستة (عن سعيد بن سلمة من آل ابن الأزرق) وثقه النسائي (أن المغيرة بن أبي بردة) الكناني روى عن أبي هريرة وعنه سعيد بن سلمة
[ 188 ]
وثقه النسائي كذا في الخلاصة قوله (سأل رجل) سمى ابن بشكوال السائل عبد الله المدلجي وقال النووي في شرح المهذب اسمه عبيد وقيل عبد قال وأما قول السمعاني في الأنساب اسمه العركي ففيه إيهام أن العركي اسم علم له وليس كذلك بل العركي وصف له وهو ملاح السفينة كذا في قوت المغتذي (إنا نركب البحر) زاد الحاكم نريد الصيد قال الزرقاني المراد من البحر الملح لأنه المتوهم فيه لأنه مالح ومر وريحه منتن انتهى (ونحمل معنا القليل من الماء) وفي رواية أحمد والحاكم والبيهقي قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فجاء صياد فقال يا رسول الله إنا ننطلق في البحر نريد الصيد فيحمل أحدنا معه الاداوة وهو يرجو أن يأخذ الصيد قريبا فربما وجده كذلك وربما لم يجد الصيد حتى يبلغ من البحر مكانا لم يظن أن يبلغه فلعله يحتلم أو يتوضأ فإن اغتسل أو توضأ بهذا الماء فلعل أحدنا يهلكه العطش فهل ترى في ماء البحر أن نغتسل به أو نتوضأ إذا خفنا ذلك (عطشنا) بكسر الطاء (هو الطهور) بفتح الطاء أي المطهر قال ابن الأثير في النهاية وقال المجد في القاموس الطهور المصدر واسم ما يتطهر به أو الطاهر المطهر انتهى قلت المراد ههنا هو المعنى الأخير قال الزرقاني أي البالغ في الطهارة ومنه قوله تعالى وأنزلنا من السماء ماء طهورا أي طاهرا في ذاته مطهرا لغيره قال ولم يقل في جوابه نعم مع حصول الغرض به ليقرن الحكم بعلته وهي الطهورية المتناهية في بابها انتهى قوله (ماؤه) بالرفع فاعل الطهور (الحل) أي الحلال كما في رواية الدارقطني عن جابر وأنس وابن عمرو (ميتته) بالرفع فاعل الحل قال الرافعي لما عرف صلى الله عليه وسلم اشتباه الأمر على السائل في ماء البحر أشفق أن يشتبه عليه حكم ميتته وقد يبتلي بها راكب ابحر فعقب الجواب عن سؤاله ببيان حكم الميتة وقال غيره سأله عن مائه فأجابه عن مائه وطعامه لعلمه بأنه قد يعوزهم الزاد فيه كما يعوزهم
[ 189 ]
الماء فلما جمعتهم الحاجة انتظم الجواب بهما وقال ابن العربي وذلك من محاسن الفتوى أن يجاء في الجواب بأكثر مما يسئل عنه تتميما للفائدة وأفادة لعلم آخر غير مسؤل عنه ويتأكد ذلك عند ظهور الحاجة إلى الحكم كما هنا لأن من توقف في طهورية ماء البحر فهو عن العلم بحل ميتته مع تقدم تحريم الميتة أشد توقفا قال الشيخ محمد بن إسماعيل الأمير في السبل المراد بالميتة ما مات فيه من دوابه مما لا يعيش إلا فيه لا ما مات فيه مطلقا فإنه وأن صدق عليه لغة أنه ميتة بحر فمعلوم أنه لا يراد إلا ما ذكرنا قال وظاهره حل كل ما مات فيه ولو كان كالكلب والخنزير انتهى قلت اختلف أهل العلم في حل غير السمك من دواب البحر فقال الحنفية يحرم أكل ما سوى السمك وقال أحمد يؤكل كل ما في البحر إلا الضفدع والتمساح وقال ابن أبي ليلى ومالك يباح كل ما في البحر وذهب جماعة إلى أن ماله نظير من البر يؤكل نظيره من حيوان البحر مثل بقر الماء ونحوه ولا يؤكل نظيره في البر مثل كلب الماء وخنزير الماء فلا يحل أكله وعن الشافعية أقوال قال الحافظ في الفتح لا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه وإنما اختلف فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير والثعبان فعند الحنفية وهو قول الشافعية يحرم ما عدا السمك وعن الشافعية الحل مطلقا على الأصح المنصوص وهو مذهب المالكية إلا الخنزير في رواية وحجتهم قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وحديث هو الطهور ماؤه الحل ميتته أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم وعن الشافعية ما يؤكل نظيره في البر حلال وما لا فلا واستثنوا على الأصح ما يعيش في البحر والبر وهو نوعان النوع الأول ما ورد في منع أكله شئ يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله ومن المستثنى أيضا التمساح لكونه يعدو بنابه ومثله القرش في البحر الملح خلافا لما أفتى به المحب الطبري والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل أكله بشرط التذكية كالبط وطير الماء انتهى كلام
[ 190 ]
الحافظ باختصار وقال العيني في عمدة القاري ص 03 ج 1 وعندنا يكره أكل ما سوى السمك من دواب البحر كالسلحفاة والضفدع وخنزير الماء واحتجوا بقوله تعالى يحرم عليهم الخبائث وما سوى السمك خبيث انتهى كلام العيني وأجاب الحنفية عن قوله الحل ميتته بأن المراد من الميتة السمك لا غيره بدليل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالطحال والكبد أخرجه أحمد وابن ماجه وقالوا في تفسير قوله تعالى أحل لكم صيد البحر وطعامه إن المراد من صيد البحر مصيدات البحر مما يؤكل ومما لا يؤكل والمراد من طعامه ما يطعم من صيده والمعنى أحل لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر وأحل لكم أكل المأكول منه وهو السمك وحده وقال من ذهب إلى حل جميع ما في البحر من دوابه مطلقا أو مستثنيا بعضها في تفسير قوله تعالى هذا إن المراد بصيد البحر ما صيد من البحر والمراد من طعامه ما قذفه البحر ورماه إلى الساحل والمعنى أحل لكم أكل جميع ما صدتم من البحر وما قذفه البحر قال الخازن في تفسيره المراد بالصيد ما صيد من البحر فأما طعامه فاختلفوا فيه فقيل ما قذفه البحر ورمى به إلى الساحل ويروي ذلك عن أبي بكر وعمرو ابن عمر وأيوب وقتادة وقيل صيد البحر طريه وطعامه مالحه ويروى ذلك عن سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والسدي ويروى عن ابن عباس ومجاهد كالقولين انتهى وقال الامام البخاري في صحيحه قال عمر صيده ما أصطيد وطعامه ما رمي به قال الحافظ في الفتح وصله المصنف في التاريخ وعبد بن حميد عن أبي هريرة قال لما قدمت البحرين سألني أهلها عما قذف البحر فأمرتهم أن يأكلوه فلما قدمت على عمر فذكر قصة قال فقال عمر قال الله عز وجل في كتابه أحل لكم صيد البحر وطعامه فصيده ما صيد وطعامه ما قذف فإذا عرفت هذا كله فاعلم أن السمك بجميع أنواعه حلال بلا شك وأما غير السمك من سائر دواب البحر فما كان منه ضارا يضر أكله أو مستخبثا أو ورد نص في منع أكله فهو حرام وأما ما لم يثبت بنص صريح أكله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضي الله عنهم مع
[ 191 ]
وجوده في ذلك العهد فا قتداء بهم في عدم الأكل هو المتعين هذا ما عندي والله تعالى أعلم تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظ قال مولانا محمود حسن إن الحل أي في قوله الحل ميتته بمعنى الطاهر وثبت الحل بمعنى الطهارة كما في قصة صفية بنت حي حلت بالصهباء أي طهرت من الحيض انتهى قلت القول بأن المراد من الحل في قوله صلى الله عليه وسلم الحل ميتته بمعنى الطاهر غير محمود بل هو باطل جدا أما أولا فلأنه لم يقل به أحد ممن قبله من أهل العلم الذين عليهم الاعتماد وأما ثانيا فلأنه يلزم على هذا أن يكون لفظ الحل حشوا لا طائل تحته فإنه يكفي أن يقول هو الطهور ماؤه وميتته وأما ثالثا فلأن ابن عمر أحد رواة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قد فهم هو من لفظ الحل الحلال دون الطهارة ففي التلخيص وروى الدارقطني من طريق عمرو بن دينار عن عمرو بن دينار عن عبد الرحمن بن أبي هريرة أنه سأل ابن عمر آكل ما طفى على الماء قال إن طافيه ميتته وقال النبي صلى الله عليه وسلم إن ماءه طهور وميتته حل فانظر أن ابن عمر أراد من لفظ الحلال ضد الحرام دون معنى الطاهر وقد تقرر أن راوي الحديث أدرى بمعناه وقال أيضا والمراد بالميتة غير المذبوح فلا يدل على حل الطافي قال وأثر أبي بكر الصديق في الطافي مضطرب اللفظ انتهى قلت القول بأن المراد بالميتة غير المذبوح لئلا يدل على حل الطافي مما لا يصغي إليه فإن الطافي حلال عند الجمهور وهو الحق والصواب يدل على حله ما أخرجه البخاري في صحيحه عن عمرو أنه سمع جابرا يقول غزونا جيش الخبط وأمر علينا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم ير مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر الحديث ورواه مسلم أيضا وفي رواية عندهما فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بعضو فأكله قال الحافظ يستفاد منه إباحة ميتة البحر سواء مات بنفسه أو مات با صطياد وهو قول الجمهور انتهى وقد تقدم قول عمر صيده ما أصطيد وطعامه ما رمى وقال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه الطافي حلال ذكره البخاري معلقا قال الحافظ وصله أبو بكر بن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك ابن أبي بشير عن عكرمة عن ابن
[ 192 ]
عباس قال أشهد على أبي بكر أنه قال السمكة الطافية حلال زاد الطحاوي لمن أراد أكله وللدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس من أبي بكر إن الله ذبح لكم ما في البحر فكلوه كله فإنه ذكي وأما حديث جابر ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه أخرجه أبو داود فالصحيح أنه موقوف كما حققه الحافظ في الفتح وقال وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه قول أبي بكر وغيره والقياس يقتضي حله لأنه سمك لو مات في البر لأكل بغير تذكية ولو نضب عنه الماء أو قتلته سمكة أخرى فمات لأكل فكذلك إذا مات وهو في البحر انتهى وأما قوله وأثر أبي بكر الصديق مضطرب اللفظ فعجيب جدا فإنه لم يرو عنه أثر خلاف قوله الطافي حلال البتة وأما أثره بلفظ إن الله ذبح لكم ما في البحر إلخ فهو ليس ينافي أثره الأول قوله (وفي الباب عن جابر) هو ابن عبد الله (والفراسي) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبالمهملة صحابي أما حديث جابر فأخرجه أحمد وابن ماجه وابن حبان والدارقطني والحاكم من طريق عبيد الله بن مقسم عنه قال أبو علي بن السكن حديث جابر أصح ما روى في هذا الباب ورواه الطبراني في الكبير والدارقطني والحاكم من حديث المعافي بن عمران عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر وإسناده حسن ليس فيه إلا ما يخشى من التدليس أما حديث الفراسي فأخرجه البيهقي وفي الباب أيضا عن ابن عباس وعبد الله بن عمرو وعلي بن أبي طالب وغيرهم رضي الله عنهم ذكر أحاديثهم الحافظ في التلخيص مع الكلام عليها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وقد صحح هذا الحديث غير الترمذي ابن المنذر وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن منده وأبو محمد البغوي كذا في قوت المغتذي والحديث أخرجه أيضا مالك والشافعي عنه والأربعة وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه البخاري فيما حكى عنه الترمذي كذا في التلخيص
[ 193 ]
قوله (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) وهذا هو الحق يدل عليه أحاديث الباب (وقد كره بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء بماء البحر منهم ابن عمر وعبد الله بن عمرو) لم يقم على الكراهة دليل صحيح قال الزرقاني التطهير بماء البحر حلال صحيح كما عليه جمهور السلف والخلف وما نقل عن بعضهم من عدم الإجزاء به مزيف أو مؤل بأنه أراد بعدم الإجزاء على وجه الكمال عنده (وقال عبد الله بن عمرو وهو نار) قال القاضي أبو بكر بن العربي أراد به طبق النار لأنه ليس بنار في نفسه انتهى وقيل إنه أراد أنه ضار يورث المرض قلت ما قال ابن العربي هو الراجح وهو الظاهر قال الشوكاني في النيل فإن قيل كيف شكوا في جواز الوضوء بماء البحر قلنا يحتمل أنهم لما سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحر أخرجه أبو داود وسعيد بن منصور في سننه عن ابن عمر مرفوعا ظنوا أنه لا يجزئ التطهر به وقد روي موقوفا على ابن عمر بلفظ ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة إن تحت البحر نارا ثم ماء ثم نارا حتى عد سبعة أبحر وسبع أنيار وروى أيضا عن ابن عمرو بن العاص أنه لا يجزئ التطهر به ولا حجة في أقوال الصحابة لا سيما إذا عارضت المرفوع والإجماع وحديث ابن عمر المرفوع قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح وله طريق أخرى عند البزار وفيها ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قال في البدر المنير في الحديث جواز الطهارة بماء البحر وبه قال جميع العلماء إلا ابن عبد البر وابن عمر وسعيد بن المسيب وروى مثل ذلك عن أبي هريرة وروايته ترده وكذا رواية عبد الله بن عمر وتعريف الطهور بلام الجنسية المفيدة للحصر لا ينفي طهورية غيره من المياه لوقوع ذلك جوابا لسؤال من شك في طهورية ماء البحر من غير قصد للحصر وعلى تسليم أنه لا تخصيص بالسبب ولا يقصر الخطاب العام عليه فمفهوم الحصر المفيد لنفي الطهورية عن غير مائه عموم مخصص بالمنطوقات الصحيحة الصريحة القاضية باتصاف غيره بها انتهى وقال ابن قدامة في المغني وقولهم
[ 194 ]
هو نار إن أريد به أنه نار في الحال فهو خلاف الحس وإن أريد به أنه يصير نارا لم يمنع ذلك الوضوء به حال كونه ماء انتهى باب التشديد في البول 70 - قوله (عن طاووس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاووس لقب ثقة فقيه فاضل من الثالثة روى عن أبي هريرة وعائشة وابن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم قال طاووس أدركت خمسين من الصحابة وعنه مجاهد والزهري وخلق قال ابن عباس إني لأظن طاووسا من أهل الجنة وقال عمرو بن دينار ما رأيت مثله وقال ابن حبان حج أربعين حجة مات سنة ست ومائة قوله (مر على قبرين) وفي رواية ابن ماجه مر بقبرين جديدين (فقال إنهما يعذبان) أي إن صاحبي القبرين يعذبان قال الحافظ في الفتح يحتمل أن يقال أعاد الضمير على غير مذكور لأن سياق الكلام يدل عليه وأن يقال أعاده على القبرين مجازا والمراد من فيهما قال وقد اختلف في المقبورين فقيل كانا كافرين وبه جزم أبو موسى المديني واحتج بما رواه من حديث جابر بسند فيه ابن لهيعة أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين من بني النجار هلكا في الجاهلية فسمعهما يعذبان في البول والنميمة قال أبو موسى هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح لأنهما لو كان مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه فشفع لهما إلى المدة المذكورة قال الحافظ الحديث الذي احتج به أبو موسى ضعيف كما اعترف به وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمنا أن مسلما أخرجه واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين ففي رواية ابن ماجه مر بقبرين جديدين فانتفى كونهما في الجاهلية
[ 195 ]
وفي حديث أبي أمامة عند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم ههنا فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه من هو منهم ويقوي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد والطبراني بإسناد صحيح يعذبان وما يعذبان في كبير وبلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الاسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف انتهى (وما يعذبان في كبير) أي في أمر كان يكبر عليهما ويشق فعله لو أراده لا أنه في نفسه غير كبير كيف وهما يعذبان فيه فإن عدم التنزه يبطل الصلاة والنميمة سعى بالفساد كذا في النهاية والمجمع وقال ابن دقيق العيد أي إنه سهل يسير على من يريد التوقي عنه ولا يريد بذلك أنه صغير من الذنوب غير كبير منها لأنه قد ورد في الصحيح من الحديث وإنه لكبير فيحمل قوله إنه لكبير على كبر الذنب وقوله وما يعذبان في كبير على سهولة الدفع والاحتراز وأما هذا فكان لا يستتر من بوله أي لا يجعل بينه وبين بوله سترة يعني لا يتحفظ منه ولمسلم وأبي داود في حديث الأعمش لا يستتر وقد وقع لأبي نعيم في المستخرج من طريق وكيع عن الأعمش كان لا يتوقى وهي مفسرة للمراد كذا في الفتح وفيه التحذير من ملابسه البول ويلحق به غيره من النجاسات وأما هذا فكان يمشي بالنميمة هي نقل كلام الغير بقصد الاضرار وهي من أقبح القبائح قاله النووي وقال الجزري في النهاية هي نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الافساد والشر وقد تم الحديث ينمه وينمه نما فهو نمام والاسم النميمة قوله (وفي الباب عن زيد بن ثابت وأبي بكرة وأبي هريرة وأبي موسى وعبد الرحمن ابن حسنة) أما حديث زيد بن ثابت فلم أقف على من أخرجه وأما حديث أبي بكرة فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بمعنى حديث الباب وأخرجه ابن ماجه مختصرا وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ أكثر عذاب القبر من البول وأخرجه أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين ولا أعلم له علة قال المنذري وهو كما قال وأما حديث أبي موسى فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول قاعدا قد جافى بين فخديه حتى جعلت آوي له من طول الجلوس الحديث قال الهيثمي فيه علي بن عاصم وكان كثير الخطأ والغلط وينبه على غلطه فلا يرجع ويحتقر الحفاظ انتهى وأما حديث عبد الرحمن بن حسنة فأخرجه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها المنذري في الترغيب والهيثمي في مجمع
[ 196 ]
الزوائد قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وروى منصور هذا الحديث عن مجاهد عن ابن عباس) منصور هذا هو ابن المعتمر (ورواية الأعمش أصح) أي رواية الأعمش بذكر طاووس بين مجاهد وابن عباس وأصح من رواية منصور ثم بين الترمذي وجه كونها أصح بقوله سمعت أبا بكر إلخ وروى البخاري هذا الحديث في صحيحه على الوجهين قال الحافظ في الفتح وإخراجه له على الوجهين يقتضي صحتهما عنده فيحمل على أن مجاهد اسمعه من طاووس عن ابن عباس ثم سمعه من ابن عباس بلا واسطة أو العكس ويؤيده أن في سياقه عن طاووس زيادة على ما في روايته عن ابن عباس وصرح ابن حبان بصحة الطريقين معا وقال الترمذي رواية الأعمش أصح انتهى قلت وقال البخاري أيضا إن رواية الأعمش أصح قال الترمذي في العلل سألت محمدا أيهما أصح فقال رواية الأعمش أصح انتهى ويؤيد من قال بصحة الطريقين أن شعبة ابن الحجاج رواه عن الأعمش كما رواه منصور ولم يذكر طاووسا قاله العيني (وسمعت أبا بكر محمد بن أبان) بفتح همزة وخفة موحدة وبنون بالصرف وتركه والصرف هو المختار كذا في المغني ومحمد بن أبان هذا لقبه حمدويه وكان مستملى وكيع ثقة حافظ روى عن ابن عيينة وغندر وطبقتهما وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم قال ابن حبان كان ممن جمع وصنف مات ببلخ سنة 144 أربع وأربعين ومائة
[ 197 ]
باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم 71 - قوله (عن أم قيس بنت محصن) بكسر الميم وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون هي أخت عكاشة صحابية مشهورة من المهاجرات الأول طال عمرها بدعوة من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعلم أن امرأة عمرت ما عمرت قوله (لم يأكل الطعام) صفة لابن (فبال عليه) وفي رواية البخاري فبال على ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم (فرشه عليه) وفي رواية البخاري فنضحه ولم يغسله وفي رواية لمسلم فلم يزد على أن نضح بالماء قال الحافظ ولا تخالف بين الروايتين أي بين نضح ورش لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء وانتهى إلى النضح وهو صب الماء ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة فصبه على البول يتبعه إياه انتهى قوله (وفي الباب عن علي وعن عائشة وزينب ولبابة بنت الحارث وهي أم الفضل بن عباس بن عبد المطلب وأبي السمح وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وابن عباس) أما حديث علي فأخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي قال الحافظ في الفتح وإسناده صحيح ولفظه ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية وبعضهم رواه موقوفا وليس ذلك بعلة قادحة قاله الحافظ وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وغيرهما ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالصبيان فيدعو لهم فأتى بصبي فبال على ثوبه فدعا بماء فأتبعه إياه زاد مسلم ولم يغسله وأما حديث زينب وهي بنت جحش فأخرجه الطبراني مطولا وفيه أنه يصب من الغلام ويغسل من الجارية وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف قاله العيني وقال الحافظ أخرجه عبد الرزاق
[ 198 ]
وأما حديث لبابة فأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه والكجي في سننه ولفظه قالت كان الحسين بن علي في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبال عليه فقلت البس ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله قال إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر وأخرجه البيهقي أيضا في سننه من وجوه كثيرة والطحاوي أيضا من وجهين وأما حديث أبي السمح فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه قال كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام وأبو السمح لا يعرف له اسم ولا يعرف له غير هذا الحديث كذا قاله أبو زرعة وقيل اسمه إياد أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي فبال عليه فنضحه وأتي بجارية فبالت عليه فغسله وأما حديث أبي ليلى فأخرجه الطحاوي في شرح الآثار وأما حديث ابن عباس فأخرجه الدارقطني عنه قال أصاب ثوب النبي صلى الله عليه وسلم وجلده بول صغير وهو صغير فصب عليه من الماء بقدر ما كان من البول قال الحافظ إسناده ضعيف قوله (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم إلخ) قال الحافظ في الفتح واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية وهو قول على عطاء والحسن والزهري وإسحاق وابن وهب وغيرهم والثاني يكفي النضح فيهما وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شئ أصلا والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية قال ابن دقيق العيد اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ولم يغسله أي غسلا مبالغا فيه وهو خلاف الظاهر ويبعده ما ورد في الأحاديث الأخرى من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما قال وقد ذكر في التفرقة بينها أوجه منها ما هو ركيك وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة انتهى قلت احتج الأولون القائلون بالاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية بأحاديث الباب
[ 199 ]
وهي نصوص صريحة فيما ذهبوا إليه وأما المذهب الثاني فلم أقف على دليله وأحاديث الباب ترده وأما المذهب الثالث وهو مذهب الحنفية والمالكية فاستدلوا عليه بأنه لا فرق بين بول الصبي وبول الصبية في النجاسة فهما نجسان فهما سواء في وجوب الغسل وأجابوا عن أحاديث الباب بأن المراد بالرش والنضح فيهما الغسل فإنه قد يذكر النضح ويراد به الغسل وكذلك قد يذكر الرش ويراد به الغسل أما الأول فكما في حديث علي عند أبي داود وغيره إذا وجد أحدكم ذلك أي المذي فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة رواه أبو داود وغيره فإن المراد بقوله فلينضح الغسل والدليل عليه أن هذا الحديث رواه مسلم وغيره ووقع فيه بغسل ذكره ويتوضأ ومما يدل على أنه قد ذكر النضح ويراد به الغسل ما رواه الترمذي عن سهل بن حنيف قال كنت ألقى من المذي شدة وكنت أكثر منه الغسل الحديث وفيه قلت يا رسول الله فكيف بما يصيب ثوبي منه فقال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به من ثوبك حيث يرى أنه أصابه فإن المراد يالنضح ههنا الغسل وأما الثاني وهو أن الرش قد يذكر ويراد به الغسل ففي حديث أسماء رضي الله عنها عند الترمذي حتيه ثم اقرصيه ثم رشيه وصلي فيه أراد اغسليه فلما ثبت أن النضح والرش يذكران ويراد بهما الغسل وجب حمل ما جاء في الباب من النضح والرش على الغسل هكذا أجاب العلامة العيني وغيره من العلماء الحنفية وفيه أنه لا شك في أنه قد يذكر النضح ويراد به الغسل وكذلك الرش لكن هذا إذا لم يكن مانع يمنع منه بل يكون هناك دليل يدل على أن يراد بالنضح أو الرش الغسل كما في حديث علي وحديث أسماء المذكورين وأما فيما نحن فيه فليس ههنا دليل يدل على أن يراد بالرش أو النضح الغسل بل ههنا دليل يدل على عدم إرادة الغسل ففي حديث أم قيس بنت محصن عند البخاري فنضحه ولم يغسله وفي حديث عائشة عند مسلم فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله فقوله ولم يغسله دليل صريح على أنه ليس المراد بالنضح أو الرش في أحاديث الباب الغسل وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لبابة بنت الحارث إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر في جواب لبابة حين قالت البس ثوبا وأعطني إزارك حتى أغسله أيضا دليل واضح على أنه لم يرد بالنضح أو الرش في أحاديث الباب الغسل وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث علي ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية دليل على أنه ليس المراد بالنصح الغسل وإلا لكان المعنى يغسل بول الغلام ويغسل بول الجارية وهو كما ترى فجوابهم بأن ما جاء في هذا الباب من النضح والرش محمول على الغسل غير صحيح فإن قيل قال العيني وغيره من العلماء الحنفية المراد بالنضح والرش في أحاديث الباب الغسل
[ 200 ]
من غير عرك وبالغسل الغسل بعرك أو المراد بهما الغسل من غير مبالغة فيه وبالغسل الغسل بالمبالغة فيه قلنا قولهم هذا لا دليل عليه بل ظاهر أحاديث الباب يبطله فإن قيل المراد بالرش والنضح في أحاديث الباب الصب وإتباع الماء توفيقا بين الأحاديث فقد وقع في حديث عائشة عند مسلم من طريق جرير عن هشام فدعا بماء فصبه عليه ولأبي عوانة فصبه على البول يتبعه إياه ورواه الطحاوي في شرح الاثار بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بصبي فبال عليه فأتبعه الماء ولم يغسله وفي حديث أم الفضل عند الطحاوي إنما يصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية ووقع في حديث أبي ليلى عند الطحاوي فصب عليه الماء وإتباع الماء والصب نوع من الغسل وحكمه حكم الغسل ألا ترى أن رجلا لو أصاب ثوبه عذرة فأتبعها الماء حتى ذهب بها أن ثوبه قد طهر انتهى فثبت أن بول الغلام وبول الجارية هما سواء في وجوب الغسل وهو مذهب الحنفية والمالكية قلنا سلمنا أن المراد بالنضح والرش في أحاديث الباب إنباع الماء والصب لكن لا نسلم أن مطلق الصب وإتباع الماء نوع من الغسل وحكمه حكم الغسل ألا ترى أن رجلا لو أصاب ثوبه عذرة فأتبعها الماء وصب عليه لكن لم يذهب بها لا يطهر ثوبه وقد وجد إتباع الماء والصب والعجب من الطحاوي أنه كيف قال إتباع الماء حكمه حكم الغسل وقد روى هو حديث عائشة بلفظ فأتبعه الماء ولم يغسله وأيضا رواه بلفظ فنضحه ولم يغسله وأيضا روى هو حديث أم قيس بلفظ فدعا فنضحه ولم يغسله وأعلم أنه لم يرد في حديث من أحاديث الباب النضح أو الرش أو الصب أو إتباع الماء مقيدا بالذهاب بالبول أو بأثر البول أعني لم يرد في حديث فصب عليه الماء حتى ذهب به أو حتى ذهب بأثره أو فنضحه أو رشه حتى ذهب به أو بأثره بل وقعت هذه الألفاظ مطلقة وأيضا لم يرد في حديث صحيح من أحاديث الباب بيان مقدار الماء إلا في حديث ابن عباس ففيه فصب عليه من الماء بقدر ما كان من البول وهو حديث ضعيف كما عرفت ثم الظاهر من صب الماء على البول بقدره أنه لا يذهب به بالكلية فتأمل هذا ما عندي والله تعالى أعلم فإن قيل بول الغلام نجس فنجاسته هي موجبة لحمل النضح والرش وصب الماء وإتباع الماء على الغسل فإن الثوب أو البدن إذا أصابته نجاسة أية نجاسة كانت لا يطهر إلا بالغسل قلنا نجاسة بول الغلام لا توجب حمل النضح والرش وغيرهما على الغسل وقولكم إن
[ 201 ]
الثوب أو البدن إذا أصابته نجاسة أية نجاسة كانت لا يطهر إلا بالغسل ممنوع ألا ترون أن الثوب إذا أصابه المني ويبس كفى لطهارته الفرك ولا يجب الغسل مع أن المني اليابس نجس كما أن المني الرطب نجس فنقول بول الغلام إذا أصاب البدن أو الثوب كفى لطهارته النضح والرش ولا يجب الغسل وأما بول الجارية إذا أصاب الثوب فلا يطهر إلا بالغسل مع أن بول الغلام نجس كما أن بول الجارية نجس فتفكر فإن قيل إن بين المني الرطب واليابس فرقا بالرطوبة واليبوسة ولا فرق بين بول الجارية وبول الغلام بوجه قلنا لا نسلم أن لا فرق بين بول الغلام وبول الجارية بوجه قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين وأما غسل الثوب من بول الصبية ونضحه من بول الصبي إذا لم يطعما فهذا للفقهاء فيه ثلاثة أقوال أحدها أنهما يغسلان جميعا والثاني ينضحان والثالث التفرقة وهو الذي جاءت به السنة وهذا من محاسن الشريعة وتمام حكمتها ومصلحتها والفرق بين الصبي والصبية من ثلاثة أوجه أحدها كثرة حمل الرجال والنساء للذكر فتعم البلوى ببوله فيشق عليه غسله والثاني أن بوله لا ينزل في مكان واحد بل ينزل متفرقا ههنا وههنا فيشق غسل ما أصابه كله بخلاف بول الأنثى الثالث أن بول الأنثى أخبث وأنتن من بول الذكر وسببه حرارة الذكر ورطوبة الأنثى فالحرارة تخفف من نتن البول وتذيب منها ما يحصل من رطوبة وهذه معان مؤثرة يحسن اعتبارها في الفرق انتهى كلامه فحاصل الكلام أن أصح المذاهب وأقواها في هذا الباب مذهب من قال بالاكتفاء بالنضح في بول الغلام وبوجوب الغسل في بول الجارية والله تعالى أعلم قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر أحاديث الباب ما لفظه فردت هذه السنن بقياس متشابه على بول الشيخ وبعموم لم يرد به هذا الخاص وهو قوله إنما يغسل الثوب من أربع من البول والغائط والمني والدم وهذا الحديث لا يثبت فإنه من رواية علي بن زيد بن جدعان عن ثابت بن حماد قال أبو علي لا أعلم رواه عن علي بن زيد غير ثابت بن حماد وأحاديثه مناكير ومعلولات ولو صح وجب العمل بالحديثين ولا يضرب أحدهما بالآخر ويكون البول فيه مخصوصا ببول الصبي كما خص منه بول ما يؤكل لحمه بأحاديث دون هذه في الصحة والشهرة انتهى
[ 202 ]
قوله (وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا) لحديث علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بول الغلام الرضيع ينضح وبول الجارية يغسل قال قتادة وهذا ما لم يطعما فإذا طعما غسلا جميعا رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن كذا في المنتقى قال الشوكاني في النيل قوله بول الغلام الرضيع هذا تقييد للفظ الغلام بكونه رضيعا وهكذا يكون تقييدا للفظ الصبي والصغير والذكر الواردة في بقية الأحاديث انتهى وروى أبو داود عن علي رضي الله عنه موقوفا قال يغسل بول الجارية ينضح وبول الغلام ما لم يطعم وروى من طريق الحسن عن أمه قالت إنها أبصرت أم سلمة تصب الماء على بول الغلام ما لم يطعم فإذا طعم غسلته وكانت تغسل بول الجارية قال الحافظ في التلخيص سنده صحيح ورواه البيهقي من وجه آخر عنها موقوفا أيضا وصححه انتهى وفي حديث أم قيس المذكور في الباب دخلت بابن لي على النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل الطعام قال الحافظ في الفتح المراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعسل الذي يلعقه للمداواة وغيرها فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب وأطلق في الروضة تبعا لأصلها أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن وقال في نكت التنبيه المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قول ما لم قولهما لم يأكل على ظاهر فقال معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق ابن قدامة وغيره وقال ابن التين يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه انتهى باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه 72 - قوله (حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني) أبو علي البغدادي صاحب الشافعي عن ابن عيينة وعبيد بن حميد وغيرهما وعنه البخاري وأصحاب السنن الأربعة وثقة النسائي مات في بعض سنة 062 ستين ومائتين (نا عفان بن مسلم) بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري ثقة ثبت قال ابن المديني كان إذا شك في حرف من الحديث تركه وربما وهم وقال ابن معين أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة ومات بعدها بيسير من كبار العاشرة كذا في التقريب وقال في الخلاصة اختلط سنة 91 تسع عشرة ومات سنة 022 عشرين ومائتين قاله البخاري وأبو داود
[ 203 ]
ومطين انتهى (نا حماد بن سلمة) بن دينار البصري أبو سلمة ثقة عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه من كبار الثامنة روي عن ثابت وسماك وقتادة وحميد وخلق وعنه ابن جريج وابن إسحاق شيخاه وشعبه ومالك وأمم قال القطان إذا رأيت الرجل يقع في حماد فاتهمه على الاسلام توفي 167 سنة سبع وستين ومائة فائدة إذا روى عفان عن حماد غير منسوب فهو ابن سلمة قاله الحافظ أبو الحجاج (أنا حميد وقتادة وثابت) أما حميد فهو ابن أبي حميد الطويل أبو عبيدة البصري اختلف في اسم أبيه على عشرة أقوال ثقة مدلس عابه زائدة لدخوله في شئ من أمر الأمراء قال القطان مات حميد وهو قائم يصلي مات سنة 142 اثنتين وأربعين ومائة وأما قتادة فهو ابن دعامة وأما ثابت فهو ابن أسلم البناني بضم الموحدة ونونين مخففين أبو محمد البصري ثقة عابد قوله (أن أناسا من عرينة) بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد ههنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي كذا في الفتح (قدموا) بكسر الدال أي نزلوا وجاؤا (فاجتووها) من الاجتواء أي كرهوا هواء المدينة وماءها قال ابن فارس اجتويت البلد إذا كرهت المقام فيه وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها وقال ابن العربي داء يأخذ من الوباء وفي رواية أخرى استوخموا قال وهو بمعناه وقال غيره داء يصيب الجوف وفي رواية أبي عوانة عن أنس في هذه القصة فعظمت بطونهم (واستاقوا الإبل) من السوق وهو السير العنيف أي ساقوها بمبالغة بليغة واهتمام تام (فقطع أيديهم وأرجلهم) أي أمر بقطعهما وفي رواية البخاري فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم (من خلاف) فيه رد على من قال إنه قطع يدي كل واحد ورجليه (وسمر أعينهم) وفي نسخة صحيحة قلمية وسمل باللام قال الخطابي السمل فقأ العين بأي شئ كان قال أبو ذئيب الهذلي والعين بعدهم كأن حداقها سملت بشوك فهي عور تدمع قال والسمر لغة في السمل وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا بأميال قد أحميت قال
[ 204 ]
الحافظ قد وقع التصريح بالمراد عند المصنف يعني البخاري من رواية وهيب عن أيوب ومن رواية الأوزاعي عن يحيى كلاهما عن أبي قلابة ولفظه ثم أمر بمسامير فأحميت فكحلهم بها فهذا يوضح ما تقدم ولا يخالف ذلك رواية السمل لأنه فقأ العين بأي شئ كان كما مضى انتهى كلام الحافظ (وألقاهم بالحرة) هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة وإنما ألقاهم فيها لأنها قرب المكان الذي فعلوا فيه ما فعلوا (يكد الأرض) أي يحكها والكد الحك (يكدم الأرض) أي يعض عليها قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وهو قول أكثر أهل العلم قالوا لا بأس ببول ما يؤكل لحمه) وهو قول مالك وأحمد وطائفة من السلف ووافقهم من الشافعية ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان والاصطخري والروياني وذهب الشافعي والجمهور إلى القول بنجاسة الأبوال والأوراث كلها من مأكول اللحم وغيره قاله الحافظ قلت وذهب إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه محمد بن الحسن من أصحاب أبي حنيفة واحتج من قال بطهارة بول مأكول اللحم بأحاديث منها حديث الباب أما من الابل فبهذا الحديث وأما من مأكول اللحم فبالقياس عليه قال ابن العربي تعلق بهذا الحديثث من قال بطهارة أبوال الإبل وعورضوا بأنه أذن لهم في شربها للتداوي وتعقب بأن التداوي ليس حال ضرورة بدليل أنه لا يجب فكيف يباح الحرام لما لا يجب وأجيب بمنع أنه ليس حال ضرورة إذا أخبره بذلك من يعتمد على خبره وما أبيح للضرورة لا يسمى حراما وقت تناوله لقوله تعالى وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه فما اضطر إليه المرء فهو غير محرم عليه كالميتة للمضطر والله أعلم قال الحافظ بعد نقل كلام ابن العربي هذا وما تضمنه كلامه من أن الحرام لا يباح إلا لأمر واجب غير مسلم فإن الفطر في رمضان حرام ومع ذلك فيباح لأمر جائز كالسفر
[ 205 ]
وأما قول غيره لو كان نجسا ما جاز التداوي به لحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها والنجس حرام فلا يتداوى به لأنه غير شفاء فجوابه أن الحديث محمول على حالة الاختيار وأما في حال الضرورة فلا يكون حراما كالميتة للضرورة ولا يرد قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر إنها ليست بدواء إنها داء في جواب من سأل عن التداوي بها فإن ذلك خاص بالخمر ويلتحق بها غيرها من المسكر والفرق بين المسكر وبين غيره من النجاسات أن الحديث باستعماله في حالة الاختيار دون غيره ولأن شربه يجر إلى مفاسد كثيرة ولأنهم كانوا في الجاهلية يعتقدون أن في الخمر شفاء فجاء الشرع بخلاف معتقدهم قاله الطحاوي بمعناه وأما أبوال الابل فقد روى ابن المنذر عن ابن عباس مرفوعا إن في أبوال الابل شفاء لذربة بطونهم والذرب فساد المعدة فلا يقاس ما ثبت أن فيه دواء على ما ثبت نفي الدواء عنه وبهذه الطريق يحصل الجمع بين الأدلة والعمل بمقتضاها كلها انتهى كلام الحافظ و منها أحاديث الاذن بالصلاة في مرابض الغنم وأجيب عنها بأنها لا دلالة فيها على جواز المباشرة ورد هذا الجواب بأن أحاديث الاذن بالصلاة في مرابض الغنم مطلقة ليس فيها تخصيص موضع دون موضع ولا تقييد بحائل فهذه الأحاديث بإطلاقها تدل على جواز الصلاة فيها بحائل وبغير حائل وفي كل موضع منها قال الحافظ ابن تيمية فإذا أطلق الاذن في ذلك ولم يشترط حائلا يقي من الأبوال وأطلق الاذن في الشرب لقوم حديثي العهد بالإسلام جاهلين بأحكامه ولم يأمرهم بغسل أفواههم وما يصيبهم منها لأجل صلاة ولا لغيرها مع اعتيادهم شربها دل ذلك على مذهب القائلين بالطهارة انتهى كذا نقل الشوكاني قوله هذا في النيل ومنها حديث البراء مرفوعا لا بأس ببول ما أكل لحمه وحديث جابر ما أكل لحمه فلا بأس ببوله رواهما الدارقطني وهما ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج قال الحافظ في التلخيص إسناد كل منهما ضعيف جدا انتهى واحتج من قال بنجاسة الأبوال والأرواث كلها وإليه ذهب الشافعي والجمهور كما عرفت وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف بحديث أبي هريرة مرفوعا استنزهوا من البول فإن عامة عذاب
[ 206 ]
القبر منه صححه ابن خزيمة وغيره قالوا هذا الحديث بعمومه ظاهر في تناول جميع الأبوال فيجيب اجتنابها لهذا الوعيد وبحديث ابن عباس المتفق عليه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول الحديث قالوا فعم جنس البول ولم يخصه ببول الانسان وأجيب عنه بأن المراد به بول الانسان لما في صحيح البخاري بلفظ كان لا يستتر من بوله قال البخاري ولم يذكر سوى بول الناس انتهى فالتعريف في البول للعهد قال ابن بطال أراد البخاري أن المراد بقوله كان لا يستتر من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان انتهى قلت وأجيب عن حديث أبي هريرة المذكور أيضا بهذا الجواب أعني أن المراد بقوله استنزهوا من البول بول الناس لا بول سائر الحيوان وقد ذكرنا دلائل الفريقين مع بيان ما لها وما عليها فتأمل وتدبر وعندي القول الظاهر قول من قال بطهارة بول ما يؤكل لحمه والله تعالى أعلم 73 - قوله (حدثنا الفضل بن سهل الأعرج) البغدادي أصله من خراسان صدوق من الحادية عشرة (نا يحيى بن غيلان) بن عبد الله بن أسماء الخزاعي أو الأسلمي البغدادي أبو الفضل ثقة من العاشرة (إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة) تقدم معنى السمل أي فعل صلى الله عليه وسلم ذلك على سبيل القصاص قال العيني في عمدة القاري السؤال الثاني ما وجه تعذيبهم بالنار الجواب أنه كان قبل نزول الحدود وآية المحاربة والنهي عن المثلة فهو منسوخ وقيل ليس بمنسوخ وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قصاصا لأنهم فعلوا بالرعاة مثل ذلك وقد رواه مسلم في بعض طرقه انتهى (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه مسلم (وهو معنى قوله والجروح قصاص) قال الله
[ 207 ]
تعالى وكتبنا عليهم فيها أي في التوراة أن النفس بالنفس أي أن النفس تقتل بالنفس إذا قتلتها والعين بالعين أي والعين تفقأ بالعين والأنف بالأنف أي والأنف يجدع بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص أي يقتص فيها إذا أمكن كاليد والرجل والذكر ونحو ذلك وما لا يمكن فيه الحكومة وهذا الحكم وإن كتب عليهم فهو مقرر في شرعنا كذا في تفسير الجلالين (وقد روي عن محمد بن سيرين أنه قال إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تنزل الحدود) قال الحافظ في الفتح مال جماعة منهم ابن الجوزي إلى أنه وقع ذلك عليهم على سبيل القصاص وذهب إلى أن ذلك منسوخ قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهي عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ قال الحافظ يدل عليه ما رواه البخاري في الجهاد من حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الاذن فيه وقصة العرنيين قبل إسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهي وروى قتادة عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود ولموسى بن عقبة في المغازي وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة وإلى هذا مال البخاري وحكاه أمام الحرمين في النهاية عن الشافعي انتهى كلام الحافظ بالاختصار باب ما جاء في الوضوء من الريح 74 - قوله (لا وضوء إلا من صوت أو ريح) أي لا وضوء واجب إلا من سماع صوت أو وجدن رائحة ريح خرجت منه قال الطيبي نفي جنس أسباب التوضؤ واستثنى منه الصوت والريح والنواقض كثيرة ولعل ذلك في صورة مخصوصة يعني بحسب السائل فالمراد نفي جنس الشك وإثبات اليقين أي لا يتوضأ عن شك مع سبق ظن الطهارة إلا بيقين الصوت أو الرائحة قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه
[ 208 ]
75 - قوله (إذا كان أحدكم في المسجد) قيل يوهم أن حكم غير المسجد بخلاف المسجد لكن أشير به إلى أن الأصل أن يصلي في المسجد لأنه مكانها فعلى المؤمن ملازمة الجماعات في المسجد (فوجد ريحا بين أليتيه) تثنية الألية قال في القاموس الألية العجزة أو ما ركب العجز من لحم أو شحم وفي رواية مسلم إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا (فلا يخرج من المسجد) للتوضؤ (حتى يسمع صوتا) أي صوت ريح خرج منه (أو يجد ريحا) أي يجد رائحة ريح خرجت منه قال في شرح السنة معناه حتى يتيقن الحدث لا لأن سماع الصوت أو وجدان الريح شرط إذ قد يكون أصم فلا يسمع الصوت وقد يكن أخشم فلا يجد الريح وينتقض طهره إذا تيقن الحدث قال الإمام في الحديث دليل على أن الريح الخارجة من أحد السبيلين توجب الوضوء وقال أصحاب أبي حنيفة خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء وفيه دليل على أن اليقين لا يزول بالشك في شئ من أمر الشرع وهو قول عامة أهل العلم انتهى وقال النووي هذا الحديث أصل من أصول الحديث وقاعدة عظيمة من قواعد الدين وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف قال أصحابنا ولا فرق في شكه بين أن يستوي الاحتمالان في وقوع الحدث وعدمه أو يترجح أحدهما ويغلب في ظنه فلا وضوء عليه في كل حال أما إذا تيقن الحدث وشك في الطهارة فإنه يلزمه الوضوء بإجماع المسلمين انتهى والحديث لم يحكم عليه الترمذي بشئ من الصحة والضعف وهو حديث صحيح وأخرجه مسلم 76 - قوله (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم) قال القاري في المرقاة أي قبول إجابة وإثابة
[ 209 ]
بخلاف المبسل والآبق فإن صلاتهما لا تقبل أيضا لكنها لا تقبل بترك الإثابة وتقبل إجابة فلا يرد ما قيل من أنه لا يلزم من عدم القبول عدم الجواز والصحة مع أن الطهارة شرط الصحة انتهى وقال الحافظ في فتح الباري والمراد بالقبول ههنا ما يرادف الصحة وهو الإجزاء وحقيقة القبول ثمرة وقوع الطاعة مجزئة رافعة لما في الذمة ولما كان الاتيان بشروطها مظنة الإجزاء الذي القبول ثمرته عبر عنه بالقبول مجازا وأما القبول المنفي في مثل قوله صلى الله عليه وسلم من أتى عرافا لم تقبل له صلاة فهو الحقيقي لأنه قد يصح العمل ويتخلف القبول لمانع ولهذا كان بعض السلف يقول لأن تقبل لي صلاة واحدة أحب إلي من جميع الدنيا قاله ابن عمر قال لأن الله تعالى قال إنما يتقبل الله من المتقين انتهى (إذا أحدث) أي صار ذا حدث قبل الصلاة أو في أثنائها (حتى يتوضأ) أي بالماء أو ما يقوم مقامه وقد روى النسائي بإسناد قوي عن أبي ذر مرفوعا الصعيد الطيب وضوء المسلم فأطلق الشارع على التيمم أنه وضوء لكونه قام مقامه ولا يخفى أن المراد بقبول صلاة من كان محدثا فتوضأ أي مع باقي شروط الصلاة كذا في فتح الباري (قوله هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (وفي الباب عن عبد الله بن زيد وعلي بن طلق وعائشة وابن عباس وأبي سعيد) أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه الشيخان وغيرهما ففي صحيح البخاري عن عباد بن تميم عن عمه أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشئ في الصلاة فقال لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا قال الحافظ في الفتح قوله عن عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني الأنصاري سماه مسلم وغيره في روايتهم لهذا الحديث من طريق ابن عيينة انتهى وأما حديث علي بن طلق فأخرجه أبو داود والترمذي وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ قال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه محمد بن إسحاق وقد قال حدثني هشام
[ 210 ]
بن عروة وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه في صلاته أنه أحدث ولم يحدث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث فإذا وجد أحدكم وهو ذلك فلا ينصرف حتى يسمع ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح انتهى وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أبو يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الشيطان يأتي أحدكم في صلاته فيمد شعره من دبره فيرى أنه قد أحدث فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ورواه ابن ماجه باختصار وفيه علي بن زيد واختلف في الاحتجاج به كذا في مجمع الزوائد قوله (هذا حديث حسن صحيح) كذا في النسخ الموجودة وهو تكرار قوله (وقال) أي ابن المبارك (إذا خرج من قبل المرأة الريح وجب عليها الوضوء وهو قول الشافعي وإسحاق) وقال أصحاب أبي حنيفة خروج الريح من القبل لا يوجب الوضوء قال القاري في المرقاة توجيه قول الحنفية أنه نادر فلا يشمله النص كذا قيل والصحيح ما قاله ابن الهمام من أن الريح الخارج من الذكر اختلاج لا ريح فلا ينقض كالريح الخارجة من جراحة في البطن انتهى وقال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية اتفق أصحابنا على أن الريح الخارجة من الدبر ناقضة واختلفوا في الخارجة من الذكر وقبل المرأة فروى القدوري عن محمد أنه يوجب الوضوء وبه أخذ بعض المشايخ وقال أبو الحسن لا وضوء فيهما إلا أن تكون المرأة مفضاة والمفضاة هي التي اختلط سبيلاها القبل والدبر وقيل مسلك البول والحيض فيستحب لها الوضوء وكان الشيخ أبو حفص الكبير يقول إذا كانت المرأة مفضاة
[ 211 ]
يجب عليها الوضوء وإن لم تكن مفضاة لا يجب وهكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد ومن المشايخ من قال في المفضاة إذا كان الريح منتنا يجب الوضوء وما لا فلا كذا في الذخيرة وبه علمت أن الاختلاف في الريح الخارجة منهما على قولين الأول أنه يوجب الوضوء ودليله عموم ما ورد في الحديث إن الحدث ما خرج من أحد السبيلين فإن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب وبه قال الشافعي كذا في البناية والثاني أنه لا يوجب وإليه مال صاحب الهداية وعلل بأنها لا تنبعث عن محل النجاسة وهو مبني على أن عين الريح ليست بنجسة وإنما يتنجس بمرورها على محل النجاسة وهذا لا يتمشى على قول من قال من المشايخ بتنجس عين الريح والأولى في التعليل ما ذكره غيره أنها اختلاج لا ريح وليس بشئ خارج لكن هذا أيضا قاصر فإنه لا يتمشى في ما إذا وجدت النتن أو سمعت الصوت من القبل أو الذكر فإن هناك لا شك في خروج شئ وممن اختار هذا القول قاضي خان في فتاواه وصاحب مراقي الفلاح وقال هو الأصح لأنه اختلاج لا ريح وإن كان ريحا فلا نجاسة فيه وريح الدبر ناقضة لمرورها بالنجاسة وصاحب التنوير وصاحب الدر المختار وغيرهم من المتأخرين ولا يخفى عليك أن الموافق للأحاديث هو القول الأول فليكن هو المعول انتهى باب الوضوء من النوم 77 - قوله (المعنى واحد) أي معنى أحاديث إسماعيل وهناد ومحمد واحد وفي ألفاظها اختلاف قوله (نام وهو ساجد) أي نام في حالة السجدة (حتى غط) قال في القاموس غط النائم
[ 212 ]
صات انتهى والمعنى نام صلى الله عليه وسلم في حالة السجدة حتى سمع غطيطه وهو صوت يخرج مع نفس النائم (أو نفخ) شك من الراوي قال في مجمع البحار حتى نفخ أي تنفس بصوت حتى يسمع منه صوت النفخ كما يسمع من النائم (ثم قام يصلي) أي من غير أن يتوضأ وضوءا جديدا (إلا على من نام مضطجعا) أي واضعا جنبه على الأرض قال في القاموس ضجع كمنع وضع جنبه بالأرض كأضجع واضطجع (استرخت) أي فترت وضعفت (مفاصله) جمع مفصل وهو رؤوس العظام والعروق قوله (وفي الباب عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ قال الطنافسي قال وكيع تعني وهو ساجد وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى نفخ ثم قام فصلى وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي بلفظ من استحق النوم وجب عليه الوضوء وقال بعده لا يصح رفعه وروى موقوفا وإسناده صحيح ورواه في الخلافيات من طريق آخر عن أبي هريرة وأعله بالربيع بن بدر عن ابن عدي وكذا قال الدارقطني في العلل إن وقفه أصح كذا في التلخيص واعلم أن الترمذي لم يحكم على حديث ابن عباس المذكور بشئ من الصحة أو الضعف ههنا وقد تكلم عليه في علله المفرد وقد تكلم عليه غيره من أئمة الحديث قال الحافظ في التلخيص مداره على يزيد أبي خالد الدالاني وعليه اختلف في ألفاظه ضعف الحديث من أصله أحمد والبخاري فيما نقله الترمذي في العلل المفرد وأبو داود في السنن والترمذي وإبراهيم الحربي في علله وغيرهم وقال البيهقي في الخلافيات تفرد به أبو خالد الدالاني وأنكره عليه جميع أئمة الحديث وقال في السنن أنكره عليه جميع الحفاظ وأنكروا سماعه من قتادة وقال الترمذي رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله ولم يذكر فيه أبا العالية ولم يرفعه انتهى
[ 213 ]
قوله (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون) وفي رواية أبي داود كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون فظهر من هذه الرواية أن المراد من قوله ينامون أنهم كانوا ينامون قعودا وكان نومهم هذا في انتظار العشاء الآخرة قال في القاموس خفق فلان حرك رأسه إذا نعس وقال الخطابي معناه تسقط أذقانهم على صدورهم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود قوله (سمعت صالح بن عبد الله) بن ذكوان الباهلي الترمذي نزيل بغداد عن مالك وشريك وابن المبارك وخلق وعنه الترمذي وأبو حاتم وقال صدوق مات سنة 932 تسع وثلاثين ومائتين (فقال لا وضوء عليه) أي لا يجب عليه الوضوء قوله (واختلف العلماء في الوضوء من النوم فرأى أكثرهم أنه لا يجب عليه الوضوء إذا نام قاعدا أو قائما حتى ينام مضطجعا وبه يقول الثوري وابن المبارك وأحمد) واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس المذكور وقد عرفت ما فيه من المقال لكن قال الشوكاني في النيل والمقال الذي فيه منجبر بما له من الطرق والشواهد ورجح هذا المذهب قلت هذا المذهب هو أرجح المذاهب عندي والله تعالى أعلم وهو مذهب عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما فروى الامام مالك في الموطأ عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال إذا نام أحدكم مضطجعا فليتوضأ
[ 214 ]
وروى البيهقي من طريق يزيد بن قسيط عن أبي هريرة أنه سمعه يقول ليس على المحتبي النائم ولا على القائم النائم وضوء حتى يضطجع قال الحافظ إسناده جيد ومن المؤيدات لهذا المذهب حديث أنس المذكور قال الشوكاني والأحاديث المطلقة في النوم تحمل على المقيدة بالاضطجاع قال ومن المؤيدات لهذا الجمع ما رواه مسلم عن ابن عباس بلفظ إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني وحديث إذا نام العبد في صلاته باهى الله به ملائكته أخرجه الدارقطني وابن شاهين من حديث أبي هريرة والبيهقي من حديث أنس وابن شاهين أيضا من حديث أبي سعيد وفي جميع طرقه مقال وحديث من استحق النوم وجب عليه الوضوء عند البيهقي من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح قال البيهقي روى ذلك مرفوعا ولا يصح وقال الدارقطني وقفه أصح وقد فسر استحقاق النوم بوضع الجنب انتهى كلام الشوكاني (وقال بعضهم إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء وبه يقول إسحاق) وعن إسحاق قول آخر وهو أن النوم حدث ينقض قليله وكثيرة قال الحافظ في الفتح نقل ابن المنذر وغيره عن بعض الصحابة والتابعين المصير إلى أن النوم حدث ينقض قليله وكثيرة وهو قول أبي عبيدة وإسحاق بن راهوية قال ابن المنذر وبه أقول لعموم حديث صفوان بن عسال يعني الذي صححه ابن خزيمة وغيره ففيه إلا من غائط أو بول أو نوم فسوى بينهما في الحكم والمراد بقليلة وكثيرة طول زمانه وقصره لا مبادية انتهى كلام الحافظ قلت وأما قول إسحاق الذي ذكره الترمذي فمبني على أن النوم ليس بحديث بل هو مظنة الحدث (وقال الشافعي من نام قاعدا فرأى رؤيا أو زالت مقعدته لوسن النوم فعليه الوضوء) الوسن أول النوم وقد وسن يوسن سنة فهو وسن ووسنان والهاء في السنة عوض من الواو المحذوفة قاله الجزري في النهاية
[ 215 ]
واعلم أن للشافعي في انتقاض الوضوء من النوم أقوالا قال الحافظ في الفتح وقيل لا ينقض نوم غير القاعد مطلقا وهو قول الشافعي في القديم وعنه التفصيل بين خارج الصلاة فينقض أو داخلها فلا وفصل في الجديد بين القاعد المتمكن فلا ينقض وبين غيره فينقض وفي المهذب وإن وجد منه النوم وهو قاعد ومحل الحدث منه متمكن بالأرض فالمنصوص أنه لا ينقض وضوءه وقال البويطي ينقض وهو اختيار المزني انتهى وتعقب بأن لفظ البويطي ليس صريحا في ذلك فإنه قال ومن نام جالسا أو قائما فرأى رؤيا وجب عليه الوضوء قال النووي هذا قابل للتأويل انتهى ما في الفتح باب الوضوء مما غيرت النار 79 - قوله (الوضوء مما مست النار) وفي رواية مسلم توضئوا مما مست النار (ولو من ثور أقط) بفتح الهمزة وكسر القاف وهو لبن مجفف مستحجر والثور قطعة منه والحديث دليل على وجوب الوضوء مما مست النار وبه قال بعض أهل العلم والأكثر على أنه منسوخ كما ستعرف (أنتوضأ من الدهن) أي الذي مسته النار (أنتوضأ من الحميم) وهو الماء الحار بالنار (إذا سمعت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تضرب له مثلا) بل اعمل به واسكت عن ضرب المثل له قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وأم سلمة وزيد بن ثابت وأبي طلحة وأبي أيوب وأبي موسى)
[ 216 ]
أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطحاوي وأحمد وأبو داود والنسائي ولفظه توضؤا مما مست النار وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه مسلم بلفظ توضؤا مما مست النار وأما حديث أبي طلحة فأخرجه الطحاوي والطبراني في الكبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكل ثور أقط فتوضأ وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مما غيرت النار توضأ قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد والطبراني في الأوسط بلفظ توضؤا مما غيرت النار لونه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله موثقون قوله (وقد رأى بعد أهل العلم الوضوء مما غيرت النار وأكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على ترك الوضوء مما غيرت النار) قال الحازمي في كتاب الاعتبار قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فبعضهم ذهب إلى الوضوء مما مست النار وممن ذهب إلى ذلك ابن عمر وأبو طلحة وأنس بن مالك وأبو موسى وعائشة وزيد ابن ثابت وأبو هريرة وأبو غرة الهذلي وعمر بن عبد العزيز وأبو مجاز لاحق بن حميد وأبو قلابة ويحيى بن يعمر والحسن البصري والزهري وذهب أكثر أهل العلم وفقهاء الأمصار إلى ترك الوضوء مما مست النار ورأوه آخر الأمرين من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن لم ير منه الوضوء أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وعامر ابن ربيعة وأبو أمامة والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ومن التابعين عبيدة السلماني وسالم بن عبد الله والقاسم بن محمد ومن معهم من فقهاء أهل المدينة ومالك بن أنس والشافعي وأصحابه وأهل الحجاز وعامتهم وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأهل
[ 217 ]
الكوفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق انتهى كلام الحازمي قلت والظاهر الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم والله تعالى أعلم باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار 80 - قوله (وأتته بقناع) بكسر القاف قال الجزري في النهاية القناع هو الطبق الذي يؤكل عليه (فأتته بعلالة) بضم العين وهي البقية من كل شئ (فأكل ثم صلى العصر ولم يتوضأ) هذا دليل على أن الوضوء مما مست النار ليس بواجب قوله (وفي الباب عن أبي بكر الصديق) قال إن النبي صلى الله عليه وسلم نهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ أخرجه أبو يعلى والبزار وفيه هشام بن مصك وقد أجمعوا على ضعفه كذا في مجمع الزوائد (ولا يصح حديث أبي بكر في هذا من قبل إسناده إنما رواه حسام بن مصك) بكسر الميم وفتح المهملة بعدها كاف مثقلة الأزدي أبو سهل البصري ضعيف يكاد أن يترك قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وابن مسعود وأبي رافع وأم الحكم وعمرو ابن أمية وأم عامر وسويد بن النعمان وأم سلمة) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ من أثوار أقط ثم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ
[ 218 ]
قال في مجمع الزوائد هو في الصحيح خلا قوله ثم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ البزار انتهى وعن انتهى أيضا قال نشلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتفا من قدر العباس فأكلها وقام يصلي ولم يتوضأ أخرجه أبو يعلى قال في مجمع الزوائد فيه محمد بن عمرو عن أبي سلمة وهو حديث حسن انتهى وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أحمد وأبو يعلى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل اللحم ثم يقوم إلى الصلاة ولا يمس ماء قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون وأما حديث أبي رافع فأخرجه مسلم بلفظ قال أشهد لقد كنت أشوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الشاة ثم صلى ولم يتوضأ وله حديث آخر في هذا الباب أخرجه أحمد ذكره صاحب المشكاة وأما حديث أم الحكم فلم أقف عليه وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه الشيخان وأما حديث أم عامر فأخرجه الطبراني في الكبير وأما حديث سويد بن النعمان فأخرجه البخاري وأما حديث أم سلمة فأخرجه أحمد بلفظ إنها قالت قربت إلى النبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم إلخ) وعليه كان عمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم قال البخاري في صحيحه وأكل أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لحما فلم يتوضؤا قال الحافظ في الفتح وصله الطبراني في مسند الشاميين بإسناد حسن من طريق سليمان بن عامر قال رأيت أبا بكر وعمر وعثمان أكلوا مما مسته النار ولم يتوضؤا ورويناه من طرق كثيرة عن جابر مرفوعا وموقوفا على الثلاثة مفرقا ومجموعا
[ 219 ]
قوله (رأوا ترك الوضوء مما مست النار) أي اعتقدوه (وهذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأن) بتشديد النون من الحروف المشبهة بالفعل (هذا الحديث ناسخ للحديث الأول حديث الوضوء مما مست النار) قوله (حديث الوضوء مما مست النار) بدل من قوله الحديث الأول وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة لأن الإباحة سابقة واعترض عليه بحديث جابر قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود والنسائي وغيرهما وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما لكن قال أبو داود وغيره إن المراد بالأمر هنا الشأن والقصة لا مقابل النهي وأن هذ اللفظ مختصر من حديث جابر المشهور في قصة المرأة التي صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فأكل منها ثم توضأ وصلى الظهر ثم أكل منها وصلى العصر ولم يتوضأ فيحتمل أن تكون هذه القصة وقعت قبل الأمر بالوضوء مما مست النار وأن وضوءه لصلاة الظهر كان عن حدث لا بسبب الأكل من الشاة وحكى البيهقي عن عثمان الدارمي أنه قال لما اختلفت أحاديث الباب ولم يتبين الراجح منها نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون بعد النبي صلى الله عليه وسلم فرجحنا به أحد الجانبين وارتضى النووي بهذا في شرح المهذب وبهذا تظهر حكمة تصدير البخاري حديث الباب يعني حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ بالأثر المنقول عن الخلفاء الثلاثة قال النووي كان الخلاف فيه معروفا بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أنه لا وضوء مما مست النار إلا ما تقدم استثناؤه من لحوم الإبل وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب كذا في الفتح قلت واختاره صاحب المنتقي فقال هذه النصوص يعني التي فيها ترك الوضوء مما مست النار إنما تنفي الإيجاب ولهذا قال الذي سأله أنتوضأ من لحوم الغنم قال
[ 220 ]
إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ ولولا أن الوضوء من ذلك مستحبا لما أذن فيه لأنه إسراف وتضييع للماء بغير فائدة انتهى واختار الشوكاني أن حديث الأمر بالوضوء مما مست النار ليس بمنسوخ فقال في النيل وأجاب الأولون يعني الذين قالوا بترك الوضوء مما مست النار عن ذلك يعني عن حديث الأمر بالوضوء مما مست النار بجوابين الأول أنه منسوخ بحديث جابر الثاني أن المراد بالوضوء غسل الفم والكفين قال ولا يخفاك أن الجواب الأول إنما يتم بعد تسليم أن فعله صلى الله عليه وسلم يعارض القول الخاص بنا وينسخه والمتقرر في الأصول خلافه وأما الجواب الثاني فقد تقرر أن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها وحقيقة الوضوء الشرعية هي غسل جميع الأعضاء التي تغسل للوضوء فلا تخالف هذه الحقيقة إلا لدليل وأما دعوى الاجماع فهي من الدعاوى التي لا يهابها طالب الحق ولا يحول بينه وبين مراده منه نعم الأحاديث الواردة في ترك الوضوء من لحوم الغنم مخصصة لعموم الأمر بالوضوء مما مست النار وما عدا لحوم الغنم داخل تحت ذلك العموم انتهى كلام الشوكاني باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل 81 - قوله (نا أبو معاوية) هو محمد بن خازم الضرير أحد الأئمة ثقة (عن عبد الله بن عبد الله) الهاشمي مولاهم الرازي الكوفي القاضي عن جابر بن سمرة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعنه الأعمش وحجاج بن أرطاة وثقه أحمد بن حنبل (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية اختلف في سماعه عن عمر قاله الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة روى عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر وأدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين
[ 221 ]
وعنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون أكبر منه والمنهال بن عمرو وخلق وثقه ابن معين مات سنة 38 ثلاث وثمانين انتهى قوله (فقال توضؤا منها) فيه دليل على أن أكل لحوم الإبل ناقض للوضوء قال النووي اختلف العلماء في أكل لحوم الجزور فذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وأبو الدرداء وأبو طلحة وعامر بن ربيعة وأبو أمامة وجماهير التابعين ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم وذهب إلى انتقاض الوضوء به أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ويحيى بن يحيى وأبو بكر بن المنذر وابن خزيمة واختاره الحافظ أبو بكر البيهقي وحكى عن أصحاب الحديث مطلقا وحكى عن جماعة من الصحابة واحتج هؤلاء بحديث جابر بن سمرة الذي رواه مسلم قال أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديثان حديث جابر وحديث البراء وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه وقد أجاب الجمهور عن هذا الحديث بحديث جابر كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ولكن هذا الحديث عام وحديث الوضوء من لحوم الإبل خاص والخاص مقدم على العام انتهى قال الحافظ في التلخيص قال البيهقي حكى بعض أصحابنا عن الشافعي قال إن صح الحديث في لحوم الإبل قلت به قال البيهقي قد صح فيه حديثان حديث جابر بن سمرة وحديث البراء قاله أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه انتهى وقال الدميري وأنه المختار المنصور من جهة الدليل انتهى وقال بعض علماء الحنفية في تعليقه على الموطأ للإمام محمد ولاختلاف الأخبار في هذا الباب أي الوضوء مما مست النار اختلف العلماء فيه فمنهم من جعله ناقضا بل جعله الزهري ناسخا لعدم النقض ومنهم من لم يجعله ناقضا وعليه الأكثر ومنهم من قال من أكل لحم الإبل خاصة وجب عليه الوضوء وليس عليه الوضوء في غيره
[ 222 ]
أخذا من حديث البراء وغيره وبه قال أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث وهو مذهب قوي من حيث الدليل قد رجحه النووي وغيره انتهى وأما قول من قال إن المراد من قوله توضؤا منها غسل اليدين والفم لما في لحم الإبل من رائحة كريهة ودسومة غليظة بخلاف لحم الغنم فهو بعيد لأن الظاهر منه هو الوضوء الشرعي لا اللغوي وحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية واجب وأما قول من قال إن حديث البراء وما في معناه منسوخ فهو أيضا بعيد فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وقد ذكر العلامة الموفق ابن قدامة في المغني في هذا البحث كلاما حسنا مفيدا قال إن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كل حال نيئا ومطبوخا عالما كان أو جاهلا وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيى بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي قال الخطابي ذهب إلى هذا عامة أصحاب الحديث وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال لأنه روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الوضوء مما يخرج لا مما يدخل وروي عن جابر قال كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار رواه أبو داود ولنا ما روى البراء بن عازب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل فقال توضؤا منها وسئل عن لحوم الغنم فقال لا يتوضأ منها رواه مسلم وأبو داود وروى جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله أخرجه مسلم وروى الامام أحمد بإسناده عن أسيد بن حضير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم توضؤا من لحوم الإبل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم وروى ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك قال أحمد وإسحاق بن راهويه فيه حديثان صحيحان عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث البراء وحديث جابر بن سمرة وحديثهم عن ابن عباس لا أصل له وإنما هو من قول ابن عباس موقوفا عليه ولو صح لوجب تقديم حديثنا عليه لكونه أصح منه وأخص والخاص يقدم على العام وحديث جابر لا يعارض حديثنا أيضا لصحته وخصوصه فإن قيل فحديث جابر متأخر فيكون ناسخا قلنا لا يصح النسخ به لوجوه أربعة
[ 223 ]
أحدها أن الأمر بالوضوء من لحوم الابل متأخر عن نسخ الوضوء مما مست النار أو مقارن له بدليل أنه قرن الأمر بالوضوء من لحوم الابل بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم وهي مما مست النار فإما أن يكون النسخ حصل بهذا النهي وإما أن يكون بشئ قبله فإن كان به فالأمر بالوضوء من لحوم الإبل مقارن لنسخ الوضوء مما غيرت النار فكيف يجوز أن يكون منسوخا به ومن شرط الناسخ تأخره وإن كان النسخ قبله لم يجز أن ينسخ بما قبله الثاني أن أكل لحوم الإبل إنما نقض لكونه من لحوم الإبل لا لكونه مما مست النار ولهذا ينقض وإن كان نيئا فنسخ إحدى الجهتين لا يثبت به نسخ الجهة الأخرى كما لو حرمت المرأة للرضاع ولكونها ربيبة فنسخ التحريم بالرضاع ولم يكن نسخا لتحريم الربيبة الثالث أن خبرهم عام وخبرنا خاص والعام لا ينسخ به الخاص لأن من شرط النسخ تعذر الجمع والجمع بين العام والخاص ممكن بتنزيل العام على ما عدا محل التخصيص الرابع أن خبرنا صحيح مستفيض ثبتت له قوة الصحة والاستفاضة والخصوص وخبرهم ضعيف لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه لا يجوز أن يكون ناسخا له فإن قيل الأمر بالوضوء في خبركم يحتمل الاستحباب فنحمله عليه ويحتمل أنه أراد بالوضوء غسل اليدين لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضى غسل اليد كما كان عليه السلام يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده وخص ذلك بلحم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في غيره قلنا أما الأول فمخالف للظاهر من ثلاثة أوجه أحدها أن مقتضى الأمر الوجوب الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن حكم هذا اللحم فأجاب بالأمر بالوضوء منه فلا يجوز حمله على غير الوجوب لأنه يكون تلبيسا على السائل لا جوابا الثالث أنه عليه السلام قرنه بالنهي عن الوضوء من لحوم الغنم والمراد بالنهي ههنا نفي الإيجاب لا التحريم فيتعين حمل الأمر على الإيجاب ليحصل الفرق وأما الثاني فلا يصح لوجوه أربعة أحدها أنه يلزم منه حمل الأمر على الاستحباب فإن غسل اليد بمفرده غير واجب وقد بينا فساده الثاني أن الوضوء إذا جاء في لسان الشارع وجب حمله على الوضوء الشرعي دون اللغوي لأن الظاهر منه أنه إنما يتكلم بموضوعاته
[ 224 ]
الثالث أنه يخرج جوابا لسؤال السائل عن حكم الوضوء من لحومها والصلاة في مباركها فلا يفهم من ذلك سوى الوضوء المراد للصلاة الرابع أنه لو أراد غسل اليد لما فرق بينه وبين لحم الغنم فإن غسل اليد منها مستحب ولهذا قال من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه وما ذكروه من زيادة الزهومة فأمر يسير لا يقتضي التفريق والله أعلم ثم لا بد من دليل نصرف به اللفظ عن ظاهره ويجب أن يكون الدليل له من القوة بقدر قوة الظواهر المتروكة وأقوى منها وليس لهم دليل انتهى كلام ابن قدامة تنبيه قال صاحب بذل المجهود أخرج ابن ماجه عن أسيد بن حضير وعبد الله بن عمرو يرفعانه توضؤا من ألبان الابل وهذا محمول عند جميع الأمة على شربها بأن يستحب له أن يمضمض ويزيل الدسومة عن فمه كذلك يستحب له إذا أكل لحم الجزور أن يغسل يده وفمه وينفي الدسومة والزهومة انتهى كلامه قلت قوله هذا محمول عند جميع الأمة على شربها بأن يستحب له إلخ مبني على غفلته عن مذاهب الأمة قال ابن قدامة وفي شرب لبن الإبل روايتان إحداهما ينقض الوضوء لما روى أسيد بن حضير الثانية لا وضوء فيه لأن الحديث إنما ورد في اللحم وقولهم فيه حديثان صحيحان يدل على أن لا صحيح فيه سواهما والحكم ههنا غير معقول فيجب الاقتصار على مورد النص انتهى كلام ابن قدامة على أن استجاب المضمضة من شرب لبن الإبل ليس لحديث أسيد وعبد الله بن عمرو بل لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال إن له دسما قال الحافظ في الفتح فيه بيان لعلة المضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شئ دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف انتهى وأما حديث أسيد بن حضير وحديث عبد الله بن عمرو فضعيفان لا يصلحا للاحتجاج قال صاحب الشرح الكبير المسمى بالشافي شرح المقنع حديث أسيد بن حضير في طريقه الحجاج بن أرطاة قال الامام أحمد والدارقطني لا يحتج به وحديث عبد الله بن عمرو رواه ابن ماجه من رواية
[ 225 ]
عطاء بن السائب وقد قيل عطاء اختلط في اخر عمره قال أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشئ انتهى قلت روى هذا الحديث عن عطاء بن السائب خالد بن يزيد بن عمر الفزاري وهو ممن رووا عنه بعد اختلاطه قال الحافظ في مقدمة الفتح يحصل لي من مجموع كلام الأئمة أن رواية شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف لأنه بعد اختلاطه إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم فيه انتهى قلت وأيضا في سند حديث عبد الله بن عمرو بقية المدلس وهو رواه عن خالد بن يزيد بالعنعنة فقول صاحب بذل المجهود كذلك يستحب له إذا أكل لحم الجزور أن يغسل يده وفمه إلخ ليس مما يصغي إليه تنبيه اخر قال صاحب بذل المجهود ولما كان لحوم الإبل داخلة فيما مست النار وكان فردا من أفراده ونسخ وجوب الوضوء عنه بجميع أفرادها يعني بحديث جابر أنه قال كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار استلزم نسخ الوجوب عن هذا الفرد أيضا انتهى قلت من قال بانتقاض الوضوء من أكل لحوم الإبل قال الموجب للوضوء إنما هو أكل لحوم الإبل من جهة كونها لحوم الإبل لا من جهة كونها مما مست النار ولذلك يقولون بوجوب الوضوء من أكل لحم الإبل مطلقا مطبوخا كان أو نيئا أو قديدا فنسخ وجوب الوضوء مما مست النار بحديث جابر المذكور لا يستلزم نسخ وجوب الوضوء من أكل لحوم الإبل فإن لحوم الابل من جهة كونها لحوم الإبل ليست فردا من أفراد مما مست النار البتة وقد أوضحه ابن قدامة كما عرفت قال الحافظ ابن القيم وأما من يجعل لحوم الإبل هو الموجب للوضوء سواء مسته النار أو لم تمسه فيوجب الوضوء من نيئة ومطبوخه وقد يده فكيف يحتج عليه بهذا الحديث انتهى فقول صاحب بذل المجهود ولما كان لحوم الإبل داخلة فيما مست النار وكان فردا من أفراده إلخ مبني على عدم تدبره قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة وأسيد بن حضير) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم في صحيحه عنه بلفظ أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ قال أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم فتوضأ من لحوم الابل الحديث
[ 226 ]
وأما حديث أسيد بن حضير فأخرجه ابن ماجه عنه مرفوعا بلفظ لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا من ألبان الإبل وفي الباب أيضا عن ذي الغرة أخرجه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه وعن عبد الله بن عمرو أخرجه ابن ماجه قوله (وقد روى الحجاج بن أرطاة عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أسيد بن حضير) فخالف الحجاج بن أرطاة الأعمش فإنه قال عن البراء بن عازب وقال الحجاج عن أسيد بن حضير وحديث الحجاج بن أرطاة أخرجه ابن ماجه (والصحيح حديث عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن البراء بن عازب) فإن الأعمش الراوي عن عبد الله بن عبد الله أوثق وأحفظ من الحجاج قال الحافظ في التلخيص قال ابن خزيمة في صحيحه لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر أي حديث البراء صحيح من جهة النقل العدالة ناقليه وذكر الترمذي الخلاف فيه علي ابن أبي ليلى هل هو عن البراء أو عن ذي الغرة أو عن أسيد بن حضير وصحح أنه عن البراء وكذا ذكره ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه انتهى (وروى عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة ابن المعتب بكسر المثناة الثقيلة بعدها موحدة (الضبي) أبو عبد الرحيم الكوفي الضرير ضعيف واختلط بآخره ما له في البخاري سوى موضع واحد في الأضاحي كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال ابن عدى مع ضعفه يكتب حديثه علق له البخاري فرد حديث (عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة) أخرج حديث عبيدة هذا عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ومداره على عبيدة الضبي وهو ضعيف كما عرفت (وروى حماد بن سلمة هذا الحديث عن الحجاج بن أرطاة فأخطأ فيه) وخطؤه في مقامين
[ 227 ]
(وقال عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه) هذا هو خطؤه الأول والصحيح عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى (عن أسيد بن حضير) هذا هو خطؤه الثاني والصحيح عن البراء بن عازب (قال إسحاق أصح ما في هذا الباب) أي في باب الوضوء من لحوم الإبل (حديثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء) أي الذي أخرجه الترمذي في هذا الباب وأخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه وابن حبان وابن الجارود وابن خزيمة (وجابر بن سمرة) أخرجه مسلم وتقدم لفظه باب الوضوء من مس الذكر قوله 82 - قوله (عن بسرة بنت صفوان) بضم الموحدة وسكون السين صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى ولاية معاوية قوله (ومن مس ذكره فلا يصلي حتى يتوضأ) فيه دليل على أن مس الذكر ينقض الوضوء والمراد مسه من غير حائل لما أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه ليس دونها حجاب ولا ستر فقد وجب عليه الوضوء وصححه الحاكم وابن عبد البر وقال ابن السكن هو أجود ما روي في هذا الباب
[ 228 ]
قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وأبي أيوب وأبي هريرة وأروى ابنة أنيس وعائشة وجابر وزيد بن خالد وعبد الله بن عمرو) وأيضا في الباب عن سعد بن أبي وقاص وأم سلمة وابن عباس وابن عمر وطلق بن علي والنعمان بن بشير وأنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة فأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن ماجه والأثرم وصححه أحمد وأبو زرعة كذا في المنتقى وقال الخلال في العلل صحح أحمد حديث أم حبيبة وقال ابن السكن لا أعلم به علة كذا في التلخيص وأما حديث أبي أيوب فأخرجه ابن ماجه وأما حديث أبي هريرة فتقدم تخريجه وأما حديث أروى ابنة أنيس بضم الهمزة وفتح النون مصغرا فأخرجه البيهقي قال الحافظ في التلخيص وسأل الترمذي البخاري عنه فقال ما تصنع بهذا لا تشتغل به وأما حديث عائشة فأخرجه الدارقطني وضعفه قال الحافظ وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه والأثرم وقال ابن عبد البر إسناده صالح وقال الضياء لا أعلم بإسناده بأسا وقال الشافعي سمعت جماعة من الحفاظ غير ابن نافع يرسلونه وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه أحمد والبزار وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد والبيهقي من طريق بقية حدثني محمد بن الوليد الزبيدي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أيما رجل مس فرجه فليتوضأ وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ قال الترمذي في العلل عن البخاري هو عندي صحيح وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه الحاكم وأما حديث أم سلمة فذكره الحاكم وأما حديث ابن عباس فأخرجه البيهقي وفي إسناده الضحاك بن حمزة وهو منكر الحديث وأما حديث ابن عمرو فأخرجه الدارقطني والبيهقي وأما حديث على بن طلق فأخرجه الطبراني وصححه وأما حديث النعمان بن بشير فذكره ابن منده وكذا حديث أنس وأبي بن كعب ومعاوية بن حيدة وقبيصة كذا في التلخيص ص 46
[ 229 ]
قوله (هذا) أي حديث بسرة (حديث حسن صحيح) وأخرجه الخمسة كذا في المنتقى وقال في النيل وأخرجه أيضا مالك والشافعي وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وقال أبو داود قلت لأحمد حديث بسرة ليس بصحيح قال بل هو صحيح وقال الدارقطني صحيح ثابت وصححه أيضا يحيى بن معين فيما حكاه ابن عبد البر وأبو حامد بن الشرقي والبيهقي والحازمي قاله الحافظ قلت وكل ما طعنوا به في صحة حديث بسرة هذا فهو مدفوع والحق أنه صحيح قوله (وهكذا روى غير واحد مثل هذا عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة إلخ) حاصله أن غير واحد من أصحاب هشام رووا هذا الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه عن بسرة بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة وهكذا روى أبو الزناد عن عروة عن بسرة ورواه غير واحد من أصحاب هشام عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة بذكر واسطة مروان بن عروة وبسرة وليست رواية من روى بلا ذكر واسطة بين عروة وبسرة بمنقطعة قال الحافظ في التلخيص وقد جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة بأن عروة سمعه من بسرة وفي صحيح ابن خزيمة وابن حبان قال عروة فذهبت إلى بسرة فسألتها فصدقته واستدل على ذلك برواية جماعة من الأئمة له عن هشام بن عروة عن أبيه عن مروان عن بسرة قال عروة ثم لقيت بسرة فصدقته انتهى قوله (وهو قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين وبه يقول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار ص 40 وممن روى عنه الإيجاب يعني
[ 230 ]
إيجاب الوضوء من مس الذكر من الصحابة عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري وزيد بن خالد وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وجابر وعائشة وأم حبيبة وبسرة بنت صفوان وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وابن عباس في إحدى الروايتين رضوان الله عليهم أجمعين ومن التابعين عروة ابن الزبير وسليمان بن يسار وعطاء بن أبي رباح وأبان بن عثمان وجابر بن زيد والزهري ومصعب بن سعد ويحيى بن أبي كثير عن رجال من الأنصار وسعيد بن المسيب في أصح الروايتين وهشام بن عروة والأوزاعي وأكثر أهل الشام والشافعي وأحمد وإسحاق والمشهور من قول مالك أنه كان يوجب منه الوضوء انتهى قوله (قال أبو زرعة حديث أم حبيبة في هذا الباب أصح) تقدم تخريج حديث أم حبيبة (وقال محمد) يعني البخاري (لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان) وكذا قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي أنه لم يسمع منه وخالفهم دحيم وهو أعرف بحديث الشاميين فأثبت سماع مكحول من عنبسة قاله الحافظ باب ترك الوضوء من مس الذكر قوله (نا ملازم بن عمرو) بن عبد الله بن بدر السحيمى بالمهملتين مصغرا أبو عمرو اليمامي وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما (عن عبد الله بن بدر) السحيمي اليمامي روى عن ابن
[ 231 ]
عباس وطلق بن علي وعنه سبطه ملازم بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه ابن معين وأبو زرعة (عن قيس بن طلق بن علي الحنفي) اليمامي وثقه العجلي وابن معين وابن حبان والحنفي بفتح الحاء والنون منسوب إلى حنفية قبيلة من اليمامة (عن أبيه) أي طلق بن علي صحابي وفد قديما وبنى في المسجد كذا في الخلاصة وقال الطيبي إن طلقا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجد المدينة وذلك في السنة الأولى قوله (وهل هو إلا مضغة) بضم الميم وسكون الضاد وفتح الغين المعجمتين أي قطعة لحم أي ليس الذكر إلا قطعة لحم (منه) أي من الرجل (أو بضعة) بفتح الباء الموحدة وسكون الضاد المعجمة بمعنى المضغة وهما لفظان مترادفان معناهما القطعة من اللحم وأو للشك من الراوي وفي رواية أبي داود قال قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال يا بني الله ما ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يتوضأ فقال صلى الله عليه وسلم هل هو إلا مضغة منه أو بضعة منه قوله (وفي الباب عن أبي أمامة) أخرجه ابن ماجه وفي سنده جعفر بن الزبير وهو متروك والقاسم وهو ضعيف قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف قال البخاري والنسائي والدارقطني في جعفر ابن الزبير متروك والقاسم أيضا ضعيف وفي الباب أيضا عن عصمة بن مالك قال الحافظ الزيلعي هو حديث ضعيف أيضا قوله (وقد روى عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين أنهم لم يروا الوضوء من مس الذكر وهو قول أهل الكوفة وابن المبارك) قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص 40 قد اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهب بعضهم إلى حديث طلق بن علي ورأوا ترك الوضوء من مس الذكر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان وعمران بن حصين وأبي الدراداء وسعد بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وسعيد بن المسيب في إحدى الروايتين وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي
[ 232 ]
وربيعة بن عبد الرحمن وسفيان بن زائدة الثوري وأبي حنيفة وأصحابه ويحيى بن معين وأهل الكوفة انتهى واستدل هؤلاء بحديث طلق بن علي المذكور هذا الباب وأجاب ابن الهمام عن حديث بسرة بنت صفوان المذكور في الباب المتقدم بأن حديث طلق بن علي يترجح عليه بأن حديث الرجال أقوى لأنهم أحفظ للعلم وأضبط ولهذا جعلت شهادة امرأتين بمنزلة رجل وفيه أن بسرة بنت صفوان لم تنفرد بحديث إيجاب الوضوء من مس الذكر بل رواه عدة رجال من الصحابة منهم أبو هريرة وحديثه صحيح كما عرفت ومنهم عبد الله بن عمرو وحديثه أيضا صحيح كما عرفت ومنهم جابر وإسناد حديثه صالح كما عرفت ومنهم زيد بن خالد وسعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن عمرو وغيرهم وتقدم تخريج أحاديثهم وأجاب بعضهم بأن حديث طلق أثبت من حديث بسرة وقد أسند الطحاوي إلى ابن المديني أنه قال حديث ملازم بن عمرو أحسن من حديث بسرة وعن عمرو بن علي الفلاس أنه قال حديث طلق عندنا أثبت من حديث بسرة وفيه أن الظاهر أن حديث بسرة هو الأثبت والأقوى والأرجح قال البيهقي يكفي في ترجيح حديث بسرة على حديث طلق أن حديث طلق لم يخرجه الشيخان ولم يحتجا بأحد رواته وحديث بسرة قد احتجا بجميع رواته كذا في التلخيص قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام حديث بسرة أرجح لكثرة من صححه ولكثرة شواهده وقد اعترف بذلك بعض العلماء الحنفية حيث قال في تعليقه على موطأ الإمام محمد الإنصاف في هذا البحث أنه إن اختير طريق الترجيح ففي أحاديث النقض كثرة وقوة انتهى وقال في حاشيته على شرح الوقاية إن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة انتهى وأجاب بعضهم بأن حديث بسرة منسوخ بحديث طلق وفيه أن هذا دعوى من غير دليل بل الدليل يقتضي خلافه كما ستعرف عن قريب وأجاب بعضهم بأن المراد بالوضوء في حديث بسرة الوضوء اللغوي أو غسل اليد وفيه أن الواجب أن تحمل الألفاظ الشرعية على معانيها الشرعية على أنه قد وقع في حديث ابن عمر عند الدارقطني فليتوضأ وضوءه للصلاة
[ 233 ]
وقال بعضهم إن حديث بسرة وحديث طلق تعارضا فتساقطا والأصل عدم النقض وفيه أن حديث بسرة هو أثبت وأقوى وأرجح من حديث طلق كما عرفت فيقدم عليه ثم الظاهر أن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم فيجعل المتأخر ناسخا والمتقدم منسوخا كما ستعرف عن قريب واحتج من قال بنقض الوضوء من مس الذكر بحديث بسرة المذكور في الباب المتقدم وله شواهد كثيرة كما عرفت وأجابوا عن حديث طلق أو بأنه ضعيف وثانيا بأنه منسوخ قال الحازمي في كتاب الاعتبار قالوا أما حديث طلق فلا يقاوم هذا الحديث يعني حديث بسرة لأسباب منها نكارة سنده وركاكة روايته قال الشافعي في القديم وزعم يعني من خالفه أن قاضي اليمامة ومحمد بن جابر ذكرا عن قيس بن طلق عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن لا وضوء منه قال الشافعي قد سألنا عن قيس فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا فيه قبول خبره وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته وأشار الشافعي إلى حديث أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ومحمد بن جابر السحيمي عن قيس بن طلق وقد مر حديثهما وأيوب بن عتبة ومحمد بن جابر ضعيفان عند أهل العلم بالحديث وقد روى حديث طلق أيضا ملازم بن عمرو عن عبد الله بن بدر عن قيس إلا أن صاحبي الصحيح لم يحتجا بشئ من روايتهما ورواه أيضا عكرمة بن عمارة عن قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرس وعكرمة أقوى من رواه عن قيس إلا أنه رواه منقطعا قالوا وقد روينا عن يحيى بن معين أنه قال لقد أكثر الناس في قيس بن طلق وأنه لا يحتج بحديثه روينا عن أبي حاتم أنه قال سألت أبي زرعة عن هذا الحديث فقالا قيس بن طلق ليس ممن تقوم به حجة ووهناه ولم يثبتاه قالوا وحديث قيس بن طلق كما لم يخرجه صاحبا الصحيح لم يحتجا أيضا بشئ من رواياته ولا بروايات أكثر رواة حديثه في غير هذا الحديث
[ 234 ]
وحديث بسرة وإن لم يخرجاه لاختلاف وقع في سماع عروة من بسرة أو هو عن مروان عن بسرة فقد احتجا بسائر رواة حديثها مروان فمن دونه قالوا فهذا وجه رجحان حديثها على حديث قيس من طريق الإسناد كما أشار إليه الشافعي لأن الرجحان إنما يقع بوجود شرائط الصحة والعدالة في حق هؤلاء الرواة دون من خالفهم انتهى كلام الحازمي قلت الراجح المعول عليه هو أن حديث بسرة وحديث طلق كلاهما صحيحان لكن حديثها أصح وأثبت وأرجح من حديثه كما عرفت فيما تقدم وأما القول بأن حديث طلق منسوخ فاستدلوا عليه بأن حديث طلق متقدم وحديث بسرة متأخر قال الحازمي في كتاب الاعتبار ص 54 و 64 الدليل على ذلك يعني النسخ من جهة التاريخ أن حديث طلق كان في أول الهجرة زمن كان النبي صلى الله عليه وسلم يبني المسجد وحديث بسرة وأبي هريرة وعبد الله بن عمرو كان بعد ذلك لتأخرهم في الاسلام ثم روى الحازمي بإسناده عن طلق بن علي قال قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهم يبنون المسجد فقال يا يمامي أنت أرفق بتخليط الطين ولدغتني عقرب فرقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا روى من هذا الوجه مختصرا وقد روى من وجه أخر أتم من هذا وفيه ذكر الرخصة في مس الذكر قالوا إذا ثبت أن حديث طلق متقدم وأحاديث المنع متأخرة وجب المصير إليها وصح ادعاء النسخ في ذلك ثم نظرنا هل نجد أمرا يؤكد ما صرنا إليه فوجدنا طلقا روى حديثا في المنع فدلنا ذلك على صحة النقل في إثبات النسخ وأن طلقا قد شاهد الحالتين وروى الناسخ والمنسوخ ثم ذكر الحازمي بإسناده عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مس فرجه فليتوضأ قال الطبراني لم يرو هذا الحديث عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد وهما عندي صحيحان يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة وأم حبيبة وأبي هريرة وزيد بن خالد الجهني وغيرهم ممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالوضوء من مس الذكر فسمع الناسخ والمنسوخ ثم روى الحازمي بإسناده عن إسمعيل سعيد الكسائي الفقيه أنه قال المذهب في ذلك
[ 235 ]
عند من يرى الوضوء من ذلك يقولون قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء من مس الذكر من وجوه شتى فلا يرد ذلك بحديث ملازم بن عمرو وأيوب بن عتبة ولو كانت روايتهما مثبة لكان في ذلك مقال لكثرة من روى بخلاف روايتهما ومع ذلك الاحتياط في ذلك أبلغ ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناده صحيح أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه أفلا ترون أن الذكر لا يشبه سائر الجسد ولو كان ذلك بمنزلة الإبهام والأنف والأذن وما هو منا كان لا بأس علينا أن نمسه بأيماننا وكيف يشبه الذكر بما وصفوه من الإبهام وغيره ذلك ولو كان ذلك شرعا سواءا لكان سبيله في المس ما سميناه ولكن ههنا علة قد غابت عنا معرفتها ولعل ذلك أن تكون عقوبة لكي يترك الناس مس الذكر فنصير من ذلك إلى الاحتياط انتهى كلام الحازمي قال ابن حبان في صحيحه إن حديث طلق أوهم عالما من الناس أنه معارض لحديث بسرة وليس كذلك لأنه منسوخ فإن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أول سنة من سني الهجرة حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثم أخرجه بسنده إلى طلق بن علي قال وأبو هريرة إسلامه سنة سبع من الهجرة فكان خبر أبي هريرة بعد خبر طلق لسبع سنين وطلق بن علي رجع إلى بلده ثم أخرج عن طلق بن علي قال خرجنا وفدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة نفر خمسة من بني حنيفة ورجلا من بني ابن ربيعة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرنا أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره فقال اذهبوا بهذا الماء فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم ثم انضحوا مكانها من هذا الماء واتخذوا مكانها مسجدا وفيه حتى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا قال ابن حبان فهذا بيان واضح أن طلق بن علي رجع إلى بلده بعد قدومه ثم لا يعلم له رجوع إلى المدينة بعد ذلك فمن ادعى ذلك فليثبته بسنة مصرحة ولا سبيل له إلى ذلك انتهى كلام ابن حبان قال بعض العلماء الحنفية في شرحه لشرح الوقاية المسمى بالسعاية بعد ذكر كلام الحازمي المذكور ما لفظه هذا تحقيق حقيق بالقبول فإنه بعد إدارة النظر من الجانبين يتحقق أن أحاديث النقض أكثر وأقوى من أحاديث الرخصة وأن أحاديث الرخصة متقدمة وهو وإن لم يكن متيقنا لجواز أن يكون حديث أبي هريرة وغيره من مراسيل الصحابة لكنه هو الظاهر فالأخذ بالنقض أحوط وهو وإن كان مما يخالفه القياس من كل وجه لكن لا مجال بعد ورود الحديث وأما كون أجل الصحابة كابن مسعود وابن عباس وعلي ونحوهم قائلين بالرخصة فلا يقدح بعد ثبوت الآثار المرفوعة والعذر من قبلهم أنه قد بلغهم حديث طلق وأمثاله ولم يبلغهم ما ينسخه
[ 236 ]
ولو وصل لقالوا به وهذا ليس بمستبعد فقد ثبت انتساخ التطبيق في الركوع عند جمع ولم يبلغ ابن مسعود وحتى دام على ذلك مع كونه ملازما للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه قلت الأمر عندي كما قال صاحب السعاية والله تعالى أعلم قوله (وهذا الحديث أحسن شئ روى في هذا الباب) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان والطبراني وابن حزم وقال ابن المديني هو أحسن من حديث بسرة وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي وادعى فيه النسخ ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون كذا في التلخيص قلت تقدم كلام الحازمي وابن حبان قوله (وقد تكلم بعض أهل الحديث في محمد بن جابر وأيوب بن عتبة) قال الخزرجي في الخلاصة في ترجمة محمد بن جابر ضعفه ابن معين وقال الفلاس صدوق متروك الحديث وقال الحافظ في التقريب صدوق ذهبت كتبه فساء حفظه وخلط كثيرا وعمى فصار يلقن ورجحه أبو حاتم على ابن لهيعة انتهى وقال الحافظ في ترجمة أيوب بن عتبة ضعيف وقال الذهبي في الميزان في ترجمته ضعفه أحمد وقال مرة ثقة لا يقيم حديث يحيى وقال ابن معين ليس بالقوى وقال البخاري هو عندهم لين وقال أبو حاتم أما كتبه فصحيحة ولكن يحدث من حفظه فيغلط وقال ابن عدى مع ضعفه يكتب حديثه وقال النسائي مضطرب الحديث انتهى ورواية محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه أخرجها أبو داود وابن ماجه
[ 237 ]
باب ترك الوضوء من القبلة 86 - قوله (عن عروة) قال الحافظ الزيلعي لم ينسب الترمذي عروة في هذا الحديث أصلا وأما ابن ماجه فإنه نسبه فقال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير عن عائشة فذكره وكذلك رواه الدارقطني ورجال هذا السند كلهم ثقات انتهى وكذلك قال الحافظ ابن حجر وقال وأيضا فالسؤال الذي في رواية أبي داود ظاهر في أنه ابن الزبير لأن المزني لا يجسر أن يقول ذلك الكلام لعائشة انتهى كلام الحافظ وأراد بالسؤال الذي في رواية أبي داود قوله من هي إلا أنت وهذا السؤال موجود في رواية الترمذي أيضا قوله (قبل بعض نسائه) أي بعض أزواجه (ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) أي فصلى بالوضوء السابق ولم يتوضأ وضوءا جديدا من التقبيل وفيه دليل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء قوله (قد روى نحو هذا عن غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة قالوا ليس في القبلة وضوء) وإليه ذهب علي وابن عباس وعطاء وطاوس وأبو حنيفة واستدل لهم بحديث عائشة المذكور في الباب وهو حديث ضعيف لكنه مروي من طرق يقوي بعضها بعضا وبحديث أبي سلمة عن عائشة قالت كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتها والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح أخرجه البخاري ومسلم وفي لفظ فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممتها إلي ثم سجد وبحديثها قالت إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي وأني لمعترضة بين يديه اعتراض
[ 238 ]
الجنازة حتى إذا أراد أن يوتر مسني برجله أخرجه النسائي قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح وقال الزيلعي إسناده على شرط الصحيح وبحديثها قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوضعت يدي على باطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان الحديث أخرجه مسلم والترمذي (وقال مالك بن أنس والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق في القبلة وضوء وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين) وإلى ذلك ذهب ابن مسعود وابن عمر والزهري واستدل هؤلاء بقوله تعالى أو لامستم النساء قالوا هذه الآية صرحت بأن اللمس من جملة الأحداث الموجبة للوضوء وهو حقيقة في لمس اليد ويؤيد بقاؤه على معناه الحقيقي قراءة أو لمستم فإنها ظاهرة في مجرد اللمس من دون جماع روى البيهقي عن أبي عبيدة وطارق بن شهاب عن عبد الله قال قوله أو لامستم النساء قول معناه ما دون الجماع قال البيهقي هذا إسناد موصول صحيح وروى مالك في الموطأ عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول قبله الرجل أمرأته وجسها بيده من الملامسة فمن قبل أمرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء وقد أجيب عن هذا بأنه لا كلام في أن حقيقة الملامسة واللمس هو الجس باليد لكن المراد في الآية المجاز وهو الجماع لوجود القرينة وهي أحاديث عائشة المذكورة التي استدل بها القائلون بأن القبلة ليس فيها وضوء وقد صرح ابن عباس رضي الله عنهما الذي علمه الله تأويل كتابه واستجاب فيه دعوة رسوله بأن اللمس المذكور في الآية هو الجماع وقد تقرر أن تفسيره أرجح من تفسير غيره لتلك المزية وكذلك صرح على رضي الله عنه أيضا قال الحافظ عماد الدين في تفسيره اختلف المفسرون والأئمة في معنى ذلك على قولين أحدهما أن ذلك كناية عن الجماع لقوله تعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة الآية وقال تعالى يا أيها الذين امنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى أو لامستم النساء قال الجماع وروي عن علي وأبي بن كعب ومجاهد وطاوس والحسن وعبيد بن عمير وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة ومقاتل بن حيان نحو ذلك وقال ابن جرير حدثني حميد بن مسعدة ثنا يزيد بن زريع ثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال ذكروا اللمس فقال ناس من الموالي ليس بالجماع وقال ناس من العرب اللمس الجماع قال فلقيت ابن عباس فقلت له إن ناسا من الموالي والعرب
[ 239 ]
اختلفوا في اللمس فقالت الموالي ليس بالجماع وقالت العرب الجماع قال فمن أي الفريقين كنت قلت كنت من الموالي قال غلب فريق الموالي إن اللمس والمس والمباشرة الجماع ولكن الله يكني ما شاء بما شاء إلى أن قال وقد صح من غير وجه عن عبد الله بن عباس أنه قال ذلك ثم قال ابن جرير وقال آخرون عنى الله تعالى بذلك كل من لمس بيد أو بغيرها من أعضاء الانسان وأوجب الوضوء على كل من مس بشئ من جسده شيئا من جسدها ثم أورد أثر عبد الله بن مسعود وابن عمر وأقوال جماعة من التابعين في أن القبلة من المس وفيها الوضوء ثم قال والقول بوجوب الوضوء من المس هو قول الشافعي وأصحابه ومالك والمشهور عن أحمد بن حنبل ثم قال ابن جرير وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال عنى الله بقوله أو لامستم النساء الجماع دون غيره عن معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ انتهى قلت قول من قال إن مس المرأة لا ينقض الوضوء هو الأقوى والأرجح عندي والله تعالى أعلم قوله (وإنما ترك أصحابنا حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا لأنه لا يصح عندهم لحال الإسناد) فهو ضعيف لكن قال الشوكاني في النيل الضعيف منجبر بكثرة رواياته وبحديث لمس عائشة لبطن قدم النبي صلى الله عليه وسلم والاعتذار عن حديث عائشة في لمسها لقدمه صلى الله عليه وسلم بما ذكره ابن حجر في الفتح من أن اللمس يحتمل أنه كان بحائل أو على أن ذلك خاص به تكلف ومخالفة للظاهر انتهى كلامه والمراد من قوله أصحابنا أهل الحديث قال الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي ما لفظه وجزاين نيست له ترك كردند أصحاب ما أهل حديث حديث عائشة إلخ وقال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي قوله وإنما ترك أصحابنا أي من أهل الحديث أو من الشافعية كذا قال بعض العلماء لكن الظاهر هو الأول انتهى قلت بل هو المتعين وقد تقدم ما يتعلق بقوله أصحابنا في المقدمة (قال وسمعت أبا بكر العطار البصري) اسمه أحمد بن محمد بن إبراهيم صدوق من الحادية عشرة كذا في التقريب (وقال هو شبه لا شئ) يعني أنه ضعيف والحديث أخرجه أبو
[ 240 ]
داود وابن ماجه (وقال حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة) قال ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل ذكر أبي عن إسحق بن منصور عن يحيى بن معين قال لم يسمع حبيب بن أبي ثابت من عروة وكذلك قال أحمد لم يسمع من عروة انتهى (وقد روى عن إبراهيم التيمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) أخرجه أبو داود والنسائي (وهذا لا يصح أيضا ولا يعرف لإبراهيم التيمي سماعا من عائشة) قال الدارقطني في سننه بعد رواية حديث إبراهيم التيمي عن عائشة وإبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة ولا من حفصة ولا أدرك زمانهما وقد روى هذا الحديث معاوية بن هشام عن الثوري عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن عائشة فوصل إسناده واختلف عنه في لفظه فقال عثمان بن أبي شيبة عنه بهذا الإسناد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم وقال عنه غير عثمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل ولا يتوضأ والله أعلم انتهى (وليس يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شئ) أي في باب ترك الوضوء من القبلة لكن حديث الباب مروي من طرق كثيرة فالضعف منجبر بكثرة الطرق ويؤيده أحاديث عائشة الأخرى كما قد عرفت واعلم أن القائلين بانتقاض الوضوء من القبلة ولمس المرأة اختلفوا في اشتراط وجود اللذة وعدمه قال الزرقاني في شرح الموطأ لم يشترط الشافعي وجود اللذة لظاهر قول ابن عمر وابن مسعود وعمر والآية وللاجماع على وجوب الغسل على المستكرهة والنائمة بالتقاء الختانين وإن لم تقع لذة واشترط مالك اللذة أو وجودها عند اللمس وهو أصح لأنه لم يأت في الملامسة إلا قولان الجماع وما دونه ومن قال بالثاني إنما أراد ما دونه مما ليس بجماع ولم يرد اللطمة ولا قبلة الرجل ابنته ولا اللمس بلا شهوة فلم يبق إلا ما وقعت به اللذة إذ لا خلاف أن من لطم أمرأته أو داوى جرحها لا وضوء عليه فكذلك من لمس ولم يلتذ كذا قال ابن عبد البر وفيه نظر فذهب الشافعي أن مس المرأة بلطمها أو مداوة جرحها ناقض للوضوء فإن أراد نفي الخلاف في مذهبه لم يتم الدليل لأنه من جملة محمل النزاع انتهى كلام الزرقاني
[ 241 ]
باب الوضوء من القئ والرعاف بضم الراء الدم الذي يخرج من الأنف وأيضا الدم بعينه كذا في القاموس 87 - قوله (حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر) اسمه أحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي السفر بفتح السين والفاء سعيد بن يحمد الكوفي روى عن عبد الله بن نمير وأبي أسامة وعبد الصمد بن عبد الوارث وغيرهم وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال أبو حاتم شيخ مات سنة 852 ثمان وخمسين ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم (وإسحق بن منصور) بن بهرام الكوسج أبو يعقوب التميمي المروزي ثقة ثبت من الحادية عشرة كذا في التقريب وقال في الخلاصة هو أحد الأئمة المتمسكين بالسنة صاحب مسائل الإمامين أحمد وإسحاق رحال جوال واسع العلم عن ابن عيينة والنضر بن شميل وخلق وعنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وقال ثقة ثبت مات سنة 152 إحدى وخمسين ومائتين (قال أبو عبيدة ثنا وقال إسحاق أنا عبد الصمد بن عبد الوارث) يعني قال أبو عبيدة في روايته ثنا عبد الصمد بلفظ التحديث وقال إسحاق في روايته أنا عبد الصمد بلفظ الإخبار وعبد الصمد بن عبد الوارث هذا هو ابن سعيد العنبري التنوري أبو سهل البصري الحافظ صدوق ثبت في شعبة من التاسعة مات سنة 702 سبع ومائتين (قال حدثني أبي) هو عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري قال النسائي ثقة ثبت وقال الحافظ الذهبي أجمع المسلمون على الاحتجاج به قال ابن سعد توفي سنة 081 سنة ثمانين ومائة (عن حسين المعلم) هو الحسين بن ذكوان المعلم الكتب العوذي البصري ثقة ربما وهم قاله الحافظ (عن يعيش بن الوليد المخزومي) الأموي المعيطي روى عن أبيه ومعاوية وعنه يحيى بن أبي كثير والأوزاعي وثقه النسائي (عن أبيه) هو الوليد بن هشام بن معاوية بن هشام بن عقبة بن أبي معيط بالتصغير الأموي أبو يعيش المعيطي ثقة من السادسة
[ 242 ]
(عن معدان بن أبي طلحة) ويقال ابن طلحة اليعمري شامي ثقة قاله الحافظ قوله (قاء فتوضأ) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي الفاء تدل على أن الوضوء كان مرتبا على القئ وبسببه وهو المطلوب فتكون هي للسببية فيندفع به ما أجاب به القائلون بعدم النقض من أنه لا دلالة في الحديث على أن القئ ناقض للوضوء لجواز أن يكون الوضوء بعد القئ على وجه الاستحباب أو على وجه الاتفاق انتهى قلت قوله قاء فتوضأ ليس نصا صريحا في أن القئ ناقض للوضوء لاحتمال أن تكون الفاء للتعقيب من دون أن تكون للسببية قال الطحاوي في ح الاثار وليس في هذين الحديثين يعني في حديث أبي الدرداء وثوبان بلفظ قاء فأفطر دلالة على أن القئ كان مفطرا له إنما فيه قاء فأفطر بعد ذلك انتهى (فلقيت ثوبان) قائله معدان بن أبي طلحة (فذكرت ذلك له) أي فذكرت لثوبان أن أبا الدرداء حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ (فقال) أي ثوبان (صدق) أي أبو الدرداء (أنا صببت له) صلى الله عليه وسلم (وضوأه) بفتح الواو أي ماء وضوئه (وقال إسحاق بن منصور معدان بن طلحة) بحذف لفظ أبي (وابن أبي طلحة أصح) بزياده لفظ أبي كما في رواية أبي عبيدة قوله (وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم من التابعين الوضوء من القئ والرعاف وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول الزهري وعلقمة والأسود وعامر الشعبي وعروة بن الزبير والنخعي وقتادة والحكم بن عيينة وحماد والثوري والحسن بن صالح بن حي وعبيد الله بن الحسين والأوزاعي كذا ذكره ابن عبد البر واستدل لهم بحديث الباب
[ 243 ]
قلت الاستدلال بحديث الباب موقوف على أمرين الأول أن تكون الفاء في فتوضأ للسببية وهو ممنوع كما عرفت والثاني أن يكون لفظ فتوضأ بعد لفظ قاء محفوظا وهو محل تأمل فإنه روى أبو داود هذا الحديث بلفظ قاء فأفطر وبهذا اللفظ ذكر الترمذي في كتاب الصيام حيث قال وروى عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال وإنما معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائما فقاء فضعف فأفطر لذلك هكذا روى في بعض الحديث مفسرا انتهى وأورده الشيخ ولي الدين محمد بن عبد الله في المشكاة بلفظ قاء فأفطر وقال رواه أبو داود والترمذي والدارمي انتهى وأورده الحافظ في التلخيص بهذا اللفظ حيث قال حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر أحمد وأصحاب السنن الثلاثة وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم من حديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق إلخ ورواه الطحاوي بهذا اللفظ في شرح الاثار فمن يروم الاستدلال بحديث الباب على أن القئ ناقض للوضوء لا بد له من أن يثبت أن لفظ توضأ بعد لفظ قاء محفوظ فما لم يثبت هذان الأمران لا يتم الاستدلال واستدل لهم أيضا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصابه قئ أو رعاف أو قلس أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم أخرجه ابن ماجه قلت هذا حديث ضعيف فإنه من رواية إسمعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة ثم الصواب أنه مرسل واستدل لهم أيضا بأحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية والحافظ في الدراية وكلها ضعيفة لا يصلح واحد منها للاستدلال من شاء الوقوف عليها وعلى ما فيها من الكلام فليرجع إلى هذين الكتابين قال النووي في الخلاصة ليس في نقض الوضوء وعدم نقضه بالدم والقئ والضحك في الصلاة حديث صحيح انتهى كذا في نصب الراية ص 32 (وقال بعض أهل العلم ليس في القئ والرعاف وضوء وهو قول مالك والشافعي) فعند مالك لا يتوضأ من رعاف ولا قئ ولا قيح يسيل من الجسد ولا يجب الوضوء إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبر وقيل ومن
[ 244 ]
نوم وعليه جماعة أصحابه وكذلك الدم عنده يخرج من الدبر لا وضوء فيه لأنه يشترط الخروج المعتاد وقول الشافعي في الرعاف وسائر الدماء الخارجة كقوله إلا ما يخرج من المخرجين سواء كان دما أو حصاة أو دودا أو غير ذلك وممن كان لا يرى في الدماء الخارجة من غير المخرجين الوضوء طاوس ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن عبد الرحمن وأبو ثور كذا قال ابن عبد البر في الاستذكار وقال البخاري في صحيحه وقال الحسن ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم وقال طاوس ومحمد بن علي وعطاء وأهل الحجاز ليس في الدم وضوء انتهى قال الحافظ في الفتح قوله وأهل الحجاز هو من عطف العام على الخاص لأن الثلاثة المذكورين قيل حجازيون وقد رواه عبد الرزاق من طريق أبي هريرة وسعيد بن جبير وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر وسعيد بن المسيب وأخرجه إسمعيل القاضي من طريق أبي الزناد عن الفقهاء السبعة من أهل المدينة وهو قول مالك والشافعي قال وقد صح أن عمر صلى وجرحه ينبع انتهى كلام الحافظ قلت أثر عمر هذا رواه مالك في الموطأ وفيه فصلى عمر وجرحه يثعب دما قال الزرقاني بمثلثة ثم عين مفتوحة قال ابن الأثير أي يجري انتهى واحتج لمالك والشافعي ومن تبعهما بما في صحيح البخاري تعليقا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته انتهى أجاب عنه الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات بأنه إنما ينتهض حجة إذا ثبت اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل وقال الخطابي ولست أدري كيف يصح الاستدلال والدم إذا سال أصاب بدنه وربما أصاب ثيابه ومع إصابة شئ من ذلك لا تصح صلاة إلا أن يقال إن الدم كان يجري من الجرح على سبيل الدفق حتى لم يصب شيئا من ظاهر بدنه وإن كان كذلك فهو أمر عجب كذا ذكره الشمني انتهى كلام الشيخ قلت حديث جابر المذكور صحيح قال الحافظ في فتح الباري أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم انتهى والظاهر هو اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل فإن صلاته تلك كانت في حالة الحراسة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وذكر العلامة العيني حديث جابر هذا في شرح الهداية من رواية سنن أبي داود وصحيح ابن حبان والدارقطني والبيهقي قال وزاد فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا لهما قال ولم يأمره بالوضوء ولا بإعادة الصلاة انتهى فإن كان الأمر كما قال العيني فاطلاعه صلى الله عليه وسلم على صلاة ذلك الرجل ثابت وأما قول الخطابي ولست أدري كيف يصح الاستدلال إلخ فقال الحافظ ابن حجر بعد ذكره ويحتمل أن يكون الدم أصاب الثوب فقط فنزعه ولم يسل على جسمه إلا قدر يسير معفو عنه ثم الحجة قائمة به على كون
[ 245 ]
خروج الدم لا ينقض ولم يظهر الجواب عن كون الدم أصابه انتهى وأجاب هؤلاء عما تمسك به الأولون بأن حديث أبي الدرداء المذكور في الباب بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ليس بنص صريح في أن القئ ناقض للوضوء كما عرفت ثم هو مروي بهذا اللفظ وقد روي بلفظ قاء فأفطر قال الشوكاني في النيل الحديث عند أحمد وأصحاب السنن الثلاث وابن الجارود وابن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وابن منده والحاكم بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر قال معدان فلقيت ثوبان في مسجد دمشق الحديث وبأن حديث عائشة المذكور ضعيف لا يصلح للاحتجاج فإنه من رواية إسمعيل بن عياش عن ابن جريج وهو حجازي ورواية إسمعيل عن الحجازيين ضعيفة قوله (وحديث حسين أحسن شئ في هذا الباب) قال ابن منده إسناده صحيح متصل وتركه الشيخان في سنده قال الترمذي جوده حسين وكذا قال أحمد وفيه اختلاف كثير ذكره الطبراني وغيره كذا في النيل باب الوضوء بالنبيذ بفتح النون وكسر الباء ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا وأنبذته اتخذته نبيذا سواء كان مسكرا أم لا ويقال للخمر المعتصر من العنب نبيذ كما يقال للنبيذ خمر قاله ابن الأثير في النهاية 88 - قوله (نا شريك) هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي (عن أبي فزارة) اسمه راشد بن كيسان الكوفي ثقة من الخامسة (عن أبي زيد) مجهول ليس يدري من هو ولا يعرف أبوه ولا بلده
[ 246 ]
قوله (سألني النبي صلى الله عليه وسلم ما في إداوتك) بكسر الهمزة إناء صغير من جلد يتخذ للماء وفي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ليلة الجن ما في إداوتك (فقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (تمرة طيبة وماء طهور) بفتح الطاء أي النبيذ ليس إلا تمرة وهي طيبة وماء وهو طهور فليس فيه ما يمنع التوضؤ قوله (وإنما روي هذا الحديث عن أبي زيد عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو زيد رجل مجهول عند أهل الحديث) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال ابن حبان في كتاب الضعفاء أبو زيد شيخ يروي عن ابن مسعود ليس يدري من هو ولا أبوه ولا بلده ومن كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس استحق مجانبة ما رواه انتهى وقال ابن أبي حاتم في كتابه العلل سمعت أبا زرعة يقول حديث أبي فزارة بالنبيذ ليس بصحيح وأبو زيد مجهول وذكر ابن عدي عن البخاري قال أبو زيد الذي روى حديث ابن مسعود في الوضوء بالنبيذ مجهول لا يعرف بصحبة عبد الله ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو خلاف القرآن انتهى قال القاري في المرقاة قال السيد جمال أجمع المحدثون على أن هذا الحديث ضعيف انتهى وقال الحافظ في فتح الباري هذا الحديث أطبق علماء السلف على تضعيفه انتهى وقال الطحاوي في معاني الاثار إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة انتهى والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه قوله (وقد رأى بعض أهل العلم الوضوء بالنبيذ منهم سفيان وغيره) ومنهم أبو حنيفة
[ 247 ]
قال في شرح الوقاية فإن عدم الماء إلا نبيذ التمر قال أبو حنيفة بالوضوء به فقط وأبو يوسف بالتيمم فحسب ومحمد بهما انتهى واستدل لهم بحديث عبد الله بن مسعود المذكور في الباب وقد عرفت أنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج وروي أن الإمام أبا حنيفة رجع إلى قول أبي يوسف قال القاري في المرقاة وفي خزانة الأكمل قال التوضؤ بنبيذ التمر جائز من بين سائر الأشربة عند عدم الماء ويتيمم معه عند أبي حنيفة وبه أخذ محمد وفي رواية عنه يتوضأ ولا يتيمم وفي رواية يتيمم ولا يتوضأ وبه أخذ أبو يوسف وروى نوح الجامع أن أبا حنيفة رجع إلى هذا القول انتهى وقال العيني في شرح البخاري ص 849 ج 1 ما لفظه وفي أحكام القران لأبي بكر الرازي عن أبي حنيفة في ذلك ثلاث روايات إحداها يتوضأ به ويشترط فيه النية ولا يتيمم وهذه هي المشهورة وقال قاضيخان هو قوله الأول وبه قال زفر والثانية يتيمم ولا يتوضأ رواها عنه نوح بن أبي مريم وأسد بن عمر والحسن بن زياد قال قاضيخان وهو الصحيح عنه والذي رجع إليها وبها قال أبو يوسف وأكثر العلماء واختار الطحاوي هذا والثالثة روى عنه الجمع بينهما وهذا قول محمد انتهى (وقال بعض أهل العلم لا يتوضأ بالنبيذ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وبه قال أكثر العلماء وجمهورهم ودليلهم أن النبيذ ليس بماء وقال الله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وأجابوا عن حديث الباب بأنه ضعيف لا يصلح للاحتجاج وضعف الطحاوي أيضا حديث عبد الله بن مسعود واختار أنه لا يجوز بالنبيذ الوضوء في سفر ولا في حضر وقال إن حديث ابن مسعود روي من طرق لا تقوم بمثلها حجة وقد قال عبد الله ابن مسعود إني لم أكن ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم ووددت أني كنت معه وسئل أبو عبيدة هل كان أبوك ليلة الجن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا مع أن فيه انقطاعا لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ولم نعتبر فيه اتصالا ولا انقطاعا ولكنا احتججنا بكلام أبي عبيدة لأن مثله في تقدمه في العلم ومكانه من أمره لا يخفى عليه مثل هذا فجعلنا قوله حجة فيه (وقول
[ 248 ]
من قال لا يتوضأ بالنبيذ أقرب إلى الكتاب وأشبه لان الله تعالى قال (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) أي والنبيذ ليس بماء قال ابن العربي في العارضة والماء يكون في تصفيته ولونه وطعمه فإذا خرج عن إحداها لم يكن ماء وقال فلم يجعل بين الماء والتيمم واسطة وهذه زيادة على ما في كتاب الله عز وجل والزيادة عندهم على النص نسخ ونسخ القرآن عندهم لا يجوز إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر ولا ينسخ الخبر الواحد إذا صح فكيف إذا كان ضعيفا مطعونا فيه انتهى تنبيه قال صاحب العرف الشذي وأما قول إنه يلزم الزيادة على القاطع بخبر الواحد فالجواب أنه وإن كان الماء المنبذ مقيدا في بادئ الرأي إلا أن العرب يستعملون النبيذ موضع الماء المطلق فلم يكن على طريق التفكه بل يكون مثل الماء المخلوط بالثلج المستعمل في زماننا فإنه لا يقول أحد بأنه ماء مقيد انتهى قلت هذا الجواب واه جدا فإن النبيذ لو كان مثل الماء المخلوط بالثلج لم يقع الاختلاف في جواز التوضؤ به عند عدم الماء بل يجوز الوضوء به عند وجود الماء أيضا كما يجوز الوضوء بالماء المخلوط بالثلج عند وجود الماء الخالص بالاتفاق والعجب كل العجب أنه كيف تفوه بأن النبيذ مثل الماء المخلوط بالثلج ومعلوم أن الثلج نوع من أنواع من المياه الصرفة فالماء المخلوط به ماء صرف وأما النبيذ فليس بماء صرف بل هو ماء اختلط به أجزاء ما ألقي فيه من التمر وغيره وصار طعمه حلوا بحيث زال عنه اسم الماء ألا ترى أنه وقع في بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم سأل ابن مسعود هل معك ماء فقال لا مع أنه كان معه النبيذ قال الزيلعي في نصب الراية إنه عليه السلام قال هل معك ماء قال لا فدل على أن الماء استحال في التمر حتى سلب عنه اسم الماء وإلا لما صح نفيه عنه انتهى وأما قوله إن العرب يستعملون النبيذ موضع المطلق إلخ فلا يجدي نفعا فإن باستعمالهم شيئا غير الماء مكان الماء المطلق لا يكون ذلك الشئ عند الشرع ماء مطلقا وفي حكمه
[ 249 ]
واعلم أن هذا الإشكال الذي ذكره القاضي أبو بكر بن العربي عسير جدا على الحنفية لا يمكن منهم دفعه ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا وأما ما قيل من أن حديث النبيذ مشهور يزاد بمثله على الكتاب فهو مما لا يلتفت إليه فإن شراح الهداية قد بينوا أن هذا الحديث ليس مشهورا بالشهرة الاصطلاحية الذي تجوز به الزيادة نعم له شهرة عرفية ولغوية كما ذكره صاحب السعاية وقال الزيلعي في نصب الراية أما كونه مشهورا فليس يريد الاصطلاحي انتهى وأما قول صاحب بذل المجهود قال به جماعة من كبراء الصحابة منهم علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم فتبين أن الحديث ورد مورد الشهرة والاستفاضة حيث عمل به الصحابة وتلقوه بالقبول ومثله مما ينسخ به الكتاب فمبني على قلة اطلاعه فإنه لم يثبت بسند صحيح عن أحد من الصحابة التوضؤ بالنبيذ قال الحافظ في الدراية قوله والحديث مشهور عمل به الصحابة أما الشهرة فليست الاصطلاحية وإنما يريد شهرته بين الناس وأما عمل الصحابة فلم يثبت عن أحد منهم فقد أخرج الدارقطني ذلك من وجهين ضعيفين عن علي ومن وجه اخر أضعف منهما عن ابن عباس ومن طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعا إذا لم يجد أحدكم ماء ووجد النبيذ فليتوضأ به وأخرجه من وجه اخر نحوه وقال الصواب موقوف على عكرمة قال البيهقي رواه هقل والوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة من قوله وكذا قال شيبان وعلي بن المبارك عن يحيى انتهى باب المضمضة من اللبن 89 - قوله (عن عقيل) بضم العين مصغرا هو ابن خالد بن عقيل بالفتح الأيلي أبو خالد مولى عثمان روى عن القاسم وسالم والزهري وخلق وعنه أيوب بن أيوب والليث وثقه أحمد قال أبو حاتم أثبت من معمر مات سنة 141 إحدى وأربعين ومائة قوله (إن له دسما) منصوب على أنه اسم إن وقدم عليه خبره والدسم بفتحتين الشئ الذي يظهر على اللبن من الدهن وهو بيان لعلة المضمضة من اللبن فيدل على استحبابها من كل شئ دسم ويستنبط منه استحباب غسل اليدين للتنظيف قاله الحافظ وغيره
[ 250 ]
قوله (وفي الباب عن سهل بن سعد وأم سلمة) أخرج حديثهما ابن ماجه قال الحافظ في الفتح وإسناد كل منهما حسن قوله (وهذا حديث حسن صحيح) هذا أحد الأحاديث التي أخرجها الأئمة الخمسة وهم الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي عن شيخ واحد وهو قتيبة قاله الحافظ قوله (وهذا عندنا على الاستحباب) فإن قلت روى ابن ماجه هذا الحديث من طريق الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي فذكره بصيغة الأمر مضمضوا من اللبن الحديث ورواه ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله وأصل الأمر الوجوب قلت نعم الأصل في الأمر الوجوب لكن إذا وجد دليل الاستحباب يحمل عليه وههنا دليل الاستحباب موجود قال الحافظ في الفتح والدليل على أن الأمر فيه للاستحباب ما رواه الشافعي عن ابن عباس راوي الحديث أنه شرب لبنا فمضمض ثم قال لو لم أتمضمض ما باليت وروى أبو داود بإسناد حسن عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فلم يتمضمض ولم يتوضأ انتهى كلام الحافظ فإن قلت ادعى ابن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث ابن عباس قلت لم يقل به أحد ومن قال فيه بالوجوب حتى يحتاج إلى دعوى النسخ قاله العيني باب في كراهة رد السلام غير متوضئ 90 - قوله (قالا نا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأسدي الزبيري
[ 251 ]
الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري من التاسعة مات سنة 203 ثلاث ومائتين كذا في التقريب (عن سفيان) هو الثوري (عن الضحاك بن عثمان) بن عبد الله بن خالد بن حزام الأسدي الحزامي المدني روى عن زيد بن أسلم ونافع وخلق وعنه الثوري وابن وهب ويحيى القطان وخلق وثقه ابن معين وأبو داود وابن سعد وقال توفي بالمدينة سنة 351 ثلاث وخمسين ومائة وقال أبو زرعة ليس بقوي كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم قوله (فلم يرد عليه) في هذا دلالة على أن المسلم في هذه الحالة لا يستحق جوابا وهذا متفق عليه بين العلماء بل قالوا يكره أن يسلم على المشتغل بقضاء حاجة البول والغائط فإن سلم كره له رد السلام ويكره للقاعد لقضاء الحاجة أن يذكر الله تعالى بشئ من الأذكار فلا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يحمد الله تعالى إذا عطس وفي حديث جابر بن عبد الله عند ابن ماجه أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي فإنك إن فعلت ذلك لم أرد عليك قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (وإنما يكره هذا) أي رد السلام (إذا كان) أي الذي سلم عليه (على الغائط والبول) وأما إذا فرغ وقام فلا كراهة في رد السلام وعلى هذا فلا مطابقة بين الحديث والباب إذ الحديث خاص والباب عام قوله (وفي الباب عن المهاجر بن قنفذ وعبد الله بن حنظلة وعلقمة بن الشفواء وجابر والبراء) أما حديث المهاجر بن قنفذ فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه بلفظ إنه سلم على
[ 252 ]
النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى فرغ من وضوئه فرد عليه وقال إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة ولفظ أبو داود وهو يبول وأما حديث عبد الله بن حنظلة فأخرجه أحمد بلفظ إن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وقد بال فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال بيده إلى الحائط يعني أنه تيمم قال الهيثمي في مجمع الزوائد فيه رجل لم يسم انتهى وأما حديث علقمة بن الشفواء فأخرجه الطبراني في الكبير بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أهرق الماء نكلمه فلا يكلمنا حتى يأتي منزله فيتوضأ وضوءه للصلاة قلنا يا رسول الله نكلمك فلا تكلمنا ونسلمك فلا ترد علينا حتى نزلت اية الرخصة يا أيها الذين امنوا إذا قمتم إلى الصلاة الاية قال الهيثمي وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف انتهى وأما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه ابن ماجه وقد تقدم لفظه وفي الباب عن جابر بن سمرة أيضا قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلمت عليه فلم يرد علي ثم دخل بيته ثم خرج فقال وعليكم السلام أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وقال تفرد به الفضل بن أبي حسان قال الهيثمي في مجمع الزوائد لم أجد من ذكره وأما حديث البراء وهو ابن عازب فأخرجه الطبراني في الأوسط بلفظ إنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فلم يرد عليه السلام حتى فرغ قال الهيثمي فيه من لم أعرفه انتهى باب ما جاء في سؤر الكلب 91 - قوله (حدثنا سوار) بفتح السين وتشديد الواو (بن عبد الله العنبري) التميمي البصري قاضي الرصافة وغيرها ثقة من العاشرة غلط من تكلم فيه قاله الحافظ روى عن معتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وغيرهما وعنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه قال ابن حبان في الثقات مات سنة 543 خمس وأربعين ومائتين (نا المعتمر بن سليمان) التيمي أبو محمد البصري أحد الأعلام يلقب بالطفيل ثقة مات سنة 781 سبع وثمانين ومائة (قال سمعت أيوب) بن أبي تميمه كيسان السختياني البصري الفقيه أحد الأئمة الأعلام ثقة ثبت حجة من كبار الفقهاء مات سنة 131 إحدى وثلاثين ومائة وله خمس وستون عن محمد بن سيرين الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة 110 عشرة ومائة
[ 253 ]
قوله (إذا ولغ) يقال ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه أو أدخل لسانه فيه فحركه وقال ثعلب هو أن يدخل لسانه في الماء وغيره من كل مائع فيحركه زاد ابن درستويه شرب أو لم يشرب كذا في الفتح (أولاهن أو اخراهن بالتراب) كذا في رواية الترمذي وفي رواية مسلم وغيره من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين أولاهن قال الحافظ في الفتح هي رواية الأكثر عن ابن سيرين ثم ذكر الروايات المختلفة في محل غسلة التتريب ثم قال ورواية أولاهن أرجح من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حديث المعنى أيضا لأن تتريب الأخيرة يقتضي الاحتياج إلى غسلة أخرى لتنظيفه انتهى فقوله أولاهن أو أخراهن بالتراب في رواية الترمذي إن كانت كلمة أو فيه للشك من الراوي فيرجع إلى الترجيح وقد عرفت أن رواية أولاهن أرجح وإن كانت من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فهو تخيير منه قوله (وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة) هذه الجملة ليست من الحديث المرفوع بل هي مدرجة وسيجئ تحقيقه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الشوكاني في النيل والحديث يدل على وجوب الغسلات السبع من ولوغ الكلب وإليه ذهب ابن عباس وعروة بن الزبير ومحمد بن سيرين وطاوس وعمرو بن دينار والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد وداود انتهى وقال النووي فيه وجوب غسل نجاسة ولوغ الكلب سبع مرات وهذا مذهبنا ومذهب مالك والجماهير وقال أبو حنيفة يكفي غسله ثلاث مرات انتهى وقال الحافظ في الفتح أما الحنفية فلم يقولوا بوجوب السبع ولا التتريب واعذر الطحاوي وغيره عنهم بأمور
[ 254 ]
منها كون أبي هريرة راويه أفتى بثلاث غسلات فثبت بذلك نسخ السبع وتعقب بأنه يحتمل أن يكون أفتى بذلك لاعتقاده ندبية السبع لا وجوبها أو كان نسي ما رواه والاحتمال لا يثبت النسخ وأيضا فقد ثبت أنه أفتى بالغسل سبعا ورواية من روى عنه موافقة فتياه لروايته أصح من رواية من روى عنه مخالفتها من حيث الإسناد ومن حيث النظر أما النظر فظاهر وأما الأسناد فالموافقة وردت من رواية حماد بن زيد عن أيوب عن ابن سيرين عنه وهذا من أصح الأسانيد وأما المخالفة فمن رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عنه وهو دون الأول في القوة بكثير ومنها أن العذرة أشد في النجاسة من سؤر الكلب ولم تقيد بالسبع فيكون الولوغ كذلك من باب الأولى وأجيب بإنه لا يلزم من كونها أشد منه في الاستقذار أن لا يكون منها في تغليظ الحكم وبأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ومنها دعوى أن الأمر بذلك كان عند الأمر بقتل الكلاب فلما نهى عن قتلها نسخ الأمر بالغسل وتعقب بأن الأمر بقتلها كان في أوائل الهجرة والأمر بالغسل متأخر جدا لأنه من رواية أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وقد ذكر ابن مغفل أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالغسل وكان إسلامه سنة سبع كأبي هريرة بل سياق مسلم ظاهر في أن الأمر بالغسل كان بعد الأمر بقتل الكلاب انتهى كلام الحافظ تنبيه ذكر النيموي فعل أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة أنه قال إذا ولغ الكلب في الإناء غسله ثلاث مرات قال رواه الدارقطني واخرون وإسناده صحيح ثم ذكر قول أبي هريرة عن عطاء عن أبي هريرة قال إذا ولغ الكلب في الاناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات قال رواه الدارقطني والطحاوي وإسناده صحيح انتهى قلت مدار فعل أبي هريرة وقوله على عبد الملك بن أبي سليمان لم يروهما غيره وهو وإن كان ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطئ قال الحافظ في التقريب صدوق له أوهام
[ 255 ]
وقال الخزرجي في الخلاصة قال أحمد ثقة يخطئ قال الدارقطني بعد روايته هذا موقوف ولم يروه هكذا غير عبد الملك عن عطاء اه قال البيهقي تفرد به عبد الملك من أصحاب عطاء ثم أصحاب أبي هريرة والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هريرة يروون سبع مرات وفي ذلك دلالة على خطأ رواية عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة في الثلاث وعبد الملك لا يقبل منه ما يخالف الثقات لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بعض روايته تركه شعبة بن الحجاج ولم يحتج به البخاري في صحيحه انتهى كذا ذكر العيني كلام البيهقي في شرح البخاري ولم يتكلم عليه إلا أنه نقل عن أحمد والثوري أنه من الحفاظ وعن الثوري هو ثقة فقيه متقن وعن أحمد بن عبد الله ثقة ثبت في الحديث وقد عرفت أنه ثقة يخطئ وله أوهام ولم يحتج به البخاري في صحيحه فكيف ما رواه مخالفا وقد ثبت عن أبي هريرة بإسناد أصح من هذا أنه أفتى بغسل الاناء سبع مرات موافقا لحديثه المرفوع ففي سنن الدارقطني ص 33 حدثنا المحاملي نا حجاج بن الشاعر نا عارم نا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة في الكلب يلغ في الإناء قال يهراق ويغسل سبع مرات قال الدارقطني صحيح موقوف انتهى وقول أبي هريرة هذا أرجح وأقوى إسنادا من قوله وفعله المذكورين المخالفين لحديثه المرفوع كما عرفت في كلام الحافظ فقوله الموافق لحديثه المرفوع يقدم على قوله وفعله المذكورين وأما قول النيموي في التعليق ولم يرو أحد من أصحابه يعني أصحاب أبي هريرة أثرا من قوله أو فعله خلاف ما رواه منه عطاء إلا ابن سيرين في رواية عند البيهقي قال في المعرفة وروينا عن حماد بن زيد ومعتمر بن سليمان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة من قوله نحو روايته عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ولم يذكر السند حتى ينظر فيه انتهى فمبني على قصور نظره أو على فرط تعصبه فإن البيهقي وإن لم يذكر سنده فالدارقطني ذكره في سننه وقال بعد روايته صحيح موقوف وقد صرح الحافظ في الفتح بأنه سنده أرجح وأقوى من سند قوله المخالف لحديثه والعجب من النيموي أنه رأى في سنن الدارقطني قول أبي هريرة المخالف لروايته ونقله منه ولم ير فيه قوله الموافق لحديثه وكلاهما مذكوران في صفحة واحدة تنبيه اخر قال صاحب العرف الشذي وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب
[ 256 ]
عندنا كما صرح به الزيلعي شارح الكنز ثم وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى قلت فبطل بهذا قولكم بادعاء نسخ التسبيع يا معشر الحنفية ثم حمل الأمر بالتسبيع على الاستحباب ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم طهور إناء أحدكم الحديث ثم قال ولو كان التسبيع واجبا كيف اكتفى بالتثليث قلت تقدم جوابه في كلام الحافظ ثم قال وفتوى التثليث مرفوعة في كامل ابن عدي عن الكرابيسي وهو حسين بن علي تلميذ الشافعي وهو حافظ إمام فالحديث حسن أو صحيح قلت تفرد برفعها الكرابيسي ولم يتابعه على ذلك أحد وقد صرح ابن عدي في الكامل بأن المرفوع منكر قال الحافظ في لسان الميزان ما لفظه قال يعني ابن عدي حدثنا أحمد بن الحسن ثنا الكرابيسي ثنا إسحاق الأزرق ثنا عبد الملك عن عطاء عن الزهري رفعه إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات ثم أخرجه ابن عدي من طريق عمر بن شبة عن إسحاق موقوفا ثم قال تفرد الكرابيسي برفعه وللكرابيسي كتب مصنفة ذكر فيها الاختلاف وكان حافظا لها ولم أجد له منكرا غير ما ذكرت انتهى ما في اللسان فقول صاحب العرف الشذي فالحديث حسن أو صحيح ليس مما يلتفت إليه تنبيه آخر للعيني تعقبات على كلام الحافظ الذي نقلناه عن الفتح كلها مخدوشة واهية حاجة الى نقلها ثم دفها لكن لما ذكرها صاحب بذل المجهود وصاحب الطيب الشذي وغيرهما واعتمدوا عليها فعلينا أن نذكرها ونظهر ما فيها من الخدشات قال العيني كون الأمر بقتل الكلاب في أوائل الهجرة يحتاج الى دليل قطعي ولئن سلمنا ذلك فكان يمكن أن يكون أبو هريرة وابن المغفل قد سمعا ذلك من صحابي آخر فأخبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم لاعتمادهما صدق الرواي عنه لأن الصحابة كلهم عدول انتهى قلت قد رد هذا التعقب المولوي عبد الحي اللكنوي في السعاية ردا حسنا فقال وهذا تعقب غير مرضي عندي فإن كون رواية أبي هريرة وابن المغفل بواسطة صحابي آخر احتمال مردود لورود سماع أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وشهادته على أبلغ وجه بسماعه أخرجه ابن ماجه عن أبي رزين قال رأيت أبا هريرة يضرب جبهته بيده ويقول يا أهل العرق أنتم تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لكون لكم الهناء وعلي الأثم أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وكذا ابن المغفل سمع أمر قتل الكلاب كما أخرجه الترمذي عنه وحسنه قال لمن يرفع أغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب فقال لولا أن الكلاب
[ 257 ]
أمة من الأمم لأمرت بقتلها فقتلوا منها كل أسود بهيم وما من بيت يرتبطون كلبا إلا نقص من عملهم كل يوم قيراط إلا كلب صيد أو كلب حرث أو كلب غنم فهذا يدل على أنه سمع بلا واسطة نسخ عموم القتل والرخصة في كلب الصيد ونحوه وظاهر سياق مسلم عنه أن الأمر بالغسل سبعا وقع بعد ذلك ويدل عليه صريحا رواية الطحاوي في شرح معاني الآثار عنه قال إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال مالي وللكلاب ثم قال إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب فدل ذلك صريحا على أن الأمر بالغسل سبعا كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب لا في ابتداء الاسلام انتهى ما في السعاية قال العيني بعد ذكر احتمال اعتقاد الندب والنسيان هذا إساءة الظن بأبي هريرة فالاحتمال الناشئ من غير دليل لا يسمع انتهى قلت قدره صاحب السعاية فقال إن احتمال النسيان واعتقاد الندب ليس بإساءة ظن وليس فيه قدح بوجه من الوجوه انتهى قلت وفي احتمال اعتقاد الندب كيف يكون إساءة الظن وقد قال صاحب العرف الشذي وجواب الحديث من قبلنا أن التسبيع مستحب عندنا كما صرح به الزيلعي وصاحب الكنز ثم وجدته مرويا عن أبي حنيفة في تحرير ابن الهمام انتهى قال العيني بعد ما ذكر أن قياس سؤر الكلب على العذرة قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار ما لفظه ليس هو قياس في مقابلة النص بل هو من باب ثبوت الحكم بدلالة النص انتهى قلت قد رده صاحب السعاية فقال هذا لو تم لدل على تطهير الإناء من سؤر الكلب واحدا أو ثلاثا بدلالة النص وأحاديث السبع دالة بعبارتها على اشتراط السبع وقد تقرر في الأصول أن العبارة مقدمة على الدلالة قال وأيضا هذا منقوض بنقض الوضوء بالقهقهة في الصلاة مع عدم نقضه بسب المسلم في الصلاة وهو أشد منه فالجواب الجواب انتهى وإن شئت الوقوف على ما بقي من تعقباته مع بيان ما فيها من الخدشات فارجع إلى السعاية تنبيه اعلم أن الشيخ ابن الهمام قد تصدى لإثبات نسخ أحاديث السبع فذكر فيه تقريرات في فتح القدير وقد رد تلك التقريرات صاحب السعاية ردا حسنا وقال في أول كلامه عليها ما
[ 258 ]
لفظه وفيه على ما أقول خدشات تنبهك على أن تقريره كله من خرافة ناشئ عن عصبية مذهبية وقال في اخر كلامه عليها ما لفظه فتأمل في هذا المقام فإن المقام من مزال الأقدام حتى زل قدم الهجام بن الهمام انتهى ولعل صاحب بذل المجهود عن هذا غافل فذكر تلك التقريرات المردودة وكذا ذكر تعقبات العيني المردودة واعتمد عليهما واغتنمهما وكذلك يأتي في أمثال هذه المباحث بالتقريرات المخدوشة ولا يظهر ما فيها من الخدشات ولا يشير إلى من ردها فلا أدري أنه يأتي بها مع الوقوف على ردها أو مع الغفلة عن ذلك فالله تعالى أعلم فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم وقد أطال في هذا البحث الفاضل للكنوي في السعاية الكلام وأجاد وقال في اخر البحث ما لفظه ولعل المنصف غير المتعسف يعلم بعد ملاحظة هذا البحث ضعف كلام أرباب التثليث وقوة كلام أصحاب التسبيع والتثمين انتهى قوله (وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة نحو هذا ولم يذكر فيه إذا ولغت الهرة غسل مرة) قال الحافظ في الدراية بعد نقل هذا الحديث عن جامع الترمذي وذكر قوله هذا وقد أخرجه أبو داود وبين أن الهر موقوف انتهى وقال البيهقي في المعرفة حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة إذا ولغ الهر غسل مرة فقد أدرجه بعض الرواة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم في ولوغ الكلب ووهموا فيه والصحيح أنه في ولوغ الكلب مرفوع وفي ولوغ الهر موقوف ميزه علي بن نصر الجهضمي عن قرة بن خالد عن ابن سيرين عن أبي هريرة ووافقه عليه جماعة من الثقات انتهى وروى الدارقطني هذا الحديث في سننه من طريق أبي بكر النيسابوري عن حماد وبكار عن أبي عاصم عن قرة بن خالد عن محمد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طهور الاناء إذا ولغ فيه الكلب يغسل سبع مرات الأولى بالتراب والهرة مرة أو مرتين قرة يشك ثم قال الدارقطني قال أبو بكر كذا رواه أبو عاصم مرفوعا ورواه غيره عن قرة ولوغ الكلب مرفوعا وولوغ الهر
[ 259 ]
موقوفا انتهى وقوله (وفي الباب عن عبد الله بن مغفل) أخرجه مسلم مرفوعا بلفظ إذا ولغ الكلب في الإناء فاغسلوه سبع مرات وعفروه الثامنة بالتراب قال النووي في شرح مسلم فأما رواية وعفروه الثامنة بالتراب فمذهبنا ومذهب الجماهير أن المراد اغسلوه سبعا واحدة منهن بالتراب مع الماء فكأن التراب قائم مقام غسله فسميت ثامنة لهذا والله أعلم انتهى وتعقب ابن دقيق العيد على هذا القول بأن قوله وعفروه الثامنة بالتراب ظاهر في كونها غسلة مستقلة لكن لو وقع التعفير في أوله قبل ورود الغسلات السبع كانت الغسلات ثمانية ويكون إطلاق الغسلة على التتريب مجازا وهذا الجمع من مرجحات تعين التراب في الأولى انتهى باب ما جاء في سؤر الهرة قوله (نا معن) هو معن بن عيسى بن يحيى الأشجعي ثقة ثبت قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب مالك (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني ثقة حجة من رجال الستة مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة (عن حميدة ابنة عبيد بن رفاعة) الأنصارية المدنية زوج إسحاق بن أبي طلحة وهي والدة يحيى بن إسحاق مقبولة كذا في التقريب قلت هي من التابعيات وذكرها ابن حبان في الثقات كما في تهذيب التهذيب (عن كبشة ابنة كعب بن مالك) زوج عبد الله بن أبي قتادة وقال ابن حبان لها صحبة (وكانت عند ابن أبي قتادة) وهو الحارث بن ربعي الأنصاري فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم واسم ابنه عبد الله والمعنى كانت زوجة ولده (أن أبا قتادة دخل عليها) أي على كبشة (قالت فسكبت له وضوءا) بضم التاء على المتكلم والوضوء بفتح الواو ماء الوضوء أي صببت له وضوءا في الإناء ليتوضأ منه لما جاء في رواية فسكبت له وضوءا في إناء قاله
[ 260 ]
أبو الطيب السندي وفي المرقاة قال الأبهري بضم التاء على التكلم ويجوز السكون على التأنيث انتهى قال القاري لكن أكثر النسخ الحاضرة المصححة بالتأنيث ويؤيد المتكلم ما في المصابيح قالت فسكبت انتهى (فأصغي) بالغين المعجمة أي أمال (لها) أي الهرة الإناء ليسهل عليها الشرب (فرآني أنظر إليه) أي فرآني أبو قتادة والحال أني أنظر إلى شرب الهرة الماء نظر المنكر أو المتعجب (فقال أتعجبين) أي بشربها من وضوئي (يا ابنة أخي) المراد إخوة الاسلام ومن عادة العرب أن يدعو بيا ابن أخي ويا ابن عمي وإن لم يكن أخا أو عما له في الحقيقة (إنها) أي الهرة (ليست بنجس) قال المنذري ثم النووي ثم ابن دقيق العيد ثم ابن سيد الناس بفتح الجيم من النجاسة كذا في زهر الربى على المجتبى وكذا ضبط السيوطي في قوت المغتذي وقال القاري في المرقاة وذكر الكازروني أن بعض الأئمة قال هو بفتح الجيم والنجس النجاسة فالتقدير أنها ليست بذات نجس وفيما سمعنا وقرأنا على مشايخنا هو بكسر الجيم وهو القياس أي ليست بنجسة ولم يلحق التاء نظرا إلى أنها في معنى السنور انتهى (إنما هي من الطوافين عليكم) قال البغوي في شرح السنة يحتمل أنه شبهها بالمماليك من خدم البيت الذين يطوفون على أهله للخدمة كقوله تعالى طوافون عليكم ويحتمل أنه شبهها بمن يطوفون للحاجة يريد أن الأجر في مواساتها كالأجر في مواساة من يطوف للحاجة والأول هو المشهور وقول الأكثر وصححه النووي في شرح أبي داود وقال لم يذكر جماعة سواه (والطوافات) شك من الراوي كذا قاله ابن الملك وقال في الأزهار يشبه ذكورها بالطوافين وإناثها بالطوافات وقال ابن حجر وليست للشك لوروده بالواو في روايات أخر بل للتنويع ويكون ذكر الصنفين من الذكور والإناث كذا في المرقاة
[ 261 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة) أما حديث عائشة فأخرجه أبو داود عن داود بن صالح بن دينار التمار عن أمه أن مولاتها أرسلتها بهريسة إلى عائشة فوجدتها تصلي فأشارت إلى أن ضعيها فجاءت هرة فأكلت منها فلما انصرفت أكلت من حيث أكلت الهرة فقالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ بفضلها قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث ما لفظه ورواه الدارقطني وقال تفرد به عبد العزيز الدراوردي عن داود بن صالح عن أمه بهذه الألفاظ وروى ابن ماجه والدارقطني من حديث حارثة عن عمرة عن عائشة قالت كنت أتوضأ أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد قد أصابت منه الهرة قبل ذلك قال الدارقطني وحارثة لا بأس به انتهى كذا في نصب الراية وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي دار قوم من الأنصار ودونهم دار فشق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله تأتي دار فلان ولا تأتي دارنا فقال عليه الصلاة والسلام لأن في داركم كلبا قالوا فإن في دارهم سنورا فقال عليه السلام السنور سبع ورواه الحاكم مختصرا بلفظ السنور سبع ورواه أحمد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسانيدهم الهر سبع وفي أسانيد جميع هؤلاء عيسى بن المسيب وعليه مدار جميع طرق الحديث وهو ضعيف وقد ذكر الزيلعي طرق هذا الحديث مع الكلام على عيسى بن المسيب من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه وفي الباب عن أنس بن مالك قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض بالمدينة يقال لها بطحان فقال يا أنس اسكب لي وضوء فسكبت له فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته أقبل إلى الإناء وقد أتى هر فولغ في الاناء فوقف له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقفة حتى شرب الهر ثم سألته فقال يا أنس إن الهر من متاع البيت لن يقذر شيئا ولن ينجسه كذا في نصب الراية قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مالك وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني قال الحافظ في بلوغ المرام صححه الترمذي وابن خزيمة وقال في التلخيص وصححه البخاري والترمذي والعقيلي والدارقطني
[ 262 ]
قوله (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم مثل الشافعي وأحمد وإسحاق لم يروا بسؤر الهرة باسا) يعني أن سؤر الهرة طاهر من غير كراهة عند هؤلاء الأئمة وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة والليث وغيره من أهل مصر والأوزاعي وغيره من أهل الشام والثوري ومن وافقه من أهل العراق والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وعلقمة وإبراهيم وعطاء ابن يسار والحسن فيما روى عنه الأشعث والثوري فيما روى عنه أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي كذا ذكره الحافظ بن عبد البر وبه قال أبو يوسف حكاه العيني والطحاوي وهو رواية عن محمد ذكره الزاهدي في شرح مختصر القدوري والطحاوي كذا في التعليق الممجد وقال الحنفية إن سؤر الهرة طاهر مع الكراهة واحتج الأولون بأحاديث الباب وقولهم هو الحق والصواب واحتج الحنفية بأن أحاديث الباب تدل على طهارته والأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة وكذلك كونها سبعا يدل بظاهره على نجاسته فأثبتوا حكم الكراهة عملا بهما ورد احتجاجهم هذا بأن الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة لم يثبت وأما ما ورد في حديث أبي هريرة المذكور في الباب المتقدم من الأمر بغسل الإناء بولوغ الهرة بلفظ وإذا ولغت فيه الهرة غسل مرة فقد عرفت أنه ليس من قول النبي صلى الله عليه وسلم بل هو مدرج وقال القاري في المرقاة بعد ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وأما خبر يغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا ومن ولوغ الهرة مرة فمدرج من قول أبي هريرة كما بينه البيهقي وغيره وإن خفي على الطحاوي ولذا قال سؤر الهرة مكروه كراهة تحريم قال وأما ما اشتهر بين الناس من أنه عليه الصلاة والسلام قطع ذيل ثوبه الذي رقدت عليه هرة فلا أصل له انتهى فأما كونها سبعا فلم يثبت بحديث صحيح وما جاء فيه فهو ضعيف لا يقاوم الأحاديث التي هي نصوص صريحة في أن الهرة ليست بنجسة على أنه لا يلزم من كونها سبعا أن تكون نجسة قال القاضي الشوكاني في النيل حديث الباب مصرح بأنها ليست بنجس فيخصص به عموم حديث السباع بعد تسليم ورود ما يقضي بنجاسة السباع وأما مجرد الحكم عليها بالسبعية فلا يستلزم أنها نجس إذ لا ملازمة بين النجاسة
[ 263 ]
والسبعية على أنه قد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحياض التي تكون بين مكة والمدينة فقيل إن الكلاب والسباع ترد عليها فقال لها ما أخذت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور وأخرج الشافعي والدارقطني والبيهقي في المعرفة وقال له أسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض كانت قوية بلفظ أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها وأخرج الدارقطني وغيره عن ابن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فسار ليلا فمروا على رجل جالس عند مقراة له وهي الحوض الذي يجتمع فيه الماء فقال عمر أولغت لسباع عليك الليلة في مقراتك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور هذه الأحاديث مصرحة بطهارة ما أفضلت السباع انتهى ما في النيل فائدة قال العلماء يستحب اتخاذ الهرة وتربيتها أخذا من الأحاديث وأما حديث حب الهرة من الإيمان فموضوع على ما قاله جماعة كالصغاني ذكره القاري قوله (قد جود مالك هذا الحديث عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أي صححه وجعله جيدا قال الزيلعي في نصب الراية رواه الحاكم في المستدرك وقال وقد صحح مالك هذا الحديث واحتج به في موطئه وقد شهد البخاري ومسلم لمالك أنه الحكم في حديث المدنيين فوجب الرجوع إلى هذا الحديث في طهارة الهرة قال الشيخ تقي الدين في الإمام ورواه ابن خزيمة وابن منده في صحيحيهما ولكن ابن منده قال وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ومحلهما محل الجهالة ولا يثبت هذا الخبر من وجه من الوجوه قال الشيخ وإذا لم يعرف حالهما إلا في هذا الحديث فلعل طريق من صححه أن يكون اعتمد على إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول ابن منده متعقبا عليه فأما قوله لا يعرف لهما إلا هذا الحديث فمتعقب بأن لحميدة حديثا اخر في تشميت العاطس رواه أبو داود ولها ثالث رواه أبو نعيم في المعرفة وأما حالهما فحميدة روى عنها مع إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند ابن معين وأما كبشة فقيل إنها صحابية فإن ثبت فلا يضر الجهل بحالها والله أعلم انتهى قلت قد تقدم أن حميدة ذكرها ابن حبان في الثقات وقال الحافظ في التقريب مقبولة وأما كبشة فقال ابن حبان لها صحبة وتبعه الزبير بن بكار وأبو موسى كما في تهذيب التهذيب وقد صحح الحديث البخاري والترمذي وابن خزيمة وغيرهم كما عرفت فقول من عرف مقدم على من لم يعرف
[ 264 ]
باب المسح على الخفين قال الحافظ في الفتح نقل ابن المنذر عن ابن المبارك قال ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روي عنه إثباته وقال ابن عبد البر لا أعلم روى عن أحد من فقهاء السلف إنكاره إلا عن مالك مع أن الروايات الصحيحة عنه مصرحة بإثباته وقال ابن المنذر اختلف العلماء أيهما أفضل المسح على الخفين أو نزعهما وغسل القدمين قال والذي أختاره أن المسح أفضل لأجل من طعن فيه من أهل البدع من الخوارج والروافض قال وإحياء ما طعن فيه المخالفون أفضل من تركه انتهى قوله (عن إبراهيم) هو النخعي (عن همام بن الحارث) النخعي الكوفي روى عن عمر وعمار وغيرهما وعنه إبراهيم النخعي وغيره وثقه ابن معين مات سنة 56 خمس وستين كذا في الخلاصة قلت هو من حال الكتب الستة (بال جرير بن عبد الله) البجلي الصحابي الشهير في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم بعثه إلى ذي الخلصة فهدمها وفيه عنه قال ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم (أتفعل هذا) أي أتمسح على الخفين (قال وما يمنعني) أي أي شئ يمنعني عن المسح (قال وكان يعجبهم حديث) جرير في رواية البخاري قال إبراهيم فكان يعجبهم وفي رواية لمسلم فكان أصحاب عبد الله بن مسعود يعجبهم (لأن إسلامه كان بعد نزول المائدة) معناه أن الله تعالى قال في سورة المائدة فاغسلوا وجوهكم وأيدكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخا بآية المائدة فلما كان إسلامه متأخرا علمنا أن حديثه يعمل به وهو مبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف فتكون السنة مخصصة للآية قاله النووي
[ 265 ]
قوله (وفي الباب عن عمر وعلي وحديفة والمغيرة إلخ) قال الحافظ الزيلعي قال ابن عبد البر في كتاب الاستذكار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة وفي الإمام قال ابن المنذر روينا عن الحسن أنه قال حدثني سبعون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ثم ذكر الزيلعي من هذه الأحاديث ما تبسر له فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إلى تخريجه للهداية قوله (حديث جرير حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة في كتبهم قوله (ويروي عن شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام قاله الحافظ وقال في الخلاصة وثقة ابن معين وأحمد وقال يعقوب بن سفيان شهر وإن قال ابن عون تركوه فهو ثقه وقال ابن معين ثبت وقال النسائي ليس بالقوي وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى وقد تقدم ترجمته بأبسط من هذا (فقلت له) أي لجرير (في ذلك) أي في مسحة على الخفين وأنكرت عليه (أقبل المائدة أو بعد المائدة) أي رأيت مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه قبل نزول سورة المائدة أم بعده (فقال ما أسلمت إلا بعد المائدة) يعني إنما رأيت مسحه صلى الله عليه وسلم على خفيه بعد نزول المائدة لأن إسلامي لم يكن إلا بعد نزولها رواه أبو داود من وجه اخر بلفظ إن جريرا بال ثم توضأ فمسح على الخفين وقال ما يمنعني أن أمسح وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح . قالوا إنما كان ذلك قبل نزول المائدة . قال ما أسلمت إلا بعد نزول المائدة (نا خالد بن زياد الترمذي) قاضيها الأزدي أبو عبد الرحمن صدوق (عن مقاتل بن حيان) بتشديد التحتانية النبطي أبي بسطام البلخي الخزاز بزائين منقوطتين صدوق فاضل أخطأ الأزدي في
[ 266 ]
زعمه أن وكيعا كذبه كذا في التقريب روى عن مجاهد وعروة وسالم وعنه إبراهيم بن أدهم وابن المبارك وثقه ابن معين كذا في الخلاصة (وقال) أي أبو عيسى الترمذي (وروى بقية) هو بقية بن الوليد قال النسائي إذا قال حدثنا وأخبرنا فهو ثقة وقال الجوزجاني إذا حدث عن الثقات فلا بأس وقال أبو مسهر الغساني بقية ليست أحاديثه نقية فكن منها على تقية كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق كثير التدليس (عن إبراهيم بن أدهم) بن منصور العجلى أو التميمي البلخي ثم الشامي أحد الزهاد الأعلام روى عن منصور وأبي جعفر محمد بن علي وغيرهما وعنه الثوري والأوزاعي وشقيق البلخي وغيرهم قال النسائي ثقة مأمون أحد الزهاد مات سنة 261 اثنتين وستين ومائة باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم قوله (عن سعيد بن مسروق) الثوري والد سفيان ثقة (عن عمرو بن ميمون) الأودي الكوفي مخضرم مشهور ثقة عابد نزل الكوفة مات سنة 46 أربع وستين وقيل بعدها (عن أبي عبد الله الجدلي) بفتح الجيم والدال منسوب إلى جديلة حى من طي قوله (أنه سئل عن المسح على الخفين) أي مدته (فقال للمسافر ثلاث وللمقيم يوم) وفي رواية أبي داود للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوم وليلة أي للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوم وليلة
[ 267 ]
قوله (وأبو عبد الله الجدلي اسمه عبد بن عبد) قال الحافظ في التقريب أبو عبد الله الجدلي اسمه عبد أو عبد الرحمن بن عبد ثقة رمي بالتشيع من كبار الثالثة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وابن ماجه قوله (وفي الباب عن علي وأبي بكرة وأبي هريرة وصفوان بن عسال وعوف بن مالك وابن عمر وجرير) أما حديث علي فأخرجه مسلم من طريق شريح بن هانئ قال سألت علي بن أبي طالب عن المسح على الخفين فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم وأما حديث أبي بكرة فأخرجه الأثرم في سننه وابن خزيمة والدارقطني قال الخطابي هو صحيح الإسناد كذا في المنتقى ولفظه فيه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن وللمقيم يوما وليلة إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن أبي شيبة والبزار وأما حديث صفوان بن عسال فأخرجه الترمذي وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في معجمه الوسط وأما حديث ابن عمر فأخرجه أيضا الطبراني في معجمه الوسط وأما حديث جرير فأخرجه الطبراني في الأوسط والكبير قوله (نا أبو الأحوص) اسمه سلام بن سليم الحنفي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن الأسود بن قيس وزياد بن علاقة وخلق وعنه ابن مهدي وهناد بن السري وخلق قال ابن معين ثقة وقال العجلي صاحب سنة واتباع مات 971 سنة تسع وسبعين ومائة قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عاصم بن أبي النجود) اسمه بهدلة في قول الجمهور وقال عمرو بن علي بهدلة اسم أمه قال أبو حاتم محله الصدق وليس محله أن يقال هو ثقة ولم يكن بالحافظ قد تكلم فيه ابن علية قال العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال البزار لا نعلم أحدا ترك حديثه مع أنه لم يكن بالحافظ كذا في مقدمة فتح الباري وقال في التقريب صدوق له أوهام حجة في القراءة وحديثه في الصحيحين مقرون انتهى (عن زر) بكر أوله وتشديد الراء (بن حبيش) بمهملة وموحدة
[ 268 ]
ومعجمة مصغرا الأسدي الكوفي ثقة جليل مخضرم قوله (إذا كنا سفرا) بسكون الفاء جمع سافر كصحب جمع صاحب أي إذا كنا مسافرين وأما قول صاحب الطيب الشذي إن سفرا جمع مسافر فهو غلط (ولكن من غائط وبول ونوم) عطف على مقدر يدل عليه إلا من جنابة وقوله من غائط متعلق بمحذوف تقديره وأمرنا أن ننزع خفافنا من جنابة ولا ننزع من غائط وبول ونوم وفي رواية النسائي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم إلا من جنابة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني والبيهقي قاله الحافظ في التلخيص وقال فيه قال الترمذي عن البخاري حديث حسن وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه وذكر ابن منده أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفسا وتابع عاصما عليه عبد الوهاب بن بخت وإسمعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وذكر جماعة معه ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به انتهى قوله (وقد روى الحكم بن عتيبة) بالمثناة ثم الموحدة مصغرا أبو محمد الكندي الكوفي ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة (وحماد) هو ابن أبي سليمان مسلم الأشعري أبو إسمعيل الكوفي الفقيه روى عن أنس وأبي وائل والنخعي وعنه ابنه إسمعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجئ مات سنة 021 عشرين ومائة كذا في الخلاصة (ولا يصح) بين الترمذي وجه عدم صحته بقوله قال علي بن المديني وهذا الحديث بهذا السند أخرجه أبو داود في سننه قال الحافظ في التلخيص حديث خزيمة بن ثابت رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر أن يمسح ثلاثة أيام ولياليهن ولو استزدناه لزاد رواه أبو داود بزيادة وابن ماجة بلفظ ولو مضى السائل على مسألته لجعلها خمسا ورواه ابن حبان باللفظين جميعا ورواه الترمذي وغيره بدون الزيادة قال
[ 269 ]
الترمذي قال البخاري لا يصح عندي لأنه لا يعرف للجدلي سماع من خزيمة وذكر عن يحيى بن معين أنه قال هو صحيح وقال ابن دقيق العيد الروايات متظافرة متكاثرة برواية التيمي له عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة وقال ابن أبي حاتم في العلل قال أبو زرعة الصحيح من حديث التيمي عن عمرو بن ميمون عن الجدلي عن خزيمة مرفوعا والصحيح عن النخعي عن الجدلي بلا واسطة وادعى النووي في شرح المهذب الاتفاق على ضعف هذا الحديث وتصحيح ابن حبان له يرد عليه مع نقل الترمذي عن ابن معين أنه صحيح أيضا كما تقدم والله أعلم انتهى ما في التلخيص قوله (وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح المقيم يوما والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن) وإليه ذهب جمهور العلماء وهو الحق والصواب واستدلوا على هذا التوقيت بأحاديث الباب قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن أكثر من عشرة من الصحابة فائدة قال النووي مذهب الشافعي وكثيرين أن ابتداء المدة من حين الحدث بعد لبس الخف لا من حين اللبس ولا من حين المسح انتهى قلت وهو قول أبي حنيفة ونقل عن الأوزاعي وأبي ثور وأحمد أنهم قالوا إن ابتداءها من وقت اللبس (وقد روى عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين وهو قول مالك بن أنس) قال الشوكاني في النيل قال مالك
[ 270 ]
والليث بن سعد لا وقت للمسح على الخفين ومن لبس خفيه وهو طاهر مسح ما بدا له والمقيم والمسافر في ذلك سواء وروي مثل ذلك عن عمر بن الخطاب وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر والحسن البصري انتهى ويروى ذلك عن الشعبي وربيعة والليث وأكثر أصحاب مالك ذكره العيني والحجة لهم في هذا حديث أبي بن عمارة أنه قال يا رسول الله أمسح على الخفين قال نعم قال يوما قال نعم قال ويومين نعم قال وثلاثة قال نعم وما شئت أخرجه أبو داود وقال ليس بقوي قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم في المستدرك قال أبو داود ليس بالقوي وضعفه البخاري فقال لا يصح وقال أبو داود اختلف في إسناده وليس بالقوي وقال أبو زرعة الدمشقي عن أحمد رجاله لا يعرفون وقال أبو الفتح الأزدي هو حديث ليس بالقائم ونقل النووي في شرح المهذب اتفاق الأئمة على ضعفه قلت وبالغ الجوزقاني فذكره في الموضوعات انتهى ولهم في عدم التوقيت أحاديث أخرى لكن ليس فيها ما يشفي العليل ويروي الغليل فإن منها ما هو صحيح فليس بصريح في المقصود وما هو صريح فليس بصحيح (والتوقيت أصح) يعني التوقيت هو الصحيح فإن أحاديثه كثيرة صحيحة وليس في عدم التوقيت حديث صحيح باب في المسح على الخفين أعلاه وأسفله أي أعلى كل واحد من الخفين وأسفله وكان للترمذي أن يقول أعلاهما وأسفلهما أو يقول باب المسح على الخف أعلاه وأسفله قوله (حدثنا أبو الوليد الدمشقي) اسمه أحمد بن عبد الرحمن بن بكار روى عن الوليد بن مسلم ومروان بن معاوية وعبد الرزاق وعنه الترمذي والنسائي وابن ماجه قال الحافظ صدوق
[ 271 ]
تكلم فيه بلا حجة (نا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي ثقة لكنه كثير التدليس (أخبرني ثور بن يزيد) أبو خالد الحمصي ثقة ثبت إلا أنه يرى القدر (عن رجاء بن حيوة) بفتح المهملة وسكون التحتانية وفتح الواو الكندي الفلسطيني ثقة فقيه من الثالثة (عن كاتب المغيرة) اسمه وراد بتشديد الراء الثقفي الكوفي ثقة من الثالثة وفي رواية ابن ماجه عن وراد كاتب المغيرة قوله (مسح أعلى الخف وأسفله) هذا الحديث دليل لمن قال إن المسح على أعلى الخف وأسفله لكن الحديث ضعيف كما ستعرف قوله (وهذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين) وبه قال ابن عمر قال الحافظ في التلخيص روى الشافعي في القديم وفي الإملاء من حديث نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله انتهى (وبه يقول مالك والشافعي وإسحاق) في موطأ الامام مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم أمرهما قال يحيى قال مالك وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلى ذلك انتهى قال الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار لم يختلف قول مالك أن المسح على الخفين على حسب ما وصفه ابن شهاب أنه يدخل إحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه إلا أنه لا يرى الاعاء على من اقتصر على ظهور الخفين إلا في الوقت وأما الشافعي فقد نص أنه لا يجزئه المسح على أسفل الخف ويجزئه على ظهره فقط ويستحب أن لا يقتصر أحد على مسح ظهور الخفين وبطونها معا كقول مالك وهو قول عبد الله بن عمر ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر أنه كان يمسح ظهور خفيه وبطونهما كما نقله بعض العلماء في تعليقه على موطأ محمد عن الاستذكار وقال الشاه ولي الله الدهلوي في المسوى قال الشافعي مسح أعلى الخف فرض ومسح أسفله سنة وقال أبو حنيفة لا يمسح إلا الأعلى قلت تمسك القائلون بالمسح على أعلى الخف وأسفله بحديث الباب وهو حديث فيه كلام لأئمة الحديث كما ستعرف ولم أجد في هذا الباب حديثا مرفوعا صحيحا خاليا عن الكلام وقد صح عن علي بإسناد صحيح أنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما وكذلك ثبت
[ 272 ]
كما ستقف عليه في الباب الآتي عن المغيرة بن شعبة بإسناد حسن فالقول الراجح قول من قال بالمسح على أعلى الخف دون أسفله والله تعالى أعلم قوله (وهذا حديث معلول) المعلول ويقال له المعلل بفتح اللام إسناد فيه علل وأسباب غامضة خفية قادحة في الصحة يتنبه لها الحذاق المهرة من أهل هذا الشأن كإرسال في الموصول ووقف في المرفوع ونحو ذلك وحديث المغيرة هذا أخرجه أبو دواد وابن ماجه أيضا (لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم) أي لم يرو هذا الحديث مرفوعا متص عن ثور أحد إلا الوليد بن مسلم (قال حدثت عن كاتب المغير) بصيغة المجهول ففيه انقطاع (مرسل) أي فهو مرسل وفي بعض النسخ مرسلا قال الحافظ في التلخيص حديث المغيرة أنه صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وابن الجارود من طريق ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة وفي رواية ابن ماجة عن وراد كاتب المغيرة قال الأثرم عن أحمد أنه كان يضعفه ويقول ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة قال أحمد وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور فقلت له إنما يقول هذا الوليد فأما ابن المبارك فيقول حدثت عن رجاء ولا يذكر المغيرة فقال لي نعيم هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلى كتابه القديم بخط عتيق فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع أضربوا على هذا الحديث وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه وأبي زرعة حديث الوليد ليس بمحفوظ وقال موسى بن هارون وأبو داود لم يسمع ثور من رجاء حكاه قاسم بن أصبغ عنه وقال البخاري في التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما قال وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة وكذا رواه أبو دواد والترمذي من حديث ابن أبي الزناد ورواه أبو داود الطيالسي عن ابن أبي الزناد فقال عن عروة بن المغيرة عن أبيه وكذا أخرجه البيهقي من رواية إسماعيل بن موسى عن ابن أبي الزناد وقال الترمذي هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير
[ 273 ]
الوليد قلت رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد وذكر الدارقطني في العلل أن محمد بن عيسى بن سميع رواه أبو ثور كذلك قال الترمذي وسمعت أبا زرعة ومحمدا يقولان ليس بصحيح وقال أبو داود لم يسمعه ثور من رجاء وقال الدارقطني روى عن عبد الملك بن عمير عن وراد كاتب المغيرة عن المغيرة ولم يذكر أسفل الخف وقال ابن حزم أخطأ فيه الوليد في موضعين فذكرهما كما تقدم قلت ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العلة وهي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود بن الرشيد عن الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد ثنا رجاء بن حيوة فذكره فهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء فتزول العلة ولكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في مسنده عن أحمد بن يحيى الحلواني عن داود بن رشيد فقال عن رجاء ولم يقل حدثنا رجاء فهذا اختلاف على داود يمنع القول بصحة وصلة مع ما تقدم في كلام الأئمة انتهى كلام الحافظ بلفظه باب في المسح على الخفين ظاهرهما قوله (نا عبد الرحمن بن أبي الزناد) بفتح النون القرشي مولاهم المدني قال الحافظ في التقريب صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد وكان فقيها (عن أبيه) أي أبي الزناد واسمه عبد الله بن ذكوان ثقة فقيه قوله (يمسح على الخفين على ظاهرهما) أي على أعلاهما وهذا الحديث دليل على أن المسح على أعلى الخفين دون أسفلهما قوله (حديث المغيرة حديث حسن) وأخرجه أبو داود وسكت عنه ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره وقال البخاري في التاريخ الأوسط ثنا محمد بن الصباح ثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما قال وهذا أصح من حديث رجاء عن كاتب المغيرة كذا في التلخيص وقد تقدم هذا في كلام الحافظ الذي نقلناه في
[ 274 ]
الباب المتقدم وفي الباب عن علي قال لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه ظاهرهما أخرجه أبو داود قال الحافظ في بلوغ المرام بإسناد حسن وقال في التلخيص إسناده صحيح وفي الباب أيضا عن عمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة والبيهقي قاله الشوكاني في النيل قوله (ولا نعلم أحدا يذكر عن عروة عن المغيرة على ظاهرهما غيره) أي غير عبد الرحمن بن أبي الزناد يعني لفظ على ظاهرهما تفرد بذكره عبد الرحمن قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وأحمد) وبه يقول أبو حنيفة ومن تبعه وإسحاق ودواد وهو قول علي بن أبي طالب وقيس بن سعد بن عبادة والحسن البصري وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح وجماعة كذا في الاستذكار والحجة لهم حديث المغيرة المذكور في هذا الباب وحديث علي الذي ذكرناه وحديث عمر الذي عند ابن أبي شيبة والبيهقي قال الشوكاني في النيل ليس بين الحديثين تعارض غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره وتارة على ظاهره ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين فكان جميع ذلك جائز أو سنة انتهى كلام الشوكاني قلت نعم ليس بين الحديثين تعارض ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين لكن لا شك في أن حديث المسح على ظاهر الخفين حديث صحيح وأما حديث المسح على ظاهرهما وباطنهما فقد عرفت ما فيه من الكلام فالعمل بحديث المسح على ظاهر الخفين هو الراجح المتعين هذا ما عندي والله أعلم قوله (وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد) أي بضعفه قال الحافظ في تهذيب التهذيب وتكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة يعني الفقهاء وقال أين كنا عن هذا انتهى قلت قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الحديث ففي هذا الكتاب وقال ابن محرز عن
[ 275 ]
يحيى بن معين ليس مما يحتج به أصحاب الحديث ليس بشئ وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين ضعيف وقال الدوري عن ابن معين لا يحتج بحديثه وهو دون الدراوردي وقال صالح بن أحمد عن أبيه مضطرب الحديث وقال محمد بن عثمان عن ابن المديني كان عند أصحابنا ضعيفا وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه ما حدث بالمدينة فهو صحيح وما حدث ببغداد أفسده البغداديون وفيه وقال الترمذي والعجلي ثقة وصحح الترمذي عدة من أحاديثه وقال في اللباس ثقة حافظ انتهى
[ 276 ]
باب في المسح على الجوربين والنعلين قوله (عن سفيان) هو الثوري وقد وقع في بعض نسخ أبي داود عن سفيان الثوري وكذا وقع في رواية الطحاوي (عن أبي قيس) اسمه عبد الرحمن بن ثروان الأودي مشهور بكنيته وثقه ابن معين والعجلي والدارقطني وقال أحمد يخالف في أحاديثه وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال النسائي ليس به بأس كذا في مقدمة فتح الباري وقال في التقريب صدوق ربما خالف (عن هزيل) بالتصغير (بن شرحبيل) بضم المعجمة وفتح الراء المهملة وسكون الحاء المهملة بعدها باء موحدة الكوفي ثقة مخضرم قوله (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم ومسح على الجوربين) تثنية الجورب قال في القاموس الجورب لفافة الرجل ج جواربه وجوارب وتجورب لبسه وجوربته ألبسته وقال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء وهو التسخان وفي تفسير الجورب أقوال أخرى وستقف عليها (النعلين) تثينة النعل قال في القاموس النعل ما وقيت به القدم من الأرض كالنعلة مؤنثة ج نعال بالكسر انتهى وقال الجزري في النهاية النعل مؤنثة وهي التي تلبس في المثنى تسمى الان تاسومة انتهى قال الطيبي معنى قوله والنعلين هو أن يكون قد لبس النعلين فوق الجوربين وكذا قال الطحاوي في المعالم قلت هذا المعنى هو الظاهر قال الطحاوي في شرح الاثار في باب المسح على النعلين مسح على نعلين تحتهما جوربان وكان قاصدا بمسحه ذلك إلى جوربيه لا نعليه وجورباه لو كانا عليه بلا نعلين جاز له أن يمسح عليهما فكان مسحه ذلك مسحا أراد به الجوربين فأتى ذلك على الجوربين والنعلين فكان مسحه على الجوربين هو الذي تطهر ومسحه على النعلين فضل انتهى كلام الطحاوي
[ 277 ]
وأما قول ابن ملك في شرح قوله والنعلين أي ونعليهما فيجوز المسح على الجوربين بحيث يمكن متابعة المشي عليهما انتهى وكذا قول أبي الوليد إن معنى الحديث أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب على الانفراد ونعل على الانفراد انتهى فبعيد قال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن بعد ذكر قول أبي الوليد هذا ما لفظه هذا التأويل مبني على أنه يستحب مسح أعلى الخف وأسفله والظاهر أنه مسح على الجوربين الملبوسين عليهما نعلان منفصلان هذا هو المفهوم منه فإنه فصل بينهما وجعلهما شيئين ولو كانا جوربين منعلين لقال مسح على الجوربين المنعلين وأيضا فإن الجلد في أسفل الجورب لا يسمى نعلا في لغة العرب ولا أطلق عليه أحد هذا الاسم وأيضا المنقول عن عمر بن الخطاب في ذلك أنه مسح على سيور النعل التي على ظاهر القدم مع الجورب فأما أسفله وعقبة فلا انتهى كلام ابن القيم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وضعفه كثير من أئمة الحديث كما ستقف عليه والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحة (وهو قول غير واحد من أهل العلم) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قال أبو داود في سننه ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروى ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس انتهى وقال الحافظ ابن القيم في تهذيب السنن قال ابن المنذر يروى المسح على الجوربين عن تسعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وابن عمر والبراء وبلال وعبد الله بن أبي أوفي وسهل بن سعد وزاد أبو داود وأبو أمامه وعمرو بن حريث وعمرو بن عباس فهؤلاء ثلاثة عشر صحابيا انتهى كلام ابن القيم قلت قد تتبعت كتب الحديث لأقف على أسانيد جميع هذه الاثار وألفاظها فلم أقف إلا على بعضها فأقول أما أثر علي فأخرجه عبد الرزاق في مصنفه أخبرني الثوري عن زبرقان عن كعب بن عبد الله قال رأيت عليا بال فمسح على جوربيه ونعليه ثم قام يصلي وأما أثر ابن مسعود فأخرجه أيضا عبد الرزاق في مصنفه أخبرنا معمر عن الأعمش عن إبراهيم أن ابن مسعود كان يمسح على خفيه ويمسح على جوربيه وسنده صحيح أما أثر البراء بن عازب فأخرجه أيضا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن الأعمش عن إسمعيل بن رجاء عن أبيه قال رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه وأما أثر أنس فأخرجه أيضا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن
[ 278 ]
أنس بن مالك أنه كان يمسح على الجوربين وأما أثر أبي مسعود فأخرجه عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال كان أبو مسعود الأنصاري يمسح على الجوربين له من شعر ونعليه وسنده صحيح وأما أثر ابن عمر فأخرجه أيضا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن يحيى بن أبي حية عن أبي خلاس عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه كذا ذكر الحافظ الزيعلي أسانيد هذه الاثار وألفاظها ولم أقف على أسانيد بقية الاثار والله تعالى أعلم (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين) أي وإن لم يكن كل واحد من الجوربين نعلين أي منعلين وفي بعض النسخ وإن لم يكونا نعلين وهو الظاهر والظاهر أن الترمذي أراد بقوله نعلين منعلين وقد وقع في بعض النسخ منعلين على ما ذكره الشيخ سراج أحمد في شرح الترمذي والمنعل من التنعيل وهو ما وضع الجلد على أسفله (إذا كانا ثخينين) أي غليظين قال القاموس في ثخن ككرم ثخونة وثخنا كعنب غلظ وصلب انتهى وقال في منتهى الأرب ثوب ثخين النسج جامة سطيرياف ثخن ككرم ثخونة وثخانة وثخنا كعنب سطير وسخت كرديد ثخين كامين نعت است ازان انتهى وعلم من هذا القيد أن الجوربين إذا كانا رقيقين لا يجوز المسح عليهما عند هؤلاء الأئمة وبقولهم قال صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وقوله (وفي الباب عن أبي موسى) وأخرجه ابن ماجه والطحاوي وغيرهما وسيأتي الكلام على هذا الحديث وههنا مباحث عديدة متعلقة بحديث الباب نذكرها إفادة للطلاب المبحث الأول أعلم أن الترمذي حسن حديث الباب وصححه ولكن كثيرا من أئمة الحديث ضعفوه قال النسائي في سننه الكبرى لا نعلم أحدا تابع أبا قيس على هذه الرواية والصحيح عن المغيرة أنه عليه السلام مسح على الخفين انتهى وقال أبو داود في سننه كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين قال وروى أبو موسى الأشعري أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي وذكر البيهقي حديث المغيرة هذا وقال إنه حديث منكر ضعفه سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني ومسلم بن الحجاج والمعروف عن المغيرة حديث المسح على الخفين ويروي عن جماعة أنهم فعلوه قال النووي كل واحد من
[ 279 ]
هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي مع أن الجرح مقدم على التعديل قال واتفق الحفاظ على تضعيفه ولا يقبل قول الترمذي إنه حسن صحيح انتهى وقال الشيخ تقي الدين في الإمام أبو قيس الأودي اسمه عبد الرحمن بن ثروان احتج به البخاري في صحيحه وذكر البيهقي في سننه أن أبا محمد يحيى بن منصور قال رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر وقال أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان وخصوصا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا مسح على الخفين وقالوا لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل قال فذكرت هذه الحكاية عن مسلم لأبي العباس محمد بن عبد الرحمن الدغولي فسمعته يقول سمعت على بن محمد بن شيبان يقول سمعت أبا قدامة السرخسي يقول قال عبد الرحمن بن مهدي قلت لسفيان الثوري لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك فقال سفيان الحديث ضعيف ثم أسند البيهقي عن أحمد بن حنبل قال ليس يروي هذا الحديث إلا من رواية أبي قيس الأودي وأبي عبد الرحمن بن مهدي أن يحدث بهذا الحديث وقال هو منكر وأسند البيهقي أيضا عن علي بن المديني قال قال حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة إلا أنه قال ومسح على الجوربين فخالف الناس وأسند أيضا عن يحيى بن معين قال الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس قال الشيخ ومن يصححه يعتمد بعد تعديل أبي قيس على كونه ليس مخالفا لرواية الجمهور مخالفة معارضة بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه ولا سيما وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة لم يشارك المشهورات في سندها انتهى كذا في نصب الراية من 75 ج 1 قلت قوله بل هو أمر زائد على ما رووه إلخ فيه نظر فإن الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ مسح على الخفين وأبو قيس يخالفهم جميعا فيروي عن هزيل عن المغيرة بلفظ مسح على الجوربين والنعلين فلم يزد على ما رووا بل خالف ما رووا نعم لو روى بلفظ مسح على الخفين الجوربين والنعلين لصح أن يقال إنه روى أمرا زائدا على ما رووه وإذ ليس فليس فتفكر فإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن أكثر الأئمة من أهل الحديث حكموا على هذا الحديث بأنه ضعيف مع أنهم لم يكونوا غافلين عن مسألة زيادة الثقة فحكمهم عندي والله تعالى أعلم مقدم على حكم الترمذي بأنه حسن صحيح وفي الباب حديثان آخران حديث ابن مسعود وحديث بلال وهما أيضا ضعيفان لا يصلحان للاحتجاج أما حديث أبي موسى فأخرجه الطحاوي في شرح الاثار من طريق أبي سنان عن الضحاك
[ 280 ]
بن عبد الرحمن عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وأخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي من طريق عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى وقد تقدم أن أبا داود حكم على هذا الحديث بأنه ليس بالمتصل ولا بالقوي وقال البيهقي بعد رواية الحديث له علتان إحداهما أن الضحاك بن عبد الرحمن لم يثبت سماعة من أبي موسى والثانية أن عيسى بن سنان ضعيف انتهى قلت أبو سنان الذي وقع في سند الطحاوي هو عيسى بن سنان قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته قال الأثرم قلت لأبي عبد الله أبو سنان عيسى بن سنان فضعفه قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين لين الحديث وقال جماعة عن ابن معين ضعيف الحديث وقال أبو زرعة مخلط ضعيف الحديث وقال أبو حاتم ليس بقوي في الحديث وقال العجلي لا بأس به وقال النسائي ضعيف قال ابن خراش صدوق وقال مرة في حديثه نكرة وذكره ابن حيان في الثقات وقال الكناني عن أبي حازم يكتب حديثه ولا يحتج به انتهى كلام الحافظ فإن قلت قال الشيخ علاء الدين المارديني إن التضعيف بعدم ثبوت سماع عيسى بن سنان عن أبي موسى وهو على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع قال ثم هو معارض بما ذكره عبد الغني فإنه قال في الكمال سمع الضحاك من أبي موسى قال وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثا في سنده عيسى بن سنان هذا وحسنه انتهى كذا نقل بعض مجوزي المسح عل الجورب مطلقا في رسالته وأقره فالظاهر أن حديث أبي موسى حسن صالح للاحتجاج قلت ذكر أبو داود وغيره أن في حديث أبي موسى المذكور علتين لضعفه الأولى الانقطاع والثانية ضعف عيسى بن سنان فإن ثبت سماع الضحاك من أبي موسى ترتفع العلة الأولى وتبقى الثانية وهي كافية لضعف حديث أبي موسى المشهور وأما قول المارديني وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره ففيه أن ابن معين أيضا ضعفه قال الذهبي في الميزان ضعفه أحمد وابن معين وهو مما يكتب على لينه إلخ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب قال يعقوب بن شيبة عن ابن معين لين الحديث وقال جماعة عن ابن معين ضعيف الحديث كما عرفت آنفا قلت ولضعف هذا الحديث علة ثالثة وهي أن عيسى بن سنان مخلط قال الحافظ أبو زرعة مخلط ضعيف الحديث كما عرفت آنفا في كلام الحافظ وأما قول المارديني وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثا في سنده عيسى بن سنان وحسنه فمما لا يصغى إليه فإن الترمذي قد يحسن الحديث مع تصريحه بالانقطاع وكذا مع تصريحه بضعف بعض رواته ثم تساهل الترمذي مشهور
[ 281 ]
وأما حديث بلال فهو أيضا ضعيف قال الزيلعي رواه الطبراني في معجمه من طريق ابن أبي شيبة ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة عن بلال قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه ويزيد بن أبي زياد وابن أبي ليلى مستضعفان مع نسبتهما إلى الصدق انتهى كلام الزيلعي قلت في سنده الأول الأعمش وهو مدلس ورواه عن الحكم بالعنعنة ولم يذكر سماعه منه قال الذهبي في الميزان في ترجمة الأعمش ربما دلس عن ضعيف لا يدري به فإن قال حدثنا فلا كلام وإن قال عن تطرق إليه الاحتمال إلا في شيوخ أكثر منهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال انتهى وفي سنده الثاني يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف قال الحافظ في التقريب في ترجمته ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن كان شيعيا انتهى فإن قلت كيف قلتم إن حديث بلال ضعيف وقد قال الحافظ في الدراية وفي الباب عن بلال أخرجه الطبراني بسندين رجال أحدهما ثقات انتهى وأراد برجال أحدهما رجال السند الأول فإنهم كلهم ثقات قلت لا شك في أن رجال السند الأول في حديث بلال كلهم ثقات ولكن فيهم الأعمش وقد عرفت أنه مدلس ورواه عن الحكم بالعنعنة وعنعنة المدلس غير مقبولة وقد تقرر أنه لا يلزم من كون رجال السند ثقات صحة الحديث لجواز أن يكون فيه ثقة مدلس ورواه عن شيخه الثقة بالعنعنة أو يكون فيه علة أخرى ألا ترى أن الحافظ ذكر في التلخيص حديث العينة الذي رواه الطبراني من طريق الأعمش عن عطاء عن ابن عمر وذكر أن ابن القطان صححه ثم قال ما لفظه وعندي أن الإسناد الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كونه رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء انتهى كلام الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية في بحث الجهر بالبسملة نقلا عن ابن الهادي ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحة الحديث حتى ينتفي منه الشذوذ والحاصل أنه ليس في باب المسح على الجوربين حديث مرفوع صحيح خال عن الكلام هذا ما عندي والله تعالى أعلم المبحث الثاني في تفسير الجورب وبيان ما وقع فيه من الاختلاف قال مجد الدين الفيروز ابادي في القاموس الجورب لفافة الرجل انتهى وقال أبو الفيض مرتضى الزبيدي في تاج العروس الجورب لفافة الرجل وهو بالفارسية كورب وأصله كوربا
[ 282 ]
ومعناه قبر الرجل انتهى وقال الطيبي الجورب لفافة الجلد وهو خف معروف من نحو الساق انتهى وكذلك في مجمع البحار وقال الشوكاني في النيل الخف نعل من أدم يغطي القدمين والجرموق أكبر منه والجورب أكبر من الجرموق وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة انتهى وقال القاضي أبو بكر بن العربي عارضة الأحوذي الجورب غشاء للقدم من صوف يتخذ للدفء انتهى وقال الحافظ بن تيمية في فتاواه الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو من كون هذا من صوف وهذا من جلود انتهى وقال العيني الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب انتهى قلت ويتخذ من الشعر أيضا كما تقدم أن أبا مسعود كان يمسح على جوربين له من شعر فتفسير المجد الفيروزآبادي عام يشمل كل ما يصدق عليه أنه لفافة الرجل سواء كان من الجلد أو الصوف أو الشعر أو غير ذلك وسواء كان ثخينا أو رقيقا بل هو شامل للمخيط وغيره قال في غنية المستملى شرح منية المصلي بعد ذكر تفسير المجد ما لفظه كأن تفسيره بإعتبار اللغة لكن العرف خص اللفافة بما ليس بمخيط والجورب بالمخيط ونحوه الذي يلبس كما يلبس الخف انتهى وتفسير الطيبي والشوكاني والشيخ عبد الحق يدل على أن الجورب يتخذ من الجلد وأنه نوع من الخف وأنه يكون أكبر منه وتفسير ابن العربي وابن تيمية والعيني يدل على أنه يتخذ من الصوف وقال شمس الأئمة الحلواني وهو من الأئمة الحنفية الجورب خمسة أنواع من المرعزي ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق والكبرباس ذكره نجم الدين الزاهدي عنه كما في حاشية البحر الرائق وفيها أن المرعزي الزغب الذي تحت شعر العنز والغزل ما غزل من الصوف والكرباس ما نسج من مغزول القطن قال الحلبي ويلحق بالكرباس كل ما كان من نوع الخيط كالكتان والإبريسيم أي الحرير انتهى ما في حشية البحر فالاختلاف في تفسير الجورب من جهتين من جهة ما يتخذ منه ومن جهة مقداره قال العلامة أبو الطيب شمس الحق في غاية المقصود بعد ذكر هذين النوعين من الاختلاف ما لفظه فهذا الاختلاف والله أعلم إما لأن أهل اللغة اختلفوا في تفسيره وإما لكون الجورب مختلف الهيئة والصنعة في البلاد المتفرقة ففي بعض الأماكن يصنع من الأديم وفي بعضها من صوف وفي بعضها من كل الأنواع فكل من فسره إنما فسره على هيئة بلاده ومنهم من فسره بكل ما يوجد في البلاد بأي نوع كان انتهى كلامه قلت يمكن أن يجمع بين هذه التفاسير المختلفة بأن الجورب هو لفافة الرجل كما قاله صاحب
[ 283 ]
القاموس من أي شئ كان وأما تقييدهم بالجلد والصوف والشعر أو غير ذلك فعلى حسب صنعة بلادهم والله تعالى أعلم المبحث الثالث في تحرير المذاهب في المسح على الجوربين وبيان ما هو الراجح عندي قال الطحاوي في شرح الاثار ص 995 ج 1 إنا لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين قد قال به أبو يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين فيكونا كالخفين انتهى وفي شرح الوقاية من من كتب الحنفية أو جوربيه الثخينين أي بحيث يستمسكان على الساق بلا شد منعلين أو مجلدين حتى إذا كانا ثخينين غير منعلين أو مجلدين لا يجوز عند أبي حنيفة خلافا لهما وعنه أنه رجع إلى قولهما وبه يفتى انتهى ما في شرح الوقاية والمنعل من التنعيل ما وضع الجلد على أسفله كالنعل للقدم والمجلد من التجليد ما وضع الجلد على أعلاه وأسفله كليهما وحاصل مذهب الحنفية أن الجوربين إن كان منعلين أو مجلدين يجوز المسح عليهما باتفاقهم وإن لم يكونا منعلين أو مجلدين اختلفوا فيه فمنعه أبو حنيفة في قوله القديم مستدلا بأنه لا يمكن مواظبة المشي فيه إلا إذا كان منع أو مجلدا فلم يكن في معنى الخف وجوزه صاحباه بناء على أنه إذا كان ثخينا يمكن فيه تتابع المشي فشابه الخف فإن لم يكونا ثخينين أيضا لا يجوز المسح عليهما اتفاقا كذا في عمدة الرعاية وأما مذهب مالك فكمذهب أبي حنيفة القديم وأما مذهب الشافعي وأحمد فقد ذكره الترمذي وهو أنه يجوز المسح عليهما إذا كانا ثخينين وإن لم يكونا منعلين وعلى هذا فقول أبي حنيفة الجديد وقول صاحبيه وقول الشافعي وأحمد واحد وهو جواز المسح على الجوربين إذا كانا ثخينين ونقل عن الشافعي كقول أبي حنيفة القديم قال ابن قدامة في المغني وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي ومجاهد وعمرو بن ديناد والحسن بن مسلم والشافعي لا يجوز المسح عليهما إلا أن ينعلا لأنه لا يمكن متابعة المشي فيهما فلم يجز المسح عليهما كالرقيقين انتهى وقال ابن العربي في العارضة اختلف العلماء في المسح على الجوربين على ثلاثة أقوال الأول أنه يمسح عليها إذا كانا مجلدين إلى الكعبين قال به الشافعي وبعض أصحابنا الثاني إن كان صفيقا جاز المسح عليه وإن لم يكن مجلدا إذا كان له نعل وبه فسر بعض أصحاب الشافعي مذهبه وبه قال أبو حنيفة وحكاه أصحاب الشافعي عن مالك الثالث أنه يجوز المسح عليه وإن لم يكن له نعل ولا تجليد قاله أحمد بن حنيل قال وجه الأول أن الحديث ضعيف كله فإن كانا مجلدين رجعا خفين ودخلا تحت أحاديث الخف ووجه الثاني أنه ملبوس في الرجل يسترها إلى الكعب يمكن متابعة المشي عليه فجاز المسح ووجه الثالث ظاهر الحديث ولو كان صحيحا لكان أصلا انتهى كلام ابن العربي وقال ابن رسلان في شرح
[ 284 ]
سنن أبي داود نص الشافعي في الأم على أنه يجوز المسح على الجوربين بشرط أن يكون صفيقا منعلا وقطع به جماعة من الشافعية ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين مجلدي القدمين قال القاضي أبو الطيب لا يجوز المسح على الجوربين إلا أن يكون سائر المحل الفرض يمكن متابعة المشي عليه هذا هو الصحيح في المذهب انتهى كلام ابن رسلان فإن قلت قد وقع في أحاديث الباب لفظ الجوربين مطلقا غير مقيد بشي من هذه القيود التي قيدهما بها هؤلاء الأئمة فما بالهم قيدوهما بها واشرطوا جواز المسح عليهما بتلك القيود فبعضهم بالتجليد وبعضهم بالتنعيل وبعضهم بالصفاقة والثخونة قلت الأصل هو غسل الرجلين كما هو ظاهر القران والعدول عنه لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة اتفق على صحتها أئمة الحديث كأحاديث المسح على الخفين فجاز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الخفين بلا خلاف وأما أحاديث المسح على الجوربين ففي صحتها كلام عند أئمة الفن كما عرفت فكيف يجوز العدول عن غسل القدمين إلى المسح على الجوربين مطلقا وإلى هذا أشار مسلم يقوله لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل انتهى فلأجل ذلك اشترطوا جواز المسح على الجوربين بتلك القيود ليكونا في معنى الخفين ويدخلا تحت أحاديث الخفين فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين ورأى بعضهم أنهما إذا كانا منعلين كانا في معناهما وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كانا في معناهما وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين والله تعالى أعلم فإن قلت قد ضعف الإمام أحمد حديث المسح على الجوربين ومع تضعيفه قد قال بجواز المسح على الجوربين ولم يقيدها بشئ من هذه القيود كما يظهر من كلام ابن العربي قلت قد قيدهما الامام أحمد أيضا بقيد الثخونة كما صرح به الترمذي وقال ابن قدامة في المغني قد قال أحمد في موضع لا يجزيه المسح على الجورب حتى يكون جوربا صفيقا يقوم قائما في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ انتهى كلامه وقد قال قيل هذا سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه فكره الخرق ولعل أحمد كرهها لأن الغالب عليها الخفة وأنها لا تثبت بأنفسها فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق انتهى كلامه على أنه لم يعتمد على حديث الجوربين بل اعتمد على آثار الصحابة رضي الله عنهم قال الحافظ بن القيم في تلخيص السنن قد نص أحمد على جواز المسح على الجوربين وعلل رواية أبي قيس وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر
[ 285 ]
يصح أن يحال الحكم عليه انتهى كلام ابن القيم وأما قوله لا يظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر إلخ ففيه أن الجوربين إذا كانا من غير الجلد وكانا ثخينين صفيقين بحيث يستمسكان على القدمين بلا شد ويمكن تتابع المشي فيهما فلا شك في أنه ليس بين هذين الجوربين والخفين فرق مؤثر لأنهما في معنى الخفين وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن تتابع المشي فهما ليسا في معنى الخفين فلا شك في أن بينهما وبين الخفين فرقا مؤثرا ألا ترى أن الخفين بمنزلة النعلين عند عدم وجدانهما يذهب الرجل فيهما ويجئ ويمشي أينما شاء فلابس الخفين لا يحتاج إلى نزعهما عند المشي فلا ينزعهما يوما وليلة بل أياما وليالي فهذا يشق عليه نزعمها عند كل وضوء بخلاف لابس الجوربين الرقيقين فإنه كلما أراد أن يمشي يحتاج إلى النزع فينزعهما في اليوم والليلة مرات عديدة وهذا لا يشق عليه نزعهما عند كل وضوء وهذا الفرق يقتضي أن يرخص للابس الخفين دون لابس الجوربين الرقيقين فقياس هذا على ذلك قياس مع الفارق فعدم ظهور الفرق المؤثر بينهما وبين الخفين ممنوع ولو سلم أنه لا يظهر الفرق بينهما وبين الخفين فلا شك في أن الجوربين الرقيقين ليس داخلين تحت أحاديث الخفين لأن الجورب ليس من أفراد الخف فلا وجه لجواز المسح عليهما إلا مجرد القياس ولا يترك ظاهر القرآن بمجرد القياس ألبتة فإن قلت قد أجاب الحافظ بن القيم عن قول مسلم لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل فقال جوابه من وجهين أحدهما أن ظاهر القران لا ينفي المسح على الجوربين إلا كما ينفي المسح على الخفين وما كان الجواب عن موارد الاجماع فهو الجواب عن مسألة النزاع الثاني الذين سمعوا القران من النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا تأويله مسحوا على الجوربين وهم أعلم الأمة بظاهر القرآن ومراد الله منه انتهى قلت في كلا الوجهين من الجواب نظر أما الوجه الأول ففيه أنه قد ورد في المسح على الخفين أحاديث كثيرة قد أجمع على صحتها أئمة الحديث فلأجل هذه الأحاديث الصحيحة تركوا ظاهر القرآن وعملوا بها وأما المسح على الجوربين فلم يرد فيه حديث أجمع على صحته وما ورد فيه فقد عرفت ما فيه من المقال فكيف يترك ظاهر القرآن ويعمل به وأما الوجه الثاني ففيه أنه لم يثبت أن الجواربة التي كان الصحابة رضي الله عنهم يمسحون عليها كانت رقائق بحيث لا تستمسك على الأقدام ولا يمكن لهم تتابع المشي فيها فيحتمل أنها كانت صفيقة ثخينة فرأوا أنها في معنى الخفاف وأنها داخلة تحت أحاديث المسح على الخفين وهذا الاحتمال هو الظاهر عندي وقد عرفت قول الإمام أحمد إنما مسح القوم على الجوربين لأنه كان عندهم بمنزلة الخف
[ 286 ]
إلخ فلا يلزم من مسح الصحابة على الجواربة التي كانوا يمسحون عليها جواز المسح على الجوربين مطلقا ثخينين كانا أو رقيقين فتفكر والراجح عندي أن الجوربين إذا كانا صفيقين ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح عليهما وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن المشي فيهما فهما ليسا في معنى الخفين وفي جواز المسح عليهما عندي تأمل والله تعالى أعلم تنبيه أعلم أن العلامة أبا الطيب شمس الحق رحمه الله تعالى قد اختار قول من اشترط في جواز المسح على الجوربين التجليد حيث قال في غاية المقصود بعد ذكر المذاهب المذكورة ما لفظه وأنت خبير أن الجورب يتخذ من الأديم وكذا من الصوف وكذا من القطن ويقال لكل واحد من هذا إنه جورب ومن المعلوم أن هذه الرخصة بهذا العموم التي ذهبت إليها تلك الجماعة لا تثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف سواء كانا منعلين أو ثخينين فقط ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين غير المجلدين بل يقال إن المسح يتعين على الجوربين المجلدين لا غيرهما لأنهما في معنى الخف والخف لا يكون إلا من أديم نعم إن كان الحديث قوليا بأن قال النبي صلى الله عليه وسلم امسحوا على الجوربين لكان يمكن الاستدلال بعمومه على كل أنواع الجورب وإذ ليس فليس فإن قلت لما كان الجورب من الصوف أيضا احتمل أن الجوربين الذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا من صوف أو قطن إذ لم يبين الراوي قلت نعم الاحتمال في كل جانب سواء يحتمل كونهما من صوف وكذا من قطن لكن ترجح الجانب الواحد وهو كونه من أديم لأنه يكون حينئذ في معنى الخف ويجوز المسح عليه قطعا وأما المسح على غير الأديم فثبت بالاحتمالات التي لم تطمئن النفس بها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك انتهى كلامه قلت كلامه هذا حسن طيب لكن فيه أن لقائل أن يقول إن هذا القول لا يثبت إلا بعد أن يثبت أن الجوربين اللذين مسح عليهما النبي صلى الله عليه وسلم كانا مجلدين ولم يثبت هذا قط فمن أين علم جواز المسح على الجوربين المجلدين وأما قوله إن الجوربين المجلدين في معنى الخف فلا يجدي نفعا فإن القائلين بجواز المسح على الجوربين الثخينين فقط يقولون أيضا إنهما لثخونتهما وصفاقتهما في معنى الخف فتفكر تنبيه قد استدل بعض مجوزي المسح على الجوربين مطلقا ثخينا كان أو رقيقا بما رواه الإمام أحمد في مسنده قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال بعث
[ 287 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ورواه أبو داود في سننه وقال قال ابن الأثير في النهاية العصائب هي العمائم لأن الرأس يعصب بها والتساخين كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها قال ورجال هذا الحديث ثقات مرضيون انتهى قلت هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه منقطع فإن راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان قال الحافظ بن أبي حاتم في كتاب المراسيل ص 22 أنبأ عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلى قال قال أحمد يعني ابن حنيل راشد بن سعد لم يسمع من ثوبان انتهى وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب قال أبو حاتم والحربي لم يسمع من ثوبان وقال الخلال عن احمد لا ينبغي أن يكون سمع منه انتهى على أن التساخين قد فسرها أهل اللغة بالخفاف قال ابن الأثير في النهاية في حرف التاء ما لفظه أمرهم أن يمسحوا على التساخين هي الخفاف ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين وتسخن والتاء فيها زائدة وذكرناها هنا حملا على ظاهر لفظها قال حمزة الأصفهاني أما التسخان فتعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والموابذة يأخذونه على رؤوسهم خاصة وجاء في الحديث ذكر العمائم والتساخين فقال من تعاطى تفسيره هو الخف حيث لم يعرف فارسيته انتهى وقال في حرف السين إنه أمرهم أن يمسحوا على المشاوذ والتساخين التساخين الخفاف ولا واحد لها من لفظها وقيل واحدها تسخان وتسخين هكذا في شرح كتب اللغة والغريب وقال حمزة الأصفهاني في كتاب الموازنة التسخان تعريب تشكن إلى آخر ما ذكر في حرف التاء وكذا في مجمع البحار فلما ثبت أن التساخين عند أهل اللغة والغريب هي الخفاف فالاستدلال بهذا الحديث على جواز المسح على الجوربين مطلقا ثخينين كانا أو رقيقين غير صحيح ولو سلم أن التساخين عند بعض أهل اللغة هي كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما فعند بعضهم التسخان تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كما عرفت وفي الدر المنثور للسيوطي قال حمزة التسخان معرب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس كان العلماء والقضاة يأخذونه على رؤوسهم خاصة ووهم من فسره بالخف انتهى فحصل للتساخين ثلاثة تفاسير الأول إنهما هي الخفاف والثاني إنها هي كل ما يسخن به القدم الثالث إنها هي تعريب تشكن وهو اسم غطاء من أغطية الرأس فمن ادعى أن المراد بها
[ 288 ]
في حديث ثوبان المذكور كل ما يسخن به القدم دون غيره فعليه بيان الدليل الصحيح ودونه خرط القتاد تنبيه اخر قال الحافظ بن تيمية في فتاواه ما لفظه يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتابا أو صوفا كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف وهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويا بل يجوز المسح على ما يبقى وما لا يبقى وأيضا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة وما أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله انتهى كلامه قلت كلام الحافظ بن تيمية هذا ليس مخالفا لما أخترنا من أن الجوربين إذا كانا ثخينين صفيقين بمكن تتابع المشي فيهما يجوز المسح عليهما فإنهما في معنى الخفين فإنه رحمه الله قيد جواز المسح على الجوربين بقوله إذا كان يمشي فيهما وظاهر أن تتابع المشي فيهما لا يمكن فيهما إلا إذا كانا ثخينين وأما قوله ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين فإنما يستقيم إذا كان الجوربان ثخينين بحيث يمكن تتابع المشي فيهما وأما إذا كانا رقيقين بحيث لا يمكن تتابع المشي فيهما فلا كما عرفت فيما تقدم فقيام الجوربين الرقيقين على الخفين قياس مع الفارق هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 289 ]
باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة في نسخة قلمية عتيقة باب ما جاء في المسح على العمامة وليس فيها لفظ الجوربين وهو الظاهر قوله (عن بكر بن عبد الله المزني) البصري ثقة من أوساط التابعين (عن الحسن) هو الحسن البصري (عن ابن المغيرة بن شعبة) اسم ابن المغيرة هذا حمزة وللمغيرة ابنان حمزة وعروة والحديث مروي عنهما جميعا لكن رواية بكر بن عبد الله المزني إنما هي عن حمزة بن المغيرة وعن ابن المغيرة غير مسمى ولا يقول بكر بن عروة ومن قال عروة عنه فقد وهم قاله النووي في شرح مسلم وحمزة بن المغيرة هذا ثقة من أوساط التابعين قوله (ومسح على الخفين والعمامة) بكسر العين وجمعه العمائم (قال بكر وقد سمعته من ابن المغيرة) أي بلا واسطة الحسن (وذكر محمد بن بشار في هذا الحديث في موضع اخر أنه مسح على ناصيته وعمامته) الناصية مقدم الرأس وقد وقع في رواية لمسلم مسح على الخفين ومقدم رأسه وعلى عمامته (وذكر بعضهم المسح على الناصية والعمامة ولم يذكر بعضهم الناصية) والذاكرون ثقات حفاظ فزيادة الناصية مقبولة بلا شك قال النووي في شرح مسلم قوله ومسح بناصيته وعلى العمامة هذا مما احتج به أصحابنا على أن مسح بعض الرأس يكفي ولا يشترط الجميع لأنه لو وجب الجميع لما اكتفى بالعمامة عن الباقي فإن الجمع بين الأصل والبدل في عضو واحد
[ 290 ]
لا يجوز كما لو مسح على خف واحد وغسل الرجل الأخرى وأما التيمم بالعمامة فهو عند الشافعي وجماعة على الاستحباب ليكون الطهارة على جميع الرأس ولا فرق بين أن يكون لبس العمامة على طهر أو على حدث وكذا لو كان على رأسه قلنسوة ولم ينزعها مسح بناصيته ويستحب أن يتيمم على القلنسوة كالعمامة ولو اقتصر على العمامة ولم يمسح شيئا من الرأس لم يجزه ذلك عندنا بلا خلاف وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأكثر العلماء وذهب أحمد بن حنبل إلى جواز الاقتصار ووافقه عليه جماعة من السلف انتهى كلام النووي قلت والمرجح عندي هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل لأحاديث الباب والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن عمرو بن أمية وسلمان وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه وأما حديث سلمان فأخرجه أحمد عنه أنه رأى رجلا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره وحديث سلمان هذا أخرجه أيضا الترمذي في العلل ولكنه قال مكان وعلى خماره وعلى ناصيته وفي إسناده أبو شريح قال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه فقال لا أدري لا أعرف اسمه وفي إسناده أيضا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان وهو مجهول قال الترمذي لا أعرف اسمه ولا أعرف له غير هذا الحديث وأما حديث ثوبان فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين قال صاحب المنتقي العصائب والعمائم والتساخين الخفاف قال الشوكاني في النيل في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان قال الخلال في علله إن أحمد قال لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد من ثوبان لأنه مات قديما انتهى وأما حديث أبي أمامة فأخرجه الطبراني بلفظ مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك وفي الباب أيضا عن خزيمة بن ثابت أخرجه الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار وعن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح على الخفين والخمار أخرجه الطبراني في معجمه الصغير وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الموقين والخمار أخرجه البيهقي في سننه وعن أبي ذر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على الموقين والخمار أخرجه الطبراني
[ 291 ]
في معجمه الأوسط وفي الباب أحاديث أخرى ذكرها الزيلعي في نصب الراية من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه قوله (حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم بلفظ فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين ولم يخرجه البخاري وقال الحافظ وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم وقد تعقبه ابن عبد الهادي وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس وبه يقول الأوزاعي وأحمد وإسحاق قالوا يمسح على العمامة) قال الحافظ في الفتح وإلى هذا ذهب الأوزاعي والثوري في رواية عنه وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطبري وابن خزيمة وابن المنذر وغيرهم وقال ابن المنذر ثبت ذلك عن أبي بكر وعمر وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا إنتهى قال الشوكاني في النيل قال الشافعي إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول انتهى وقال فيه ورواه أي المسح على العمامة ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله انتهى وقال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد ومسح على العمامة مقتصرا عليها ومع الناصية وثبت عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث لكن في قضايا أعيان يحتمل أن يكون خاصة بحال الحاجة والضرورة ويحتمل العموم كالخفين وهو أظهر انتهى وفي شرح الموطأ للزرقاني وأجاز المسح عليها أحمد والأوزاعي وداود وغيرهم للآثار وقياسا على الخفين ومنعه مالك والشافعي وأبو حنيفة لأن المسح على الخفين مأخوذ من الآثار لا من
[ 292 ]
القياس ولو كان منه لجاز المسح على القفازين وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس وحديث مسح العمامة محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل وقياسه على الخف بعيد لمشقة نزعه بخلافها وتعقب بأن الآية لا تنفي الاقتصار على المسح لا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو على حائل وبأن المجيزين الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه مشقة نزعها كالخف ورد الأول بأن الأصل حمل اللفظ على حقيقته ما لم يرد نص صريح بخلافه والنصوص وردت على النبي صلى الله عليه وسلم فعلا وأمرا بمسح الرأس فتحمل رواية مسح العمامة على أنه كان لعذر بدليل المسح على الناصية معها كما في مسلم انتهى كلام الزرقاني قلت قد ثبتت وصحت أحاديث المسح على العمامة فلا حاجة إلى القياس على المسح على الخفين ولا حاجة إلى تأويل تلك الأحاديث بل الظاهر أن تحمل على ظواهرها فائدة اختلف القائلون بالمسح على العمامة هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج فقال أبو ثور لا يمسح على العمامة إلا من لبسها على طهارة قياسا على الخفين ولم يشترط ذلك الباقون وكذلك اختلفوا في التوقيت فقال أبو ثور أيضا إن وقته كوقت المسح على الخفين وروى مثل ذلك عن عمر والباقون لم يوقتوا قال ابن حزم إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة في الحضر لكن في إسناده مروان أبو سلمة قال ابن أبي حاتم ليس بالقوي وقال البخاري منكر الحديث وقال الأزدي ليس بشئ وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح انتهى كلام الشوكاني قوله (يقول سمعت وكيع بن الجراح يقول إن مسح على العمامة يجزئه للأثر) أي للحديث والأمر عندي كما قال وكيع فإن أحاديث الباب تدل على أجزاء المسح على العمامة
[ 293 ]
قوله (عن عبد الرحمن بن إسحاق) بن عبد الله بن الحرث بن كنانة القرشي العامري المدني روى عن أبيه والزهري وعنه إبراهيم بن طهمان وبشر بن المفضل وثقة ابن معين قال أبو داود ثقه قدري قال الفسوي وابن خزيمة ليس به بأس قال ابن عدي أكثر أحاديثه صحاح وله ما ينكر كذا في الخلاصة (عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ياسر) قال في التقريب أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أخو سلمة وقيل هو هو مقبول انتهى وقال في الخلاصة وثقه ابن معين وفيه كلام أبي حاتم انتهى قوله (فقال السنة يا ابن أخي) أي هو السنة يا ابن أخي (فقال أمس الشعر) أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة فعليك أن تمس الشعر وقال محمد في موطئه أخبرنا مالك قال بلغني عن جابر ابن عبد الله أنه سئل عن العمامة فقال لا حتى يمس الشعر الماء قال صاحب التعليق الممجد قوله حتى يمس من الإحساس أو المس أي يصيب الشعر بالنصب على أنه مفعول مقدم الماء بالرفع أو النصب انتهى قوله (وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه ومع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي) قال الحافظ في الفتح اختلف السلف في معنى المسح على العمامة فقيل إنه كمل عليها بعد مسح الناصية وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح الرأس محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل قال وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها وتعقب بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف وطريقه أن تكون محكمة كعمائم العرب وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقتة ومجازه لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل انتهى وقال ابن قدامة في
[ 294 ]
المغني يجوز المسح على العمامة قال ابن المنذر وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر وأنس وأبو أمامة وروي عن سعيد بن مالك وأبي رضي الله عنهم وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول والأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر وقال عروة والنخعي والشعبي والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقوله الله تعالى (وامسحوا برؤسكم) ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين ولنا ما روى المغيرة بن شعبة قال توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح قال أحمد هو من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله قال ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فإنه يعفى عنه قال ومن شرط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين إما بأن يكون تحت الحنك منها شئ لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي وسواء كانت صغيرة أو كبيرة فإن لم يكن تحت الحنك منها شئ ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط رواه أبو عبيدة والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شئ وروى أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شئ فحنكه بكور منها وقال ما هذه الفاسقية فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعهما وإن كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها قال وإن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد قال والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف لما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة للمقيم رواه الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولا ممسوح على وجه الرخصة فتوقت بذلك كالخف انتهى ما في المغني قلت لا ريب في أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما يدل عليه أحاديث الباب وأما هذه الشرائط التي ذكرها ابن قدامة فلم أر ما يدل على ثبوتها من الأحاديث الصحيحة والله تعالى أعلم وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط فلم يذكر ابن قدامة سنده ولم يذكر تحسينه ولا تصحيحه عن أحد من أئمة الحديث ولم أقف على سنده ولا على من حسنه أو صححه فالله أعلم كيف هو وأما ما رواه في توقيت المسح على العمامة ففي إسناده شهر بن
[ 295 ]
حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن صدوق كثير الإرسال والأوهام كذا في التقريب وقد أخرجه الطبراني أيضا وفي إسناده مروان أبو سلمة وقد عرفت أن البخاري قال إنه منكر الحديث وقال ابن أبي حاتم ليس بالقوي وقد عرفت أيضا أنه سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال ليس بصحيح تنبيه قال الإمام محمد في موطئه بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك انتهى قال صاحب التعليق الممجد لم نجد إلى الان ما يدل على كون المسح على العمامة منسوخا لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة فلعل عنده وصل بإسناده انتهى كلامه قلت لا بد لمن يدعى أن المسح على العمامة كان فترك أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح ولا يثبت النسخ بمجرد قول الإمام محمد المذكور كما لا يخفي على العالم المنصف باب ما جاء في الغسل من الجنابة قال الجزري في النهاية الجنب الذي يجب عليه الغسل بالجماع أو خروج المني ويقع على الواحد وا ثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد وقد يجمع على أجناب وجنبين وأجنب يجنب إجنابا والجنابة الاسم وهي في الأصل البعد وسمي الإنسان جنبا لأنه نهى أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل انتهى وفي القاموس الجنابة المني وقد أجنب وجنب وجنب وأجنب واستجنب وهو جنب بضمتين يستوي للواحد والجمع انتهى (عن سالم بن أبي الجعد) الأشجعي الكوفي ثقة من رجال الكتب الستة وكان يرسل كثيرا من الثالثة مات سنة 79 سبع أو ثمان وتسعين وقيل مائة أو بعد ذلك ولم يثبت أنه جاوز المائة (عن كريب) بالتصغير هو ابن أبي مسلم الهاشمي مولاهم المدني أبو رشدين مولى ابن عباس ثقه من الطبقة الوسطى من التابعين روى عن مولاه ابن عباس وعائشة وأم هانئ وعنه أبو سلمة وبكير بن الأشج موسى بن عقبة وثقه النسائي مات سنة ثمان وتسعين (عن خالته ميمونة) بنت الحارث العامرية الهلالية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سنة سبع وتوفيت بسرف حيث بنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ما بين مكة والمدينة وذلك سنة 51 إحدى وخمسين
[ 296 ]
قوله (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا) بضم الغين وسكون السين أي ماء الاغتسال وفي رواية البخاري وغيره وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء للغسل (فاغتسل) أي أراد الاغتسال (من الجنابة) من سببية أي لأجل الجنابة فأكفأ الاناء أي أماله قال في النهاية يقال كفأت الإناء وأكفأته إذا كببته وإذا أملته وقال في القاموس أكفأ أمال وقلب (فغسل كفيه) يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم وهو الراجح يدل عليه قول ميمونة ثم أدخل يده في الإناء وقول عائشة في حديثها الاتي فغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء (فأفاض على فرجه) أي صب الماء عليه وغسله وفي رواية للبخاري وغسل فرجه وما أصابه من الأذى وفي رواية أخرى له فغسل مذاكيره ثم دلك بيده الحائط أو الأرض شك من الراوي وفيه دليل على استحباب مسح اليد بالتراب من الحائط أو التراب بعد الاستنجاء (فأفاض على رأسه ثلاثا) ظاهره يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم يمسح رأسه كما يفعل في الوضوء قاله ابن دقيق العيد وقال الحافظ في الفتح ولم يقع في شئ من طرق هذا الحديث التنصيص على مسح الرأس في هذا الوضوء وتمسك به المالكية لقولهم إن وضوء الغسل لا تمسح فيه الرأس بل يكتفي عنه لغسلها انتهى (ثم أفاض على سائر جسده) أي أسال الماء على باقي جسده قال في القاموس السائر الباقي لا الجميع كما توهم جماعات وقد يستعمل له ومنه قول الأخرس فجللتها لنا لبابة لما وقد النوم سائر الحراس وقال الجزري في النهاية والسائر مهموز الباقي والناس يستعملونه في معنى الجميع وليس بصحيح وقد تكررت هذه اللفظة في الحديث وكلها بمعنى باقي الشئ انتهى قلت قد وقع عند البخاري في حديث عائشة من طريق مالك عن هشام عن أبيه عنها ثم يفيض الماء على جلده كله قال الحافظ هذا التأكيد يدل على أنه عمم جميع جسده بالغسل بعد ما تقدم انتهى ووقع في حديثها من طريق عبد الله عن هشام عن أبيه ثم غسل سائر جسده قال الحافظ أي بقية جسده قال فيحتمل أن يقال إن سائر هنا بمعنى الجميع جمعا بين الروايتين انتهى (ثم تنحى) أي تحول إلى ناحية (فغسل رجليه) وفي رواية للبخاري عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم
[ 297 ]
قالت توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءه للصلاة غير رجليه الحديث وفيه ثم نحى رجليه فغسلهما هذه غسلة من الجنابة قال الحافظ تحت هذه الرواية فيه التصريح بتأخير الرجلين في وضوء الغسل إلى آخره وهو مخالف لظاهر رواية عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ بغسل يديه ثم يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ثم يدخل أصابعه في الماء الحديث ويمكن الجمع بينهما إما بحمل رواية عائشة على المجاز بأن المراد يتوضأ أكثر الوضوء كما يتوضأ للصلاة وهو ما سوى الرجلين وبحمله على حالة أخرى وبحسب اختلاف هاتين الحالتين اختلف نظر العلماء فذهب الجمهور إلى استحباب تأخير غسل الرجلين في الغسل وعن مالك إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما وإلا فالتقديم وعند الشافعية في الأفضل قولان قال النووي أصحهما وأشهرهما ومختارهما أنه يكمل وضوءه قال لأن أكثر الروايات عن عائشة وميمونة كذلك قال الحافظ كذا قال النووي وليس في شئ من الروايات عنهما التصريح بذلك بل هي إما محتملة كرواية توضأ وضوءه للصلاة أو ظاهرة في تأخيرهما كرواية أبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة الحديث وفي آخره ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه وله شاهد من رواية أبي سلمة عن عائشة أخرجه أبو داود والطيالسي بلفظ فإذا فرغ غسل رجليه ويوافقها أكثر الروايات عن ميمونة أو صريحة في تأخيرهما كحديث الباب وراويها مقدم في الحفظ والفقه على جميع من رواه عن الأعمش انتهى كلام الحافظ ملخصا قوله (هذا حديث حسن حصحيح) أخرجه الجماعة قوله (وفي الباب عن أم سلمة وجابر وأبي سعيد وجبير بن مطعم وأبي هريرة) أما حديث أم سلمة فأخرجه مسلم وأما حديث جابر فأخرجه ابن ماجه عنه قال قلت يا رسول الله إنا في أرض باردة فكيف الغسل من الجنابة فقال صلى الله عليه وسلم أما أنا فأحثوا على رأسي ثلاثا وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه أن رجلا سأله عن الغسل من الجنابة فقال ثلاثا فقال الرجل إن شعري كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر شعرا منك وأطيب وأما حديث جبير بن مطعم فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه قال تماروا في الغسل من الجنابة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفيض على رأسي ثلاث أكف وأخرجه أيضا البخاري ومسلم والنسائي وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه عنه بلفظ سأله رجل كم أفيض على رأسي وأنا جنب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحثو على رأسه
[ 298 ]
ثلاث حثيات قال الرجل إن شعري طويل قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر شعرا منك وأطيب قوله (نا سفيان) هو ابن عينية كما يظهر من عبارة الحافظ الآتية (إذا أراد أن يغتسل من الجناية) أي من أجل رفعها أو بسبب حدوثها (بدأ بغسل يديه) وفي نسخة صحيحة فغسل يديه قال الحافظ يحتمل أن يكون غسلهما للتنظيف مما بهما من مستقذر ويحتمل أن يكون هو الغسل المشروع عند القيام من النوم ويدل عليه زيادة ابن عيينة في هذا الحديث قبل أن يدخلهما في الإناء رواه الشافعي والترمذي وزاد أيضا ثم يغسل فرجه انتهى قلت رواية الترمذي والتي أشار إليها الحافظ هي هذه التي نحن في شرحها وظهر من كلام الحافظ هذا أن سفيان في هذه الرواية هو ابن عيينة (ثم يغسل) وفي النسخة القلمية ثم غسل (ثم يتوضأ وضوءه) بالنصب أي كوضوئه للصلاة (ثم يشرب) من التشريب أو الإشراب (شعره) بالنصب (الماء) بالنصب أيضا وهما مفعولان ليشرب أي يسقى صلى الله عليه وسلم شعره المبارك الماء قال في مجمع البحار تشريبه بل جميعه بالماء انتهى وقال ابن العربي في العارضة قوله يشرب شعره الماء يعني يسقيه كقوله تعالى (وأشربوا في قلوبهم العجل) أي سقي في قلوبهم حبه قال معناه يصب عليه الماء فيسري إلى مداخله كسريانه إلى بواطن البدن شبهه به وسماه شرابا لأجله وهذا مجاز بديع انتهى (وفي رواية الشيخين) ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها أصول شعره (ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات) أي ثلاث غرف بيديه واحدها حثية قاله في النهاية والمعنى يصب على رأسه ثلاث غرف بيديه وفي رواية للشيخين ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (ثم يفرغ) من الإفراغ وهو الصب (ثم
[ 299 ]
يفيض) من الإفاضة وهو الإسالة (وقالوا إن انغمس الجنب في الماء ولم يتوضأ أجزأه) يعني الوضوء ليس بواجب في غسل الجنابة (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه قال الشافعي في الأم فرض الله تعالى الغسل مطلقا لم يذكر فيه شيئا يبدأ به قبل شئ فكيفما جاء به المغتسل أجزأه إذا أتى بغسل جميع بدنه والاحتياط في الغسل ما روت عائشة ثم حديث عائشة عن مالك بسنده قال ابن عبد البر هو أحسن حديث روي في ذلك فإن لم يتوضأ قبل الغسل ولكن عم جسده ورأسه ونواه فقد أدى ما عليه بلا خلاف لكنهم مجمعون على استحباب الوضوء قبل الغسل كذا ذكره الزرقاني في شرح الموطأ وقال الحافظ في الفتح نقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث انتهى كلام الحافظ وقال ابن العربي في العارضة قال أبو ثور يلزم الجمع بين الوضوء والغسل كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعنه ثلاثة أجوبة الأول أن ذلك ليس بجمع كما بيناه وإنما هو غسل كله الثاني أنه إن كان جمع بينهما فإنما ذلك استحباب بدليل قوله تعالى (حتى تغتسلوا) وقوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا) فهذا هو الفرض الملزم والبيان المكمل وما جاء من بيان هيئته لم يكن بيانا لمجمل واجب فيكون واجبا وإنما كان إيضاحا لسنة الثالث أن سائر الأحاديث ليس فيها ذكر الوضوء ومنها ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة إذا قالت له إني امرأة أشد ضفر رأسي فأنقضه للغسل من الجنابة فقال لها إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تضغثيه ثم تفيضين على جسدك الماء فإذا أنت قد طهرت انتهى كلام ابن العربي قلت في كل من الأجوبة الثلاثة عندي نظر أما في الأول فلأن ظاهر حديث ميمونة وحديث عائشة هو الجمع كما عرفت أما في الثاني فلأن المراد بقوله تعالى (حتى تغتسلوا) هو الاغتسال الشرعي الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل الجنابة وكذا المراد بقوله تعالى (فاطهروا) هو التطهر الشرعي وأما في الثالث فلأن عدم ذكر الوضوء في بعض أحاديث غسل الجنابة ليس بدليل على أنه ليس بواجب في غسل الجنابة كما لا يخفي على المتأمل هذا ما عندي والله تعالى أعلم
[ 300 ]
باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل قوله (نا سفيان) هو ابن عيينة كما في رواية أبي داود (عن أيوب بن موسى) ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي الفقيه الكوفي من رجال الكتب الستة قال ابن المديني له نحو أربعين حديثا وثقة أحمد وقال يحيى أصيب مع داود بن علي في سنة ثلاثين ومائة له في البخاري فرد حديث (عن المقبري) وفي رواية مسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال الحافظ في التقريب ثقة من الثالثة تغير قبل موته بأربع سنين انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن رافع) المخزومي المدني مولى أم سلمة ثقة من الثالثة روى عن مولاته أم سلمة وأبي هريرة وعنه سعيد المقبري وابن إسحاق وثقه أبو زرعة (عن أم سلمة) بفتح السين وكسر اللام واسمها هند بنت أبي أمية واسم أبي أمية سهيل ويقال له زاد الراكب كانت عند أبي سلمة بن عبد الأسد فهاجر بها إلى أرض الحبشة الهجرتين فولدت له هناك زينب وولدت له بعد ذلك سلمة وعمرو درة ومات أبو سلمة في جمادي الأخرى سنة 4 أربع من الهجرة فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة في ليال بقين من شوال سنة أربع وتوفيت سنة 59 تسع وخمسين وقيل سنة 26 ثنتين وستين والأول أصح قال أبو نعيم الأصبهاني وصلى عليها سعيد بن زيد وهو غلط والصحيح أبو هريرة وقبرت بالبقيع وهي ابنة أربع وثمانين سنة كذا في تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير للحافظ ابن الجوزي قوله (إني امرأة أشد) بفتح الهمزة بضم الشين أي أحكم (ضفر رأسي) أو نسجه أو فتله بالضاد المفتوحة المعجمة والفاء الساكنة نسج الشعر وإدخال بعضه في بعض والضفيرة الذؤابة قال القاري وقال النووي بفتح الضاد وإسكان الفاء هذا هو المشهور المعروف في رواية الحديث والمستفيض عند المحدثين والفقهاء وغيرهم ومعناه أحكم فتل شعري وقال الإمام ابن أبزي في الجزء الذي صنفه في لحن الفقهاء من ذلك قولهم في حديث أم سلمة أشد ضفر رأسي يقولونه بفتح الضاد وإسكان الفاء وصوابه ضم الضاد الفاء جمع ضفيرة كسفينة وسفن وهذا الذي أنكره ليس كما زعمه بل الصواب جواز الأمرين ولكل واحد منهما معنى صحيح ولكن يترجح ما قدمناه لكونه المروي المسموع في الروايات الثابتة المتصلة أفأنقضه لغسل الجنابة أي أفرقه لأجله حتى
[ 301 ]
يصل الماء إلى باطنه وفي رواية مسلم أفأنقضه للحيضة والجنابة (قال لا إنما يكفيك) بكسر الكاف (أن تحثي) بكسر مثلثه وسكون ياء أصله تحثيين كتضربين أو تنصرين فحذف حرف العلة بعد نقل حركته أو حذفه وحذف النون للنصب كذا في مجمع البحار قال القاري ولا يجوز فيه النصب والحثي الإثارة أي تصبي (ثم تفيضي) من الإفاضة عطف على تحثي أي تسيلي (فتطهرين) أي فأنت تطهرين قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة فلم تنقض شعرها إن ذلك يجزئها بعد أن تفيض الماء على رأسها) مذهب الجمهور أن المرأة إذا اغتسلت من الجنابة أو الحيض يكفيها أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات ولا يجب عليها نقض شعرها وقال الحسن وطاوس يجب النقض في غسل الحيض دون الجنابة وبه قال أحمد ورجح جماعة من أصحابه أنه للاستحباب فيهما واستدل من قال بوجوب النقض في غسل الحيض دون الجنابة بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة وانقضى رأسك وامتشطي واستدل الجمهور بحديث أم سلمة المذكور في الباب وفي رواية لمسلم للحيضة والجنابة وحملوا الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم وانقضى رأسك على الاستحباب جمعا بين الروايتين أو بجمع بالتفصيل بين من لا يصل الماء إلى أصوله بالنقض فيلزم وإلا فلا هذا خلاصة ما ذكره الحافظ في الفتح وقيل إن شعر أم سلمة كان خفيفا فعلم صلى الله عليه وسلم أن يصل الماء إلى أصوله وقيل بأنه إن كان مشدودا نقض وإلا لم يجب نقضه لأنه يبلغ الماء أصوله قال صاحب سبل السلام لا يخفي أن حديث عائشة كان في الحج فإنها أحرمت بعمرة ثم
[ 302 ]
حاضت قبل دخول مكة فأمرها صلى الله عليه وسلم أن تنقض رأسها وتمتشط وتغتسل بالحج وهي حينئذ لم تطهر من حيضها فليس إلا غسل تنظيف لا حيض فلا يعارض حديث أم سلمة أصلا فلا حاجة إلى هذه التأويلات التي في غاية الركاكة فإن خفة شعر هذه دون هذه يفتقر إلى دليل والقول بأن هذا مشدود وهذا غير مشدود والعبارة عنهما من الراوي بلفظ النقض دعوى بغير دليل انتهى باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة قوله (نا الحارث بن وجيه) بالواو والجيم والياء التحتانية والهاء بوزن فعيل وقيل بفتح الواو وسكون الجيم بعدها موحدة الراسي أبو محمد البصري ضعيف كذا في التقريب (نا مالك بن دينار) البصري الزاهد أبو يحيى صدوق عابد وثقه النسائي مات سنة 031 ثلاثين ومائة (عن محمد بن سيرين) الأنصاري البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات 011 سنة عشر ومائة روى عن مولاه أنس وزيد بن ثابت وأبي هريرة وطائفة من كبار التابعين وعنه الشعبي وثابت وقتادة ومالك بن دينار وخلق كثير قال ابن سعد كان ثقة مأمونا عاليا رفيعا فقيها إماما كثير العلم وقال أبو عوانة رأيت ابن سيرين في السوق فما رأه أحد إلا ذكر الله وروى أنه اشترى بيتا فأشرفت فيه على ثمانين ألف دينار فعرض في قلبه شيئ فتركه قوله (تحت كل شعرة جنابة) فلو بقيت شعرة واحدة لم يصل إليها الماء بقيت جنابة والشعر بفتح الشين وسكون العين للإنسان وغيره فيجمع على شعور مثل فلس وفلوس وبفتح العين فيجمع على أشعار مثل سبب وأسباب وهو مذكر الواحد شعرة والشعرة بكسر الشين على وزن سدرة شعر الركب للنساء خاصة قاله في العباب (فاغسلوا الشعر) بفتح العين وسكونها أي جميعه قال الخطابي ظاهر هذا الحديث يوجب نقض القرون والضفائر إذا أراد الاغتسال من الجنابة لأنه لا يكون شعره مغسولا إلا أن ينقضها وإليه ذهب إبراهيم النخعي وقال عامة أهل العلم إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره يجزيه والحديث ضعيف انتهى (وأنقوا البشر) من
[ 303 ]
الإنقاء نظفوا البشر من الأوساخ لأنه لو منع شئ من ذلك وصول الماء لم يرتفع الجنابة والبشر بفتح الباء والشين قال الجوهري في الصحاح البشر ظاهر جلد الانسان قوله (وفي الباب عن على وأنس) أما حديث على فأخرجه أحمد وأبو داود عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من ترك موضع شعرة من جنابة لم يصبها الماء فعل الله به كذا وكذا من النار قال علي فمن ثم عاديت شعري زاد أبو داود وكان يجز شعره رضي الله عنه كذا في المنتقى وقال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح فإنه من رواية عطاء بن السائب وقد سمع منه حماد بن سلمة قبل الاختلاط أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديث حماد لكن قيل إن الصواب وقفه على علي انتهى وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الصغير وفيه ويا أنس بالغ في الاغتسال في الجنابة فإنك تخرح من مغتسلك وليس عليك ذنب ولا خطيئة قال قلت كيف المبالغة يا رسول الله قال تبل أصول الشعر وتنقي البشرة الحديث وفيه محمد بن الحسن بن أبي يزيد وهو ضعيف قال الهيثمي وفي الباب أيضا عن أبي أيوب أخرجه ابن ماجه في حديث فيه أداء الأمانة وغسل الجنابة فإن تحت كل شعرة جنابة وإسناده ضعيف كذا في التلخيص قوله (حديث الحارث بن وجيه غريب إلخ) وأخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي قال الحافظ في التلخيص مداره على الحارث بن وجيه وهو ضعيف جدا قال أبو داود الحارث حديثه منكر وهو ضعيف وقال الشافعي الحديث ليس بثابت وقال البيهقي أنكره أهل العلم بالحديث البخاري وأبو داود وغيرهما انتهى كلام الحافظ (وهو شيخ ليس بذلك) وفي بعض النسخ ليس بذلك أي بذاك المقام الذي يوثق به أدى روايته ليست بقوية كذا في الطيبي وظاهره يقتضي أن قوله وهو شيخ للجرح وهو مخالف لما عليه عامة أصحاب الجرح والتعديل من أن قولهم شيخ من ألفاظ مراتب التعديل فعلى هذا يجئ إشكال اخر في قول الترمذي لأن قولهم ليس بذاك من ألفاظ الجرح اتفاقا فالجمع بينما في شخص واحد جمع بين المتنافيين فالصواب أن يحمل قوله وهو شيخ على الجرح بقرينة مقارنته بقوله ليس بذاك وإن كان من ألفاظ التعديل ولإشعاره بالجرح
[ 304 ]
لأنهم وإن عدوه في ألفاظ التعديل صرحوا أيضا بإشعاره بالقرب من التجريح أو نقول لا بد في كون الشخص ثقة من شيئين العدالة والضبط كما بين في موضعه فإذا وجد في الشخص العدالة دون الضبط يجوز أن يعدل بإعتبار الصفة الأولى ويجوز أي يجرح بإعتبار الصفة الثانية فإذا كان كذلك لا يكون الجمع بينهما جمعا بين المتنافيين كذا في السيد جمال الدين رحموه الله كذا في المرقاة باب الوضوء بعد الغسل قوله (حدثنا إسمعيل بن موسى) الفزاري أبو محمد ابن بنت السدي قال النسائي ليس به بأس قال ابن عدي أنكروا منه الغلو في التشيع كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يخطئ ورمي بالرفض قوله (كان لا يتوضأ بعد الغسل) أي اكتفاء بوضوئه الأول في الغسل أو باندراج ارتفاع الحدث الأصغر تحت ارتفاع الأكبر بإيصال الماء إلى جميع أعضائه وهو رخصة قاله القاري قلت المعتمد هو الأول والله تعالى أعلم وفي رواية ابن ماجه لا يتوضأ بعد الغسل من الجنابة قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة وقال في النيل قال الترمذي حديث حسن صحيح قلت ليس في النسخ الموجودة عندنا قول الترمذي وقال القاضي الشوكاني قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي تختلف نسخ الترمذي في تصحيح حديث عائشة وأخرجه البيهقي بأسانيد جيدة وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وعنه موقوفا أنه قال لما سئل عن الوضوء بعد الغسل وأي وضوء أعم من الغسل رواه ابن أبي شيبة وروى ابن أبي شيبة أيضا أنه قال لرجل قال له إني أتوضأ بعد الغسل فقال لقد تعمقت وروي عن حذيفة أنه قال أما يكفي أحدكم أن يغسل من قرنه إلى قدمه وقد روي نحو ذلك عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم حتى قال أبو بكر بن العربي إنه لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها لأن موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث فدخل الأقل في نية الأكثر وأجزأت نية الأكبر عنه انتهى
[ 305 ]
فإن قلت كيف يكون حديث الباب صحيحا وفي إسناده شريك بن عبد الله النخعي وهو وإن كان صدوقا لكنه يخطئ كثيرا وتغير حفظه منذ ولي قضاء الكوفة قلت قال أحمد هو في أبي إسحاق أثبت من زهير وقد روى حديث الباب عن أبي إسحاق ثم لم ينفرد هو في روايته بل تابعه زهير في رواية أبي داود وأخرجه البيهقي بأسانيد صحيحة كما عرفت قوله (هذا قول غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلخ) بل لم يختلف فيه العلماء كما صرح به ابن العربي باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل إلخ المراد بالختانان ختان الرجل وخفاض المرأة وختان الرجل هو مقطع جلدة كمرته وخفاض المرأة هو مقطع جلدة في أعلى فرجها تشبه عرف الديك بينها وبين مدخل الذكر جلدة رقيقة وإنما ثنيا بلفظ واحد تغليبا وله نظائر وقاعدته رد الأثقل إلى الأخف والأدنى إلى الأعلى قوله (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني ثقة جليل قال ابن عيينة كان أفضل أهل زمانه عن أبيه وأسلم العدوي وعنه شعبة ومالك وخلق ووثقه أحمد وإبن سعد وأبو حاتم مات سنة 621 ست وعشرين ومائة (عن أبيه) أي القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ثقة أحد الفقهاء بالمدينة قال أيوب ما رأيت أفضل منه من الثالثة مات سنة 106 ست ومائة على الصحيح كذا في التقريب قلت هو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة روى عن عائشة وأبي هريرة وابن عباس وابن عمر وطائفة وعنه الشعبي والزهري وخلق قال ابن سعد كان ثقة
[ 306 ]
عالما فقيها إماما كثير الحديث قوله (إذا جاوز الختان الختان) الأول بالرفع والثاني بالنصب والختان هو موضع القطع من فرج الذكر والأنثى وهو أعم من أن يكون مختونا أم لا والمراد بمجاوزة الختان الختان الجماع وهو غيبوبة الحشفة وفي رواية عبد الله بن عمرو بن العاصى إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل أخرجه ابن ماجه (وجب الغسل) بضم الغين المعجمة اسم للاغتسال (فعلته) الضمير راجع إلى مصدر جاوز (أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم) بالرفع أو النصب (فاغتسلنا) ظاهره أنها تعني بغير إنزال وأنه ناسخ لمفهوم حديث إنما الماء من الماء قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ورافع بن خديج) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان ولفظه إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب عليه الغسل ولمسلم وأحمد وإن لم ينزل وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه أحمد والحازمي في كتاب الاعتبار ولفظه قال ناداني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على بطن امرأتي فقمت ولم أنزل فاغتسلت وخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عليك الماء من الماء قال رافع ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بالغسل قال الحازمي بعد رواية هذا الحديث هذا حديث حسن قال الشوكاني في النيل في تحسينه نظر لأن في إسناده رشدين وليس من رجال الحسن وفيه أيضا مجهول انتهى قلت الأمر كما قال الشوكاني قوله (عن علي بن زيد) بن جدعان التيمي البصري أصله حجازي ضعيف روى عن ابن المسيب وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق قال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال ابن خزيمة سيئ الحفظ وقال شعبة حدثنا علي بن زيد قبل أن يختلط وقال يعقوب بن شيبة ثقة وقال الترمذي صدوق إلا أنه ربما يرفع الشئ الذي يوقفه غيره قوله (إذا جاوز الختان الختان) قال في مجمع البحار أي حاذي أحدهما الاخر سواء تلامسا أو لا كما إذا لف الذكر بالثوب وأدخل انتهى قال الشوكاني ورد الحديث بلفظ المحاذاة
[ 307 ]
وبلفظ الملاقاة وبلفظ الملامسة وبلفظ الإلصاق والمراد بالملاقة المحاذاة قال القاضي أبو بكر إذا غابت الحشفة في الفرج فقد وقعت الملاقاة قال ابن سيد الناس وهكذا معنى مس الختان الختان أي قاربه وداناه ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به ومعنى المجاوزة ظاهر قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي حاكيا عن ابن العربي وليس المراد حقيقة اللمس ولا حقيقة الملاقاة وإنما هو من باب المجاز والكناية عن الشئ بما بينه وبينه ملابسة وهو ظاهر وذلك أن ختان المرأة في أعلى الفرج ولا يمسه الذكر في الجماع وقد أجمع العلماء على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولجه لم يجب الغسل على واحد منهما فلا بد من قدر زائد على الملاقاة وهو ما وقع مصرحا به في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ إذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل أخرجه ابن أبي شيبة انتهى قلت وأخرجه ابن ماجة أيضا قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) والحديث صححه ابن حبان وابن القطان وأعله البخاري بأن الأوزاعي أخطأ فيه ورواه غيره عن عبد الرحمن بن القاسم مرسلا واستدل على ذلك بأن أبا الزناد قال سألت القاسم بن محمد سمعت في هذا الباب شيئا فقال لا وأجاب من صححه بأنه يحتمل أن يكون القاسم كان نسيه ثم تذكر فحدث به أبنه أو كان حدث به ثم نسي ولا يخلو الجواب عن نظر قال الحافظ وأصله في مسلم بلفظ إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل وقال النووي هذا الحديث أصله صحيح لكنه فيه تغير وتبع في ذلك ابن الصلاح قوله (وهو قول أكثر أهل العلم إلخ) قال النووي أعلم أن الأمة مجتمعة الان على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ثم رجع بعضهم وانعقد الاجماع بعد الآخرين انتهى وقال ابن العربي إيجاب الغسل أطبق عليه الصحابة ومن بعدهم وما خالف فيه إلا داود ولا عبرة بخلافه قال الحافظ في الفتح وأما نفي ابن العربي الخلاف فمعترض فإنه مشهور بين الصحابة ثبت عن جماعة منهم لكن ادعى ابن القصار أن الخلاف ارتفع بين التابعين وهو معترض أيضا فقد قال الخطابي إنه
[ 308 ]
قال به جماعة من الصحابة فسمي بعضهم قال ومن التابعين الأعمش وتبعه عياض لكن لم يقل به أحد بعد الصحابة غيره وهو معترض أيضا فقد ثبت ذلك عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح وعن هشام بن عروة عند عبد الرزاق بإسناد صحيح وقال الشافعي في اختلاف الحديث حديث الماء من الماء ثابت لكنه منسوخ إلى أن قال فخالفنا بعض أهل ناحيتنا يعني من الحجازيين فقالوا لا يجب الغسل حتى ينزل هو فعرف بهذا أن الخلاف كان مشهورا بين التابعين ومن بعدهم لكن الجمهور على إيجاب الغسل وهو الصواب انتهى كلام الحافظ قلت لا شك في أن مذهب الجمهور هو الحق والصواب وأما حديث الماء من الماء وما في معناه فهو منسوخ ويأتي بيان النسخ في الباب الاتي باب ما جاء أن الماء من الماء مقصود الترمذي من عقد هذا الباب أن حديث الماء من الماء منسوخ وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر رداءه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن أمرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الماء من الماء والمراد بالماء الأول ماء الغسل وبالثاني المني وفيه جناس تام قوله (ثنا يونس بن يزيد) ابن أبي النجاد الأيلي أبو زيد مولى آل أبي سفيان ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ قاله الحافظ في التقريب وقال في مقدمة فتح الباري قال ابن أبي حاتم عن عباس الدوري قال ابن معين أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ويونس وشعيب وقال عثمان الدارمي عن أحمد بن صالح نحن لا نقدم على يونس في
[ 309 ]
الزهري أحدا قال ووثقه الجمهور مطلقا ضعفوا بعض روايته حيث يخالف أقرانه ويحدث من حفظه فإذا حدث من كتابه فهو حجة قال واحتج به الجماعة (عن سهل بن سعد) بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي له ولأبيه صحبة مشهور مات سنة 88 ثمان وثمانين وقيل بعدها قوله (إنما كان الماء من الماء رخصة في أول الاسلام ثم نهي عنها) أي عن هذه الرخصة وفرض الغسل بمجرد الإيلاج وفي رواية أبي داود أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كان رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الاسلام ثم أمر بالاغتسال بعد وفي رواية للحازمي في كتاب الاعتبار قال كان الماء من الماء شيئا في أول الاسلام ثم ترك ذلك بعد وأمروا بالغسل إذا مس الختان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والدارمي وقال الحافظ في الفتح هو إسناد صالح لأن يحتج به وقال فيه صححه ابن خزيمة وابن حبان قوله (وإنما كان الماء من الماء في أول الاسلام ثم نسخ بعد ذلك) لا شك في أن حديث أبي بن كعب المذكور صريح في النسخ على أن حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح من حديث الماء من الماء لأنه بالمنطوق وترك الغسل من حديث الماء من الماء بالمفهوم أو بالمنطوق أيضا لكن ذلك أصرح منه كذا في الفتح (منهم أبي بن كعب ورافع بن خديج) أما رواية أبي بن كعب فهي مذكورة في هذا الباب أما رواية رافع بن خديج فأخرجها الحازمي في كتاب الاعتبار وقد تقدمت
[ 310 ]
قوله (عن أبي الجعاف) بفتح الجيم وتثقيل المهملة واخره فاء اسمه داود بن أبي عوف مشهور بكنيته صدوق شيعي ربما أخطأ كذا في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبي حازم وعكرمة وعنه شريك والسفيانان وثقه أحمد وابن معين وقال النسائي ليس به بأس قال ابن عدي لا يحتج به انتهى وقال في التهذيب قال ابن معين يخطئ قوله (إنما الماء من الماء في الاحتلام) يعني أن حديث الماء بالماء محمول على صورة مخصوصة وهي ما يقع في المنام من رواية الجماع وهو تأويل بجمع بين الحديثين من غير تعارض قال التوربشتي قول ابن عباس إنما الماء من الماء إلخ قاله من طريق التأويل والاحتمال ولو انتهى إليه الحديث بطوله لم يكن يأوله هذا التأويل انتهى قلت أراد التوربشتي بالحديث بطوله حديث أبي سعيد الذي رواه مسلم وقد نقلناه من صحيحه في أول هذا الباب وقال الشيخ عبد الحق الدهلوي يمكن أن يقال إن قول ابن عباس هذا ليس تأويلا للحديث وإخراجا له بهذا التأويل من كونه منسوخا بل غرضه بيان حكم المسألة بعد العلم بكونه منسوخا وحاصله أن عمومه منسوخ فبقي الحكم في الاحتلام انتهى قوله (سمعت الجارود) أي الجارود بن معاذ السلمي الترمذي ثقة رمي بالإرجاء روى عن جرير وابن عيينة والوليد بن مسلم وعنه الترمذي والنسائي ووثقه توفي سنة 442 أربع وأربعين ومائتين (لم نجد الحديث إلا عند شريك) هو ابن عبد الله الكوفي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي الكوفة قال الحافظ في التلخيص إسناده لين لأنه من رواية شريك عن أبي الجحاف انتهى
[ 311 ]
قوله (وفي الباب عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب والزبير وطلحة وأبي أيوب وأبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الماء من الماء) لم أجد عندهم هذا الحديث بهذا اللفظ لكن أخرج البخاري في صحيحه من طريق زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن فقال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره وقال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألت عن ذلك على بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك وأخبرني أبو سلمة أن عروة بن الزبير أخبره أنا أبا أيوب أخبره أنه سمع ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في الفتح قد حكى الأثرم عن أحمد أن حديث زيد بن خالد هذا معلول لأنه ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في هذا الحديث وقد حكى يعقوب بن أبي شيبة عن علي بن المديني أنه شاذ والجواب عن ذلك أن الحديث ثابت من جهة اتصال إسناده وحفظ رواته وقد روى ابن عيينة أيضا عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار نحو رواية أبي سلمة عن عطاء أخرجه ابن أبي شيبة وغيره فليس هو فردا وأما كونهم أفتوا بخلافه فلا يقدح ذلك في صحته لاحتمال أنه ثبت عندهم ناسخه فذهبوا إليه وكم من حديث منسوخ وهو صحيح من حديث الصناعة الحديثية انتهى كلامه باب فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما قوله (نا حماد بن خالد الخياط) بالخاء المعجمة القرشي أبو عبد الله البصري نزيل بغداد أمي (عن عبد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني ضعيف عابد كذا في التقريب وسيجئ ما فيه من الكلام قوله (يجد البلل) بفتحتين الرطوبة (ولا يذكر احتلاما) الاحتلام افتعال من الحلم بضم
[ 312 ]
المهلمة وسكون اللام وهو ما يراه النائم في نومه يقال منه حلم بالفتح واحتلم والمراد به ههنا أمر خاص وهو الجماع أي لا يذكر أنه جامع في النوم (قال يغتسل) خبر بمعنى الأمر وهو للوجوب (يرى) بفتح الياء أي يعتقد (قال لا غسل عليه) لأن البلل علامة ودليل والنوم لا عبرة به فالمدار على البلل سواء تذكر الاحتلام أم لا (قالت أم سلمة) وفي رواية أبي داود فقالت أم سليم (من النساء شقائق الرجال) هذه الجملة مستأنفة فيها معنى التعليل قال ابن الأثير أي نظائرهم وأمثالهم كأنهن شققن منهم ولأن حواء خلقت من ادم عليه الصلاة والسلام وشقيق الرجل أخوه لأبيه ولأمه لأن شق نسبة من نسبة يعني فيجب الغسل على المرأة برؤية البلل بعد النوم كالرجل انتهى قوله (حديث عائشة في الرجل يجد البلل) بدل من قوله هذا الحديث قال في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه الخمسة إلا النسائي وقال في النيل رجاله رجال الصحيح إلا عبد الله بن عمر العمري وقد اختلف فيه ثم ذكر أقوال الجرح والتعديل فيه ثم قال وقد تفرد به المذكور عند من ذكره المصنف من المخرجين له ولم نجده عن غيره وهكذا رواه أحمد وابن أبي شيبة من طريقه فالحديث معلول بعلتين الأولى العمري المذكور والثانية التفرد وعدم المتابعة فقصر عن درجة الحسن والصحة انتهى قوله (وعبد الله) أي ابن عمر بن حفص العمري المذكور في السند (ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث) قال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ روى عن نافع وجماعة روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدارمي قلت لابن معين كيف حاله في نافع قال صالح ثقة وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن عدي في نفسه صدوق وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة 173 ثلاث وسبعين ومائة انتهى ما في الميزان
[ 313 ]
قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم إلخ) قال الخطابي في معالم السنن ظاهر هذا الحديث أي حديث عائشة المذكور في الباب يوجب الاغتسال إذا رأى بلة وإن لم يتيقن أنها الماء الدافق وروى هذا القول عن جماعة من التابعين منهم عطاء والشعبي والنخعي وقال أحمد بن حنبل أعجب إلى أن يغتسل وقال أكثر أهل العلم لا يجب قال النسائي في سننه قلت ما مال إليه الجماعة الأولى من أن مجرد رؤية البلة موجب للاغتسال هو أوفق بحديث الباب وبحديث أم سلمة أخرجه الشيخان بلفظ إذا رأت الماء وبحديث خولة بنت حكيم بلفظ ليس عليها غسل حتى تنزل فهذه الأحاديث تدل على اعتبار مجرد وجود المني سواء انضم إلى ذلك الدفق والشهوة أم لا وهذا هو الظاهر وبه قال أبو حنيفة والله تعالى أعلم باب ما جاء في المني والمذي المني بفتح الميم وكسر النون وتشديد الياء اخر الحروف وهو عام يشمل ماء الرجل وماء المرأة وله خواص يعرف بها إحداها الخروج بشهوة مع الفتور عقبه الثانية الرائحة كرائحة الطلع الثالثة الخروج بدفق ودفعات هذا كله في مني الرجل وأما المرأة فهو أصفر رقيق كذا في النووي وأما المذي وهو الماء الرقيق الذي يخرج عند الشهوة الضعيفة والملاعبة ونحوها من غير دفق والودي وهو ماء أبيض كدر لا رائحة له يخرج بعد البول فموجبان للوضوء لا للغسل وقال الحافظ المذي فيه لغات أفصحها بفتح الميم وسكون الذال المعجمة وتخفيف الياء ثم بكسر الذال
[ 314 ]
وتشديد الياء وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع وإرادته وقد لا يحس بخروجه انتهى كلام الحافظ قوله (عن علي قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم) هذا يدل على أن عليا رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وفي رواية مالك والبخاري ومسلم أنه قال فأمرت المقداد بن الأسود فسأله وفي رواية للنسائي أن عليا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا أمر عمارا أن يسأل ثم سأل بنفسه قال الحافظ وهو جمع جيد إلا بالنسبة إلى آخره لكونه مغايرا لقوله إنه استحيى عن السؤال بنفسه لأجل فاطمة فيتعين حمله على المجاز بأن بعض الرواة أطلق أنه سأل لكونه الامر بذلك وبهذا جزم الإسماعيلي ثم النووي (فقال من المذي الوضوء) فيه دليل على أن خروج المذي لا يوجب الغسل وإنما يجب به الوضوء قوله (وفي الباب عن المقداد بن الأسود وأبي بن كعب) أما حديث المقداد فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه ابن أبي شيبة وغيره قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأخرجه البخاري ومسلم مختصرا وفي إسناد الترمذي يزيد بن أبي زياد وقد عرفت ما فيه من الكلام وقد صحح الترمذي حديث يزيد هذا في مواضع وحسنه في موضع كما عرفت في المقدمة فلعل تصحيحه وتحسينه بمشاركة الأمور الخارجة عن نفس السند من اشتهار المتون ونحو ذلك وإلا فيزيد ليس من رجال الحسن فكيف الصحيح وأيضا الحديث من رواية ابن أبي ليلى عن علي وقد قيل إنه لم يسمع منه قوله (وهو قول عامة أهل العلم إلخ) قال الحافظ في الفتح وهو إجماع
[ 315 ]
باب في المذي يصيب الثوب المذي بفتح الميم وسكون الذال وتخفيف الياء البلل اللزج من الذكر عند ملاعبة النساء ولا يجب فيه الغسل وهو نجس يجب غسله وينقض الوضوء ورجل مذاء فعال للمبالغة في كثرة المذي وقد أمذى الرجل بمذي ومذى كذا في النهاية قوله (نا عبدة) بن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي ثقة وقد تقدم (عن محمد بن إسحاق) ثقة إلا أنه مدلس وروايته عن سعيد بن عبيد عند الترمذي بالعنعنة وعند أبي داود بالتحديث فزالت علة التدليس (عن سعيد بن عبيد) بالتصغير وفي رواية أبي داود حدثني سعيد بن عبيد (هو ابن السباق) بشد الموحدة قال في التقريب سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي أبو السباق المدني ثقة من الرابعة انتهى قلت روى عن أبيه وعن أبي هريرة وعنه الزهري وابن إسحاق وثقه النسائي (عن أبيه) هو عبيد بن السباق بفتح السين المهملة والموحدة الشديدة المدني الثقفي أبو سعيد ثقة من الثالثة روى عن زيد بن ثابت وسهل بن حنيف وعنه ابن شهاب وثقه غير واحد (عن سهل بن حنيف) ابن واهب الأنصاري الأوسي صحابي من أهل بدر واستخلفه علي على البصرة ومات في خلافته قوله (كنت ألقى من المذي شدة وعناء) قال في الصراح عناء بالفتح والمد رنج ديدن (فكنت أكثر منه الغسل) من الإكثار ومن للتعليل أي كنت أكثر الاغتسال لأجل خروج المذي (فقال إنما يجزئك) من الاجزاء أي يكفيك (من ذلك) أي من خروج المذي (الوضوء) بالرفع على الفاعلية (قال يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك) وفي رواية الأثرم يجزيك أن تأخذ حفنة من ماء فترش عليه واستدل به على أن المذي إذا أصاب الثوب يكفي نضحه ورش الماء عليه ولا يجب غسله
[ 316 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) والحديث أخرجه أيضا أبو داود وابن ماجه قوله (ولا نعرفه في مثل هذا إلا من حديث محمد بن إسحاق في المذي مثل هذا) الذي وقع فهذه العبارة لفظ هذا مثل مرتين فالثاني تأكيد للأول والمعنى لا نعرف مثل هذا الحديث في باب المذي من نضح الثوب إذا أصابه المذي في حديث إلا في حديث محمد بن إسحاق والحاصل أن محمد بن إسحاق متفرد بهذا عن سعيد بن عبيد قوله (واختلف أهل العلم في المذي يصيب الثوب فقال بعضهم لا يجزئ إلا الغسل وهو قول الشافعي وإسحاق) واستدل من قال بالغسل بحديث علي قال كنت رجلا مذاء الحديث وفيه يغسل ذكره ويتوضأ رواه مسلم وبحديث عبد الله بن سعد وفيه وكل فحل يمذي فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتتوضأ وضوءك للصلاة رواه أبو داود وقالوا حديث النضح والرش محمول على ذلك (وقال بعضهم يجزئه النضح وقال أحمد أرجو أن يجزئه النضح بالماء) والحجة لهم في ذلك حديث الباب قال الشوكاني اختلف أهل العلم في المذي إذا أصاب الثوب فقال الشافعي وإسحاق وغيرهما لا يجزئه إلا الغسل أخذا برواية الغسل وفيه أن رواية الغسل إنما هي في الفرج لا في الثوب الذي هو محل النزاع فإنه لم يعارض رواية النضح المذكورة في الباب معارض فالاكتفاء به صحيح مجزئ وقال وقد ثبت في رواية الأثرم لفظ فترش عليه وليس المصير إلى الأشد بمتعين بل ملاحظة التخفيف من مقاصد الشريعة المألوفة فيكون مجزئا كالغسل انتهى قلت كلام الشوكاني هذا عندي محل تأمل فتفكر
[ 317 ]
باب في المني يصيب الثوب قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في طهارة مني الادمي فذهب مالك وأبو حنيفة إلى نجاسته إلا أن أبا حنيفة قال يكفي في تطهيره فركه إذا كان يابسا وهو رواية عن أحمد وقال مالك لا بد من غسله رطبا ويابسا وقال الليث هو نجس ولا تعاد الصلاة منه وقال الحسن لا تعاد الصلاة من المني في الثوب وإن كان كثيرا وتعاد منه في الجسد وإن قل وذهب كثيرون إلى أن المني طاهر روى ذلك عن علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث وقد غلط من أوهم أن الشافعي منفرد بطهارته ودليل القائلين بالنجاسة رواية الغسل ودليل القائلين بالطهارة رواية الفرك فلو كان نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره قالوا رواية الغسل محمولة على الاستحباب والتنزه واختيار النظافة انتهى كلام النووي وقال الطحاوي بعد ذكر الآثار التي تدل على طهارة المني فذهب الذاهبون إلى أن المني طاهر قال العيني أراد بهؤلاء الذاهبين الشافعي وأحمد وإسحاق وداود انتهى وقال الشوكاني في النيل قالوا الأصل الطهارة فلا تنتقل عنها إلا بدليل وأجيب بأن التعبد بالإزالة غسلا أو فركا أو حتا أو سلتا أو حكا ثابت ولا معنى لكون الشي نجسا إلا أنه مأمور بإزالة بما أحال عليه الشارع فالصواب أن المني نجس يجوز تطهيره بأحد الأمور انتهى قلت كلام الشوكاني هذا حسن جيد قوله (ضاف عائشة ضعيف) أي نزل عليها قال في القاموس ضفته وأضيفه ضيفا وضيافة بالكسر نزلت عليه ضيفا انتهى وقال في النهاية وفي حديث عائشة ضافها ضيف ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافة وأضفته إذا أنزلته وتضيفته إذا نزلت به وتضيفني إذا أنزلني (فأمرت له بملحفة) قال في القاموس لحاف ككتاب ما يلتحف به واللباس فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه كالملحفة وقال في الصراح ملحفة بالكسر جادر (وبها أثر الاحتلام) أي أثر المني الواو حالية (إنما كان يكفيه أن يفركه) أي يدلكه حتى يذهب الأثر من الثوب
[ 318 ]
واستدل بهذا الحديث من قال بطهارة المني وقال إن كان المني نجسا لم يكف فركه كالدم وغيره وأجيب بأن ذلك لا يدل على الطهارة وإنما يدل على كيفية التطهير فغاية الأمر أنه نجس خفف في تطهيره بما هو أخف من الماء والماء لا يتعين لإزالة جميع النجاسات وإلا لزم عدم طهارة العذرة التي في النعل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسحها في التراب ورتب على ذلك الصلاة فيها قاله الشوكاني واستدلوا أيضا بحديث عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلت المني من ثوبه بعرق الاذخر ثم يصلي فيه ويحته يابسا ثم يصلي فيه رواه أحمد قال الحافظ في التلخيص بإسناد حسن وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية وسكت عنه وبحديث عائشة أنها كانت تسلت المني من ثوبه بعرق الإذخر ثم يصلي فيه رواه ابن خزيمة ذكره الحافظ في الفتح وسكت عنه وبأثر ابن عباس أنه قال في المني يصيب الثوب قال أمطه بعود أو إذخرة فإنما هو بمنزلة المخاط أو البصاق رواه البيهقي في المعرفة وصححه قلت في الاستدلال بحديث عائشة الأول وكذا بالثاني نظر لما عرفت انفا وأما أثر ابن عباس فهو قوله وليس بمرفوع قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قوله (وهو قول غير واحد من الفقهاء مثل سفيان وأحمد وإسحاق قالوا في المني يصيب الثوب يجزئه الفرك وإن لم يغسله) وهو قول أبي حنيفة إذا كان يابسا وقال مالك لا بد من غسله رطبا كان أو يابسا كما تقدم قوله (وهكذا روى عن منصور عن إبراهيم عن همام بن الحارث عن عائشة مثل رواية
[ 319 ]
الأعمش) أي كما روى الأعمش عن إبراهيم عن همام عن عائشة كذلك رواه منصور أيضا وحديث منصور أخرجه مسلم وكذلك رواه الحاكم أيضا وحديثه أخرجه أبو داود (وروى أبو معشر هذا الحديث عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة) وكذلك أيضا رواه حماد ومغيرة وواصل والأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة وحديث أبي معشر ومغيرة وواصل والأعمش عند مسلم وحديث حماد عند أبي داود (وحديث الأعمش أصح) لا أدري ما وجه كون حديث الأعمش أصح فإن الأعمش كما لم يتفرد برواية الحديث عن إبراهيم عن همام عن عائشة بل تابعه منصور والحكم كذلك لم يتفرد أبو معشر بروايته عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بل تابعه حماد ومغيرة وواصل والأعمش والظاهر أن حديث الأعمش وحديث أبي معشر كليهما صحيحان ليس واحد منهما أصح من الاخر والحديث سمعه إبراهيم عن همام والأسود كليهما ففي صحيح مسلم حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال نا أبي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود وهمام عن عائشة إلخ والله تعالى أعلم قوله (عن سليمان بن يسار) الهلالي المدني مولى ميمونة وقيل أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة من كبار الثالثة مات بعد المائة وقيل قبلها قوله (أنها غسلت منيا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم) استدل بهذا الحديث من قال بنجاسة المني وأجاب القائلون بطهارته بأنه محمول على الاستحباب وللقائلين بالنجاسة دلائل أخرى ذكرها صاحب آثار السنن وقد ذكرنا ما فيها من الكلام في كتابنا أبكار المنن وإن شئت الوقوف على أدلة الفريقين مع ما لها وما عليها فارجع إليه
[ 320 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الأئمة الستة قوله (حديث عائشة أنها غسلت منيا من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمخالف لحديث الفرك إلخ) قال الحافظ في فتح الباري وليس بين حديث الغسل وحديث الفرك تعارض لأن الجمع بينهما واضح على القول بطهارة المني بأن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب وهذه طريقة الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وكذا الجمع ممكن على القول بنجاسته بأن يحمل الغسل على ما كان رطبا والفرك على ما كان يابسا وهذه طريقة الحنفية والطريقة الأولى أرجح لأن فيها العمل بالخبر والقياس معا لأنه لو كان نجسا لكان القياس وجوب غسله دون الاكتفاء بفركه كالدم وغيره وهم لا يكتفون فيما لا يعفي عنه من الدم بالفرك ويرد الطريقة الثانية أيضا ما في رواية ابن خزيمة من طريق أخرى عن عائشة كانت تسلت المني من ثوبه بعرك الإذخر ثم يصلي فيه ويحكه من ثوبه يابسا ثم يصلي فيه فإنه يتضمن ترك الغسل في الحالتين وأما مالك فلم يعرف العرك وقال إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات وحديث الفرك حجة عليهم انتهى كلام الحافظ قوله (قال ابن عباس المني بمنزلة المخاط فأمطه) من الإماطة وهي الإزالة (ولو بإذخرة) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء حشيش طيب الريح وأثر ابن عباس هذا أخرجه البيهقي في المعرفة وقال هذا هو الصحيح موقوف وقد روى عن شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء مرفوعا ولا يثبت كذا في نصب الراية
[ 321 ]
باب في الجنب ينام قبل أن يغتسل قوله (ثنا أبو بكر بن عياش) بتحتانية مشددة وشين معجمة ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط مشهور بكنيته والأصح أنها اسمه وقيل اسمه محمد وقيل غير ذلك ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح وروايته في مقدمة مسلم كذا في التقريب وقال في مقدمة فتح الباري قال أحمد ثقة وربما غلط وقال أبو نعيم لم يكن في شيوخنا أكثر غلطا منه وسئل أبو حاتم عنه وعن شريك فقال هما في الحفظ سواء غير أن أبا بكر أصح كتابا وذكره ابن عدي في الكامل وقال لم أجد له حديثا منكرا من رواية الثقات عنه وقال ابن حبان كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه وذلك أنه لما كبر ساء حفظه فكان يهم وقال ابن سعد كان ثقة صدوقا عالما بالحديث إلا أنه كثير الغلط وقال العجلي كان ثقة صاحب سنة وكان يخطئ بعض الخطأ وقال يعقوب بن شيبة كان له فقه وعلم ورواية وفي حديثه اضطراب قلت لم يرو له مسلم إلا شيئا في مقدمة صحيحه وروى له البخاري أحاديث قلت ثم ذكر الحافظ أحاديث أكثرها بمتابعة غيره قوله (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس الماء) فيه دليل على أن الجنب يجوز له أن ينام قبل أن يغتسل وقبل أن يتوضأ لكن الحديث فيه مقال كما ستقف والحديث أخرجه أيضا أبو داود وغيره قوله (وقد روى غير واحد عن الأسود عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان يتوضأ قبل أن
[ 322 ]
ينام) يعني أن غير واحد رووا عن الأسود عن عائشة هذا اللفظ وخالفهم أبو إسحاق فروى عن الأسود عن عائشة بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء (ويرون أن هذا غلط من أبي إسحق) قال ابن العربي في العارضة تفسير غلط أبي إسحاق هو أن هذا الحديث الذي رواه أبو إسحاق ههنا مختصرا اقتطعه من حديث طويل فأخطأ في اختصاره إياه ونص الحديث الطويل ما رواه أبو غسان حدثنا زهير بن حرب حدثنا أبو إسحق قال أتيت الأسود بن يزيد وكان لي أخا وصديقا فقلت يا أبا عمرو حدثني ما حدثتك عائشة أم المؤمنين عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيي آخره ثم إن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء فإذا كان عند النداء الأول وثب وربما قالت قام فأفاض عليه الماء وما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد وإن نام جنبا توضأ وضوء الرجل للصلاة فهذا الحديث الطويل فيه وإن نام وهو جنب توضأ وضوء الصلاة فهذا يدلك على أن قوله فإن كانت له حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء أنه يحتمل أحد وجهين إما أن يريد بالحاجة حاجة الإنسان من البول والغائط فيقضيها ثم يستنجي ولا يمس ماء وينام فإن وطئ توضأ كما في اخر الحديث ويحتمل أن يريد بالحاجة حاجة الوطء وبقوله ثم ينام ولا يمس ماء يعني ماء الاغتسال ومن لم يحمل الحديث على أحد هذين الوجهين تناقض أوله وآخره فتوهم أبو إسحاق أن الحاجة هي حاجة الوطء فنقل الحديث على معنى ما فهم والله أعلم انتهى كلام ابن العربي قلت وقد تكلم في هذا الحديث غير واحد من الحفاظ قال أحمد ليس بصحيح وقال أبو داود هو وهم قال يزيد بن هارون هو خطأ وقال مهنا عن أحمد بن صالح لا يحل أن يروى هذا الحديث وفي علل الأثرم لو لم يخالف أبا إسحاق في هذا إلا إبراهيم وحده لكفى قال ابن مفوز أجمع المحدثون أنه خطأ من أبي إسحاق قال الحافظ وتساهل في نقل الاجماع فقد صحح البيهقي وقال إن أبا إسحاق قد بين سماعه من الأسود في رواية زهير عنه
[ 323 ]
باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام قوله (قال نعم إذا توضأ) المراد به الوضوء الشرعي لا اللغوي لما رواه البخاري عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة قال الحافظ في الفتح أي توضأ وضوء كما للصلاة وليس المعنى أنه توضأ لأداء الصلاة وإنما المراد توضأ وضوءا شرعيا لا لغويا انتهى وقد اختلف العلماء هل هو واجب أو غير واجب فالجمهور قالوا بالثاني واستدلوا بحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب ولا يمس ماء وقد تقدم أن فيه مقالا لا ينتهض به للاستدلال وبحديث طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد ولا يخفى أنه ليس فيه على المدعي هنا دليل وبحديث ابن عباس مرفوعا إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ليس فيه أيضا دليل على المدعي كما لا يخفى وذهب داود وجماعة إلى الأول لورود الأمر بالوضوء ففي رواية البخاري ومسلم ليتوضأ ثم لينم وفي رواية لهما توضأ واغسل ذكرك ثم نم قال الشوكاني يجب الجمع بين الأدلة بحمل الأمر على الاستحباب ويؤيد ذلك أنه أخرج ابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما من حديث ابن عمر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم أينام أحدنا وهو جنب قال نعم ويتوضأ إن شاء انتهى وقال النووي في شرح مسلم وأما حديث أبي إسحاق السبيعي عن الأسود عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ولا يمس ماء رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم فهو ضعيف ولو صحح لم يكن مخالفا يعني لحديث ابن عمر المذكور في الباب وما في معناه بل كان له جوابان أحدهما جواب الامامين الجليلين أبي العباس بن سريج وأبي بكر البيهقي أن المراد لا يمس ماء للغسل والثاني وهو عندي حسن أن المراد أنه كان في بعض الأوقات لا يمس ماء أصلا لبيان الجواز إذ لو واظب عليه لتوهم وجوبه انتهى قوله (وفي الباب عن عمار وعائشة وجابر وأبي سعيد وأم سلمة) أما حديث عمار فأخرجه
[ 324 ]
أحمد والترمذي وأما حديث عائشة فأخرجه الجماعة عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة وأما حديث جابر فلم أقف عليه وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني في الكبير عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يطعم غسل يديه قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات قوله (قالوا إذا أراد الجنب أن ينام توضأ) أي على سبيل الاستحباب وهو قول الجمهور كما تقدم باب ما جاء في مصافحة الجنب قوله (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه) أي أبا هريرة وفي رواية البخاري لقيني (وهو جنب) أي والحال أن أبا هريرة كان جنبا (قال) أي أبو هريرة (فانخنست) بنون ثم خاء معجمة ثم نون ثم سين مهملة أي تنحيت قال في القاموس انخنس تأخر وتخلف وفي رواية للبخاري فانسللت قال الحافظ أي ذهبت في خفية (فقال أين كنت أو أين ذهبت) شك من الراوي (إن المؤمن لا ينجس) قال النووي يقال بضم الجيم وفتحها لغتان وفي ماضيه لغتان نجس ونجس بكسر الجيم وضمها فمن كسرها في الماضي فتحها في المضارع ومن ضمها في الماضي ضمها في المضارع أيضا انتهى قال الحافظ تمسك بمفهومه بعض أهل الظاهر فقال إن الكافر نجس العين وقواه بقوله تعالى (إنما المشركون نجس)
[ 325 ]
وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد أن المؤمن طاهر الأعضاء لاعتياده مجانبة النجاسة بخلاف المشرك لعدم تحفظه عن النجاسة وعن الآية بأن المراد أنهم نجس في الاعتقاد وحجتهم أن الله تعالى أباح نكاح نساء أهل الكتاب ومعلوم أن عرقهن لا يسلم منه من يضاجعهن ومع ذلك فلم يجب عليه من غسل الكتابية إلا مثل ما يجب عليه من غسل المسلمة فدل على أن الآدمي الحي ليس بنجس العين إذ لا فرق بين النساء والرجال انتهى قال القاري نقلا عن ابن الملك وما روي عن ابن عباس من أن أعيانهم نجسة كالخنزير وعن الحسن من صافحهم فليتوضأ فمحمول على المبالغة في التبعد عنهم والاحتراز منهم انتهى قوله (وفي الباب عن حذيفة) أخرجه البزار عنه قال صافحني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب الهيثمي في مجمع الزوائد فيه مندل بن علي وقد ضعفه أحمد ويحيى بن معين في رواية ووثقه في أخرى ووثقه معاذ بن معاذ انتهى قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وقد رخص غير واحد من أهل العلم في مصافحة الجنب ولم يروا بعرق الجنب والحائض بأسا) في شرح السنة فيه يعني في حديث أبي هريرة المذكور جواز مصافحة الجنب ومخالطته وهو قول عامة العلماء واتفقوا على طهارة عرق الجنب والحائض وفيه دليل على جواز تأخير الاغتسال للجنب وأن يسعى في حوائجه كذا في المرقاة واستدل به الامام البخاري على طهارة عرق الجنب لأن بدنه لا ينجس بالجناية فكذلك ما تحلب منه
[ 326 ]
باب ما جاء في المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل قوله (جاءت أم سليم ابنة ملحان) بكسر الميم وسكون اللام والحاء المهملة هي أم أنس بن مالك وفي اسمها خلاف تزوجها مالك بن النضر أبو أنس بن مالك فولدت له أنسا ثم قتل عنها مشركا فأسلمت فخطبها أبو طلحة وهو مشرك فأبت ودعته إلى الاسلام فأسلم وقالت إني أتزوجك ولا آخذ منك صداقا سلامك فتزوجها أبو سلمة روى عنها خلق كثير (إن الله لا يستحيي من الحق) قدمت هذا القول تمهيدا لعذرها في ذكر ما يستحيي منه والمراد بالحياء هنا معناه اللغوي إذ الحياء الشرعي خير كله والحياء لغة تغير وانكسار وهو مستحيل في حق الله تعالى فيحمل هنا على أن المراد أن لا يأمر بالحياء في الحق أو يمنع من ذكر الحق وقد يقال إنما يحتاج إلى التأويل في الإثبات ولا يشترط في النفي أن يكون ممكنا لكن لما كان المفهوم يقتضي أنه يستحيي من غير الحق عاد إلى جانب الاثبات فاحتيج إلى تأويله قاله ابن دقيق العيد كذا في الفتح (فهل على المرأة تعني غسلا إذا هي رأت في المنام مثل ما يرى الرجل) وفي رواية أحمد من حديث أم سليم أنها قالت يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام أتغتسل (قال نعم إذا هي رأت الماء) أي المني بعد الاستيقاظ (فلتغتسل) فيه دليل على وجوب الغسل على المرأة با نزال وكأن أم سليم لم تسمع حديث الماء من الماء أو سمعته وقام عندها ما يوهم خروج المرأة عن ذلك وهو ندور بروز الماء منها وقد روى أحمد من حديث أم سليم هذه القصة أن أم سلمة قالت يا رسول الله وهل للمرأة ماء فقال هن شقائق الرجال وروى من حديث خولة بنت حكيم في نحو هذه القصة ليس عليها غسل حتى تنزل كما ينزل الرجل (فضحت النساء يا أم سليم) إذ حكيت عنهن ما يدل على كثرة شهوتهن قاله في مجمع البحار وقال الحافظ هذا يدل على أن كتمان مثل ذلك من
[ 327 ]
عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن للرجال قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وفي الباب عن أم سليم وخولة وعائشة وأنس) أما حديث أم سليم فأخرجه مسلم وأما حديث خولة فأخرجه النسائي وأحمد وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأما حديث أنس فأخرجه أيضا مسلم باب في الرجل يستدفئ بالمرأة بعد الغسل أي يطلب الدفاءة بفتحتين والمد وهي الحرارة بأن يضع أعضاءه على أعضائها قوله (ثم جاء فاستدفأ بي) أي طلب الحرارة مني بأن وضع أعضاءه الشريفة على أعضائي من غير حائل وجعلني مكان الثوب الذي يستدفأ به ليجد السخونة من بدني كذا في اللمعات وفي المرقاة قال السيد جمال الدين أي يطلب مني الحرارة ومنه قوله تعالى (لكم فيها دفء) أي ما تستدفؤون به وفيه أن بشرة الجنب طاهرة لأن الاستدفاء إنما يحصل من مس البشرة كذا في الطيبي وفيه بحث انتهى قال القاري ولعله أراد أن الاستدفاء يمكن مع الثوب أيضا (فضممته إلي ولم أغتسل) والحديث رواه ابن ماجة ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل من الجنابة ثم يستدفئ بي قبل أن أغتسل قال القاري في المرقاة سنده حسن
[ 328 ]
قوله (هذا الحديث ليس بإسناده بأس) وأخرجه ابن ماجه وتقدم لفظه آنفا باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء قوله (نا سفيان) هو الثوري (عن خالد الحذاء) بفتح المهملة وتشديد الذال المعجمة وخالد هذا هو ابن مهران أبو المنازل البصري ثقة من رجال الستة وقيل له الحذاء لأنه كان يجلس عندهم وقيل لأنه كان يقول أحذ على هذا النحو (عن أبي قلابة) بكسر القاف اسمه عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال مات سنة أربع ومائة وقيل سنة ست وقيل سنة سبع (عن عمرو بن بجدان) بضم الموحدة وسكون الجيم العامري البصري تفرد عنه أبو قلابة لا يعرف حاله قاله الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان ووثقه العجلي أيضا كما ستقف قوله (إن الصعيد الطيب) أي الطاهر المطهر قال في القاموس الصعيد التراب أو وجه الأرض (طهور المسلم) وفي رواية أبي داود وضوء المسلم (وإن لم يجد الماء عشر سنين) كلمة إن للوصل والمراد من عشر سنين الكثرة لا المدة المقدرة قال القاري وفيه دلالة على أن خروج الوقت غير ناقض للتيمم بل حكمه حكم الوضوء كما هو مذهبنا يعني الحنفية قال وما صح عن ابن عمر أنه يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث محمول على الاستحباب انتهى قلت الأمر كما قال القاري (فإذا وجد الماء فليمسه) بضم الياء وكسر الميم من الإمساس (بشرته) بفتحتين ظاهر الجلد أي
[ 329 ]
فليوصل الماء إلى بشرته وجلده (فإن ذلك) أي الإمساس (خير) أي من الخيور وليس معناه أن كليهما جائز عند وجود الماء لكن الوضوء خير بل المراد أن الوضوء واجب عند وجود الماء ونظيره قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا) مع أنه لا خير ولا أحسنية لمستقر أهل النار قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وعمران بن حصين) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشره فإن ذلك خير قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أحمد عنه قال جاء رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله الرجل يغيب لا يقدر على الماء أيجامع أهله قال نعم قال الهيثمي فيه الحجاج بن أرطاة وفيه ضعف ولا يتعمد الكذب وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه الشيخان عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال ما منعك أن تصلي قال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك قوله (وقد روى هذا الحديث أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر عن أبي ذر ولم يسمه) رواه أبو داود في سننه من طريق موسى بن إسمعيل نا حماد عن أيوب إلخ قال المنذري في تلخيصه وهذا الرجل الذي من بني عامر هو عمرو بن بجدان المتقدم في الحديث قبله سماه خالد الحذاء عن أبي قلابة وسماه سفيان الثوري عن أيوب رضي الله عنهم انتهى قوله (وهذا حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وقال الشوكاني في النيل
[ 330 ]
ورواه ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه أبو حاتم وعمرو بن بجدان قد وثقه العجلي قال الحافظ وغفل ابن القطان فقال إنه مجهول انتهى ما في النيل قلت وقد غفل الحافظ أيضا فإنه قال في التقريب لا يعرف حاله تنبيه قد اختلفت نسخ الترمذي ههنا فوقع في النسخ الموجودة عندنا هذا حديث حسن وقال المنذري في تلخيص السنن قال الترمذي حديث حسن صحيح انتهى وقال ابن تيمية في المنتقى بعد ذكر هذا الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه انتهى قوله (وهو قول عامة الفقهاء أن الجنب والحائض إذا لم يجد الماء) أي كل واحد منهما وفي نسخة قلمية عتيقة إذا لم يجدا الماء بصيغة التثنية وهو الظاهر (تيمما وصليا إلخ) قال الشوكاني في النيل وقد أجمع على ذلك العلماء ولم يخالف فيه أحد من السلف والخلف إلا ما جاء عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وحكي مثله عن إبراهيم النخعي من عدم جوازه للجنب وقيل أن عمر وعبد الله رجعا عن ذلك وقد جاءت بجوازه للجنب الأحاديث الصحيحة وإذا صلى الجنب بالتيمم ثم وجد الماء وجب عليه الاغتسال بإجماع العلماء إلا ما يحكى عن أبي سلمة بن عبد الرحمن الامام التابعي أنه قال لا يلزمه وهو مذهب متروك بإجماع من بعده ومن قبله وبالأحاديث الصحيحة المشهورة في أمره صلى الله عليه وسلم للجنب بغسل بدنه إذ وجد الماء انتهى باب في المستحاضة الاستحاضة جريان الدم من فرج المرأة في عرق يقال له العاذل بعين مهملة وذال معجمة يقال استحيضت المرأة استمر بها الدم بعد أيامها المعتادة فهي مستحاضة كذا في الفتح
[ 331 ]
قوله (جاءت فاطمة ابنة أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية قال الحافظ في التقريب صحابية لها حديث في الاستحاضة (إني امرأة أستحاض) بصيغة المجهول (فلا أطهر) أي لا ينقطع عني الدم (أفأدع الصلاة) كانت قد علمت أن الحائض لا تصلي فظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت أفأدع الصلاة أي أتركها والعطف على مقدر بعد الهمزة لأن لها صدر الكلام أي أيكون لي حكم الحائض فأترك الصلاة (قال لا) أي لا تدعي الصلاة (إنما ذلك) بكسر الكاف أي الذي تشتكينه (عرق) بكسر العين المهملة أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم أو إنما سببها عرق منها في أدنى الرحم (وليست) أي العلة التي تشتكينها وفي رواية الشيخين على ما في المشكاة ليس وهو الظاهر (بالحيضة) قال الحافظ بفتح الحاء كما نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار الكسر على إرادة الحالة لكن الفتح هنا أظهر وقال النووي وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه صلى الله عليه وسلم أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض وأما قوله فإذا أقبلت الحيضة فيجوز فيه الوجهان معا جوازا حسنا انتهى كلامه قال الحافظ والذي في روايتنا بفتح الحاء في الموضعين (فإذا أقبلت الحيضة) قال القاري بالكسر اسم للحيض ويؤيده رواية الفتح وقيل المراد بها الحالة التي كانت تحيض فيها وهي تعرفها فيكون ردا إلى العادة وقيل المراد بها الحالة التي تكون للحيض من قوة الدم في اللون والقوام ويؤيده حديث عروة الذي يتلوه وهي لم تعرف أيامها فيكون ردا إلى التمييز قال الطيبي وقد اختلف العلماء فيه فأبو حنيفة منع إعتبار التمييز مطلقا والباقون عملوا بالتمييز في حق المبتدأة واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة والتمييز فأعتبر مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز ولم ينظروا إلى العادة وعكس ابن خيران انتهى قلت أراد بحديث عروة الذي رواه عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان دم الحيض فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق رواه أبو داود والنسائي (فإغسلي عنك الدم وصلي) أي بعد الاغتسال وفي رواية للبخاري ثم اغتسلي وصلي
[ 332 ]
قوله (قال أبو معاوية في حديثه وقال توضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت) قال بعضهم إن هذا مدرج وقد رد الحافظ في الفتح عليه وجزم بعضهم أنه موقوف على عروة وقد رد الحافظ عليه أيضا وقال ولم ينفرد أبو معاوية بذلك فقد رواه النسائي من طريق حماد بن زيد عن هشام وادعى أن حمادا تفرد بهذه الزيادة وأمأ مسلم أيضا إلى ذلك وليس كذلك فقد رواها الدارمي من طريق حماد بن سلمة والسراج من طريق يحيى بن سليم كلاهما عن هشام انتهى وفي الحديث دليل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه ثم صارحكم دم الاستحاضة حكم الحدث فتتوضأ لكل صلاة لكنها لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة مؤادة أو مقضية لظاهر قوله ثم توضئي لكل صلاة وبهذا قال الجمهور وعند الحنفية أن الوضوء متعلق بوقت الصلاة فلها أن تصلي به الفريضة الحاضرة وما شاءت من الفوائت ما لم يخرج وقت الحاضرة على قولهم المراد بقوله توضئي لكل صلاة ففيه مجاز الحذف ويحتاج إلى دليل وعند المالكية يستحب له الوضوء لكل صلاة ولا يجب إلا بحدث آخر وقال أحمد وإسحاق إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط قاله الحافظ في الفتح وقال ابن عبد البرليس في حديث مالك ذكر الوضوء لكل صلاة على المستحاضة وذكر في حديث غيره فلذا كان مالك يستحبه لها ولا يوجبه كما لا يوجبه على صاحب السلس قال الحافظ في الفتح فإن قلت قال في الهداية لنا قوله عليه السلام المستحاضة تتوضأ لوقت كل صلاة قلت قال الحافظ الزيلعي في تخريج الهداية غريب جدا وقال الحافظ في الدراية لم أجده هكذا وإنما في حديث أم سلمة تتوضأ لكل صلاة فإن قلت قال ابن الهمام في فتح القدير نقلا عن شرح مختصر الطحاوي روى أبو حنيفة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش توضئي لوقت كل صلاة فهذه الرواية بلفظ توضئي لوقت كل صلاة تدل على أن المراد بقوله توضئي لكل صلاة أي لوقت كل صلاة قلت نعم لو كان هذا اللفظ في هذا الطريق محفوظا لكان دليلا على المطلوب لكن في كونه محفوظا كلاما فإن الطرق الصحيحة كلها قد وردت بلفظ توضئي لكل صلاة وأما هذا اللفظ فلم
[ 333 ]
يقع في واحد منها وقد تفرد به الإمام أبو حنيفة وهو سئ الحفظ كما صرح به الحافظ ابن عبد البر والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن أم سلمة) أخرجه الخمسة إلا الترمذي كذا في المنتقى ولفظه أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المرأة تهراق الدم فقال لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ثم لتغتسل وتستثفر ثم تصلي قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة قوله (عن أبي اليقظان) اسمه عثمان بن عمير بالتصغير ويقال ابن قيس والصواب أن قيسا جد أبيه وهو عثمان بن أبي حميد أيضا البجلي أبو اليقظان الكوفي الأعمى ضعيف واختلط وكان يدلس ويغلو في التشيع كذا في التقريب وقال في الخلاصة ضعفه أحمد وغيره وتركه ابن مهدي (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي ثقة رمي بالتشيع من رجال الستة (عن أبيه) هو ثابت قال الحافظ في التقريب ثابت الأنصاري والد عدي قيل هو ابن قيس بن الحطيم هو جد عدي لا أبوه وقيل اسم أبيه دينار وقيل عمرو بن أخطب وقيل عبيد بن عازب فهو مجهول الحال انتهى قلت قد أطال الحافظ الكلام في ترجمة ثابت الأنصاري في تهذيب التهذيب من يشاء الوقوف على ذلك فليرجع إليه (عن جده) أي جد عدي
[ 334 ]
قوله (قال في المستحاضة) أي في شأنها (تدع الصلاة أيام أقرائها) جمع قرء وهو مشترك بين الحيض والطهر والمراد به ههنا الحيض للسباق واللحاق قاله القاري (التي كانت تحيض فيها) أي قبل الاستحاضة (ثم) أي بعد فراغ زمن حيضها بإعتبار العادة (تغتسل) أي مرة (وتتوضأ عند كل صلاة) قوله عند كل صلاة متعلق بتتوضأ لا بتغتسل وفيه دليل على أن المستحاضة تتوضأ عند كل صلاة والحديث ضعيف لكن له شواهد ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ ابن حجر في تخريجهما ومنها حديث عائشة المذكور في الباب المتقدم قوله (هذا حديث قد تفرد به شريك عن أبي اليقظان) وأخرجه أبو داود وضعفه وأخرجه ابن ماجه أيضا (وسألت محمدا عن هذا الحديث فقلت عدي بن ثابت عن أبيه عن جده جد عدي ما اسمه فلم يعرف محمد اسمه وذكرت لمحمد قول يحيى بن معين أن اسمه دينار فلم يعبأ به) قال المنذري بعد نقل كلام الترمذي هذا ما لفظه وقد قيل إنه جده أبو أمه عبد الله بن يزيد الخطمي قال الدارقطني ولا يصح من هذا كله شئ وقال أبو نعيم وقال غير يحيى اسمه قيس الخطمي هذا آخر كلامه وقيل لا يعلم جده وكلام الأئمة يدل على ذلك وشريك هو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة تكلم فيه غير واحد وأبو اليقظان هذا هو عثمان بن عمير الكوفي ولا يحتج بحديثه انتهى كلام المنذري قوله (وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة إن اغتسلت لكل صلاة هو أحوط لها وإن توضأت لكل صلاة أجزأها وإن جمعت بين الصلاتين بغسل أجزأها) فالاغتسال لكل صلاة ليس
[ 335 ]
بواجب على المستحاضة عند أحمد وإسحاق وهو قول الجمهور وروي عن بعض الصحابة أنهم قالوا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة والقول الراجح المعول عليه هو قول الجمهور وسيجئ الكلام فيه في باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد قوله (نا أبو عامر العقدي) بفتح المهملة والقاف اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي البصري ثقة من رجال الستة قال النسائي ثقة مأمون مات سنة أربع ومائتين (نا زهير بن محمد) التميمي أبو المنذر الخراساني سكن الشام ثم الحجاز رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها قال البخاري عن أحمد كان زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر وقال أبو حاتم حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه كذا في التقريب وقال في الخلاصة قال البخاري للشامين عنه مناكير وهو ثقة ليس به بأس (عن إبراهيم بن محمد بن طلحة) التيمي المدني ثقة وكان يسمى أسد قريش (عن عمه عمران بن طلحة) ابن عبيد الله التيمي المدني له رؤية ذكره العجلي في ثقات التابعين (عن أمه حمنة) بفتح المهملة وسكون الميم وبالنون (إبنة جحش) بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وبالشين المعجمة هي أخت زينب أم المؤمنين وأمرأة طلحة بن عبيد الله قوله (كنت أستحاض حيضة) بفتح الحاء وهو مصدر أستحاض على حد أنبته الله نباتا ولا يضره الفرق في اصطلاح العلماء بين الحيض والاستحاضة إذ الكلام وارد على أصل اللغة (كبيرة) وفي بعض النسخ كثيرة وكذا في رواية أبي داود (شديدة) قال القاري كثيرة في الكمية شديدة في الكيفية (أستفتيه وأخبره) الواو لمطلق الجمع وإلا كان حقها أن تقول أخبره وأستفتيه (فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش) أم المؤمنين (فما تأمرني) ما استفهامية (فيها) أي في الحيضة يعني في
[ 336 ]
حال وجودها (فقد منعتني الصيام والصلاة) أي على زعمها (أنعت) أي أصف (الكرسف) بضم الكاف وسكون الراء وضم السين أي القطن (فإنه) أي الكرسف (يذهب الدم) من الا ذهاب أي يمنع خروجه إلى ظاهر الفرج أو معناه فاستعمليه لعل دمك ينقطع (هو أكثر من ذلك) أي الدم أكثر من أن ينقطع بالكرسف (قال فتلجمي) أي شدي اللجام يعني خرقة على هيئة اللجام كالاستثفار (قال فاتخذي ثوبا) أي تحت اللجام وقال القاري أي مطبقا (إنما أثج) بضم المثلثة وتشديد الجيم (ثجا) من ثج الماء والدم لازم ومتعدي أي أنصب أو أصبه فعلى الثاني تقديره أثج الدم وعلى الأول إسناد الثج إلى نفسها للمبالغة على معنى أن النفس جعلت كأن كلها دم ثجاج وهذا أبلغ في المعنى (سآمرك) السين للتأكيد (بأمرين) أي بحكمين أو صنفين (أيهما صنعت) قال أبو البقاء في إعرابه إنها بالنصب لا غير والناصب لها صنعت كذا في قوت المغتذي (وإن قويت) أي قدرت (فأنت أعلم) بما تختارينه منهما فأختاري أيهما شئت (فقال إنما هي) أي الثجة أو العلة (ركضة من من الشيطان) قال الجزري في النهاية أصل الركض الضرب بالرجل والإصابة بها كما تركض الدابة وتصاب بالرجل أراد الاضرار بها وا ذاء لمعنى إن الشيطان قد وجد بذلك طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها حتى أنساها ذلك عادتها وصار في التقدير كأنه ركضة بآلة من ركضاته انتهى (فتحيضى) أي اجعلي نفسك حائضا يقال تحيضت المرأة أي قعدت أيام حيضها من الصلاة والصوم (ستة أيام أو سبعة أيام) قال الخطابي يشبه أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم على غير وجه التحديد من الستة والسبعة لكن على معنى اعتبار حالها بحال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن سبعا فسبعا وفيه وجه آخر وذلك أنه قد يحتمل أن تكون هذه المرأة قد ثبت لها فيما تقدم أيام ستة أو سبعة إلا أنها قد نسيتها فلا تدري أيتهما كانت فأمرها أن تتحرى وتجتهد وتبني أمرها على ما تيقنته من أحد العددين ومن ذهب إلى هذا استدل بقوله في علم الله أي فيما علم الله من أمرك ستة أو سبعة انتهى (في علم الله) أي في علم الله من أمرك من الست أو السبع أي هذا شئ بينك وبين الله فإنه يعلم ما تفعلين من الإتيان بما أمرتك به أو تركه وقيل في علم الله أي في علم الله أي حكم الله تعالى أي ما أمرتك فهو حكم الله تعالى وقيل في علم الله أي أعلمك الله من عادة النساء من الست أو السبع قاله ابن
[ 337 ]
رسلان قال القاري في المرقاة قيل أو للشك من الراوي وقد ذكر أحد العددين اعتبارا بالغالب من حال نساء قومها وقيل للتخيير بين كل واحد من العددين لأنه العرف الظاهر والغالب من أحوال النساء وقال النووي أو للتقسيم أي ستة إن اعتادتها أو سبعة إن اعتادتها إن كانت معتادة لا مبتدأة أو لعلها شكت هل عادتها ستة أو سبعة فقال لها ستة إن لم تذكري عادتك أو سبعة إن ذكرت أنها عادتك أو لعل عادتها كانت مختلفة فيهما فقال ستة في شهر الستة وسبعة في شهر السبعة انتهى وقيل هو الظاهر أنها كانت معتادة ونسيت أن عادتها كانت ستا أو سبعا فذكر القاري مثل ما ذكره الخطابي بقوله وفيه وجه آخر إلخ ثم قال القاري ومعناه أي معنى قوله في علم الله على قول الشك في علمه الذي بينه وشرعه لنا كما يقال في حكم الله وفي كتاب الله وقيل فيما أعلمك الله من عادات النساء من الست أو السبع وفي قول التخيير فيما علم الله من ستة أو سبعة انتهى ما في المرقاة (ثم اغتسلي) أي بعد الستة أو السبعة من الحيض (فإذا رأيت) أي علمت (أنك قد ظهرت واستنقأت) قال أبو البقاء كذا وقع في هذه الرواية بالألف والصواب واستنقيت لأنه من نقى الشئ وأنقيته إذا نظفته ولا وجه فيه للألف ولا الهمزة انتهى وقال القاري في المرقاة قال في المغرب الاستنقاء مبالغة في تنقية البدن قياس ومنه قوله إذا رأيت أنك طهرت واستنقيت الهمزة فيه خطأ انتهى قال وهو في النسخ كلها يعني نسخ المشكلة بالهمز مضبوط فيكون جرأة عظيمة من صاحب المغرب بالنسبة إلى العدول الضابطين الحافظين مع إمكان حمله على الشذوذ إذ الياء من حرف الإبدال وقد جاء شئمة مهموزا بدلا من شيمة شاذا على ما في الشافية (فصلى أربعا وعشرين ليلة) يعني أيامها إن كانت مدة الحيضة ستة أو ثلاثا (وعشرين ليلة وأيامها) إن كانت مدة الحيض سبعة (فإن ذلك يجزئك) أي يكفيك يقال أجزأني الشئ أي كفاني (فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر ثم تغتسلين حين تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا) وفي بعض النسخ ثم تغتسلي وتصلي بحذف النون وهو الظاهر وهذا هو الأمر الثاني بدليل قوله وهو أعجب الأمرين إلي وأما الأمر الأول فقال صاحب سبل السلام هو الوضوء لكل صلاة بعد الاغتسال عن الحيض بمرور الستة أو السبعة الأيام فإن في صدر الحديث سآمرك بأمرين ثم ذكر لها الأمر الأول أنها تحيض ستا أو سبعا ثم تغتسل وتصلي وقد علم أنها تتوضأ لكل صلاة لأن
[ 338 ]
استمرار الدم ناقض فلم يذكره في هذه الرواية وقد ذكره في غيرها ثم ذكر الأمر الثاني من جمع الصلاتين انتهى وقال القاري وغيره الأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة قلت لم يصرح بالأمر الأول في هذا الحديث وهو إما الوضوء لكل صلاة أو الاغتسال لكل صلاة لا غيرهما وأعجبهما إلي هو الثاني والله تعالى أعلم (ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي) وفي بعض النسخ بحذف النون في جميع هذه الكلمات وهو الظاهر وكذلك فافعلي (وصومي) أي في هذه المدة التي تصلي (إن قويت على ذلك) بدل من الشرط الأول (وهو أعجب الأمرين إلي) أي الجمع بين الصلاتين بغسل واحد أحب الأمرين إلي والأمر الأول هو الاغتسال لكل صلاة أو الوضوء لكل صلاة كما تقدم قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والدارقطني والحاكم قال المنذري في تلخيصه قال الخطابي قد ترك بعض العلماء القول بهذا الحديث لأن ابن عقيل راويه ليس بذاك وقال أبو بكر البيهقي تفرد به عبد الله بن محمد بن عقيل وهو مختلف في الاحتجاج به هذا آخر كلامه وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وقال أيضا وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فقال هو حديث حسن وقال أحمد هو حديث حسن صحيح انتهى قال صاحب سبل السلام بعد نقل كلام المنذري هذا فعرفت أن القول بأنه حديث غير صحيح غير صحيح بل قد صححه الأئمة انتهى
[ 339 ]
قلت عبد الله بن محمد بن عقيل متكلم فيه وقد تقدم في باب مفتاح الصلاة الطهور أن الترمذي قال سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل قال محمد هو مقارب الحديث انتهى كلام الترمذي وقال الحافظ الذهبي في ترجمته بعد ذكر أقوال الجارحين والمعدلين حديثه في مرتبة الحسن انتهى قوله (وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره فإقباله) وفي بعض النسخ وإقباله بالواو وهو الظاهر (أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى الصفرة) كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف إلخ وقد تقدم تخريجه ولفظه (فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش) أي الذي تقدم في باب المستحاضة وقد عرفت هناك أن فيه دلالة على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره فإذا انقضى قدره اغتسلت منه (وإن كان المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي) كما يدل عليه حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده الذي تقدم في باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة وكذا يدل عليه حديث أم سلمة الذي ذكرنا تخريجه ولفظه في باب المستحاضة ويدل عليه أيضا حديث عائشة عن أم حبيبة بنت جحش وفيه امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي رواه مسلم (وإذا إستمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة) بأن كانت مبتدأة غير معتادة (ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش) فترجع إلى حال من هي مثلها وفي مثل سنها من نساء أهل بيتها فإن كانت عادة مثلها أن تقعد ستا قعدت ستا وإن سبعا فسبعا كما قال الخطابي أو ترجع إلى الحالة الغالبة في النساء كما قال غيره فحمل الإمام أحمد وإسحاق حديث حمنة بنت جحش على عدم معرفتها لعادتها وعدم التمييز
[ 340 ]
بصفات الدم ومحصل ما قال الامام أحمد وإسحاق في المستحاضة أنها إن كانت معتادة ترجع إلى عادتها المعروفة سواء كانت مميزة أو غير مميزة لحديث عائشة عن أم حبيبة وإن كانت غير معتادة وهي مميزة أعني تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره لحديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت مبتدأة غير مميزة لاعادة لها ولا تمييز ترجع إلى الحالة الغالبة في النساء ستا أو سبعا لحديث حمنة بنت جحش وهذا الجمع بين هذه الأحاديث هو جمع حسن والله تعالى أعلم قال الطيبي قد اختلف العلماء فيه يعني في اعتبار التمييز فأبو حنيفة منع اعتبار التمييز مطلقا والباقون عملوا بالتمييز في حق المبتدأة واختلفوا فيما إذا تعارضت العادة والتمييز فإعتبر مالك وأحمد وأكثر أصحابنا التمييز ولم ينظروا إلى العادة وعكس ابن خيران انتهى كلام الطيبي (وقال الشافعي المستحاضة إذا استمر بها الدم في أول ما رأت فدامت على ذلك فإنها تدع الصلاة ما بينها وبين خمسة عشر يوما فإذا طهرت في خمسة عشر يوما أو قبل ذلك فإنها أيام حيض) بشرط أن يكون طهارتها بعد يوم وليلة فإنها إذا طهرت قبل يوم وليلة لا يكون ذلك الدم حيضا عند الشافعي (فإذا رأت الدم أكثر من خمسة عشر يوما فإنها تقضي صلاة أربعة عشر يوما) وذلك لأن أقل مدة الحيض عنده يوم وليلة وأكثرها خمسة عشر يوما فلما رأت مبتدأة الدم فما لم يزد على خمسة عشر يوما فكله حيض ومتى زاد على خمسة عشرة فالزائد دم الاستحاضة ألبتة ووقع به الشك في خمسة عشر أيضا لاحتمال أن يكون انقطاع الحيض بعد يوم وليلة من أول ما رأت أو بعد يومين أو ثلاث إلى خمسة عشر يوما فبنى الأمر على اليقين وطرح الشك والله تعالى أعلم كذا في بعض الحواشي وأعلم أن قول الشافعي هذا في المستحاضة المبتدأة التي لا تمييز لها وأما إذا كانت ذات تمييز بأن ترى في بعض الأيام دما أسود وفي بعضها دما أحمر أو أصفر فالدم الأسود حيض بشرط أن لا
[ 341 ]
ينقص عن يوم وليلة ولا يزيد على خمسة عشر يوما كذا حرره الشافعي كذا في المرقاة قوله (فاختلف أهل العلم في أقل الحيض وأكثره فقال بعض أهل العلم أقل الحيض ثلاث وأكثره عشرة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة وبه يأخذ ابن المبارك) قال ابن قدامة في المغني قال الثوري وأبو حنيفة وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشر لما روى واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة وقال أنس قرء المرأة ثلاث أربع خمس ست سبع ثمان تسع عشرة ولا يقول أنس ذلك إلا توقيفا ثم قال ابن قدامة مجيبا عن حديث واثلة وأثر أنس ما لفظه وحديث واثلة يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف عن حماد بن المنهال وهو مجهول وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب وهو ضعيف قال ابن عيينة هو محدث لا أصل له وقال أحمد في حديث أنس ليس هو شيئا هذا من قبل الجلد بن أيوب قيل إن أحمد بن إسحاق رواه وقال ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار وضعفه جدا قال وقال يزيد بن زريع ذاك أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب وحديث الجلد قد روي عن على ما يعارضه فإنه قال ما زاد على خمسة عشر استحاضة وأقل الحيض يوم وليلة انتهى ما في المغني واستدل لهم أيضا بحديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاث وأكثر ما يكون عشرة أيام فإذا زاد فهي مستحاضة رواه الطبراني والدارقطني في سننه من طريق عبد الملك عن العلاء بن كثير عن مكحول عنه وعبد الملك مجهول والعلاء بن كثير ضعيف الحديث ومكحول لم يسمع من أبي أمامة وفي الباب أحاديث أخرى كلها ضعيفة ذكرها الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ بن حجر في الدراية مع بيان ضعفها (وقال بعض أهل العلم منهم عطاء بن أبي رباح أقل الحيض يوم وليلة وأكثر خمسة عشرة وهو قول الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وأبي عبيدة) واستدل على هذا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم
[ 342 ]
قال تمكث إحداكن شطر دهرها لا تصلي قال الحافظ في التلخيص لا أصل له بهذا اللفظ قال الحافظ أبو عبد الله بن منده فيما حكاه ابن دقيق العيد في الإمام عنه ذكر بعضهم هذا الحديث لا يثبت بوجه من الوجوه وقال البيهقي في المعرفة هذا الحديث يذكره بعض فقهائنا وقد طلبته كثيرا فلم أجده في شئ من كتب الحديث أو ولم أجد له إسنادا وقال ابن الجوزي في التحقيق هذا لفظ يذكره أصحابنا ولا أعرفه وقال الشيخ أبو إسحاق في المهذب لم أجده بهذا اللفظ إلا في كتب الفقهاء وقال النووي في شرحه باطل لا يعرف انتهى ما في التلخيص بقدر الحاجة قلت لم أجد حديثا لا صحيحا ولا ضعيفا يدل على أن أقل الحيض يوم ليلة وأكثره خمسة عشر يوما إلا هذا الحديث وقد عرفت أنه لا أصل له بل هو باطل وأما ما ذهب إليه سفيان الثوري وأهل الكوفة فإنه يدل عليه عدة أحاديث لكنها كلها ضعيفة كما عرفت تنبيه قال ابن قدامة في المغني أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما ثم قال مستدلا على هذا ما لفظه ولنا أنه ورد في الشرع مطلقا من غير تحديد ولا حد له في اللغة ولا في الشريعة فيجب الرجوع فيه إلا العرف والعادة كما في القبض والإحراز والتفرق وأشباهها وقد وجد حيض معتاد يوما وقال عطاء رأيت من النساء من تحيض خمسة عشر وقال أحمد حدثني يحيى بن آدم قال سمعت شريكا يقول عندنا امرأة تحيض كل شهر خمسة عشر يوما حيضا مستقيما وقال ابن المنذر قال الأوزاعي عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا يرون أنه حيض تدع له الصلاة وقال الشافعي رأيت امرأة اثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن لم يزلن يحضن أقل من ثلاثة أيام وذكر إسحاق بن راهويه عن بكر بن عبد الله المزني أنه قال تحيض أمرأتي يومين وقال إسحق قالت امرأة من أهلنا معروفة لم أفطر منذ عشرين سنة في شهر رمضان إلا يومين وقولهن يجب الرجوع إليه لقول الله تعالى (ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن) فلولا أن قولهن مقبول ما حرم عليهن الكتمان وجرى ذلك مجرى قوله ولا تكتموا الشهادة ولم يوجد حيض أقل من ذلك عادة مستمرة في عصر من الأعصار فلا يكون حيضا بحال انتهى ما في المغني قلت كلام بن قدامة هذا يدل صراحة على أنه من قال إن أقل الحيض يوم وليلة أو أكثره خمسة عشر يوما ليس له دليل من الكتاب والسنة وإنما اعتماده على العرف والعادة وهي مختلفة حتى قال الأوزاعي عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشيا فتفكر
[ 343 ]
باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة قوله (استفتت أم حبيبة ابنة جحش) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء الساكنة بعدها شين معجمة وهي أخت حمنة بنت جحش قال في سبل السلام أم حبيبة كانت تحت عبد الرحمن بن عوف وبنات جحش ثلاث زينب أم المؤمنين وحمنة وأم حبيبة قيل إنهن كن مستحاضات كلهن وقد ذكر البخاري ما يدل على أن بعض أمهات المؤمنين كانت مستحاضة فإن صح أن الثلاث مستحاضات فهي زينب وقد عد العلماء المستحاضات في عصره صلى الله عليه وسلم فبلغن عشر نسوة انتهى (فقالت إني أستحاض) بهمزة مضمومة وفتح تاء وهذه الكلمة ترد على بناء المفعول يقال استحيضت المرأة فهي مستحاضة إذا استمر بها الدم بعد أيام حيضها ونفاسها (فلا أطهر) أي مدة مديدة (أفأدع الصلاة) بهمزة الاستفهام أي أفأتركها ما دامت الاستحاضة معي ولو طالت المدة (فقال لا) أي لا تدعيها (إنما ذلك) بكسر الكاف خطا بالها وتفتح على خطاب العام أي الذي تشتكينه (عرق) بكسر العين وسكون الراء أي دم عرق انشق وانفجر منه الدم أو إنما سببها عرق فمه في أدنى الرحم (فاغتسلي وصلي) أي إذا أقبلت حيضتك فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي يدل عليه ما رواه الشيخان عن عائشة قالت جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عند الدم ثم صلي (فكانت تغتسل) أي أم حبيبة (لكل صلاة) أي عند كل صلاة (قال الليث لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل عند كل صلاة ولكنه شئ فعلته هي) وقال الشافعي إنما أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
[ 344 ]
تغتسل وتصلي وليس فيه أنه أمرها أن تغتسل لكل صلاة قال ولا أشك إن شاء الله أن غسلها كان تطوعا غير ما أمرت به وذلك واسع لها وكذا قال سفيان بن عيينة قوله (ويروى هذا الحديث عن الزهري عن عمرة عن عائشة قالت استفتت أم حبيبة بنت جحش) فالزهري يروي هذا الحديث على ثلاثة وجوه عن عروة عن عائشة كما في حديث الباب وعن عمرة عن عائشة وهذه الرواية عند أبي داود وعن عروة وعمرة كليهما عن عائشة كما بينه الترمذي بقوله وروى الأوزاعي عن الزهري إلخ قوله (وقد قال بعض أهل العلم المستحاضة تغتسل عند كل صلاة) قال النووي في شرح مسلم واعلم أنه لا يجب على المستحاضة الغسل لشئ من الصلوات ولا في وقت من الأوقات إلا مرة واحدة في وقت انقطاع حيضها وبهذا قال جمهور العلماء من السلف والخلف وهو مروي عن علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وهو قول عروة بن الزبير وأبي سلمة بن عبد الرحمن ومالك وأبي حنيفة وأحمد وروى عن ابن عمر وابن الزبير وعطاء بن أبي رباح أنهم قالوا يجب عليها أن تغتسل لكل صلاة وروى هذا أيضا عن علي وابن عباس وروى عن عائشة أنها قالت تغتسل كل يوم غسلا واحدا وعن ابن المسيب والحسن قالا تغتسل من صلاة الظهر إلى صلاة الظهر دائما ودليل الجمهور أن الأصل عدم الوجوب فلا يجب إلا ما ورد الشرع بإيجابه ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها بالغسل إلا مرة واحدة عند انقطاع حيضها وهو قوله عليه السلام إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وليس في هذا ما يقتضي تكرار الغسل وأما الأحاديث الواردة في سنن أبي داود والبيهقي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل فليس فيها شئ ثابت وقد بين البيهقي ومن قبله ضعفها وإنما صح في هذا ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عرق فاغتسلي ثم صلي فكانت تغتسل عند كل صلاة انتهى كلام النووي ونقل بعد هذا قول الشافعي الذي ذكرنا فيما تقدم وقال وكذا قاله شيخه سفيان بن عيينة والليث بن سعد وغيرهما
[ 345 ]
قلت وقد جمع بعضهم بأن أحاديث الغسل لكل صلاة محمولة على الاستحباب والله تعالى أعلم وحديث الباب أخرجه الشيخان وغيرهما باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة قوله (عن أبي قلابة) بكسر القاف تخفيف اللام والباء الموحدة اسمه عبد الله بن زيد بن عمرو أو عامر الجرمي البصري ثقة فاضل كثير الإرسال قال العجلي فيه نصب يسير من الثالثة مات بالشام هاربا من القضاء سنة أربع ومائة وقيل بعدها كذا في التقريب (عن معاذة) هي بنت عبد الله العدوية وهي معدودة في فقهاء التابعين قال في التقريب ثقة من الثالثة قوله (أحرورية أنت) الحروري منسوب إلى حرورا بفتح الحاء وضم الراء المهملتين وبعد الواو الساكنة راء أيضا بلدة على ميلين من الكوفة ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج حروري لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي بالبلدة المذكورة فاشتهروا بالنسبة إليها وهم فرق كثيرة لكن من أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار وزاد مسلم في رواية فقلت لا لكني أسأل أي سؤالا مجردا لطلب العلم لا للتعنت وفهمت عائشة عنها طلب الدليل فاقتصرت في الجواب عليه دون التعليل والذي ذكره العلماء في الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة تتكرر فلم يجب قضاؤها للحرج بخلاف الصيام كذا في الفتح وقال النووي معنى قول عائشة إن طائفة من الخوارج يوجبون على الحائض قضاء الصلاة الفائتة في زمن الحائض وهو خلاف إجماع المسلمين وهذا الاستفهام الذي استفهمته عائشة هو استفهام إنكار أي هذه طريقة الحرورية وبئست الطريقة (فلا تؤمر بقضاء) أي لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء مع علمه بالحيض وتركها الصلاة في زمنه ولو كان القضاء واجبا لأمرها به وفي رواية لمسلم فتؤمر بقضاء الصوم ولا تؤمر بقضاء الصلاة
[ 346 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما (وهو قول عامة الفقهاء لا اختلاف بينهم في أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة) نقل ابن المنذر وغيره إجماع أهل العلم على ذلك وروى عبد الرزاق عن معمر أنه سأل الزهري عنه فقال اجتمع الناس عليه وحكى ابن عبد البر عن طائفة من الخوارج أنهم كانوا يوجبونه وعن سمرة بن جندب أنه كان يأمر به فأنكرت عليه أم سلمة لكن استقر الإجماع على عدم الوجوب كما قاله الزهري وغيره كذا في الفتح باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن قوله (والحسن بن عرفة) بن يزيد العبدي أبو علي البغدادي صدوق من العاشرة مات سنة سبع وخمسين ومائتين وقد جاوز المائة قاله الحافظ وقال الخزرجي وثقه ابن معين وأبو حاتم وكان له عشرة أولاد بأسماء العشرة (نا إسماعيل بن عياش) بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم قاله الحافظ وقال الخزرجي في ترجمته عالم الشام وأحد مشايخ الإسلام وثقة أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين مات سنة 181 إحدى وثمانين ومائة قوله (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن) أي لا القليل ولا الكثير والحديث يدل على أنه لا يجوز للجنب ولا للحائض قراءة شئ من القرآن وقد وردت أحاديث في تحريم
[ 347 ]
قراءة القرآن للجنب وفي كلها مقال لكن تحصل القوة بانضمام بعضها إلى بعض ومجموعها يصلح لأن يتمسك بها قوله (وفي الباب عن علي) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئنا القرآن ما لم نكن جنبا رواه الخمسة وهذا لفظ الترمذي وحسنه وصححه ابن حبان كذا في بلوغ المرام وقال الزيلعي في نصب الراية روى أصحاب السنن الأربعة من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يججبه أو يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وصححه قال ولم يحتجا بعبد الله بن سلمة ومدار الحديث عليه انتهى قال الشافعي أهل الحديث لا يثبتونه قال البيهقي لأن مداره على عبد الله بن سلمة بكسر اللام وكان قد كبر وأنكر حديثه وعقله وإنما روى هذا بعد كبره قاله شعبة انتهى كلامه هذا آخر كلام الزيلعي وقال الحافظ والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة وفي الباب أيضا عن جابر أخرجه الدارقطني بنحو حديث ابن عمر وهو ضعيف قوله (حديث ابن عمر لا نعرفه إلا من حديث إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة إلخ) وأخرجه ابن ماجه أيضا من هذا الطريق والحديث ضعيف لأن إسماعيل بن عياش قد وثقه أئمة الحديث في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين وهو روى هذا الحديث عن موسى بن عقبة وهو من أهل الحجاز قال البيهقي في المعرفة هذا حديث ينفرد به إسماعيل بن عياش وروايته عن أهل الحجاز ضعيفة لا يحتج بها قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما من الحفاظ وقد روى هذا عن غيره وهو ضعيف انتهى وقال ابن أبي حاتم في علله سمعت أبي وذكر حديث إسماعيل بن عياش هذا فقال أخطأ إنما هو من قول ابن عمر كذا في نصب الراية قوله (قالوا لا تقرأ الحائض ولا الجنب من القرآن شيئا إلى طرف الآية) أي بعضها فلا
[ 348 ]
بأس لهما قراءة بعض الاية أو حرف أو حرفين أو نحو ذلك وأما قراءة الآية بتمامها فلا يجوز لهما ألبتة قال الخطابي في الحديث من الفقه أن الجنب لا يقرأ القرآن وكذلك الحائض لا تقرأ لأن حدثها أغلظ من حدث الجنابة وقال مالك في الجنب أنه لا يقرأ الآية ونحوها وقد حكى أنه قال تقرأ الحائض ولا يقرأ الجنب لأن الحائض إن لم تقرأ نسيت القرآن لأن أيام الحيض تتطاول ومدة الجنابة لا تطول وروى عن ابن المسيب وعكرمة أنهما كانا لا يريان بأسا بقراءة الجنب القرآن وأكثر العلماء على تحريمه انتهى قلت قول الأكثر هو الراجح يدل عليه حديث الباب والله تعالى أعلم تنبيه أعلم أن البخاري عقد بابا في صحيحه يدل على أنه قائل بجواز قراءة القرآن للجنب والحائض فإنه قال باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت وقال إبراهيم لا بأس أن تقرأ الآية ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وذكر آثارا أخرى ثم ذكر فيه حديث عائشة قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج فلما جئنا سرف حضت الحديث وفيه فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال وغيره إن مراد البخاري الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبية ودعاء ولم تمنع الحائض من شئ من ذلك فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه ومنع القراءة إن كان لكونه ذكر الله فلا فرق بينه وبين ما ذكر وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص ولم يصح عند المصنف يعني البخاري شئ من الأحاديث الواردة في ذلك وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث كان يذكر الله على كل أحيانه لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن وبغيره وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة ثم قال الحافظ وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره لكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه واستدل الجمهور على المنع بحديث علي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة لكن قيل في الاستدلال به نظر لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة وأما حديث ابن عمر
[ 349 ]
مرفوعا لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن فضعيف من جميع طرقه انتهى كلام الحافظ وقال في التلخيص بعد ذكر حديث ابن عمر ما لفظه وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني مرفوعا وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وموقوفا وفيه يحيى بن أبي أنيسة وهو كذاب وقال البيهقي وهذا الأثر ليس بالقوي وصح عن عمر أنه كان يكره أن يقرأ القرآن وهو جنب وساقه عنه في الخلافيات بإسناد صحيح انتهى وقال العيني في عمدة القاري وربما يعضدان أي حديث ابن عمرو حديث جابر بحديث علي ولم يصح عند البخاري في هذا الباب حديث فلذلك ذهب إلى جواز قراءة الجنب والحائض أيضا انتهى قوله (قال وسمعت) أي قال الترمذي وسمعت (قال وإنما حديث إسماعيل بن عياش عن أهل الشام) أي قال البخاري حديث إسمعيل بن عياش الذي هو صحيح وصالح للاحتجاج إنما هو ما يرويه عن أهل الشام قال في الخلاصة إسمعيل بن عياش العنسي الحمصي عالم الشام وثقه أحمد وابن معين ودحيم والبخاري وابن عدي في أهل الشام وضعفوه في الحجازيين وقال في التقريب صدوق في روايته عن أهل بلده مخلط في غيرهم (وقال أحمد بن حنبل إسماعيل بن عياش أصلح من بقية) كذا قال الترمذي وقال الذهبي في الميزان في ترجمة إسمعيل بن عياش قال عبد الله بن أحمد سئل أبي عن إسمعيل وبقية فقال بقية أحب إلي وقال في ترجمة بقية قال أحمد هو أحب إلى إسمعيل ابن عياش انتهى فهذا مناقض لما قال الترمذي
[ 350 ]
باب ما جاء في مباشرة الحائض قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن الأسود) هو ابن يزيد بن قيس (يأمرني أن أتزر) قال الحافظ في الفتح كذا في روايتنا وغيرها بتشديد التاء المثناة بعد الهمزة وأصله أءتزر بهمزة ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة بوزن افتعل وأنكر أكثر النحاة الادغام حتى قال صاحب المفصل إنه خطأ لكن حكاه غيره أنه مذهب الكوفيين حكاه الصغاني في مجمع البحرين وقال ابن الملك إنه مقصور على السماع انتهى وقال الكرماني في قول عائشة وهي من فصحاء العرب حجة فالمخطئ مخطئ انتهى والمراد بذلك أنها تشد إزارها على وسطها (ثم يباشرني) من المباشرة وهي الملامسة من لمس بشرة الرجل بشرة المرأة وقد ترد المباشرة بمعنى الجماع والمراد ههنا هو المعنى الأول بالإجماع واستدل أبو حنيفة ومالك والشافعي بهذا الحديث وقالوا يحرم ملامسة الحائض من السرة إلى الركبة وعند أبي يوسف ومحمد وفي وجه لأصحاب الشافعي أنه يحرم المجامعة فحسب ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلا النكاح) كذا نقله الطيبي ولعل قوله صلى الله عليه وسلم لبيان الرخصة وفعله عزيمة تعليما للأمة لأنه أحوط فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويؤيده ما ورد عن معاذ بن جبل قال قلت يا رسول الله ما يحل لي من امرأتي وهي حائض قال ما فوق الازار والتعفف عن ذلك أفضل رواه أبو داود وغيره كذا في المرقاة وقال الحافظ في الفتح وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي وهو اختيار اصبغ من المالكية وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر وقال النووي هو الأرجح دليلا لحديث أنس وفي مسلم اصنعوا كل شئ إلا الجماع وحملوا حديث الباب على الاستحباب جمعا بين الأدلة انتهى قال ابن دقيق العيد ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد
[ 351 ]
انتهى ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا انتهى وقال العيني في عمدة القاري النوع الثالث المباشرة بين السرة فيما بين السرة والركبة في غير القبل والدبر فعند أبي حنيفة حرام وهو رواية عن أبي يوسف وهو الوجه الصحيح للشافعية وهو قول مالك وقول أكثر العلماء منهم سعيد بن المسيب وشريح وطاوس وعطاء وسليمان بن يسار وقتادة وعند محمد بن الحسن وأبي يوسف في رواية يتجنب شعار الدم فقط وممن ذهب إليه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والحكم والثوري والأوزاعي وأحمد وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر وداود وهذا أقوى دليل لحديث أنس أصنعوا كل شئ إلا النكاح واقتصار النبي صلى الله عليه وسلم في مباشرته على ما فوق الإزار محمول على الاستحباب وقول محمد هو المنقول عن علي وابن عباس وأبي طلحة رضي الله تعالى عنهم انتهى كلام العيني قوله (وفي الباب عن أم سلمة وميمونة) أخرج حديثهما البخاري قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) والقول الراجح هو جواز الاستمتاع بالحائض بكل شئ إلا الجماع لحديث أنس المذكور والله تعالى أعلم باب في مؤاكلة الجنب الحائض وسؤرهما وفي بعض النسخ وسؤرهما قوله (حدثنا عباس العنبري) هو عباس بن عبد العظيم بن إسمعيل العنبري البصري أبو
[ 352 ]
الفضل ثقة حافظ من كبار الحادية عشرة روى عنه البخاري تعليقا والباقون مات سنة 642 ست وأربعين ومائتين (ومحمد بن عبد الأعلى) الصنعاني البصري ثقة من العاشرة مات سنة 452 أربع وخمسين ومائتين (عن حرام بن معاوية) قال الخزرجي حرام ابن حكيم بن خالد الأنصاري أو العنسي ويقال هو حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد وأبي هريرة وعنه العلاء بن الحارث وثقه دحيم انتهى وقال الحافظ في ترجمة حرام بن حكيم بن خالد ما لفظه وهو حرام بن معاوية كان معاوية بن صالح يقوله على الوجهين ووهم من جعلهما اثنين وهو ثقة من الثالثة انتهى (عن عمه عبد الله بن سعد) صحابي شهد فتح القادسية قوله (فقال واكلها) صيغة أمر من المواكلة أي كل معها وفيه دلالة على جواز مؤاكلة الحائض قوله (وفي الباب عن عائشة وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم والنسائي وأبو داود عنها قالت كنت أتعرق العظم وأنا حائض فأعطيه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فمه في الموضع الذي فيه وضعته وأشرب الشراب فأناوله فيضع فمه في الموضع الذي كنت أشرب منه وأما حديث أنس فأخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما عنه قال إن اليهود كانوا إذا حاضت منهم المرأة أخرجوها من البيت ولم يواكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت الحديث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شئ غير النكاح إلخ قوله (حديث عبد الله بن سعد حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وأخرجه أيضا أبو داود ورواته كلهم ثقات وإنما غربه الترمذي لأنه تفرد به الحارث عن حكيم بن حزام وحكيم بن حزام عن عمه عبد الله بن سعد قاله الشوكاني قلت رواه الترمذي من طريق العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عن عمه عبد الله بن سعد لا من طريق العلاء عن حكيم بن حزام
[ 353 ]
قوله (وهو قول عامة أهل العلم لم يروا بمؤاكلة الحائض بأسا) قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي وهذا مما أجمع الناس عليه وهكذا نقل الإجماع محمد بن جرير الطبري وأما قوله تعالى (فاعتزلوا النساء في المحيض) فالمراد اعتزلوا وطأهن (واختلفوا في فضل وضوئها فرخص في ذلك بعضهم وكره بعضهم طهورها) الراجح هو عدم الكراهة وحديث عائشة المذكور يدل على أن ريق الحائض طاهر وعلى طهارة سؤرها من طعام أو شراب قال الشوكاني ولا خلاف فيهما فيما أعلم باب ما جاء في الحائض تتناول الشئ من المسجد أي تأخذه منه قوله (نا عبيدة بن حميد) بفتح العين وحميد بالتصغير هو المعروف بالحذاء التيمي أو الليثي أو الضبي صدوق نحوي ربما أخطأ قال الحافظ وقال الخزرجي قال ابن سعد ثقة صاحب نحو وعربية مات سنة 091 تسعين ومائة (عن ثابت بن عبيد) بالتصغير الأنصاري الكوفي مولى يزيد بن ثابت ثقة وثقه أحمد وابن معين قوله (ناوليني) أي أعطيني (الخمرة) بضم الخاء المعجمة وإسكان الميم قال الخطابي هي السجادة التي يسجد عليها المصلي ويقال سميت بهذا لأنها تخمر وجه المصلي عن الأرض أي تستره وصرح جماعة بأنها لا تكون إلا قدر ما يضع الرجل حر وجهه في سجوده وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس قال جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدا عليها فأحرقت منها موضع درهم فذا تصريح بإطلاق الخمرة
[ 354 ]
على ما زاد على قدر الوجه انتهى (إن حيضتك ليست في يدك) يعني إن يدك ليست بنجسة لأنها لا حيض فيها قال النووي بفتح الحاء هذا هو المشهور في الرواية وهو الصحيح وقال الخطابي المحدثون يقولونها بفتح الحاء وهو خطأ وصوابها بالكسر أي الحالة والهيئة وأنكر القاضي عياض هذا على الخطابي وقال الصواب ههنا ما قاله المحدثون من الفتح لأن المراد الدم وهو الحيض بالفتح بلا شك لقوله صلى الله عليه وسلم ليست بيدك معناه أن النجاسة التي يصان المسجد عنها وهي دم الحيض ليست بيدك وهذا بخلاف حديث أم سلمة فأخذت ثياب حيضتي فإن الصواب فيه الكسر هذا كلام القاضي وهذا الذي اختاره من الفتح هو الظاهر ههنا ولما قاله الخطابي وجه قال في شرح السنة في الحديث دليل على أن للحائض أن تتناول شيئا من المسجد وأن من حلف أن لا يدخل دارا أو مسجدا فإنه لا يحنث بإدخال بعض جسده فيه انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأبي هريرة) أما حديث ابن عمر فأخرجه أحمد عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة ناوليني الخمرة من المسجد فقالت إني قد أحدثت فقال أو حيضتك في يدك قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي بلفظ قال أبو هريرة بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ قال يا عائشة ناوليني الثوب فقالت إني لا أصلي فقال إنه ليس في يدك فناولته وفي الباب أيضا عن أنس وأبي بكرة ذكر حديثهما الهيثمي في مجمع الزوائد قوله (وهو قول عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافا في ذلك بأن لا بأس أن تتناول الحائض شيئا من المسجد) أي بمد يدها من غير دخول فيه
[ 355 ]
باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض قوله (حدثنا بندار) لقب محمد بن بشار (نا يحيى بن سعيد) هو القطان (وبهز بن أسد) العمي أبو الأسود البصري ثقة ثبت مات بعد المائتين وقيل قبلها قاله الحافظ (عن حكيم الأثرم) البصري قال الحافظ لين وقال الخزرجي في الخلاصة ليس به بأس (عن أبي تميمة) بفتح التاء الفوقانية وكسر الميم اسمه طريف بن مجالد (الهجيمي) بضم الهاء وفتح الجيم مصغرا البصري ثقة من الثالثة مات سنة 79 سبع وتسعين أو قبلها أو بعدها قوله (من أتى حائضا) أي جامعها (أو امرأة في دبرها) مطلقا سواء كانت حائضا أو غيرها (أو كاهنا) قال الجزري في الكاهن الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن ورئيا يلقي إليه الأخبار ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله وهذا يخصونه باسم العراف كالذي يدعي معرفة الشئ المسروق ومكان الضالة ونحوهما والحديث الذي فيه من أتى كاهنا قد يشتمل على إتيان الكاهن والعراف والمنجم انتهى كلام الجزري وقال الطيبي أتى لفظ مشترك هنا بين المجامعة وإتيان الكاهن قال القاري الأولى أن يكون التقدير أو صدق كاهنا فيصير من قبيل علفتها ماء وتبنا باردا أو يقال من أتى حائضا أو امرأة بالجماع أو كاهنا بالتصديق انتهى (فقد كفر بما أنزل على محمد) الظاهر أنه محمول على التغليظ والتشديد كما قاله الترمذي وقيل إن كان المراد الإتيان باستحلال وتصديق فالكفر محمول على ظاهره وإن كان بدونهما فهو على كفران النعمة
[ 356 ]
قوله (وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم على التغليظ) يعني على التشديد والتهديد ثم استدل الترمذي على هذا بقوله وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أتى حائضا فليتصدق بدينار إلخ ذكر الترمذي هذا الحديث هنا هكذا معلقا وقد رواه با سناد من حديث ابن عباس في الباب الآتي قوله (وضعف محمد هذا الحديث) قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم الأثرم قال البخاري لم يتابع على حديثه يعني حماد بن سلمة عنه عن أبي تميمة عن أبي هريرة مرفوعا من أتى كاهنا إلخ باب ما جاء في الكفارة في ذلك قوله (عن خصيف) بضم الخاء المعجمة وفتح الصاد المهملة مصغرا ابن عبد الرحمن الجزري صدوق سئ الحفظ خلط باخره ورمي بالإرجاء كذا في التقريب وقال في الخلاصة ضعفه أحمد ووثقه ابن معين وأبو زرعة وقال ابن عدي إذا حدث عنه ثقة فلا بأس به انتهى قوله (في الرجل يقع على امرأته) أي يجامع امرأته (وهي حائض) جملة حالية (قال يتصدق
[ 357 ]
بنصف دينار) كذا في هذه الرواية وروى بألفاظ مختلفة كما ستقف والحديث في سنده شريك بن عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة وفيه خصيف وقد عرفت حاله قوله (نا الفضل بن موسى) السيناني أبو عبد الله المروزي ثقة ثبت وربما أغرب (عن أبي حمزة السكري) سمي بذلك لحلاوة كلامه كذا في الخلاصة وقال القاموس بالضم السين وتشديد الكاف معرب شكر انتهى فعلى هذا يكون السكرى بضم السين وتشديد الكاف وكذا ضبط في نسخة قلمية بالقلم وضبط في النسخة الأحمدية المطبوعة بفتح السين والكاف الخفيفة قال الحافظ في التقريب ثقة فاضل من السابعة (عن عبد الكريم) بن مالك الجزري يكنى بأبي سعيد مولى بني أمية وهو الخضري نسبة إلى قرية من اليمامة ثقة متقن من السادسة قوله (إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار) قال المنذري هذا الحديث قد وقع الاضطراب في إسناده ومتنه فروي مرفوعا وموقوفا ومرسلا ومعضلا وقال عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت وأما الاضطراب في متنه فروي بدينار أو نصف دينار على الشك وروي يتصدق بدينار فإن لم يجد فبنصف دينار وروي إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار وروي إن كان الدم عبيطا فليتصدق بدينار وإن كان صفرة فنصف دينار انتهى كلام المنذري وقال الحافظ في التلخيص والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثير انتهى قلت لا شك في أن إسناد هذا الحديث ومتنه اختلافا كثيرا لكن مجرد الاختلاف قليلا كان أو كثيرا لا يورث الاضطراب القادح في صحة الحديث بل يشترط له استواء وجوه الاختلاف فمتى رجحت رواية من الروايات المختلفة من حيث الصحة قدمت ولا تعل الرواية الراحجة بالمرجوحة وههنا رواية عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس بلفظ فليتصدق بدينار أو بنصف دينار صحيحة راجحة فكل رواتها مخرج لهم في الصحيح إلا مقسما الراوي عن ابن عباس فانفرد به البخاري لكن ما أخرج له إلا حديثا واحدا وقد صحح هذه الرواية الحاكم وابن دقيق العيد وقال ما أحسن حديث عبد الحميد عن مقسم عن ابن عباس فقيل تذهب إليه فقال
[ 358 ]
نعم ورواية عبد الحميد هذه لم يخرجها الترمذي وأخرجها أبو داود قال حدثنا مسددنا يحيى عن شعبة قال حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال يتصدق بدينار أو نصف دينار قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة قال دينار أو نصف دينار ولم يرفعه شعبة فرواية عبد الحميد هذه صحيحة راجحة وأما باقي الروايات فضعيفة مرجوحة لا توازي رواية عبد الحميد فلا تعل رواية عبد الحميد هذه بالروايات الضعيفة قال الحافظ في التلخيص قد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث والجواب عن طرق الطعن فيه بما يراجع منه وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الامام وهو الصواب فكم من حديث احتجوا به وفيه من الاختلاف أكثر مما في هذا الحديث كحديث بئر بضاعة وحديث القلتين ونحوهما وفي ذلك ما يرد على النووي في دعواه في شرح المهذب والتنقيح والخلاصة أن الأئمة كلهم خالفوا الحاكم في تصحيحه وأن الحق أنه ضعيف بإتفاقهم وتبع في بعض ذلك ابن الصلاح انتهى كلام الحافظ وبالجملة رواية عبد الحميد صحيحة لكن وقع الاختلاف في رفعها فرفعها شعبة مرة ووقفها مرة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر هذه الرواية مرفوعة صححه الحاكم وابن القطان ورجح غير هما وقفه قال الشوكاني في النيل ويجاب عن دعوى الاختلاف في رفعه ووقفه بأن يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر وابن أبي عدي رفعوه عن شعبة وكذلك وهب بن جرير وسعيد بن عامر والنضر بن شميل وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف قال ابن سيد الناس من رفعه عن شعبة أجل وأكثر وأحفظ ممن وقفه وأما قول شعبة أسنده لي الحكم مرة ووقفه مرة فقد أخبر عن المرفوع والموقوف أن كلا عنده ثم لو تساوى رافعوه مع واقفيه لم يكن في ذلك ما يقدح فيه وقال أبو بكر الخطيب اختلاف الروايتين في الرفع لا يؤثر في الحديث ضعفا وهو مذهب أهل الأصول لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى والأخذ بالمرفوع أخذ بالزيادة وهي واجبة القبول انتهى قلت يؤيد ترجيح وقفها قول عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كنت ترفعه قال إني كنت مجنونا فصححت وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعه والله تعالى أعلم قوله (وهو قول بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال ابن المبارك يستغفر ربه
[ 359 ]
ولا كفارة عليه) قال الحافظ ابن عبد البر حجة من لم يوجب الكفارة باضطراب هذا الحديث وأن الذمة على البراءة ولا يجب أن يثبت فيها شئ لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه ولا مطعن عليه وذلك معدوم في هذه المسألة كذا في التلخيص وقال الخطابي في المعالم ذهب إلى إيجاب الكفارة عليه غير واحد من العلماء ومنهم قتادة وأحمد بن حنبل وإسحاق وقال به الشافعي قديما ثم قال في الجديد لا شئ عليه قلت ولا ينكر أن يكون فيه كفارة لأنه وطء محظور كالواطئ في رمضان وقال أكثر العلماء لا شئ عليه ويستغفر الله وزعموا أن هذا الحديث مرسل أو موقوف على ابن عباس ولا يصح متصلا مرفوعا والذمم بريئة إلا أن تقوم الحجة بشغلها وكان ابن عباس يقول إذا أصابها في فور الدم تصدق بدينار وإن كان في اخره فنصف دينار وقال قتادة دينار للحائض ونصف دينار إذا أصابها قبل أن تغتسل وكان أحمد بن حنبل يقول هو مخير بين الدينار ونصف الدينار انتهى كلام الخطابي بلفظه قلت وذهب إلى إيجاب الكفارة على من وطئ امرأته وهي حائض ابن عباس والحسن البصري وسعيد بن جبير والأوزاعي أيضا واختلفوا في الكفارة فقال الحسن وسعيد عتق رقبة وقال الباقون دينار أو نصف دينار على اختلاف منهم في الحال الذي يجب فيه الدينار أو نصف الدينار بحسب اختلاف الروايات كذا في النيل قوله (وقد روى مثل قول ابن المبارك عن بعض التابعين منهم سعيد بن جبير وإبراهيم) هو النخعي ولعل لسعيد بن جبير في هذه المسألة قولان ومنهم عطاء وابن أبي مليكة والشعبي ومكحول والزهري وربيعة وحماد بن أبي سليمان وأيوب السختياني وسفيان الثوري والليث بن سعد ومالك وأبو حنيفة وهو الأصح عن الالشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وجماهير من السلف قالوا إنه لا كفارة عليه بل الواجب الاستغفار والتوبة وأجابوا عن الحديث بما سبق من المطاعن قالوا والأصل البراءة فلا ينتقل عنها إلا بحجة قال الشوكاني بعد ذكر هذا ما لفظه وقد عرفت انتهاض الرواية الأولى من حديث الباب فالمصير إليها متحتم وعرفت بما أسلفناه صلاحيتها للحجية وسقوط الاعتلالات الواردة عليها انتهى قلت ومن الاعتلالات اعتلال الاختلاف في رفعها ووقفها وقد عرفت أن قول عبد الرحمن بن مهدي يؤيد وقفها وبين البيهقي في روايته أن شعبة رجع عن رفعها فتأمل
[ 360 ]
باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب قوله (من الحيضة) بفتح الحاء أي من الحيض (حتيه) الحت الحك من نصر ينصر أي حكية والمراد إزالة عينه (ثم اقرصيه بالماء) القرص الدلك بأطراف الأصابع والأظفار أي تدلكي موضع الدم بأطراف الأصابع بالماء ليتحلل بذلك ويخرج ما تشربه الثوب منه (ثم رشيه) من الرش أي صبي الماء عليه قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وأم قيس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وأما حديث أم قيس فأخرجه أبو داود قوله (حديث أسماء في غسل الدم حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (فقال بعض أهل العلم من التابعين إذا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وصلى فيه أعاد الصلاة) جاء فيه حديث أخرجه الدارقطني في سننه عن روح بن غطيف عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعاد الصلاة من قدر الدرهم من الدم وفي لفظ إذا كان في الثوب قدر الدرهم من الدم غسل الثوب وأعيدت الصلاة قال البخاري حديث باطل وروح هذا منكر
[ 361 ]
الحديث وقال ابن حبان هذا حديث موضوع لا شك فيه لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اخترعه أهل الكوفة وكان روح ابن غطيف يروي الموضوعات عن الثقات وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وذكره أيضا من حديث نوح بن أبي مريم عن يزيد الهاشمي عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وأغلظ في نوح بن أبي مريم كذا في تخريج الزيلعي (وقال بعضهم إذا كان الدم أكثر من قدر الدرهم أعاد الصلاة وهو قول سفيان وابن المبارك) وهو قول الحنفية وقال صاحب الهداية قدر الدرهم وما دونه من النجاسة المغلظة كالدم والبول والخمر وخرء الدجاج وبول الحمار جازت الصلاة معه وإن زاد فلم يجز قال لنا إن القليل لا يمكن التحرز عنه فيجعل معفوا وقدرناه بقدر الدرهم أخذا عن موضع الاستنجاء انتهى قال العيني في شرح البخاري ص 309 ج 1 وأما تقدير أصحابنا القليل بقدر الدرهم فلما ذكره صاحب الأسرار عن علي وابن مسعود أنهما قدرا النجاسة بالدرهم وكفى بهما حجة في الاقتداء وروي عن عمر أيضا أنه قدره بظفره وفي المحيط وكان ظفره قريبا من كفنا فدل على أن ما دون الدرهم لا يمنع انتهى قلت لا بد للحنفية أن يثبتوا صحة اثار علي وابن مسعود وعمر رضي الله عنهم المذكورة وبمجرد ذكر صاحب الأسرار هذه الآثار لا يصح الاستدلال بها وإني قد فتشت كثيرا لكن لم أقف على أسانيدها ولا على مخرجيها فالله تعالى أعلم كيف حالها وأما قول الحنفية أن ظفر عمر كان قريبا من كفنا فهذا ادعاء محض لم يثبت بدليل صحيح نعم ثبت أنه رضي الله عنه كان طويل القامة قال الحافظ بن الجوزي في كتابه التلقيح ما لفظه تسمية الطوال عمر بن الخطاب الزبير بن العوام قيس بن سعد حبيب بن مسلمة علي بن عبد الله بن عباس انتهى ومن المعلوم أن كون عمر من طوال الصحابة لا يستلزم أن يكون ظفره قريبا من كفنا وأما تقديرهم أخذا عن موضع الاستنجاء ففيه أيضا كلام لا يخفى على المتأمل (ولم يوجب بعض أهل العلم وغيرهم عليه الإعادة وإن كان أكثر من قدر الدرهم وبه يقول أحمد وإسحاق) يدل على ما ذهب إليه هؤلاء ظاهر ما أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم كلهم من طريق ابن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع فرمى
[ 362 ]
رجل بسهم فنزفه الدم فركع وسجد ومضى في صلاته والقصة طويلة محصلها أنه صلى الله عليه وسلم نزل بشعب فقال من يحرسنا الليلة فقام رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فباتا بفم الشعب فاقتسما الليل للحراسة فنام المهاجري وقام الأنصاري يصلي فجاء رجل من العدو فرأى الأنصاري فرماه بسهم فأصابه فنزعه واستمر في صلاته ثم رماه بثان فصنع كذلك ثم رماه بثالث فنزعه وركع وسجد وقضى صلاته ثم أيقظ رفيقه فلما رأى ما به من الدماء قال لم لا أنبهتني أول ما رمى قال كنا في سورة فأحببت أن لا أقطعها فظاهر هذا الحديث يدل على ما ذهب إليه أحمد وإسحاق ومن تبعهما فتفكر (وقال الشافعي يجب عليه الغسل وإن كان أقل من الدرهم) قال صاحب الهداية وقال زفر والشافعي لا تجوز قليل النجاسة وكثيرها سواء لأن النص الموجب للتطهير لم يفصل انتهى قال العيني في شرح البخاري قال ابن بطال حديث أسماء أصل عند العلماء في غسل النجاسات من الثياب ثم قال وهذا الحديث محمول عندهم على الدم الكثير لأن الله تعالى شرط في نجاسته أن يكون مسفوحا وهو كناية عن الكثير الجاري لأن الفقهاء اختلفوا في مقدار ما يتجاوز عنه من الدم فاعتبر الكوفيون فيه وفي النجاسات دون الدرهم في الفرق بين قليله وكثيره وقال مالك قليل الدم معفو ويغسل قليل سائر النجاسات وروى عن ابن وهب أن قليل دم الحيض ككثيره وكسائر الأنجاس بخلاف سائر الدماء والحجة في أن اليسير من دم الحيض كالكثير قوله صلى الله عليه وسلم لأسماء حتيه ثم أقرصيه حيث لم يفرق بين قليله وكثيره ولا سألها عن مقداره ولم يحد فيه مقدار الدرهم ولا دونه قال العيني حديث عائشة ما كان لأحدانا إلا ثوب واحد فيه تحيض فإن أصابه شئ من دم بلته بريقها ثم قصعته بريقها رواه أبو داود وأخرجه البخاري أيضا ولفظه قالت بريقها فقصعته يدل على الفرق بين القليل والكثير وقال البيهقي هذا في الدم اليسير الذي يكون معفوا عنه وأما الكثير منه فصح عنها أي عن عائشة أنها كانت تغسله فهذا حجة عليهم في عدم الفرق بين القليل والكثير من النجاسة وعلى الشافعي أيضا في قوله إن يسير الدم يغسل كسائر الأنجاس إلا دم البراغيث فإنه لا يمكن التحرز عنه وقد روي عن أبي هريرة أنه لا يرى بالقطرة والقطرتين بأسا في الصلاة وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بيده وصلى فالشافعية ليسوا بأكثر احتياطا من أبي هريرة وابن عمر ولا أكثر رواية منهما حتى خالفوهما حيث لم يفرقوا بين القليل والكثير على أن قليل الدم موضع ضرورة لأن الانسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة ودمل أو برغوث فعفي عنه ولهذا حرم الله المسفوح منه فدل أن غيره ليس بمحرم انتهى كلام العيني
[ 363 ]
قلت في كلام العيني هذا أشياء فتفكر باب ما جاء في كم تمكث النفساء أي كم تمكث في نفاسها وإلى أي مدة لا تصلي ولا تصوم قال الجوهري النفاس ولادة المرأة إذا وضعت فهي نفساء ونسوة نفاس وليس في الكلام فعلاء يجمع على فعال غير نفساء وعشراء انتهى قوله (نا شجاع بن الوليد أبو بدر) السكوني الكوفى صدوق ورع له أوهام (عن علي بن عبد الأعلى) الثعلبي الكوفي الأحول صدوق ربما وهم كذا في التقريب ووثقه البخاري كما بينه الترمذي (عن أبي سهل) اسمه كثير بن زياد البرساني بصري نزل بلخ ثقة (عن مسة الأزدية) بضم الميم وتشديد السين المهملة هي أم بسة بضم الموحدة وتشديد السين المهملة مقبولة قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب روت عن أم سلمة في النفساء وعنها أبو سهل كثير بن زياد قال وذكر الخطابي وابن حبان أن الحكم بن عتيبة روى عنها أيضا انتهى وروى الدارقطني في سننه ص 29 عن الحكم بن عتيبة عن مسة عن أم سلمة قوله (وكانت النفساء تجلس) أي بعد نفاسها كما في رواية أبي داود وقال الحافظ ابن تيمية في المنتقى معنى الحديث كانت تؤمر أن تجلس إلى الأربعين لئلا يكون الخبر كذبا إذ لا يمكن أن تتفق عادة نساء عصر في حيض أو نفاس انتهى بلفظه (وكنا نطلي وجوهنا) أي نلطخ وجوهنا قال في القاموس طلى البعير الهناء يطليه وبه لطخه كطلاه (بالورس) الورس بوزن الفلس نبت أصفر يكون باليمين تتخذ منه الغمرة للوجه وورس الثوب توريسا صبغه بالورس (من الكلف) بفتح الكاف واللام لون بين السوداء والحمرة وهي حمرة كدرة تعلو الوجه وشئ يعلو الوجه كالسمسم كذا في الصحاح للجوهري وزاد في رواية أبي داود لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس
[ 364 ]
قوله (هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي سهل إلخ) قال الحافظ في التلخيص أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم وأبو سهل وثقه البخاري وابن معين وضعفه ابن حبان وأم بسة مسة مجهولة الحال قال الدارقطني لا يقوم بها حجة وقال ابن القطان لا يعرف حالها وأغرب ابن حبان فضعفه بكثير بن زياد ولم يصب وقال النووي قول جماعة من مصنفي الفقهاء إن هذا الحديث ضعيف مردود عليهم وله شاهد أخرجه ابن ماجه من طريق سلام عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك قال لم يروه عن حميد غير سلام وهو ضعيف ورواه عبد الرزاق من وجه آخر عن أنس مرفوعا وروى الحاكم من حديث عثمان عن الحسن بن أبي العاص قال وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء في نفاسهن أربعين يوما وقال صحيح إن سلم من أبي هلال قلت وقد ضعفه الدارقطني والحسن عن عثمان بن أبي العاص منقطع والمشهور عن عثمان موقوف عليه انتهى ما في التلخيص وقد ذكر الحافظ حديث الباب في بلوغ المرام وقال صححه الحاكم وأقر تصحيحه ولم ينكر عليه وقد قال في التقريب في ترجمة مسة الأزدية إنها مقبولة كما عرفت وقال صاحب عون المعبود وأجاب في البدر المنير عن القول بجهالة مسة فقال ولا نسلم جهالة عينها وجهالة حالها مرتفعة فإنه روى عنها جماعة كثير بن زياد والحكم بن عتيبة وزيد بن علي بن الحسين ورواه محمد بن عبد الله العزرمي عن الحسن عن مسة أيضا فهؤلاء رووا عنها وقد أثنى على حديثها البخاري وصحح الحاكم إسناده فأقل أحواله أن يكون حسنا انتهى قلت الظاهر أن هذا الحديث حسن صالح الحديث للاحتجاج وفي الباب أحاديث
[ 365 ]
أخرى ضعيفة تؤيده فمنها ما تقدم في كلام الحافظ ومنها حديث أبي الدرداء وأبي هريرة قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تنتظر النفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإن بلغت أربعين يوما ولم تر الطهر فلتغتسل ذكره ابن عدي وفيه العلاء بن كثير وهو ضعيف جدا ومنها حديث عبد الله بن عمر وأخرجه الحاكم في المستدرك والدارقطني في سننه وفي إسناده عمرو بن الحصين وابن علاثه قال الدارقطني متروكان ضعيفان ومنها حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنساء في نفاسهن أربعين يوما أخرجه الدارقطني ومنها حديث جابر قال وقت للنساء أربعين يوما أخرجه الطبراني في معجمه الوسط ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية هذه الروايات بأسانيدها ومتونها مع الكلام عليها قوله (وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول الحنفية واستدلوا بأحاديث الباب قال الشوكاني في النيل والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالغة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك انتهى (ويروى عن الحسن البصري أنه قال إنها تدع الصلاة خمسين يوما إذا لم تطهر) وفي نسخة قلمية عتيقة إذا لم تر الطهر (ويروى عن عطاء بن أبي رباح والشعبي ستين يوما) وهو قول الشافعي وروى عن إسمعيل وموسى ابني جعفر بن محمد الصادق سبعون يوما قالوا إذ هو أكثر ما وجد قلت لم أجد على هذه الأقوال دليلا من السنة فالقول الراجح المعول عليه هو ما قال به أكثر الفقهاء والله تعالى أعلم
[ 366 ]
باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد قوله (نا أبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمرو بن درهم الأنصاري الزبيري مولاهم الكوفي من أصحاب الكتب الستة قال العجلي ثقة يتشيع وقال بندار ما رأيت قط أحفظ من أبي أحمد وقال أبو حاتم حافظ للحديث عاقل مجتهد له أوهام مات سنة ثلاث ومائتين (نا سفيان) هو الثوري (عن معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن ثقة ثبت فاضل إلا أن في روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا وكذا فيما حدث به بالبصرة من كبار السابعة كذا في التقريب قوله (كان يطوف على نسائه في غسل واحد) أي يجامعهن ثم يغسل غسلا واحدا ولأحمد والنسائي في ليلة بغسل واحد والحديث دليل على أن الغسل بين الجماعين لا يجب وعليه الاجماع ويدل على استحبابه ما أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي رافع أنه صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأظهر فإن قيل أقل القسمة ليلة لكل امرأة فكيف طاف على الجميع فالجواب أن وجوب القسم عليه مختلف فيه قال أبو سعيد لم يكن واجبا عليه بل كان يقسم بالتسوية تبرعا وتكرما والأكثرون على وجوبه وكان طوافه صلى الله عليه وسلم برضاهن وقال ابن عبد البر معنى الحديث أنه فعل ذلك عند قدومه من سفر ونحوه في وقت ليس لواحدة منهن يوم معين معلوم فجمعهن يومئذ ثم دار بالقسم عليهن بعد والله أعلم لأنهن كن حرائر وسنته صلى الله عليه وسلم فيهن العدل بالقسم وأن لا يمس الواحدة في يوم الأخرى انتهى قوله (وفي الباب عن أبي رافع) تقدم آنفا تخريجه ولفظه
[ 367 ]
قوله (حديث أنس حديث صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى وقال في النيل الحديث أخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة عن أنس بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قال قلت لأنس بن مالك أو كان يطيقه قال كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين ولم يذكر فيه الغسل انتهى قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم منهم الحسن البصري أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ) في كلام الترمذي هذا شئ فإن حديث الباب لا يدل على هذا بل يدل على أن لا بأس أن يعود قبل أن يغتسل فتفكر وأما مسألة العود قبل أن يتوضأ فتأتي في الباب الاتي قوله (وقد روى محمد بن يوسف) بن واقد بن عثمان الضبي مولاهم الفريابي وثقة أبو حاتم والنسائي وقال البخاري كان أفضل زمانه وقال ابن عدي له عن الثوري إفرادات وقال الذهبي في الميزان كان ثقة فاضلا عابدا من أجلة أصحاب الثوري
[ 368 ]
باب ما جاء إذا أراد أن يعود توضأ قوله (عن عاصم الأحول) هو عاصم بن سليمان التميمي مولاهم أبو عبد الرحمن البصري وثقه ابن معين وأبو زرعة وغيرهما (عن أبي المتوكل) الناجي اسمه علي بن داود مشهور بكنيته ثقة من الثالثة مات سنة 108 ثمان ومائة وقيل قبل ذلك قوله (فليتوضأ بينهما) أي بين الاتيانين (وضوءا) أي كوضوء الصلاة وحمله بعض أهل العلم على الوضوء اللغوي وقال المراد به غسل الفرج ورد عليه ابن خزيمة بما رواه في هذا الحديث فقال فليتوضأ وضوءه للصلاة واختلف العلماء في الوضوء بينهما فقال أبو يوسف لا يستحب وقال الجمهور يستحب وقال ابن حبيب المالكي وأهل الظاهر يجب واحتجوا بحديث الباب وقال الجمهور إن الأمر بالوضوء في هذا الحديث للاستحباب لا للوجوب واستدلوا على ذلك بما رواه الطحاوي عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع ثم يعود ولا يتوضأ واستدل ابن خزيمة على أن الأمر فيه بالوضوء للندب بما رواه في هذا الحديث فقال فإنه أنشط للعود فدل على أن الأمر للارشاد أو للندب وحديث الباب حجة على أبي يوسف قوله (وفي الباب عن عمر) وفي الباب عن ابن عمر أيضا قال في النيل تحت حديث أبي سعيد المذكور في الباب ما لفظه ويقال إن الشافعي قال لا يثبت مثله قال البيهقي ولعله لم يقف على إسناد حديث أبي سعيد ووقف على إسناد غيره فقد روى عن عمرو بن عمر بإسنادين ضعيفين انتهى ما في النيل قلت لم أقف على من أخرج حديثهما
[ 369 ]
قوله (وأبو سعيد الخدري اسمه سعد بن مالك بن سنان) بكسر السين وبالنوني بايع تحت الشجرة وشهد ما بعد أحد وكان من علماء الصحابة مات سنة 47 أربع وسبعين قوله (حديث أبي سعيد الخدري صحيح) أخرجه الجماعة إلا البخاري كذا في المنتقى باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء فليبدأ بالخلاء قوله (إذا أقيمت الصلاة) أي قال عروة (فأخذ) أي عبد الله بن الأرقم (فقدمه) أي فقدم الرجل ليؤم القوم (وكان) أي عبد الله بن الأرقم (ووجد أحدكم الخلاء) أي الحاجة إلى الخلاء وفي رواية الشافعي ووجد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط (فليبدأ بالخلاء) وجاز له ترك الجماعة بهذا العذر وفي رواية مالك إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة قوله (وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وثوبان وأبي أمامة) أما حديث عائشة فأخرجه مسلم عنها أنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا صلاة بحضرة الطعام ولا هو يدافعه
[ 370 ]
الأخبثان وأما حديث أبي هريرة فلم أقف عليه وأما حديث ثوبان فأخرجه الترمذي وأبو داود وفيه ولا يصل وهو حقن حتى يتخفف وأما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد مرفوعا بلفظ قال لا يأت أحدكم الصلاة وهو حاقن الحديث وأخرجه ابن ماجه أيضا وفيه السفر بن نسير وهو ضعيف وقد وثقه ابن حبان كذا في مجمع الزوائد قوله (حديث عبد الله بن الأرقم حديث حسن صحيح) وأخرج مالك وأبو داود والنسائي نحوه قوله (هكذا روى مالك بن أنس ويحيى بن سعيد القطان وغير واحد من الحفاظ) كزهير بن معاوية وسفيان بن عيينة وحفص بن غياث وغيرهم (عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الأرقم) فلم يزيدوا بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلا (وروى وهيب وغيره) كأنس بن عياض وشعيب بن إسحاق (عن هشام بن عروة عن رجل عن عبد الله بن الأرقم) فزاد هؤلاء بين عروة وعبد الله بن الأرقم رجلا ورواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن أيوب بن موسى عن هشام عن عروة قال خرجنا في حج أو عمرة مع عبد الله بن الأرقم الزهري فأقام الصلاة ثم قال صلوا وذهب لحاجته فلما رجع قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أقيمت الصلاة وأراد أحدكم الغائط فليبدأ بالغائط فهذا الإسناد يشهد بأن رواية مالك ومن تابعه متصلة لتصريحه بأن عروة
[ 371 ]
سمعه من عبد الله بن الأرقم وابن جريج وأيوب ثقتان حافظان ذكره الزرقاني نقلا عن ابن عبد البر باب ما جاء في الوضوء من الموطئ بفتح الميم وسكون الواو وكسر الطاء قال الخطابي الموطئ ما يوطأ في الطريق من الأذى وأصله الموطوء انتهى وقال بعضهم الموطئ موضع وطء القدم قوله (عن محمد بن عمارة) بن حزم المدني عن محمد بن إبراهيم التيمي وعنه مالك وابن إدريس وثقه ابن معين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يخطئ انتهى (عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد بن صخر التيمي المدني وثقه ابن معين والناس كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة له أفراد انتهى (عن أم ولد لعبد الرحمن بن عوف) وفي رواية مالك في الموطأ وأبي داود عن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال الزرقاني اسمها حميدة تابعية صغيرة مقبولة وقال الحافظ في التقريب حميدة عن أم سلنمة يقال هي أم ولد لإبراهيم بن عوف (أطيل) من الإطالة (ذيل) الذيل بفتح الذال هو طرف الثوب الذي يلي الأرض وإن لم يمسها (في المكان القذر) بكسر الذال أي في مكان ذي قذر أي في المكان النجس (يطهره) أي الذيل (ما بعده) في محل الرفع فاعل يطهر أي مكان الذي بعد المكان القذر بزوال ما يتشبث بالذيل من القذر قال الخطابي كان الشافعي يقول إنما هو فيما جر على ما كان يابسا لا يعلق بالثوب منه شئ فأما إذا جر على رطب فلا يطهره إلا بالغسل وقال أحمد ليس معناه إذا أصابه بول ثم مر بعده على الأرض أنها تطهره ولكنه يمر بالمكان فيقذره ثم يمر بمكان أطيب منه فيكون هذا بذاك لا على أنه يصيبه منه شئ وقال مالك فيما روي عنه إن الأرض يطهر بعضها بعضا وإنما هو أن يطأ الأرض القذرة ثم يطأ الأرض اليابسة النظيفة فإن بعضها يطهر بعضا فأما النجاسة مثل البول ونحوه يصيب الثوب
[ 372 ]
أو بعض الجسد فإن ذلك لا يطهره إ الغسل قال وهذا إجماع الأمة انتهى كلامه قال الزرقاني وذهب بعض العلماء إلى حمل القذر في الحديث على النجاسة ولو رطبة وقالوا يطهره الأرض اليابسة لأن الذيل للمرأة كالخف والنعل للرجل ويؤيده ما في رواية ابن ماجه عن أبي هريرة قيل يا رسول الله إنا نريد المسجد فنطأ الطريقة النجسة فقال صلى الله عليه وسلم الأرض يطهر بعضها بعضا لكنه حديث ضعيف كما قاله البيهقي وغيره انتهى وقال الشيخ الأجل ولي الله المحدث الدهلوي في المسوى شرح الموطأ تحت حديث أم سلمة إن أصاب الذيل نجاسة الطريق ثم مر بمكان آخر واختلط به طين الطريق وغبار الأرض وتراب ذلك المكان ويبست النجاسة المتعلقة فيطهر الذيل النجس بالتناثر أو الفرك وذلك معفو عنه عند الشارع بسبب الحرج والضيق كما أن غسل العضو والثوب من دم الجراحة معفو عنه عند المالكية وكما أن النجاسة الرطبة التي أصابت الخف تزول بالدلك ويطهر الخف عند الحنفية والمالكية بسبب الحرج وكما أن الماء المستنقع الواقع في الطريق وإن وقع فيه النجاسة معفو عنه عند المالكية بسبب الحرج وإني لا أجد الفرق بين الثوب الذي أصابه دم الجراحة والثوب الذي أصابه الماء المستنقع وبين الذيل الذي تعلقت به نجاسة رطبة ثم اختلط به غبار الأرض وترابها وطين الطريق فتناثرت به النجاسة أو زالت بالفرك فإن حكمها واحد وما قال البغوي إن هذا الحديث محمول على النجاسة اليابسة التي أصابت الثوب ثم تناثرت بعد ذلك ففيه نظر لأن النجاسة التي تتعلق بالذيل في المشي في المكان القذر تكون رطبة في غالب الأحوال وهو معلوم بالقطع في عادة الناس فإخراج الشئ الذي تحقق وجوده قطعا أو غالبا عن حالته الأصلية بعيد وأما طين الشارع يطهره ما بعده ففيه نوع من التوسع في الكلام لأن المقام يقتضي أن يقال هو معفو عنه أو لا بأس به لكن عدل عنه بإسناد التطهير إلى شئ لا يصلح أن يكون مطهرا للنجاسة فعلم أنه معفو عنه وهذا أبلغ من الأول انتهى وقد قال الإمام محمد في موطئه بعد رواية حديث الباب ما لفظه قال محمد لا بأس بذلك ما لم يعلق بالذيل قذر فيكون أكثر من قدر الدرهم الكبير المثقال فإذا كان كذلك فلا يصلين فيه حتى يغسله وهو قول أبي حنيفة انتهى قلت أقرب هذه الأقوال عندي قول الشيخ الأجل الشاه ولي الله والله أعلم وحديث الباب أخرجه مالك في الموطأ وأحمد والدارمي وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورواه الشافعي وابن أبي شيبة أيضا وفي الباب عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت قلت يا رسول الله إن لنا طريقا إلى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا قالت فقال أليس بعدها طريق هي أطيب منها قلت بلى قال فهذه بهذه أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري والمرأء من بني عبد الأشهل هذه صحابية
[ 373 ]
ذكره ابن الأثير في أسد الغابة وقد تقدم أن جهالة اسم الصحابي لا تضر تنبيه قال علي القاري في المرقاة بعد ذكر تأويل الإمام أحمد والإمام مالك ما لفظه وما في أحمد ومالك من التأويل لا يشفي العليل ولو حمل أنه من باب طين الشارع وأنه طاهر أو معفو لعموم البلوى لكان له وجه وجيه لكن لا يلائمه قوله أليس بعدها إلخ فالمخلص ما قاله الخطابي من أن في إسناد الحديثين معا مقالا لأن أم ولد إبراهيم وامرأة من بني عبد الأشهل مجهولتان لا يعرف حالهما في الثقة والعدالة فلا يصح الاستدلال بهما انتهى وقال أيضا لو ثبت أنها أي امرأة من بني عبد الأشهل صحابية لما قيل إنها مجهولة انتهى قلت قول القاري هذا عجيب جدا فإن كون امرأة من بني عبد الأشهل صحابية ظاهر من نفس الحديث ألا ترى أنها شافهت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته بلا واسطة وقالت قلت يا رسول الله إن لنا إلخ ولكن لما لم يطلعوا على اسمها ونسبها قالوا إنها مجهولة فهذا لا يقدح في كونها صحابية ولا يلزم من كونها صحابية أن يعلم اسمها ورسمها وأما أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف فقال الحافظ في التقريب حميدة عن أم سلمة يقال هي أم ولد إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف مقبولة من الرابعة انتهى وقال في تهذيب التهذيب حميدة أنها سألت أم سلمة فقالت إني امرأة طويلة الذيل وعنها محمد بن إبراهيم بن الحارث وقيل عنه عن أم ولد براهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أم سلمة وهو المشهور قلت يجوز أن يكون اسم أم الولد حميدة فيلتئم القولان انتهى قوله (ولا نتوضأ من الموطئ) قال الخطابي إنما أراد بذلك أنهم كانوا لا يعيدون الوضوء
[ 374 ]
للأذى إذا أصاب أرجلهم لا أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم ولا ينظفونها من الأذى إذا أصابها انتهى وقال العراقي يحتمل أن يحمل الوضوء على اللغوي وهو التنظيف فيكون المعنى أنهم كانوا لا يغسلون أرجلهم من الطين ونحوها ويمشون عليه بناء على أن الأصل فيه الطهارة انتهى وحمله البيهقي على النجاسة اليابسة وأنهم كانوا لا يغسلون الرجل من وطء النجاسة اليابسة وبوب عليه في المعرفة باب النجاسة اليابسة بطؤها برجله أو يجر عليها ثوبه وحديث عبد الله بن مسعود هذا أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وأخرجه ابن ماجه وصححه الحاكم باب ما جاء في التيمم التيمم في اللغة القصد قال امرؤ القيس تيممتها من أذرعات وأهلها بيثرب أدنى دارها نظر عالي أي قصدتها وفي الشرع القصد إلى الصعيد لمسح الوجه واليدين بنية استباحة الصلاة ونحوها قال ابن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أي اقصدوا الصعيد ثم كثر استعمالهم حتى صار التيمم مسح الوجه واليدين بالتراب انتهى فعلى هذا هو مجاز لغوي وعلى الأول حقيقة شرعية واختلف في التيمم هل هو عزيمة أو رخصة وفصل بعضهم فقال هو لعدم الماء عزيمة وللعذر رخصة كذا في الفتح قوله (حدثنا أبو حفص عمرو بن علي الفلاس) الصيرفي الباهلي البصري ثقة حافظ روى عنه الأئمة الستة وغيرهم مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين (نا سعيد) هو ابن أبي عروبة ثقة حافظ وكان من أثبت الناس في قتادة (عن عزرة) بفتح العين المهملة وسكون الزاي المعجمة
[ 375 ]
هو ابن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي شيخ لقتادة ثقة (عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى) الخزاعي مولاهم الكوفي وثقة النسائي (عن أبيه) أي عبد الرحمن بن أبزى بفتح المهزة وسكون الموحدة وبالزاي مقصورا صحابي صغير قاله الحافظ (عن عمار بن ياسر) صحابي جليل مشهور من السابقين الأولين بدري قتل مع علي بصفين 73 سنة سبع وثلاثين قوله (أمره بالتيمم للوجه والكفين) وفي رواية أبي داود سألت النبي صلى الله عليه وسلم وسلم عن التيمم فأمرني ضربة واحدة للوجه والكفين وفي رواية الشيخين إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه والحديث يدل على أن التيمم ضربة واحدة للوجه والكفين وقد ذهب إلى ذلك عطاء ومكحول والأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق قال في الفتح ونقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره وهو قول عامة أهل الحديث كذا في النيل وقال الحافظ في الفتح الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم وعمار وما عداهما فضعيف ومختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه فأما حديث أبي جهيم فورد بذكر اليدين مجملا وأما حديث عمار فورد بذكر الكفين في الصحيحين وبذكر المرفقين في السنن وفي رواية إلى نصف الذراع وفي رواية إلى الاباط فأما رواية المرفقين وكذا نصف الذراع ففيهما مقال وأما رواية الاباط فقال الشافعي وغيره إن كان وقع بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فكل تيمم صح للنبي صلى الله عليه وسلم بعده فهو ناسخ وإن كان وقع بغير أمره فالحجة فيما أمره به ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولا سيما الصحابي المجتهد انتهى قوله (وفي الباب عن عائشة وابن عباس) أما حديث عائشة فأخرجه البزار في مسنده عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وفيه الحريش بن الخريت ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة والبخاري كذا في مجمع الزوائد وذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية بإسناده ثم قال قال البزار لا نعلمه يروي عن عائشة إلا من هذا الوجه والحريش رجل من أهل البصرة أخو الزبير بن الخريت انتهى ورواه ابن عدي في الكامل وأسنده عن البخاري أنه قال حريش بن الخريت فيه نظر قال وأنا لا أعرف حاله فإني لم أعتبر حديثه انتهى كلامه وأما حديث ابن عباس فأخرجه الحاكم والبيهقي وعبد الرزاق والطبراني كذا في شرح سراج أحمد
[ 376 ]
قوله (حديث عمار حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود وسكت عنه هو والمنذري وروى الشيخان عن عمار بن ياسر قال بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وهذا اللفظ لمسلم وفي رواية للبخاري وضرب بكفيه الأرض نفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه قوله (وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي عمار وابن عباس وغير واحد من التابعين منهم الشعبي وعطاء ومكحول قالوا التيمم ضربة للوجه والكفين وبه يقول أحمد وإسحاق) قال ابن قدامة في المغنى المسنون عند أحمد التيمم بضربة واحدة فإن تيمم بضربتين جاز قال الأثرم قلت لأبي عبد الله التيمم ضربة واحدة فقال نعم ضربة للوجه والكفين ومن قال بضربتين فإنما هو شئ زاده انتهى وقد عرفت فيما مر آنفا أن الحافظ قال في فتح الباري الاكتفاء بضربة واحدة نقله ابن المنذر عن جمهور العلماء واختاره انتهى وقال الشوكاني في النيل وهو قول عامة أهل الحديث انتهى واستدلوا على ذلك بحديث عمار المذكور في الباب وبحديثه المروي في الصحيحين الذي ذكرنا لفظه (وقال بعض أهل العلم منهم ابن عمرو جابر وإبراهيم والحسن التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين وبه يقول سفيان الثوري ومالك وابن المبارك والشافعي) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه واستدلوا بأحاديث لا يخلو واحد منها من المقال
[ 377 ]
فمنها حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين رواه الدارقطني وفيه أن الصحيح أنه موقوف قال الحافظ في بلوغ المرام صحح الأئمة وقفه ومنها حديث عمار قال كنت في القوم حين نزلت الرخصة في المسح بالتراب إذا لم نجد الماء فأمرنا فضربنا واحدة للوجه ثم ضربة أخرى لليدين إلى المرفقين رواه البزار قال الحافظ في الدراية بإسناد حسن وفيه أن الحافظ قال في الدراية ص 37 بعد قوله بإسناد حسن ولكن أخرجه أبو داود علته فقال إلى المناكب وذكر أبو داود والاختلاف فيه ثم ذكر الحافظ حديث أبي هريرة في الضربتين وقال سيأتي الكلام عليه ثم قال ويعارضه ما ثبت في الصحيحين عن عمار قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك وفي رواية ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه وروى أحمد من طريق أخرى عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في التيمم ضربة للوجه والكفين انتهى ما قال الحافظ في الدراية قلت فظهر من كلام الحافظ أن حديث عمار الذي رواه البزار لا يصلح للاحتجاج وإن كان سنده حسنا وقد تقرر أن حسن الإسناد أو صحته لا يستلزم حسن الحديث أو صحته وقد استدل صاحب اثار السنن بحديث عمار الذي رواه البزار ونقل من الدراية قول الحافظ بإسناد حسن ولم ينقل قوله الباقي الذي يثبت منه ضعفه وكذلك فعل صاحب العرف الشذي وليس هذا من شأن أهل العلم ومنها حديث جابر من طريق عثمان بن محمد الأنماطي عن حرمي بن عمارة عن عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال التيمم ضربة للوجه وضربة للذراعين إلى المرفقين رواه الدارقطني والحاكم وصححه وقال الحافظ في الدراية وأخرجه الدارقطني والحاكم نحو حديث ابن عمر المذكور من حديث جابر بإسناد حسن انتهى وفيه أن حديث جابر هذا اختلف في رفعه ووقفه والصحيح أنه موقوف قال الدارقطني بعد ما أخرجه رجاله كلهم ثقات والصواب موقوف انتهى وقال الحافظ في التلخيص ضعف ابن الجوزي هذا الحديث بعثمان بن محمد وقال إنه متكلم فيه وأخطأ في ذلك قال ابن دقيق العيد لم يتكلم فيه أحد نعم روايته شاذة لأن أبا نعيم رواه عن عزرة موقوفا أخرجه الدارقطني
[ 378 ]
والحاكم أيضا انتهى قلت وأخرجه الطحاوي أيضا في شرح الآثار حدثنا فهد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عزرة بن ثابت عن أبي الزبير عن جابر قال أتاه رجل فقال أصابتني جنابة وإني تمعكت في التراب فقال أصرت حمارا وضرب بيديه إلى الأرض فمسح وجهه ثم ضرب بيديه إلى الأرض فمسح بيديه إلى المرفقين وقال هكذا التيمم تنبيه قال صاحب العرف الشذي وقفها الطحاوي وعندي أنها مرفوعة واختلط على الموقفين لفظ أتاه فإنهم زعموا أن مرجع الضمير المنصوب هو جابر بن عبد الله والحال أن المرجع هو النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الحافظ العيني انتهى قلت قوله إن المرجع هو النبي صلى الله عليه وسلم باطل جدا فإنه ليس في هذه الرواية ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصلا قبل الضمير ولا بعده ولذلك لم يقل به أحد من المحدثين بل أو قفوه وأرجعوا الضمير إلى جابر وقوله كما قال الحافظ العيني ليس بصحيح فإن العيني لم يقل به بل قال في شرح البخاري بعد ذكر حديث جابر المرفوع ما لفظه وأخرجه الطحاوي وابن أبي شيبة موقوفا فإن قلت عثمان بن محمد ثقة لم يخالفه أحد من أصحاب عزرة غير أبي نعيم وزيادة الثقة مقبولة فكيف تكون روايته المرفوعة شاذة قلت عثمان بن محمد وإن كان ثقة لكن أبا نعيم أوثق منه وأتقن وأحفظ قال الحافظ في التقريب في ترجمة عثمان بن محمد مقبول وقال الذهبي في الميزان في ترجمتة شيخ حدث عنه إبراهيم الحلي صويلح وقد تكلم فيه انتهى وقال الحافظ في ترجمة أبي نعيم ثقة ثبت وقال الخزرجي في الخلاصة في ترجمة أبي نعيم قال أحمد ثقة يقظان عارف بالحديث وقال الفسوي أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان انتهى فظهر أن رواية محمد بن عثمان المرفوعة شاذة ومنها حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين رواه الطبراني وفيه أنه حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج قال العيني في شرح البخاري في إسناده جعفر بن الزبير قال شعبة وضع أربعمائة حديث انتهى ومنها حديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي وقد عرفت أنه أيضا ضعيف لا يصلح
[ 379 ]
للاحتجاج وقال العيني في شرح البخاري بعد ذكره في إسناده الحريش بن خريت ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة انتهى وفي الباب أحاديث أخرى غير هذه الأحاديث المذكورة وكلها ضعيفة قال الشوكاني أحاديث الضربتين لا تخلو جميع طرقها من مقال ولو صحت لكان الأخذ بها متعينا لما فيها من الزيادة فالحق الوقوف على ما ثبت في الصحيحين من حديث عمار من الاقتصار على ضربة حتى يصح ذلك المقدار انتهى تنبيه قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات عدم صحة أحاديث الضربتين في زمن الأئمة الذين استدلوا بها محل منع إذ يحتمل أن تطرق الضعف والوهن فيها بعدهم من جهة لين بعض الرواة الذين رووها بعد زمن الأئمة فالمتأخرون من المحدثين الذين جاءوا بعدهم أوردوها في السنن دون الصحاح فلا يلزم من وجود الضعف في الحديث عن المتأخرين وجوده عند المتقدمين مثلا رجال الإسناد في زمن أبي حنيفة كان واحدا من التابعين يروي عن الصحابي أو اثنين أو ثلاثة إن لم يكونوا منهم وكانوا ثقات من أهل الضبط والإتقان ثم روى ذلك الحديث من بعده من لم يكن في تلك الدرجة فصار الحديث عند علماء الحديث مثل البخاري ومسلم والترمذي وأمثالهم ضعيفا ولا يضر ذلك في الاستدلال به عند أبي حنيفة فتدبر وهذه نكتة جيدة انتهى كلام الشيخ قلت قد تدبرنا فعلمنا أنه لا يثبت بهذه النكتة صحة أحاديث الضربتين الضعيفة ألبتة أما أولا فلأنا سلمنا أنه يحتمل أن تطرق الضعف في أحاديث الضربتين بعد زمن الامام أبي حنيفة وغيره من الأئمة المتقدمين القائلين بالضربتين ولكن هذا إحتمال محض وبالاحتمال لا يثبت صحة هذه الأحاديث الضعيفة التي ثبت ضعفها عند المتأخرين من حفاظ المحدثين الماهرين بفنون الحديث مثل البخاري ومسلم والترمذي وأمثالهم وأما ثانيا فلأنا لا نسلم أن من قال بالتيمم بالضربتين كا مام أبي حنيفة وغيره استدل بهذه الأحاديث الضعيفة حتى يثبت باستدلاله بها صحتها بل نقول يحتمل أن هذه الأحاديث الضعيفة لم تبلغه وإنما استدل ببعض آثار الصحابة رضي الله عنهم فما لم يثبت استدلاله بهذه الأحاديث الضعيفة لا يثبت بالنكتة المذكورة صحة هذه الأحاديث الضعيفة وأما ثالثا فلأنه لو سلم أنه استدل بهذه الأحاديث الضعيفة فعلى هذا التقدير أيضا لا يلزم صحتها لجواز أنه لم يبلغه في هذا الباب غير هذه الأحاديث الضعاف فاستدل بها وعمل بمقتضاها مع العلم بضعفها قال النووي في التقريب وعمل العالم وفتياه على وفق حديث ليس حكما
[ 380 ]
بصحته ولا مخالفته قدح في صحته ولا في روايته انتهى قال السيوطي في التدريب وقال ابن كثير في القسم الأول نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث وتعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه أو استشهد به عند العمل بمقتضاه قال العراقي والجواب أنه لا يلزم من كون ذلك الباب ليس فيه غير هذا الحديث أن لا يكون ثم دليل اخر من قياس أو إجماع ولا يلزم المفتي أو الحاكم أن يذكر جميع أدلته بل ولا بعضها ولعل له دليلا اخر واستأنس بالحديث الوارد في الباب وربما كان يرى العمل بالضعيف وتقديمه على القياس انتهى وأما رابعا فلأن هذه النكتة ليست بجيدة بل هي فاسدة فإن حاصلها أنه لا يلزم من وجود الضعف في الحديث في الزمن المتأخر وجوده فيه في الزمن المتقدم وعلى هذا يلزم صحة كل حديث ضعيف ثبت ضعفه في الزمن المتأخر لضعف بعض رواته فإن الراوي الضعيف إما أن يكون تابعيا أو غيره ممن دونه فعلى الأول يقال إن الحديث كان في زمن الصحابة صحيحا والضعف إنما حدث في زمن التابعي وعلى الثاني يقال إن الحديث كان صحيحا في الزمن التابعي والضعف إنما حدث في زمن غير التابعي ممن دونه واللازم باطل فالملزوم كذلك فتدبر وتفكر تنبيه آخر قال الشيخ الأجل الشاه ولي الله في المسوى شرح الموطأ تحت أثر ابن عمر أنه كان يتيمم إلى المرفقين إن هذين الحديثين يعني أثر ابن عمر وحديث عمار ليسا متعارضين عندي فإن فعل ابن عمر كمال التيمم وفعله صلى الله عليه وسلم أقل التيمم كما أن لفظ يكفيك يرشد إليه فكما أن أصل الوضوء غسل الأعضاء مرة مرة وكماله غسلها ثلاث مرات ثلاث مرات كذلك أصل التيمم ضربة واحدة والمسح إلى الكفين وكماله ضربتان والمسح إلى المرفقين انتهى كلامه معريا قلت لو كان حديث الضربتين والمسح إلى المرفقين مرفوعا صحيحا لتم ما قال الشيخ الأجل الدهلوي ولكن قد عرفت أن أحاديث الضربتين والمرفقين ضعيفة أو مختلفة في الرفع والوقف والراجح هو الوقف وأما حديث عمار المرفوع فمتفق عليه وكان يفتي به عمار بعد النبي صلى الله عليه وسلم فكيف يصح القول بأن فعل ابن عمر كمال التيمم وفعله صلى الله عليه وسلم أقل التيمم وأما مجرد فعل ابن عمر فلا يدل على أنه كمال التيمم ألا ترى أن ابن المنذر قد روى بإسناد صحيح أن ابن عمر كان يغسل رجليه في الوضوء سبع مرات ذكره الحافظ في الفتح فهل يقال إن غسل ابن عمر الرجلين سبع مرات كمال غسل الرجلين كلا ثم كلا تنبيه آخر اعلم أن العلماء الحنفية وغيرهم ممن قال بالتيمم بالضربتين وبمسح الوجه واليدين إلى المرفقين قد أعتذروا عن العمل بروايات عمار الصحيحة القاضية بالتيمم بضربة
[ 381 ]
واحدة وبمسح الوجه والكفين بأعذار كلها باردة ذكرها صاحب السعاية من العلماء الحنفية مع الكلام عليها فنحن نذكر عبارته ههنا فإنها كافية لرد أعذارهم قال أعلم أن نزاعهم في مقامين الأول في كيفية مسح الأيدي هل هو إلى الإبط أم إلى المرفق أم إلى الرسغ والثاني في توحد الضربة للوجه واليدين وتعددها أما النزاع الأول فأضعف الأقوال فيه هو القول الأول وأقوى الأقوال فيه من حيث الدليل هو الاكتفاء بمسح اليدين إلى الرسغين لما ثبت في روايات حديث عمار الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه كيفية التيمم حين بلغه تمعكه في التراب واكتفى فيه على مسح الوجه والكفين قال وأجيب عنه بوجوه أحدها أن تعليمه لعمار وقع بالفعل وقد ورد في الأحاديث القولية المسح إلى المرفقين ومن المعلوم أن القول مقدم على الفعل وفيه نظر أما أولا فلأن تعليمه وإن كان بالفعل لكنه انضم معه قوله إنما كان يكفيك هذا فصار الحديث في حكم الحديث القولي وأما ثانيا فلأنه ورد في رواية لمسلم إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وجهك وكفيك وفي رواية للبخاري يكفيك الوجه والكفان وهذا يدل على أن التعليم وقع بالقول أيضا وثانيهما ما ذكره النووي والعيني وغيرهما من أن مقصوده صلى الله عليه وسلم بيان صورة الضرب وكيفية التعليم لا بيان جميع ما يحصل به التيمم فلا يدل ذلك على عدم افتراض ما عدا المذكور فيه وفيه أيضا نظر أما أو فلأن سياق الروايات شاهد بأن المراد بيان جميع ما يحصل به التيمم وإلا لم يقل صلى الله عليه وسلم إنما كان يكفيك فحمله على مجرد تعليم صورة الضرب حمل بعيد وأما ثانية فلأنه لو لم يكن المقصود من التعليم بيان جميع ما يحصل به التيمم لزم السكوت في معرض الحاجة وهو غير جائز من صاحب الشريعة وذلك لأن عمارا لم يكن يعلم كيفية التيمم المشروعة ولم يكن تحقق عنده ما يكفي في التيمم ولذلك تمعك في التراب تمعك الدابة فلما ذكر ذلك عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بد من بيان جميع ما يحصل به التيمم لاحتياج عمار إليه غاية الحاجة والاكتفاء في تعليمه عند ذلك ببيان صورة الضرب فقط مضر بالمقصود لبقاء جهالة ما وراءه وثالثها أن المراد بالكفين في تلك الروايات اليدان وفيه نظر ظاهر فإن ذكر اليد وإرادة بعض منها واقع شائع كما في قوله تعالى السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف الآية حيث ذكر فيها
[ 382 ]
اليد وأريد به بعضها وهو الكف والرسغ وأما إطلاق الكف وإرادة اليد فغير شائع وهو مجاز غير متعارف فلا يحمل عليه إلا عند تعذر الحقيقة وهو مفقود ههنا على أنه لو أريد منه اليد وهو اسم من الأصابع إلى المناكب لزم ثبوت لزوم مسح اليد إلى المناكب ولا قائل به ورابعا أنه لما تعارضت الأحاديث رجعنا إلى آثار الصحابة فوجدنا كثيرا منهم أفتوا بالمسح إلى المرفقين فأخذنا به وفيه أن الرجوع إلى آثار الصحابة إنما يفيد إذا كان بينهم اتفاق ولا كذلك ههنا فإن عمارا منهم قد أفتى بالوجه والكفين وأصرح منه ما أفتى به ابن عباس وشيده بذكر النظير كما أخرجه الترمذي وخامسها ما ذكره الطحاوي وارتضى به العيني في عمدة القاري من أن حديث عمار لا يصلح حجة في كون التيمم إلى الكوعين أو المرفقين أو المنكبين أو الإبطين لاضطرابه وفيه أن الاضطراب في هذا المقام غير مضر لكون روايات المرفقين والمنكبين مرجوحة ضعيفة بالنسبة إلى غيرها فسقط الاعتبار بها وروايات الآباط قصتها مقدمة على قصة روايات الكفين فلا تعارضها فبقيت روايات الكفين سالمة عن القدح والمعارضة انتهى كلام صاحب السعاية مختصرا تنبيه آخر قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات إن الأحاديث وردت في الباب متعارضة جاءت في بعضها ضربتين وفي بعضها ضربة واحدة وفي بعضها مطلق الضرب وفي بعضها كفين وفي بعضها يدين إلى المرفقين وفي بعضها يدين مطلقا والأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين أخذ بالاحتياط وعمل بأحاديث الطرفين لاشتمال الضربتين على ضربة ومسح الذراعين إلى المرفقين على مسح الكفين دون العكس أيضا التيمم طهارة ناقصة فلو كان محله أكثر بأن يستوعب إلى المرفقين وكان للوجه واليدين ضربة على حدة لكان أحسن وأولى وإلى الاحتياط أقرب وأدنى لا يقال إلى الآباط أقرب إلى الاحتياط لأن حديث الآباط ليس بصحيح انتهى كلام الشيخ قلت أحاديث الضربتين والمرفقين ضعيفة أو مختلفة في الرفع والوقف والراجح هو الوقف ولم يصح من أحاديث الباب سوى حديثين أحدهما حديث أبي جهيم بذكر اليدين مجملا وثانيها حديث عمار بذكر ضربة واحدة للوجه والكفين وهما حديثان صحيحان متفق عليهما كما عرفت هذا كله في كلام الحافظ ولا تعارض بينهما فإن الأول محمول على الثاني فالأخذ بأحاديث
[ 383 ]
الضربتين والمرفقين ليس أخذا بالأحتياط كيف وهل يكون في أخذ المرجوح وترك الراجح احتياطا كلا بل الأحتياط في أخذ حديث ضربة واحدة للوجه والكفين بل هو المتعين وأما قوله التيمم طهارة ناقصة إلخ ففيه أنه لم يثبت كون التيمم طهارة ناقصة بدليل صحيح بل الثابت أن التيمم عند عدم وجدان الماء وضوء المسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين الحديث رواه البزار وصححه ابن القطان ولكن صوب الدارقطني إرساله وللترمذي عن أبي ذر نحوه وصححه فالتيمم عند عدم وجدان الماء وضوء المسلم ومن ادعى أنه وضوء ناقص فعليه الدليل ولو سلم أن التيمم طهارة ناقصة فالأخذ بأحاديث الضربتين والمرفقين لا يكون أولى ولا إلى الاحتياط أقرب لأنها ليست بصحيحة كما أن الأخذ بحديث الآباط ليس أولى ولا إلى الأحتياط أقرب عند الشيخ الدهلوي قوله (وقد روى هذا الوجه عن عمار) وفي نسخة قلمية صحيحة وقد روى هذا الحديث عن عمار وهو الظاهر (أنه قال الوجه والكفين) بالجر على الحكاية (من غير وجه) أي من غير طريق واحد بل من طرق كثيرة (فضعف بعض أهل العلم حديث عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم في التيمم للوجه والكفين لما روى عنه حديث المناكب والآباط) فظن أن حديث المناكب والآباط مخالف لحديث الوجه والكفين ومعارض له فضعفه للاختلاف والاضطراب (قال إسحاق بن إبراهيم) أي في الجواب عن تضعيف بعض أهل العلم وحاصل الجواب أن تيممهم إلى المناكب والآباط لم يكن بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأما التيمم للوجه والكفين فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه فلا تعارض بين الحديثين
[ 384 ]
وإسحق بن إبراهيم هذا هو إسحاق بن راهويه (ففي هذا دلالة على أنه انتهى إلى ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم) قال أبو الطيب السندي في شرح الترمذي أي إن عمارا انتهى إلى أن التيمم للوجه والكفين فكان هو آخر الأمرين فالأول ما فهموا من إطلاق اليد في الكتاب في آية التيمم والثاني ما انتهوا إليه بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم فكان الثاني هو المعتبر والمعمول به ويدل على جواز الأجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن عمارا رضي الله عنه اجتهد أو ثم لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم ترك انتهى كلام أبي الطيب قوله (فكانت السنة في القطع الكفين) قال أبو الطيب السندي أي الطريقة في الدين قطع الكفين للسرقة يعني بسبب إطلاق اليد في آية السرقة فكذا التيمم يكفي فيه مسح الوجه والكفين لإطلاق اليد في التيمم ومطلق اليد الكفان بدليل آية السرقة انتهى وقال ابن العربي في العارضة تحت أثر ابن عباس هذا ما لفظه هذه إشارة حبر الأمة وترجمان القرآن وكان كلام المتقدمين من قبل إشارة وبسطه أن الله حدد الوضوء إلى المرفقين فوقفنا عند تحديده وأطلق القول في اليدين فحملت على ظاهر مطلق اسم اليد وهو الكفان كما فعلنا في السرقة فهذا أخذ للظاهر لا قياس للعبادة على العقوبة انتهى (إنما هو الوجه والكفين) تقرير للمطلوب بعد الفراغ
[ 385 ]
من تقرير الدليل والظاهر أن يقول الكفان لأنه خبر لهو بطريق العطف إلا أن يقال إنه بحذف المضاف وإبقاء جر المضاف إليه على حاله أي إنما هو مسح الوجه والكفين وهو قليل ولكنه وارد كقراءة ابن جماز والله يريد الآخرة بجر الآخرة أي عوض الاخرة أي متاعها قاله أبو الطيب السندي باب قوله (حدثنا أبو سعيد الأشج) اسمه عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي أحد الأئمة روى عن عبد السلام بن حرب وأبي خالد الأحمر وغيرهما وعنه الأئمة الستة قال أبو حاتم ثقة إمام أهل زمانه قيل مات سنة 257 سبع وخمسين ومائتين (وعقبة بن خالد) بن عقبة السكوني أبو مسعود الكوفي المجدر بالجيم المفتوحة روى عن هشام والأعمش وعنه أحمد وإسحاق وأبو بكر بن أبي شيبة وغيرهم وثقة أبو حاتم مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة (وابن أبي ليلى) أعلم أن ابن أبي ليلى يطلق على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعلى أبيه وعلى أخيه عيسى وعلى ابن أخيه عبد الله بن عيسى والمراد ههنا هو الأول وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي أبو عبد الرحمن صدوق سئ الحفظ جدا قاله الحافظ في التقريب وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن أخيه عيسى وابن أخيه عبد الله بن عيسى ونافع مولى ابن عمر وعمر وبن مرة وذكر كثيرا من شيوخه وتلامذته ثم ذكر أقوال الحفاظ فيه ما محصلها أنه صدوق سئ الحفظ فقيه وقال أحمد بن حنبل فقهه أحب إلينا من حديثه (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملى المرادي الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء (عن عبد الله بن سلمة) بكسر اللام المرادي الكوفي صدوق تغير حفظه من الثانية روى عن عمر وعلي ومعاذ وغيرهم وعنه عمرو بن مرة وأبو إسحاق السبيعي وأبو الزبير قال البخاري لا يتابع في حديثه وثقه العجلي كذا في التقريب وفي الخلاصة قوله (يقرئنا القرآن) من الإقراء أي يعلمنا (على كل حال) أي متوضئا كان أو غير متوضئ (ما لم يكن جنبا) وفي رواية أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن
[ 386 ]
ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة فإن قيل حديث عائشة الذي رواه مسلم عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه وعلقه البخاري يخالف حديث علي هذا فإنه يدل بظاهره على أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ حال الجنابة أيضا فإن قولها على كل أحيانه يشمل حالة الجنابة أيضا وقولها يذكر الله يشمل تلاوة القرآن أيضا يقال إن حديث عائشة يخصص بحديث علي هذا فيراد بذكر الله غير تلاوة القرآن قال العيني حديث عائشة لا يعارض حديث علي لأنها أرادت الذكر الذي غير القرآن انتهى وقال صاحب سبل السلام حديث عائشة قد خصصه حديث علي عليه السلام وأحاديث أخرى وكذلك هو مخصص بحالة الغائط والبول والجماع والمراد بكل أحيانه معظمها كما قال الله تعالى يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم انتهى وقال في شرح حديث الباب أخرج أبو يعلي من حديث علي عليه السلام قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال هكذا لمن ليس بجنب لأنه نهى وأما الجنب فلا ولا آية قال الهيثمي رجاله موثوقون وهو يدل على التحريم لأنه نهى وأصله ذلك ويعاضدما سلف انتهى قوله (حديث علي حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وقال المنذري وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروي عن على إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة وحكى البخاري عمرو بن مرة كان عبد الله يعني ابن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا يتابع في حديثه وذكر الإمام الشافعي رضي الله عنه هذا الحديث وقال لم يكن أهل الحديث يثبتونه قال البيهقي وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر قاله شعبة هذا آخر كلامه وذكر الخطابي أن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه كان يوهن حديث علي هذا ويضعف أمر عبد الله بن سلمة انتهى كلام المنذري قوله (قالوا يقرأ الرجل القرآن على غير وضوء) أي يجوز له أن يقرأ على غير وضوء واستدلوا على ذلك بحديث الباب (ولا يقرأ في المصحف) أي أخذا بيده وما شابه فإنه إذا لم يمسه
[ 387 ]
ويقرأ ناظرا فيه فهو جائز (إلا وهو طاهر) أي متوضئ (وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وبه يقول مالك قال في الموطأ ولا يحمل أحد المصحف بعلاقته ولا على وسادة إلا وهو طاهر ولو جاز ذلك لحل في خبيئته قال وإنما كره ذلك لمن يحمله وهو غير طاهر إكراما للقرآن وتعظيما له انتهى واستدلوا على ذلك بحديث أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه لا يمس القرآن إلا طاهر رواه الأثرم والدارقطني وهو لمالك في الموطأ مرسلا عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن لا يمس القرآن إلا طاهر وقال الأثرم واحتج أبو عبد الله يعني أحمد بحديث ابن عمر ولا يمس المصحف إلا على طهارة كذا في المنتقى قال ابن عبد البر لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث وقد روى مسندا من وجه صالح وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف عند أهل العلم معرفة يستغني بها في شهرتها عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول ولا يصح عليهم تلقي مالا يصح انتهى قلت لا شك في أن هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر يطلق بالإشتراك على المؤمن والطاهر من الحدث الأكبر والأصغر ومن ليس على بدنه نجاسة ويدل لإطلاقه على الأول قول الله تعالى إنما المشركون نجس وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة المؤمن لا ينجس وعلى الثاني وإن كنتم جنبا فاطهروا وعلى الثالث قوله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين وعلى الرابع الإجماع على أن الشئ الذي ليس عليه نجاسة حسية ولا حكمية يسمى طاهرا وقد ورد إطلاق ذلك في كثير والذي يترجح أن المشترك مجمل في معانيه فلا يعمل به حتى يبين وقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز للمحدث حدثا أكبر أن يمس المصحف وخالف في ذلك داود وأما المحدث حدثا أصغر فذهب ابن عباس والشعبي والضحاك إلى أنه يجوز له مس المصحف وقال القاسم وأكثر الفقهاء لا يجوز كذا في النيل قلت القول الراجح عندي قول أكثر الفقهاء وهو الذي يقتضه تعظيم القرآن وإكرامه والمتبادر من لفظ الطاهر في هذا الحديث هو المتوضئ وهو الفرد الكامل للطاهر والله تعالى أعلم وقال القاري في شرح قوله لا يمس القرآن إلا طاهر ما لفظه بخلاف غيره كالجنب والمحدث فإنه ليس له أن يمسه إلا بغلاف متجاف وكره بالكم قال الطيبي بيان لقوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون فإن الضمير إما للقرآن والمراد نهي الناس عن مسه إلا على الطهارة وإما للوح ولا نافية ومعنى المطهرون الملائكة
[ 388 ]
فإن الحديث كشف أن المراد هو الأول ويعضده مدح القرآن بالكرم وبكونه ثابتا في اللوح المحفوظ فيكون الحكم بكونه لا يمسه مرتبا على الوصفين المتناسبين للقرآن انتهى ما في المرقاة تنبيه قال الحافظ في بلوغ المرام بعد ذكر الحديث المذكور الذي استدل به الأكثرون على عدم جواز مس القرآن لغير المتوضئ ما لفظه رواه مالك مرسلا ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول انتهى قال صاحب السبل وإنما قال المصنف إن هذا الحديث معلول لأنه من رواية سليمان بن داود وهو متفق على تركه كما قاله ابن حزم ووهم في ذلك فإنه ظن أنه سليمان بن داود اليماني وليس كذلك بل هو سليمان بن داود الخولاني وهو ثقة اثنى عليه أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ وكتاب عمرو بن حزم تلقاه الناس بالقبول قال ابن عبد البر إنه أشبه المتواتر لتلقي الناس له بالقبول وقال يعقوب بن سفيان لا أعلم كتابا أصح من هذا الكتاب فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم وقال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة بهذا الكتاب وفي الباب من حديث حكيم بن حزام لا يمس القرآن إلا طاهر وإن كان في إسناده مقال إلا أنه ذكر الهيثمي في مجمع الزوائد من حديث عبد الله بن عمر أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمس القرآن إلا طاهر قال الهيثمي رجاله موثوقون وذكر له شاهدين انتهى باب ما جاء في البول يصيب الأرض قوله (دخل أعرابي) بفتح الهمزة منسوب إلى الأعراب وهم سكان البوادي ووقعت النسبة إلى الجمع دون الواحد فقيل أعرابي لأنه جرى مجرى القبيلة كأنها واحد لأنه لو نسب إلى الواحد وهو عرب لقيل عربي فيشتبه المعنى لأن العربي كل من هو من ولد إسمعيل عليه السلام سواء كان ساكنا في البادية أو بالقرى وهذا غير المعنى الأول قاله الشيخ تقي الدين وقد جاء في تسمية هذا الأعرابي وتعيينه روايات مختلفة ولم أر في هذا رواية صحيحة خالية عن الكلام قال القاضي أبو بكر بن العربي في العارضة رواه الدارقطني فقال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ كبير فقال يا محمد متى الساعة فقال له ما أعددت لها فقال لا والذي بعثك بالحق ما أعددت لها من كثير صلاة ولا
[ 389 ]
صيام إلا أني أحب الله ورسوله قال فأنت مع من أحببت قال فذهب الشيخ فأخذ يبول في المسجد فمر عليه الناس فأقاموه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوه عسى أن يكون من أهل الجنة فصبوا على بوله الماء فبين أن البائل في المسجد هو السائل عن الساعة المشهود له بالجنة انتهى كلام ابن العربي قلت في إسناده المعلي المالكي قال الدارقطني بعد روايته المعلي مجهول وقال الحافظ في الفتح حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي قال وأخرج أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا وهو مرسل وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي عن أحمد بن خالد الذهبي عنه وهو في جمع مسندا بن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند لكن قال في أوله اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا والتميمي هو حرقوس بن زهير الذي صار بعد ذلك من رؤوس الخوارج وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني لكن له أصل أصيل قال ونقل عن أبي الحسن بن فارس أنه عيينة بن حصن والعلم عند الله تعالى انتهى كلام الحافظ قوله (لقد تحجرت واسعا) بصيغة الخطاب من باب تفعل أي ضيقت ما وسعه الله وخصصت به نفسك دون غيرك وأصل الحجر المنع ومنه الحجر على السفيه (فأسرع إليه الناس) وفي رواية للبخاري فزجره الناس ولمسلم فقال الصحابة مه مه وله في رواية أخرى فصاح الناس به (أهريقوا عليه) أي صبوا عليه قال الطيبي أمر من أهراق يهريق بسكون الهاء إهراقا نحو إسطاعا وأصله أراق فأبدلت الهمزة هاء ثم جعل عوضا عن ذهاب حركة العين فصارت كأنها من نفس الكلمة ثم أدخل عليه الهمزة أي صبوا (سج) بفتح السين المهملة وسكون الجيم الدلو الملاى ماء (أو دلوا) شك من الراوي قال أبو بكر بن العربي في العارضة السجل الدلو والدلو مؤنثة والسجل مذكر فإن لم يكن فيها ماء فليست بسجل كما أن القدح لا يقال له كأس إلا إذا كان فيه ماء يقال له دلو سجيلة أي ضخمة وكذلك الذنوب الدلو الملآى ماء مثله ولكنها مؤنثة والغرب الدلو العظيمة بإسكان الراء فإن فتحتها فهو الماء السائل من البئر والحوض وغير ذلك أيضا انتهى
[ 390 ]
قلت وقال ابن دريد السجل دلو واسعة وفي الصحاح الدلو الضخمة قال العيني في شرح البخاري ص 688 ج 1 في رواية الترمذي أهريقوا عليه سج من ماء أو دلوا من ماء إعتبار الأداء باللفظ وإن كان الجمهور على عدم اشتراطه وأن المعنى كاف ويحمل ههنا على الشك ولا معنى للتنويع ولا للتخيير ولا للعطف فلو كان الراوي يرى جواز الرواية بالمعنى لا قتصر على أحدهما فلما تردد في التفرقة بين الدلو والسجل وهما بمعنى علم أن ذلك التردد لموافقة اللفظ قاله الحافظ القشيري قال العيني ولقائل أن يقول إنما يتم هذا أن لو اتحد المعنى في السجل والدلو لغة لكنه غير متحد فالسجل الدلو الضخمة المملوءة ولا يقال لها فارغة سجل انتهى كلام العيني (إنما بعثتم ميسرين) أي مسهلين على الناس قال ابن دقيق العيد وفي الحديث دليل على تطهير الأرض النجسة بالمكاثرة بالماء واستدل بالحديث أيضا على أنه يكتفي بإفاضة الماء ولا يشترط نقل التراب من المكان بعد ذلك خلافا لمن قال به ووجه الاستدلال بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد عنه في هذا الحديث الأمر بنقل التراب وظاهر ذلك الاكتفاء بصب الماء فإنه لو وجب لأمر به ولو أمر به لذكر وقد ورد في حديث اخر الأمر بنقل التراب ولكنه تكلم فيه وأيضا لو كان نقل التراب واجبا في التطهير لاكتفى به فإن الأمر بصب الماء حينئذ يكون زيادة تكليف وتعب من غير منفعة تعود إلى المقصود وهو تطهير الأرض قوله (قال سعيد قال سفيان وحدثني يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك نحو هذا) حديث يحيى بن سعيد عن أنس أخرجه الشيخان قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وابن عباس وواثلة بن الأسقع) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه أبو يعلي عنه قال جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر وصب عليه دلوا من ماء وفيه سمعان بن مالك وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد وقال الحافظ في التلخيص رواه الدارمي والدارقطني وفيه سمعان بن مالك وليس بالقوي قاله أبو زرعة وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبي زرعة هو حديث منكر وكذا قال أحمد وقال أبو حاتم لا أصل له انتهى وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو يعلي والبزار والطبراني عنه أنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم
[ 391 ]
أعرابي فبايعه ثم انصرف فقام ففشج فبال فهم الناس به الحديث وفيه فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فصب على بوله قال الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح وأما حديث واثله بن الأسقع فأخرجه ابن ماجه في الطهارة وفي إسناده عبيد الله بن أبي حميد الهزلي وهو ضعيف وأخرجه أيضا أحمد والطبراني قال الحافظ في التلخيص وفيه عبيد الله بن أبي حميد الهزلي وهو منكر الحديث قاله البخاري وأبو حاتم قوله (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا مسلما كذا في المنتقي قوله (والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد إسحاق) قال الشوكاني في النيل استدل به يعني بحديث الباب على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالماء لا بالجفاف بالريح والشمس لأنه لو كفي ذلك لما حصل التكليف بطلب الماء وهو مذهب العترة والشافعي ومالك وزفر وقال أبو حنيفة وأبو يوسف هما مطهران لأنهما يحيلان الشئ انتهى وقال النووي في شرح مسلم وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور وقال أبو حنيفة لا تطهر إلا بحفرها انتهى قال الحافظ في الفتح ص 162 ج 1 كذا أطلق النووي وغيره والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين ما إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها انتهى كلام الحافظ قلت الأمر كما قال الحافظ قال العيني في شرح البخاري قال أصحابنا يعني الحنفية إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها وإذا لم يبق على وجهها شئ من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيها العدد وإنما هو على اجتهاده وما هو في غالب ظنه أنها طهرت ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر وعلى قياس ظاهر الرواية يصب عليها الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة فإن كانت صعودا يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم تكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة في الغسل بل تحفر وعن أبي حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب انتهى كلام العيني وقال في شرح الوقاية والأرض والآجر المفروش باليبس وذهاب الأثر للصلاة لا للتيمم انتهى
[ 392 ]
واستدل الحنفية على أن تطهير الأرض المتنجسة يكون بالجفاف واليبس بحديث زكاة الأرض يبسها وأجيب بأن هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكره لا أصل له في المرفوع نعم ذكره ابن أبي شيبة موقوفا عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر رواه عبد الرزاق عن أبي قلابة من قوله بلفظ جفوف الأرض طهورها انتهى وبحديث ابن عمر قال كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا وكانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد فلم يكونوا يرشون من ذلك أخرجه أبو داود وبوب عليه بقوله باب في طهور الأرض إذا يبست قال الحافظ في الفتح استدل أبو داود بهذا الحديث على أن الأرض تطهر إذا لاقتها النجاسة بالجفاف يعني أن قوله لم يكونوا يرشون يدل على نفي صب الماء من باب الأولى فلولا أن الجفاف يفيد تطهير الأرض ما تركوا ذلك ولا يخفى ما فيه انتهى كلام الحافظ قلت استدلال أبي داود بهذا الحديث على أن أن الأرض تطهر بالجفاف صحيح ليس فيه عندي خدشة إن كان فيه لفظ تبول محفوظا ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث الباب فإنه يقال إن الأرض تطهر بالوجهين أعني بصب الماء عليها وبالجفاف واليبس بالشمس أو الهواء والله تعالى أعلم واستدل من قال إن الأرض لا تطهر إلا بالحفر بروايات جاء فيها ذكر الحفر قال الزيلعي في نصب الراية 111 ج 1 ورد فيه الحفر من طريقين مسندين وطريقين مرسلين فالمسندان أحدهما عن سمعان بن مالك عن أبي وائل عن عبد الله قال جاء أعرابي فبال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمكانه فاحتفر وصب عليه دلوا من ماء انتهى وذكر ابن أبي حاتم في علله أنه سمع أبا زرعة يقول في هذا الحديث إنه منكر ليس بالقوي انتهى أخرجه الدارقطني في سننه الثاني أخرجه الدارقطني أيضا عن الجبار بن العلاء عن ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن أنس أن أعرابيا بال في المسجد فقال عليه السلام احفروا مكانه ثم صبوا عليه ذنوبا من ماء قال الدارقطني وهم عبد الجبار علي ابن عيينة لأن أصحاب ابن عيينة الحفاظ رووه عنه عن يحيى بن سعيد بدون الحفر وإنما روى ابن عيينة هذا عن طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال احفروا مكانه مرسلا انتهى وأما المرسلان
[ 393 ]
فأحدهما هذا الذي أشار إليه الدارقطني رواه عبد الرزاق في مصنفه والثاني رواه أبو داود في سننه عن عبد الله بن معقل قال صلى أعرابي فذكر القصة وفي آخره فقال عليه السلام خذوا ما بال عليه من التراب فألقوه وأهريقوا على مكانه ماء قال أبو داود هذا مرسل فإن ابن معقل لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم انتهى ما في نصب الراية وقال الحافظ في الفتح واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمى لا يسمي إلا ثقة وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما انتهى كلام الحافظ قلت الأحاديث المرفوعة المتصلة الصحيحة خالية عن حفر الأرض وأما الأحاديث التي جاء فيها ذكر حفر الأرض فمنها ما هو موصول فهو ضعيف لا يصلح للاستدلال ومنها ما هو مرسل فهو أيضا ضعيف عند من لا يحتج بالمرسل وأما من يحتج به فعند بعضهم أيضا ضعيف لا يصلح للاستدلال كالإمام الشافعي فقول من قال إن الأرض لا تطهر إلا بالحفر ونقل التراب قول ضعيف إلا عند من يحتج بالمرسل مطلقا وعند من يحتج به إذا اعتضد مطلقا واحتج من قال إن الأرض تطهر بصب الماء عليها بحديث الباب وهذا القول هو أصح الأقوال وأقواها من حيث الدليل ثم قول من قال إنها تطهر بالجفاف بالشمس أو الهواء إن كان لفظ تبول في حديث ابن عمر المذكور محفوظا وأما قول من قال إنها لا تطهر إلا بالحفر ونقل التراب فمستنده الروايات التي وقع فيها ذكر الحفر وقد عرفت ما في تلك الروايات من المقال ثم هي إن دلت على أن الأرض النجسة لا تطهر إلا بالحفر ونقل التراب فهي معارضة بحديث ابن عمر المذكور وبحديث الباب هذا ما عندي والله أعلم
[ 394 ]
أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم باب في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم جمع ميقات وهو مفعال من الوقت وهو القدر المحدود من الزمان أو المكان (عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة) قال في التقريب عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أبو الحارث المدني صدوق له أوهام (عن حكيم بن حكيم وهو ابن عباد بن حنيف) الأنصاري الأوسي صدوق قاله الحافظ وذكره ابن حبان في الثقات قاله الخزرجي (قال أخبرني نافع بن جبير بن مطعم) النوفلي أبو محمد أو أبو عبد الله المدني ثقة فاضل من الثانية مات سنة 99 تسع وتسعين وهو من رجال الكتب الستة قوله (أمني جبريل عند البيت) أي عند بيت الله وفي رواية في الأم للشافعي عند باب
[ 395 ]
الكعبة (مرتين) أي في يومين ليعرفني كيفية الصلاة وأوقاتها (فصلى الظهر في الأولى منهما) أي المرة الأولى من المرتين قال الحافظ في الفتح بين ابن إسحاق في المغازي أن ذلك كان صبيحة الليلة التي فرضت فيها الصلاة وهو ليلة الإسراء قال ابن إسحاق وحدثني عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير وقال عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال نافع بن جبير وغيره لما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم من الليلة التي أسري به لم يرعه إلا جبريل نزل حين زالت الشمس ولذلك سميت الأولى أي صلاة الظهر فأمر فصيح بأصحابه الصلاة جامعة فاجتمعوا فصلى به جبريل وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس فذكر الحديث انتهى (حين كان الفئ) هو ظل الشمس بعد الزوال (مثل الشراك) أي قدره قال ابن الأثير الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها انتهى وفي رواية أبي داود حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك قال ابن الأثير قدره ههنا ليس على معنى التحديد ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل وكان حينئذ بمكة هذا القدر والظل يختلف بإختلاف الأزمنة والأمكنة وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل فإذا كان طول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير بشئ من جوانبها ظل فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول انتهى (ثم صلى العصر حين كان كل شئ مثل ظله) أي سوى ظله الذي كان عند الزوال يدل عليه ما رواه النسائي من حديث جابر بن عبد الله بلفظ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر حين زالت الشمس وكان الفئ قدر الشراك وظل الرجل (ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس) أي غربت (وأفطر الصائم) أي دخل وقت إفطاره بأن غابت الشمس فهو عطف تفسير (ثم صلى العشاء حين غاب الشفق) أي الأحمر على الأشهر قاله القاري وقال النووي في شرح مسلم المراد بالشفق الأحمر هذا مذهب الشافعي وجمهور الفقهاء وأهل اللغة وقال أبو حنيفة والمزني رضي الله عنهما وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة المراد الأبيض والأول هو الراجح المختار انتهى كلام النووي قلت وإليه ذهب صاحبا أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد وقالا الشفق هو الحمرة وهو رواية عن أبي حنيفة بل قال في النهر وإليه رجع الإمام وقال في الدر الشفق هو الحمرة عندهما وبه قالت الثلاثة وإليه رجع الإمام كما هو في شروح المجمع وغيره فكان هو المذهب قال صدر الشريعة وبه يفتي كذا في حاشية النسخة الأحمدية ولا شك في أن المذهب الراجح المختار هو أن الشفق الحمرة يدل عليه حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشفق الحمرة رواه الدارقطني وصححه ابن خزيمة
[ 396 ]
وغيره ووقفه على ابن عمر كذا في بلوغ المرام قال محمد بن إسمعيل الأمير في سبل السلام البحث لغوي والمرجع فيه إلى أهل اللغة وابن عمر من أهل اللغة ومخ العرب فكلامه حجة وإن كان موقوفا عليه انتهى ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق قال الجزري في النهاية أي انتشاره وثوران حمرته من ثار الشئ يثور إذا انتشر وارتفع انتهى وفي البحر الرائق من كتب الحنفية قال الشمني هو ثوران حمرته انتهى ووقع في رواية أبي داود وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق قال الخطابي هو بقية حمرة الشفق في الأفق وسمي فورا بفورانه وسطوعه وروى أيضا ثور الشفق وهو ثوران حمرته انتهى وقال الجزري في النهاية هو بقية حمرة الشمس في الأفق الغربي سمي فورا لسطوعه وحمرته ويروى بالثاء وقد تقدم انتهى (ثم صلى الفجر حين برق الفجر) أي طلع (وصلى المرة الثانية) أي في اليوم الثاني (حين كان ظل كل شئ مثله لوقت العصر بالأمس) أي فرغ من الظهر حينئذ كما شرع في العصر في اليوم الأول حينئذ قال الشافعي وبه يندفع اشتراكهما في وقت واحد على ما زعمه جماعة ويدل له خبر مسلم وقت الظهر ما لم يحضر العصر (ثم صلى المغرب لوقته الأول) استدل به من قال إن لصلاة المغرب وقتا واحدا وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يتطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وهو قول الشافعية قال النووي وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره والجواب عن حديث جبريل عليه السلام حين صلى المغرب في اليومين حين غربت الشمس من ثلاثة أوجه الأول أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في الصلوات سوى الظهر والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وأحاديث امتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها والثالث أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل فوجب تقديمها انتهى
[ 397 ]
كلام النووي (فقال يا محمد هذا) أي ما ذكر من الأوقات الخمسة (وقت الأنبياء من قبلك) قال ابن العربي في عارضة الأحوذي ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات كانت مشروعة لمن قبلهم من الأنبياء وليس كذلك وإنما معناه أن هذا وقتك المشروع لك يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر وقوله وقت الأنبياء قبلك يعني ومثله وقت الأنبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها وقد روى أبو داود في حديث العشاء أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم وكذا قال ابن سيد الناس وقال يريد في التوسعة عليهم في أن الوقت أولا وآخرا لا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها كذا في قوت المغتذي (والوقت فيما بين هذين الوقتين) قال ابن سيد الناس يريد هذين وما بينهما أما إرادته أن الوقتين الذين أوقع فيهما الصلاة وقت لها فتبين بفعله وأما الإعلام بأن ما بينهما أيضا وقت فبينه قوله عليه الصلاة والسلام قوله (وفي الباب عن أبي هريرة وبريدة وأبي موسى وأبي مسعود وأبي سعيد وجابر وعمرو بن حزم والبراء وأنس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي والنسائي وصححه ابن السكن والحاكم وأما حديث بريدة فأخرجه الترمذي وأما حديث أبي موسى فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وأبو عوانة وأما حديث أبي مسعود فأخرجه مالك في الموطأ وإسحاق بن راهويه وأصله في الصحيحين من غير تفصيل وفصله أبو داود وأما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والطحاوي وأما حديث جابر فأخرجه أحمد والترمذي والنسائي وأما حديث عمرو بن حزم فأخرجه إسحاق بن راهويه وأما حديث البراء فذكره ابن أبي خيثمة وأما حديث أنس فأخرجه الدارقطني وابن السكن في صحيحه والإسماعيلي في معجمه
[ 398 ]
قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وصححه ابن عبد البر وأبو بكر بن العربي قال إن عبد البر إن الكلام في إسناده لا وجه له والحديث أخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن خزيمة والدارقطني والحاكم قوله (وقال محمد أصح شئ في المواقيت حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال ابن القطان حديث جابر يجب أن يكون مرسلا لأن جابرا لم يذكر من حديثه بذلك ولم يشاهد ذلك صبيحة الإسراء لما علم من أنه أنصاري إنما صحب بالمدينة قال وابن عباس وأبو هريرة اللذان رويا أيضا قصة إمامة جبريل فليس يلزم في حديثهما من الإرسال ما في رواية جابر لأنهما قالا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك وقصه عليهما كذا في قوت المغتذي باب منه أي مما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الباب كالفصل من الباب المتقدم قوله (نا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي صدوق عارف رمي بالتشيع كذا في التقريب قال في الخلاصة قال النسائي ليس به بأس قال البخاري مات سنة
[ 399 ]
195 خمس وتسعين ومائة قوله (وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها) كأن وقته كان معلوما عندهم (وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس) أي آخر وقتها المختار والمستحب وإلا فآخر وقتها إلى غروب الشمس (وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل) أي اخر وقتها اختيارا أما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر الثاني لحديث أبي قتادة ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء ودليل الجمهور حديث أبي قتادة قاله النووي قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو) أخرجه مسلم عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر ووقت العصر ما لم تصفر الشمس ووقت الصلاة المغرب ما لم تغب الشمس ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس الحديث قوله (سمعت محمدا يقول حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت أصح من حديث محمد بن فضيل عن الأعمش) حديث الأعمش عن مجاهد في المواقيت رواه الترمذي بعد هذا (وحديث محمد بن فضيل خطأ أخطأ فيه محمد بن الفضيل) أي أخطأ في الإسناد حيث روى عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وإنما هو عن الأعمش عن مجاهد قال كان يقال إلخ قال الحافظ في التلخيص ورواه الحاكم من طريق أخرى عن محمد بن عباد بن جعفر أنه سمع أبا هريرة وقال صحيح الإسناد
[ 400 ]
قوله (والحسن بن الصباح) بتشديد الموحدة (البزار) بفتح الموحدة وتشديد الزاي المعجمة وبعدها راء مهملة أبو على الواسطي ثم البغدادي أحد أعلام السنة روى عن إسحاق الأزرق ومعن بن عيسى وغيرهما وعنه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وقال ليس بالقوي وقال أحمد ثقة مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين كذا في الخلاصة وقال في التقريب صدوق يهم وكان عابدا فاضلا انتهى (وأحمد بن محمد بن موسى) أبو العباس السمسار المعروف بمردويه ثقة حافظ من العاشرة كذا في التقريب (قالوا ثنا إسحاق بن يوسف الأزرق) المخزومي الواسطي ثقة قيل لأحمد أثقة هو قال إي والله (عن سفيان) هو الثوري (عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي ثقة وثقه ابن معين وأبو حاتم قال الحاكم لم يذكر سماعا من أبيه قال الخزرجي حديثه عن أبيه في مسلم في عدة مواضع (عن أبيه) هو بريدة بن الحصيب بمهملتين مصغرا صحابي أسلم قبل بدر مات سنة 36 ثلاث وستين قوله (فقال أقم معنا إن شاء الله) قال أبو الطيب السندي كأنه للتبرك وإلا فلم يعرف تقييد الأمر بمثل هذا الشرط وفي رواية لمسلم صل معنا هذين يعني اليومين (فأمر بلالا فأقام حين طلع الفجر) وفي رواية لمسلم فأمر بلالا فأذن بغلس فصلى الصبح فأمره فأقام حين زالت الشمس أي عن حد الإستواء وفي رواية لمسلم حين زالت الشمس عن بطن السماء فصلى العصر (والشمس بيضاء مرتفعة) أي لم تختلط بها صفرة أي فصلى العصر في أول وقته (ثم أمره بالمغرب حين وقع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى كذا في مجمع البحار وفي رواية لمسلم حين غابت الشمس
[ 401 ]
(فنور بالفجر) من التنوير أي أسفر بصلاة الفجر (فأبرد وأنعم أن يبرد) أي أبرد بصلاة الظهر وزاد وبالغ في الابراد يقال أحسن إلى فلان وأنعم أي زاد في الإحسان وبالغ قال الخطابي الإبراد أن يتفيأ الأفياء وينكسر وهج الحر فهو برد بالنسبة إلى حر الظهيرة (فأقام والشمس آخر وقتها فوق ما كانت) أي فأقام العصر والحال أن الشمس آخر وقتها في اليوم الثاني فوق الوقت الذي كانت الشمس فيه في اليوم الأول والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العصر في اليوم الثاني حين صار ظل الشئ مثليه وقد كان صلاها في اليوم الأول حين كان ظل الشئ مثله وفي رواية لمسلم وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان قال القاري في المرقاة أخر بالتشديد أي أخر صلاة العصر في اليوم الثاني فوق التأخير الذي وجد في اليوم الأول بأن أوقعها حين صار ظل الشئ مثليه كما بينته الروايات الأخر يريد أن صلاة العصر كانت مؤخرة عن الظهر لأنها كانت مؤخرة عن وقتها انتهى (فقال الرجل أنا ههنا حاضر فقال مواقيت الصلاة كما بين هذين) الكاف زائدة وفي رواية وقت صلاتكم بين ما رأيتم قوله (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه مسلم أيضا باب ما جاء في التغليس بالفجر أي أداء صلاة الفجر في الغلس والغلس ظلمة آخر الليل
[ 402 ]
قوله (ونا الأنصاري) هو إسحاق بن موسى الأنصاري والترمذي قد يقول الأنصاري وقد يصرح باسمه (نا معن) هو ابن عيسى بن يحيى الأشجعي قوله (وإن كان) إن مخففة من المثقلة أي إنه كان (قال الأنصاري) أي في روايته (فتمر النساء متلففات) بالنصب على الحالية من التلفف بالفائين (بمروطهن) المروط جمع مرط بكسر ميم وسكون راء وهو كساء معلم من خز أو صوف أو غير ذلك كذا قال الحافظ وغيره أي فتمر النساء حال كونهن مغطيات رؤوسهن وأبدانهن بالأكسية (ما يعرفن) على البناء للمفعول وما نافية أي لا يعرفهن أحد (من الغلس) من تعليلية أي لأجل الغلس قال الحافظ في فتح الباري قال الداودي معناه لا يعرفن أنساء أم رجال لا يظهر للرأئي إلا الأشباح خاصة وقيل لا يعرف أعيانهن فلا يفرق بين خديجة وزينب وضعفه النووي بأن المتلففة في النهار لا تعرف عينها فلا يبقى في الكلام فائدة وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان فلو كان المراد الأول لعبر بنفي العلم وما ذكره من أن المتلففة بالنهار لا تعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى وقال الباجي هذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن متنقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس قال الحافظ وفيه ما فيه لأنه مبني على ااشتباه الذي أشار إليه النووي وأما إذا قلنا إن لكل واحدة منهن هيئة غالبا فلا يلزم ما ذكر انتهى كلام الحافظ وقال ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذلك إخبار عن رؤية الجليس انتهى (وقال قتيبة) أي روايته (متلفعات) من التلفع قال الجزري في النهاية أي متلففات بأكسيتهن واللفاع ثوب يجلل به الجسد كله كساء كان أو غيره وتلفع بالثوب إذا اشتمل به انتهى وقال الحافظ في الفتح قال الأصمعي التلفع أن تشتمل بالثوب حتى تجلل به جسدك وفي شرح الموطأ لابن حبيب التلفع لا يكون إلا بتغطية الرأس والتلفف يكون بتغطية الرأس وكشفه انتهى قوله (وفي الباب عن ابن عمر وأنس وقيلة بنت مخرمة) أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن
[ 403 ]
ماجه ويأتي لفظه وله حديث آخر أخرجه أحمد عن أبي الربيع قال كنت مع ابن عمر فقلت له إني أصلي معك ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانا تسفر فقال كذلك رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها قال الشوكاني في إسناده أبو الربيع قال الدارقطني مجهول انتهى وأما حديث أنس فأخرجه البخاري عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا فلما فرغا من سحورهما قام نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة فقلنا لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة قال قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية وأما حديث قيلة بنت مخرمة فلينظر من أخرجه وفي الباب أيضا عن جابر بن عبد الله وأبي برزة الأسلمي وأبي مسعود الأنصاري أما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي قال سألنا جابر بن عبد الله عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس حية والمغرب إذا وجبت والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر والصبح بغلس وأما حديث أبي برزة فأخرجه الشيخان أيضا وفيه وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه وأما حديث أبي مسعود الأنصاري فسيأتي تخريجه قوله (حديث عائشة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وهو الذي أختاره غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمرو من بعدهم من التابعين وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يستحبون التغليس بصلاة الفجر) وهو قول مالك قال ابن قدامة في المغني وأما صلاة الصبح فالتغليس بها أفضل وبهذا قال مالك والشافعي وإسحاق قال ابن عبد البر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون ومحال أن يتركوا الأفضل ويأتوا الدون وهم النهاية في إتيان الفضائل انتهى واستدلوا بأحاديث الباب قال الحازمي في كتاب الاعتبار تغليس النبي صلى الله عليه وسلم ثابت وأنه داوم عليه إلى أن فارق الدنيا ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يداوم إلا على ما هو الأفضل وكذلك أصحابه من بعده تأسيا به صلى الله عليه وسلم وروى بإسناده عن أبي مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح مرة بغلس ثم صلى
[ 404 ]
مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر قال هذا طرف من حديث طويل في شرح الأوقات وهو حديث ثابت مخرج في الصحيح بدون هذه الزيادة وهذا إسناد رواته عن آخره ثقات والزيادة عن الثقة مقبولة وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى هذا الحديث ورأوا التغليس أفضل روينا ذلك عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم وعن ابن مسعود وأبي موسى الأشعري وأبي مسعود الأنصاري وعبد الله بن الزبير وعائشة وأم سلمة رضوان الله عليهم أجمعين ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير وإليه ذهب مالك وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق انتهى قلت حديث أبي مسعود الذي ذكره الحازمي بإسناده أخرجه أيضا أبو داود وغيره كذا قال الحافظ في الفتح وقال المنذري في تلخيص السنن والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه بنحوه ولم يذكروا رؤيته لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الزيادة في قصة الإسفار رواتها عن آخرهم ثقات والزيادة من الثقة مقبولة انتهى كلام المنذري وقال الخطابي هو صحيح الإسناد وقال ابن سيد الناس إسناد حسن وقال الشوكاني رجاله في سنن أبي داود رجال الصحيح فإن قلت كيف يكون إسناد أبي مسعود المذكور صحيحا أو حسنا وفيه أسامة بن زيد الليثي وقد ضعفه غير واحد قال أحمد ليس بشئ فراجعه ابنه عبد الله فقال إذا تدبرت حديثه تعرف فيه النكرة وقال النسائي ليس بالقوي وقال يحيى القطان ترك حديثه بآخره وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به كذا في الميزان ولو سلم أنه ثقة فزيادته المذكورة شاذة غير مقبولة فإنه قد تفرد بها والحديث رواه غير واحد من أصحاب الزهري ولم يذكروا هذه الزيادة غيره والثقة إذا خالف الثقات في الزيادة فزيادته لا تقبل وتكون غير محفوظة قلت أسامة بن زيد الليثي وإن تكلم فيه لكن الحق أنه ثقة صالح للاحتجاج قال إمام هذا الشان يحيى بن معين ثقة حجة وقال ابن عدي لا بأس به كذا في الميزان ولذلك ذكره الحافظ الذهبي في كتابه ذكر أسماء من تكلم فيه وهو موثق حيث قال فيه أسامة بن زيد الليثي لا العدوي صدوق قوي الحديث أكثر مسلم إخراج حديث ابن وهب ولكن أكثرها شواهد أو متابعات والظاهر أنه ثقة وقال النسائي وغيره ليس بالقوي انتهى وأما قول أحمد إذا تدبرت حديثه تعرف فيه النكرة فالظاهر أنه ليس مراده الإطلاق بل أراد حديثه الذي روي عن نافع ففي الجوهر النقي قال أحمد بن حنبل روى عن نافع أحاديث مناكير فقال له ابنه عبد الله وهو حسن الحديث فقال
[ 405 ]
أحمد إن تدبرت حديثه فستعرف فيه النكرة على أن قول أحمد في رجل روى مناكير لا يستلزم ضعفه فقد قال في محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي في حديثه شئ يروي أحاديث مناكير وقد احتج به الجماعة وكذا قال في بريد بن عبد الله بن أبي بردة روى مناكير وقد احتج به الأئمة كلهم كذا في مقدمة فتح الباري وأما قول يحيى القطان ترك حديثه بآخره فغير قادح فإنه متعنت جدا في الرجال كما صرح به الذهبي في الميزان في ترجمة سفيان بن عيينة وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص 437 ج 1 في توثيق معاوية بن صالح احتج به مسلم في صحيحه وكون يحيى بن سعيد لا يرضاه غير قادح فإن يحيى شرطه شديد في الرجال انتهى أما قول أبي حاتم لا يحتج به من غير بيان السبب فغير قادح أيضا قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية في توثيق معاوية بن صالح وقول أبي حاتم لا يحتج به غير قادح فإنه لم يذكر السبب وقد تكررت هذه اللفظة منه في رجال كثيرين من أصحاب الصحيح الثقات الأثبات من غير بيان السبب كخالد الحذاء وغيره انتهى كلام الزيلعي وأما قول النسائي ليس بالقوي فغير قادح أيضا فإنه مجمل مع أنه متعنت وتعنته مشهور فالحق أن أسامة بن زيد الليثي ثقة صالح للاحتجاج وزيادته المذكورة مقبولة كما صرح به الحافظ الحازمي وغيره فإنها ليست منافية لرواية غيره من الثقات الذين لم يذكروها وزيادة الثقة إنما تكون شاذة إذا كانت منافية لرواية غيره من الثقات وقد حققناه في كتابنا أبكار المنن في نقد آثار السنن في باب وضع اليدين على الصدر وقال الحافظ بن حجر في فتح الباري وقد وجدت ما يعضد رواية أسامة بن زيد ويزيد عليها أن البيان من فعل جبريل وذلك فيما رواه الباغندي في مسند عمر بن عبد العزيز والبيهقي في السنن الكبرى من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي بكر بن حزم أنه بلغه عن أبي مسعود فذكره منقطعا لكن رواه الطبراني من وجه آخر عن أبي بكر عن عروة فرجع الحديث إلى عروة ووضح أن له أصلا وأن في رواية مالك ومن تابعه اختصارا وبذلك جزم ابن عبد البر وليس في رواية مالك ومن تابعه ما ينفي الزيادة المذكورة فلا توصف والحالة هذه بالشذوذ انتهى كلام الحافظ قلت ويؤيد زيادة أسامة بن زيد المذكورة ما رواه ابن ماجه قال حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا نهيك بن يريم الأوزاعي ثنا مغيث بن سمي قال صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت ما هذه الصلاة قال هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان وإسناده صحيح ورواه الطحاوي أيضا قال في شرح الآثار حدثنا سليمان بن شعيب قال ثنا بشر بن بكر قال حدثني الأوزاعي ح وحدثنا فهد قال ثنا محمد بن كثير قال ثنا الأوزاعي بإسناد ابن
[ 406 ]
ماجه بنحوه وإذا عرفت هذا كله ظهر لك أن حديث أسامة بن زيد المذكور صحيح وزيادته المذكورة مقبولة باب ما جاء في الإسفار بالفجر قوله (عن عاصم بن عمر بن قتادة) الأوسي الأنصاري المدني ثقة عالم بالمغازي من الرابعة مات بعد العشرين ومائة وهو من رجال الكتب الستة (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير جل روايته عن الصحابة مات سنة 69 ست وتسعين وقيل سبع وله تسع وتسعون سنة قوله (أسفروا بالفجر) أي صلوا صلاة الفجر إذا أضاء الفجر وأشرق قال الجزري في النهاية أسفر الصبح إذا انكشف وأضاء وقال في القاموس سفر الصبح يسفر أضاء وأشرق كأسفر انتهى (فإنه) أي الإسفار بالفجر قوله (وفي الباب عن أبي برزة وجابر) لم أقف على من أخرج حديثهما في الإسفار وقد أخرج الشيخان عنهما التغليس قال الحافظ في الدراية وعن جابر وأبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس متفق عليهما (وبلال) أخرج حديثه البزار في مسنده بنحو حديث رافع بن خديج وفي سنده أيوب بن يسار وهو ضعيف قال البخاري فيه منكر الحديث وقال النسائي متروك الحديث وذكر الحافظ الزيلعي سنده بتمامه في نصب الراية وفي الباب أيضا عن محمود بن لبيد وأبي هريرة وأنس بن مالك وبلال وغيرهم رضي الله عنهم ذكر أحاديث هؤلاء
[ 407 ]
الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد مع الكلام عليها وعامة هذه الأحاديث ضعاف قوله (وقد روى شعبة والثوري هذا الحديث عن محمد بن إسحاق) فتابعا عبدة (ورواه محمد بن عجلان أيضا عن عاصم بن عمر بن قتادة) فتابع محمد بن عجلان محمد بن إسحاق فلا يقدح عنعنته في صحة الحديث قوله (حديث رافع بن خديج حديث حسن صحيح) قال الحافظ في فتح الباري رواه أصحاب السنن وصححه غير واحد قوله (وقد رأى غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين الإسفار بصلاة الفجر وبه يقول سفيان الثوري) وهو قول الحنفية واستدلوا بأحاديث الباب واستدل لهم أيضا بحديث عبد الله بن مسعود قال ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء وصلى الفجر قبل ميقاتها رواه الشيخان قال ابن التركماني في الجوهر النقي معناه قبل وقتها المعتاد إذ فعلها قبل طلوع الفجر غير جائز فدل على أن تأخيرها كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه عجل بها يومئذ قبل وقتها المعتاد انتهى وفيه أن هذا الحديث إنما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قام بصلاة الفجر في مزدلفة خلاف عادته أول ما بزغ الفجر بحيث يقول قائل طلع الفجر وقال قائل لم يطلع وهذا لا يثبت منه ألبتة أن القيام لصلاة الفجر بعد الغلس في الإسفار كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم قال الحافظ في فتح الباري لا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الصبح لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم في المواقيت التغليس بها بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم يخرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادر بالصلاة أول ما بزغ حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه وهو بين في رواية إسمعيل حيث قال ثم صلى الفجر حين طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع انتهى كلام الحافظ فالاستدلال بحديث عبد الله بن مسعود هذا على استحباب الإسفار بصلاة الفجر ليس بشئ وأجيب من قبل من قال بإستحباب الإسفار عن أحاديث التغليس بأجوبة كلها مخدوشة
[ 408 ]
فمنها أن التغليس كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ وفيه هذا مجرد دعوى لا دليل عليها وقد ثبت تغليسه صلى الله عليه وسلم بصلاة الفجر إلى وفاته كما تقدم قال بعضهم بعد ذكر هذا الجواب فيه أنه نسخ اجتهادي مع ثبوت حديث الغلس إلى وفاته صلى الله عليه وسلم ومنها أن الإسفار كان معتادا للنبي صلى الله عليه وسلم وتمسكوا في ذلك بحديث عبد الله بن مسعود المذكور وفيه أن القول بأن الإسفار كان معتادا له صلى الله عليه وسلم باطل جدا بل معتاده صلى الله عليه وسلم كان هو التغليس كما يدل عليه حديث عائشة وحديث أبي مسعود وغيرهما وأما التمسك بحديث ابن مسعود المذكور فقد عرفت ما فيه ومنها أن التغليس لو كان مستحبا لما اجتمع الصحابة رضي الله عنهم على الإسفار وقد روى الطحاوي عن إبراهيم النخعي قال ما أجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ ما أجتمعوا على التنوير وفيه أن دعوى إجماع الصحابة على الإسفار باطلة جدا كيف وقد قال الترمذي في باب التغليس وهو الذي اختاره غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر إلخ وقال الحافظ ابن عبد البر صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يغلسون كما عرفت في كلام ابن قدامة وروى الطحاوي في شرح الاثار ص 401 عن جابر بن عبد الله قال كانوا يصلون الصبح بغلس وروى عن المهاجر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى أن صل الصبح بسواد أو قال بغلس وأطل القراءة ثم قال الطحاوي أفلا تراه يأمرهم أن يكون دخولهم فيها بغلس وأن يطيلوا القراءة فكذلك عندنا أراد منه أن يدركوا الإسفار فكذلك كل من روينا عنه في هذا شيئا سوى عمر قد كان ذهب إلى هذا المذهب أيضا ثم ذكر أثر أبي بكر في تغليسه في صلاة الفجر وتطويله القراءة فيها ثم قال فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد دخل فيها في وقت غير الإسفار ثم مد القراءة فيها حتى خيف عليه طلوع الشمس وهذا بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقرب عهدهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وبفعله لا ينكر ذلك عليه منكر فذلك دليل على متابعتهم له ثم فعل ذلك عمر من بعده فلم ينكره عليه من حضره منهم انتهى فلما عرفت هذا كله ظهر لك ضعف قول إبراهيم النخعي المذكور (وقال الشافعي وأحمد وإسحاق معنى الإسفار أن يضح الفجر فلا يشك فيه ولم يروا أن معنى الاسفار تأخير الصلاة) يقال وضح الفجر
[ 409 ]
إذا أضاء قاله الحافظ في التلخيص قال ابن الأثير في النهاية قالوا يحتمل أنهم حين أمرهم بتغليس صلاة الفجر في أول وقتها كانوا يصلونها عند الفجر الأول حرصا ورغبة فقال أسفروا بها أي أخروها إلى أن يطلع الفجر الثاني ويتحقق ويقوي ذلك أنه قال لبلال نور بالفجر قدر ما يبصر القوم مواقع نبلهم انتهى قلت هذا جواب الشافعي وغيره عن حديث الإسفار وفيه نظر قال ابن الهمام تأويل الإسفار بتيقن الفجر حتى لا يكون شك في طلوعه ليس بشئ إذا ما لم يتبين لم يحكم بصحة الصلاة فضلا عن إثابة الأجر على أن في بعض رواياته ما ينفيه وهو أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر انتهى وقال الحافظ في الدراية في هذا التأويل فقد أخرج الطبراني وابن عدي من رواية هرمز بن عبد الرحمن سمعت جدي رافع بن خديج يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال يا بلال نور بصلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار وقد ذكر الزيلعي روايات أخرى تدل على نفي هذا التأويل وقيل إن الأمر بالإسفار خاص في الليالي المقمرة لأن أول الصبح لا يتبين فيها فأمروا بالإسفار احتياطا كذا في النهاية وحمله بعضهم على الليالي المعتمة وحمله بعضهم على الليالي القصيرة دراك النوام الصلاة قال معاذ بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر وأطل القراءة قدر ما يطيق الناس ولا تملهم وإذا كان في الصيف فأسفر بالفجر فإن الليل قصير والناس نيام فأمهلهم حتى يدركوا كذا نقله القاري في المرقاة عن شرح السنة قلت ورواه بقي بن مخلد قلت أسلم الأجوبة وأولاها ما قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين بعد ذكر حديث رافع بن خديج ما لفظه وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الإسفار دواما لا ابتداء فيدخل فيها مغلسا ويخرج منها مسفرا كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم فقوله موافق لفعله لا مناقض له وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه انتهى كلام ابن القيم وهذا هو الذي اختاره الطحاوي في شرح الآثار وقد بسط الكلام فيه وقال في آخره فالذي ينبغي الدخول في الفجر في وقت التغليس والخروج منها في وقت الإسفار على موافقة ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن انتهى كلام الطحاوي فإن قلت يخدش هذا الجمع حديث عائشة ففيه أن النساء ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس رواه الجماعة والبخاري ولا يعرف بعضهن بعضا
[ 410 ]
قلت نعم لكن يمكن أن يقال إنه كان أحيانا ويدل عليه حديث أبي برزة ففيه وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه ويقرأ بالستين إلى المائة رواه البخاري ومال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار إلى نسخ أفضلية الإسفار فإنه عقد بابا بلفظ بيان نسخ الأفضلية بالإسفار ثم ذكر فيه حديث أبي مسعود قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر قال الحازمي هذا إسناد رواته عن آخره ثقات والزيادة من الثقة مقبولة انتهى وقد تقدم حديث أبي مسعود هذا مع ذكر ما يعضده فتذكر وقد رجح الشافعي حديث التغليس على حديث الإسفار بوجوه ذكرها الحازمي في كتاب الاعتبار قلت لا شك في أن أحاديث التغليس أكثر وأصح وأقوى من أحاديث الاسفار ومذهب أكثر أهل العلم أن التغليس هو الأفضل فهو الأفضل والأولى تنبيه قال صاحب العرف الشذي في ترجيح الإسفار ما لفظه ولنا قوله عليه السلام والحديث القولي مقدم أي أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر فصار الترجيح لمذهب الأحناف انتهى قلت القولي إنما يقدم إذا لم يمكن الجمع بين الحديث القولي والفعلي وفيما نحن فيه يمكن الجمع كما أوضحه الطحاوي وابن القيم فلا وجه لتقديم الحديث القولي ثم كيف يكون الترجيح لمذهب الأحناف فإنه خلاف ما واظب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من التغليس ولذلك قال السرخسي الحنفي في مبسوطه يستحب الغلس وتعجيل الظهر إذا اجتمع الناس كما نقله صاحب العرف عنه والله تعالى أعلم باب ما جاء في التعجيل بالظهر قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن حكيم بن جبير) قال في التقريب ضعيف ويأتي ما فيه من الكلام (عن إبراهيم) هو النخعي
[ 411 ]
قوله (ما رأيت أحد أشد تعجيلا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه دليل على أن التعجيل بالظهر أفضل قال ابن قدامة في المغني لا نعلم في استحباب تعجيل الظهر في غير الحر والغيم خلافا انتهى قوله (وفي الباب عن جابر بن عبد الله وخباب وأبي برزه وابن مسعود وزيد بن ثابت وأنس وجابر بن سمرة) أما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه البخاري في باب وقت المغرب ومسلم بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة الحديث وأما حديث خباب فأخرجه مسلم بلفظ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أي فلم يزل شكوانا ورواه ابن المنذر بعد قوله فلم يشكنا وقال إذا زالت الشمس فصلوا كذا في فتح الباري وأما حديث أبي برزة فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس الحديث وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه بلفظ شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا وفي إسناده زيد بن جبير قال أبو حاتم ضعيف وقال البخاري منكر الحديث وأما حديث زيد بن ثابت فلينظر من أخرجه وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر وأما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم وغيره بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر إذا دحضت الشمس قوله (حديث عائشة حديث حسن) قد حسن الترمذي هذا الحديث وفيه حكيم بن جبير وهو متكلم فيه فالظاهر أنه لم ير بحديثه بأسا وهو من أئمة الفن قوله (وهو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم) قال القاضي الشوكاني في النيل تحت حديث جابر بن سمرة الذي ذكرنا ما لفظه الحديث يدل على استحباب تقديمها وإليه ذهب الهادي والقاسم والشافعي والجمهور للأحاديث الواردة في أفضلية أول الوقت
[ 412 ]
وقد خصه الجمهور بما عدا أيام شدة الحر وقالوا يستحب الإبراد فيها إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج انتهى قوله (قال علي) هو ابن المديني (قال يحيى بن سعيد) هو القطان (وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل حديثه الذي روي عن ابن مسعود إلخ) روى المؤلف هذا الحديث في باب من تحل له الزكاة بإسناده عن حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيام ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب قال الترمذي بعد رواية هذا الحديث وحديث ابن مسعود حديث حسن وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث انتهى كلامه وروى هذا الحديث أبو داود وابن ماجه وزادا فقال رجل لسفيان أن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير فقال سفيان حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد (وروى له سفيان وزائدة) أي رويا عن حكيم بن جبير (ولم ير يحيى بحديثه بأسا) قال الذهبي في الميزان في ترجمة حكيم بن جبير قال أحمد ضعيف منكر الحديث وقال البخاري كان شعبة يتكلم فيه وقال النسائي ليس بالقوي وقال الدارقطني متروك وقال معاذ قلت لشعبة حدثني بحديث حكيم بن جبير قال أخاف النار إن أحدث عنه قلت فهذا يدل على أن شعبة ترك الرواية عنه بعد وقال علي سألت يحيى بن سعيد عنه فقال وكم روى إنما روى يسيرا روى عنه زائدة وتركه شعبة من أجل حديث الصدقة وروى عباس عن يحيى في حديث حكيم بن جبير حديث ابن مسعود لا تحل الصدقة لمن عنده خمسون درهما فقال يرويه سفيان عن زيد لا أعلم أحدا يرويه غير يحيى بن آدم وهذا وهم لو كان كذا لحدث به الناس عن سفيان ولكنه حديث منكر يعني وإنما المعروف بروايته حكيم وقال الفلاس كان يحيى يحدث عن حكيم وكان عبد الرحمن لا يحدث عنه وعن ابن مهدي قال إنما روى أحاديث يسيرة وفيها منكرات وقال الجوزجاني حكيم بن جبير كذاب انتهى
[ 413 ]
قوله (حدثنا الحسن بن علي الحلواني) بضم المهملة وسكون اللام وبالنون منسوب إلى حلوان موضع قريب بالشام قال الحافظ في التقريب الحسن بن علي بن محمد الهذلي أبو علي الخلال الحلواني بضم المهملة نزيل مكة ثقة حافظ له تصانيف من الحادية عشرة انتهى قوله (صلى الظهر حين زالت الشمس) قال صاحب فتح القدير وغيره من العلماء الحنفية هو محمول عندنا على زمان الشتاء أما في أيام الصيف فالمستحب الإبراد والدليل عليه ما في البخاري قال لأنس كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة والمراد الظهر لأنه جواب السؤال عنها قلت قد تقدم حديث جابر بلفظ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالهاجرة وهو متفق عليه وقال الجزري في النهاية الهجير والهاجرة اشتداد الحر نصف النهار انتهى وقد روى البخاري ومسلم عن أنس قال إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر وفي رواية للبخاري كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود ففي حديث أنس هذا دلالة على أنه صلى الله عليه وسلم كان يبكر بصلاة الظهر في شدة الحر أيضا فلا حاجة إلى حمل قوله صلى الظهر حين زالت الشمس على زمان الشتاء قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه البخاري بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر الحديث
[ 414 ]
باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر قوله (إذا أشتد الحر فأبردوا من الإبراد أي أخروا إلى أن يبرد الوقت يقال أبرد إذا دخل في البرد كأظهر إذا دخل في الظهيرة ومثله في المكان أنجد إذا دخل في النجد وأتهم إذا دخل في التهامة (عن الصلاة) في رواية البخاري بالصلاة قال الحافظ في الفتح كذا للأكثر والباء للتعدية وقيل زائدة ومعنى أبردوا أخروا على سبيل التضمين أي أخروا الصلاة وفي رواية الكشميهني عن الصلاة فقيل زائدة أيضا أو عن بمعنى الباء أو هي للمجاوزة أي تجاوزوا وقتها المعتاد إلى أن تنكسر شدة الحر والمراد بالصلاة الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبا في أول وقتها وقد جاء صريحا في حديث أبي سعيد انتهى قلت حديث أبي سعيد هذا أخرجه البخاري بلفظ أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم (فإن شدة الحر من فيح جهنم) أي من سعة انتشارها وتنفسها ومنه مكان أفيح أي متسع وهذا كناية عن شدة استعارها وظاهره أن مثار وهج الحر في الأرض من فيح جهنم حقيقة وقيل هو من مجاز التشبيه أي كأنه نار جهنم في الحر والأول أولى ويؤيده حديث أبي هريرة اشتكت النار إلى ربها فأذن لها بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف قال صاحب العرف الشذي ما لفظه ههنا سؤال عقلي وهو أن التجربة أن شدة الحر وضعفها بقرب الشمس وبعدها فكيف إن شدة الحر من فيح جهنم قال فنجيب بما يفيد في مواضع عديدة وهو للأشياء أسباب ظاهرة وباطنة والباطنة تذكرها الشريعة والظاهرة لا تنفيها الشريعة فكذلك يقال في الرعد والبرق والمطر ونهر جيحان وسيحان انتهى قلت هذا الجواب إنما يتمشى فيما لا تخالف بين الأسباب الباطنة التي بينتها الشريعة وبين الأسباب الظاهرة التي أثبتها أرباب الفلسفة القديمة أو الجديدة وأما إذا كان بينهما التخالف فلا تفكر
[ 415 ]
قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وأبي ذر وابن عمرو المغيرة والقاسم بن صفوان عن أبيه وأبي موسى وابن عباس وأنس) أما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وتقدم لفظه وأما حديث أبي ذر فأخرجه الشيخان عنه قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأراد المؤذن أن يؤذن للظهر فقال النبي صلى الله عليه وسلم إبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له أبرد حتى رأينا فئ التلول فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا أشتد الحر فأبردوا بالصلاة وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري وابن ماجة وأما حديث المغيرة فأخرجه أحمد وابن ماجه وأما حديث القاسم بن صفوان عن أبيه فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم قال في مجمع الزوائد والقاسم بن صفوان وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم القاسم بن صفوان لا يعرف إلا في هذا الحديث انتهى وأما حديث أبي موسى فأخرجه النسائي وأما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه عمرو بن صهبان وهو ضعيف وأما حديث أنس فأخرجه النسائي عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل وللبخاري نحوه كذا في المنتقى قوله (وروى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا ولا يصح) رواه أبو يعلي والبزار بلفظ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أبردوا بالصلاة إذا اشتد الحر فإن شدة الحر من فيح جهنم الحديث وفيه محمد بن الحسن بن زبالة نسب إلى وضع الحديث كذا في مجمع الزوائد قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (قد اختار قوم من أهل العلم تأخير صلاة الظهر في شدة الحر وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قال أبي حنيفة قال محمد في موطئه بعد ذكر حديث أبي هريرة المذكور في الباب بهذا نأخذ نبرد بصلاة الظهر في الصيف ونصلي في الشتاء حين تزول الشمس وهو قول أبي
[ 416 ]
حنيفة انتهى (وقال الشافعي إنما الإبراد بصلاة الظهر إذا كان مسجدا ينتاب أهله من البعد) من الانتياب أي يحضرون وأصل الانتياب الحضور نوبا لكن المراد ههنا مطلق الحضور (فأما المصلي وحده) أي الذي يصلي منفردا (والذي يصلي في مسجد قومه) ولا ينتاب من البعد (فالذي أحب له) أي لكل من المصلي وحده والذي يصلي في مسجد قومه (أن لا يؤخر الصلاة في شدة الحر) لعدم المشقة عليه لعدم تأذيه بالحر في الطريق (ومعنى من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر هو أولى وأشبه بالاتباع) أي من ذهب إلى تأخير الظهر في شدة الحر لكل من المصلي مطلقا سواء كان مصليا وحده أو في مسجد قومه أو ينتاب من البعد فمذهبه أولى واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر إذ فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر با براد في السفر وكان الصحابة رضي الله عنهم يجتمعون معه صلى الله عليه وسلم في السفر ولا يحتاجون أن ينتابوا من البعد وفيه ما ستقف عليه (وأما ما ذهب إليه الشافعي) مبتدأ وخبره فإن في حديث أبي ذر إلخ قال الحافظ في الفتح قال جمهور أهل العلم يستحب تأخير الظهر في شدة الحر إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج وخصه بعضهم بالجماعة فأما المنفرد فالتعجيل في حقه أفضل وهذا قول أكثر المالكية والشافعي أيضا لكنه خصه بالبلد الحار وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كن فالأفضل في
[ 417 ]
حقهم التعجيل والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد وهو قول إسحاق والكوفيين وابن المنذر واستدل له الترمذي بحديث أبي ذر قال فلو كان الأمر على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد وتعقبه الكرماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرقتهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب الرعي فلا نسلم اجتماعهم في تلك الحالة انتهى وأيضا فلم تجر عادتهم بإتخاذ خباء كبير يجمعهم بل كانوا يتفرقون في ظلال الشجر وليس هناك كن يمشون فيه فليس في سياق الحديث ما يخالف ما قاله الشافعي وغايته أنه استنبط من النص العام وهو الأمر بالإبراد معنى يخصصه وذلك جائز على الأصح في الأصول لكنه مبني على أن العلة في ذلك تأذيهم بالحر في طريقهم وللمتمسك بعمومه أن يقول العلة فيه تأذيهم بحر الرمضاء في جباههم حالة السجود ويؤيده حديث أنس كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بالظهائر سجدنا على ثيابنا اتقاء الحر رواه أبو عوانة في صحيحه بهذا اللفظ وأصله في مسلم وفي حديث أيضا في الصحيحين نحوه والجواب عن ذلك أن العلة الأولى أظهر فإن الإبراد لا يزيل الحر عن الأرض انتهى كلام الحافظ قلت الظاهر عندي هو ما ذهب إليه الجمهور لإطلاق الحديث والله تعالى أعلم تنبيه قال صاحب العرف الشذي هذا الموضع الذي اعترض فيه الترمذي على الشافعي مع كونه مقلدا للشافعي انتهى قلت قد بينا في المقدمة أن الإمام الترمذي لم يكن مقلدا للشافعي ولا لغيره واعتراضه هذا أيضا يدل على أنه لم يكن مقلدا له فإنه ليس من شأن المقلد الاعتراض على إمامه المقلد وأيضا لو كان الترمذي مقلدا للشافعي لقوى دلائله ومسالكه في جميع مواقع بيان المذاهب أو غالبها وضعف دلائل غيره ومسالكه كما هو دأب المقلد ألا ترى أن صاحب الهداية كيف قوى دلائل إمامه الإمام أبي حنيفة وزيف دلائل غيره من ابتداء الهداية إلى آخرها فتفكر وقد اعترف صاحب تتمة مسك الذكي ههنا بأن الترمذي لم يكن شافعيا قوله (نا أبو داود) هو سليمان بن داود الطيالسي (عن مهاجر أبي الحسن) التيمي مولاهم الصائغ روى عن ابن عباس والبراء وعنه شعبة ومسعر وثقه أحمد وابن معين وغيرهما (عن زيد
[ 418 ]
بن وهب) الجهني الكوفي مخضرم ثقة جليل لم يصب من قال في حديثه خلل قوله (فأراد أن يقيم) وفي رواية البخاري فأراد المؤذن أن يؤذن ورواه أبو عوانة بلفظ فأراد بلال أن يؤذن وفيه ثم أمره فأذن وأقام قال الحافظ في الفتح ويجمع بينهما بأن إقامته كانت لا تتخلف عن الأذان لمحافظته صلى الله عليه وسلم على الصلاة في أول الوقت فرواية فأراد بلال أن يقيم أي أن يؤذن ثم يقيم ورواية فأراد أن يؤذن أي ثم يقيم انتهى (حتى رأينا فئ التلول) أي قال له أبرد فأبرد حتى أن رأينا والفئ بفتح الفاء وسكون الياء بعدها همزة هو ما بعد الزوال من الظل والتلول جمع التل بفتح المثناة وتشديد اللام كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحو ذلك وهي في الغالب منبطحة غير شاخصة فلا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر وقد اختلف العلماء في غاية الإبراد فقيل حتى يصير الظل ذراعا بعد ظل الزوال وقيل ربع قامة وقيل ثلثها وقيل نصفها وقيل غير ذلك ونزلها المازري على اختلاف الأوقات والجاري على القواعد أنه يختلف باختلاف الأحوال لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت كذا في فتح الباري قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود باب ما جاء في تعجيل العصر قوله (والشمس في حجرتها) الواو للحال والمراد بالشمس ضوءها والحجرة بضم المهملة وسكون الجيم البيت أي والشمس باقية في داخل بيت عائشة (لم يظهر الفئ من حجرتها) أي لم يرتفع الفئ أي ضوء الشمس من داخل بيتها على الجدار الشرقي قال الخطابي معنى الظهور ههنا الصعود والعلو يقال ظهرت على الشئ إذا علوته ومنه قوله تعالى ومعارج عليها يظهرون
[ 419 ]
انتهى وقال النووي معناه التبكير بالعصر في أول وقتها وهو حين يصير ظل كل شئ مثله وكانت الحجرة ضيقة العرصة قصيرة الجدار بحيث يكون طول جدارها أقل من مساحة العرصة بشئ يسير فإذا صار ظل الجدار مثله دخل وقت العصر وتكون الشمس بعد في أواخر العرصة لم يقع الفئ في الجدار الشرقي انتهى وقال الحافظ في الفتح والمستفاد من هذا الحديث تعجيل صلاة العصر في أول وقتها وهذا هو الذي فهمته عائشة وكذا الراوي عنها عروة واحتج به على عمر بن عبد العزيز في تأخيره صلاة العصر وشذ الطحاوي فقال لا دلالة فيه على التعجيل لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير لا على التعجيل وتعقب بأن الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة أن حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة وإلا متى مالت ارتفع ضوؤها عن قاع الحجرة ولو كان الجدار قصيرا انتهى كلام الحافظ تنبيه قال صاحب العرف الشذي ناصرا للطحاوي ما لفظه ونقول أنه عليه السلام شرع في التهجد وهو في حجرة واقتدى أصحابه خارجها فلا بد من كون الجدران قصيرة فإن معرفة انتقالات الإمام شرط لصحته الاقتداء انتهى قلت من انتقالات الإمام الانتقال من الجلوس إلى السجدة ومن السجدة إلى الجلوس فيلزم أن تكون جدران الحجرة قدر الذراع فإن معرفة هذا الانتقال لا يعرف إلا إذا كان طولها بنحوه وهذا كما ترى فإن قال يعرف هذا الانتقال بتكبيرات الانتقال قيل له فلا يلزم كون الجدر قصيرة فإن انتقالات الإمام تعرف بتكبيرات الانتقالات ثم لا يثبت من مجرد كون جدران الحجرة قصيرة تأخير العصر ثم قال صاحب العرف الشذي ما لفظه قال الحافظ ههنا قال الطحاوي إن التغليس بالفجر كان بسبب جدران الحجرة وكان في الواقع الإسفار وأقول إن الطحاوي لم يقل بما نقل الحافظ فإن كلامه في الجدران في العصر لا الفجر انتهى قلت لعل هذا لم ير كلام الحافظ ووهم واختلط عليه قول غيره فإن الحافظ لم ينقل عن الطحاوي أن التغليس بالفجر كان بسبب الجدران فيالله العجب أن هذا الرجل مع غفلته الشديدة ووهمه الفاحش كيف اجترأ على نسبة الوهم إلى الحافظ
[ 420 ]
قوله (وفي الباب عن أنس وأبي أروى وجابر ورافع بن خديج) أما حديث أنس فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه وأما حديث أبي أروى فأخرجه البزار بلفظ قال كنت أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة بالمدينة ثم اتي ذا الحليفة قبل أن تغيب الشمس وهي على قدر فرسخين ورواه أحمد بإختصار والطبراني في الكبير وفيه صالح بن محمد أبو واقد وثقه أحمد وضعفه يحيى بن معين والدارقطني وجماعة كذا في مجمع الزوائد وأما حديث جابر فأخرجه الشيخان وفيه كان يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس حية وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البخاري ومسلم بلفظ قال كنا نصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تنحر الجزور فتقسم عشر قسم ثم تطبخ فنأكل لحما نضيجا قبل مغيب الشمس قوله (ويروى عن رافع أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم في تأخير العصر ولا يصح) أخرجه الدارقطني في سننه عن عبد الواحد بن نافع قال دخلت مسجد المدينة فأذن مؤذن بالعصر وشيخ جالس فلامه وقال إن أبي أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة فسألت عنه فقالوا هذا عبد الله بن رافع بن خديج ورواه البيهقي في سننه وقال قال الدارقطني فيما أخبرنا أبو بكر بن الحارث هذا حديث ضعيف الإسناد والصحيح عن رافع ضد هذا وعبد الله بن رافع ليس بالقوي ولم يروه عنه غير عبد الواحد ولا يصح هذا الحديث عن رافع ولا عن غيره من الصحابة وقال ابن حبان عبد الواحد بن نافع يروي عن أهل الحجاز المقلوبات وعن أهل الشام الموضوعات لا يحل ذكره في الكتاب إلا على سبيل القدح فيه انتهى ورواه البخاري في تاريخه الكبير في ترجمة عبد الله بن رافع حدثنا أبو عاصم عن عبد الواحد بن نافع به وقال لا يتابع عليه يعني عبد الله بن رافع والصحيح عن رافع غيره ثم أخرجه عن رافع قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ثم تنحر الجزور الحديث كذا في نصب الراية
[ 421 ]
قوله (وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق) وبه يقول الليث والأوزاعي وأهل المدينة وغيرهم يقولون إن تعجيل العصر أفضل وهو الحق يدل عليه أحاديث الباب وقال محمد في الموطأ تأخير العصر أفضل عندنا من تعجيلها إذا صليتها والشمس بيضاء نقية لم تدخلها صفرة وبذلك جاء عامة الآثار وهو قول أبي حنيفة انتهى وعلله صاحب الهداية وغيره من الفقهاء الحنفية بأن في تأخيرها تكثير النوافل وقد رده صاحب التعليق الممجد وهو من العلماء الحنفية بأنه تعليل في مقابلة النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على أفضلية التعجيل وهي كثيرة مروية في الصحاح الستة وغيرها انتهى وقد استدل العيني في البناية شرح الهداية على أفضلية التأخير بأحاديث الأول ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه عن جده قال قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية والثاني حديث رافع بن خديج الذي أشار إليه الترمذي والثالث حديث أم سلمة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد تعجيلا للظهر منكم وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه أخرجه الترمذي في باب تأخير العصر الآتي والرابع حديث أنس كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس بيضاء وأجاب عن هذه الأحاديث صاحب التعليق الممجد فقال ولا يخفى على الماهر ما في الاستناد بهذه الأحاديث أما الحديث الأول فلا يدل إلا على أنه كان يؤخر العصر ما دام كون الشمس بيضاء وهذا أمر غير مستنكر فإنه لم يقل أحد بعدم جواز ذلك والكلام إنما هو في فضيلة التأخير وهو ليس بثابت منه لا يقال هذا الحديث يدل على أن التأخير كان عادته يشهد به لفظ كان لأنا نقول لو دل على ذلك لعارضه كثير من الأحاديث القوية الدالة على أن عادته كانت التعجيل فالأولى أن لا يحمل هذا الحديث على الدوام دفعا للمعارضة واعتبارا لتقديم الأحاديث القوية انتهى قلت حديث عبد الرحمن بن علي بن شيبان ضعيف فإنه رواه عنه يزيد بن عبد الرحمن بن علي بن شيبان وهو مجهول كما صرح به في التقريب والخلاصة والميزان فهذا الحديث الضعيف لا يصلح للاحتجاج قال وأما الحديث الثاني فقد رواه الدارقطني عن عبد الواحد بن نافع فذكر بمثل ما ذكرنا عن نصب الراية قال وأما الحديث الثالث فإنما يدل على كون التعجيل في الظهر أشد من التعجيل في العصر لا على استحباب التأخير قال وأما الحديث الرابع فلا يدل أيضا على استحباب التأخير قلت بل هو يدل على استحباب التعجيل فإن الطحاوي رواه هكذا عن أنس مختصرا ورواه أصحاب الكتب
[ 422 ]
الستة عنه بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتعة حية فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتيهم والشمس مرتفعة وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه فالعجب من العيني أنه كيف استدل بهذه الأحاديث التي الأول والثاني منها ضعيفان لا يصلحان للاستدال والثالث لا يدل على استحباب التأخير والرابع يدل على استحباب التعجيل وقد استدل الإمام محمد على أفضلية التأخير بحديث القيراط وستعرف في الباب الآتي أن الاستدلال به أيضا ليس بصحيح ولم أر حديثا صحيحا صريحا يدل على أفضلية تأخير العصر تنبيه استدل صاحب العرف الشذي على تأخير صلاة العصر ما لفظه وأدلتنا كثيرة لا استوعبها ومنها ما في أبي داود عن علي أن وقت الإشراق من جانب الطلوع مثل بقاء الشمس بعد العصر ومن المعلوم أن وقت الإشراق يكون بعد ذهاب وقت الكراهة انتهى قلت حديث علي هذا بهذا اللفظ ليس في أبي داود ألبتة ولا في كتاب من كتب الحديث فعليه أن يثبت أولا كونه في أبي داود أو في كتاب آخر من كتب الحديث بهذا اللفظ المذكور ثم بعد ذلك يستدل به ودونه خرط القتاد ولو سلم أنه بهذا اللفظ موجود في كتاب من كتب الحديث فلا يثبت منه تأخير العصر ولا يدل عليه وإنما يدل على أن وقت الإشراف في الامتداد والطول كوقت العصر ومن المعلوم أن ابتداء وقت العصر إذا صار ظل الشئ كطوله وامتداده إلى الغروب كما أن من المعلوم أن ابتداء الإشراق يكون بعد ذهاب وقت الكراهة ولا تعلق له بتأخير العصر ولا بتعجيله فتفكر ولا تعجبوا من هؤلاء المقلدين أنهم كيف يتركون الأحاديث الصحيحة الصريحة في تعجيل العصر وبتشبثون بمثل هذا الحديث فإن هذا من شأن التقليد ثم قال ما لفظه ولنا حديث آخر حسن عن جابر بن عبد الله أخرجه أبو داود في سننه وكذلك أخرجه الحافظ في الفتح إن الساعة المحمودة من الجمعة بعد العصر في الساعة الأخيرة واليوم اثنا عشر ساعة وفي فتح الباري في موضع أن ما بعد العصر ربع النهار انتهى قلت هذا الحديث أيضا ليس في سنن أبي داود بهذا اللفظ ثم لا تعلق له بتأخير العصر ولا تعجيله وأما قول الحافظ فليس بحجة على أنه لا يدل على التأخير قوله (حين انصرف) أي العلاء بن عبد الرحمن (وداره) أي دار أنس بن مالك (فقال قوموا
[ 423 ]
فصلوا العصر) وفي رواية مسلم فلما دخلنا عليه قال أصليتم العصر فقلنا له إنما انصرفنا الساعة من الظهر قال فصلوا العصر (تلك صلاة المنافق) قال ابن الملك إشارة إلى مذكور حكما أي صلاة العصر التي أخرت إلى الأصفرار وقال الطيبي إشارة إلى ما في الذهن من الصلاة المخصوصة والخبر بيان لما في الذهن من الصلاة المخصوصة قال النووي فيه تصريح بذم تأخير صلاة العصر بلا عذر لقوله صلى الله عليه وسلم جلس يرقب الشمس (يجلس يرقب الشمس) أي ينتظرها جملة استئنافية بيان للجملة السابقة (حتى إذا كانت بين قرني الشيطان) أي قربت من الغروب قال السيوطي في قوت المغتذي قيل هو على حقيقته وظاهره والمراد يحازيها بقرينة عند غروبها وكذا عند طلوعها لأن الكفار يسجدون لها حينئذ فيقارنها ليكون الساجدون لها في صورة الساجدين له وقيل هو على المجاز والمراد بقرنيه علوه وارتفارعه وسلطانه وغلبة أعوانه وسجود مطيعيه من الكفار للشمس انتهى (فنقر أربعا) من نقر الطائر الحبة نقرا أي التقطها قال في النهاية يريد تخفيف السجود وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله انتهى وقيل تخصيص الأربع بالنقر وفي العصر ثمان سجدات اعتبارا بالركعات تنبيه قال صاحب العرف الشذي ما لفظه قوله فنقر أربعا هذا يدل على وجوب تعديل الأركان فإن الشريعة عدت السجدات الثمانية الخالية عن الجلسة أربع سجدات وعن أبي حنيفة من ترك القومة أو الجلسة أخاف أن لا تجوز صلاته انتهى قلت ومع هذا أكثر الأحناف ينقرون كنقر الديك ويتركون تعديل الأركان متعمدين بل إذا رأوا أحدا يعدل الأركان تعديلا حسنا فيظنون أنه ليس على المذهب الحنفي فهداهم الله تعالى إلى التعديل تنبيه آخر قال صاحب العرف الشذي ما لفظه أعلم أن الأرض كروية اتفاقا فيكون طلوع الشمس وغروبها في جميع الأوقات فقيل إن الشياطين كثيرة فيكون شيطان لبلد وشيطان آخر لبلدة أخرى وهكذا وعلى كروية الأرض تكون ليلة القدر مختلفة وكذلك يكون نزول الله تعالى أيضا متعددا وظني أن سجدة الشمس بعد الغروب تحت العرش لا تكون متعددة بل تكون بعد دورة واحدة لا حين كل من الغوارب المختلفة بحسب تعدد البلاد انتهى
[ 424 ]
قلت إن أراد بقوله أن الأرض كروية اتفاقا أن جميع أئمة الدين من السلف والخلف متفقون على كروية الأرض وقائلون بها فهذا باطل بلا مرية وإن أراد به اتفاق أهل الفلسفة وأهل الهيئة فهذا مما لا يلتفت إليه ثم ما فرع على كروية الأرض ففيه أنظار وخدشات فتفكر قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي باب ما جاء في تأخير صلاة العصر قوله (وأنتم أشد تعجيلا للعصر منه) قال الطيبي ولعل هذا الإنكار عليهم بالمخالفة انتهى قال القاري إن الخطاب لغير الأصحاب قال وفي الجملة يدل الحديث على استحباب تأخير العصر كما هو مذهبنا انتهى قلت ليس فيه دلالة على استحباب تأخير العصر نعم فيه أن الذين خاطبتهم أم سلمة كانوا أشد تعجيلا للعصر منه صلى الله عليه وسلم وهذا لا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يؤخر العصر حتى يستدل به على استحباب تأخير العصر وقال الفاضل اللكنوي في التعليق الممجد هذا الحديث إنما يدل على أن التعجيل في الظهر أشد من التعجيل في العصر لا على استحباب التأخير انتهى وقد تقدم كلامه هذا فيما تقدم وقال صاحب العرف الشذي ما لفظه حديث الباب ظاهره مبهم والتأخير ههنا إضافي وإطلاق الألفاظ الاضافية ليست بفاصلة انتهى ثم قال بعد هذا الاعتراف نعم يخرج شئ لنا انتهى قلت لا يخرج لكم شئ من هذا الحديث أيها الأحناف كيف وظاهره مبهم والتأخير فيه إضافي وأطلق فيه اللفظ الاضافي وهو ليس بفاصل وقد ثبت بأحاديث صحيحة صريحة استحباب التعجيل وقد استدل الحنفية على استحباب تأخير العصر بهذا الحديث وبأحاديث أخرى قد ذكرتها في الباب المتقدم ولا يصح استدلالهم بواحد منها كما عرفت وقد استدل محمد في
[ 425 ]
آخر موطئه على ذلك بحديث القيراط وهو ما رواه من طريق مالك عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنما أجلكم فيما خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقال من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط قال فعملت اليهود ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى إلى قيراط قيراط ثم قال من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فأنتم الذين يعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قال فغضب اليهود والنصارى وقالوا نحن أكثر عملا وأقل عطاء قال هل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا قال فإنه فضلي أعطيه من شئت قال محمد بعد إخراجه ما لفظه هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل من تعجيلها ألا ترى أنه جعل ما بين الظهر إلى العصر أكثر مما بين العصر إلى المغرب في هذا الحديث ومن عجل العصر كان ما بين الظهر إلى العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب فهذا يدل على تأخير العصر تأخير العصر أفضل من تعجيلها ما دامت الشمس بيضاء نقية لم تخالطها صفرة وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا انتهى كلامه قلت هذا الحديث ليس بصريح في استحباب تأخير العصر قال صاحب التعليق الممجد واستنبط أصحابنا الحنفية أمرين أحدهما ما ذكره أبو زيد الدبوسي في كتابه الأسرار وتبعه الزيلعي شارح الكنز وصاحب النهاية شارح الهداية وصاحب البدائع وصاحب مجمع البحرين في شرحه وغيرهم أن وقت الظهر من الزوال إلى صيرورة ظل كل شئ مثليه ووقت العصر منه إلى الغروب كما هو رواية عن إمامنا أبي حنيفة وأفتى به كثير من المتأخرين ووجه الاستدلال به بوجوه كلها لا تخلو عن شئ أحدها أن قوله صلى الله عليه وسلم إنما أجلكم فيما خلاكما بين الصلاة العصر إلى مغرب الشمس يفيد قلة زمان هذه الأمة بالنسبة إلى زمان من خلا وزمان هذه الأمة هو مشبه بما بين العصر إلى المغرب فلا بد أن يكون هذا الزمان قلي من زمان اليهود أي من الصبح إلى الظهر ومن زمان النصارى أي من الظهر إلى العصر ولن تكون القلة بالنسبة إلى زمان النصارى إلا إذا كان ابتداء وقت العصر من حين صيرورة الظل مثليه فإنه حينئذ يريد وقت الظهر أي من الزوال إلى المثلين على وقت العصر من المثلين إلى الغروب وأما إن كان ابتداء العصر حين المثل فيكونان متساويين وفيه ما ذكره في فتح الباري وبستان المحدثين وشرح القاري وغيرها
[ 426 ]
أما أولا فلأن لزوم المساواة على تقدير المثل ممنوعة فإن المدة بين الظهر والعصر لو كان بمصير ظل كل شئ مثله يكون أزيد بشئ من ذلك الوقت إلى الغروب على ما هو محقق عند الرياضيين إلا أن يقال هذا التفاوت لا يظهر إلا عند الحساب والمقصود من الحديث تفهيم كل أحد وأما ثانيا فلأن المقصود من الحديث مجرد التمثيل ولا يلزم في التمثيل التسوية من كل وجه وأما ثالثا فلأن قلة مدة هذه الأمة إنما هي بالنسبة إلى مدتي مجموع اليهود والنصاري لا بالنسبة إلى كل أحد وهو حاصل على كل تقدير وأما رابعا فلأنه يحتمل أن يراد بنصف النهار في الحديث نصف النهار الشرعي وحينئذ فلا يستقيم الاستدلال وأما خامسا فإنه ليس في الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من الزوال إلى العصر ومن المعلوم أن صلاة العصر لا يتحقق في أول وقته غالبا فالقلة حاصلة على كل تقدير وإنما يتم مرام المستدل إن تم لو كان لفظ الحديث ما بين وقت العصر إلى الغروب وإذ ليس فليس وثانيها أن قول النصاري نحن أكثر عملا لا يستقيم إلا بقلة زمانهم ولن تكون القلة إلا في صورة المثلين وفيه ما مر سابقا وآنفا وثالثها ما نقله العيني أنه جعل لنا النبي صلى الله عليه وسلم من زمان الدنيا في مقابلة من كان قبلنا من الأمم بقدر ما بين صلاة العصر إلى الغروب وهو يدل على أن بينهما أقل من ربع النهار لأنه لم يبق من الدنيا ربع الزمان لحديث بعثت أنا الساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى فنسبة ما بقي من الدنيا إلى قيام الساعة مع ما بعض مقدار ما بين السبابة والوسطى قال السهيلي وبينهما نصف سبع لأن الوسطى ثلاثة أسباع كل مفصل منها سبع وزيادتها على السبابة نصف سبع انتهى وفيه أيضا ما مر سالفا ثم لا يخفى على المستيقظ أن المقصود من الحديث ليس إلا التمثيل والتفهيم فالاستدلال لو تم بجميع تقاديره لم يخرج تقدير وقت العصر بالمثلين إلا بطريق الاشارة
[ 427 ]
وهناك أحاديث صحيحة صريحة دالة على مضي وقت الظهر ودخول وقت العصر بالمثل ومن المعلوم أن العبارة مقدمة على الاشارة وقد مر معنا ما يتعلق بهذا المقام في صدر الكلام الأمر الثاني ما ذكره صاحب الكتاب من أن هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أي من أول وقتها أفضل من تعجيلها قال بعض أعيان متأخري المحدثين في بستان المحدثين ما معربه ما استنبطه محمد من هذا الحديث صحيح وليس مدلول الحديث إلا أن ما بين صلاة العصر إلى الغروب أقل من نصف النهار إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته وهذا لا يحصل إلا بتأخير العصر من أول الوقت انتهى ثم ذكر كلاما مطولا محصله الرد على من استدل به في باب المثلين وقد ذكرنا خلاصته ولا يخفي أن هذا أيضا إنما يصح إذا كان الأكثرية لكل من اليهود والنصارى وإلا فلا كما ذكرنا مع أنه إن صح فليس هو إلا بطريق الاشارة والأحاديث على التعجيل بالعبارة مقدمة عليه عند أرباب البصيرة انتهى كلام الفاضل اللكنوي باب ما جاء في وقت المغرب قوله (نا حاتم بن إسمعيل) المدني كوفي الأصل قال في التقريب صحيح الكتاب صدوق يهم انتهى وقال في الخلاصة قال ابن سعيد كان ثقة مأمونا كثير الحديث انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن يزيد بن أبي عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع ثقة من الرابعة كذا في التقريب (وتوارت بالحجاب) هذا تفسير للجملة الأولى أعني إذا غربت الشمس والحديث يدل على أن وقت المغرب يدخل عند غروب الشمس وهو مجمع عليه (وفي الباب عن جابر وزيد بن خالد وأنس ورافع بن خديج وأبي أيوب وأم حبيبة وعباس بن عبد المطلب) أما حديث جابر فأخرجه أحمد وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه الطبراني وأما حديث
[ 428 ]
أنس فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث رافع بن خديج فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث أبي أيوب فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وأما حديث أم حبيبة فلينظر من أخرجه وأما حديث عباس بن عبد المطلب فأخرجه ابن ماجه قوله (حديث سلمة بن الأكوع حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا النسائي قوله (اختاروا تعجيل صلاة المغرب) لحديث الباب ولحديث رافع بن خديج كنا نصلي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله متفق عليه ولحديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم رواه أحمد وأبو داود (حتى قال بعض أهل العلم ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد) قد اختلف السلف في صلاة المغرب هل هي ذات وقت أو وقتين فقال الشافعي وابن المبارك إنه ليس لها إلا وقت واحد وهو أول الوقت وقال الأكثرون هي ذات وقتين أول الوقت هو غروب الشمس وآخره ذهاب الشفق الأحمر تمسك الشافعي وابن المبارك بحديث جبريل فإن فيه ثم صلى المغرب لوقته الأول وتمسك الأكثرون بحديث عبد الله بن عمرو فإن فيه وقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق رواه مسلم وغيره وبحديث أبي موسى فإن فيه ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم وغيره وقول الأكثرين هو الحق وأما حديث جبريل فإنه كان بمكة وهذان الحديثان متأخران عنه ومتضمنان لزيادة قال النووي في شرح مسلم تحت حديث عبد الله بن عمرو هذا الحديث وما بعده من الأحاديث صريح في أن وقت المغرب يمتد إلى غروب الشفق وهذا أحد القولين في مذهبنا وهو ضعيف عند جمهور نقلة مذهبنا وقالوا الصحيح أنه ليس لها إلا وقت واحد وهو عقب غروب الشمس بقدر ما يطهر ويستر عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أثم وصارت قضاء وذهب المحققون من أصحابنا إلى ترجيح القول
[ 429 ]
بجواز تأخيرها ما لم يغب الشفق وأنه يجوز ابتداؤها في كل وقت من ذلك ولا يأثم بتأخيرها عن أول الوقت وهذا هو الصحيح والصواب الذي لا يجوز غيره والجواب عن حديث جبريل حين صلى المغرب في اليومين في وقت واحد حين غربت الشمس من ثلاثة أوجه أحدها أنه اقتصر على بيان وقت الاختيار ولم يستوعب وقت الجواز وهذا جار في كل الصلاة سوى الظهر والثاني أنه متقدم في أول الأمر بمكة وهذه الأحاديث بامتداد وقت المغرب إلى غروب الشفق متأخرة في أواخر الأمر بالمدينة فوجب اعتمادها والثالث أن هذه الأحاديث أصح إسنادا من حديث بيان جبريل عليه السلام فوجب تقديمها انتهى كلام النووي باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة وقد تقدم في حديث جبريل وغيره أن أول وقتها حين يغيب الشفق وهو مجمع عليه وأما اخر وقتها فالثابت من الأحاديث الصحيحة الصريحة أنه إلى نصف الليل ففي حديث عبد الله بن عمرو فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة الذي تقدم وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل ويفهم من حديث أبي قتادة إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى رواه مسلم أن آخر وقتها إلى طلوع الفجر قال النووي قوله فإنه وقت إلى نصف الليل معناه وقت لأدائها أختيارا وأما وقت الجواز فيمتد إلى طلوع الفجر لحديث أبي قتادة عند مسلم إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى وقال الإصطخري إذا ذهب نصف الليل صارت قضاء ودليل الجمهور حديث أبي قتادة المذكور انتهى كلام النووي قال الحافظ في الفتح عموم حديث أبي قتادة مخصوص بالإجماع في الصبح وعلى قول الشافعي الجديد في المغرب فللإصطخري أن يقول إنه مخصوص بالحديث المذكور وغيره من الأحاديث في العشاء قال ولم أر في امتداد وقت العشاء إلى طلوع الفجر حديثا صريحا يثبت انتهى
[ 430 ]
تنبيه ذكر النيموي في آثار السنن أثرين يدلان على أن وقت العشاء إلى طلوع الفجر أحدهما أثر أبي هريرة عن عبيد بن جريج أنه قال لأبي هريرة ما إفراط صلاة العشاء قال طلوع الفجر رواه الطحاوي وثانيهما أثر عمر عن نافع بن جبير قال كتب عمر إلى أبي موسى وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها رواه الطحاوي ورجاله ثقات ثم قال دل الحديثان على أن وقت العشاء يبقى بعد مضي نصف الليل إلى طلوع الفجر ولا يخرج بخروجه فبالجمع بين الأحاديث كلها يثبت أن وقت العشاء من حين دخوله إلى نصف الليل أفضل وبعضه أولى من بعض وأما بعد نصف الليل فلا يخلو من الكراهة انتهى وقال الحافظ الزيلعي في نصب الراية ص 122 تكلم الطحاوي في شرح الآثار ههنا كلاما حسنا ملخصه أنه قال يظهر من مجموع الأحاديث أن اخر وقت العشاء حين يطلع الفجر وذلك أن ابن عباس وأبا موسى والخدري رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرها إلى ثلث الليل وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل وروى ابن عمر أنه أخرها حتى ذهب سدس الليل وروت عائشة أن أعتم بها حتى ذهب عامة الليل وكل هذه الروايات في الصحيح قال فثبت بهذا أن الليل كله وقت لها ولكنه على أوقات ثلاثة فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فأفضل وقت صليت فيه وأما بعد ذلك إلى أن يتم نصف الليل ففي الفضل دون ذلك وأما بعد نصف الليل فدونه ثم ساق بسنده عن نافع بن جبير قال كتب عمر إلى أبي موسى وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها ولمسلم في قصة التعريس عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ليس في النوم تفريط إنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى فدل على بقاء الأولى إلى أن يدخل وقت الأخرى وهو طلوع الثاني انتهى قلت لا شك في أن كلام الطحاوي هذا حسن لو كان في هذا حديث مرفوع صحيح ولكن لم أجد حديثا مرفوعا صحيحا أما حديث أبي قتادة المرفوع فقد عرفت فيما تقدم أن عمومه مخصوص بالإجماع في الصبح فلقائل أن يقول إنه مخصوص بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص وما في معناه وأما حديث عائشة المرفوع أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل فليس المراد بعامة الليل أكثره كما زعم الطحاوي وغيره بل المراد كثير منه قال النووي في شرح مسلم قوله في رواية عائشة إنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل أي كثير منه وليس المراد أكثر ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم إنه لوقتها ولا يجوز أن يكون المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء إن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل انتهى وأما الحديثان الذان ذكرهما النيموي فهما ليسا مرفوعين بل أحدهما قول عمر وفي سنده حبيب بن أبي ثابت وعليه مداره وهو مدلس ورواه عن نافع بن جبير بالعنعنة قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين جبيب بن أبي ثابت
[ 431 ]
الكوفي تابعي مشهور يكثر التدليس وثانيهما قول أبي هريرة فيحتمل أنه قال به بناء على عموم حديث أبي قتادة والله تعالى أعلم وقال ابن العربي في عارضة الأحوذي لا خلاف بين الأمة أن أول وقت صلاة العشاء غروب الشفق واختلفوا في آخرها فمنهم من قال إلى ثلث الليل قال به مالك والشافعي ومنهم من قال إنه إلى شطر الليل قاله ابن حبيب وأبو حنيفة وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فع أنه أخرها إلى شطر الليل وقولا له قال وقت العشاء إلى شطر الليل في صحيح مسلم فلا قول بعد هذا والله أعلم انتهى كلام ابن العربي قوله (عن أبي بشر) بن أبي إياس ابن أبي وحشية ثقة من أثبت الناس في سعيد بن جبير وضعفه شعبة في حبيب بن سالم وفي مجاهد قاله الحافظ في التقريب (عن بشير بن ثابت) الأنصاري مولاهم بصري ثقة وقال ابن حبان وهم من قال فيه بشر بغيرياء (عن حبيب بن سالم) الأنصاري مولى النعمان بن بشير وكاتبه لا بأس به من أوساط التابعين قوله (أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة) هذا من باب التحديث بنعمة الله عليه بزيادة العلم مع ما فيه من حمل السامعين على اعتماد مرويه ولعل وقوع هذا القول منه بعد موت غالب أكابر الصحابة وحفاظهم الذين هم أعلم بذلك منه (لسقوط القمر) أي وقت غروبه أو سقوطه إلى الغروب (لثالثة) أي في ليلة ثالثة من الشهر قوله (عن أبي عوانة بهذا الإسناد) أي بالإسناد المتقدم وحديث النعمان بن بشير المذكور
[ 432 ]
أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي قال ابن العربي حديث النعمان صحيح وإن لم يخرجه الإمامان فإن أبا داود أخرجه عن مسدد والترمذي عن أبي عوانة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية عن بشير بن ثابت عن حبيب بن سالم فأما حبيب بن سالم مولى النعمان بن بشير فقال أبو حاتم هو ثقة وأما بشير بن ثابت فقال يحيى بن معين إنه ثقة ولا كلام فيمن دونهما وإن كان هشيم قد رواه عن أبي بشير عن حبيب بن سالم بإسقاط أبي بشير وما ذكرناه أصح وكذلك رواه شعبة وغيره وخطأ من أخطأ في الحديث لا يخرجه عن الصحة انتهى كلام ابن العربي باب ما جاء في تأخير العشاء الآخرة قوله (لولا أن أشق) من المشقة أي لولا خشية وقوع المشقة عليهم (لأمرتهم) أي وجوبا (إلى ثلث الليل أو نصفه) قيل إلى ثلث الليل أي في الصيف أو نصف الليل أي في الشتاء ويحتمل التنويع وهو الأظهر ويحتمل الشك من الراوي قوله (وفي الباب عن جابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وأبي برزة وابن عباس وأبي سعيد الخدري وزيذ بن خالد وابن عمر) أما حديث جابر فأخرجه أحمد ومسلم والنسائي بلفظ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤخر العشاء الآخرة وأما حديث جابر بن عبد الله فأخرجه الشيخان وأما حديث أبي برزة فأخرجه الجماعة ولفظه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي يدعونها العتمة وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري وله حديث اخر في تأخير العشاء عند الطبراني في الكبير ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه أحمد وأبو داود وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم
[ 433 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وابن ماجه قوله (وهو الذي اختاره أكثر أهل العلم إلخ) لأحاديث الباب وهي كثيرة لكن قال ابن بطال ولا يصلح ذلك الان للأئمة لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتخفيف وقال إن فيهم الضعيف وذا الحاجة فترك التطويل عليهم في الأنتظار أولى قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام ابن بطال هذا ما لفظه وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وغيرهم من حديث أبي سعيد الخدري صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل الحديث وفيه ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم وحاجة ذي الحاجة لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ثم ذكر الحافظ حديث أبي هريرة المذكور في الباب ثم قال فعلى هذا من وجد به قوة على تأخيرها ولم يغلبه النوم ولم يشق على أحد من المأمومين فالتأخير في حقه أفضل وقد قرر النووي ذلك في شرح مسلم وهو اختيار كثير من أهل الحديث من الشافعية وغيرهم والله أعلم ونقل ابن المنذر عن الليث وإسحاق أن المستحب تأخير العشاء إلى قبل الثلث وقال الطحاوي يستحب إلى الثلث وبه قال مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم التعجيل أفضل وكذا قال في الإملاء وصححه النووي وجماعة وقالوا إنه مما يفتى به على القديم وتعقب بأنه ذكره في الإملاء وهو من كتبه الجديدة والمختار من حيث الدليل أفضلية التأخير ومن حيث النظر التفصيل والله أعلم انتهى كلام الحافظ باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها السمر بالتحريك هو الحديث بالليل قال في مجمع البحار روي بفتح الميم من المسامرة فهي الحديث بالليل وبسكونها فهو مصدر وأصل السمر لون ضوء القمر لأنهم كانوا يتحدثون فيه انتهى
[ 434 ]
قوله (نا هشيم) بالتصغير ابن بشير بوزن عظيم السلمي أبو معاوية الواسطي قال يعقوب الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث قال العجلي ثقة يدلس (أنا عوف) ابن أبي جميلة المعروف بالأعرابي ثقة (قال أحمد) هو ابن منيع (ونا عباد بن عباد هو المهلبي وإسماعيل بن علية جميعا) أي عباد بن عباد وإسماعيل بن علية كلاهما (عن عون) كذا في النسخ المطبوعة بالنون والظاهر أنه تصحيف من الكاتب والصحيح عوف بالفاء وهو ابن أبي جميلة الأعرابي والله أعلم ومقصود الترمذي بهذا أن لأحمد بن منيع ثلاثة شيوخ هشيم وعباد بن عباد وإسماعيل بن علية فروى هشيم هذا الحديث عن عوف بلفظ أخبرنا ورواه عباد وإسماعيل بن علية عن عوف بلفظ عن وإنما نبه الترمذي على هذا الفرق لأن هشيما مدلس وهشيم هذا هو هشيم بن بشير مشهور بالتدليس قال ابن سعد ثقة حجة إذا قال أنا وعباد بن عباد المهلبي هو ابن حبيب بن المهلب أبو معاوية البصري ثقة ربما وهم تنبيه اعلم أن صاحب العرف الشذي لم يقف على مقصود الترمذي ولم يفهم هذا المقام وظن لفظ عن عون صحيحا فإنه قال ما لفظه قوله وقال أحمدنا عباد بن إلخ ههنا تحويل والمراد سيار انتهى قلت ليس المراد سيارا بل المراد عوف ثم قال قوله جميعا عن عون المراد من الجميع هو عوف وعباد وإسماعيل انتهى قلت ليس كذلك بل المراد من الجميع هو عباد وإسماعيل فتفكر (عن سيار بن سلامة) بفتح السين وشدة التحتانية الرياحي البصري ثقة (عن أبي برزة) اسمه نضلة ابن عبيد الأسلمي صحابي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة 56 خمس وستين قوله (يكره النوم قبل العشاء) لأن النوم قبلها قد يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقا أو عن الوقت المختار (والحديث بعدها) لأن الحديث بعدها قد يؤدي إلى النوم عن الصبح عن وقتها المختار أو عن قيام الليل وكان عمر بن الخطاب يضرب الناس على ذلك ويقول أسمرا أول الليل
[ 435 ]
ونوما آخره وإذا تقرر أن علة النهي ذلك فقد يفرق فارق بين الليالي الطوال والقصار ويمكن أن تحمل الكراهة على الإطلاق حسما للمادة لأن الشئ إذا شرع مظنة قد يستمر فيصير مئنة كذا في فتح الباري قوله (وفي الباب عن عائشة وعبد الله بن مسعود وأنس) أما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه بلفظ ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء وسمر بعدها وأما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه بلفظ جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء يعني زجرنا وأما حديث أنس فلم أقف عليه وفي الباب أيضا عن إبن عباس رواه القاضي أبو الطاهر الذهلي قوله (حديث أبي برزة حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء ورخص في ذلك بعضهم إلخ) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا ما لفظه ومن نقلت عنه الرخصة قيدت في أكثر الروايات بما إذا كان له من يوقظه أو عرف من عادته أنه لا يستغرق وقت الاختيار بالنوم وهذا جيد حيث قلنا إن علة النهي خشية خروج الوقت وحمل الطحاوي الرخصة على ما قبل دخول وقت العشاء والكراهة على ما بعد دخوله انتهى كلام الحافظ قلت احتج من قال بالكراهة بأحاديث الباب واحتج من قال بالجواز بدون كراهة بما أخرجه البخاري وغيره من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتم بالعشاء حتى ناداه عمر نام النساء والصبيان ولم ينكر عليهم وبحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة حتى رقدنا في المسجد ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا ثم خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم قال ابن سيد الناس وما أرى هذا من هذا الباب ولا نعاسهم في المسجد وهم في انتظار
[ 436 ]
الصلاة من النوم المنهي عنه وإنما هو من السنة التي هي مبادئ النوم كما قال وسنان أقصده النعاس فرنقت في جفنه سنة وليس بنائم وقد أشار الحافظ في الفتح إلى الفرق بين هذا النوم والنوم المنهي عنه كذا في النيل باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء قوله (يسمر) بضم الميم من باب نصر ينصر (في الأمر من أمر المسلمين) فيه دلالة على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة وسيأتي وجه الجمع بينه وبين حديث أبي برزة الذي تقدم في الباب المتقدم قوله (وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأوس بن حذيفة وعمران بن حصين) أما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة ولفظه كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا عن بني إسرائيل حتى يصبح لا يقوم إلا عظيم صلاة وأما حديث أوس بن حذيفة وحديث عمران بن حصين فلم أقف عليهما قوله (حديث عمر حديث حسن) قلت هذا الحديث منقطع لأنه ليس لعلقمة سماع من عمرو أخرجه أحمد والنسائي أيضا وقال الحافظ في الفتح رجاله ثقات انتهى قال في النيل وإنما قصر به عن التصحيح الانقطاع الذي فيه بين علقمة وعمر انتهى (وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله) بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي ثقة فاضل روى عن إبراهيم بن يزيد وإبراهيم بن سويد النخعيين وإبراهيم بن يزيد التيمي وغيرهم وعنه شعبة والسفيانان وزائدة
[ 437 ]
وغيرهم قال ابن معين ثقة صالح وقال العجلي وأبو حاتم والنسائي ثقة وقال عمرو بن علي مات سنة 931 وقيل سنة 241 كذا في التقريب وتهذيب التهذيب (عن رجل من جعفي يقال قيس أو ابن قيس) قال الحافظ في تهذيب التهذيب قيس بن مروان وهو ابن أبي قيس الجعفي الكوفي روى عن عمر حديث من أراد أن يقرأ القرآن رطبا الحديث وعنه خيثمة بن عبد الرحمن وعلقمة بن قيس وعمارة بن عمير وقرثع الضبي ذكره ابن حبان في الثقات انتهى وقال في التقريب قيس بن أبي قيس مروان الجعفي الكوفي صدوق من الثانية انتهى (عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة) رواه أحمد في مسنده ص 52 ج 1 ففيه حدثنا عبد الله حدثني أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال معاوية وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه أتى عمر رضي الله عنه فقال جئت يا أمير المؤمنين من الكوفة وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه فغضب وانتفخ حتى كان يملأ ما بين شعبتي الرجل فقال ومن هو ويحك قال عبد الله بن مسعود فما زال يطفأ ويسرى عنه الغضب حتى كاد يعود إلى حاله التي كان عليها ثم قال ويحك والله ما أعلمه بقي من الناس أحد هو أحق بذلك منه وسأحدثك عن ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يسمر عند أبي بكر رضي الله عنه الليلة كذاك في الأمر من أمر المسلمين وإنه سمر عنده ذات ليلة وأنا معه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع قراءته فلما كدنا نعرفه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سره أن يقرأ القران رطبا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد الحديث قوله (وقد أختلف أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم في السمر بعد العشاء فكره قوم منهم السمر بعد العشاء) واحتجوا بأحاديث المنع عن السمر بعد العشاء (ورخص بعضهم إذا كان في معنى العلم وما لا بد من الحوائج وأكثر الحديث على الرخصة) واحتجوا بأحاديث الباب التي تدل على الرخصة وقالوا حديث عمر وما في معناه يدل على عدم كراهة السمر بعد العشاء إذا كان لحاجة دينية عامة أو خاصة وحديث أبي برزة وما في معناه يدل
[ 438 ]
على الكراهة وطريق الجمع بينهما أن تحمل أحاديث المنع على السمر الذي لا يكون لحاجة دينية ولا لما بد من الحوائج وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب السمر في العلم قال العيني في شرح البخاري نبه على أن السمر المنهي عنه إنما هو فيما لا يكون من الخير وأما السمر بالخير فليس بمنهى بل هو مرغوب فيه أنتهى قلت هذا الجمع هو المتعين قوله (وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا سمر إلا لمصل أو مسافر) قال الحافظ في الفتح أما حديث لا سمر إلا لمصل أو مسافر فهو عند أحمد بسند فيه راو مجهول وقال الشوكاني في النيل ص 316 وقد أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود لا سمر بعد الصلاة يعني العشاء الآخرة إلا لأحد رجلين مصل أو مسافر ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في الأحكام من حديث عائشة مرفوعا بلفظ لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس انتهى وفي مجمع الزوائد بعد ذكر حديث ابن مسعود رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط فأما أحمد وأبو يعلى فقالا عن خيثمة عن رجل عن ابن مسعود وقال الطبراني عن خيثمة عن زياد بن حدير ورجال الجميع ثقات وعند أحمد في رواية عن خيثمة عن عبد الله بإسقاط الرجل انتهى باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل قوله (عن القاسم بن غنام) الأنصاري البياضي المدني صدوق مضطرب الحديث قاله الحافظ في التقريب وقال الخزرجي في الخلاصة وثقه ابن حبان (عن عمته أم فروة) قال الحافظ في التقريب أم فروة الأنصارية صحابية لها حديث في فضل الصلاة أول الوقت ويقال هي بنت أبي قحافة وأخت أبي بكر الصديق انتهى وقال المنذري في تلخيص السنن أم فروة هذه هي أخت أبي بكر الصديق لأبيه ومن قال فيها أم فروة الأنصارية فقد وهم انتهى
[ 439 ]
قوله (الصلاة لأول وقتها) قال ابن الملك اللام بمعنى في وقال الطيبي اللام للتأكيد وليس كما في قوله تعالى قدمت لحياتي أي وقت حياتي لأن الوقت مذكور ولا كما في قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن أي قبل عدتهن لذكر الأول فيكون تأكيدا قال القاري المختار أن المراد بأول الوقت المختار أو مطلق لكنه خص ببعض الأخبار انتهى قلت الظاهر هو الثاني كما لا يخفى ويؤيده حديث ابن عمر الآتي فهو المعول عليه والحديث دليل على أن الصلاة لأول وقتها أفضل الأعمال لكن الحديث ضعيف من وجهين الأول أن في سنده عبد الله بن عمر العمري وهو ضعيف والثاني أن فيه اضطرابا كما ستقف عليهما ولكن له شاهد من حديث ابن مسعود ويأتي في هذا الباب قوله (نا يعقوب بن الوليد المدني) قال الحافظ في التقريب كذبه أحمد وغيره (عن عبد الله بن عمر) هو العمري قوله (الوقت الأول من الصلاة) قال القاري من تبعيضية والتقدير من أوقات الصلاة وقال قال الطيبي من بيان للوقت (رضوان الله) أي سبب رضائه كاملا لما فيه من المبادرة إلى الطاعات (والوقت الآخر) بحيث يحتمل أن يكون خروجا من الوقت أو المراد به وقت الكراهة (عفو الله) والعفو يكون عن المقصرين فأفاد أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل قاله المناوي وقال البيهقي قال الشافعي ولا يؤثر على رضوان الله شئ لأن العفو لا يكون إلا عن تقصير انتهى والحديث ضعيف جدا قال البيهقي في المعرفة حديث الصلاة في أول الوقت رضوان الله إنما يعرف بيعقوب بن الوليد وقد كذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ قال وقد روى هذا الحديث بأسانيد كلها ضعيفة وإنما يروي عن أبي جعفر محمد بن علي من قوله انتهى قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر كلام البيهقي هذا وأنكر إبن القطان في كتابة على أبي محمد عبد الحق لكونه أعل الحديث بالعمري وسكت عن يعقوب قال ويعقوب هو العلة قال أحمد فيه كان من الكذابين الكبار وكان يضع الحديث وقال أبو حاتم كان يكذب والحديث الذي رواه موضوع وابن
[ 440 ]
عدي إنما أعله به وفي بابه ذكره انتهى ما في نصب الراية قلت والعجب من الترمذي أيضا فإنه سكت عن يعقوب ولم يعل الحديث به تنبيه اعلم أن هذا الحديث يدل على أن تعجيل الصلاة أول وقتها أفضل من تأخيرها إلى آخر وقتها لأن في التعجيل رضوان الله وفي التأخير عفو الله وظاهر أن العفو لا يكون إلا عن تقصير قال في النهاية في أسماء الله تعالى العفو هو فعول من العفو وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه وأصله المحو والطمس انتهى وذكر صاحب بذل المجهود في تفسير قوله والوقت الاخر عفو الله ما لفظه إن العفو عبارة عن الفضل قال الله تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ومعنى الحديث أن من أدى الصلاة في أول الأوقات فقد نال رضوان الله وأمن من سخطه وعذابه ومن أدى في آخر الوقت فقد نال فضل الله ونيل فضل الله لا يكون بدون الرضوان فكانت هذه الدرجة أفضل من تلك انتهى قلت هذا ليس تفسيرا للحديث بل هو تحريف له ويبطله حديث أبي هريرة مرفوعا إن أحدكم يصلي الصلاة لوقتها وقد ترك من الوقت الأول ما هو خير له من أهله وماله رواه الدارقطني قوله (وفي الباب عن علي وابن عمر وعائشة وابن مسعود) قد أخرج الترمذي أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في هذا الباب قوله (عن سعيد بن عبد الله الجهني) الحجازي روى عن محمد بن عمر بن علي وعنه ابن وهب وثقه ابن حبان له حديث عندهم كذا في الخلاصة وقال في التقريب مقبول (عن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب) الهاشمي قال الحافظ صدوق وقال في الخلاصة وثقة ابن حبان (عن أبيه) أي عمر بن علي بن أبي طالب الهاشمي ثقة وثقه العجلي وغيره
[ 441 ]
قوله (يا علي ثلاث) أي من المهمات وهو المسوغ للابتداء والمعنى ثلاثة أشياء وهي الصلاة والجنازة والمرأة ولذا ذكر العدد (لا تؤخرها) بالرفع خبر لثلاث (الصلاة) بالرفع أي منها أو إحداها أو وهي (إذا آنت) بالمد والنون من آن يئين أينا مثل حانت مبنى ومعنى وفي بعض النسخ أتت بالتائين من الإتيان قال السيوطي في قوت المغتذي قال ابن العربي وابن سيد الناس كذا رويناه بتائين كل واحدة منهما معجمة باثنتين من فوقها وروى آنت بنون ومد بمعنى حانت وحضرت انتهى وقال القاري في المرقاة قال التوربشتي في أكثر النسخ المقروءة أتت بالتائين وكذا عند أكثر المحدثين وهو تصحيف والمحفوظ من ذوي الإتقان آنت على وزن حانت ذكره الطيبي انتهى ما في المرقاة (والجنازة إذا حضرت) بكسر الجيم وفتحها لغتان في النعش والمبيت وقيل الكسر للأول والفتح للثاني والأصح أنهما للميت في النعش قال الأشرف فيه دليل على أن الصلاة على الجنازة لا تكره في الأوقات المكروهة نقله الطيبي قال القاري وهو كذلك عندنا يعني الحنفية أيضا إذا حضرت في تلك الأوقات من الطلوع والغروب والاستواء وأما إذا حضرت قبلها وصلى عليها في تلك الأوقات فمكروهة وكذا حكم سجدة التلاوة وأما بعد الصبح وقبله وبعد العصر فلا يكرهان مطلقا انتهى كلام القاري (والأيم) بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة أي المرأة العزبة ولو بكرا (إذا وجدت) أنت (لها كفؤا) الكفؤ المثل وفي النكاح أن يكون الرجل مثل المرأة في الاسلام والحرية والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي من حديث علي وقال غريب وليس إسناده بمتصل وكذا قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث بإسناده نق عن جامع الترمذي قلت ليست هذه العبارة أعني غريب وليس إسناده بمتصل في النسخ المطبوعة والقلمية الموجودة عندنا وقال الحافظ في الدراية بعد ذكر هذا الحديث أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد ضعيف قوله (حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري وليس هو بالقوي عند أهل الحديث) عبد الله بن عمر العمري هذا هو عبد الله بن عمر بن حفص ابن عاصم بن
[ 442 ]
عمر بن الخطاب المدني ضعيف عابد وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شئ روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدارمي قلت لابن معين كيف حاله في نافع قال صالح ثقة وقال الفلاس كان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به وقال النسائي وغيره ليس بالقوي وقال ابن المديني عبد الله ضعيف وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش خطؤه استحق الترك انتهى (واضطربوا في هذا الحديث) قال الزيلعي في نصب الراية ذكر الدارقطني في كتاب العلل في هذا الحديث اختلافا كثيرا واضطرابا ثم قال والقوي قول من قال عن القاسم عن جدته أم الدنيا عن أم فروة انتهى قال في الإمام وما فيه من الاضطراب في إثبات الواسطة بين القاسم وأم فروة وإسقاطها يعود إلى العمري وقد ضعف ومن أثبت الواسطة يقضي على من أسقطها وتلك الواسطة مجهولة انتهى ما في الميزان قوله (نا مروان بن معاوية الفزاري) أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ثم دمشق ثقة حافظ وكان يدلس أسماء الشيوخ كذا في التقريب وهو من رجال الكتب الستة (عن أبي يعفور) بالفاء هو عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعلبي العامري الكوفي ويقال له أبو يعفور الأصغر والصغير روى عن السائب بن يزيد وأبي الضحى والوليد بن العيزار وغيرهم وعنه الحسن بن صالح والسفيانان ومروان بن معاوية وغيرهم قال أحمد وابن معين ثقة وقال أبو حاتم ليس به بأس وذكره ابن حبان في الثقات كذا في تهذيب التهذيب اعلم أنه وقع في بعض نسخ الترمذي أبو يعقوب بالقاف وهو غلط (عن الوليد بن العيزار) بفتح العين المهملة وإسكان التحتانية ثم زاي العبدي الكوفي ثقة (عن أبي عمرو الشيباني) بالشين المعجمة الكوفي له إدراك روى عن علي وابن مسعود وثقه ابن معين مات سنة خمس وتسعين وقيل سنة ست وهو ابن مائة وعشرين سنة كذا في الخلاصة وقال في التقريب ثقة مخضرم من الثانية قوله (أي العمل أفضل) وفي رواية البخاري أي العمل أحب إلى الله ومحصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث وغيره مما اختلفت فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال أن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما لهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم
[ 443 ]
أو كان الاختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أفضل منه في غيره فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن في أدائها وقد تضافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة المضطر تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فخذفت من وهي مرادة (فقال الصلاة على مواقيتها) وفي رواية البخاري على وقتها قال الحافظ وهي رواية شعبة وأكثر الرواة وفي رواية للبخاري لوقتها وكذا أخرجه مسلم باللفظين قال وخالفهم علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم فقال الصلاة في أول وقتها أخرجه الحاكم والدارقطني والبيهقي من طريقه قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قال الحافظ ورواه الحسن بن علي المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثني عن غندر عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به العمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ على وقتها وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة قال الحافظ لكن لها طريق أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة انتهى كلام الحافظ بتلخيص (قلت وماذا يا رسول الله إلخ) وفي رواية البخاري ثم أي قال ثم بر الوالدين قال ثم أي قال الجهاد في سبيل الله قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم قوله (عن خالد بن يزيد) الجمحي المصري الإسكندراني ثقة من رجال الكتب الستة (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي مولاهم المصري قيل مدني الأصل وقال ابن يونس بل نشأ بها قال الحافظ في التقريب صدوق لم أر لابن حزم في تضعيفه سلفا إلا أن الساجي حكى عن أحمد أنه اختلط انتهى قلت هو من رجال الكتب الستة (عن إسحاق بن عمر) قال في الميزان تركه
[ 444 ]
الدارقطني انتهى وهو من رجال الترمذي قوله (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة لوقتها الآخر مرتين حتى قبضه الله) قال القاري لعلها ما حسبت صلاته مع جبريل للتعلم وصلاته مع السائل للتعليم يعني أوقات صلاته عليه الصلاة والسلام كلها كانت في وقتها الاختياري إلا ما وقع من التأخير إلى آخره نادرا لبيان الجواز انتهى قوله (وليس إسناده بمتصل) يثبت من قول الترمذي هذا أن إسحاق بن عمر ليس له سماع من عائشة قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمة إسحاق بن عمر روى له الترمذي حديثا واحدا في مواقيت الصلاة وقال غريب وليس إسناده بمتصل انتهى قوله (قال الشافعي والوقت الأول من الصلاة أفضل إلخ) الأمر كما قال الشافعي (ولم يكونوا يدعون) بفتح الدال أي يتركون باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر قوله (فكأنما وتر) على بناء المفعول أي سلب وأخذ (أهله وماله) بنصبهما ورفعهما قال الحافظ هو بالنصب عند الجمهور على أنه مفعول ثان لوتر وأضمر في وتر مفعول ما لم يسم فاعله
[ 445 ]
وهو عائد إلى الذي فاتته فالمعنى أصيب بأهله وماله وهو متعد إلى مفعولين ومثله قوله تعالى ولن يتركم أعمالكم وقيل وترههنا بمعنى نقص فعلى هذا يجوز نصبه ورفعه لأن من رد النقص إلى الرجل نصب وأضمر ما يقوم مقام الفاعل ومن رده إلى الأهل رفع قال القرطبي يروى بالنصب على أن وتر بمعنى سلب وهو يتعدى إلى مفعولين وبالرفع على أن وتر بمعنى أخذ فيكون أهله هو الذي لم يسم فاعله قال وظاهر الحديث التغليظ على من تفوته العصر وإن ذلك مختص بها وروى ابن حبان وغيره من حديث نوفل بن معاوية مرفوعا من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله وهذا ظاهره العموم في الصلوات المكتوبات وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن نوفل بلفظ لأن يوتر لأحدكم أهله وماله خير له من أن يفوته وقت صلاة وهذا أيضا ظاهره العموم ويستفاد منه رواية النصب لكن المحفوظ من حديث نوفل بلفظ من الصلوات صلاة من فاتته فكأنما وتر أهله وماله أخرجه البخاري في علامات النبوة ومسلم أيضا قال وبوب الترمذي على حديث الباب ما جاء في السهو عن وقت العصر فحمله على الساهي وعلى هذا فالمراد بالحديث أنه يلحقه من الأسف عند معاينة الثواب لمن صلى ما يلحق من ذهب ماله وأهله وقد روى معنى ذلك عن سالم بن عبد الله ابن عمر ويؤخذ منه التنبيه على أن أسف العامد أشد لاجتماع فقد الثواب وحصول الإثم انتهى كلام الحافظ قوله (وفي الباب عن بريدة ونوفل بن معاوية) أما حديث بريدة فأخرجه البخاري بلفظ بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله وأما حديث نوفل بن معاوية فتقدم تخريجه في كلام الحافظ (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم
[ 446 ]
باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام قوله (حدثنا محمد بن موسى البصري) أبو عبد الله الحرسي بفتح المهملتين روى عن سهيل بن حزم وزياد البكائي وجماعة وعنه الترمذي والنسائي وقال صالح وثقه ابن حبان كذا في الخلاصة وقال الحافظ في التقريب لين وضبط الحرسي بفتح المهملة والراء وبالسين المعجمة (نا جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وفتح الموحدة نسبة إلى ضبيعة بن نزار كذا في المغني لصاحب مجمع البحار وقال في التقريب صدوق زاهد لكنه كان يتشيع (عن أبي عمران الجوني) بفتح الجيم وسكون الواو بنون منسوب إلى الجون بطن من كندة كذا في المغني قوله (يميتون الصلاة) قال النووي معنى يميتون الصلاة يؤخرونها ويجعلونها كالميت الذي خرجت روحه والمراد بتأخيرها عن وقتها أي عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحد منهم عن جميع وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع انتهى كلام النووي قلت فيه نظر قال الحافظ في الفتح قد صح أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها والآثار في ذلك مشهورة منها ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال أخر الوليد الجمعة حتى أمسى فجئت فصليت الظهر قبل أن أجلس ثم صليت العصر وأنا جالس إيماء وهو يخطب إنما فعل ذلك عطاء خوفا على نفسه من القتل ومنها ما رواه أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب الصلاة من طريق أبي بكر بن عتبة قال صليت إلى جنب أبي جحيفة فمسى الحجاج بالصلاة فقام أبو جحيفة فصلى ومن طريق ابن عمر أنه كان يصلي مع الحجاج فلما أخر الصلاة ترك أن يشهدها معه ومن طريق محمد بن أبي إسمعيل قال كنت بمنى وصحف تقرأ للوليد فأخروا الصلاة فنظرت إلى سعيد بن جبير وعطاء يومئان إيماء وهما قاعدان انتهى كلام الحافظ قوله (فصل الصلاة لوقتها فإن صليت) أي صلاة الأمراء (لوقتها) أي في وقتها (كانت
[ 447 ]
لك نافلة) أي كانت الصلاة التي صليت مع الأمراء نافلة لك (وإلا كنت قد أحرزت صلاتك) أي حصلتها فإنك قد صليت في أول الوقت قال النووي معناه إذا علمت من حالهم تأخيرها عن وقتها المختار فصلها لأول وقتها ثم إن صلوها لوقتها المختار فصلها أيضا وتكون صلاتك معهم نافلة وإلا كنت قد أحرزت صلاتك بفعلك في أول الوقت أي حصلتها وصنتها واحتطت لها قال والحديث يدل على أن الإمام إذا أخر الصلاة عن أول وقتها معهم يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الإمام فيجمع فضيلتي أول الوقت والجماعة قال وفي الحديث أن الصلاة التي يصليها مرتين تكون الأولى فريضة والثانية نفلا انتهى قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات كذا في مجمع الزوائد وأما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أبو داود بلفظ ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها فقال رجل يا رسول الله أصلي معهم فقال نعم إن شئت ورواه أحمد بنحوه وفي لفظ واجعلوا صلاتكم معهم تطوعا والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري قوله (حديث أبي ذر حديث حسن) وأخرجه أحمد ومسلم والنسائي قوله (والصلاة الأولى هي المكتوبة عند أكثر أهل العلم) وهو الحق وحديث الباب نص صريح فيه ومن قال بخلافه فليس له دليل صحيح قوله (وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب) وهو مشهور بكنيته ثقة من كبار الرابعة كذا في التقريب
[ 448 ]
باب ما جاء في النوم عن الصلاة قوله (عن ثابت البناني) بضم الموحد ونونين مخففتين هو ثابت بن أسلم أبو محمد البصري ثقة عابد روى عن ابن عمر وعبد الله بن مغفل وأنس وخلق من التابعين وعنه شعبة والحمادان وغيرهم قال حماد بن زيد ما رأيت أعبد من ثابت وقال شعبة كان يختم كل يوم وليلة ويصوم الدهر وثقه النسائي وأحمد والعجلي كذا في التقريب والخلاصة قلت هو من رجال الكتب الستة (عن عبد الله بن رباح الأنصاري) المدني ثم البصري ثقة من الثالثة قتله الأزارقة كذا في التقريب وهو من رجال مسلم والأربعة وهو من أوساط التابعين قوله (ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة) روى الترمذي هذا الحديث مختصرا ورواه مسلم مطولا وذكر قصة نومهم وفيه فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال احفظوا علينا صلاتنا فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره الحديث وفيه فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا (فقال إنه) الضمير للشان (ليس في النوم تفريط) أي تقصير ينسب إلى النائم في تأخيره الصلاة (إنما التفريط في اليقظة) أي إنما التفريط يوجد في حالة اليقظة بأن تسبب في النوم قبل أن يغلبه أو في النسيان بأن يتعاطى ما يعلم ترتبه عليه غالبا كلعب الشطرنج فإنه يكون مقصرا حينئذ ويكون آثما كذا في المرقاة وقال الشوكاني ظاهر الحديث أنه لا تفريط في النوم سواء كان قبل دخول وقت الصلاة أو بعده قبل تضييقه وقيل إنه إذا تعمد النوم قبل تضييق الوقت واتخذ ذلك ذريعة إلى ترك الصلاة لغلبة ظنه أنه لا يستيقظ إلا وقد خرج الوقت كان آثما والظاهر أنه لا إثم عليه بالنظر إلى النوم لأن فعله في وقت يباح فعله فيشمله الحديث وأما إذا نظر إلى التسبب به للترك فلا إشكال في العصيان بذلك ولا شك في إثم من نام بعد تضييق الوقت لتعلق الخطاب به والنوم مانع من الامتثال والواجب إزالة المانع انتهى (فإذا نسي أحدكم صلاة) أي تركها نسيانا (أو نام عنها) ضمن نام معنى غفل أي غفل عنها
[ 449 ]
في حال نومه قاله الطيبي أي نام غافلا عنها (فليصلها إذا ذكرها) أي بعد النسيان أو النوم وقيل فيه تغليب للنسيان فعبر بالذكر وأراد به ما يشمل الاستيقاظ والأظهر أن يقال إن النوم لما كان يورث النسيان غالبا قابلهما بالذكر قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وأبي مريم وعمران بن حصين وجبير بن مطعم وأبي جحيفة وعمرو بن أمية الضمري وذي مخبر وهو ابن أخ النجاشي) أما حديث ابن مسعود فأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث ابن أبي مريم فلم أقف عليه وأما حديث عمران بن حصين فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وأما حديث جبير بن مطعم فلم أقف عليه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه أبو يعلى والطبراني في الكبير ورجاله ثقات وأما حديث عمرو بن أمية فأخرجه أبو داود وأما حديث ذي مخبر فأخرجه أيضا أبو داود قوله (حديث أبي قتادة حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي قال الحافظ إسناد أبي داود على شرط مسلم انتهى وأخرجه بنحوه في قصة نومهم في صلاة الفجر قوله (فقال بعضهم يصليها إذا استيقظ أو ذكر وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك) واستدلوا بأحاديث الباب قال الشوكاني في النيل فجعلوها مخصصة لأحاديث الكراهة قال وهو تحكم لأنها يعني أحاديث الباب أعم منها يعني من أحاديث الكراهة من وجه وأخص من وجه وليس أحد العمومين أولى بالتخصيص من الآخر انتهى (وقال بعضهم لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب) وبه قالت الحنفية لما رواه البخاري عن
[ 450 ]
ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى ترتفع وإذا غاب حاجب الشمس فأخروها حتى تغيب ولعموم أحاديث الكراهة وفيه أيضا ما في استدلال القائلين بالجواز فتفكر باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة قوله (من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها) زاد مسلم في رواية لا كفارة لها إلا ذلك قال النووي معناه لا يجزئه إلا الصلاة مثلها ولا يلزمه مع ذلك شئ اخر قوله (وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة) أما حديث سمرة فأخرجه أحمد عن بشر بن حرب عنه قال أحسبه مرفوعا من نسي صلاة فليصلها حين يذكرها وبشر بن حرب ضعفه ابن المبارك وجماعة ووثقه ابن عدي وقال لم أر له حديثا منكرا كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي قتادة فتقدم تخريجه في الباب المتقدم قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (ويروى عن علي بن أبي طالب أنه قال في الرجل ينسى الصلاة يصليها متى ذكرها في وقت أو غير وقت) أي ذكرها في وقت الصلاة أو في غير وقتها (وهو قول أحمد وإسحاق) وهو قول
[ 451 ]
الشافعي ومالك كما عرفت في الباب المتقدم واستدلوا بحديث الباب (ويروى عن أبي بكرة أنه نام عن صلاة العصر فاستيقظ عند غروب الشمس فلم يصل حتى غربت الشمس) لم أقف على من أخرج هذا الأثر ولا على من أخرج أثر علي المتقدم (وقد ذهب قوم من أهل الكوفة إلى هذا) وهو قول أبي حنيفة واستدلوا بأحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المنهية عنها (وأما أصحابنا فذهبوا إلى قول علي بن أبي طالب) المراد بقوله أصحابنا أهل الحديث وقد تقدم تحقيقه في المقدمة قال العيني في شرح البخاري احتج بعضهم بقوله إذا ذكرها على جواز قضاء الفوائت في الوقت المنهي عن الصلاة فيه قلت ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر غاية ما في الباب أن ذكره سبب لوجوب القضاء فإذا ذكرها في الوقت المنهي وأخرها إلى أن يخرج ذلك وصلى يكون عاملا بالحديثين أحدهما هذا والآخر حديث النهي في الوقت المنهي عنه أنتهى قلت الظاهر المتبادر من قوله فليصلها حين يذكرها كما في رواية سمرة وكذا من قوله فليصلها إذا ذكرها قضاؤها في أول حال الذكر وأما قوله ليس بلازم أن يصلي في أول حال الذكر إلخ ففيه أن الحديث لا يدل على أن لا يصليها إذا ذكرها في الوقت المنهي بل فيه الأمر بقضاء الصلاة حين ذكرها مطلقا في وقت أو غير وقت كما قال علي بن أبي طالب باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ قوله (عن أبي الزبير) اسمه محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم المكي صدوق إلا أنه يدلس من الرابعة كذا في التقريب قوله (شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات) قال الحافظ في الفتح في قوله أربع
[ 452 ]
صلوات تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت انتهى ويدل حديث جابر الآتي على أنهم شغلوه عن صلاة العصر وحدها قال اليعمري من الناس من رجح ما في الصحيحين وصرح بذلك ابن العربي أن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر قال الحافظ في الفتح ويؤيده حديث علي في مسلم شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر قال ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام قال وهذا أولى قال ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر بل فيهما أن قضاءه للصلاة بعد خروج وقت المغرب وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك عقب غروب الشمس انتهى كلام الحافظ (فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء) فيه دليل على أن الفوائت تقضى مرتبة الأولى فالأولى قال الحافظ والأكثر على وجوب ترتيب الفوائت مع الذكر لا مع النسيان وقال الشافعي لا يجب الترتيب فيها واختلفوا فيما إذا تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة وإن خرج وقت الحاضرة أو يبدأ بالحاضرة أو يتخير فقال بالأول مالك وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث وقال بالثالث أشهب وقال عياض محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت وأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة واختلفوا في حد القليل فقيل صلاة يوم وقيل أربع صلوات وقال ولا ينهض الاستدلال به يعني بحديث جابر الآتي لمن يقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا إن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المجردة للوجوب إلا أن يستدل بعموم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي فيقوى وقد اعتبر الشافعية في أشياء غير هذه انتهى قلت استدل صاحب الهداية على وجوب ترتيب الفوائت بحديث الباب بضم قوله صلوا كما رأيتموني أصلي حيث قال ولو فاتته صلوات رتبها في القضاء كما وجبت في الأصل لأن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن أربع صلوات يوم الخندق فقضاهن مرتبا ثم قال صلوا كما رأيتموني أصلي انتهى قال الحافظ ابن حجر في الدراية في قول المصنف يعني صاحب الهداية ثم قال صلوا إلى آخره ما يوهم أنه بقية من الحديث وليس كذلك بل هو حديث مستقل فلو قال وقال صلوا لكان أولى انتهى كلام الحافظ وكذلك قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية واستدل الحنفية على فرضية الترتيب بين الوقتيات والفوائت وبين الفوائت بعضها ببعض بقول ابن عمر من نسي صلاة من صلاته
[ 453 ]
فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل صلاته التي نسي ثم ليصل بعدها الصلاة الأخرى أخرجه مالك في الموطأ ورواه الدارقطني والبيهقي مرفوعا ورفعه خطأ والصحيح أنه قول ابن عمر قال الحافظ في الدراية حديث من نام عن صلاة أو نسيها فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فليصل التي هو فيها ثم ليصل التي ذكرها ثم ليعد التي صلى مع الإمام رواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا قال الدارقطني وهم أبو إبراهيم الترجماني في رفعه والصحيح أنه من قول ابن عمر هكذا رواه مالك وغيره عن نافع وقال البيهقي قد رواه يحيى بن أيوب عن سعيد بن عبد الرحمن شيخ أبي أبراهيم فيه فوقفه انتهى وهذا الموقوف عند الدارقطني وحديث مالك في الموطأ وقال النسائي في الكني رفعه غير محفوظ وقال أبو زرعة رفعه خطأ انتهى ما في الدراية واستدل على وجوب الترتيب أيضا بحديث لا صلاة لمن عليه صلاة قال العيني قال أبو بكر هو باطل وتأوله جماعة على معنى لا نافلة لمن عليه فريضة وقال ابن الجوزي هذا نسمعه على ألسنة الناس وما عرفت له أصلا انتهى قوله (وفي الباب عن أبي سعيد وجابر) أما حديث أبي سعيد فأخرجه أحمد والنسائي قال حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل الحديث وفيه فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام العصر فصلاها فأحسن صلاتها كما كان يصليها في وقتها ثم أمره فأقام المغرب فصلاها كذلك وقال وذلك قبل أن ينزل الله عز وجل في صلاة الخوف فإن خفتم فرجالا أو ركبانا وإسناده صحيح وأما حديث جابر فأخرجه البخاري ومسلم وأخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (حديث عبد الله ليس بإسناده بأس إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله) فالحديث منقطع لكنه يعتضد بحديث أبي سعيد المذكور وهذا الحديث أخرجه أيضا النسائي قوله (وهو الذي اختاره بعض أهل العلم في الفوائت أن يقيم الرجل لكل صلاة إذا قضاها) وهو المذهب الراجح المختار يدل عليه حديث الباب وحديث أبي سعيد المذكور
[ 454 ]
قوله (قال يوم الخندق) وهو غزوة الأحزاب (وجعل يسب كفار قريش) لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها إما المختار كما وقع لعمر وأما مطلقا كما وقع لغيره (ما كدت أصلي العصر حتى تغرب الشمس) وفي رواية للبخاري ما كدت أصلي العصر حتى كانت الشمس تغرب قال اليعمري لفظة كاد من أفعال المتقاربة فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم قال والراجح أن لا تقترن بأن بخلاف عسى فإن الراجع فيها أن تقترن قال وقد وقع في مسلم في هذا الحديث حتى كادت الشمس أن تغرب قال وإذا تقرر أن معنى كاد المقاربة فقول عمر ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها وإثبات الغروب يقتضي نفيه فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب انتهى قلت الأمر كما قال اليعمري لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا وإذا نفت والله أعلم أثبتت وإن أثبتت قامت مقام حجود فإن قيل الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف أختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء قاله الحافظ (والله إن صليتها) لفظة إن نافية وفي رواية البخاري والله ما صليتها (قال فنزلنا بطحان) بضم أوله وسكون ثانيه واد بالمدينة (فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب) استدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها وقد عرف من عادته
[ 455 ]
صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر وقد وقع في حديث ابن مسعود المذكور في الباب فأمر بلا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر الحديث قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما باب ما جاء في الصلاة الوسطى أنها العصر قوله (عن سعيد) هو ابن المسيب (عن الحسن) هو ابن أبي الحسن البصري (عن سمرة) بفتح السين وضم الميم (بن جندب) بضم الجيم والدال وتفتح صحابي مشهور له أحاديث مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين قوله (أنه قال في صلاة الوسطى صلاة العصر) لأنها وسطى بين صلاتي النهار وصلاة الليل والحديث رواه أحمد أيضا وفي رواية له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وسماها لنا أنها صلاة العصر قوله (هذا حديث صحيح) أي حديث ابن مسعود صحيح وأخرجه مسلم قوله (وفي الباب عن علي وعائشة وحفصة وأبي هريرة) أما حديث علي فأخرجه الشيخان
[ 456 ]
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ولمسلم وأحمد وأبي داود شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر وأما حديث عائشة فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه وأما حديث حفصة فأخرجه مالك في الموطأ قال عمرو بن رافع إنه كان يكتب لها مصحفا فقالت له إذا أنتهيت إلى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فآذني فأذنتها فقالت اكتب والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي كذا في شرح سراج أحمد قوله (حديث سمرة في صلاة الوسطى حديث حسن) كذا حسنه ههنا وصححه في التفسير وقد اختلف في صحة سماع الحسن من سمرة فقال شعبة لم يسمع منه شيئا وقيل سمع منه حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن أثبت مقدم على من نفى كذا في النيل ويأتي بسط الكلام فيه قوله (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم) قال النووي في مجموعه الذي يقتضي الأحاديث الصحيحة أنها العصر وهو المختار وقال الماوردي نص الشافعي أنها الصبح وصحت الأحاديث أنها العصر فكان هذا هو مذهبه لقوله إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي على عرض الحائط وقال الطيبي هذا هو مذهب كثير من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأحمد وداود وقيل الصبح وعليه بعض الصحابة والتابعين وهو مشهور مذهب مالك والشافعي وقيل الظهر وقيل المغرب وقيل العشاء وقيل أخفاها الله تعالى في الصلوات كليلة القدر وساعة الإجابة في الجمعة انتهى كذا في المرقاة وفي الباب أقوال أخر ذكرها الشوكاني في النيل وقال المذهب الذي يتعين المصير إليه ولا يرتاب في صحته هو أن الصلاة الوسطى هي العصر انتهى قلت لا شك أن هذا هو الحق والصواب يدل عليه الأحاديث الصحيحة الصريحة
[ 457 ]
قوله (وقال زيد بن ثابت وعائشة الصلاة الوسطى صلاة الظهر) روى أحمد وأبو داود عن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحابه منها فنزلت حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقال إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين انتهى واستدل بهذا الحديث من قال إن الصلاة الوسطى هي الظهر قال الشوكاني وأنت خبير بأن مجرد كون صلاة الظهر كانت شديدة على الصحابة لا يستلزم أن تكون الآية نازلة فيها غاية ما في ذلك أن المناسب أن تكون الوسطى هي الظهر ومثل هذا لا يعارض به النصوص الصحيحة الصريحة في أن الصلاة الوسطى هي العصر الثابتة في الصحيحين وغيرهما من طرق متعددة انتهى (وقال ابن عباس وابن عمر الصلاة الوسطى صلاة الصبح) وهو مذهب الشافعي صرح به في كتبه قال وإنما نص على أنها الصبح لأنه لم تبلغه الأحاديث الصحيحة في العصر انتهى واستدل الماوردي من أصحابه إن مذهبه إنها العصر لصحة الأحاديث فيه قال من قال إن الصلاة الوسطى هي الصبح بما رواه النسائي عن ابن عباس قال أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس أو بعضها فلم يصل حتى ارتفعت الشمس وهي صلاة الوسطى قال الشوكاني ويمكن الجواب عن ذلك من وجهين الأول أن ما روي من قوله في هذا الخبر وهي صلاة الوسطى يحتمل أن يكون من المدرج وليس من قول ابن عباس ويحتمل أن يكون من قوله وقد أخرج عنه أبو نعيم أنه قال الصلاة الوسطى صلاة العصر وهذا صريح لا يتطرق إليه من الاحتمال ما يتطرق إلى الأول فلا يعارضه الوجه الثاني أنه روى عنه أحمد في مسنده قال قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدوا فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها فلما رأى ذلك قال اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى املأ بيوتهم نارا أو قبورهم نارا وقد تقرر أن الاعتبار عند مخالفة الراوي روايته بما روى لا بما رأى انتهى
[ 458 ]
قوله (قال محمد قال علي وسماع الحسن من سمرة صحيح واحتج بهذا الحديث) في سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب أحدها أنه سمع منه مطلقا وهو قول ابن المديني ذكره البخاري عنه والظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول فإنه صحح في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة واختار الحاكم هذا القول فقال في كتابه المستدرك بعد أن أخرج حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان سكتة إذا كبر وسكتة إذا فرغ من قراءته ولا يتوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة فإنه سمع منه انتهى وأخرج في كتابه عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة وقال في بعضها على شرط البخاري وقال في كتاب البيوع بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة انتهى القول الثاني أنه لم يسمع منه شيئا واختاره ابن حبان في صحيحه فقال بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة في السكتتين والحسن لم يسمع من سمرة شيئا انتهى وقال صاحب التنقيح قال ابن معين الحسن لم يلق سمرة وقال شعبة الحسن لم يسمع من سمرة قال البرديجي أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ولا يثبت عنه حديث قال فيه سمعت سمرة انتهى كلامه القول الثالث أنه سمع منه حديث العقيقة فقط قاله النسائي وإليه مال الدارقطني في سننه فقال في حديث السكتتين والحسن اختلف في سماعه من سمرة ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة فيها قاله قريش بن أنس انتهى واختاره عبد الحق في أحكامه فقال عند ذكره هذا الحديث والحسن لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة واختاره البزار في مسنده فقال في آخر ترجمة سعيد بن المسيب عن أبي هريرة والحسن سمع من سمرة حديث العقيقة ثم رغب عن السماع عنه ولما رجع إلى ولده أخرجوا له صحيفة سمعوها من أبيهم فكان يرويها عنه من غير أن يخبر بسماع لأنه لم يسمعها منه انتهى روى البخاري في تاريخه عن عبد الله بن أبي الأسود عن قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد قال قال محمد بن سيرين سئل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة فسألته فقال سمعته من سمرة وعن البخاري رواه الترمذي في جامعه بسنده ومتنه ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله عن قريش وقال عبد الغني تفرد به قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد وقد رده آخرون وقالوا لا يصح له سماع منه انتهى كذا في نصب الراية في
[ 459 ]
تخريج الهداية للزيلعي وقال الحافظ في تهذيب التهذيب وأما رواية الحسن عن سمرة بن جندب ففي صحيح البخاري سماعا منه لحديث العقيقة وقد روى عنه نسخة كبيرة غالبها في السنن الأربعة وعند علي بن المديني أن كلها سماع وكذا حكى الترمذي عن البخاري وقال يحيى القطان وآخرون هي كتاب وذلك لا يقتضي الانقطاع وفي مسند أحمد حدثنا هشيم عن حميد الطويل وقال جاء رجل إلى الحسن فقال إن عبدا له أبق وإنه نذر إن يقدر عليه أن يقطع يده فقال الحسن حدثنا سمرة قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمر فيها بالصدقة ونهى عن المثلة وهذا يقتضي سماعه منه لغير حديث العقيقة وقال أبو داود عقب حديث سليمان بن سمرة عن أبيه في الصلاة دلت هذه الصحيفة على أن الحسن سمع من سمرة قال الحافظ ولم يظهر لي وجه الدلالة بعد انتهى وقال الشوكاني في النيل تحت حديث الحسن عن سمرة المذكور في هذا الباب ما لفظه وحديث سمرة حسنه الترمذي في كتاب الصلاة من سننه وصححه في التفسير ولكنه من رواية الحسن عن سمرة وقد اختلف في صحة سماعه منه فقال شعبة لم يسمع منه شيئا وقيل سمع منه حديث العقيقة وقال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح ومن أثبت مقدم على من نفى انتهى باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر قوله (وهو ابن زاذان) بزاي وذال معجمة الواسطي أبو المغيرة الثقفي ثقة ثبت عابد (أنا أبو العالية) اسمه رفيع بالتصغير ابن مهران الرياحي ثقة كثير الإرسال من كبار التابعين قوله (نهى عن الصلاة بعد الفجر) أي بعد صلاة الفجر (حتى تطلع الشمس) وفي حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس قال الحافظ في
[ 460 ]
الفتح ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص أي حتى تطلع مرتفعة (وعن الصلاة بعد العصر) أي بعد صلاة العصر قوله (وفي الباب عن علي وابن مسعود وأبي سعيد وعقبة بن عامر وأبي هريرة وابن عمر وسمرة بن جندب وسلمة بن الأكوع وزيد بن ثابت وعبد الله بن عمرو ومعاذ بن عفراء والصنابحي ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة وكعب بن مرة وأبي أمامة وعمرو بن عبسة ويعلى بن أمية ومعاوية) أما حديث علي فأخرجه أبو داود عن عاصم بن ضمرة عنه بلفظ قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلمن يصلي في إثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر والحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري في تلخيصه وقد تقدم الكلام على عاصم بن ضمرة وأما حديث ابن مسعود فأخرجه الطحاوي بلفظ كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث عقبة بن عامر فأخرجه الجماعة إلا البخاري بلفظ ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن أو نقبر فيهن موتانا الحديث وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث ابن عمر فأخرجه البخاري ومسلم وأما حديث سمرة بن جندب وحديث سلمة بن الأكوع فلم أقف عليهما وأما حديث زيد بن ثابت فأخرجه الطبراني وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الطبراني في الأوسط وأما حديث معاذ بن عفراء فذكر حديثه ابن سيد الناس في شرح الترمذي بنحو حديث أبي سعيد المتفق عليه وأما حديث الصنابحي وهو بضم الصاد المهملة فأخرجه مالك وأحمد والنسائي وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود بلفظ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهي عنها ويواصل وينهي عن الوصال وأما حديث كعب بن مرة فأخرجه الطبراني وأما حديث أبي أمامة فلم أقف عليه وأما حديث عمرو بن عبسة فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وأما حديث يعلى بن أمية فلم أقف عليه وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري قال الحافظ في التلخيص وفي الباب أيضا عن سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وأبي قتادة وحفصة وأبي الدرداء وصفوان بن معطل وغيرهم قوله (حديث ابن عباس عن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما
[ 461 ]
قوله (وهو قول أكثر الفقهاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم أنهم كرهوا الصلاة بعد صلاة الصبح إلخ) قال القاضي اختلفوا في جواز الصلاة في الأوقات الثلاثة وبعد صلاة الصبح إلى الطلوع وبعد صلاة العصر إلى الغروب فذهب داود إلى جواز الصلاة فيها مطلقا وقد روى عن جمع من الصحابة فلعلهم لم يسمعوا نهيه عليه السلام أو حملوه على التنزيه دون التحريم وخالفهم الأكثرون فقال الشافعي لا يجوز فيها فعل صلاة لا سبب لها أما الذي له سبب كالمنذورة وقضاء الفائتة فجائز لحديث كريب عن أم سلمة واستثنى أيضا مكة واستواء الجمعة لحديث جبير بن مطعم وأبي هريرة وقال أبو حنيفة يحرم فعل كل صلاة في الأوقات الثلاثة سوى عصر يومه عند الاصفرار ويحرم المنذورة والنافلة بعد الصلاتين دون المكتوبة الفائتة وسجدة التلاوة وصلاة الجنازة وقال مالك يحرم فيها النوافل دون الفرائض ووافقه غير أنه جوز فيها ركعتي الطواف كذا في المرقاة وقال النووي أجمعت الأئمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ماله سبب انتهى قال الحافظ بعد نقل كلام النووي هذا وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخ وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات وقد صح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات انتهى قوله (قال شعبة لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء إلخ) المقصود من ذكر هذا أن حديث الباب من طريق قتادة عن أبي العالية موصول (وحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
[ 462 ]
لا ينبغي لأحد أن يقول أنا خير من يونس بن متى) بفتح الميم والفوقية المشددة وقوله أنا عبارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ذلك صلى الله عليه وسلم تواضعا إن كان قاله بعد أن علم أنه سيد البشر وقيل عبارة عن كل قائل يقول ذلك كي لا يفضل أحد نفسه على يونس عليه السلام قيل وخص يونس بالذكر لما يخشى على من سمع قصته أن يقع في نفسه تنقيص له فبالغ في ذكر فضله لسد هذه الذريعة والحديث أخرجه البخاري وغيره باب ما جاء في الصلاة بعد العصر قوله (نا جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي ثم الرازي ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه (عن عطاء بن السائب) الثقفي الكوفي صدوق اختلط في آخر عمره قال ابن مهدي يختم كل ليلة قوله (إنما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال إلخ) وفي صحيح البخاري من حديث أم سلمة صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد العصر ركعتين وقال شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين بعد الظهر (ثم لم يعدلهما) من عاد يعود وهذا معارض بروايات عائشة رضي الله عنها منها قولها ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم السجدتين بعد العصر عندي قط ومنها قولها ما تركهما حتى لقي الله ومنها قولها وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين أخرج هذه الروايات البخاري وغيره فوجه الجمع أنه يحمل النفي على عدم علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك والمثبت مقدم على النافي وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 463 ]
صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة الحديث وفي رواية له عنها لم أره يصليهما قبل ولا بعد فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية للبخاري وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته قوله (وفي الباب عن عائشة وأم سلمة وميمونة وأبي موسى) أما حديث عائشة وحديث أم سلمة فمر تخريجهما آنفا وأما حديث ميمونة فأخرجه أحمد قال في النيل في إسناده حنظلة السدوسى وهو ضعيف وقد أخرجه أيضا الطبراني وأما حديث أبي موسى فأخرجه أحمد في مسنده ص 614 ج 4 بلفظ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين بعد العصر قوله (حديث ابن عباس حديث حسن) وأخرجه ابن حبان قال الحافظ في الفتح هو من رواية جرير عن عطاء وقد سمع منه بعد اختلاطه وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة انتهى قلت أراد بحديث أم سلمة حديثها الذي أخرجه الطحاوي بزيادة فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا ويأتي عن قريب قوله (وقد روى عن زيد بن ثابت نحو حديث ابن عباس) رواه أحمد في مسنده عن قبيصة بن ذؤيب يقول إن عائشة أخبرت آل الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عندها ركعتين بعد العصر فكانوا يصلونها قال قبيصة فقال زيد بن ثابت يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة إنما كان ذلك لأن أناسا من الأعراب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بهجير فقعدوا يسألونه ويفتيهم حتى صلى الظهر ولم يصل ركعتين ثم قعد يفتيهم حتى صلى العصر فانصرف إلى بيته فذكر أنه لم يصل بعد الظهر شيئا فصلاهما بعد العصر يغفر الله لعائشة نحن أعلم برسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العصر
[ 464 ]
قوله (وقد روى عن عائشة في هذا الباب روايات) أي مختلفة بعضها يدل على جواز الصلاة بعد العصر وبعضها يدل على عدم الجواز (روي عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ما دخل عليها بعد العصر إلى صلى ركعتين) أخرجه البخاري وغيره فهذا يدل على الجواز (وروى عنها عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس) هذا يدل على عدم الجواز وقد قيل لرفع الاختلاف إن رواية عائشة الأولى محمولة على الصلاة التي لها سبب وروايتها الثانية على الصلاة التي لا سبب لها قلت يؤيده ما في رواية أم سلمة عند الشيخين يا رسول الله سمعتك تنهي عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما قال يا ابنة أبي أمية سألت عن هاتين الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وقيل إن صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر من خصوصياته صلى الله عليه وسلم قلت يؤيده ما رواه الطحاوي من حديث أم سلمة وزاد فقلت يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا قال لا لكن هذه الرواية ضعيفة لا تقوم بها حجة كما صرح به الحافظ في الفتح وقال فيه ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي لأن رواية الإثبات لها سبب فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه والنهي فيه محمول على ما لا سببب له وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بماله سبب فيحمل الفعل على الخصوصية ولا يخفى رجحان الأول انتهى كلام الحافظ فتفكر وتأمل قوله (والذي اجتمع عليه أكثر أهل العلم على كراهية الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا ما استثني من ذلك إلى قوله فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رخصة في ذلك) أشار إلى حديث جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بني عبد مناف
[ 465 ]
لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار قال الحافظ في بلوغ المرام رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن حبان (وقد قال به) أي بما ذكر من كراهة الصلاة بعد العصر وبعد الصبح إلا ما استثني (قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) احتجوا بأحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح وبما روي في الرخصة في ذلك قالوا بهما (وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم الصلاة بمكة أيضا بعد العصر وبعد الصبح وبه يقول سفيان الثوري ومالك بن أنس وبعض أهل الكوفة) وبه يقول أبو حنيفة واحتجوا بعموم النهي قال الشوكاني في النيل قد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة قال وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وقد اختلف القائلون بالكراهة فذهب الشافعي إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدل بصلاته صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد العصر قال الشوكاني وأجاب عن ذلك من أطلق الكراهة بأن ذلك من خصائصه والدليل عليه ما أخرجه أبو داود عن عائشة أنها قالت كان يصلي بعد العصر وينهي عنهما ويواصل وينهي عن الوصال وما أخرجه أحمد عن أم سلمة أنها قالت فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا فقال لا قال البيهقي وهي رواية ضعيفة وقد احتج بها الطحاوي على أن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم قال البيهقي الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء انتهى وفي سند حديث عائشة محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وهو مدلس ورواه عن محمد بن عمرو بالعنعنة قال وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقا واستدل القائلون بالإباحة مطلقا بأدلة ثم ذكر تلك الأدلة وتكلم على كل واحد منها وليس واحد منها خاليا عن الكلام ثم قال واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة فما كان أخص منها مطلقا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس وحديث علي وقضاء
[ 466 ]
سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت والصلاة على الجنازة لقوله صلى الله عليه وسلم يا علي ثلاث لا تؤخر الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت الحديث أخرجه الترمذي وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وسلم فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة والركعتين عقب التطهر وصلاة الاستخارة وغير ذلك فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصا لما فيه من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج انتهى كلام الشوكاني بتلخيص واختصار باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب قوله (عن كهمس بن الحسين) كذا في النسخ الحاضرة بالتصغير وفي التقريب والخلاصة كهمس بن الحسن بالتكبير وثقه أحمد وابن معين (عن عبد الله بن بريدة) ابن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة (عن عبد الله بن مغفل) صحابي بايع تحت الشجرة ونزل البصرة مات سنة 57 سبع وخمسين وقيل بعد ذلك قوله (بين كل أذانين) أي أذان وإقامة وهذا من باب التغليب كالقمرين للشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت (صلاة) أي وقت صلاة أو المراد صلاة نافلة قاله الحافظ قلت لا حاجة إلى تقدير الوقت (لمن شاء) أي كون الصلاة بين الأذانين لمن شاء وفي الصحيحين عن عبد الله بن مغفل قال قال النبي صلى الله عليه وسلم صلوا قبل صلاة المغرب ركعتين قال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة كذا في المشكاة والحديث دليل على جواز الركعتين بعد أذان المغرب وقبل صلاته وهو الحق والقول بأنه منسوخ مما لا التفات إليه فإنه لا دليل عليه قوله (وفي الباب عن عبد الله بن الزبير) أخرجه ابن حبان في صحيحه عن سليم بن عامر
[ 467 ]
عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان كذا في نصب الراية ورواه محمد بن نصر أيضا في قيام الليل ص 62 وفي الباب أيضا عن أنس بن مالك وعقبة بن عامر وسيجئ تخريجهما قوله (حديث عبد الله بن مغفل حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما قوله (فلم ير بعضهم الصلاة قبل المغرب) وهو قول مالك والشافعي على ما قال الحافظ في الفتح وهو قول أبي حنيفة وعن مالك قول آخر باستحبابهما وعند الشافعية وجه رجحه النووي ومن تبعه وقال في شرح مسلم قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة ومع ذلك فزمنها يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها انتهى قال الحافظ ومجموع الأدلة يرشد إلى تخفيفهما كما في ركعتي الفجر انتهى واحتج من لم ير الصلاة قبل المغرب بأحاديث ذكرها الحافظ الزيلعي قال لأصحابنا في تركها أحاديث منها ما أخرجه أبو داود عن طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر قال الزيلعي سكت عنه أبو داود ثم المنذري في مختصره فهو صحيح عندهما قال النووي في الخلاصة إسناده حسن قال وأجاب العلماء عنه بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر انتهى قلت جوابهم هذا حسن صحيح وذكر الزيلعي هذا الجواب وأقره ولم يتكلم عليه بشئ قال الزيلعي حديث آخر أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن حيان بن عبيد الله العدوي ثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب انتهى ورواه البزار في مسنده وقال لا نعلم رواه عن ابن بريدة إلا حيان بن عبيد الله وهو رجل مشهور من أهل البصرة لا بأس انتهى كلامه وقال البيهقي في المعرفة أخطأ فيه حيان بن عبيد الله في الاسناد والمتن جميعا أما السند فأخرجاه في الصحيح عن سعيد الجريري وكهمس عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال بين كل أذانين صلاة قال في الثالثة لمن شاء وأما المتن فكيف يكون صحيحا وفي رواية ابن المبارك عن كهمس في هذا الحديث قال وكان
[ 468 ]
ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتين وفي رواية حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن مغفل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا قبل المغرب ركعتين وقال في الثالثة لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة رواه البخاري في صحيحه انتهى وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ونقل عن الفلاس أنه قال كان حيان هذا كذابا انتهى كلام الزيلعي وقال الحافظ في الفتح وأما رواية حيان فشاذة لأنه وإن كان صدوقا عند البزار وغيره لكنه خالف الحفاظ من أصحاب عبد الله بن بريدة في إسناد الحديث ومتنه وقد وقع في بعض طرقه عند الإسماعيلي وكان بريدة يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب فلو كان الاستثناء محفوظا لم يخالف بريدة راويه انتهى قلت قال الزيلعي حديث آخر رواه الطبراني في كتاب مسند الشاميين عن جابر قال سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب فقلن لا غير أن أم سلمة قالت صلاهما عندي مرة فسألته ما هذه الصلاة فقال نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الان انتهى قلت على تقدير صحة هذا الحديث فجوابه هو ما ذكره الزيلعي نقلا عن النووي من أنه نفي فتقدم رواية المثبت إلخ قال الزيلعي حديث آخر معضل رواه محمد بن الحسن في الآثار أخبرنا أبو حنيفة ثنا حماد بن أبي سليمان أنه سأل إبراهيم النخعي عن الصلاة قبل المغرب فنهاه عنها وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر لم يكونوا يصلونها انتهى قلت هذا الحديث لا يصلح للاستدلال فإنه معضل فهذه الأحاديث هي التي احتج بها من منع الصلاة قبل المغرب وقد عرفت أنه لا يصح الاحتجاج بواحد منها وادعى بعضهم بنسخ الصلاة قبل المغرب فقال إنما كان ذلك في أول الأمر حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس فبين لهم بذلك وقت الجواز ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها قلت هذا ادعاء محض لا دليل عليه فلا التفات إليه وقد روى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما فإن قلت قال العيني في عمدة القاري ادعى ابن شاهين أن هذا الحديث منسوخ
[ 469 ]
بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند كل أذانين ركعتين ما خلا المغرب ويزيده وضوحا ما رواه أبو داود في سننه عن طاوس قال سئل ابن عمر عن الركعتين بعد المغرب فقال ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ورخص في الركعتين بعد العصر انتهى كلام العيني قلت قد عرفت آنفا أن حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه هذا شاذ والاستثناء فيه غير محفوظ قد أخطأ حيان بن عبيد الله الراوي عن عبد الله بن بريدة في الاسناد والمتن وأما قول ابن عمر ما رأيت أحدا إلخ فقد عرفت في كلام الزيلعي بأنه نفي فتقدم رواية المثبت ولكونها أصح وأكثر رواة ولما معهم من علم ما لم يعلمه ابن عمر فالعجب من العيني أنه ذكر ادعاء ابن شاهين النسخ بحديث عبد الله بن بريدة عن أبيه ولم يرد عليه بل أقره بل قال ويزيده وضوحا إلخ (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة) أي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبحضرته وبعد وفاته وكذلك روي عن غير واحد من التابعين وتبعهم أنهم كانوا يصلون قبل صلاة المغرب ركعتين بين الأذان والإقامة ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم كذلك يصلون الركعتين قبل المغرب زاد مسلم حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما وفي رواية النسائي قال كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي عن أبي الخير رأيت أبا تميم الجيشاني يركع الركعتين حين يسمع أذان المغرب فأتيت عقبة بن عامر الجهني فقلت له ألا أعجبك من أبي تميم الجيشاني عبد الله بن مالك يركع ركعتين قبل المغرب وأنا أريد أن أغمصه فقال عقبة إنما كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فما يمنعك الان قال الشغل وعن زر قدمت المدينة فلزمت عبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب فكانا يصليان ركعتين قبل صلاة المغرب لا يدعان ذلك وعن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهبون إليهما كما يهبون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب
[ 470 ]
وعن خالد بن معدان أنه كان يركع ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب لم يدعهما حتى لقي الله وكان يقول إن أبا الدرداء كان يركعهما يقول لا أدعهما وإن ضربت بالسياط وقال عبد الله بن عمرو الثقفي رأيت جابر بن عبد الله يصلي ركعتين قبل المغرب وعن يحيى بن سعيد أنه صحب أنس بن مالك إلى الشام فلم يكن يترك ركعتين عند كل أذان وسئل قتادة عن الركعتين قبل المغرب فقال كان أبو برزة يصليهما وكان عبد الله بن برزة ويحيى بن عقيل يصليان قبل المغرب ركعتين وعن الحكم رأيت عبد الرحمن بن أبي ليلى يصلي قبل المغرب ركعتين وسئل الحسن عنهما فقال حسنتين والله جميلتين لمن أراد الله بهما وعن سعيد بن المسيب حق على كل مؤمن إذا أذن أن يركع ركعتين وكان الأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير يركعهما وأوصى أنس بن مالك ولده أن لا يدعوهما وعن مكحول على المؤذن أن يركع ركعتين على إثر التأذين وعن الحكم بن الصلت رأيت عراك بن مالك إذا أذن المؤذن بالمغرب قام فصلى سجدتين قبل الصلاة وعن عبيد الله بن عبد الله بن عمر إن كان المؤذن ليؤذن بالمغرب ثم تقرع المجالس من الرجال يصلونهما انتهى ما في كتاب قيام الليل بقدر الحاجة وفيه آثار أخرى من شاء الوقوف عليها فليرجع إليه ثم ذكر محمد بن نصر فيه من لم يركع الركعتين قبل صلاة المغرب فقال عن النخعي قال كان بالكوفة من خيار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبو مسعود الأنصاري وعمار بن ياسر والبراء بن عازب فأخبرني من رمقهم كلهم فما رأى أحدا منهم يصليهما قبل المغرب وفي رواية أن أبا بكر وعمر وعثمان كانوا لا يصلون الركعتين قبل المغرب وقيل لإبراهيم أن ابن أبي هذيل كان يصلي قبل المغرب قال إن ذاك لا يعلم انتهى وقال ليس في حكاية هذا الذي روى عنه إبراهيم أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما دليل على كراهتهم لهما إنما تركوهما لأن تركهما كان مباحا وقد يجوز أن يكون أولئك الذين حكى عنهم من حكى أنه رمقهم فلم يرهم يصلونهما قد صلوهما في غير الوقت الذي رمقهم انتهى كلام محمد بن نصر قلت على أنه قد ثبت أن إبراهيم النخعي لم يلق أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا عائشة ولم يسمع منها شيئا ففي أثره الأول مجهول وفي أثره الثاني انقطاع إذا عرفت هذا كله ظهر لك
[ 471 ]
بطلان قول القاضي أبي بكر بن العربي اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم وكذلك ظهر بطلان قول من قال بنسخ الركعتين قبل المغرب بأثر النخعي المذكور قال الحافظ في الفتح والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم وهو منقطع ولو ثبت لم يسكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة (وقال أحمد وإسحاق إن صلاهما فحسن وهذا عندهما على الاستحباب) قال الحافظ في الفتح إلى استحبابهما ذهب أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث وقال محمد بن نصر في كتاب قيام الليل وقال أحمد بن حنبل في الركعتين قبل المغرب أحاديث جياد أو قال صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقال إلا أنه قال لمن شاء فمن شاء صلى قبل له قيل الأذان أم بين الأذان والإقامة فقال بين الأذان والإقامة ثم قال وإن صلى إذا غربت الشمس وحلت الصلاة أي فهو جائز قال هذا شئ ينكره الناس وتبسم كالمتعجب ممن ينكر ذلك وسئل عنهما فقال أنا لا أفعله وإن فعله رجل لم يكن به بأس انتهى ما في قيام الليل وقال الحافظ في الفتح وذكر الأثرم عن أحمد أنه قال ما فعلتهما إلا مرة واحدة حتى سمعت الحديث انتهى واحتج من قال باستحبابهما بأحاديث صحيحة صريحة منها حديث عبد الله بن مغفل المذكور في الباب وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان كما عرفت ومنها حديث عبد الله بن الزبير الذي أشار إليه الترمذي ومنها حديث أنس بن مالك وهو حديث صحيح أخرجه الشيخان وتقدم لفظه ومنها حديث عقبة بن عامر وتقدم لفظه نقلا عن قيام الليل وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومنها حديث عبد الله بن مغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين أخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه محمد بن نصر في القيام الليل بلفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال عند الثالثة لمن شاء خاف أن يحسبها الناس سنة قال العلامة ابن أحمد المقريزي في مختصر قيام الليل هذا إسناده صحيح على شرط مسلم وقد صح في ابن حبان حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب فهذه الأحاديث هي التي احتج بها من قال باستحباب الركعتين قبل المغرب وهو الحق
[ 472 ]
باب من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس قوله (وعن بسر بن سعيد) المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل من الثانية مات سنة مائة بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز (وعن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبو داود المدني ثقة ثبت عالم من الثالثة (يحدثونه) أي يحدثون زيد بن أسلم قوله (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) أي من أدرك من صلاة الصبح ركعة بركوعها وسجودها قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح والإدراك الوصول إلى الشئ فظاهر أنه يكتفي بذلك وليس بذلك مرادا با جماع فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته وهذا قول الجمهور وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعد ما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة وللنسائي من وجه آخر من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أن يقضي ما فاته وللبيهقي من وجه آخر من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة قوله (وفي الباب عن عائشة) قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر سجدة قيل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه قال صاحب المنتقي والسجدة هنا الركعة
[ 473 ]
قوله (حديث أبي هريرة حديث صحيح) أخرجه الأئمة الستة قوله (وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق) فقالوا من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ولا تبطل بطلوعها كما أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك صلاة العصر ولا تبطل بغروبها وهو الحق قال النووي قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس والحديث حجة عليه انتهى قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام النووي هذا ما لفظه وجوابه ما ذكره صدر الشريعة أن المذكور في كتب أصول الفقه أن الجزء المقارن للأداء سبب لوجوب الصلاة وآخر وقت العصر وقت ناقص إذ هو وقت عبادة الشمس فوجب ناقصا فإذا أداه أداه كما وجب فإذا اعترض الفساد بالغروب لا تفسد والفجر كل وقته وقت كامل لأن الشمس لا تعبد قبل طلوعها فوجب كاملا فإذا اعترض الفساد بالطلوع تفسد لأنه لم يؤدها كما وجب فإن قيل هذا تعليل في معرض النص قلنا لما وقع التعارض بين هذا الحديث وبين النهي الوارد عن الصلاة في الأوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض والقياس رجح هذا الحديث في صلاة العصر وحديث النهي في صلاة الفجر وأما سائر الصلوات فلا تجوز في الأوقات الثلاثة المكروهة لحديث النهي فيها انتهى كلام القاري قلت ما ذكره صدر الشريعة مردود قد الفاضل اللكنوي وهو من العلماء الحنفية في حاشيته على شرح الوقاية حيث قال فيه بحث وهو أن المصير إلى القياس عند تعارض النصين إنما هو إذا لم يمكن الجمع بينهما وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع وههنا العمل بكليهما ممكن بأن يخص صلاة العصر والفجر الوقتيتان من عموم حديث النهي ويعمل بعمومه في غيرهما وبحديث الجواز فيهما إلا أن يقال حديث الجواز خاص وحديث النهي عام وكلاهما قطعيان عند الحنفية متساويان في الدرجة والقوة فلا يخص أحدهما الآخر وفيه أن قطعية العام كالخاص ليس متفقا عليه بين الحنفية فإن كثيرا منهم وافقوا الشافعية في كون العام ظنيا كما هو مبسوط في شروح المنتخب الحسامي وغيرها انتهى كلامه وقال في تعليقه على موطأ الإمام محمد لا مناص عن ورود أن التساقط إنما يتعين عند تعذر الجمع وهو ههنا ممكن بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل انتهى كلامه
[ 474 ]
قلت الأمر كما قال لا ريب في أن الجمع ههنا ممكن فمع إمكانه القول بالتساقط باطل وقد ذكر ذلك الفاضل وجها للجمع وهو وجه حسن ونحن نذكر وجها آخر قال الحافظ في الفتح وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال والجمع ههنا ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما سبب له من النوافل ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ انتهى كلام الحافظ قال الشوكاني في النيل وهذا أيضا جمع بما يوافق مذهب الحافظ والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ولا يجوز في ذلك الوقت شئ من الصلوات بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها قال ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وأن صلاته تكون قضاء وإليه ذهب الجمهور وقال البعض أداء والحديث يرده قال واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا وفيه قولان للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملا بمفهوم الحديث وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه وبه قال أبو حنيفة لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين فائدة إدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وهو أعم من حديث الباب قال الحافظ ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك يعني حديث الباب مقيد فيحمل المطلق على المقيد انتهى ويمكن أن يقال إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولأشماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد كذا في النيل قوله (ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ عند طلوع الشمس وعند غروبها) قال الحافظ في الفتح ونقل بعضهم
[ 475 ]
الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر انتهى باب في الجمع بين الصلاتين قوله (من غير خوف ولا مطر) الحديث ورد بلفظ من غير خوف ولا سفر وبلفظ من غير خوف ولا مطر قال الحافظ واعلم أنه لم يقع مجموعا بالثلاثة في شئ من كتب الحديث بل المشهور من غير خوف ولا سفر (أراد أن لا تحرج) بصيغة الماضي المعلوم من التحرج (أمته) بالرفع على الفاعلية وفي رواية لمسلم أراد أن لا يحرج أمته وفي رواية أخرى له أراد أن لا يحرج أحدا من أمته قال ابن سيد الناس قد اختلف في تقييده فروي بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته منصوب على أنه مفعوله وروى تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة وضم أمته على أنها فاعلة ومعناه إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل فقصد إلى التخفيف عنهم قوله (وفي الباب عن أبي هريرة) أخرج مسلم عن عبد الله بن شقيق قال خطبنا ابن عباس يوما بعد العصر حين غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال ابن عباس أتعلمني بالسنة لا أم لك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال عبد الله بن شقيق فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته قال الحافظ في الفتح وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوز والجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يتخذ ذلك عادة وممن قال به ابن سيرين وربيعة وأشهب وابن المنذر والقفال الكبير وحكاه الخطابي عن جماعة من أهل الحديث انتهى وذهب الجمهور إلى أن الجمع لغير عذر لا يجوز وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة
[ 476 ]
منها أن الجمع المذكور كان للمرض وقواه النووي قال الحافظ وفيه نظر لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من له نحو ذلك العذر والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته ومنها أن الجمع المذكور كان لعذر المطر قال النووي وهو ضعيف بالرواية الأخرى من غير خوف ولا مطر ومنها أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم وبان أن وقت العصر دخل فصلاها قال النووي وهذا أيضا باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء ومنها أن الجمع المذكور صوري بأن يكون أخر الظهر لآخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها قال النووي هذا احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل قال الحافظ وهذا الذي ضعفه قد استحسنه القرطبي ورجحه إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيد الناس بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به قال الحافظ ويقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت الجمع فإما أن يحتمل على مطلقها فيستلزم إخراج الصلاة عن وقتها المحدود بغير عذر وإما أن يحمل على صفة مخصوصة لا تستلزم الإخراج ويجمع بها بين مفترق الأحاديث فالجمع الصوري أولى انتهى قال الشوكاني في النيل ومما يدل على تعين حمل حديث الباب على الجمع الصوري ما أخرجه النسائي عن ابن عباس بلفظ صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء فهذا ابن عباس راوي حديث الباب قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري ثم ذكر الشوكاني مؤيدات أخرى للجمع الصوري ودفع إيرادات ترد عليه من شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى النيل وهذا الجواب هو أولى الأجوبة عندي وأقواها وأحسنها فإنه يحصل به التوفيق والجمع بين مفترق الأحاديث والله تعالى أعلم قوله (وقد روي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا) أي ما يخالف هذا الحديث
[ 477 ]
المذكور ثم رواه بقوله حدثنا أبو سلمة إلخ قوله (حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف البصري) الجوباري من شيوخ الترمذي ومسلم وأبي داود وابن ماجه صدوق مات سنة اثنتين وأربعين ومائتين (عن أبيه) سليمان التيمي (عن حنش) بفتح الحاء المهملة والنون لقب حسين بن قيس أبي علي الواسطي وهو متروك كذا في التقريب قوله (من جمع بين الصلاتين من غير عذر) كسفر ومرض (فقد أتى بابا من أبواب الكبائر) قال المناوي تمسك به الحنفية على منع الجمع في السفر وقال الشافعي السفر عذر انتهى قلت قد جاء في الجمع بين الصلاتين في السفر أحاديث صحيحة صريحة في الصحيحين وغيرهما وحديث ابن عباس هذا ضعيف جدا قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة حنش بن قيس حديثه من جمع بين الصلاتين الحديث لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ولا أصل له وقد صح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر انتهى وأما قول الحاكم بعد روايته في المستدرك هذا حديث صحيح فقد رده الذهبي كما صرح به المناوي وعلى تقدير صحته فالجواب هو ما قال الشافعي من أن السفر عذر قوله (وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره) قال الذهبي في الميزان في ترجمته قال أحمد متروك وقال أبو زرعة وابن معين ضعيف وقال البخاري لا يكتب حديثه وقال النسائي ليس بثقة وقال مرة متروك وقال السعدي أحاديثه منكرة جدا وقال الدارقطني متروك وعد الذهبي حديثه من جمع بين الصلاتين إلخ من منكراته قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم أن لا يجمع بين الصلاتين إلا في السفر أو بعرفة)
[ 478 ]
قال الترمذي في آخر كتابه في كتاب العلل ما لفظه جميع ما في هذا الكتاب من الحديث هو معمول به وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر ولا مطر وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه انتهى قال النووي في شرح مسلم وهذا الذي قاله الترمذي في حديث شارب الخمر هو كما قاله فهو حديث منسوخ دل الاجماع على نسخه وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال ثم ذكر تلك الأقوال وقد مرت في كلام الحافظ وقال صاحب دراسات اللبيب هذا القول منه أي من الترمذي غريب جدا وجه الغرابة أنا قدمنا أن عدم الأخذ بالحديث ممن ينسب إليه ذلك إنما يتحقق إذا لم يجب عن ذلك الحديث ولم يحمله على محمل وأما إذا فعل ذلك فقد أخذ به وهذا الحديث يعني حديث ابن عباس كثرت في تأويله أقوال العلماء ومذاهبهم فيه ومع هذه التأويلات والمذاهب فيه وإن كانت بعضها بعيدة كيف يطلق عليه أنه لم يعمل به أحد من العلماء وإن أراد الترمذي أنه لم يعمل بظاهره من غير تأويل أحد من العلماء فيبطل قوله كل حديث في كتابي هذا معمول به ما خلا حديثين فإن كل حديث في كتابه ليس مما لم يؤول أصلا وعمل بظاهره على أن هذا الحديث عمل بظاهره جماعة من العلماء ثم ذكر قول النووي وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك وحكاه الخطابي عن القفال الشاشي الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزي وعن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر انتهى كلامه قلت الأمر كما قال صاحب الدراسات قوله (ورخص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض وبه يقول أحمد وإسحاق) وقال عطاء يجمع المريض بين المغرب والعشاء كذا في صحيح البخاري معلقا ووصله عبد الرزاق قال الحافظ في الفتح وصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه قال واختلف العلماء في المريض هل يجوز له أن يجمع بين الصلاتين كالمسافر لما فيه من الرفق به أولا فجوزه أحمد وإسحاق واختاره بعض الشافعية وجوزه مالك بشرطه والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع ولم أر في المسألة نقلا عن أحد من الصحابة انتهى كلام الحافظ وقال العيني في عمدة القاري قال عياض الجمع بين الصلوات المشتركة في الأوقات تكون تارة سنة وتارة رخصة
[ 479 ]
فالسنة الجمع بعرفة والمزدلفة وأما الرخصة فالجمع في السفر والمرض والمطر فمن تمسك بحديث صلاة النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه الصلاة والسلام وقد أمه فلم ير الجمع في ذلك ومن خصه أثبت جواز الجمع في السفر بالأحاديث الواردة فيه وقاس المرض عليه فنقول إذا أبيح للمسافر الجمع بمشقة السفر فأحرى أن يباح للمريض وقد قرن الله تعالى المريض بالمسافر في الترخيص له في الفطر والتيمم وأما الجمع في المطر فالمشهور من مذهب مالك إثباته في المغرب والعشاء وعنه قولة شاذة أنه لا يجمع إلا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذهب المخالف جواز الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في المطر انتهى ما في العمدة (وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق) قال الحافظ ابن تيمية في المنتقى في باب جمع المقيم لمطر أو لغيره بعد ذكر حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء ما لفظه قلت وهذا يدل بفحواه على الجمع للمطر والخوف وللمرض وإنما خولف ظاهر منطوقه في الجمع لغير عذر للإجماع ولأخبار المواقيت فنبقي فحواه على مقتضاه وقد صح الجمع للمستحاضة والاستحاضة نوع مرض ولمالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم وللأثرم في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال من السنة إذا كان يوم مطير أن يجمع بين المغرب والعشاء انتهى كلام ابن تيمية قلت أثر أبي سلمة بن عبد الرحمن هذا سكت عنه ابن تيمية والشوكاني ولم أقف على سنده فالله أعلم بحاله كيف هو صحيح أو ضعيف وقد أثبت الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين جواز الجمع بين الصلاتين لأصحاب الأعذار وبسط فيه من شاء الاطلاع عليه فليرجع إليه فإن قيل كيف جوزوا الجمع بين الصلاتين لعذر المرض والمطر وقد قال الإمام محمد في موطئه بلغنا عن عمر بن الخطاب أنه كتب في الافاق ينهاهم أن يجمعوا بين الصلاتين ويخبرهم أن الجمع بين الصلاتين في وقت واحد كبيرة من الكبائر قال أخبرنا بذلك الثقات عن العلاء بن الحارث عن مكحول انتهى فقول عمر هذا بإطلاقه يدل على أن الجمع بين الصلاتين مطلقا كبيرة من الكبائر سواء كان من عذر أو من غير عذر فالجواب من قبل المجوزين أن المراد بالجمع في قول عمر المذكور الجمع من غير عذر يدل عليه ما أخرجه الحاكم عن أبي العالية عن عمر قال جمع الصلاتين من غير عذر من الكبائر قال وأبو العالية لم
[ 480 ]
يسمع من عمر ثم أسند عن أبي قتادة أن عمر كتب إلى عامل لا ثلاث من الكبائر الجمع بين الصلاتين من غير عذر والفرار من الزحف الحديث قال وأبو قتادة أدرك عمر فإذا انضم هذا إلى الأول صار قويا قالوا فقول عمر هذا لا يضرنا فإنه يدل على المنع من الجمع من غير عذر والعذر قد يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذلك ونحن نقول به وقالوا أيضا من عرض له عذر يجوز له الجمع إذا أراد ذلك وأما إذا لم يكن له ذلك ولم يرد الجمع بل ترك الصلاة عمدا إلى أن دخل وقت الأخرى فهو آثم بلا ريب باب ما جاء في بدء الأذان أي في ابتدائه والأذان لغة الإعلام وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة قال الحافظ في الفتح وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة فذكر تلك الأحاديث ثم قال والحق أنه لا يصح شئ من هذه الأحاديث وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد الله بن عمر ثم حديث عبد الله بن زيد انتهى كلام الحافظ والمراد بحديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن زيد اللذان رواهما الترمذي في هذا الباب قوله (حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي) أبو عثمان البغدادي من شيوخ الترمذي والشيخين وغيرهم وثقه النسائي مات سنة 942 تسع وأربعين ومائتين (نا أبي) هو يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص الأموي الحافظ الكوفي نزيل بغداد لقبه الجمل صدوق يغرب كذا في التقريب وقال في الخلاصة وهامشها وثقة ابن معين والدارقطني والنسائي وأبو داود (عن محمد بن إبراهيم التيمي) المدني كنيته أبو عبد الله ثقة له أفراد من الرابعة (عن محمد بن عبد الله بن زيد) بن عبد ربه الأنصاري المدني ثقة (عن أبيه) هو عبد الله بن زيد الأنصاري الخزرجي صحابي مشهور أري الأذان مات سنة اثنتين وثلاثين وصلى عليه عثمان قوله (إن هذه لرؤيا حق) أي ثابتة صحيحة صادقة (فإنه أندى) قال الجزري في النهاية
[ 481 ]
أي أرفع وأعلى صوتا وقيل أحسن وأعذب وقيل أبعد انتهى وفي القاموس أندى كثر عطاياه أو حسن صوته انتهى وفيه أيضا النداء بالضم والكسر الصوت والندى بعده وهو ندى الصوت كغنى بعيده انتهى قلت والأحسن أن يراد بأندى ههنا أحسن وأعذب وإلا لكان في ذكر قوله أمد بعده تكرار على هذا ففي الحديث دليل على اتخاذ المؤذن حسن الصوت وقد أخرج الدارمي وأبو الشيخ بإسناد متصل بأبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بنحو عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان ولابن خزيمة أنه صلى الله عليه وسلم قال لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت وصححه ابن السكن كذا في التلخيص والنيل قلت وحديث أبي محذورة هذا أخرجه النسائي أيضا ولفظه قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين خرجت عاشر عشرة من أهل مكة نطلبهم فسمعناهم يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن لنستهزئ بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت فأرسل إلينا فأذنا رجل رجل وكنت آخرهم فقال حين أذنت تعال فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي فبرك علي ثلاث مرات ثم قال اذهب فأذن عند البيت الحرام الحديث (وأمد صوتا منك) أي أرفع وأعلى صوتا منك وفيه دليل على أتخاذ المؤذن رفيع الصوت وجهيره (فألق) أمر من الالقاء (عليه) أي على بلال (ما قيل لك) أي في المنام (وليناد) أي وليؤذن بلال (بذلك) أي بما تلقى إليه (وهو يجر إزاره) أي للعجلة جملة حالية (لقد رأيت مثل الذي قال) أي بلال يعني أذن (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد) حيث أظهر الحق ظهورا وازداد في البيان نورا قاله القاري والظاهر أن يقول حيث أظهر الحق إظهارا وزاد في البيان نورا قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه الترمذي في هذا الباب قوله (حديث عبد الله بن زيد حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود فذكر فيه كلمات
[ 482 ]
الأذان والإقامة وأخرجه ابن ماجه فلم يذكر فيه لفظ الإقامة وزاد فيه شعرا وأخرجه بن حبان في صحيحه فذكره بتمامه قال البيهقي في المعرفة قال محمد بن يحيى الذهلي ليس في أخبار عبد الله بن زيد في فضل الأذان خبر أصح من هذا لأن محمدا سمعه من أبيه وابن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد انتهى ورواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول ليس في أخبار إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر ابن إسحاق هذا ثابت صحيح لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق انتهى وقال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال هو عندي صحيح انتهى كذا في نصب الراية وأعلم أن الترمذي روى هذا الحديث من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي بلفظ عن ورواه أبو داود من طريقه عنه بلفظ حدثني ولذلك قال الذهلي وغيره محمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه قوله (وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة مرة) أخرجه أبو داود من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد ثنا أبي وهو إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد قال قال حدثني أبي عبد الله ابن زيد لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله أتبيع الناقوس قال وما تصنع به فقلت ندعو به إلى الصلاة قال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى قال فقال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال ثم استأخر عني غير بعيد ثم قال ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ قوله (ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان) قال
[ 483 ]
الحافظ في التلخيص بعد ذكر قول الترمذي هذا وكذا قال البخاري وفيه نظر فإن له عند النسائي وغيره حديثا غير هذا في الصدقة وعند أحمد آخر في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم شعره وأظفاره وإعطائه لمن تحصل له أضحية انتهى كلام الحافظ قلت إن كان هذان الحديثان صحيحين فلا شك في أن في قول الترمذي هذا نظرا وإلا فلا وجه للنظر كما لا يخفى على المتأمل فتأمل قوله (حدثنا أبو بكر بن أبي النضر) قال في التقريب أبو بكر بن النضر بن أبي النضر البغدادي قد ينسب لجده اسمه وكنيته واحد وقيل اسمه محمد وقيل أحمد وأبو النضر هو هاشم بن القاسم مشهور وأبو بكر ثقة انتهى قلت هو من شيوخ الترمذي ومسلم مات سنة 542 خمس وأربعين ومائتين (نا الحجاج بن محمد) المصيصي الأعور أبو محمد ترمذي الأصل نزل بغداد ثم المصيصة ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته (قال ابن جريج) اسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ثقة فقيه فاضل وكان يدلس ويرسل قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة) أي من مكة في الهجرة (فيتحينون الصلوات) أي يقدرون أحيانها ليأتوا إليها والحين الوقت والزمان (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا) قال النووي قال أهل اللغة هو الذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس وقال في النهاية الناقوس هي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها والنصاري يعلمون بها أوقات صلواتهم انتهى (وقال بعضهم اتخذوا قرنا) القرن هو البوق الذي ينفخ فيه ويقال له بالفارسية ناي بزرك والمراد أنه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته وهو من شعار اليهود (أولا تبعثون رجلا) الواو للعطف على مقدر أي أتقولون بموافقة اليهود والنصارى ولا تبعثون والهمزة لإنكار الجملة الأولى ومقررة للثانية (ينادي بالصلاة) قال القاضي عياض ظاهره أنه
[ 484 ]
إعلام ليس على صفة الأذان الشرعي بل إخبار بحضور وقتها قال النووي هذا الذي قاله محتمل أو متعين فقد صح في حديث عبد الله بن زيد في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما أنه رأى الأذان في المنام فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره به فجاء عمر فقال يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى وذكر الحديث فهذا ظاهره أنه كان في مجلس آخر فيكون الواقع الإعلام أولا ثم رأى عبد الله بن زيد الأذان فشرعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إما بالوحي وإما باجتهاده صلى الله عليه وسلم على مذهب الجمهور في جواز الاجتهاد له صلى الله عليه وسلم وليس هو عملا بمجرد المنام هذا ما لا شك فيه بلا خلاف انتهى كلام النووي قال الحافظ في الفتح كان اللفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله الصلاة جامعة أخرجه ابن سعد في الطبقات من مراسيل سعيد بن المسيب انتهى (يا بلال قم فناد بالصلاة) قال الحافظ في الفتح في رواية الإسماعيلي فأذن بالصلاة قال عياض المراد الإعلام المحض بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع وأغرب القاضي أبو بكر بن العربي فحمل قوله أذن على الأذان المشروع وطعن في صحة حديث ابن عمر وقال عجبا لأبي عيسى كيف صححه والمعروف أن شرع الأذان إنما كان برؤيا عبد الله بن زيد انتهى وقال الحافظ ولا تدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدمنا وقد قال ابن منده في حديث ابن عمر إنه مجمع على صحته انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر) وأخرجه البخاري ومسلم وغيرهما باب ما جاء في الترجيع في الأذان هو إعادة الشهادتين بصوت عال بعد ذكرهما بخفض الصوت قال ابن قدامة في المغنى اختيار أحمد من الأذان أذان بلال وهو خمس عشرة كلمة لا ترجيع فيه وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي وإسحاق وقال مالك والشافعي ومن تبعهما من أهل الحجاز الأذان المسنون أذان أبي محذورة وهو مثل ما وصفنا إلا أنه ليس فيه الترجيع وهو أن يذكر الشهادتين مرتين مرتين يخفض
[ 485 ]
بذلك صوته ثم يعيدهما رافعا بهما صوته إلا أن مالكا قال التكبير في أوله مرتان حسب فيكون الأذان عنده سبع عشرة كلمة وعند الشافعي تسع عشرة كلمة انتهى قوله (ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة) الجمحي المكي يكني أبا إسماعيل صدوق يخطئ (قال أخبرني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة) أما أبوه فهو عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال الحافظ في التقريب مقبول وأما جده فهو عبد الملك بن أبي محذورة قال في التقريب مقبول وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان قوله (وألقى عليه الأذان حرفا حرفا) أي لقنه الأذان كلمة كلمة (قال إبراهيم) هو ابن عبد العزيز المذكور في السند (قال بشر) هو ابن معاذ شيخ الترمذي (فقلت له) أي لإبراهيم (فوصف الأذان بالترجيع) كذا روى الترمذي هذا الحديث مختصرا ورواه أبو داود والنسائي مطولا قوله (حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح وقد روي من غير وجه) أي من غير طريق واحدة بل من طرق عديدة رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم وله ألفاظ وطرق قوله (وعليه العمل بمكة وهو قول الشافعي) قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث أبي محذورة في هذا الحديث حجة بينة ودلالة واضحة لمذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء أن الترجيع في الأذان ثابت مشروع وهو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يشرع الترجيع عملا بحديث عبد الله بن زيد فإنه ليس فيه ترجيع وحجة الجمهور هذا الحديث الصحيح والزيادة مقدمة مع أن حديث أبي محذورة هذا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد فإن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث ابن زيد في أول الأمر وانضم إلى هذا كله عمل أهل مكة والمدينة وسائر الأمصار انتهى كلام النووي واحتج الجمهور على مشروعية الترجيع وثبوته بروايات أبي محذورة وهي
[ 486 ]
نصوص صريحة فيه فمنها الروايتان اللتان ذكرهما الترمذي في هذا الباب ومنها ما رواه مسلم في صحيحه عنه قال ألقى على رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه فقال قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم تعود فتقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ومنها ما رواه أبو داود في سننه عنه قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان قال فمسح مقدم رأسه قال تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال القاري في المرقاة شرح المشكاة قال النووي حسن نقله ميرك وقال ابن الهمام إسناده صحيح انتهى وهذه الرواية نص صريح في أن الترجيع من سنة الأذان ومنها ما رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه عنه قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة الحديث وإسناده صحيح فهذه الروايات كلها نصوص صريحة في ثبوت الترجيع ومشروعيته وأجاب عن هذه الروايات من لم يقل بالترجيع بأجوبة كلها مخدوشة واهية جدا فمنها ما ذكره ابن الهمام في فتح القدير فقال روى الطبراني في الأوسط عن أبي محذورة يقول ألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا الله أكبر إلخ ولم يذكر ترجيعا فتعارضا فتساقطا ويبقى حديث ابن عمرو عبد الله بن زيد سالما عن المعارض انتهى ورده القاري في المرقاة شرح المشكاة حيث قال وفيه أن عدم ذكره في حديث لا يعد معارضا لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ والزيادة من الثقة مقبولة نعم لو صرح بالنفي كان معارضا مع أن المثبت مقدم على النافي انتهى ومنها ما قال الطحاوي أنه يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذورة لم يمد بذلك صوته
[ 487 ]
على ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارجع وامدد من صوتك هكذا اللفظ في هذا الحديث انتهى وهذا التأويل مردود فإنه وقع في رواية أبي داود ثم ارجع فمد من صوتك بزيادة لفظ ثم ولفظه هكذا قل الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله مرتين مرتين قال ثم ارجع فمد من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله إلخ فمعنى قوله ثم ارجع فمد من صوتك أي اخفض صوتك بالشهادتين مرتين مرتين ثم ارجع فمد من صوتك وارفعه بهما مرتين مرتين يدل عليه رواية أبي داود التي ذكرناها قبل هذا بلفظ تقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة أشهد أن لا إله إلا الله إلخ والروايات بعضها يفسر بعضا ويرد هذا التأويل أيضا ما رواه الترمذي في هذا الباب بإسناد صحيح عن أبي محذورة بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة ومنها ما ذكره أبو زيد الدبوسي في الأسرار وتبعه بعض شراح الهداية من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك لحكمة رويت في قصته وهي أن أبا محذورة كان يبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام بغضا شديدا فلما أسلم أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرك أذنه وقال له ارجع وأمدد بها من صوتك ليعلم أنه لا حياء من الحق أو ليزيد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتكرير الشهادتين ورده العيني حيث قال هذا ضعيف فإنه خفض صوته عند ذكر اسم الله تعالى أيضا بعد أن رفع صوته بالتكبير ولم ينقل في كتب الحديث أنه عرك أذنه انتهى ومنها ما قال ابن الجوزي في التحقيق من أن أبا محذورة كان كافرا قبل أن يسلم فلما أسلم ولقنه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكررها ليثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين فلما كررها عليه ظنها من الأذان ومنها ما قال صاحب الهداية من أن ما رواه كان تعليما فظنه ترجيعا وقد ذكر الحافظ الزيلعي في نصب الراية هذه الأقوال وقال هذه الأقوال متقاربة في المعنى ثم ردها فقال ويردها لفظ أبي داود قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان وفيه ثم تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بها فجعله من سنة الأذان وهو كذلك في صحيح ابن حبان ومسند أحمد انتهى وكذلك رد هذه الأقوال الحافظ ابن حجر في الدراية قلت ولرد هذه الأقوال وجوه أخرى منها أن فيها سوء الظن بأبي محذورة ونسبة الخطأ إليه من غير دليل ومنها أن أبا محذورة كان مقيما بمكة مؤذنا لأهلها إلى أن توفي وكانت وفاته سنة 59
[ 488 ]
تسع وخمسين وكل من كان في هذه المدة بمكة من الصحابة ومن التابعين كانوا يسمعون تأذينه بالترجيع وكذلك يسمع كل من يرد في مكة في مواسم الحج وهي مجمع المسلمين فيها فلو كان ترجيع أبي محذورة غير مشروع وكان من خطئه لأنكروا عليه ولم يقروه على خطئه ولكن لم يثبت إنكار أحد من الصحابة وغيرهم على أبي محذورة في ترجيعه في الأذان فظهر بهذا بطلان تلك الأقوال وثبت أن الترجيع من سنة الأذان بل ثبت إجماع الصحابة على سنيته على طريق الحنفية فتفكر وقد بسطنا الكلام في هذه المسألة في كتابنا أبكار المنن في نقد آثار السنن واستدل لمن لم يقل بمشروعية الترجيع بما رواه مسلم عن عمر بن الخطاب مرفوعا إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله الحديث قيل يستفاد من هذا الحديث أن الأذان ليس فيه الترجيع وأجيب عنه بأنه يستفاد منه أيضا أن الأذان ليس فيه تربيع التكبير ولا تثنية باقي الكلمات فما هو الجواب عنهما هو الجواب عن الترجيع واستدل أيضا بحديث عبد الله بن زيد قال إبن الجوزي في التحقيق حديث عبد الله بن زيد هو أصل في التأذين وليس فيه ترجيع فدل على أن الترجيع غير مسنون انتهى وقد عرفت جوابه جوابه في كلام النووي وقال الطحاوي في شرح الآثار كره قوم أن يقال في أذان الصبح الصلاة خير من النوم واحتجوا في ذلك بحديث عبد الله بن زيد في الأذان وخالفهم في ذلك آخرون فاستحبوا أن يقال ذلك في التأذين للصبح بعد الفلاح وكان الحجة لهم في ذلك أنه وإن لم يكن ذلك في حديث عبد الله بن زيد فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أبا محذورة كان زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد ووجب استعمالها انتهى كلام الطحاوي قلت فكذلك يقال إن الترجيع وإن لم يكن في حديث عبد الله بن زيد فقد علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا محذورة بعد ذلك فلما علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أبا محذورة كان زيادة على ما في حديث عبد الله بن زيد فوجب استعماله
[ 489 ]
قوله (نا عفان) هو ابن مسلم (علمه الأذان تسع عشرة كلمة) أي مع الترجيع والحديث نص صريح في سنية الترجيع في الأذان (وا قامة) بالنصب أي علمه الاقامة (سبع عشرة كلمة) قال ابن الملك لأنه لا ترجيع فيها فانحذف عنها كلمتان وزيدت الإقامة شفعا تفصيله الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أربع كلمات ثلاث منها تأكيد وأشهد أن لا إله إلا الله مرتان المرة الثانية تأكيد وكذا أشهد أن محمدا رسول الله مرتان وحي على الصلاة مرتان وحي على الفلاح مرتان وقد قامت الصلاة مرتان والله أكبر الله أكبر كلمتان ولا إله إلا الله كلمة واحدة وبهذا قال أبو حنيفة والإقامة عند مالك إحدى عشرة كلمة لأنه يقول كل كلمة مرة واحدة إلا كلمة التكبير والإقامة كما رواه ابن عمر وأنس كذا ذكره الطيبي كذا في المرقاة قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي (وأبو محذورة اسمه سمرة) وقيل أوس وقيل سلمة وقيل سلمان قاله الحافظ (ابن معير) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح التحانية وقيل عمير بن لوذان وأبو محذورة هذا صحابي مشهور مكي مؤذن مكة مات بها سنة تسع وخمسين وقيل تأخر بعد ذلك أيضا (وقد روي عن أبي محذورة أنه كان يفرد الاقامة) أخرجه الدارقطني وسيجئ لفظه تنبيه قال صاحب بذل المجهود تحت حديث أبي محذورة ما لفظه وهذا الحديث يحتج به على سنية الترجيع في الأذان وبه قال الشافعي ومالك لأنه ثابت في حديث أبي محذورة وهو حديث صحيح أخرجه مسلم مشتمل على زيادة غير متنافية فيجب قبولها وهو أيضا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر ويرجحه أيضا عمل أهل مكة والمدينة انتهى وقال صاحب العرف
[ 490 ]
الشذى ما لفظه واستمر الترجيع في مكة إلى عهد الشافعي وكان السلف يشهدون وسم الحج كل سنة ولم ينكر أحد انتهى قلت والأمر كما قالا ولكنهما مع هذا الاعتراف لم يقولا بسنية الترجيع في الأذان فأما صاحب بذل المجهود فأجاب عن حديث أبي محذورة بأن الترجيع في أذانه لم يكن لأجل الأذان بل كان لأجل التعليم فإنه كان كافرا فكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهادتين برفع الصوت لترسخا في قلبه كما تدل عليه قصته المفصلة فظن أبو محذورة أنه ترجيع وأنه في أصل الأذان انتهى قلت هذا الجواب مردود كما عرفت آنفا ثم قال صاحب البذل مستدلا على عدم سنية الترجيع ما لفظه وقد روى الطبراني في معجمه الأوسط عن أبي محذورة أنه قال ألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان حرفا حرفا الله أكبر الله أكبر إلى آخره لم يذكر فيه ترجيعا انتهى قلت أجاب عن هذه الرواية في نصب الراية فقال بعد ذكر هذه الرواية وهذا معارض للرواية المتقدمة التي عند مسلم وغيره ورواه أبو داود في سننه حدثنا النفيلي ثنا إبراهيم بن إسمعيل فذكره بهذا الإسناد وفيه ترجيع انتهى ثم قال وأيضا يدل على عدم الترجيع ما رواه أبو داود والنسائي عن ابن عمر إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة غير أن يقول قد قامت الصلاة انتهى قلت قد تقدم الجواب عن هذه الرواية فتذكر ثم هذه الرواية إن تدل على عدم الترجيع فتدل أيضا على عدم تثنية الإقامة فعليهم أن يقولوا بعدم تثنيتها أيضا وأما صاحب العرف الشذي فقال إن رجع الحنفي في الأذان ففي البحر أنه يباح ليس بسنة ولا مكروه وعليه الاعتماد وقال الحق ثبوت الترجيع ووجه الرجحان لنا في عدم الترجيع أن بلالا استمر أمره بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل تعليمه عليه السلام الأذان أبا محذورة وبعده انتهى قلت قد استمر الترجيع أيضا من حين تعليمه عليه السلام الأذان بالترجيع أبا محذورة إلى عهد الشافعي كما اعترف هو به فحاصل الكلام أنه ليس لإنكار سنية الترجيع في الأذان وجه إلا التقليد أو قلة الاطلاع باب ما جاء في إفراد الاقامة
[ 491 ]
قوله (قال أمر بلال) بصيغة المجهول (أن يشفع) بفتح أوله وفتح الفاء أي يأتي بألفاظه شفعا قال الزين بن المنير وصف الأذان بأنه شفع يفسره قوله مثنى أي مرتين مرتين وذلك يقتضي أن تستوي جميع ألفاظه لكن لم يختلف في كلمة التوحيد التي في آخره مفردة فيحمل قوله مثنى على ما سواها (ويوتر الإقامة) أي يأتي بألفاظها مرة مرة زاد في رواية الصحيحين إلا الإقامة قال الحافظ في الدراية وفي بعض طرقه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وقال في بلوغ المرام وللنسائي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا انتهى فرواية النسائي نص صريح في أن الامر هو النبي صلى الله عليه وسلم والروايات يفسر بعضها بعضا وبهذا ظهر بطلان قول العيني في شرح الكنز لا حجة لهم فيه لأنه لم يذكر الأمر فيحتمل أن يكون هو النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي بلفظ إنما كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين والإقامة مرة مرة غير أنه يقول قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وإسناده صحيح وفي الباب أيضا عن عبد الله ابن زيد وله طريقان كلاهما صحيحان الأول ما رواه أبو داود في سننه من طريق محمد بن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه حدثني أبي عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس وفيه ثم تقول إذا أقيمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ورواه أحمد في مسنده من هذا الطريق ورواه ابن حبان في صحيحه قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال البيهقي في المعرفة قال محمد بن يحيى الذهلي ليس في أخبار عبد الله بن زيد في فصل الأذان خبر أصح من هذا لأن محمدا سمعه من أبيه وابن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد انتهى ورواه ابن خزيمة في صحيحه ثم قال سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول ليس في أخبار إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر ابن إسحاق هذا ثابت صحيح لأن محمد بن عبد الله بن زيد سمعه من أبيه ومحمد بن إسحاق سمعه من محمد بن إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه ابن إسحاق وقال الترمذي في علله الكبير سألت محمد بن إسمعيل عن هذا الحديث فقال هو عندي صحيح انتهى ما في نصب الراية
[ 492 ]
والطريق الثاني ما رواه أحمد في مسنده من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس الحديث وفيه ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله قال الحافظ في التلخيص بعد ما ذكر الطريق الأول ورواه أحمد والحاكم من وجه آخر عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد وقال هذا أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب إسحاق عن الزهري إنتهى ما في التلخيص وقال في عون المعبود نقلا عن غاية وابن المقصود بعد نقل هذا الطريق من مسند أحمد وأخرجه الحاكم من هذا الطريق وقال هذه أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله ابن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهري ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي يحتمله عنعنة ابن إسحاق انتهى ما في العون وفي الباب أيضا عن أبي محذورة رواه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة بلفظ إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة قاله الحافظ في التلخيص وقال في الفتح وروى الدارقطني وحسنه في حديث لأبي محذورة وأمره أن يقيم واحدة انتهى قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وبه يقول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق) إلا أن مالكا يقول إن الإقامة عشر كلمات بتوحيد قد قامت الصلاة وأما الشافعي وأحمد وإسحاق فعندهم إحدى عشرة كلمة فإنهم يقولون بتثنية قد قامت الصلاة واستدلوا بحديث ابن عمر الذي أشار إليه الترمذي وبحديث عبد الله بن زيد ذكرناه من طريقين وأما مالك فاستدل بحديث أنس المذكور في الباب وقول الشافعي ومن تبعه هو الراجح المعول عليه قال الحازمي في كتاب الاعتبار رأي أكثر أهل العلم أن الاقامة فرادى وإلى هذا المذهب ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزهري ومالك بن أنس وأهل الحجاز والشافعي وأصحابه وإليه ذهب عمر بن عبد العزيز ومكحول
[ 493 ]
والأوزاعي وأهل الشام وإليه ذهب الحسن البصري ومحمد بن سيرين وأحمد بن حنبل ومن تبعهم من العراقيين وإليه ذهب يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومن تبعهما من الخراسانيين وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس انتهى كلام الحازمي قلت وأجاب عن أحاديث الباب من لم يقل بإفراد الإقامة كالحنفية بأجوبة كلها مخدوشة لا يطمئن بواحد منها القلب السليم فقال بعضهم إن إفراد الاقامة كان أولا ثم نسخ بحديث أبي محذورة الذي رواه أصحاب السنن وفيه تثنية الاقامة وهو متأخر عن حديث أنس فيكون ناسخا وعورض بأن في بعض طرق حديث أبي محذورة المحسنة التربيع والترجيع فكان يلزمهم القول به وقد أنكر الإمام أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع بعد الفتح إلى المدينة وأقر بلالا على إفراد الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم وقال بعضهم إن إفراد الإقامة منسوخ بحديث إن بلالا كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم يقيم مثنى مثنى ورد هذا بأنه لم يثبت ذلك عن بلال بسند صحيح وما روي عنه في ذلك فهو ضعيف كما ستعرف ولو سلم أنه صحيح فليس فيه دلالة على النسخ لاحتمال أن بلالا كان مذهبه الإباحة والتخيير وأجاب العيني في البناية بأن ما رواه الشافعي محمول على الجمع بين الكلمتين في الإقامة والتفريق في الأذان وعلى الإتيان قولا بحيث لا ينقطع الصوت ورد بأن هذا تأويل باطل يبطله حديث عبد الله بن زيد المذكور بلفظ ثم تقول إذا أقمت الصلاة الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله وكذا يبطله حديث أنس المذكور فتأويل العيني هذا مردود عليه والحق أن أحاديث إفراد الإقامة صحيحة ثابتة محكمة ليست بمنسوخة ولا بمؤلة نعم قد ثبت أحاديث تثنية الإقامة أيضا وهي أيضا محكمة ليست بمنسوخة ولا بمؤلة وعندي الإفراد والتثنية كلاهما جائزان والله تعالى أعلم قال الحافظ في الفتح قال ابن عبد البر ذهب أحمد وإسحاق وداود وابن حبان وابن جرير إلى ذلك من الاختلاف المباح فإن ربع التكبير الأول في
[ 494 ]
الأذان أو ثناه أو رجع في التشهد أو لم يرجع أو ثنى الإقامة أو أفردها كلها أو إلا قد قامت الصلاة فالجميع جائز وعن ابن خزيمة إن ربع الأذان ورجع فيه ثنى الإقامة وإلا أفردها قيل ولم يقل بهذا التفصيل أحد قبله انتهى كلام الحافظ باب ما جاء في أن الإقامة مثنى مثنى أي مرتين مرتين قوله (حدثنا أبو سعيد الأشج) اسمه عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الكوفي ثقة من صغار العاشرة كذا في التقريب قلت روى عنه الأئمة الستة (نا عقبة بن خالد) بن عقبة السكوني أبو مسعود الكوفي المجدر بالجيم صدوق صاحب حديث (عن ابن أبي ليلى) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى الفقيه المقرئ حدث عن الشعبي وعطاء والحكم ونافع وعمرو بن مرة وطائفة وكان أبوه من كبار التابعين فلم يدرك الأخذ عنه حدث عنه شعبة والسفيانان وزائدة ووكيع وخلائق قاله الحافظ الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال حديثه في وزن الحسن ولا يرتقي إلى الصحة لأنه ليس بالمتقن عندهم انتهى (عن عمرو بن مرة) بن عبد الله بن طارق الجملي المرادي أبي عبد الله الكوفي الأعمى ثقة عابد كان لا يدلس ورمي بالإرجاء وهو من رجال الكتب الستة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى) الأنصاري المدني ثم الكوفي ثقة من الثانية كذا في التقريب وقال في الخلاصة أدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين مات سنة ثلاث وثمانين قوله (شفعا شفعا) أي مثنى مثنى (في الأذان وا قامة) استدل به من قال بتثنية الإقامة وحديث إفراد الإقامة أصح وأثبت وقد ثبت بطريقين صحيحين عن عبد الله بن زيد إفراد الاقامة كما عرفت فيما تقدم قوله (حديث عبد الله بن زيد رواه وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد
[ 495 ]
الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه فقال حدثنا وكيع ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى وأخرجه البيهقي في سننه عن وكيع به قال في الامام وهذا رجال الصحيح وهو متصل على مذهب الجماعة في عدالة الصحابة وأن جهالة أسمائهم لا تضر كذا في نصب الراية قلت في إسناده الأعمش وهو مدلس ورواه عن عمرو بن مرة بالعنعنة (وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحم ن بن أبى ليلى قال ثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ) لم أقف عليه قوله (وهذا أصح من حديث ابن أبي ليلى) أي المذكور في الباب (وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد) قال البيهقي في كتاب المعرفة حديث عبد الرحمن بن أبى ليلى قد اختلف عليه فيه فروى عنه عن عبد الله بن زيد وروى عنه عن معاذ بن جبل وروى عنه قال حدثنا أصحاب محمد قال ابن خزيمة عبد الرحمن ابن أبى ليلى لم يسمع من معاذ ولا من عبد الله بن زيد وقال محمد بن إسحاق لم يسمع منهما ولا من بلال فإن معاذا توفي في طاعون عمواس سنة ثمان عشرة وبلال توفي بدمشق سنة عشرين وعبد الرحمن ابن أبى ليلى لست بقين من خلافة عمر وكذلك قاله الواقيى ومصعب الزبيري فثبت انقطاع حديثه انتهى كلامه كذا في نصب الراية ص 041 ج 1 وحديث عبد الله بن زيد هذا له روايات فمنها ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ومنها ما أخرجه الطحاوي بلفظ قال أخبرني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري رأى في المنام الأذان فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال علمه بلالا فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى وقعد قعدة قال بعضهم إسناده صحيح
[ 496 ]
قلت في إسناده أيضا الأعمش ورواه عن عمرو بن مرة بالعنعنة ومنها ما أخرجه البيهقي في الخلافيات من طريق أبى العميس قال سمعت عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري يحدث عن أبيه عن جده أنه أري الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال علمهن بلالا قال فتقدمت فأمرني أن أقيم قال الحافظ في الدراية إسناده صحيح قلت ذكر تثنية الإقامة في هذا الحديث غير محفوظ فإنه قد تفرد به أبو أسامة عن أبي العميس ورواه عبد السلام بن حرب عنه فلم يذكر فيه تثنية الإقامة وعبد السلام بن حرب أعلم الكوفيين بحديث أبي العميس وأكثرهم عنه رواية قال الزيلعي في نصب الراية نقلا عن البيهقي وقد رواه عبد السلام بن حرب عن أبي العميس فلم يذكر فيه تثنية الاقامة وعبد السلام أعلم الكوفيين بحديث أبي العميس وأكثرهم عنه رواية انتهى ومنها ما أخرجه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ في صحيحه عن عمرو بن شبة عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة عن المغيرة عن الشعبي عن عبد الله بن زيد الأنصاري سمعت أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أذانه وإقامته مثنى مثنى قلت في إسناده انقطاع لأن الشعبي لم يثبت سماعه من عبد الله بن زيد وفيه المغيرة وهو ابن مقسم وهو مدلس وروى هذا الحديث عن الشعبي بالعنعنة وفي الباب عن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة أخرجه الترمذي في باب الترجيع في الأذان والنسائي والدارمي قوله (قال بعض أهل العلم الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة) وبه يقول أبو حنيفة وأصحابه قال الشوكاني في النيل وقد اختلف الناس في ذلك فذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء إلى أن ألفاظ الإقامة إحدى عشرة كلمة كلها مفردة إلا التكبير في أولها وآخرها ولفظ قد قامت الصلاة فإنها مثنى مثنى واستدلوا بهذا الحديث يعني حديث أنس المذكور في الباب المتقدم وحديث عبد الله بن زيد يعني الذي ذكرناه في الباب المتقدم وحديث ابن عمر يعني الذي أشار إليه الترمذي في الباب المتقدم قال الخطابي مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد
[ 497 ]
الإسلام أن الاقامة فرادى قال أيضا مذهب كافة العلماء أنه يكرر قوله قد قامت الصلاة إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها وذهب الشافعي في قديم قوليه إلى ذلك قال النووي ولنا قول شاذ أنه يقول في التكبير الأول الله أكبر مرة وفي الأخيرة مرة ويقول قد قامت الصلاة مرة قال ابن سيد الناس وقد ذهب إلى القول بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر قال البيهقي ممن قال بإفراد الإقامة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز قال البغوي هو قول أكثر العلماء وذهبت الحنفية والثوري وابن المبارك وأهل الكوفة إلى أن ألفاظ الاقامة مثل الأذان عندهم مع زيادة قد قامت الصلاة مرتين واستدلوا بما في رواية من حديث عبد الله بن زيد عند الترمذي وأبي داود بلفظ كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة وأجيب عن ذلك بأنه منقطع كما قال الترمذي وقال الحاكم والبيهقي الروايات عن عبد الله بن زيد في هذا الباب كلها منقطعة وقد تقدم ما في سماع ابن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ويجاب عن هذا الانقطاع بأن الترمذي قال بعد إخراج هذا الحديث عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد ما لفظه وقال شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد رأى الأذان في المنام قال الترمذي وهذا أصح انتهى وقد روى ابن أبي ليلى عن جماعة من الصحابة منهم عمر وعلي وعثمان وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب والمقداد وبلال وكعب بن عجرة وزيد بن أرقم وحذيفة بن اليمان وصهيب وخلق يطول ذكرهم وقال أدركت عشرين ومائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم من الأنصار فلا علة للحديث لأنه على الرواية عن عبد الله بدون توسيط الصحابة مرسل عن الصحابة وهو في حكم المسند وعلى روايته عن الصحابة عنه مسند ومحمد بن عبد الرحمن وإن كان بعض أهل الحديث يضعفه فمتابعة الأعمش إياه عن عمرو بن مرة ومتابعة شعبة كما ذكر ذلك الترمذي مما يصحح خبره وإن خالفاه في الإسناد وأرسلا فهي مخالفة غير قادحة واستدلوا أيضا بما رواه الحاكم والبيهقي في الخلافيات والطحاوي من رواية سويد بن غفلة أن بلال كان يثني الأذان والإقامة وادعى الحاكم فيه الانقطاع قال الحافظ ولكن في رواية الطحاوي سمعت بلالا ويؤيد ذلك ما رواه بن أبي شيبة عن جبر بن علي عن شيخ يقال له الحفص عن أبيه عن جده وهو سعد القرظ قال أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أذن لأبي بكر في حياته ولم يؤذن في زمان عمر وسويد بن غفلة هاجر في زمن أبي بكر وأما ما رواه أبو داود من أن بلالا ذهب إلى الشام في حياة أبي بكر فكان بها حتى مات فهو مرسل وفي إسناده عطاء الخراساني
[ 498 ]
وهو مدلس وروى الطبراني في مسند الشاميين من طريق جنادة بن أبي أمية عن بلال أنه كان يجعل الأذان والإقامة مثنى مثنى وفي إسناده ضعف قال الحافظ وحديث أبي محذورة في تثنية الإقامة مشهور عند النسائي وغيره انتهى وحديث أبي محذورة حديث صحيح ساقه الحازمي في الناسخ والمنسوخ وذكر فيه الإقامة مرتين مرتين وقال هذا حديث حسن على شرط أبي داود والترمذي والنسائي وسيأتي ما خرجه عنه الخمسة أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة وهو حديث صححه الترمذي وغيره وهو متأخر عن حديث بلال الذي فيه الأمر بإيتار الإقامة لأنه بعد فتح مكة لأن أبا محذورة من مسلمة الفتح وبلالا أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان فيكون ناسخا وقد روى أبو الشيخ أن بلالا أذن بمنى ورسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مرتين مرتين وأقام مثل ذلك إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها وأحاديث الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين لكن أحاديث إفراد التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم لاسيما مع تأخر تاريخ بعضها كما عرفناك وقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إفراد الإقامة وتثنيتها قال أبو عمر بن عبد البر ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ومحمد بن جرير إلى إجازة القول بكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك وحملوه على الإباحة والتخيير وقالوا كل ذلك جائز لأنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع ذلك وعمل به أصحابه فمن شاء قال الله أكبر أربعا في أول الأذان ومن شاء ثنى ومن شاء ثنى الإقامة ومن شاء أفردها إلا قوله قد قامت الصلاة فإن ذلك مرتان على كل حال انتهى قلت ما ذهب إليه الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهما من جواز إفراد الإقامة وتثنيتها هو القول الراجح المعول عليه بل هو المتعين عندي ولما كانت أحاديث إفراد الإقامة أصح وأثبت من أحاديث تثنيتها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين كان الأخذ بها أولى وأما قول الشوكاني لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم ففيه نظر كما لا يخفى على المتأمل قوله (وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة) وهو قول أبي حنيفة قال الحازمي في كتاب الاعتبار في باب تثنية الإقامة بعد ذكر حديث أبي محذورة الذي فيه وعلمني الإقامة مرتين ما لفظه اختلف أهل العلم في هذا الباب فذهبت طائفة إلى أن الإقامة مثل الأذان مثنى مثنى وهو قول سفيان الثوري وأبي حنيفة وأهل الكوفة واحتجوا في الباب بهذا الحديث يعني حديث أبي محذورة ورأوه محكما ناسخا لحديث بلال ثم ذكر حديث بلال بإسناده عن أنس بلفظ إنهم ذكروا الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال نوروا نارا أو اضربوا قوسا فأمر بلالا أن يشفع الأذان
[ 499 ]
ويوتر الإقامة وقال هذا حديث صحيح عليه ثم قال قالوا وهذا ظاهر في النسخ لأن بلالا أمر بإفراد الإقامة أول ما شرع الأذان على ما دل عليه حديث أنس وأما حديث أبي محذورة كان عام حنين وبين الوقتين مدة مديدة قال وخالفهم في ذلك أكثر أهل العلم فرأوا أن الإقامة فرادى وذهبوا في ذلك إلى حديث أنس وأجابوا عن حديث أبي محذورة بوجوه منها أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة في جميع جهات الترجيحات على ما قدرناه في مقدمة الكتاب وغير مخفي على من الحديث صناعته أن حديث أبي محذورة لا يوازي حديث أنس في جهة واحدة في الترجيحات فضلا عن الجهات كلها ومنها أن جماعة من الحفاظ ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة بدليل ما أخبرنا به إبو إسحاق إبراهيم بن علي الفقيه فذكر بإسناده عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أخبرني جدي عبد الملك بن أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وقال عبيد الله بن الزبير الحميدي عن إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك قال أدركت جدي وأبي وأهلي يقيمون فيقولون الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر لا إله إلا الله ونحو ذلك حكى الشافعي عن ولد أبي محذورة في بقاء أبي محذورة وولده على إفراد الإقامة دلالة ظاهرة على وهم وقع فيما روى في حديث أبي محذورة من تثنية الاقامة قال ثم لو قدرنا أن هذه الزيادة محفوظة وأن الحديث ثابت ولكنه منسوخ وأذان بلال هو آخر الأذانين لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالا على أذانه وإقامته انتهى كلام الحازمي قلت قد تكلم القاضي الشوكاني على هذه الوجوه التي ذكرها الحازمي في الجواب عن حديث أبي محذورة فقال وقد أجاب القائلون بإفراد الإقامة عن حديث أبي محذورة بأجوبة منها أن من شرط الناسخ أن يكون أصح سندا وأقوم قاعدة وهذا ممنوع فإن المعتبر في الناسخ مجرد الصحة لا الأصحية ومنها أن جماعة من الأئمة ذهبوا إلى أن هذه اللفظة في تثنية الإقامة غير محفوظة ورووا من طريق أبي محذورة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة كما ذكر ذلك الحازمي في الناسخ والمنسوخ وأخرجه البخاري في تاريخه والدارقطني وابن خزيمة وهذا الوجه غير نافع لأن القائلين بأنها غير محفوظة غاية ما اعتذروا به عدم الحفظ وقد حفظ غيرهم من الأئمة كما تقدم ومن علم حجة على من لا يعلم وأما رواية إيتار الإقامة عن أبي محذورة فليست كرواية التشفيع على أن الاعتماد على الرواية المشتملة على الزيادة ومن الأجوبة أن تثنية الإقامة لو فرض أنها محفوظة وأن الحديث بها ثابت لكانت منسوخة فإن أذان بلال هو آخر الأمرين لأن النبي صلى الله عليه وسلم
[ 500 ]
لما عاد من حنين ورجع إلى المدينة أقر بلالا على أذانه وإقامته قالوا وقد قيل لأحمد بن حنبل أليس حديث أبي محذورة بعد حديث عبد الله بن زيد لأن حديث أبي محذورة بعد فتح مكة قال أليس قد رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأقر بلالا على الأذان عبد الله بن زيد وهذا أنهض ما أجابوا به ولكنه متوقف على نقل صحيح أن بلالا أذن بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأفرد الإقامة ومجرد قول أحمد بن حنبل لا يكفي فإن ثبت ذلك كان دليلا لمذهب من قال بجواز الكل ويتعين المصير إليها لأن فعل كل واحد من الأمرين عقب الاخر مشعر بجواز الجميع لا بالنسخ انتهى كلام الشوكاني قلت قد ثبت أن بلالا أمره النبي صلى الله عليه وسلم بإفراد الإقامة وقد ثبت أيضا أنه أذن حياته صلى الله عليه وسلم ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد من حنين أمر بلالا بتثنية الإقامة ومنعه من إفرادها فالظاهر هو ما قال الإمام أحمد والله تعالى أعلم باب ما جاء في الترسل في الأذان أي بقطع الكلمات بعضها عن بعض والتأني في التلفظ بها قال ابن قدامة الترسل التمهل والتأني من قولهم جاء فلان على رسله والحدر ضد ذلك وهو الإسراع وقطع التطويل وهذا من آداب الأذان ومستحباتة قال الأذان إعلام الغائبين والتثبت فيه أبلغ في الاعلام والإقامة إعلام الحاضرين فلا حاجة إلى التثبت فيها قوله (نا المعلي) بفتح ثانيه وتشديد اللام المفتوحة (بن أسد) العمي البصري أخو بهز ثقة ثبت لم يخطئ إلا في حديث واحد كذا في التقريب (نا عبد المنعم) بن نعيم الأسواري أبو سعيد البصري (هو صاحب السقاء) هو لقب عبد المنعم ولعله كان يسقي الناس الماء قال الحافظ في التقريب متروك (نا يحيى بن مسلم) البصري قال الحافظ مجهول (عن الحسن وعطاء) الحسن هو الحسن بن يسار البصري وعطاء وهو عطاء بن أبي رباح المكي قوله (إذا أذنت فترسل) أي تأن ولا تعجل والرسل بكسر الراء وسكون السين التؤدة
[ 501 ]
والترسل طلبه (وإذا أقمت فاحدر) أي أسرع وعجل في التلفظ بكلمات الإقامة كذا في المجمع وقال الحافظ في التلخيص الحدر بالحاء والدال المهملتين الإسراع ويجوز في قوله فاحدر ضم الدال وكسرها قال ابن قدامة وروى أبو عبيد بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال لمؤذن بيت المقدس إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحذم قال الأصمعي وأصل الحذم في المشي إنما هو الإسراع وأن يكون مع هذا كأنه يهوي بيديه إلى خلفه انتهى (والمعتصر) هو من يؤذيه بول أو غائط أي يفرغ الذي يحتاج إلى الغائط ويعصر بطنه وفرجه كذا في المجمع والمرقاة (ولا تقوموا حتى تروني) أي خرجت وسيأتي توضيح هذا في باب الإمام بالإقامة قوله (وهو إسناد مجهول) فإن فيه يحيى بن مسلم البصري وهو مجهول قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث وذكر كلام الترمذي هذا ما لفظه وعبد المنعم هذا ضعفه الدارقطني وقال أبو حاتم منكر الحديث جدا لا يجوز الاحتجاج به وأخرجه الحاكم في مستدركه عن عمرو بن فائد الأسواري ثنا يحيى بن مسلم به سواء ثم قال هذا حديث ليس في إسناده مطعون فيه غير عمر وبن فائد ولم يخرجاه انتهى قال الذهبي في مختصره وعمرو بن فائد قال الدارقطني متروك انتهى وقال الحافظ في التلخيص وروى الدارقطني من حديث سويد بن غفلة عن علي قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نرتل الأذان ونحدر الإقامة وفيه عمرو بن شمر وهو متروك وقال البيهقي روي بإسناد اخر عن الحسن وعطاء عن أبي هريرة ثم ساقه وقال الإسناد الأول أشهر يعني طريق جابر وروى الدارقطني من حديث عمر موقوفا نحوه وليس في إسناده إلا أبو الزبير مؤذن بيت المقدس وهو تابعي قديم مشهور انتهى وحديث جابر المذكور في الباب أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن عدي وضعفوه إلا الحاكم فقال ليس في إسناده مطعون غير عمرو بن فائد قال الحافظ لم يقع إلا في روايته هو ولم يقع في رواية الباقين لكن عندهم فيه عبد المنعم صاحب السقاء وهو كاف في تضعيف الحديث انتهى
[ 502 ]
فائدة حديث الباب يدل على أن المؤذن يقول كل كلمة من كلمات الأذان بنفس واحد فيقول التكبيرات الأربع في أول الأذان بأربعة أنفس ثم يقول الله أكبر بنفس اخر ثم يقول الله أكبر بنفس اخر ثم يقول الله أكبر بنفس اخر وعلى هذا يقول كل كلمة بنفس واحد لكن قال النووي في شرح مسلم قال أصحابنا يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد فيقول في أول الأذان الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ثم يقول الله أكبر الله أكبر بنفس اخر انتهى ووجهه بأن الإقامة إحدى عشرة كلمة منها الله أكبر الله أكبر أولا وآخرا وهذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد وتعقب عليه الحافظ في الفتح بأن هذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس انتهى قلت ما قال الحافظ حسن موجه لكن يستأنس لما قال النووي من أن المؤذن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد في أول الأذان وفي اخره بما رواه مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة انتهى فقوله صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر في أول الأذان وكذا في آخره يدل بظاهره على ما قال النووي والله تعالى أعلم باب ما جاء في إدخال الاصبع الأذن عند الأذان قوله (عن عون بن أبي جحيفة) بتقديم الجيم على الحاء مصغرا السوائي ثقة (عن أبيه) هو أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي مشهور بكنيته ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب عليا مات سنة 74 أربع وسبعين قوله (رأيت بلالا يؤذن ويدور) أي عند الحيعلتين (ويتبع) من الإتباع (فاه) أي فمه (ههنا وههنا) أي يمينا وشمالا وفي رواية وكيع عند مسلم قال فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا
[ 503 ]
وشمالا يقول حي على الصلاة حي على الفلاح قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذه الرواية فيه تقييد للالتفات في الأذان وأن محله عند الحيعلتين انتهى وروى هذا الحديث قيس بن الربيع عن عون فقال فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر أخرجه أبو داود قال الحافظ في الفتح ويمكن الجمع بأن من أثبت الاستدارة عنى استدارة الرأس ومن نفاها عنى استدارة الجسد كله انتهى (وأصبعاه في أذنيه) جملة حالية أي جاعلا أصبعيه في أذنيه والأصبع مثلثة الهمزة والباء (ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة) قال الجزري في النهاية القبة من الخيام بيت صغير مستدير وهو من بيوت العرب (أراه) بضم الهمزة أي أظنه والظاهر أن قائل أراه هو عون والضمير المنصوب يرجع إلى أبي جحيفة (قال من أدم) بفتحتين جمع أديم أي جلد (بالعنزة) بفتح العين والنون والزاي عصا أقصر من الرمح لها سنان وقيل هي الحربة القصيرة قاله الحافظ وقال الجزري في النهاية العنزة مثل نصف الرمح أو أكبر شيئا وفيها سنان مثل سنان الرمح والعكازة قريب منها انتهى (فركزها) أي غرزها (بالبطحاء) يعني بطحاء مكة وهو موضع خارج مكة وهو الذي يقال له الأبطح قاله الحافظ قلت ويقال له المحصب أيضا (يمر بين يديه الكلب والحمار) قال الحافظ أي بين العنزة والقبلة لا بينه وبين العنزة ففي رواية عمرو بن أبي زائدة ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة (وعليه حلة حمراء) الحلة بضم الحاء إزار ورداء قال الجزري في النهاية الحلة واحد الحلل وهي برود اليمن ولا تسمى حلة إلا أن تكون ثوبين من جنس واحد (كأني أنظر إلى بريق ساقيه) أي لمعانهما والبريق اللمعان (قال سفيان) هو الثوري الراوي عن عون (نراه حبرة) بكسر المهملة وفتح الموحدة أي نظن أن الحلة الحمراء التي كانت عليه صلى الله عليه وسلم لم تكن حمراء بحتا بل كانت حبرة يعني كانت فيها خطوط حمر فإن الحبرة على ما في القاموس والمجمع هي ضرب من برود من اليمن موشى مخطط وقال ابن القيم إن الحلة الحمراء بردان يمانيان منسوجان بخطوط حمر مع الأسود وغلط من قال إنها كانت حمراء بحتا قال وهي معروفة بهذا الاسم انتهى وتعقب الشوكاني عليه بأن الصحابي قد وصفها بأنها حمراء وهو من أهل اللسان والواجب الحمل على المعنى الحقيقي وهو الحمراء البحت والمصير إلى المجاز أعني كون بعضها أحمر دون بعض لا يحمل ذلك الوصف عليه إلا لموجب فإن أراد أن ذلك معنى الحلة الحمراء لغة فليس في كتب اللغة ما يشهد لذلك وإن أراد أن ذلك حقيقة شرعية فيها فالحقائق الشرعية لا تثبت
[ 504 ]
بمجرد الدعوى انتهى كلام الشوكاني وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا بلفظ باب الصلاة في الثوب الأحمر وأورد فيه هذا الحديث قال الحافظ في الفتح يشير إلى الجواز والخلاف في ذلك مع الحنفية فإنهم قالوا يكره وتأولوا حديث الباب بأنها كانت حلة من برود فيها خطوط حمر انتهى ويأتي الكلام في هذه المسألة في موضعها بالبسط إن شاء الله قوله (حديث أبي جحيفة حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم إلا أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبعين في الأذنين ولا الاستدارة وفي الباب عن عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد مؤدن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حدثني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال إنه أرفع لصوتك أخرجه ابن ماجه وهو حديث ضعيف وفي الباب روايات أخرى قوله (وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يدخل المؤذن إصبعيه في أذنيه في الأذان) قالوا في ذلك فائدتان إحداهما أنه قد يكون أرفع لصوته وفيه حديث ضعيف أخرجه أبو الشيخ من طريق سعد القرظ عن بلال وثانيتهما أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن قاله الحافظ وقال لم يرد تعيين الاصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الاصبع مجاز عن الأنملة انتهى قوله (وقال بعض أهل العلم وفي الإقامة أيضا يدخل إصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي) لا دليل عليه من السنة وأما القياس على الأذان فقياس مع الفارق قال القارئ في المرقاة في شرح حديث عبد الرحمن بن سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل إصبعيه في أذنيه قال إنه أرفع لصوتك ما لفظه قال الطيبي ولعل الحكمة أنه إذا سد صماخيه لا يسمع إلا الصوت الرفيع فيتحرى في استقصائه كالأطرش قيل وبه يستدل الأصم على كونه أذانا فيكون أبلغ في الاعلام قال ابن حجر ولا يسن ذلك في الإقامة لأنه لا يحتاج فيها إلى أبلغية الإعلام لحضور السامعين انتهى (وأبو جحيفة اسمه وهب السوائي) بمضمومة وخفة واو فألف فكسر همزة نسبة إلى سواءة بن عامر كذا في المغنى
[ 505 ]
باب ما جاء في التثويب في الفجر التثويب هو العود إلى الإعلام بعد الإعلام ويطلق على الإقامة كما في حديث حتى إذا ثوب أدبر حتى إذا فرغ أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه وعلى قول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم وكل من هذين تثويب قديم ثابت من وقته صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وقد أحدث الناس تثويبا ثالثا بين الأذان والإقامة قاله في فتح الودود قلت ومراد الترمذي بالتثويب ههنا هو قول المؤذن في أذان الفجر الصلاة خير من النوم قوله (أبو أحمد الزبيري) بضم الزاء الموحدة هو محمد بن عبد الله بن الزبير بن درهم الأسدي الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري وهو من رجال الكتب الستة (أبو إسرائيل) يجئ ترجمته (عن الحكم) هو ابن عتيبة (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال) عبد الرحمن هذا لم يسمع من بلال كما صرح به الحافظ في التلخيص قوله (لا تثوبن في شئ من الصلوات إلا في صلاة الفجر) من التثويب قال الجزري في النهاية هو قوله الصلاة خير من النوم وقال والأصل في التثويب أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمى الدعاء تثويبا لذلك وكل داع مثوب وقيل إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة وأن المؤذن إذا قال حي على الصلاة فقد دعاهم إليها وإذا قال بعدها الصلاة خير من النوم فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها انتهى كلام الجزري وحديث الباب أخرجه ابن ماجه والبيهقي وقال عبد الرحمن لم يلق بلالا قوله (وفي الباب عن أبي محذورة) أخرجه أبو داود قال قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان الحديث وفي آخره فإن كان صلاة الصبح قلت الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم
[ 506 ]
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ورواه ابن حبان في صحيحه وفي الباب أيضا عن أنس قال من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر حي على الصلاة حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني ثم البيهقي في سننهما وقال البيهقي إسناده صحيح كذا في نصب الراية وفي الباب أحاديث أخرى مذكورة فيه وأعلم أنه قد ثبت كون الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم في أذان الفجر بعد حي على الفلاح حي على الفلاح من حديث أبي محذورة وبلال المذكورين وكذا من حديث ابن عمر قال الأذان الأول بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين رواه السراج والطبراني والبيهقي وسنده حسن كما صرح به الحافظ وهو مذهب الكافة وهو الحق وأما ما قال الإمام محمد في موطئه من أن الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ففيه نظر قوله (حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي) بمضمومة وخفة لام وبمد بياء في آخره نسبة إلى بيع الملاء نوع من الثياب (إنما رواه عن الحسن بن عمارة) وهو متروك (وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن أبي إسحاق وليس بذاك القوي) قال الذهبي في الميزان أبو إسرائيل أسمه إسماعيل بن أبي إسحاق خليفة ضعفوه وقد كان شيعيا بغيضا من الغلاة الذين يكرهون عثمان قال ابن المبارك لقد من الله على المسلمين بسوء حفظ أبي إسرائيل وذكر أقوال الجرح وقال الحافظ في التقريب صدوق سئ الحفظ قوله (قال إسحاق في التثويب) أي في تفسيره (غير هذا) أي غير هذا الذي فسره به ابن
[ 507 ]
المبارك وأحمد (قال) أي إسحاق (هو شئ أحدثه الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن المؤذن فاستبطأ القوم قال بين الأذان وا قامة قد قامت الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح) وبهذا التفسير قال الحنفية قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر حديث الباب اختلفوا في التثويب فقال أصحابنا يعني الحنفية هو أن يقول بين الأذان وا قامة حي على الصلاة حي على الفلاح مرتين وقال الباقون هو قوله في الأذان الصلاة خير من النوم انتهى كلام الزيلعي قلت قول التابعين هو قوله في الأذان الصلاة خير من النوم انتهى كلام الزيلعي قلت قول الباقين هو الصحيح كما صرح به الترمذي وهو المراد في حديث الباب وأما ما قال به إسحاق ومن تبعه فهو محدث كما صرح به الترمذي فكيف يكون مرادا في الحديث النبوي (والذي أحدثوه) عطف على الذي كرهه قال التوربشتي أما النداء بالصلاة الذي يعتاده الناس من بعد الأذان على أبواب المسجد فإنه بدعة يدخل في القسم المنهي عنه انتهى (وروى عن عبد الله بن عمر إنه كان يقول في صلاة الفجر) أي في أذان صلاة الفجر ولم أقف على من أخرج هذا الأثر (وروى عن مجاهد قال دخلت مع عبد الله بن عمر مسجدا إلخ) رواه أبو داود في سننه ولفظه قال كنت مع ابن عمر فثوب رجل في الظهر أو العصر قال اخرج بنا فإن هذه بدعة انتهى وإنما قال اخرج بنا لأنه كان
[ 508 ]
حينئذ أعمى باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم قوله (نا عبدة ويعلي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم) بفتح أوله وسكون النون وضم المهملة الإفريقي قاضيها ضعيف من جهة حفظه وكان رجلا صالحا قاله الحافظ (عن زياد بن نعيم) بضم النون مصغرا هو زياد بن ربيعة بن نعيم الحضرمي ثقة (عن زياد بن الحارث الصدائي) بضم الصاد وخفة الدال فألف فهمزة نسبة إلى صداء ممدود وهو حي من اليمن قاله صاحب مجمع البحار وغيره وهو حليف لبني الحارث بن كعب بايع النبي صلى الله عليه وسلم وأذن بين يديه ويعد في البصريين قاله الطيبي وقال الحافظ له صحبة ووفادة (أن أخا صداء) هو زياد بن الحارث الصدائي (ومن أذن فهو يقيم) قال ابن الملك فيكره أن يقيم غيره وبه قال الشافعي وعند أبي حنيفة لا يكره لما روى أن ابن أم مكتوم ربما كان يؤذن ويقيم بلال وربما كان عكسه والحديث محمول على ما إذا لحقه الوحشة بإقامة غيره كذا في المرقاة قلت لم أقف على هذه الرواية التي ذكرها ابن الملك ولأبي حنيفة حديث آخر وسيأتي ذكره وتحقيق هذه المسألة قوله (وفي الباب عن ابن عمر) أخرجه أبو حفص عمر بن شاهين في كتاب الناسخ
[ 509 ]
والمنسوخ وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان والخطيب البغدادي عن سعيد بن أبي راشد المازني ثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سير له فحضرت الصلاة فنزل القوم فطلبوا بلالا فلم يجدوه فقام رجل فأذن ثم جاء بلال فذكر له فأراد أن يقيم فقال له عليه السلام مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن قال ابن أبي حاتم في العلل قال أبي هذا حديث منكر وسعيد هذا منكر الحديث ضعيف كذا في نصب الراية قوله (إنما نعرفه من حديث الإفريقي) هو عبد الرحمن بن زياد بن أنعم (والإفريقي هو ضعيف) قال في البدر المنير ضعيف لكثرة روايته للمنكرات مع علمه وزهده ورواية المنكرات كثيرا ما يعتري الصالحين لقلة تفقدهم للرواة لذلك قيل لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث كذا في النيل وقال ميرك ضعف الحديث الترمذي لأجل الإفريقي وحسنه الحازمي وقواه العقيلي وابن الجوزي انتهى والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه (يقوي أمره ويقول هو مقارب الحديث) هذا من ألفاظ التعديل وقد تقدم توضيحه في المقدمة قوله (والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أذن فهو يقيم) قال الحافظ الحازمي في كتاب الاعتبار اتفق أهل العلم في الرجل يؤذن ويقيم غيره على أن ذلك جائز واختلفوا في الأولوية فذهب أكثرهم إلى أنه لا فرق وأن الأمر متسع وممن رأى ذلك مالك وأكثر أهل الحجاز وأبو حنيفة وأكثر أهل الكوفة وأبو ثور وذهب بعضهم إلى أن الأولى أن من أذن فهو يقيم وقال سفيان الثوري كان يقال من أذن فهو يقيم وروينا عن أبي محذورة أنه جاء وقد أذن إنسان فأذن وأقام وإلى هذا ذهب أحمد وقال الشافعي في رواية الربيع عنه وإذا أذن الرجل أحببت أن يتولى الإقامة لشئ يروى فيه أن من أذن فهو يقيم وكان من حجة من ذهب إلى القول الثاني ما أخبرنا به أبو المحاسن فذكر بإسناده حديث زياد بن الحارث الصدائي بأطول مما رواه الترمذي ثم قال قالوا فهذا الحديث أقوم إسنادا من الأول يعني من حديث عبد الله بن زيد ذكره قبل ذلك بلفظ رأى عبد الله الأذان في المنام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال ألقه على بلال فألقاه على بلال فأذن
[ 510 ]
فقال عبد الله أنا رأيته وأنا كنت أريده قال فأقم أنت قال ثم حديث عبد الله بن زيد كان في أول ما شرع الأذان وذلك في السنة الأولى وحديث الصدائي كان بعده بلا شك والأخذ بآخر الأمرين أولى وطريق الإنصاف أن يقال الأمر في هذا الباب على التوسع وادعاء النسخ مع إمكان الجمع بين الحديثين على خلاف الأصل إذا لا عبرة لمجرد التراخي ثم نقول في حديث عبد الله بن زيد إنما فوض الأذان إلى بلال لأنه كان أندى صوتا من عبد الله على ما ذكر في الحديث والمقصود من الأذان الإعلام ومن شرطه الصوت وكلما كان الصوت أعلى كان أولى وأما زيد بن الحارث فكان جهوري الصوت ومن صلح للأذان فهو للإقامة أصلح وهذا المعنى يؤكد قول من قال من أذن فهو يقيم انتهى كلام الحازمي قلت حديث عبد الله بن زيد وحديث الصدائي كلاهما ضعيفان والأخذ بحديث الصدائي أولى لما ذكر الحازمي ولأن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الصدائي من أذن فهو يقيم قانون كلي وأما حديث عبد الله بن زيد ففيه بيان واقعة جزئية يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله لعبد الله بن زيد فأقم أنت تطييب قلبه لأنه رأى الأذان في المنام ويحتمل أن يكون لبيان الجواز ولأن لحديث الصدائي شاهدا ضعيفا من حديث ابن عمر وقد تقدم ذكره قال الحافظ في الدراية وأخرج ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ له من حديث ابن عمر شاهدا انتهى وقال صاحب سبل السلام والحديث دليل على أن الإقامة حق لمن أذن فلا تصح من غيره وعضد حديث الباب يعني حديث الصدائي حديث ابن عمر بلفظ مهلا يا بلال فإنما يقيم من أذن أخرجه الطبراني والعقيلي وأبو الشيخ وإن كان قد ضعفه أبو حاتم وابن حبان انتهى باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء قوله (عن معاوية بن يحيى) هو معاوية بن يحيى الصدفي أبو روح الدمشقي روى عن مكحول وابن شهاب وعنه بقية بن الوليد بن مسلم ضعيف كذا في الخلاصة والتقريب قوله (لا يؤذن إلا متوضئ) الحديث دليل على أنه يكره الأذان بغير وضوء لكن الحديث ضعيف من وجهين فإن في سنده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف كما عرفت فيه انقطاع بين
[ 511 ]
الزهري وأبي هريرة فإنه لم يسمع منه كما صرح به الترمذي قوله (نا عبد الله بن وهب) بن مسلم القرشي الفقيه ثقة حافظ (عن يونس) ابن يزيد بن أبي النجاد الأيلي ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا وفي غير الزهري خطأ من كبار السابعة كذا في التقريب وغيره قوله (قال قال أبو هريرة لا ينادى) أي يؤذن والحديث موقوف ومنقطع قوله (وهذا أصح من الحديث الأول) أي هذا الحديث الموقوف الذي رواه عبد الله ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن أبي هريرة أرجح وأقل ضعفا من الحديث الأول المرفوع الذي رواه معاوية بن يحيى عن الزهري عن أبي هريرة فإن هذا المرفوع ضعيف من وجهين كما عرفت والموقوف ضعيف من وجه واحد وهو الانقطاع (والزهري لم يسمع من أبي هريرة) فصار الحديث من الطريقين منقطعا لكن رواه أبو الشيخ عن ابن أبي عاصم حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم عن معاوية بن يحيى عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يؤذن إلا متوضئ وقال البيهقي كذا رواه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف والصحيح رواية يونس وغيره عن الزهري مرسلا كذا في عمدة القاري قوله (فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق) وهو قول عطاء قال البخاري في صحيحه قال عطاء الوضوء حق وسنة انتهى قال الحافظ وصله عبد الرزاق عن ابن جرير قال قال لي عطاء حق وسنة مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضئا هو من الصلاة هو فاتحة
[ 512 ]
الصلاة ولابن أبي شيبة من وجه آخر عن عطاء أنه كره أن يؤذن الرجل على غير وضوء انتهى وهو قول أحمد قال صاحب السبل قد ذهب أحمد وآخرون إلى أن لا يصح أذان المحدث حدثا أصغر عملا بهذا الحديث انتهى لكن ذكر الترمذي أحمد في المرخصين وذكر العيني في شرح البخاري الشافعي مع أحمد في المرخصين حيث قال قال صاحب الهداية من أصحابنا وينبغي أن يؤذن ويقيم على طهر لأن الأذان والإقامة ذكر شريف يستحب فيه الطهارة فإن أذن على غير وضوء جاز وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم وعن مالك أن الطهارة شرط في الإقامة دون الأذان وقال عطاء والأوزاعي وبعض الشافعية تشترط فيهما انتهى كلام العيني (ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد) وهو قول إبراهيم النخعي كما في صحيح البخاري وهو قول مالك والكوفيين لأن الأذان ليس من جملة الأركان فلا يشترط فيه ما يشترط في الصلاة من الطهارة ولا من استقبال القبلة كما لا يستحب فيه الخشوع الذي ينافيه الالتفات وجعل الأصبع في الأذن كذا في فتح الباري قلت العمل على حديث الباب هو الأولى فإن الحديث وإن كان ضعيفا لكن له شاهدا من حديث وائل قال الحافظ في التلخيص روى البيهقي والدارقطني في الأفراد وأبو الشيخ في الأذان من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار عنه ثبت في صحيح مسلم أنه قال كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه انتهى ما في التلخيص وله شاهد آخر من حديث ابن عباس ذكره الزيلعي في نصب الراية بلفظ يا ابن عباس إن الأذان متصل بالصلاة فلا يؤذن احدكم إلا وهو طاهر أخرجه أبو الشيخ والله تعالى أعلم باب ما جاء أن الامام أحق باقامة قوله (سمع جابر بن سمرة) بن جنادة بضم الجيم بعدها نون السوائي بضم المهملة والمد صحابي ابن صحابي نزل الكوفة ومات بها بعد سنة سبعين كذا في التقريب
[ 513 ]
قوله (يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه) هذا الحديث يدل على أن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقيم إلا بعد أن يراه وقد أخرج الشيخان عن أبي قتادة مرفوعا إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني أي قد خرجت وهذا الحديث يدل على أن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقيم قبل أن يراه ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب وقت خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا ويشهد لذلك ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف وفي صحيح مسلم وسنن أبي داود ومستخرج أبي عوانة أنهم كانوا يعدلون الصفوف قبل خروجه صلى الله عليه وسلم وفي حديث أبي قتادة أنهم كان يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم الانتظار كذا في الفتح والنيل والله تعالى أعلم قوله (حديث جابر بن سمرة حديث حسن) وأخرجه مسلم بلفظ كان بلال يؤذن إذا دحضت الشمس فلا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا خرج أقام الصلاة قوله (وهكذا قال بعض أهل العلم أن المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة) وقد ورد مثله عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة رواه ابن عدي وضعفه كذا في بلوغ المرام قال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام في شرح هذا الحديث المؤذن أملك بالأذان أي وقته موكول إليه لأنه أمين عليه والإمام أملك بالإقامة فلا يقيم إلا بعد إشارته قال الشوكاني ولعل تضعيفه له لأن في إسناده شريكا القاضي وقد أخرج البيهقي نحوه عن علي رضي الله عنه من قوله وقال ليس بمحفوظ ورواه أبو الشيخ من طريق أبي الجوزاء عن ابن عمه وفيه معارك وهو ضعيف انتهى
[ 514 ]
باب ما جاء في الأذان بالليل قوله (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المدني أحد الفقهاء السبعة وكان ثبتا عابدا فاضلا كان يشبه بأبيه في الهدى والسمت قاله الحافظ (عن أبيه) هو عبد الله بن عمر قوله (إن بلالا يؤذن بليل) كان تأذينه بالليل ليرجع القائم وينتبه النائم كما جاء في حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو قال ينادي بليل ليرجع قائمكم ويوقظ نائمكم رواه الجماعة إلا الترمذي (فكلوا واشربوا) أي أيها المريدون الصيام (حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم) قد بينت رواية البخاري أنه لم يكن بين أذانيهما إلا مقدار أن يرقى ذا وينزل ذا قال الحافظ في الفتح قد أورده أي أورد البخاري هذا الحديث في الصيام وزاد في آخره فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر قال القاسم لم يكن بين أذانيهما إلا أن يرقى ذا وينزل ذا وفي هذا تقييد لما أطلق في الروايات الأخرى من قوله إن بلالا يؤذن بليل قال وفيه حجة لمن ذهب إلى أن الوقت الذي يقع فيه الأذان قبل الفجر هو وقت السحور انتهى قال في سبل السلام وفيه شرعية الأذان قبل الفجر لا لما شرع له الأذان فإن الأذان شرع كما سلف للإعلام بدخول الوقت ولدعاء السامعين لحضور الصلاة وهذا الأذان الذي قبل الفجر قد أخبر صلى الله عليه وسلم بوجه شرعيته بقوله ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم والقائم هو الذي يصل صلاة الليل ورجوعه عودة إلى نومه أو قعوده عن صلاته إذا سمع الأذان فليس للإعلام بدخول وقت ولا لحضور الصلاة فذكر الخلاف في المسألة وا ستدلال للمانع والمجيز لا يلتفت إليه من همه العمل بما ثبت انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة) أما حديث ابن
[ 515 ]
مسعود فأخرجه الجماعة إلا الترمذي وتقدم لفظه وأما حديث عائشة فأخرجه الشيخان وأما حديث أنيسة بالتصغير وهي بنت حبيب فأخرجه ابن حبان وأحمد مرفوعا بلفظ إذا أذن ابن أم مكتوم فكلو واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا كذا في الدراية وأما حديث أنس فأخرجه البزار عنه قال أذن بلال قبل الفجر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع فيقول ألا أن العبد نام فرقى بلال وهو يقول ليت بلالا ثكلته أمه وابتل من نضح دم جبينه قال الحافظ الهيثمي وفيه محمد بن القاسم ضعفه أحمد وأبو داود ووثقه ابن معين وأما حديث أبي ذر فأخرجه الطحاوي عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال إنك تؤذن إذا كان الفجر ساطعا وليس ذلك الصبح إنما الصبح هكذا معترضا وفي سنده ابن لهيعة وأما حديث سمرة وهو سمرة بن جندب فأخرجه مسلم قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (فقال بعض أهل العلم إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد وهو قول مالك إلخ) تمسك من قال بالإجزاء بحديث ابن مسعود وتقدم لفظه وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يدل وعلى التنزل فمحله فيما إذا لم يرد نطق بخلافه وههنا قد ورد حديث ابن عمر وعائشة بما يشعر بعدم الاكتفاء نعم حديثه زياد بن الحارث عند أبي داود يدل على الاكتفاء فإنه فيه أنه أذن قبل الفجر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام لكن في إسناده ضعف وأيضا فهي واقعة عين وكانت في سفر قاله الحافظ في الفتح (وقال بعض أهل العلم إذا أذن بالليل أعاد وبه يقول سفيان الثوري) وهو قول أبي حنيفة ومحمد قال الخطابي وكان أبو يوسف يقول بقول أبي حنيفة ثم رجع فقال لا بأس أن يؤذن للفجر خاصة قبل طلوع الفجر اتباعا للأثر وكان أبو حنيفة ومحمد لا يجيزان ذلك قياسا على سائر الصلوات وإليه ذهب سفيان الثوري انتهى قال الحافظ في الفتح وإلى الاكتفاء مطلقا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف ابن خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث وقال به الغزالي في الاحياء وادعى بعضهم أنه لم يرد في شئ من الحديث ما يدل على الاكتفاء انتهى
[ 516 ]
قلت لم أقف على حديث صحيح صريح يدل على الاكتفاء فالظاهر عندي قول من قال بعدم الاكتفاء والله تعالى أعلم قوله (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام) يعني أن غلبة النوم على عينيه منعته من تبين الفجر قال الحافظ في الفتح وقال الخطابي هو يتأول على وجهين أحدهما أن يكون أراد به أنه غفل عن الوقت كما يقال نام فلان عن حاجتي إذا غفل عنها ولم يقم بها والوجه الآخر أن يكون معناه قد عاد لنومه إذا كان عليه بقية من الليل يعلم الناس ذلك لئلا ينزعجوا من نومهم وسكونهم انتهى وهذا الحديث رواه الترمذي معلقا ووصله أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل وداود بن شبيب المعنى قالا ثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر فذكره والحديث مما تمسك به من قال إن المؤذن إذا أذن بالليل أعاد لكنه غير محفوظ كما بينه الترمذي (وروى عبد العزيز ابن أبي رواد) بفتح الراء وتشديد الواو صدوق عابد ربما وهم ورمي بالإرجاء (أن مؤذنا لعمر) اسم هذا المؤذن مسروح وقال بعضهم مسعود (أذن بليل فأمره عمر أن يعيد الأذان) هكذا ذكره الترمذي معلقا ورواه أبو داود في سننه يد موصو بعد حث حماد بن سلمة (ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث) أي أثر عمر فوهم في رفعه والمعنى أن حماد بن سلمة كان له أن يقول إن مؤذنا لعمر أذن بليل
[ 517 ]
فأمره عمر أن يعيد الأذان فوهم فقال إن بلالا أذن بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام قال الحافظ في الفتح اتفق أئمة الحديث علي بن المدني وأحمد بن حنبل والبخاري والذهلي وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والأثرم والدارقطني على أن حمادا أخطأ في رفعه وأن الصواب وقفه على عمر بن الخطاب وأنه هو الذي وقع له ذلك مع مؤذنه انتهى كلام الحافظ باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان قوله (عن سفيان) هو الثوري (عن إبراهيم بن مهاجر) بن جابر البجلي الكوفي صدوق لين الحفظ من الخامسة (عن أبي الشعثاء) سليم بن أسود بن حنظلة الكوفي ثقة باتفاق من كبار الثالثة وروى هذا الحديث عنه ابنه أشعث أيضا وهو ثقة ولم ينفرد بروايته عنه إبراهيم بن مهاجر قوله (أما هذا فقد عصا أبا القاسم) قال الطيبي أما للتفصيل يقتضي شيئين فصاعدا والمعنى أما من ثبت في المسجد وأقام الصلاة فيه فقد أطاع أبا القاسم وأما هذا فقد عصى انتهى وقال القاري رواه أحمد وزاد ثم قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا
[ 518 ]
يخرج أحدكم حتى يصلي وإسناده صحيح انتهى والحديث يدل على أنه لا يجوز الخروج من المسجد بعد ما أذن فيه لكنه مخصوص بمن ليس له ضرورة يدل عليه حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وقد أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف حتى إذا قام في مصلاه انتظرنا أن يكبر انصرف قال على مكانكم فمكثنا على هيئتنا حتى خرج إلينا ينطف رأسه ماء وقد اغتسل رواه البخاري وغيره فهذا الحديث يدل على أن حديث الباب مخصوص بمن ليس له ضرورة فيلتحق بالجنب المحدث والراعف والحاقن ونحوهم وكذا من يكون إماما لمسجد آخر ومن في معناه وقد أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه فصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبالتخصيص ولفظه لا يسمع النداء في مسجدي ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق كذا في الفتح قوله (وفي الباب عن عثمان) أخرجه ابن ماجه مرفوعا بلفظ من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق قوله (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال ابن الهمام وأخرجه الجماعة إلا البخاري عن أبي الشعثاء قال كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ومثل هذا موقوف عند بعضهم وإن كان ابن عبد البر قال فيه وفي نظائره مسند لحديث أبي هريرة من لم يجب الدعوة فقد عصى أبا القاسم وقال لا يختلفون في ذلك انتهى قوله (أو أمر لا بد منه) كأن يكون حاقنا أو راعفا (ويروى عن إبراهيم النخعي أنه قال يخرج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة قول إبراهيم النخعي هذا مخالف لظاهر أحاديث الباب فإنها صريحة في منع الخروج بعد الأذان مطلقا أخذ المؤذن في الإقامة أو لم يأخذ إلا أن يحمل قوله على ما
[ 519 ]
إذا كان له حاجة وهو يريد الرجوع فيدل على جواز الخروج حينئذ ما أخرجه أبو داود في المراسيل عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا منافق إلا أحد أخرجته حاجة وهو يريد الرجوع (وهذا عندنا) أي عند أهل الحديث (لمن له عذر في الخروج منه) أي من المسجد والمعنى أن جواز الخروج من المسجد بعد الأذان مخصوص بمن له عذر في الخروج وأما من لا عذر له فلا يجوز له الخروج (وقد روى أشعث بن أبي الشعثاء هذا الحديث عن أبيه) رواه مسلم باب ما جاء في الأذان في السفر قوله (عن سفيان) هو الثوري كما صرح به الحافظ في الفتح (عن أبى قلابة) الجرمي (عن مالك بن الحويرث) بالتصغير الليثي صحابي نزل البصرة وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وأقام عنده عشرين ليلة وسكن البصرة قوله (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي) بالرفع على العطف وبالنصب على أنه مفعول معه (فأذنا) أي من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة قاله الحافظ قال وهو واضح من سياق حديث الباب حيث قال فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم ومراده بحديث الباب حديث مالك بن الحويرث بلفظ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من قومي الحديث وفي آخره فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم
[ 520 ]
وليؤمكم أكبركم وقال أبو الحسن بن القصار أراد بقوله فأذنا الفضل وإلا فأذان الواحد يجزئ وكأنه فهم منه أنه أمرهما أن يؤذنا جميعا كما هو ظاهر اللفظ وتعقب عليه الحافظ وذكر في ضمن تعقبه توجيها آخر لقوله فأذنا حيث قال فإن أراد يعني أبا الحسن بن القصار أنهما يؤذنان معا فليس ذلك بمراد وقد قدمنا النقل عن السلف بخلافه وإن أراد أن كلا منهما يؤذن على حدة ففيه نظر فإن أذان الواحد يكفي الجماعة نعم يستحب لكل أحد إجابة المؤذن فالأولى حمل الأمر على أن أحدهما يؤذن والآخر يجيب قال والحامل على صرفه عن ظاهره قوله فليؤذن لكم أحدكم وللطبراني من طريق حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء في هذا الحديث إذا كنت مع صاحبك فليؤذن وأقم وليؤمكما أكبركما انتهى (وأقيما) أي من أحب منكما أن يقيم فليقم قال الحافظ فيه حجة لمن قال باستحباب إجابة المؤذن بالإقامة إن حمل الأمر على ما قضى وإلا فالذي يؤذن هو الذي يقيم انتهى (وليؤمكما أكبركما) أي سنا قال القرطبي قوله وليؤمكما أكبركما يدل على تساويهما في شروط الإمامة ورجح أحدهما بالسن قال العيني لأن هؤلاء كانوا مستوين في باقي الخصال لأنهم هاجروا جميعا وصحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازموه عشرين ليلة فاستووا في الأخذ عنه فلم يبق ما يقدم به إلا السن انتهى قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري قال ميرك ورواه الجماعة والمعنى عندهم متقارب وبعضهم ذكر فيه قصة كذا قاله الشيخ الجزري كذا في المرقاة قوله (والعمل عليه عند أكثر أهل العلم اختاروا الأذان في السفر) أي ولو كان المسافر منفردا (وقال بعضهم تجزئ الإقامة إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس) روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يقول إنما التأذين لجيش أو ركب عليهم أمير فينادي بالصلاة ليجتمعوا فأما غيرهم فإنما هي الإقامة وحكى نحو ذلك عن مالك وذهب الأئمة الثلاثة والثوري وغيرهم إلى مشروعية الأذان لكل أحد كذا في فتح الباري قلت وكان ابن عمر يؤذن في السفر في صلاة الصبح ويقيم روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يزيد على الإقامة في السفر إلا في الصبح فإنه كان ينادي فيها ويقيم وكان يقول إنما الأذان للإمام الذي يجتمع إليه الناس قال الزرقاني وذلك لإظهار شعار الإسلام لأنه وقت الاغارة على الكفار وكان صلى الله عليه وسلم في ذلك
[ 521 ]
الوقت يغير إذا لم يسمع الأذان ويمسك إذا سمعه ونقل عنه البوني أن ذلك لإعلام من معه من نائم وغيره بطلوع الفجر وسائر الصلوات لا تخفى عليهم (والقول الأول أصح) فإنه ثابت بحديث الباب وهو حجة على من ذهب إلى القول الثاني وروى البخاري وغيره أن أبا سعيد الخدري قال لعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا شهد له يوم القيامة قال أبو سعيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحافظ وهذا الحديث يقتضي استحباب الأذان للمنفرد وبالغ عطاء فقال إذا كنت في سفر فلم تؤذن ولم تقم فأعد الصلاة ولعله كان يرى ذلك شرطا في صحة الصلاة أو يرى استحباب الإعادة لا وجوبها انتهى كلام الحافظ فائدة قال أبو بكر بن العربي في عارضة الأحوذي لم يذكر أبو عيسى رفع الصوت بالأذان وذكر أبو داود فيه حديث أبي هريرة المؤذن يغفر له مدى صوته ويشهد له كل رطب ويابس والحديث في ذلك مشهور صحيح بيناه في شرح الصحيحين انتهى قلت وفي ذلك حديث أبي سعيد الخدري الذي ذكرناه آنفا باب ما جاء في فضل الأذان قوله (ثنا أبو تميلة) بمثناه مصغرا اسمه يحيى بن واضح الأنصاري مولاهم ثقة من كبار التاسعة مشهور بكنيته (نا أبو حمزة) اسمه محمد بن ميمون المروزي ثقة فاضل (عن جابر) هو ابن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيف رافضي كذا في التقريب قوله (من أذن سبع سنين محتسبا) أي طالبا للثواب لا للأجرة (كتبت له براءة) بالمد أي
[ 522 ]
خلاص (من النار) قال المناوي لأن مداومته على النطق بالشهادتين والدعاء إلى الله تعالى هذه المدة من غير باعث دنيوي صير نفسه كأنها معجونة بالتوحيد والنار لا سلطان لها على من صار كذلك وأخد منه أنه يندب للمؤذن أن لا يأخذ على أذانه أجرا انتهى قوله (وفي الباب عن ابن مسعود وثوبان ومعاوية وأنس وأبي هريرة وأبي سعيد) أما حديث ابن مسعود وحديث ثوبان فلم أقف على من أخرجهما وأما حديث معاوية فأخرجه مسلم عنده قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة وأما حديث أنس فأخرجه مسلم وله أحاديث في هذا الباب وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد عنه مرفوعا بلفظ المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل رطب ويابس وأخرجه أبو داود وابن خزيمة وعندهما ويشهد له كل رطب ويابس وأما حديث أبي سعيد فقد مر تخريجه ولفظه وفي الباب أحاديث كثيرة ذكرها المنذري في الترغيب والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد قوله (حديث ابن عباس حديث غريب) وأخرجه بن ماجه وهو حديث ضعيف لأن في سنده جابرا الجعفي (وأبو حمزة السكري) ثم بذلك لحلاوة كلامه كذا في الخلاصة (وجابر بن يزيد الجعفي) بضم الجيم وسكون العين وبفاء منسوب إلى جعفي بن سعد كذا في المغني لصاحب مجمع البحار (ضعفوه تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي) وقال الإمام أبو حنيفة ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي ما أتيته بشئ من رأيي قط إلا جاءني فيه بحديث كذا في تخريج الزيلعي ص 842 (لولا جابر الجعفي لكان أهل الكوفة بغير حديث ولولا حماد لكان أهل الكوفة بغير فقه) حماد هذا هو ابن أبي سليمان أبو إسماعيل
[ 523 ]
الكوفي الفقيه روى عن إبراهيم النخعي وخلق وعنه ابنه إسماعيل ومغيرة وأبو حنيفة ومسعر وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجئ باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن قوله (الإمام ضامن) قال الجزري في النهاية أراد بالضمان ههنا الحفظ والرعاية لا ضمان الغرامة لأنه يحفظ على القوم صلاتهم وقيل إن صلاة المقتدين به في عهدته وصحتها مقرونة بصحة صلاته فهو كالمتكفل لهم صحة صلاتهم انتهى (المؤذن مؤتمن) قيل المراد أنه أمين على مواقيت الصلاة وقيل أمين على حرم الناس لأنه يشرف على المواضع العالية قلت ويؤيد الأول حديث أبي محذورة مرفوعا المؤذنون أمناء الله على فطرهم وسحورهم أخرجه الطبراني في الكبير قال الهيثمي في مجمع الزوائد إسناده حسن والحديث استدل به على فضيلة الأذان وعلى أنه أفضل من الإمامة لأن الأمين أرفع حالا من الضمين ويؤيد قول من قال إن الإمامة أفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده أموا ولم يؤذنوا وكذا كبار العلماء بعدهم (اللهم أرشد الأئمة) أي أرشدهم للعلم بما تكفلوه والقيام به والخروج عن عهدته (واغفر للمؤذنين) أي ما عسى يكون لهم تفريط في الأمانة التي حملوها من جهة تقديم على الوقت أو تأخير عنه سهوا قال الأشرف يستدل بقوله الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن على فضل الأذان على الإمامة لأن حال الأمين أفضل من حال الضمين تم كلامه ورد بأن هذا الأمين يتكفل الوقت فحسب وهذا الضامن يتكفل أركان الصلاة ويتعهد للسفارة بينهم وبين ربهم في الدعاء فأين أحدهما من الاخر وكيف لا والإمام خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤذن خليفة بلال وأيضا الإرشاد الدلالة الموصلة إلى البغية والغفران مسبوق بالذنب قاله الطيبي قال القارئ في المرقاة وهو مذهبنا في الحنفية وعليه جمع من الشافعية انتهى قلت وهو القول الراجح وقد تقدم ما يؤيده والله تعالى أعلم
[ 524 ]
قوله (وفي الباب عن عائشة وسهل بن سعد وعقبة بن عامر) أما حديث عائشة فأخرجه ابن حبان في صحيحه عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئمة وعفى عن المؤذنين وأما حديث سهل بن سعد فأخرجه ابن ماجه والحاكم في المستدرك عنه مرفوعا بلفظ الإمام ضامن فإن أحسن فله ولهم وإن أساء فعليه ولا عليهم وأما حديث عقبة بن عامر فلم أقف عليه وفي الباب أيضا عن أبي أمامة ووائلة وأبي محذورة ذكر أحاديثهم الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد قوله (وذكر عن علي بن المديني أنه لم يثبت حديث أبي صالح عن أبي هريرة ولا حديث أبي صالح عن عائشة في هذا) ورجح العقيلي والدارقطني طريق أبي صالح عن أبي هريرة على طريق أبي صالح عن عائشة كما نقل الترمذي عن أبي زرعة وصححهما ابن حبان جميعا ثم قال قد سمع أبو صالح هذين الخبرين من عائشة وأبي هريرة جميعا كذا في التلخيص ص 77 وقال في النيل قال اليعمري والكل صحيح والحديث متصل انتهى وحديث أبي هريرة المذكور أخرجه أيضا أحمد وأبو داود
[ 525 ]
باب ما يقول إذا أذن المؤذن قوله (عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة قوله (إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن) قال القاري في المرقاة إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وإلا في قوله الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت وبالحق نطقت وبررت بكسر الراء الأولى وقيل بفتحها أي صرت ذا بر وخير كثير انتهى كلام القاري قلت أما قوله إلا في الحيعلتين فلحديث عمر مرفوعا إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله قال أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله قال أشهد أن محمدا رسول الله ثم قال حي على الصلاة قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال حي على الفلاح قال لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال الله أكبر الله أكبر قال الله أكبر الله أكبر ثم قال لا إله إلا الله قال لا إله إلا الله دخل الجنة رواه مسلم وأما قوله وإلا في قوله الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وبررت فلم أقف على حديث يدل عليه وقال محمد بن إسمعيل الأمير في سبل السلام ص 87 وقيل يقول في جواب التثويب صدقت وبررت وهذا استحسان من قائله وإلا فليس فيه سنة تعتمد انتهى فائدة أخرج أبو داود في سننه عن رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم أقامها الله وأدامها وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر في الأذان انتهى يريد بحديث عمر ما ذكرناه آنفا عن صحيح مسلم وفيه دلالة على استحباب مجاوبة المقيم لقوله وقال في سائر الإقامة بنحو حديث عمر وفيه أيضا أنه يستحب لسامع الإقامة أن يقول عند قول المقيم قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها لكن الحديث في إسناده رجل مجهول وشهر بن حوشب تكلم فيه غير واحد
[ 526 ]
ووثقه يحيى بن معين وأحمد بن حنبل قوله (وفي الباب عن أبي رافع وأبي هريرة وأم حبيبة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن ربيعة وعائشة ومعاذ بن أنس ومعاوية) أما حديث أبي رافع فأخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف إلا أن مالكا روى عنه كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم كذا في التلخيص وأما حديث أم حبيبة فأخرجه ابن خزيمة والحاكم وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه أبو داود والنسائي وأما حديث عبد الله بن ربيعة فلم أقف عليه وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود وأما حديث معاذ بن أنس فأخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف كذا في مجمع الزوائد وأما حديث معاوية فأخرجه البخاري والنسائي قوله (حديث أبي سعيد حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة قوله (وهكذا روى معمر وغير واحد عن الزهري مثل حديث مالك إلخ) أي كما روى مالك هذا الحديث عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد كذلك رواه معمر وغير واحد عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد لكن عبد الرحمن بن إسحاق أحد أصحاب الزهري خالف هؤلاء فرواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ورواية مالك أصح فإنه تابعه معمر وغير واحد من أصحاب الزهري بخلاف رواية عبد الرحمن بن إسحاق فإنه لم يتابعه أحد قال الحافظ في الفتح اختلف على الزهري في إسناد هذا الحديث وعلى مالك أيضا لكنه اختلاف لا يقدح في صحته فرواه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه النسائي وابن ماجه وقال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود والترمذي حديث مالك ومن
[ 527 ]
تابعه أصح انتهى باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا قوله (نا أبو زبيد) بالتصغير اسمه عبثر بن القاسم الزبيدي بالضم الكوفي ثقة من الثامنة (عن أشعث) هو ابن سوار الكندي النجار الكوفي مولى ثقيف يقال له أشعث النجار ويقال له أشعث التابوتي وأشعث الأفرق روى عن الحسن البصري والشعبي وغيرهما وروى عنه شعبة والثوري وعبثر بن القاسم وغيرهم قاله الحافظ في تهذيب التهذيب وقال في التقريب ضعيف وقال الخزرجي حدثه في مسلم متابعة (عن الحسن) هو البصري (عن عثمان بن أبي العاص) صحابي شهير استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف ومات في خلافة معاوية بالبصرة قوله (إن من آخر ما عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي حين توديعه إلى الطائف للعمل (أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا) فيه دلالة ظاهرة على أن يكره أخذ الأجرة وقد عقد ابن حبان ترجمة على الرخصة في ذلك وأخرج عن أبي محذورة أنه قال فألقي على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان فأذنت ثم أعطاني حين قضيت التأذين صرة فيها من فضة وأخرجه أيضا النسائي قال اليعمري ولا دليل فيه لوجهين الأول إن قصة أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاء حين علمه الأذان وذلك قبل إسلام عثمان بن أبي العاص الراوي لحديث النهي فحديث عثمان متأخر الثاني أنها واقعة عين يتطرق إليها الاحتمال وأقرب الاحتمالات فيها أن يكون من باب التأليف لحداثة عهده بالإسلام كما أعطى حينئذ غيره من المؤلفة قلوبهم ووقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال سلبها الاستدلال لما بيقي فيها من الإجمال قال الشوكاني بعد نقل كلام ابن سيد الناس هذا وأنت خبير بأن هذا الحديث لا يرد على من قال إن الأجرة إنما تحرم إذا كانت مشروطة لا إذا أعطيها بغير مسألة والجمع بين الحديثين بمثل هذا حسن قلت ما قال الشوكاني في وجه الجمع بين الحديثين لا شك في حسنة
[ 528 ]
قوله (حديث عثمان حديث حسن) قال في المنتقي بعد ذكره رواه الخمسة وقال في النيل صححه الحاكم وقال ابن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعثمان ابن أبي العاص واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا وأخرج ابن حبان عن يحيى البكالى قال سمعت رجلا قال لابن عمر إني لأحبك في الله فقال له ابن عمر إني لأبغضك في الله فقال سبحان الله أحبك في الله وتبغضني في الله قال نعم أنك تسأل على أذانك أجرا وروى عن ابن مسعود أنه قال أربع لا يؤخذ عليهن أجر الأذان وقراءة القرآن والمقاسم والقضاء انتهى قوله (والعمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ على الأذان أجرا واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه) قال الخطابي أهذ المؤذن على أذانه مكروه بحسب مذاهب أكثر العلماء قال الحسن أخشى أن لا تكون صلاته خالصة وكرهه الشافعي وقال يرزق من خمس الخمس من سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه مرصد لمصالح المسلمين وقال في النيل قد ذهب إلى تحريم الأجر شرطا على الأذان وا قامة الهادي والقاسم والناصر وأبو حنيفة وغيرهم وقال مالك لا بأس بأخذ الأجر على ذلك وقال الأوزاعي يجاعل عليه ولا يؤاجر وقال الشافعي في الأم أحب أن يكون المؤذنون متطوعين قال وليس للإمام أن يرزقهم وهو يجد من يؤذن متطوعا ممن له أمانة إلا أن يرزقهم من ماله قال ولا أحسب أحدا ببلد كثير الأهل يعوزه أن يجد مؤذنا أمينا يؤذن متطوعا فإن لم يجده فلا بأس أن يرزق مؤذنا ولا يرزقه إلا من خمس الخمس الفضل وقال ابن العربي الصحيح جواز أخذ الأجرة على الأذان والصلاة والقضاء وجميع الأعمال الدينية فإن الخليفة يأخذ أجرته على هذا كله وفي كل واحد منها يأخذ النائب أجرة كما يأخذ المستغيب والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة انتهى فقاس المؤذن على العامل وهو قياس في مصادمة النص وفتيا ابن عمر التي مرت لم يخالفها أحد من الصحابة كما صرح بذلك اليعمري كذا في النيل قلت القول الراجح عندي هو قول الجمهور والله تعالى أعلم
[ 529 ]
باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء قوله من الدعاء بيان لما والمعنى أي دعاء يدعو به السامع إذا أذن المؤذن قوله (عن الحكيم) بضم أوله مصغرا (بن عبد الله بن قيس) بن مخرمة بن المطلب المطلبي نزيل مصر صدوق من الرابعة (عن عامر بن سعد) بن أبي وقاص الزهري المدني روى عن أبيه وغيره قال ابن سعد ثقة كثير الحديث مات سنة 401 أربع ومائة (عن سعد بن أبي وقاص) اسمه مالك صحابي جليل شهد بدرا والمشاهد وهو أحد العشرة واخرهم موتا وأول من رمي في سبيل الله وفارس الإسلام وأحد ستة الشوري ومقدم جيوش الاسلام في فتح العراق ومناقبه كثيرة مات بالعقيق سنة خمس وخمسين على المشهور قوله (من قال حين يسمع المؤذن) أي أذانه أو صوته أو قوله وهو الأظهر وهو يحتمل أن يكون المراد به حين يسمع الأول أو الأخير وهو قوله آخر الأذان لا إله إلا الله وهو أنسب ويمكن أن يكون معنى يسمع يجيب فيكون صريحا في المقصود وأن الثواب المذكور مرتب على الإجابة بكمالها مع هذه الزيادة ولأن قوله بهذه الشهادة في أثناء الأذان ربما يفوته الإجابة في بعض الكلمات الآتية كذا في المرقاة (وأنا أشهد أن لا إله إلا الله) وفي رواية لمسلم أن أشهد بغير لفظ أن وبغير الواو (رضيت بالله ربا) أي بربوبيته وبجميع قضائه وقدره فإن الرضا بالقضاء باب الله الأعظم وقيل حال أي مربيا ومالكا وسيدا ومصلحا (ومحمد رسولا) أي بجميع ما أرسل به وبلغه إلينا من الأمور الاعتقادية وغيرها (وبالإسلام) أي بجميع أحكام من الإسلام الأوامر والنواهي (دينا) أي اعتقادا أو انقيادا قاله القاري (غفر الله له ذنوبه) أي من الصغائر جزاء لقوله من قال حين يسمع المؤذن
[ 530 ]
قوله (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه قال ميرك والعجب من الحاكم أنه أخرجه في المستدرك وأعجب من ذلك تقرير الذهبي له في استدراكه عليه وهو في صحيح مسلم بلفظه انتهى ذكره القاري في المرقاة ثم قال لعل إخراج الحاكم له بغير السند الذي في مسلم فلينظر فيه ليعلم ما فيه والله أعلم انتهى باب منه أيضا قوله (حدثنا محمد بن سهل بن عسكر البغدادي) التميمي مولاهم البخاري الحافظ الجوال وثقه النسائي وابن عدي روى عنه مسلم والترمذي والنسائي وغيرهم (وإبراهيم ابن يعقوب) الحافظ الجوزجاني بضم الجيم الأولى مصنف الجرح والتعديل نزيل دمشق روى عنه أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه وكان أحمد يكاتبه إلى دمشق ويكرمه إكراما شديدا وقال الدارقطني كان من الحفاظ المصنفين وقد رمي بالنصب توفي سنة 952 تسع وخمسين ومائتين قال الحافظ في التقريب ثقة حافظ قوله (علي بن عياش) بالياء الأخيرة والشين المعجمة وهو الحمصي من كبار شيوخ البخاري ولم يلقه من الأئمة الستة غيره (حين يسمع النداء) أي الأذان واللام للعهد أو المراد من النداء تمامه أي حين يسمع النداء بتمامه يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص عند مسلم بلفظ قولوا مثل ما يقول ثم صلوا ثم سلوا الله لي الوسيلة ففي هذا أن ذلك يقال عند فراغ الأذان (اللهم) أي يا الله والميم عوض عن يا فلذلك لا يجتمعان (رب) منصوب على النداء (هذه الدعوة التامة) بفتح الدال والمراد بالدعوة ههنا ألفاظ الأذان التي يدعي بها الشخص إلى عبادة الله تعالى قاله العيني وقال الحافظ المراد بها دعوة التوحيد كقوله تعالى له دعوة الحق وقيل لدعوة التوحيد تامة لأن الشرك نقص أو التامة التي لا يدخلها تغيير ولا تبديل بل هي باقية
[ 531 ]
إلى يوم النشور أو لأنها هي التي تستحق صفة التمام وما سواها فمعرض للفساد (والصلاة) المراد بالصلاة المعهودة المدعو إليها حينئذ (القائمة) أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة وأنها قائمة ما دامت السموات والأرض (آت) أمر من الإيتاء أي أعط (الوسيلة) قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وقع ذلك في حديث عبد الله بن عمر عند مسلم (والفضيلة) المرتبة الزائدة على سائر الخلائق ويحتمل أن تكون منزلة أخرى أو تفسيرا للوسيلة قاله الحافظ (مقاما محمودا) أي يحمد القائم فيه وهو مطلق في كل ما يجلب الحمد من أنواع الكرامات ونصب على الظرفية أي ابعثه يوم القيامة فأقمه مقاما محمودا أو ضمن ابعثه معنى أقمة أو على أنه مفعول به ومعنى ابعثه أعطه (الذي وعدته) قال الحافظ في الفتح زاد في رواية البيهقي إنك لا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد قوله تعالى عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا وأطلق عليه الوعد لأن عسى من الله واقع كما صح عن ابن عيينة وغيره والموصول إما بدل أو عطف بيان أو خبر مبتدأ محذوف وليس صفة للنكرة ووقع في رواية النسائي وابن خزيمة وغيرهما المقام المحمود بالألف واللام فيصح وصفة بالموصول قال ابن الجوزي والأكثر على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة وقيل إجلاسه على العرش وقيل على الكرسي وحكى كلا من القولين عن جماعة وعلى تقدير الصحة لا ينافي الأول لاحتمال أن يكون الإجلاس علامة الأذن في الشفاعة ويحتمل أن يكون المراد بالمقام المحمود الشفاعة كما هو المشهور وأن يكون الإجلاس هي المنزلة المعبر عنها بالوسيلة أو الفضيلة ووقع في صحيح ابن حبان من حديث كعب بن مالك مرفوعا يبعث الله الناس فيكسوني ربي حلة خضراء فأقول ما شاء الله أن أقول فذلك المقام المحمود ويظهر أن المراد بالقول المذكور هو الثناء الذي يقدمه بين يدي الشفاعة ويظهر أن المقام المحمود هو مجموع ما يحصل له في تلك الحالة ويشعر قوله في آخر الحديث حلت له شفاعتي بأن الأمر المطلوب له الشفاعة والله أعلم انتهى كلام الحافظ (إلا حلت له الشفاعة) أي استحقت ووجبت أو نزلت عليه يقال حل يحل بالضم إذا نزل واللام بمعنى على ويؤيده رواية مسلم حلت عليه ووقع في الطحاوي من حديث ابن مسعود وجبت له ولا يجوز أن يكون حلت من الحل لأنها لم تكن قبل ذلك محرمة كذا في الفتح وفي رواية البخاري حلت له شفاعتي بدون إلا وهو الظاهر وأما مع إلا فيجعل من في من قال استفهامية للانكار قاله في فتح الودود وقال السيوطي في حاشية النسائي ما لفظه وقوله هنا وفي رواية الترمذي إلا يحتاج إلى تأويل وتأويله أنه حمله على معنى لا يقول ذلك أحد إلا حلت انتهى
[ 532 ]
فائدة قد اشتهر على الألسنة في هذا الدعاء زيادتان الأولى إنك لا تخلف الميعاد في آخره والثانية والدرجة الرفيعة بعد قوله والفضيلة أما الأولى فقد وقعت في رواية البيهقي كما عرفت وأما الثانية فلم أجدها في رواية قال القاري في المرقاة أما زيادة الدرجة الرفيعة المشهورة على الألسنة فقال البخاري لم أره في شئ من الروايات انتهى قوله (حديث جابر حديث حسن غريب إلخ) بل هو حديث صحيح غريب فإنه أخرجه البخاري في صحيحه بسند الترمذي قال الحافظ فهو غريب مع صحته وقد توبع ابن المنكدر عليه عن جابر أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق أبي الزبير عن جابر كذا في قوت المغتذي باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان وا قامة قوله (وأبو أحمد) اسمه محمد بن عبد الله بن زبير الزبيري الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري (وأبو نعيم) بالتصغير هو الفضل بن دكين الملائي قال أحمد ثقة يقظان عارف بالحديث وقال الفسوي أجمع أصحابنا على أن أبا نعيم كان غاية في الإتقان (قالوا نا سفيان) هو الثوري (عن زيد العمى) بفتح العين وشدة الميم قال في المغني إنما سمي زيد بالعمي لأنه كلما سئل عن شئ يقول حتى أسأل عمي وزيد العمي هذا هو ابن الحواري البصري قاضي هراة قال الحافظ في التقريب ضعيف وقال الخزرجي في الخلاصة ضعفة أبو حاتم والنسائي وابن عدى قال أحمد والدارقطني صالح انتهى (عن أبي إياس) بكسر الهمزة ككتاب (معاوية بن قرة) بضم القاف وشدة المزني البصري ثقة عالم من رجال الكتب الستة
[ 533 ]
قوله (الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة) بل يقبل ويستجاب وفي بعض روايات أنس الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب ذكره السيوطي في الجامع الصغير ولفظ الدعاء بإطلاقه شامل لكل ولا بد من تقييده بما في الأحاديث الأخرى من أنه ما لم يكن دعاء بإثم أو قطيعة رحم قال المناوي تحت قوله مستجاب أي بعد جمع شروط الدعاء وأركانه وآدابه فإن تخلف شئ منها فلا يلوم إلا نفسه انتهى قوله (حديث أنس حديث حسن) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والضياء في المختارة كذا في المنتقي والنيل وقال في بلوغ المرام وصححه ابن خزيمة (وقد رواه أبو إسحاق الهمداني) بسكون الميم وبالدال المهملة وهو السبيعي قاله في الخلاصة (عن بريد) بالموحدة مصغرا (بن أبي مريم) البصري ثقة من الرابعة (عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا) أي مثل حديث الباب قال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث الباب رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان من حديث بريد بن أبي مريم عن أنس وأخرجه هو وأبو داود والترمذي من طريق معاوية ابن قرة عن أنس قال وروى أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث سهل بن سعد قال ما ترد على داع دعوته عند حضور النداء الحديث انتهى باب ما جاءكم فرض الله على عبادة من الصلوات قوله (فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسرى به الصلاة خمسين) وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم فرض الله على خمسين صلاة كل يوم وليلة وفي رواية للبخاري فرض الله على أمتي خمسين صلاة قال الحافظ فيحتمل أن يقال في كل من رواية الباب اختصار أو يقال ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على الأمة وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه (ثم نقصت حتى جعلت خمسا) قال
[ 534 ]
الحافظ قد حققت رواية ثابت أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة يتعين حمل باقي الروايات عليها (ثم نودي يا محمد إنه) الضمير للشأن (لا يبدل القول) أي لا يغير (وإن لك بهذا الخمس خمسين) أي ثواب خمسين صلاة والحديث استدل به على فرضية الصلوات الخمس وعدم فرضية ما زاد عليها كالوتر وعلى جواز النسخ قبل الفعل قال الحافظ في الفتح قال ابن بطال وغيره ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلي ثم تفضل عليهم بأن أكمل لهم الثواب وتعقبه ابن المنير فقال هذا ذكره طوائف من الأصوليين والشراح وهو مشكل على من أثبت النسخ قيل الفعل كالأشاعرة أو منعه كالمعتزلة لكونهم اتفقوا جميعا على أن لا يتصور قبل البلاغ وحديث الإسراء وقع فيه النسخ قبل البلاغ فهو مشكل عليهم جميعا وقال وهذه نكتة مبتكرة قال الحافظ إن أراد البلاغ لكل أحد فممنوع وإن أراد قيل البلاغ إلى أمته فمسلم لكن قد يقال ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هو بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسخ لأنه كلف بذلك قطعا ثم نسخ بعد أن بلغه وقبل أن يفعل فالمسألة صحيحة التصوير في حقه صلى الله عليه وسلم انتهى قوله (وفي الباب عن عبادة بن الصامت وطلحة بن عبيد الله وأبي قتادة وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي سعيد الخدري) أما حديث عبادة بن الصامت فأخرجه أحمد والنسائي عنه مرفوعا خمس صلوات افترضهن الله تعالى من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهدا أن يغفر له الحديث وروى مالك والنسائي نحوه وأما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الشيخان عنه قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول الحديث وفيه خمس صلوات في اليوم والليلة الحديث وأما حديث أبي قتادة فلينظر من أخرجه وأما حديث أبي ذر فأخرجه الشيخان وأما حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الشيخان أيضا وأما حديث أبي سعيد الخدري فلينظر من أخرجه قوله (حديث أنس حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والنسائي والحديث طرف من حديث الإسراء الطويل وأخرجه الشيخان مطولا
[ 535 ]
باب في فضل الصلوات الخمس قوله (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة زاد مسلم في رواية ورمضان إلى رمضان (كفارات لما بينهن) أي من الذنوب وفي رواية لمسلم مكفرات لما بينهن (ما لم تغش الكبائر) وفي رواية لمسلم إذا اجتنب الكبائر قال النووي في شرح مسلم في شرح حديث ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة معناه إن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فإنها لا تغفر وليس المراد أن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا يغفر شئ من الصغائر فإن هذا وإن كان محتملا فسياق الحديث يأباه قال القاضي عياض هذا المذكور في الحديث من غفر الذنوب ما لم يؤت كبيرة هو مذهب أهل السنة وأن الكبائر إنما يكفرها التوبة أو رحمة الله تعالى وفضله وقال القاري في المرقاة إن الكبيرة لا يكفرها الصلاة والصوم وكذا الحج وإنما يكفرها التوبة الصحيحة لا غيرها نقل ابن عبد البر الإجماع عليه بعد ما حكى في تمهيده عن بعض معاصريه أن الكبائر لا يكفرها غير التوبة ثم قال وهذا جهل وموافقة للمرجئة في قولهم إنه لا يضر مع الايمان ذنب وهو مذهب باطل بإجماع الأمة انتهى قال العلامة الشيخ محمد طاهر في مجمع البحار ص 122 ج 2 ما لفظه في تعليقي للترمذي لا بد في حقوق الناس من القصاص ولو صغيرة وفي الكبائر من التوبة ثم ورد وعد المغفرة في الصلوات الخمس والجمعة ورمضان فإذا تكرر يغفر بأولها الصغائر وبالبواقي يخفف عن الكبائر وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة يرفع بها الدرجات انتهى قوله (وفي الباب عن جابر وأنس وحنظلة الأسيدي) أما حديث جابر فأخرجه
[ 536 ]
مسلم وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان وأما حديث حنظلة الأسيدي ويقال له حنظلة الكاتب فأخرجه أحمد بإسناد جيد مرفوعا بلفظ من حافظ على الصلوات الخمس ركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة الحديث ورواته رواة الصحيح قاله المنذري في الترغيب قوله (حديث أ بي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم باب ما جاء في فضل الجماعة قوله (صلاة الجماعة تفضل) أي تزيد في الثواب (على صلاة الرجل وحده) أي منفردا (بسبع وعشرين درجة) المراد بالدرجة الصلاة فتكون صلاة الجماعة بمثابة سبع وعشرين صلاة كذا دل عليه ألفاظ الأحاديث ورجحه ابن سيد الناس كذا في قوت المغتذي قوله (وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبي سعيد وأبي هريرة وأنس بن مالك) أما حديث عبد الله بن مسعود فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما قال الحافظ المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث قد جزم يحيى بن معين والذهلي بصحة هذا الحديث وأما حديث معاذ بن جبل فأخرجه البزار والطبراني في الكبير مرفوعا بلفظ تفضل صلاة الجميع على صلاة الرجل وحده خمسة وعشرين صلاة وفيه عبد الحكيم بن منصور وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البخاري وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وأما حديث
[ 537 ]
أنس فأخرجه الدارقطني قوله (حديث ابن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري ومسلم (وعامة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قالوا خمس وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال بسبع وعشرين) قال الحافظ في الفتح بعد ذكر قول الترمذي هذا لم يختلف عليه في ذلك إلا ما وقع عند عبد الرزاق عن عبد الله العمري عن نافع فقال فيه خمس وعشرون لكن العمري ضعيف ووقع عند أبي عوانة في مستخرجه من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن نافع فإنه قال فيه بخمس وعشرين وهي شاذة مخالفة لرواية الحفاظ من أصحاب عبيد الله وأصحاب نافع وإن كان راويها ثقة وأما غير ابن عمر فصح عن أبي سعيد وأبي هريرة كما في هذا الباب وعن ابن مسعود عند أحمد وابن خزيمة وعن أبي بن كعب عند ابن ماجه والحاكم وعن عائشة وأنس عند السراج وورد أيضا من طرق ضعيفة عن معاذ وصهيب وعبد الله بن زيد بن ثابت وكلها عند الطبراني واتفق الجميع على خمس وعشرين سوى رواية لأبي هريرة عند أحمد قال فيها سبع وعشرون وفي إسنادها شريك القاضي وفي حفظه ضعف قال واختلف في أن أيهما أرجح فقيل رواية الخمس لكثرة رواتها وقيل رواية السبع لأن فيها زيادة من عدل حافظ انتهى كلام الحافظ باختصار يسير قال النووي والجمع بينهما يعني بين روايتي الخمس والسبع من ثلاثة أوجه أحدها أنه لا منافاة بينهما فذكر القليل لا ينفي الكثير ومفهوم العدد باطل عند جمهور الأصوليين والثاني أن يكون أخبر أو بالقليل ثم أعلمه الله تعالى بزيادة الفضل فأخبر بها والثالث أنه يختلف باختلاف أحوال المصلين والصلاة فيكون لبعضهم خمس وعشرون ولبعضهم سبع وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيأتها وخشوعها وكثرة جماعتها وفضلهم وشرف البقعة ونحو ذلك قال فهذه هي الأجوبة المعتمدة انتهى وقد ذكر الحافظ في الفتح وجوها أخر للجمع بين الروايتين من شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه
[ 538 ]
قوله (بخمس وعشرين جزءا) قال الحافظ في الفتح وقع الاختلاف في مميز العدد المذكور ففي الروايات كلها التعبير بقوله درجة أو حذف المميز إلا طرق حديث أبي هريرة ففي بعضها ضعفا وفي بعضها جزءا وفي بعضها درجة وفي بعضها صلاة ووقع هذا الأخير في بعض طرق حديث أنس والظاهر أن ذلك من تصرف الرواة ويحتمل أن يكون ذلك من التفنن في العبارة قوله (هذا حديث حسن صحيح) تقدم تخريجه آنفا باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجيب قوله (عن جعفر بن برقان) بضم الموحدة وسكون الراء بعدها قاف (لقد هممت) اللام جواب القسم والهم العزم وقيل دونه وزاد مسلم في أوله أنه صلى الله عليه وسلم فقد ناسا في بعض الصلوات فقال لقد هممت فأفاد ذكر سبب الحديث (فتيتي) الفتية جمع فتي أي جماعة من شبان أصحابي أو خدمي وغلماني (أن يجمعوا حزم الحطب) جمع حزمة بضم الحاء ما حزم كذا في القاموس وقال في الصراح حزمه بالضم بند هيزم وكاغذ وعلف وجزآن على أقوام لا يشهدون الصلاة) وفي رواية أبي داود ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة فأحرقها عليهم
[ 539 ]
قوله (وفي الباب عن أبي مسعود) أخرجه مسلم قال لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض الحديث (وأبي الدرداء) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا تقام فيهم الصلاة إلا وقد استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ورواه الحاكم وصححه وقال النووي إسناده صحيح (وابن عباس) قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر قالوا وما العذر قال خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى أخرجه أبو داود قال المنذري وفي إسناده أبو خياب يحيى بن أبي حية الكلبي وهو ضعيف والحديث أخرجه ابن ماجه بنحوه وإسناده أمثل وفيه نظر انتهى (ومعاذ بن أنس وجابر) أخرجه العقيلي في الضعفاء كما يأتي عن قريب قوله (وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا إلخ) أخرج ابن ماجه وبقي بن مخلد وابن حبان وغيرهم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر قال الحافظ في التلخيص إسناده صحيح لكن قال الحاكم وقفه غندر وأكثر أصحاب شعبة ثم أخرج له شواهد منها عن أبي موسى الأشعري بلفظ من سمع النداء فارغا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له رواه البزار من طريق سماك عن أبي بردة عن أبيه موقوف وقال البيهقي الموقوف أصح ورواه العقيلي في الضعفاء من حديث جابر وضعفه ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وضعفه انتهى قوله (وقال بعض أهل العلم هذا على التغليظ والتشديد) يعني أن قول الصحابة من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ليس على ظاهره بل هو محمول على التغليظ والتشديد
[ 540 ]
(ومعنى الحديث) أي حديث أبي هريرة المذكور في الباب (أن لا يشهد جماعة ولا جمعة رغبة عنها) أي إعراضا عنها قال الحافظ في فتح الباري والحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له ليس على ظاهره بل هو محمول على التغليظ والتشديد
[ 540 ]
(ومعنى الحديث) أي حديث أبي هريرة المذكور في الباب (أن لا يشهد جماعة ولا جمعة رغبة عنها) أي إعراضا عنها قال الحافظ في فتح الباري والحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول ومن معه وإلى القول بأنها فرض عين ذهب عطاء والأوزاعي وأحمد وجماعة من محدثي الشافعية كأبي ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وبالغ داود ومن تبعه فجعلها شرطا في صحة الصلاة وظاهر نص الشافعي أنها فرض كفاية وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وقال به كثير من الحنفية والمالكية والمشهور عند الباقين أنها سنة مؤكدة وقد أجابوا عن ظاهر حديث الباب بأجوبة ثم ذكر الحافظ عشرة أجوبة وقال في آخر كلامه واجتمع من الأجوبة لمن لم يقل بالوجوب عشرة أجوبة لا توجد مجموعة في غير هذا الشرح انتهى ونحن نذكر بعضا منها فمنها أنه يستنبط من نفس الحديث عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين فلو كانت الجماعة فرض عين ما هم بتركها إذا توجه وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه ومنها أن الحديث ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بالعوقبة التي يعاقب بها الكفار وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن المنع وقع بعد نسخ التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا بدليل حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري في الجهاد الدال على جواز التحريق بالنار ثم نسخه فحمل التهديد على حقيقته غير ممتنع ومنها أنه صلى الله عليه وسلم ترك تحريقهم بعد التهديد فلو كانت فرض عين لما تركهم وتعقب بأنه صلى الله عليه وسلم لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله وأما الترك فلا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك وتركوا التخلف الذي ذمهم بسببه على أنه قد جاء في بعض الطرق بيان سبب الترك وهو فيما رواه أحمد من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة بلفظ لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون الحديث .