الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج21
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
القسم التاسع:
فتح مكة..
الباب الأول: إلى مكة..
الباب الثاني: فتح مكة
الباب الثالث: نهايات فتح مكة
الباب الأول:
إلى مـــــكــــة
الفصل الأول: المجزرة
الفصل الثاني: إلى المدينة: خبر وشكوى..
الفصل الثالث: ابو سفيان في المدينة: تدليس وخداع
الفصل الرابع: جيوش تجتمع.. والهدف مجهول
الفصل الخامس: ابن ابي بلتعة.. يتجسس ويفتضح
الفصل السادس: على طريق مكة
الفصل السابع: هجرة العباس.. واسلام ابن الحارث وابن ابي سلمة
الفصل الثامن: ابو سفيان في أيدي المسلمين
الفصل الأول:
الـمـجـزرة
بـدايـة:
إن فتح مكة كان نقطة تحول في تاريخ الإسلام، وفي الأوضاع العامة في الجزيرة العربية بأسرها.. حيث لم يعد أحد يجد أي عقدة أو حرج من أية جهة كانت في الإقبال على هذا الدين، والإنضواء تحت لواء الإسلام، بل أصبح ذلك موضع تنافس، وتسابق، لأنهم وجدوا فيه فرصة لتعزيز موقعهم، وتأكيد وجودهم ودورهم في صنع المستقبل، ورسم مسار الأمة بأسرها إلى مصيرها..
وأصبح أعداء الأمس وصناع الحروب ضد هذا الدين وأهله أتباعاً بل أذناباً، أكثر ما يهتمون له هو: أن يجدوا وسيلة لتأكيد صدق ولائهم، وصحة إيمانهم، وسلامة اعتقادهم.. أو أن يظهروا المزيد من الحرص على كسر شوكة أعداء دين الله، والنكاية فيهم، وصدقهم في مناهضتهم وردِّ عاديتهم..
وأصبحت لا تسمع منهم إلا المدح والثناء، وإلا العبارات الطافحة بالرضا، والمعبرة عن مشاعر العرفان بالجميل، وعن الشعور بالإمتنان، وبالشكر الجزيل لمن كان بنظرهم قاطعاً للرحم، وسبباً في الخلاف وفي الاختلاف، ومن وصفوه بالكاهن والساحر والمجنون، وبالشاعر الذي يتربصون به ريب المنون..
فكيف كان هذا الفتح، وما هي تفاصيل أحداثه؟
هذا ما سوف نجيب عليه في الفصول الآتية.
تاريخ فتح مكة:
روي عن الإمام الرضا، عن آبائه "عليهم السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" سافر إلى بدر في شهر رمضان، وافتتح مكة في شهر رمضان([1]).
وفي الروايات التاريخية أيضاً: إن الفتح كان في يوم الجمعة([2]).
والقول: بأنه كان في شهر رمضان سنة ثمان مروي عن ابن عباس، وسعيد بن المسيب، وأبي سعيد الخدري وغيرهم، بل لا خلاف في أن هذه الغزوة كانت في شهر رمضان([3])، فلا حاجة إلى تفصيل القول في ذلك.
ولكن الخلاف هنا هو في ثلاثة أمور، هي:
1 ـ يوم الخروج من المدينة.
2 ـ يوم دخول مكة.
3 ـ مدة الإقامة في مكة.
ونحن نذكر هنا موجزاً عن هذه الأمور الثلاثة كما يلي:
يوم خروج النبي ' من المدينة:
روي عن الزهري أنه قال: لا أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعدما دخل([4]).
وعن أبي سعيد الخدري، قال: خرجنا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام الفتح لليلتين خلتا من شهر رمضان([5]).
وقال آخرون: أنه خرج لعشر خلون من شهر رمضان([6]).
يوم دخول مكة:
واختلفت أقوالهم في يوم دخول مكة، فعن الزهري: فصبح رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان([7]).
وقيل: لاثنتي عشرة([8]).
وقيل: إنه دخل لست عشرة([9]).
وقيل: لسبع عشرة([10]).
وقيل: لتسع عشرة([11]).
وقيل: لعشرين من شهر رمضان([12]).
وقيل: لاثنين وعشرين من شهر رمضان([13]).
ورواية أخرى رددت: بين تسع عشرة، أو سبع عشرة([14]).
مدة الإقامة في مكة:
وأما بالنسبة لمدة بقائه "صلى الله عليه وآله" في مكة، فهو موضع خلاف أيضاً.
فقيل: عشر ليال([15]).
وقيل: خمس عشرة ليلة([16]).
وقيل: سبع عشرة([17]).
وقيل: ثماني عشرة([18]).
وقيل: تسع عشرة([19]).
ولعل التصحيف ـ بين سبع وتسع ـ هو الذي جعلهما قولين.
وقيل: عشرين([20]).
وقيل: بضع عشرة([21]).
وهذا قد لا يكون قولاً جديداً، فإنه قد يكون موافقاً لأحد الأقوال السابقة.
وهكذا يقال بالنسبة لقولهم: إنه بقي بقية شهر رمضان، وستة أيام من شوال([22])، فإنه قد يكون متوافقاً مع أحد الأقوال المتقدمة.
خطأ في البخاري:
روي عن ابن عباس: أن فتح مكة كان "على رأس ثماني سنين ونصف من مقدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة"([23]).
قال العسقلاني وغيره: "وهو وهم. والصواب: على رأس سبع سنين ونصف"([24]).
وفي خلاصة السيرة: لسبع سنين وثمانية أشهر، وأحد عشر يوماً([25]).
ونقول:
إن هذا التحديد ليس دقيقاً، ولأن الصحيح هو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قدم المدينة في الثامن من شهر ربيع الأول([26])، فيكون فتح مكة بعد مقدمه "صلى الله عليه وآله" المدينة بسبع سنين وستة أشهر وأحد عشر يوماً إذا كان فتحها في التاسع من شهر رمضان المبارك.. وتقل الأيام وتزيد بحسب الاختلاف في اليوم الذي دخل فيه "صلى الله عليه وآله" مكة، حسبما أسلفناه في الصفحات السابقة.
شهر رمضان لماذا؟!:
1 ـ لقد كانت سياسة رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كثير من حروبه مع أعدائه، وخصوصاً في غزوة الفتح، هي اعتماد عنصر المباغته. وقد توفر هذا العنصر أيضاً في اختيار شهر رمضان المبارك، وهو شهر الصوم والعبادة، للقيام بحملة واسعة وكبيرة، لأن ذلك كان من الأمور التي يقلّ احتمالها في حسابات الناس عادة، حيث يتوقعون إخلاد الناس للراحة في هذا الشهر، وعكوفهم على العبادة، وعزوفهم عن الأسفار، حتى لا يضطروا لقضاء الصوم في أيام فطر الناس.
وبذلك يصح اعتبار هذا التوقيت من العناصر التي ساعدت على مباغتة القوم، ومفاجأتهم كما هو ظاهر..
2 ـ ثم إن لشهر رمضان أثره الإيحائي في نفوس أهل الإيمان، من حيث أنه يهيئهم للعيش في كنف الله، والشعور بحضوره، ويؤكد علاقتهم به تبارك وتعالى. فكيف إذا انضم إلى ذلك أن حركتهم هذه إنما هي باتجاه بيت الله، وحرمه، وأقدس البقاع وأشرفها؟ ويقودهم ويرعاهم أفضل الأنبياء وأكرمهم وأشرفهم؟!.
ولعل أهم ما في الأمر: أن ذلك يحقق درجة كبيرة من التمازج العملي فيما بين المعاني والقيم الإيمانية، وبين حركة الإنسان في الحياة، ويعطي هذه الحركة معناها الروحي، ويتجلى ذلك فيها بعمق، وبوضوح، ويمنح الإنسان قدرة أكبر على الشعور بهذا التمازج، وتتفاعل مشاعره وأحاسيسه معه، وتحت وطأته.
الأحلاف في الجاهلية والإسلام:
قالوا: كانت خزاعة في الجاهلية أصابت رجلاً من بني الحضرمي، واسمه مالك بن عباد ـ وحلف الحضرمي يومئذٍ إلى الأسود بن رزن ـ وكان هذا الحضرمي قد خرج تاجراً، فلما توسط أرض خزاعة عدوا عليه فقتلوه، وأخذوا ماله.
فمر رجل من خزاعة على بني الديل بعد ذلك فقتلوه، فوقعت الحرب بينهم، فمر بنو الأسود بن رزن، وهم: ذؤيب، وسلمى، وكلثوم على خزاعة، فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم.
وكان قوم الأسود منخر بني كنانة يُودَونَ في الجاهلية ديتين لفضلهم في بني بكر، ونودى دية.
فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" فحُجز بالاسلام بينهم، وتشاغل الناس به، وهم على ما هم عليه من العداوة في أنفسهم.
فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبين قريش، ووقع الشرط: "ومن أحب أن يدخل في عقد رسول الله "صلى الله عليه وآله" فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عقد قريش فليدخل"، دخلت خزاعة في عقد رسول الله "صلى الله عليه وآله".
حلف خزاعة:
وقالوا أيضاً: وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك عارفاً، ولقد جاءته خزاعة يومئذٍ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أُبي بن كعب وهو:
"باسمك اللهم. هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، إذ قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي، غائبهم مقر بما قاضى عليه شاهدهم، إن بيننا وبينكم عهود الله وعقوده، وما لا ينسى أبداً، اليد واحدة، والنصر واحد ما أشرف ثبير، وثبت حراء مكانه، وما بل بحر صوفة. ولا يزداد فيما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبد الدهر سرمداً".
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ما أعرفني بخلقكم على ما أسلمتم عليه من الحلف! فكل حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة. ولا حلف في الإسلام"([27]).
وفي الإمتاع: أن نسخة كتاب الحلف هي:
"باسمك اللهم. هذا ما تحالف عليه عبد المطلب بن هاشم ورجالات عمرو بن ربيعة من خزاعة، تحالفوا على التناصر والمواساة ما بلّ بحر صوفة، حلفاً جامعاً غير مفرق، الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب، وتعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث، ما أشرقت شمس على ثبير، وحنّ بفلاة بعير، وما أقام الأخشبان، وعمر بمكة إنسان، حلف أبد، لطول أمد، يزيده طلوع الشمس شدّاً، وظلام الليل مداً..
وأن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون، متظاهرون متعاونون، فعلى عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب، وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معهم على جميع العرب، في شرق أو غرب، أو حزن أو سهل. وجعلوا الله على ذلك كفيلاً، وكفى بالله جميلاً".
فجاؤوا بعهدهم هذا إلى النبي "صلى الله عليه وآله" في الحديبية، فقرأه له أُبي بن كعب، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما أعرفني بحقكم وأنتم على ما أسلفتم عليه من الحلف([28]).
سبب حلف خزاعة:
وذكروا عن سبب عقد هذا الحلف:
أنه لما مات المطلب بن عبد مناف، وثب أخوه نوفل على ساحات وأفنية كانت لعبد المطلب، واغتصبه إياها، فاضطرب عبد المطلب لذلك، واستنهض قومه، فلم ينهض معه أحد منهم، وقالوا له: لا ندخل بينك وبين عمك.
فكتب إلى أخواله بني النجار، فجاءه منهم سبعون راكباً، فأتوا نوفلاً، وقالوا له: ورب هذه البنية، لتردنّ على ابن أختنا ما أخذت، وإلا ملأنا منك السيف، فرده.
ثم حالف خزاعة بعد أن حالف نوفل بني أخيه عبد شمس([29]).
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات عديدة، نقتصر منها على ما يلي:
حلف أهل الباطل:
قد اتضح مما تقدم: أن نوفلاً كان متعدياً على عبد المطلب غاصباً لحقه، وأن عبد المطلب حين لم ينهض معه أحد من قومه اضطر إلى الاستعانة بأخواله من بني النجار، ثم حالف خزاعة، ليمتنع بهم إن تعرض له احد بظلم، لكي يدفع عن نفسه، ويعيش مرهوب الجانب عزيزاً مكرماً..
ولكن نوفلاً الذي ظلم عبد المطلب، ولم يتراجع عن موقفه إلا تحت وطأة التهديد باستعمال السيف، قد حالف بني أخيه عبد شمس، ليتقوى بهم على مواصلة سيرته ونهجه، وهم لم يجدوا في التحالف معه على ذلك أي حرج أو مانع..
وشتان بين من يحالف جماعة ليتقوى بهم على إحقاق الحق، وبين من يحالف الآخرين ليتقوى بهم على إشاعة نهجه الإنحرافي والظالم..
لا حلف في الإسلام:
ومن خلال المعادلة المشار إليها آنفاً ندرك صحة ما يرمي إليه قوله "صلى الله عليه وآله": "كل حلف في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة. ولا حلف في الإسلام".
فإن المقصود بالحلف الذي في الجاهلية، ويزيده الإسلام شدة، هو الحلف الهادف إلى نصرة الحق، والمتضمن للتعاون، والتناصر، والمواساة، ودفع الظلم.. فإن الإسلام يشدد على الاستمرار في هذا الاتجاه، ويؤكد على الالتزام بمضمون كل حلف فيه هذه المزايا، ويدعو إلى دخول جميع الناس في هذا الالتزام..
ولكن الإسلام لا يرضى بنشوء حلف فيما بين المسلمين ضد أي فريق آخر منهم أنفسهم، لأن معنى هذا هو: إقرار الإسلام حالة الإنقسام فيما بين أهل الصف الواحد، وأتباع النهج والدين الواحد، في حين أن دعوة الإسلام تقوم على اعتبار المسلمين يداً واحدة على من سواهم([30])، ويريد لهم: أن يكونوا بمثابة أُسرة واحدة متكاملة العناصر، لهم قيِّم واحد، وهو النبي "صلى الله عليه وآله" أو الإمام "عليه السلام"، وقد روي عنه "صلى الله عليه وآله" قوله: أنا وعلي أبوا هذه الأمة([31]).
وتتشارك سائر العناصر في بناء الحياة في أخوة مسؤولة، متعاونة، ومتكافلة، ومنسجمة على قاعدة: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}([32])، تقوم على أساسين اثنين هما: الحق والمواساة، كما اتضح من مؤاخاته "صلى الله عليه وآله" بين المسلمين. وقد ذكرنا ذلك في جزء سابق من هذا الكتاب.
مرتكزات حلف عبد المطلب وخزاعة:
وإذا تأملنا في مضمون حلف عبد المطلب مع خزاعة، فإننا نجده قائماً على نفس المرتكزات التي قامت عليها المؤاخاة فيما بين المسلمين حسبما قدمناه في هذا الكتاب..
فإن كانت المؤاخاة قد قامت على دعامتين هما: الحق والمواساة. فإن حلف عبد المطلب وخزاعة أيضاً قد قام على نفس هاتين الدعامتين، لأنه جاء لحماية الحق، وتأكيد الالتزام به، والانتصار له، والتناصر فيه، والتعاون على حفظه، والالتزام بالمواساة فيه.
كما أنه صرح أو أشار إلى حيثيات تؤكد على هذا المسار، وتبين معالمه، وتوضح آفاقه.
فهو ـ كما صرحت الروايات ـ:
1 ـ حلف جامع غير مفرق.
وهو يقوم على:
2 ـ التكافؤ فيما بين أفراده وشرائحه، فالكل متكافئون..
3 ـ والتناصر.. إلى حد يكون فيه النصر واحداً، لا تمييز فيه بين كبير وصغير.
4 ـ والتعاون حتى إن اليد واحدة.
5 ـ والمواساة.
6 ـ وأساس هذا الحلف عهود الله وعقوده..
7 ـ وهو يخضع لرعاية الله تبارك وتعالى، فهو سبحانه الكفيل والضامن وغير ذلك من لمحات وإشارات يجدها فيه المتأمل الخبير، والناقد البصير.
قريش تنقض العهد:
وقد نقضت قريش عهدها الذي عقدته مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الحديبية.
وقالوا: إن سبب ذلك هو: أنه لما دخل شعبان على رأس اثنين وعشرين شهراً من صلح الحديبية، كلمت بنو نفاثة وبنو بكر أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على عدوهم من خزاعة، وذكروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم.
وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النفر الذين أصابوا منهم في بني الأسود بن رزن، وناشدوهم بأرحامهم، وأخبروهم بدخولهم في عقدهم، وعدم الإسلام، ودخول خزاعة في عقد محمد وعهده.
فوجدوا القوم إلى ذلك سراعاً، إلا أن أبا سفيان بن حرب لم يشاور في ذلك ولم يعلم([33]).
ويقال: إنهم ذاكروه فأبى ذلك([34]).
فأعانوا بالسلاح والكراع والرجال، ودسوا ذلك سرَّاً لئلا تحذر خزاعة، وخزاعة آمنون غارون لحال الموادعة، ولما حجز الإسلام بينهم.
ثم اتعدت قريش وبنو بكر وبنو نفاثة أن يأتوا إلى (الوتير)، وهو موضع أسفل مكة، وهو منازل خزاعة، فوافوا للميعاد فيهم رجال من قريش، من كبارهم، متنكرون منتقبون؛ منهم: سهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وحويطب بن عبد العزى، وشيبة بن عثمان ـ وأسلموا بعد ذلك ـ ومكرز بن حفص، وأجلبوا معهم أرقاءهم.
ورأس بني بكر نوفل بن معاوية الديلي ـ وأسلم بعد ذلك ـ.
فبيتوا خزاعة ليلاً، وهم غارون آمنون ـ وعامتهم صبيان، ونساء، وضعفاء الرجال ـ فلم يزالوا يقتلونهم حتى انتهوا إلى أنصاب الحرم.
فقال أصحاب نوفل بن معاوية له: يا نوفل، إلهك، إلهك. قد دخلت الحرم!
فقال كلمة عظيمة: لا إله لي اليوم، يا بني بكر، لعمري إنكم لتسرقون الحاج في الحرم ، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم، ولا يتأخر أحد منكم بعد يومه عن ثاره؟!
فلما انتهت خزاعة إلى الحرم دخلت دار بديل بن ورقاء، ودار مولى لهم يقال له: رافع الخزاعيين، وانتهوا بهم في عماية الصبح.
ودخلت رؤساء قريش منازلهم، وهو يظنون أنهم لا يعرفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وأصبحت خزاعة مقتَّلين على باب بديل ورافع.
وقال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث: قد رأيت الذي صنعنا بك وبأصحابك، ومن قتلت من القوم، وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي، وهذا ما لا نطاوعك عليه، فاتركهم.
فتركهم، فخرجوا.
وندمت قريش، وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وجاء الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة إلى صفوان بن أمية، وإلى سهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، فلاموهم بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة، وقالوا: إن بينكم وبين محمد مدة، وهذا نقض لها([35]).
وقيل: إنهم قتلوا منهم عشرين رجلاً([36]).
وقيل: إن سبب نقض العهد ليس هو سعي بني نفاثة لأخذ ثأرهم القديم من خزاعة، بل السبب هو: أن شخصاً من بني بكر، وهو أنس بن زنيم الديلي، هجا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وصار يتغنى به، فسمعه غلام من خزاعة، فضربه فشجه، فثار الشر بين الحيين، مما كان بينهم من العداوة.
فطلب بنو نفاثة من أشراف قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على خزاعة، فأمدوهم بذلك، فبيتوا خزاعة وهم غارون آمنون.. وقاتل معهم جمع من قريش الخ..([37]).
واعتزلت بنو مدلج، فلم ينقضوا العهد([38]).
كما أن أبا سفيان لم يشاوَر في ذلك ولم يعلَم([39]).
وقال الطبرسي: "لما مضت سنتان من القضية (يعني عمرة القضاء) قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله، فقال له رجل من خزاعة: لا تذكر هذا.
قال: وما أنت وذاك؟!
فقال: لإن أعدت لأكسرن فاك!
فأعادها، فرفع الخزاعي يده، فضرب بها فاه.
فاستنصر الكناني قومه، والخزاعي قومه. وكانت كنانة أكثر، فضربوهم حتى أدخلوهم الحرم، وقتلوا منهم. وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح.
فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فخبره الخبر"([40]).
وستأتي قصة عمرو بن سالم.
ولكننا قبل ذلك نشير: إلى بعض الأمور التي ترتبط بما تقدم، فنقول:
سبب نقض العهد واحد:
قد يبدو للوهلة الأولى من ملاحظة النصوص المتقدمة أن ثمة اختلافاً حول سبب إقدام قريش على نقض العهد.
ولكن الحقيقة هي: أن مجموع تلك النصوص يشير إلى أمر واحد مترابط ومنسجم، وهو: أن أحد بني كنانة، ولعله من بني نفاثة، صار يروي هجاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأنذره الخزاعي، فلم يرتدع، فضربه الخزاعي، فاستنصر الكناني قومه، فطلبوا النصر من قريش، فنصروهم وجرت الأمور بعد ذلك وفق ما فصَّلته الرواية الأولى.
إستغلال الضغائن:
وقد لوحظ: أن بني نفاثة حين انتصروا لصاحبهم، إنما حركهم إلى ذلك أحقادهم على خزاعة، وتربصهم بها، لِتِرَاتٍ لهم عندها في حوادث جرت قبل البعثة النبوية الشريفة حسبما تقدم بيانه..
ولكنهم حين يطلبون المساعدة من قريش تراهم يلجأون إلى تذكيرها بما تعتبره ميزة وفضلاً، وهو: أن بني نفاثة لم يسلموا، وأنهم دخلوا في عقد قريش ضد رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
ثم يحتجون لهم على استحقاق خزاعة للعقوبة: بأنها قد دخلت في عقد محمد وعهده.. فكان هذا وذاك من موجبات مسارعة قريش للمشاركة في توجيه تلك الضربة القاسية لخزاعة..
فحقد قريش على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعلى الإسلام وأهله قد دعاها إلى المشاركة في جريمة قتل الصبيان، والنساء، والضعفاء.. ونقض العهد والغدر بالآمنين، واجتياحهم، وأخذهم على حين غرة.
واللافت هنا: أن الذين يستجيبون لهذه المحركات، لا لنداء الضمير والوجدان والعقل والشرف والشهامة والرجولة هم ـ على حد تعبير الرواية ـ "رجال من قريش، من كبارهم"!!..
مع أن هؤلاء هم الذين يفترض فيهم أن يكونوا أبعد الناس عن التصرفات الرعناء، وعن الانقياد للنزوات الطائشة. ويتوقع منهم أن يَزِنوا الأمور بموازين فيها شيء من بعد النظر والاتزان، وحساب العواقب.
ولكن الأمور قد جرت في غير هذا الاتجاه، كما رأينا..
الغدر بالضعفاء، وبالصبيان والنساء:
وإن الغدر قبيح من كل أحد، لأنه ينافي الرجولة، وميثاق الشرف، والشهامة، وأعظم منه قبحاً: أن يغدر القوي بالضعيف، فكيف إذا كان هذا الضعيف هو الصبيان، والنساء، والضعفاء من الرجال؟!
وكيف إذا كان الغادر هم كبار القوم، والمدَّعون للشرف، بل لمقام الأشرفية والرئاسة فيهم؟!
وكيف إذا كان هؤلاء الكبار المشاركون هم أنفسهم الذين أعطوا العهود والمواثيق وتعهدوا بالوفاء؟!.
بل إن بعضهم كان هو المفاوض في تلك العهود، والمتولي لإبرامها، والمشرف على نصوصها، والموقع عليها وأعني به سهيل بن عمرو!!
إنه غدر بالآمنين الذين يستندون في أمنهم إلى عهد وعقد وميثاق، معقود مع نفس هؤلاء الغادرين بأشخاصهم وأعيانهم، فليس هو أمن الغفلة والتقصير في الاحتياط، ولم يكن الغادر ممن يحسن الاحتياط معه ومنه..
القسوة.. لماذا ؟!:
ولا نجد تفسيراً معقولاً لهذه القسوة من قريش، ومن كبارها على النساء والصبيان، وضعفاء الرجال، فهم يبيحون لأنفسهم قتلهم، لا على سبيل الصدفة والاتفاق، بل عن سابق تخطيط وتدبير، وسعي للإستفراد بهم واستئصالهم قبل أن يتنبه الآخرون لما يحدث..
بل نحن نستغرب: أن يقدم حتى بنو نفاثه على أمر كهذا. وهم الذين يدَّعون أن قتل النساء كان عيباً في الجاهلية.. فكيف بالضعفاء، والصبيان؟!. فضلاً عن أن يمعنوا في ملاحقتهم حتى ألجأوهم إلى الحرم!! ثم لاحقوهم حتى في الحرم نفسه، إلى دار بديل بن ورقاء، ورافع الخزاعي!!
حرمة الحرم لدى قريش:
وإذا كانت قريش ترى: أن عزها ومجدها وفخرها هو في رعايتها لحرمة الكعبة والحرم، فما بال الكبار فيها قد رضوا بهتك حرمة الحرم، وشاركوا هم في ذلك، ولم نسمع من أحد منهم كلمة ملامة لأحد من أولئك المعتدين على الأرواح، وعلى قدس المقدسات؟! حتى بعد أن حصل ما حصل..
وكيف يمكننا تفسير موقف قريش من قضية القتال في يوم يشك في أن يكون هو أول الشهر الحرام وهو شهر رجب، أو آخر الشهر الذي قبله، حيث شنعت على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأثارت عاصفة من الشكوى والتظلم من أجل ذلك، رغم أن هذا القتال قد كان مع الظالمين والمعتدين، والذين يصدون عن سبيل الله. قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ.
قُلْ: قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}([41]).
ثم إنها وعلى أعلى المستويات فيها يعتدي كبارها على قوم بينها وبينهم عهد وميثاق. فيغدرون بهم، ويختارون قتل خصوص النساء والصبيان والضعفاء منهم، حتى في حرم الله تبارك وتعالى..
بل إن هذا التعدي لا ينحصر بهتك حرمة الحرم، بل يتجاوزه إلى التصريح بالإلحاد، وإنكار أصل الألوهية، وذلك حين يقول أصحاب نوفل: إلهك إلهك!! قد دخلت الحرم.
فيقول: لا إله لي اليوم.
هل ندموا حقاً؟!
وبعد.. فإننا لم نستطع فهم ما يرمي إليه قولهم: ندمت قريش وندموا على ما صنعوا، وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وذلك لأن قرائن الأحوال تشهد بعدم صحة هذا الكلام:
أولاً: لأن رجال قريش قد تنكروا وتنقبوا حين جاؤوا لمساعدة بني بكر، مع أن بني بكر كانوا حلفاءهم، وقد دخلوا في عقدهم، فعليهم نصرهم علناً، ولا ضرورة للتنكر والتنقب إن لم يكونوا يريدون تعمية الأمور، لكي لا يظهر للناس أنهم قد نقضوا عهدهم مع النبي "صلى الله عليه وآله"..
ثانياً: إن بني نفاثة حين كلموا قريشاً في نصرهم على خزاعة قد ذكروا لها أنهم داخلون في حلفهم ضدّ محمد "صلى الله عليه وآله"، وخزاعة داخلة مع النبي في الحلف والعقد ضدهم.
فهم إذاً ملتفتون إلى هذا العقد والعهد، مدركون أن المهاجم متحالف مع قريش، وأن المقصود بالهجوم متحالف مع المسلمين في عهد الحديبية.
فما معنى ادِّعاء الروايات ورواتها أن قريشاً بعد أن ارتكبت جريمتها في حق خزاعة "عرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله".."؟.
ثالثاً: إن هناك روايات تقول: إنهم كلموا أبا سفيان، فأبى ذلك([42]).
فلماذا لا يرضى أبو سفيان بنصر حلفائه؟! وهو الحاقد على خزاعة بسبب ميلها إلى رسول الله وتحالفها معه "صلى الله عليه وآله".
ألا يدل امتناعه هذا على أنه يرى في ذلك ضرراً بالغاً، ودخولاً في أمر خطير، من حيث أنه نقض للعقد والعهد القائم بينهم وبين المسلمين؟!
رابعاً: ما معنى قول هؤلاء الرواة أنفسهم: إنه بعد انتهاء الهجوم وحصول المجزرة "دخلت رؤساء قريش منازلهم، وهم يظنون: أنهم لا يُعْرَفون، وأنه لا يبلغ هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله".."؟!
أليس ظنهم هذا يؤدي بهم إلى إدراك أن بلوغ هذا الأمر لرسول الله "صلى الله عليه وآله" سوف يؤدي إلى نشوء مشكلة خطيرة لهم معه؟!
ولا مبرر لاعتبار ذلك مشكلة إلا لأنهم يدركون أن ما فعلوه له مساس مباشر بالعقود التي تحكم فيما بينهم وبينه "صلى الله عليه وآله"..
بنو نفاثة يسرقون الحاج:
واللافت هنا: هذا المنطق الخسيس الذي اعتمده نوفل بن معاوية لتحريض بني بكر على الإمعان في قتل النساء والصبيان والضعفاء، وتوقعه ذلك منهم حتى في داخل الحرم.. فإنه قال لهم: "إنكم لتسرقون الحاج في الحرم، أفلا تدركون ثأركم من عدوكم"؟!
فإذا كان هؤلاء يسرقون الحجاج وهم في حرم الله تبارك وتعالى، فهل يتوقع منهم احترام المقدسات، والوقوف عند حدود الله سبحانه، والالتزام بأمره ونهيه؟!
وإذا كان هذا هو منطق رئيس بني بكر، وتلك هي أوامره لمن هم تحت إمرته، وهذه هي توقعاته منهم!!
وإذا كان يدفعهم بهذا المنطق إلى متابعة جرائمهم لاستئصال الأبرياء، من النساء والصبيان والضعفاء!!
وإذا كان يصور لهم: أن هؤلاء الصبيان الذين قد لا يعرفون شيئاً مما يدور حولهم، بل إنهم غير قادرين على إدراك معنى الشر، بالإضافة إلى النساء، والضعفاء ـ يصورهم على أنهم هم أعداؤهم الذين يريد منهم أن يعملوا فيهم سيوفهم إلى حد الاستئصال.
وإذا كان نفس هذا الرئيس ينكر وجود الإله لمجرد تبرير اندفاعه للتنفيس عن حقده على هذا النوع من الناس.
وإذا كان الرئيس هو الذي يفترض فيه أن يكون الأكثر وعياً وإحساساً بالمسؤولية..
فما الذي نتوقعه من همج رعاع، وجهلة أغبياء، وأشرار أشقياء، يمتهنون سرقة الحاج في حرم الله تعالى، وعند بيته المحرم؟!
وهذا يدلنا على مدى معاناة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، الذي جاءهم من عند الله بأصفى وأفضل التعاليم، التي هي محض الخير، وكل العطاء، وحقيقة البر والرحمة، والنور الأنور، والطهر الأصفى، والنبل والوفاء، والتضحية والفداء، وسائر المعاني الإنسانية في أرقى الدرجات، وأفضل الحالات.
بديل بن ورقاء وما جرى:
وقد قرأنا في النصوص المتقدمة: أن خزاعة أصبحت مقتَّلة على باب بديل بن ورقاء ورافع الخزاعيين..
وسنقرأ فيما يلي: أن بديلاً قد عاش هذه المحنة، وتجرع غصتها، ولمس بشاعتها في بيته وعلى باب داره، أكثر من أي إنسان آخر..
فما بالنا نرى هذا الرجل بالذات رفيقاً لأبي سفيان حين خرج من مكة يترقب الأخبار، ليعرف حقيقة تحركات رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيما يرتبط بهذا الحدث؟ فلماذا لا يكون لبديل موقف سلبي وغاضب من قريش ورموزها؟
ويمكن أن نجيب عن هذا السؤال بما يلي:
أولاً: إن أبا سفيان ـ كما تدَّعيه بعض الروايات ـ أبى أن يستجيب لطلب بني بكر فيما يرتبط في توجيه الضربة لخزاعة([43]).
أو أنه لم يشاور في هذا الأمر، ولم يعلم، ولكنه حين علم لم يرض، ولم يغضب كما تقدم وسيأتي([44]).
أو أنه كان في الشام ولم يكن في مكة حين الإعتداء على الخزاعيين([45]).
وهذا معناه: أن لا يجد بديل بن ورقاء أي مانع من الإبقاء على علاقته به، ويكون همزة وصل، لو حصل في المستقبل ما يحتاج إلى تفاوض، أو تدخل لمنع حدوث الأسوأ..
ثانياً: إنه إذا كانت خزاعة تعيش في دائرة الخطر، ولم يكن يمكنها الحصول على الأمن المطلوب إلا عن طريق المداراة والمصانعة، بانتظار الوقت الذي تتمكن فيه من تجاوز المحنة، أو كان هذا الأمر يختص ببديل بن ورقاء فقط، فإن هذه المداراة تصبح مقبولة إذا بقيت في حدود المعقول، وليس في ذلك أية غضاضة أو وهن على بديل ولا على خزاعة، وذلك ظاهر لا يخفى.
بين الثأر.. والقصاص:
وقد تقدم: أن نوفل بن معاوية صار يقرِّع بني بكر ويقول لهم: "تسرقون الحاج في الحرم، ولا تدركون ثاركم"!!
ومعلوم: أن مفهوم الثأر يعتمد على تبلور حالة من الحنق الشخصي في اندفاع ساحق ومدمر، مع إغفال أي حساب آخر سوى إرضاء نزعة الحقد الأسود بهذا البطش الأرعن وغير المسؤول، الذي لا يبالي بالضحية التي تكون في موقع البراءة والطهر في أكثر الأحيان..
وخير شاهد على هذه الرعونة هو: انتقام بني بكر حتى من الصبيان والنساء، والضعفاء، وذلك ثأراً لأناس قتلوا قبل عشرات السنين. أي قبل ولادة كثير من هؤلاء الضحايا بسنوات كثيرة بلا ريب..
فالثأر يهدف إلى التدمير والإبادة والاستئصال حتى للبريء..
وقد قال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث بن معاوية: "وأنت قد حصدتهم، تريد قتل من بقي"؟
وإذا كان الحاكم هو منطق الأحقاد والضغائن، لا الأخلاق والقيم والمبادئ والشرع، أو العقل، فلا بد من أن ينتج هذا السلوك حرصاً على مقابلة الإساءة بالإساءة، والتدمير والاستئصال حتى للأبرياء بمثله، ويحول الوحدة إلى تشتت وتفرق، والجماعة والعصبة إلى تمزق، ويتحول اهتمام المجتمع من العمل على لم الشعث، والتعاون على البر والتقوى، ليصبح تعاوناً على الإثم والعدوان وعلى معصية الله ورسوله.
وهذا هو الفرق بين الثأر والقصاص.
فإن القصاص إجراء تربوي إصلاحي، يهدف إلى إرساء قواعد القسط والعدل، وإلى جعل الحياة أكثر صفاء ونقاء، بل أكثر حيوية وقوة واندفاعاً، على قاعدة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ}([46]).
وفي القصاص حفاظ على النفوس، ومحاصرة للجريمة، وخنق لها في مهدها، وقطع دابرها، وإعفاء آثارها..
والقصاص معناه: حصر الجريمة في مصدرها وهو المجرم نفسه، ثم استئصاله واستئصالها به، وتطهير المحيط منه ومنها.
والقصاص يرسي قواعد الأمن المجتمعي، ويبعد الناس عن العيش في أجواء التآمر، والكيد والتربص شراً بالآخرين وينمي حالة الثقة والتعاون فيما بين الناس.
والقصاص يهيئ الأجواء لإشاعة مفهوم الكرامة للإنسان، ويؤكد قيمته، ويحدُّ من الطموح للتعدي عليه وهتك حرمته..
وبالقصاص يعطي العدل قيمته ومعناه، وينصب أمام أعين الناس مثلاً وقيماً ومعاني إنسانية لتكون موضع طموحهم، وغاية ومنتهى آمالهم.
الفصل الثاني:
إلى المدينة: خبر وشكوى
النبي ' يخبر بالغيب عن نقض العهد:
روي: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعائشة صبيحة كانت وقعة بني نفاثة وخزاعة بالوتير: "يا عائشة، لقد حدث في خزاعة أمر".
(أو قال: لقد حرت في أمر خزاعة)([47]).
فقالت عائشة: يا رسول الله، أترى قريشاً تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم ، وقد أفناهم السيف؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى".
فقالت: يا رسول الله، خير؟
قال: "خير"([48]).
وعن ميمونة بنت الحارث: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بات عندها ليلة، فقام ليتوضأ إلى الصلاة، فسمعته يقول في متوضئه: "لبيك، لبيك، لبيك ـ ثلاثاً ـ نصرت، نصرت، نصرت ـ ثلاثاً ـ".
قالت: فلما خرج قلت: يا رسول الله، سمعتك تقول في متوضئك: "لبيك، لبيك ـ ثلاثاً ـ نصرت، نصرت ـ ثلاثاً" كأنك تكلم إنساناً، فهل كان معك أحد؟
قال: "هذا راجز بني كعب يستصرخني، ويزعم أن قريشاً أعانت عليهم بكر بن وائل".
قالت ميمونة: فأقمنا ثلاثاً ثم صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الصبح بالناس، فسمعت الراجز ينشد:
يـا رب إني نـاشـــد محــمـــدا حـلـف أبـيـنـا وأبـيـه الأتـلـــدا
فذكرت الرجز الآتي([49]).
لماذا عائشة دون سواها؟!:
إننا لا نريد أن نثير أي سؤال ذا طابع تشاؤمي حول سبب مبادرة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى إخبار عائشة دون سواها بهذا الأمر الغيبي الخطير، الذي سوف يظهر صدقه، وتتجلى دلائله وبراهينه في وقت قصير..
وقد كان بإمكانه "صلى الله عليه وآله" أن يذكر هذا الغيب في ملأ من الناس، ليصبح أكثر شيوعاً، وليسهم ـ من ثم ـ في تثبيت إيمان الناس، والربط على قلوبهم..
وإنما نريد هنا أن نشير فقط: إلى أن تخصيص عائشة بهذا الخبر الغيبي الخطير، من شأنه أن يجعلها أكثر حرصاً على رواية هذا الحدث، وإشاعته، ما دام أنها ترى فيه تأكيداً على دورها المميز، وحضورها الفاعل.
ثم هو يوحي بأنها كانت بحاجة لمزيد من الدلائل والشواهد على رعاية الغيب لمسيرة الرسالة والرسول، ليحيا من حيي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة..
وغني عن القول: أن هذا التبرير أو ذاك يبقى في دائرة التظني أو الاحتمال، ولا يجد ما يلغيه أو ما يؤكده بصورة قاطعة ويقينية، فما علينا إذا أوكلنا أمر ذلك إلى المزيد من التأمل والتدبر أي جناح..
حرت في أمر خزاعة:
وأما بالنسبة لما زعمه الواقدي: من أنه "صلى الله عليه وآله" قال: "لقد حرت في أمر خزاعة"([50])، فهو مرفوض جملة وتفصيلاً لأسباب عديدة، نذكر منها:
أولاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يتحير في هذا الأمر ولا في سواه، فإن التكليف الإلهي واضح لديه، وهو واضح هنا أيضاً لكل أحد، إذ لا بد له من التعاطي مع ناكثي العهود بما يوجبه الشرع والدين.. وهو "صلى الله عليه وآله" مسدد بالوحي، عارف بأمر الله، وهو عقل الكل، وإمام الكل، ومدبر الكل، فلم يكن ليخفى عليه وجه الصلاح، ولا حكم الله في هذا الأمر.
ثانياً: إذا كان لا بد من الحيرة، فلا بد من أن تكون حيرة في أمر قريش، وبكر بن وائل، لا في أمر خزاعة. فإن خزاعة قد نُكبت وظلمت، فلا بد من التفكير في طريقة كف الظالم عن ظلمه، وردع الباغي عن بغيه بعد أن لم ينتفعوا بالآيات والنذر، ولم يستجيبوا لنداء العقل، ولم يلتزموا بما يوجبه عليهم معنى الرجولة والشهامة، وغير ذلك من معاني كانوا يزعمون أن لها دوراً وموقعاً في حياتهم، وفي قراراتهم، وحركتهم، وإقدامهم، وإحجامهم.
سلب الألطاف الإلهية:
إن الشرك والكفر من أعظم الذنوب التي لا يبقى معها أيّ أهلية للطف الإلهي، ولكن عدم الأهلية هذا لا يفرض حجب الألطاف بصورة قاطعة ونهائية.. فقد تكون هناك عوامل أخرى توجب التفضل الإلهي على فاقد الأهلية، بسبب ابتلائه بالشرك.. فمن كان سخياً، أو حليماً، أو باراً بوالديه، أو بغيرهما من ذوي رحمه، ربما يتفضل الله تعالى عليه ببعض العنايات والتوفيقات، حفظاً لتلك الخصال، أو مكافأة على بعض الأفعال، أو لطفاً بغيره من أهل الحاجة والاستحقاق..
وقد ورد: أن بعض خصال الخير التي تكون في غير المؤمنين إنما جعلها الله فيهم لأجل حفظ أهل الإيمان.
فقد روي عن أبي عبد الله "عليه السلام" أنه قال: إن الله تبارك وتعالى أعار أعداءه أخلاقاً من أخلاق أوليائه، ليعيش أولياؤه مع أعدائه في دولاتهم.
وفي رواية أخرى: ولولا ذلك لما تركوا ولياً لله إلا قتلوه([51]).
وقد أتي "صلى الله عليه وآله" بأسارى، فأمر بقتلهم باستثناء رجل منهم، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا محمد، كيف أطلقت عني من بينهم؟!
فقال: أخبرني جبرئيل عن الله عز وجل أن فيك خمس خصال يحبها الله ورسوله: الغيرة الشديدة على حرمك، والسخاء، وحسن الخلق، وصدق اللسان، والشجاعة.
فلما سمعها الرجل أسلم الخ..([52]).
وهناك قضية أخرى تدخل في هذا السياق، وقد تكون نفس هذه القضية، وقد تكون غيرها فراجعها([53]).
وفي المقابل، ربما يكون لبعض الموبقات، التي يرتكبها المشرك أو الكافر، أثر في تأكيد حجب جميع أشكال ودرجات التوفيق، وإيكال هذا المجرم إلى نفسه بصورة تامة ونهائية، لينتهي به الأمر إلى أن يؤثر ذلك حتى على مستوى إدراكه، أو على سلامة هذا الإدراك، أو يوقع هذا المجرم في بحر من الغفلة، والجهل، والجهالة التي قد تصل إلى حد الغواية التامة عن طريق الرشد، في أبسط مراتبه، وأدنى حالاته..
وهذا هو ما حصل لقريش بالفعل، كما ربما يفيده قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعائشة: "ينقضون العهد لأمر يريده الله" حيث كان لا بد من حسم أمر الطغيان القرشي، لينتعش الشعور بالعزة لأهل الإيمان، ويتأكد سقوط عنفوان الشرك، ويعيش رموزه حالة الذل والخزي الأمر الذي من شأنه أن يفسح المجال أمام دعوة الحق والإيمان لتأخذ طريقها إلى قلوب المستضعفين، الذين كانوا بأمس الحاجة إليها.
وكان الطريق إلى ذلك هو ترك قريش لتتمادى في ممارسة دورها وفق ما يحلو لها، وترتكب حماقاتها، وتظهر على حقيقتها، ويتجلى خزيها لكل أحد، لتنال جزاء أعمالها بعيداً عن أي لبس أو شبهة، أو تأويل خادع.
النبي '.. ونصر بني كعب:
وقالوا: إن عمرو بن سالم الخزاعي خرج في أربعين راكباً من خزاعة يستنصرون رسول الله "صلى الله عليه وآله" ويخبرونه بالذي أصابهم، وما ظاهرت عليهم قريش، ومعاونتها لهم بالرجال، والسلاح، والكراع، وحضور صفوان بن أمية، وعكرمة، ومن حضر من قريش. وأخبروه بالخبر، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" جالس في المسجد بين أظهر الناس، ورأس خزاعة عمرو بن سالم، فلما فرغوا من قصتهم، قام عمرو بن سالم، فقال:
يـا رب إني نـاشـــد محــمـــدا حـلـف أبـيـنـا وأبـيـه الأتـلـــدا
قـد كـنـتـم ولـداً وكـنـا والـدا ثـمـت أسـلـمـنـا فـلـم ننـزع يدا
إن قـريشـاً أخـلفـوك المـوعـدا ونـقـضـوا مـيـثـاقـك المــؤكــدا
وزعـمـوا أن لـست أدعو أحدا وهـــم أذل وأقــــل عـــــــددا
هـم بـيّـتـونـا بالـوتـير هـجـدا وقـتـلـونـا ركـعـــــا وسـجــدا
وجـعـلــوا لي في كـداء رصـدا فـانـصـر رسـول الله نـصـرا أيـدا
وادعُ عـبـاد الله يـأتـوا مــــددا فـيـهـم رســـول الله قــد تجــردا
أن سـيـم خـسـفـاً وجهه تربـدا في فـيـلـق كـالـبـحر يجـري مزبدا
قـرم لـقـرم مـن قـروم أصـيـدا
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "حسبك يا عمرو، أي: ودمعت عيناه".
أو قال: "نصرت يا عمرو بن سالم".
فما برح حتى مرت عنانة (أي سحابة) من السماء فرعدت، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب"([54]).
وفي المنتقى: أنه "صلى الله عليه وآله" لما كان بالروحاء نظر إلى سحاب منصب، فقال: إن هذه السحابة لتستهل (لينتصب) الخ..([55]).
وروي بسند جيد عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" غضب مما كان من شأن بني كعب غضباً لم أره غضبه منذ زمان. وقال: "لا نصرني الله ـ تعالى ـ إن لم أنصر بني كعب"([56]).
وعن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لما سمع ما أصاب خزاعة، قام ـ وهو يجر رداءه ـ وهو يقول: "لا نصرت إن لم أنصر بني كعب مما أنصر منه نفسي"([57]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: "والذي نفسي بيده، لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي، وأهلي، وبيتي"([58]).
ويتابع المؤرخون، فيقولون: فلما فرغ الركب قالوا: يا رسول الله، إن أنس بن زنيم الديلي قد هجاك، فهدر رسول الله "صلى الله عليه وآله" دمه([59]).
فبلغ أنس بن زنيم ذلك، فقدم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" معتذراً عما بلغه فقال قصيدة منها:
أأنت الـذي تهـدى مـعـد بـأمره بـل الله يهـديهم وقـال لك اشـهـد
فـما حمـلت من ناقـة فوق رحلها أبــــر وأوفى ذمــة مــن محــمــد
إلى آخر القصيدة..
وبلغت رسول الله "صلى الله عليه وآله" قصيدته واعتذاره. وكلمه نوفل بن معاوية الديلي فيه، وقال له:
أنت أولى الناس بالعفو، ومن منا لم يعادك ولم يؤذك؟ ونحن في جاهلية، لا ندري ما نأخذ وما ندع، حتى هدانا الله بك من الهلكة، وقد كذب عليه الركب، وكثَّروا عندك.
فقال: دع الركب، فإنَّا لم نجد بتهامة أحداً من ذي رحم ولا بعيداً كان أبر بنا من خزاعة.
فأسكت نوفل بن معاوية.
فلما سكت قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": قد عفوت عنه.
فقال نوفل: فداك أبي وأمي([60]).
نوفل يضيع الحق:
ونقول:
إن كلام نوفل لم يكن منصفاً ولا دقيقاً، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إنه يبدو: أن كلام نوفل بن معاوية كان يهدف إلى تصغير ذنب أنس من جهة، وإلى تضييع الحق من جهة أخرى.
فما قاله يؤدي إلى أن يصبح عفو رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن مرتكب هذا الجرم العظيم، الذي يرمي إلى إلحاق الوهن بالإسلام، من خلال الجرأة على نبيه، يصبح عفوه عن جرم كهذا غير ذي أهمية، بل هو سيجعل ذلك واجباً إنسانياً إلى حد يكون معه النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه في موقع الاتهام في نبله، وفي أخلاقه الحميدة، وفي سجاياه الكريمة، وحقيقة التزامه بالقيم، ورعايته للمثل العليا، وللمعاني الإنسانية.
فإذا كان "صلى الله عليه وآله" فاقداً لمثل هذه الفضيلة ـ والعياذ بالله ـ فإن تحلّيه بما هو أسمى منها يصير موضع شك وريب، ويدعو إلى تفسير بعض ما يصدر عنه بطريقة أخرى، تبعده عن أن يكون ناشئاً عن خلق رضيّ، وعن نفس تعيش معنى السماحة، والنبل، وسائر المعاني الإنسانية الفاضلة والرقيقة.
2 ـ إن كلام نوفل قد تضمن المساواة بين الوفي والغادر، وبين المؤذي عن جهل، وبين من يخطط للإيذاء، وبين من يعادي الشخص لأمور شخصية، وفي أمور جزئية، وبين من يعادي المبادئ والقيم، ويسعى لإطفاء نور الله عن علم، وهذا من نوفل: إما ظلم واضح، أو جهل فاضح.
وفي كلتا الحالتين يفترض برسول الله "صلى الله عليه وآله": أن يتصدى لدفع الظلم ورفع الجهل.
3 ـ إن نوفل بن معاوية يدَّعي: أن الأخبار التي بلغت رسول الله "صلى الله عليه وآله" تشتمل على أكاذيب، ولكنه لم يقدم أي دليل او إشارة تثبت صحة هذه الدعوى.
مع العلم: بأن هذا التكذيب ليس له ما يبرره، فإن الشهادة على النفي من شخص واحد لا يمكن أن تعارض الشهادة على الإثبات، خصوصاً إذا كانت شهادة الإثبات تصدر عن جماعة كبيرة من الناس. كانت الشهادة تتناول حقبة زمنية واسعة لا مجال للاطلاع على تفاصيلها.
فإن فعل الهجاء قد يغيب عنه شخص، ويحضره أشخاص آخرون، وهم قد يقلون وقد يكثرون. فكيف أجاز نوفل بن معاوية لنفسه أن يقيم هذه الشهادة العجيبة أمام سيد عقلاء العالم المؤيد بالوحي، ويحظى بالتسديد واللطف الإلهي؟!
4 ـ إن هذه الشهادة تستبطن درجة من الاتهام لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بأنه يتسرَّع باتخاذ قراراته في حق الأشخاص إلى حد أنه يبادر إلى إهدار دماء الناس استناداً إلى أكاذيب يزجيها إليه ركب زائر..
5 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قد بيّن: أن نوفلاً لم يكن صادقاً فيما قدمه من تبريرات، وقد صرح له: بأن الوقائع قد جاءت لتثبت خلاف مزاعمه، فأسكت نوفل ولم يدر ما يقول..
6 ـ لقد رأينا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يتراجع عن قراره بإهدار دم أنس بن رزين، ولم يعر لمزاعم نوفل أي اهتمام، وإنما عفا عنه بعد أن أكذب نوفلاً فيما زعم، فجاء العفو عن ابن زنيم تكرماً من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا انصياعاً لمنطق نوفل.
غضب النبي ' لبني كعب:
وقد كان غضب النبي "صلى الله عليه وآله" لبني كعب شديداً، حتى إن عائشة لم تره قد غضب إلى هذا الحد منذ زمان. ولكنه "صلى الله عليه وآله" لم يغضب لنفسه، ولا لعشيرته، ولا لفوات منفعة، ولا كان غضبه حنقاً غير مسؤول، يخرجه عن حدود المقبول والمعقول، بل كان غضباً لله تعالى، وانتصاراً للمظلوم من ظالمه، ولأجل المنع من العدوان على القيم الإنسانية، والمثل العليا..
إن هذا الغضب واجب شرعي وأخلاقي وعقلي، ناشئ عن الشعور بالمسؤولية، وفي سياق مراعاة الحكم الشرعي، والإصرار على تطبيق القيم الإنسانية بأمانة وبدقة..
وغني عن القول: أن هذا الغضب لم يخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن جادة الحق، والإنصاف، والاعتدال.
بل هو من أجل إرغام الخارجين عن هذه الجادة على الرجوع إليها..
نصرت يا عمرو بن سالم:
قد لاحظنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يصر على الجهر بتصميمه على نصرة المظلومين من خزاعة، وهو يستخدم في بياناته لهذا النصر صيغة فعل الماضي، وكأنه يخبر عن حصول هذا الأمر فيما مضى من الزمان، حتى أصبح كأنه تاريخ يحكى، فيقول لعمرو بن سالم: "نُصرت يا عمرو بن سالم" ولم يقل: ستنصر، أو نحو ذلك.
ويقول في إخباره الغيبي بما حصل: "لبيك، لبيك، لبيك. نُصرت، نُصرت، نُصرت". ولم يقل: سوف أنصرك..
وقد تحقق مضمون هذه التلبية، ونصر "صلى الله عليه وآله" بني كعب أجمل نصر، وأتمَّه وأوفاه..
لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب:
ولكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى تأكيد تصميمه على نصر بني كعب، بأسلوب قد يفاجئ الكثيرين، وهو الطلب إلى الله أن يحجب عنه نصره، إن لم يقم بهذا الواجب..
غير أننا نقول:
إن هذا الطلب يمكن تفسيره: بأن من يتخلى عن واجبه الشرعي لا يستحق اللطف والنصر الإلهي، هذا إن اقتصر الأمر على المعاملة وفقاً لمبدأ المقابلة بالمثل..
في حين أن من يتخلف عن واجبه الشرعي يستحق الطرد من ساحة الرضا الإلهي، ليصبح من يفعل ذلك في معرض غضبه تبارك وتعالى..
وبما أن هذا الأمر لا يظن صدوره من أي إنسان مؤمن بالله ملتزم بأوامره ونواهيه، فيرد السؤال عن معنى أن يجعل أعظم وأفضل وأكرم الأنبياء نفسه في دائرة احتمال التخلف عن هذا الواجب، ومخالفة التكليف الإلهي.
ويمكن أن نجيب بما يلى:
أولاً: قد يقال: إن ذلك جارٍ على طريقة هضم النفس، حيث إن المفروض هو: أن يتعامل "صلى الله عليه وآله" مع نفسه بغض النظر عن اللطف الإلهي، وعن العصمة.. وهذا أمر شائع ومعروف..
فهذه الكلمة تشبه قول أمير المؤمنين "عليه السلام": ما أنا في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي الله بلطف منه([61]).
وإذا نظرنا إلى الأمور من حيثية أخرى فسنجد: أن الله تعالى الذي يعامل الناس العاديين من مقامه الربوبي، فيعتمد منطق الرحمة، والرفق، والغفورية، والتوابية، والترغيب، والترهيب وغير ذلك.. يعامل أنبياءه "عليهم السلام" من موقع الألوهية، فيضع لهم النقاط على الحروف بكل صراحة وحزم، فيقول لواحد من هؤلاء الأنبياء: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}([62]).
ويقول: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}([63])..
ثانياً: إنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يعطي القاعدة للناس؛ ليعرفوا: أن الحكم الإلهي الذي يجريه على كل البشر، هو أن نفس ترك نصرة المظلوم يستتبع فقدان النصر الإلهي في موضع الحاجة إليه وله هذا الأثر، بغض النظر عن أية خصوصية أخرى.
فهو "صلى الله عليه وآله" قد استخدم أفضل أسلوب بياني تطبيقي، يجسد الفكرة للآخرين بصورة حية وواقعية، ويسهل إدراكها وفهمها على كل الناس.
ثالثاً: إن الواجب عليه "صلى الله عليه وآله" هو مجرد النصر لبني كعب، بحيث يرتفع الظلم عنهم، ولا يجب عليه أن ينصرهم مما ينصر منه نفسه وأهل بيته، فإن هذه المرتبة أعلى وأشد من تلك المرتبة، فالذي تعهد بالقيام به يزيد على الدرجة التي تجب عليه، فاحتاج إلى تأكيد هذا الالتزام بهذا النحو من المبادرة والتضحية بالنصر الإلهي حين الاحتياج إليه.
وعلى هذا الوجه لا يكون حجب النصر الإلهي عنه دليلاً على غضب الله، بل يكون لأجل أنه قد رضي بارتهان نصرٍ كان الله قد ادَّخره له، بإعطاء درجة من نصر لم تكن مطلوبةً منه، ولا كانت واجبةً عليه..
السحابة تستهل بنصر بني كعب:
وعن حديث استهلال السحابة بنصر بني كعب نقول:
قد يروق للبعض أن يضع قوله "صلى الله عليه وآله" هذا في سياق التفاؤل بالمطر، الذي تحيا به البلاد والعباد..
غير أن هذا التفسير يبقى غير دقيق، إن لم نقل: إنه يفقد هذه الكلمة مغزاها، ومرماها بدرجة كبيرة..
ولعل الأقرب إلى الاعتبار أن نقول: إنه "صلى الله عليه وآله" يريد الإشارة إلى أمور:
أحدها: أن هذا النصر منسجم مع طبيعة الحياة ومقتضياتها، وهو مما يتطلبه كل شيء حتى هذا المطر العارض الذي لم ينزل بعد..
ثانيها: الإشارة إلى شدة قرب هذا النصر، فإن بشائره المؤذنة بقرب نزوله حاضرة كحضور بشائر وأمارات نزول المطر، كظهور السحب، والرعد ونحوه.
ثالثها: التأكيد على حتميته، كحتمية نزول المطر من تلك السحابة..
رابعها: أنه نصر داهم وغامر، كالمطر الداهم والغامر..
خامسها: إن هذا النصر نازل من السماء، وهو هبة إلهية، تماماً كالمطر النازل، الذي هو عطاء إلهي.
دخل بيت عائشة أم ميمونة؟!:
ويزعم الواقدي: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعمرو بن سالم: ارجعوا، وتفرقوا في الأودية. وقام "صلى الله عليه وآله" ودخل على عائشة وهو مغضب، فدعا بماء، فدخل يغتسل، قالت عائشة: فأسمعه يقول، وهو يصب الماء: لا نصرت إن لم أنصر بني كعب([64]).
ونقول:
إن نفس هذه القضية قد ذُكرت للنبي "صلى الله عليه وآله" مع ميمونة، لا مع عائشة([65]).
ولربما يروق للباحث أن يرجح هذه الرواية وهي رواية ميمونة، لأنه اعتاد أن يرى هنا وهناك عمليات سطو على الأدوار، وعلى الفضائل والكرامات، وعلى المواقف. يصل ذلك إلى حد الاختلاف ووضع الحديث على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو على لسان علي "عليه السلام" أو غيرهما، في سبيل تأييد شخصٍ، أو فئةٍ، أو تأكيد نهج فريق بعينه، يؤسفنا أن نقول: أن عائشة كانت وكذلك أبوها، ومن هو في خطهما ونهجهما أحد أركانه!!
هذا عدا ما يراه الباحث من تعمد سلب الفريق الآخر المناوئ لهؤلاء الكثير من الإمتيازات، أو التشكيك بها، أو تجاهلها، أو التعتيم عليها.
ثم هو يرى: ما يبذل من جهد لتلميع صورة هذا أو ذاك من الناس، وتأويل مواقفه السيئة، أو التشكيك بها، أو نسبتها إلى غيره، أو ما إلى ذلك..
وذلك كله يهيئ الأجواء لانطلاق احتمال أن تكون قد حصلت عملية سطو هنا أيضاً لنفس الأسباب التي دعت إلى نظائر لها شوهدت في الكثير من المواقع والمواضع.. وفي هذا الكتاب أمثلة عديدة تدخل في هذا السياق..
ابن ورقاء أول المخبرين:
ذكر المؤرخون: قدوم بديل بن ورقاء على رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليخبره بما جرى على خزاعة، وبالمجزرة التي ارتكبت في بيته وعلى باب داره في حق الصبيان، والنساء والضعفاء([66]).
وذكروا أيضاً: لقاءه أبا سفيان في عسفان، حين كان أبو سفيان متوجهاً إلى المدينة، وبديل عائد منها([67]).
ولكن محجن بن وهب يدَّعي: أن بديل بن ورقاء لم يدخل مكة من حين انصرف رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الحديبية، حتى لقيه في الفتح بمرّ الظهران. قال محمد بن عمر: وهذا أثبت([68]).
ونحن لا ندري لماذا يطلق الواقدي دعواه: بأن ما رواه محجن بن وهب أثبت مما رواه ابن إسحاق وغيره.
ولا شك في أن هذه المبادرة من بديل بن ورقاء كانت محاطة منه وممن معه بنطاق من السرية التامة، لأن اكتشاف قريش لهذا الأمر سوف يعرض بديلاً ورفاقه لخطر عظيم، قد عاينوا بعض مظاهره ومستوياته حين حصر الخزاعيون في دار بديل، وسقط منهم كثير من الأبرياء قتلى في داخل تلك الدار، وعلى بابها..
ولذلك لم يستطع أبو سفيان معرفة حقيقة الأمر إلا من خلال النوى الذي وجده في بعر إبلهم.. ولكنه لم يتيقن هذا الأمر، فسكت عليه.
على أن ذكر التفاصيل الدقيقة لما جرى في عسفان بين أبي سفيان وبين بديل، يقرب احتمالات الصحة، ويوهن احتمال الوهم من الراوي..
فإذا كانت رواية ذلك قد وردت بأكثر من طريق، وفي أكثر من مصدر، فإن حظوظ الحكم بصحة الرواية تصير أكبر وأوفر..
وأخيراً نقول:
إننا لسنا بحاجة إلى التذكير: بأن من الممكن تعدد المخبرين لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، فيخبره عمرو بن سالم، ويخبره أيضاً بديل بن ورقاء.. وقد لا يعلم أي منهما بمسير الآخر خصوصاً في مثل تلك الظروف الصعبة..
عينا رسول الله ' تدمعان:
ورد في بعض النصوص: ما يدل على مدى تأثر رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين أخبره عمرو بن سالم بما جرى على خزاعة، حتى لقد دمعت عيناه "صلى الله عليه وآله".
وغني عن البيان: أن هذا التأثر إن دل على شيء، فإنما يدل على: كمال معنى الإنسانية فيه "صلى الله عليه وآله"؛ وعلى حقيقة التوازن في ميزاته وفي خصائصه "صلى الله عليه وآله"، فلم تكن لتطغى خصوصية على أخرى، أو تستأثر بدورها إلى حد الإلغاء، بل كان لكل خصوصية موقعها، ودورها الذي يخدم ويقوي، ويسدد خصوصيات أخرى في أداء وظيفتها على أكمل وجه وأتمه..
ولأجل هذا التوازن الدقيق في الشخصية الإنسانية التي يريدها الله تبارك وتعالى كان المؤمنون أشداء على الكفار رحماء بينهم.. وكان المؤمن قوياً شجاعاً وكان رقيقاً ورحيماً ورؤوفاً. وكان حازماً، حليماً. ولا يمكن أن يكون مؤمناً كاملاً من دون أن يستجمع هذه الصفات، ويعيشها، ويتفاعل معها بصورة صحيحة ومتوازنة..
فلا غرو إذا رأينا رسول الله "صلى الله عليه وآله" يجاهد الكفار ويغلظ عليهم في حين تذهب نفسه عليهم حسرات.
ثم هو يتلقى سيوفهم، ورماحهم وسهامهم، ويردها عن نفسه ما وسعه ذلك، ثم هو يدعو لهم ويقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون..
ومن جهة أخرى: إن هذه الرقة التي نراها من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى إن عينيه لتدمعان وهو يسمع ما جرى على خزاعة، لم تكن هي المرتكز لموقفه من القتلة والمجرمين، بل لم يكن لها أي تأثير فيه، بل كان المرتكز والمؤثر في ذلك هو التكليف الشرعي، وطلب رضا الله تعالى، وإنزال القصاص العادل بالمعتدين والظالمين، من دون أي تعد عليهم، أو ظلم لهم، أو تجاوز للحد الشرعي والإنساني في التعامل معهم.
قام وهو يجر رداءه:
وحين تتحدث الروايات المتقدمة: عن أنه "صلى الله عليه وآله" قد بلغ به الغضب حداً جعله يقوم وهو يجر رداءه، فإنها تكون قد تجاوزت حدود المعقول والمقبول، بالنسبة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، إذ ليس لنا أن نصوره "صلى الله عليه وآله" بصورة من أخرجه غضبه عن طوره، إلى حد أنه لم يلتفت إلى ردائه ليسويه على نفسه، ويضعه بالصورة التي يفترض أن يكون عليها..
فإذا كان "صلى الله عليه وآله" بهذه المثابة من الانفعال، فكيف يمكن أن نطمئن إلى أنه كان يتخذ قراراته بروية وتعقل، وتدبر وتأمل؟! فلعل غضبه الشديد قد جعله غافلاً عن بعض الأمور التي لا بد من مراعاتها في تلك القرارات!
كما أن نسبة أمثال هذه الأمور له "صلى الله عليه وآله" لا تنسجم مع الاعتقاد بعصمته، وبتسديد الله له، وتأييده بالوحي.. ومع ما هو معروف عنه "صلى الله عليه وآله" من رويَّة واتزان.
إلا أن يقال: إن المنهي عنه هو جر الرداء خيلاء وتكبراً، وأما إظهاراً لشدة الغضب لله تبارك وتعالى، وشريطة أن لا يترتب على ذلك أي محذور آخر، فما ذكرناه آنفاً ليس بقبيح، بل قد يكون محبوباً إلى الله تبارك وتعالى..
النبي ' يأمر مخبريه بالتفرق في الأودية:
وقالوا: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعمرو بن سالم وأصحابه "ارجعوا وتفرقوا في الأودية".
فرجعوا وتفرقوا، وذهبت فرقة إلى الساحل بعارض الطريق، ولزم بديل بن ورقاء في نفر من قومه الطريق([69]).
ونقول:
إن ما قام به عمرو بن سالم وأصحابه، من إخبار رسول الله "صلى الله عليه وآله" بما جرى.. ليس من الأمور التي يمكن لقريش وبني بكر أن يتجاوزوها من دون اكتراث أو اهتمام.. بل هو بالنسبة إليهم وإليها قضية حاسمة ومصيرية، تجعلهم بين خياري: البقاء والفناء، والحياة والموت.
وهم يرون: أنهم إذا استطاعوا إخفاء ما جرى عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو التخلص من المسؤولية عنه ومن تبعاته، فقد أفلحوا في الإبقاء على حالة الهدنة القائمة فيما بينهم وبين المسلمين.. ولعلهم يقدرون في وقت ما على استعادة بعض القوة لمواجهة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وربما يحلمون بأن ينتهي الأمر بحسم الأمور لمصلحتهم..
وأما إن ظهر نكثهم للعهد، واستمرت التحولات في هذا الاتجاه، فسيخسرون المعركة مع المسلمين، لأنهم لم يهيئوا لها ما يمنحهم ولو خيطاً من الأمل ضعيفاً بأي نصر، مهما كان هزيلاً وضئيلاً..
بل إنهم ليدركون: أن قدراتهم قد تضاءلت عما كانت عليه بدرجة كبيرة وخطيرة، كما أن قدرات أهل الإسلام قد تنامت وكبرت، بل تضاعفت، ولاسيما بعد كسر شوكة اليهود في خيبر وسواها، ثم ما جرى في مؤتة..
بل إن قدرات كثيرة قد أضيفت إلى قدرات المسلمين، حتى تضاعفت عما كانت عليه من قبل..
وذلك كله يشير إلى: أن اكتشاف قريش، وحلفائها لهذه النشاطات التي قام بها عمرو بن سالم وبديل بن ورقاء، سوف يدفعها للانتقام السريع والهائل والمريع من هؤلاء، ومن كل من يلوذ بهم، أو ينتمي إليهم، ومن دون أية رحمة أو شفقة..
وعلى هذا الأساس نقول:
إنه لم يكن من الحكمة في شيء أن يعود بديل بن ورقاء وعمرو بن سالم وأصحابهما إلى مكة ظاهرين معلنين، وكان التخفي والتستر على هذا الأمر ضرورة لا بد منها، ولا غنى عنها لحفظ حياتهم، وحياة كل من يلوذ بهم.. وقد جاء التوجيه النبوي الكريم منسجماً مع هذه الحقيقة حيث أبلغهم أن عليهم أن يتفرقوا حين عودتهم في الأودية والشعاب، وأن يسلكوا طرقاً مختلفة، حتى إذا تمكنت قريش وحلفاؤها من العثور على بعض منهم في بعض الأودية والمسالك، فإنها قد لا تظن أنهم يعودون من مهمة تعنيها وتتعلق بما حدث.
وحتى لو راودها احتمال من هذا القبيل، فقد لا يخطر على بالها: أن يكون لهؤلاء شركاء في مهمتهم هذه.
ولو خطر ذلك أيضاً على بالها، وسألت عنه، فإن إنكار هذه الشراكة سوف يحد من دائرة الخطر ويؤكد لها احتمال أن يكون قد حصل شيء من ذلك بمبادرة شخصية، وربما تكون إزالة أساس هذا الاحتمال أيسر مما لو شوهدت جماعة كثيرة تمخر عباب تلك المنطقة، لأن ذلك سوف يقوي احتمال وجود أمر مهم دعا رجالات القرار لاتخاذ قرار بشأنه، وهذه الجماعة بصدد تنفيذه.
وهذا ما يفسر لنا عدم قدرة أبي سفيان على التمادي في توجيه الأسئلة لبديل بن ورقاء حينما لقيه بعسفان، فلجأ إلى فت أبعار الإبل، ليرى نوى تمر يثرب فيها، وبعد ذلك لم يتمكن من الجزم بصحة ما دار في خلده، فآثر السكوت، وانصرف عن استقصاء هذا الأمر..
الفصل الثالث:
أبو سفيان في المدينة: تدليس وخداع
عروض النبي ' ورفض قريش:
عن ابن عمر، وحزام بن هشام الكلبي، ومحمد بن عبَّاد بن جعفر: أن قريشاً ندمت على عون بني نفاثة، وقالوا : محمد غازينا.
فقال عبد الله بن أبي سرح: إن عندي رأياً، إن محمداً لن يغزوكم حتى يعذر إليكم، ويخيِّركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوه.
قالوا: ما هي؟
قال: يرسل إليكم أن دوا قتلى خزاعة، وهم ثلاثة وعشرون قتيلاً، أو تبرؤوا من حلف من نقض الصلح، وهم بنو نفاثة، أو ينبذ إليكم على سواء، فما عندكم في هذه الخصال؟
فقال القوم: أحر بما قال ابن أبي سرح ـ وقد كان به عالماً ـ.
قال سهيل بن عمرو: ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة.
فقال شيبة بن عثمان العبدري: حفظت أخوالك، وغضبت لهم.
قال سهيل: وأي قريش لم تلده خزاعة؟
قال شيبة: ولكن ندي قتلى خزاعة، فهو أهون علينا.
وقال قرظة بن عبد عمرو: لا والله لا يودَون ولا نبرأ من حلف بني نفاثة، ولكنا ننبذ إليه على سواء.
وقال أبو سفيان: ليس هذا بشيء، وما الرأي إلا جحد هذا الأمر، أن تكون قريش دخلت في نقض عهد، أو قطع مدة، وإنه قطع قوم بغير رضى منا ولا مشورة، فما علينا.
قالوا: هذا الرأي لا رأي غيره([70]).
وقال عبد الله بنُ عمر: إنَّ ركب خزاعة لمَّا قدموا على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأخبروه خبرهم ، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فمن تهمتكم وظنتكم"؟
قالوا: بنو بكر.
قال: "أكلُّها"؟
قالوا: لا، ولكن بنو نفاثة قصرة، ورأس القوم نوفل بن معاوية النفاثي.
قال: "هذا بطن من بني بكر، وأنا باعث إلى أهل مكة، فسائلهم عن هذا الأمر، ومخيرهم في خصال ثلاث".
فبعث إليهم ضمرة ـ لم يسم أباه محمد بن عمر ـ يخيرهم بين إحدى خلال، بين أن يدوا قتلى خزاعة، أو يبرؤوا من حلف بني نفاثة، أو ينبذ إليهم على سواء.
فأتاهم ضمرة رسول رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأناخ راحلته بباب المسجد، فدخل وقريش في أنديتها، فأخبرهم أنه رسول رسول الله وأخبرهم بالذي أمره رسول الله "صلى الله عليه وآله" به.
فقال قرظة بن عبد عمرو الأعمى: أما أن ندي قتلى خزاعة، فإن نفاثة فيهم عرام، فلا نديهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد، وأما أن نتبرأ من حلف نفاثة فإنه ليس قبيلة من العرب تحج هذا البيت أشد تعظيماً له من نفاثة، وهم حلفاؤنا، فلا نبرأ من حلفهم، أو لا يبقى لنا سبد ولا لبد، ولكن ننبذ إليه على سواء.
فرجع ضمرة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك من قولهم.
وندمت قريش على رد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبعثت أبا سفيان فذكر قصة مجيئه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما سيأتي([71]).
مساعٍ فاشلة لأبي سفيان:
روى محمد بن عمر عن حزام بن هشام عن أبيه: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدِّد العهد، وزد في الهدنة (ليشد العقد ويزيد في المدة). وهو راجع بسخطه"([72]).
وروي: أن الحارث بن هشام، وعبد الله بن أبي ربيعة مشيا إلى أبي سفيان بن حرب، فقالا: هذا أمر لا بد له من أن يصلح، والله لئن لم يصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه.
فقال أبو سفيان: قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وأفظعتها وخفت من شرها.
قالوا: وما هي؟
قال: رأت دماً أقبل من الحجون يسيل حتى وقف بالخندمة ملياً، ثم كأن ذلك الدم لم يكن، فكره القوم الرؤيا([73]).
وفي نص آخر زعموا: أنه لما بلغ أبا سفيان ما فعلت قريش بخزاعة ـ وهو بالشام ـ أقبل حتى دخل على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا محمد، احقن دم قومك الخ..([74]).
وقال أبو سفيان لما رأى ما رأى من الشر: هذا ـ والله ـ أمر لم أشهده، ولم أغب عنه، لا يحمل هذا إلا عليَّ، ولا والله ما شوورت فيه، ولا هويته حين بلغني، والله، ليغزونا محمد إن صدقني ظني، وهو صادقي، وما بد من أن آتي محمداً فأكلمه أن يزيد في الهدنة، ويجدد العهد.
فقالت قريش: قد والله أصبت.
وندمت قريش على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة، وتحرجوا أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يدعهم حتى يغزوهم.
فخرج أبو سفيان، وخرج معه مولى له على راحلتين، فأسرع السير، وهو يرى أنه أول من خرج من مكة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلقي بديل بن ورقاء بعسفان، فأشفق أبو سفيان أن يكون بديل جاء رسول الله "صلى الله عليه وآله" بل كان اليقين عنده، فقال للقوم: أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها؟
قالوا: لا علم لنا بها.
فعلم أنهم كتموه، فقال: أما معكم من تمر يثرب شيء تطعموناه؟ فإن لِتمرِ يثرب فضلاً على تمور تهامة.
قالوا: لا.
فأبت نفسه أن تقرّه حتى قال: يا بديل: هل جئت محمداً؟
قال: لا ما فعلت، ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا الساحل، في قتيل كان بينهم، فأصلحت بينهم.
فقال أبو سفيان: إنك ـ والله ـ ما علمت بر واصل.
ثم قايلهم أبو سفيان حتى راح بديل وأصحابه، فجاء أبو سفيان منزلهم ففت أبعار أباعرهم، فوجد فيها نوى من تمر عجوة كأنها ألسنة الطير، فقال أبو سفيان: أحلف بالله لقد جاء القوم محمداً([75]).
وكان القوم لما كانت الوقعة خرجوا من صبح ذلك اليوم فساروا ثلاثاً، وخرجوا من ذلك اليوم فساروا إلى حيث لقيهم أبو سفيان ثلاثاً، وكانت بنو بكر قد حبست خزاعة في داري بديل ورافع ثلاثة أيام يكلمون فيهم، وائتمرت قريش في أن يخرج أبو سفيان، فأقام يومين. فهذه خمس بعد مقتل خزاعة.
وأقبل أبو سفيان حتى دخل المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي "صلى الله عليه وآله"، فأراد أن يجلس على فراش رسول الله "صلى الله عليه وآله" فطوته دونه.
فقال: يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عني أو بي عنه؟
قالت: بل هو فراش رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأنت امرؤ مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.
فقالت: بل هداني الله للإسلام. وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها، كيف يسقط عنك الدخول في الإسلام، وأنت تعبد حجراً لا يسمع ولا يبصر؟
فقام من عندها، فأتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو في المسجد، فقال: يا محمد!! إني كنت غائباً في صلح الحديبية، فاشدد العهد، وزدنا في المدة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فلذلك جئت يا أبا سفيان"؟
قال: نعم.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "هل كان من قبلكم من حدث"؟
قال: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل".
فأعاد أبو سفيان على رسول الله "صلى الله عليه وآله" القول، فلم يرد عليه شيئاً([76]).
فذهب إلى أبي بكر فكلمه، وقال: تُكلم محمداً، أو تجير أنت بين الناس.
فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله".
زاد ابن عقبة: والله، لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم.
فأتى عمر بن الخطاب، فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر.
فقال: أنا أشفع لكم عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"!! فوالله، لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله، وما كان منه متيناً فقطعه الله، وما كان منه مقطوعاً فلا وصله الله.
فقال أبو سفيان: جوزيت من ذي رحم شراً([77]).
فأتى عثمان بن عفان فقال: إنه ليس في القوم أحد أقرب رحماً منك، فزد في المدة، وجدد العهد، فإن صاحبك لا يرده عليك أبداً.
فقال عثمان: جواري في جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله"([78]).
فأتى علياً "عليه السلام"، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحماً، وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائباً، فاشفع لي إلى محمد.
فقال: ويحك يا أبا سفيان! والله لقد عزم رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه.
فأتى سعد بن عبادة، فقال: يا أبا ثابت، أنت سيد هذه البحيرة، فأجر بين الناس، وزد في المدة.
فقال سعد: جواري في جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وما يجير أحد على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فأتى أشراف قريش والأنصار، فكلهم يقول: جواري في جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ما يجير أحد على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فلما أيس مما عندهم، دخل على فاطمة الزهراء "عليها السلام" والحسن "عليه السلام" غلام يدب بين يديها، فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين الناس؟
فقالت: إنما أنا امرأة، وأبت عليه([79]).
(وفي نص آخر: قالت: إنما أنا امرأة.
قال: قد أجارت أختك ـ يعني: زينب ـ أبا العاص بن الربيع، وأجاز ذلك محمد.
قالت: إنما ذاك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخ..)([80]).
فقال: مري ابنك هذا ـ أي الحسن بن علي "عليهما السلام" ـ فيجير بين الناس، فيكون سيد العرب الى آخر الدهر.
قالت: والله ما بلغ ابني ذلك، أن يجير بين الناس، وما يجير أحد على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([81]).
(وفي نص آخر: ما يدري ابناي ما يجيران من قريش)([82]).
(زاد في الحلبية قوله: "قال: فكلمي علياً..
فقالت: أنت تكلمه.
فكلم علياً فقال: يا أبا سفيان، إنه ليس أحد من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفتئت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بجوار")([83]).
فقال لعلي "عليه السلام": يا أبا الحسن!! إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني.
قال: والله ما أعلم شيئاً يغنب عنك شيئاً، ولكنك سيد بني كنانة.
قال: صدقت، وأنا كذلك.
قال: فقم فأجر بين الناس ثم الحق بأرضك.
قال: أوترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟
قال: لا والله، ولكن لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المسجد، فقال: أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ولا والله ما أظن أن يخفرني أحد.
ثم دخل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: يا محمد، إني قد أجرت بين الناس.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة"!!
ثم ركب بعيره وانطلق([84]).
وكان قد احتبس وطالت غيبته، وكانت قريش قد اتهمته حين أبطأ أشد التهمة، قالوا: والله إنَّا نراه قد صبأ، واتبع محمداً سرَّاً، وكتم إسلامه.
فلما دخل على هند امرأته ليلاً، قالت: لقد احتبست حتى اتهمك قومك، فإن كنت مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل.
ثم دنا منها، فجلس مجلس الرجل من امرأته.
فقالت: ما صنعت؟
فأخبرها الخبر، وقال: لم أجد إلا ما قال لي علي.
فضربت برجلها في صدره وقالت: قبحت من رسول قوم، فما جئت بخير([85]).
فلما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند إساف ونائلة، وذبح لهما، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما (كذا) ويقول: لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي، إبراء لقريش مما اتهموه به.
فلما رأته قريش، قاموا إليه، فقالوا: ما وراءك؟ هل جئت بكتاب من محمد، أو زيادة في مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد؟
فقال: والله، لقد أبى علي.
وفي لفظ: لقد كلمته، فوالله ما رد علي شيئاً، وكلمت أبا بكر فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو (وفي رواية أعدى العدو) وقد كلمت علية أصحابه، فما قدرت على شيء منهم، إلا أنهم يرمونني بكلمة واحدة، وما رأيت قوماً أطوع لملك عليهم منهم له.
إلا أن علياً لما ضاقت بي الأمور قال: أنت سيد بني كنانة، فأَجِرْ بين الناس، فناديت بالجوار.
(وعند الحلبي: ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم. وقد أشار علي بشيء صنعته، فوالله، لا أدري أيغني عني شيئاً أم لا)([86]).
فقال محمد: "أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة"!!
لم يزدني.
قالوا: رضيت بغير رضى، وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئاً، ولعمر الله ما جوارك بجائز، وإن إخفارك عليهم لهين، ما زاد علي من أن لعب بك تلعباً.
قال: والله ما وجدت غير ذلك([87]).
ونقول:
إن لنا هنا وقفات هي التالية:
ترتيب الأحداث:
وقد يظن البعض: أن ثمة تناقضاً بين الروايات المتقدمة، فإنها تارة تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل إلى قريش يخيرها بين أمور ثلاثة.. فاقترح أبو سفيان عليهم أن يجحدوا حصول أي شيء يمكن فهمه على أنه نقض للعهد..
وتارة تقول: إن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمس ليال فقط من العدوان على خزاعة. فأي ذلك هو الصحيح؟!
غير أننا نقول:
إنه لا تناقض بين تلك الروايات، ولكن الأمور قد اختلطت على المؤرخين، فقدموا المتأخر، وأخروا المتقدم. فاقتضى ذلك إضافة بعض البيانات التوضيحية منهم، فأوجب ذلك الخلل، وبدا أن ثمة تناقضاً واختلافاً بين المرويات.
والحقيقة هي: أنه لو أعيد كل نص إلى موضعه لاستقام السياق وانحل الإشكال بصورة تلقائية..
والذي نراه: هو أن أبا سفيان خرج إلى المدينة بعد خمسة أيام من المجزرة، وسار إلى عسفان.. فالتقى ببديل بن ورقاء وصحبه، وجرى بينه وبينهم ما جرى.. ثم تابع سيره إلى المدينة، وحاول تعمية الأمور والمكر بالمسلمين بحجة: أنه لم يحضر الحديبية، ويريد التأكيد على العهد الذي أبرم فيها، ويزيد من مدته، فواجه ما لم يكن له بالحسبان، وعاد يجر أذيال الخيبة والخسران.
ثم جاءت وفود خزاعة فأخبروا النبي "صلى الله عليه وآله" بما جرى عليهم، فوعدهم النصر، وأخبرهم: أنه سيرسل إلى قريش يخيرها بين ثلاثة أمور.
ثم أرسل "صلى الله عليه وآله" رسولاً إلى قريش يعلمهم ببوار مكرهم، وافتضاح أمرهم، ويضعهم أمام تلك الخيارات المتقدمة..
فكان اقتراح أبي سفيان يقضي بالإصرار على جحد أية مسؤولية لهم تجاه ما حصل.
سؤال وجوابه:
ولكن السؤال الذي يحتاج إلى إجابة هو: كيف استطاع بديل بن ورقاء وصحبه أن يسافروا إلى المدينة ويعودوا منها، ويلتقي بهم أبو سفيان في عسفان في غضون أيام يسيرة قد تتجاوز أصابع اليد الواحدة بيسير، في حين أن المدينة تبعد عن مكة ما يقارب الأربع مائة كيلومتر.. وتحتاج ربما إلى ضعف هذا العدد من الأيام لقطعها ذهاباً وإياباً..
ويمكن أن يجاب: بأن أبا سفيان قد خرج من مكة ـ حسب زعمهم ـ باتجاه المدينة بعد خمسة أيام من المجزرة. ولكن لا شيء يدل على طبيعة سيره، وكم بقي حتى وصل إلى عسفان؟ وهل تلوَّمَ في طريقه من المنازل المختلفة بضعة أيام؟ أم أنه أسرع السير وواصله؟ فهذا ما لا تذكره الروايات.
فيحتمل إذن: أن يكون قد سار ببطء، بحيث لم يصل إلى عسفان حتى مرت عدة أيام، تكون هي والخمسة أيام الأولى التي أقامها في مكة بعد حصول المجزرة كافية لذهاب الركب إلى المدينة وعودته منها على جناح السرعة، خوفاً من افتضاح أمرهم..
على ماذا ندمت قريش؟!:
إن ندم قريش على عون بني نفاثة لا يخفف من قبح الجريمة التي ارتكبتها، ولا يبرر أي إجراء تخفيفي في عقوبتها، لأن هذا الندم لم يكن لأجل إقرارها ببشاعة وفظاعة الجريمة، وقبح نقض العهد، بل هو ندم يؤكد إصرارها على ذلك كله والتزامها به، ويحمل في ثناياه منطق التأييد، والرضى، وعدم التورع عن العودة إلى مثله حينما تسنح الفرصة، وتأمن من عواقبه وتبعاته السيئة عليها..
فهو ندم قبيح، ومرفوض، ويوجب لها المزيد من الخزي، والمهانة، والسقوط. إنه ليس ندماً، بل لجاج وإصرار، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه..
إنه ندم حقيقته الخوف من انتقام المظلومين، وأن يُدَان أهل الحق من الظالمين، وأهل الباطل..
وخير دليل على إصرار هؤلاء على باطلهم وسيرهم الدائب في خط الجحود والإنكار للحق، هو موقفهم الرافض للخيارات العادلة التي وضعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمامهم.
أبو سفيان ينقض العهد:
زعموا: أن أبا سفيان لم يعلم بما تعاقد بنو نفاثة وزعماء من قريش عليه، وبما صنعوه في خزاعة قبل وقوعه، ولم يشاوروه في ذلك([88]).
وزعموا: أنه كان في الشام آنئذٍ([89]).
وقيل: شاوروه، فأبى عليهم([90]).
ولنفترض: أن أبا سفيان لم يرض بنقض العهد، ولم يشارك فيما جرى، فإن ذلك لا يعفيه من المسؤولية لأكثر من سبب.
فأولاً: قد تقدم: أن بعض الروايات تصرح: بأنه هو صاحب الرأي الذي يقول: إن اللازم هو إنكار حدوث أي شيء على خزاعة، وجحد هذا الأمر وإبطاله من أساسه. وهذه خيانة عظيمة، وإهدار لدماء الناس، واستخفاف بها..
وثانياً: إنه قد سعى بكل جهده للتستر على هذا الأمر حينما جاء إلى المدينة ليوثق العهد من جديد..
وأنكر لدى رسول الله "صلى الله عليه وآله": أن يكون قد حصل أي حدث يوجب نقض العهد، وبذلك يكون قد أصبح شريكاً في هذا الأمر، خصوصاً وأنه قد اتخذ سبيل المكر بالنبي "صلى الله عليه وآله" وعمل على خديعته. فهو إن كان لم يبدأ بالغدر، ولكنه قد حمى الغدرة الفجرة، المستحلين لحرم الله، والقتلة لعباد الله.
الخيارات العادلة:
وعن الخيارات التي وضعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمام ناقضي العهد نقول:
ألف: إن الخيار الأول هو: أن يدوا قتلى خزاعة. فإن ذلك من أوليات الحقوق الثابتة والمعترف بها لمن يعانون من عدوان كهذا، حتى في المجتمع الجاهلي. بل إن القتل حين يكون عدوانياً، وعن سابق عمد وإصرار، لا يكتفى معه بالمطالبة بالدية، بل يرتقي الأمر إلى المطالبة بالقصاص من القاتل.. فكيف إذا كانت هناك عهود ومواثيق لا بد من مراعاتها والوفاء بها؟!
فالمطالبة بالدية يمثل إرفاقاً كبيراً، وتبرعاً بالعفو عن جرم كبير وخطير، يراد محاصرة آثاره، ومنعه من التوسع والانتشار، لو أريد الإصرار على خيار القصاص أو أريد الاستفادة من حق إسقاط الالتزامات، واعتبار العهد في حكم المنتهي..
ب: والخيار الثاني هو: إفساح المجال أمام العدالة لتأخذ مجراها، وذلك بالتخلي عن الحلف مع أولئك المعتدين والمجرمين، لينالوا جزاءهم..
وهو خيار متوافق مع سنة العدل والإنصاف، ومشوب بالرفق والإحسان لقريش أيضاً، من حيث إنه يظهر تصديقها فيما تدَّعيه، ويغض النظر عن ملاحقتها، ومجازاتها على ما اقترفته.
وذلك يمثل درساً عملياً لها في الوفاء بالإلتزامات، وعدم الإنسياق وراء دعوة النزوات والشهوات.. كما أنه يقدم العبرة للناس، كل الناس، في أخذ الحق للمظلوم من الظالم، وقصاص المعتدي.. وكفى ذلك رادعاً لهم عن الانسياق وراء بني نفاثة في ارتكاب جرائم مماثلة، قد يرون أن الظروف تسمح لهم بارتكابها، وذلك ظاهر لا يخفى.
ج: وأما الخيار الثالث والأخير: فيقوم على فرضية الإصرار على العدوان، وعلى مناصرة الظالمين والمجرمين.. حيث لا بد من الردع المؤثر وقطع دابر الفساد والإفساد، فإن آخر الدواء الكيّ، ومن الإحسان للإنسانية استئصال الغدة السرطانية التي تفتك بالوجود الإنساني كله..
سياسات يعرفها الجميع:
وقد قرأنا في النصوص المتقدمة: أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستبق الأمور، ويخبر أهل مكة بما ستأتيهم به الرسل عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى لقد حدد لهم الخيارات التي سيعرضها "صلى الله عليه وآله" عليهم..
وهذا معناه: أن سياسات الإسلام المشوبة بالعفو والرفق والرحمة، والإنصاف، والمتمثلة بأقوال وأفعال رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أصبحت معروفة، حتى لدى أعدائه.
ومما يدخل في هذا السياق أيضاً يقين بني نفاثة بأن محمداً لن يسكت على نقض العهد، وظلم الأبرياء. كما أن قريشاً خافت أن يعلم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بما حدث، لأن عواقب ذلك ستكون غير مرضية لها..
آراء لا يحسدون عليها:
وحين عرض ابن أبي سرح الخيارات التي يتوقع أن تأتي بها الرسل من عند رسول الله "صلى الله عليه وآله".. أدلى أصحاب المواقع، وأرباب الرأي الحصيف بآرائهم السخيفة والوضيعة، التي تعبر عن ذهنيتهم وتوجهاتهم، وآفاق تفكيرهم، ومنطلقاتهم. فيلاحظ:
ألف: أن سهيل بن عمرو قد عبر عن رأي يظهر طبيعة نظرة أهل الشرك للعهود والمواثيق، ومدى هشاشتها، وسقوط محلها وقيمتها عندهم وضعف تأثيرها في التزاماتهم، فقال: "ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نفاثة".
ب: وعبر شيبة بن عثمان عن سوء الظن الذي كان يهيمن على مجتمع أهل الشرك، فلم يكن يثق أحد منهم بأحد، ولا يطمئن لسلامة نواياه، الأمر الذي يضعف من درجة اعتماد بعضهم على البعض الآخر، ويحد بصورة كبيرة من إقدامهم على أي عمل يصب في مصلحة الآخرين، فضلاً عن أن يضحي في سبيلهم، أو يؤثرهم على نفسه.
ثم هو يشير إلى: أن منطلقاتهم حتى في مواقفهم المصيرية هي مصالحهم الشخصية وأهواؤهم وتعصباتهم القبليّة، ومشاعرهم العرقية. فقضاياهم الكبرى تتقزم وتتحجم لتصبح في مستوى الشخص، لا من حيث مزاياه الإنسانية، بل بلحاظ مزيته البشرية، وفي خصوص طبيعة موقعه النسبي..
ج: أما موقف قرظة بن عمرو، فيعبر عن حمية الجاهلية التي تختزنها نفوسهم، والتي تهيمن وتطغى على مشاعرهم، وعلى أحاسيسهم.
د: ثم يأتي موقف أبي سفيان، الذي يدل على أن تلك النفوس أصبحت قاحلة جرداء، لا تمر في أجوائها أي نسمة من نسمات الخير، ولا تجد فيها أي أثر للهدى والصلاح.. بل هي تضج وتعج بخصال ضربت جذورها في أعماق الباطل، وانطلقت أغصانها في آفاقه، فكانت ثمارها شراً وجهالة، وغواية، وضلالة.
تحديد المتهم بدقة:
ثم يذكر الحديث السابق: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد طلب من ركب خزاعة تحديد مرتكب الجريمة بدقة، ولم يكتف بعناوين فضفاضة وعامة.
فحين قالوا: إنهم يتهمون بني بكر، قال لهم: أكلهم؟
قالوا : لا، ولكن بنو نفاثة فقط، وعلى رأسهم فلان..
وبذلك يكون "صلى الله عليه وآله" قد استبعد المنطق العشائري الجاهلي، الذي يأخذ البريء بذنب المجرم. رغم أن الذين قتلهم بنو نفاثة هم من الصبيان والنساء، والضعفاء من الرجال..
عرام بني نفاثة:
وقد وصفت الروايات المتقدمة بني نفاثة: بأن فيهم عراماً، أي: حدة وشدة، أو شراسة وأذى..
فهو يخشى ـ إن ودى القتلى الأبرياء الذين سقطوا تحت وطأة البغي والغدر، ونكث العهود ـ أن يتعرض للأذى من أناس فيهم حدة وشراسة. وهذا التضييع لحق هؤلاء ظلم آخر يحيق بأولئك الضحايا على يد جلاديهم، وقتلتهم.
بنو نفاثة يعظمون الحرم:
وقد زعم صاحب ذلك الرأي أيضاً: أنه ليس في العرب قبيلة أشد تعظيماً لبيت الله تبارك وتعالى من بني نفاثة..
مع أن بني نفاثة أنفسهم، وفي نفس هذه الواقعة التي أوصلت الأمور إلى هذا الحد، قد هتكوا حرمة الحرم، وقتلوا النساء، والصبيان، والضعفاء فيه. وحين حاول الناس لفت نظر زعيمهم وقائدهم نوفل بن معاوية نفسه إلى أنه يهتك حرمة الحرم لأن قتل أولئك الأبرياء قد أصبح في داخله، وقالوا له: إلهك، إلهك. تفوه بما يدل على إلحاده، فقال: لا إله لي اليوم..
فإذا كان هو فعلاً أشد الناس تعظيماً للبيت والحرم، فما الذي ننتظره من سائر القبائل التي لا تعظم البيت إلى هذا الحد؟!
الخبر اليقين:
وقد أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بالغيب، حين قال لهم: لكأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول: جدد العهد، وزد في المدة الخ..
ونقول:
إن قضية مكة، والتصدي بحزم لممارسات رموز الشرك فيها، لم يكن تقبُّله بالأمر السهل على الناس، بل كان يحتاج إلى جهد كبير لإقناع الناس بصحة ذلك التصدي، وصوابيته.
ولهذا الإقناع طرقه، وأساليبه المختلفة، ولكن أقواها وأعلاها تلك الإخبارات الغيبية التي يخضع لها العقل، وتتفاعل في أجوائها المشاعر والأحاسيس، ويعيش القلب معها السكينة والطمأنينة..
وقد بيّن "صلى الله عليه وآله" في هذا الإخبار الغيبي المشار إليه أعلاه تفاصيل ما يجري بصورة تامة ودقيقة، فصرح باسم القادم، وهو أبو سفيان. وذكر لهم ما يسعى إليه أبو سفيان، بل هو صرح بعين الألفاظ والعبارات التي سوف يستخدمها، فقال: قد جاء يقول: جدد العهد، وزد في المدة.
ثم بيّن لهم نتيجة سعي ذلك الرجل، وأنه سيرجع، وهو يجر أذيال الخيبة، ويحمل معه سخطه ومرارته..
رؤيا هند بنت عتبة:
وعن رؤيا هند بنت عتبة نقول:
قد عرفنا أن للرؤيا في المنام دوراً في هداية الناس، وفي إقامة الحجة عليهم، وفي لفت نظرهم لأمور يحتاجون إليها، وليست الرؤيا مجرد تخيلات عابرة، ليس لها أثر..
وقد جاءت رؤيا هند لتحذر مشركي مكة من مغبة هذا البغي الذي يمارسونه، وتريهم بعض اللمحات عن المصير الذي ينتظرهم، إن استمروا في اللجاج والعناد، والسعي لإطفاء نور الله تبارك وتعالى.
أبو سفيان هو المسؤول:
إن أبا سفيان الذي يدَّعي: أنه لم يشهد ما جرى لخزاعة، قد أقر: بأنه لم يغب عما جرى..
وهذا معناه: ليس فقط أنه كان على علم بما جرى.. بل هو قد شارك في التخطيط والتآمر، حتى لو سلمنا: أنه كان في الشام حين ارتكاب المجزرة الرهيبة كما ورد في بعض النصوص([91]).
إذ لا شيء يمنع من التخطيط والإتفاق على شيء، على أن يتم التنفيذ في وقت يحدد بعد أيام، حيث يكون المستهدفون بالمؤامرة في غفلة من ذلك كله..
وإذا كان أبو سفيان حاضراً فلا نجد مبرراً لتجاهله، وعدم استشارته، فيما عقدوا العزم عليه.
مع ملاحظة: أن لفعلهم هذا خطورة بالغة على الهدنة التي كانت بينهم وبين النبي "صلى الله عليه وآله"، لأجل الحلف الذي كان له مع خزاعة. خصوصاً وأن ذلك لا يعفي أبا سفيان من المسؤولية من اتخاذ موقف تجاه ما يحدث، سواء علم أم لم يعلم. وقد اعترف هو نفسه بذلك فقال: "لا يحمل هذا إلا علي".
وهذا أمر طبيعي: فإن من يؤسس نهجاً، ويسن سنّة للناس ليعملوا بها، فإذا عمل بها الناس، فليس له أن يقول لهم: أنا بريء مما تشركون..
وقد أقر الشرع هذا المنطق أيضاً، فقد روي عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنه قال: من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها. ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها([92]).
وقال تعالى في إشارة إلى ذلك: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ}([93]).
تجديد العهد، وزيادة المدة:
وقد كان طلبُ أبي سفيان من النبي "صلى الله عليه وآله" تجديد عهد الحديبية، والزيادة في المدة، هو الخدعة التي أعدها هذا الرجل، ومن ورائه قريش، للتملص والتخلص من تبعات الجريمة التي ارتكبوها في حق صبيان ونساء وضعفاء خزاعة..
وذلك بتقدير: أن يكون ذلك الطلب يشير إلى الرغبة في تأكيد العهد، ومن تكون لديه هذه الرغبة، فلا يعقل أن يكون قد نقض ما يسعى إلى تقويته!!
ويعزز ذلك ويقويه: طلب الزيادة في المدة، لأن ذلك يبعِّد احتمال نقض العهد أيضاً. فإن ناقض العهد لا يعترف بوجوده، وقريش تعترف بالعهد، وببقائه، بل هي ترغب في إطالة أمده..
وهذا كله يدخل في سياق الإيحاء ببراءة قريش مما جرى لخزاعة. وهو أحد مظاهر جحود ما ظهر من نقضها للعهد، بالمشاركة في العدوان على خزاعة.
وهو عين الرأي الذي طرحه أبو سفيان، واستبشرت به قريش، حينما ائتمروا فيما بينهم حول كيفية الرد على الخيارات التي عرضها النبي "صلى
الله عليه وآله" عليهم..
وقد كان لا بد من رد أبي سفيان خائباً ليفهم: أن أساليب المكر والإحتيال لا تجدي في إماتة الحق، وإحياء الباطل. وهذا ما جرى له فعلاً.
أساليب استخباراتية فاشلة:
وحين التقى أبو سفيان ببديل بن ورقاء وصحبه، وظن أنهم راجعون من المدينة، بادر إلى التعامل وفق سجيته الماكرة، التي تظهر الود والصفاء، وتبطن الخبث والحقد والبغضاء، فبادر إلى طرح السؤال عن أخبار المدينة على بديل، وكأن عودته منها أمر مفروغ عنه..
فلما أنكر بديل أن يكون له علم بشيء منها بادر بطرح سؤال آخر أكثر صراحة من سابقه، على أمل أن تأخذهم المفاجأة، وتهيمن عليهم هزة مشاعرية تستثير أريحية الكرم فيهم، فيبادرون إلى الإجابة بكلمة نعم، رغبة منهم في البذل والعطاء. واكتساب الحمد والثناء.
فسألهم إن كان لديهم شيء من تمر يثرب يطعمونه إياه. ولكنه وجدهم أيضاً متيقظين لحيلته، راصدين لحركته. حين أجابوه بالنفي..
فاضطر إلى الجهر بنواياه، والكشف عن خفاياه وخباياه، فقال لبديل: هل جئت محمداً الخ..
وجاءه الجواب بالنفي أيضاً، مصحوباً بتبرير معقول ومقبول، لا سبيل إلى رده، ولا مجال للمناقشة فيه..
فلم يكن أمامه خيار سوى السكوت، وانتظر أبعار إبلهم ليتفحَّصها بعد رحيلهم، ليستدل منها على ما يريد.. فوجد فيها بعض ما يشي بصدق ما كان يخشاه..
ولكن ذلك أيضاً يبقى غير كافٍ لحسم الأمور لديه، لإمكان التأويل والتفسير، والتوجيه والتبرير. فباء بذلّ الخيبة، وذاق مرارة الفشل الذي سيكون له ما بعده، من خيبات تتلاحق، وفشل يتوالى..
أبو سفيان في المدينة:
وإن ما واجهه أبو سفيان في المدينة كان غاية في الروعة، فقد ذاق طعم الذل والخزي مرة بعد أخرى، وتجرع مرارة الخيبة والفشل كرَّات ومرَّات لم يعرف لها مثيلاً في حياته كلها.. وقد تجلى هذا الذل في مظاهر مختلفة، نذكر منها:
1 ـ أنه قد بدأ فيما ظن أنه أهونها عليه.. ألا وهو أن يوسِّط ابنته لدى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكأنه يريد أن يستفيد من العنصر النسوي، والنسبي، والعاطفي، والتأثير الأنثوي، على قرار رسول الله "صلى الله عليه وآله" ظناً منه: أنه "صلى الله عليه وآله" كغيره من أهل الدنيا، الذين يمارسون العمل في الصالح العام بعد وضعه في بوتقة المصالح الشخصية، وصهره واستخلاص نتائجه لحساب الفرد وشهواته وأهوائه، ومن يلوذ به من قريب أو عشير..
مع أن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد قدم لهم الدليل تلو الدليل على أنه يضحي بالنفس وبالمال والولد، وبكل شيء في سبيل الصالح العام، وبتعبير أدق: في سبيل الله، والمستضعفين.
ولعل أبا سفيان حين لجأ إلى ابنته قد ظن أيضاً: أن ظهور ضعفه لديها، سوف يغنيه عما بعده من مواقف ذليلة، اختار هو وضع نفسه فيها..
كما أنه سيكون قادراً بعد ذلك على لملمة ما انتشر من هيبته، والظهور على الناس من جديد بورقة التين، التي قد تستر شيئاً من عيوبه وقبائحه، وتغطي على بعض ما هو مشين ومهين من واقعه.
ولكنه لم يجد لدى ابنته ما يشجعه على طرح الموضوع معها، لأن الظاهر هو أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد أعطى تعليماته بهذا الخصوص كما أظهره قوله السابق وهو يخبر بالغيب عن أبي سفيان "وهو راجع بسخطه"، فالحدود كانت قد وضعت، والثغرات ضبطت، والصلاحيات حددت.. فلم يبق مجال لأحد أن يفكر في اختراقها..
ولو أن أحداً سولت له نفسه أن يفعل ذلك، فسوف ينال جزاءه العادل الذي حددته الشريعة، وبيَّنه لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
2 ـ ثم جرب حظه مع النبي "صلى الله عليه وآله" مباشرة، فطلب منه أن يجدد العهد ويزيد في المدة، وكان المبرر الذي ساقه لطلبه هذا هو: أنه لم يكن حاضراً في صلح الحديبية..
وكأنه يريد بهذا الطلب وبذلك التبرير أن يمرر لعبته على رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وإلا، فإن غيبته عن الحديبية لا توجب أي وهن أو ضعف في العهد ليحتاج إلى التقوية والتوثيق ما دام أن الوقائع طيلة السنوات التي مرت على عقد الهدنة قد أثبتت التزام النبي "صلى الله عليه وآله" بالعهد، واستمر جميع أهل مكة على الالتزام بمراعاته، وتنفيذ بنوده.
وإنما يحتاج العهد إلى التقوية والتجديد فيما لو تعرض للنقض والتمرد على أحكامه، ورفض إجرائها..
وهذا ما ينكره أبو سفيان، بل هو لا يجرؤ على الاعتراف بشيء مما يدخل في هذا السياق..
ولذلك سأله رسول الله "صلى الله عليه وآله" إن كان قد حدث في مكة ما يوجب وهن العهد، أو نقضه، فأنكر أبو سفيان أن يكون قد حصل شيء من ذلك.
فأسقط رسول الله "صلى الله عليه وآله" حجته، ووضعه أمام خيارين كل منهما صعب:
أحدهما: أن يعترف بما جرى لخزاعة، وهذا معناه: الدخول فيما أراد أن يهرب منه، حيث لا بد من أن يرضى بتحمل جميع تبعات ما جرى، ويضطر إلى إعطاء الديات والرضى بقصاص المجرم وغير ذلك.
ثانيهما: أن يظهر للناس بصورة الرجل التافه، أو الجاهل، أو المبتلى بالخرف أو ما شاكل.. وقد أصر على رفض الخيار الأول ولم يفلح في التملص من تبعات الخيار الثاني..
خيار الهروب إلى الأمام:
فكانت النتيجة التي انتهى إليها هي اللجوء إلى خيار ثالث ظن أنه يبلغه إلى ما يريد، ألا وهو أن يطلب من بعض أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يجير بين الناس..
وبذلك يكون قد حصل على ما يحسم الأمر فيما يرتبط بما فعله بنو نفاثة وقريش ببني خزاعة، لأنه سيصبح قادراً على ادِّعاء أن هذه أمور شخصية، ليس فيها أي نقض للعهد..
والأمور الشخصية يحكم بها عقلاء القوم ويحسم الأمر فيها نفس أصحاب العلاقة بما هم أفراد. والجوار يحفظ هؤلاء الأفراد ويحميهم من الانتقام..
وبذلك يكون قد أخرج قريشاً من دائرة الصراع، ونفى أية مسؤولية لها فيه، وأبعد النبي "صلى الله عليه وآله" عن أن يكون له الحق بالمطالبة بديات أو بقصاص، ما دام أن المسألة فردية، ولا شيء أكثر من ذلك.
وبذلك يكون قد أحرج النبي "صلى الله عليه وآله"، واضطره إلى إمضاء هذا الجوار، فإذا ظهر أن أحداً قد ارتكب جرماً، فإن الجوار الذي شمله سوف يمنع من إجراء أي حكم عليه..
ولو أريد فعل شيء من ذلك؛ فإن إقناع الناس بأن هذا مما لا تصح الإجارة منه سيكون صعباً، وسيحدث بلبلة كبيرة، ويسيء إلى الذهنية العامة، وربما يحدث إرباكاً ضاراً، ويترك آثاراً سلبية لا مجال لتلافيها..
على أن هذا الموقف من شأنه أن يظهر أبا سفيان على أنه رجل سلام، يريد حقن الدماء، ويملك مشاعر إنسانية، ومن لا يستجيب لطلبه هذا فإنه يكون متهماً في ذلك كله.
فطلب من أبي بكر أن يجير بين الناس، وكذلك من عمر، ومن عثمان ومن سعد بن عبادة، وعلي "عليه السلام"، وأشراف المهاجرين والأنصار. وكان يسمع منهم جميعاً رفضاً لهذا الأمر أكيداً، وشديداً.
فتوسل بالزهراء "عليها السلام"، ثم توسل بالسبطين الحسن والحسين "صلوات الله وسلامه عليهما"، فلم يُجده هذا التوسل نفعاً، بل كان الجواب دائماً هو الرفض الأكيد، والشديد..
التدبير الصارم:
ونحن لا نشك في أن رفض جميع هؤلاء الذين سبقت أسماؤهم إنما هو بسبب أن الجميع كان قد عرف حدَّه، وألزمه الشرع بالوقوف عنده، أو لم يترك له أي سبيل يستطيع أن ينفذ منه.
وقد ظهر ذلك من إخبار رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهم بالغيب الإلهي: بأن أبا سفيان سيرجع بسخطه، فلم يعد أحد ليجرؤ على قبول شيء يأتيه به أبو سفيان، لأنه يعرف أن الوحي سوف يفضح أمره، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" لن يقبل بأي شيء يطلبه أبو سفيان.. ما دام أن هذا القبول سيكون ضد القرار الإلهي بإرجاع أبي سفيان ساخطاً..
فلم يعد الإصرار يشبه أبداً ما جرى في غزوة بدر من تطاول على مقام النبوة، ومن سعي لانتهاك حرمة الحكم الشرعي الإلهي في أمر الأسرى..
وكذلك ما جرى في أحد وفي سواها من مواقف وتحركات تدخل في هذا السياق، فإن الأمور قد جرت في سياق استطاع أن يفضح هؤلاء في مواقفهم.
ورأى الناس بأم أعينهم في أكثر من مناسبة عدم صحة ما يدَّعيه هؤلاء الناس لأنفسهم من شجاعة وإخلاص والتزام.. وقد تجلى ذلك بصورة واضحة وفاضحة في الخندق، وخيبر، وقريظة وغير ذلك..
وقد عولجت تصرفات وتحركات هؤلاء الناس بصورة استطاعت أن تزيد من فضيحتهم، وظهور خطل رأيهم، وحقيقة ما يسعون إليه..
مواقف مزعومة، بل موهومة:
وقد زعمت النصوص المتقدمة: أن أبا بكر قد قال لأبي سفيان: والله، لو أن الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم..
وأن عمر بن الخطاب قال: أنا أشفع لكم عند رسول الله؟! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، وما كان من حلفنا جديداً فأخلقه الله، وما كان منه متيناً فقطعه الله، وما كان منه موصولاً فلا وصله الله.
فقال أبو سفيان: جوزيت من ذي رحم شراً.
ونحن نشك في صحة هذه المزاعم:
أولاً: ليس في كلام أبي سفيان ما يشير إلى أنه يطلب شفاعته عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فما معنى قول عمر له: "أنا أشفع لكم عند رسول الله"؟!
ثانياً: لم يصرح أبو سفيان بأن الشفاعة كانت لهم فلعله يقصد الجوار لمن يتقاتلون فيما بينهم من العرب، فإن دخولهم في جوار المسلمين يمنع الطرف المعتدي من مواصلة عدوانه.
ثالثاً: قد تقدم: أن أبا سفيان يعبر عن عمر (كما ورد في بعض النصوص دون بعضها الآخر): أنه أدنى العدو، وهي كلمة تشير إلى أن عمر كان أقرب إلى قريش من سائر صحابة النبي "صلى الله عليه وآله"..
رابعاً: إن ما نعرفه عن هذين الرجلين هو سعيهما في المواقع الحساسة إلى التخفيف من الوطأة على قريش، وحفظ موقعيتها.
كما أن قريشاً كانت تهتم بسلامتهما قدر الإمكان.
فلاحظ ما يلي:
1 ـ في بدر يستشيرالنبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه في أمر الحرب، فيقول أبو بكر كلاماً من شأنه أن يضعف عزائم المسلمين: "إنها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت" أو نحو ذلك.
وكذلك قال عمر بن الخطاب([94]).
2 ـ وسيأتي أنه حاول منع النبي "صلى الله عليه وآله" من غزو مكة، وقال: "قلت: يا رسول الله، هم قومك، حتى رأيت أنه سيطيعني"([95]).
3 ـ وفي حرب أحد: ضرب ضرار بن الخطاب الفهري عمر بن الخطاب بالقناة حين هزم المسلمون، وقال له: يا ابن الخطاب إنها نعمة مشكورة، ما كنت لأقتلك([96]).
فما هذا الغزل الظاهر بين ضرار وعمر؟!
وقد ذكر ابن سلام: أن هذه كانت يداً له عند عمر يكافئه عليها حين استخلف([97]).
4 ـ سعي أبي بكر لتخليص أسرى بدر من القتل، رغم إصرار النبي "صلى الله عليه وآله" على قتلهم، حتى لقد نزلت الآيات في ذلك.
وهو أمر لا بد من أن تشكره عليه قريش مدى الحياة([98]).
قال الواقدي عن الأسرى: إنهم قالوا: لو بعثنا لأبي بكر، فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحداً آثر عند محمد منه. فبعثوا إلى أبي بكر، فأتاهم، فكلموه.
فقال: نعم، إن شاء الله، لا آلوكم خيراً.
وانصرف إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وجعل يلينه، ويفثؤه، ويقول: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، قومك فيهم الآباء والأبناء، والعمومة، والإخوان وبنو العم، وأبعدهم عنك قريب فامنن عليهم، منَّ الله عليك، أو فادهم يستنقذهم الله بك من النار، فتأخذ منهم ما أخذت قوة للمسلمين ، فلعل الله يقبل بقلوبهم إليك..
ثم قام فتنحى ناحية، ولم يجب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم عاد إليه، فقال له مثل مقالته الأولى، وقال أيضاً: لا تكن أول من يستأصلهم، يهديهم الله خير من أن تهلكهم. فسكت رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وتنحى أبو بكر ناحية، ثم عاد إليه، فأعاد عليه نفس الكلام([99]).
5 ـ ما معنى: أن يهنئ أبو سفيان عمر بن الخطاب بانتصار المشركين في أُحد، ويقول له: أنعمت عيناً، قتلى بقتلى بدر([100]).
وما معنى قول أبي سفيان لعمر آنئذٍ: إنها قد أنعمت يا ابن الخطاب، فيقول عمر: إنها([101]).
6 ـ إن خالد بن الوليد رأى عمر بن الخطاب في أحد، وكان خالد في كتيبة خشناء، فما عرف عمر أحد غيره، قال خالد: فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجهاً إلى الشعب([102]).
7 ـ إن عمر قد أخبر أبا سفيان: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يزال على قيد الحياة، رغم أنه "صلى الله عليه وآله" قد نهى عن ذلك. فقال أبو سفيان لعمر: أنت أصدق عندي من ابن قميئة وأبر([103]).
فلماذا كان عمر أبرَّ بأبي سفيان من ابن قميئة، مع أن عمر كان في صفوف المحاربين له، وابن قميئة كان يحارب معه، وتحت لوائه؟!
وفي مقام وضع اللمسات الأخيرة على حقيقة موقف هذين الرجلين، نقول:
قد يكون مما يثير الشبهة أيضاً: توافق أبي بكر وعمر في حديثهما عن الذر المقاتل للمشركين، والعنف الذي أظهراه في خصوص هذه الواقعة، في حين اكتفى كل من عداهما، ومنهم فاطمة وعلي "عليهما السلام" بالرد بالقول: بأن جوارهم جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أو أنه لا يجير على رسول الله "صلى الله عليه وآله" أحد..
مع أننا لا نشاهد لدى هذين الرجلين طيلة حياتهما مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" أي نشاط قتالي مميز، أو أي أثر لنكاية كانت لهما في المشركين. رغم حضورهما جميع المشاهد معه "صلى الله عليه وآله".
بل ظهر منهما الكثير من موارد الضعف، والوهن، وقد فرا في مواطن كثيرة، مثل أحد، وقريظة، وخيبر، وحنين. وذات السلاسل وغير ذلك. وقعدا عن مبارزة الأبطال مثل عمرو بن عبد ود، ومرحب.
جواري جوار رسول الله ':
وتقدم: أن أبا سفيان أصرَّ على الحصول على جوار من أحد صحابة رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وأجابه المسلمون بأن أحداً لا يجير على النبي "صلى الله عليه وآله"، أو أن جوارهم جوار رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وهذا يدل على أنهم فهموا: أن مطلوب أبي سفيان هو الجوار الملزم لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، والمقيد لحركته، فهو المستهدف بهذا الجوار، والمطلوب هو منعه به عن إجراء مقاصده حين يقتضي الأمر ذلك..
وذلك يشير إلى مدى وقاحة هذا الرجل، وقلة حيائه ورعونته، حتى لقد أحرج بهذا الأمر أولئك الذين عملوا على منع القتل عن أسرى بدر حسبما قدمناه، فما ظنه أبو سفيان أكسير الغلبة ظهر له أنه هو إكسير الهزيمة والخذلان، والخزي والخسران..
وقد اكد للناس سوء نوايا أبي سفيان في طلبه هذا أمران:
أحدهما: أنه حيث أجيب بتلك الأجوبة لم يبادر إلى توضيح مراده لأحد كان هناك، ولم يقل لهم أنهم قد أخطأوا في فهم مقصوده.
الثاني: أنه لو كان يقصد حقن دماء الناس حقيقة لكان قد طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه أن يجعل الناس في جواره، فإن ذلك يكفي لمنع المعتدين من مواصلة عدوانهم. فلماذا يدعو الآخرين ليجيروا الناس من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟! أليس لأجل أنهم اقترفوا ما يستحقون به العقوبة منه "صلى الله عليه وآله" ويريد ان يخرجهم من ورطتهم تلك بهذه الطريقة؟! وإذا صح هذا الأمر فلماذا لا يعترف لنا بهوية المجرم وبحقيقة جرمه؟
ثم إنه إذا كان يعتقد: أن الجوار على رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعطي من يفعل ذلك وجاهة وعظمة، كما هو الحال عند سائر الناس، فهو في وهم كبير، لأن هذا الأمر لا يجري فيما بين الأنبياء "عليهم السلام"، وبين المؤمنين، لأنه يستبطن الإعلان عن وجود خلل إيماني لدى من يفعل ذلك، من حيث إنه يخطِّئ نبيه في تصرفاته، ويراه ظالماً في موقفه ممن يجيره منه، أو يرى أن ذلك النبي يعمل عملاً مرجوحاً، ويترك ما ينسجم مع العفو والكرم، وحسن الشيم، ومع النبل والشمم..
ولأجل هذا أو ذاك يبادر إلى الحد من قدرته على التصرف، ومحاصرة قراراته، ليمنعه من الغلط والشطط..
وهذا الأمر مرفوض من الناحية الإيمانية، لأنه تشكيك بالعصمة، أو اتهام للنبي "صلى الله عليه وآله" في ميزاته وصفاته، وأنها لا تصل إلى حد الكمال.
ولو كان أبو سفيان يفهم معنى الإيمان، ويدرك ما له من تبعات وآثار ومسؤوليات لما أقدم على هذا الأمر المشين والمهين..
هل تجير الزهراء ÷؟!:
ولم يكن أبو سفيان يرى للسيدة الزهراء "عليها السلام" ما يميزها عن غيرها أكثر من كونها امرأة كسائر النساء، ولم يكن يرى لجوار النساء قيمة وأثراً.. ولكنه حين سدت في وجهه المذاهب لجأ إليها على أمل أن تستجيب لطلبه بسبب ما توهمه منها من غفلة عما يتنبه له الرجال المتمرسون، والدهاة المجربون ، أو لعدم قدرتها ـ بزعمه ـ على إدراك الأمور وتقديرها بسبب قلة معرفتها بالسياسات، وبأعراف الناس.
فإذا استجابت لطلبه، فإنها سوف تحرج أباها، وقد يوافق على طلبها من وجهة نظر عاطفية، بسبب موقعها منه "صلى الله عليه وآله" من ناحية النسب، ومن ناحية المكانة والكرامة..
وقد فوجئ برفضها القائم على أساس البرهان، حيث قالت له: "إنما أنا امرأة". أي: ولا يحق للمرأة أن تتصدى لأمر كهذا بزعمك فلماذا تريد أن تدفعني إلى أمر لا تؤمن أنت به؟!
قد أجارت أختك:
ولكن أبا سفيان يستدرك الأمر، ويقدم تبريراً لتصرفه هذا حين احتج عليها بإجارة زينب لزوجها أبي العاص بن الربيع، وقد قبل "صلى الله عليه وآله" ذلك منها.
فجاءه جواب الزهراء المعصومة "عليها السلام" ليفند قوله، ويؤكد له أنها "عليها السلام" تدرك الفرق بين ما فعلته زينب، وبين هذا الذي يطلبه هو منها، فقالت كلمة واحدة، كانت حاسمة ونهائية وهي: إنما ذاك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
إنها تريد أن تقول: إن زينب حين أجارت أبا العاص بن الربيع، فإنما أرادت أن تمنع الناس من التعرض لأبي العاص، إلى أن يبت النبي "صلى الله عليه وآله" في أمره، ويصدر عليه حكمه. ولم ترد أن تمنع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من إجراء حكم الله تعالى في حقه.
وهذا بالذات هو نفس ما فعلته أم هاني حين أجارت بعض من أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمهم، ولم تكن تعلم بذلك. كما أنها لم تعرف أن الذي يريد تنفيذ أمر النبي "صلى الله عليه وآله" هو أخوها علي "عليه السلام".
فأرادت حفظ نفس أولئك الأشخاص من سائر أفراد الجيش إلى أن يرى فيهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" رأيه، ويصدر عليهم حكمه كما سيأتي.
أما أبو سفيان فيريد منها أن تجير الناس، ليمنع بذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" من مجازاة المعتدي، ولتطلّ بذلك دماء الأبرياء من صبيان ونساء، وضعفاء خزاعة.. وشتان ما بين الأمرين.
أخت الزهراء ÷:
وعلينا أن لا ننسى: أن تعبير أبي سفيان عن زينب: بأنها أخت الزهراء "عليها السلام" إنما جاء وفق ما كان متداولاً بين الناس، من التعبير عمن تنشأ في بيت كافلها بعد أن مات ابوها الحقيقي، فإنها تنسب إلى ذلك الكافل بعبارات البنوة، وتضاف إلى أبنائه بتعابير الأخوة.. حيث يكون المقصود هو البنوة بالتربية، وكذلك الأخوة.
مُري ابنك:
ولعل ما ذكرناه آنفاً حول طلب أبي سفيان من فاطمة "عليها السلام" أن تجير بين الناس، يغني عن التعليق على طلب أبي سفيان منها "عليها السلام" أن تأمر ابنها الحسن "عليه السلام"، الذي كان بعمر الخمس سنوات، أن يجير بين الناس، فإن الكلام هنا هو نفسه الكلام هناك.
غير أننا نقول: إن علينا أن نضيف هنا ما يلي:
أولاً: إن أبا سفيان يغري فاطمة بالإقدام على هذا الأمر بمنطق أن ذلك يجعل ولدها سيد العرب إلى آخر الدهر.
نعم، وهذا هو منطق أهل الدنيا، الذين يقيسون الأمور بمقاييس السمعة، والشهرة، والسيادة، والمال، والجاه، وما إلى ذلك..
وذلك هو منطق أبي سفيان، لأنه من أهل الدنيا. وأما منطق العقل والدين، والشرع، ورضا الله تعالى والقيم الإنسانية، والمشاعر النبيلة، والمبادئ والخصال الحميدة، ونحوها. فهو الذي تلتزم به فاطمة "عليها السلام"، وتؤمن به، وتنطلق في مواقفها منه. لأنها من أهل الدين والشرع، والقيم الإنسانية، والعقل والأخلاق الفاضلة، والمزايا النبيلة..
ثانياً: إن الإمام الحسن "عليه السلام" كان كبيراً في نفسه وفق مقاييس أهل العقل والحكمة والإيمان، وقد بايعه النبي "صلى الله عليه وآله" في بيعة الرضوان، وأشهده على كتاب ثقيف، وأخرجه يوم المباهلة بأمر من الله، وجعله شريكاً في الدعوة، ويتحمل مسؤولية إثباتها.. وغير ذلك..
ولكن هذه لم تكن نظرة أبي سفيان إلى الإمام الحسن "عليه السلام"، بل هو ينظر إليه على أنه طفل كسائر أطفال الناس، ويريد أن يستفيد منه كوسيلة يصل من خلالها إلى مآربه، فيحرج به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويثير الشبهات والإشكالات حول صحة وسلامة ما يتخذه "صلى الله عليه وآله" من مواقف..
ولأجل ذلك خاطبته الزهراء "عليها السلام" بما ينسجم مع نظرته هذه، وقالت له: ما بلغ ابني أن يجير بين الناس.
ثم تقدمت خطوة أخرى في بيانها، لتاكيد بطلان منطق أبي سفيان فقالت: "ما يدري ابناي ما يجيران من قريش".
فإن هذه الكلمة أيضاً قد صدرت وفق منطق أبي سفيان الذي يعتبر الحسنين "عليهما السلام" مجرد طفلين صغيرين، لا يحملان في نفسيهما أية ميزة على غيرهما.
فهما في نظره لا يملكان من التعقل ما يكفي لإدراك معنى ما يتفوهان به، فهما إذن غير قادرين على إدراك معاني الكلمات، فضلاً عن أن يقصدا معانيها، ليصبح لتلك المعاني تحقق في مقام التخاطب، يصلح لترتيب الآثار عليه، والمطالبة به، والإشارة إليه. فهو من قبيل القضية السالبة بانتفاء موضوعها.
هما صبيان:
قال الحلبي: "قول فاطمة في حق ابنيها: إنهما صبيان ليس مثلهما يجير هو الموافق لما عليه أئمتنا، من أن شرط من يؤمِّن أن يكون مكلفاً.
وأما قولها: وإنما أنا امرأة، فلا يوافق عليه أئمتنا، من أن للمرأة والعبد أن يؤمِّنا؛ لأن شرط المؤمِّن عند أئمتنا أن يكون مسلماً، مكلفاً، مختاراً. وقد أمَّنت زينب بنت النبي "صلى الله عليه وآله" زوجها أبا العاص ابن الربيع، وقال "صلى الله عليه وآله": قد أجرنا من أجرت.
وقال: المؤمنون يد على من سواهم، يجير عليهم أدناهم..".
إلى أن قال: "إن أم هاني أجارت، وإنه "صلى الله عليه وآله" قال لها: أجرنا من أجرت يا أم هاني.
لكن سيأتي: أن هذا كان تأكيداً للأمان الذي وقع منه "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة، لا أمان مبتدأ"([104]).
ونقول:
أولاً: إننا نعتقد: أن جواب الزهراء "عليها السلام" الذي يشير إلى أن الحسنين "عليهما السلام" لا يجيران، وبالنسبة لنفسها أيضاً، قد جاء على سبيل الجري على ما كان يراه أبو سفيان، ومن هم على شاكلته، فإنه إذا كان يرى: أن المرأة لا جوار لها، ويرى: أن الحسنين "عليهما السلام" كانا صبيين لا يجوز جوارهما عنده، فلماذا يريد من هذه المرأة، ومن ذلك الصبي أن يجير بين الناس؟!
ثانياً: إن للجوار مسؤولياته وتبعاته، لأن المجير يتكفل بمن يجير، ويتحمل أعباء وتبعات ما صدر منه.. ولم يكن ذلك ممكنا بالنسبة لفاطمة والحسنين "عليهم السلام"، فهناك قتلى وتعديات وظلم وقهر.
وقريش تنكر ذلك وتجحده، وتمتنع عن الالتزام بأدنى شروط الجوار.. لأنها ترفض تحمل ديات المقتولين، أو البراءة من حلف من تعدى ونقض العهد..
فما معنى: أن تتحمل فاطمة والحسنان "عليهم السلام" هذه الديات عن أولئك المجرمين؟!
وما معنى: حفظ مرتكب الجريمة، وصيانته عن التعرض للجزاء والقصاص العادل؟!
ثالثاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قبل من الحسنين "عليهما السلام" البيعة في الحديبية([105])، وقد كان سنهما لا يتجاوز السنتين أو الثلاث.. وأشهدهما على كتاب ثقيف([106]).
قريش في مأزق:
وقد بينت عبارة السيدة الصديقة فاطمة الزهراء "عليها السلام": "ما يدري ابناي ما يجيران في قريش": أن أبا سفيان يتستر على امر كان معروفاً لدى الناس.. وهو أن قريشاً في مأزق، ويريد بهذا الجوار إخراجها منه. وإن استخدامه عبارات غائمة وعامة، لا يجدي في تعمية الأمور..
فالمطلوب هو تحصيل جوار لفئة من قريش ترى نفسها في دائرة الخطر، ولكن أبا سفيان يحاول أن يتذاكى عليهم، فيطلق كلامه على شكل عمومات، فيطلب من هذا أو ذاك أن يجير بين الناس. وهذه الكلمة تنطبق على القرشي وعلى غيره..
كلمي علياً:
ونستطيع أن نلمح في طلب أبي سفيان من السيدة الصديقة الطاهرة المعصومة فاطمة الزهراء "عليها السلام" أن تكلم علياً صلوات الله وسلامه عليه في أمر الجوار: أن أبا سفيان كان يحسب لعلي "عليه السلام" حساباً خاصاً به.. فهو يقترب في طريقة تعامله معه من طريقة تعامله مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
فكما حاول أن يستفيد من موقع أم حبيبة زوجة الرسول "صلى الله عليه وآله"، حاول أيضاً أن يستفيد من موقع فاطمة لدى علي "عليهما السلام" فطلب منها أن تكلم هي علياً..
ولكنها رفضت طلبه، لأنه لو كان يرى أن طلبه طلب حق، أو كان فيه أي أثر للرجحان، لبادر إلى مطالبة علي "عليه السلام" بل والنبي "صلى الله عليه وآله" بالعمل بهذا الحق، والأمر الراجح.
ولكنه أراد أن يحصل على ما يريد بأساليب الضغط العاطفي، أو من خلال المراعاة لدواعي النسب، وفي غير ذلك من أمور تقع خارج دائرة الإنصاف، والحكمة، والتعقل، ورعاية الصالح العام، والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى، بل هي خارج دائرة الإلتزام بالمعاني الإنسانية والأخلاقية أيضاً..
سيد كنانة!! يطلب النصيحة!!:
وأول طلب وضعه أمام الإمام علي "عليه السلام" هو النصيحة منه. ولا شك في أن هذا الطلب من أبي سفيان غريب وعجيب، لا لأن علياً "عليه السلام" يبخل بالنصيحة على أي كان من الناس.. فحاشا علياً "عليه السلام" أن يبخل بأمر كهذا..
بل لأن هذا الرجل لا يريد النصيحة بالحق، بل يريد النصيحة التي تعزز وتقوي، وتنتج تضييعاً للحق، وتزويراً للحقيقة، وظلماً آخر لأولئك الأبرياء من خزاعة، والذين كان أكثرهم من الصبيان، والنساء، والضعفاء. وتقوية ونصراً لظالمهم، ومرتكب الجريمة البشعة والفظيعة بحقهم.
والغريب في الأمر: أن يطلب أبو سفيان هذه النصيحة التي هي بهذه المثابة من نفس ذلك المعني بالحفاظ على حقوق الناس، ويفترض فيه أن ينصر المظلوم، وأن يأخذ بحقه من ظالمه!!
وكانت نصيحة علي "عليه السلام" تقضي: بحمله عن الكف عن هذا السعي الظالم، والقائم على الخديعة والمكر حتى لنبي الله "صلى الله عليه وآله".
وتتلخص الطريقة التي اعتمدها بتذكير أبي سفيان بما يعتقده لنفسه، من مكانة في كنانة كلها، فأقر بأنه هو سيد كنانة.
ثم إنه "عليه السلام" ألزمه بمقتضيات هذه السيادة التي يعطيها لنفسه، لو كان صادقاً فيما يدَّعيه، ومنها أن يقبل الناس جواره.
ولكن أبا سفيان كان يعرف أن هذه السيادة التي يدَّعيها ليست بهذه المثابة، ولا تكفي لتحقيق الغرض الذي سعى إليه، ولكنه سأل علياً "عليه السلام" إن كان ذلك يحقق له ما يريد، فعسى أو لعل!!
فأجابه علي "عليه السلام" بما يجلب اليأس والأسى إلى قلبه، وهو: أنه لا يرى ذلك مغنياً عنه شيئاً، ولكنه لا يجد له سبيلاً للخروج من حيرته غير ذلك..
وربما يكون الهدف من ذلك هو إفهام أبي سفيان أن ما يزعمه لنفسه من موقع وزعامة ليس سوى مجرد خيال، ووهم، وقد تغيرت الأمور، وأصبح للزعامة معايير أخرى، لا بد من مراعاتها، والإلتزام بمقتضياتها.. وفهم هذه الحقيقة لا بد من أن يكون مفيداً جداً لأبي سفيان، وسوف يعينه كثيراً على الخروج من أجواء الوهم والخيال التي وضع نفسه فيها.
قريش تتهم زعيمها:
إن من الواضح: أن المشركين كانوا لا يثقون ببعضهم البعض، لأن دواعي الثقة وموجباتها عندهم مفقودة.. أما مجتمع أهل الإيمان فيعيش الثقة لأن موجباتها متوفرة فيه.
فهناك الإيمان بالله، والالتزام بشرائعه وأحكامه، التماساً لرضاه، وطمعاً في ثوابه، وخوفاً من عقابه.
وهو يملك ثروة ثمينة جداً من المبادئ والقيم التي تحكم مسيرة الإنسان، وتهيمن على حركته وعلى مواقفه في الحياة. وهناك الفضائل النفسية، والكمالات التي يربيها وينميها اهل الدين في داخل نفوسهم، ويبنون من خلالها ميزاتهم، وملكاتهم، التي تطبع شخصياتهم بطابعها..
وهناك الإلزامات الدينية الحازمة والحاسمة، فيما يرتبط بطبيعة تعامل أهل الإيمان مع بعضهم، ومع الآخرين..
نعم، إن ذلك كله ينتج درجة عالية من الاعتماد، ورؤية واضحة لمسار الأمور، فيما يرتبط بتعهدات الآخرين، ووفائهم بالتزاماتهم، وقيامهم بواجباتهم الدينية والأخلاقية..
ولكن ذلك كله مفقود في مجتمع الشرك والكفر. وتبقى الضمانة لتعهدات الأشخاص عندهم في مهب رياح المصالح والأهواء، ومحكومة للنزوات والأهواء والشهوات والميول، ولتقلبات الأمزجة الفردية..
ولأجل ذلك نلاحظ: أن المشركين يتهمون حتى زعيمهم أبا سفيان أشد التهمة، لمجرد زيادة غيبته عن المدة التي يتوقعونها، ويقولون عنه: إنه قد صبأ، واتبع محمداً سرَّاً، وكتم إسلامه.
وقد بلغت هذه التهمة من القوة والشدة حداً اضطر معه هذا الزعيم إلى أن يحلق رأسه عند أساف ونائلة، وأن يذبح لهما، وجعل يمسح بالدم رؤوسهما (كذا)، ويقول: "لا أفارق عبادتكما، حتى أموت على ما مات عليه أبي"، إبراءً لقريش مما اتهموه به.
الفصل الرابع:
جيوش تجتمع.. والهدف مجهول
استشارة أبي بكر وعمر في أمر مكة:
عن محمد بن الحنفية ـ رحمه الله ـ عن أبي مالك الاشجعي قال: "خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" من بعض حجره، فجلس عند بابها. وكان إذا جلس وحده لم ياته أحد حتى يدعوه، فقال: "ادع لي أبا بكر".
فجاء، فجلس أبو بكر بين يديه، فناجاه طويلاً، ثم أمره فجلس عن يمينه.
ثم قال: "ادع لي عمر".
فجاء فجلس إلى أبي بكر، فناجاه طويلاً، فرفع عمر صوته، فقال: "يا رسول الله، هم رأس الكفر، هم الذين زعموا أنك ساحر، وأنك كاهن، وأنك كذاب، وأنك مفتر"، ولم يدع عمر شيئاً مما كان أهل مكة يقولونه إلا ذكره.
فأمره أن يجلس إلى الجانب الآخر، فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله.
ثم دعا الناس، فقال: "ألا أحدثكم بمثل صاحبيكم هذين"؟
فقالوا: نعم يا رسول الله.
فأقبل بوجهه إلى أبي بكر، فقال: "إن إبراهيم كان ألين في الله تعالى من الدهن اللين".
ثم أقبل على عمر، فقال: "إن نوحاً كان أشد في الله من الحجر، وإن الأمر أمر عمر، فتجهزوا وتعاونوا".
فتبعوا أبا بكر، فقالوا: يا أبا بكر، إنَّا كرهنا أن نسأل عمر عما ناجاك به رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال: قال لي: كيف تأمرني في غزو مكة؟
قال: قلت: يا رسول الله!! هم قومك، حتى رأيت أنه سيطيعني.
ثم دعا عمر، فقال عمر: هم رأس الكفر، حتى ذكر له كل سوء كانوا يقولونه. وأيم الله، وأيم الله، لا تذل العرب حتى تذل أهل مكة، وقد أمركم بالجهاد ليغزو مكة"([107]).
ونقول:
إننا نشك في هذه الاستشارة، حيث سيأتي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر عائشة بتجهيزه، وأن أبا بكر لم يكن يعلم بشيء، حتى أخبرته ابنته.
وقد اعتذر الحلبي عن ذلك: بأن الاستشارة قد وقعت بعد أمره لعائشة بذلك([108]).
وهو اعتذار غير مقبول.. إلا إذا كانت الاستشارة صورية، تهدف إلى تأليف أبي بكر، أو أنه أراد أن يكشف دخيلته للناس.
وقد يؤيد ذلك: ما ذكره من أنه أشار بعدم السير، وقوله: هم قومك([109]).
إذ كيف يرى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يتجهز ويأمر بذلك، ثم يشير عليه بخلاف ما عزم عليه، فهل يرى أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفعل ما يفعل من عند نفسه؟! أم أنه يرى نفسه فوق الوحي، وفوق رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
أبو بكر يفشي سرّ رسول الله ':
ومع غض النظر عما تقدم، نقول:
أولاً: إن هذه الرواية قد تضمنت إقدام أبي بكر على أمر غير مقبول منه تجاه رسول الله "صلى الله عليه وآله".. فهو قد أفشى سرّاً ائتمنه عليه.
وذلك لأن الرواية تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" جلس على انفراد، ثم استدعاه إليه، وناجاه بسرِّه هذا، ثم ناجى به عمر بن الخطاب، ثم دعا الناس للجلوس إليه، ثم كلمهم بكلام لا يشي بشيء من حقيقة وجهة سيره، باستثناء قوله: "تجهزوا وتعاونوا".
فما معنى: أن يخبرهم أبو بكر بأمر كتمه عنهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
وأين يقع التصرف الخاطئ هذا من موقف فاطمة الزهراء بنت رسول الله "صلوات الله وسلامه عليه وعليها وعلى آلهما الطيبين الطاهرين" مع عائشة بنت أبي بكر، حين أقبلت فاطمة إليه، فأجلسها عن يمينه، ثم أسرَّ إليها بأمر فبكت، ثم أسرَّ إليها بآخر فضحكت، فسألتها عائشة عما قال "صلى الله عليه وآله".
فقالت "عليها السلام": ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وقد استمرت على كتمان هذا السرّ حتى قبض "صلى الله عليه وآله"([110]).
ومن جهة أخرى، سيأتي بعد صفحات يسيرة: أن عائشة تفشي هي الأخرى سرَّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" في نفس غزوة الفتح أيضاً؛ فإنه "صلى الله عليه وآله" قال لها: جهزينا واخفي أمرك..
فهي بمجرد أن دخل عليها أبوها وسألها قائلاً: أمركن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بتجهيزه؟!
قالت: نعم.
وعلينا أن نقارن بين موقف الزهراء "عليها السلام" الآنف الذكر مع عائشة نفسها!! وبين ما فعله أبو بكر وعائشة بإقدامهما على إفشاء سرّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، رغم التفاوت الكبير بين هذا السرّ وذاك.
فسرُّ الزهراء "عليها السلام" يرتبط بأمر شخصي يعود إليه "صلى الله عليه وآله"، ولكن السرَّ الذي أفشاه أبو بكر وعائشة يرتبط بالأمة بأسرها وبالدين كله..
ثانياً: إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد دعا عمر ليناجيه، فلماذا يرفع عمر صوته بكلام صريح بما يدور الحديث حوله؟؟ وهل رضي "صلى الله عليه وآله" منه ذلك؟! فإن كان قد رضيه، فما معنى المناجاة به؟!
وإن كان قد سخط ذلك وردعه عنه، فلماذا لم يرتدع، بل استمر رافعاً صوته يعدِّد أقوال أهل مكة فيه "صلى الله عليه وآله"؟!
وإن كان لم يردعه عن أمر قد سخط هذا الإعلان به فلماذا ناجاه به؟! أم أنه عدل عن إرادة كتمان ما ناجاهم به؟ وما هو السبب في هذا العدول؟ هل خاف من عمر؟! أم أنه أراد أن يظهر جرأة عمر، وسوء فعله؟!
ثالثاً: إذا كان عمر قد ارتكب هذه المخالفة الظاهرة لمقاصد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلماذا أطراه ذلك الإطراء الكبير، حتى اعتبره مثل نبي الله نوح "عليه السلام"؟!
رابعاً: إذا كان عمر قد رفع صوته معدداً أفاعيل أهل مكة، فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالتجهز والتعاون، معتبراً أن الأمر أمر عمر، فإن الأمر سيصبح واضحاً للناس، ولم يعودوا بحاجة إلى سؤال أبي بكر عما ناجاه به النبي "صلى الله عليه وآله"، فإن الكل سوف يفهم: أن الأمر مرتبط بأهل مكة، وأن التجهيز والتعاون هو لأجل إنجاز هذا الأمر.
لأن المفروض هو: أن موقف عمر وموقف أبي بكر متخالفان في أمر واحد، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اختار قول عمر..
خامساً: لماذا اختار رسول الله "صلى الله عليه وآله" قول عمر، وترك ما قاله أبو بكر. مع أن أبا بكر ـ حسب زعم الرواية ـ قد أشبه إبراهيم الخليل، الذي كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" مأموراً بالعمل بشريعته "عليه السلام"، فقد قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}([111]).
سادساً: إنه إذا كان إبراهيم "عليه السلام" ألين في الله من الدهن اللين، فهل لم يكن أشد في الله من الحجر الصلد أيضاً؟! فيضع الأمور في مواضعها، فيشتد حين يقتضي الأمر الشدة، ويلين حين يوجب الأمر اللين؟!
ونفس السؤال يرد بالنسبة لنوح "عليه السلام"..
وأما إذا كان إبراهيم "عليه السلام" ليناً فقط، ولا يشتد حين يكون المطلوب هو الشدة، وكان نوح شديداً، ولا يلين حين يقتضي الأمر اللين، فذلك يعني: أنهما غير متصفين بصفات أهل الإيمان، وأنهما لا يعملان بشرع الله، ولا يراعيان المصالح، ولا يتصفان بأدنى درجات الحكمة والعصمة، فهما لا يستحقان درجة النبوة، لأنهما يفقدان صفات أهل الإيمان من الأساس.
فهل نريد أن نمدح أبا بكر وعمر بقيمة ذم الأنبياء، ونسبة هذه النقائص إليهم؟!
ذل العرب.. وذل أهل مكة:
واللافت هنا: ما نسبوه إلى أبي بكر من القَسَمِ المتكرر حول أمر لا يصح ولا يجوز أن يدخل في دائرة أهداف الأنبياء "عليهم السلام"، فقد قال أبو بكر: ".. وأيم الله، وأيم الله، لا تذل العرب حتى تذل أهل مكة. وقد أمركم بالجهاد ليغزو مكة..".
إن هدف الأنبياء "عليهم السلام" لا يمكن أن يكون إذلال أحد من الناس، بل مرادهم هو إخراج الناس من ذل العبودية للأهواء والشهوات، ومن ذل عبادة الأصنام والشرك إلى العز بالإسلام، ولا يمكن أن يريد النبي "صلى الله عليه وآله" ذل العرب، بل هو يريد ذل الشرك، والكفر، والانحراف. ولا يريد ذل أهل مكة، بل يريد لهم أن يحترموا أنفسهم، وعقولهم، أن يشعروا بالكرامة الإلهية، وبالتكريم الرباني..
حديث فاطمة ÷ كان في عام الفتح أيضاً:
عن أم سلمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دعا فاطمة عام الفتح، فناجاها فبكت، ثم حدثها فضحكت.
قالت: فلما توفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" سألتها عن بكائها وضحكها.
قالت: أخبرني رسول الله "صلى الله عليه وآله" أنه يموت فبكيت، ثم أخبرني أني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، فضحكت([112]).
ولكن قال في بعض الروايات: إن ذلك كان بعد الفتح([113]).
ونقول:
1 ـ تقدم: أن هذه الرواية قد رويت عن عائشة أيضاً، وأنها هي التي حاولت استنطاق وحمل فاطمة "عليها السلام" على إفشاء سرِّ النبي "صلى الله عليه وآله" حين ناجاها، فقالت: ما كنت لأفشي سرَّ رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وفي بعض نصوص الحديث: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لها: إنها أول أهل بيته لحوقاً به فضحكت.. وجمعت بعض الروايات بين العبارتين([114]).
ولا مانع من أن يتكرر الحدث تارة مع أم سلمة، وأخرى مع عائشة، فتسأل كل واحدة منهما الزهراء "عليها السلام" بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" وتسمع الجواب..
كما أنه لا مانع من حدوث هذا الأمر أكثر من مرة، وأكثر من زمان.
ويحتمل أن تكون أم سلمة قد ذكرت جزءاً من الجواب، وذكرت عائشة الجزء الآخر.
ولا مانع من أن تذكر عائشة كلا الجزأين من جواب النبي "صلى الله عليه وآله" لفاطمة "عليها السلام"، أو احدهما في مجالس مختلفة.
2 ـ إن بعض نصوص هذه الحادثة يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد ذكر لفاطمة "عليها السلام" أن جبرئيل قد عارضه بالقرآن مرتين في ذلك العام، ليدل بذلك على قرب وفاته "صلى الله عليه وآله"، وهكذا كان..
وهذا يخالف رواية أم سلمة السابقة، التي تذكر أن هذه القضية قد حصلت عام الفتح، أي في السنة الثامنة للهجرة، في حين أنه "صلى الله عليه وآله" قد توفي في آخر السنة العاشرة، بناء على أن أول السنة هو ربيع الأول، أو في أوائل السنة الحادية عشرة بناء على أن ابتداء السنة الهجرية هو شهر محرم.
ولكننا ذكرنا: احتمال أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد ناجى فاطمة الزهراء "عليها السلام" في هذا الأمر أكثر من مرة، لحكمة اقتضت ذلك..
3 ـ إن استثناء مريم بنت عمران ممن تكون فاطمة "عليها السلام" سيدتهن قد ورد في بعض نصوص هذا الحديث دون سائرها.. فهل نسي الرواة هذه الفقرة؟ أم أنهم أهملوها عمداً، لعلمهم بأنها لم تكن في الحديث من الأساس؟
إننا نرجح الاحتمال الثاني، وذلك لما يلي:
ألف: إن الأحاديث الدالة على أن فاطمة سيدة وأفضل نساء أهل الجنة على الإطلاق، متواترة.. وقد وردت في مناسبات كثيرة ومتنوعة، وفي موارد أخرى غير مورد مسارّة النبي "صلى الله عليه وآله" لفاطمة "عليها السلام".
ب: إن بعض نصوص الحديث قد صرحت: بأنها "عليها السلام" سيدة نساء العالمين([115]). ويدل ذلك على عدم استثناء مريم منهن.
ج: إن الروايات دلت على: أن مريم بنت عمران سيدة نساء عالمها، أما السيدة الزهراء "عليها السلام" فهي سيدة نساء العالمين، من الأولين والآخرين([116]).
ويؤيد ذلك: الروايات الكثيرة جداً التي تقول: إنها "عليها السلام" سيدة نساء أهل الجنة([117]). فإن أكثرها لم يستثن مريم "عليها السلام" حسبما تقدم.
وأما الرواية التي ذكرت: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قرر أنها سيدة نساء العالمين، فسألته "عليها السلام" عن موقع مريم في هذه الحالة، فقال: لها "صلى الله عليه وآله": تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك([118])، فهي متناقضة في نفسها، إذ لا ينسجم قوله "صلى الله عليه وآله" لها "عليها السلام": إنها سيدة نساء العالمين، مع قوله لها: أنت سيدة نساء عالمك.
وهذا يؤكد: أن الصحيح هو حذف العبارة الأخيرة ليستقيم المعنى.
وذلك ظاهر لا يخفى.
جهزينا، وأخفي أمرك:
ورووا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" مكث بعد خروج أبي سفيان ما شاء الله أن يمكث، ثم قال لعائشة: جهزينا، وأخفي أمرك([119]).
وقال: "اللهم خذ على أسماعهم وأبصارهم، فلا يرونا إلا بغتة، ولا يسمعون بنا إلا فجأة"([120]).
وفي نص آخر أنه قال: "اللهم خذ العيون والأخبار على قريش، حتى نبغتها في بلادها"([121]).
وكان قد بنى الأمر في مسيره إليها على الاستسرار بذلك([122]).
عائشة تفشي سر النبي ':
ودخل أبو بكر على عائشة وهي تحرك بعض جهاز رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: أمركن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بتجهيزه؟
قالت: نعم، فتجهز.
قال: فأين ترينه يريد؟
قالت: لا والله ما أدري([123]).
قال: ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد؟
قالت: لا علم لي([124]).
ودخل عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا رسول الله، أردت سفراً؟
قال: نعم.
قال: فأتجهز؟!
قال: نعم.
قال: فأين تريد يا رسول الله؟!
قال: قريشاً. وأخفِ ذلك يا أبا بكر([125]).
"وفي رواية: أن أبا بكر قال: يا رسول الله، أتريد أن تخرج مخرجاً؟!
قال: نعم.
قال: لعلك تريد بني الأصفر؟!
قال: لا.
قال: أفتريد أهل نجد؟!
قال: لا.
قال: فلعلك تريد قريشاً؟
قال: نعم.
قال: يا رسول الله، أليس بينك وبينهم مدة؟
قال: أولم يبلغك ما صنعوا ببني كعب؟ يعني خزاعة"([126]).
وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالجهاز، قال: أوليس بيننا وبينهم مدة؟!
قال: قال: إنهم غدروا، ونقضوا العهد، فأنا غازيهم.
وقال لأبي بكر: اطوِ ما ذكرت لك.
فظان يظن أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريد الشام، وظان يظن ثقيفاً، وظان يظن هوازن([127]).
ولنا مع ما تقدم عدة وقفات نسوقها على النحو التالي:
للمباغتة وجهان:
للمباغتة وجهان: وجه سيء، ووجه حسن، فمن يريد أن يباغت عدوه ليتمكن من إهلاكه، وسحق كل قدراته، وتدمير كل نبضات الحياة لديه، يعتبر المباغتة فرصة للتخريب، والتدمير والاستئصال، والتنفيس عن الحقد، والتشفي، والانتقام الوحشي الذي لا يقف عند حد، فهذا الانتقام سيء وقبيح، وكذلك المباغتة التي هيأت له..
وهناك المباغتة التي يمارسها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويريد منها أن يهييء الجو لإلحاق هزيمة نفسية تتلاشى معها رغبة الطرف الآخر بالقتال، ويواجه أجواء الفشل والإحباط، ويدفعه إلى السعي لإنهاء المعركة، والخروج من أجوائها الضاغطة، فتنتج تلك المباغتة السلامة، والنجاة، وصيانة المال والعرض، وربما يحتفظ بالكرامة والجاه، وفق ما تسوقه إليه إرادته، ويهديه إليه عقله، وتهيئه له اختياراته.
وخير دليل على ما نقول: هذا الذي جرى في فتح مكة، فإن عنصر المباغتة في الفتح كان ظاهراً وواضحاً كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار، مع أن مبرررات الانتقام كانت حاضرة، والقدرة عليه ظاهرة، فقد نكثوا العهد، وقتلوا الأبرياء من الصبيان، والنساء، والرجال الضعفاء، وجحدوا ذلك وأنكروه، وسعوا إلى إبطال حق ضحاياهم بوسائل ماكرة، ظهرت بعض معالمها فيما تقدم من فصول..
فكان لا بد من إسقاط هيمنة الظالمين، وكف أيدي العتاة المتجبرين لإفساح المجال لعباد الله ليتنفسوا نسيم الحرية، وليخرجوا من أسر أولئك الطواغيت إلى كنف رعاية الله، ويتفيأوا ظلال شرائعه وأحكامه، حيث يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قائدهم، والحق رائدهم.
وهكذا كان.
مكث ما شاء الله:
وقد صرح النص المتقدم: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يبادر إلى دعوة الناس للتجهز للمسير بمجرد دعوة الخيبة لأبي سفيان.. بل هو قد أهمل هذا الأمر مدة تكفي إلى غياب ما جرى لأبي سفيان عن ذاكرتهم، ثم أمرهم بالتجهز والاستعداد، فلم يفطنوا إلى الجهة التي يقصدها في مسيره ذاك..
ومن شأن جهلهم بمقصده أن يفوت الفرصة على محبي قريش، والمتعاملين معها، فلا يتمكنون من إنذارها في وقت مبكر لكي تأخذ حذرها وتستعد للقتال، أو أن تزداد تحصُّناً وتمنُّعاً يقلل من تأثُّرها بالحشد الذي أعده، وبالعدة التي هيأها..
التجهيز لسفر مبهم:
ثم إن النص المتقدم يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قال لعائشة: جهزينا وأخفي أمرك..
أي أنه "صلى الله عليه وآله" يريد منها أن تخفي أصل التجهز، والاستعداد لسفر لم يحدده لها ولا عرَّفها طبيعته، هل هو سفر للحرب؟ أو لزيارة منطقة بعينها؟ أو لأي غرض آخر..
والذي نريد أن نستوضحه هنا هو: أنها إذا كان المطلوب منها إخفاء نفس التهجيز له، فهذا يدل على أنه يريد سفراً لا يعرف به أحد، فهل يريد أن يسافر وحده "صلى الله عليه وآله" دون سائر المسلمين؟!
وربما يمكننا أن نجيب على هذا التساؤل بتقديم أحد احتمالين ، ربما يكون أحدهما أو كلاهما هو السبب.
الإحتمال الأول: أن يكون الغرض هو إخفاء هذا الأمر عن أناس بأعيانهم، لهم نوع اتصال قريب بها، لعله يخشى من أن يبادروا إلى إعلام قريش بالأجواء التي استجدت في المدينة، تماماً كما حصل في قضية حاطب بن بلتعة الآتية، حيث بادر بالكتابة لقريش بمجرد أن علم بتهيؤ المسلمين لغزو مّا، رغم أنه لم يعلم المقصود بالغزو أصلاً..
الإحتمال الثاني: أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد اراد تقديم نموذج من معاناته، ليعرف الناس عظمة صبره ودقة ملاحظته، وصحة تدبيره الذي انتهى بذلك الفتح العظيم..
فإنه إذا كانت زوجة الرسول لم تستطع كتمان هذا الأمر لمدة ساعة أو ساعات، حتى أفشته لأبيها، رغم توصية رسول الله "صلى الله عليه وآله" لها، فما بالك بسائر الناس وكيف سيتصرفون عندما يظهر لهم طرف من هذا الأمر؟!
وثمة احتمال ثالث يمكن أن ندرجه في دائرة مقاصده أيضاً، وهو أن يعطينا "صلى الله عليه وآله" درساً في الحيطة والحذر في مثل هذه الأمور، حتى من أقرب الناس، وهذا درس مفيد وجليل وسديد، لا بد من التوفر على مضامينه بحرص وإتقان.
نجاح الخطة:
يظهر جلياً من النصوص المتقدمة كيف أن الذين حاولوا التكهن بمقصده "صلى الله عليه وآله" لم يخطر على بال أحد منهم أنه يقصد مكة، بل ذهب وهمهم إلى الشام، وثقيف، وهوازن.
كما أن أبا بكر قد قلَّب احتمالات عديدة، مثل أن يغزو أهل نجد، أو بني الأصفر، وكان آخر ما زعموا أنه خطر على باله هو غزو قريش، مع استبعاد قوي منه لهذا الاحتمال، مدعَّم بالاستدلال، بأنه كيف يغزوهم وبينه وبينهم مدة وعهد؟!
ومن غير الطبيعي كتمان أمر عن أمة بأسرها، يستنفر منها عشرة آلاف مقاتل ليعالجوا نفس هذا الأمر المكتوم، مع كثرة الموتورين والحاقدين في المنطقة، ومع وفرة المنافقين المتربصين. بالإضافة إلى الذين يبحثون عما يفيدهم في مصالحهم الشخصية، أو القبلية، أو غيرها..
وخفاء هذا الأمر الخطير إلى هذا الحد، وفي ظروف كهذه، وفي هذا المحيط بالذات يعد من أعظم الإنجازات، ومن أجلِّ التوفيقات، ويدلل على التدبير الحكيم، والضبط الدقيق للأمور من قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
الأخذ على الأسماع والأبصار:
لا يريد النبي "صلى الله عليه وآله" بدعائه الله بأن يأخذ على أسماع وأبصار أعدائه أن يتدخل الله سبحانه بإعمال إرادته التكوينية، ويفعل بهم ذلك بصورة قاهرة.. لأن هذا ظلم لهم، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}..
بل هو يطلب منه تعالى: أن يتصرف في خارج دائرة اختيار أولئك المشركين، فيؤيد المؤمنين بالتوفيقات والعنايات، والألطاف الإلهية، وبالتدبيرات الصحيحة، ويفتح أبواب أفهامهم لسد الفرج، والإمساك بالأمور بحيث لا يتمكن أحد من إيصال أي خبر عن حقيقة ما يجري داخل المجتمع الإسلامي إلى معسكر الكفر والبغي والعدوان..
وهذا ما حصل بالفعل..
ولهذه المباغتة تأثيرات هامة على صعيد حسم الأمور لصالح أهل الإيمان، من حيث إن ذلك يمثل فشلاً روحياً، وإحباطاً كبيراً لدى الأعداء..
وهو يفقدهم القدرة على الإعداد والإستعداد، وإيقاظ الهمم، وشحذ العزائم، ولا يبقي لهم الفرصة لرسم الخطط القتالية، والاستفادة من عنصر المفاجأة في المواقع المختلفة..
ثم إن جعل زمام المبادرة بيد أهل الإيمان من شأنه أن يجعل الأمور تسير باتجاه اتخاذ القرارات الحكيمة والمنصفة، والتدبيرات المؤثرة في حسم الأمور بأقل قدر ممكن من الخسائر..
حتى نبغتها في بلادها:
ومن الواضح: أن مجرد أن يراك عدوك تطأ أرضه، وتحل في بلاده يجعله في موقع الدفاع بصورة تلقائية، ويضطره ذلك إلى الإحساس الداخلي بأن ثمة درجة من الهزيمة والخسارة قد حاقت به، وذلك يؤثر على روحه، ويطامن من عنفوانه، ويخفف من عنجهيته.
كما أنه يعطيك درجة من الهيمنة على الموقف، ويبعث فيك قدراً من الطموح، ويثير فيك حالة من العنفوان والقوة..
ولعل هذا وذاك هو ما يفسر لنا قول رسول الله "صلى الله عليه وآله": "حتى نبغتها في بلادها" حسبما تقدم.
لماذا الحديث عن قريش دون بني بكر؟!:
ويلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" قد ركز حديثه على قريش، دون بني بكر، مع أن بني بكر هم الذين ارتكبوا الجريمة، ودعوا قريشاً لمشاركتهم ومعاونتهم فيها، فسارع عدد من زعمائها إلى تلبية الطلب.. فلماذا يخصصها "صلى الله عليه وآله" بالذكر دونهم يا ترى؟!
ونقول في الجواب:
إن رأس الطغيان في المنطقة العربية كلها، وحامي حمى البغي والظلم والتعدي هو قريش.. ولولاها لم يجرؤ بنو بكر على مهاجمة خزاعة، ويكفي مانعاً ورادعاً عن ذلك معرفتهم بحلف خزاعة مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"أحد
.
ولذلك سعى بنو نفاثة إلى إشراك قريش في هذا الأمر..
فاستئصال كبرياء قريش، وكسر جبروتها الظالم يكفي لمنع تكرار مثل هذه الجرائم..
أبو بكر وعائشة في مأزق:
وقد يعتذر البعض عن إفشاء عائشة السرّ الذي أمرها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإخفائه، فبادرت إلى إفشائه لأبيها عند أول سؤال وجهه إليها ـ يعتذر ـ بأنها لم تفش السر لرجل غريب، بل هو أبوها المقرَّب جداً من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والذي يعد من أهل البيت، وكانت تقطع برضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإطلاعه على ما هو أهم من هذا..
ونجيب بما يلي:
أولاً: لو كان هذا صحيحاً لبادر رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه إلى إعلام أبي بكر بالأمر.
ثانياً: هذا اجتهاد في مقابل النص، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" قد نص صراحة على لزوم إخفاء هذا الأمر، فلا معنى، ولا يقبل اجتهاد عائشة في مقابل هذا النص.
ثالثاً: إن قضايا الحرب والسلم قد تطوى عن أقرب الناس، وتبيَّن وتفصّل للبعداء لأسباب تعود إلى طبيعة الحرب واقتضاءاتها..
ومن كلام علي "عليه السلام" لأصحابه: "ألا وإن لكم عندي أن لا أحتجز (أحجبن) دونكم سراً إلا في حرب، ولا أطوي دونكم أمراً إلا في حكم"([128]).
وقد يكون القريب ثرثاراً، والبعيد كتوماً. وفي غير هذه الصورة أيضاً قد يثق القريب بمن لا يؤمن من اتصاله بالعدو، وإخباره بما يجري..
بل قد يكون للقريب ما يدعوه إلى مباشرة ذلك بنفسه.. وقد.. وقد..
رابعاً: إن نفس انصراف الرسول "صلى الله عليه وآله" عن إخبار أبي بكر بهذا الأمر يضع علامة استفهام كبيرة حول صحة ما يدعونه من تقريب من رسول الله "صلى الله عليه وآله" له. فضلاً عن أن يعدَّ من أهل بيته..
وبعد هذا كيف يمكن ادِّعاء أنها كانت تقطع بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يرضى منها بإخباره بالأمر، فإن هذا من الأمور القلبية التي لا يعرفها إلا علام الغيوب..
خامساً: بالنسبة لقرب أبي بكر من رسول الله "صلى الله عليه وآله" نقول:
إن ثمة فرقاً بين قرب يأتي من إصرار أبي بكر على حشر نفسه في مجالس النبي "صلى الله عليه وآله"، ومثابرته على نسبة نفسه إليه، وسعيه إلى التحدث باسمه، وإظهار قربه منه.. و.. و.. الخ.. وبين تقريب النبي "صلى الله عليه وآله" له، والدال على محبته "صلى الله عليه وآله" له، وثقته به.. والذي يمكن التسليم به لأبي بكر هو الأول. أما الثاني، فلا مجال لإثباته.
بل هناك دلائل وشواهد تصب في عكس هذا الاتجاه، ومنها: هذه القضية بالذات، حيث إن عدم إخبار النبي "صلى الله عليه وآله" له ولو بمقدار ما اطلع عليه عائشة يضع علامة استفهام كبيرة حول أصل ثقته به، واعتماده عليه..
أبو بكر يصر على النبي ' إلى حد الإحراج:
وقد رأينا في الروايات المتقدمة: حرص أبي بكر على معرفة كنه الأمر، ولا يكتفي بتوجيه عدة أسئلة إلى ابنته، مثل:
أمركن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بتجهيزه؟!
أين ترينه يريد؟!
ما هذا زمان غزو بني الأصفر، فأين يريد؟!
بل هو يوالي الأسئلة على رسول الله "صلى الله عليه وآله".. ويسمع أجوبة مقتضبة، من شأنها أن تعرّفه: أنه لا يريد أن يبوح له بشيء. ولكنه يتابع الأسئلة، ويصر على معرفة حقائق الدقائق، ومن أسئلته:
أردت سفراً؟
فأتجهز؟
أتريد أن تخرج مخرجاً؟
فأين تريد يا رسول الله؟
لعلك تريد بني الأصفر؟
أفتريد أهل نجد؟
فلعلك تريد قريشاً؟
أليس بينك وبينهم مدة؟
ولم يكن من المصلحة: أن يأمره النبي "صلى الله عليه وآله" بالكف عن الأسئلة، فربما تذهب به الظنون مذاهب مخيفة، ولربما تسوقه الأوهام إلى تكهنات لو سمعها الآخرون منه لألحقت بالمسيرة ضرراً بالغاً..
ولكن الذي كنا سنرتاح كثيراً لو عرفناه هو:
1 ـ ألم يلتفت أبو بكر إلى أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يريد ان يعرّفه شيئاً مما عقد العزم عليه، حتى أصل أنه يريد سفراً؟ كما دل إخباره "صلى الله عليه وآله" عائشة دونه؟!
2 ـ وبعد أن عرف أن النبي "صلى الله عليه وآله" يريد سفراً، لماذا يصرّ على معرفة المقصد بدقة، كما ظهر من توجيهه كل تلك الأسئلة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسماعه تلك الأجوبة المقتضبة؟! ألم يدرك أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليس راغباً في البوح له بشيء؟ فلماذا يحرجه بأسئلته إذن؟!
3 ـ هل يمكن أن نستفيد من أسئلته لابنته عائشة، أنه لم يكن واثقاً من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيخبره لو سأله، فحاول أن يستل بعض الأخبار منها، فلما أعياه ذلك توجه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم يزل يحرجه بالسؤال تلو السؤال حتى حصل على ما أراد!!
4 ـ ثم ما معنى أن يسأل ابنته عن الاحتمالات التي تراودها، فيما يرتبط بوجهة سير رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ وماذا يفيده رأيها وحدسها، وأية قيمة تكون للحدسيات والتخمينات في أمور كهذه؟!
أليس بينك وبينهم مدة؟!:
وقد حضر أبو بكر أو سمع بمجيء عمرو بن سالم، وبديل بن ورقاء، وجماعة كبيرة إلى المدينة، وعرف منهم ما جرى لخزاعة على يد قريش وبني بكر.. ورأى أبا سفيان أيضاً حين جاء يريد خداع المسلمين، والمكر بهم وبرسول الله "صلى الله عليه وآله" للنجاة من تبعات نقض العهد..
وقد كان لأبي بكر نفسه نصيب من النشاط الذي أثاره أبو سفيان في هذا الاتجاه، وزعموا له موقفاً شديداً مميزاً تفرد به، ثم تابعه عليه زميله عمر بن الخطاب.
فما معنى اعتراضه على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيما عقد عليه العزم في قريش، وكيف يزعم أن بين النبي وبينهم عقداً وعهداً ومدة، وهو عالم بنقض قريش للعهد والعقد في أمر خزاعة؟!
السيطرة على المسالك:
وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" جماعة أن تقيم بالأنقاب (وهي المسالك في الجبال).
وكان عمر بن الخطاب يطوف على الأنقاب، فيمرُّ بهم، فيقول: لا تدعوا أحداً يمر بكم تنكرونه إلا رددتموه .
لكن صاحب السيرة الحلبية نقل ذلك من قول رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وكانت الأنقاب مسلَّمة إلا من سلك إلى مكة فإنه يتحفظ به، ويسأل عنه([129]).
ونقول:
1 ـ إن رصد الطرقات والمنافذ إلى مكة، ووضع الرجال على المسالك في الجبال بصورة دائمة من شأنه أن يزيد الأمور ضبطاً وانتظاماً، وأن يمنع من تسرب الأخبار إلى قريش، ولا أقل من أنه يحرج من يريد أن يفعل ذلك، ويربكه، ويحد من ميله لتعريض نفسه للفضيحة، لو كشف أمره..
2 ـ إن هذه القوات التي كلفت بمهمة حفظ الطرقات لم تكن تضايق أحداً من سالكي تلك الطرق، فقد ذكر النص المتقدم: أن الطرق مسلّمة، لا يعترض أحد فيها سبيل أحد إلا من سلك إلى مكة.
3 ـ وحتى من يريد مكة، فإنه لا يمنع من ذلك، وإنما يحتجز بمقدار ما يتأكد من أمره، فيسأل عنه.
4 ـ لعل المقصود بالسؤال عن السالك إلى مكة هو: مراجعة النبي "صلى الله عليه وآله" في أمره..
5 ـ إذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد حدد لتلك القوات الراصدة والضابطة للطرقات مسؤوليتها، وهو أن لا يدعوا أحد اً يمر بهم ينكرونه إلا ردُّوه.. فلماذا يطوف عمر بن الخطاب على الأنقاب، ويطلب منهم نفس هذا الطلب، ويصدر لهم نفس هذا الأمر؟!
ولسنا نشك في: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد حدد لأولئك الرجال المهمة التي انتدبهم لها ـ حتى لو لم يذكر لنا الحلبي أو غيره مضمون كلامه "صلى الله عليه وآله" لهم ـ.
فتكرار هذا الكلام على مسامعهم من عمر لا يقدم ولا يؤخر، لأن هذه هي مهمتهم التي انتدبوا لها، وهم ينفذون أوامر النبي "صلى الله عليه وآله" لا أوامر عمر.. إلا إذا كان عمر يريد أن يوحي لهم: بأنه قرين رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ونظيره، وأوامره كأوامره، وطاعته كطاعته..
واللافت هنا: أننا لا نجد هذه الحركات وأمثالها لدى أي من الصحابة الآخرين إلا من عمر بن الخطاب.. وإن شاركه غيره في شيء من ذلك فستجد أنه يسير في نفس خطه، ومن القريبين منه، أو من أهل الصفاء عنده، وتربطهما أواصر مودة وإلفة..
إلى بطن إضم:
لما أراد رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسير إلى مكة، بعث أبا قتادة بن ربعي إلى بطن إضم، ليظن الظان: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" توجه إلى تلك الناحية، وأن لا تذهب بذلك الأخبار([130]).
وأبان رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسير إلى قريش([131]).
وأرسل إلى أهل البادية، ومن حولهم من المسلمين، يقول لهم: "من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فليحضر رمضان بالمدينة"([132]).
وهم أسلم وغفار، ومزينة وجهينة، وأشجع، وبعث إلى بني سليم.
فأما بنو سليم فلقيته بقديد، وأما سائر العرب فخرجوا من المدينة([133]).
وبعث رسلاً في كل ناحية حتى قدموا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([134]).
قالوا: "ودعا رئيس كل قوم، فأمره أن يأتي قومه، فيستنفرهم"([135]).
وقالوا أيضاً: لما عزم رسول الله "صلى الله عليه وآله" على فتح مكة ـ شرفها الله تعالى ـ كتب إلى جميع الناس في أقطار الحجاز وغيرها، يأمرهم أن يكونوا بالمدينة في شهر رمضان من سنة ثمان للهجرة، فوافته الوفود والقبائل من كل جهة([136]).
وقال حسان بن ثابت يحرض الناس ويذكر مصاب رجال خزاعة:
عـنـاني ولـم أشهد ببطحاء مكـة رجـال بـنـي كـعـب تحـز رقـابهـا
بأيـدي رجـال لم يسـلوا سيوفهم وقـتـلى كـثـير لـم تجـن ثـيـابهـــا
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي سـهـيل بن عمرو حرهـا وعقابهـا
فـلا تأمننهـا يـا ابـن أم مجـالـــد إذا احتلبت صرفـا وأعصل نابهــا
ولا تجـزعـوا منهـا فـإن سيـوفنا لهـا وقـعـة بالمـوت يـفـتح بابهـا([137])
قال ابن إسحاق: وقول حسان: بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم: يعني قريشاً، وابن أم مجالد: عكرمة بن أبي جهل([138]).
وعسكر رسول الله "صلى الله عليه وآله" ببئر أبي عنبة، وعقد الألوية والرايات. فكان في المهاجرين ثلاث رايات: راية مع علي، وراية مع سعد بن أبي وقاص، ثم ذكر الواقدي سائر الرايات([139]).
إشارة لما سبق:
ونقول:
قد تحدثنا في جزءٍ سابق عن سرية بطن إضم، فلا نرى حاجة للإعادة، ونكتفي بالإشارة إلى بضعة أمور هي التالية:
النفير العام:
إنه يبدو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استنفر جميع العرب، بدوهم وحضرهم، قريبهم وبعيدهم، مسلمهم وكافرهم، ربما لأنه أراد أن يؤكد لهم سقوط جميع حصون الشرك في المنطقة، وأنه لم يعد هناك مبرر للتعامل بجفاء، أو عداء.
وعليهم الاعتراف بهيمنة الإسلام وقدرته وقوته، إذ إنهم ليسوا هدفاً عسكرياً له، ولا هو يريد أن يبتلعهم، أو أن يستغلهم.
بل هو يريد أن يتعاون معهم على حل المشكلات، وان يقف إلى جانبهم في إقرار الأمن والسلام، ومنع الظلم والتعدي. إذ هو يدعوهم إلى نصرة المظلومين، ومحاربة الظالمين، الذين ينقضون العهود، ويبطشون بالصبيان، والنساء، والضعفاء.. فلماذا لا ينصرونه، ولا يكونون معه؟ فإن ذلك من مصلحتهم بلا ريب.
ويدل أنه قد جرى على استنفار جميع العرب، النصوص المتقدمة نفسها، بالإضافة إلى أنه في حرب خيبر، وفي غيرها، وهي حروب كبرى، وصعبة ومصيرية، لم يستطع حشد أكثر من ألف وخمس مائة مقاتل مقابل أكثر من عشرة آلاف مقاتل من الأعداء، كانوا مستقرين في حصونهم، ومستعدين للمواجهة.
ولكنه جمع في مؤتة ثلاثة آلاف مقاتل..
وقد قلنا: إن الظاهر هو: أنه قد نفر معه مئات من غير المسلمين أيضاً، لأنهم أدركوا: أن خطر ملك الروم عظيم وجسيم، فلا بد لهم من الدفع عن أنفسهم، وحفظ حوزتهم، كما تقدم.
الحضور إلى المدينة في شهر رمضان:
وقد كانت رسالته "صلى الله عليه وآله" إلى العرب هي: الطلب إليهم أن يحضروا إلى المدينة في شهر رمضان، ولم يبين لهم سبب هذا الطلب، ولا الغاية من حضورهم، فهل هو يحضرهم لإبلاغهم أمراً، أو لمشاورتهم فيه، أو للاتفاق معهم على شيء بعينه، أو لحرب أهل مكة، أو حرب غيرهم؟ إن ذلك لم تحدده لهم تلك الرسائل التي أرسلها إليهم..
وحتى بعد أن ظهر أن القصد هو التجمع للحرب، فإن الأمر بقي غائماً ومجهولاً لهم، إلى أن سار بتلك الجموع مسافات طويلة، ثم سلك طريق مكة..
ولم نجد منهم أي تمرد أو تململ أو ضيق من هذا القرار القاضي بحجب معرفة المقصد عنهم، بل ربما يكون ذلك قد أشعرهم بخطورة الأمر وأهميته، وهيأهم لمواجهة أي خيار يفرض عليهم بصبر وشجاعة.
وإن هذا يشير بلا شك إلى مدى تسليم الناس لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وثقتهم بتدبيره، رغم أنهم لم يكونوا كلهم ـ حسبما استظهرناه ـ من أهل الإيمان، والإسلام.
إبان المسير إلى قريش:
قد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر عائشة بكتمان الأمر، وأمر أبا بكر بذلك أيضاً. وانه أرسل أبا قتادة إلى بطن إضم، ولم يعلمه بوجهة سيره لئلا تذهب بذلك الأخبار.
فما معنى قولهم هنا: إنه "صلى الله عليه وآله" أعلَم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتجهيز([140])؟.
أو قولهم: "أبان رسول الله "صلى الله عليه وآله" السير إلى قريش، وأرسل إلى أهل البادية الخ.."([141]).
ومما يؤكد التزام السرية في هذا الأمر قولهم: ".. وأمر "صلى الله عليه وآله" الناس بالجهاز وطوى عنهم الوجه الذي يريده وقد قال له أبو بكر: يا رسول الله، أوليس بيننا وبينهم مدة؟
قال: إنهم غدروا ونقضوا العهد. واطو ما ذكرت لك.."([142]).
يضاف إلى ذلك: أن رسالة حاطب بن أبي بلتعة لقريش تدل على أنه لم يكن على يقين من وجهة سيره "صلى الله عليه وآله"، حيث جاء فيها: "وإن محمداً قد نفر، فإما إليكم، وإما إلى غيركم".
أو جاء فيها: "قد آذن بالغزوة، ولا أراه إلا يريدكم"([143]).
الفصل الخامس:
ابن أبي بلتعة.. يتجسس ويفتضح
اكتشاف تجسس ابن أبي بلتعة لقريش:
وروي: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما أجمع السير إلى مكة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الأمر في المسير إليهم، ثم أعطاه امرأة([144])، (سوداء كما في البحار) زعموا أنها من مزينة.
قال محمد بن عمر: يقال لها: كنود([145]).
قال ابن إسحاق: وزعم لي غير ابن جعفر: أنها سارة مولاة لبعض بني المطلب([146]).
وزعم مغلطاي: أن حاملة الرسالة هي: أم سارة واسمها كنود([147]). وجعل لها جعلاً([148]).
قال محمد بن عمر: ديناراً([149]).
وقيل: عشرة دنانير([150]).
أضاف الحلبي قوله: وكساها برداً([151])، على أن تبلغه أهل مكة.
وعن ابن عباس: أعطاها عشرة دنانير([152]).
وعن مقاتل: عشرة دراهم وكساها برداً([153]).
وقال لها: أخفيه ما استطعت، ولا تمري على الطريق، فإن عليه حرساً([154]).
فجعلته في رأسها، ثم فتلت عليه قرونها، ثم خرجت به، فسلكت غير نقب عن يسار المحجة في الفلوق حتى لقيت الطريق بالعقيق([155]).
نص الكتاب:
وذكر السهيلي أنه قيل: إنه كان في كتاب حاطب: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد توجه إليكم بجيش كالليل، يسير كالسيل، وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله تعالى عليكم، فإنه منجز له ما وعده فيكم، فإن الله ـ تعالى ـ ناصره ووليه([156]).
وعند الطبرسي: أنه كتب لقريش: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" خارج إليكم يوم كذا وكذا([157]).
وفي تفسير ابن سلام: أنه كان فيه: إن محمداً "صلى الله عليه وآله" قد نفر فإما إليكم، وإما إلى غيركم، فعليكم الحذر. انتهى([158]).
وذكر ابن عقبة الواقدي: أن فيه: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد آذن بالغزو، ولا أراه إلا يريدكم، وقد أحببت أن يكون لي يد بكتابي إليكم([159]).
وعند الطبرسي: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريدكم، فخذوا حذركم([160]).
التدخل الإلهي:
قال القمي: "إن حاطب بن أبي بلتعة كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة، وكان عياله بمكة. وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فصاروا إلى عيال حاطب، وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب، يسألوه عن خبر محمد "صلى الله عليه وآله": هل يريد أن يغزو مكة؟! فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك"([161]).
فكتب إليهم حاطب: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى "صفية" فوضعته في قرونها الخ..
وأتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخبر من السماء بما صنع حاطب، فبعث علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام([162]).
زاد أبو رافع: المقداد بن الأسود([163]).
وغير ابن إسحاق، يقول: بعث علياً والمقداد([164]).
وفي رواية عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي: أبا مرثد، بدل المقداد([165]).
وفي الحلبية: بعث علياً "عليه السلام"، والزبير، وطلحة، والمقداد.
وقيل: بعث علياً، وعماراً، أو الزبير، وطلحة، والمقداد، وأبا مرثد.
ولا مانع من أن يكون بعث الكل.
وبعض الرواة اقتصر على بعضهم([166]).
وزاد الطبرسي: عمر.
وكانوا كلهم فرساناً([167]).
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أدرك امرأة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم"([168]).
ولفظ أبي رافع: "انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة معها كتاب" فخرجوا([169]) ـ وفي لفظ: فخرجا ـ حتى إذا كان بالخليقة، خليقة بني أحمد الخ..
وفي الحلبية: "فخذوه منها وخلوا سبيلها، فإن أبت فاضربوا عنقها"([170]).
وقال المفيد: فاستدعى أمير المؤمنين "عليه السلام" وقال له: "إن بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، وقد كنت سألت الله أن يعمي أخبارنا عليهم. والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطريق، فخذ سيفك والحقها، وانتزع الكتاب منها، وخلها، وصر به إلي".
ثم استدعى الزبير بن العوام وقال له: "امض مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه".
فمضيا، وأخذا على غير الطريق، فأدركا المرأة، فسبق إليها الزبير، فسألها عن الكتاب الذي معها فأنكرت، وحلفت: أنه لا شيء معها، وبكت.
فقال الزبير: ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً، فارجع بنا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" نخبره ببراءة ساحتها.
فقال له أمير المؤمنين "عليه السلام": يخبرني رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها، وتقول أنت: إنه لا كتاب معها؟!!
ثم اخترط السيف، وتقدم إليها، فقال: أما والله لئن لم تخرجي الكتاب لأكشفنك، ثم لأضربن عنقك.
فقالت: إذا كان لابد من ذلك فأعرض يا ابن أبي طالب بوجهك عني، فأعرض بوجهه عنها، فكشفت قناعها، وأخرجت الكتاب من عقيصتها، فأخذه أمير المؤمنين "عليه السلام"، وصار به إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
فأمر أن ينادى: "الصلاة جامعة"، فنودي في الناس، فاجتمعوا إلى المسجد حتى امتلأ بهم.
ثم صعد النبي "صلى الله عليه وآله" إلى المنبر، وأخذ الكتاب بيده وقال: "أيها الناس إني كنت سألت الله عز وجل أن يخفي أخبارنا عن قريش، وإن رجلاً منكم كتب إلى أهل مكة يخبرهم بخبرنا، فليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي".
فلم يقم أحد، فأعاد رسول الله "صلى الله عليه وآله" مقالته ثانية، وقال: "ليقم صاحب الكتاب وإلا فضحه الوحي".
فقام حاطب بن أبي بلتعة، وهو يرعد كالسعفة في يوم الريح العاصف، فقال: أنا يا رسول الله صاحب الكتاب، وما أحدثت نفاقاً بعد إسلامي، ولا شكاً بعد يقيني.
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": "فما الذي حملك على أن كتبت هذا الكتاب"؟
قال: يا رسول الله، إن لي أهلاً بمكة، وليس لي بها عشيرة، فأشفقت أن تكون دائرة لهم علينا، فيكون كتابي هذا كفاً لهم عن أهلي، ويداً لي عندهم، ولم أفعل ذلك للشك في الدين.
فقام عمر بن الخطاب وقال: يا رسول الله مرني بقتله، فإنه منافق.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إنه من أهل بدر. ولعل الله تعالى اطَّلع عليهم فغفر لهم. أخرجوه من المسجد".
قال: فجعل الناس يدفعون في ظهره حتى أخرجوه، وهو يلتفت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليرق عليه، فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بردِّه، وقال له: "قد عفوت عنك وعن جرمك، فاستغفر ربك، ولا تعد لمثل ما جنيت"([171]).
وفي نص آخر: "فخرج علي والزبير، لا يلقيان أحداً حتى وردا ذا الحليفة، وكان النبي "صلى الله عليه وآله" وضع حرساً على المدينة. وكان على الحرس حارثة بن النعمان، فأتيا الحرس فسألاهم، فقالوا: ما مر بنا أحد.
ثم استقبلا حطَّاباً فسألاه، فقال: رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرة، فأدركاها فأخذ علي منها الكتاب، وردها إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فدعا حاطباً، فقال له: انظر ما صنعت..
قال: أما والله، إني لمؤمن الخ..([172]).
وقال ابن عقبة: أدركاها ببطن ريم، فاستنزلاها فحلفت، فالتمساه في رحلها، فلم يجدا شيئاً، فهموا بالرجوع، فقال لها علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ: إني أحلف بالله ما كذب رسول الله "صلى الله عليه وآله" وما كذبنا، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك.
وعند القمي: ما كذبنا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا كذب رسول الله "صلى الله عليه وآله" على جبرئيل، ثم ولا كذب جبرئيل عن الله جل ثناؤه، والله لتظهرن الكتاب أو لأوردن رأسك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخ..([173]). (زاد في الحلبية: أو أضرب عنقك).
وفي مجمع البيان: وسل سيفه وقال: "أخرجي الكتاب، وإلا والله لأضربن عنقك"([174]).
فلما رأت الجد، قالت: أعرضا. فحلت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه.
فخلوا سبيلها، ولم يتعرضوا لها ولا لما معها، فأتي به رسول الله "صلى الله عليه وآله" فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فدعا حاطباً، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟
قال: يا رسول الله. إني والله لمؤمن بالله ورسوله، ما غيرت، ولا بدلت، ولكني كنت امرءاً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل، فصانعتهم عليهم([175]).
وفي نص آخر: أنها أخرجت الكتاب من حجزتها، والحجزة معقد الإزار والسراويل([176]).
وحسب نص أورد في البحار: أن حاطباً قال: والله ما كفرت منذ أسلمت، ولا غششتك منذ صحبتك، ولا أجبتهم منذ فارقتهم، ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته، وكنت (عريراً) عزيزاً فيهم. (العرير: الغريب)، وكان أهلي بين ظهرانيهم، فخشيت على أهلي، فأردت أن أتخذ عندهم يداً، وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه، وإن كتابي لا يغني عنهم شيئاً.
فصدقه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعذره، فقام عمر بن الخطاب وقال: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق.
فقال "صلى الله عليه وآله": وما يدريك يا عمر، لعل الله اطَّلع على أهل بدر، فغفر لهم، فقال لهم: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم([177]).
وفي نص القمي: "ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنيع قريش إليهم، فأحببت أن أجازي قريشاً بحسن معاشرتهم، فأنزل الله الخ.." ([178]).
ولفظ أبي رافع، فقال: يا رسول الله لا تعجل علي، إني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابة يحمون أموالهم بها وأهليهم بمكة، ولم يكن لي قرابة، فأحببت إذ فاتني ذلك من بينهم أن أتخذ فيهم يداً أحمي بها قرابتي. وما فعلت ذلك كفراً بعد إسلام.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إنه قد صدقكم".
فقال عمر لحاطب: قاتلك الله!! ترى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يأخذ بالأنقاب وتكتب إلى قريش تحذرهم؟! دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فإن الرجل قد نافق.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ما يدريك يا عمر أن الله عز وجل اطَّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر، فقال: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"؟!
فاغرورقت عينا عمر، وقال: الله ورسوله أعلم، حين سمعه يقول في أهل بدر ما قال([179]).
وأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللهِِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المَصِيرُ}([180])"([181]).
ونقول:
إن لنا هنا وقفات:
لعلها عدة رسائل:
قد يقال: إن نصوص الرواية المختلفة تشير إلى أن حاطباً قد كتب لقريش عدة رسائل، ولعل بعضها قد قصد به التعمىة على الناس فيما لو انكشف الأمر، حيث يمكن لحامل الرسالة أن يظهر إحدى تلك الرسائل، فينصرف المفتشون عما سواها، وربما تكون رسالة واحدة، ذكر كل راوٍ بعض فقراتها، واقتصر عليه.
ولعله كتب الرسالة على فترات، كما احتمله الحلبي([182]).
وإن كنَّا لم نستطع أن نفهم معنى معقولاً لهذا الاحتمال الأخير..
غير أننا رغم معقولية سائر الاحتمالات نقول:
سيأتي: أن الأقرب هو أنه لم يرسل سوى رسالة واحدة، وهي تلك التي يعبر فيها حاطب عن عدم معرفته بمقصد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأنه يريد لهم أن يكونوا على حذر. وستأتي مبررات ذلك عن قريب إن شاء الله تعالى.
مقدار الجعل على حمل الرسالة:
ونحن نشك في أن يكون الجُعل الذي أعطاه حاطب لتلك المرأة لكي تحمل الرسالة إلى مكة هو دينار واحد، أو نحو ذلك، فإنها قيمة زهيدة لا يرغب بها راغب، ولاسيما مع هذه الأخطار التي قد تتعرض لها.
إلا إذا فُرض: أن تلك المرأة هي سارة التي قدمت من مكة، وتريد أن ترجع إلى بلدها.. أو أنها امرأة أخرى مضطرة للسفر على كل حال، وقد أرادت أن تسدي هذه الخدمة للمشركين، وتستفيد بعض المال أيضاً عن هذا الطريق.
هل نافق حاطب؟!:
وذكر الحلبي: أن مراد عمر بقوله عن حاطب: قد نافق: أنه خالف الأمر، لا أنه أخفى الكفر، لقوله "صلى الله عليه وآله": قد صدقكم، ولا تقولوا له إلا خيراً. وعليه يشكل قول عمر المذكور، ودعاؤه عليه بقوله: قاتلك الله.
إلا أن يقال: يجوز أن يكون قول عمر له ذلك كان قبل قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما ذكر([183]).
غير أننا نقول:
إن ذلك لا يدفع الإشكال، فإن مخالفته الأمر لا توصف بأنها نفاق، فيبقى السؤال المذكور. إلا إن كان يريد أنه قد فَعَلَ فِعْلَ المنافق، من حيث إنه كان يظهر للمسلمين إخلاصه، ولكنه يفعل في الباطن خلاف ما يظهره..
ولكنه بعد انكشاف أمره قد صدق في كلامه حين أخبرهم بالأسباب التي حملته على هذا الفعل النفاقي..
المخبأ العتيد:
ويلاحظ هنا: أن تلك المرأة قد خبأت الكتاب في شعرها، وفتلت عليه قرونها. أو خبأته في حجزتها، وهو معقد السراويل كما في رواية أخرى.. لأنها كانت تدرك تحرُّج المسلمين من النظر إلى شعور النساء، أو من تجريدهن بحيث يظهر لهم المخبأ في معقد السراويل، لأن ذلك حرام شرعاً، ويفترض بهم أن يلتزموا بأحكام الشرع، وحتى لو كشفوا رأسها، أو انكشف قهراً بسبب حركة عنيفة، أو بريح شديدة، فإن ذلك لا يضر، لأن الكتاب كان في داخل الشعر المفتول.
الفضل لعلي ×:
وقد كان الفضل لعلي "عليه السلام" في كشف أمر تلك المرأة. أما الذين كانوا معه فقد أقنعهم قولها، وأرادوا تخلية سبيلها. بل إن الزبير حكم ببراءتها من هذا الأمر الذي انتدبهم إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله".. ولم يطالبوها بكشف رأسها، ولا بنقض شعرها المفتول..
وقد اخطأوا في ذلك من جهتين:
أولاهما: أنهم لم يراعوا أوامر رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسدد بالوحي الذي يريه الواقع كما هو.
الثانية: أن ظاهر حالها لا بد من أن يشي بلزوم الريبة بها لأن نفس المسالك التي سلكتها لا بد من أن تثير شكوكهم في أمرها.. حتى لو لم يخبرهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بشيء.
وذلك لأنها تركت الطرقات السهلة، والتي اعتاد الناس سلوكها، واختارت السير في القفار والشعاب فترة طويلة، ثم عادت إلى الطريق في "العقيق"..
فأخذوها هناك، وكشف أمرها علي "عليه السلام"، ولا يسلك هذه المسالك إلا هارب أو خائف، أو من يخفي شيئاً خطيراً يريد ان ينفذه إلى بلاد أخرى.
الحرس على الطريق وشى بالخائن:
إن حاطب بن أبي بلتعة يوصي حاملة رسالته بأن لا تمر على الطريق، فإن عليه حرساً، فتركت الطريق وسارت في القفار والفجاج مقداراً طويلاً، ثم عادت لتسلك الطريق في منطقة "العقيق".
ومن البديهي: أنه لا يمكنها الوصول إلى مكة بسلوك متاهات الصحاري والقفار، وترك الجادة، لأن ذلك يعرضها لكثير من المفاجآت والأخطار، بل هو يؤدي بها إلى الهلاك والبوار.
ولأجل ذلك أخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسالك على كل سالك ووضع الحرس عليها، لأنه "صلى الله عليه وآله" يعلم: كل من تنكّب الطريق لا بد من أن يعود إليها ولو بعد حين.
رسالة تهديد أم تحذير؟!:
وقد ذكروا بعض النصوص لرسالة حاطب التي قد يقال: إنها أشبه بالتهديد منها بالإخبار لهم مما يراد بهم. ففيها: "أقسم بالله لو سار إليكم وحده لنصره الله عليكم، فإنه منجز له ما وعده الله فيكم، فإن الله ناصره ووليه".
ثم يقال: لو صح أن هذا هو النص الذي كتبه إليهم حاطب لاستحق عليه المدح والثناء، والتقدير، لا الملامة والتوبيخ.. ولكان ينبغي إنفاذ الرسالة إليهم، وعدم مصادرتها.
غير أننا نقول:
إن هذه الكلمات لا تكفي لإعطاء هذا الانطباع، لأنها قد تكون لأجل التغطية على الخبر الأهم الذي أتحفهم به، أو يكون قد ساق هذه العبارات ليتذرع بها ـ لو انكشف الأمر ـ ويدَّعي: أنه لا يقصد إلا بث الرعب واليأس في قلوب الأعداء، علماً بأن ذلك لن يجديه نفعاً بعدما صرح لهم في رسالته بما كان الرسول "صلى الله عليه وآله" قد حذَّر الناس من إخبارهم به، وجعل الأرصاد على الطرقات، من أجل تلافي حصوله.. وبذلك يكون حاطب قد عرَّض نفسه للإدانة على كل حال.. وجعلها في موضع الخذلان والخسران، ولا ينفعه المراء والجدل.
دقة معلومات حاطب:
ونحن لا نستطيع أن نتقبل ما ورد في بعض المصادر من أن حاطباً قد كتب لقريش: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" خارج إليكم يوم كذا وكذا..([184]).
ولا أن نقبل الرواية التي تقول: إنه كتب إليهم: إن رسول الله يريدكم فخذوا حذركم([185]).
وذلك لسببين:
أحدهما: أن أحداً لم يستطع أن يعرف وجهة سير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى سار بجيشه مسافات طويلة كما ظهر في جزء سابق حين الكلام حول سرية أبي قتادة إلى بطن إضم.
الثاني: أنه حتى لو علم حاطب بأن المقصود هو غزو مكة، ولكن من أين يستطيع تحديد يوم خروج رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك الجيش، وأنه يوم كذا؟ فإن ذلك لا يتلاءم مع هذه السرِّية الفائقة التي كان "صلى الله عليه وآله" يعتمدها.
وقد ظهرت الكثير من الدلائل والشواهد على دقته البالغة في مراعاتها والحفاظ عليها، بحيث لا يستطيع حاطب وسواه أن يعلم بهذا التاريخ الدقيق.
والصحيح في الأمر هو أنه كتب إليهم يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد آذن بالغزو، إما إليكم أو إلى غيركم.
وقد أحب أن يخبرهم بذلك ليكونوا على حذر، لاحتمال أن يكون قصده إليهم.
خبر السماء:
ويأتي التأييد بالوحي الإلهي في خصوص موضوع سرية التحرك وهدفه الأقصى ليبعث اليأس في نفوس المنافقين، والمتزلفين، والخانعين، والمتآمرين، وليقول لهم: إنكم غير قادرين على اختراق حاجز الرقابة هذا، فإن المؤمنين حتى لو استنفدوا قدراتهم، فسيأتيهم المدد والتسديد والتأييد الإلهي، ليسد مواضع الخلل، ويحفظ المسيرة من دون أن يباشر أي تصرف قاهر لإرادات المعاندين والمتآمرين..
وهذا ما حصل فعلاً في قضية حاطب بن أبي بلتعة، حيث لم يتدخل الله تعالى لمنع حاطب من التفكير في مراسلة قريش، ولا من التخطيط، ثم التنفيذ، كما انه لم يتصرف في إرادة المرأة حاملة الرسالة، ولا أعجزها عن التصرف، ولا قهرها على التزام طريق بعينها، بل هي اختارت طريقاً وسلكته، وخططت لأمر، ونفذت خطتها..
ولكنه أخبر نبيه بما جرى.. فتصرف "صلى الله عليه وآله" بطريقة من شأنها أن تؤدي إلى كشف المستور، وجنَّب بذلك اهل الإيمان من الوقوع في المحذور.
كما أن شعور أهل الإيمان بالتسديد والتأييد الإلهي لا بد من أن يقوي من عزيمتهم، ويشد من أزرهم، ويرسخ من يقينهم.
ألا يكفي علي × وحده؟!:
وقد يدور بخلد أحدهم سؤال يقول: ألم يكن يكفي أن يرسل علياً وحده لأخذ الكتاب من تلك المرأة، فلماذا أرسل معه آخرين، مثل الزبير، وسواه حتى إن الأسماء قد تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة؟! مع أن حاملة الرسالة مجرد امرأة، لا حول لها ولا قوة ولا تحتاج إلى كل هذا العدد.
ألا يدلنا ذلك: على أن ثمة تصرفاً في الروايات بالتضخيم، والتهويل، لحاجة في نفس الرواة قضيت؟!
إلا أن يقال: إنه "صلى الله عليه وآله" أرسلهم فرقاً في مسالك مختلفة حتى لا تفوتهم تلك المرأة.
ونجيب:
بأنه لا شك في أن ثمة أهدافاً أخرى تتجاوز موضع مصادرة الرسالة، ومنع وصولها إلى قريش، ونستطيع أن نذكر من هذه الأهداف ما يلي:
أولاً: إن الأمر لا ينحصر بمنع وصول هذه الرسالة إلى قريش، بل هو يتجاوز ذلك إلى إثارة جو من الرهبة يمنع أياً كان من الناس بالتفكير في تسريب أية معلومة عن تحركات النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين إلى أي كان من الناس..
فكان أن اختار "صلى الله عليه وآله" عدة أشخاص لهم خصوصيات وتوجهات، وارتباطات، واهواء مختلفة، ومتشعبة، ليروا جميعاً بأم أعينهم صدق الوحي الإلهي، وليأخذوا العبرة، وينقلوها إلى القبائل والأفراد الذين يعيشون في أجوائهم، ولهم صلة بهم بنحو أو بآخر..
ثانياً: إنه لو أرسل "صلى الله عليه وآله" أي واحد منهم سوى علي "عليه السلام"، فسيرجع بخفي حنين، كما اظهرته الوقائع، حيث صدقوا تلك المرأة وهموا بالرجوع، وستتمكن تلك المرأة من الإفلات، وربما لم يمكن اللحاق بها، أو ربما يصعب العثور عليها إذا سلكت مسالك معينة.. وفي ذلك تفريط ظاهر لا مجال للقبول به، ولا لتحمله..
ثالثاً: إنه لا بد من أن يعرف الناس جميعاً مدى التفاوت فيما بين تلك الجماعة التي خدعت ببكاء تلك المرأة، وصدقتها في إنكارها، حتى هموا بالرجوع عنها وبين علي "عليه السلام"، وفي معرفته، ووعيه، وصحة تدبيره، وإيمانه ويقينه بما جاء به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكيفية نظرته إلى الوحي الإلهي، وإلى النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، وطبيعة تعامله معه، ومع أوامره، وأقواله، وإخباراته..
وبذلك يظهر زيف ما يدَّعيه الناس لغيره "عليه السلام" من مناوئيه، ومخالفيه، وحاسديه، أو ما يدَّعيه هؤلاء لأنفسهم من مقامات وبطولات، ومن خصائص وميزات، ومن جهاد وتضحيات، وذلك لأنهم خالفوا صريح أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين قال لهم: خذوه منها، وخلوا سبيلها، فإن أبت فاضربوا عنقها.
خذوه منها، فإن أبت فاضربوا عنقها:
وهذا الأمر الذي صدر من رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهم حول كيفية التعامل مع حاملة الرسالة لا يترك لهم أي مجال لتصديقها، أو توهم براءتها مما نسب إليها، فضلاً عن أن يهموا بالرجوع، لأن ذلك يتضمن تكذيب الوحي الإلهي، والطعن بعصمة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والتخطئة له..
وإن الأمر بضرب عنقها لو أبت أن تعطيهم الكتاب يدل على أن حكم من يفشي سر المسلمين، ويصرّ على التآمر على رسول رب العالمين، هو القتل كائناً من كان، حتى لو كان امرأة..
كما أن الأمر بتخلية سبيلها بعد اخذ الكتاب منها يتضمن إرفاقاً بها، وعفواً عن جرمها، خصوصاً مع محاولتها إنكار الرسالة، حتى إنها لم تعطهم إياها إلا بعد تهديد علي "عليه السلام" لها..
والقول بأنها إذا كانت لا تعلم بمضمون الرسالة فإنها تكون غير مشاركة في الخيانة، غير مقبول، فإنها ـ على أقل تقدير ـ تحمل رسالة تتضمن أسراراً يراد إيصالها سراً للمشركين، وتعلم أن ظهور هذه الأسرار سيكون مضراً للمسلمين، حتى لو لم تعلم بتفاصيل مضمون الرسالة، وهذا يكفي لإدانتها.
الصلاة جامعة لماذا؟!:
وقد صرحت رواية المفيد: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر أن ينادى في الناس: "الصلاة جامعة"، (وهو تعبير عن دعوة عامة لأمر مهم طارئ) فلما اجتمعوا في المسجد حتى امتلأ بهم صعد النبي "صلى الله عليه وآله" المنبر، وأخذ الكتاب بيده، وطلب من صاحبه أن يعلن عن نفسه، وإلا فضحه الوحي..
والسؤال هو: لماذا هذا الإعلان بالأمر؟ وبهذه الطريقة القوية والواسعة؟
ألم يكن الأجدر أن يعالج الأمر بهدوء يحافظ به على ماء وجه حاطب؟!
ونقول في الجواب:
إن الإعلان عن الموضوع بهذا النحو القوي كان ضرورياً، وله أسباب وفوائد عديدة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ إن هذه الطريقة من شأنها أن تعرِّف الناس بهذا الأمر الخطير على أوسع نطاق، وقد كان هذا هو مطلوب له "صلى الله عليه وآله" لأسباب، ربما يتضح بعضها عن قريب..
2 ـ إن ذلك يبقي هذا الخبر على درجة من السلامة والصحة، والوضوح في أذهان الناس، ويمنع من تلاعب المتلاعبين فيه بالزيادة فيه تارة، والنقيصة أخرى، حسب الأهواء، ورياح السياسة، والمصلحة، فإن تناقل أمثال هذه الأخبار بصورة فردية أو جماعية بلا رقيب ولا عتيد سوف يمكِّن أصحاب الأهواء من التحريف فيه، بما يخدم أهواءهم ومصالحهم وخططهم!!
3 ـ إن هذا الإعلان الواضح والصريح قد وضع حداً أمام التكهنات والتساؤلات عن طبيعة الموقف الذي سيتخذه النبي "صلى الله عليه وآله" ممن أقدم على هذا العمل الخطير، كما أنه قد رسم للناس طريقة التعاطي معه، ومنع من الإفراط والتفريط الذي قد تنشأ عنه إثارات غير مسؤولة، قد تضر في مسار الأمور كما يرضاه الله ورسوله..
4 ـ إن ذلك يبين لمن تسوّل له نفسه القيام بأمثال هذه التصرفات حجم الفضيحة التي ستواجهه، وسيكون ذلك مؤثراً في الردع عن أي تصرف من هذا القبيل..
5 ـ إن هذا التهديد بفضيحة الوحي لمن فعل ذلك، ولا يرضى بالإقرار والاعتراف العلني لا بد من أن يزيد من شعور الناس بالرقابة، وعدم القدرة على إخفاء أمرهم لو سولت لهم أنفسهم الدخول في مغامرة كهذه..
6 ـ إن الأمر لم يقتصر على مجرد توجيه اتهام قولي للفاعل، بل تعداه إلى تقديم الدليل الحسي على هذا الأمر، وهو الكتاب الذي أخذه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بيده وهو على المنبر، بحيث يراه كل أحد، فلا تكهنات ولا اجتهادات ولا ظنون، ولا حدسيات، ولا مجال للوسوسات الشيطانية في هذا الأمر..
7 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" لم يكتف بإظهار الكتاب ثم تحديد الفاعل، بل هو قد حمل الفاعل على أن يقر بنفسه بما فعل.. بصورة طوعية وهو يرتعد.. وذلك بعد أن ظهر تردده في البداية.
8 ـ إن نفس دفاع حاطب بن أبي بلتعة عن نفسه، قد أثبت الجريمة عليه، ولم تعد هناك أي فرصة للتأويل والاحتمال والاجتهاد، واستغلال الحدث في اتجاه انحرافي يسيء إلى القضية بنحو أو بآخر..
9 ـ إن اعتراف حاطب بما فعل، إنما جاء تحت وطأة الكشف الرباني لما حصل، حتى لقد حُددت المرأة، وحُدد موقعها، وأرسل الرجال في طلبها، ولم يعد يمكن إخفاء أي شيء.. وذلك لا يدل على عمق إيمان حاطب، بل هو يدل على هزيمته بعد أن أسقط في يده..
حاطب ينفي الشك والنفاق:
وقد رأينا: أن أول ما دفعه حاطب عن نفسه هو تهمة النفاق والشك في الدين، وتأكيد التزامه بإسلامه، ويقينه به..
ولم يناقشه النبي "صلى الله عليه وآله" فيما ادَّعاه من ذلك. بل هو قد سمع منه، ثم ساق الحديث معه في اتجاه آخر..
ومن الواضح: أن النفاق هو التهمة الأقسى، والأشرّ والأضرّ بالنسبة لحاطب، لأنه كفر قوي وفاعل، يريد أن يلحق الضرر بالإيمان وبأهله، إما بأن يسقط دعوتهم بأساليب من الختل والغدر والتخريب، أو يريد سلب المسلمين قدراتهم، والاستئثار بها لنفسه..
وهذا يمثل خطورة مباشرة وعملية ومؤثرة، لأنه كفر مهاجم يعمل بهدوء وأناة وطمأنينة بعد ان هيأ لنفسه موجبات ذلك، حين أظهر الإسلام وأبطن الكفر..
وأما مجرد الشك في الدين، فهو وإن كان كفراً أيضاً، لكنه كفر مهزوم وراكد وضعيف، يصارع الحقيقة في داخل نفسه، ولا يقدر على تجاهلها والتخلص منها..
وقد نفى حاطب عن نفسه الشك، كما نفى عنها النفاق أيضاً..
ولم يرد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يقف معه عند هذه النقطة ولا أن يناقشه فيها.. لأنه يريد أن يبقيه في دائرة السيطرة، ويعطيه فرصة، ويفسح له المجال لإعادة ترتيب أوضاعه، فإن هذا المقدار من القبول مطلوب له "صلى الله عليه وآله" ولا يريد التفريط فيه.. ولذلك وجَّه "صلى الله عليه وآله" الأنظار إلى تلمّس عذر حاطب فيما أقدم عليه. وسنرى أنه عذره أيضاً..
تهديد المتهم:
وعن تهديد علي "عليه السلام" لتلك المرأة حاملة الرسالة، قد يقال: كيف جاز لعلي "عليه السلام" أن يهدد إنساناً متهماً لم تثبت إدانته بعد؟!
ويجاب: بأن إدانة تلك المرأة قد ثبتت بالوحي. ومن أصدق من الله قيلاً؟ وهو علام الغيوب؟! والعالم بما في القلوب؟
ونحن نشك في أنها لو استمرت على إنكارها فقد كان يجب على علي "عليه السلام" أن يقتلها لسببين:
أحدهما: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي أمره بقتلها إن أبت تسليم الكتاب، لأن القتل هو حكم الله في المحارب لله ورسوله، ومن يصر على إطفاء نور الله تبارك وتعالى..
الثاني: إن تركها سوف يؤدي إلى تمكينها من إيصال الرسالة للأعداء، ليتمكنوا من ثم من إفشال خطة رسول الله "صلى الله عليه وآله" أو من إيجاد متاعب ومصاعب كان المسلمون في غنى عنها. وقد تنشأ عن ذلك خسائر كبرى في أهل الإيمان، وربما يؤدي ذلك إلى إطالة أمد هيمنة حالة البغي والاستكبار، والظلم والتعدي على المستضعفين من النساء والرجال، والصبيان بصورة عامة.
وقد يعترض على ذلك: بأنه قد كان بإمكانهم أن يفتشوها تفتيشاً دقيقاً، ويأخذوا منها الكتاب، ولا تصل النوبة إلى القتل..
ولكننا قلنا: إن الإصرار على حرب الله ورسوله، وإطفاء نور الله هو الذي جعلها تستحق القتل..
وأما الكتاب فإن التفتيش عنه لا يكفي لحسم مادة الخطر فيه، إلا إذا كان العثور عليه حتمياً، وليس الأمر كذلك إذ هي قد تتمكن من إخفائه تحت حجر، أو مدر، أو بين أغصان الشجر، أو نحو ذلك.. ثم إنها بعد إطلاق سراحها تعود إليه، او تدل عليه من يأخذه ويوصله إلى من يتلهف عليه، ويتشوق إليه.
ولسنا بحاجة إلى التذكر: بأن هذه الإحتياطات من رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا تعني أن جهة مسيره قد عرفت، بل هي تعني: أنه "صلى الله عليه وآله" لا يرضى بتعريف قريش وغيرها من أعدائه بأصل خروجه من المدينة على هيئة الحرب، فإن ذلك يجعل الأعداء يحذرون لاحتمال أن يكونوا هم الذين يقصدهم.
كما أن نفس وجود أناس يوصلون للمشركين أخبار المسلمين مرفوض، حتى لو كانت تلك الخبار غير دقيقة أو خاطئة من أساسها.
ردها إلى رسول الله ':
ثم إن ما ورد في بعض النصوص: من أنه "عليه السلام" قد رد حاملة الكتاب إلى رسول الله، لا يتلاءم مع أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأخذ الكتاب منها، ثم إطلاق سراحها.
إلا أن يقال: إنه قد يكون هناك خطأ في الكتابة، فأراد الكاتب أن يكتب (ردَّه) (أي الكتاب) إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكتب ردها.
غير أننا نقول:
إنه يحتمل أن يكون "عليه السلام" قد ردها، لكي يمنعها من الوصول إلى مكة قبل حركة الجيش إليها، لكي لا تخبر أهل مكة شفاهاً بما رأته من اعداد واستعداد، كانت تحتمل أو تظن أنه لغزوهم.
فيكون المراد بإطلاق سراحها عدم المبادرة إلى قتلها، أو ضربها، أو سجنها، لأن المطلوب هو مجرد تعطيل حركتها إلى مكة برهة يسيرة، يزول فيها الداعي إلى هذا التعطيل.
حاطب يلتفت إلى النبي ' ليرقَّ له:
وقد صرحت الرواية عن الشيخ المفيد، وغيره: بأن حاطباً صار يلتفت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليرق له.. وذلك حين كانوا يدفعون في ظهره حتى أخرجوه من المسجد..
فحاطب إذن لم يكن لديه أي أمل بغير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو حتى حين ظهرت خيانته لرسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه، لم يكن يتوقع النصر من قريب رحيم، ولا من صديق حميم، ولا من حليف جديد ولا قديم.
وهذا يؤكد على: أن ثمة صورة جليلة وجميلة قد انطبعت للنبي "صلى الله عليه وآله" في نفسه وفي نفس كل من عرف رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن قرب، واستقرت في عمق وجدانه، وهي صورة قد ظهرت معالمها في آيات قرآنية كريمة، في أكثر من مناسبة، ومن ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}([186]).
وهذا من أروع الأمثلة على طبيعة العلاقة بين القائد ورعيته، حيث يبلغ الأمر في صفائها ونقائها، وسلامتها وصدقها حداً تكون وسيلة المجرم والمسيء، وشافعه إليه، هو نفس ذلك الذي كانت الإساءة إليه، ووقعت الجريمة عليه..
قيمة العفو.. والاستغفار:
وتتجلى له قيمة الإستغفار، وينعم بالعفو الرحيم من النبي الكريم "صلى الله عليه وآله"، ويأتيه ما أمَّل، ويهب النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" لحاطب بن أبي بلتعة جرمه، رغم خطورته، ويجعل قيمة هذا العفو: أن يستغفر حاطب ربه، وأن لا يعود لمثل ما فعل.
أي أنه "صلى الله عليه وآله" لم يفرض عليه غرامة، ولا مارس في حقه تعزيراً، ولا وجه إليه أية كلمة إهانة، ولا أمر بالتضييق عليه في سجن، ولا في غيره، كما أنه لم يفرض عليه الإقامة في بلد بعينه، ولا حد من حرية حركته، ولا منع الآخرين من التعاطي معه، ولا.. ولا..
بل أراد أن لا تزيد عقوبته على إخراجه من المسجد وهي عقوبة تكاد تكون رمزية، من حيث إنها تعبر عن إبعاد محدود عن ساحة الرضا، ما دام أن ما فعله حاطب كان سيؤدي إلى الإضرار بأهل الإيمان. وهو قد ميَّز نفسه عنهم، وأراد أن يكون هو في معزل عن أجوائهم، ولا يريد أن يناله ما ينالهم. لقد أرادها رسول الله "صلى الله عليه وآله" عقوبة إصلاحية تربوية، مضمونها ترميم علاقته بالله، بالتوبة والاستغفار، باعتبار أن الجرأة إنما كانت عليه تبارك وتعالى..
فإذا استطاع أن يصلح سريرته، وأن يرضي ربه، فإنه يكون قد بلغ الغاية التي يريد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يبلغه إياها.
عذر حاطب:
وعن اعتذار حاطب عما صدر منه نقول: إنه أراد أن يتخذ بما صنعه يداً لدى أهل مكة ليحفظ بذلك أهله، إذ ليس له عشيرة تمنعه..
ولم يناقشه النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا اعترض عليه أحد من المسلمين في ذلك.. لكن هذا الانصراف عن المناقشة لا يعني أنه منطق سليم ومقبول.. بل هو انصراف إرفاقي بالدرجة الأولى، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إن وجود أهله في مكة لا يحتم عليه القيام بعمل خياني، يلحق الضرر بالكيان الإسلامي كله، ويوجب إفساد التدبير النبوي، وإضعاف هيبته "صلى الله عليه وآله" لدى الأعداء، وفتح أبواب التجريح والتشكيك لأهل النفاق، ولا يجوز لأحد في أي ظرف كان أن يمكنهم من إثارة الشكوك بسلامة المسيرة، وفي حسن السياسة، وصواب الرأي النبوي الشريف.
2 ـ إن الضرر إذا توجه لإنسان مّا، فإن بإمكانه أن يدفعه عن نفسه، ولكن ليس له أن يقذف به على غيره، فلو أراد أسد أن يدخل بيتاً ويفترس شخصاً، فإن بإمكانه أن يتحرز منه بالطريقة التي تدفعه عنه. وليس له أن يدخله بيت جاره، ليكون جاره هو الضحية..
3 ـ لقد كان هناك الكثيرون من الضعفاء الذين لم يكن لهم عشائر تمنعهم، وقد تعرضوا للعذاب على يد فراعنة قريش حتى قتل بعضهم، ومنهم آل ياسر، ولم يجوِّز لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولا خطر في بالهم أن يحملوا جلاديهم على التوجه بالعذاب إلى غيرهم من المؤمنين..
4 ـ مَن الذي قال: إن قريشاً كانت تنوي إلحاق الأذى بأهل حاطب فإن ذلك مجرد وهم وقع فيه حاطب، رغم أنه وهم علِّق حصوله على أمر تقديري افتراضي، وهو أن تكون لقريش الدائرة على المسلمين، وليس ثمة ما يشير إلى حصول أمر من هذا القبيل، بل الدلائل تشير إلى عكس ذلك تماماً.
وحتى لو حصل ذلك، فإن حاطباً لا يستطيع أن يجزم بتعرض أحد من أهله لأي سوء.
5 ـ ألم يفكر حاطب في أن ما فعله سوف يؤدي إلى زيادة القتل في صفوف أهل الإيمان؟ فكيف فرط بالنبي "صلى الله عليه وآله"، وبكل أهل الإيمان من أجل حفظ بعض أهله ممن هم على الشرك بحسب الظاهر؟!
وحتى لو كانوا مسلمين، فإن إلحاق الأذى بهم يبقى في دائرة الاحتمال، بينما هو يقدم لقريش معلومات من شأنها أن تمكنها من أن تلحق الخسائر بالمسلمين بصورة قطعية ويقينية.
للنبي ' أن يعفو عن حاطب:
إننا لسنا بحاجة إلى الاستدلال على مشروعية العفو عن حاطب بأي دليل، بل نحن نستدل على ذلك بنفس العفو الذي صدر عن النبي "صلى الله عليه وآله" في حق هذا الرجل.. فمنه "صلى الله عليه وآله" التشريع، وإليه يرجع في معرفة الأحكام، وقوله وفعله وتقريره "صلى الله عليه وآله" حجة ودليل ما بعده دليل..
غير أن البعض قد يتساءل عن إمكان العفو عن حاطب في حين أن جرمه يرتبط بأشخاص آخرين وهم المسلمون، وأهل الإيمان..
والجواب:
أولاً: إن جرم حاطب يرتبط أولاً وبالذات بالسياسة النبوية العامة، وبقرار الحرب والسلم، ولا يرتبط بحق شخصي لأحد من الناس..
ثانياً: لو فرضنا: أن جرمه يرتبط بحق شخصي لبعض الأفراد، فإن الله تعالى قد جعل الولاية لرسول الله "صلى الله عليه وآله" على الناس كلهم، فقال: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ..}([187]).
عمر: مرني بقتله:
قد ذكرت في العديد من الموارد في تاريخ الإسلام، وفيها هذا المورد بالذات: أنه قد كان من عادة عمر بن الخطاب أن يصدر حكمه على الأشخاص، ثم يطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأمره بتنفيذه..
فكم من مرة ينبري فيها ليقول لرسول الله "صلى الله عليه وآله": دعني أقتله يا رسول الله..
واللافت هنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يستجب له ولو لمرة واحدة في كل تلك المناسبات الكثيرة.. الأمر الذي يعني كثرة خطأ هذا الرجل في معرفة الحكم الشرعي، أو في معرفة المصلحة في الشأن العام، في حين أن هذه الأمور تمس حياة الناس ومصيرهم.
وهذا يجعلنا نتساءل عن حاله بعد توليه الخلافة لأكثر من عقد من الزمن: كم أخطأ في أحكامه التي كان يصدرها، ولم يصب الحكم الشرعي فيها، أو أنه لم يصب وجه المصلحة في الشأن العام؟!
لا ندري!!
ولعل الفطن الذكي يدري!!
منقبة عظيمة لحاطب:
قال الحلبي: ".. وفي قوله: عدوي وعدوكم منقبة عظيمة لحاطب.. بأن في ذلك الشهادة له بالإيمان"([188]).
غير أننا نقول:
أولاً: إن الله سبحانه قد خاطب من أظهر الإسلام في زمن الرسول "صلى الله عليه وآله" بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ..}([189]).
ثانياً: إنه لا مانع من أن يعود الذي آمن إلى الكفر، كما هو الحال في عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وطليحة بن خويلد، وغيرهما..
وقد صرح القرآن الكريم بذلك أيضاً، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لهُمْ}([190]).
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}([191]).
ثالثاً: قد صرح القرآن الكريم بأن من يتولى اليهود والنصارى فهو منهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}([192]).
وهذا تقريباً هو نفس حال حاطب، وهو نفس ما اعتذر به، فراجع الكلمات المنقولة عنه فيما تقدم..
رابعاً: إن نفس الآية أو الآيات في سورة الممتحنة، والتي ذكروا أنها نزلت في حاطب، قد صرحت: بأن من يفعل فعل حاطب فقد ضل سواء السبيل.. ثم تواصل الآيات الشريفة بياناتها، وتضرب الأمثال المبينة لكيفيات التعامل مع الكفار، لتختم بالقول: {..وَمَن يَتَوَلَّهمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}([193]).
خامساً: إن مما يدل على أن حاطباً قد ارتكب جرماً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر بإخراجه، ولم يمنع الناس من التعامل معه بخشونة، حيث صاروا يدفعونه في ظهره حتى أخرجوه، وهو يلتفت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليرق له..
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قد صرح بسوء فعل حاطب، وبجرمه، حين قال له: "قد عفوت عنك، وعن جرمك، فاستغفر ربك، ولا تعد لمثل ما جنيت..".
فلماذا يحرص الحلبي على اعتبار هذا الجرم فضيلة لحاطب لمجرد كون الخطاب في الآية الكريمة قد وجه إلى المؤمنين؟!
سادساً: إن الآية إنما جاءت على سبيل الإرشاد للمسلمين إلى سوء هذا الفعل، وتحذيرهم من الوقوع فيه.. مع غض النظر عن الأحكام التي تنشأ عنه، فلو أن أحداً تعمد الوقوع فيه، فالآيات لم تبين حال هذا الشخص، وأنه هل يبقى على حال الإيمان، أو أنه يكفر بذلك.
لعل الله اطلع على أهل بدر!!:
وأما قول النبي "صلى الله عليه وآله" لعمر: لعل الله اطلع على أهل بدر، فقد جاء رداً على عمر بن الخطاب، وردعاً له عن أن يقول شيئاً بغير علم. أي أن مضمون هذه الكلمة صحيح في نفسه، إذ لم يكن يحق لعمر أن يخبر عما في الضمائر، وما تكنُّه السرائر.
ولكن ذلك لا يعني أن ذلك قد حصل فعلاً، فإن صدق الشرطية لا يلزم منه صدق وقوع طرفيها..
ولكن أهل الحقد والشنآن قد حاولوا أن يستفيدوا من هذه الكلمة في اتجاهين:
أحدهما: ادِّعاء تحقق المغفرة لأهل بدر فعلاً، وأن كل ما صدر ويصدر منهم مغفور لهم، مع أن هذه الكلمة لا تفيد ذلك.. وذلك للأمرين التاليين:
أولاً: لما ذكرناه آنفاً من أن المقصود: هو نفي أن يكون عمر قد اطَّلع على الغيب، وعلم بما أجراه الله لأهل بدر، ومارسه في حقهم. فلعله قد غفر لهم صغائر ذنوبهم، مكافأة لهم على جهادهم وتضحياتهم..
ولعل هذا الذنب من حاطب لم يكن من الكبائر، بسبب قصوره عن فهم حقيقة الأمور، وتوهمه أن ذلك لا يخل بإيمانه، ولا يضر بالمسلمين. ولذلك صدقه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال: "صدق لا تقولوا له إلا خيراً".
ولكن صدقه هذا لا يعني أنه لم يكن مستحقاً للعقوبة بسبب إقدامه على أمر معلوم السوء لدى كل أحد.
ثانياً: إن المراد بهذه الكلمة: هو أن يستأنفوا عمل الخير، وأن يزدادوا منه، فإن سيآتهم السابقة قد محيت.. وأصبح مصيرهم مرهوناً بما يكون منهم في المستقبل..
ثانيهما: إن أولئك الحاقدين قد اتخذوا ذلك ذريعة للطعن في أمير المؤمنين "عليه السلام"، فقد روى البخاري في صحيحه، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة عن حصين، عن فلان، قال: تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية، فقال أبو عبد الرحمن لحبان: لقد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء، يعني علياً.
قال: ما هو؟ لا أبا لك.
قال: شيء سمعته يقوله.
قال: ما هو؟
قال: بعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" والزبير، وأبا مرثد، وكلنا فارس.
قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة حاج. قال أبو سلمة: هكذا قال أبو عوانة: حاج. فإن فيها امرأة معها صحيفة من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فأتوني بها.
فانطلقنا على أفراسنا حتى أدركناها حيث قال لنا رسول الله "صلى الله عليه وآله" تسير على بعير لها، وكان كتب إلى أهل مكة بمسير رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليهم. فقلنا: أين الكتاب الذي معك؟
قالت: ما معي كتاب.
فأنخنا بها بعيرها، فابتغينا في رحلها، فما وجدنا شيئاً، فقال صاحبي: ما نرى معها كتاباً.
فقلت: لقد علمنا ما كذب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم حلف علي: والذي يحلف به، لتخرجن الكتاب أو لأجردنك.
فأهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساء، فأخرجت الصحيفة، فأتوا بها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله، ورسوله، والمؤمنين، دعني فأضرب عنقه.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا حاطب، ما حملك على ما صنعت؟
قال: يا رسول الله، ما لي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله، ولكني أردت أن يكون لي عند القوم يد يدفع بها عن أهلي ومالي. وليس من أصحابك أحد إلا له هنالك من قومه من يدفع الله به عن أهله وماله.
قال: صدق. لا تقولوا إلا خيراً.
قال: فعاد عمر، فقال: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه.
قال: أوليس من أهل بدر؟ وما يدريك لعل الله اطَّلع عليهم، فقال: اعملوا ما شئتم فقد أوجبت لكم الجنة.
فاغرورقت عيناه، فقال: الله ورسوله أعلم
قال أبو عبد الله: "خاخ" أصح، ولكن كذلك قال أبو عوانة: حاج. وحاج تصحيف. وهو موضع. وهشيم يقول: خاخ.
ونقول:
إن لنا هنا وقفات هي التالية:
إصرار عمر لماذا؟!:
إن أول ما يستأثر بنظر القارئ الكريم في رواية البخاري المتقدمة، مبادرة عمر بن الخطاب إلى الحكم على حاطب باستحقاق القتل، والطلب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": أن يدعه يضرب عنقه، على اعتبار أنه قد خان الله ورسوله.
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يبال بكلام عمر، ووجه كلامه إلى حاطب، يسأله عن سبب إقدامه على ما أقدم عليه، فأجابه حاطب بما تقدم.
فقال "صلى الله عليه وآله": صدق، لا تقولوا إلا خيراً..
ولكن عمر بن الخطاب رغم أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يجبه في المرة الأولى. ورغم أنه "صلى الله عليه وآله" قد حكم بصدق حاطب. ورغم أنه "صلى الله عليه وآله" أمرهم أن لا يقولوا إلا خيراً.
نعم، رغم ذلك كله يعود عمر فيقول: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله، والمؤمنين، دعني فلأضرب عنقه..
فجاءه الجواب الصريح والواضح من رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليخطِّئه في تصرفه هذا، وقد شرحنا هذا الجواب فيما سبق.
الجرأة على الدماء:
وأما بالنسبة لما زعموه: من أن ما جرى في قصة حاطب هو الذي جرأ علياً "عليه السلام" على الدماء، فهو كلام باطل، من غرٍ حاقد جاهل، إذ قد تناسى هؤلاء الحقائق التالية:
أولاً: إن علياً "عليه السلام" لم يكن هو المبادر إلى الحرب، لا في حرب الجمل، ولا في صفين، ولا في النهروان، بل الناكثون هم المبادرون لشن حرب الجمل، بقيادة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، ومعها طلحة والزبير.
ثم شنها القاسطون بقيادة معاوية في حرب صفين..
ثم كان خروج المارقين عليه في النهروان.
فهي حروب مفروضة وباغية على الخليفة الشرعي. وقد حاول "عليه السلام" إقناعهم بالعودة إلى الشرعية، ولزوم الطاعة، ولكن لا حياة لمن تنادي، {فقد زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ}([194]).
وصدق الله ورسوله حين أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" بأنه يقاتل بعده الناكثين، والقاسطين، والمارقين([195]).
ثانياً: إن أبا بكر قد قاتل الذين لم يعترفوا بخلافته، ولم يعطوه زكاة أموالهم، وقالوا: إنهم سوف يعطونها لفقرائهم([196]).
وقد قتلهم رغم معارضة الصحابة له، بما فيهم عمر بن الخطاب([197]).
وهو القائل: لو منعوني عقال بعير لقاتلتهم أو لجاهدتهم على منعه([198]).
وقد جرى على مالك بن نويرة وقومه ما هو معروف، فقد قتلهم خالد بعد الأمان، وزنى بامرأة مالك في نفس ليلة قتله([199]).
وقد أصر عمر على معاقبة خالد، وقال له: لأرجمنك بأحجارك([200]). ولكن أبا بكر رفض ذلك، وأطلق كلمته المعروفة: "تأول فأخطأ"([201]).
لقد حصل كل هذا، رغم أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم ينص على خلافة أبي بكر، ولكنه نص على إمامة وخلافة أمير المؤمنين "عليه السلام" من بعده، وبايعه الناس بأمره "صلى الله عليه وآله" في يوم الغدير..
كما أن البيعة لأبي بكر قد اكتنفتها عقبات كبيرة، لم يستطع أبو بكر أن يتغلب عليها إلا بالهجوم على بيت فاطمة الزهراء "عليها السلام"، وضربها، وإسقاط جنينها و.. و.. الخ.. ثم استشهدت متأثرة بما جرى عليها "صلوات الله وسلامه عليها"([202]). وذلك بعد استقدام عدة ألوف من حملة السلاح إلى المدينة، ليقاتلوا من يرفض البيعة لأبي بكر، وليستخرجوا الناس من بيوتهم لحملهم على هذه البيعة جبراً وقهراً([203]).
فما الذي جرأ أبا بكر على الدماء يا ترى؟! ولماذا لا يسجلون هذه الملاحظة عليه، فإنه أولى بها من علي "عليه السلام"؟!
ثالثاً: إن كان تهديد علي "عليه السلام" لحاملة الرسالة بالقتل إن لم تظهر الرسالة جرأة على الدماء، كما يدَّعيه هؤلاء السحرة، فإن المتجرئ على الدماء في الحقيقة ـ حسب منطقهم ـ هو رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه، لأنه هو الذي أمرهم بقتلها إن لم تعطهم الرسالة..
رابعاً: لماذا لا يكون المتجرئ على الدماء هو عمر بن الخطاب نفسه، فإنه هو الذي قال للنبي "صلى الله عليه وآله": مرني بقتله، فإنه قد نافق. وقد طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" مثل هذا الطلب في العديد من المناسبات، وبالنسبة للعديد من الناس، كما أشرنا إليه فيما سبق.
الفصل السادس:
على طريق مكة
إستخلف على المدينة وخرج!!:
قيل: إنه "صلى الله عليه وآله" استخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر([204]).
وقيل: استخلف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري([205]).
ويقال: ابن أم مكتوم. وبه جزم الدمياطي([206]).
وخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الأربعاء بعد العصر، لعشر خلون من شهر رمضان، ونادى مناديه: "من أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر". وصام رسول الله "صلى الله عليه وآله"([207]). فما حل عقدة حتى انتهى إلى الصلصل.
وخرج في المهاجرين والأنصار، وطوائف من العرب، وقادوا الخيل، وامتطوا الإبل، وقدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمامه الزبير بن العوام في مائتين من المسلمين([208]).
ولما بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" البيداء قال، فيما رواه محمد بن عمر عن أبي سعيد الخدري: "إني لأرى السحاب يستهل بنصر بني كعب"([209]).
وقدم "صلى الله عليه وآله" بمائة جريدة من خيل، تكون أمام المسلمين. فلما كانوا بين العرج والطلوب أتوا بعين من هوازن، فاستخبره رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخبره أن هوازن تجمع له (وقد أجابتهم ثقيف، وقد بعثوا إلى الجرش ـ وهو مكان في اليمن ـ فعملوا الدبابات والمنجنيق) فقال: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" خالد بن الوليد أن يحبسه، لئلا يذهب فيحذر الناس، وقد أسلم حين فتح مكة، ثم خرج مع المسلمين إلى هوازن، فقتل في أوطاس.
ولما بلغ "صلى الله عليه وآله" قديداً([210]) لقيته سُليم هناك، فعقد الألوية والرايات، ودفعها إلى القبائل([211]).
ونقول:
إن لنا بعض الملاحظات حول ما تقدم، نجملها فيما يلي:
عشرة آلاف مقاتل:
ثم إن هناك من يقول ـ كابن إسحاق ـ: إن من شهد الفتح من المسلمين عشرة آلاف([212])، ونحو من أربع مائة فارس، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد([213]).
وهناك من يقول: إنهم كانوا اثني عشر ألفاً([214]).
وجمع: بأن العشرة آلاف خرج بها من نفس المدينة، ثم تلاحق الألفان([215]).
ونقول:
قد يقال: إننا نشك في صحة كلا هذين الرقمين.. فإن المسلمين لم يكونوا قد بلغوا إلى الحد الذي يستطيعون معه ان يجهزوا هذا المقدار من الرجال للحرب، ثم يبقى في بلادهم من يحرسها، من غارة أهل الأطماع.
ويشير إلى ذلك: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يستطع أن يجهز لخيبر أكثر من ألف وخمسمائة مقاتل، ثم جهز لمؤتة ـ كما يقولون ـ ثلاثة آلاف.. مع أن تجهيز العشرة آلاف كان في مؤتة أيسر منه في فتح مكة، إلا إن كان "صلى الله عليه وآله" قد استنفر العرب من البلاد، فنفروا معه مسلمهم وكافرهم، لأنهم أيقنوا: أنه يريد الخير لهم، وأن في الخروج معه منافع تهمهم، خصوصاً بعد أن ظهر ضعف قريش في تصدياتها له..
فإذا نفر الناس من سائر القبائل معه، فإن من بقي منهم في البلاد لا يخشى منه، وقد كان "صلى الله عليه وآله" عارفاً بالمنطقة وبمن يسكنها من القبائل..
ولم يكن ليجرؤ أحد من أي قبيلة على مهاجمة المدينة إذا كان لدى رسول الله "صلى الله عليه وآله" طائفة من تلك القبيلة تقاتل معه، إذ إن ذلك سوف يسهِّل على النبي "صلى الله عليه وآله" الظفر بمن يقوم بأي تحرك من هذا القبيل ومعاقبته، لأن نفس أهل تلك القبيلة سيكونون أعواناً وأنصاراً له على الخارجين عليه، حتى إذا كانوا من قبائلهم، فكيف إذا كانوا من غيرها.
يضاف إلى هذا كله: أنه لابد أن يبقى في المدينة قوة قادرة على حمايتها من هجوم فئات صغيرة، لو فرض أن أحداً يجرؤ على القيام بشيء من ذلك.
تأويلات وتفاصيل:
وقد ذكروا هنا: بعض التفاصيل التي قد لا تملك من الدقة ما يكفي للاعتماد عليها، فقد قالوا:
أنه "صلى الله عليه وآله" كان في عشرة آلاف. أي باعتبار من لحقه في الطريق من القبائل، كبني أسد، وسليم، ولم يتخلف عنه أحد من المهاجرين والأنصار.
وكان المهاجرون سبع مائة، ومعهم ثلاث مائة فرس.
وكانت الأنصار أربعة آلاف، ومعهم خمس مائة فرس.
وكانت مزينة ألفاً، وفيها مائة فرس ومائة درع.
وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً.
وكانت جهينة ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً([216]).
وعن ابن عباس: من بني سليم سبع مائة، وقيل: ألف. ومن غفار أربع مائة، ومن أسلم أربع مائة ومن مزينة ألف وثلاث مائة، وسائرهم من قريش والأنصار، وحلفائهم، وطوائف من العرب، من بني تميم، وقيس، وأسد([217]).
ونقول:
إن هذا يثير لدى الباحث أكثر من سؤال. فمتى صار المهاجرون سبع مائة؟
وكيف أصبح الأنصار أربعة آلاف؟ في حين أنه لم يستطع أن يجند منهم ومن المهاجرين وممن حولهم من الأعراب أكثر من ألف وخمس مائة مقاتل إلى ألف وثمان مائة، فراجع: حرب خيبر والحديبية وغيرهما..
إلا إن كان سكان المدينة يتكاثرون كما يتكاثر بعض فصائل الحيوان؟
ولماذا كان من المهاجرين ثلاث مائة فرس، وهم سبع مائة رجل فقط، وكان من الأنصار خمس مائة فرس وهم أربعة آلاف؟
فهل كان المهاجرون أكثر مالاً من الأنصار؟
وكيف حصلوا على هذه الثروات، ولم يحصل الأنصار على مثلها؟! وهم يعيشون في بلد واحد، ويجاهدون عدوهم معهم. مع كون المهاجرين قد قدموا إلى المدينة بدون أموال، حتى تكفل الأنصار بهم، وشاركوهم في أموالهم وبيوتهم؟!
أم أن المهاجرين كانوا مهتمين بأمر الجهاد أكثر من الأنصار؟!
ويلاحظ: أن هذه النسبة من الأفراس مع المهاجرين قد بقيت متفوقة فيهم على جميع الفئات والقبائل الأخرى.. إذ لا مجال للمقايسة بينهم وبين جهينة، التي كانت ثمان مائة، ومعها خمسون فرساً فقط.. وكانت أسلم أربع مائة، ومعها ثلاثون فرساً فقط.. وكانت مزينة ألفاً وفيها مائة فرس فقط..
فما هذا التفاوت بين المهاجرين وكل هذه الفئات؟!
ألا يشير ذلك إلى أن هذه كانت أرقاماً سياسية، وليست واقعية؟!
لا يزال المقصد مجهولاً:
وقالوا: لما نزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" العرج، والناس لا يدرون أين توجه "صلى الله عليه وآله"، إلى قريش، أو إلى هوازن، أو إلى ثقيف. فهم يحبون أن يعلموا.
فجلس في أصحابه بالعرج، وهو يتحدث، فقال: كعب بن مالك: آتي رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأعلم لكم علم وجهه.
فجاء كعب بن مالك فبرك بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله" على ركبتيه، ثم قال:
قضـيـنـا من تهـامـة كــل ريـب وخـيـبر ثـم أحمـيـنــا الـسـيـوفـا
نسائلهـا ولـو نطقـت لقـالـــت قـواضـبـهـن دوسـا أو ثـقـيـفــا
فلسـت بحـاضـر إن لم تـروهــا بـسـاحــة داركـم مـنـهـا ألـوفـا
فـنـنـتـزع الخــيـام بـبـطـن وج ونـترك دوركـم مـنـهـا خـلـوفـا
فتبسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم يزد على ذلك.
فجعل الناس يقولون: والله ما بين لك رسول الله "صلى الله عليه وآله" شيئاً، ما ندري بمن يبدأ بقريش، أو ثقيف، أو هوازن؟!([218]).
وكان عيينة بن حصن في أهله بنجد، فأتاه الخبر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه، فخرج في نفر من قومه حتى قدم المدينة، فوجد أنه "صلى الله عليه وآله" قد خرج قبله بيومين.. فسلك يسأل عن مسيره، فبلغ إلى العرج، ثم وصل النبي "صلى الله عليه وآله" بعده إلى هناك..
فقال عيينة: يا رسول الله، بلغني خروجك، ومن يجتمع إليك، فأقبلت سريعاً ولم أشعر، فأجمع قومي، فيكون لنا جلبة كثيرة. ولست أرى هيأة الحرب، ولا أرى ألوية ولا رايات! فالعمرة تريد؟ فلا أرى هيأة الإحرام! فأين وجهك يا رسول الله؟!
قال: حيث يشاء الله.
وذهب وسار معه. ووجد الأقرع بن حابس بالسقيا في عشرة من قومه. فساروا معه، فلما نزل قديداً عقد الألوية، وجعل الرايات.
فلما رأى عيينة القبائل تأخذ الرايات والألوية عض على أنامله، فقال أبو بكر: علام تندم؟
قال: على قومي ألا يكونوا نفروا مع محمد. فأين يريد محمد يا أبا بكر؟
قال: حيث يشاء الله.
فدخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" مكة يومئذٍ بين الأقرع وعيينة([219]).
وذكر الواقدي: أنه لما نزل "صلى الله عليه وآله" قديداً لقيته سليم، وهم تسعمائة على الخيول جميعاً، مع كل رجل منهم رمحه وسلاحه.
ويقال: إنهم ألف([220]).
فقالت سُليم: يا رسول الله، إنك تقصينا، وتستغشُّنا، ونحن أخوالك ـ أم هاشم بن عبد مناف، عاتكة بنت مرة، بن هلال، بن فالح، بن ذكوان، من بني سليم ـ فقدمنا يا رسول الله حتى تنظر كيف بلاؤنا، فإنَّا صُبُرٌ عند الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء، فرسان على متون الخيل.
قال: ومعهم لواءان وخمس رايات، والرايات سود.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": سيروا! فجعلهم في مقدمته.
وكان خالد بن الوليد مقدمة النبي "صلى الله عليه وآله" حين لقيته بنو سليم بقديد، حتى نزلوا مر الظهران وبنو سليم معه.
ويقال: إنهم قد طووا ألويتهم وراياتهم، وليس معهم لواء ولا راية معقودة.
فقالوا: يا رسول الله، اعقد لنا وضع رايتنا حيث رأيت.
فقال: يحمل رايتكم اليوم من كان يحملها في الجاهلية!
ونادى عيينة بن حصن، فقال: أنا عُيَيْنة، هذه بنو سُلَيْم قد حضرت بما ترى من العدّة والعَدَد والسّلاح، وإنّهم لأحلاس الخيل، ورجال الحرب، ورماة الحدق.
فقال العباس بن مَرْدَاس: أقصر أيها الرجل، فوالله إنك لتعلم أنّا أفرس على متون الخيل، وأطعن بالقنا، وأضرب بالمشرفية منك ومن قومك، فقال عُيَيْنة : كذبتَ ولؤمتَ، نحن أولى بما ذكر منك، قد عرفته لنا العرب قاطبة.
فأومأ إليهما النبي "صلى الله عليه وآله" بيده حتى سكتا .
ونقول:
إن علينا أن نشير هنا إلى الأمور التالية:
توضيح عن المقدمة:
قد يُتَوَهَّم: أن النص المتقدم قد ذكر أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد جعل بني سُليم في مقدمته، مع أنهم يقولون: إن الذي كان على المقدمة إلى أن دخل النبي "صلى الله عليه وآله" مكة هو خالد بن الوليد، وهذا لا يتلاءم مع ذاك.
ويزول هذا التوهم بالكامل في النص المذكور آنفاً، حيث قال: إنه "صلى الله عليه وآله" قد جعل بني سليم في مقدمته، أي أنه قد ضمهم إلى الرجال الذين كانوا بقيادة خالد، فصار خالد أميراً على المجموع، وبما أنه كان لكل قبيلة حامل لوائها، فقد حمله عيينة بن حصن.
إلى أين يا رسول الله؟!:
إن الإنسان مهما كان دينه، وأيَّاً كانت ميوله لَيَقف خاشعاً أمام عظمة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومبهوراً وعاجزاً عن إدراك دقة تدبيره، مذعناً لصوابية كل حركة وكل سكون، وكل لفتة، وإشارة و.. و..
وبديهي: أن الناس إذا أدركوا أن ثمة حرصاً على إخفاء شيء، فإنهم يجهدون لاستكناه حقيقته، والوقوف على واقعه، واستشراف دقائقه وتفاصيله.
فإذا كانت ألوف من الناس تلاحق هذا الأمر، وتبحث عنه، وتريد كشفه، والوقوف على كنهه بكل حرص واندفاع.
وإذا كان هذا الأمر يعنيهم كلهم أفراداً وجماعات.
وإذا كان يفترض فيهم هم أن يشاركوا في صنع نفس هذا الحدث..
وإذا كانت قد بدأت بعض التسريبات تظهر منذ اللحظة الأولى التي تفوَّه الرسول "صلى الله عليه وآله" فيها بأنه يريد سفراً، حيث قال لعائشة: "جهزينا، وأخفي أمرك".
ثم جرى بين عائشة وأبيها، ثم بين أبي بكر ورسول الله "صلى الله عليه وآله" ما قدمناه فيما سبق.
وإذا كانت هذه التسريبات قد دعت النبي بَدْأً إلى التحفظ على مسالك المدينة في سهولها وجبالها، ووضع الحرس عليها، وضبطها.
وإذا كانت الاحتمالات والتكهنات بدأت تؤتي ثمارها على شكل رسائل تحذير لقريش، حيث تجلى ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة.
وإذا كانت قصة حاطب قد انتهت على ذلك النحو المثير لكل الناس الذين حضروا وشاهدوا أو سمعوا بما جرى، حيث نودي بالناس: "الصلاة جامعة"، فاجتمعوا في المسجد، ثم كان ما كان..
وإذا كان عشرة آلاف مقاتل قد بدأوا يتحركون باتجاه المقصد..
وإذا كانوا قد ساروا أياماً وليالي عديدة نحوه..
فإننا لابد أن نتوقع: أن الأمور قد اتضحت لكل أحد، وأسفر الصبح لذي عينين..
ولكن المفاجأة الهائلة والعظيمة هي: أن تسير هذه الألوف المؤلفة على هيأتها ووفق ما هو مرسوم في تدبير الجيوش، وفي كيفية سيرها نحو العدو، حيث الطلائع تقدم، تبث الأرصاد.. وتؤخذ عيون العدو، ويستفاد من المعلومات التي لديها، ثم يحتفظ بهم للوقت المناسب..
إن المفاجأة هي: أن هذا الجيش يسير باتجاه مقصده، ويصل إلى قديد (وهي قرية جامعة قريب مكة)([221])، ولا يزال يجهل الجهة التي يقصدها، والفئة التي سيناجزها القتال.
رغم أن محاولات بذلت في السقيا لاستنطاق رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولكنها تبوء بالفشل..
فهل يمكن أن نضع هذا الإنجاز في مجال الاستطلاع والحفاظ على السرية إلا في عداد المعجزات، وخوارق العادات، التي لا يقدر عليها إلا نبي، أو وصي نبي؟!
لا بد من جواب:
ويبقى أن نشير إلى أن كل هذا الذي ذكرناه لا يعفينا من الإجابة على سؤال: كيف لنا أن نتصور جمعاً يزيد على عشرة آلاف مقاتل، يجتمعون من مختلف البلاد والقبائل، ويسيرون أياماً وليالي إلى أن يصلوا إلى قديد، ثم لا يعرفون مقصدهم، ويستمر جهلهم بوجهة سيرهم، وبحقيقة العدو الذي يقصدونه..
ويمكن أن نجيب على ذلك: بأن بعض النصوص المتقدمة قد صرحت: بأن الناس كانوا متحيرين بين ثلاثة احتمالات، هي: مكة، وثقيف، وهوازن.
وهذه الخيارات كلها تحتاج لمثل هذا الجمع العظيم من المقاتلين. كما أنها كلها تقع في منطقة واحدة، وفي أمكنة متقاربة، والطريق من المدينة إليها هي نفس هذه الطريق التي سلكها "صلى الله عليه وآله" إلى قديد. وإنما تتميز الطرقات إلى تلك المناطق بدءاً من سرف، التي كانت تبعد عن مكة أميالاً يسيرة([222]).
وربما يكون من أسباب تعزيز احتمال أن يكون القصد إلى هوازن، وصرف نظر الناس عن مكة: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أخذ عيناً لهوازن، فأقر له أنهم يجمعون الجموع لحربه؛ فيأمر خالداً بحبس ذلك العين، خوفاً من أن يذهب ويحذِّر الناس([223]).
حيث يشاء الله:
وقد أظهرت قضية كعب بن مالك، وتوسله بالشعر في محاولة معرفة الوجه الذي يريده النبي"صلى الله عليه وآله" في سفره ذاك أظهرت مدى اهتمام الناس بمعرفة هذا الأمر.. رغم أن كعباً لم يفلح في استخراج السر من النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".
والذي زاد في حيرتهم: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يخرج بهذه الألوف على هيئة الحرب، فهو لم يعقد ألوية، ولا رفع رايات، ولا رتب هذا الجيش العرمرم ترتيباً قتالياً..
ولكنه كان يرسل الطلائع.. ويأخذ رصد هوازن الذي وجده في طريقه، ويستجوبه، ثم يأمر بحبسه، ولا يتركه يرجع إلى من وراءه لينذرهم به..
ومن جهة ثانية: فإنه "صلى الله عليه وآله" لم يخرج على هيئة من يريد العمرة، فلم يحرم ولم يسق البدن كما فعل في الحديبية، وعمرة القضاء..
وهذا معناه: أنه لا يقصد مكة في مسيره ذاك..
ويسأله عيينة بن حصن عن مقصده في مسيره، ويصرح له بحيرته في الأمر، فيجيبه "صلى الله عليه وآله" بقوله: حيث يشاء الله.
بل إنه "صلى الله عليه وآله" حتى حين بلغ قديداً، وعقد الرايات والألوية، وعرف عيينة وغيره أن المهمة قتالية، وليست شيئاً آخر.. قد أبقاه في حيرة من أمره، فسأل أبا بكر: فأين يريد محمد يا أبا بكر؟!.
قال: حيث يشاء الله([224]).
وهي إجابة واقعية، إذ لم يكن المسؤول بأعلم من السائل، فإن أبا بكر أيضاً لم يكن يعلم بمقصد رسول الله "صلى الله عليه وآله".. ولعل الناس قد بقوا على ترددهم حتى وصلوا إلى مر الظهران، وأخذوا أبا سفيان ومن معه.
إستنفار العرب:
قد ذكرنا فيما سبق: أن الظاهر هو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استنفر العرب إلى مكة، مسلمهم وكافرهم..
وقد يمكن الإستشهاد على ذلك بالنص المتقدم الذي يقول: إن عيينة بن حصن قد سمع ـ وهو بنجد ـ : أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يريد وجهاً، وقد تجمعت العرب إليه..
فعبارة تجمعت العرب إليه، يشير إلى أن هذا التجمع قد شمل المسلم وغيره.
ولعل استنفار النبي "صلى الله عليه وآله" للعرب قد أفهمهم: أن ثمة أمراً خطيراً لابد لهم من مواجهته، كذلك الذي جرى في غزوة مؤتة..
وقد أشرنا إلى ذلك فيما سبق.
وربما يكون مجيء عيينة بن حصن بمجرد سماعه بالأمر شاهداً آخر على ذلك..
سُليم تريد الحظوة عند النبي ':
وقد ظهر من كلام بني سليم: أنهم كانوا يسعون لتكون لهم الحظوة عند النبي "صلى الله عليه وآله"، ويريدون الفوز بثقته من خلال أفعالهم ومواقفهم المؤثرة التي تشهد لهم بصحة ما يدَّعونه.
وقد صرحوا في كلامهم: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يستغشهم ويقصيهم، رغم أنهم أخواله، بسبب عاتكة بنت مرة، فإنها أم هاشم بن عبد مناف..
ولا يمكن الأخذ بظاهر كلامهم هذا إلا بتقدير: أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد رأى في تصرفات بني سُليم غشاً يوجب الإقصاء والحذر، فإن هذا هو مقتضى الحزم.
كما أنه لا بد من ملاحظة: أن هذا الإقصاء لم يتخذ أسلوب التنفير، المؤسس للكره، وللعقدة، بل كان إقصاءً يدعوهم إلى مراجعة حساباتهم، ويزيد من رغبتهم في إصلاح أمرهم معه "صلى الله عليه وآله". حتى إنهم لينفرون إليه حين يستنفر العرب، وهم مصممون على أن يزيلوا هذه الصبغة عن أنفسهم، بأفعالهم قبل أقوالهم..
وقد أفسح لهم النبي "صلى الله عليه وآله" المجال للوفاء بتعهداتهم، حيث جعلهم مقدمة له.. كما صرحت به الرواية.
وقد أظهروا بعضاً من الأدب مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين طووا ألويتهم، وطلبوا منه "صلى الله عليه وآله" أن يعقدها لهم، وأن يضعها حيث يشاء..
فجعل عليهم عيينة بن حصن كما تقدم..
نخوة الجاهلية:
ولكن نخوة الجاهلية قد تحركت لدى عيينة والعباس بن مرداس حيث افتخر عيينة ببني سُليم الذين فاز عيينة بتأمير رسول الله "صلى الله عليه وآله" له عليهم، فلم يرق ذلك لعباس بن مرداس، فافتخر بقومه، وفضَّلهم على بني سليم..
فقال له عيينة: كذبت ولؤمت.
إلى أن تقول الرواية: فأومأ لهما النبي"صلى الله عليه وآله" حتى سكتا..
فهذا الحدث يدل على أن هؤلاء الناس رغم أنهم قادة ورؤساء في قومهم، لم يكونوا يملكون الشيء الكثير من أدب الخطاب، أو من تقدير الأمور، فهم لم يراعوا الأدب في محضر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى بلغ الأمر بهم إلى التفوه بالشتائم.. دون أي مبرر معقول أو مقبول لكل ما جرى.
فلم يكن هناك مبرر لتفضيل عباس بن مرداس قومه على بني سليم، ، فإن عيينة وإن كان قد مدح قومه، ولكنه لم يفضلهم على أحد..
كما أنه لم يكن يجوز لعيينة أن يشتم عباساً بحضرة رسول الله، تأدباً مع الرسول "صلى الله عليه وآله"، وتسليماً لأمره..
ولعل هذه الهفوات الصادرة من كلا الرجلين، كانت كافية لأمرهما بالسكوت، دون توجيه اللوم إلى أحد بعينه، فإن الخطأ قد صدر منهما معاً، وعليهما معاً أن يراجعا حساباتهما، ليجدا أنهما على غير سبيل هدى.
بِيض النساء وأُدُم الإبل في بني مدلج:
وروى محمد بن عمر، عن يزيد بن أسلم، وأبي الحويرث: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما انتهى إلى قديد، قيل له: يا رسول الله، هل لك في بيض النساء، وأدم الإبل، بني مدلج؟!
فقال "صلى الله عليه وآله": "إن الله عز وجل حرَّمهن علي بصلة الرحم".
وفي لفظ: "ببر الوالد، ووكزهم في لبات الإبل"([225]).
ونقول:
إن هذا الذي أشار إليه النص آنفاً، لهو أمر في غاية الأهمية فيما يرتبط بسياسة الإسلام ومفاهيمه، فقد عُرِضَ عليه "صلى الله عليه وآله" أن يهاجم بني مدلج، تحت وطأة إغراء قوي في اتجاهين:
أحدهما: إغراء الجنس، ففي بني مدلج بيض النساء.
والآخر: إغراء المال، لأن لدى بني مدلج أُدُم الإبل.
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" رفض ذلك، ولم يكن رفضاً مبهماً، ومن دون توضيح، بل هو رفض معلل، يعطي قاعدة هامة فيما يرتبط بسياسة الإسلام تجاه الآخرين.
حيث قرر أن التشريع الإسلامي لا يبيح مهاجمة الآخرين بصورة عشوائية، وبلا ضابطة. بل ذلك له منطلقات وضوابط أحكامية لا تجوز مخالفتها، ومن يفعل ذلك يعرض نفسه للعقوبة الإلهية.
وهذه القاعدة هي: أن لأعمال العباد تأثيراً في اتخاذ أي موقف منهم.. فلا تجوز مهاجمة بني مدلج، حتى لو كانوا على الشرك، وفي حالة عداء للمسلمين، لأن فيهم خصالاً تمنع من ذلك، ذكرت الروايات منها:
أولاً: أنهم يصلون رحمهم ويبرون آباءهم..
الثاني: أنهم لا يقتلون الإبل كيفما اتفق، من أجل الاستفادة من لحمها، وإنما ينحرونها بالطريقة الصحيحة، وفق أحكام الشرائع التي بلغتهم، أي بالوكز في لباتها..
وبعدما تقدم نقول:
1 ـ إنك تجد لمحة من الرقة، والرفق، والرحمة، والشعور الإنساني ظاهرة في كلا هذين الأمرين.. وقد جاء الحكم الناشئ عن ذلك بعدم جواز مهاجمة هذا النوع من الناس منسجماً مع خصوصية الرحمة والرقة والرفق.. ومع ضرورة حفظ الإنسانية، وتنميتها، وإفساح المجال لها لتؤثر في مسار الحياة..
2 ـ ونحن في غنى عن التذكير: بأن للعمل الصالح والملائم لمرتكزات الخلق والتكوين آثاراً وضعية، وأخرى أحكامية في هذه الدنيا كما أظهرته هذه القضية نفسها، بل ربما تؤسس هذه الأعمال لحدوث تغيرات جذرية في حالات النفس، وفي إدراكاتها، وتعطيها جرعة من الواقعية، تتمكن من خلالها من بلوغ الحق، ومن الانصياع والبخوع له، الأمر الذي لا يتوفر للنفوس الأخرى، التي عزفت عن السير في هذا الاتجاه، ولم تتقبل هذه التوفيقات، وانتهى الأمر بها إلى أن تسير في طريق الجحود والإنكار، عن سابق علم وتصميم وإصرار.
3 ـ وفي سياق آخر: لا بد لنا من التوقف قليلاً عند هذا التوجيه التربوي النبوي لأهل الإيمان، الهادف إلى دفعهم نحو الالتزام بمبدأ الرحمة والرقة والرأفة، وصلة الرحم، والبر بالوالدين، والالتزام بأحكام الشرائع، ليكون ذلك أساساً أخلاقياً وعملياً لنظرتهم للآخر، وللتعامل معه..
4 ـ يضاف إلى ذلك: أن من الطبيعي أن تنتاب أولئك الذين عرضوا على النبي "صلى الله عليه وآله" الفوز ببيض النساء، وأدم الإبل، صحوة تجعلهم يقارنون بين ما عرضوه عليه "صلى الله عليه وآله"، وبين ما أجابهم به، لكي يكتشفوا ما يصح أن يكون معياراً للحرب والسلم، والإقدام، والإحجام تجاه الذين يدينون بغير دين الإسلام، ويضعون أنفسهم في مواضع المناوئ له..
5 ـ وقد أظهرت هذه الحادثة: أن ثمة أموراً يحسبها الإنسان ثانوية، وغير ذات قيمة، في حين أنها قد تصبح الأساس الذي يرتكز عليه أخطر قرار، وأهم موقف يرتبط بالمصير، وبالحياة كلها..
وقد تجلى ذلك في التزام بني مدلج الوكز في لبات الإبل، وفقاً لما قررته الشرائع في كيفية نحرها.
الرفق بالحيوان.. مسؤولية شرعية:
ولما سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن العرج ـ وكان فيما بين العرج والطلوب ـ نظر إلى كلبة تهر عن أولادها، وهن حولها يرضعنها، فأمر جميل (والصحيح: جعيل)([226]) بن سراقة: أن يقوم حذاءها، لا يعرض لها أحد من الجيش، ولا لأولادها([227]).
ونقول:
قد تحدثنا في جزء سابق من هذا الكتاب عن بعض ما يتصل بموضوع الرفق بالحيوان، وصدر لنا كتاب بعنوان: "حقوق الحيوان في الإسلام" ويمكننا أن نكتفي بما ذكرناه هناك عن إعادة الكلام عن ذلك هنا..
غير أننا نود أن نذكر القارئ الكريم بما يلي:
1 ـ إن علينا أن نرصد مشاعر هذا الجيش العرمرم، الذي اختلطت فيه الفئات، والثقافات، والقبائل. وفيهم الحاضر والبادي، والجاهل والعالم، والكبير والصغير، والغني والفقير، والرئيس والمرؤوس و.. و.. الخ.. وقد عاش هؤلاء ولا يزال كثير منهم يعيش حياة جاهلية بكل مفاهيمها، وحالاتها، وعاداتها، وبكل ما فيها من مآسٍ، وكوارث، وقد تربوا على استحلال السلب والنهب، والغارة، وقتل الرجال، وسحق الضعفاء من الرجال، والنساء، والأطفال.
وها هم، وهم الجناة الجفاة القساة، يواجهون قراراً حاسماً وحازماً لا بالتجاوز وإطلاق سراح البشر، بل بمراعاة حال البهائم، وحراستها من أن ينالها أي سوء أو أذى، أو حتى مجرد تكدير لصفاء أجوائها.
2 ـ إن هذا الذي جرى لا بد من أن يفهمهم أيضاً: أن ثمة أموراً يحسبها الإنسان صغيرة في حين أنها قد تكون على درجة كبيرة من الأهمية والخطورة..
3 ـ إن هذا الذي يرونه يتجاوز موضوع الرحمة، والرفق بالحيوان، ليكون دليلاً على ثبوت حق، وأن ثمة مسؤولية تجاه هذه المخلوقات.. وفقاً للحديث الشريف الذي يقول: "إنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم"([228]).
4 ـ إن على هؤلاء الناس الذين رأوا هذا الموقف أن يعودوا إلى أنفسهم، ليقارنوا بين قسوتهم على البشر، حتى الضعفاء، وبين الرحمة والرقة والمسؤولية التي أظهرها رسول الله "صلى الله عليه وآله" على الحيوان، لتكون الرحمة هي الأساس الذي لا بد من أن يبنوا عليه علاقاتهم بالحيوان..
وإذا كانت علاقاتهم بالحيوان لا بد من أن تصل إلى هذا الحد، فما بالك بعلاقاتهم ببني الإنسان.
5 ـ لقد كان بإمكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يوقف الجيش، ثم يطلب إقصاء تلك الكلبة عن ذلك المكان، ليمر الجيش وتكون هي وأولادها منه في مأمن وسلام..
ولكنه لم يفعل ذلك، لأن الذين سوف يعرفون سبب إيقاف الجيش، ويعاينون مبرراته عن قرب سيكونون قلة قليلة من الناس، وهو يريد إشاعة هذه السياسة، وتعريف أكبر قدر ممكن من الناس بها، فكان أن وضع لها حارساً يرشد الجيش إلى لزوم الابتعاد عنها، ولو باختيار مسار آخر.. ربما لأن إبعادها عن الطريق ليس بأولى من الابتعاد عن طريقها، وكلا الأمرين يرجعان إلى اختيار السالكين، ولا تكون حقوقها مرهونة بإرادات الناس، بل لا بد لإراداتهم من أن تنطلق وتتبلور على أساس المفروغية عن ثبوت تلك الحقوق ومراعاتها..
6 ـ لا بد لذلك الجيش من أن يدرك أن انشغال القائد بالقضايا الكبرى لا يبرر له تضييع ما عداها، ما لم يضر الاهتمام بها بالقضية الكبرى، إذ إن الأمر الصغير كبير في حد ذاته وفي موقعه، ولا يغني عنه سواه، ولا يصح التخلي عنه إلا إذا تصادم مع ما هو أكبر وأخطر، بحيث يشكل خطورة عليه، كما هو ظاهر.
صيام النبي ' في السفر:
وروي بسند صحيح عن أبي هريرة قال: "رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالعرج يصب الماء على رأسه من الحر وهو صائم"([229]).
وعن جابر، عن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" خرج من المدينة في غزوة الفتح في شهر رمضان يصوم ويصومون، حتى بلغ الكديد([230])، بين عسفان وقديد([231]).
(وفي رواية: بين عسفان وأمج([232]). وفي حديث جابر: كراع الغميم([233]))، بلغه أن الناس شق عليهم الصيام، وقيل له: إنما ينظرون فيما فعلت.
فلما استوى على راحلته بعد العصر دعا بإناء من لبن، أو ماء، وجزم جابر بأنه ماء، وكذا ابن عباس([234]).
وفي رواية: فوضعه على راحلته ليراه الناس، فشرب فأفطر، فناوله رجلاً إلى جنبه، فشرب فقيل له بعد ذلك: إن بعض الناس صام، فقال: "أولئك العصاة ، أولئك العصاة"، فلم يزل مفطراً حتى انسلخ الشهر([235]).
وعن أبي سعيد الخدرى قال: سافرنا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ونحن صيام، فنزلنا منزلاً، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم".
وكانت رخصة، فمنا من صام، ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلاً آخر، فقال: "إنكم مصبحو عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا".
فكانت عزيمة، فأفطرنا([236]).
أين أفطر رسول الله '؟!:
وقد اختلفوا في الموضع الذي أفطر فيه رسول الله "صلى الله عليه وآله" هل هو قديد؟ أو كديد؟ أو كراع الغميم؟ أو عسفان؟([237]).
قال الصالحي الشامي وغيره: "يجوز أن يكون قد وقع منه "صلى الله عليه وآله" الفعل في المواضع الأربعة، والفطر في موضع منها، لكن لم يره جميع الناس فيه لكثرتهم، وكرره ليتساوى الناس في رؤية الفعل الخ.."([238]).
وقال الحلبي: "لا منافاة لتقارب الأمكنة"([239]).
ونقول:
إن تقارب الأمكنة لا يجدي شيئاً، فإنه إذا كان الفعل قد وقع منه "صلى الله عليه وآله" في كراع الغميم، فلماذا عدل الناقل عنها إلى عسفان، أو قديد، أو كديد؟
وإذا كان قد حصل ذلك في عسفان، فلماذا يذكر الراوي كراع الغميم، أو قديداً؟!
وأما ما ذكروه من احتمال تكرر الفعل منه "صلى الله عليه وآله" ليراه الناس، فيحتاج إلى شاهد وقرينة تدل على هذا التعدد.
على أن ظاهر الروايات هو: أنها تتحدث عن فعل واحد صدر منه "صلى الله عليه وآله" بما له من خصوصيات وتفاصيل ..
حديث الصيام باطل من أصله:
ونظن أننا لن نفاجىء القارىء الكريم إذا قلنا: إن هذا الذي ذكروه عن أمر الصيام والإفطار باطل من أساسه، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إن المسافة التي توجب القصر في مدرسة أهل البيت "عليهم السلام" هي ثمانية فراسخ إمتدادية، أو ملفقة من الذهاب والإياب.
والفرسخ: ثلاثة أميال.
والمسافة بين المدينة والأماكن التي يُدَّعى أنه "صلى الله عليه وآله" قد أفطر فيها، هي أضعاف المقدار الذي يجب فيه القصر، وفق ما عليه أهل البيت "عليهم السلام"، وأهل البيت أدرى بما فيه، وهم سفينة النجاة، والثقل الذي أمر الله تعالى بالتمسك به مع القرآن..
2 ـ والمسافة الموجبة للقصر عند أهل السنة: المالكية، والحنابلة، والشوافع، هي: مسيرة يوم وليلة، وقدروها بستة عشر فرسخاً، التي هي حوالي اثنين وثمانين كيلو متراً أي ثمانية وأربعون ميلاً.
وعند الحنفية هي: مسيرة ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة بدأً من الصباح إلى الزوال فقط.
وقدرها بعضهم: بأربعة وعشرين فرسخاً([240]).
والمسافة بين المدينة والمواضع التي زعموا أن النبي "صلى الله عليه وآله" أفطر فيها : هي أضعاف هذه المسافة..
3 ـ تقدم أن الحلبي يقول: إن هذه المواضع المذكورة في الروايات متقاربة بحيث يصح ذكر بعضها مكان بعض.
وقد قلنا: إن ذلك لا يصح، إذ لا نجد مبرراً لترك اسم الموضع الأصلي، وذكر اسم الموضع المجاور له.
ولكننا نقول:
إن عسفان تبعد عن مكة ستة وثلاثين ميلاً فقط([241]).. فهي على مسافة يومين من مكة([242]).
وكديد: تبعد عن مكة اثنين وأربعين ميلاً([243]).
وكراع الغميم: أمام عسفان بثمانية أميال([244]).
وقد صرح أبو هريرة: بأنه "صلى الله عليه وآله" كان بالعرج لا يزال صائماً، وهي تبعد عن المدينة ثمانية وسبعين ميلاً([245]).
وقديد: موضع قرب مكة([246])، وبينها وبين ضجنان يوم([247]).
وضجنان: على بعد خمسة وعشرين ميلاً من مكة([248]).
وقيل: على بعد بريد منها([249]).
وهذا معناه: أن ثمة مسافات طويلة فيما بين هذه الأمكنة، قد تصل إلى عشرة أو خمسة عشر كيلومتراً..
علماً بأن هذه الأماكن التي تتحدث الروايات عنها تبعد عن المدينة مئات الكيلومترات، كما يظهر من ملاحظة ما ذكرناه..
أي أن عسفان تبعد عن المدينة حوالي ثماني مراحل. أي بما يزيد عن ثلاث مائة كيلومتر، وكذلك الحال بالنسبة لكديد، فضلاً عن كراع الغميم، وقديد.
فإذا لاحظنا النصوص في المصادر المختلفة، فسنجد: أن القادم من المدينة إلى مكة يمر بالعرج، ثم بالجحفة، ثم بكديد، ثم بعسفان.
والجحفة أقرب إلى مكة منها إلى المدينة، فإنها تبعد عن مكة أربع مراحل ونصفاً([250])، وتبعد عن المدينة خمس مراحل وثلثي مرحلة([251]).
والمرحلة هي في الحقيقة: مسيرة يوم([252]).
وبعد عسفان تأتي كراع الغميم، ثم أمج.. وتأتي أخيراً قديداً، وضجبان.
وذلك كله يوضح لنا: أن كديداً وعسفان، وكراع الغميم، وقديد، تبعد عن المدينة أضعاف المسافة التي توجب الإفطار وقصر الصلاة، وذلك ظاهر لا يخفى.
والأخذ بهذه الروايات يقتضي طرح جميع الروايات الأخرى التي اعتمد عليها فقهاء المذاهب الأربعة فيما يرتبط بتقدير المسافة التي توجب الفطر والقصر، فضلاً عن مخالفتها لما يقوله أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..
حديث شق عليهم الصوم:
وعن الحديث الذي يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" إنما أفطر حين بلغه أن الصوم شق على الناس، نقول:
إننا نضيف إلى ما قدمناه ما يلي:
أولاً: إن فطره "صلى الله عليه وآله" لأجل التخفيف على الناس غير مقبول؛ لأن الصوم إن كان مفروضاً وواجباً، فلا يصح إفطار من لا يشق عليه الصوم لإغراء من شق عليه بالإفطار.
بل الواجب هو: إرشادهم إلى أن من بلغ مقدار المشقة عليه حداً يقتضي الإفطار، فعليه أن يفطر، ومن لم تبلغ به المشقة هذا الحد، لم يجز له الإفطار..
وإن كان الصوم ليس واجباً عليهم، فلا معنى لإناطة الإفطار بالمشقة..
والمفروض: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن الصوم شاقاً عليه، فكيف جاز له أن يفطر؟!
ثانياً: إن حديث مشقة الصوم لا ينسجم مع الحديث الآخر، الذي تحدث عن الرخصة تارة، والعزيمة أخرى.. لأن هذا الحديث يدل على أن السبب في أمره "صلى الله عليه وآله" لهم بالإفطار هو: أنه يريد أن يجد فيهم المزيد من القوة في مواجهة عدوهم.
إلا أن يقال: إن هذه الرواية لم تصرح بأن ذلك كان في غزوة الفتح.
وليس فيها أيضاً: أن صيامهم كان في شهر رمضان..
فلعلها قصة أخرى، غير هذه..
لا سيما وأنه لم تكن هناك حرب حقيقية في غزوة الفتح.
ثالثاً: إن اعتبار الذين صاموا عصاةً، يتوقف على أن يكون الصوم واجباً عليهم، فوجوب الإفطار يدور بين احتمالات:
الأول: أن تكون المسافة التي قطعت من موجبات الإفطار.
وقد تقدم بطلان هذا الاحتمال.
الثاني: أن يكون الصوم واجباً، لكن المشقة هي التي حتمت إفطارهم.
الثالث: أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد حتَّم عليهم الإفطار من موقع كونه أولى بهم من أنفسهم، لكي تظهر قوتهم للأعداء، التي هي بنظره أهم من مصلحة الصوم. فهم قد خالفوا أمره الولائي، ولم يخالفوا أمر الله تعالى لهم في صيام شهر رمضان المبارك.
الرابع: أن يكون وجوب الصوم قد كان بنذر ونحوه، وقد حل النبي "صلى الله عليه وآله" نذرهم، من حيث إنه أولى بهم من أنفسهم..
وكل هذا بعيد.. والإعتماد على احتمالات كهذه غير سديد ولا رشيد.
الفصل السابع:
هجرة العباس.. وإسلام ابن الحارث وابن أبي سلمة
إسلام العباس وهجرته:
وقدم العباس على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعياله مسلماً مهاجراً.
قال ابن هشام: لقيه بالجحفة([253]).
وقيل: بذي الحليفة، وأرسل أهله وثقله إلى المدينة، ورجع مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى مكة([254]).
وعند الواقدي: لقيه بالسقيا هو ومخرمة بن نوفل، فدخل العباس، فلم يخرج حتى رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله". وكان ينزل معه في كل منزل حتى دخل مكة([255]).
قال البلاذري: وقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" : "هجرتك يا عم آخر هجرة، كما أن نبوتي آخر نبوة"([256]).
ولكننا نجد في مقابل ذلك من يقول عن العباس: "الصحيح: أنه منذ يوم بدر كان بالمدينة"([257]).
وقالوا: إن العباس خرج يتلقى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومعه أبو سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية، وقد تلقاه بثنية العقاب، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" في قبته، وعلى حرسه زياد بن أسيد، فاستقبلهم زياد، فقال: أما أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبة، وأما أنتما فارجعا.
فمضى العباس حتى دخل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فسلم عليه، وقال: بأبي أنت وأمي، هذا ابن عمك قد جاء تائباً، وابن عمتك.
قال: لا حاجة لي فيهما، إن ابن عمي انتهك عرضي، وأما ابن عمتي فهو الذي يقول بمكة: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً}([258]).
فلما خرج العباس كلمته أم سلمة، وقالت: بأبي أنت وأمي، ابن عمك قد جاء تائباً، لا يكون أشقى الناس بك، وأخي إبن عمتك وصهرك، فلا يكونن شقياً بك.
ونادى أبو سفيان بن الحارث النبي "صلى الله عليه وآله": كن لنا كما قال العبد الصالح: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ} فدعاه وقبل منه، ودعا عبد الله بن أبي أمية، فقبل منه([259]).
وساطة أم سلمة:
كان أبو سفيان بن الحارث أخا النبي "صلى الله عليه وآله" من الرضاعة، أرضعته حليمة السعدية أياماً، وكان لا يفارق النبي "صلى الله عليه وآله" قبل النبوة. وكان له ترباً.
وكان عبد الله بن أبي أمية أخاً لأم سلمة، وهو ابن عاتكة بنت عبد المطلب عمة رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وكان هذان الرجلان من أكبر القائمين عليه، ومن أشد الناس إذاية له "صلى الله عليه وآله". فقدما على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بنبق العقاب، أو بالأبواء، فالتمسا الدخول عليه "صلى الله عليه وآله" فأعرض عنهما.
فكلمته أم سلمة فيهما، وقالت له: لا يكون ابن عمك، وابن عمتك أشقى الناس بك.
فقال "صلى الله عليه وآله": "لا حاجة لي بهما.
أما ابن عمي، فهتك عرضي.
وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال".
(أي أنه كان قد قال له: إنه لا يؤمن به إلا إذا عرج بسلم إلى السماء، وهو ينظر إليه، ثم يأتيه بصك، وأربعة من الملائكة يشهدون له: أن الله أرسله([260])).
فلما خرج الخبر، قال أبو سفيان: ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت جوعاً وعطشاً.
فلما بلغ ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" رق لهما، ثم أذن لهما، فدخلا عليه، وأسلما([261]).
وقيل: إن علياً "عليه السلام" قال لأبي سفيان: ائت رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قبل وجهه، فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف: {..تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}؛ فإنه "صلى الله عليه وآله" لا يرضى بأن يكون أحد أحسن قولاً منه، ففعل، فقال "صلى الله عليه وآله": {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}([262]).
وكان أبو سفيان قد عادى النبي "صلى الله عليه وآله" نحو عشرين سنة، يهجوه، ولم يتخلف عن قتاله([263]).
وقال الواقدي: فلما خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى فتح مكة استقبل عبد الله بن أبي أمية، فسلم على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلم يرد عليه السلام، فأعرض عنه ولم يجبه بشيء.
وكانت أخته أم سلمة مع رسول الله صلى الله عليه وآله، فدخل إليها فقال: يا أختي! إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد قبل إسلام الناس كلهم ورد إسلامي، فليس يقبلني كما قبل غيري.
فلما دخل رسول الله صلى "صلى الله عليه وآله" على أم سلمة قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! سعد بك جميع الناس إلا أخي من بين قريش والعرب، رددت إسلامه، وقبلت إسلام الناس كلهم.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يا أم سلمة، إن أخاك كذَّبني تكذيباً لم يكذبني أحد من الناس، هو الذي قال لي: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً} إلى قوله: {كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ}([264]).
قالت أم سلمة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ألم تقل: إن الإسلام يجب ما كان قبله؟
قال: نعم.
فقبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إسلامه ([265]).
ولم يزل أبو سفيان عشرين سنة عدواً لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، يهجو المسلمين ويهجونه، ولا يتخلف عن موضع تسير فيه قريش لقتال رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم إن الله ألقى في قلبه الإسلام.
قال أبو سفيان: فقلت من أصحب؟! ومع من أكون؟! قد ضرب الإسلام بجرانه، فجئت زوجتي وولدي فقلت: تهيأوا للخروج، فقد أظل قدوم محمد.
قالوا: قد آن لك أن تبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمداً، وأنت موضع في عداوته، وكنت أولى الناس بنصره.
فقلت لغلامي مذكور: عجل بأبعرة وفرس.
قال: ثم سرنا حتى نزلنا الأبواء، وقد نزلت مقدمة رسول الله "صلى الله عليه وآله" الأبواء، فتنكرت، وخفت أن أقتل.
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد نذر دمي، فخرجت على قدمي نحواً من ميل وأقبل الناس رسلاً رسلاً، فتنحيت فرقاً من أصحابه، فلما طلع في موكبه تصديت له تلقاء وجهه، فلما ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى.
فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى، فأعرض عني مراراً، فأخذني ما قرب وما بعد، وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه.
وأتذكر بره ورحمه فيمسك ذلك مني. وقد كنت لا أشك أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحاً شديداً لقرابتي منه.
فلما رأى المسلمون إعراض رسول الله "صلى الله عليه وآله" عني أعرضوا عني جميعاً، فلقيني ابن أبي قحافة معرضاً عني.
ونظرت إلى عمر يغري بي رجلاً من الأنصار، فقال لي: يا عدو الله، أنت الذي كنت تؤذي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وتؤذي أصحابه، قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته.
فرددت بعض الرد عن نفسي، واستطال علي ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحرجة من الناس يسرون بما يفعل بي.
قال: فدخلت على عمي العباس، فقلت: يا عم، قد كنت أرجو أن يفرح رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإسلامي لقرابتي وشرفي، وقد كان منه ما رأيت، فكلمه فيَّ ليرضى عني.
قال: لا والله، لا أكلمه كلمةً أبداً بعد الذي رأيت منه.
فقلت: يا عمِّي إلى من تكلني؟
قال: هو ذاك.
قال: فلقيت علياً رحمة الله عليه، فكلمته، فقال لي مثل ذلك.
قال أبو سفيان: فخرجت، فجلست على باب منزل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى خرج إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين. وجعلت لا ينزل منزلاً إلا أنا على بابه، ومعي ابني جعفر قائم، فلا يراني إلا أعرض عني.
فخرجت على هذه الحال حتى شهدت معه فتح مكة، وأنا في خيله التي تلازمه حتى هبط من أذاخر، حتى نزل الأبطح، فدنوت من باب قبته فنظر إلي نظراً هو ألين من ذلك النظر الأول، قد رجوت أن يبتسم، ودخل عليه نساء بني عبد المطلب، ودخلت معهن زوجتي فرقَّقته عليّ.
وخرج إلى المسجد وأنا بين يديه لا أفارقه على حال، حتى خرج إلى هوازن، فخرجت معه وقد جمعت العرب جمعاً لم تجمع مثله قط.
وخرجوا بالنساء والذرية والماشية، فلما لقيتهم قلت: اليوم يرى أثري إن شاء الله. فلما لقيناهم حملوا الحملة التي ذكر الله: {ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}([266]).
وثبت رسول الله "صلى الله عليه وآله" على بغلته الشهباء، وجرد سيفه.
فاقتحمت عن فرسي وبيدي السيف صلتاً، قد كسرت جفنه، والله يعلم أني أريد الموت دونه، وهو ينظر إلي، فأخذ العباس بن عبد المطلب بلجام البغلة، فأخذت بالجانب الآخر، فقال: من هذا؟
فقال العباس: أخوك وابن عمك أبو سفيان بن الحارث! فارض عنه، أي رسول الله!
قال: قد فعلت، فغفر الله كلَّ عداوة عادانيها!
فأُقَبِّلُ رجله في الركاب، ثم التفت إلي، فقال: أخي لعمري! ثم أمر العباس، فقال: ناد يا أصحاب سورة البقرة! يا أصحاب السمرة يوم الحديبية! يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج!
فأجابوا: لبيك داعي الله!
وكروا كرة رجل واحد، قد حطموا الجفون، وشرَّعوا الرماح، وخفضوا عوالي الأسنة، وأرقلوا إرقال الفحول، فرأيتني وإني لأخاف على رسول الله "صلى الله عليه وآله" شروع رماحهم حتى أحدقوا برسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله": تقدم فضارب القوم.
فحملت حملة أزلتهم عن موضعهم، وتبعني رسول الله "صلى الله عليه وآله" قدماً في نحور القوم، ما يألو ما تقدم، فما قامت لهم قائمة حتى طردتهم قدر فرسخ، وتفرقوا في كل وجه.
وبعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفراً من أصحابه على الطلب، فبعث خالد بن الوليد على وجهٍ، وبعث عمرو بن العاص في وجه، وبعث أبا عامر الأشعري إلى عسكر بأوطاس، فقُتل، وقُتل أبو موسى قاتله([267]).
ونقول:
إن لنا وقفات عديدة مع هذه النصوص كلها، ونجمل ذلك على النحو التالي:
هجرة العباس آخر هجرة:
وقد صرحت الروايات المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال للعباس: "هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوتي آخر نبوة"([268]).
ونقول:
إننا نسجل هنا الملاحظات التالية:
ألف: لماذا اعتبر "صلى الله عليه وآله" هجرة العباس آخر هجرة، ولم يعتبر هجرة عبد الله بن أبي أمية آخر هجرة؟!
أو لماذا لا يعتبر هجرة أبي سفيان بن الحارث آخر هجرة؟!
بل لقد كان الأولى اعتبار هجرة هؤلاء جميعاً آخر هجرة..
وقد يقال في الجواب عن ذلك: إن العباس كان في مكة مسلماً، ولم يهاجر إلا حين الفتح، أما هؤلاء فقد كانوا على الكفر، وإنما جاؤوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في هذا الوقت لكي يسلموا، وكان بعضهم قد أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمه. وإنما يصح إطلاق كلمة المهاجر على من أسلم وآمن، ثم هاجر.. لا على من لم يسلم أصلاً، ولكنه يَعِدُ بأن يسلم حين يلقى النبي "صلى الله عليه وآله"..
غير أن صحة هذا الجواب تتوقف على ثبوت إسلام العباس قبل يوم الفتح، ودون ذلك خرط القتاد، لا سيما مع ما سيأتي من وجود رواية صحيحة مصرحة بكونه من الطلقاء.
ب: إننا لم نعرف ماذا كان مصير مخرمة بن نوفل، فإنه لم يدخل على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإن كان قد أسلم فلماذا لم يذكروا لنا ذلك؟!
وإن كان لم يسلم، فهل تركوه؟ أم أسروه؟!
ج: إن حديث هجرة العباس في هذا الوقت موضع شك:
أولاً: لما تقدم من أن ثمة من يقول عن العباس: "الصحيح: أنه منذ يوم بدر كان في المدينة". وإن كانت النصوص والوقائع لا تساعد على قبول هذا القول..
ثانياً: قد عرفت الخلاف في المكان الذي التقى فيه العباس بالنبي "صلى الله عليه وآله"، فهل لقيه بالسقيا وهي تبعد عن المدينة أربعة أيام؟!
أم لقيه بالجحفة، وهي تبعد عن مكة أربع مراحل ونصف مرحلة، كما تقدم؟!
أم لقيه في ثنية العقاب؟!
أم في الجحفة؟!
أم في ذي الحليفة؟!
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى..
ثالثاً: إن كلام المعتزلي يشير إلى أن آخر من هاجر هو نعيم بن مسعود، وليس العباس.
فقد ذكر: أن العباس شفع في نعيم بن مسعود: أن يستثنيه النبي "صلى الله عليه وآله" من قوله: "لا هجرة بعد الفتح"، فاستثناه، فراجع([269]).
رابعاً: ما معنى مقارنة هجرة العباس بالنبوة الخاتمة؟! فإن للنبوة الخاتمة فضلها على سائر النبوات، ولم يكن لهجرة العباس أي فضل على غيرها من الهجرات، بل كانت تلك الهجرات أفضل عند الله تعالى، ولا سيما هجرة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهجرة أمير المؤمنين "عليه السلام". وقد كان "عليه السلام" يذكر سبقه إلى الهجرة في جملة فضائله وكراماته التي منَّ الله تعالى عليه بها([270]).
خامساً: إنهم يقولون: إن العباس خرج يتلقى النبي "صلى الله عليه وآله"، ومعه عبد الله بن أبي أمية، وأبو سفيان، وقد تلقاه بثنية العقاب حسبما تقدم.
وهذا معناه: أنه لم يخرج مهاجراً، وإنما خرج متلقياً.. وإن كان لنا كلام حتى بالنسبة لهذا المقدار أيضاً، ونظن أنه قد خرج يتنسم الأخبار ففوجئ بجيوش الإسلام فاستسلم كما سنرى.
سادساً: روي عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن سدير، قال:
"كنا عند أبي جعفر "عليه السلام"، فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيهم "صلى الله عليه وآله"، واستذلالهم أمير المؤمنين "عليه السلام"، فقال رجل من القوم: أصلحك الله، فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟!
فقال أبو جعفر "عليه السلام": ومن كان بقي من بني هاشم؟ إنما كان جعفر وحمزة فمضيا، وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان، حديثا عهد بالإسلام: عباس، وعقيل. وكانا من الطلقاء.
أما والله، لو أن حمزة وجعفراً كانا بحضرتهما، ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما"([271]).
وقد وصف السيد الخوئي "رحمه الله" سند هذه الرواية بالصحة([272]).
ووصفه العلامة المجلسي بالحسن، ولكنه فسر كلمة: "كانا من الطلقاء" ـ تبعاً للمازندراني ـ بقوله: أي أطلقهما النبي "صلى الله عليه وآله" في غزاة بدر، بعد أسرهما، وأخذ الفداء منهما([273]).
وهذا الكلام خلاف الظاهر: فإن كلمة "الطلقاء" اصطلاح خاص، منتزع من كلمة رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة يوم الفتح: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". وهو مؤيد بشواهد أخرى تدل على أن العباس لم يهاجر.
فإن إسلام العباس وعقيل في بدر فلا مجال لإثباته، فيبقى في دائرة الظنون والحدسيات، فراجع ما ذكرناه في غزوة بدر وغيرها.
الهجرة لم تنقطع:
قد ذكرت الروايات: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: لا هجرة بعد الفتح.
وذكروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" استثنى نعيم بن مسعود من هذا الإطلاق.
ولكن ذلك غير صحيح: فإن الهجرة باقية إلى يوم القيامة، كما نص عليه أمير المؤمنين "عليه السلام"، فقد روي أنه قال في خطبة له:
"والهجرة قائمة على حدها الأول. ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسرِّ الأمة ومعلنها، لا يقع اسم الهجرة على أحد إلا بمعرفة الحجة في الأرض، فمن عرفها وأقر بها فهو مهاجر
ولا يقع اسم الإستضعاف على من بلغته الحجة، فسمعتها أذنه، ووعاها قلبه، إن أمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا تعي حديثنا إلا صدور أمينة، وأحلام رزينة.."([274]).
فهذا النص يدل على أنه "عليه السلام" يريد أن ينفي ما يزعمونه من انتفاء الهجرة، وهو الزعم الذي أيدوه بما نسبوه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": لا هجرة بعد الفتح.
وقد قرر "عليه السلام": أن الهجرة باقية لم تنقطع..
وأما ما ذكره أمير المؤمنين "عليه السلام" لمعاوية: من أن الهجرة قد انقطعت يوم أسر أخوه، فيمكن أن يكون "عليه السلام" قد أورده وفق مزاعم معاوية وأضرابه، من أن الهجرة قد انقطعت بفتح مكة.
هذا، وقد وقع الملتزمون بأنه لا هجرة بعد الفتح في حيص بيص في توجيه كلام علي "عليه السلام" هذا. ويظهر ذلك جلياً مما نقله العلامة المجلسي عن ابن الأثير وابن أبي الحديد المعتزلي وغيرهما، فقد قال في شرحه للكلام السابق ما ملخصه:
أصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام.
وقال في النهاية فيه: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية.
وفي حديث آخر: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة.
والهجرة هجرتان:
إحداهما: التي وعد الله عليها الجنة في قوله: {إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ}([275])، فكان الرجل يأتي النبي "صلى الله عليه وآله" ويدع أهله وماله لا يرجع في شيء منه، وينقطع بنفسه إلى مهاجره.
وكان النبي "صلى الله عليه وآله" يكره أن يموت الرجل بالأرض التي هاجر منها، فمن ثم قال: "لكن البائس سعد بن خولة"، يرثي له أن مات بمكة.
وقال حين قدم مكة: "اللهم لا تجعل منايانا بها"، فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة، وانقطعت الهجرة.
والهجرة الثانية: من هاجر من الأعراب وغزا مع المسلمين، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الأولى، فهو مهاجر. وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة، وهو المراد بقوله: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة".
فهذا وجه الجمع بين الحديثين.
وإذا أُطلق في الحديث ذكر الهجرتين، فإنما يراد بهما: هجرة الحبشة، وهجرة المدينة، انتهى كلام ابن الأثير.
وقال ابن أبي الحديد: هذا كلام من أسرار الوصية يختص به علي "عليه السلام"، لأن الناس يروون أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: "لا هجرة بعد الفتح"، فشفَّع([276]) عمه العباس في نعيم بن مسعود الأشجعي أن يستثنيه، فاستثناه.
وهذه الهجرة التي أشار إليها أمير المؤمنين "عليه السلام" ليست تلك، بل هي الهجرة إلى الإمام.
وقال بعض الأصحاب: تجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن إظهار شعائر الإسلام مع المكنة. ويستحب للقادر على إظهارها، تحرزاً عن تكثير سواد المشركين.
والمراد بها: الأمور التي تختص بالإسلام، كالأذان والإقامة، وصوم شهر رمضان، وغير ذلك.
وألحق بعضهم ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لا يتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر الإيمان مع الإمكان.
ولو تعذرت الهجرة لمرض أو عدم نفقة أو غير ذلك فلا حرج، لقوله تعالى: {إِلاَّ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً}([277]).
إلى أن قال: "لا يقع اسم الهجرة الخ..". أي يشترط في صدق الهجرة معرفة الإمام والإقرار به.
والمراد بقوله: "فمن عرفها الخ.. "، أنه مهاجر بشرط الخروج إلى الإمام، والسفر إليه، أو المراد بالمعرفة: المعرفة المستندة إلى المشاهدة والعيان.
ويحتمل أن يكون المراد: أن مجرد معرفة الإمام والإقرار بوجوب اتباعه كاف في إطلاق اسم الهجرة، كما هو ظاهر الجزء الأخير من الكلام.
ويدل عليه: بعض أخبارنا، فمعرفة الإمام والإقرار به في زمانه قائم مقام الهجرة المطلوبة في زمان الرسول "صلى الله عليه وآله".
وقال بعض الإصحاب: الهجرة في زمان الغيبة سكنى الأمصار، لأنها تقابل البادية مسكن الأعراب، والأمصار أقرب إلى تحصيل الكمالات من القرى والبوادي، فإن الغالب على أهلها الجفاء والغلظة، والبعد عن العلوم والكمالات، كما روي عن النبي "صلى الله عليه وآله": "أن الجفاء والقسوة في (الفدادين)([278])"([279]).
وقيل: هي الخروج إلى طلب العلوم، فيعم الخروج عن القرى والبوادي، والخروج عن بلد لا يمكن فيه طلب العلم([280]).
وفي جميع الأحوال نقول:
إن هذه التأويلات والتقسيمات تبرعية، ليس لها مبرر سوى أنهم يعتقدون بصحة حديث: لا هجرة بعد الفتح.
ولكن ما ورد في خطبة أمير المؤمنين "عليه السلام" يضع علامة استفهام كبيرة حول صحة هذه الكلمة المنسوبة إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
مع ملاحظة: أن المطلوب كان هو الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإيمان، حفظاً لإيمان الناس، ولا مبرر للطلب من الناس الهجرة من بلاد الإيمان إلى بلاد أخرى حتى لو كانت من بلاد الإيمان أيضاً..
الطلقاء ليسوا من الصحابة:
وقد يقال: إن حديث: لا هجرة بعد الفتح ثابت بدليل: أنه حلف رجل بخراسان بالطلاق إن كان معاوية من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأفتى الفقهاء بطلاقها.
فسئل الرضا "عليه السلام" عن ذلك، فأفتى: أنها لا تطلق.
فكتب الفقهاء رقعة أنفذوها إليه، يسألونه عن ذلك، فوقع في رقعتهم: قلت: هذا من روايتكم، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لمسلمة الفتح، وقد كثروا عليه: أنتم خير، وأصحابي خير، ولا هجرة بعد الفتح([281]).
فأبطل الهجرة ولم يجعل هؤلاء أصحاباً له، فرجعوا إلى قوله([282]).
فحكم الإمام الرضا "عليه السلام" بعدم صحة الطلاق استناداً إلى هذا الحديث، يدل على ثبوته، فلا معنى للتشكيك به أو إنكاره.
غير أننا نقول:
إننا لا نريد أن نتكلم في سند هذا الحديث نقضاً وإبراماً، إذ يكفينا القول: بأن حكم الإمام الرضا "عليه السلام" لا يدل على صحة حديث انقطاع الهجرة بالفتح، لأنه جارٍ على قاعدة: ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.
ويشير إلى ذلك قوله "عليه السلام": "قلت: هذا من روايتكم عن أبي سعيد الخ.."، فإن هذا القول لو كان ثابتاً عنده وعندهم، لكان الأولى أن يقول: "قلت: هذا من الحديث الثابت عن رسول الله".
وأما حكم الإمام "عليه السلام": بأن معاوية ليس من الصحابة، فيتلخص في أن كلام النبي "صلى الله عليه وآله" قد تضمن جعل مسلمة الفتح في مقابل أصحابه، فدل ذلك على أنهم ليسوا منهم، وقد كان معاوية من مسلمة الفتح، فهو إذن ليس من أصحابه "صلى الله عليه وآله".
العباس يتلقى رسول الله ':
وبعد.. فإننا كما نشكك بقوة في ان يكون العباس قد خرج مهاجراً، لوجود الرواية الصحيحة سنداً، والمصرحة بكونه من الطلقاء، بالإضافة إلى قرائن أخرى، فإننا نشك أيضاً: في دقة التعبير الذي ورد في نصوص أخرى، من أنه خرج يتلقى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وسبب شكنا في ذلك هو الأمور التالية:
1 ـ إن العباس لم يكن يعلم بقدوم رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى مكة، بل إن الجيش القادم نفسه لم يكن يعلم بحقيقة مقصد رسول الله "صلى الله عليه وآله". وقد أوضحنا ذلك أكثر من مرة.
2 ـ إن الاختلاف في المكان الذي التقى فيه رسول الله "صلى الله عليه وآله" يؤكد شكنا في نوايا الرواة لهذا الأمر..
3 ـ إن تلك الرواية الصحيحة السند التي اعتبرته من الطلقاء، تؤكد على أنه إنما أسلم تحت وطأة الخوف من هذا الجيش القادم، ولم يسلم طوعاً، ومن يكون من الطلقاء لا يخرج لتلقي رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فالظاهر هو: أنه قد جرى للعباس مثلما جرى لأبي سفيان وبديل بن ورقاء وغيرهما. أي أنه إنما خرج يتنسم الأخبار.. فأبعد عن مكة أكثر من أبي سفيان، فواجه الجيش العظيم القادم، فاضطر إلى الاستسلام، وإظهار الإسلام، ثم عاد مع ذلك الجيش إلى مكة، ولقي أبا سفيان ومن معه في الطريق، وكان ما كان مما سيأتي بيانه إن شاء الله.
أين لقي العباس رسول الله '؟!:
وقد ذكرت النصوص المتقدمة مواضع مختلفة ادَّعت أن العباس لقي النبي "صلى الله عليه وآله" فيها.
ففي بعضها: أنه لقيه بالأبواء..
وفي بعضها: أنه لقيه بالجحفة.
وقيل: بذي الحليفة.
وقيل: بالسقيا.
وقيل: بثنية العقاب.
والأبواء بالنسبة للآتي من المدينة إلى مكة تقع قبل الجحفة مما يلي الجحفة بثلاثة وعشرين ميلاً([283]). فتكون على بعد خمسة أيام من المدينة.
والجحفة تقع على أربع مراحل ونصف من جهة مكة، وتبعد خمس مراحل وثلثي مرحلة من المدينة (أو ست مراحل)([284]).
وذو الحليفة يبعد عن المدينة ستة أميال أو سبعة([285]).
وأما السقيا، فهي على نحو أربعة أيام من المدينة، وهي بالنسبة للآتي من المدينة إلى مكة، قبل الأبواء بأحد عشر ميلاً([286]).
أما ذكر ثنية العقاب فهو غلط، لأن ثنية العقاب قرب غوطة دمشق([287]) وليست بين مكة والمدينة.
وبعدما تقدم نقول:
لا بد من تحديد الموضع الذي التقى فيه النبي "صلى الله عليه وآله" بالعباس، وبأبي سفيان بن الحارث، وعبد الله بن أبي أمية إذ لا يمكن أن يلتقي به في جميع هذه المواضع المتباعدة عن بعضها البعض بما قد يصل إلى عشرات الأميال.
تناقض واختلاف الروايات:
إننا نلمح اختلافاً وتناقضاً في قصة عبد الله بن أبي أمية، وأبي سفيان بن الحارث.
وهذا يشير إلى: أن ثمة تصرفاً، بل تعمداً للكذب في النصوص، باستثناء واحدة من الروايات، قد يمكن للباحث تحديدها، وقد لا يمكن..
وعلى سبيل المثال لا الحصر نقول: هناك رواية تقول: إن العباس قد كلم النبي "صلى الله عليه وآله" بشأن عبد الله بن أمية، وأبي سفيان بن الحارث..
لكن رواية أخرى تصرح: بأن العباس رفض أن يكلم النبي "صلى الله عليه وآله" بشأن ابن أبي أمية، رغم أن ابن أبي أمية قد طلب من العباس ذلك..
وهناك رواية تقول: إنه لما كلمت أم سلمة رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل منها ورضي عنه، ودعاه وقبل توبته..
لكن رواية أخرى تقول: إنه لم يرض عنه، ولم يقبل منه، رغم ملازمته له، إلى أن جرى ما جرى في حرب حنين.
النبي ' لا يرد السلام ولا يقبل التوبة:
ومن الأمور التي تثير أكثر من سؤال: ما زعمته بعض الروايات المتقدمة، من أن عبد الله بن ابي أمية سلم على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلم يرد عليه السلام، وأعرض عنه، ولم يجبه بشيء..
كما أنها صرحت: بأنهم أخبروه بأنه قد جاء تائباً. ولكنه "صلى الله عليه وآله" أعرض عنه، وخشي عبد الله أن يقتل، فشكى ذلك إلى أخته أم سلمة..
ونقول:
1 ـ إننا نشك في صحة ذلك، إذ لم نعهد من أخلاق الرسول الكريم "صلى الله عليه وآله" أن يسلِّم عليه أحد، ثم لا يجيبه.
كيف، وقد أنزل الله تعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا..}؟!([288]).
2 ـ إن نفس مجيء هؤلاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" مستسلمين، تائبين ـ كما صرحت به الرواية ـ ملتمسين منه أن يقبلهم يجعلهم مصداقاً لقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ..}([289]).
3 ـ إن المفروض: كما صرح به العباس وأم سلمة لرسول الله "صلى الله عليه وآله": أن هذا المذنب قد جاء تائباً.. ولا نجد مبرراً لعدم قبول توبته.. وقد قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ..}([290]).
وأصرح من ذلك قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللهَ تَوَّاباً رَّحِيماً..}([291]).
وهؤلاء قد ظلموا أنفسهم، وقد جاؤوا النبي "صلى الله عليه وآله" تائبين مستغفرين.. فلماذا يعرض عنهم، ويرفض إجابة طلبهم، وقبول توبتهم؟!
فكيف إذا أخذنا بالرواية التي أكدت على إصرار عبد الله بن أبي أمية على الفوز برضى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واستمر ملازماً للنبي "صلى الله عليه وآله" ملتمساً رضاه إلى أن صار إلى حنين، وخاض تلك الحرب، وواجه الأهوال فيها([292]).
وماذا نصنع بالكثير الكثير من الآيات والروايات الشريفة التي تأمر بالعفو، وتبشر الناس بقبول توبة التائبين..
إلا أن يدَّعى: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أراد أن يظهر صدق ذلك الرجل فيما يدَّعيه من التوبة، ليقطع دابر الإشاعات المغرضة التي ربما تثار حول سبب العفو، وأنه هو القرابة التي كانت لابن الحارث أو لابن أبي أمية، وأنها إنما قبلت منهما لأنها كانت توبة نصوحاً، لا لأجل القرابة.
ولكن لو صحت هذه الدعوى لكان يجب أن يعامل العباس بنفس هذه المعاملة، ليثبت أن قبوله لا لأجل قرابته من رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وأما بالنسبة للسؤال عن كيفية وصول الذين أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمهم إليه، فيجاب: بأن طرق الوقاية من الأذى متيسرة لهم، ويكفي أن يحتمي بأحد المسلمين، ويأتي معه، كما فعل عثمان بالنسبة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح.
تالله لقد آثرك الله علينا:
وحينما كلَّم العباس رسول الله "صلى الله عليه وآله" بشأن أبي سفيان بن الحارث وابن أبي أمية قد ركَّز على أن هذا ابن عم النبي "صلى الله عليه وآله"، وذاك ابن عمته.. ظناً منه أن القربى النسبية وحدها تكفي للتجاوز عن ذنب ذينك الرجلين..
ولكن الحقيقة هي: أن الإساءة تختلف في طبيعتها وفي أحكامها. فإن كانت إساءة للشخص، كان للصفح عنها، ولمراعاة القربى الرحمية فيها مجال، بل لا مجال لسوى ذلك من نبي كريم لم يزل يحث الناس على صلة القربى، والصفح عن المسيئين..
وإن كانت الإساءة منهما للدين، وللأمة ، وتمثل جرأة عظيمة على الله تبارك وتعالى، فلا يحق لرسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يصفح عن مرتكب ذلك، إذا لم يكن الندم والتوبة من نفس هذ الذنب العظيم.. ولم يظهر من أولئك التائبين ولا من الطالبين للصفح عنهم، أن هذا هو ما جاؤوا من أجله.
بل الذي ظهر هو: أنهم يريدون استجلاب رضى شخص رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بهدف إصلاح العلاقة معه كشخص، من أجل حفظ نفوسهم ومصالحهم، وبغض النظر عن أي شيء آخر.
فجاء الرفض النبوي لقبولهما، منسجماً مع طبيعة ذنبهما، وموجهاً لحقيقة ما يطلب منهما، حيث لم يظهر منهما ما يدل على الرغبة في إصلاح علاقتهما بالله سبحانه، والإعتراف بخطأهما في ممارساتهما التي كانت تهدف إلى إضعاف دين الله، وزعزعة يقين الناس بهذا الدين.
وقد أشار النبي "صلى الله عليه وآله" إلى هذه الحقيقة حين أعلن عن سبب موقفه منهما، وهو: أن أحدهما قد هتك عرضه، لأنه كان يهجوه، ويظهر الإستهانة به، ويصغِّر من شأنه كشخص، توصلاً لإسقاط هيبته، وإضعاف دعوته وتكذيب نبوته.
كما أن الآخر قد اقترح عليه اقتراحات تهدف هي الأخرى إلى تكذيبه في نبوته، من حيث إنها تدخل الشبهة على الضعفاء، وتجعلهم يصدقون المقولة الباطلة في لزوم كون النبي "صلى الله عليه وآله" من غير البشر.
أي أنه يريد أن يفهم الناس: أن من يرقى إلى السماء، ويفعل تلك الخوارق لا يمكن أن يكون بشراً..
وعلى هذا الأساس: إن استجاب النبي "صلى الله عليه وآله" لتلك المطالب، فإما أن يكون ليس من جنس البشر، أو يكون ساحراً كذاباً، والعياذ بالله.. وإن لم يستجب لها ظهر أنه ليس صادقاً في ادِّعائه النبوة.
مع أنه لو جاء بكتاب يقرؤونه ونحو ذلك لفتح لهم باب الجدال بالباطل والتكذيب والاتهام على مصراعيه..
وبذلك تكون الشبهة قد دخلت على الناس في جميع الأحوال.. وهذه جريمة كبرى، وجرأة عظيمة على الله سبحانه وتعالى وعلى رسوله، وعلى دينه..
ولذلك جاءه الرد الإلهي، ليؤكد بشرية الرسول "صلى الله عليه وآله": {..قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}([293]).
مع العلم: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد فعل من المعجزات ما يكفي لإسقاط جميع هذه المطالب، فقد عُرج به إلى السماء، وأثبت لهم صدق ذلك بما أخبرهم به من أمور حصلت لقافلتهم.. وقد نبع لهم الماء من بين أصابعه، كما أنه قد جاءهم بكتاب قد عجزوا عن مجاراته، وعن الإتيان بسورة من مثله، ولو بمقدار سورة الكوثر..
وقد ظهر بذلك كله: أن ذنب عبد الله بن أبي أمية كان عظيماً في حق الدين والرسالة، وكان جرأة على الله تبارك وتعالى، وليس أمراً شخصياً ليصح الصفح عنه لمجرد القرابة والرحم..
ولكن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استجاب وأنعم بالرضا حين عملوا بمشورة علي "عليه السلام"، بأن يقولوا للنبي "صلى الله عليه وآله" ما قاله إخوة يوسف "عليه السلام": {تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ}([294]).
وذلك لأن هذه المبادرة تعني أمرين:
أحدهما: الاعتراف بالخطأ في اختيار الخط والنهج الذي كانوا عليه، لا الخطأ في الممارسة الجزئية تجاه شخص بعينه، وقد ظهر هذا من خلال ربط هذا الخطأ ـ على سبيل المقابلة ـ بالفقرة الأولى المتضمنة لبعثة الله تعالى له بالنبوة، والإعتراف بصدقه "صلى الله عليه وآله".
الثاني: الإقرار بنبوته "صلى الله عليه وآله"، وأنه سبحانه هو الذي أرسله، وآثره بهذا الأمر دون سائر البشر..
وهذا هو الذي يصلح ما أفسدوه، ويبطل كيدهم، ويكسر شوكتهم، وتكون كلمة الباطل هي السفلى، وكلمة الله هي العليا..
ومن أحسن قولاً من الله:
وبعد.. فقد قال الله تعالى: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}([295]).
وقال عز وجل: {وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ}([296]).
فالتوجيه الإلهي للناس كلهم يقضي بإلزامهم باختيار الأحسن من القول والفعل، وهذا يحتم عليهم معرفة الأمور، والتمييز بين حسنها وقبيحها، ثم الوقوف على الحسن والأحسن منها.
والنبي "صلى الله عليه وآله" هو أولى الناس بالالتزام بالتوجيه الإلهي، بحيث لا يرضى إلا أن يختار أحسن القول، وأحسن الفعل؛ ليكون ذلك هو طبيعته وسجيته، وهو الذي يفيد في رسم أجمل صورة للحياة، ويعطيها معناها اللائق بها، الذي أراده الله تعالى لها.
وقد كان علي "عليه السلام" يريد ان يعرِّف الناس على هذه الحقيقة، ولا سيما من كان يجحد ويعاند..
هنات وهنات في رواية الواقدي:
وقد نَلْمَح في رواية الواقدي العديد من القرائن التي تضعف من درجة الإعتماد عليها، فإضافة إلى ما تقدم من شكنا في صحة ما ورد فيها، من عدم جواب النبي "صلى الله عليه وآله" لابن أبي أمية حينما سلم عليه نشير إلى الأمور التالية:
ألف: اعتراض أم سلمة:
إن من دلائل وضع الرواية المشار إليها: أنها تضمنت اعتراض أم سلمة على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بشمول قاعدة: الإسلام يجب ما قبله لهذه الموارد. ثم تسليمه "صلى الله عليه وآله" بصحة اعتراضها.
إذ لا يمكن أن يغفل النبي "صلى الله عليه وآله" عن قرار أو حكم إلهي ثابت، فكيف إذا كان هو الذي جاء بتشريعه، وصدر عنه مباشرة، ثم تذكِّره به امرأة، أو تكون هي المرشدة له في تطبيقه الصحيح!!
ويزيد في بشاعة هذا الأمر أن هذا الحكم أو القرار له ارتباط بنحو أو بآخر بحقوق الناس، وبمصائرهم، أو بكراماتهم ومواقعهم في الدنيا والآخرة.
إذ من البديهي: أن خطأه "صلى الله عليه وآله" أو غفلته، ينافيان عصمته، ويضعان نبوته وأهليته لها أمام ألف سؤال وسؤال.
ب: أبو سفيان بن الحارث، والإسلام:
ولا نجد حرجاً في تقرير أن لدينا بعض الريب فيما ذكرته الرواية: من أن الله ألقى الإسلام في قلب أبي سفيان بن الحارث..
فإنه هو نفسه يتابع الحديث ليدلل فيه: على أن خروجه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن رغبة منه بالإسلام، بل كان خوفاً من القتل بعد أن أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمه، وقد ضاقت عليه الدنيا، ولم يعد يجد أحداً يصحبه، أو يكون معه بعد أن ضرب الإسلام بجرانه.
ج: علم ابن الحارث بقدوم رسول الله ':
وقد زعمت الرواية المتقدمة: أن ابا سفيان بن الحارث قال لزوجته وولده: تهيأوا للخروج، فقد أظل قدوم محمد عليكم..
ونحن نشك كثيراً في صحة ذلك، فإن أحداً من أهل مكة لم يكن يعلم بقدوم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل من أهل المدينة أنفسهم، حتى ذلك الجيش العرمرم الذي كان مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن يعرف مقصد النبي "صلى الله عليه وآله"، حتى بلغ مشارف مكة، حسبما أوضحناه فيما سبق، فمن أين علم أبو سفيان بن الحارث بقدومه "صلى الله عليه وآله" ليخبر زوجته وولده بذلك؟!
ولعل الصحيح هو: أن هذا الرجل كان يعيش حالة من الرعب، بسبب هدر دمه من قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكان يتوقع القتل عند رؤية أي إنسان يحتمل أن يكون من المسلمين.
وقد صرحت الرواية: بأنه قد أظهر خوفه من القتل مرات عديدة، فخرج يطلب الأمان لنفسه من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، متوسلاً إليه بقرابته منه، ظناً منه أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يتأثر بذلك، حتى على حساب دينه، وإسلامه، فالتقى برسول الله "صلى الله عليه وآله"، وجرى له معه ما تذكره الروايات التي تقدمت.
د: هل سيفرح المسلمون بإسلام ابن الحارث؟!:
وقد زعمت الرواية: أن أبا سفيان بن الحارث يقول: إنه كان على يقين بأن المسلمين سيفرحون بإسلامه فرحاً شديداً، لقرابته من النبي "صلى الله عليه وآله".. وأنه كان يرجو أن يفرح رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإسلامه لقرابته وشرفه..
ونقول:
إنه سواء أكان هذا الكلام صحيحاً، أو كان راويه قد افتراه كله أو بعضه، فإنه يعبر عن طبيعة تفكير قائله، وعن المفاهيم والإنطباعات التي يعيشها في نفسه.. حتى إنه ليظن أن ما يفرح النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين بإسلام أبي سفيان بن الحارث هو مجرد قرابته منه "صلى الله عليه وآله"، وشرفه في قومه، وليس هو نجاة هذا الرجل من غضب الله تعالى، وخروجه من ذل معصيته إلى عز طاعته جل وعلا..
إنه يفكر كما يفكر الجاهلون، وينطلق من معاييرهم ومفاهيمهم، مع أن الإسلام لم يقم وزناً لقرابة أبي لهب، ولا لشرفه في قومه، وأنزل فيه سورة قرآنية خالدة تذكر الناس بخزيه إلى يوم القيامة..
ولسنا بحاجة إلى التذكير بما ورد في القرآن عن ابن نوح، وعن زوجتي نوح ولوط..
هـ: بطولات أبي سفيان بن الحارث في حنين:
وأما فيما يرتبط ببطولات أبي سفيان بن الحارث التي يدَّعيها لنفسه في معركة حنين، فسيأتي في حينه أنها لا يمكن أن تصح، وسنرى أن الناس كلهم قد فروا في تلك الغزوة باستثناء علي "عليه السلام"..
فلا حاجة لاستباق الأمور.. لكننا نقول:
إنه يكفي للحكم على هذه الرواية بالكذب والوضع: أنها تدَّعي أن أبا سفيان بن الحارث قد طرد جيش الأعداء في حنين قدر فرسخ، وتفرقوا في كل وجه..
و: يا للأنصار! يا للخزرج!!:
ومن أمارات سوء النوايا في هذه الرواية أيضا: أنها تزعم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر العباس بأن ينادي: يا للمهاجرين! يا للأنصار! يا للخزرج! فأجابوا..
فإن الاقتصار على ذكر الخزرج من فئة الأنصار، وعدم نداء الأوس مما لا يمكن قبوله من النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، لأن هذا الأمر من شأنه أن يُحْدِثَ أسوأ الأثر في نفوس وفي مواقف قبيلة الأوس، التي كانت قبل مجيء النبي "صلى الله عليه وآله" تتصاول مع الخزرج تصاول الفحلين، على حد تعبير النصوص التاريخية..
ز: سؤال النبي ' عن أبي سفيان بن الحارث:
وذكرت الرواية المتقدمة أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" لما رأى أبا سفيان مجرداً سيفه في حنين وقد أخذ بلجام بغلة النبي "صلى الله عليه وآله" قال لعمه العباس: من هذا؟!
قال أبو سفيان: فذهبت أكشف المغفر.
فقال العباس: أخوك، وابن عمك، أبو سفيان بن الحارث، فارض عنه، أي رسول الله!!
قال: قد فعلت.
فإن من غير المعقول أن لا يعرفه النبي "صلى الله عليه وآله" ويعرفه العباس، مع أنه كان من رفقاء الصبا، كما أنه لم يزل منذ لقي رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الأبواء يتعرض له، يلازمه، ويسعى لاسترضائه، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يعرض عنه كما صرح أبو سفيان نفسه في الرواية المشار إليها..
عمر يغري بأبي سفيان بن الحارث:
وقد ذكرت تلك الرواية: أن عمر بن الخطاب قد أغرى أنصارياً بقتل أبي سفيان بن الحارث..
والسؤال هو: إن هذا الإغراء قد يحصل وفق سياق رواية الواقدي، التي هي موضع البحث، وقد يحصل أيضاً وفق سياق باقي الروايات، وفي جميع الأحوال نقول:
لماذا يغري عمر بخصوص أبي سفيان بن الحارث ابن عم النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا يغري بعبد الله بن أبي أمية الذي أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمه، أو بحكيم بن حزام، أو ببديل بن ورقاء؟ ألم يكن أبو سفيان من أقارب النبي "صلى الله عليه وآله" كما كان العباس من أقاربه؟
وقد صرح عمر: بأن إسلام العباس كان أحب إليه من إسلام الخطاب التماساً لرضا الرسول "صلى الله عليه وآله". بل لماذا يغري الآخرين بقتل ابن الحارث؟ ألم يكن الأجدر به أن يبادر هو إلى فعل ما يغري به غيره؟! فيقوم بقتل أبي سفيان بنفسه، إذا كان يرى صحة قتله بدون مراجعة رسول الله "صلى الله عليه وآله" في ذلك!!
ثم لماذا يغري بقتله رجلاً من الأنصار، ويترك جميع المهاجرين؟!
هل يمكن أن يُفْهَم من ذلك: أن عمر يريد إلقاء فتنة بين قريش وبني هاشم، وأهل مكة وبين أهل المدينة؟! وبين العدنانيين والقحطانيين، وبين بني هاشم بالخصوص وبين سائر الناس؟!
ثم ألا يذكرنا إغراؤه الأنصار بقتل رجل من بني هاشم بالسعي الذي كان هو نفسه قد بذله يوم بدر لقتل عقيل والعباس الهاشميين بيد بني هاشم أنفسهم؟! وألا يؤكد ذلك صحة اتهامهم له في نواياه وأنه لو كان الأسير من بني عدي لم يطلب هذا الطلب؟!
الفصل الثامن:
أبو سفيان في أيدي المسلمين..
زعماء يربأ بهم النبي ' عن الشرك:
عن عطاء قال: لا أحسبه إلا رفعه إلى ابن عباس قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح: "إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك، وأرغب لهم في الإسلام".
قيل: ومن هم يا رسول الله؟
قال: "عتاب بن أسيد، وجبير بن مطعم، وحكيم بن حزام، وسهيل بن عمرو"([297]).
ونقول:
1 ـ قد ذكر بعضهم: أن جبير بن مطعم أسلم بعد الحديبية، وقبل الفتح. مع أن هذه الرواية تشير إلى أن حاله حال الثلاثة المذكورين معه.
وقالوا: أسلم بين الحديبية والفتح([298]).
وقيل: في الفتح([299]).
وقيل: عام خيبر([300]). ولا يهمنا تحقيق ذلك.
2 ـ إن علينا الإشارة هنا إلى أن إطلاق هذا القول من رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيه إغراء لهؤلاء بالتخلي عن العناد والجحود. أو هو على الأقل يضعف عزائمهم في ذلك، ويلوح لهم بأن الجسور مفتوحة، ويمكنهم العبور إلى شاطئ الأمان، في ظل الرعاية الإلهية، ليكون أقل شراسة وحماسة في مقاومة هذا الدين، ويهيئ السبيل بذلك للتخفيف من حدة الضغوط منهم على من يرتبط بهم من أقارب، وحلفاء، وما إلى ذلك..
3 ـ لكن علينا أن لا ننسى: أن هذا القول يشير إلى رذالة أخلاقية كان هؤلاء الأربعة يمارسونها، فإنهم رغم رجاحة عقولهم، التي تجعل من اعتناقهم للشرك، ومحاربتهم للحق ولأهله طيلة هذه السنين أمراً غير منطقي، ولا مستساغ، خصوصاً مع ما يرونه من التأييدات والألطاف الإلهية والمعجزات، بل إن ذلك يجعل عملهم هذا في غاية القبح، ويشير إلى سقوطهم المخزي والمشين في حمأة الشهوات، ويؤكد لجوءهم إلى الجحود عن علم ومعرفة بالحق وبأهله.
منام أبي بكر:
عن ابن شهاب: إن أبا بكر قال: يا رسول الله!! أراني في المنام وأراك دنونا من مكة، فخرجت إلينا كلبة تهرُّ، فلما دنونا منها استلقت على ظهرها، فإذا هي تشخب لبناً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ذهب كَلَبُهم، وأقبل دَرُّهم، وهم سائلوكم (بأرحامكم) بأرحامهم، وإنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه"([301]).
ولا ندري إن كان هذا القول من رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أريد به تعبير منام أبي بكر.
أم أنه جاء على سبيل التفاؤل بذهاب الكَلَب، وإقبال الدر؟!
أم أنه "صلى الله عليه وآله" قد أجرى كلامه على هذا النحو ليسجل إخباراً غيبياً صادراً عن مقام النبوة الأقدس، ليكون ذلك من دلائل نبوته؟!
وربما يؤيد هذا المعنى: أنه "صلى الله عليه وآله" قد عقب ذلك بالإخبار عن وقائع غيبية سوف تحصل، وهو قوله: "وهم سائلوكم بأرحامهم. وإنكم لاقون بعضهم"، مصرحاً باسم أبي سفيان من بين سائرهم، ثم أصدر أوامره المتضمنة لكيفية التعاطي معه.
جيش الإسلام في مر الظهران:
قال عروة: وعميت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يدرون ما هو فاعل. وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم، فبعثوا أبا سفيان بن حرب([302]).
ورووا عن ابن عباس أنه قال: مضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام الفتح حتى نزل مر الظهران عشاءً، في عشرة آلاف من المسلمين، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يدرون ما هو صانع([303]).
وأمر "صلى الله عليه وآله" أصحابه أن يوقدوا عشرة آلاف نار، وجعل على الحرس عمر بن الخطاب([304]).
وعن عروة قال: لما سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام الفتح، بلغ ذلك قريشاً، فخرج أبو سفيان بن حرب يتحسس الأخبار.
وقالت قريش لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً. (زاد الواقدي قوله: "إلا أن ترى رقة من أصحابه، فآذنه بالحرب")([305]).
فخرج هو وحكيم بن حزام، فلقيا بديل بن ورقاء، فاستتبعاه، فخرج معهما يتحسسون الأخبار، وينظرون هل يجدون خبراً، أو يسمعون به.
فلما بلغوا الأراك من مر الظهران، وذلك عشياً، رأوا العسكر، والقباب، والنيران كأنها نيران عرفة، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، فأفزعهم ذلك فزعاً شديداً.
قال عروة ـ كما في الصحيح ـ: فقال بديل بن ورقاء: هؤلاء بنو كعب ـ وفي رواية بنو عمرو: يعني بها خزاعة ـ حمشتها (حاشتها) الحرب.
فقال أبو سفيان: بنو عمرو أقل من ذلك([306]).
ولكن لعل هذه تميم أو ربيعة([307]).
قالوا: فتنجعت هوازن على أرضنا؟! والله ما نعرف هذا، إن هذا العسكر مثل حاج الناس([308]).
وعن ابن عباس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما نزل مر الظهران، رقت نفس العباس لأهل مكة، فقال: وا صباح قريش، والله لئن دخلها رسول الله "صلى الله عليه وآله" عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
قال العباس: فأخذت بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله" الشهباء (البيضاء) ـ وعند الواقدي: أنها الدلدل([309]) ـ فركبتها، وقلت: ألتمس حطاباً، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة، فيخبرهم بمكان رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليخرجوا إليه، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة، فوالله، إني لفي الأراك ألتمس ما خرجت إليه، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء، وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً!
فقال بديل بن ورقاء: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب.
فقال أبو سفيان: خزاعة أقل وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.
قال العباس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي.
فقال: لبيك يا أبا الفضل، ما لك فداك أبي وأمي!!
فقلت: ويلك!! هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" في عشرة آلاف.
فقال: وا صباح قريش، والله بأبي أنت وأمي، فما تأمرني؟ هل من حيلة؟
قلت: نعم، إركب عجز هذه البغلة، فأذهب بك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فاستأمنه لك، فإنه والله إن ظُفِرَ بك دون رسول الله "صلى الله عليه وآله" لتقتلن.
قال أبو سفيان: وأنا والله أرى ذلك.
فركب خلفي، ورجع صاحباه ـ كذا في حديث ابن عباس وعند ابن إسحاق ومحمد بن عمر: أنهما رجعا ـ وذكر ابن عقبة ومحمد بن عمر في موضع آخر: أنهما لم يرجعا، وأن العباس قدم بهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" انتهى([310]).
وعن حكيم بن حزام: أنه خرج هو وأبو سفيان يتنسمان الأخبار، فلقي العباس أبا سفيان، فذهب به إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
قال حكيم بن حزام: "فرجعت، ودخلت بيتي، فأغلقته عليَّ، ودخل النبي "صلى الله عليه وآله" مكة، فأمَّن الناس، فجئته، فأسلمت وخرجت معه إلى حنين"([311]).
وفي موضع آخر عند الواقدي: قال العباس: هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" في عشرة آلاف من المسلمين، فأسلم، ثكلتك أمك وعشيرتك، ثم أقبل على حكيم وبديل، فقال: أسلما، فإني لكما جار حتى تنتهوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإني أخشى أن تقطعوا دون النبي "صلى الله عليه وآله".
قالوا: فنحن معك.
فجاء بهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([312]).
وفي سياق آخر، قال العباس: فجئت بأبي سفيان، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأنا عليها، قالوا: عم رسول الله "صلى الله عليه وآله" على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فلما رآني، قام، فقال: من هذا؟
قلت: العباس، فذهب ينظر، فرأى أبا سفيان خلفي، فقال: أي عدو الله!! الحمد لله الذي أمكن (أمكنني) منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله "صلى الله عليه وآله" وركضت البغلة فسبقته كما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاجتمعنا على باب قبة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله "صلى الله عليه وآله" ودخل عمر على أثري، فقال عمر: يا رسول الله!! هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه.
قال: قلت: يا رسول الله، إني قد أجرته.
ثم التزمت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخذت برأسه، فقلت: والله، لا يناجيه الليلة دوني رجل.
فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر، فوالله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف.
فقال: مهلاً يا عباس ـ وفي لفظ: يا أبا الفضل ـ فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من إسلام الخطاب لو أسلم([313]).
وقيل: إن العباس قال: فقلت: يا رسول الله!! أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء قد أجرتهم، وهم يدخلون عليك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أدخلهم".
فدخلوا عليه، فمكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودعاهم إلى الاسلام.
فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اشهدوا أن لا اله الا الله وأني رسول الله".
فشهد بديل، وحكيم بن حزام.
وقال أبو سفيان: ما أعلم ذلك، والله إن في النفس من هذا لشيئاً بعد، فارجئها([314]).
وعند أبي شيبة، عن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أنه قيل لحكيم بن حزام: بايع.
فقال: أبايعك ولا أخر إلا قائماً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أما من قبلنا فلن تخر إلا قائماً. انتهى([315]).
وقيل لأبي سفيان ذلك، فقال: كيف أصنع باللات والعزى؟
فقال عمر بن الخطاب ـ وهو خارج القبة ـ: إخرأ عليها، أما والله لو كنت خارج القبة ما قلتها.
فقال أبو سفيان: من هذا؟
قالوا: عمر بن الخطاب([316]).
زاد في الحلبية قوله: فقال أبو سفيان: ويحك يا عمر، إنك رجل فاحش، دعني مع ابن عمي، فإياه أكلم([317]).
وعند المجلسي: قال أبو سفيان: "أف لك ما أفحشك، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمي"([318]).
قال العباس: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به".
قال: فذهبت به إلى رحلي([319]).
وقالوا: فلما أذَّن الصبح أذَّن العسكر كلهم: أي أجابوا المؤذن.
ففزع أبو سفيان من أذانهم، فقال: ما يصنع هؤلاء؟
قال العباس: فقلت: الصلاة.
قال: كم يصلون؟
قلت: خمس صلوات في اليوم والليلة. (وعند الواقدي: قال: كثير والله).
ثم رآهم يتلقون وضوء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: ما رأيت ملكاً قط كاليوم، لا ملك كسرى ولا قيصر.
قال العباس: فلما صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الصبح غدوت به.
وعند ابن عقبة، ومحمد بن عمر: أن أبا سفيان سأل العباس في دخوله على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([320]).
وعن أبي سلمة، ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: فلما أصبحوا قام المسلمون إلى طهورهم، فقال أبو سفيان: يا أبا الفضل!! ما للناس أمروا فيَّ بشيء؟
قال: لا، ولكنهم قاموا إلى الصلاة.
فأمره العباس فتوضأ، وذهب به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلما دخل رسول الله "صلى الله عليه وآله" الصلاة كبّر وكبّر الناس، ثم ركع، فركعوا، ثم رفع، فرفعوا، ثم سجد فسجدوا، فقال أبو سفيان: ما رأيت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له. يا أبا الفضل!! أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك.
فقال العباس: إنه ليس بملك، ولكنها النبوة.
قال: أوذاك؟!
قال العباس: فلما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "يا أبا سفيان!! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله"؟!
قال: بأبي أنت وأمي!! ما أحلمك وأكرمك، وأعظم عفوك! إنه لو كان مع الله إله لقد أغنى عني شيئاً (يوم بدر ويوم أُحد) بعد، لقد استنصرت إلهي، واستنصرت إلهك، فوالله ما لقيتك من مرة إلا نصرت عليَّ، فلو كان إلهي محقاً وإلهك مبطلاً لقد غلبتك.
فقال "صلى الله عليه وآله": "ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله"؟
قال: بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك، وأعظم عفوك! أما هذه فوالله إن في النفس منها شيئاً حتى الآن.
فقال العباس: ويحك! أسلم قبل أن تضرب عنقك.
فشهد شهادة الحق، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. (زاد في نص آخر قوله: تلجلج بها فوه) ([321]).
وظاهر كلام ابن عقبة، ومحمد بن عمر في مكان آخر: أن أبا سفيان قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله من غير أن يعرض ذلك عليه أحد.
قال: قال أبو سفيان، وحكيم بن حزام: يا رسول الله جئت بأوباش الناس، من يعرف ومن لا يعرف إلى أهلك وعشيرتك؟!
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان في حرم الله تعالى وأمنه".
فقال حكيم، وأبو سفيان: صدقت يا رسول الله. ثم قالا: يا رسول الله!! لو كنت جعلت جدك ومكيدتك لهوازن، فهم أبعد رحماً، وأشد عداوة لك؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله. فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم وذراريهم، فإني أرغب إلى الله تعالى في ذلك"([322]).
وقال في نص آخر: فصار إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": فقال العباس: هذا أبو سفيان صار معي إليك فتؤمنه بسببي.
فقال "صلى الله عليه وآله": أسلم تسلم يا أبا سفيان.
فقال: يا أبا القاسم! ما أكرمك وأحلمك؟
قال: أسلم تسلم.
قال: ما أكرمك وأحلمك؟
قال: أسلم تسلم.
فوكزه العباس وقال: ويلك إن قالها الرابعة ولم تسلم قتلك.
فقال "صلى الله عليه وآله": خذه يا عم إلى خيمتك.
وكانت قريبة، فلما جلس في الخيمة ندم على مجيئه مع العباس، وقال في نفسه: من فعل بنفسه مثل ما فعلت أنا؟ جئت فأعطيت بيدي، ولو كنت انصرفت إلى مكة فجمعت الأحابيش وغيرهم فلعلي كنت أهزمه.
فناداه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من خيمته، فقال: "إذاً كان الله يخزيك".
فجاءه العباس، فقال: يريد أبو سفيان أن يجيئك يا رسول الله.
قال: هاته.
فلما دخل قال: ألم يأن أن تسلم؟
فقال له العباس: قل، وإلا فيقتلك.
قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
فضحك "صلى الله عليه وآله"، فقال: رده إلى عندك.
فقال العباس: إن أبا سفيان يحب الشرف فشرفه.
فقال: من دخل داره فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن([323]).
ونقول:
إن لنا مع هذه النصوص وقفات، هي التالية:
إنه ليس بملك:
إنهم قد رووا: أن العباس إنما رفض مقولة أبي سفيان: "أصبح ابن أخيك والله عظيم الملك"،من حيث إن ذلك يستبطن عدم اعترافه بنبوته "صلى الله عليه وآله".. وإلا فقد قال تعالى عن داود: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}([324]).
وقال حكاية عن سليمان: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي..}([325])
من الذي كان مع أبي سفيان؟!:
وقد اختلفت الروايات في الأشخاص الذين كانوا مع أبي سفيان، وفي إسلامهم معه وعدمه، وفي أمور كثيرة أخرى..
فرواية تقول: لم يشعر أهل مكة برسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى نزل العقبة. وكان أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل قد خرجا يتجسسان خبراً، ونظرا إلى النيران، فلم يعلما لمن هي..
ثم لقيهما العباس، فاصطحب أبا سفيان إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ورجع عكرمة إلى مكة([326]).
ولكن روايات أخرى ذكرت: بديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام. ولم تذكر عكرمة.
وبعضها ذكر: أن بديلاً وحكيماً رجعا إلى مكة، ولم يذهبا إلى النبي "صلى الله عليه وآله" مع العباس وأبي سفيان.
وبعضها الآخر يقول: بل ذهبا معهما إليه "صلى الله عليه وآله".
لم يبلغهم حرف واحد:
وفي حين يقول عروة: عُمِّيت الأخبار عن قريش، فلم يبلغهم حرف واحد عن مسير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يدرون ما هو فاعل، وهم مغتمون لما يخافون من غزوه إياهم.. يعود عروة هذا ليناقض نفسه، فيقول: لما سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" عام الفتح، بلغ ذلك قريشاً.
وقوله الأول هو الصحيح، لأن الرواية عن ابن عباس وغيره تؤيده. بالإضافة إلى نصوص كثيرة أخرى.
ورغم أن الرواية الثانية قد صرحت: بأن قريشاً قالت لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً، فإنها أيضاً قد صرحت: بأن أبا سفيان ومن معه لم يخطر في بالهم أن يكون هذا الجيش العظيم الذي يرونه هو للنبي "صلى الله عليه وآله"، بل ذهبت أوهامهم إلى خزاعة تارة، وإلى تميم أخرى، وإلى ربيعة ثالثة، ثم إلى هوازن رابعة..
تزوير الحقائق:
ولكن ما نريد أن نبينه للقارئ الكريم هو أن كتابنا هذا قد حفل بالكثير الكثير مما يشير إلى تزوير عروة وأضرابه للحقائق، واختلاقهم للترهات، رغم شدة تحاشينا في هذا الكتاب عن الإستغراق في مناقشة أقوال هؤلاء الناس، الذين أرادوا أن يستأثروا لأنفسهم بمقام ليسوا من أهله، ألا وهو مقام حفظ العلم، والشريعة، والتاريخ، وكل الحقائق التي تحتاجها الأمة عبر الأجيال، مع أنهم إنما قدموا لها بحراً زاخراً بالأباطيل والأضاليل، والخزعبلات، والخرافات، حتى إذا ضاقت بهم السبل، واضطروا للاعتراف بشيء من الحقيقة، فإنك تراهم يثيرون حولها أجواء من الريبة والشك والإتهام، ويشبعونها حذلقة، وتمويهاً وتشويهاً.
عشرة آلاف نار لماذا؟!:
ولسنا بحاجة إلى بيان أهدافه "صلى الله عليه وآله" حين أمر أصحابه بإيقاد عشرة آلاف نار.. الأمر الذي بهر عتاة وجبابرة أهل الشرك، وفراعنة قريش.
وقد تقدم: أن أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وابن ورقاء فزعوا فزعاً شديداً حين رأوا تلك النيران، كأنها نيران عرفة.
ولولا أنهم رأوا القباب والعسكر الجرار، وسمعوا صهيل الخيل، ورغاء الإبل، لأمكن أن يتسرب إلى أوهامهم احتمال أن تكون فئة صغيرة هي التي أوقدت هذه النيران الكثيرة.
لقد تأكد لديهم:
1 ـ أن من يوقد هذه النيران، يريد أن يُعلم أعداءه بحضوره، غير آبه بهم، ولا خائف منهم.. وأنه لم يأت متسللاً، ولا مغيراً يريد أن يربح المعركة عن طريق المباغتة، لتعوض المباغتة ضعفه، أو لتوهن شيئاً من قدرات عدوه..
2 ـ إنه يريد بإيقاد هذه النيران الكثيرة أن يظهر حجم قوته، وحضورها، وسعتها وامتدادها، لتساعد تلك النيران أولئك الناظرين الذين قد يكونون في مرتفع، على رؤية أول وآخر رجل جاء لقتال عتاة الشرك، من دون أن تغرقهم عيونهم في ضباب الإبهام، بسبب الظلمة التي قد تمنع العيون من الإحاطة بها.
وتبين حجم الامتداد والسعة إذا كان ذلك الجيش عشرة آلاف مقاتل، ومعهم الخيول المقاتلة، والإبل الحاملة للأثقال، والمساعدون، وربما الكثير من النساء، والأتباع.. فإن ذلك يحتاج إلى مساحات شاسعة في حركة ذلك الجمع وفي نزوله على حد سواء.
إذن، فقد كان طبيعياً أن يتحير أبو سفيان ومن معه في هوية هذا الجيش الذي أمامهم هل هو خزاعة، أو تميم، أو ربيعة؟!.
إن لقيت محمداً فخذ لنا أماناً:
وأما بالنسبة إلى ما رواه عروة: من أن قريشاً قالت لأبي سفيان: إن لقيت محمداً فخذ لنا منه أماناً، فلا يمكننا تأييده. خصوصاً إذا صدقنا عروة في زعمه: أن قريشاً كانت قد علمت بمسير النبي "صلى الله عليه وآله"..
لأنها إن كانت تعلم بمسير النبي "صلى الله عليه وآله" إليها، أو لو علمت بالمسير دون أن تعلم بالمقصد، فإن المفروض بها: أن تحتاط للأمر، وتتجهز للقائه في ساحات القتال..
إلا إذا كان قد بلغ بها الضعف حداً يدعوها للاستسلام على كل حال.. ففي هذه الحالة لم يكن ثمة داع لاستسرار النبي "صلى الله عليه وآله" بمسيره، وبمقصده؟!
اللهم إلا إذا فرض: أنه "صلى الله عليه وآله" لا يعلم بضعف قريش هذا.. وهو أمر لا مجال لقبوله، فإنه "صلى الله عليه وآله" كان مطلعاً على أحوال مكة، واقفاً على قدراتها، عارفاً بنواياها، وتوجهاتها.
بل إن الأمر قد كان ميسوراً لأي قائد آخر، إذ إن عهد الحديبية قد سهَّل انتقال أخبار مكة وأهلها إليه، خصوصاً من مسلمي مكة الذين كانوا منتشرين في مختلف البيوت، ومن جميع الطبقات والفئات.
العباس الناصح لقريش على بغلة رسول الله ':
وواضح: أن ركوب العباس على بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبحثه عن رسول يرسله إلى قريش، لا يمكن أن يكون بدون علم النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، بل ذلك ـ فيما يظهر ـ داخل في صلب خطة النبي "صلى الله عليه وآله" لأخذ مكة من أولئك الجبارين والظالمين من دون قتال، وذلك باعتماد طريقة ترسيخ القناعة لدى أقطابها بعجزهم عن مناجزته الحرب، إلا إذا كانوا يريدون أن يلقوا بأيديهم إلى الدمار والبوار.
وقد كان العباس أفضل رسول إلى قريش وزعمائها، فإنهم على قناعة تامة بأنه لا يمكن أن يفرط بهم، كما أثبتته لهم تجربتهم الطويلة معه..
فإذا جاءتهم النصيحة من قبل العباس، فإنهم لا يرفضونها، ولا يستغشونه.
وقد ظهر من تفدية أبي سفيان للعباس بأبيه وأمه، مدى عمق علاقة المودة والصفاء فيما بينهما، حتى إنه يجعل نفسه رهن إشارة العباس..
ثم يظهر العباس هنا بمظهر القوي الحازم، الذي يفرض رأيه وقراره بدون أي تحفظ، بل هو يقول لأبي سفيان: ثكلتك أمك وعشيرتك.
على أن نفس ركوب العباس بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، من شأنه أن يطمئن أولئك المعاندين والمستكبرين إلى أن مكانة أبي الفضل محفوظة عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن كلمته مؤثرة لديه.
كما أن أحداً من المسلمين لا يجرؤ على إخفار جواره، إذا دخلوا هذا المعسكر العرمرم معه وفي حمايته، فكيف إذا أردف رأس الشرك خلفه، وحمله معه؟
فالعباس بعد كل هذا هو الوسيلة الأكثر أمناً في الطريق، والأكثر فاعلية وتأثيراً لدى رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وربما يكون هناك اتفاق على طريقة عمل فيما بين العباس وبين هؤلاء، وقد تغاضى النبي "صلى الله عليه وآله" عن التصريح للعباس بمعرفته بها.. واستفاد العباس في الوصول إلى الهدف الكبير والخطير، ألا وهو دخول مكة من دون إراقة دماء.. كما سيتضح في المطالب التالية..
علم العباس بمكان أبي سفيان:
وبعد.. فإننا لا نستطيع أن نصدق ما يذكرونه من أن العباس قد ذهب إلى الأراك يبحث عن حطاب، أو عن صاحب لبن ليرسله إلى قريش ليحذرها من هذا الجيش القادم، ويدعوها إلى المبادرة إلى أخذ الأمان من رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
بل الذي يظهر من مسار الأحداث هو: أن العباس كان عالماً بمكان أبي سفيان، وبديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام، وقد قصدهم ليأتي بهم.. الأمر الذي يشير إلى أنه قد يكون هناك اتفاق فيما بينه وبينهم على كل ما يجري، إذا أردنا أن نظن أنه كان معهم من أول الأمر، ثم لما رأوا الجيش أرسلوه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأسلم، وتوسط لهم لديه، ثم عاد ليأتي بهم. ولعله كان يظن أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يلتفت إلى طبيعة حركة العباس في التمهيد لاستسلام أبي سفيان.
والذي يدعونا إلى اعتماد هذا الاتجاه: أننا لاحظنا فيما سبق أن العباس كان من الطلقاء، وأن الدلائل والشواهد لا تؤيد هجرته ولا حتى ملاقاته للنبي "صلى الله عليه وآله"، لا في ذي الحليفة، ولا الجحفة، ولا السقيا، ولا الأبواء، ولا.. ولا..
وقد لاحظنا هنا أيضاً ما يلي:
1 ـ إنه لا معنى لقولهم: إن العباس قد ذهب يبحث عن حطاب، أو صاحب لبن، ليرسله إلى أهل مكة.. إذ إن الوقت كان ليلاً، ولا يوجد حطاب ولا صاحب لبن في هذا الوقت..
2 ـ إن الحطاب أو صاحب اللبن إن كان من أهل مكة، فإنه لا يأتي من مكة كل هذه المسافة، بل هو يحتطب ويرعى في محيط مكة نفسها.
وإن كان ممن يسكن الأراك، ومر الظهران، فلماذا يبحث عن حطاب أو صاحب لبن (راع) ويترك سكان البيوت في تلك المنطقة، فليقصدهم، وليكلف واحداً منهم بهذه المهمة..
3 ـ إن أمراً بهذه الخطورة، وقراراً بهذا الحجم، وهو: أن يستسلموا، ويسلموا مكة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يصدق فيه حطاب، أو صاحب لبن، بل هو يحتاج إلى آراء الرجال التي يُسكن إليها، ويُعتمد عليها، فكيف إذا كان هذا الرسول ممن يُظن فيه أن يكون العدو قد أرسله إليهم، ليسقط مقاومتهم، ويضعف إرادتهم، ويؤثر على قرارهم عن هذا الطريق، وبهذا الأسلوب..
4 ـ لماذا خرج العباس بهذه المهمة ليلاً، ولم يخرج لها نهاراً؟!
5 ـ ما هذه الصدفة التي جعلت العباس يسمع كلمات أبي سفيان ويفهمها، في حين كان أبو سفيان يحتاج إلى أن يتكلم بصوت خفيض لكي لا يشعر ذلك الجيش أو حرَّاسه بوجوده.
كما أن المفروض: أن العباس يركب بغلة لا تراعي في مسيرها عنصر السرية، ولا تسعى لإخفاء أصوات وقع حوافرها، ولعلها أصوات قوية، لما تصادفه في طريقها من الحجارة وغيرها، خصوصاً مع عدم قدرتها على الرؤية التي تمكنها من تجنب بعض الأحجار الكثيرة وسواها بسبب الظلام.
فلماذا لم يسمع أبو سفيان ورفيقاه وقع حوافر بغلة العباس، ليختاروا السكوت حتى يتبين لهم من يقصدهم؟! فلعله من أعدائهم الذين يجب أن يحترزوا منهم؟!
عمر وأبو سفيان:
وقد أكدت النصوص أيضاً هذه النتيجة التي انتهينا إليها، فقد روي عن أبي ليلى، قال: كنا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" بمرِّ الظهران، فقال: "إن أبا سفيان بالأراك فخذوه" فدخلنا، فأخذناه([327]).
فبينما هم ـ يعني أبا سفيان، وحكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء ـ كذلك، لم يشعروا حتى أخذهم نفر كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعثهم عيوناً له، فأخذوا بخطم أبعرتهم.
فقالوا: من أنتم؟
فقالوا: هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأصحابه.
فقال أبو سفيان: هل سمعتم بمثل هذا الجيش، نزلوا على أكباد قوم لم يعلموا بهم؟([328]).
ورووا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال للناس: إنكم لاقون بعضهم، فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه([329]).
وعن عكرمة: أن أبا سفيان لما أخذه الحرس قال: دلوني على العباس، فأتى العباس فأخبره الخبر، وذهب به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([330]).
فنستفيد من هذه النصوص، ومن جميع النصوص المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي أرشدهم إلى وجود أبي سفيان بالقرب منهم، وحدد لهم المكان الذي كان فيه، وأمرهم بأخذه، فأخذوه ومن معه من دون أن يشعروا، ويبدو أن العباس كان مع تلك المجموعة، فطلب أبو سفيان منه أن يتولى حمايته، وإيصاله إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليأمن على نفسه، فحمله على البغلة التي أذن له النبي "صلى الله عليه وآله" بركوبها، لعلمه بالحاجة إليها خصوصاً في هذا المورد.
ثم لقيهم عمر بن الخطاب في الطريق وعرف أبا سفيان، فحاول أن يستفيد من الفرصة لإظهار حرصه وغيرته على الإسلام، وشدته في مناوأة أعدائه، فطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأذن له في قتله.
ولعله كان يعلم: أنه "صلى الله عليه وآله" لن يأذن له، وذلك قياساً على الموارد الكثيرة جداً التي لم يستجب النبي "صلى الله عليه وآله" لطلبه فيها ولو مرة واحدة بأن يأذن له بقتل أسرى.
ترهات وأكاذيب:
وبعدما تقدم نقول:
إن أبا سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قالا: أُخذ أبو سفيان وأصحابه وكان حرس رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفر من الأنصار، وكان عمر بن الخطاب تلك الليلة على الحرس، فجاؤوا بهم إليه.
فقالوا: جئناك بنفر أخذناهم من أهل مكة.
فقال عمر، وهو يضحك إليهم: والله لو جئتموني بأبي سفيان ما زدتم.
قالوا: قد والله أتيناك بأبي سفيان.
فقال: احبسوه، فحبسوه حتى أصبح، فغدا به على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقال ابن عقبة: لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه، لقيهم العباس بن عبد المطلب، فأجارهم([331]).
ونقول:
أولاً: من الواضح: أن النصوص المتقدمة وهي الأكثر عدداً، والأوضح سنداً والمعتمدة لدى المحدثين والمؤرخين، تدحض هذه المزاعم وتسقطها.
ثانياً: بالنسبة لما قيل من أنه لما دخل الحرس بأبي سفيان وصاحبيه لقيهم العباس فأجاره نقول: إنه لا يصح إجارة المحارب بعد أسره.. وذلك واضح.
ثالثاً: لا ندري لماذا جعل النبي "صلى الله عليه وآله" الحرس من خصوص الأنصار، ولم يجعل بينهم أحداً من المهاجرين، ولا من غيرهم من مسلمي سائر البلاد، إلا إذا كان يتهم المهاجرين بمحاباة قومهم، أو بالتواطؤ معهم ضده..
كما إننا لم نفهم لماذا خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن المألوف منه في الموارد المشابهة، وجعل هنا فقط خصوص عمر ـ وهو من المهاجرين ـ على جماعة الأنصار؟!
بديل بن ورقاء خزاعي:
وزعمت بعض النصوص: أن بديل بن ورقاء هو الذي توهم أن ذلك الجيش النبوي العظيم الذي رأوا نيرانه هو قبائل خزاعة.
ويرد عليه: أن بديل بن ورقاء كان خزاعياً، وكان يعرف خزاعة وحججها، وهذا يرجح الرواية التي تقول: إن رجلاً آخر قال: هذه خزاعة، فقال له بديل: هؤلاء أكثر من خزاعة([332]).
ما هذا التصافي والإنسجام؟!:
ثم إن ما يثير العجب هنا هو هذا التوافق والإنسجام التام بين بديل بن ورقاء، الزعيم الخزاعي، وبين زعماء قريش، التي شاركت في البطش بقومه، وارتكبت مجزرة رهيبة في حقهم، ونقضت العهد مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالتعدي عليهم.. مع كون رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما يقدم مكة بهذا الجيش غضباً لخزاعة، وسعياً لتأديب قريش، والقضاء على بغيها وجبروتها الظالم.
ويؤكد هذا الذي نقوله: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين أجاب حكيم بن حزام بقوله: "أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعقد الحديبية، وتظاهرتم على بني كعب ـ يعني خزاعة ـ بالإثم والعدوان، وفي حرم الله وأمنه". قال بديل بن ورقاء الخزاعي: "صدقت ـ والله ـ يا رسول الله، فقد غدروا بنا. والله لو أن قريشاً خلوا بيننا وبين عدونا ما نالوا منا الذي نالوا"([333]).
فإذا كان بديل يرى قريشاً غادرة فاجرة، فما هذا التعاون والانسجام مع زعمائها ضد حليفه الذي جاء لنصره، ورفع الظلم عنه؟!
والأكثر غرابة هنا: أن يكون هذا الود والصفاء بين بديل وبين أبي سفيان بالذات، فإن أبا سفيان هو الذي أرسلته قريش إلى المدينة ليحتال على النبي "صلى الله عليه وآله" وعلى المسلمين، ليضيع دماء أبنائهم، وليساعد الغدرة والظلمة في غدرهم وظلمهم، وفي التغطية عليهم، وإنكار حق خزاعة حتى بديات قتلاهم.
وقد قلنا فيما سبق:
إن فعل أبي سفيان هذا لعله أفحش وأقبح من فعل ناقضي العهد، ومرتكبي الجرائم في حق خزاعة..
حماس عمر لقتل أبي سفيان:
وقد قرأنا في تلك النصوص أيضاً: شدة حماس عمر لقتل أبي سفيان بمجرد أن رآه مع العباس على بغلة رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
ولكن ذلك يثير لدينا ألف سؤال وسؤال عن مدى وعي عمر للأمور، وتقديره لها، وغير ذلك.. وأول سؤال يقفز إلى الذهن هو: هل كان دائماً يتحمس لقتل أبي سفيان بيده حتى في ساحات القتال في المعارك السابقة؟!
وإذا كان كذلك، فهل هو في مستوى حماسه لقتله حين رآه أسيراً في يد أهل الإسلام، لا حول له ولا قوة؟!
أم أنه كان في ساحات القتال في زمرة الضعفاء من المقاتلين، وفي طليعة المنهزمين حين تستعر نار الحرب، ويروج سوق الطعن والضرب؟!
وهل كان في الصفوف الأولى يبارز الفرسان، ويناجز الشجعان؟ أم كنت تراه في الصفوف الخلفية، يحتمي بغيره، ومشغولاً بحفظ نفسه؟!
تناقضات مواقف عمر وأبي بكر:
وقد كان عمر لم يزل يطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يدعه يضرب عنق هذا الأسير وذاك.. وقد تكرر منه ذلك مرات كثيرة جداً، وكان هو المطالب بقتل أسرى بدر، حتى رووا في ذلك روايات شنيعة المضمون، من حيث إنها تهدف إلى الطعن بالرسول الأكرم نفسه "صلى الله عليه وآله" ـ حسبما تقدم بيانه في غزوة بدر، في فصل الغنائم والأسرى.
وقد كان أبو بكر قرين عمر، وصفيه وحبيبه ونجيَّه، وكانا معاً يداً واحدة في كل ما يجري، فلماذا نجد لأبي بكر مساراً آخر في هذه الأمور بالذات؟ فكيف اتفقا في سائر القضايا واختلفا في خصوص هذا الأمر؟!
بل لم نسمع أن أبا بكر قد أيد عمر في مواقفه هذه إلا مرة واحدة، وانعكست الأمور بينهما في مرة واحدة أيضاً.. أي أن عمر كان هو الميال للقتل والعنف، وكان أبو بكر باستمرار هو الذي يهدئه، ويفثؤه، ويردعه عن مضايقة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويمنعه من مواصلة الإلحاح عليه.. باستثناء مورد واحد، انعكست فيه الأمور، وتبدلت المواقف، فصار عمر هو حمامة السلام، والداعي للصلح والمداراة والوئام.. وأصبح أبو بكر في موقع المصمم على الحرب والقتال مهما كانت النتائج..
ولكن هذا التفاوت قد ظهر حين أصبحت الحرب مع المسلمين الرافضين للإعتراف بشرعية خلافة أبي بكر، وأصروا على عدم إعطائه الزكاة، ولم يكفروا بعد إسلامهم([334])، فأصر أبو بكر على حربهم.
وأطلق كلمته المشهورة: "لو منعوني عقال بعير لجاهدتهم (أو لقاتلتهم) عليه"([335]).
والمورد الواحد الذي اتفق فيه هذان الرجلان هو: مخالفة أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" في قتل أصل الخوارج، فنشأ عن مخالفة رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيه مفسدة عظمى حاقت بالأمة، ولا تزال آثارها تتفاعل فيها إلى يومنا هذا.
فقد رووا: أن أبا بكر قال للنبي "صلى الله عليه وآله": إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذ رجل متخشع، حسن الهيئة، يصلي..
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": إذهب إليه فاقتله.
فذهب إليه، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى النبي "صلى الله عليه وآله"..
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لعمر: إذهب فاقتله.
فذهب إليه فرآه على تلك الحال فكره أن يقتله.
فقال "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": اذهب فاقتله.. فذهب إليه فلم يجده.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين، وفي آخره: فاقتلوهم هم شرُّ البرية([336]).
وفي نص آخر: فقال علي "عليه السلام": أفلا أقتله أنا يا رسول الله؟!
قال: بلى أنت تقتله إن وجدته.. فانطلق علي "عليه السلام" فلم يجده.. أو نحو ذلك([337]).
ولكن ما يمكن أن نعتبره قاسماً مشتركاً فيما بين جميع هذه الموارد هو: أن هذا المورد الأخير قد جاء موقفهما فيه مخالفاً لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وموقف أبي بكر في قتل مانعي الزكاة هو الآخر مخالف لله ولرسوله.. وقد عاد عمر إلى رأي أبي بكر ووافقه عليه أيضاً..
كما أن طلبات عمر المتكررة بأن يجيز له الرسول قتل هذا وذاك قد جاءت كلها على خلاف ما يريده الله ورسوله أيضاً..
فما هذا التوافق العجيب بين أبي بكر وعمر في هذين الموردين على خلاف رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن تكون جميع مواقف عمر مخالفة لما يريد الله ورسوله في جميع المواقف المختلفة؟!..
لا مبرر لقتل أبي سفيان:
1 ـ إن عمر كان مهتماً بقتل أبي سفيان، مع أنه يعلم: أن هناك مسلمين كثيرين يعيشون في مكة، وإن قتله قد يؤدي إلى ارتكاب المشركين مجزرة هائلة في حقهم فيما لو حصل هيجان عارم لا يخضع للمنطق، ولا يستجيب لنداء العقل..
2 ـ المفروض أن أبا سفيان قد أصبح في قبضة أهل الإسلام، ولعل ذلك يفسح المجال لاتفاقات تؤدي إلى حقن الدماء، وانطلاقة الإسلام بقوة في تلك المنطقة، فلماذا لا يترك رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليعالج الأمور بحكمته ورويته؟!..
3 ـ لماذا لا يسعى عمر لإدخال أبي سفيان في الإسلام؟ ألم يكن إسلام أبي سفيان أحب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قتله؟!.
مع ملاحظة: أن عمر كان يحب إسلام العباس أكثر من حبه لإسلام أبيه الخطاب لو كان حياً، لعلمه بسرور رسول الله "صلى الله عليه وآله" بإسلام عمه..
إلا إذا كان عمر يرى: أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما يرغب بإسلام عمه.. لأنه عمه، ولا يرغب بإسلام أبي سفيان تعصباً منه ضد بني عبد شمس، ولأنه عدوه المحارب له. فالعصبية العشائرية هي الحاكمة على مواقفه وتصرفاته "صلى الله عليه وآله"، وهذا المنطق سيء وخطير، لأنه ينتهي إلى الطعن بنبوة النبي "صلى الله عليه وآله" في عصمته وحكمته، ومزاياه. وهو مرفوض جملة وتفصيلاً..
اتهام العباس لعمر بن الخطاب:
إن العباس قد سجل اتهاماً صريحاً لعمر في نواياه، وفي نوازعه العشائرية، وتعصباته القبائلية حين قال له:
"مهلاً يا عمر! فوالله، لو كان من رجال بني عدي ما قلت هذا. ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف".
ولم يستطع عمر أن يدفع عن نفسه هذه التهمة إلا بادعاءٍ آخر، من شأنه أن يزيد من وطأة اتهامه في نواياه، وهو أنه كان يحب إسلام العباس، لأن ذلك يسر النبي "صلى الله عليه وآله"..
مع العلم: بأن إسلام أبي سفيان أيضاً كان يسر النبي "صلى الله عليه وآله"، لأن هداية نسمة خير مما طلعت عليه الشمس، ولأن ذلك قد يوجب تنفيس الإحتقان في المنطقة بأسرها. ولعل إسلام غيره ليس بهذه المثابة..
فلماذا يريد عمر قتل هذا، ولا يهتم بإسلامه، دون ذاك؟!.
ونريد أن لا تفوتنا الإشارة إلى أن هذا الإتهام نفسه قد يوجه إلى عمر حين طالب بقتل أسرى بدر، حيث لم يكن فيهم أحد من بني عدي أيضاً([338])..
إسلام العباس.. وإسلام الخطاب:
وبعد.. فإننا لم نستطع أن نتبين وجهاً مقبولاً أو معقولاً لقول عمر: إن إسلام العباس كان أحب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من إسلام الخطاب..
وإنه "صلى الله عليه وآله" يريد إسلام كل الناس، ولا يفرحه إسلام هذا أكثر من إسلام ذاك، ولعل إسلام سلمان الفارسي كان أحب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من إسلام العباس، إذ كان إسلام سلمان من موجبات القوة للدين، أو كان أكثر صفاءً، وأعظم رسوخاً، وقوة وعمقاً..
ومن الذي أخبر عمر بواقع إيمان الناس، وبدرجات رسوخ الإيمان في قلوبهم؟!
ومع غض النظر عن ذلك كله، يبقى سؤال نطالب عمر بالإجابة عنه، وهو: إذا كان قد عرف محبة رسول الله "صلى الله عليه وآله" لإسلام العباس، فهل هو أيضاً قد عرف كراهته لإسلام أبي سفيان؟!.
ولماذا كان في أيام خلافته يعظم أبا سفيان والعباس ويقدمهما بصورة لافتة، فقد كان يُفرَش لعمر فراش في بيته في أيام خلافته، فلا يجلس عليه أحد إلا العباس بن عبد المطلب وأبو سفيان بن حرب.
زاد المبرد قوله: هذا عم رسول الله، وهذا شيخ قريش([339]).
جوار العباس:
وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أن العباس قال لرسول الله "صلى الله عليه وآله" إنه أجار أبا سفيان.
وذكرت أيضاً: أنه أجار بديل بن ورقاء، وحكيم بن حزام..
ونقول:
إنه جوار لا يصح، بل هو غير جائز، إذا كان يريد بهذا الجوار منع النبي "صلى الله عليه وآله" من التصرف المناسب في حق أبي سفيان، وفي حق بديل، وحكيم..
ويشهد لذلك: أنه لما قدم أبو سفيان المدينة يطلب تجديد عهد الحديبية، والزيادة في المدة، وطلب من رجالات الصحابة أن يجيروا بين الناس، قد واجه رفض ذلك منهم جميعاً، وكانت حجتهم أنه ليس لأحد أن يجير على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ولأجل ذلك نلاحظ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كما لم يلتفت إلى مطالبات عمر بن الخطاب بقتل أبي سفيان، لم يقم وزناً لجوار العباس لهؤلاء أيضاً، بل بقي مصراً على إجراء حكم الله تعالى فيهم، إن لم ينطقوا بالشهادتين.
وهذا ما يدعونا إلى القول:
إنه إن كان قد أجار أحداً من هؤلاء، حتى على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فهو مخطئ بلا ريب. وهو لا يلزم لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بشيء من ذلك. وقد ظهر من تعامل رسول الله "صلى الله عليه وآله" معهم: أنه لم يلتفت إلى ما ادَّعاه العباس من جوار..
وإن كان العباس قد أجار هؤلاء الثلاثة: أبا سفيان، وحكيماً وبديلاً من سائر الناس لكي يصلوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" سالمين، ليرى فيهم رأيه، فهو تصرف مقبول، ويكون قول العباس لعمر عن أبي سفيان: إني قد أجرته مجرد محاولة لحمايته من عمر، لكي لا يتسرع في الإقدام على أمر خطير كهذا..
هل مكث أبو سفيان عند النبي ' عامة الليل؟:
وهناك رواية ذكرت: أن العباس حين أدخل أبا سفيان وحكيماً وبديلاً على النبي "صلى الله عليه وآله" مكثوا عنده عامة الليل يستخبرهم.. وانتهى الأمر بإسلام بديل وحكيم، ولكن أبا سفيان طلب التأجيل.
ونقول:
أولاً: إننا نشك في أن تكون هناك تفاصيل كثيرة ترتبط بشؤون الحرب ويحتاج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الوقوف عليها منهم، ويستغرق الاستخبار عنها هذا الوقت الطويل (عامة الليل). لا سيما وأن هذا الجيش الكبير قد ظهر ببلادهم فجأة، ولم يكن لديهم أية فرصة للإعداد والإستعداد، وجمع الناس من البلاد.
ولو فرض: أنه كان يريد أن يستخرج منهم بعض الأمور، فلماذا لا يوكل أمر سؤالهم عنها إلى غيره؟!
ثانياً: إذا كان العباس قد أسلم، وكان مقيماً بمكة مثلهم، فإنه هو الآخر يستطيع أن يخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بما يريد معرفته.
ولو فرضنا: أنه كان قد خرج من مكة قبلهم، وقد استجدت أمور بعده ولم يعلم بها، فإن تلك الأمور لا تحتاج في الاستخبار عنها إلى هذا الوقت الطويل.
ثالثاً: لماذا يشعرهم بأنه محتاج إلى ما عندهم ما دام أنه مسدد بالوحي الصادق؟ في حين أن المصلحة تقضي بأن يظهر لهم التسديد والرعاية الإلهية له ولمسيرته "صلى الله عليه وآله"..
إلا أن يقال: إنه "صلى الله عليه وآله" إنما كان يتعامل مع الأمور وفق مسارها الطبيعي، لا من خلال الوحي، والغيب، إلا في مواقع معينة، ووفق شروط وضوابط لا تكون متوفرة في هذا الموقف..
رابعاً: هل كانوا مأمونين على ما يخبرونه في الأمور التي يسألهم، حتى لو افترضنا حاجته إلى العلم بها؟!
مُلك أم نبوة؟!:
لقد مضى على بعثة رسول الله "صلى الله عليه وآله" أكثر من عشرين سنة، عاش منها ثلاث عشرة سنة في مكة، وأظهر لهم فيها تعاليم الإسلام، وبيَّن للناس تعاليمه وأحكامه، وقرأ عليهم القرآن. وقد رأوا عن كثب معاملته لأصحابه، ونظرة أصحابه إليه، وتعاملهم معه. كما أنهم حتى بعد هجرته إلى المدينة في السنوات الثماني الأخيرة، لم ينقطعوا عن تتبع أخباره ورصد حركته.
ولكنهم بالرغم من ذلك كله، ما زالوا يظهرون في أفعالهم وأقوالهم ما يشير إلى خطأ فاحش في أساس نظرتهم إليه، وإلى تعاليمه. ويتجلى ذلك في حوادث فتح مكة المختلفة، فقد حفلت تصريحات كثيرة لزعمائهم، بأن ما يرونه لدى محمد "صلى الله عليه وآله" هو الملك. رغم أنهم قد شاهدوا الكثير من المعجزات والكرامات الدالة على أنها النبوة، والرعاية والإرادة الإلهية..
ومن المفردات التي تدخل في سياق هذه السياسة من هؤلاء العتاة قول أبي سفيان للعباس أكثر من مرة: "لقد أصبح ابن أخيك ـ والله ـ عظيم الملك". أو "ما رأيت ملكاً قط كاليوم، لا ملك كسرى ولا قيصر" أو نحو ذلك..
ويجيبه العباس بأنها النبوة، وليست الملك..
ومن ذلك
أيضاً: أن حكيم بن حزام حين قيل له: بايع.
قال: "أبايعك، ولا أخر إلا قائماً".
فهو يراه ملكاً مثل سائر الملوك، في فارس والروم وغيرها، لا بد من أن يخضع الناس له إلى حد أنهم يخرون سجداً أو ركعاً بمجرد رؤيته تحية له.. وكأن حكيم بن حزام أراد أن يشترط لنفسه أمراً يمتاز به عن غيره من العرب، وهو: أن لا يخر ساجداً أو راكعاً في تحيته له، بل يحييه وهو قائم.
ولكن جواب النبي "صلى الله عليه وآله"لحكيم قد بيَّن: أنه لا توجد مطالب من هذا النوع في قاموس تعامل الناس مع النبي "صلى الله عليه وآله".. فهو يقول: أما من قبلنا فلن تخر إلا قائماً.. أي أنه ليس في شرعنا، ولا في قراراتنا المرتبطة بالتعامل مع الآخرين أي خضوع يصل إلى حد الركوع والسجود لرسول الله "صلى الله عليه وآله"..
عمر لا يراعي مجالس رسول الله ':
وإذا صح ما ذكروه عن عمر بن الخطاب، من أنه قال لأبي سفيان الذي كان في محضر النبي "صلى الله عليه وآله": إخرأ عليها (أي على العزى) فهو غير مقبول منه من جهات:
إحداها: أنه يمثل جرأة على مقام رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وخروجاً عن الحدود، ومخالفة لأبسط اللياقات التي يفترض مراعاتها في مجالس الناس العاديين، فكيف إذا كان ذلك بمحضر رسول الله "صلى الله عليه وآله". سيد رسل الله، وأفضل مخلوقاته تبارك وتعالى؟!
وقد أظهر أبو سفيان تقززه من هذا الفحش، فقال: أف لك ما أفحشك! أو قال: ويحك يا عمر، إنك رجل فاحش. ويمكن أن يكون قد قال الكلمتين معاً أيضاً.
الثانية: إن ما صنعه عمر قد جاء على سبيل استراق السمع المذموم، وبطريقة الفضول والتدخل فيما لا يعنيه، فهو إنما كان في خارج القبة، وقد ألقى كلامه من وراء الحجاب، من دون ان يدعوه أحد إلى ذلك..
ولذلك قال أبو سفيان: "ما يدخلك يا عمر في كلامي، وكلام ابن عمي".
أو قال: "دعني مع ابن عمي، فإياه أكلم". ولعله قال الكلمتين معاً.
الثالثة: إن هذا من الموارد التي ورد النهي عنها في القرآن الكريم بخصوصها، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللهِِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللَهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([340]). فلماذا يتدخل عمر ويقدم بين يدي الله ورسوله؟!
وعلينا أن لا نغفل الإشارة إلى تعبير أبي سفيان عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بقوله: ابن عمي، معتبراً عمر بن الخطاب رجلاً غريباً عنهما، لكونه من بني عدي. فهو ينطلق من موقعه العشائري ليقطع بذلك الطريق على عمر..
ولعل السر في أننا لم نسمع أي تعليق أو اعتراض من النبي "صلى الله عليه وآله" على هذا المنحى، ولم يقل لأبي سفيان أن المعيار هو الأخوة الإيمانية والقرابة الدينية لا العشائرية.. هو: أن بإمكان أبي سفيان أن يتنصل من هذا الأمر، ويفكر في أن يكون ذلك محط تفكيره ومرمى كلامه.
أبو سفيان يخاف من الأذان والصلاة!!:
وقد زعمت النصوص: أن أبا سفيان قد فوجئ بأذان المسلمين، وقيامهم إلى طهورهم، فسأل العباس، فأجابه بأنها الصلاة.
ونقول:
1 ـ قد يقال: إن أبا سفيان كان قد رأى النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين يصلون في مكة قبل الهجرة طيلة ثلاث عشرة سنة، ورآهم في المدينة قبل مدة يسيرة، حينما ذهب ليطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" تجديد العهد، والزيادة في المدة، وسمع فيها الأذان، وبقي أياماً يتصل برجالات المهاجرين والأنصار، يطلب منهم مساعدته فيما جاء له..
فما معنى: أن يفزع من الأذان في هذه المرة؟!
والحقيقة هي: أن أبا سفيان قد سمع العسكر يجيبون المؤذن بصورة جماعية، فظن أنهم قد اتفقوا على أمر بعينه.
ويدل على ذلك: أن المسلمين حين قاموا إلى طهورهم، قال أبو سفيان للعباس: "ما للناس؟! أمروا فيَِّ بشيء"؟!
وهذا على قاعدة: كاد المريب أن يقول: خذوني.
أو كما قال تبارك وتعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ..}([341]).
ونحن وإن كنا لا نستبعد احتمال أن يكون أبو سفيان قد رأى النبي "صلى الله عليه وآله" يصلي في المسلمين جماعة في المدينة..
غير أننا نقول:
إن صلاة عشرة آلاف رجل في جماعة واحدة مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا بد من أن يخيف أبا سفيان، ويحركه إلى الإستفهام..
ونعتقد: أننا لسنا بحاجة إلى بيان: أن الوضوء الذي نسبته بعض الروايات المتقدمة إلى أبي سفيان، وأن العباس أمره فتوضأ، إنما يقصد به مجرد غسل الوجه واليدين.. ولا يراد به الوضوء بمعناه الشرعي عند أهل الإسلام، لأن أبا سفيان لم يكن قد أسلم آنئذٍ.
أسلم تسلم:
لقد حاول أبو سفيان التسويف في الإقرار بالشهادتين، ربما لأنه كان يأمل بتجاوز هذه المرحلة، وهو يريد أن يحتفظ لنفسه بوضع خاص، يحفظ له محوريته بين أهل الشرك، ومرجعيته لهم.
أو على الأقل يريد أن يكون له ملك في مقابل نبوة محمد، التي حاول أن يصر على أنها مظهر من مظاهر الملك أيضاً.. فطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يرجئ طلب الإقرار بالشهادة له بالنبوة.
فأعطاه "صلى الله عليه وآله" فرصة ليتدبر أمره في تلك الليلة. وفي اليوم التالي: عاد ليكرر ذلك الطلب عليه، ويعود أبو سفيان إلى المراوغة مرة بعد أخرى، معتمداً على معسول من الكلام ظناً أنه يبلِّغه إلى ما يريد..
ولكن القضية لم تكن قابلة للإستمرار، لأن أبا سفيان ظل منذ أن بعث الله محمداً "صلى الله عليه وآله" يرتكب أعظم الجرائم والموبقات ويحارب الله ورسوله، ويتسبب بإزهاق الأرواح، وظلم النفوس، والعدوان على الناس في كراماتهم، وفي حرياتهم، وفي جميع الشؤون.. ولا بد من إزالة تبعات ذلك كله، إما بالجزاء العادل، وهو مواجهة القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة، فيما لو أصر على اللجاج والعناد، وعلى إعلان الحرب على الحق وأهله بالسيف، وبالكلمة، وبالموقف. وهذا في حد نفسه جرم عظيم، وظلم جسيم للدين وللمؤمنين.. ولا مجال للتجاوز عنه أو التساهل فيه.. لأنه يقود إلى إضلال الناس، أو إلى استمرار كثير من الضالين على ضلالهم. وإما أن يتراجع عن شركه، ويعلن إسلامه، وبطلان ما كان عليه، ويقر بخطئه في مواقفه، وفي ممارساته السابقة. وبذلك يستفيد من سماحة الإسلام الذي منحه عفواً في الدنيا عن جرائمه وعفواً في الآخرة إن تاب توبة نصوحاً..
فيكون باختياره للإسلام قد سهل مهمة انتشار دعوة الحق، وازال من أذهان بعض المستضعفين الذين يرتبطون به، بنحو أو بآخر، أية شبهة، ورفع أنواع الضغط النفسي، الذي كان يشعر به هؤلاء أو غيرهم، ويمنعهم من الدخول في هذا الدين..
ولأجل ذلك: كرر عليه النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قوله: أسلم تسلم. أي أنه يسلم من العقوبة على جرائمه في الدنيا على أقل تقدير، حسبما بيناه..
وبذلك يظهر: أن هذه الكلمة لا تعني أن الإسلام يَقهر على الإيمان، أو أنه انتشر بالسيف..
بل هي تعني: أن الذي يرتكب جريمة محاربة الحق، ويحارب الله ورسوله، ويسعى في قتل أهل الحق لا يسلم من الجزاء العادل على عدوانه هذا إلا إذا أعلن تراجعه عن موقفه هذا.. واعترف بخطئه فيما ارتكبه من جرائم..
وقد تفضل الله تعالى عليه بهذا العفو، لأنه يريد أن يوفر على الأمة خسائر أكبر قد تنشأ من مواصلته مسيرته الإجرامية، حين يرى أنه هالك لا محالة..
المعادلة التي اعتمد عليها أبو سفيان:
وقد استند أبو سفيان في تقرير بطلان الشرك إلى معادلة تقول: إنه لو كان هناك إله آخر لكان أغنى عنه شيئاً في بدر، وفي أُحد، وفي سواهما.
ولكن ليت شعري لماذا لم يأخذ بهذه المعادلة منذ بدر، أو أُحد، أو الخندق، ليكون قد وفر على الأمة تلك الويلات والمآسي التي أصابتها بسبب بغيه وإصراره على الجحود والعدوان؟
علماً بأن طريقته هذه لا تؤدي إلى التوحيد التام، وإن كان هو قد نوه بذلك، لأن كلامه يدل على أن إله محمد "صلى الله عليه وآله" محق وإله أبي سفيان مبطل، ولكنه لا يدل على عدم صحة دعوى تعدد الآلهة.
لولا المعجزة لم يسلم أبو سفيان:
وتذكر رواية الراوندي: أن ذلك كله لم يقنع أبا سفيان بإعلان إسلامه، رغم تحذير العباس له بأنه إن لم يسلم جوزي بالقتل..
ولكن النبي "صلى الله عليه وآله" عامله أيضاً بالرفق، حيث أمر العباس بأن يأخذه إلى خيمته، وصار أبو سفيان يحدث نفسه: بأنه لو جمع الأحابيش، فلعله كان يهزم هذا الجيش، وإذ برسول الله "صلى الله عليه وآله" يناديه من خيمته، ويقول له: "إذن كان الله يخزيك".
وكان لا بد لأبي سفيان من أن يخضع للأمر الواقع فقد طفح الكيل، وبلغ في لجاجه حداً لم يعد له عذر فيه، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقرأ نواياه، وأقر أبو سفيان بالشهادتين مرغماً ليحقن بذلك دمه.
فوفر على الناس المزيد من الخسائر، وانسحب من ساحة الصراع المسلح، ليدير صراعاً آخر، وبطريقة أخرى، ليكون صراعاً من الداخل يهدف إلى السعي للحصول هو وحزبه على أكبر قدر من المكاسب، بل على أهم المواقع والمناصب..
وأصبح كما يقول صاحب الإستيعاب وغيره: كهفاً للمنافقين([342]).
ولهذا البحث مجال آخر.
العتاب والجواب:
وقد ذكرت النصوص المتقدمة: أن أبا سفيان وحكيم بن حزام قد عاتبا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأسلوب يفتقر إلى أبسط قواعد اللياقة والأدب. حيث وصفا الجيش الذي كان معه بأنهم أوباش الناس، جاء ليحارب بهم أهله وعشيرته..
وقد نسيا:
أولاً: أن أبا سفيان نفسه لم يزل يجمع الأحابيش والأوباش وغيرهم، لمحاربة من هو من أهلهما وعشيرتهما طيلة ما يقرب من عقد من الزمن. بل إن أبا سفيان لم يتلفظ بالشهادتين إلا بعد أن أعلمه النبي "صلى الله عليه وآله": بأنه يحدِّث نفسه لو أنه جمع الأحابيش لحرب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو من أهله وعشيرته..
ثانياً: إن حرب أبي سفيان للنبي "صلى الله عليه وآله"، الذي هو من أهله وعشيرته، ما هي إلا حرب بغي وظلم، وهتك لحرمات الله تعالى..
ثالثاً: هل الاستعانة بمن يعرف ومن لا يعرف لدفع الظلم وإقامة العدل، قبيحة ومرفوضه!! ولا يكون غدر قريش بخزاعة في حرم الله وأمنه ونقضها لعهد الحديبية، وسعيها في تكريس نتائج الغدر ـ لا يكون ـ قبيحاً ومرفوضاً؟!
إن ذلك كله يبين لنا مدى صدقية قوله "صلى الله عليه وآله" لحكيم بن حزام ولأبي سفيان:
"أنتم أظلم وأفجر، قد غدرتم بعهد الحديبية، وظاهرتم على بني كعب بالإثم والعدوان، في حرم الله تعالى وأمنه".
وأما تحريضهما رسول الله "صلى الله عليه وآله" على هوازن، فلم يكن يهدف إلى إقامة الحق، وإجراء سنة العدل في هوازن على يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله".. بل كان من منطلق ظالم، وغير منطقي، لأنهم استندوا في إغرائه بهم إلى أنهم أبعد رحماً، وأشد عداوة له. وليس هذا هو منطق الإسلام ونبي الله تعالى.
وقد جاءت إجابة النبي "صلى الله عليه وآله" لهما شديدة الوقع، بالغة الأثر، حيث قال:
"إني لأرجو من ربي أن يجمع لي ذلك كله: فتح مكة، وإعزاز الإسلام بها، وهزيمة هوازن، وغنيمة أموالهم، وذراريهم".
وقد تضمنت هذه الكلمات كل ما يغيظ الكفار ويذلهم، ويخزيهم.. لأن جمع ذلك كله له سيكون بالنسبة إلى أبي سفيان وابن حزام من أعظم الكوارث عليهما وعلى أهل الشرك.. بل إن الفوز بأية مفردة من تلك المفردات سيكون فيه أعظم الخزي والذل للشرك وأهله.. والمفردات التي أشار إليها هي:
1 ـ فتح مكة: التي كانوا يستطيلون بها على العرب، ويمتلكون من خلالها قلوبهم، ويفرضون إرادتهم.. وفي التسلط على مكة، وإبطال نفوذهم أعظم الخزي والذل لهم.
2 ـ إعزاز الإسلام في نفسه وهذا أيضاً سيكون من أعظم المصائب والملمات على أهل الشرك.. فكيف إذا كان هذا الإعزاز في مكة نفسها؟!
3 ـ هزيمة هوازن: وهذه أيضاً: فاجعة كبرى لمشركي قريش، لأنهم يرون فيها سنداً قوياً لهم. وسقوطها معناه: أن يفقدوا بها أملاً كان يهبهم بعض السكون والطمأنينة.
4 ـ غنيمة أموال هوازن: وهذا معناه: أن لا تقوم لها قائمة بعدها، وأن تخرج من معادلة الحرب والصراع بصورة تامة، ونهائية..
5 ـ إن الأشد إيلاماً لهم: أن النبي الكريم "صلى الله عليه وآله" لا يعتمد في تحقيق ذلك كله على نفسه وعلى هذا الجيش الهائل، بل هو يعتمد على ربه تبارك وتعالى.. الذي لم يكونوا في أي وقت في موقع رضاه، بل كانوا دائماً في موقع سخطه.
تصحيح اشتباه:
كان بديل بن ورقاء الخزاعي يقول: لما كان يوم الفتح أوقفني العباس بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله" وقال: يا رسول الله، هذا يوم قد شرفت فيه قوماً، فما بال خالك بديل بن ورقاء، وهو قعيد حيه؟
قال النبي "صلى الله عليه وآله": "إحسر عن حاجبيك يا بديل".
فحسرت عنهما، وحدرت لثامي، فرأى سواداً بعارضي، فقال: كم سنوك يا بديل؟
فقلت: سبع وتسعون يا رسول الله.
فتبسم النبي "صلى الله عليه وآله" وقال: "زادك الله جمالاً وسواداً، وأمتعك وولدك، لكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد نيف على الستين، و قد أسرع الشيب فيه، اركب جملك هذا الأورق وناد في الناس: "إنها أيام أكل وشرب".
وكنت جهيراً، فرأيتني بين خيامهم وأنا أقول: أنا رسول رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول لكم: إنها أيام أكل وشرب، وهي لغة خزاعة، يعني الإجتماع([343]).
ونقول:
إننا لا نريد أن نزيد هنا شيئاً على ما قاله المجلسي "رحمه الله": "والمشهور: أن هذا النداء كان في حجة الوداع، لا عام الفتح"([344]).
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
القسم التاسع: فتح مكة
الباب الأول: إلى مكة
الفصل الأول: المجزرة.................................................. 9 ـ 44
الفصل الثاني: إلى المدينة: خبر وشكوى........................ 45 ـ 72
الفصل الثالث: أبو سفيان في المدينة تدليس وخداع....... 73 ـ 124
الفصل الرابع: جيوش تجتمع.. والهدف مجهول .......... 125 ـ 160
الفصل الخامس: ابن أبي بلتعة.. يتجسس ويفتضح...... 161 ـ 212
الفصل السادس: على طريق مكة............................. 213 ـ 250
الفصل السابع: هجرة العباس وإسلام ابن الحارث وابن أبي سلمة 251 ـ 288
الفصل الثامن: أبو سفيان في أيدي المسلمين............. 289 ـ 340
الفهارس............................................................. 341 ـ 354
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \u \t "عنوان 2,1,عنوان 3,1,عنوان 4,1,عنوان 5,1,عنوان 6,1"
القسم التاسع: فتح مكة..
الباب الأول: إلى مـكـة
الفصل الأول: المجزرة
بداية:.............................................................................. PAGEREF _Toc150081894 \h 11
تاريخ فتح مكة:.................................................................. PAGEREF _Toc150081895 \h 12
يوم خروج النبي ' من المدينة:.............................................. PAGEREF _Toc150081896 \h 14
يوم دخول مكة:................................................................. PAGEREF _Toc150081897 \h 15
مدة الإقامة في مكة:............................................................ PAGEREF _Toc150081898 \h 17
خطأ في البخاري:.............................................................. PAGEREF _Toc150081899 \h 19
شهر رمضان لماذا؟!:.......................................................... PAGEREF _Toc150081900 \h 21
الأحلاف في الجاهلية والإسلام:............................................. PAGEREF _Toc150081901 \h 22
حلف خزاعة:.................................................................... PAGEREF _Toc150081902 \h 22
سبب حلف خزاعة:............................................................. PAGEREF _Toc150081903 \h 24
حلف أهل الباطل:............................................................... PAGEREF _Toc150081904 \h 25
لا حلف في الإسلام:............................................................ PAGEREF _Toc150081905 \h 25
مرتكزات حلف عبد المطلب وخزاعة:..................................... PAGEREF _Toc150081906 \h 28
قريش تنقض العهد:............................................................ PAGEREF _Toc150081907 \h 29
سبب نقض العهد واحد:........................................................ PAGEREF _Toc150081908 \h 33
إستغلال الضغائن:.............................................................. PAGEREF _Toc150081909 \h 33
الغدر بالضعفاء، وبالصبيان والنساء:...................................... PAGEREF _Toc150081910 \h 34
القسوة.. لماذا ؟!:................................................................ PAGEREF _Toc150081911 \h 35
حرمة الحرم لدى قريش:...................................................... PAGEREF _Toc150081912 \h 36
هل ندموا حقاً؟!.................................................................. PAGEREF _Toc150081913 \h 37
بنو نفاثة يسرقون الحاج:...................................................... PAGEREF _Toc150081914 \h 38
بديل بن ورقاء وما جرى:.................................................... PAGEREF _Toc150081915 \h 40
بين الثأر.. والقصاص:........................................................ PAGEREF _Toc150081916 \h 41
الفصل الثاني: إلى المدينة: خبر وشكوى
النبي ' يخبر بالغيب عن نقض العهد:..................................... PAGEREF _Toc150081919 \h 47
لماذا عائشة دون سواها؟!:.................................................... PAGEREF _Toc150081920 \h 48
حرت في أمر خزاعة:......................................................... PAGEREF _Toc150081921 \h 49
سلب الألطاف الإلهية:......................................................... PAGEREF _Toc150081922 \h 50
النبي '.. ونصر بني كعب:.................................................. PAGEREF _Toc150081923 \h 52
نوفل يضيع الحق:.............................................................. PAGEREF _Toc150081924 \h 56
غضب النبي ' لبني كعب:................................................... PAGEREF _Toc150081925 \h 58
نصرت يا عمرو بن سالم:.................................................... PAGEREF _Toc150081926 \h 59
لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب:...................................... PAGEREF _Toc150081927 \h 59
السحابة تستهل بنصر بني كعب:............................................ PAGEREF _Toc150081928 \h 62
دخل بيت عائشة أم ميمونة؟!:................................................ PAGEREF _Toc150081929 \h 63
ابن ورقاء أول المخبرين:..................................................... PAGEREF _Toc150081930 \h 64
عينا رسول الله ' تدمعان:.................................................... PAGEREF _Toc150081931 \h 66
قام وهو يجر رداءه:............................................................ PAGEREF _Toc150081932 \h 67
النبي ' يأمر مخبريه بالتفرق في الأودية:................................. PAGEREF _Toc150081933 \h 68
الفصل الثالث: أبو سفيان في المدينة: تدليس وخداع
عروض النبي ' ورفض قريش:............................................ PAGEREF _Toc150081936 \h 75
مساعٍ فاشلة لأبي سفيان:...................................................... PAGEREF _Toc150081937 \h 77
ترتيب الأحداث:................................................................. PAGEREF _Toc150081938 \h 88
سؤال وجوابه:................................................................... PAGEREF _Toc150081939 \h 89
على ماذا ندمت قريش؟!:...................................................... PAGEREF _Toc150081940 \h 90
أبو سفيان ينقض العهد:........................................................ PAGEREF _Toc150081941 \h 91
الخيارات العادلة:............................................................... PAGEREF _Toc150081942 \h 92
سياسات يعرفها الجميع:....................................................... PAGEREF _Toc150081943 \h 93
آراء لا يحسدون عليها:........................................................ PAGEREF _Toc150081944 \h 94
تحديد المتهم بدقة:............................................................... PAGEREF _Toc150081945 \h 95
عرام بني نفاثة:................................................................. PAGEREF _Toc150081946 \h 95
بنو نفاثة يعظمون الحرم:...................................................... PAGEREF _Toc150081947 \h 96
الخبر اليقين:..................................................................... PAGEREF _Toc150081948 \h 96
رؤيا هند بنت عتبة:............................................................ PAGEREF _Toc150081949 \h 97
أبو سفيان هو المسؤول:....................................................... PAGEREF _Toc150081950 \h 97
تجديد العهد، وزيادة المدة:.................................................. PAGEREF _Toc150081951 \h 100
أساليب استخباراتية فاشلة:.................................................. PAGEREF _Toc150081952 \h 101
أبو سفيان في المدينة:........................................................ PAGEREF _Toc150081953 \h 102
خيار الهروب إلى الأمام:.................................................... PAGEREF _Toc150081954 \h 104
التدبير الصارم:............................................................... PAGEREF _Toc150081955 \h 106
مواقف مزعومة، بل موهومة:............................................ PAGEREF _Toc150081956 \h 107
جواري جوار رسول الله ':............................................... PAGEREF _Toc150081957 \h 112
هل تجير الزهراء ÷؟!:..................................................... PAGEREF _Toc150081958 \h 114
قد أجارت أختك:.............................................................. PAGEREF _Toc150081959 \h 114
أخت الزهراء ÷:............................................................. PAGEREF _Toc150081960 \h 115
مُري ابنك:..................................................................... PAGEREF _Toc150081961 \h 116
هما صبيان:.................................................................... PAGEREF _Toc150081962 \h 117
قريش في مأزق:.............................................................. PAGEREF _Toc150081963 \h 119
كلمي علياً:..................................................................... PAGEREF _Toc150081964 \h 120
سيد كنانة!! يطلب النصيحة!!:............................................. PAGEREF _Toc150081965 \h 121
قريش تتهم زعيمها:.......................................................... PAGEREF _Toc150081966 \h 122
الفصل الرابع: جيوش تجتمع.. والهدف مجهول
استشارة أبي بكر وعمر في أمر مكة:.................................... PAGEREF _Toc150081969 \h 127
أبو بكر يفشي سرّ رسول الله ':.......................................... PAGEREF _Toc150081970 \h 129
ذل العرب.. وذل أهل مكة:................................................. PAGEREF _Toc150081971 \h 133
حديث فاطمة ÷ كان في عام الفتح أيضاً:............................... PAGEREF _Toc150081972 \h 134
جهزينا، وأخفي أمرك:...................................................... PAGEREF _Toc150081973 \h 139
عائشة تفشي سر النبي ':.................................................. PAGEREF _Toc150081974 \h 140
للمباغتة وجهان:.............................................................. PAGEREF _Toc150081975 \h 142
مكث ما شاء الله:.............................................................. PAGEREF _Toc150081976 \h 143
التجهيز لسفر مبهم:........................................................... PAGEREF _Toc150081977 \h 144
نجاح الخطة:.................................................................. PAGEREF _Toc150081978 \h 145
الأخذ على الأسماع والأبصار:............................................ PAGEREF _Toc150081979 \h 146
حتى نبغتها في بلادها:....................................................... PAGEREF _Toc150081980 \h 147
لماذا الحديث عن قريش دون بني بكر؟!:................................ PAGEREF _Toc150081981 \h 147
أبو بكر وعائشة في مأزق:................................................. PAGEREF _Toc150081982 \h 148
أبو بكر يصر على النبي ' إلى حد الإحراج:........................... PAGEREF _Toc150081983 \h 150
أليس بينك وبينهم مدة؟!:..................................................... PAGEREF _Toc150081984 \h 152
السيطرة على المسالك:...................................................... PAGEREF _Toc150081985 \h 152
إلى بطن إضم:................................................................ PAGEREF _Toc150081986 \h 154
إشارة لما سبق:................................................................ PAGEREF _Toc150081987 \h 156
النفير العام:.................................................................... PAGEREF _Toc150081988 \h 157
الحضور إلى المدينة في شهر رمضان:.................................. PAGEREF _Toc150081989 \h 158
إبان المسير إلى قريش:...................................................... PAGEREF _Toc150081990 \h 158
الفصل الخامس: ابن أبي بلتعة.. يتجسس ويفتضح
اكتشاف تجسس ابن أبي بلتعة لقريش:................................... PAGEREF _Toc150081993 \h 163
نص الكتاب:................................................................... PAGEREF _Toc150081994 \h 166
التدخل الإلهي:................................................................. PAGEREF _Toc150081995 \h 168
لعلها عدة رسائل:............................................................. PAGEREF _Toc150081996 \h 180
مقدار الجعل على حمل الرسالة:........................................... PAGEREF _Toc150081997 \h 181
هل نافق حاطب؟!:........................................................... PAGEREF _Toc150081998 \h 181
المخبأ العتيد:................................................................... PAGEREF _Toc150081999 \h 182
الفضل لعلي ×:............................................................... PAGEREF _Toc150082000 \h 182
الحرس على الطريق وشى بالخائن:...................................... PAGEREF _Toc150082001 \h 183
رسالة تهديد أم تحذير؟!:.................................................... PAGEREF _Toc150082002 \h 184
دقة معلومات حاطب:........................................................ PAGEREF _Toc150082003 \h 185
خبر السماء:................................................................... PAGEREF _Toc150082004 \h 186
ألا يكفي علي × وحده؟!:................................................... PAGEREF _Toc150082005 \h 187
خذوه منها، فإن أبت فاضربوا عنقها:.................................... PAGEREF _Toc150082006 \h 188
الصلاة جامعة لماذا؟!:....................................................... PAGEREF _Toc150082007 \h 189
حاطب ينفي الشك والنفاق:................................................. PAGEREF _Toc150082008 \h 192
تهديد المتهم:................................................................... PAGEREF _Toc150082009 \h 193
ردها إلى رسول الله ':..................................................... PAGEREF _Toc150082010 \h 194
حاطب يلتفت إلى النبي ' ليرقَّ له:....................................... PAGEREF _Toc150082011 \h 195
قيمة العفو.. والاستغفار:.................................................... PAGEREF _Toc150082012 \h 196
عذر حاطب:................................................................... PAGEREF _Toc150082013 \h 197
للنبي ' أن يعفو عن حاطب:............................................... PAGEREF _Toc150082014 \h 198
عمر: مرني بقتله:............................................................ PAGEREF _Toc150082015 \h 199
منقبة عظيمة لحاطب:....................................................... PAGEREF _Toc150082016 \h 200
لعل الله اطلع على أهل بدر!!:.............................................. PAGEREF _Toc150082017 \h 202
إصرار عمر لماذا؟!:......................................................... PAGEREF _Toc150082018 \h 205
الجرأة على الدماء:........................................................... PAGEREF _Toc150082019 \h 206
الفصل السادس: على طريق مكة
إستخلف على المدينة وخرج!!:............................................ PAGEREF _Toc150082022 \h 215
عشرة آلاف مقاتل:........................................................... PAGEREF _Toc150082023 \h 218
تأويلات وتفاصيل:........................................................... PAGEREF _Toc150082024 \h 220
لا يزال المقصد مجهولاً:.................................................... PAGEREF _Toc150082025 \h 222
توضيح عن المقدمة:......................................................... PAGEREF _Toc150082026 \h 225
إلى أين يا رسول الله؟!:...................................................... PAGEREF _Toc150082027 \h 226
لا بد من جواب:............................................................... PAGEREF _Toc150082028 \h 228
حيث يشاء الله:................................................................ PAGEREF _Toc150082029 \h 229
إستنفار العرب:............................................................... PAGEREF _Toc150082030 \h 230
سُليم تريد الحظوة عند النبي ':............................................ PAGEREF _Toc150082031 \h 231
نخوة الجاهلية:................................................................. PAGEREF _Toc150082032 \h 232
بِيض النساء وأُدُم الإبل في بني مدلج:.................................... PAGEREF _Toc150082033 \h 233
الرفق بالحيوان.. مسؤولية شرعية:....................................... PAGEREF _Toc150082034 \h 236
صيام النبي ' في السفر:.................................................... PAGEREF _Toc150082035 \h 239
أين أفطر رسول الله '؟!:................................................... PAGEREF _Toc150082036 \h 243
حديث الصيام باطل من أصله:............................................ PAGEREF _Toc150082037 \h 244
حديث شق عليهم الصوم:................................................... PAGEREF _Toc150082038 \h 248
الفصل السابع: هجرة العباس.. وإسلام ابن الحارث وابن أبي سلمة
إسلام العباس وهجرته:...................................................... PAGEREF _Toc150082041 \h 253
وساطة أم سلمة:.............................................................. PAGEREF _Toc150082042 \h 255
هجرة العباس آخر هجرة:................................................... PAGEREF _Toc150082043 \h 262
الهجرة لم تنقطع:.............................................................. PAGEREF _Toc150082044 \h 266
الطلقاء ليسوا من الصحابة:................................................. PAGEREF _Toc150082045 \h 271
العباس يتلقى رسول الله ':................................................. PAGEREF _Toc150082046 \h 272
أين لقي العباس رسول الله '؟!:........................................... PAGEREF _Toc150082047 \h 273
تناقض واختلاف الروايات:................................................ PAGEREF _Toc150082048 \h 275
النبي ' لا يرد السلام ولا يقبل التوبة:................................... PAGEREF _Toc150082049 \h 275
تالله لقد آثرك الله علينا:...................................................... PAGEREF _Toc150082050 \h 278
ومن أحسن قولاً من الله:.................................................... PAGEREF _Toc150082051 \h 281
هنات وهنات في رواية الواقدي:.......................................... PAGEREF _Toc150082052 \h 282
ألف: اعتراض أم سلمة:........................................... PAGEREF _Toc150082053 \h 282
ب: أبو سفيان بن الحارث، والإسلام:.......................... PAGEREF _Toc150082054 \h 282
ج: علم ابن الحارث بقدوم رسول الله ':...................... PAGEREF _Toc150082055 \h 283
د: هل سيفرح المسلمون بإسلام ابن الحارث؟!:.............. PAGEREF _Toc150082056 \h 284
هـ: بطولات أبي سفيان بن الحارث في حنين:................ PAGEREF _Toc150082057 \h 285
و: يا للأنصار! يا للخزرج!!:.................................... PAGEREF _Toc150082058 \h 285
ز: سؤال النبي ' عن أبي سفيان بن الحارث:................ PAGEREF _Toc150082059 \h 285
عمر يغري بأبي سفيان بن الحارث:...................................... PAGEREF _Toc150082060 \h 286
الفصل الثامن: أبو سفيان في أيدي المسلمين..
زعماء يربأ بهم النبي ' عن الشرك:..................................... PAGEREF _Toc150082063 \h 291
منام أبي بكر:.................................................................. PAGEREF _Toc150082064 \h 293
جيش الإسلام في مر الظهران:............................................ PAGEREF _Toc150082065 \h 294
إنه ليس بملك:................................................................. PAGEREF _Toc150082066 \h 307
من الذي كان مع أبي سفيان؟!:............................................. PAGEREF _Toc150082067 \h 307
لم يبلغهم حرف واحد:....................................................... PAGEREF _Toc150082068 \h 308
تزوير الحقائق:................................................................ PAGEREF _Toc150082069 \h 308
عشرة آلاف نار لماذا؟!:..................................................... PAGEREF _Toc150082070 \h 309
إن لقيت محمداً فخذ لنا أماناً:............................................... PAGEREF _Toc150082071 \h 310
العباس الناصح لقريش على بغلة رسول الله ':........................ PAGEREF _Toc150082072 \h 311
علم العباس بمكان أبي سفيان:.............................................. PAGEREF _Toc150082073 \h 312
عمر وأبو سفيان:............................................................. PAGEREF _Toc150082074 \h 314
ترهات وأكاذيب:............................................................. PAGEREF _Toc150082075 \h 316
بديل بن ورقاء خزاعي:..................................................... PAGEREF _Toc150082076 \h 317
ما هذا التصافي والإنسجام؟!:.............................................. PAGEREF _Toc150082077 \h 318
حماس عمر لقتل أبي سفيان:............................................... PAGEREF _Toc150082078 \h 319
تناقضات مواقف عمر وأبي بكر:......................................... PAGEREF _Toc150082079 \h 320
لا مبرر لقتل أبي سفيان:.................................................... PAGEREF _Toc150082080 \h 323
اتهام العباس لعمر بن الخطاب:............................................ PAGEREF _Toc150082081 \h 324
إسلام العباس.. وإسلام الخطاب:.......................................... PAGEREF _Toc150082082 \h 325
جوار العباس:................................................................. PAGEREF _Toc150082083 \h 326
هل مكث أبو سفيان عند النبي ' عامة الليل؟:.......................... PAGEREF _Toc150082084 \h 327
مُلك أم نبوة؟!:................................................................. PAGEREF _Toc150082085 \h 328
عمر لا يراعي مجالس رسول الله ':.................................... PAGEREF _Toc150082086 \h 330
أبو سفيان يخاف من الأذان والصلاة!!:.................................. PAGEREF _Toc150082087 \h 331
أسلم تسلم:...................................................................... PAGEREF _Toc150082088 \h 332
المعادلة التي اعتمد عليها أبو سفيان:..................................... PAGEREF _Toc150082089 \h 334
لولا المعجزة لم يسلم أبو سفيان:........................................... PAGEREF _Toc150082090 \h 335
العتاب والجواب:............................................................. PAGEREF _Toc150082091 \h 336
تصحيح اشتباه:................................................................ PAGEREF _Toc150082092 \h 338
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc150082096 \h 343
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc150082099 \h 345
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) البحار ج19 ص273 وج21 ص116 وراجع ج97 ص168 وأمالي ابن الشيخ ص218. وراجع: الأمالي للطوسي ص342 ومسند الإمام الرضا ج2 479 وميزان الحكمة ج3 ص2249 وتفسير الميزان ج9 ص29 ومشارق الشموس للخوانساري ج2 ص370 والحدائق الناضرة ج3 ص188 والإستبصار ج2 ص102 وتهذيب الأحكام ج4 ص126 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص201 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص243 ومنتهى الجمان ج2 ص520.
([2]) تاريخ الخميس ج2 ص77. وراجع: البحار ج21 ص143 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص137 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص391 والبداية والنهاية (ط مكتبة المعارف) ج2 ص322 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1096 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص77 و 232 ونيل الأوطار ج2 ص195 وأحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص640.
([3]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص200 و 265 و 266 عن البخاري، والبيهقي، وأحمد، والواقدي، وابن إسحاق، وإسحاق بن راهويه، ومسلم، وتاريخ الخميس ج2 ص90 و 77 والسيرة الحلبية ج3 ص76 والبحار ج21 ص102 و 111 و 124 و 127 و 133 و 143 ومجمع البيان ج10 ص555 وعن البخاري ج7 ص595.
وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج4 ص341 وج6 ص55 ومقدمة فتح الباري ص371 وفتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 والتبيان ج5 ص198 وتفسير القرطبي ج6 ص60 ومكاتيب الرسول ج1 ص119 وسبل السلام ج2 ص161 وج3 ص5 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص134 و 137 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص391 والبداية والنهاية (ط مكتبة المعارف) ج2 ص322 والتاريخ الصغير للبخاري ج1 ص58 وفتوح البلدان ج1 ص46 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1096 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص77 و 232 ونيل الأوطار ج2 ص195 وأحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص640 وإعلام الورى ج1 ص215 وقصص الأنبياء للراوندي ص345 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص354 و 539 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وتاريخ خليفة بن خياط ص52. وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً.
([4]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص265 عن البيهقي، وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص326 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313.
([5]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص265 و 266 عن أحمد بإسناد صحيح، والسيرة الحلبية ج3 ص76 و (ط دار المعرفة) ج3 ص3 والبحار ج21 ص127 وإعلام الورى ج1 ص218 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص327 و (ط دار المعارف) ج2 ص283 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص541 و 542 صحيح ابن حبان (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص46 و (ط دار الفكر) ج5 ص84 وشرح معاني الآثار ج2 ص66 ومسند أبي حنيفة ج1 ص250 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص264 وراجع: المبسوط للسرخسي ج3 ص91 وعن عون المعبود ج7 ص30 و (ط دار الفكر) ص39 والتمهيد للقرطبي ج2 ص169 وج22 ص47 ومرقاة المفاتيح ج4 ص525 والسير الكبير للشيباني ج1 ص66 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313.
([6]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 عن الواقدي، وابن إسحاق، وعن إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس، والسيرة الحلبية ج3 ص76 ومجمع البيان ج10 ص555 وتاريخ الخميس ج2 ص90 والبحار ج21 ص102 وراجع: شرح مسلم للنووي ج5 ص234 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 والديباج على مسلم ج3 ص216 وعن عون المعبود ج7 ص30 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وتاريخ خليفة بن خياط ص52 ومرقاة المفاتيح ج4 ص525.
([7]) البحار ج21 ص133 عن إعلام الورى وغيره، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص265 عن البيهقي بسند صحيح، وإعلام الورى ج1 ص226 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص541 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج3 ص141 و (ط دار الكتب العلمية) ج7 ص190 والعلل لابن حنبل ص231 والسنن الكبرى للبيهقي (ط دار الفكر) ج4 ص241 و (ط أخرى) ج6 ص273 شرح مسلم للنووي (ط دار الكتاب العربي) ج5 ص233 و (ط دار الفكر) ج7 ص189 والدر منثور ج6 ص408 ومسند أحمد (ط دار صادر) ج1 ص276 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص107 والمستدرك للحاكم ج3 ص43 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 والمصنف للصنعاني ج5 ص374 ونصب الراية (ط دار الحديث) ج3 ص28 ومنتخب مسند عبد بن حميـد (ط مكتبـة النهضة) ص217 و (ط دار عـالم الكتـاب) ج1 = = ص216 وغرر الفوائد المجموعة ليحي بن علي القرشي ص310 ومجمع الزوائد ج6 ص177 ونصب الراية ج3 ص28 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج4 ص327 و (ط دار المعارف) ج2 ص283.
([8]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص265 و 266 عن أحمد، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313.
([9]) تاريخ الخميس ج2 ص77 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص265 و 266 عن مسلم، وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313.
([10]) الدر المنثور ج6 ص408 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج4 ص326 و (ط دار المعارف) ج2 ص282 والسيرة النبوية لابن كثر ج3 ص541.
([11]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص265 و 266 عن أحمد، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وشرح مسلم للنووي (ط دار الكتاب العربي) ج7 ص334 و (ط دار الفكر) ج7 ص189 ونيل الأوطار (ط دار الفكر) ج2 ص295 و (ط دار الجيل) ج4 ص311 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج4 ص158 وج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج4 ص690 وج8 ص313 وعمدة القاري ج11 ص45 والديباج على مسلم ج3 ص216.
([12]) البحار ج94 ص168 ج21 ص143 عن الكازروني، وتاريخ خليفة بن خياط ص53 وتاريخ الأمم والملـوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص343 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص889 و (دار المعرفة) = = ج4 ص60 عن ابن إسحاق، ومستدرك سفينة البحار ج8 ص107 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 والديباج على مسلم ج3 ص216 ونيل الأوطار (ط دار الفكر) ج2 ص295 و (ط دار الجيل) ج4 ص311 و 312 وإعلام الورى ج1 ص226 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص44 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج4 ص327 و 369 و (ط دار المعارف) ج2 ص283 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص542 وتفسير أبي السعود ج9 ص208 وراجع: تفسير الثعالبي، وتفسير البغوي.
([13]) فتح القدير ج2 ص10 وتفسير القرطبي ج6 ص60 عن الضحاك.
([14]) تاريخ الخميس ج2 ص77 والبحار ج21 ص111عن كتاب العدد، وسبل الهدى والرشاد ج5 ص266 وتاريخ بغداد ج12 ص108 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج8 ص2 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 وشرح معاني الآثار ج2 ص68.
([15]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص261 وعن البخاري ج1 ص367 ح1031 وج4 ص1064 ح1046 وعن مسلم ج2 ص141 ح15 والمحلى ج5 ص27 والمجموع للنووي ج4 ص363 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص148.
([16]) تاريخ الخميس ج2 ص90 عن البخاري، والمغـازي للـواقـدي ج2 ص871 = = وسبل الهدى والرشاد ج5 ص261 وج8 ص231 عن أبي داود، وعن ابن إسحاق، والنسائي. وراجع: مسالك الأفهام ج7 ص428 عن صحيح مسلم ج2 ص1024 ح20 ونيل الأوطار ج9 ص269 وعن صحيح مسلم (ط دار الفكر) ج4 ص132 وتحفة الأحوذي ج3 ص93 وج4 ص225 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص415 والبحار ج21 ص143 عن الكازروني، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص143 و 144 والبداية والنهاية ج4 ص363 والسيرة النبوية ج3 ص600 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص151 والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص340 وج8 ص540 وتاريخ خليفة بن خياط ص52 وتفسير مجمع البيان ج5 ص34 وتفسير الميزان ج9 ص230.
([17]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص261 وتاريخ الخميس ج2 ص90 عن أبي داود، وراجع: الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص143 وكنز العمال ج8 ص239.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص261 وج8 ص231 عن أبي داود، وتاريخ الخميس ج2 ص90 عن الترمذي، وراجع: الطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص143 و 144 والمصنف لابن أبي شيبة ج1 ص419 وكنز العمال ج7 ص545 وج8 ص237 وعن فتح الباري ج2 ص463 وتحفة الأحوذي ج3 ص93 وتلخيص الحبير ج4 ص449 وج7 ص355 وسبل السلام ج2 ص40 ونيل الأوطار ج3 ص256 ومسند أحمد ج3 ص431 و 432 وسنن أبي داود ج1 ص275 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص157 والمصنف لابن أبي شيبة ج2 ص338 و 340 و 419 ونصب الراية ج2 ص224 و 225 و 226 والبداية والنهاية ج4 ص363 والسيرة النبوية ج3 ص599.
([19]) تاريخ الخميس ج2 ص90 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص261 وج8 ص230 عن البخاري وأبي داود، والسيرة الحلبية ج3 ص104 وتحفة الأحوذي ج3 ص93 ونصب الراية ج2 ص221.
([20]) المغازي للواقدي ج2 ص871 وتحفة الأحوذي ج3 ص94 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص201 وتلخيص الحبير ج4 ص449.
([21]) تاريخ الخميس ج2 ص90 عن الإكليل، وراجع: عون المعبود ج14 ص37.
([22]) المصدر السابق.
([23]) صحيح البخاري (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص313 و (ط دار الفكر) ج5 ص90 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص266 عنه، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وتاريخ الخميس ج2 ص77 وعوالي اللآلي ج1 ص203 ومسند أحمد (ط دار صادر) ج1 = = ص334 و (ط دار إحياء التراث العربي) ص549 والسنن الكـبرى للبيهقي ج4 ص241 وعن فتح الباري (ط دار المعرفة) ج4 ص154 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 والمصنف للصنعاني ج5 ص373 والدر المنثور (ط دار المعرفة) ج6 ص407 و (ط دار الفكر) ج8 ص659 ونيل الأوطار (ط دار الفكر) ج2 ص288 و (ط دار الجليل) ج4 ص303 والطرائف لابن طاووس ص528 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص326 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص541.
([24]) فتح البارى (ط دار المعرفة) ج8 ص3 و (ط دار الفكر) ج8 ص313 وعمدة القاري ج17 ص275 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص266 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص76.
([25]) تاريخ الخميس ج2 ص77.
([26]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص41 والمصنف للصنعاني ج5 ص361 والدر المنثور (ط دار المعرفة) ج4 ص108 و (ط دار الفكر) ج5 ص97 والعلل في معرفة الرجال لابن حنبل ج3 ص426.
([27]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص200 عن فتح الباري ج7 ص592 والسيرة الحلبية ج3 ص70 والمغازي للواقدي ج2 ص781 و 782 وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج2 ص345 ومكاتيب الرسول ج3 ص130 و 234 و 235 .
([28]) السيرة الحلبية ج3 ص 70 و 71.
([29]) السيرة الحلبية ج3 ص70 وراجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص9 و10.
([30]) راجع: كتاب الأم للشافعي ج4 ص239 و 302 وج7 ص367 و 370 ومختصر المزني ص258 و 272 والمجموع للنووي ج19 ص364 و 365 والمبسوط للسرخسي ج10 ص25 ونيل الأوطار ج8 ص180 والأمالي للشيخ الطوسي ص263 والبحار ج93 ص81 وج97 ص32 والغدير ج8 ص171 وميزان الحكمة ج2 ص1340 و 1341 وسنن ابن ماجة ج2 ص895 ومجمع الزوائد ج6 ص292 والمصنف للصنعاني ج10 ص99 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص26 وشرح معاني الآثار ج3 ص193 والمعجم الأوسط ج6 ص305 والمعجم الكبير ج20 ص206 وكنز العمال ج1 ص99 والسير الكبير للشيباني ج2 ص482.
([31]) راجع: معاني الأخبار ص52 و 118 وعيون أخبار الرضا ج2 ص85 و (ط أخرى) ج1 ص91 والبرهان (تفسير) ج1 ص369 عن الفائق للزمخشري، وعن ابن شهرآشوب. والميزان (تفسير) ج4 ص357 عنه وعن العياشي. ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص235 وعلل الشرائع ج1 ص127 والأمالي للصدوق = = ص65 و 411 و 755 وكمال الدين وتمام النعمة ص261 وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص322 وخاتمة المستدرك للنوري ج5 ص14 والغارات للثقفي ج2 ص717 و 745 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص46 و 47 وكنز الفوائد ص186 والمناقب لابن شهرآشوب ج2 ص300 والعمدة لابن البطريق ص345 وسعد السعود للسيد ابن طاووس ص275 والصراط المستقيم ج1 ص242 و 243 والمحتضر لحسن بن سليمان الحلي ص35 وكتاب الأربعين للشيرازي ص47 والبحار ج16 ص95 و 364 وج23 ص128 و 259 وج26 ص264 و342 وج36 ص6 و 9 و 11 و 14 و 255 وج38 ص92 و 152 وج39 ص93 وج40 ص45 و 53 وج66 ص343 وج71 ص116 وج108 ص320 و 376 وج109 ص10 وج110 ص36 وكتاب الأربعين للماحوزي ص238 وشرح الزيارة الجامعة للسيد عبد الله شبر ص43 والمراجعات ص286 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص40 و 41 وج2 ص393 وج9 ص264 وج10 ص445 ونهج السعادة ج7 ص156 و 158 والإمام علي "عليه السلام" لأحمد الرحماني ص76 و 787 ومسند الإمام الرضا "عليه السلام" ج1 ص80 و 221 ودرر الأخبار ص244 و 272 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص159 و200 و 413 وتفسير الإمام العسكري "عليه السلام" ص330 و 331 و 645 والتفسير الصافي ج1 ص150 وج4 ص 165 و166 وج5 ص52 والتفسير الأصفى ج2 ص984 وتفسير نور الثقلين ج4 ص237 و 238 وتفسير كنز الدقائق ج1 ص286 وج4 ص357 ومفردات غريب القرآن ص7 وإختيار معرفة الرجال ج1 ص233 وبشارة المصطفى لمحمد بن علي الطبري ص97 و 254 ونهج الإيمان لابن جبر ص625 و 629 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج1 ص74 و 128 وينابيع المودة ج1 ص370.
([32]) الآية 10 من سورة الحجرات.
([33]) المغازي للواقدي ج2 ص783 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص453 والبحار ج21 ص108 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260 و 271 .
([34]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص201 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص257.
([35]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص201 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص71 والبحار ج21 ص100 و 101 ومجمع البيان ج10 ص554 و 555 والمغازي للواقدي ج2 ص782 و 783 وتاريخ الخميس ج2 ص77 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص257 وزاد المسير ج3 ص272 والطبقات الكبرى ج2 ص134.
([36]) تاريخ الخميس ج2 ص77 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص258 وزاد المسير ج3 ص272 والطبقات الكبرى ج2 ص134.
([37]) السيرة الحلبية ج3 ص71 عن الإمتاع، والمغازي للواقدي ج2 ص782 و 783 وراجع: فتوح البلدان ج1 ص41 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص257 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص87.
([38]) السيرة الحلبية ج3 ص71 عن الإمتاع، والمغازي للواقدي ج2 ص782 و 783 وراجع: تفسير الميزان ج5 ص37 وتفسير العياشي ج1 ص263 والكافي ج8 ص327 وشرح أصول الكافي ج12 ص455 والبحار ج19 ص172 والتفسير الصافي ج1 ص480 والتفسير الأصفى ج1 ص228 وتفسير نور الثقلين ج1 ص529 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص564.
([39]) المغازي للواقدي ج2 ص783 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الفكر) ج23 ص453 و (ط دار الكتب العلمية) ج25 ص284 وكنز العمال ج10 ص511 والبحار ج21 ص108 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260 و 271 وجامع الأحاديث والمراسيل ج20 ص171.
([40]) البحار ج21 ص124 و 125 عن إعلام الورى ج1 ص215 .
([41]) الآية 217 من سورة البقرة.
([42]) شرح النهج للمعتزلي ج17 ص257 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص201.
([43]) تقدمت مصادر ذلك في النص المتقدم.
([44]) المغازي للواقدي ج2 ص783 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الفكر) ج23 ص453 و (ط دار الكتب العلمية) ج25 ص284 وكنز العمال ج10 ص511 والبحار ج21 ص108 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260 و 271 .
([45]) راجع: البحار ج21 ص126 عن مناقب آل أبي طالب ج1 ص177 وعن إعلام الورى ج1 ص217 والأنوار العلوية للنقدي ص199.
([46]) الآية 179 من سورة البقرة.
([47]) المغازي للواقدي ج2 ص788.
([48]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص201 و 202 والمغازي للواقدي ج2 ص288 والسيرة الحلبية ج3 ص71 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص261.
([49]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص202 عن الطبراني في المعجم الكبير، وفي المعجم الصغير، ومجمع الزوائد ج6 ص166 والسيرة الحلبية ج3 ص71 و 72 وتاريخ الخميس ج2 ص77 وراجع: فتح الباري (ط دار المعرفة) ج7 ص400 والمعجم الصغير ج2 ص73 والمعجم الكبير ج23 ص434 ودلائل النبوة للأصبهاني ص73 والإصابة ج4 ص522.
([50]) المغازي للواقدي ج2 ص788.
([51]) راجع: البحار ج68 ص378 عن الكافي ج2 ص101 وشرح أصول الكافي ج2 ص292 ومجمع البحرين ج3 ص277 وتفسير نور الثقلين ج5 ص391.
([52]) البحار ج66 ص383 وج 68 ص384 و 385 عن الأمالي للصدوق ص163 و (ط مؤسسة البعثة) ص345 والخصال للصدوق ص282 وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص377 و 384 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج20 ص155 و (ط دار الإسلامية) ج14 ص109 ومشكاة الأنوار لأبي الفضل علي الطبرسي ص417.
([53]) البحار ج68 ص390 وج41 ص73 و 75 والأمالي للصدوق ص93 و 94 و (ط مؤسسة البعثـة) 167 و 168 ومستدرك الوسائل ج8 ص442 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص76 والخصال ج1 ص96 ومشكاة الأنوار لأبي الفضل علي الطبرسي ص409 والجواهر السنية للحر العاملي ص135 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص419.
([54]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص202 و 203 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص234 ودلائل النبوة ج5 ص7 وعن: الطبراني في الكبير والصغير، عن ميمونة بنت الحـارث، والبـزار بسند جيـد عن أبي هريـرة، وابن أبي شيبة في المصنف عن = = عكرمة، والبيهقي عن ابن إسحاق، ومحمد بن عمر عن شيوخه، والسيرة الحلبية ج3 ص71 وراجع السيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص855 وعيون الأثر ج2 ص182 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص527 وكنز العمال ج10 ص502 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص520 وأسد الغابة ج4 ص105 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص325 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص318 وتاريخ الخميس ج2 ص77 والبحار ج21 ص125 عن إعلام الورى، وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص134.
([55]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص77 ومجمع الزوائد ج6 ص164 والمعجم الصغير ج2 ص74 والمعجم الكبير ج23 ص434 ودلائل النبوة للأصبهاني ص74.
([56]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص71 والمغازي للواقدي ج2 ص791 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص203 وفي هامشه عن: مسند أبي يعلى ج7 ص343 (24/4380)، وذكره الهيثمي في المجمع ج6 ص164 وعزاه لأبي يعلى عن حزام بن هشام بن حبيش عن أبيه عنهما. وقد وثقهما ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح، وذكره ابن حجر في المطالب العالية (4356) وراجع: مجمع الزوائد (ط دار الكتب العلمية) ص161 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262.
([57]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص134وسبل الهدى والرشاد ج5 ص203 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص258 و 261 .
([58]) المصنف للصنعاني ج5 ص374 (9739) وسبل الهدى والرشاد ج5 ص203 عنه وعن الواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص71 والمغازي للواقدي ج2 ص791.
([59]) المغازي للواقدي ج2 ص789 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص204 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص282 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص23 وأسد الغابة ج1 ص90 و 120 وج4 ص105 والإصابة ج1 ص271 والأعلام ج2 ص24.
([60]) المغازي للواقدي ج2 ص789 و 790 و 791 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص283 وراجع: الإصابة ج1 ص272 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص23.
([61]) راجع: الكافي ج8 ص293 و (ط مطبعة الحيدري) ص356 والبحار ج27 ص253 وج41 ص154وج74 ص358 و 359 ونهج البلاغة (بتحقيق عبده) (ط دار المعرفة) ج2 ص201 و (ط دار التعارف بيروت) ص245 خطبة 216. ونهج السعادة ج2 ص186 وشرح النهج للمعتزلي ج11 ص102 وميزان الحكمة ج2 ص1528 وشرح أصول الكافي ج12 ص499.
([62]) الآية 56 من سورة الزمر.
([63]) الآيات 44 ـ 46 من سورة الحاقة.
([64]) المغازي للواقدي ج2 ص791 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262.
([65]) راجع: البحار ج21 ص101 و 125 عن إعلام الورى ج1 ص215، وتفسير مجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 وتفسير نور الثقلين ج5 ص691 وتفسير الميزان ج20 ص379 والجامع لأحكام القرآن (ط دار إحياء التراث العربي) ج8 ص87 و (ط دار الكتب العلمية) ج8 ص64.
([66]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص203 عن ابن إسحاق. وتاريخ الخميس ج2 ص77 و 78 والبحار ج21 ص101 و 102 و 125 وتفسير نور الثقلين ج5 ص692 وتفسير الميزان ج20 ص379 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص325 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص319 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص855 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147 وعيون الأثر ج2 ص182 والسيرة النبوية لابن كثير = = ج3 ص530 وشرح معاني الآثار ج3 ص316 و (ط دار الكتب العلمية) ص311 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 وعن إعلام الورى.
([67]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص785 و 786 و 791 و 792 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص78 والبحار ج21 ص101 وتفسير نور الثقلين ج5 ص692وتفسير الميزان ج20 ص379 والثقات ج2 ص38 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص325 و 326 والبداية والنهاية ج4 ص319 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص855 وعيون الأثر ج2 ص183 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص530 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468.
([68]) دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص9 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص204 عن الواقدي.
([69]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص203 عن ابن عقبة والواقدي، ودلائل النبوة للبيهقي ج7 ص10 والسيرة الحلبية ج3 ص72. وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص791 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262 .
([70]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص204 عن ابن عائذ، والواقدي، ومسدد في مسنده بسند صحيح، والمغازي للواقدي ج2 ص787 و 788 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص261.
([71]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص204 و 205 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص72 والمطالب العالية ج4 ص243 وعن فتح الباري ج8 ص4 والمغازي للواقدي ج2 ص786 و 787 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260.
([72]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص205 عن عبد الرزاق عن نعيم، مولى ابن عباس وعن ابن أبي شيبة عن عكرمة، وعن الواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفـة) ج3 ص3 والسـيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي = = صبيح) ج4 ص855 و (ط دار المعرفة) ص27 وعيون الأثر ج2 ص183 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص64 وجامع البيان للطبري ج2 ص84 والبحار ج21 ص101 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147 والمغازي للواقدي ج2 ص791 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262.
([73]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص71 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص785 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259.
([74]) البحار ج21 ص101 و 126 عن إعلام الورى ج1 ص217، وعن المناقب لابن شهرآشـوب ج1 ص177 وراجـع: تفسـير نـور الثقلـين ج5 ص692 = = وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الكتب العلمية) ج73 ص88 و (ط دار الفكر) ج79 ص150 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص469 وتفسير الميزان ج20 ص379 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص532 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص206.
([75]) المغازي للواقدي ص785 و 786 و 791 و792 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفة) ص3 وأشار إلى ذلك في: مجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص101 و 102 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259 ـ 262 .
([76]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: مجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 والبحار ج21 ص101 و 102 و 126 عن إعلام الورى ج1 ص217، والمغازي للواقدي ج2 ص792 و 793 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص262 و 263 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص150 و 151 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص532.
([77]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص206 والسيرة الحلبية ج3 ص72 و 73 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: مجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص101 و 102 و 126 والمغازي للواقدي ج2 ص793 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533.
([78]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص793 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278.
([79]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 والبدايـة والنهايـة (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص263.
([80]) سبـل الهـدى والرشـاد ج5 ص207 والسـيرة الحلبيـة ج3 ص73 و (ط دار = = المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 وراجع: البحار ج21 ص 102 و 126 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص468 وإعلام الورى ج1 ص217 والمصنف للصنعاني ج5 ص375 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص363.
([81]) البحار ج21 ص126 وإعلام الورى ج1 ص218.
([82]) السيرة الحلبية ج3 ص73 والمغازي للواقدي ج2 ص793 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص326 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص530 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص856 وعيون الأثر ج2 ص184 وراجع: الإرشاد ج1 ص133 والبحار ج22 ص77 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وزاد المعاد ج1 ص1147.
([83]) السيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3.
([84]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والبحـار ج21 ص126 و 127 وج22 ص77 وإعلام الورى ج1 ص218 والمغازي للواقدي ج2 ص794 و 795 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177 والأنوار العلوية للنقدي ص200.
([85]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص795 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص264.
([86]) السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص3وتاريخ الخميس ج2 ص78 وراجع: الإرشاد ج1 ص133 والبحار ج22 ص77 والثقات لابن حبان ج2 ص40 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص320 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص277 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص531 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص857 و (ط دار المعرفة) ج4 ص27 وعيون الأثر ج2 ص184 وزاد المعاد (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص1147.
([87]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 و 208 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص3 وراجع: الإرشاد ج1 ص134 وتفسير نور الثقلين ج5 ص692 وتفسير الميزان ج20 ص380 والثقات ج2 ص40 ومجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص469 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص178 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبحار ج21 ص126 و 127 وج22 ص78 وإعلام الورى ج1 ص218، والمغازي للواقدي ج2 ص795 وتاريـخ الخميس ج2 ص78 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) = = ج4 ص322 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص534 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق3 ص42 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184.
([88]) السيرة الحلبية ج3 ص71 والمغازي للواقدي ج2 ص783 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص205 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص453 والبحار ج21 ص108 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص260 و 271 .
([89]) راجع: البحار ج21 ص126 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص177 وإعلام الورى ج1 ص217 والأنوار العلوية للنقدي ص199 .
([90]) السيرة الحلبية ج3 ص71 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص201 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص257.
([91]) راجع: البحار ج21 ص126 وعن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص177 وعن إعلام الورى ج1 ص217 والأنوار العلوية للنقدي ص199.
([92]) راجع: الفصول المختارة للمفيد ص136 وروضة الطالبين للنووي ج1 ص73 وحاشية رد المختار ج1 ص62 ونيل الأوطار ج7 ص192 ومستدرك الوسائل ج12 ص229 والإختصاص ص251 ومنية المريد ص145 والبحار ج2 ص24 وج71 ص204 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص184 ومسند أحمد ج4 ص357 و 359 و 361 و 362 وصحيح مسلم ج3 ص87 وسنن النسائي ج5 ص76 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص176 وفتح الباري ج13 ص256 وتحفة الأحوذي ج9 ص68 ومسند أبي داود ص93 ومسند ابن الجعد ص90 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص3 و 4 وصحيح ابن خزيمة ج4 ص112 وجزء الحميري ص25 وصحيح ابن حبان ج8 ص101 والمعجم الأوسط ج4 ص343 و 384 والمعجم الكبير ج2 ص315 و 329 و 330 و 346 ورياض الصالحين للنووي ص143 واللمع في أسباب ورود الحديث ص68 وكنز العمال ج15 ص780 وفيض القدير ج1 ص672 وكشف الخفـاء ج2 ص255 و 256 والتبيـان ج1 ص187 وج3 ص502 وتفسير مجمع البيان ج1 ص186 وج3 ص322 وتفسير نور الثقلين ج1 ص73 وتفسير الميزان ج12 ص230 وج17 ص70 وج19 ص47 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص507 وج3 ص188 ومفردات غريب القرآن للراغب ص263 و 521 والجامع لأحكام القرآن ج2 ص87 وج6 ص140 وج19 ص99 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص572 وج4 ص365 والبرهان للزركشي ج2 ص144 والدر المنثور ج5 ص260 وج6 ص201 وتفسير الثعالبي ج3 ص201 والفصول في الأصول للجصاص ج3 ص198 وأصول للسرخسي ج1 ص114 و 381 والتعديل والتجريح ج1 ص13 و 45 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص544 والإستغاثة ج1 ص20 والنصائح الكافية ص120 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص106 ولسان العرب ج8 ص6 ومجمع البحرين ج1 ص164 وتاج العروس ج5 ص271.
([93]) الآية 13 من سورة العنكبوت.
([94]) راجع: البحار ج19 ص217 و 274 والمغازي للواقدي ج1 ص48 والسيرة الحلبية ج2 ص105 والدر المنثور ج3 ص166 عن دلائل النبوة للبيهقي، وتفسير القمي ج1 ص258 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص112 وعن عيون الأثر ج1 ص327 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص26 وصحيح مسلم كتاب الجهاد والسير، باب غزوة بدر ج5 ص170 و (ط أخرى) ج3 ص1403، ومسند أحمد ج3 ص219 بطريقين، وعن الجمع بين الصحيحين، والبداية والنهاية ج3 ص263، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص394 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص181 وتفسير مجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص432 والتفسير الصافي ج2 ص274 والتفسير الأصفى ج1 ص425 وتفسير نور الثقلين ج2 ص124 وتفسير الميزان ج9 ص25 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص118.
([95]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص208 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج14 ص506 و (ط دار الفكر) ج8 ص542 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص529 و (ط دار الفكر) ج1 ص2104 وجامع الأحاديث والمراسيل ج21 ص423 .
([96]) المغازي للواقدي ج1 ص282 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20 عنه، وعن ابن إسحاق، والبلاذري، وطبقات الشعراء لابن سلام ص63 وراجع: البداية والنهاية ج3 ص107 عن ابن هشام، والبحار ج20 ص135 و 138 ومناقب أهل البيت "عليهم السلام" للشيرواني ص332 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20 وتاريخ مدينة دمشق ج24 ص393 و 397 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص500 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص628.
([97]) طبقات الشعراء لابن سلام ص63.
([98]) مصادر ذلك كثيرة، فراجع هذا الكتاب: غزوة بدر، فصل الغنائم والأسرى.
([99]) راجع: المغازي ج1 ص107 ـ 109 وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص173 و 174 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج9 ص244.
([100]) المصنف للصنعاني ج5 ص366 وتفسير القرآن للصنعاني ج1 ص136 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص171.
([101]) تفسير القرآن العظيم ج1 ص412 والأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص184 و 185 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص31 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص171.
([102]) المغازي للواقدي ج1 ص297 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص23.
([103]) تاريخ الخميس ج1 ص440 ووفاء الوفاء ج1 ص294 والسيرة الحلبية ج1 ص244 و 245 وسيرة ابن إسحاق ج3 ص309 وتاريخ الأمم والملوك (ط الإستقامة) ج2 ص205 والكامل في التاريخ ج2 ص160 والثقات ج1 ص232 وراجع: شرح الأخبار ج1 ص280 تفسير القرآن العظيم ج1 ص414 و 415.
([104]) السيرة الحلبية ج3 ص73.
([105]) الإحتجاج ج2 ص245 والبحار ج50 ص78 عنه، والإرشاد للمفيد ص363 وتفسير القمي ج1 ص184 و 185 وينابيع المودة ص375 وترجمة الإمام الحسين لابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ص150 والمعجم الكبير للطبراني وحياة الصحابة ج1 ص250 ومجمع الزوائد ج6 ص40 والعقد الفريد ج4 ص384.
([106]) الأموال لأبي عبيد ص289 و 290 وراجع: التراتيب الإدارية ج1 ص274 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص284 ومكاتيب الرسول ج3 ص58 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص373 .
([107]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص208 عن ابن أبي شيبة، ومسند أحمد ج3 ص398 والمصنف لابن أبي شيبة ج14 ص506 والسيرة الحلبية ج3 ص74.
([108]) السيرة الحلبية ج3 ص74.
([109]) السيرة الحلبية ج3 ص74.
([110]) صحيح البخاري (ط مطبعة الأميرية) ج4 ص203 وصحيح مسلم ج7 ص142 ومسند الطيالسي ص196 وطبقات ابن سعد ج8 ص26 وحلية الأولياء ج2 ص39 والخصائص للنسائي (ط دار التقدم بمصر) ص34 ومصابيح السنة (ط دار الخيرية بمصر) ج2 ص204 ومسند أحمد ج6 ص282 وأنساب الأشراف ج1 ص552 وصفة الصفوة (ط حيدرآباد) ج2 ص5 وطرح التثريب ج1 ص149 والمختار من مناقب الأخيار (ط دمشق) ص56 ونظم درر السمطين ص179 وتذكرة الخواص ص319 ومنتخب تاريخ ابن عساكر ج1 (ط الترقي بدمشق) ص298 والبداية والنهاية ج5 ص226 وجمع الفوائد ج2 ص233 وتكملة المنهل العذب المورود ج3 ص222 والثغور الباسمة (ط بمبي) ص13 وأشعة اللمعات في شرح المشكاة ج4 ص693 ووسيلة النجاة للمولوي ص228 ومرآة المؤمنين ص190 وأضواء على الصحيحين ص345 وفضائل الصحابة ص77 وسنن ابن ماجة ج1 ص518 ومسند أبي يعلى ج12 ص112 والمعجم الكبير ج22 ص419 وعن أسد الغابة ج5 ص522 والأوائل للطبراني ص84 وعن المصادر التالية: كتاب الأربعين للماحوزي ص314 وفتح الباري ج8 ص103 ومسند أبي يحيى الكوفي ص79 ومسند ابن راهويه ج5 ص7 وعن السنن الكبرى للنسائي ج5 ص96 و 146 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص448 وسير أعلام النبلاء ج2 ص120 وكشف الغمة ج2 ص80 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص45.
([111]) الآية 123 من سورة النحل.
([112]) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص368 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص248 وجامع الأصول (ط السنة المحمدية بمصر) ج10 ص84 ومشكاة المصابيح ج3 ص268 وينابيع المودة (ط إسلامبول) ص172 والرصف للعاقولي (ط مكتبة الأمل الكويت) ج1 ص281 وأشعة اللمعات ج4 ص714 وتفريح الأحباب (ط دهلي) ص408 ومرآة المؤمنين ص190 والمختار من مناقب الأخيار ص56 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص97 والثغور الباسمة (ط بمبي) ص13 وتيسير الوصول (ط نول كشور) ص59.
([113]) منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج5 ص98 والمعجم الكبير ج22 ص422 وفضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين ص20 وتاريخ دمشق ج33 ص269 وكنز العمال ج13 ص677 وتهذيب الكمال ج16 ص275 وشرح إحقاق الحق ج19 ص38 وج25 ص86.
([114]) راجع: البداية والنهاية ج2 ص61 وسعد الشموس والأقمار (ط التقدم بمصر سنة 1330 هـ) ص103والأنوار المحمدية ص150 وتجهيز الجيش ص98 عن ابن عساكر، وأرجح المطالب ص241 وسير أعلام النبلاء ج2 ص120 وطبقات ابن سعد ج2 ص28 وأنساب الأشراف ج1 ص552 والخصائص (ط التقدم بمصر) ص34 وصفة الصفوة (ط حيدرآباد) ج2 ص5 ومسند أحمد ج6 ص282 وطرح التثريب ج1 ص149 والمختار في مناقب الأخيار (ط دمشق) ص56 ونظم در السمطين ص79.
([115]) أرجح المطالب ص241 وتجهيز الجيش (مخطوط) ص96 وجامـع الأحاديث للسيوطي ج7 ص734 وأشعة اللمعـات في شرح المشكـاة (ط لكهنو) ج4 ص693 ووسيلة النجاة ص228 وعيون المعجزات ص51 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص137 والطبقـات الكـبرى ج8 ص27 وأسد الغابـة ج5 ص522 وج8 ص266 واللمعة البيضاء للتبريزي ص46 وشرح إحقاق الحق ج10 ص30 وج25 ص48 وج33 ص295 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص72.
([116]) مقتل الحسين للخوارزمي ص79 وأمالي الصدوق (ط مؤسسة البعثة) ص78 و 175 و 575 وكمال الدين وتمام النعمة ص257 ومعاني الأخبار للصدوق ص107 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص573 وتهذيب الأحكام ج6 ص10 وروضة الواعظين ص100 و 149 وشرح الأخبار ج3 ص520 والمزار لابن المشهدي ص80 والفضائل لابن شاذان ص9 والمحتضر لحسن بن سليمان الحلي ص197 والشرف المؤبد ص54 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص368 والصلاة في الكتاب والسنة للريشهري ص200 ودلائل الإمامة للطبري ص81 و 149 عن مشكل الآثار ج1 ص51، وعن حلية الأولياء ج2 ص42، وعن ذخائر العقبى ص43. وراجع: البحار ج28 ص38 وج37 ص85 وج43 ص24 و 26 و 49 و 78 و 172 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص246 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج9 ص11 وميزان الحكمة ج1 ص150 وتفسير نـور الثقلـين ج1 ص338 وتفسير كنز الدقائق ج2 ص85 = = وقاوس الرجال ج12 ص334 وبشارة المصطفى للطبري ص274 و 306 والعدد القوية ص227 وينابيع المودة ج2 ص298 واللمعة البيضاء التبريزي ص179.
([117]) راجع: كشف الغطاء (ط ق) ج1 ص18 والأمالي للصدوق ص178 وكفاية الأثر ص124 وكتاب سليم بن قيس ص236 و 427 والإختصاص للمفيد ص183 والأمالي للطوسي ص85 و 248 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج3 ص104 و 105 و 164 والعمدة لابن البطريق ص384 و 388 عن صحيح البخاري ج5 ص29 باب مناقب فاطمة "عليها السلام" ومناقب أهل البيت للشيرواني ص229 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص233 ومسند أحمد ج5 ص391 وصحيح البخاري (دار الفكر) ج4 ص183 و 209 و 219 وسنن الترمذي ج5 ص326 وفضائل الصحابة للنسائي ص58 و 76 والمستدرك للحاكم ج3 ص151 ومجمع الزوائد ج9 ص201 وفتح الباري ج7 ص82 وراجع: إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج10 وج19 وأجزاء أخرى لتجد هذه الرواية عن عشرات المصادر بطرق مختلفة.
([118]) راجع: إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج10 عن كثير من المصادر وج19 ص19 وسير أعلام النبلاء ج2 ص127 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص198 وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود ج4 ص8 ومرآة المؤمنين ص183.
([119]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص209 عن ابن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص78 والمغازي للواقدي ج2 ص796 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص534 والبداية والنهاية ج4 ص322 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص265 وإمتاع الأسماع ج1 ص351.
([120]) راجع المصادر المتقدمة في الهامش السابق.
([121]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص10 ومجمع البيان ج10 ص555 والمغازي للواقدي ج2 ص796 وتاريخ الخميس ج2 ص78 والبحار ج21 ص102 وتفسير الميزان ج20 ص380 وتفسير البغوي ج4 ص537 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والكامل في التاريخ ج2 ص242 والبداية= = والنهاية ج4 ص323 وأعيان الشيعة ج1 ص275 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص535 .
([122]) البحار ج21 ص119 عن الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص56 وأعيان الشيعة ج1 ص408 ولوامع الحقائق للأشتياني ج1 ص85 .
([123]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص209 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص796 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وتفسير البغوي ج4 ص537 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص9.
([124]) تاريخ الخميس ج2 ص78 والمعجم الصغير للطبراني ج2 ص73 ودلائل النبوة للأصبهاني ج2 ص635 وإمتاع الأسماع ج8 ص384.
([125]) السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 والمغازي للواقدي ج2 ص796 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص265 وإمتاع الأسماع ج1 ص325 .
([126]) السيرة الحلبية ج3 ص74 وبمعناه عند الواقدي في المغازي ج2 ص796.
([127]) المغازي للواقدي ج2 ص796 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص266 وإمتاع الأسماع ج1 ص352.
([128]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص79 والأمالي للطوسي ص217 والبحار ج33 ص76 و 469 وج72 ص354 وميزان الحكمة للريشهري ج1 ص124 وأعيان الشيعة ج1 ص463 والمعيار والموازنة ص104 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص16.
([129]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص209 والمغازي للواقدي ج2 ص796 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 وإمتاع الأسماع ج1 ص351.
([130]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 عن ابن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وغيرهم. والمغازي للواقدي ج2 ص296 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص133 وتاريخ مدينة دمشق ج67 ص149 وإمتاع الأسماع ج1 ص347 وعيون الأثر ج2 ص177.
([131]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وإمتاع الأسماع= = ج1 ص353.
([132]) مكاتيب الرسول ج1 ص308 وإمتاع الأسماع ج1 ص354 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10.
([133]) المغازي للواقدي ج2 ص799 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وإمتاع الأسماع ج1 ص354 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10.
([134]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 والمغازي للواقدي ج2 ص799 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وإمتاع الأسماع ج1 ص354 ومكاتيب الرسول ج1 ص308.
([135]) البحار ج21 ص127 عن إعلام الورى (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص218.
([136]) شرح النهج للمعتزلي ج17 ص359 عن الواقدي، والكافي ج4 ص249 والوسائل ج8 ص158 وعن السيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص298 ومكاتيب الرسول ج1 ص308.
([137]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 و 212 والسيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية ج4 ص323 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص857 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص535.
([138]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 و 212 والسيرة الحلبية ج3 ص74 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص857.
([139]) المغازي للواقدي ج2 ص800 وإمتاع الأسماع ج7 ص168.
([140]) السيرة الحلبية ج3 ص74 و (ط دار المعرفة) ص9 وتفسير البغوي ج4 ص537 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية ج4 ص323 والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص857 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص535.
([141]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص211 وتاريخ الخميس ج2 ص78 وإمتاع الأسماع ج1 ص353 و 354 ومكاتيب الرسول ج1 ص308 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10.
([142]) السيرة الحلبية ج3 ص74 وإمتاع الأسماع ج1 ص352.
([143]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وفتح الباري ج12 ص273 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([144]) البحار ج21 ص119 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص209 نيل الأوطار ج8 ص156 وفتح الباري ج7 ص400 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج3 ص450 وجامع البيان للطبري ج28 ص76 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 والثقات لابن حبان ج4 ص41 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية ج4 ص323 وإمتاع الأسماع ج13 ص376 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص536.
([145]) سبل الهدى والرشاد ج209 والمغازي للواقدي ج2 ص798 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج3 ص450 ونيل الأوطار ج8 ص156 والبداية والنهاية ج4 هامش ص324 وإمتاع الأسماع ج1 ص352.
([146]) في البحار ج21 ص125 و 136 و 137 عن إعلام الورى: أنها مولاة أبي لهب . وعن تفسير فرات ص183 و 184 والمغازي للواقدي ج2 ص799 وتاريخ الخميس ج2 ص78 ونيل الأوطار ج8 ص156 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج3 ص450 وجامع البيان للطبري ج28 ص76 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص327 والبداية والنهاية ج4 ص323 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص536.
([147]) تاريخ الخميس ج2 ص79 وراجع: فتح الباري (المقدمة) ص288 و 301 وعمدة القاري ج14 ص254 وج17 ص274 وعون المعبود ج7 ص223 وتفسير الآلوسي ج28 ص66 وتاريخ مدينة دمشق ج29 ص30 والإصابة ج8 ص398.
([148]) سبل الهدى والرشاد ج10 ص64 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10 والبحار ج21 ص119 و 136 وتفسير فرات ص480 وتفسير مقاتل بن سليمان ج3 ص349 وعيون الأثر ج2 ص184 والإرشاد ج1 ص56 وشجرة طوبى ج2 ص301 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص266 وجامع البيان للطبري ج28 ص76 وتفسير ابن زمنين ص376 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ الأمم والملوك 2 ص327 وإمتاع الأسماع ج13 ص376 وأعيـان الشيعـة ج1 ص275 و 408 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص536 وشرح إحقاق الحق ج31 ص8.
([149]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص209 والمغازي للواقدي ج2 ص798 وعمدة القاري ج17 ص274 ونيل الأوطار ج8 ص156 وفتح الباري ج7 ص400.
([150]) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10 والبحار ج21 ص94 ونيل الأوطار ج8 ص156 وفتح الباري ج7 ص400 وج12 ص273 وعمدة القاري ج14 ص255 وتاريخ الأحاديث والآثار ج3 ص447 وحقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري ج4 ص88 وتفسير مجمع البيان ج9 ص446 وتفسير الثعلبي ج9 ص291 وتفسير البغوي ج4 ص329 وتفسير النسفي ج4 ص235 وتفسير الرازي ج29 ص269.
([151]) السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص10 ومغازي الواقدي ج2 ص799 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وفتح الباري ج12 ص273 وعمدة القاري ج14 ص255 وتاريخ الأحاديث والآثار ج3 ص447 حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري ج4 ص88 وتفسير مجمع البيان ج9 ص446 وتفسير نور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الثعلبي ج9 ص291 وتفسير البغوي ج4 ص329 وتفسير النسفي ج4 ص235 وتفسير الرازي ج29 ص269.
([152]) البحار ج21 ص94 وتفسير مجمع البيان ج9 ص446 وتفسير نور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الثعلبي ج9 ص291.
([153]) البحار ج21 ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 وتفسير الثعلبي ج9 ص291 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370.
([154]) المغازي للواقدي ج2 ص799 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص209 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص10 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وإمتاع الأسماع ج1 ص352.
([155]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص209 عن أحمد، ومسلم، والبخاري، والنسائي، والترمذي، وأبو داود عن أبي رافع عن علي، وأبو يعلى، والحاكم والضياء عن عمر بن الخطاب. والإمام أحمد، وعبد بن حميد عن جابر، وابن مردويه عن أنس، وابن مردويه عن سعيد بن جبير، وابن إسحاق عن عروة، وابن مردويه عن عبد الرحمن عن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن عمر عن شيوخه.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص75 والبحار ج21 ص119 و 120 عن الإرشاد للمفيد، والمغازي للواقدي ج2 ص799 وإمتاع الأسماع ج2 ص352.
([156]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 ونيل الأوطار ج8 ص156 وفتح الباري ج7 ص401 وعمدة القاري ج17 ص173 وتفسير القرطبي ج18 ص50 = = وتفسير الآلوسي ج28 ص66 والبداية والنهاية ج4 ص324 والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص342 وعيون الأثر ج2 ص205 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص537.
([157]) البحار ج21 ص125 عن إعلام الورى (ط مؤسسة الوفاء) ج1 ص216.
([158]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 والسيرة الحلبية ج3 ص75 والبداية والنهاية ج4 ص324 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص537 وراجع: البحار ج21 ص137 وتفسير فرات ص183 و 184 و (ط مؤسسة الطبع والنشر ـ طهران) ص480 وتاريخ الخميس ج2 ص79 .
([159]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 وراجع: فتح الباري ج12 ص273 .
([160]) البحار ج21 ص94 ومجمع البيان ج9 ص269 و 270 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص455 والمغازي للواقدي ج2 ص798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص147 وعمدة القاري ج14 ص255 وتخريج = = الأحاديث والآثار ج3 ص447 وتفسير نور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الميزان ج9 ص63 وتفسير الثعلبي ج4 ص346 وج9 ص291 وتفسير مقاتل بن سليمان ج3 ص347 وأسباب نزول الآيات ص282 وتفسير البغوي ج4 ص329 وتفسير النسفي ج4 ص235 وتفسير الرازي ج32 ص153 وتفسير القرطبي ج18 ص51 وتفسير البيضاوي ج5 ص325 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص313 والدر المنثور ج3 ص178 وتفسير أبي السعود ج8 ص235.
([161]) البحار ج21 ص112 وج72 ص388 وشجرة طوبى ج2 ص301 وتفسير القمي ج2 ص361 والتفسير الصافي ج5 ص161 وج7 ص165 وتفسير الميزان ج19 ص234.
([162]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 والبحار ج21 ص112 و 120 وج72 ص388 وتفسـير القـمـي ج2 ص361 والتفسير = = الصافي ج5 ص161 وج7 ص165 وتفسير نور الثقلين ج5 ص199 وتفسير الميزان ج19 ص134 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص266 وجامع البيان للطبري ج28 ص76 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والبداية والنهاية ج4 ص324 وإمتاع الأسماع ج1 ص352 وج13 ص376 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص536 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11.
([163]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وتفسير القرطبي ج18 ص51.
([164]) عيون الأثر ج2 ص184.
([165]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وج10 ص64 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وتفسير القرطبي ج18 ص51.
([166]) السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11.
([167]) السيرة الحلبية ج3 ص75 والبحار ج21 ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص446 والمغازي للواقدي ج2 ص797 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وعمدة القاري ج14 ص255 و ج19 ص229 وتفسير جوامع الجامع ج3 ص542 وتفسير نور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الثعلبي ج9 ص291 وأسباب نزول الآيات للواحدي ص282 وتفسير القرطبي ج18 ص51 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسين ج2 ص683.
([168]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون الأثر ج2 ص184 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص11 موسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج1 ص274.
([169]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وقال في هامشه: أخرجه البخاري 6/(3007) (4890) ومسلم ص 3/(1941) حديث (161) وأبو داود في الجهاد، وأحمد 1/79 والترمذي في تفسير سورة الممتحنة، والبيهقي في الدلائل 5/16.
وراجع: البحار ج21 ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 و (ط مؤسسة = = الأعلمي) ص446 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وكتاب الأم للشافعي ج4 ص264 والمجموع للنووي ج19 ص340 وكتاب المسند للشافعي ص316 ومسند أحمد ج1 ص79 وصحيح البخاري ج6 ص60 وسنن أبي داود ج1 ص597 وسنن الترمذي ج5 ص82 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص146 وعمدة القاري ج14 ص254 وج17 ص273 وج19 ص229 ومسند الحميدي ج1 ص27 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص57 ومسند أبي يعلى ج1 ص316 وصحيح ابن حبان ج14 ص424 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي ج7 ص102 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص447 وتفسير نور الثقلين ج5 ص301 وتفسير جامع البيان ج28 ص74 وأسباب نزول الآيات ص283 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص369 وأسد الغابة ج1 ص361 وتفسير البغوي ج4 ص328 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص525 والبداية والنهاية ج4 ص324.
([170]) السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 وتفسير فرات ص183 و 184 والبحار ج21 ص136 و 137 وتاريخ الخميس ج2 ص89 وراجع: تفسير الثعلبي ج9 ص291 وأسباب نزول الآيات ص282 وتفسير القرطبي ج18 ص51 ومطالب السؤول ص197 وكشف الغمة ج1 ص179.
([171]) البحار ج21 ص119 ـ 121 وص125 و 126 عن الإرشاد للمفيد ج1 ص56 ـ 59 وراجع: إعلام الورى ج1 ص384 وأعيان الشيعة ج1 ص408.
([172]) البحار ج21 ص125 عن إعلام الورى ج1 ص216.
([173]) البحار ج21 ص112 وج72 ص388 وتفسير القمي ج2 ص361 والتفسير الصافي ج5 ص161 وج7 ص165 وتفسير نور الثقلين ج5 ص299 وتفسير الميزان ج19 ص234.
([174]) تفسير مجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج9 ص446 البحار ج21 ص94 وج41 ص8 وتفسير نور الثقلين ج5 ص301 وتأويل الآيات لشرف الدين الحسيني ج3 ص683 وعين العبرة في غبن العترة لأحمد بن طاووس ص27 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص405 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" لأحمد الرحماني الهمداني ص777.
([175]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص12 والبحار ج21 ص94 و 112 و 136 و 137 ومجمع البيان ج9 ص269 و 270 وتفسير فرات ص183 و 184 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص797 و 798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والكامل في التاريخ ج2 ص242 والبداية والنهاية ج4 ص324 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص858 وعيون الأثر ج2 ص185 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص537.
([176]) السيرة الحلبية ج3 ص75 و (ط دار المعرفة) ص11 وعمدة القاري ج15 ص12 وراجع: الخرائج والجرائح ج1 ص60 والبحار ج18 ص110 وصحيح البخاري ج4 ص39 ومجمع الزوائـد ج6 ص136 وعمـدة القاري ج14 ص255 وج15 ص11 وتحفة الأحوذي ج9 ص141 ومسند بن أبي يعلى ج1 ص320 وتخريج الأحاديث ج3 ص449 و 451 وكنز العمال ج10 ص523 وجامع البيان ج28 ص76 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص224 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وتفسير القرطبي ج18 ص51 والتسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي ج4 ص112 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص370 وإمتاع الأسماع ج9 ص123 وج13 ص376 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص280.
([177]) البحار ج21 ص94 و 95 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 وتاريخ الخميس ج2 ص79 ومسند أبي يعلى ج1 ص318 و 319 و 321 والدرر لابن عبد البر ص214 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص266 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص448 وجامع البيان للطبري ج28 ص77 وأسباب نزول الآيات 283 وتفسير البغوي ج4 ص329 وراجع: تفسير السمرقندي ج3 ص413 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وزاد المسير ج8 ص3 وتفسير الرازي ج32 ص153 والتسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي ج4 ص112والثقات لابن حبان ج2 ص42 والبداية والنهاية ج4 ص324 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 وعيون الأثر ج2 ص185 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص537 والسيرة الحلبي (ط دار المعرفة) ج3 ص12 وشرح إحقاق الحق ج31 ص7.
([178]) البحار ج21 ص112 وج72 ص388 والتفسير الأصفى ج2 ص1290 والتفسير الصافي ج5 ص161 وج7 ص166 وتفسير نور الثقلين ج5 ص300 وتفسير الميزان ج19 ص235 وتفسير القمي ج2 ص362 .
([179]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص210 و 211 وتفسير الرازي ج29 ص297 وج32 ص154 والسيرة الحلبية ج3 ص75 و 76 و (ط دار المعرفة) ص12 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وراجع: كتاب الأم للشافعي ج4 ص264 والمجموع للنووي ج19 ص341 ونيل الأوطار للشوكاني ج8 ص154 و 156 والإيضاح لابن شاذان ص507 وشرح الأخبار ج2 ص301 والبحار ج21 ص95 ومواقف الشيعة ج2 ص255 وكتاب المسند للشافعي ص316 ومسند أحمد ج1 ص80 وصحيح البخاري ج4 ص19 وج5 ص89 وج6 ص60 وصحيح مسلم ج7 ص168 وسنن أبي داود ج1 ص597 وسنن الترمذي ج5 ص83 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص146 وعمدة القاري ج14 ص254 وج17 ص247 ومسند الحميدي ج1 ص28 والسنن الكبرى ج6 ص487 ومسند أبي يعلى ج1 ص316 و 321 وصحيح ابن حبان ج14 ص425 ومعرفة السنن والآثار ج7 ص102 والدرر لابن عبد البر ص214 وشرح النهج للمعتـزلي ج17 ص266 وتخريج الأحاديـث ج3 ص448 وكنز العـمال ج10 = = ص522 وج14 ص69 وتفسير مجمع البيان ج9 ص446 وتفسير نور الثقلين ج5 ص301 وتفسير الميزان ج19 ص236 وأحكام القرآن لمحمد بن إدريس الشافعي ج2 ص48 وجامع البيان ج28 ص75 و 77 وتفسير الثعلبي ج9 ص292 وأسباب نزول الآيات ص283 وتفسير البغوي ج4 ص328 و 329 وتفسير النسفي ج4 ص236 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص224 والمحرر الوجيز في تفسير القرآن العزيز لابن عطية الأندلسي ج5 ص293 وزاد المسير ج8 ص3 وتفسير القرطبي ج18 ص50 والتسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي الكلبي ج4 ص112 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص369 و 370 والدر المنثور ج6 ص203 وفتح القدير ج5 ص211 وتفسير الآلوسي ج28 ص66 والثقات لابن حبان ج2 ص42 وأسد الغابة ج1 ص361 ومناقب علي بن أبي طالب "عليه السلام" للأصفهاني ص154 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والكامل في التاريخ ج2 ص242 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص526 و 527 والوافي بالوفيات ج11 ص210 والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص398 وج4 ص325 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص538.
([180]) الآيات 1 ـ 4 من سورة الممتحنة.
([181]) السيرة الحلبية ج3 ص76 والبحار ج21 ص112 عن تفسير القمي ص674 و 675 و (ط مؤسسة دار الكتاب ـ قم) ج1 ص11. والمغازي للواقدي ج2 ص798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وراجع: أغلب المصادر في الهامش السابق.
([182]) السيرة الحلبية ج3 ص75.
([183]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص76 و (ط دار المعرفة) ص13.
([184]) إعلام الورى (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص216 والبحار ج21 ص125 عنه.
([185]) البحار ج21 ص94 عن مجمع البيان ج9 ص269 و 270 والمغازي للواقدي ج2 ص798 وتاريخ الخميس ج2 ص79 ومصادر كثيرة تقدمت.
([186]) الآية 128 من سورة التوبة.
([187]) الآية 6 من سورة الأحزاب.
([188]) السيرة الحلبية ج3 ص76 و (ط دار المعرفة) ص13.
([189]) الآية 136 من سورة النساء.
([190]) الآية 137 من سورة النساء.
([191]) الآية 54 من سورة المائدة.
([192]) الآيتان 51 و 52 من سورة المائدة.
([193]) الآية 9 من سورة الممتحنة.
([194]) الآية 24 من سورة النمل.
([195]) راجع على سبيل المثال المصادر التالية: مجمع الزوائد ج6 ص235 وج7 ص238 وج5 ص186 وج9 ص111 ومستدرك الحاكم ج3 ص139، وتلخيص الذهبي بهامشه، وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص297 وترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج3 ص172 و 170 و 169 و 165 و 163 و 162 و 160 و 161 و 158 و 159 واللآلي المصنوعة ج1 ص213 و 214 وتاريخ بغداد ج13 ص186 وج8 ص 340 و 341 وكنز العمال ج11 ص278 وراجع ص287 و 318 و 343 و 344 وج15 ص96 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص207 و 345 وج4 ص221 و 462 وج18 ص27 وج6 ص130 وج13 ص183 و 185 وج1 ص201 والمناقب للخوارزمي ص125 و 106 و 282 والبداية والنهاية ج7 ص206 و 207 و 305 و 304 وج6 ص217 وفرائد السمطين ج1 ص332 و 285 و 283 و 282 و 281 و 280 و 279 و 150 ومروج الذهب ج2 ص404 والمحاسن والمساوئ ج1 ص68 والغدير وج3 ص192 و 194 وج1 ص337 وذخائر العقبى ص110 عن الحاكمي والرياض النضرة ج3 ص226 وكفاية الطالب ص168 و 169 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص451 و 435 و 437 وج4 ص244 ولسان الميزان ج2 ص446 وج6 ص206 وميزان الاعتدال ج1 ص126 و 174 وينابيع المودة ص104 و 128 و 81 والنهاية في اللغة ج4 ص185 ولسان العرب ج2 ص196 وج7 ص378 وتـاج العروس ج1 ص651 وج5 ص206 ونظـم درر السمطين ص130 = = وأسد الغابة ج4 ص33 والجمل ص35 والإفصاح في إمامة علي بن أبي طالب ص82 وإحقاق الحق ج6 ص37 و 59 و 79 وج5 ص71 عن مصادر كثيرة تقدمت، وعن: تنزيه الشريعة المرفوعة ج1 ص387 ومفتاح النجا ص68 مخطوط وأرجح المطالب ص602 و 603 و 624 وموضح أوهام الجمع والتفريق ج1 ص386 وشرح المقاصد للتفتازاني ج2 ص217 ومجمع بحار الأنوار ج3 ص143 و 195 وشرح ديوان أمير المؤمنين للمبيدي ص209 مخطوط والروض الأزهر ص389.
([196]) راجع: المصنف للصنعاني ج4 ص43 وكنز العمال ج6 ص538.
([197]) مسند أحمد ج1 ص35 والمصنف للصنعاني ج4 ص43 وج6 ص67 وج10 ص172 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص79 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص586 وأعيان الشيعة ج6 ص292 والأحكام لابن العربي ج1 ص575 وج2 ص416.
([198]) بدائع الصنائع لأبي بكر الكاشاني ج2 ص35 وصحيح مسلم باب 8 ج1 ص51 و (ط دار الفكر) ج1 ص38 والنص والإجتهاد ص109 عنه وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص153 و 209 والدر المنثور ج2 ص292 وج3 ص241 وتاريخ خليفة بن خياط ص64 ورياض الصالحين للنووي ص502 والمواقف للإيجي ج3 ص651 ونصب الراية ج4 ص225 وكنز العمال ج5 ص660 و 662 و 719 وج6 ص527 و 531 وج12 ص494 وفيض القدير ج2 ص239 وجامع البيان للطبري ج24 ص117 = = وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص31 و 107 وتفسير الثعلبي ج8 ص286 وأحكام القرآن لابن عربي ج2 ص416 و 575 ومواقف الشيعة ج1 ص24 وكتاب المسند للشافعي ص208 وصحيح البخاري ج8 ص141 وسنن أبي داود ج1 ص347 وسنن الترمذي ج4 ص117 وسنن النسائي ج5 ص15 وج7 ص77 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص176 وج9 ص182 وعمدة القاري ج25 ص30 والمصنف للصنعاني ج4 ص44 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص8 و 280 ومسند أبي يعلى ج1 ص69 وصحيح ابن حبان ج1 ص451 ومعرفة السنن والآثار ج7 ص109 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص213 والفايق في غريب الحديث ج2 ص388 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص111 وج7 ص595 و 596 وراجع: مقارنة الأديان للدكتور أحمد الشلبي ص268 والمغني لابن قدامة ج2 ص434 و 437 والشرح الكبير ج2 ص434 و 671 ونيل الأوطار ج1 ص366 وفقه السنة للسيد سابق ج1 ص334 والإيضاح لابن شاذان ص132 وشرح الأخبار ج1 ص364 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص120 والطرائف لابن طاووس ص436 وذخائر العقبى ص97 والصوارم المهرقة للتستري ص86 و 121 والبحار ج10 ص436 وج30 ص351 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص299 والثقات لابن حبان ج2 ص165 وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص134.
([199]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص110 ووفيات الأعيان ج6 ص15 وقاموس الرجال ج4 ص146 و 147 عن تاريخ الأمم والملوك ج3 ص278 و 279 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص504 والغدير ج7 ص159 وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج17 ص204 ـ 206 والنص والإجتهاد ص119 و 123 وعن أسد الغابة ج4 ص295 و 296 ومعجم البلـدان ج1 ص455 وعن البـدايــة والنهـايــة ج6 = = ص354 و 355 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص73 والبحار ج30 ص476 و 477 و 491 و 493 والثقات ج2 ص169 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص274 وعن الإصابة ج2 ص218 وج5 ص560 و 561 والإستغاثة ج2 ص6 والكنى والألقاب ج1 ص42 و 43 وبيت الأحزان ص104.
([200]) النص والإجتهاد ص125 وفي هامشه عن: تاريخ اليعقوبي ج2 ص110 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص158 والإصابة ج3 ص336 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص280 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص504.
وراجع: نسب قريش ص301 والبحار ج30 ص477 و 492 والغدير ج7 ص159 عن الطبري، وشرح النهج ج17 ص206 وأسد الغابة ج4 ص295 والكامل في التاريخ ج2 ص358 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص36 وراجع: البداية والنهاية ج6 ص355 وإمتاع الأسماع ج14 ص240 وأعيان الشيعة ج1 ص432 والكنى والألقاب ج1 ص43.
([201]) وفيات الأعيان ج6 ص15 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص158 وروضة المناظر لابن الشحنة (مطبوع بهامش الكامل في التاريخ) ج7 ص167 والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج3 ص49 وج2 ص358 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص179 وتاريخ الأمم والملوك (ط ليدن) ج4 ص1410 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص503 والبداية والنهاية ج6 ص323 والبحار ج30 ص492 وأسد الغابة ج4 ص295 وإمتاع الأسماع ج14 ص239 والكامل في التاريخ ج2 ص359 وراجع: البداية والنهاية ج6 ص355 والغدير ج7 ص160 عن تاريخ أبي الفداء ج1 ص158 وص161 عن تاريخ الخميس ج2 ص233 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص37 وفيات الوفيات ج2 ص243 = = وإمتاع الأسماع ج14 ص239 ومكاتيب الرسول ج1 ص665 وكنز العمال ج5 ص619 وتاريخ خليفة بن خياط ص68 وتاريخ مدينة دمشق ج16 ص256 والإصابة ج5 ص561.
([202]) راجع كتابنا: مأساة الزهراء "عليها السلام" بمجلديه الأول والثاني.
([203]) راجع كتابنا: مختصر مفيد ج5 ص62 ـ 67 تحت عنوان: "السقيفة إنقلاب مسلح".
([204]) البحار ج21 ص127 عن إعلام الورى (ط مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث) ج1 ص218 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص58.
([205]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن أحمد والطبراني، عن ابن عباس. والسيرة الحلبية ج3 ص76 ومجمع الزوائد ج6 ص164 وصححه، والبحار ج21 ص102 ومجمع البيان ج10 ص555 وتاريخ الخميس ج2 ص79 والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص9 وج19 ص182 والدرر لابن عبد البر ص214 وتفسير البغوي ج4ص538 والثقات لابن حبان ج2 ص42 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص231 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص325 و 326 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539 و 540 وعيون الأثر ج2 ص185 ومسند أحمد ج1 ص226 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539.
([206]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن ابن سعد والبلاذري، وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص79 وعيون الأثر ج2 ص185 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 والمسترشد للطبري ص128 والطرائف لابن طاووس ص233 والبحار ج28 ص169.
([207]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص15والمغازي للواقدي ج2 ص801 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وإمتاع الأسماع ج1 ص355 وج13 ص374 والمصنف للصنعاني ج2 ص569 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135.
([208]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص7 والمغازي للواقدي ج2 ص801 وتاريخ الخميس ج2 ص79 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص267 وإمتاع الأسماع ج1 ص354.
([209]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص801 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص267 وإمتاع الأسماع ج13 ص374.
([210]) قديد: موضع قرب مكة. مراصد الإطلاع ج3 ص1070.
([211]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص804 ـ 806 و 801 الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([212]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص65 و 214 و 256 وقال: رواه البخاري في صحيحه عن عروة، وإسحاق بن راهويه، من طريق آخر بسند صحيح عن ابن عباس. والسيرة الحلبية ج3 ص76 ومجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص102 و 118 و 127 و 128 عن الخرايج والجرايح، وإعلام الورى، والمغازي للواقدي ج2 ص801 و 815 و 822 وتاريخ الخميس ج2 ص80 و 89. وراجع: الطبقات الكبرى ج2 ص139 والتنبيه والإشراف للمسعودي ص231 والكامل في التاريخ ج2 ص244 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص535 والبداية والنهاية ج4 ص325 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص787 وج4 ص859 وأعيان الشيعة ج1 ص275 والعبر وتاريخ المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 والكامل لابن عدي ج1 ص272 ولسان الميزان ج1 ص115 وعيون الأثر ج2 ص185 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص324 و 539 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والخرائج والجرائح ج1 ص162 والبحار ج21 ص102 و 118 والنص والإجتهاد ص183 ومسند أحمد ج1 ص226 والمستدرك للحاكم ج3 ص43 ومجمع الزوائد ج6 ص164 و 165 وفتح الباري ج7 ص340 وشرح معاني الآثار ج3 ص320 والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص10 والدرر لابن عبد البر ص214 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص259 وفيض القدير ج3 ص632 وتفسير مجمع البيان ج5 ص34 وج10 ص470 وتفسير نور الثقلين ج5 ص693 وتفسير الميزان ج9 ص231 وج18 ص253 وج20 ص380 وتفسـير البغـوي ج1 ص290 والمحـرر = = الوجيز في تفسير الكتاب العزيز ج3 ص19 وج5 ص138 وتفسير القرطبي ج16 ص261 وتفسير البحر المحيط ج5 ص25 وتفسير الثعالبي ج3 ص172 وج5 ص260 وتفسير الآلوسي ج26 ص84
([213]) مجمع البيان ج10 ص555 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص470 والبحار ج21 ص102 و 127 وتفسير نور الثقلين ج5 ص693 وتفسير الميزان ج20 ص380 وتاريخ الخميس ج2 ص80 وعن مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب، وعن إعلام الورى ج1 ص219 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص107 وراجع: تفسير البغوي ج4 ص538.
([214]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 عن عروة، والزهري، وابن عقبة، والسيرة الحلبية ج3 ص76 وتفسير البحر المحيط ج2 ص437 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج4 ص891 وج5 ص107 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص615 وعيون الأثر ج2 ص215 والكامل في التاريخ ج2 ص262 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص347.
([215]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص266 وتفسير الآلوسي ج30 ص256.
([216]) السيرة الحلبية ج3 ص76 و (ط دار المعرفة) ص13 والمغازي للواقدي ج2 ص800 وإمتاع الأسماع ج1 ص354 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([217]) تاريخ الخميس ج2 ص89 عن شفا الغرام، وراجع: تفسير الثعالبي ج10 ص319 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص340 والكامل في التاريخ ج2 ص244 والبداية والنهاية ج4 ص354 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص877 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص587.
([218]) المغازي للواقدي ج2 ص802 وإمتاع الأسماع ج13 ص375.
([219]) المغازي للواقدي ج2 ص803 و 804.
([220]) راجع: إمتاع الأسماع ج1 ص358.
([221]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص281 ومعجم البلدان ج4 ص313 وراجـع: عمدة = = القاري ج9 ص287 ج17 ص276 وتحفة الأحوذي ج8 ص242 وعون المعبود ج10 ص144 وتنوير الحوالك ص342 وفتح الباري ج3 ص399.
([222]) المغازي للواقدي ج2 ص805 ومجمع البحرين ج2 ص365 ومعجم ما استعجم ج3 ص957 وعمدة القاري ج14 ص291 وشرح إحقاق الحق ج32 ص441 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص558 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص492 والنهاية في غريب الحديث ج2 ص362 ولسان العرب ج9 ص150.
([223]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 والمغازي للواقدي ج2 ص805 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص356 وج9 ص234.
([224]) المغازي للواقدي ج2 ص 804.
([225]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والمغازي للواقدي ج2 ص803 وإمتاع الأسماع ج1 ص355 وج13 ص375.
([226]) سبل الهدى والرشاد ج7 ص29 والمغازي للواقدي ج2 ص804 وإمتاع الأسماع ج1 ص356 وج2 ص225.
([227]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 وج7 ص29 والمغازي للواقدي ج2 ص804 وإمتاع الأسماع ج1 ص356 وج2 ص225.
([228]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص80 والبحار ج22 ص9 و 41 وج65 ص290 والكامل في التاريخ ج3 ص194 وأعيان الشيعة ج1 ص446 وشرح النهج للمعتزلي ج9 ص288 وتفسير نور الثقلين ج4 ص402 وتفسير الميزان ج17 ص142 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص457 والبداية والنهاية ج7 ص254.
([229]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص212 عن مالك والواقدي، وعن الحاكم في الإكليل وج8 ص423 عن أحمد وأبي داود، وص 426 عن مالك والشافعي وأحمد، والسيرة الحلبية ج3 ص77 والمغازي للواقدي ج2 ص801 و 802 ونيل الأوطار للشوكاني ج4 ص287 ومسند أحمد ج4 ص63 وج5 ص376 وراجع: كتاب الموطأ ج1 ص294 والمغني لابن قدامة ج3 ص45 وفتح الباري ج4 ص133 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص298 وإمتاع الأسماع ج13 ص374 والتمهيد لابن عبد البر ج22 ص47 والمصنف للصنعاني ج4 ص207 والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص45 ولسان الميزان لابن حجر ج1 ص377 .
([230]) (الكديد): قيل: بالفتح، وبالكسر، وآخره دال أخرى: موضع بالحجاز على اثنين وأربعين ميلاً من مكة، بين عسفان وأمج. مراصد الإطلاع ج3 ص1152 ومعجم البلدان ج4 ص442 وتاج العروس ج5 ص219 وراجع: فتح الباري (المقدمة) ص174 .
([231]) تاريخ الخميس ج2 ص79 وتنوير الحوالك للسيوطي ص281 وتلخيص الحبير ج6 ص427 ونيل الأوطار ج4 ص304 والطرائف لابن طاووس ص528 وتلخيص الحبير ج6 ص427 وتنوير الحوالك ص281 وعوالي اللآلي ج1 ص203 ومسند أحمد ج1 ص334 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص14= = وسبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص537 والتنبيه والإشراف ص230 وتذكرة الحفاظ ج4 ص1214 وتفسير القرطبي ج2 ص299 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص216 والمصنف للصنعاني ج5 ص373 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص241 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج2 ص238 وج5 ص90 وعمدة القاري ج11 ص46 وج17 ص276 وفي القاموس: الكديد ما بين الحرمين.
([232]) تاريخ الخميس ج2 ص79 ومسند أحمد ج1 ص266 ومجمع الزوائد ج6 ص165 وعمدة القاري ج9 ص234 والمعجم الكبير ج8 ص10 والـدرر لابن عبد البر ص214 وجامع البيان للطبري ج2 ص202 وتفسير البغوي ج4 ص538 والثقات لابن حبان ج2 ص43 ومعجم البلدان ج4 ص442 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص325 و 326 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص539 و 540 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص65 ولسان العرب لابن منظور ج2 ص208 وتاج العروس ج3 ص288. و(أمج) بفتحتين، والجيم: بلد من أعراض المدينة. مراصد الإطلاع ج1 ص115.
([233]) البحار ج21 ص127 عن إعلام الورى والمجموع للنووي ج6 ص264 والمغني لابن قدامة ج3 ص34 والشرح الكبير ج3 ص19 والمحلى ج6 ص253 وبداية المجتهد ج1 ص238 ونيل الأوطار ج4 ص306 و 308 والطرائف ص529 واختلاف الحديث للشافعي ص493 وصحيح مسلم ج3 ص141 وسنن الترمذي ج2 ص106 وسنن النسائي ج4 ص177 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص241 و 246 وعمدة القاري ج11 ص47 ومسند أبي داود ص232 والسنن الكـبرى للنسائي ج2 ص101 ومسنـد ابي يعلى ج3 ص400 وج4 = = ص98 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص255 وشرح معاني الآثار ج2 ص65 وصحيح ابن حبان ج6 ص423 وج8 ص318 و 319 ومعرفة السنن والآثار ج3 ص390 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص301 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص68 وج22 ص52 وتفسـير الثعلـبـي ج2 ص73 وتفسـير السمعاني ج1 ص184 وتفسير البغوي ج1 ص153 والبداية والنهاية ج4 ص327 و 542 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وج8 ص426 ونهج الحق للعلامة الحلي ص442 وإحقاق الحق (الأصل) ص383.
([234]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وج8 ص428 وإحقاق الحق (الأصل) ص383 والسيرة الحلبية ج3 ص77 وراجع: صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص90 وفتح الباري ج4 ص158 وصحيح مسلم ج3 ص141 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص255 وصحيح ابن حبان ج8 ص318 و 319 ونصب الراية ج3 ص27 والعهود المحمدية ص716 ونيل الأوطار ج4 ص309 و 310 والطرائف لابن طاووس ص529 وعمدة القاري ج17 ص276 والمعجم الكبير ج11 ص274 وراجع: الكافي ج4 ص127 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص141 والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص176 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص125 والفصول المهمة ج1 ص691 وجامع أحاديث الشيعة ج9 ص293 ومنتقى الجمان ج2 ص527 ونهج الحق وكشف الصدق ص442.
([235]) سبل الهدى والرشاد ج8 ص426 وج5 ص213 وفي هامشه عن: مسلم من حديث ابن عباس 2/784 (88/1113) ومن حديث جابر أخرجه مسلم في الصيام 2/785 (90/1114) والبخاري (4275)، والترمذي (710) والنسائي في الصيام باب (47) والطيالسي كما في المنحة (912) والطحاوي في معاني الآثار 2/65 والشافعي في المسند (158) والبيهقي في الدلائل 5/25 وفي السنن 4/241، وانظر التلخيص 2/203 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص77 والمغازي للواقدي ج2 ص802 وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد ج1 ص238 وعوالي اللآلي ج1 ص204 وراجع: شرح معاني الآثار ج2 ص64 ونيل الأوطار ج4 ص309 و 312 والطرائف ص528 ونهج الحق ص442 وصحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص90 وعمدة القاري ج17 ص275 ونصب الراية ج3 ص28.
([236]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 وفي هامشه عن: مسلم 2/789 (102/1120) والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص15 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص802 وتلخيص الحبير ج6 ص431 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج3 ص144 والسنن الكـبرى ج4 ص242 وفتـح البـاري ج4 ص160 وتحـفـة = = الأحوذي ج3 ص328 وج5 ص271 والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص627 وصحيح ابن خزيمة ج3 ص257 وشرح معاني الآثار ج2 ص65 ومسند الشاميين ج3 ص130 ونيل الأوطار ج4 ص304 وفقه السنة لسيد سابق ج1 ص442 وسنن أبي داود ج1 ص538 والسنن الكبرى ج4 ص242.
([237]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([238]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص267 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([239]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14.
([240]) راجع: الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص472 و 473 وراجع: تذكرة الفقهاء (ط ج) ج4 ص371 و (ط ق) ج1 ص188 وتفسير مجمع البيان ج2 ص16 وزاد المسير ج1 ص168 وتفسير الرازي ج5 ص82.
([241]) مراصد الإطلاع ج2 ص940 وشرح مسلم للنووي ج7 ص230 وعمدة القاري ج9 ص203 والديباج على مسلم ج3 ص215 وعون المعبود ج4 ص74.
([242]) وفاء الوفاء ج4 ص1266 والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص93 وكشاف القناع ج1 ص616.
([243]) مراصد الإطلاع ج3 ص1152 ومعجم البلدان ج4 ص442 وشرح مسلم للنووي ج7 ص230 وفتح الباري (المقدمة) ص174 وتارج العروس ج5 ص219.
([244]) مراصد الإطلاع ج3 ص1153 ومعجم البلدان ج4 ص443 ووفاء الوفاء ج4 ص1279 والديباج على مسلم ج3 ص216.
([245]) وفاء الوفاء ج4 ص1264 وشرح مسلم للنووي ج15 ص15 وعمدة القاري ج10 ص177 والديباج على مسلم ج5 ص274 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص77.
([246]) مراصد الإطلاع ج3 ص1070 ومعجم البلدان ج4 ص313.
([247]) وفاء الوفاء ج4 ص1257 وفتح الباري ج2 ص93 وفي عمدة القاري ج5 ص146 ومعجم ما استعجم: ليلة.
([248]) وفاء الوفاء ج4 ص1257 ومراصد الإطلاع ج2 ص865 ومعجم البلدان ج3 ص453.
([249]) مراصد الإطلاع ج2 ص865 ومعجم البلدان ج3 ص453 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص480.
([250]) وفاء الوفاء ج4 ص1174 وراجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315 ومعجم البلدان ج3 ص62 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص111.
([251]) وفاء الوفاء ج4 ص1174 وراجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315 ومعجم البلدان ج3 ص62 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص111.
([252]) الفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص473 والحدائق الناضرة ج14 ص326 عن المصباح للفيومي.
([253]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والسيرة الحلبية ج3 ص78 والبحار ج21 ص118 وإمتاع الأسماع ج1 ص357 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 والكامل في التاريخ ج2 ص242 والإستذكار ج5 ص151.
([254]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والسيرة الحلبية ج3 ص78 والبحار ج21 ص118 وإمتاع الأسماع ج1 ص357 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص42 والكامل في التاريخ ج2 ص242.
([255]) المغازي للواقدي ج2 ص812 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص330 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص357 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([256]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والسيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص15 ومواقف الشيعة ج1 ص171 عن عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص5.
([257]) الخرايج والجرايح ج1 ص162 والبحار ج21 ص118 عنه.
([258]) الآية 90 من سورة الإسراء.
([259]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص178 وإعلام الورى ج1 ص219 والبحار ج21 ص127 و 128 عنه، ومستدرك سفينة البحار ج8 ص108.
([260]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14 والمغازي للواقدي ج2 ص810 و 811 وسيرة ابن إسحاق ج4 ص180 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص193 وعيون الأثر ج1 ص141 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص481 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص340 وراجع: الكشاف للزمخشري ج2 ص466 وتفسير القمي ج2 ص27 والبحار ج9 ص222 وج18 ص179والتفسير الصافي ج3 ص217 وتفسير نور الثقلين ج3 ص226 وتفسير الرازي ج21 ص58 وتفسير القرطبي ج10 ص330 وتفسير البحر المحيط ج6 ص78 والدر المنثور ج4 ص203 وتفسير أبي السعود ج5 ص195 وتفسير الآلوسي ج15 ص171 والبداية والنهاية ج3 ص67 وأعيان الشيعة ج1 ص276 و 408 وج10 ص272 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص524 .
([261]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14 ومجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص102 و 103 والمغازي للواقدي ج2 ص810 و 811 والمعجم الكبير للطبراني ج8 ص10 وتفسير الميزان ج20 ص380 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص329 والكامل في التاريخ ج2 ص243 والبداية والنهاية ج4 ص328 وأعيان الشيعة ج1 ص276 و 408 وج10 ص272 والسيرة النبوية ج4 ص860 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص544 وتاريخ الخميس ج2 ص80 عن ذخائر العقبى، والمواهب اللدنية، وأبي عمر.
([262]) الآيتين 91 و 92 من سورة يوسف.
([263]) السيرة الحلبية ج3 ص77 و (ط دار المعرفة) ص14 وإمتاع الأسماع ج1 ص356.
([264]) الآيات 90 إلى 93 من سورة الإسراء.
([265]) البحار ج9 ص222 وج21 ص114وتفسير القمي ج2 ص27 والقواعد الفقهية ج1 ص48 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص5 ومستدرك الوسائل ج7 ص448 وجامع أحاديث الشيعة ج9 ص326 وتفسير نور الثقلين ج3 ص226.
([266]) الآية 25 من سورة التوبة.
([267]) قاموس الرجال ج5 ص237 عن أنساب الأشراف للبلاذري، وكتاب التوابين ص113 و 114.
([268]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص213 والسيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص15 ومواقف الشيعة ج1 ص171 عن عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص5.
([269]) البحار ج66 ص230 عن شرح النهج للمعتزلي ج13 ص103.
([270]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص106والوسائل (ط مؤسسة آل البيت) ج16 ص228 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص478 وفرحة الغري لابن طاووس ص5 والبحار ج38 ص255 و 292 وج39 ص325 وج72 ص421 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص581 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص486 ودراسات في نهج البلاغة للشيخ محمد مهدي شمس الدين ص178 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهم السلام" للشيخ هادي النجفي ج5 ص27 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص54 وتفسير ابن عربي ج2 ص345 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص205.
([271]) الكافي (مطبعة النجف سنة 1385 هـ) ج8 ص165 و (ط دار الكتب الإسلامية) ص189 الحديث رقم 216 والبحار ج28 ص251 ومعجم رجال الحديث ج10 ص252 ومجمع النورين للمرندي ص89 وبيت الأحزان ص128 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام" في الكتاب والسنة والتاريخ للريشهري ج3 ص65 وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص78.
([272]) معجم رجال الحديث ج9 ص235.
([273]) مرآة العقول ج26 ص83 و 84 وراجع: شرح الكافي للمولى محمد صالح المازندراني ج12 ص236 و (ط دار إحياء التراث العربي) ص247.
([274]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص128 الخطبة رقم 189 والبحار ج66 ص227 والإيجاز والإعجاز للثعالبي ص32 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص101 وينابيع المودة ج3 ص452.
([275]) الآية 11 من سورة التوبة.
([276]) أي قَبِلَ "صلى الله عليه وآله" شفاعة عمه.
([277]) الآيتان 98 و 99 من سورة النساء.
([278]) الفدادون: الجمالون، والرعيان، والبقارون، والحمارون، والفلاحون، وأصحاب الوبر، والذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم، والمكثرون من الإبل.
([279]) الكافي ج8 ص70 والبحار ج22 ص136 وج57 ص232 وج66 ص231 وعمدة القاري ج15 ص191 وتخريج الأحاديث الآثار للزيلعي ج2 ص94 والذكرى للشهيد الأول ج4 ص417 وتفسير البحر المحيط ج5 ص94 وغريب الحديث ج1 ص202 وتفسير النسفي ج2 ص105 وروض الجنان للشهيد الثاني(ط ق) ص312 ومسالك الأفهام ج1 ص316 عن: غريب الحديث للهروي ج1 ص125 والصحاح ج2 ص518 والنهاية في غريب الحديث ج3 ص419.
([280]) البحار ج66 ص229 ـ 231.
([281]) عيون أخبار الرضا ج1 ص93 والبحار ج19 ص89 وج33 ص167 وج101 ص158 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص569 وإحقاق الحق (الأصل) ص256 وراجع: مسند أبي داود الطيالسي ص84 و 130 و 293 وكنز العمال ج2 ص560 والدر المنثور ج6 ص406 والمستدرك للحاكم ج2 ص257.
([282]) البحار ج19 ص90 وج33 ص167 و 101 ص158 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص569 وعيون أخبار الرضا (ط مؤسسة الأعلمي سنة 1404 هـ) ج1 ص93 و 94.
([283]) معجم البلدان ج1 ص79 ووفاء الوفاء ج4 ص1118 ومراصد الإطلاع ج1 ص19 وفتح الباري ج4 ص28 وعمدة القاري ج14 ص260.
([284]) راجع: معجم البلدان ج3 ص62 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص111 ووفاء الوفاء ج4 ص1174 وراجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315. راجع: مراصد الإطلاع ج1 ص315.
([285]) معجم البلدان ج2 ص295 و 325 وج5 ص155 وأعيان الشيعة ج1 ص416 ووفاء الوفاء ج4 ص1193 ومراصد الاطلاع ج1 ص420 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص154 والقاموس المحيط ج3 ص129 وتاج العروس ج12 ص148.
([286]) وفاء الوفاء ج4 ص1234 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص135 وفي معجم ما استعجم ج3 ص954 من السقيا إلى الأبواء تسعة عشر ميلاً.
([287]) مراصد الاطلاع ج1 ص301 وراجع: معجم البلدان ج2 ص85 وج3 ص21 وج4 ص133.
([288]) الآية 86 من سورة النساء.
([289]) الآية 25 من سورة الشورى.
([290]) الآية 94 من سورة النساء.
([291]) الآية 64 من سورة النساء.
([292]) راجع: الإستيعاب ج3 ص868 والإصابة ج4 ص10 ـ 12 ومستدركات علم رجال الحديث ج4 ص446 وعمدة القاري ج17 ص17 وج20 ص216 وج22 ص43 والخصائص الفاطمية للكجوري ج2 ص134 .
([293]) الآية 93 من سورة الإسراء.
([294]) الآية 91 من سورة يوسف.
([295]) الآية 53 من سورة الإسراء.
([296]) الآية 77 من سورة القصص.
([297]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص219 عن ابن عساكر، وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص106 وتهذيب تاريخ دمشق ج4 ص419 وتهذيب الكمال ج7 ص182 وتهذيب التهذيب ج2 ص348 ومستدرك الحاكم ج3 ص595 والسيرة الحلبية ج3 ص79 وكنز العمال ج11 ص759 وأسد الغابة ج1 ص271.
([298]) السيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18 وج2 ص62.
([299]) راجع: الإصابة ج1 ص226 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص230 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص62 وج3 ص18 والمحلى ج11 ص62 وعمدة القاري ج10 ص3 وج14 ص295 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص147وخلاصة تهذيب الكمال ص60 وإسعاف المبطأ ص23 والمعارف لابن قتيبة ص285 والمنتخب من ذيل المذيل للطبري ص52 والوافي بالوفيات ج11 ص44 وأعيان الشيعة ج4 ص67.
([300]) الإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص230 والتمهيد لابن عبد البر ج9 ص147 وأعيان الشيعة ج4 ص67.
([301]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن البيهقي، والمغازي للواقدي ج2 ص812 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص542 ومنتخب الكلام في تفسير الأحلام لابن سيرين ج1 ص380 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 وإمتاع الأسماع ج1 ص357.
([302]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن ابن إسحاق، والواقدي، وبه جزم ابن عائذ، وغيرهم. والسيرة الحلبية ج3 ص78 ومجمع البيان ج10 ص555 و 556 والبحار ج21 ص103 وراجع ص127 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص80 وعمدة القاري ج17 ص279 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275 وعيون الأثر ج2 ص185 والمعجم الكبير ج8 ص10 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص859.
([303]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 عن إسحاق بن راهويه، والحاكم، والبيهقي، ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص27 والسيرة الحلبية ج3 ص77 و 78 ومجمع البيان ج10 ص555 والبحار ج21 ص103 و 127 والمغازي للواقدي ج2 = = ص814 وتفسير البغوي ج4 ص538 وشرح معاني الآثار ج3 ص320 والثقات لابن حبان ج2 ص43 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص328 والمستدرك للحاكم ج3 ص43 والبداية والنهاية ج4 ص230 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص546.
([304]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 والسيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص15 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 والمغازي للواقدي ج2 ص814 وتاريخ الخميس ج2 ص80 وعيون الأثر ج2 ص186وفتح الباري ج8 ص5 وعمدة القاري ج17 ص279 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج1 ص358 وج8 ص385 وأعيان الشيعة ج1 ص275.
([305]) المغازي للواقدي ج2 ص814.
([306]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 و 215 وفي هامشه عن البخاري ج7 ص597 والسيرة الحلبية ج3 ص78 وراجع: مجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 و 128 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص80 والمغازي للواقدي ج2 ص814 وراجع: كنز العمال ج10 ص507 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص448 والبداية والنهاية ج4 ص333 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص553 .
([307]) البحار ج21 ص128 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص108 وإعلام الورى ج1 ص220.
([308]) المغازي للواقدي ج2 ص814 وإمتاع الأسماع ج1 ص358 وغريب الحديث ج2 ص529.
([309]) المغازي للواقدي ج2 ص815.
([310]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 و 216 عن إسحاق بن راهويه، والسيرة الحلبية ج3 ص78 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص103 و 127 و 128 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص816 و 818 و 819 وراجع ص815 وشرح النهج للمعتزلي ج17 ص268 وكنز العمال ج10 ص506 و 507 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص450 و 451.
([311]) تاريخ الخميس ج2 ص95.
([312]) المغازي للواقدي ج2 ص815 وتاريخ الخميس ج2 ص80 و 81 والطبقات الكبرى ج2 ص135 وإمتاع الأسماع ج1 ص358.
([313]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 وفي هامشه: عن ابن أبي شيبة ج14 ص475، والسيرة الحلبية ج3 ص78 و 79 و (ط دار المعرفة) ص17 ومجمع البيان ج10 ص556 و (ط مؤسسة الأعلمي) ص471 والبحار ج21 ص103 و 104 و 128 وراجع: شرح معاني الآثار ج3 ص320 و 321 والدرر لابن عبد البر ص216 وشرح نهج البلاغة ج17 ص269 وتفسير نور الثقلين ج5 ص694 وتفسير الميزان ج20 ص381 وتفسير البغوي ج4 ص538 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص122 والثقات لابن حبان ج2 ص46 وتاريخ مدينة دمشق ج23 ص449 وتاريـخ الأمـم والملـوك ج2 ص331 وتاريخ الإسـلام للذهبي ج2 ص540 والبداية والنهاية ج4 ص331 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص43 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص862 وعيون الأثر ج2 ص187 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص548 وشرح إحقاق الحق ج33 ص147.
([314]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 عن ابن عقبة والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18 والمغازي للواقدي ج2 ص815 وإمتاع الأسماع ج1 ص359.
([315]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 عن ابن أبي شيبة، والفايق في غريب الحديث ج1 ص312 وكنز العمال ج10 ص533 وغريب الحديث لابن سلام ج2 ص132 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص528.
([316]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص216 والسيرة الحلبية ج3 ص79 والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221 وراجع: فتح الباري ج8 ص6 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص532 وتفسير السمرقندي ج2 ص43.
([317]) السيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص18.
([318]) البحار ج21 ص129 وإعلام الورى ج1 ص221.
([319]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17 والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221، والمغازي للواقدي ج2 ص815 وتاريخ الخميس ج2 ص81 وعون المعبود ج8 ص180 والثقات لابن حبان ج2 ص46 والبداية والنهاية ج4 ص331 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص862 وعيون الأثر ج2 ص187 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص549.
([320]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 عن ابن عقبة، والواقدي، والبحار ج21 ص129 عن إعلام الورى، والمغازي للواقدي ج2 ص815 و 816.
([321]) البحار ج21 ص129 عن إعلام الورى ج1 ص221 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص109.
([322]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص217 و 218 عن ابن أبي شيبة، وفي هامشه عن: كنز العمال برقم (30173) والسيرة الحلبية ج3 ص79 و 80 ومجمع البيان ج10 ص556 والبحار ج21 ص 104 و 128 و 129 والمغازي للواقدي ج2 ص815 و 816 و 817 و 818 وتاريخ الخميس ج2 ص81.
([323]) البحار ج21 ص118 و 119 عن الخرايج والجرايح ج1 ص163.
([324]) الآية 20 من سورة ص.
([325]) الآية 35 من سورة ص.
([326]) البحار ج21 ص118 عن الخرايج والجرائح ج1 ص162.
([327]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص214 و 215 عن الطبراني، ومجمع الزوائد ج5 ص172 و (ط دار الكتب العلمية) ج6 ص169 والمعجم الكبير ج7 ص76.
([328]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن عقبة، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17.
([329]) السيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص17.
([330]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن أبي شيبة، وشرح معاني الآثار ج3 ص314 وكنز العمال ج10 ص526 وتفسير السمرقندي ج2 ص43 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص532.
([331]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص215 عن ابن أبي شيبة، والسيرة الحلبية ج3 ص79 و (ط دار المعرفة) ص17 وإمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص359 ونيل الأوطار ج8 ص169 وفتح الباري ج8 ص5 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص548 والبداية والنهاية ج4 ص331.
([332]) السيرة الحلبية ج3 ص78 و (ط دار المعرفة) ص16.
([333]) السيرة الحلبية ج3 ص80 و (ط دار المعرفة) ص19.
([334]) راجع: المحلى لابن حزم ج11 ص193 وفرق الشيعة ص7 والمقالات والفرق ص4 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص255 وتاريخ الردة ص10 وراجع: مجمع الأمثال ج2 ص65 والفتوح لابن أعثم ج1 ص58.
([335]) راجع مصادر ذلك تحت عنوان: الجرأة على الدماء.
([336]) مسند أحمد ج3 ص15 والمصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص225 و 226 و 227 والبداية والنهاية ج7 ص299 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص266 و 267 والكامل في الأدب ج3 ص220 و221 ونيل الأوطار للشوكاني ج7 ص351 والمراجعات للسيد شرف الدين ص376 و 378 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص96 والغديرج7 ص216 وأهمية الحديث عند الشيعة للشيخ آقا مجتبي العراقى ص217 وفتح الباري ج12ص266 والفصول المهمة للسيد شرف الدين ص121.
([337]) كشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص360 و 361 والعقد الفريد ج2 ص404 وراجع المصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص226 و 227 والمناقب لابن شهراشوب ج3 ص187 و 188 عن مسند أبي يعلى، والإعانة لابن بطة، والعكبري. وزينة أبي حاتم الرازي، وكتاب أبي بكر الشيرازي وغيرهم والطرائف ج2 ص 429 والبداية والنهاية ج7 ص 298 والغدير ج7 ص216 وحلية الأولياء ج2 ص317 و ج3 ص 227 والإصابة ج1 ص484 والنص والإجتهاد ص 93 و 94 عن بعض ما تقدم.
([338]) راجع موقفه هذا في هذا الكتاب في غزوة بدر، فصل: الغنائم والأسرى.
([339]) العقد الفريد ج2 ص289 والكامل للمبرد ج1 ص319.
([340]) الآية 1 من سورة الحجرات.
([341]) الآية 4 من سورة المنافقون.
([342]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص351 والإستيعاب (ط دار الكتب العلمية) ج4 ص58 و (ط دار الجيل) ص1678 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص104 والنزاع والتخاصم للمقريزي ص58 وراجع: الغدير ج3 ص253 وج8 ص278 وشيخ المضيرة لأبي رية ص161 والنصائح الكافية لابن عقيل ص110.
([343]) الأمالي لابن الشيخ ص239 و (ط دار الطباعة والنشر ـ قم) ص376 والبحار ج21 ص115 وج96 ص308 وراجع: الإصابة ج1 ص141.
([344]) البحار ج21 ص116.