الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج17
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الرابع:
كتاب النبي ' إلى المقوقس
كتاب النبي ' إلى المقوقس:
"بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الله إلى المقوقس، عظيم القبط:
سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد..
فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، [وأسلم] يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم القبط و ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ?"([1]).
قصة هذه الرسالة:
قال العلامة الأحمدي رحمه الله:
قالوا: كتب "صلى الله عليه وآله" في ذلك اليوم (الذي كتب فيه إلى الملوك) إلى المقوقس، عظيم القبط، وكان نصرانياً مع حاطب ابن أبي بلتعة([2]).
فجاء حاطب بالكتاب حتى دخل مصر فلم يجد المقوقس هناك، فذهب إلى الإسكندرية، فأُخبر أنه في مجلس مشرف على البحر، فركب حاطب سفينة، وحاذى مجلسه، وأشار بالكتاب إليه، فلما رآه المقوقس أمر بإحضاره بين يديه، فلما جيء به نظر إلى الكتاب، وفضه، وقرأه.
وقال لحاطب: ما منعه إن كان نبياً أن يدعو على من خالفه، وأخرجه من بلده إلى غيرها أن يسلِّط عليهم، فاستعار (فاستعاد) منه الكلام ثم سكت.
فقال له حاطب: ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله؟ فما له حيث أخذه قومه، فأرادوا أن يقتلوه أن لا يكون دعا عليهم أن يهلكهم الله تعالى، حتى رفعه الله إليه؟
قال: أحسنت، أنت حكيم من عند حكيم.
الرسول ' عند المقوقس:
ثم قال له حاطب: إنه كان قبلك من يزعم أنه الرب الأعلى (يعني فرعون)، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى، فانتقم به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.
إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش، وأعداهم له يهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى عليهما الصلاة والسلام إلا كبشارة عيسى بمحمد "صلى الله عليه وآله"، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبي أدرك قوماً فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، فأنت ممن أدرك هذا النبي، ولسنا ننهاك عن دين المسيح، بل نأمرك به.
فقال المقوقس: إني نظرت في أمر هذا النبي فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكذاب، ووجدت معه آلة النبوة، بإخراج الخبء، والإخبار بالنجوى، وسأنظر، ثم أخذ الكتاب وجعله في حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جاريته([3]).
الرسول ' مع الملك في السر:
وأرسل المقوقس يوماً إلى حاطب فقال: أسألك عن ثلاث.
فقال: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك.
قال: إلى ما يدعو محمد؟
قلت: إلى أن نعبد الله وحده، ويأمر بالصلاة خمس صلوات في اليوم والليلة، ويأمر بصيام رمضان، وحج البيت، والوفاء بالعهد، وينهى عن أكل الميتة والدم ـ إلى أن قال ـ: فوصفته فأوجزت.
قال: قد بقيت أشياء لم تذكرها: في عينيه حمرة قلما تفارقه، وبين كتفيه خاتم النبوة، يركب الحمار([4])، ويلبس الشملة، ويجتزي بالتمرات والِكسَر، ولا يبالي من لاقى من عم أو ابن عم.
ثم قال المقوقس: هذه صفته، وكنت أعلم أن نبياً قد بقي، وكنت أظن أن مخرجه بالشام، وهناك تخرج الأنبياء من قبله، فأراه قد خرج في أرض العرب، في أرض جهد وبؤس، والقبط لا تطاوعني في اتباعه، وأنا أضن بملكي أن أفارقه.
وسيظهر على البلاد، وينزل أصحابه من بعد بساحتنا هذه حتى يظهروا على ما ههنا، وأنا لا أذكر للقبط من هذا حرفاً واحداً، ولا أحب أن تعلم بمحادثتي إياك([5]).
كتاب المقوقس إلى رسول الله ':
ثم دعا كاتبه الذي يكتب له بالعربية، فكتب إلى النبي "صلى الله عليه وآله"([6]):
"بسم الله الرحمن الرحيم
لمحمد بن عبد الله، من المقوقس، عظيم القبط:
سلام عليك.
أما بعد..
فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبياً قد بقي.
وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم، وبثياب، وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك([7]).
هدايا المقوقس إلى النبي ':
أرسل الملك إلى النبي "صلى الله عليه وآله" هدايا كثيرة، ذكرها المحدثون والمؤرخون، ونحن نذكرها إجمالاً:
1 ـ أهدى المقوقس إليه "صلى الله عليه وآله" جارية اسمها مارية، أم إبراهيم "عليه السلام"، ابن رسول الله "صلى الله عليه وآله"([8]).
2 ـ جارية أخرى اسمها: سيرين أخت مارية([9]).
3 ـ جارية أخرى اسمها: قيسر، أو قيس، وهي أخت مارية أيضاً([10]).
4 ـ جارية أخرى سوداء، اسمها: بريرة([11]).
وفي الطبري والكامل والبداية والنهاية ج4 ص272 والبحار ج20 ص383 أنه أهدى أربع جوار من دون أن يسميهن.
5 ـ غلاماً خصياً أسود، اسمه: مأبور (وفي الطبقات شيرين)([12]).
6 ـ بغلة شهباء، وهي دلدل([13]).
7 ـ حماراً أشهب يقال له: يعفور([14]).
وقيل: اسمه عفير([15]).
قال الدياربكري، وقيل: وألف دينار وعشرين ثوباً([16]).
وقال الدميري: وألف مثقال ذهباً([17]).
8 ـ فرساً وهو اللزاز([18]).
9 ـ وأهدى إليه عسلاً من عسل نبها (بكسر الباء الموحدة قرية من قرى مصر)([19]).
10 ـ وأهدى إليه مكحلة، ومربعة توضع فيها المكحلة، وقارورة دهن، والمقص (وهو المقراض) والمسواك، والمشط، ومرآة.
وقيل: أهدى أيضاً عمائم وقباطي، وطيباً، وعوداً، ومسكاً، مع ألف مثقال من ذهب، مع قدح من قوارير([20]).
وزاد في البداية والنهاية: خفين ساذجين أسودين.
11 ـ وقال بعض: إنه أرسل مع الهدايا طبيباً يداوي مرضى المسلمين، فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": ارجع إلى أهلك، فإنا قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع"([21]).
إلى هنا انتهى ما نقلناه عن كتاب العلامة الأحمدي رحمه الله([22]).
عليك إثم القبط:
ولا يختلف كتاب النبي "صلى الله عليه وآله" إلى المقوقس عن كتابه لكسرى، وقيصر، إلا من حيث إنه حمَّله إثم القبط الذين كان المقوقس يحكمهم، إن لم يؤمن، ولم يفسح لهم المجال للتعرف على الإسلام، ولا أعانهم، ولا يسَّر لهم أمر الإيمان به..
بل يكون عزوفه عن الإيمان بالإسلام من أسباب انصرافهم عن هذا الأمر، وزهدهم فيه، هذا إن لم يمنعهم من ذلك بالقسر، والقهر، أو بإلقاء الشبهات، وإشاعة الأباطيل ضد الإسلام وأهله..
الحرص على الملك:
وليس في قولنا هنا أية غضاضة: إن المقوقس أيضاً كان مثل هرقل، لا يرغب بانتشار الإيمان بنبوة رسول الله "صلى الله عليه وآله" بين الأقوام الذين يحكمهم، حرصاً منه على ملكه ـ بزعمه ـ وعلى نفوذ كلمته في تلك الأقوام، وعدم الرغبة في إفساح المجال لمشاركة أحد له في ذلك.. وما ذلك إلا لأنه يعلم أن الطاعة للدين ولأهله أقوى وأعمق من الطاعة لأهل الدنيا.. فإن الطاعة لأهل الدين تأتي طوعية، وباندفاع ذاتي، وبتحريك وجداني، ورضا قلبي، وأنس وسرور واغتباط روحي..
أما طاعة الناس لملوكهم، فإنما تكون طمعاً في الدنيا، ورهبة من سطوتهم بهم. وشتان ما بين هذه الطاعة وتلك.
ولهذا حرص المقوقس على إبعاد رسول الله "صلى الله عليه وآله" ودعوته عن قومه برفق، وأناة، ولم يجازف بإعلان الخصومة والعناد، لكي لا يكون هذا الاحتكاك من موجبات إثارة فضول الناس لمعرفة أقوال هذا النبي الكريم، وتتبُّع سيرته وأفعاله، واستلهام مواقفه.. وذلك لأنه يعلم بأن ذلك سينتهي إلى قبولهم ـ ولو بصورة تدريجية ـ لهذا الدين، شاء أم أبى، ولسوف تهتز الأرض تحت قدمي كل معاند وجاحد، مهما طغى وبغى، وتكون النتيجة ـ من ثم ـ هي نفس النتيجة التي واجهها أهل مكة مع هذا النبي الكريم "صلى الله عليه وآله"..
شبهات المقوقس، لماذا؟!:
وقد ذكرت النصوص المتقدمة: أن أول سؤال طرحه المقوقس على حاطب ابن أبي بلتعة قد تضمن شبهة ربما لا يلتفت أكثر الناس العاديين إلى حلِّها، وهي ليس فقط تكفي لإثارة الشك في نبوة صاحب هذه الدعوة التي تعرض عليهم لأول مرة، وإنما هي تكفي لترجيح جانب النفي، وصرف النظر عن أي تفكير فيها..
وقد جاءت إجابة حاطب ابن أبي بلتعة على هذه الشبهة قوية وقاطعة، ومعبرة عن مستواه الثقافي، الذي فاجأ المقوقس، الذي كان يعلم: أن حاطباً مجرد حامل كتاب، وليس معروفاً بالفضل والعلم بين أصحاب محمد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإنما هو من الناس العاديين في ذلك المجتمع الناشئ، الذي أسسه "صلى الله عليه وآله"..
وهذه الإجابات من شأنها أن تعطي الانطباع الذي لم يكن المقوقس يرغب في أن يراه في قومه تجاه هذا الشخص ومن أرسله في هذا الوقت الحساس بالذات..
ونحن لا نشك في أنه قد ندم على هذه الإثارة التي أراد لها أن تكون اختباراً لحاطب، وتحصيناً لرعيته عن التفكير في الدعوة المعروضة عليهم، والتي يحمل لهم حاطب كتاب صاحبها..
دور الدعاء في دعوة الأنبياء ^:
والذي نريد لفت النظر إليه هنا هو: أن المقوقس حين سجل اعتراضه الآنف الذكر لم يكن يجهل بل كان يتجاهل: حقيقة دور الدعاء في حياة الأنبياء. أي أنه كان يعلم أن الدعاء لا توكل إليه مهمات كهذه في حياتهم "عليهم السلام".
بل دور الدعاء هو: توثيق الصلة بالله سبحانه، وإنشاء العلاقة الوجدانية والروحية به تعالى..
وقد يستجيب الله تعالى دعاء الداعين، ولكن بشروط أهمها أن لا تترك هذه الاستجابة أي أثر سلبي على الداعي نفسه من جهة..
وأن لا تكون سبباً في الإخلال بحقوق الآخرين من جهة أخرى..
ومنها حق الاختيار لهم، وحق الممارسة والتصرف فيما يختارونه؛ لأن الاستجابة للدعاء إذا كانت تؤثر على اختيار الناس، وتسلبهم القدرة عليه، فإنها تدخل في دائرة العدوان عليهم، والظلم لهم. ونقض السنة الإلهية القائمة، والتي تقضي بحفظ ذلك لهم، ليصح اعتبارها مناطاً للعقوبة والمثوبة، وللسعادة والشقاء.
فإذا كانت المخالفة تستتبع الدعاء من النبي "صلى الله عليه وآله" بأن يسلطه الله عز وجل على من يخالفه، بحيث يفقد ذلك المخالف قدرته بهذا القهر، ويتلاشى اختياره بهذا التسليط، فذلك يعني أن يصبح إيمان هذا الشخص مولوداً قسرياً، نشأ وترعرع تحت وطأة الخوف، واستيلاء الرعب، وهذا هو الإكراه في الدين، الذي نفاه القرآن، حيث ينتفي معه دور العقل والفكر، والتأمل والتدبر المأمور به، والذي يطلب أن يرتكز الإيمان إليه، ويعتمد عليه..
وإنما يطلب الأنبياء "عليهم السلام" من ربهم إهلاك قوم بأعيانهم؛ حين يبادر أولئك الأقوام باختيارهم إلى فعل ما استحقوا به نزول العذاب عليهم، ومعاجلتهم بالعقوبة التي هي نتيجة أعمالهم.
هدايا المقوقس:
وغني عن القول: إن لا فائدة من كل تلك الهدايا التي أرسلها المقوقس إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فإنها هدايا تفيده كشخص في حياته الخاصة، ولا تفيد دعوته في شيء، بل هو أراد أن يماطل بها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن يدفعه عن التعرض بدعوته لأهل مملكته، مع علمه المسبق أيضاً: أن دعوته "صلى الله عليه وآله" ستصل إليهم، وسيدخلون في دين الله أفواجاً، تماماً كما علم بذلك قيصر، وصرح به..
ولكنه آثر أن يستمتع بزهرة الحياة الدنيا، ولو إلى حين، ورضي بأن يكون سبباً في إبقاء قومه في ضلالتهم، وأن يبوء ـ من ثم ـ بإثمهم..
القبط لا تطاوعه:
وقد صرح المقوقس ـ كما فعل قيصر ـ: بأن القبط لا تطاوعه في اتباع رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وأنه يضن بمُلْكِه أن يفارقه..
وهو كاذب في قوله هذا جزماً، فإنه ـ كما أشار إليه كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ هو الذي يبوء بإثم القبط؛ لأنه يمنعهم من التعرف على دعوته "صلى الله عليه وآله"، بما يلقيه إليهم من شبهات، ويمارسه ضدهم من قهر واضطهاد، وإرهاب، واستضعاف لهم.
كما أنه يمنع رسل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، من القيام بواجب الدعوة إلى الله سبحانه فيهم..
وحين ادَّعى المقوقس أن القبط لا يطيعونه، هل جرب ذلك معهم بالأساليب الحكيمة؟! وبالتدبير السليم والذكي؟! أم أن هذا هو قرار الأهواء، والمصالح، والرغبات الشخصية، الذي يريد التسويق له بهذه الطريقة الظالمة واللا إنسانية؟!
وهل أفسح المجال لدعاة الإسلام، لكي يمارسوا دورهم في هذا السبيل؟!
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم:
وبينما نرى المقوقس يرسل بالهدايا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويعترف بالنبوة له، حيث يقول:
"وجدت معه آلة النبوة، بإخراج الخبء والإخبار بالنجوى" ونحو ذلك.
فإنه يقول: إنه يضن بملكه أن يفارقه..
فإنه إذا كان محمد "صلى الله عليه وآله" نبياً، فعليه أن ينقاد له، ويستجيب لدعوته، وليس له أن يمتنع عليه، ويعصيه، ويؤثر الاحتفاظ بملكه على طاعته، والانقياد له..
بل إن هذه المداراة الظاهرة من ملك مصر للنبي "صلى الله عليه وآله"، وإرساله الهدايا له، والبدء بـ "بسم الله الرحمن الرحيم"، ثم باسم رسول الله في رسائله له "صلى الله عليه وآله"، حيث قال:
"بسم الله الرحمن الرحيم: لمحمد بن عبد الله، من المقوقس، عظيم القبط: سلام عليك.."
وكذلك الحال بالنسبة لقيصر، حين كتب إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله":
"..إلى أحمد رسول الله، الذي بشر به عيسى، من قيصر ملك الروم:
وفيه يقول: "وإني أشهد أنك رسول الله، نجدك عندنا في الإنجيل، بشرنا بك عيسى بن مريم".
إن هذه المداراة البالغة من هذين الرجلين، تدل على أنهما كانا على يقين من صحة نبوة رسول الله "صلى الله عليه وآله".. ولكنهما يحاولان التملص من مسؤوليات هذا الإيمان، والتخلص من تبعاته، فيلقيان بالمسؤولية على عاتق شعوبهما: الروم والقبط، وأن هذه الشعوب هي التي تأبى الإيمان، وبذلك يكون هذان الرجلان ـ بزعمهما ـ غير مسؤولين تجاهه "صلى الله عليه وآله"، وغير ملزمين بالطاعة..
مع أن هذا كلام فارغ، فإنه لو صح أن قومهما قد رفضوا الإيمان ـ وقد تقدم أن هذا غير صحيح أيضاً ـ فإن ذلك لا يعفي قيصر ولا المقوقس، ولا غيرهما من الدخول في هذا الدين، ومن طاعة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والتعامل مع قومهما بالحكمة والموعظة الحسنة، والسعي لتسهيل تقبلهما لدعوة الحق، والدخول في دين الله تعالى، والإيمان برسول الله "صلى الله عليه وآله"..
ولكن ماذا نصنع بمن غرتهم الحياة الدنيا، وصدق عليهم إبليس ظنه، فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم؟!.
كتاب آخر مشكوك فيه:
وقد نقلوا عن الواقدي: أن الذي كتب كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المقوقس هو أبو بكر، وأنه كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم([23]).
ولكن النص الذي ذكروه لهذا الكتاب مختلف عن النص الذي نقلناه.
كما أن هذا النص المدَّعى يتضمن التهديد للمقوقس بالحرب، مع أن الحديث عن الحرب في أول رسالة دعوة يرسلها "صلى الله عليه وآله" ليس له ما يبرره، وليس هو الأسلوب الحكيم المتوقع من قبل رسول الله، ولم يكن من عادته "صلى الله عليه وآله" أن يفعل ذلك..
على أن كتاب فتوح الشام، راوي هذه الرسالة والذي ينسب إلى الواقدي، إنما كتبه مؤلفه بهدف إرغام الروافض كما صرح به مؤلفه([24]).
وقد أخذ العلماء على هذا الكتاب: أنه قد اعتمد أسلوب القصاصين، وأن أمارات الاصطناع ظاهرة على أسلوبه ومضامينه([25]). فهو كتاب غير موثوق، ولا يمكن الاعتماد عليه.
كلمات عن المقوقس:
والمقوقس بصيغة اسم الفاعل: هو لقب لكل من ملك مصر والإسكندرية. وكان نصرانياً تابعاً لملك الروم، ومنصوباً من قبله.
وقيل: إنه تضمَّن مصر من قيصر بتسعة عشر ألف ألف دينار([26]).
والقبط ـ بكسر القاف ـ هم: أهل مصر، أو أهل مصر والإسكندرية([27]).
لا تسمع القبط منك حرفاً واحداً:
وقد أكرم المقوقس حاطب ابن أبي بلتعة، وبقي عنده حاطب خمسة أيام([28])، ودفع له المقوقس مائة دينار، وخمسة أثواب([29]).
وقال له: "القبط لا يطاوعونني في اتباعه، ولا أحب أن تعلم بمجاورتي إياك، وأنا أضن بملكي أن أفارقه، وسيظهر على البلاد، وينزل بساحتنا هذه أصحابه من بعده.
فارجع إلى صاحبك، وارحل من عندي، ولا تسمع منك القبط حرفاً واحداً.
وبعث معه جيشاً إلى أن دخل إلى جزيرة العرب، فوجد قافلة تريد المدينة، فالتحق بها، وردّ ذلك الجيش"([30]).
وقد أظهرت هذه النصوص أموراً عديدة، منها:
1ـ ادّعاؤه أن القبط لا يطاوعونه، مع أنه لم يعرض ذلك عليهم، وقد دل على ذلك التعبير المذكور، حيث لم يقل: لم يطيعوني، ليدل ذلك على أنه قد عرض عليهم الإيمان فرفضوه، بل قال: لا يطاوعوني، الذي يستبطن: أنه يقول ذلك عن حدس واستنتاج.
2 ـ لماذا لا يحب أن يعلم القبط بمجاورة حاطب للمقوقس؟! أليس ذلك إلا من أجل أن لا يتساءلوا عن السبب الذي جاء به إلى بلادهم، وقد يبذلون بعض المساعي لسماع أنباء رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أحد أتباعه، إذ إن النفوس تتشوق وتتشوف لسماع أنباء من هذا القبيل.
وهي أنباء يشعر الناس كلهم: أنها تهمهم وتعنيهم، ولها مساس بحياتهم، وبمستقبلهم، وبمصيرهم.
3 ـ ألا يستفاد من هذه المطالب: أن المقوقس لم يُعلِم أحداً من القبط بقدوم رسول رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟! وأنه قد حصر هذا الرسول، وحاصره عنده، وقد غمره بالإكرام والإنعام، وأبقاه تحت السيطرة، وتحت الرقابة التامة؟!
4 ـ لماذا لا يريد المقوقس: أن تسمع منه القبط حرفاً واحداً؟! أليس هذا من الأدلة الواضحة على سعيه لتجهيل قومه؟!
ولماذا يهتم بهذا التجهيل؟! وما الذي يخشاه من اطلاعهم على أخبار نبي يعترف هو بصحة نبوته، وبعثته، وهو الذي لم تزل كتبهم السماوية تعدهم به؟!
إن ذلك كله وسواه مما لم نذكره يدل على أن المقوقس كان يسعى لإبعاد شبح الإسلام عن نفسه، وعن قومه، وكان يستخدم الكلمات المعسولة، والهدايا، وسياسة المداراة للمسلمين من جهة، ويتبع سياسة محاصرة قومه بالجهل، والإبعاد عن مواقع المواجهة، من جهة أخرى.. وذلك من أجل أن يبقي على نفوذه، ويحتفظ بملكه، ولو كان ذلك لقاء إطفاء نور الله تعالى، وإشاعة الشبهات والضلالات في الناس.
كتابه ' إلى النجاشي الأول من مكة:
"بسم الله الرحمن الرحيم.
من محمد رسول الله، إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة:
سلام عليك.
فإني أحمد إليك الله، الملك، القدوس، (السلام) المؤمن، المهيمن، (العزيز، الجبار، المتكبر).
وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة، فحملت بعيسى، فخلقه من روحه ونفخه، كما خلق آدم بيده ونفخه.
وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني فتؤمن بي، وبالذي جاءني، فإني رسول الله.
وقد بعثت إليكم ابن عمي جعفراً، ومعه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك، فأقر ودع التجبر. وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا.
والسلام على من اتبع الهدى"([31]).
إسلام النجاشي الأول:
وقد ذكر المؤرخون ـ والنص للعلامة الأحمدي "رحمه الله"([32]) ـ:
أنه لما أوصل عمرو بن أمية الكتاب إلى النجاشي، أخذه ووضعه على عينيه، ونزل عن سريره، وجلس على الأرض إجلالاً وإعظاماً، ثم أسلم، ودعا بحق من عاج، وجعل فيه الكتاب، وقال: لو كنت أستطيع أن آتيه لأتيته([33]).
كلام الرسول ' عند النجاشي الأول:
وقالوا: إن عمرو بن أمية قال للنجاشي: يا أصحمة، إن عليَّ القول وعليك الاستماع، إنك كأنك في الرقة علينا منا، وكأنا في الثقة بك منك، لأنا لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه، ولم نحفظك على شر قط إلا أمناه، وقد أخذنا الحجة عليك من قبل آدم، والإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد، وقاض لا يجور، وفي ذلك موقع الخير وإصابة الفضل، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى بن مريم، وقد فرق رسله إلى الناس، فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه، لخير سالف وأجر ينتظر([34]).
فقال النجاشي: أشهد بالله: أنه النبي الذي ينتظره أهل الكتاب، وأن بشارة موسى براكب الحمار كبشارة عيسى براكب الجمل، وأنه ليس الخبر كالعيان، ولكن أعواني من الحبشة قليل، فانظرني حتى أكثر الأعوان، وألين القلوب.
وفي رواية: لو أستطيع أن آتيه لأتيته([35]).
ونحن نرى: أن حامل رسالة رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو جعفر بن أبي طالب، إذ من المعلوم: أن النجاشي إنما أسلم على يدي جعفر.
فهذه الموعظة إن كانت قد صدرت من أحد فإنما صدرت من جعفر دون سواه باستثناء بعض الفقرات، كما سنوضحه في الفقرة التالية:
إنما يفتضح الفاجر:
هذا.. وقد ذكرت النصوص المتقدمة: أن عمرو بن أمية قال للنجاشي: "كأنك في الرقة علينا منا، وكأننا في الثقة بك منك، لأنا لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه الخ..".
ونقول:
قد نقل عن خط الشهيد رحمه الله ما يلي:
"قيل: كتب النجاشي كتاباً إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": أكتب جواباً، وأوجز.
فكتب "عليه السلام": "بسم الله الرحمن الرحيم: أما بعد، فكأنك من الرقة علينا منَّا، وكأنَّا من الثقة بك منك، لأنَّا لا نرجو شيئاً منك إلا نلناه، ولا نخاف منك أمراً إلا أمناه، وبالله التوفيق".
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": الحمد لله الذي جعل من أهلي مثلك، وشد أزري بك"([36]).
فالكلام المتقدم من إنشاء أمير المؤمنين "عليه السلام"، ولكن الأيدي الخائنة التي تسعى إلى تزوير الحقائق، وإلى سرقة جواهر كلام علي "عليه السلام"، قد نسبت ذلك إلى عمرو بن أمية. ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، والمشركون، وأن يفتضح الفجار والمزورون لحقائق الدين والإيمان، وأن يحل بهم الخزي والعار، وأن يصيبهم الخذلان والخزي، والبوار، ويكون فيهم كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار، وينتقم منهم في الدنيا والآخرة العزيز الجبار.
كتاب النجاشي الأول إلى النبي ':
وقالوا أيضاً: إن النجاشي أحضر جعفراً رضوان الله تعالى عليه وأصحابه، وأسلم على يديه لله رب العالمين، وكتب بذلك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى محمد رسول الله، من النجاشي الأصحم بن أبجر.
سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته، من الذي لا إله إلا هو، الذي هداني للإسلام.
أما بعد..
فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى، فورب السماء والأرض، إن عيسى ما يزيد على ما ذكرت ثُفْروقاً([37]). إنه كما قلت، وقد عرفنا ما بعثت به إلينا، وقد قربنا ابن عمك وأصحابه، فأشهد أنك رسول الله، صادق، مصدق، وقد بايعتك، وبايعت ابن عمك، وأسلمت على يديه لله رب العالمين، وقد بعثت إليك بابني أرها بن الأصحم بن أبجر، فإني لا أملك إلا نفسي، وإن شئت أن آتيك فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله"([38]).
وكتب النجاشي إليه "صلى الله عليه وآله" في جواب كتابه في تزويج أم حبيبة ما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى محمد "صلى الله عليه وآله"، من النجاشي أصحمة..
سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته.
أما بعد..
فإني قد زوجتك امرأة من قومك، وعلى دينك، وهي السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان، وأهديتك هدية جامعة: قميصاً، وسراويل، وعطافاً، وخفين ساذجين، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته"([39]).
وكتب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" أيضاً في جواب كتابه في تجهيز المسلمين هذا الكتاب:
"بسم الله الرحمن الرحيم.
إلى محمد "صلى الله عليه وآله"، من النجاشي أصحمة..
سلام عليك يا رسول الله من الله ورحمة الله وبركاته، لا إله إلا الذي هداني للإسلام.
أما بعد..
فقد أرسلت إليك يا رسول الله من كان عندي من أصحابك المهاجرين من مكة إلى بلادي، وها أنا أرسلت إليك ابني أريحا في ستين رجلاً من أهل الحبشة، وإن شئت أن آتيك بنفسي فعلت يا رسول الله، فإني أشهد أن ما تقول حق، والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته"([40]).
رسول النجاشي الأول وهداياه:
لما طغت قريش وعتت ضد الإسلام والمسلمين، وأفرطوا في تعذيبهم قال لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لو خرجتم إلى الحبشة، فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد. وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه"([41]).
ثم بعث المهاجرين تحت كفالة جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليهما([42]) وكتب إلى النجاشي فيهم، يوصيه بتكريمهم وقراهم. كما أن أبا طالب رضوان الله عليه أيضاً كتب إليه في هذا المعنى كما تقدم في الأجزاء الأولى من هذا الكتاب، حين استعرض أحداث هجرة المسلمين إلى الحبشة.
فأقام المسلمون هناك في رغد من العيش، وأمن من الغوائل، ورد النجاشي مبعوثي قريش رداً قبيحاً، وصار تكريمه للمسلمين سبباً للثورة عليه، ودفع الله تعالى عنه هذه المكائد.
وقد تقدم: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتب إلى النجاشي مع عمرو بن أمية في الدعوة إلى الإسلام ـ والظاهر: أن المكتوب إليه هو النجاشي الثاني ـ فآمن وصدق، وكتب إليه أيضاً في تزويج أم حبيبة، فزوجها منه "صلى الله عليه وآله"، وكتب إليه أيضاً في إرسال جعفر صلوات الله عليه، ومن معه من المسلمين، فجهزهم وأرسلهم في سفينتين مع هدايا، ومع الوفد الذي أرسله، لينظروا إلى كلامه ومجلسه ومشربه، فيشاهدوا آيات رسالته، وأعلام نبوته، وأن زيه ليس هو زي الملوك والجبابرة.
فوافوا المدينة، وأكرمهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى قام يخدمهم بنفسه الشريفة، فقال أصحابه: نحن نكفيك يا رسول الله.
فقال: إنهم كانوا لأصحابي مكرمين، وإني أحب أن أكافيهم، وقرأ عليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" القرآن، فبكوا، ورجعوا إلى النجاشي([43]).
الإقرار للنجاشي الأول بالملك:
وقد خاطب النبي "صلى الله عليه وآله" النجاشي بعنوان "ملك الحبشة"، ولم يخاطب كسرى ولا قيصر ولا المقوقس بذلك.. لأنه "صلى الله عليه وآله" كان على يقين من إيمان النجاشي، ثم من عقله، وحسن تدبيره، وأمانته، وعدله، فإنه ملك لا يظلم عنده أحد، كما تقدم، فلم يكن هناك أي محذور من الإقرار له بالملك على قومه، وتفويض تدبير أمورهم إليه، فإنه أحرى بذلك من كل أحد..
وهكذا فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
سلام عليك:
وكان النبي "صلى الله عليه وآله" ـ كما قلنا ـ يكتب إلى المسلم: سلام عليك، أو سلم أنت، أو نحو ذلك، ويكتب إلى غير المسلم: السلام على من اتبع الهدى.
وقد لاحظنا هنا: أنه "صلى الله عليه وآله" يبدأ كتابه للنجاشي بقوله: "سلام عليك، أو سلم أنت".
وهذا يشير إلى: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يعلم بقبول النجاشي بكل ما يرضي الله سبحانه، ولا يتوقع منه أي تلكؤٍ أو استكبار عن قبول الدعوة الإلهية، فهو يؤمن بعيسى "عليه السلام"، من حيث إنه يرى: أن في ذلك الإيمان رضاه تعالى، ولا بد أن يتواصل ويستمر هذا الإيمان، ولا ينقطع.
بل هو يتنامى ويكبر ويتحول تلقائياً إلى الإسلام.
أحمد إليك الله:
ولسنا بحاجة للإشارة إلى: أنه "صلى الله عليه وآله" قد ساق حمده لله حتى أوصله إلى النجاشي، ليؤنسه ويسره به، وليحببه إليه، ولم يفعل ذلك مع كسرى وقيصر..
وفي هذا دلالة أخرى على: أن النجاشي قريب إلى الله تعالى، وهو يأنس بحمده، والثناء عليه، ولا يغتر بملكه وطاعة الناس له، إلى حد الشعور بالاستغناء عنه تعالى، والاستكبار عن طاعته..
المـلـك:
وقد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد خاطب النجاشي: بأنه "ملك الحبشة" ولكنه عاد وذكَّره: بأن الله تعالى هو الملك على الإطلاق، وله دون سواه الملك الحقيقي، الذي لا يخضع في مالكيته إلى جعل وإنشاء من أحد، وأما من سواه، فمالكيته وسلطانه محتاج إلى إنشاء واعتبار وجعل مِن قِبَل مَن بيده الأمر، وهو المالك الحقيقي، والخالق، والمهيمن.
القدوس:
ثم عقب ذلك بذكر سائر صفات الله سبحانه، والتي يحاول الملوك أن يستأثروا بها لأنفسهم، بنحو أو بآخر. فذكر من ذلك صفة "القدوس" التي هي من صيغ التكثير والتشديد (المبالغة) في تقديس الله وتنزيهه عن أي نقص، أو عجز، أو عيب، أو حاجة وما إلى ذلك.
فلا معنى لأن ينسب إليه أحد ظلماً، أو جهلاً، أو بخلاً، أو.. أو..
وبمقايسة بسيطة يتجلى للإنسان عجزه حتى لو كان ملكاً، وتظهر له عيوبه، ويشعر بأنه محتاج إلى غيره، حتى إلى رعيته، أو إلى بعضهم، ليرفع نقائصه، وليصل إلى مراداته.
والمفروض بهذا الشعور الداخلي، والإقرار الوجداني، أن ينتهي به إلى التسليم لله الملك القدوس، وأن يطلب منه سبحانه تلبية حاجاته، وتقوية ضعفه، وإكمال نقصه، ورفع عجزه..
السلام، المؤمن:
ورغم أن الله مالك، وأن مقتضى ألوهيته أن يكون عباده مطيعين، خاضعين، منقادين له.. فإن الناس، سواء في ذلك الملوك أم السوقة يستكبرون على ربهم، ولا يخضعون، ولا ينقادون له، ولا يطلبون حاجاتهم منه، ولا يعترفون بضعفهم أمام قوته، وبنقصهم أمام كماله، وبفقرهم أمام غناه و.. و..
ولكنه تبارك وتعالى لا يعاملهم بما يستحقون، ولا يعاجلهم بالعقوبة على ما يقترفون، ولا يبادرهم بالانتقام رغم أنهم مجرمون. بل هو السلام الحاني، والمؤمن لهم من كل ما يخافون ويحذرون، وهو التواب على من تاب، والمؤمن لهم من العذاب.
أما سلام الملوك، فإنه يفرض بالقوة، وهو ليس في حقيقته سلاماً، بل هو إذلال وقهر.. ولذلك الأمن الذي يأتي من قبلهم فإنه يكون خوفاً واستكانة، واستخذاءً، وخموداً..
المهيمن:
ولم تكن صفة السلام والمؤمن فيه تعالى، من أجل أنه فاقد للسيطرة، وغير متمكن من الإمساك بمقاليد الأمور بسبب قلة خبرة، أو انحسار سلطان، أو ضعف في مستوى مراقبة الأحوال..
بل من أجل أنه تعالى: يمنح السلام والأمن لمستحقيهما وطالبيهما من موقع الشاهدية، والرقابة، والإمساك بالأمور بصورة حقيقية، وبقدرة وفاعلية، فكان المهيمن والشاهد، لا بواسطة الاستعانة بغيره، ولا بالاعتماد على الوسائل المتاحة له، كما هو حال ملوك الأرض، بل بالقدرة الذاتية، والشاهدية الحقيقية..
العزيز الجبار المتكبر:
والله تعالى هو العزيز، الجبار، المتكبر على نحو الحقيقة، وأما ملوك الأرض فإنهم يدَّعون ذلك لأنفسهم، ولكن على سبيل تسمية الأمور بغير أسمائها الحقيقية، فيصورون ذلهم ومهانتهم عزاً وكرامة، ويصورون ضعفهم الذي يجرهم إلى ظلم الآخرين ـ على قاعدة: وإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف([44]) ـ جبروتاً، وبطشاً وقوة..
كما أن صغر أنفسهم حين يغطونه بانتفاخات كاذبة يسمونه كبرياءً، مع أن جبروت الله هو عين عدله، وعزته تبارك وتعالى كرامة كامنة في حقيقة ذاته، وتتجلى في المظاهر المشيرة إلى عظمته..
شهادة رسول الله ' لعيسى أولاً:
والذي يستوقف الباحث هنا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه وقبل أن يطلب من غيره شيئاً قد بادر إلى الشهادة لعيسى "عليه السلام"، بما يعتقده فيه، وفي أمه على نبينا وآله وعلى عيسى وأمه الصلاة والسلام، فقال:
أشهد أن عيسى بن مريم روح الله.
وقد اقتصرت شهادته على النقطة المحورية للخلاف في أمر عيسى "عليه السلام"، وهي نقطة الارتكاز للديانة المسيحية كلها، حتى إذا تعرضت هذه النقطة لأي اهتزاز، فإن ذلك سوف يزعزع بناء تلك الديانة كله، ويسقط الهيكل على رؤوس أصحابه.. ألا وهي قضية خلق عيسى، فقرر أنه "عليه السلام" مخلوق لله تعالى، حين وصفه بأنه روح الله وكلمته..
أي أنه روح خلقه الله بحكمته، واختاره واصطفاه، وأضافه إلى نفسه، من بين سائر الأرواح.
وهو كلمة الله أيضاً؛ لأنه ولد من غير أب، بل بواسطة كلمته، وهي قوله تعالى: ?كُنْ..? فكان.
فإن كان عيسى "عليه السلام" روحاً مخلوقاً لله عز وجل، بواسطة أمره التكويني، و ?إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ?([45])، فهو مخلوق محدث، لا يحمل أي عنصر إلهي، وهذا بالذات هو ما تقضي به العقول، وتهدي إليه الفطرة السليمة والصافية..
مريم البتول، الطيبة، الحصينة:
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قد شهد لمريم بثلاثة أوصاف هي:
1 ـ البتول: وتعني: المرأة المتبتلة التي قررت الانقطاع عن الرجال، من حيث إنها تلتزم العفة والعصمة عن كل ما لا يرضاه الله في هذا الإتجاه، أو المنقطعة إلى الله تعالى عن الدنيا وزينتها، أو كما قال أحمد بن حنبل: "لانقطاعها عن نساء أهل زمانها، ونساء الأمة عفافاً، وفضلاً، وديناً، وحسباً"([46]).
فعن علي "عليه السلام": أن النبي "صلى الله عليه وآله" سئل ما البتول، فإنا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وفاطمة بتول؟
فقال "صلى الله عليه وآله": البتول التي لم ترَ حمرة قط، أي لم تحض، فإن الحيض مكروه في بنات الأنبياء([47]).
والبتل: القطع، ومنه قيل لمريم: البتول ولفاطمة "عليها السلام"، لانقطاعها عن نساء زمانها، ديناً وفضلاً، ورغبة في الآخرة([48]).
والتبتل: الانقطاع إلى عبادة الله([49]).
وامرأة متبتلة: كل جزء منها يقوم بنفسه في الحسن([50]).
وقيل لفاطمة: البتول: لانقطاعها عن الأزواج غير علي "عليه السلام" أو لانقطاعها عن نظرائها في الحسن والشرف([51]).
أو لأنها تبتلت عن النظير([52]).
2 ـ الطيبة: أي الطاهرة التي صرح الله تعالى بطهارتها، عما نسبه اليهود إليها حين قالوا لها: ?يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً?([53]).
وقال تعالى: ?وَإِذْ قَالَتِ المَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ?([54]).
3 ـ الحصينة: وهي المرأة العفيفة، المتشددة في عفتها، المتمنعة بها، كما يتمنع المحارب في حصنه..
فخلقه من روحه ونفخه:
وبعد التلويح جاء التصريح: بأن عيسى "عليه السلام" مخلوق محدث، وأن الله سبحانه قد خلقه من روح اختاره واصطفاه، ونسبه إلى نفسه كما ينسب الشيء إلى مالكه وصاحبه، فيقال: بيته، وقميصه، ونحو ذلك..
ثم بيّن كيفية هذا الخلق وأنه بنفخ الروح فيه بعد تكونه في بطن أمه مريم جنيناً كاملاً..
كما خلق آدم × بيده ونفخه:
ثم بالغ في تحديد كيفية الخلق وأسبابه وشؤونه حين قرر: أن خلقه مثل خلق آدم "عليه السلام"، فإن الله تعالى خلقه بيده، أي بقدرته التي يعبر عنها باليد، كما قال تعالى: ?يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ?([55]). أي أن قدرة الله وبطشه فوق قدرتهم وبطشهم، ولكن بما أن البطش، وإعمال القدرة إنما يكون بواسطة اليد؛ فإنه تعالى أورد هذه الكلمة أيضاً إمعاناً في تجسيد المعنى إلى حد أصبح شيئاً يناله الإنسان بحواسه الظاهرة. فقد تجلت القدرة وتجسدت آثارها حتى أصبحت وكأنها يد ظاهرة للعيان..
ثم أشار إلى كيفية حلول الروح في جسدي آدم وعيسى "عليهما السلام"، وقال: إن ذلك قد جاء بطريقة النفخ، الذي هو عبارة عن الإيجاد والتكوين المباشر في داخل الجسد نفسه..
الموالاة على طاعة الله عز وجل:
وبعد أن دعا النبي "صلى الله عليه وآله" النجاشي إلى شهادة أن لا إله إلا الله ـ وقد تحدثنا عن هذه الشهادة حين الكلام عن رسالته "صلى الله عليه وآله" لكسرى ـ طلب منه الموالاة على طاعة الله سبحانه. فيكون بذلك قد حدد المنطلق والإطار للعلاقة الروحية، ولطريقة تعامله مع جميع البشر ويدخل في هذا السياق إرشاد الناس إلى المعايير، والضوابط، من خلال المبادرة منه "صلى الله عليه وآله" نفسه إلى التعامل مع الناس على أساسها، ومن خلالها، ويسوقهم بذلك إلى السعي للحصول على وضوح الرؤية، والاستفادة من جميع القدرات، والطاقات التي زودهم الله تعالى بها بصورة صحيحة..
ولا يكل ذلك إلى الأهواء والميول، ونزوات الغرائز. وهذا النهج من شأنه إذا اتبعوه: أن يخرجهم من العشوائية والإبهام، والغموض، إلى آفاق بالغة الصفاء، شديدة الوضوح، وفقاً لقوله تعالى: ?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ?([56]).
وقال: ?لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ?([57]).
وقال أيضاً: ?أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ?([58]).
والآيات المشيرة إلى هذا المعنى كثيرة..
أدعوك وجنودك:
وبعد ذكر أمور أخرى ـ أشرنا إلى بعض دلالاتها حين تكلمنا عن رسالته "صلى الله عليه وآله" إلى كسرى ـ قال "صلى الله عليه وآله" للنجاشي: "وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل..".
والأمر الشائع بين الناس هو خضوع الجند لقادتهم ولملوكهم فيما يعرضونه عليهم، حيث يكون كل همهم وسعيهم محصوراً في تنفيذ أوامرهم، والكون رهن إشارتهم في إقامة صرح العدل، أو في إشاعة الذل والظلم والتعدي على حد سواء..
ومن الواضح: أن الجنود هم الأداة التي يعتمد عليها الملوك في بسط سلطانهم ونفوذهم، وبهم يوسعون دائرة حكمهم، وهم الأدوات التي يستفيدون منها في قهر الناس، وفي ظلمهم وابتزاز حقوقهم..
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله".. قد وجه خطابه إلى هؤلاء بالاستقلال عن قائدهم النجاشي، ليثير لديهم الإحساس بهذه الاستقلالية، ولإفهامهم أن هناك أموراً لا يجوز لأحد أن يقررها لهم، أو أن ينوب عنهم فيها، ومن ذلك معرفة الله سبحانه والخضوع له، والاعتراف بالأنبياء المرسلين والطاعة لهم، والعمل بأحكامه تعالى وشرائعه، والالتزام بأوامره ونواهيه.
ويلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يذكر ذلك في كتابه لكسرى وقيصر، والمقوقس؛ لأنه كان عارفاً بأنهم سوف يستكبرون عن قبول دعوته، فضلاً عن أن يفسحوا المجال لدعوة أي كان من الناس إلى دين الحق، فكيف إن كانوا من جندهم الذين يعتمدون عليهم في استمرار تسلطهم على الآخرين، ويستخدمونهم بمثابة أدوات للبطش، والإذلال والقهر والعدوان على الناس.
هذا.. وليس في الرسالة: أن على النجاشي إثم أحد من الناس، بخلاف رسائل كسرى وقيصر والمقوقس؛ فإنه قد حمَّلهم إثم أقوامهم في صورة عدم قبولهم دعوته..
الفصل الخامس:
كتاب النبي ' إلى النجاشي الثاني
كتاب النبي ' إلى النجاشي الثاني:
تقدم: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" قد كتب في سنة ست أو سبع إلى كسرى وقيصر، والنجاشي، والمقوقس، وغيرهم بنسخة واحدة، يدعوهم فيها إلى الإسلام، وفي هذه الكتب كلها كتب الآية المباركة: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ?.
ونص كتابه إلى هؤلاء، واحد كما تقدم.. وهو يختلف عن النص الذي قدمنا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد كتبه للنجاشي الأول.
والنص الذي ذكرناه يدل: على أن ذلك الكتاب قد أرسل إلى النجاشي الأول حين هجرة جعفر والمسلمين إلى الحبشة، مما يدل على: أن الذي كتبه في سنة سبع كان موجهاً إلى نجاشي آخر غير النجاشي الأول، فلاحظ ما يلي:
1 ـ قول أنس: "إن النبي "صلى الله عليه وآله" كتب إلى كسرى وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى، وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي "صلى الله عليه وآله".."([59]).
2 ـ إن النجاشي الأول الذي مدحه النبي "صلى الله عليه وآله"، وهاجر إليه المسلمون قد أسلم على يد جعفر بن أبي طالب وآمن به "صلى الله عليه وآله"، وقد روي عن الحسن بن علي العسكري "عليهما السلام" عن آبائه "عليهم السلام": "أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما أتاه جبرئيل "عليه السلام" بنعي النجاشي بكى بكاء الحزين عليه، وقال: إن أخاكم أصحمة ـ وهو اسم النجاشي ـ مات، ثم خرج إلى الجبانة وصلى عليه وكبر سبعاً، فخفض الله له كل مرتفع حتى رأى جنازته وهو بالحبشة([60]). وكان ذلك من معجزاته "صلى الله عليه وآله".
أما الذي كتب إليه حين كتب إلى الملوك والجبارين فهو النجاشي الثاني الذي استولى على السلطة بعد وفاة النجاشي الأول..
وقد زعموا: أنه هو الذي خرق كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأنه "صلى الله عليه وآله" قال: "إني كتبت بكتابي إلى النجاشي فخرقه، والله مخرق ملكه"([61]).
ونحن نقول:
إن ذلك غير دقيق، فإن الظاهر هو: أن هناك ملوكاً ثلاثة من ملوك الحبشة كلهم عاصر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسيتضح ذلك فيما يأتي.
النجاشي ثلاثة، أسلم منهم اثنان:
بل إننا نستقرب: أن يكون ثلاثة من ملوك الحبشة قد عاصروا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد كاتبهم "صلى الله عليه وآله" جميعاً، وهم:
1 ـ النجاشي الأول، الذي أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" إليه جعفراً، وأرسل إليه الرسالة الأولى التي قدمناها وشرحناها, وقد أسلم هذا وآمن..
2 ـ النجاشي الثاني، الذي مات حين زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بأم سلمة، في أول الهجرة. حسبما ورد في الرواية المتقدمة..
والظاهر من رواية أنس المتقدمة: أنه توفي قبل سنة ست أو سبع، أي قبل كتابة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الملوك والجبارين.
فقول من قال: إنه مات سنة تسع، أو بعد غزوة مؤتة، أو سنة ثمان([62])، لا مجال لقبوله..
وربما يكون القول بوفاته سنة تسع ناشئاً عن الاشتباه في قراءة الكلمة، حيث يكثر تصحيف كلمة (سبع) بكلمة (تسع) بسبب اتحادهما في الشكل مع عدم وجود النقط في الحروف في تلك العصور..
والحاصل: أن النجاشي الأول رحمه الله قد مات ـ على ما يظهر ـ في أول الهجرة، والنجاشي الثاني مات في سنة سبع، أو في آخر سنة ست، ثم تولى الحكم بعده النجاشي الثالث، فكتب إليه "صلى الله عليه وآله"، فخرق الكتاب، وأخبر "صلى الله عليه وآله" بتخريق ملكه..
ومما يدل على موت النجاشي الأول في أوائل الهجرة: أن أم كلثوم قالت: "لما بنى النبي "صلى الله عليه وآله" بأم سلمة"، قال:
"قد أهديتُ إلى النجاشي أوراقاً من مسك وحلية، وإني لأراه قد مات. ولا أرى الهدية إلا سترد عليَّ.." فكان كما قال([63]).
وكان زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بأم سلمة في السنة الرابعة([64]).
وقيل: في السنة الثالثة([65])، أو في الثانية([66]).
فلما مات النجاشي الأول تولى العهد بعده النجاشي الثاني، فراسله أيضاً رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودعاه إلى الإسلام، فأسلم أيضاً، كما دلت عليه رواية زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام: أنه "كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة، ودعاه إلى الإسلام، وكان أمر عمرواً أن يتقدم بجعفر وأصحابه. فجهز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهاز حسن، وأمر لهم بكسوة، وحملهم في سفينتين"([67]).
ولعل هذا هو الذي مات آخر سنة ست، أو في أول سنة سبع، والظاهر: أنه هو الذي أرسل وفداً إلى المدينة للتحقيق في أمر نبوة رسول الله "صلى الله عليه وآله"([68]).
كما أنه هو الذي كتب إليه النبي "صلى الله عليه وآله" في تزويج أم حبيبة، فزوجه إياها، وأصدقها النجاشي نفسه أربعة آلاف درهم([69]).
3 ـ النجاشي الثالث: وهو الذي نص كتابه يتوافق مع نص كتابه "صلى الله عليه وآله" لكسرى، وقيصر، والمقوقس، وفيه آية الكلمة السواء، ولم يسلم هذا، بل مزق ـ هذا الخبيث ـ كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخبر "صلى الله عليه وآله": أن الله سيمزق ملكه، حسبما تقدم.
النجاشي يموت وهو مهاجر:
وقد ذكر القمي: أن النجاشي وفد على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلما عبر البحر توفي رحمه الله تعالى([70]).
ويحتمل أن يكون المقصود بهذا الكلام هو النجاشي الأول، ويحتمل أن يكون المقصود هو الثاني، ولم نستطع أن نتحقق من هذا الأمر وزمانه، بسبب قلة النصوص.
إخلاص النجاشي:
ومما يدل على مدى محبة النجاشي لرسول الله "صلى الله عليه وآله" واهتمامه بظهور أمره، وإعزاز دينه، ما روي عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: "أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب وأصحابه، فدخلوا عليه، وهو في بيت جالس على التراب، وعليه خلقان الثياب.
قال: فقال جعفر "عليه السلام": فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى ما بنا، وتغير وجوهنا قال:
الحمد لله الذي نصر محمداً، وأقر عينه، ألا أبشركم؟
فقلت: بلى أيها الملك.
فقال: إنه جاءني الساعة من نحو أرضكم عين من عيوني هناك، فأخبرني أن الله عز وجل قد نصر نبيه محمداً "صلى الله عليه وآله"، وأهلك عدوه، وأسر فلاناً وفلاناً وفلاناً، التقوا بواد يقال له: بدر، كثير الأراك، لكأني أنظر إليه حيث كنت أرعى لسيدي هناك، وهو رجل من بني ضمرة.
فقال له جعفر: أيها الملك، فما لي أراك جالساً على التراب، وعليك هذه الخلقان؟
فقال له: يا جعفر، إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى "عليه السلام": أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعاً عندما يحدث لهم من نعمة، فلما أحدث الله عز وجل لي نعمة بمحمد "صلى الله عليه وآله" أحدثت لله هذا التواضع.
فلما بلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله" قال لأصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزاً، فاعفوا يعزكم الله"([71]).
كتابه ' إلى النجاشي الثالث:
"بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا كتاب من محمد رسول الله، إلى النجاشي الأصحم عظيم الحبشة.
سلام على من اتبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله، وأدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسوله، فأسلم تسلم. ?يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ?، فإن أبيت فعليك إثم النصارى من قومك"([72]).
ويبدو كما قلنا: إن المقصود بالنجاشي هنا: هو النجاشي الثالث الذي خرق كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" حسبما أوضحناه آنفاً.
هذا.. وقد شرحنا مضامين هذا الكتاب، حين تكلُّمنا عن كتابه "صلى الله عليه وآله" لكسرى، فيمكن الرجوع إلى هناك.
وحسبنا ما ذكرناه في هذا السياق، ولننتقل إلى الحديث عن غزوة خيبر في الفصول التالية:
الباب الخامس:
حصون خيبر
الفصل الأول: من المدينة.. إلى خيبر
الفصل الثاني: قبل أن يبدأ القتال
الفصل الثالث: فتح حصن ناعم
الفصل الرابع: فتح سائر حصون النطاة والشق
الفصل الأول:
من المدينة إلى خيبر..
تقديم:
فقد كانت هدنة الحديبية قد أعطت الانطباع بأن المسلمين قد أصبحوا قوة كبيرة، فرضوا هيبتهم في المنطقة بأسرها.. الأمر الذي دعا قريشاً إلى القبول بالهدنة، بعد أن أنهكتها الحروب المتتالية معهم..
بل إنه "صلى الله عليه وآله" أصبح يعمل على نشر دعوته في كل بقاع الدنيا، وهو يرسل إلى أعظم ملوك الأرض ـ طالباً منهم الدخول في دينه ـ في خطاب قوي وحازم.
ولم يعد في المحيط الذي يعيش فيه قوة كبيرة متماسكة، يمكن أن يحسب لها حساب، إلا يهود منطقة خيبر، الذين كانوا قادرين على تجهيز عشرة آلاف مقاتل، بل أكثر من ذلك. وهي قوة لا يستهان بها، إذ لديهم حصون منيعة، وقدرات إقتصادية، ولسوف تكون المواجهة صعبة معهم، ولا سيما إذا أرادوا اتباع أسلوب التسويف، وإتلاف الوقت، بالاستفادة من الحصون الكثيرة التي تحت يدهم، التي كان فيها من المؤن، والأقوات ما يكفي لأشهر طويلة.
وليبقى الجيش الإسلامي، الذي لم يكن يملك الكثير من ذلك، ليبقى في العراء يعيش الملل، ويكابد لحظات الانتظار الطويلة، والثقيلة، دون أن تلوح له في الأفق بارقة أمل، وليرهقه الخمول والكسل، حيث لا مجال له للقيام بأي عمل..
وكانت استعراضات يهود خيبر لقوتهم، وظهور اغترارهم بها، وركونهم إليها، قد لفتت الأنظـار، ولعلها تركت آثاراً على بعض الضعفـاء في المنطقة، مثل غطفان، وسواها.
ولكن الأمور قد سارت في غير الاتجاه الذي توقعوه، إذ سرعان ما تهاوت أحلامهم، ودكت حصونهم، وخابت آمالهم، وأنجز الله تعالى لنبيه وعده، ونصر جنده، وهزم جموع اليهود وحده، وكانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الباطل هي السفلى. كما سنبينه في سياق حديثنا هذا.
بـدايـة:
إن الذي يراجع المصادر والموسوعات التاريخية، والحديثية، يلاحظ: أن ثمة فرقاً بين ما دوَّنوه من أحداث، وأشاروا إليه من جزئيات وتفاصيل في تاريخهم لمرحلة ما قبل الحديبية وخيبر، ثم في تاريخهم للحديبية ولخيبر فما بعدهما..
حيث يلاحظ: أن المرحلة السابقة تُعْرَضُ فيها الأحداث بما لها من طابع كلي وعام، ولا تجد فيها من الاستغراق في الجزئيات والتفاصيل ما يقترب إلى مستوى ما حفلت به الأحداث المتأخرة عن الحديبية..
ولعل من أسباب ذلك هو: أن الحديبية قد أفسحت المجال لاختلاط المسلمين مع غيرهم في التجارات، وإنشاء العلاقات، وجَهَر بالإسلام من كان متستراً به، ودخلت فئات كثيرة في هذا الدين، أو كانت تتهيأ لذلك، وهي تقوم برصد حركة الواقع، وبملاحقة الأمور بعين الرضا والقبول.. إما بهدف تحصيل القناعة والاعتقاد التام، أو من أجل الحفاظ على المصالح، والحصول على الامتيازات، أو ما إلى ذلك..
وبعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله" حاول كل أولئك الذين يريدون أن يبرروا لمواقف وسياسات، وممارسات، وأقاويل، ومذاهب بعينها ـ حاولوا ـ أن يرجعوا إلى هذه الفترة التي عاشوها مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واستفادوا من مشاهداتهم لحركاته وسكناته، ومواقفه، وكل أحواله منها، فاتخذوا منها مرتكزاً لإنشاء منظومة التعاليم والتوجيهات والسياسات، والمذاهب الاعتقادية، والفقهية، التي لم تكن لتجد طريقها إلى عقل، ووجدان وحياة الناس لو لم تستمد شرعيتها من حياته "صلى الله عليه وآله"، ومن أقواله، وأفعاله، ومواقفه..
أما الفترة التي سبقت هذا المفصل التاريخي فقد غاب عنها أكثر هؤلاء، وجهلوا الكثير من جزئياتها وتفاصيلها، فأنتج ذلك عجزاً عن التوسل بها في إنشاء تلك المنظومة، وفق ما يريدون، وعلى حسب ما يشتهون.
وبعد هذه الإلماحة السريعة نقول:
ماذا عن خيبر؟!
خيبر اسم منطقة تقع على ثلاثة أيام من المدينة، على يسار الحاج القادم من الشام. وبينها وبين المدينة ثمانية برد (والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وكل ميل أربعة آلاف خطوة، وكل خطوة ثلاثة أقدام).
والخيبر بلسان اليهود: هو الحصن، ولذا سميت خيابر أيضاً([73]).
وفي هذه المنطقة حصون ومزارع، ونخل كثير، حتى قالوا: كان في الكتيبة أربعون ألف عذق. وتوصف خيبر بكثرة التمر([74]).
وفي خيبر ثمانية حصون، هي: النطاة، والوطيح، والسلالم، والكتيبة، والشق، والصعب، وناعم، والقموص.
قال الماوردي وغيره: "وكان أول حصن فتحه رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيها ناعم، ثم القموص، ثم حصن الصعب بن معاذ. وكان أعظم حصون خيبر، وأكثرها مالاً، وطعاماً، وحيواناً، ثم الشق، والنطاة، والكتيبة.
فهذه الحصون الستة فتحها النبي "صلى الله عليه وآله" عنوة، ثم افتتح الوطيح والسلالم، وهو آخر فتوح خيبر صلحاً، بعد أن حاصرهم.
وملك من هذه الحصون الثمانية ثلاثة حصون: الكتيبة، والوطيح، والسلالم. أما الكتيبة، فأخذها بخمس الغنيمة، وأما الوطيح والسلالم فهما مما أفاء الله عليه؛ لأنه فتحهما صلحاً، فصارت هذه الحصون الثلاثة بالفيء"([75]).
ولكن هذا الكلام الأخير غير مقبول في فقه أهل البيت "عليهم السلام"، وسيأتي البحث عن ذلك إن شاء الله.
كما أن ما ذكره: من أن فتح حصن الصعب قد كان بعد فتح حصن القموص غير دقيق، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
خيبر مقدسة!!
قال الصالحي الشامي: "ولابن زبالة حديث: "ميلان في ميل من خيبر مقدس".
وحديث: "خيبر مقدسة والسوارقية مؤتفكة".
وحديث: "نعم القرية في سنيات الدجال خيبر".."([76]).
والسوارقية: "قرية أبي بكر، بين مكة والمدينة، وهي نجدية، فيها مزارع ونخل كثير"([77]).
ونقول:
إن الحديث عن كون خيبر نعم القرية في زمن الدجال موضع ريب وشك، ولعله من أفائك اليهود أنفسهم.
إلا أن يكون المقصود بهذا الحديث: أنها تكون موضعاً مأموناً، بسبب وجود سبعين ألفاً من اليهود مع الدجال، على كل رجل منهم ساج وسيف محلى([78]).
ومن الطبيعي: أن يهتم يهود خيبر بأمر الدجال، ما دام أن الدجال يأتمر بأوامرهم، وينتهي إلى مقاصدهم..
وربما تكون هذه الأحاديث من موضوعات اليهود لتعظيم البلاد التي كانوا يسكنونها، وللإيحاء بأن حرب النبي "صلى الله عليه وآله" لهم فيها كانت انتهاكاً لحرمة ما هو مقدس..
على أننا لا ندري: ما الذي جعل قرية أبي بكر "مؤتفكة"؛ أي تفعل الأفك والافتراء، دون سائر القرى والله هو العالم..
تاريخ غزوة خيبر:
لما قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة من الحديبية، وذلك في ذي الحجة ـ كما قال ابن إسحاق ـ من سنة ست، مكث بها عشرين ليلة، أو قريباً منها، ثم خرج في المحرم إلى خيبر.
وكان الله عز وجل وعده إياها، وهو بالحديبية، فقد نزلت عليه سورة الفتح، فيما بين مكة والمدينة، وفيها قوله تعالى: ?وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ?([79]) يعني خيبر([80]).
وعن ابن عباس: أقام بعد الحديبية في المدينة عشر ليال([81]).
وعن سليمان التيمي: خمسة عشر يوماً([82]).
وقيل: أقام شهراً وبعض شهر([83]).
وقال مالك: كانت خيبر سنة ست، وإليه ذهب محمد بن حزم. والجمهور ـ كما في زاد المعاد ـ أنها في السابعة([84]).
ويمكن الجمع: بأن من أطلق سنة ست فإنما جاء كلامه بناءً على ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول. وابن حزم من هؤلاء أيضاً، فإنه يرى: ابتداء السنة الهجرية من شهر ربيع الأول([85]).
ونقل الحلبي عن الجمهور: أنه سار إلى خيبر بعد أن مضى من محرم السنة السابعة عشرون يوماً، أو قريب من ذلك([86]).
وقال محمد بن موسى الخوارزمي: غزاها النبي "صلى الله عليه وآله" حين مضى ست سنين وثلاثة أشهر وواحد وعشرون يوماً للهجرة([87]).
وهذا معناه: أنها كانت في آخر جمادى الأولى، بناءً على: أن أول السنة محرم، أو في آخر جمادى الثانية بناءً على: أن أول السنة الهجرية هو ربيع الأول.
في أي شهر كانت؟!
قيل: إن غزوة خيبر كانت في شهر صفر([88]).
وقيل: في ربيع الأول([89]).
وقيل: في جمادى الأولى([90]).
وقيل أيضاً: إنها في شهر رمضان([91]).
ولعل سبب هذا القول الأخير هو: تصحيف كلمة حنين بكلمة خيبر. فإن النبي "صلى الله عليه وآله" قد سار إلى حنين بعد الفتح، وقد كان الفتح في شهر رمضان([92]).
مدة حصار خيبر:
وقالوا: إنه "صلى الله عليه وآله" أقام يحاصر خيبر بضع عشرة ليلة، إلى أن فتحها في صفر([93]).
وسيأتي: أن ذلك غير دقيق، وأن حصارها قد تعدى الأيام إلى الأشهر كما سنرى، ولعله يتحدث عن حصار بعض حصونها فقط..
مدة إقامته ' في خيبر:
وقد روي عن ابن عباس: أنه "صلى الله عليه وآله" أقام بخيبر ستة أشهر يجمع بين الصلاتين([94]).
وعنه أيضاً: أنه أقام بها أربعين يوماً، وسنده ضعيف([95]).
وأن حساب أيام الحصار للحصون المختلفة، وفق ما ورد في النصوص التاريخية، والروائية يعطي: أن الحصار قد دام عشرات الأيام.. وإن لم يصل إلى ستة أشهر..
الاستنفار إلى خيبر:
قال الواقدي: أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه بالخروج، فجدوا في ذلك، واستنفروا مَنْ حوله ممن شهد الحديبية، يغزون معه.
وجاء المخلَّفون عنه في غزوة الحديبية ليخرجوا معه رجاء الغنيمة، ولأنها ريف الحجاز طعاماً وودكاً وأموالاً، فقال "صلى الله عليه وآله":
"لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، فأما الغنيمة فلا"([96]).
ثم أمر منادياً ينادي بذلك، فنادى به([97]).
ونقول:
1 ـ إن غزوة الحديبية كانت بمثابة امتحان للكثيرين، من حيث إن نتائجها لم تكن واضحة لكثير من الناس الذين يرصدون سير الأمور فيها.
مع أن الحقيقة هي: أنه قد كان فيها ما لم يكن متوقعاً، فإن النتائج كانت باهرة على أكثر من صعيد، وفي أكثر من اتجاه.
2 ـ ومن النتائج التي ظهرت: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أصبح قادراً على المبادرة لإزالة الشوكة الجارحة من خاصرة الكيان الإسلامي، المتمثلة باليهود، الذين ما فتئوا يسعون في إثارة الناس ضده، ويحرضون القبائل المختلفة على حربه، ويشاركون في هذه الحروب بالمال والرجال، وإفساد القلوب، وتسميم الأجواء باستمرار.
3 ـ إن العدو الذي كان له امتداد طبيعي في المنطقة، بسبب موقعه من المقدسات، وبسبب علاقاته، ونفوذه الديني والتجاري، والاجتماعي في المنطقة ـ إن هذا العدو ـ قد لُجم، وأُقصي عن موقع التأثير المباشر، وتهيأت الفرصة لكثير من الناس لممارسة حرياتهم، في التعرف على دعوة الإسلام عن قرب، ومن دون خوف أو رهبة من أحد..
وأصبح بإمكان الكيان الإسلامي أن يرتب أوضاعه الداخلية، وأن يعالج المشاكل التي يفرضها عليه، أو يخلقها له أعداؤه الذين يعيشون في محيطه، أو في المحيط القريب منه، والشديد التأثير عليه..
4 ـ إن الإنجاز الذي حققه المسلمون في الحديبية قد أذكى فيهم الطموح، وبعث فيهم ثقة بأنفسهم، وأعطاهم حيوية ونشاطاً غير عادي. وبدا للكثيرين منهم أن رحلتهم إلى خيبر كانت رحلة الاستيلاء على المغانم، والفوز بها.
وقد رسخ هذا الاعتقاد لدى الكثيرين منهم الوعد الإلهي بهذه المغانم، فقد قال تعالى: ?وَعَدَكُمُ اللهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ..?([98]).
حيث فسرت هذه الآية بما مكنهم الله تعالى منه في خيبر.. حسبما تقدم في أواخر الحديث عن صلح الحديبية..
5 ـ إن ما فعله المخلفون في قضية الحديبية كان شديد الخطورة في أكثر من اتجاه، فعدا عن أنه يعبر عن ضعفهم الإيماني، وعن حبهم للدنيا، فإنه يجرئ الآخرين على ممارسة هذا الأسلوب في التعاطي مع أوامر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، الأمر الذي يمهد لاختلالات خطيرة، ربما تؤثر على الكيان الإسلامي كله.
6 ـ ثم إن النداء بحرمان هؤلاء، وبتخصيص أولئك، لا بد أن يثير الشعور لدى أهل الحديبية بالعزة والكرامة، ويقابله شعور آخر بالخزي وبالذنب لدى الذين تخلفوا حرصاً على الحياة بالأمس، وشدوا الرحال طمعاً بالغنيمة اليوم.
وكفى بذلك محفزاً لمزيد من التضحية والإقدام لأولئك، ورادعاً عن تكرار ما حدث لدى هؤلاء، ودرساً لغيرهم ممن لعلهم يسيرون على نفس الطريق.
المستخلف على المدينة:
وقال ابن هشام وغيره: إنه "صلى الله عليه وآله" استخلف على المدينة "نميلة" ـ بالتصغير ـ ابن عبد الله الليثي([99]).
وقيل: بل استخلف سباع بن عُرفُطة ـ بضم العين والفاء([100]).
وقيل: أبا ذر([101]).
ولعل سبب هذه الاختلافات الكثيرة في أمثال هذه الأمور هو: أن الرواة كانوا يروون من حفظهم، وكانت الغزوات كثيرة، والمعلومات غزيرة، فيتفق أن يختلط الأمر على بعض الرواة بين غزوة وأخرى..
كما أنه قد يكون هناك سياسات أو عصبيات، أو مصالح لدى بعض الفئات تقضي بإقصاء فريق، وبإعطاء المواقف، وإيكال المهمات إلى فريق آخر..
خدمة أنس للنبي ':
وقد ادَّعى أنس: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد قال لأبي طلحة، حين أراد الخروج إلى خيبر: التمسوا لي غلاماً من غلمانكم يخدمني، فخرج أبو طلحة مُرْدِفي، وأنا غلام قد راهقت، فكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا نزل خَدَمْتُه، فسمعته كثيراً ما يقول: إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال([102]).
ومما يؤيد أن يكون أول اتصال لأنس بالنبي "صلى الله عليه وآله" في خيبر: أنهم يقولون: إنه غزا مع النبي "صلى الله عليه وآله" ثماني غزوات فقط([103]).
وهذا يكذب ما زعموه، من أن أمه أتت به إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وقالت له: هذا غلام كاتب.
قال: فخدمته تسع سنين فما قال لشيء صنعته: أسأت، أو بئس ما صنعت([104]).
وفي رواية أخرى: أنها قالت: هذا أنس غلام يخدمك فاقبله.
وذكروا: أنه خرج معه "صلى الله عليه وآله" إلى بدر يخدمه([105]).
نعم، وقد كان أنس يستحق هذه الأوسمة، فإنه كان على السقاية في البحرين من قبل أبي بكر([106]).
وكان يبث أقاويل تفيد في تأييد خلافة مناوئي علي "عليه السلام"، ويحجب حقائق حساسة، يستفيد من حجبها وإنكارها هذا الفريق بالذات.
فهو من أجل هذا وذاك يستحق أن تزجى له المدائح، وأن تسطر له المآثر، ليصبح كلامه أكثر وقعاً، وأعظم أثراً..
وقد استحق من جهة أخرى أن يدعو عليه أمير المؤمنين "عليه السلام" بسبب كتمانه حديث الغدير مرة، وحديث الطير أخرى، ولموقفه من طلحة والزبير في حرب الجمل ثالثة، فأصيب بالبرص، وعدَّ في جملة البرصان!!([107]).
ولكن كل أباطيلهم وأضاليلهم لم تستطع حجب الحقيقة، فقد روي عن الصادق "عليه السلام" أنه قال: ثلاثة كانوا يكذبون على النبي "صلى الله عليه وآله": أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة([108]).
أم سلمة في خيبر أيضاً:
وأخرج "صلى الله عليه وآله" معه إلى خيبر أم المؤمنين أم سلمة "رحمها الله"([109]). مع أنها كانت معه في غزوة الحديبية أيضاً..
ولنا وقفة مع هذا الأمر بالذات:
فإنه إذا كان "صلى الله عليه وآله" يقرع بين نسائه، لتعيين التي تخرج معه في سفره كما يدَّعون، فإن القرعة تكون قد وقعت على أم سلمة مرتين..
وإذا كان الله تعالى يسدد نبيه "صلى الله عليه وآله"، لتصيب قرعته ما يحبه الله تعالى، أو ما فيه مصلحة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإن هذا يدل على اجتماع هذين الأمرين معاً في حق أم سلمة رضوان الله تعالى عليها؛ فإن هذه المرأة الفاضلة، والتي هي أفضل نساء النبي "صلى الله عليه وآله" بعد خديجة، كان الله يحبها وكانت المصلحة تقضي بأن تكون هي دون سواها معه في غزوتين هما من أخطر ما مر برسول الله "صلى الله عليه وآله" وبالمسلمين، وأشده حساسية، ويحتاج النبي "صلى الله عليه وآله" فيه إلى هدوء البال، وإلى إبعاد أي نوع من أنواع الأذى أو النكد، والمنغصات له..
وكما كان واضحاً أنه: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ..?([110]) بل لا بد من الطاعة والإنقياد.
فإن من الواضح أيضاً: أن لا حق للنساء بمرافقة أزواجهن في السفر من الناحية الشرعية، ويستطيع الزوج أن يختار أيتهن شاء لمرافقته.. ولكن الرسول "صلى الله عليه وآله" التزم بالقرعة بينهن.
فذلك يعني: أنه قد جعل لهن ما يشبه الحق، رفقاً منه بهن، وعطفاً منه عليهن..
وإنما جعل "صلى الله عليه وآله" طريقاً للتعيين ـ مع علمه بأن الله تعالى هو الذي يتولى تسديده، وهو الذي يختار له ـ من أجل تسكين خواطرهن، وعدم إثارة أي من المشاعر السلبية لديهن، حتى لو كن يظلمن أنفسهن وغيرهن، ويظلمن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أيضاً في ذلك..
ولولا ما ذكرنا، لأمكن أن يقال: لقد كان بإمكانه "صلى الله عليه وآله" أن لا يُخرج معه منهن أحداً، أو أن يخرجهن في أسفاره بصورة متوالية، وفق تراتبية القَسْم والليلة لهن، أو وفق قرعة تحدد هذه التراتبية.
إحساس يهود المدينة بالخطر:
قال الصالحي الشامي:
ولما تجهز رسول الله "صلى الله عليه وآله" والناس، شق على يهود المدينة الذين هم موادعو رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعرفوا أنه إن دخل خيبر أهلك أهل خيبر، كما أهلك بني قينقاع، والنضير، وقريظة.
ولم يبق أحد من يهود المدينة له على أحد من المسلمين حق إلا لزمه، وطالبه به.
وعن ابن أبي حدرد، بسند صحيح: أنه كان لأبي الشحم اليهودي خمسة دراهم.
ولفظ الطبراني، والواقدي: أربعة دراهم، في شعير أخذه لأهله فلزمه.
فقال: أجلني، فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقك إن شاء الله، قد وعد الله ـ تعالى ـ نبيه أن يغنمه خيبر.
فقال أبو الشحم حسداً وبغياً: أتحسبون أن قتال خيابر مثل ما تلقون من الأعراب؟ فيها: ـ والتوراة ـ عشرة آلاف مقاتل.
وترافعا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أعطه حقه".
قال عبد الله: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها.
قال: أعطه حقه.
قال: وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا قال ثلاثاً لم يراجع.
قال عبد الله: فخرجت، فبعت أحد ثوبي بثلاثة دراهم، وطلبت بقية حقه، فدفعت إليه، ولبست ثوبي الآخر. وأعطاني ابن أسلم بن حريش ـ بفتح الحاء وكسر الراء ـ ثوباً آخر.
ولفظ الطبراني: فخرج به ابن أبي حدرد إلى السوق، وعلى رأسه عصابة، وهو يأتزر بمئزر، فنزع العمامة عن رأسه فأتزر بها، ونزع البردة فقال: اشتر مني هذه، فباعها منه بالدراهم، فمرت عجوز فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ فأخبرها.
فقالت: ها دونك هذا البرد، فطرحته عليه.
فخرجت في ثوبين مع المسلمين، ونفلني الله ـ تعالى ـ من خيبر، وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم قرابة، فبعتها منه([111]).
ونقول:
1 ـ إن يهود المدينة قد جربوا حظهم في الحرب مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ورأوا بأم أعينهم كيف أن الله تعالى نصره عليهم.. وعرفوا مسبقاً نتائج حركته باتجاه خيبر.. وقد كانت ردة الفعل لديهم غريبة وعجيبة، من حيث إنها اقتصرت على السعي لحفظ أموالهم مهما كانت زهيدة، حتى ما كان بمقدار أربعة دراهم في شعير، فصاروا يلحون بمطالبة غرمائهم، ويلزمونهم بدفعها، وكأنهم يظنون: أن انتصار المسلمين في خيبر سوف ينشأ عنه ضياع تلك الأموال..
وربما كان المحفز على تفكيرهم هذا هو: اعتقادهم أن ضعف وحاجة المسلمين إليهم، وحاجتهم إلى تسكين الأوضاع، التي كانت دقيقة وحساسة بسبب القوة الضاربة التي كانت لليهود في المنطقة، هو الذي يفرض على المسلمين الوفاء بالعهود، وقضاء الديون.
فهم قد قاسوا المسلمين على أنفسهم، فإن هذا بالذات هو طريقة وديدن اليهود في التعامل مع الآخرين، وهذه هي معاييرهم وأساليبهم حيث إنهم يخضعون لقوة المال، أو لقهر السلطان، أو سيمارسون مكراً واستدراجاً، أو ما إلى ذلك.
وقد فاتهم أن المسلمين ـ حتى العاديين منهم ـ إنما يتعاملون معهم ومع غيرهم بالمبادئ والقيم، وبموجبات الأخلاق والذمم.
ولقد صدق الذي قال: وكل إناءٍ بالذي فيه ينضح.
2 ـ ورغم خوف اليهود الشديد من أن يكون مصير أهل خيبر مثل مصير بني قينقاع والنضير وقريظة، وقد رأوا بأم أعينهم، كيف أن المسلمين قد انتصروا على أعدائهم، رغم كثرة العدد، وحسن العدة لدى أولئك الأعداء، مع قلة في العدد وضعف في العدة في جانب المسلمين.
وقد تكرر هذا النصر أكثر من مرة ومرتين، فلا مجال لأن يتوهم أحد أن الصدفة هي التي فرضته، بل هو سنة إلهية، ولطف رباني أجراه الله على أيديهم، ولهج به القرآن، وأصبح تشريعاً يفرض على المسلمين الالتزام بمقتضياته.
نعم، رغم ذلك كله، فإن اليهود توهموا: أن كثرة العدد سيكون لها شأن في مسار الحرب، ومصير القائمين بها.
إجراءات في الطريق إلى خيبر:
وقال المؤرخون أيضاً:
وجاء أبو عبس ابن جبر، فقال: يا رسول الله، ما عندي نفقة، ولا زاد، ولا ثوب أخرج فيه، فأعطاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" شقة سنبلانية: (جنسٌ من الغليظ، شبيه بالكرباس).
قال سلمة: خرجنا مع النبي "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم، لعامر بن (سنان) الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك؟ وكان عامر رجلاً شاعراً، فنزل يحدو بالقوم، يقول:
اللـهم لـولا أنت مـا اهتـديـنـــا ولا تـصـدقـنــا ولا صـلـيـنــــا
فـاغـفـر فـداء لـك مـا اتـقـيـنـا وألــقــين سـكـيـنــة عـلـيــنــا
وثـبــت الأقــدام إن لاقـيــنـــا إنــا إذا صــيـــح بـنــا أتــيـنــا
وبـالـصـيـاح عــولــوا عـلـيـن
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "من هذا السائق"؟
قالوا: عامر بن الأكوع.
قال: "يرحمه الله".
وفي رواية: "غفر لك ربك".
قال: وما استغفر رسول الله "صلى الله عليه وآله" لإنسان يخصه إلا استشهد.
فقال عمر، وهو على جمل: وجبت يا رسول الله، لولا أمتعتنا بعامر.
وفي نص آخر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي طلب ذلك من عامر، فقال عامر: يا رسول الله، قد تولى قولي. أي الشعر.
فقال له عمر: إسمع، وأطع. فنزل يرتجز الخ..([112]).
وروى الحارث بن أبي أسامة، عن أبي أمامة، والبيهقي عن ثوبان: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال في غزوة خيبر: "من كان مضعفاً أو مصعباً فليرجع".
وأمر بلالاً فنادى بذلك، فرجع ناس، وفي القوم رجل على صعب، فمر من الليل على سواد فنفر به فصرعه، فلما جاؤوا به رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "ما شأن صاحبكم"؟.
فأخبروه، فقال: "يا بلال، ما كنت أذنت في الناس، من كان مضعفاً أو مصعباً فليرجع"؟
قال: نعم. فأبى أن يصلي عليه.
زاد البيهقي: وأمر بلالاً فنادى في الناس: "الجنة لا تحل لعاص" ثلاثاً([113]).
قال محمد بن عمر: وبينا رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الطريق في ليلة مقمرة، إذ أبصر رجلاً يسير أمامه عليه شيء يبرق في القمر، كأنه في شمس وعليه بيضة، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "من هذا"؟.
فقيل: أبو عبس بن جبر.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أدركوه".
قال: فأدركوني فحبسوني، فأخذني ما تقدم وما تأخر، فظننت أنه قد أنزل فيَّ أمر من السماء، فجعلت أتذكر ما فعلت حتى لحقني رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "ما لك تقدم الناس لا تسير معهم"؟.
قلت: يا رسول الله، إن ناقتي نجيبة.
قال: فأين الشُّقيقة التي كسوتك؟
قلت: يا رسول الله، بعتها بثمانية دراهم، فتزودت بدرهمين وتركت لأهلي درهمين، وابتعت هذه البردة بأربعة دراهم.
فتبسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم قال: "أنت والله يا أبا عبس وأصحابك من الفقراء. والذي نفسي بيده، لئن سلمتم وعشتم قليلاً ليكثرن زادكم، وليكثرن ما تتركون لأهليكم، ولتكثرن دراهمكم وعبيدكم، وما ذلك لكم بخير".
قال أبو عبس: فكان والله كما قال رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قال سويد بن النعمان: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما وصل إلى الصهباء ـ وهي أدنى خيبر ـ صلى العصر، ثم دعا بالأزواد، فلم يؤت إلا بالسويق، فأمر به فثُريَ، فأكل رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأكلنا معه. ثم قام إلى المغرب، فمضمض ومضمضنا، ثم صلى، ولم يتوضأ. رواه البخاري([114]) والبيهقي.
زاد محمد بن عمر: ثم صلى بالناس العشاء، ثم دعا بالأدلاء، فجاء حُسَيْل بن خارجة، وعبد الله بن نعيم الأشجعي، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لحُسَيْل: يا حُسَيْل: امض أمامنا حتى تأخذ بنا صدور الأودية، حتى تأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام، وبين حلفائهم من غطفان.
فقال حُسَيْل: أنا أسلك بك، فانتهى به إلى موضع له طرق، فقال: يا رسول الله، إن لها طرقاً تؤتى منها كلها.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "سمها لي". وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحب الفأل الحسن، والاسم الحسن، ويكره الطيرة، والاسم القبيح.
فقال: لها طريق يقال لها: حزن، وطريق يقال لها: شاش، وطريق يقال لها: حاطب، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لا تسلكها".
قال: لم يبق إلا طريق واحد يقال له: مرحب، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اسلكها"([115]).
ونقول:
إن لنا ههنا وقفات هي التالية:
لمن الشعر المتقدم؟!
قد ذكرت الرواية المتقدمة: أن الشعر المذكور: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا" إنما هو لعامر بن الأكوع.
مع أنه قد روي في الصحاح، ومنها كتاب البخاري، في كتاب الجهاد: أنه من شعر عبد الله بن رواحة([116]).
قال الصالحي الشامي: "فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا عليه، بدليل ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر، واستعان عامر ببعض ما سبقه إليه ابن رواحة"([117]).
ويحتمل أيضاً: أن يكون عامر قد أخذه كله من ابن رواحة؛ لأنه مجرد حادٍ، يختار ما يناسبه من الحداء، ولو كان قد نطق به أو نظمه غيره.
الخطأ في مضمون شعر عامر:
هذا, ولا معنى لقوله في ذلك الشعر مخاطباً الله تعالى: "فاغفر فداء لك ما اتقينا"، إذ لا معنى لأن يفدي أحد اللهَ بالنفس, لأن ذلك يستبطن توقع حلول مكروه بالمفدي ـ ليجعل المتكلم نفسه فداء له من ذلك ـ وهذا يستبطن جواز الفناء على الله تعالى، وأنه لو لم يحصل الفداء له, لأمكن أن تحل المصيبة به, تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
إرتجاز عامر لرسول الله ':
وقد يقال: إن الذي كان يرتجز لرسول الله "صلى الله عليه وآله" في أسفاره هو البراء بن مالك، لا عامر بن الأكوع.
ويجاب: بأن المقصود: أنه كان يرتجز له في غالب أسفاره, أو في بعضها كما صرحت به بعض الروايات([118]).
الإستغفار أمارة الشهادة:
وقد ذكرت الروايات المتقدمة: أن عمر بن الخطاب قد خاف على عامر, حتى قال لرسول الله "صلى الله عليه وآله": لولا أمتعتنا بعامر. وذلك لأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان إذا استغفر لإنسان استشهد.
غير أننا نقول: إن ذلك لا يمكن قبوله:
فأولاً: لم يثبت: أنه "صلى الله عليه وآله" استغفر لعامر, فقد اختلفت الروايات في ذلك، حيث يقول بعضها: إنه "صلى الله عليه وآله" قال: يرحمه الله.
ثانياً: لنفرض: أنه قد ثبت استغفار النبي "صلى الله عليه وآله" لعامر, ولكن قولهم: إنه ما استغفر "صلى الله عليه وآله" لإنسان يخصه إلا استشهد..
لا يمكن أن يصح, لأن كتب الحديث والتاريخ مشحونة بالأخبار المصرحة باستغفاره "صلى الله عليه وآله" للكثيرين من صحابته, ولم يصبهم شيء, بل عاشوا بعده عشرات السنوات, فراجع:
1 ـ استغفاره "صلى الله عليه وآله" لأبي بكر([119]).
2 ـ واستغفاره لأبي موسى الأشعري([120]).
3 ـ واستغفاره "صلى الله عليه وآله" لحذيفة, ولأمه([121]).
4 ـ واستغفر للمقصرين في الحديبية.
وغير ذلك..
لا تحل الجنة لعاص:
إن هناك أموراً قد يستهين الإنسان بها, فلا يطيع الأوامر الصادرة بشأنها, زعماً منه: أنه قادر على تجاوز سلبياتها..
غير أن هذا المنطق: مرفوض في الإسلام جملة وتفصيلاً, لأكثر من جهة:
فأولاً: ليس بالضرورة أن يكون ما اعتقد أنه المبرر لقرارات القيادة هو المبرر الحقيقي لها فعلاً؛ لأن للقيادة آفاقها, وعلاقاتها, ووسائلها التي تمكنها من المواجهة الصحيحة، من خلال رصد الأمور بصورة أدق وأشمل، يمكِّنها من وضع كل الأمور في مواضعها الصحيحة وفي الدائرة الأوسع في المحيط الذي تتحرك فيه, ضمن سلسلة من الدواعي والمقتضيات التي ربما لا تخطر للآخرين على بال، أو لا تمر لهم في خيال, بحكم محدودية نظرتهم, وضآلة حجم معارفهم، وقلة اطلاعهم على ذلك كله..
ثانياً: إنه حين يكون لدى كثيرين من الناس مراكب تصعب السيطرة عليها, وتحتاج إلى بذل جهد, وربما إلى تعاون, وتعاضد, فذلك معناه إشغال الناس عن قضيتهم الأساس, في شأن داخلي غير ذي جدوى, تضيع فيه الجهود, التي يفترض توفيرها لتصرف في سبيل ما هو أهم، ونفعه أعم, هذا عدا عما ينشأ عن ذلك من تشويش في الفكر, وإخلال بالنظام العام.
ثالثاً: إن عدم صلاة رسول الله "صلى الله عليه وآله" على ذلك الذي لم يمتثل للأمر, قد أظهر أن خلاف هذا الرجل لم يكن ناشئاً عن مجرد حالة عفوية, أو تلبية لرغبة شخصية, أو نتيجة غفلة حدثت له، أو نحو ذلك.
بل كان قاصداً لهذا الخلاف، عامداً إليه, وربما يصل ذلك إلى حد المؤامرة الهادفة إلى إحداث بلبلة، وتشويش، وإخلال.
بالإضافة إلى: إسقاط حرمة الأوامر النبوية, وتجريء الناس على خلافه "صلى الله عليه وآله", وعصيان أوامره, والاستهانة بتوجيهاته..
ولعل هذا هو السبب في: أنه "صلى الله عليه وآله" قد رفض أن يشرفه بالصلاة عليه.
ورابعاً: إن الإعلان بطريقة النداء في الناس: لا تحل الجنة لعاص، لا بد أن يكون له تأثيره القوي في ردع الناس عن محاكاة ذلك العاصي في فعله, وبالتالي فرض الالتزام بالنظام, وتنفيذ القرارات الصادرة، بانضباطية تامة، وبدقة وأمانة.
الكثرة لا خير فيها:
وقد ذكرت الروايات قصة أبي عبس مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
ووجدنا أنها تشير إلى عدة أمور، نذكر منها:
1 ـ أنه "صلى الله عليه وآله" قد بادر إلى السؤال عن حالة رأى أنها قد خالفت النَظْم الطبيعي لمسيرة الجيش, وهي انفراد أبي عبس عن الناس، وتقدُّمه عليهم.
وإن لم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ألزم الناس برعاية نَظْمٍ بعينه, ولكن ذلك لا يعني السماح بالحالة التي قد تبدو نشازاً بحسب ما جرت عليه طريقة الناس في حالات كهذه..
وجاء تفسير أبي عبس كافياً وربما مرضياً لرسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فإن الاستعانة بالناقة النجيبة يريح رسول الله "صلى الله عليه وآله", في مسير كهذا..
2 ـ ثم أتبع "صلى الله عليه وآله" سؤاله الأول بسؤال آخر يفضي إلى إعطاء توضيحات عن لباس أبي عبس المميز، الذي يثير أكثر من شبهة وسؤال عن مكونات أبي عبس, وعن روافده ومصادره. فالبريق القوي, يضخم التصورات ويوهم: أن أبا عبس قد أصاب كنزاً, أو استولى على ثروة بطريقة قد تكون مشروعة، وقد لا تكون!!
ومهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" للإجابة المقنعة, والقاطعة لكل احتمال، وظن وشبهة، حين ضمَّن سؤاله تعريف الناس بمصدر المال، حتى لم يعد أبو عبس بحاجة إلى تقديم إثبات بذلك, بل اقتصرت مهمته على بيان موارد مصارف ذلك المال, وصحة تصرفه فيه.. وبذلك يكون "صلى الله عليه وآله" قد جنَّبَه غضاضة الإحساس بأن ثمة تهمة تموج في نظرات الناس إليه, وأنه يحتاج إلى إعداد وسائل دفعها عن نفسه..
3 ـ ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قد تقدم خطوة أخرى باتجاه حسم الأمر لصالح أبي عبس, حين أعلن براءة أبي عبس من أية شبهة من هذا القبيل, وبيَّن أنه يعيش حالة الفقر والحاجة حقاً، ليس وحده, وإنما هو وأصحابه الفقراء.
4 ـ ثم شفع ذلك بالإخبار عن أمر غيبي, من شأنه: أن يفرح الكثيرين من الناس من طلاب الدنيا، حيث أخبره: أنه هو وأصحابه، إن سلموا وعاشوا فسيكثر زادهم, وما يتركونه لأهليهم, وستكثر دراهمهم وعبيدهم.
وقد تضمن هذا الخبر الإشارة إلى أمرين:
أحدهما: أنه قد إشار إلى احتمال سلامتهم وبقائهم على قيد الحياة, ولكنه لم يجزم لهم بذلك.
حيث قال: لئن سلمتم وعشتم، وذلك لكي يعطيهم الفرصة لإخلاص النية في الجهاد, وليمكنهم من الإقدام على ما فيه احتمالات الشهادة, ولا يحرمهم من السعي لنيل هذا المقام الجليل..
الثاني: أنه قد بيَّن لهم: أن تحقيق ما يخبرهم به لا ينبغي أن يكون من أسباب اغترارهم بأنفسهم, وتخيُّل أن ذلك عطية وكرامة إلهية لهم, بسبب رفعة مقامهم في طاعته، وعلو درجتهم في الإخلاص له..
بل ذلك امتحان وابتلاء, لا بد لهم من أن يحذروا منه, حتى لا يقعوا في فخ الركون إلى الدنيا, والاغترار بزبارجها، وبهارجها..
وبذلك يكون قد أعطاهم القاعدة الصحيحة في التعامل مع الكثرات الدنيوية, ومنحهم النظرة الصائبة، والتقييم السليم لمثل هذا الأمر الخطير..
أكذوبة الفتاة الحائض:
ورووا: أن إحدى النساء اللواتي حضرن خيبر قالت: فأردفني رسول الله "صلى الله عليه وآله" على حقيبة رحله. قالت: فلما كان الصبح، وأناخ راحلته، ونزلت عن حقيبة رحله، وإذا بها دم مني. وكانت أول حيضة حضتها.
قالت: فتقبضت إلى الناقة، واستحييت.
فلما رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" حالي، قال: ما لك، لعلك نفست؟
قلت: نعم.
قال: فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحاً، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم، ثم عودي لمرتحلك.
قالت: فكنت لا أطهر من حيضة إلا جعلت في طهري ملحاً. وأوصت أن يجعل ذلك في غسلها حين ماتت([122]).
ونقول:
إننا نشك في صحة هذه الرواية، بل لا نرتاب في كذبها، وذلك لما يلي:
أولاً: لا معنى لجعل الملح في طهرها، ولا في غسلها، فإن غسل الدم الذي أصاب حقيبة الرحل بالماء والملح شيء، وجعله في طهرها شيء آخر..
على أننا لا ندري داعياً لوضع الملح في الماء، فإن الماء يكفي لغسل حقيبة الرحل..
ثانياً: إنه لا ريب في أن بلوغ البنت إنما هو بإتمامها تسع سنين.. والفتيات إنما يحضن ـ غالباً ـ في سن الثالثة عشرة.
ومن الواضح: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يمكن أن يردف خلفه من تكون في هذه السن، أو أقل من ذلك أيضاً..
وقد تحدثنا عن موضوع بلوغ الفتاة بشيء من التفصيل في غزوة بني قريظة، فراجع..
ثالثاً: إن الكل يعلم: أن علياً "عليه السلام" كان لا يلقي السلام على الشابة من النساء([123]) فكيف برسول الله "صلى الله عليه وآله"([124]).
وورد النهي عن الجلوس في مجلس تقوم عنه المرأة حتى يبرد([125]).أة
فهل يرضى بأن يردف خلفه فتاة في سن من تحيض؟!
رابعاً: ما معنى: أن يردف النبي "صلى الله عليه وآله" هذه الفتاة الأجنبية عنه، ولماذا لم يردف زوجته أم سلمة، أو أياً من زوجاته في أية غزوة من الغزوات؟!
وهل لم يوجد من يتبرع بارتداف هذه الفتاة سوى رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
ومن كان يردف أم زياد الأشجعي، التي خرجت إلى خيبر في خمسة نسوة ليداوين الجرحى، ولغير ذلك، فأسهم لهن تمراً؟!([126]).
بل لقد حضر خيبر عشرون امرأة.
فلماذا لم يجعل هذه الفتاة معهن؟! أو مع زوجته أم سلمة في هودجها؟!
خامساً: هل ارتدفها "صلى الله عليه وآله" على ناقته، أم على فرسه، أم على حماره؟!
فقد تقدم: أنهم قد اختلفوا في أنه: هل كان النبي "صلى الله عليه وآله" راكباً فرساً، أم حماراً مخطوماً برسن من ليف، وتحته أكاف من ليف!!
وقد ذكرنا ما يدل: على هذا وذاك فيما يأتي تحت عنوان: "وصول النبي "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر".
وقد رجحوا: أنه قد ركب الحمار في الطريق إلى خيبر، ثم ركب الفرس، حين نشب القتال..
وأما الحديث الذي صرح: بأن الناقة مأمورة، فلا دلالة فيه على أنه "صلى الله عليه وآله" كان راكباً عليها.
وحتى لو دل على ذلك، فإنه يصبح متعارضاً مع حديث ركوبه للحمار، أو الفرس، حسبما أوضحناه..
وفي جميع الأحوال نقول:
إذا كان راكباً للفرس، فلماذا لا تركب هي على الناقة، أو الحمار؟ وإن كان راكباً على الحمار فيمكن أن تركب هي الناقة أو الفرس، وكذا لو كان قد ركب الناقة، فالحمار والفرس صالحان للركوب، فلا حاجة ـ في جميع الأحوال ـ إلى إردافها خلفه "صلى الله عليه وآله"..
إختيارالطريق إلى خيبر:
وعن حديث طلب النبي "صلى الله عليه وآله" من الدليل: أن يأخذ بهم في صدور الأودية, حتى يأتي بهم إلى خيبر من جهة الشام، نقول:
1 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" يكون بذلك قد تحاشى الظهور على قمم الجبال, وعلى جوانبها التي تظهر للرائي البعيد, لكي يتحاشى رؤية الناس لجيشه الضارب, ويكون في منأى عن مواقع الرصد التي ربما يكون العدو قد أقامها في المواقع المشرفة..
2 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قد اختار أن يسلك الدليل طريقاً تؤدي بهم إلى خيبر من جهة الشام, وهو الطريق الذي يشعر اليهود بالأمن من جهته، ولا يشعرون بالحاجة إلى رصده بدقة وبفعالية..
3 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قد أوضح أيضاً: أنه يريد أن يقطع عن اليهود المدد من جهة الشام، سواء أكان المدد مالاً، أم رجالاً، أم عتاداً، أم طعاماً، أم غير ذلك.
4 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" يريد أيضاً: أن يحول بين اليهود وبين حلفائهم من غطفان، وسيأتي: أن هذا هو ما حصل بالفعل، وذلك حين جاءت غطفان لمعونتهم، ثم تراجعت خوفاً من أن يتمكن "صلى الله عليه وآله" من مهاجمة ديارهم وأهليهم.
التطير والتفاؤل:
واللافت هنا قولهم: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد طلب من الدليل أن يسمي له الطرق إلى خيبر؛ لأنه كان يحب الفأل الحسن، فسماها له، فاختار أحدها.
ونقول:
أولاً: إن من الواضح: أن طلب تسميتها ليس بالضرورة أن يكون من أجل أن يتفاءل بأسمائها، فإن ذلك بعيد عن شأن النبي "صلى الله عليه وآله" ومقامه. وقد تكلمنا عن بعض ما يرتبط بذلك في جزء سابق من هذا الكتاب.
ثانياً: إن من جملة الطرق التي سماها الدليل طريقاً باسم "شاس" وليس في هذه الكلمة التفاؤل، أو التشاؤم.
ثالثاً: من أين ثبت لهم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد رفض السير في تلك الطريق من منطلق التشاؤم والتفاؤل؟ فقد يكون الغرض هو:
1 ـ أن يظهر خبرة الدليل، وأنه قادر على إنجاز المهمة التي أوكلت إليه.
2 ـ أن يوجهه إلى الطريق الأكثر أمناً، والأشد ملاءمة للأهداف المتوخاة.
3 ـ أن يعرف الناس بأنه "صلى الله عليه وآله" عالم بمسالك تلك البلاد، وإن لم يكن قد وطئتها قدمه من قبل.
لا حول ولا قوة إلا بالله:
روى أصحاب الكتب الستة، عن أبي موسى الأشعري، قال: أشرف الناس على واد، فرفعوا أصواتهم بالتكبير: "الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله".
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً، وهو معكم".
وأنا خلف دابة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فسمعني وأنا أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فقال: "يا عبد الله بن قيس".
قلت: لبيك يا رسول الله، فداك أبي وأمي.
قال: "ألا أدلُّك على كلمة من كنز الجنة"؟.
قلت: بلى يا رسول الله، فداك أبي وأمي.
قال: "لا حول ولا قوة إلا بالله"([127]).
ونقول:
هناك حالات تنتاب الجماعات، وهي تواجه قضاياها الكبرى، لا يصح الانسياق معها، بل لا بد من معالجتها والتخلص منها. ومن هذه الحالات: أن اجتماعها مع بعضها البعض قد يشعرها بالقوة بدرجة قد تتجاوز حدود قوتها الطبيعية، الأمر الذي يهيئ لوقوعها في براثن الغفلة عن بعض الثغرات التي تعاني منها.. وربما يكون ذلك سبباً في تدني مستوى قوتها بصورة كبيرة وخطيرة..
وقد ظهر مصداق ذلك في حرب حنين، حيث تلاشت قوة المسلمين أو كادت، بسبب هذا الشعور بالذات. فقد قال تعالى: ?لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ?([128]).
ومن هذه الحالات أيضاً، هيمنة العقل الجماعي على تلك الجماعة، وتدني مستوى تفكيرها ليصل إلى أضعف حالاته..
ويزيد هذه الحالة حدةً فيهم، تعالي الصرخات، واختلاط الأصوات، والصخب، والعجيج والضجيج.
وهذا يفسر لنا: أمره "صلى الله عليه وآله" لأصحابه بأن يربعوا على أنفسهم، ويخففوا من غلوائهم، ويخفضوا أصواتهم، حتى لو كانوا يجهرون بكلمة "الله أكبر".
فقد كان ثمة حاجة إلى الهدوء والتعقل، ليمكن النظر إلى الأمور والأحجام، والقدرات بواقعية واتزان، بعيداً عن الانتفاخات والتضخيمات الصوتية وغير الواقعية..
ثم.. إنه "صلى الله عليه وآله" صرح لهم بالحقيقة وطلب منهم ترديدها في عملية تلقين عفوية للنفس، وإدراك للعقل، وتلمس للوجدان، حين دلهم على كلمة هي من كنز الجنة، يتعلمون منها: أن قدرتهم ليست بكثرة جمعهم، ولا بجودة سلاحهم، ولا بقدراتهم الذاتية وشجاعتهم؛ إذ "لا حول ولا قوة إلا بالله".
المطلوب هو الخير لا الغنائم:
روى ابن إسحاق، عن أبي مغيث بن عمرو، ومحمد بن عمر عن شيـوخـه، قالوا: إن رسول الله "صلى الله عليه وآلـه" لمـا أشرف على خيـبر ـ وكان وقت الصبح ـ قال لأصحابه: "قفوا". فوقفوا.
فقال: "اللهم رب السموات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، فإنَّا نسألك من خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها. أقدموا باسم الله".
وكان يقولها لكل قرية يريد دخولها.
ورواه النسائي، وابن حبان عن صهيب([129]).
ونقول:
إن هذا الدعاء قد جاء ليحدث تغييراً جذرياً في أهداف هؤلاء القادمين إلى بلاد أعدائهم. إذ إن الإنسان حين يتخذ صفة المقاتل، ويعد للقتال عدته، ويحمل سلاحه، ويشرف على بلد عدوه، فإنه لا يحدث نفسه إلا بالنزال والقتال، ولا يفكر إلا بالموت أو الحياة، وبالنصر أو الهزيمة، ولا يحلم إلا بالغنائم والسبايا.
ولذلك يوقف النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه، ويوجههم إلى الله تعالى، ليفهمهم أنه تعالى هو المهيمن والمشرف على إيصال كل شيء إلى كماله، من حيث هو الرب المدبر الحكيم، والخبير العليم، والرؤوف الرحيم، وهو القاهر فوق عباده..
فحلول هذا الجيش بهذا البلد لا ينبغي أن يكون بهدف الحصول على المغانم، والاستيلاء على البلاد والعباد.
بل يجب أن يكون الهدف هو الحصول على الخير: خير البلد وخير أهله، وتجنب الشر: شر البلد وشر ما فيه.. سواء أكان الشر من الناس، أم من غيرهم.
ويلاحظ أيضاً: أن هذا الدعاء قد أظهر للداعين ولغيرهم: أن الهيمنة الإلهية كما تشمل السماوات والأرض، من حيث هي موجودات كونية، فإنها تشمل ما أظللن، وما أقللن من موجودات، لها وظائف ومهمات، فيهما على حد سواء..
وأفاد أن هذه السلطة تشمل أيضاً حتى الموجودات المتمردة والطاغية، وتشمل من وقع تحت تأثيرها.. فهو تعالى رب الشياطين وما أضللن.. كما أنها تشمل ما له حركة وتصرف، وما يكون محلاً للحركة والتصرف، وإن لم يكن من الموجودات العاقلة والمختارة، فهو رب الرياح وما أذرين.
فإذا كانت الهيمنة لله تعالى على ذلك كله، فلا بد من أن يتوجه الناس إليه في حاجاتهم. وقد حدد رسول الله "صلى الله عليه وآله" هذه الحاجات في دعائه، بأنها الحصول على الخير، وتجنب الشر..
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قال: "أقدموا باسم الله..".
فإذا كان إقدامهم متمازجاً مع اسم الله تعالى، وملابساً له، فلا بد أن يلتزموا بخطه تعالى، وأن لا يشذوا عنه، فيكون معهم في كل حركة، وكل سكون، وكل موقف.
وما أحوجهم إلى استحضار الله تعالى في مواقفهم هذه التي ينسى الإنسان فيها أكثر الأشياء قرباً منه، فينسى حتى الطعام والشراب، وينسى الأهل والأولاد، وينسى المال والمقام، وينسى.. وينسى.. وكل هذا النسيان لا ضير فيه، إذا كان ذاكراً لله سبحانه، مستشعراً لوجوده، منسجماً معه.. ولأجل ذلك قال لهم "صلى الله عليه وآله": "أقدموا باسم الله..".
ابن أبي يحذر اليهود:
وذكروا: أن عبد الله بن أُبي أرسل إلى اليهود يخبرهم: بأن محمداً سائر إليكم، فخذوا حذركم، وأدخلوا أموالكم حصونكم، واخرجوا إلى قتاله، ولا تخافوا منه، إن عددكم كثير، وقوم محمد شرذمة قليلون، عُزَّل لا سلاح معهم إلا قليل.
فلما علم بذلك يهود خيبر أرسلوا وفداً إلى غطفان يستمدونهم كما سيأتي([130]).
ونقول:
إن توجيهات ابن أُبي لهم، وتحريضه إياهم على التصدي لرسول الله "صلى الله عليه وآله" قد استندا إلى عدة أمور، نشير منها إلى الأمرين التاليين:
1 ـ كثرة عددهم، وقلة عدد جيش المسلمين، مع أن ابن أُبي والناس كلهم قد شاهدوا كيف ينتصر المسلمون في حروبهم، وخصوصاً في بدر، رغم قلة عددهم، وكثرة عدد جيش عدوهم المهاجم.
وقد بيَّن القرآن هذه الحقيقة في موارد كثيرة، وصرح: بأن العشرة من المسلمين قادرون على أن يغلبوا مائة، فيما لو تدرعوا بالصبر والإيمان.
قال تعالى أيضاً: ?كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله..?([131])
2 ـ إنه قد ركز على السلاح، كعنصر حاسم في المعركة بين الإيمان والكفر.
غير أن من الواضح: أن للسلاح في نوعه وفي مقداره بعض التأثير في الحرب.
ولكن قد أثبتت الوقائع أيضاً: أن الكلمة الأخيرة، والفاصلة ليست له، وإنما هي للعزيمة والإيمان بالقضية، والالتجاء إلى الله سبحانه، بالإضافة إلى مفردات كثيرة من منظومة القيم، والمفاهيم، والاعتقادات، والنظرة إلى الكون وإلى الحياة، ومستوى تربية النفس، ودرجة التفاعل مع تلك القيم، ودرجات رسوخ تلك النظرات والاعتقادات في كيان الإنسان، وفي أعماق وجوده..
غطفان تخاف، فتتراجع:
أرادت غطفان، وسيدهم عيينة بن حصن، أن يعينوا أهل خيبر ـ وكانوا أربعة الآف ـ لما سمعوا بمجيئه "صلى الله عليه وآله" إليهم، فأرسلوا كنانة ابن أبي الحقيق، وهوذة بن قيس، في أربعة عشر رجلاً إلى غطفان، يستمدونهم، وشرطوا لهم نصف ثمار خيبر إن غلبوا على المسلمين.
فجمعوا أربعة آلاف مقاتل ـ كما في بعض المصادر ـ ثم خرجوا ليظاهروا يهود خيبر.
ويقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرسل إليهم: أن لا يعينوهم على أن يعطيهم من خيبر شيئاً سماه لهم، وهو نصف ثمارها تلك السنة، وقال لهم: "إن الله قد وعدني خيبر".
فأبوا، وقالوا: جيراننا وحلفاؤنا.
فلما ساروا قليلاً سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً ظنوه القوم، أي ظنوا أن المسلمين أغاروا على أهليهم، فألقى الله الرعب في قلوبهم.
وحسب نص الواقدي: سمعنا صائحاً ـ ثلاث مرات ـ لا ندري من السماء، أو من الأرض: أهلكم أهلكم بحفياء (أو حيفاء ـ موضع قرب المدينة)، فإنكم قد خولفتم إليهم.
فرجعوا على الصعب والذلول، أي مسرعين على أعقابهم، فأقاموا في أهلهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبين أهل خيبر.
وفي رواية: سمعوا صوتاً يقول: أيها الناس، أهليكم خولفتم إليهم، فرجعوا فلم يروا لذلك نبأ([132]).
زاد في نص آخر: أنهم قالوا: "فعلمنا: أن ذلك من قبل الله، ليظفر محمد بيهود خيبر"([133]).
بل ذكر بعضهم: أن عيينة بن حصن قد جاء إلى خيبر في أربعة آلاف، فدخلوا مع اليهود في حصون النطاة، قبل قدوم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بثلاثة أيام. فلما قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" خيبر أرسل إليهم سعد بن عبادة وهم في الحصن.
فلما انتهى سعد إلى الحصن ناداهم: إني أريد أكلِّم عيينة بن حصن.
فأراد عيينة أن يدخله الحصن، فقال مرحب: لا تُدخله فيرى خلل حصننا، ويعرف نواحيه التي يؤتى منها، ولكن تخرج إليه.
فقال عيينة: لقد أحببت أن يدخل فيرى حصانته، ويرى عدداً كثيراً. فأبى مرحب أن يدخله، فخرج عيينة إلى باب الحصن.
فقال سعد: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرسلني إليك، يقول: إن الله قد وعدني خيبر فارجعوا، وكفوا، فإن ظهرنا عليها فلكم تمر خيبر سنة.
فقال عيينة: إنَّا والله ما كنا لنسلم حلفاءنا لشيء، وإنَّا لنعلم ما لك وما معك مما ههنا طاقة، هؤلاء قوم أهل حصون منيعة، ورجال عددهم كثير، وسلاح. إن قمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجلوا عليك بالرجال والسلاح.
ولا والله، ما هؤلاء كقريش، وقوم ساروا إليك، إن أصابوا غِرَّة منك فذاك الذي أرادوا وإلا انصرفوا، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويطاولونك حتى تملهم.
فقال سعد بن عبادة: أشهد ليحصرنك في حصنك هذا حتى تطلب الذي كنا عرضنا عليك، فلا نعطيك إلا السيف، وقد رأيت يا عيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مُزقوا كل ممزق!
فرجع سعد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبره بما قال.
وقال سعد: يا رسول الله، لئن أخذه السيف ليسلمنهم، وليهربن إلى بلاده، كما فعل ذلك قبل اليوم في الخندق.
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه: أن يوجهوا إلى حصنهم الذي في غطفان، وذلك عشيةً وهم في حصن ناعم، فنادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن أصبحوا على راياتكم عند حصن ناعم الذي فيه غطفان.
قال: فرعبوا من ذلك يومهم وليلتهم، فلما كان بعد هذه من تلك الليلة سمعوا صائحاً يصيح، لا يدرون من السماء أو الأرض: يا معشر غطفان، أهلكم أهلكم!! الغوث، الغوث بحيفاء ـ صِيح ثلاثة ـ لا تربة ولا مال!
قال: فخرجت غطفان على الصعب والذلول، وكان أمراً صنعه الله لنبيه.
فلما أصبحوا أُخبر كِنانة ابن أبي الحُقيق ـ وهو في الكتيبة ـ بانصرافهم، فسقط في يديه([134]).
ونقول:
1 ـ إن قبيلة غطفان أصرت على أن تنصر اليهود، لأمرين، هما: أنهم جيرانهم، وأنهم حلفاؤهم.
والإستجابة لنداء الجيرة والحلف ليس بأولى من الاستجابة لما يوجبه العقل، وتفرضه الفطرة، فإن غطفان كانت على الشرك الذي هو ظلم عظيم، وتأباه العقول، وتنفر منه الفطرة..
فكان من المفروض: أن تستجيب ـ قبل كل شيء ـ لنداء العقل والفطرة، لتكتشف صحة ما جاء به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فتسير في خط طاعة الله سبحانه، موالية لأوليائه، ومعادية لأعدائه، ومحاربة لهم بكل قوة وصرامة وحزم. فلا عهد فوق عهد الله تعالى، ولا جوار لأحد في معصية الله سبحانه وتعالى.
2 ـ إنه إذا كان اليهود قد وعدوا غطفان بشطر ثمار خيبر، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" قد وعدهم بنفس ما وعدوهم به، مع فارق عظيم وهام، وهو: أن اليهود كانوا معروفين بالغدر.
أما النبي "صلى الله عليه وآله" فكان الصادق الأمين، والوفي بالوعود والعهود..
3 ـ إن اليهود إنما وعدوهم: بأن يعطوهم شطر ثمار خيبر، ولكن بشرط أن يعينوهم، ويحاربوا معهم، ولا بد أن يقتل من يقتل منهم، وأن تنشأ العداوات، والثارات، والإحن بينهم وبين المجتمع الإسلامي كله..
أما النبي "صلى الله عليه وآله" فلم يكلفهم بالحرب، بل اكتفى منهم بالكف وعدم الإقدام على مساعدة اليهود، فلا قتلى، ولا عداوات، ولا إحن، ولا أحقاد..
مع ملاحظة: أن طلب اليهود العون يشير إلى ضعفهم أمام عدوهم، وطلب النبي "صلى الله عليه وآله" منهم اعتزال الحرب، والحياد يشير إلى استغنائه عنهم، وإلى ثقته بالنصر على أعدائه. فكانت الاستجابة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" هي الأصلح لهم حتى في حسابات الربح والخسارة الدنيوية.
4 ـ ولعل الحس الذي سمعته غطفان، وخافت أن يكون في أهليها، قد جاء ليؤكد شدة خوفهم، ومدى رعبهم في قبال جيش المسلمين، على قاعدة: ?يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ?([135]). لمجرد أنهم علموا بتوجه المسلمين نحو خيبر، رغم أنهم يعرفون: أن طريق النبي "صلى الله عليه وآله" الآتي من المدينة إلى خيبر لا تمرُّ بهم، لأن طريق غطفان إلى خيبر كانت من جهة الشام.
وقد استطاع النبي "صلى الله عليه وآله" في هذا الالتفاف اللافت: أن يقطع هذه الطريق عليهم، كما أسلفنا..
5 ـ إن غطفان لم تكن صادقة فيما ادَّعته: من أنها تريد أن تستجيب لنداء الجيرة والعهد، حيث قالوا: هم جيراننا وحلفاؤنا. فإنه إذا كان هذا هو دافعهم الحقيقي فلماذا يكلفون اليهود نصف ثمار خيبر؟ فإنها إذا كانت تريد أن تفي بالتزاماتها الأخلاقية، وتستجيب لنداء الجيرة، وتنفذ عهدها فيما بينهم وبينها، فلا حاجة إلى هذه الأموال..
بل إن قبولها من المتبرع بها، فضلاً عن المطالبة بها، عيب، وعار، وخسة، وصغار.
6 ـ وإذا كانت غطفان قد خافت من إغارة المسلمين على ديارها وأهلها، فقد كان بإمكانها أن ترسل سرية ـ ولو رمزية ـ من رجالها، لمساعدة اليهود، قضاءً لحق الجيرة، ووفاءً بالعهد والحلف. ويبقى الآخرون لدفع المهاجمين المحتملين.
فإذا كان ثمة من هجوم، فإن باستطاعة هؤلاء أن يشاغلوا المهاجمين إلى أن يرسلوا إلى حلفائهم وجيرانهم من اليهود ليعينوهم مع باقي الرجال الذين ذهبوا لنجدتهم، وإن لم يهاجمهم أحد، فإنهم يكونون قد وفوا بالتزاماتهم، ودفعوا عن جيرانهم، ووفوا بعهودهم، لو صح أنه كانت لهم معهم عهود!!
7 ـ إن كلمة بـ "حيفاء" قد صحفت فصارت "جنفا"، كما سيأتي حينما قال النبي "صلى الله عليه وآله" لبني فزارة عندما هددوه بالقتال إن لم يعطهم الغنائم: "موعدكم حيفا". حيث أراد "صلى الله عليه وآله" أن يذكرهم بهذا النداء السماوي، ليفهمهم أن الله تعالى هو الذي يدافع عنه، أو يهيء له الأمور.
8 ـ ثم إن النداء الذي سمعته غطفان، قد عرَّفهم: أن الله سبحانه يريد أن يظفِّر نبيه الأكرم "صلى الله عليه وآله" بيهود خيبر.. وقد كان هذا الأمر كافياً لهم ليعودوا إلى أنفسهم، وليؤمنوا بالله، وبرسوله، وأن يتهافتوا لنصرة هذا الرسول العظيم على أعدائه وأعدائهم..
ولكنهم لم يفعلوا ذلك، بل استمروا على الكفر والجحود، ولو وجدوا الفرصة لخرجوا إلى حرب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإلى نصرة أعداء الله تعالى..
وهذا هو الخذلان الإلهي، والخيبة والخسران. نعوذ بالله من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب.
9 ـ وسيأتي: أن العرب وقريشاً قد شاركوا اليهود في الحرب ضد الإسلام والمسلمين..
بل في بعض النصوص الآتية تصريح: بأن عدد الذين واجههم المسلمون في خيبر كان أربعة عشر ألفاً..
10 ـ إن الظاهر: أن هذه الأعداد الكبيرة كانت موزعة على الحصون المختلفة، وكانوا قد قرروا أن لا يخرجوا للقتال في ساحات الحرب والنزال.. فكان رأيهم هذا وبالاً عليهم أيضاً..
الفصل الثاني:
قبل أن يبدأ القتال..
وصول رسول الله ' إلى خيبر:
قال محمد بن عمر: ثم سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى انتهى إلى المنزلة، وهي سوق لخيبر، صارت في سهم زيد بن ثابت، فعرَّس رسول الله "صلى الله عليه وآله" بها ساعة من الليل.
وكانت يهود لا يظنون قبل ذلك أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يغزوهم لمنعتهم، وحصونهم، وسلاحهم، وعددهم. فلما أحسوا بخروج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليهم، قاموا يخرجون كل يوم عشرة آلاف مقاتل صفوفاً، ثم يقولون: محمد يغزونا؟!! هيهات!! هيهات!! وكان ذلك شأنهم.
وكان يهود المدينة يقولون حين تجهز النبي "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر: ما أمنع ـ والله ـ خيبر منكم. لو رأيتم خيبر، وحصونها، ورجالها لرجعتم قبل أن تصلوا إليهم، حصون شامخات في ذرى الجبال، والماء فيها واتن (أي لا ينقطع).
إن بخيبر لألف دارع. ما كانت أسد، وغطفان يمتنعون من العرب إلا بهم. فأنتم تطيقون خيبر؟!
فخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليهم فعمِّي عليهم مخرجه، حتى نزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" بساحتهم ليلاً، وكانوا حين بلغهم عزم النبي "صلى الله عليه وآله" على المسير إليهم، اختلفوا في خطة حربهم معه، ولم يتحركوا تلك الليلة، ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس، فأصبحوا وأفئدتهم تخفق، وفتحوا حصونهم غادين معهم المساحي، والكرازين([136]) والمكاتل، فلما نظروا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولُّوا هاربين إلى حصونهم([137]).
وروى الشافعي، وابن إسحاق، والشيخان من طرق، عن أنس، قال: سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر، فانتهى إليها ليلاً، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا طرق قوماً بليل لم يغر عليهم حتى يصبح، فإذا سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم حتى يصبح.
فصلينا الصبح عند خيبر بغلس، فلم نسمع أذاناً، فلما أصبح ركب رسول الله "صلى الله عليه وآله" وركب معه المسلمون، وأنا رديف أبي طلحة.
فأجرى نبي الله "صلى الله عليه وآله"، فانحسر عن فخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإني لأرى بياض فخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله"([138]).
وخرج أهل القرية إلى مزارعهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، قالوا: محمد والخميس. فأدبروا هرباً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ورفع يديه: "الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين"([139]).
وروي بسند ضعيف، عن أنس، قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم خيبر على حمار مخطوم برسن من ليف، وتحته إكاف من ليف([140]).
قال ابن كثير: الذي ثبت في الصحيح: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" جرى في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه.
فالظاهر: أنه كان يومئذٍ على فرس لا على حمار.
قال: ولعل هذا الحديث ـ إن كان صحيحاً ـ محمول على أنه ركبه في بعض الأيام، وهو محاصرها.
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة عدة وقفات، هي التالية:
الجيش هو الخميس:
سمي الجيش بالخميس، لأنه خمسة أقسـام: المقدمة، والقلب، والجنـاحـان ـ أعني: الميمنة والميسرة ـ والساقة.
خربت خيبر:
وذكروا: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" رفع يديه، وقال:
"الله أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم، فساء صباح المنذرين..".
فهل كان هذا منه "صلى الله عليه وآله" دعاء بخراب خيبر؟!
أو أنه "صلى الله عليه وآله" قد تفاءل بخرابها، حين رأى الفؤوس والمساحي، التي هي آلة الهدم، كما زعمه بعضهم؟
أو أنه "صلى الله عليه وآله" بصدد الإخبار عن خرابها، بقرينة قوله: "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.."([141])؟
قد يكون هذا الاحتمال الأخير قريباً، ثم الاحتمال الأول. والله هو العالم..
إنحسار الإزار عن فخذ رسول الله ':
وأما قولهم: جرى رسول الله في زقاق خيبر حتى انحسر الإزار عن فخذه، فنلاحظ عليه:
أولاً: هل يراد الإيحاء: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن متحفظاً في لباسه وستره بالمقدار الكافي؟!
وأين هو وقاره، وسكينته "صلى الله عليه وآله"؟! فلماذا لا يحتفظ بهما في مثل هذه الحالات التي لا توجب عجلة، إذ ليس هناك أمر يخاف فوته، ولا يوجد عدو تخشى مباغتته؟!
ثانياً: أليس يقولون: إن الفخذ من العورة، التي ينزه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الغفلة عن التحفظ عليها، أو التهاون في سترها؟ أو أن يعجله أمر عن ذلك؟!
وقد قدمنا في جزء سابق من هذا الكتاب([142]) ما روي عنه "صلى الله عليه وآله": أنه أمر رجلاً بستر فخذه؛ فإنها من العورة([143]).
وهناك نصوص كثيرة، تدل: على أن ما بين السرة والركبة عورة، فراجع([144]).
هناك نصوص تدل على حياء أبي موسى الأشعري وأبي بكر، والخدري، لا مجال لإيرادها فعلاً([145]). فيمكن الرجوع إليها في مظانها.
وقال العلامة الأميني: "هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي، إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار، ومقارنات الأبهة، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" أولى برعاية هذا الأدب، الذي صدع به هو الخ.."([146]).
هذا، ولا بأس بالمقارنة بين ما يذكر هنا عن نبينا الأعظم "صلى الله عليه وآله" وبين ما يذكر عن حياء عثمان، حتى إن أبا بكر وعمر ليدخلان على النبي "صلى الله عليه وآله"، وفخذه مكشوفة، فلا يسترها، حتى إذا دخل عليه عثمان جلس، وستر فخذه، وسوى عليه ثيابه؛ فتسأله عائشة عن ذلك.
فيجيبها: بأنه ألا يستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! أو ما هو قريب من هذا([147]).
يضاف إلى ذلك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه يأمر بالحياء ويؤكد ويحث عليه باستمرار، فيقول: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت([148]).
ويقول: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة([149]).
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة المروية عنه "صلى الله عليه وآله"، ولا مجال لتتبعها.
لا يظن اليهود: أنه ' يغزوهم:
وقد ذكرت الرواية المتقدمة: أن اليهود كانوا لايظنون قبل ذلك: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يغزوهم لمنعتهم وسلاحهم، وعددهم.
ونقول:
1 ـ إن هؤلاء كانوا مغرورين بأنفسهم بدرجة كبيرة، فهم يرون أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد خاض حروباً صعبة وهائلة، ومنَّ الله عليه بالنصر فيها، وهو قد ألجأ قريشاً، التي لا يشك أحد في زيادة عددها أضعافاً على العدد الذي عنده، ولا يماري أحد في سيادتها ونفوذها في الحجاز كله ـ ألجأها ـ إلى طلب الصلح. وفرض عليها شروطه القوية، رغم أن عدد الذين كانوا معه في جميع تلك المشاهد لا يقاس بعدد جيوش أعدائه. إضافة إلى ضعف ظاهر في التجهيز في السلاح، وفي كثير من الامتيازات الحربية الأخرى.
ثم إنهم قد رأوا: أنه "صلى الله عليه وآله" يكاتب ملوك الأرض، ويدعوهم إلى دينه، وإلى الاعتراف بنبوته..
فكيف مع هذا كله لم يكن اليهود يظنون أنه يغزوهم؟!
ومتى ظهر لهم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد خاف من كثرة السلاح، أو أرهبته منعة الحصون، أو ثنى عزيمته كثرة عدد أعدائه؟!
2 ـ إذا كانوا لا يظنون أنه يغزوهم لمنعتهم و.. فلماذا أرسلوا وفدهم إلى قبيلة غطفان لطلب العون، وجعلوا لتلك القبيلة شطر ثمار خيبر، إذا انتصروا على المسلمين؟!..
ومع كل ذلك نؤكد على:
أنهم ربما كانوا يظهرون للناس هذا الأمر تجلداً منهم، ومكراً ودهاءً، يخفي وراءه رعباً قاتلاً، وخوفاً مخزياً، دفعهم إلى الاتصال بتلك القبيلة، وعرض ثمرة ديارهم عليهم، ليفوزوا بنصرهم..
ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد عرض ثمرة بلاد عدوه، مقابل وقوف تلك القبيلة على الحياد، وشتان ما بينهما..
الأذان علامة الإسلام:
وقد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" كان ينتظر أذان الصبح، فإن سمع الأذان امتنع عن الهجوم.
ولعل السبب في ذلك: أن قرار الحرب والسلم قد يتخذه زعماء تلك الجماعة، لأطماع معينة، أو لثارات شخصية، أو أهداف شخصانية، ترمي إلى بسط الزعامة والنفوذ لبعض الطامحين، وقد تكون لأسباب اقتصادية أو غيرها.. مع عدم رضا المرؤوسين بتلك الحرب، أو مع عدم وجود مبرر لها في حياتهم.. فيسوق زعيم القبيلة مع حفنةٍ من أعوانه قبيلته إلى حرب رسول الله "صلى الله عليه وآله" في حين يكون عامة الناس في تلك القبيلة والجماعة غير راضين بخوض تلك الحرب.
فكان "صلى الله عليه وآله" يراقب حالة الناس ويميز بينهم، فإن رأى فيهم أية أمارة تدل على استحقاق الرفق بهم، أو تدل على إسلامهم ـ كالأذان ـ كف عنهم، وسعى في حل الإشكال مع الذين يسوقونهم إلى الحرب بطرق أخرى، أو سعى إلى استهداف المجرمين منهم دون المستضعفين المقهورين. وهذا هو الغاية في الحكمة ومنتهى اللطف منه "صلى الله عليه وآله" بمن يظهرون العداوة وينصبون الحرب له.
ومن جهة أخرى، فقد ذكرت الروايات: أنه "صلى الله عليه وآله" كان لا يهاجم عدوه ليلاً، بل ينتظر فيه طلوع الفجر، وفقاً لما أشير إليه في قوله تعالى: ?فَالمُغِيرَاتِ صُبْحاً?([150]).
وقوله تعالى: ?وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ?([151]).
وقوله: ?فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ المُنذَرِينَ?([152]).
وقوله: ?..إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ?([153]).
وقوله: ?أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ?([154]).
وقوله: ?فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ?([155]) وغير ذلك..
وذلك كله يدل: على أن الهجوم على العدو صباحاً ـ كما كان يفعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكذلك علي "عليه السلام" من بعده ـ هو الراجح والأولى، ولعل لهذا الأمر اعتبارات نفسية، وعملية قد يحتاج التعرف عليها إلى مزيد من التأمل والتدقيق.
إستعراضات وانتفاخات كاذبة:
وإن ما كان يقوم به اليهود من الخروج في كل يوم، وهم عشرة آلاف، يصطفون ويقولون: محمد يغزونا؟ هيهات!! هيهات!! لا يحتاج إلى تعليق.
فقد أشرنا أكثر من مرة إلى أن الاغترار بالكثرة والاعتماد عليها.. دليل الفشل والسقوط..
خصوصاً إذا كان ذلك في حال الحرب، وبالأخص إذا كان أولئك الناس من أهل الدنيا، والغارقين بالحياة المادية إلى آذانهم، لأن كلاً منهم يريد أن يضحي بغيره من أجل نفسه، فهو يتخذ من غيره مجناً وترساً يتخفَّى وراءه باستمرار، وهو يشعر: أن نفسه التي بين جنبيه هي المستهدفة بالقتل وبالقتال..
ولذلك فهو يتخيل: أن الكثرة من شأنها تكديس الموانع والحواجز التي سوف يختبئ وراءها.. ويحتاج العدو إلى إزالتها والتخلص منها قبل أن يصل إليه..
مع أنه إذا جد الجد وحمي الوطيس سيرى: أن الكل يفكر بنفس الطريقة، فإن كانوا عشرة آلاف، فسيجد العشرة آلاف كلهم يفكرون بما يفكر به هذا وذاك، أي أن كل واحد منهم يريد أن يجعل الآخر ترساً ومجناً لهم، ليكون في قبال حراب العدو، وسيوفه وسهامه، التي سوف تأكل من لحمه، وتهشم عظمه.
فإذا وصل به الخيال إلى هذا الحد، فإنه سوف يسعى لإبعاد شبح الحرب عن مخيلته، وسوف يتلذذ بالصور التي يخترعها لمبررات التخلص من عدوه.
ولعل ألذها وأغلاها على قلبه هي تلك الصور التي تزين له كيفية انصراف العدو عن الحرب، ولسوف يندمج ويتفاعل مع هذه الصور، حتى تصبح هي الحقيقة التي لا محيص منها عنده، ولا بديل عنها لديه..
ولذلك اعتقد اليهود: أن النبي "صلى الله عليه وآله" سوف لا يأتي لحربهم، لأنهم توهموا: أنه "صلى الله عليه وآله" يفكر كما يفكرون، ويخشى من الكثرات كما يخشون..
وكانت تلك الاستعراضات والانتفاخات الكاذبة تجسد لهم أحلامهم هذه، وتزينها. حتى إذا استفاقوا من سباتهم هذا وجدوا أنفسهم أمام الحقيقة، ولم يكن لهم بد من مواجهة مصيرهم المحتوم.. وهكذا كان..
وهذا يصلح تفسيراً لما قد يعتبر تناقضاً ظاهراً في مواقفهم، فهم إذا كانوا قد أحسوا بخروج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليهم، وطلبوا معونة غطفان، ورتبوا حصونهم بحيث يحاربون في بعضها، ويجعلون ذراريهم وأموالهم في البعض الآخر..
فما معنى قولهم: محمد يغزونا؟! هيهات!! هيهات!!
ولكن شرط أن يضاف إليه: أن يكون المقصود بهذا الاستعراض، إظهار الإعجاب بقوتهم وبكثرتهم، والسعي للتشجع، والحصول على الجرأة على خوض تلك الحرب التي يخشونها كل الخشية..
مشورة الحباب:
وقال محمد بن عمر: إنه حين نزل النبي "صلى الله عليه وآله" في خيبر، جاء الحباب بن المنذر، فقال: يا رسول الله، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان من أمر أُمرت به فلا نتكلم، وإن كان الرأي تكلمنا.
فقال "صلى الله عليه وآله": "هو الرأي".
فقال: يا رسول الله، دنوت من الحصون، ونزلت بين ظهري النخل، والنزّ، مع أن أهل النطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى سهم منهم، ولا أعدل رمية منهم، وهم مرتفعون علينا، ينالنا نبلهم، ولا نأمن من بياتهم، يدخلون في خمر النخل، فتحوَّل يا رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى موضع بريء من النزّ، ومن الوباء، نجعل الحرة بيننا وبينهم، حتى لا تنالنا نبالهم، ونأمن من بياتهم، ونرتفع من النزّ.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أشرت بالرأي، ولكن نقاتلهم هذا اليوم([156]). إذا أمسينا إن شاء الله تحولنا"([157]).
ودعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" محمد بن مسلمة، فقال: انظر لنا منزلاً بعيداً من حصونهم، بريئاً من الوباء، نأمن فيه من بياتهم. فطاف محمد حتى أتى الرجيع، ثم رجع إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا رسول الله، وجدت لك منزلاً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "على بركة الله"([158]).
وسيأتي: أنه "صلى الله عليه وآله" تحول لما أمسى، وأمر الناس بالتحول.
ويذكرون أيضاً: أن راحلته "صلى الله عليه وآله" قامت تجر بزمامها، فأُدرِكَت لتردَّ، فقال: دعوها، فإنها مأمورة.
فلما انتهت إلى موضع من الصخرة بركت عندها، فتحول رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الصخرة. وتحول الناس إليها، واتخذوا ذلك الموضع معسكراً.
وفي الأصل: أنه نزل بذلك الموضع، ليحول بين أهل خيبر، وبين غطفان، لأنهم كانوا مظاهرين لهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وابتنى هنالك مسجداً صلى به طول مقامه بخيبر([159]).
ونقول:
إن لنا مع النص المتقدم عدة وقفات، نجملها على النحو التالي:
ألف: الإنتقاص من رسول الله ':
قد أظهرت الرواية المتقدمة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اختار لجيشه منزلاً غير صالح، من حيث إنه ـ كما أوضح الحباب ـ قريب من العدو إلى حد أن سهامهم تصل إليه.
يضاف إلى ذلك: ارتفاع المواقع التي يتواجد العدو فيها بالنسبة لموقع جيش المسلمين، فلهم إشراف، وتسلط وهيمنة عليهم.
كما أن وجود النخل بكثافة يعطيهم الفرصة للاستفادة منه في مهاجمة المسلمين تحت جنح الظلام..
فهذه الحيثيات كلها لا ينبغي أن تخفى على أي إنسان عادي، يملك عقلاً وإدراكاً، ويعيش حالة التوازن في شخصيته، ولا يغفل عنها إلا من كان يعاني من اختلالات في عقله، فكيف يصح نسبتها إلى عقل الكل، وإمام الكل، ومدبر الكل، وهو سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل الخلائق أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى يوم الدين؟!
وكيف يكون الحباب بن المنذر أعرف، وأرشد، وأوفر عقلاً من الرسول المسدد من الله، والمؤيد بالوحي؟!
ويجب أن لا ننسى: أنهم قد نسبوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله" مثل ذلك في غزوة بدر، وقد ذكرنا هناك أيضاً أننا لا نشك في كون ذلك من الأكاذيب، فراجع..
ب: إذا أمسينا تحولنا:
ولعل الصحيح هو: أن الناس أو معظمهم كانوا قد تسرعوا في الأمر، ونزلوا في ذلك المكان القريب من العدو، الذي تنز الأرض فيه ماء.. حتى إن من يقيم في ذلك الموضع يبتلى ـ بسبب ذلك ـ ببعض الأدواء والأوبئة. فشكى الناس بلسان الحباب بن المنذر ذلك لرسول الله، وكان "صلى الله عليه وآله" عالماً بالأمر، وعازماً على التحول..
ولكنه كان لا يريد أن يكسر عنفوان أولئك الناس الذين انطلقوا فيما فعلوه من نوايا طيبة، ونفوس سليمة، وطاهرة. كما أنهم إذا عاينوا سوء ذلك الموضع بأم أعينهم فسوف يكون قرار الانتقال حاجة يشعرون هم أنفسهم بضرورة تلبيتها، من دون أي تردد، أو إحساس بالمرارة، أو اتهام منهم للآخرين بالمبالغة والتجني.
كما أنه "صلى الله عليه وآله" لا يريد أن يشعر اليهود بأن ثمة تردداً أو اهتزازاً في القرارات، وفي السلوك والممارسة لدى المسلمين. فيجرئهم ذلك عليهم، وتهتز هيبتهم في أعينهم، ويهيئ لهم الأجواء للتفكير في منافذ من شأنها أن تثير بعض المتاعب لديهم، فقرر "صلى الله عليه وآله" المقام في ذلك المكان إلى الليل، للإيحاء لهم بأن ذلك داخل في جملة القرارات المدروسة والمؤثرة.
الحباب ذو الرأي من هو؟!
واللافت هنا: أن المؤرخين يذكرون: أن الحباب بن المنذر قد عارض أهل السقيفة، وقال لقومه: لكأني بأبنائكم على أبواب أبنائهم (أي الذين بويعوا في السقيفة)، قد وقفوا يسألونهم بأكفهم، ولا يسقون الماء..([160]).
بل ذكروا: أنه حين قال في السقيفة: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، أُخذ ووطئ في بطنه، ودسوا في فيه التراب([161]).
وهو القائل في السقيفة: منا أمير، ومنهم أمير([162]).
ولكن ذلك: لا يدل على أنه كان بصدد مناصرة علي "عليه السلام"، بل قد يفهم من سياق حديث السقيفة: أنه كان بصدد تدبير الأمر لسعد بن عبادة، وأنه لم يكن ـ فيما يظهر ـ من المعروفين بالولاء لعلي "عليه السلام"، أو لبني هاشم.
ومن جهة أخرى: فإننا تعودنا من فريق بعينه من الناس تعظيم مناوئي علي "عليه السلام"، ومنحهم الأوسمة، وإعطائهم الامتيازات، فما الذي جعل الحباب يستحق هذه الأوسمة منهم يا ترى؟!
فهل تمكن الذين حكموا بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" من اجتذابه إلى جانبهم، فاستحق بذلك أن ينال بعض هذا الثناء، فيكون الرجل الرشيد، وصاحب الرأي السديد، دون الرسول "صلى الله عليه وآله"، حتى ليدَّعون أنه حين نزل النبي "صلى الله عليه وآله" في بدر، استناداً إلى رأي نفسه، وأشار هو عليه "صلى الله عليه وآله" بالنزول في موضع آخر، نزل جبرئيل "عليه السلام"، فقال: الرأي ما أشار به حباب([163]).
ج: حديث الراحلة:
1 ـ وكما كانت ناقة رسول الله "صلى الله عليه وآله" مأمورة بتحديد المواقع كما جرى في الحديبية، وحين وصوله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة مهاجراً من مكة، فقد كان لناقته "صلى الله عليه وآله" دور أيضاً في واقعة خيبر. فإنها كانت مأمورة حين قامت تجر بزمامها حتى انتهت إلى موضع بعينه، فبركت فيه، فتحول "صلى الله عليه وآله" إليه. وتحول الناس معه، واتخذوا ذلك الموقع معسكراً.
وكانت هذه إشارة كافية لتعريف الناس برعاية الله تعالى لهذه المسيرة، ورضاه عنها.. فلتسكن القلوب إذن، وليطمئن الناس إلى ما يختاره الله تعالى لهم. فالمقتول في هذه المعركة شهيد، والباذل مهجته في سبيل الله مجاهد.. وما هي إلا إحدى الحسنيين: إما النصر، وإما الشهادة!!.
2 ـ وحديث الراحلة هذا يكذب الرواية الأخرى التي زعمت: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد طلب من محمد بن مسلمة: أن يبحث لهم عن مكان ينزلون فيه، فطاف حتى أتى الرجيع فاختاره له، فانتقل "صلى الله عليه وآله" إليه..
فإننا لا نجد في رواية الراحلة أية دواع للكذب، والافتعال، بينما تكون هذه الدواعي متوفرة بالنسبة لمحمد بن مسلمة، حسبما أشرنا إليه عدة مرات، وربما نشير إلى ذلك أيضاً فيما يأتي..
3 ـ بل إن بعض النصوص قد صرحت: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد اختار ذلك المكان ليحول بين أهل خيبر وغطفان..
وربما تكون الراحلة قد حددت الموضع، ثم جاء التصريح من النبي "صلى الله عليه وآله": بأن النزول في ذلك المكان بعينه سوف يقطع طريق الاتصال بين اليهود، وبين غطفان..
د: بناء المسجد في خيبر:
وليس من قبيل الصدفة: أن يبادر رسول الله"صلى الله عليه وآله" لبناء مسجد له في خيبر، فإن ذلك يتضمن الإيحاء للمسلمين بالنتائج الإيجابية لهذه الحرب التي يقدمون عليها.
كما أنه إشارة، بل إعلان ليهود خيبر بثقته "صلى الله عليه وآله" بالنصر عليهم، وبظهور الإسلام في بلادهم رغماً عنهم..
صوابية تدبير اليهود:
قالوا: "ابتدأ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من حصونهم بحصون النطاة. وقيل: ابتدأ بحصون الكتيبة؛ لأنهم أدخلوا عيالهم وأموالهم في حصون الكتيبة، وجمعوا المقاتلة في حصون النطاة"([164]).
غير أننا لم نستطع أن نقنع أنفسنا بصوابية هذا التدبير، فإن فصل العيال عن المقاتلين بهذا النحو قد يعطي الفرصة للجيش المهاجم لتكليف طائفة من مقاتليه بمشاغلة المقاتلين في حصن النطاة، ثم تتولى فئة أخرى مهاجمة الحصن الذي فيه العيال والأموال، وفتحه، والاستيلاء على ما ومن فيه.. وبذلك يكونون قد عرضوا أنفسهم لضربة قاصمة على الصعيد النفسي على أقل تقدير.
ومن جهة ثانية نقول: ماذا لو أن الجيش المهاجم اختار أن يهاجم الحصن الذي فيه المال والعيال بكل جنوده، أو اختار حصناً آخر غير حصني النطاة والكتيبة، ليهاجمه، فما الذي يصنعه الجيش المتجمع في حصن النطاة؟! هل سيترك مواقعه، ويبادر لنجدة مقاتلي الحصن الآخر؟!
وهل سوف يصحر للجيش المهاجم، ويلاقيه في الصحراء، أو بين أشجار النخيل؟
أم سوف يبقى معتصماً بالحصن الذي هو فيه، ويكتفي بالرمي من فوق الأسوار؟!
من أجل ذلك نقول:
لعل الحقيقة هي: أن اليهود قد وضعوا عيالهم وأموالهم، ورجالهم في الحصن الأقوى بنظرهم. ووضعوا قسماً من رجالهم في أول حصن يتوقعون مهاجمة الجيش القادم له.. على أمل أن يتمكنوا من حفظ تلك الحصون من أخذ المهاجمين لها، والاستفادة منها في إذلالهم، وقهرهم.
كما أن تواجدهم في تلك الحصون قد يربك المسلمين، ويوهمهم صعوبة تحقيق النصر، ويبعث في نفوسهم اليأس من الظفر، ويحملهم على التفكير بالرجوع عنهم بلا نتيجة، أو بنتيجة هي لصالحهم في جميع احتمالاتها ووجوهها..
قطع نخيل النطاة:
قالوا: "وأمر "صلى الله عليه وآله" بقطع نخيل أهل حصون النطاة؛ فوقع المسلمون في قطعها، حتى قطعوا أربع مائة نخلة، ثم نهاهم عن القطع، فما قطع من نخيل خيبر غيرها"([165]).
بل لقد زعموا: أن الحباب بن المنذر هو الذي أشار على النبي "صلى الله عليه وآله" بقطع النخيل، لأن النخيل أحب إلى اليهود من أبكار أولادهم، فأمر "صلى الله عليه وآله" بقطع النخل، فوقع المسلمون في قطعها حتى أسرعوا في ذلك، فجاء أبو بكر إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وقال له: يا رسول الله، إن الله عز وجل قد وعدكم خيبر، وهو منجز ما وعدك. فلا تقطع النخل.
فأمر منادي رسول الله "صلى الله عليه وآله" فنهى عن القطع([166]).
وفي نص آخر: أن الذي طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" عدم قطع النخيل هو عمر([167]).
ونقول:
إن ذلك غير مقبول، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن ألعوبة بأيدي الآخرين، وكان أعلم الناس بالمصالح والمفاسد، وبالتدبير الصحيح.
ومع ذلك نقول:
1 ـ إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يوصي سراياه وبعوثه بأن لا يقطعوا شجراً([168]).
2 ـ لماذا أمرهم بقطع نخيلهم في خصوص حصون النطاة دون سواها؟ مع أن النخيل في حصون الكتيبة كان أكثر بكثير، فقد قيل ـ كما تقدم ـ: إنه كان فيها أربعون ألف عذق.
3 ـ لماذا عاد فنهاهم عن مواصلة قطع النخيل، مع أنهم لم يقطعوا سوى أربع مائة نخلة؟! فهل هو قد وجد: أن قطع النخيل لم يكن صواباً؟! أو لم يكن راجحاً؟! ثم تبين له الصواب والراجح!!
4 ـ إذا كانت مشورة أبي بكر هي التي منعته من مواصلة القطع.. فلماذا أدرك أبو بكر ما لم يدركه رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
ولماذا كانت النبوة من نصيب الذي قصر فهمه عن إدراك هذا الأمر، وحرم ذلك الرجل الراجح العقل من هذا المقام؟!
5 ـ وإذا كان قطع النخيل يرضي الله تعالى، فلماذا أطاع النبي "صلى الله عليه وآله" أبا بكر؟!
وإذا كان لا يرضي الله تعالى فلماذا أطاع الحباب؟!
وكيف يصح هذا وذاك، والنبي "صلى الله عليه وآله" لا يقول ولا يفعل إلا ما يرضي الله سبحانه؟!
فالظاهر هو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر بقطع بعض النخلات استجابة لضرورات الحرب، لاحتياج العسكر إلى الفسحة المناسبة، حيث لا عوائق له عن الحركة، ولا موانع من الرصد الدقيق لتحركات العدو، ولغير ذلك من موجبات.
الأمان لمن أراد:
عن الضحاك الأنصاري، قال: لما سار النبي "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر جعل علياً "عليه السلام" على مقدمته، فقال "صلى الله عليه وآله": من دخل النخل فهو آمن.
فلما تكلم النبي "صلى الله عليه وآله" نادى بها علي"عليه السلام", فنظر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى جبرائيل يضحك, فقال: ما يضحكك؟!
قال: إني أحبه.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": إن جبرائيل يقول إنه يحبك!
قال "عليه السلام": بَلَغْتُ أن يحبني جبرائيل؟
قال "صلى الله عليه وآله": نعم, ومن هو خير من جبرائيل, الله عزَّ وجلّ([169]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم عدة وقفات، هي التالية:
من دخل النخل فهو آمن:
لقد تضمن هذا النص: أمراً هاماً, من حيث دلالته الصريحة على: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يقاتل اليهود لأنه اتخذ قراراً مسبقاً بقتلهم وبإبادتهم, أو بقهرهم، والاستيلاء على بلادهم، وقد جاء الآن لتنفيذ هذا القرار.
كما أنه قد تضمن إعطاء الأمان للناس من دون أي شروط، والاكتفاء بمجرد إظهار الرغبة في الدخول في الأمان..
وهذا يعطي: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يريد أن يستفيد من قوته العسكرية الضاربة لفرض شروطه على محاربيه, بل كانت شروطه هي تلك الشروط، التي يسعى إليها كل إنسان بحسب سجيته وفطرته العامة, وهي كل ما يقتضيه العدل والإنصاف للناس.
وهذا يدل: على أن الهدف هو مجرد التخلص من الفتنة, ودرء الأخطار، وإعادة تصحيح الأوضاع لصالح السلم، وإشاعة الأمن، وضمان الحرية في نطاق الانضباط والالتزام بالحدود، والوفاء بالعهود، والمواثيق.
ثم إن هذه الشروط قد أعطت الإيحاء للعدو: بأن ثمة يقيناً بالنصر، وبأن عليهم أن يراجعوا حساباتهم، فلا تغرهم عدتهم، ولا عديدهم..
كما أن وجود هذا الخيار، وظهور الميل إليه لدى بعض الفئات المحاربة، سوف يضعف الثقة فيما بينهم، ويخلُّ بإمكانية الاعتماد على بعضهم البعض، حين يبقى احتمال رغبة الناس بالأمان واحتمال أن يبادر إلى التماسه كل فرد منهم، ماثلاً أمامهم، يثير القلق في نفوسهم، ويضعف تأثير قراراتهم في تسكين النفوس، وفي الشعور بالأمن، وبالطمأنينة للسلامة، والثقة بالنصر، وبالتناصر..
يضاف إلى ذلك: أنه قد يكون هناك أناس مستضعفون مغلوبون على أمرهم, يقهرهم الأقوياء على مواقف لا يريدونها، ويسخِّرونهم لتحقيق مآربهم, فيكون إعطاء هذا الأمان فرصة لهم يعيد إليهم الخيار, ويمكنهم من الاختيار، وبذلك يصبحون هم الذين يتحملون المسؤولية لو خاضوا تلك الحرب، وارتكبوا أي خطأ، أو ذنب.
وليس لهم أن يعتذروا بالاستضعاف، وانسداد أبواب الخيارات الصحيحة أمامهم.
جعل علي × على المقدمة:
وإن جعل قيادة ذلك الجيش إلى علي "عليه السلام" هو في حد ذاته أحد مفردات الحرب النفسية، الشديدة التأثير على الأعداء، الذين يعرفون علياً "عليه السلام"، وقد أذاقهم سيفه الويلات، وحلت بهم منه الكوارث والنكبات. وهو أيضاً يعطي المسلمين المزيد من القوة والاندفاع، والثقة بالنصر..
التشكيك في قيادة علي ×:
وقد حاول بعضهم التشكيك بجعل علي "عليه السلام" على مقدمة الجيش.
فقد قال الدياربكري: "واستعمل على مقدمة الجيش عكاشة بن محصن الأسدي، وعلى الميمنة عمر بن الخطاب، وعلى الميسرة واحداً من أصحابه، وفي بعض الكتب علي بن أبي طالب.
وهذا غير صحيح: لأن الروايات الصحيحة تدل على: أن علياً في أوائل الحال لم يكن في العسكر، وكان به رمد شديد، ولما لحق بالعسكر، أعطاه الراية، وأمَّره على الجيش، ووقع الفتح على يده كما سيجيء.. انتهى([170]).
ونقول:
إن لنا على ما ذكره بعض المؤاخذات:
فأولاً: إن دعواه: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد جعل عمر بن الخطاب على الميمنة غريبة حقاً، فإننا لم نعهد في هذا الرجل طيلة حياته مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" أية مواقف شجاعة، تؤهله لهذا المقام الخطير.
وقد كنا نتوقع: أن يذكروا هنا أشخاصاً آخرين ممن لهم بهم هوى، حتى لو كان سعد بن عبادة، أو الحباب بن المنذر، أو الزبير، الذي شفعت له عندهم حرب الجمل التي قادها ضد علي "عليه السلام"، أو محمد بن مسلمة، لأننا نعلم: أن لهم عناية خاصة بأمثال هؤلاء، وحرصاً على تسطير الفضائل والكرامات لهم.
وأما أبو دجانة، والمقداد، ونظراؤهم من الذين كان لهم ميل إلى علي "عليه السلام"، فلا نكاد نشعر بأن لهم نصيباً في شيء من ذلك..
ولعلهم قد أبهموا اسم الذي كان على الميسرة لأنه كان في جملة هؤلاء الذين لا يحبون ذكرهم في أمثال هذه المواقف، ولم يكن ثمة مجال لتبديله بغيره، لشدة ظهور أمره للناس.
ثانياً: سيأتي إن شاء الله تعالى: أن علياً "عليه السلام" كان على رأس جيش رسول الله "صلى الله عليه وآله" من حين خروجه من المدينة. وقد طال مقامه في خيبر عشرات الأيام، وربما بلغ أشهراً، فالرمد لم يصب علياً "عليه السلام" كل هذه المدة الطويلة، بل أصابه قبل قتل مرحب بوقت يسير، وإنما قتل مرحب في أواخر، بل في آخر أيام خيبر، وبعد حصار حصونهم المختلفة عشرات الأيام..
بل لقد حوصر حصن القموص نفسه عشرين يوماً كما سيأتي.
وسيأتي أيضاً في الفصل الثالث في فقرة "الرايات بدأت في خيبر": أنه "صلى الله عليه وآله" قبل أن يبدأ القتال في حصن ناعم قد أعطى لواءه إلى علي "عليه السلام".. وحصن ناعم هو أول حصون خيبر فتحاً..
علي × يسمع الناس أقوال النبي ':
وقد لوحظ: أن علياً "عليه السلام" هو الذي تولى إسماع الناس ما تكلم به النبي "صلى الله عليه وآله".. وكأن هذا الأمر قد جاء وفق توجيه مسبق ينيط هذه المهمة بعلي "عليه السلام".
لأننا نعلم: أن علياً "عليه السلام" لا يمكن أن يقدم على أمر، إذا لم يكن هناك توجيه من رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقد ثبت ذلك بصورة قاطعة في نفس غزوة خيبر، حين قال له النبي "صلى الله عليه وآله": اذهب ولا تلتفت، فسار قليلاً، ثم قام ولم يلتفت، فقال "عليه السلام": علام أقاتلهم، كما سيأتي إن شاء الله..
جبرئيل يحب علياً ×:
ثم يأتي إخباره "صلى الله عليه وآله" عن ضحك جبرئيل حين نادى "عليه السلام" في الناس بكلامه "صلى الله عليه وآله".
فإن ما يثير الانتباه هو: أن ذلك قد جاء توطئة للإعلان بحب جبرئيل "عليه السلام"، وحب الله تعالى لأمير المؤمنين "عليه السلام"، وهو الحب الذي لم يوجب له "عليه السلام" أي نوع من أنواع الغرور غير المقبول، بل هو قد بادر إلى هضم نفسه، ولم يعطها مداها، ولا أتاح الفرصة لأن يتوهم أي كان أن لها أي دور، أو تأثير سلبي في أي شأن من شؤونه "عليه السلام"..
مع أنه هو الذي سيفتح الله تعالى خيبر على يديه، وسوف يتمنى المنهزمون الذين كانوا يجبِّنون أصحابهم، ويجبنهم أصحابهم: أن يعطيهم الرسول "صلى الله عليه وآله" الراية، التي لا نشك في أنهم لو حصلوا عليها، فسوف يفرون بها من جديد، مرة بعد أخرى..
وقد جاء بيان ذلك كله.. في سياق إعطاء الأمان لمن دخل النخل، ليكون ذلك بمثابة إعلان لهم: بأن هذا الذي سوف يقتل فرسانهم، ويفتح حصونهم، هو إنسان قريب من الله سبحانه وهو له حبيب.. وليس مجرد فارس شجاع، وبطل فاتك، لا يبالي بإزهاق الأرواح، ولا يهدف في حروبه تلك إلى أن يفرض إرادته على الآخرين بالجبروت وبالقهر، وقوة السلاح..
الفصل الثالث:
فتح حصن ناعم..
حصار حصن ناعم:
قال ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وابن سعد: وفرق رسول الله "صلى الله عليه وآله" الرايات، ولم تكن الرايات إلا يوم خيبر، وإنما كانت الألوية([171]).
وكانت راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" سوداء من برد لعائشة، تدعى العقاب، ولواؤه أبيض، دفعه إلى علي بن أبي طالب "عليه السلام"، ودفع راية إلى الحباب بن المنذر، وراية إلى سعد بن عبادة.
وكان شعارهم: "يا منصور أمت"([172]).
وأضاف الحلبي: راية إلى أبي بكر، وراية إلى عمر([173]).
ثم صف رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه، ووعظهم، ونهاهم عن القتال حتى يأذن لهم، فعمد رجل من أشجع، فحمل على يهودي فقتله، فقال الناس: استشهد فلان.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أبعد ما نهيت عن القتال"؟.
قالوا: نعم.
فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" منادياً فنادى في الناس: "لا تحل الجنة لعاص".
وروى الطبراني في الصغير، عن جابر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال يوم خيبر: "لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله تعالى العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموهم فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت.
ثم الزموا الأرض جلوساً، فإذا غشوكم فانهضوا، وكبروا" وذكر الحديث([174]).
وقالوا: إن مرحباً هو الذي قتل ذلك الرجل الأشجعي([175]).
وأذن رسول الله "صلى الله عليه وآله" في القتال، وحثهم على الصبر، وأول حصن حاصره حصن ناعم، وقاتل "صلى الله عليه وآله" يومه ذاك أشد القتال، وقاتله أهل النطاة أشد القتال، وترس جماعة من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" عليه يومئذٍ، وعليه ـ كما قال محمد بن عمر ـ درعان، وبيضة، ومغفر، وهو على فرس يقال له: الظرب، وفي يده قناة وترس([176]).
وتقدم في حديث أنس: أنه كان على حمار، فيحتمل أنه كان عليه في الطريق، ثم ركب الفرس حال القتال. والله أعلم.
وجعلت نبل يهود تخالط العسكر وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردونها عليهم. فلما أمسى رسول الله "صلى الله عليه وآله" تحول إلى الرجيع، وأمر الناس فتحولوا، فكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يغدو بالمسلمين على راياتهم حتى فتح الله الحصن عليهم.
وروى البيهقي من طريق عاصم الأحول، عن أبي عثمان الفهري، وعن أبي قلابة، وأبو نعيم، والبيهقي، عن عبد الرحمن بن المرقع، ومحمد بن عمر، عن شيوخه: أن المسلمين لما قدموا خيبر كان التمر أخضر، وهي وبيئة وخيمة، فأكلوا من تلك الثمرة، فأهمدتهم الحمى، فشكوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: "قرسوا الماء في الشنان ـ أي القرب ـ فإذا كان بين الأذانين ـ أي أذاني الفجر ـ فاحدروا الماء عليكم حدراً، واذكروا اسم الله تعالى".
ففعلوا، فكأنما نشطوا من العقل([177]).
ونقول:
على فرس، أو على حمار؟!
قد ذكر آنفاً: أنه "صلى الله عليه وآله" كان على فرس اسمه "الظرب" وهذا لا ينافي أنه "صلى الله عليه وآله" كان في خيبر على حمار، مخطوم برسن من ليف..
فلعل ركوبه الحمار كان في مسيره إلى خيبر، وفي غير ساحة القتال..
بل لقد صرحت رواية ركوبه الحمار: بأن ذلك كان وهو متوجه إلى خيبر، فراجع([178]).
وقد تقدم بعض الحديث عن ذلك فلا نعيد..
قتال رسول الله ' في خيبر:
وجاء في الروايات الآنفة الذكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قاتل يومه ذاك أشد القتال.
مع أنهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يباشر القتال بنفسه إلا في واقعة أحد.
يضاف إلى ذلك: أنه لو كان قد باشر القتال بنفسه لكان قد قتل أو جرح أحداً من المشركين، ولكن أحداً لم يذكر ذلك، مع أن هذا الأمر مما تتوفر الدواعي على نقله.
وقد يجاب عن ذلك: بأن المراد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قاتل بجيشه أشد قتال([179]).
ويجاب أيضاً: بأنه ليس بالضرورة أن يكون ما ذكروه من أنه "صلى الله عليه وآله" لم يقتل أحداً في غير غزاة أحد صحيحاً، فإنهم ذكروا هنا أيضاً ـ كما سيأتي ـ: أنه "صلى الله عليه وآله" رمى بسهم فما أخطأ رجلاً منهم([180]).
الرايات بدأت في خيبر:
ثم إنهم قد ادَّعوا: أن راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" تسمى العقاب، وأن الرايات بدأت من خيبر، وأن اللواء غير الراية، وأن لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان أبيضَ، وهو الذي أعطاه لعلي "عليه السلام" في خيبر..
ونقول:
أولاً: ذكروا: أن اللواء الذي دفعه "صلى الله عليه وآله" إلى علي "عليه السلام" يوم خيبر ـ وكان أبيضَ ـ كان يقال له: العقاب أيضاً([181]).
ألا يفيد ذلك: أن اللواء هو نفس الراية؟!
ثانياً: قد صرحت الروايات: أنه "صلى الله عليه وآله" أعطى اللواء لعلي في قضية قتل مرحب، وفتح خيبر..
مع أن عبارة النبي "صلى الله عليه وآله" التي تناقلتها الروايات الكثيرة هي: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله الخ..".
كما أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال لعلي "عليه السلام": خذ هذه الراية وتقدم([182]).
إلا أن يجاب عن هذا الأمر الأخير: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد أعطاه الراية واللواء معاً..
ثالثاً: لقد صرحت الروايات التي ذكرناها في أوائل غزوة أحد: بأن لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" (أو رايته) ـ فقد عبرت الروايات بهذا تارة وبذاك أخرى ـ كانت مع علي "عليه السلام" في جميع المشاهد.
فلا معنى للتفريق بين اللواء والراية، ثم توزيع هذه أو تلك على هذا الرجل أو ذاك، وفقاً لبعض الإعتبارات التي يراد التسويق لها.
إلزموا الأرض جلوساً:
وحول أمر النبي "صلى الله عليه وآله" لهم بلزوم الأرض، ثم النهوض، والتكبير..
نقول:
ألف: إن جلوسهم في البداية ربما يثير رغبة العدو في اغتنام الفرصة والهجوم عليهم، لأن حالة الجلوس قد تجعل هذا العدو يشعر بأن له هيمنة على الموقف، وأن الذين هم أمامه أقل حجماً وأضعف قدرة منه، فإذا بادر إلى الهجوم عليهم، وفوجئ بقيامهم، فإن انقلاب الصورة بسرعة سوف يحدث إرباكاً لدى هذا العدو المهاجم من حيث إيجاب ذلك تبدلاً سريعاً في مشاعره وارتجاجات قد تعيق ـ ولو للحظات ـ سيطرته على الموقف، واتخاذ القرارات المناسبة للحظة المناسبة في هذا الوضع المستجد..
فإذا صاحب ذلك تكبير هؤلاء الناهضين، فإن ذلك سيزيد من تزاحم الصور، واختلاطها، وسوف تظهر علامات الفوضى والإرباك، وفقدان القدرة على التمييز بين ما هو حسي وبين ما هو ذهني، مما له اتصال بالفكر والمشاعر، والتصورات العقيدية، بالإضافة إلى حالات من الهواجس المبهمة التي توقظ مشاعر الخوف على النفس، وتستدعي استحضار ما يفيد في حفظها، ودفع الأخطار التي تتزاحم احتمالاتها في مخيلتهم..
نداء لا تحل الجنة لعاص:
وقد تقدم أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" كان قبل ذلك أمر بلالاً فنادى: لا تحل الجنة لعاص، وذلك حين خرج رجل على جمل صعب، فصرعه فمات.
وها هم يقولون هنا: إنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر منادياً لينادي بنفس النداء، وفي نفس غزوة خيبر أيضاً، وذلك في شأن رجل من أشجع، حمل على يهودي فقتله اليهودي!!
فهل جرى هذا النداء مرتين؟!
ألم يكن المفروض: أن يتعلم الناس من النداء الأول، فلا يقدم أحد منهم على معصية رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!..
وربما يجاب عن هذا السؤال بالإيجاب، فيقال:
إن النداء في المرة الأولى لا يكفي للردع عن المخالفة في المرة الثانية؛ لأن النداء في المرة الأولى قد يفهم أنه نداء على أمر يعتقدون أن المخالفة فيه لا تشكل خطراً كبيراً، لأنها تكون في أمر هو أقرب إلى الأمور الشخصية التي تعني ذلك الراكب نفسه.
وينظر الناس إلى الأوامر والنواهي في مثله على أنها مجرد إرشادات ونصائح لا تشدُّد فيها. بخلاف موضوع إشعال نار الحرب بين الجيشين، بالمبادرة إلى البراز، فإن اتخاذ قرار القتال بصورة منفردة وشخصية، ومن دون مراجعة القيادة لا يمكن قبوله من أحد، لأنه قد يورط القيادة ويسوق الأمور إلى خلاف ما ترمي إليه، وقد يفسد عليها خططها، ويبطل تدبيرها..
إذن.. فقد لا يكون النداء الأول كافياً لردع الناس عن المخالفة الأقوى والأشد..
ونقول:
إنه إذا ثبت أن المخالفة في ذلك الأمر العادي محرمة، وأنها توجب تحريم الجنة على العاصي، فإن ثبوت هذا التحريم للجنة في الأمر الثاني، يصبح أمراً بديهياً، ولا يصح ارتكابه من أحد..
فإذا حصل ذلك، فإن النداء بتحريم الجنة على مرتكبه يكون أشد ضرورة، وأكثر إلحاحاً، ولا سيما إذا كان من يبادر إلى القتال، قد ساقه إلى ذلك حبه للشهادة، وشدة شوقه إلى الله وحنقه على أعدائه تبارك وتعالى.
الإنضباط ضرورة لا تقبل الجدل:
وعلى كل حال: فإن هذا الأمر إذا كان قد حصل من ذلك الرجل فعلاً، فإنه يكون عملاً بالغ الخطورة، من حيث إنه يصادر قرارات القيادة، ويمهد لاستلاب زمام الأمور من يدها، وإضعاف هيمنتها، وإسقاط هيبتها، وقد يسعى الأعداء للتأثير على قراراتها بمثل هذه الأساليب بالاستفادة من عناصر مدسوسة، ووفق خطط مدروسة.
هذا عدا عن أن ذلك سوف يجعل القيادة تضيع في متاهات أهواء الناس، واختلاف أذواقهم ومشاربهم، فلا تعرف كيف تخطط، ولا ماذا تقرر، ولا كيف تفكر..
من أجل ذلك: فإن للانضباط الدور العظيم في إنجاح أية قضية، ولا بد أن تكون عقوبة من يخل بهذا الأمر كبيرة بحجم الفساد الذي تحدثه مخالفته، ويفرضه إخلاله..
تمني لقاء العدو:
وإذا ألقينا نظرة على الدعاء الذي طلب "صلى الله عليه وآله" من أصحابه أن يدعوا به ربهم عند لقاء العدو، فسوف تظهر لنا أمور كثيرة، نذكر منها ما يلي:
ألف: إن تمني لقاء العدو، وإهمال التفكير في تلافي الحرب بوسائل الإقناع أو نحوها معناه: ترجيح خيار سفك دماء الناس المعارضين والتخلص منهم بأسلوب القتل والتدمير، على خيار السلم، والوئام، وعلى بذل الجهد في محاولات إقناع حثيثة ومتعاقبة، يمكن أن تكون ذات أثر في حسم الأمور.
مع أن ما يسعى إليه الإسلام هو الاستصلاح للناس، وليس الاستئصال لهم، إلا إذا فقدت جميع فرص الإصلاح، وأصبح وجودهم مضراً بالإنسان والإنسانية.
ب: إن الاستهتار بقدرات العدو يجر إلى كوارث ونكبات ربما لم يحسب لها حساب.
وهذا نوع من السذاجة الاختيارية، التي تصل إلى حد التفريط والتقصير غير المقبول.. حيث يؤدي إلى إهمال كثير من الإجراءات الاحتياطية، التي من شأنها أن تبعد شبح كثير من الضربات القوية التي ربما يكون العدو قد أعدَّ لها.
ج: إن تمني لقاء العدو يجسد شعوراً بالقوة الذاتية، وربما اغتراراً بالقدرة على التصرف، وعلى التأثير المستقل.. فكان لا بد من تصحيح هذه النظرة بالاستناد إلى أساس عقائدي متين، يستند إلى الاعتراف: بأن الله تعالى هو المتصرف بهم، لأنه الرب والإله.. وذلك بالتصريح أو التلويح بأمرين:
أحدهما: أن ربوبيته تعالى للجميع تشير إلى: أن حق التصرف منحصر به سبحانه.. وأن ما يفعله الناس إنما هو بإذن منه تعالى، من خلال إجراء سنة إلهية جعلت من إرادة البشر حلقة في سلسلة العلل، ومن موجبات الفيض الإلهي للوجود على بعض الأشياء.
الثاني: أن ذلك التصرف يرتكز إلى حقيقة: أن نواصي كلا الفريقين بيده تعالى، فهو المالك الحقيقي، والمهيمن على الجميع من موقع القدرة، والقاهرية؛ لأنه رب الجميع.
يسلم الراعي وتعود الغنم:
روى البيهقي، عن جابر بن عبد الله، والبيهقي عن أنس، والبيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة: أن عبداً حبشياً لرجل من أهل خيبر، كان يرعى غنماً لهم، لما رآهم قد أخذوا السلاح، واستعدوا لقتال رسول الله "صلى الله عليه وآله" سألهم: ما تريدون؟
قالوا: نقاتل هذا الرجل، الذي يزعم أنه نبي.
فوقع في نفسه ذكر النبي "صلى الله عليه وآله"، فخرج بغنمه ليرعاها، فأخذه المسلمون، فجاؤوا به لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
وفي لفظ ابن عقبة: أنه عمد بغنمه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما شاء الله أن يكلمه.
فقال الرجل: ماذا تقول، وماذا تدعو إليه؟
قال: "أدعوك إلى الإسلام، وأن تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن لا تعبد إلا الله".
قال العبد: وماذا يكون لي إن شهدت بذلك، وآمنت بالله تعالى؟
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لك الجنة إن آمنت على ذلك".
فأسلم العبد، وقال: يا رسول الله، إني رجل أسود اللون، قبيح الوجه، منتن الريح، لا مال لي، فإن قاتلت هؤلاء حتى أقتل، أدخل الجنة؟
قال: "نعم".
قال: يا رسول الله، إن هذه الغنم عندي أمانة، فكيف بها؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أخرجها من العسكر، وارمها بالحصباء، فإن الله عز وجل سيؤدي عنك أمانتك".
ففعل، وأعجب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلمته، فخرجت الغنم تشتد مجتمعة، كأن سائقاً يسوقها حتى دخلت كل شاة إلى أهلها، فعرف اليهودي: أن غلامه قد أسلم.
ثم تقدم العبد الأسود إلى الصف، فقاتل، فأصابه سهم فقتله، ولم يصلِّ لله تعالى سجدة قط، فاحتمله المسلمون إلى عسكرهم، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "أدخلوه الفسطاط"، وفي لفظ: "الخباء".
فأدخلوه خباء رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى إذا فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" دخل عليه، ثم خرج فقال: "لقد حسن إسلام صاحبكم، لقد دخلت عليه، وإن عنده لزوجتين له من الحور العين"([183]).
وفي حديث أنس: فأتى عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو مقتول، فقال: "لقد حسَّن الله وجهك، وطيب ريحك، وكثرَّ مالك. لقد رأيت زوجتيه من الحور العين، ينزعان جبته يدخلان فيما بين جلده وجبته"([184]).
وعند ابن إسحاق: "ينفضان التراب عن وجهه، ويقولان: ترب الله وجه من تربك، وقتل من قتلك"([185]).
ونقول:
أولاً: من الواضح: أنه إذا قامت الحرب بين فريقين، فأي مال يحصل عليه أحدهما فإنه يستولي عليه بعنوان أنه غنيمة. فلا يعقل أن يخرج الراعي بالغنم إلى أي مكان يصل إليه جيش المسلمين؛ لأن ذلك معناه: أن يستولي المسلمون على ذلك الغنم فور رؤيتهم له..
ولا يمهلون ذلك الراعي حتى يراجع أحداً في الأمر..
بل إنهم سوف يعتبرون نفس ذلك الراعي أحد الغنائم، إن كان عبداً، أو يعتبرونه أسيراً إن لم يكن كذلك.
اللهم إلا أن يكون ذلك قد حصل في فترة المفاوضات، والسعي لإقامة الحجة على اليهود، حتى إذا لم يستجيبوا لداعي الله سبحانه، وأصروا على معاندة الحق وأهله، وأعلنت الحرب، وتنابذ الفريقان، فإن كل فريق سوف يسعى إلى حماية ماله، ووضعه في أماكن مأمونة، بعيداً عن متناول يد عدوه.
ولكن ليس في الرواية ما يشير إلى ذلك، فيبقى مجرد احتمال معلق في الهواء.
ثانياً: إن وصول الغنم إلى أصحابها بمجرد رميها بالحصباء قد يوجب يقين أصحاب تلك الغنم بأنهم محقون، وبأن الله تعالى هو الذي رد عليهم غنمهم، لأنه راضٍ عنهم، ماضٍ لطفه فيهم..
وفي هذا إغراء بالعناد واللجاج، والتشبث بالباطل، ودخول الشبهة على المبطلين، فلا يعقل صدور عمل يؤدي إلى ذلك من رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
وأما الاعتذار عن ذلك: بأن عدم أخذهم لذلك العبد، إنما هو لعدم كونه محارباً، فهو اعتذار واه، لأن المفروض: أن جميع من هم في تلك المنطقة، ويترددون إلى الحصون هم من المحاربين لأهل الإسلام..
والكلام إنما هو بالنسبة للناس العاديين، لا بالنسبة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" المتصل بالوحي والغيب.
ومما يضحك الثكلى احتمال البعض: أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما أرجع الغنم إلى الحصن بهذه الطريقة لكي يظهر لذلك العبد معجزة تقنعه بنبوته.
فإن الأمور لم تضق على رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى حد أنه يصنع معجزة من شأنها أن تعيد لليهود قطيعاً كبيراً من الغنم، بحيث يعود إليهم لوحده..
وليس ثمة ما يدلهم على: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو الذي أرجعها إليهم، فإن دخول العبد في الإسلام قد لا يكون استناداً إلى عودة الغنم إليهم، بل لأنه قد استضعف وخاف..
هذا لو سلم أنهم عرفوا بإسلامه، ولم يثبت ذلك.
متى شبع النبي ' من خبز الشعير؟!
وقالوا: إن حصن ناعم هو أول حصن فتح من حصون النطاة على يد علي "عليه السلام".
وعن عائشة قالت: ما شبع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من خبز الشعير والتمر حتى فتحت دار بني قمة، أي وهي أول دار فتحت بخيبر، وهي بالنطاة، وهي منزل ياسر أخي مرحب، وظاهر السياق أنها ناعم([186]).
ونقول:
إن ثمة قدراً من الجرأة من عائشة على مقام رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حيث ساقت حديثها بنحو يوحي: بأن الجوع والشبع كان يمثل قضية ذات أهمية بالنسبة إليه "صلى الله عليه وآله"..
كما أنها عبرت بكلمة "ما شبع"، وهي لا تناسب رسول الله "صلى الله عليه وآله".. الذي لم يكن يتملى من الطعام، وفقاً لقاعدة: اجلس على الطعام وأنت جائع، وقم عنه وأنت تشتهيه.. مع ملاحظة النواهي الصادرة عنه "صلى الله عليه وآله" عن الأكل حتى الشبع، وعن التملي من الطعام، وهي لا يكاد يجهلها أحد..
وفي جميع الأحوال نقول:
لماذا يجعلون رسول الله "صلى الله عليه وآله" محور الحديث عن هذا الأمر بالذات؟!.. وقد كان بإمكانهم جعل الحديث عن غيره، أو أن يستفيد المتحدثون من عناوين عامة، ليس فيها هذا الإيحاء غير المحبب، فيقولون مثلاً، ما شبعنا، أو ما شبع الناس، أو المسلمون، أو نحو ذلك.
محمود بن مسلمة يقتل في حصن ناعم:
ويقولون: إن السبب في قتل محمود بن مسلمة هو: أنه كان قد حارب في حصن ناعم حتى أعياه الحرب، وثقل السلاح. وكان الحر شديداً، فانحاز إلى ظل ذلك الحصن يبتغي فيئه.
قالوا: ولا يظن محمود أن في ذلك الحصن أحداً من المقاتلة، وإنما ظن أن فيه متاعاً وأثاثاً.
فألقى عليه مرحب حجر الرحا، فهشم البيضة على رأسه، ونزلت جلدة جبينه على وجهه، وندرت عينه. فأدركه المسلمون، فأتوا به النبي "صلى الله عليه وآله" فسوى الجلدة إلى مكانها، وعصبه بخرقة، فمات من شدة الجراحة. وتحول "صلى الله عليه وآله" خشية على أصحابه من البيات([187]).
وجاء أخوه محمد بن مسلمة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: إن اليهود قتلوا أخي محمود بن مسلمة، وبكى.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لا تمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإنكم لا تدرون ما تبتلون به منهم، فإذا لقيتموه، فقولوا: اللهم أنت ربنا وربهم، ونواصينا ونواصيهم بيدك، وإنما تقتلهم أنت.
ثم الزموا الأرض جلوساً، فإذا غشوكم، فانهضوا، وكبروا([188]).
ونحن نشك في صحة هذه الرواية من أساسها.
فأولاً: إن القتال كله كان مع المدافعين عن حصن ناعم، فما معنى قولهم: "ولا يظن محمود: أن فيه أحداً من المقاتلة، إنما ظن: أن فيه متاعاً وأثاثاً"؟! فهل ترك المقاتلون حصنهم، وتاهوا في الصحراء؟!
ثانياً: إذا كان اليهود بعد القتال قد دخلوا حصنهم، فإن من غير المعقول: أن يحارب محمود بن مسلمة اليهود حتى أعياه الحرب، وثقل السلاح، ثم يجلس في أسفل حصنهم ليستريح.
إذ أي عاقل لا يخطر في باله: أن اليهود قد يفكرون في إلقاء حجر عليه لقتله، وأن عليه أن يتحرز من ذلك؟!
وقد علم الناس كلهم: أن سبب حرب النبي "صلى الله عليه وآله" لبني النضير، حتى أجلاهم من ديارهم، هو: أنه جاءهم مع أصحابه في أمر، وجلس إلى بعض بيوتهم، فحاولوا إلقاء حجر عليه لقتله، فأخبره الله تعالى بذلك فقام وتركهم، وكانت الحرب.
فإذا كان هذا حال اليهود في السلم، فكيف ستكون حالهم في الحرب؟! ولا سيما بعد حصول معركة حامية يعيا فيها المحارب..
ألم يسمع محمود بحرب النضير؟!
وألم يعرف سبب نشوبها، وهي الحرب التي انتهت إلى تلك النتائج الخطيرة والكبيرة على مستوى المنطقة بأسرها؟!
ثالثاً: كيف لم يحذِّر أحد من المسلمين محمود بن مسلمة من مغبة جلوسه في ذلك الموضع؟! أم يعقل أن يكون الجميع قد تركوه وحده، وغادروا المكان؟!
رابعاً: والغريب في الأمر: أنهم يذكرون عن النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال لمحمد بن مسلمة، حينما أخبره بقتل أخيه: إنه سوف يرسل رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ليأخذ له بثأر أخيه، ثم أرسل علياً "عليه السلام"([189]).
فلماذا لم يرسل محمد بن مسلمة نفسه. مع أنهم يدَّعون له مقاماً فريداً في الفروسية والشجاعة، حتى زعموا ـ كذباً وزوراً ـ : أنه هو الذي قتل مرحباً؟!
بالإضافة إلى ما لا يجهله أحد من أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله الخ.. بعد فرار أبي بكر وعمر، ولأجل تلافي ما حصل.. لا في مناسبة إخبار محمد بن مسلمة له "صلى الله عليه وآله" بقتل أخيه محمود.
خامساً: والأغرب من ذلك، والأعجب: أن يجيب "صلى الله عليه وآله" ابن مسلمة على إخباره إياه بقتل أخيه، بقوله: لا تمنوا لقاء العدو الخ.. فهل تراه يحذِّر ابن مسلمة، من أن يحدث نفسه بلقاء العدو الذي قتل أخاه للتو؟!
وهل هو يخشى أن يصيبه ما أصاب أخاه؟!
وهل ينسجم هذا، وذاك مع ما زعموه من أن محمد بن مسلمة قد بارز مرحباً وقتله بأخيه؟!
أم أنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يتنبأ له مسبقاً بفراره وفرار غيره حينما يواجهون اليهود في حصن القموص، حينما يرسلهم "صلى الله عليه وآله" بالراية إلى حرب الخيبريين؟!..
سادساً: قد ذكرت الروايات المتقدمة: أن مرحباً هو الذي ألقى الرحى على محمود بن مسلمة، فقتله بها..
ولكن رواية أخرى تقول: إن الذي ألقى الرحى عليه هو كنانة بن الربيع..
وفي رواية ثالثة: أن قاتله هو شخص آخر، وهو الذي سلمه علي "عليه السلام" لمحمد بن مسلمة ليقتله بأخيه..
وقد حاول الحلبي الجمع بين الروايتين الأوليين: بأن من الممكن أن يكون الرجلان قد اجتمعا على قتل محمود هذا([190]).
ولكننا نقول له: إن مجرد الإمكان لا يكفي لصياغة التاريخ، بل ذلك يحتاج إلى شواهد وأدلة صالحة للاعتماد..
سابعاً: إن الظاهر هو: أن مرحباً كان حبيباً وقريباً لأخيه محمد بن مسلمة، فقد صرح أمير المؤمنين "عليه السلام": بأن محمداً كان ينقم على علي "عليه السلام" أنه قتل أخاه مرحباً([191]).
ولعله كان أخاً له من الرضاعة، إن لم يكن أخاه لأمه..
وفي جميع الأحوال نقول:
إن ذلك كله يشير إلى مدى الإصرار والحرص على الكذب والافتعال في هذا الأمر بالذات.
ولعلهم أرادوا إسداء خدمة لمحمد بن مسلمة، بتضخيم أمر قتل أخيه محمود من جهة، بادِّعاء: أن أعظم بطل في اليهود هو الذي قتله.. ثم بإظهار اهتمام النبي "صلى الله عليه وآله" بقتل قاتله، ثم سعيه للثأر لأخيه.
وذلك كله: في سياق التوطئة والتسويق المؤثر لادِّعاء: أن محمد بن مسلمة هو قاتل مرحب، بطل أبطال اليهود.
وبذلك يمكنهم أيضاً: حرمان علي "عليه السلام" من هذا الفضل، أو تشكيك الناس به على الأقل..
والأهم من ذلك كله: التقليل من شأن هذا النصر العظيم الذي سجله "عليه السلام"، بقتل مرحب، واقتلاع باب خيبر، وظهور فضله على الصحابة كلهم، بعد أن اتخذوا طريق الفرار سبيلاً للنجاة في الحياة الدنيا، دون أن يعبأوا بعقاب الآخرة.
أين قتل ابن مسلمة؟!
إن ظاهر بعض النصوص المتقدمة: أن محمود بن مسلمة قد قتل في حصن القموص([192]). مع أنه إنما قتل في حصن ناعم حسبما تقدم تفصيله..
الفصل الرابع:
فتح سائر حصون النطاة والشق
حصار وفتح حصن الصعب بن معاذ:
لم يكن بخيبر حصن أكثر طعاماً، وودكاً، وماشية، ومتاعاً من حصن الصعب بن معاذ ووجدوا فيه ما لم يكونوا يظنون، من الشعير، والتمر، والسمن، والعسل، والزيت، والودك([193]). وكان فيه خمسمائة مقاتل، وكان المسلمون قد أقاموا أياماً يقاتلون، ليس عندهم طعام إلا العلف([194]).
بل قال الواقدي: إن الأطعمة كلها كانت في هذا الحصن([195]).
وروى محمد بن عمر، عن أبي اليسر كعب بن عمر: أنهم حاصروا حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام، وكان حصناً منيعاً، وأقبلت غنم لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "من رجل يطعمنا من هذه الغنم"؟
فقلت: أنا يا رسول الله.
فخرجت أسعى مثل الظبي.
وفي لفظ: مثل الظليم، فلما نظر إليَّ رسول الله "صلى الله عليه وآله" مولياً قال: "اللهم متعنا به".
فأدركت الغنم ـ وقد دخل أولها الحصن ـ فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدي، ثم أقبلت أعدو، كأن ليس معي شيء، حتى انتهيت إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأمر بهما فذبحتا، ثم قسمهما، فما بقي أحد من العسكر الذين معه محاصرين الحصن إلا أكل منهما.
فقيل لأبي اليسر: كم كانوا؟
قال: كانوا عدداً كثيراً([196]).
فيقال: أين بقية الناس؟.
فيقول: في الرجيع، بالمعسكر([197]).
وروى ابن إسحاق، عن بعض قبيلة أسلم، ومحمد بن عمر، عن معتب الأسلمي، واللفظ له، قال: أصابتنا معشر أسلم مجاعة حين قدمنا خيبر، وأقمنا عشرة أيام على حصن النطاة، لا نفتح شيئاً فيه طعام، فأجمعت أسلم أن أرسلوا أسماء بن حارثة، فقالوا: ائت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقل له: إن أسلم يقرئونك السلام، ويقولون: إنَّا قد جُهدنا من الجوع والضعف.
فقال بريدة بن الحصيب: والله، إن رأيت كاليوم قط من بين العرب يصنعون هذا!!
فقال زيد (هند) بن حارثة أخو أسماء: والله، إني لأرجو أن يكون هذا البعث إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" مفتاح الخير.
فجاءه أسماء فقال: يا رسول الله إن أسلم تقرأ عليك السلام، وتقول: إنا قد جُهدنا من الجوع والضعف، فادع الله لنا.
فدعا لهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم قال: "والله ما بيدي ما أقويهم به، قد علمت حالهم، وأنهم ليست لهم قوة، ثم قال: "اللهم فافتح عليهم أعظم حصن فيها، أكثرها طعاماً، وأكثرها ودكاً"([198]).
ودفع اللواء إلى الحباب بن المنذر، وندب الناس، فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصعب بن معاذ.
قالت أم مطاع الأسلمية: لقد رأيت أسلم حين شكوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما شكوا من شدة الحال، فندب رسول الله "صلى الله عليه وآله" الناس فنهضوا، فرأيت أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ، فما غابت الشمس من ذلك اليوم حتى فتح الله..
إلى أن قال: وكان عليه قتال شديد.
وبرز رجل من يهود يقال له: يوشع، يدعو إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاختلفا ضربات، فقتله الحباب.
وبرز له آخر ـ يقال له: الزيال، أو الديال ـ فبرز له عمارة بن عقبة الغفاري، فبادره الغفاري فضربه ضربة على هامته، وهو يقول: خذها وأنا الغلام الغفاري.
فقال الناس: "بطل جهاده".
فبلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك، فقال: "ما بأس به، يؤجر ويحمد"([199]).
وروى محمد بن عمر، عن محمد بن مسلمة، قال: رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" رمى بسهم فما أخطأ رجلاً منهم، وتبسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلي، وانفرجوا، ودخلوا الحصن([200]).
ووجدوا في حصن الصعب بن معاذ: آلة حرب، ودبابات، ومنجنيقاً.
وكان أحدهم قد أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بأن في حصن الصعب بن معاذ، في بيت منه تحت الأرض منجنيق، ودبابات، وسيوف([201]).
وحسب نص الحلبي: إن اليهود حملت حملة منكرة، فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو واقف قد نزل عن فرسه، فثبت الحباب بن المنذر، فحرض "صلى الله عليه وآله" على الجهاد، فأقبلوا، وزحف بهم الحباب، فانهزمت يهود، وأغلقت الحصون عليهم.
ثم إن المسلمين اقتحموا الحصن، يقتلون، ويأسرون، فوجدوا في ذلك الحصن من الشعير الخ..([202]).
ونادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وآله": كلوا، واعلفوا، ولا تحملوا، أي لا تخرجوا به إلى بلادكم([203]).
وحسب نص الواقدي: وقد أقمنا عليه يومين نقاتلهم أشد القتال، فلما كان اليوم الثالث بكَّر رسول الله "صلى الله عليه وآله" عليهم، فخرج رجل من اليهود كأنه الدقل في حربة له، وخرج وعاديته معه، فرموا بالنبل ساعة سراعاً، وترسنا عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأمطروا علينا بالنبل، فكان نبلهم مثل الجراد، حتى ظننت ألَّا يقلعوا، ثم حملوا علينا حملة رجل واحد.
فانكشف المسلمون حتى انتهوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو واقف، قد نزل عن فرسه، ومِدْعَم([204]) يمسك فرسه.
وثبت الحُباب برايتنا، والله ما يزول، يراميهم على فرسه، وندب رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسلمين وحضهم على الجهاد ورغبهم فيه، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر يغنمه إياها.
قال: فأقبل الناس جميعاً حتى عادوا إلى صاحب رايتهم، ثم زحف بهم الحباب، فلم يزل يدنو قليلاً قليلاً، وترجع اليهود على أدبارها حتى لحمها الشر، فانكشفوا سراعاً، ودخلوا الحصن وغلَّقوا عليهم، ووافوا على جدره ـ وله جدر دون جدر ـ فجعلوا يرموننا بالجندل([205]) رمياً كثيراً، ونحونا عن حصنهم بوقع الحجارة، حتى رجعنا إلى موضع الحباب الأول.
ثم إن اليهود تلاومت بينها، وقالت: ما نستبقي لأنفسنا؟ قد قتل أهل الجد والجلد في حصن ناعم.
فخرجوا مستميتين، ورجعنا إليهم، فاقتتلنا على باب الحصن أشد القتال، وقتل يومئذٍ على الباب ثلاثة من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله": أبو صياح، وقد شهد بدراً، ضربه رجل منهم بالسيف فأطن قحف رأسه. وعدي بن مرة بن سراقة، طعنه أحدهم بالحربة بين ثدييه فمات، والثالث الحارث بن حاطب وقد شهد بدراً، رماه رجل من فوق الحصن فدمغه.
وقد قتلنا منهم على الحصن عدة، كلما قتلنا منهم رجلاً حملوه حتى يدخلوه الحصن.
ثم حمل صاحب رايتنا وحملنا معه، وأدخلنا اليهود الحصن، وتبعناهم في جوفه، فلما دخلنا عليهم الحصن فكأنهم غنم، فقتلنا من أشرف لنا، وأسرنا منهم، وهربوا في كل وجه، يركبون الحرة، يريدون حصن قلعة الزبير، وجعلنا ندعهم يهربون.
وصعد المسلمون على جدره، فكبروا عليه تكبيراً كثيراً، ففتتنا أعضاد اليهود بالتكبير، حتى لقد رأيت فتيان أسلم وغفار فوق الحصن يكبرون، فوجدنا والله من الأطعمة ما لم نظن أنه هناك، من الشعير الخ..
ونادى منادي رسول الله "صلى الله عليه وآله": كلوا واعلفوا ولا تحتملوا.
يقول: لا تخرجوا به إلى بلادكم.
فكان المسلمون يأخذون من ذلك الحصن مدة مقامهم؛ طعامهم وعلف دوابهم، لا يمنع أحد أن يأخذ حاجته، ولا يخمس الطعام.
ووجدوا فيه من البز والآنية، ووجدوا خوابي السّكَر، فأمروا فكسروها، فكانوا يكسرونها حتى سال السكر في الحصن، والخوابي كبار لا يطاق حملها.
وكان أبو ثعلبة الخشني يقول: وجدنا فيه آنية من نحاس وفخار، كانت اليهود تأكل فيها وتشرب، فسألنا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: اغسلوها واطبخوا وكلوا فيها واشربوا.
وقال: أسخنوا فيها الماء ثم اطبخوا بعد، وكلوا واشربوا.
وأخرجنا منه غنماً كثيراً، وبقراً، وحمراً، وأخرجنا منه آلة كثيرة للحرب، ومنجنيقاً، ودبابات وعدة، فنعلم أنهم قد كانوا يظنون أن الحصار يكون دهراً، فعجل الله خزيهم.
فحدثني عبد الحميد بن جعفر عن أبيه، قال: لقد خرج من أطم من حصن الصعب بن معاذ من البز عشرون عكماً([206]) محزومة من غليظ متاع اليمن، وألف وخمس مائة قطيفة، يقال: قدم كل رجل بقطيفة على أهله، ووجدوا عشرة أحمال خشب، فأمر به فأخرج من الحصن ثم أحرق، فمكث أياماً يحترق، وخوابي سكر كسرت، وزقاق خمر فأهريقت.
وقالوا أيضاً: كان من سلم من يهود حصن ناعم انتقل إلى حصن الصعب من حصون النطاة، ففتحه الله قبل ما غابت الشمس من ذلك اليوم. من بعد ما أقاموا على محاصرته يومين([207]).
ونقول:
إن لنا مع ما تقدم وقفات، هي التالية:
فرار المسلمين.. وثبات الحُباب:
1 ـ قد أظهر هذا النص: أن المسلمين قد فروا أمام اليهود، حتى انتهوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن هذه الهزيمة قد تكررت منهم.
وهذا أمر لا بد أن يزعج النبي "صلى الله عليه وآله" ويؤذيه، خصوصاً إذا كان هذا الفرار يشجع اليهود، ويزيدهم إصراراً على مواصلة الحرب، ويوجب تعرض المسلمين للمزيد من الأخطار، ويوقع في صفوفهم خسائر أكبر في الأرواح..
2 ـ إن رواية الواقدي، زعمت: أن الحباب قد ثبت بالراية.
ولا ندري أين ثبت الحباب؟ ومتى؟
فإنه حامل الراية ـ إن صح أنه حاملها حقاً ـ فلا بد أن يكون في المقدمة.
فهل انهزم عنه الناس، وبقي يقاتل وحده بين اليهود؟!..
أم أنه انهزم معهم، ثم لما وصل إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثبت هناك؟!
فإن كان وحده، فلا بد أن نسأل ماذا جرى له مع اليهود؟ وكيف خرج سالماً من بينهم؟! وهل خرج خروج منهزم؟ أم خروج منتصر؟! وكيف؟ أم أنه بقي بينهم إلى حين انقضاء القتال، أو إلى حين معاودة المسلمين هجومهم؟! وكيف استطاع أن يحفظ نفسه منهم في هذه الحال؟
وأين كان عنه مرحب وسائر الأبطال اليهود في هذه المدة؟!
ولماذا لم يسجل التاريخ له هذه المفخرة العظيمة؟! ولماذا؟! ولماذا؟!
3 ـ إن ظاهر النص: أن المسلمين لم يرجعوا إلى القتال إلا بعد تطميعهم بالغنيمة، لأنه "صلى الله عليه وآله": حضهم على الجهاد ورغبهم فيه، وأخبرهم أن الله قد وعده خيبر، يغنمه إياها..
4 ـ ما معنى تخصيص فتيان أسلم وغفار بالمدح، وأن المتحدث قد رآهم فوق الحصن يكبرون؟! خصوصاً بعد أن ذكر: أن المسلمين صعدوا على جدر الحصن يكبرون، فكبروا تكبيراً كثيراً.
لماذا الإحراج؟:
إن ما فعلته قبيلة أسلم من شأنه أن يحرج رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بل قد اقتضى الأمر: أن يظهر "صلى الله عليه وآله" للملأ ما لم تجر عادته على إظهاره، وهو أنه ليس بيده شيء يعطيهم إياه.
مع أن لهذا الإظهار سلبياته أيضاً، فإنه ربما يؤثر على سكينة ضعفاء الناس وثباتهم، ويثير لديهم الكثير من الهواجس تجاه مصيرهم، وسيتمثل لهم الخطر الذي ينتظرهم أمام أعينهم.
وأما إذا بلغ ذلك إلى مسامع الأعداء، الذين يملكون الكثير من الطعام في حصونهم، فقد يزيدهم ذلك إصراراً على التحدي، ويدفعهم إلى التفكير في وسائل تسويف الوقت، انتظاراً لتأثير الجوع في ثبات عدوهم المحارب لهم، حتى يضطر إلى التخلي عن حصارهم، بحثاً عن لقمة تحفظ له خيط الحياة، وتمكنه من البقاء والنجاة.
أوسمة أسلم:
وقد تحدثت النصوص المتقدمة: أن أسلم هي التي عانت من الجوع، وأنها شكت ذلك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدعا "صلى الله عليه وآله" لها، بعد أن أظهر الرقة والتعاطف معها، وقد تضمن دعاؤه أن يفتح الله عليهم أعظم حصن.
ثم ذكرت أم مطاع: أن أسلم أول من انتهى إلى حصن الصعب، وأن شمس ذلك اليوم لم تغب حتى فتح الله ذلك الحصن.
ونقول:
إن ما كانت تعاني منه قبيلة أسلم هو ما كان يعاني منه سائر المسلمين.. ولكن لعل أسلم تستحق كل هذه الأوسمة من هؤلاء، بل وأزيد منها، وأعظم وأفخم، لأنها هي التي ساعدت أبا بكر يوم السقيفة على نيل الخلافة، حيث جاءت إلى المدينة بقضها وقضيضها واحتلتها، واستخرجت كل معارض من بيته، وأتت به إلى المسجد ليبايع أبا بكر، تحت تهديد السلاح، فراجع كتابينا: أفلا تذكرون، ومختصر مفيد.
الموقف الشائن:
وإن مطالبة قبيلة أسلم النبيَّ "صلى الله عليه وآله" بهذا الأمر؛ لها وجهان:
فإما أنهم يعلمون: أنه "صلى الله عليه وآله" يكابد ما يكابدون، ويعيش كما يعيشون، فلا يبقى لهذه المطالبة ما يبررها.
وإما أنهم كانوا يظنون برسول الله "صلى الله عليه وآله": أنه يحتفظ بشيء من الطعام لنفسه، كان يتناوله في الخفاء، ويؤثر به نفسه عليهم، وهي تهمة شائنة، يعرف الناس كلهم بطلانها، وزيفها، وسوء سريرة من يأتي بها.. ولأجل ذلك اعترض عليهم رجل منهم، وهو: بريدة الأسلمي، ولامهم على فعلهم هذا.
ولعلنا نرجح الاحتمال الأخير، وهو: أن قبيلة أسلم كانت تظن برسول الله "صلى الله عليه وآله" هذا، فإنها إحدى قبائل الأعراب التي كانت تحيط بالمدينة، ونزل القرآن ليخبر بوجود المنافقين في تلك القبائل.. ولا نريد أن نقول أكثر من هذا!!
اللواء للحباب بن المنذر:
هذا.. وقد ذكرت الفقرة السابقة أيضاً: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أعطى اللواء للحباب بن المنذر، بعد فتح حصن ناعم، وذلك حين مهاجمة حصن الصعب..
مع أننا نعلم: أن لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان مع علي "عليه السلام" في جميع المشاهد، باستثناء تبوك..
وقد تقدمت النصوص الدالة على ذلك في واقعة أحد، فراجعها..
وما زعموه من أن علياً "عليه السلام" لم يحضر بداية حرب خيبر.. غير صحيح كما أظهرته النصوص حسبما أثبتناه في سياق حديثنا في وقائع هذه الغزوة..
الصعب أكثرها طعاماً:
زعمت الرواية المتقدمة: أن حصن الصعب كان أكثر حصون خيبر طعاماً، وأن الجوع قد أصاب أسلم، وسائر المسلمين، حتى فتح عليهم حصن الصعب، ولكننا في مقابل ذلك نرى:
ألف: أن عائشة تروي: أن حصن ناعم قد سد حاجتهم إلى الطعام، فلم تبق لديهم أية مشكلة، فقد قالت: ما شبع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من خبز الشعير والتمر، حتى فتحت دار بني قمة، وقالوا: إن المقصود: هو حصن ناعم([208]).
ولا يعقل: أن يشبع رسول الله "صلى الله عليه وآله" ويجوع من معه!!
كما لا يعقل: أن يكون المقصود: أنه شبع مرة واحدة ثم جاع.
ب: وأن اليهود كانوا موجودين في حصن ناعم بالمئات وكانوا قد أعدوا من الأطعمة ما يكفيهم في حصار المسلمين لهم مدة طويلة..
وبعد فرارهم وخروج الحصن من يدهم بقي ما كانوا قد أعدوه في مكانه، ووقع في أيدي المسلمين..
بقي أن نشير إلى أن قولهم: إن اليهود جعلوا أموالهم في حصون الكتيبة([209])، لا يصح الاستدلال به هنا. إذ يجوز أن يكون المراد بأموالهم هو: خصوص النقود ونحوها، دون ما ذُكر ها هنا([210]).
تسخين الماء في آنية اليهود:
وعن تسخين الماء في آنية اليهود، قبل استعمال المسلمين لها، قال الحلبي: "حكمة تسخين الماء لا تخفى، وهي: أن الماء الحار أقوى في النظافة، وإخراج الدسومة، والله أعلم"([211]).
ونضيف:
أن تدخل النبي الكريم في هذا الأمر يشير إلى: أن ثمة أمراً هاماً، يحتاج إلى معالجته، وإلا فقد كان من المناسب ترك هذا الأمر إلى سليقة الناس في تعاملهم مع أواني الآخرين.
ولكن الروايات عجزت عن التصريح بالأمر الذي دعاه "صلى الله عليه وآله" إلى هذا التدخل في هذه التفاصيل والجزئيات..
فهل السبب في ذلك: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يخشى من كيد اليهود للمسلمين، بوضع سموم لا تزول بمجرد غسل الآنية بالماء؟..
أم أنه يريد أن يعرِّف الناس بمدى قذارة اليهود، وبُعدِهم عن فروض النظافة، مهما كانت عادية وسطحية؟.
أو أنه يريد أن يتلافى دسومة كانت في تلك الأواني، هي بقايا أطعمة محرمة، يرى ضرورة تنزيه المسلمين عنها؟!..
أو أن الهدف هو تأكيد حالة الفصل بين المسلمين واليهود في تعاملهم مع بعضهم البعض، إذ ربما لم يكن المسلمون يتنزهون عن أي شيء من مستويات هذا التعامل، وحالاته، وكيفياته، في الوقت الذي كانت هناك حاجة إلى درجة من التحاشي عن هذا الاندماج المطلق بين الفريقين، وإيجاد مستوى من الإحساس بالفارق، وعدم الرضا بواقع اليهود، وبحالاتهم..
أعظم حصون خيبر:
وزعم حديث بني أسلم: أن حصن الصعب بن معاذ كان أعظم حصون خيبر..
مع أن النصوص تصرح: بأن حصن القموص كان أعظمها، وأنه كان منيعاً حاصره المسلمون عشرين ليلة، ثم فتحه الله تعالى على يد علي "عليه السلام"([212]).
فلعلهم أرادوا بتهويل أمر حصن الصعب التفخيم والتعظيم للحُباب بن المنذر، ولبني أسلم وغفار، والتخفيف من وهج فتح حصن القموص، وقلع باب خيبر؟!
أم أنهم وقعوا تحت تأثير اسمه "الصعب" فاستنبطوا له هذه الصعوبة التي ميزته عن سائر الحصون؟
أم أنهم أرادوا تبرير الهزيمة التي مني بها أولئك المتخاذلون، والتي حدثت أكثر من مرة حتى في هذا الحصن الذي لم يستحق سوى يومين من الحصار، ثم سقط أمام عزمة صادقة من عزمات أهل الإيمان؟
قد يكون هذا الاحتمال الأخير هو الأوضح والأظهر، وقد يكون قد تناغم مع الاحتمال الأول حتى كان ما كان..
الإفتخار في الحرب:
وقد حكم الناس على عمارة بن عقبة الغفاري: بأنه قد بطل جهاده لمجرد قوله، حين ضرب هامة ذلك اليهودي:
خذها وأنا الغلام الغفاري ...
فصحح النبي "صلى الله عليه وآله" لهم هذا المفهوم الخاطئ، وحكم بأنه يؤجر ويحمد.
ونقول:
إن الافتخار في الحرب الموجب لإرعاب العدو، وهزيمته النفسية هو في حد ذاته جهاد يثاب الإنسان عليه، ويوجب الثناء والحمد لفاعله؛ لأنه يكون قد أسهم في كسر شوكة العدو، وإضعافه، وتمهيد السبيل إلى إلحاق الهزيمة التامة به..
كما أن إظهار القوة والعزة في قبال العدو، يمنح أهل الإيمان المزيد من الثبات، والثقة بالنصر، ويزيد في تصميمهم، وفي قوتهم، وعزيمتهم، فيجتمع على العدو ضعفان:
ضعف: نابع من داخل ذاته، من خلال الكبت والشعور بالخيبة.
وضعف آخر: ينشأ عن رؤية قوة المسلمين، وشدة اندفاعهم.
وتكون فيه للمسلمين قوتان:
إحداهما: نابعة من داخل ذاتهم.
والأخرى: تتبلور في ضعف عدوهم، وفي هزيمته الروحية.
حديث الشاتين، وقطيع الغنم:
ونحن لا نشك في كذب حديث قطيع الغنم، والاستيلاء على شاتين منه، وذلك لسبب بسيط، هو:
أولاً: إنه لا يعقل وجود قطيع الغنم هذا خارج الحصن، ثم لا يستولي عليه المسلمون، ليصبح من غنائمهم.
ثانياً: إذا كان أخذ المسلمين لذلك القطيع حلالاً، فلماذا لا يرسل النبي "صلى الله عليه وآله" سرية قادرة على أخذ القطيع كله، أو جانب كبير منه. بل يكتفي بالأمر بأخذ شاة أو شاتين؟! وإن كان حراماً فكيف جاز له أخذ تينك الشاتين؟!
ثالثاً: إذا كان المقصود للنبي "صلى الله عليه وآله" هو: إطعام جيشه من ذلك القطيع، فلا تكفي ذلك الجيش الشاة والشاتان ولا العشرة..
وإن كان المقصود هو: أن يأكل النبي "صلى الله عليه وآله" ومن حوله من أهل بيته وخاصته، فذلك بعيد عن خلقه "صلى الله عليه وآله"..
ولأجل ذلك نقول:
لا يمكننا قبول ما ذكرته الرواية: من أن قسماً من المسلمين لم يستفيدوا من لحم تينك الشاتين، وهم الذين كانوا في الرجيع. بل اقتصر الأمر على الذين كانوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" في موضعه الذي كان فيه..
رابعاً: قد صرحت الرواية نفسها: بأن المسلمين كانوا يحاصرون ذلك الحصن، وأنه كان قد مضى على حصارهم له ثلاثة أيام، فأين كان ذلك القطيع في تلك الأيام الثلاثة؟! ولماذا لم يره المسلمون، قبل أن يبادر إلى دخول الحصن؟! وأين كان المسلمون حين اقتربت الغنم من باب الحصن المفتوح، هل كانوا يحاصرونه؟ أم أنهم تركوه وابتعدوا عنه؟ ومن أين أقبلت غنم ذلك الرجل اليهودي؟!
وكيف يجرؤ أهل هذا الحصن المحاصر بالرجال على فتح أبواب حصنهم، وإخراج غنمهم منه، أو إدخالها إليه؟!.. وكيف؟! وكيف؟!..
الحُباب بن المنذر في الواجهة:
ويلاحظ هنا: أن الروايات قد اختارت الحباب بن المنذر ليكون هو المتصدر لواجهة الأحداث في حصن الصعب بن معاذ، وله نصيب أيضاً من ذلك في غيره.. ولكن لم يظهر لعلي "عليه السلام"، ولا لأبي دجانة، ولا للمقداد، ولا حتى للزبير، أو محمد بن مسلمة، وعشرات الفرسان الآخرين، لم يظهر لأحد منهم في هذا الحصن أي أثر. مع أن محمود بن مسلمة كان قد قتل قبل ذلك في حصن ناعم، فلماذا لا يتحرك أخوه محمد في كل الحصون التي حوصرت عشرات الأيام حتى فتحت؟!..
ولماذا لم يطالب بالأخذ بثارات أخيه فيها، بل صبر إلى حصن القموص ليقتل مرحباً هناك بأخيه كما يزعمون؟!
ولماذا لم يلاحق مرحباً في حصن الصعب، أو النزار، أو حصون الشق أو غير ذلك؟!..
فأين كان هذا الرجل؟ وأين كان هؤلاء في هذا الحصار الذي استمر أياماً لحصن حصين فيه خمس مائة مقاتل, ولم يكن بخيبر حصن أكثر طعاماً، وماشية، ومتاعاً منه الخ.. كما زعموا؟!
ولماذا غابوا جميعاً عن الواجهة، وخبا وهجهم، وأفل نجمهم؟!..
فهل للحباب شأن في موضوع بعينه، يراد التسويق له؟!..
ابن مسلمة يقول: تبسم إليَّ ':
وفي حديث رمي النبي "صلى الله عليه وآله" بسهم صائب في هذا الحصن، يقول محمد بن مسلمة: "وتبسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليَّ".
ونحن لم نستطع أن نفهم سبب تبسمه "صلى الله عليه وآله" لخصوص محمد بن مسلمة، تاركاً حوالي ألف وخمس مائة مقاتل محروماً من نعمة هذه البسمة، ومن الإيحاء بمعانيها ومراميها، من دون سبب ظاهر؟!
فهل أُعْجِبَ ـ والعياذ بالله ـ النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه، حين أصاب ذلك الرجل، وظهر أنه يجيد الرمي، وأراد أن ينال إعجاب خصوص محمد بن مسلمة؟ إن القول بهذا يتجاوز حدود إساءة الأدب ليكون إنكاراً لعصمة رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
أم أن لابن مسلمة خصوصية لديه "صلى الله عليه وآله" لم تكن لأحد سواه حتى لعلي "عليه السلام"، فضلاً عن غيره من أصحابه؟!
وهذا أمر ينكره ولا يعترف لابن مسلمة به أحد حتى محبوه، والمهتمون بشأنه، والساعون لتخصيصه بالكرامات والفضائل..
الإهتمام بالطعام والغنيمة:
والنصوص المتقدمة، وبعض النصوص الأخرى، قد أظهرت: أن ثمة اهتماماً خاصاً بالطعام والمال، وبالغنيمة، والغنم، بما في ذلك: السمن، والعسل، والسكر، والزيت، والشعير، والتمر، والودك، والشحم، والماشية، والمتاع..
وهي أيضاً تتحدث عن جوع، وشكوى، ودعاء، وابتهال..
فهل ذلك يعبر عن واقع المسلمين؟! أو هل هذا كان كل همهم، وغاية قصدهم؟!
مدة الحصار:
وقد صرحت النصوص أيضاً: بأمور متناقضة، فيما يرتبط بمدة الحصار لحصن الصعب.
فهي تارة تقول: إن الحصار دام أياماً، هي أكثر من ثلاثة أيام، بلا شك؛ لأن الاستيلاء على الشاتين كان بعد ثلاثة أيام من الحصار، ولا ندري كم دام الحصار بعدها؟!
وتارة تقول ـ كما يظهر من حديث أم مطاع ـ: إنهم فتحوه في يوم واحد..
ولكن نصاً آخر يقول: إن الحصار دام يومين فقط، فأي ذلك هو الصحيح؟
وألا يشير هذا إلى: أن ثمة تعمداً للاختلاق والكذب في هذا الأمر بالذات؟!
حصن قلة الزبير:
كان حصن قلعة الزبير في رأس قلعة أو قلَّة، لا تقدر عليه الخيل ولا الرجال، فلما تحولت يهود من حصن ناعم، وحصن الصعب بن معاذ إلى قلَّة (أو قلعة) الزبير حاصرهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيه.
فأقام "صلى الله عليه وآله" محاصرهم ثلاثة أيام، فجاء يهودي يدعى غزال فقال: يا أبا القاسم، تؤمنني على أن أدلك على ما تستريح به من أهل النطاة، وتخرج إلى أهل الشق، فإن أهل الشق قد هلكوا رعباً منك؟
فأمنه رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أهله وماله.
فقال اليهودي: إنك لو أقمت شهراً ما بالوا، لهم دبول([213]) تحت الأرض، يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك، فإن قطعت عنهم شربهم أصحروا لك.
فسار رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى دبولهم فقطعها، فلما قطع عليهم مشاربهم خرجوا وقاتلوا أشد قتال([214]).
وقتل من المسلمين يومئذٍ نفر، وأصيب من اليهود في ذلك اليوم عشرة، وافتتحه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكان هذا آخر حصون النطاة.
قيل: سمي هذا الحصن بحصن قلَّة الزبير، لأنه صار في سهم الزبير بن العوام بعد ذلك([215]).
ونقول:
أولاً: إن إطلاق هذا الاسم على هذا الحصن لا يعقل أن يكون لأجل ما ذكروه، وذلك لما يلي:
ألف: لا شك في أنه قد كان لهذا الحصن اسم يتداوله أهل تلك البلاد أنفسهم، وذلك قبل أن يأتي النبي "صلى الله عليه وآله" إليه، فما هو هذا الاسم؟
فإذا ظهر: أنهم كانوا يطلقون عليه نفس هذه التسمية، فذلك يدل على: أنه كان قد سمي باسم زبير آخر، ممن كان على دينهم، ومن الشخصيات المرموقة فيهم مثل الزبير بن باطا، أو غيره.
ب: إن من غير المعقول، ولا المقبول: أن يعطي "صلى الله عليه وآله" حصناً بأكمله إلى رجل واحد هو الزبير بن العوام..
ولماذا يعطي الزبير هذا العطاء الكبير، وهو لم يكن له ذلك الأثر العظيم في تلك الحرب؟
ج: يضاف إلى ذلك: أن أراضي خيبر لم تقسم على المسلمين ليكون للزبير سهم بهذا الحجم بل أبقاها النبي "صلى الله عليه وآله" بيد اليهود، يعملون فيها على النصف من ثمارها.. وإنما أخرجهم منها عمر بن الخطاب كما سيأتي بيانه.
د: إنه إذا أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يعطي أحداً شيئاً فإنه لا يعطيه حصناً أو قلعة ـ كما ورد في بعض التعابير ـ بل يعطيه أرضاً زراعية، يستطيع أن يستغلها، أو بستاناً يستفيد من ثمار أشجاره
ثانياً: إن هذا اليهودي قد بادر من عند نفسه ـ كما تقول الرواية ـ إلى إخبار رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأمر خطير، من شأنه أن يسقط الحصن بأكمله في أيدي المسلمين، ويمكنهم من إلحاق هزيمة منكرة بمن هم على دينه، لا لشيء، بل لمجرد إعطائه الأمان على نفسه، وأهله وماله!!
غير أننا نلاحظ:
أن النصوص لا تصرح بما جرى لهذا اليهودي المخبر، فهل أخذ أسيراً، فخاف من القتل، فأقر بما أقر به؟!
أم أنه جاء باختياره متطوعاً بإخبار النبي "صلى الله عليه وآله" بهذا الأمر الخطير؟! الذي يوجب حلول البلاء بمن هم على دينه؟!
ربما يقال: إن ظاهر النص هو هذا الأمر الثاني؛ لأنه قال: فجاء يهودي يدعى غزال، فقال: يا أبا القاسم الخ..
وعلى فرض صحة هذه الرواية ـ ونحن نشك في صحتها ـ فإن هذا يشير إلى: أن هؤلاء الناس لا يعيشون همَّ الدين، ولا يلتزمون بالمبادئ والقيم، بل ولا بالعادات والتقاليد، وإنما همتهم هي في حفظ أنفسهم وامتيازاتهم، حتى إنهم إذا قاتلوا فليس ذلك رغبة منهم في جنة، أو خوفاً من عقوبة الله تعالى لهم على تقصيرهم، وإنما من أجل الدنيا، أو استجابة لنزوات الميول والأهواء، أو لجاجاً، أو عناداً، بداعي الحقد والضغينة، أو لأن الشيطان يزين لهم أنهم ظاهرون ومنتصرون، أو سعياً لاكتساب ثناء لا يدوم، أو مجد موهوم.. أو نحو ذلك.
بطولات موهومة:
وفي صورة تشبه الصورة التي سبقت، يذكر بعضهم: أنه "صلى الله عليه وآله" مكث سبعة أيام يقاتل أهل حصون النطاة، يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة للقتال، ويخلف على محل العسكر عثمان بن عفان، فإذا أمسى رجع "صلى الله عليه وآله" إلى ذلك المحل. ومن جُرح من المسلمين يُحمل إلى ذلك المحل ليداوي جرحه. فجُرح أول يوم خمسون من المسلمين.
ونادى يهودي من أهل النطاة بعد ليل: أنا آمن وأبلغكم؟
قالوا: نعم.
فدخل على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدله على عورة ليهود.
فدعا أصحابه وحضهم على الجهاد، فظفره الله تعالى بهم الخ..
وفي نص آخر: كان "صلى الله عليه وآله" يناوب بين أصحابه في حراسة الليل، فلما كانت الليلة السادسة من السبع استعمل "صلى الله عليه وآله" عمر، فطاف عمر بأصحابه حول العسكر، وفرقهم، فأتي برجل من يهود خيبر في جوف الليل، فأمر عمر أن يضرب عنقه.
فقال: اذهب بي إلى نبيكم حتى أكلمه، فأمسك عنه، وانتهى به إلى باب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فوجده يصلي، فسمع "صلى الله عليه وآله" كلام عمر، فسلم وأدخله عليه، فدخل اليهودي، فقال "صلى الله عليه وآله" لليهودي: ما وراءك؟
فقال: تؤمنني يا أبا القاسم؟!
فقال: نعم.
فقال: خرجت من حصن النطاة، من عند قوم يتسللون من الحصن في هذه الليلة.
قال: فأين يذهبون؟
قال: إلى الشق، يجعلون فيه ذراريهم، ويتهيأون للقتال.
وفي هذا الحصن الذي هو الحصن الصعب من حصون النطاة، في بيت فيه تحت الأرض، منجنيق، ودبابات، ودروع، وسيوف، فإذا دخلت الحصن غداً، وأنت تدخله؟
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إن شاء الله.
قال اليهودي: إن شاء الله ـ أوقفتك عليه، فإنه لا يعرفه غيري. وأخرى..
قيل: ما هي؟
قال: يُستخرج المنجنيق، ويُنصب على الشق (والمراد هو: حصن البريء)، ويدخل الرجال تحت الدبابات، فيحفروا الحصن، فتفتحه من يومك. وكذلك تفعل بحصون الكتيبة.
ثم قال: يا أبا القاسم، احقن دمي.
قال: أنت آمن.
قال: ولي زوجة فهبها لي.
قال: هي لك. ثم دعاه "صلى الله عليه وآله" إلى الإسلام.
فقال: انظرني أياماً.
ثم قال "صلى الله عليه وآله" لمحمد بن مسلمة: لأعطين الراية إلى رجل يحبه الله ورسوله، ويحبانه.
وفي لفظ: قال "صلى الله عليه وآله": لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، لا يولي الدبر، يفتح الله عز وجل على يده، فيمكنه الله من قاتل أخيك الخ..([216]).
ونقول:
إن في هذه الرواية أموراً عديدة، لا بد من التوقف عندها، وهي:
نصب المنجنيق:
إن هذه الرواية ذكرت: أن المنجنيق قد نصب على حصن البريء من حصون الشق.. أو على حصن النزار([217]).
مع أنهم يقولون: لم ينصب المنجنيق إلا في غزوة الطائف([218]).
والغريب في الأمر: أن الحلبي يقول في وجه الجمع: إنه يجوز أن يكون قد نصب ولم يرم به هنا، ونصب ورمي به هناك([219]).
لقد قال الحلبي هذا، مع أن التعبير الذي أورده هو نفسه يقول: لم ينصب المنجنيق إلا في غزوة الطائف، ولم يقل: لم يرم بالمنجنيق.. وما ذلك إلا لأن المفهوم من التعبير بنصب المنجنيق هو الرمي به.
والأولى أن يقال: إن الإشكال غير وارد من الأساس.
فإن الرواية لم تذكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قد نصب ذلك المنجنيق، ورمى به.
بل قالت: إن ذلك اليهودي قد افترض أو اقترح ذلك، فبذلك ينحل الإشكال المتعلق بالمنجنيق.
يضاف إلى ما تقدم: أن هذه الرواية تدل على: أن أول حصن بدأ به من حصون الشق هو حصن البريء.
مع أنه سيأتي في فقرة "حصون الشق": أن أول حصن بدأ به هو أبي، وبالتحديد بقلعة سموان.
ذراري اليهود لم تكن في حصن الشق:
ويفهم من الرواية السابقة: أن ذراري اليهود كانوا معهم في حصن النطاة، وأنهم نقلوهم بعد أن أرهقهم الحصار إلى حصن الشق([220]).
ونقول:
أولاً: قد صرحوا: بأن الذراري لم يكونوا في حصن النطاة، بل كان فيه المقاتلون فقط.
ثانياً: إن هؤلاء الذراري لم يجعلوا في حصن الشق، بل كانوا في حصن الكتيبة كما هو معلوم، وقد جعلوهم ـ حسب تصريحهم ـ فيه قبل حصار رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهم..
إلا أن يكون المقصود: هو بعض الذراري، الذين كانوا معهم يساعدونهم في إعداد الطعام والشراب للمقاتلين، أو للقيام على جرحاهم، أو نحو ذلك..
ابن مسلمة تارة، والحباب أخرى:
لقد ركزت الرواية المتقدمة على محمد بن مسلمة، وجعلته محور التحركات النبوية في حصون النطاة..
فهي تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يذهب كل يوم بمحمد بن مسلمة للقتال، ويرجع في المساء.. فهل كانت قيادة الجيش الإسلامي قد أنيطت بابن مسلمة؟! فإن كان الأمر كذلك، فلماذا لم يحدثنا عنه التاريخ ويقول: إن محمد بن مسلمة كان صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في خيبر؟!
أما أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يأخذه لأجل القتال فقط، لا بعنوان قيادة، ولا غير ذلك..
فالسؤال هو: إن المشاركين في القتال كثيرون، فلماذا خص الرواة ابن مسلمة بالذكر من بين ألف وخمس مائة مقاتل؟!..
ولماذا لم يذكروا علياً "عليه السلام"، أو أبا دجانة، أو المقداد، أو غير هؤلاء أيضاً؟!
أم يعقل أن يكون هؤلاء قد أصبحوا متخاذلين؟! وغير ذوي أثر، وأن ابن مسلمة أصبح أكثر نشاطاً وحركة منهم؟
هذا.. واللافت: أن الحباب بن المنذر قد غاب هنا أيضاً، ولم يكن له نصيب يذكر، رغم أنه قد أعطي دوراً كبيراً في موقع آخر..
واللافت أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم ير محمد بن مسلمة أهلاً لأن يقتل قاتل أخيه، كما صرحت به هذه الرواية، فوعده بأن يعطي الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبانه، يمكنه الله من قاتل أخيه (أي أخي محمد بن مسلمة)، فلماذا لا يمكِّن الله محمد بن مسلمة نفسه من أن يقتل قاتل أخيه؟!
وإذا كان محمد بن مسلمة هذا لم يستطع أن يقتل قاتل أخيه، حتى احتاج إلى علي "عليه السلام" ليقوم بهذه المهمة.. فكيف كان يختاره النبي "صلى الله عليه وآله" ليذهب معه للقتال؟! وما هو نوع ومستوى القتال الذي كان يذهب به إليه؟!
بل سيأتي: أن محمد بن مسلمة نفسه قد انزعج من قتل علي "عليه السلام" لأخيه مرحب اليهودي، وحقد على أمير المؤمنين "عليه السلام" بسبب ذلك، واعتبر ذلك ذنباً له "عليه الصلاة والسلام".
موقع عثمان هو الأنسب:
ولعل أنسب ما في هذه الرواية إعطاء عثمان بن عفان مهمة حراسة منازل النساء، وأثقال العسكر، وهو الموضع الذي يحمل إليه المجروحون للتداوي.. لأنه أكثر المواضع أمناً، وأبعدها عن الخطر.
وقد كان عثمان ـ فيما يبدو ـ بحاجة إلى هذا الأمن، فقد أظهر ما جرى له في واقعة أحد: أنه لا يقدر على مواجهة الأهوال، أو ملاقاة الرجال. حيث إن فزعته ـ الشهيرة ـ في أحد جعلته يهرب في الهضاب والشعاب، ولا يعود إلا بعد ثلاثة أيام، حتى قال له النبي "صلى الله عليه وآله": لقد ذهبت بها عريضة([221]).
عمر يأمر بضرب عنق شخص:
وقد صرحت الرواية المتقدمة أيضاً: بأن عمر بن الخطاب حين مناوبته في حراسة العسكر قد أتي بيهودي، فأمر بضرب عنقه..
وسؤالنا هو:
أولاً: لماذا يأمر غيره بضرب عنق ذلك اليهودي، ولا يبادر هو إلى ذلك؟! أم أنه يريد أن يجد من يشاركه في هذا الفعل، ليكون اللوم عليه أخف؟! أو أنه لا يجرؤ على قتل أحد بنفسه؟!
ثانياً: كيف يجوز أن يأمر بضرب عنق ذلك اليهودي من دون استجازة من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟! بل حتى من دون أن يعلمه بأمره؟!
وهل للحارس أن يتولى ضرب أعناق الناس الذين يجدهم في نوبة حراسته؟! من دون مراجعة؟!
وكيف لا يُرْجِع أمره إلى النبي "صلى الله عليه وآله"؟! فلعل له فيه رأياً آخر وسياسة أخرى.
وهذا العمل هل يتوافق مع قوله تعالى: ?لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ?؟!([222]).
ثالثاً: كيف يأمر بضرب عنق الرجل قبل استجوابه، ومعرفة نواياه، والذي جاء به، وما يحمل من معلومات تفيد المسلمين في حربهم؟! فلعل الأمور كانت تسير في غير الاتجاه الذي ظنه..
رابعاً: إن رواية الواقدي تقول: إن الذي أخذ ذلك العين هو عباد بن بشر، وليس عمر بن الخطاب، فجاء به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخبره الخبر.
فتدخل عمر وقال: اضرب عنقه.
قال عباد: جعلت له الأمان الخ..([223]).
وفي جميع الأحوال نقول:
لا ندري لماذا يتدخل عمر، ويصدر الأوامر بهذه الطريقة؟ فلو أنهم أطاعوه في أوامر كهذه، فهل سيرضي ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
يضاف إلى ذلك: أننا قد ذكرنا في أواخر غزوة أحد: أن عمر كان يطلب ضرب عنق هذا وذاك في موارد ومناسبات مختلفة، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يرفض ذلك. كما أنه قد طلب من عدد من الصحابة أن يبادروا إلى قتل بعض الناس، وكانوا يرفضون قبول ذلك منه، كما كان الحال بالنسبة لأبي جندل، الذي كان يحثه عمر على قتل أبيه في الحديبية. فرفض أبو جندل ذلك.
فلماذا يصر عمر على مثل هذا الأمر في المواضع المختلفة؟!
ولماذا لا يبادر هو إلى قتل هذا وذاك ممن يصدر الأوامر لغيره بقتلهم؟! ولماذا؟! ولماذا؟!
لا يعرف المنجنيق إلا هذا اليهودي:
وقد زعمت الرواية المتقدمة: أنه كان في حصن الصعب موضع فيه منجنيق، ودبابات، ودروع، وسيوف، وأنه لا يعرف ذلك الموضع إلا ذلك اليهودي الأسير.
ونقول:
إن كان ذلك اليهودي هو الذي وضع تلك الأسلحة في ذلك الموضع، دون علم أحد، لأن اليهود كلفوه بذلك أو لأن تلك الأسلحة كانت ملكاً خاصاً به، فمن الطبيعي أن لا يعرفها أحد سواه..
وأما إذا كانت هذه الأسلحة قد هيأها أهل الحصن للدفاع بها عن حصنهم، فاللازم هو: أن يعرف زعماء اليهود، والقيمون على أمر الحرب بالموضع الذي وضعت فيه، ليستفيدوا منها حين تعرض الحاجة، إذ لا يعقل أن يكونوا قد نسوا هذه الأسلحة، أو نسوا موضعها..
وفي جميع الأحوال نقول:
لم يكن هذا اليهودي هو الزعيم الأوحد لليهود كلهم، ولا ملَّكوه أسرار حصونهم، ولم يجعلوا أسلحتهم تحت سلطته، ليتولى هو تغييبها عنهم وعن غيرهم.
لماذا خص النبي ' ابن مسلمة بخطابه؟!
وقد ذكرت الرواية المتقدمة أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله"، قال لمحمد بن مسلمة: لأعطين الراية إلى رجل يحب الله ورسوله، ويحبانه.
غير أننا نقول:
أولاً: لا بد أن نسأل من جديد: لماذا يتم توجيه الخطاب لمحمد بن مسلمة دون سواه؟! فهل هو بهدف التعريض به لأنه كان قد فرَّ في تلك الأيام السبعة، التي كان النبي "صلى الله عليه وآله" يخرجه فيها إلى القتال.. حتى صح أن يطلق عليه اسم فرَّار؟!
ولماذا وعده بأن يمكنه الله تعالى من قاتل أخيه، مع أن ابن مسلمة نفسه لم يتمكن من ذلك طيلة تلك المدة، وما بعدها وإلى آخر أيام حرب خيبر؟ حيث إن علياً "عليه السلام" هو الذي تمكن من ذلك القاتل، وليس ابن مسلمة..
ولماذا يهتم النبي "صلى الله عليه وآله" بقتل قاتل أخي ابن مسلمة، ولا يذكر من عداه من الشهداء؟! ولا يعلن أنه يريد من علي "عليه السلام" قتل الذين قتلوهم؟!.. فهل لأن قاتله هو مرحب لعنه الله، وهو رأس الحربة لليهود، وأعظم فرسانهم، فإذا قتل مرحب، تقع الهزيمة بهم، ويحل الفشل والرعب فيهم؟!.. ويكون لذلك النصر العظيم نوع ارتباط ببني مسلمة ويكون ذلك بمثابة مكافأة لهم على خدماتهم للخليفة الثاني، من خلال محمد بن مسلمة بالذات حسبما أشرنا إليه في جزء سابق.
ثانياً: إن هذا القول: "لأعطين الراية غداً رجلاً الخ.." إنما كان بعد فتح حصون النطاة والشق كلها، وبعد وصوله "صلى الله عليه وآله" إلى حصن القموص ـ وهو أعظم حصون خيبر ـ وهو من حصون الكتيبة وهو آخر حصن فتح في خيبر كلها، أو قبل آخرها..
إسهامات عمر في فتح خيبر:
وهل يمكن أن نفهم من هذه الرواية، التي جعلت أسر اليهودي في نوبة حراسة عمر: أنهم أرادوا أن يجعلوا لعمر بن الخطاب سهماً كبيراً في فتح خيبر؟! بهدف تقليص الفارق بينه وبين علي أمير المؤمنين "عليه السلام" الذي قتل مرحباً، وفتح الله تعالى خيبر على يديه، واقتلع باب الحصن، واتخذه ترساً، رغم عجز عشرات الأشخاص عن حمله، أو عن إعادته إلى موضعه؟!
فإذا أُخِذَ رجل في نوبة حراسة عمر، وأدلى ذلك الرجل بمعلومات تؤدي إلى فتح أحد حصون خيبر، فلربما يفيد ذلك في إعادة رذاذٍ من ماء الوجه الذي أريق في فرار عمر المتعاقب وكذلك فرار أبي بكر، وغيرهما. حتى صح أن تستعمل في حقهما صيغة المبالغة وهي كلمة: "فرَّار" (أي كثير الفرار) في مقابل "الكرَّار" (أي كثير الكر)، وهو علي "عليه السلام" دون سواه..
قتل مرحب في القموص لا في الصعب:
وقد فهم من الرواية المتقدمة: أن قول النبي "صلى الله عليه وآله": "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله الخ.." كان في حصون النطاة، وبالذات في الحصن الصعب، مما يعني: أن فرار عمر وأبي بكر، وغيرهما، وانهزامهم، وهم يجبِّنون أصحابهم ويجبِّنهم أصحابهم، قد كان في هذا الحصن بالذات.
مع أن كلمة المؤرخين متفقة والنصوص متضافرة، والروايات متواترة في أن محمود بن مسلمة قد قتل في حصن ناعم، وأن فرار عمر وأبي بكر ومبارزة مرحب وقتله على يد علي "عليه السلام"، ثم قلع باب الحصن، إنما كان في حصن القموص؛ وذلك بعد فتح حصون النطاة، وحصون الشق كلها، بل إن القموص آخر حصون خيبر فتحاً، أو قبل آخرها.
إلا أن يقال: إن مراد الرواية هو وصف الحصن بأنه صعب ولذلك أدخل الألف واللام على كلمة الحصن، وليس المراد الحصن المسمى بحصن الصعب بن معاذ.
وهذا يبقى مجرد احتمال، ولكنه احتمال ليس بالقوي.
حصون الشق:
قد ذكر الصالحي الشامي تبعاً لغيره:
أنه لما فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من النطاة تحول إلى الشق.
وقد روى البيهقي، عن محمد بن عمر، عن شيوخه، قالوا: لما تحول رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الشق، وبه حصون ذوات عدد، كان أول حصن بدأ به حصن أبي، فقام رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قلعة يقال لها: سموان، فقاتل عليها أهل الحصن، قتالاً شديداً.
وخرج رجل من يهود يقال له: غزول، فدعا إلى البراز، فبرز له الحباب بن المنذر، فاقتتلا، فاختلفا ضربات، ثم حمل عليه الحباب، فقطع يده اليمنى من نصف الذراع، فوقع السيف من يد غزول، فبادر راجعاً منهزماً إلى الحصن، فتبعه الحباب، فقطع عرقوبه، فوقع فذفف عليه.
فخرج آخر، فصاح: من يبارز؟
فبرز له رجل من المسلمين من آل جحش، فَقُتِل الجحشي.
وقام مكانه يدعو إلى البراز، فبرز له أبو دجانة، وقد عصب رأسه بعصابته الحمراء، فوق المغفر، يختال في مشيته، فبدره أبو دجانة فضربه، فقطع رجله، ثم ذفف عليه، وأخذ سلبه، درعه وسيفه، فجاء به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فنفله رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك.
وأحجم اليهود عن البراز، فكبر المسلمون، ثم تحاملوا على الحصن فدخلوه، يقدمهم أبو دجانة، فوجدوا فيه: أثاثاً، ومتاعاً، وغنماً، وطعاماً.
وهرب من كان فيه من المقاتلة، وتقحموا الجدر، كأنهم الظباء، حتى صاروا إلى حصن النزار بالشق.
وجعل يأتي من بقي من فلّ النطاة إلى حصن النزال ـ وفي الحلبية: يقال له: حصن البريء، وهو الحصن الثاني من حصني الشق ـ فغلقوه، وامتنعوا فيه أشد الامتناع.
وزحف رسول الله "صلى الله عليه وآله" إليهم في أصحابه، فقاتلهم، فكانوا أشد أهل الشق رمياً للمسلمين بالنبل والحجارة، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" معهم، حتى أصابت النبل ثياب رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعلقت به.
فأخذ رسول الله "صلى الله عليه وآله" النبل فجمعها، ثم أخذ لهم كفاً من حصى، فحصب به حصنهم، فرجف الحصن بهم، ثم ساخ في الأرض، حتى جاء المسلمون، فأخذوا أهله أخذاً([224]).
ونقول:
إننا نشير إلى ما يلي:
1 ـ لا ندري إلى أي حد كان أولئك الذين يطلبون البراز بين الصفين مغرورين بأنفسهم، وواثقين بقوتهم!! خصوصاً إذا كنا مقتنعين، بأن الدافع الديني لم يكن هو المؤثر في اندفاعهم إلى الحرب، ولا في اتخاذ القرار بشأنها.
ولعلنا نستطيع أن نؤكد: أن حب الدنيا، وحب الشهرة فيها، جعلهم عاجزين عن تقييم الأمور بصورة منصفة وموضوعية، وسد عليهم باب التعقل، والتدبر، والإنصاف، حتى لأنفسهم، فكيف ينصفون غيرهم؟
إن من يريد أن ينال بقتل الناس مجداً وشهرة، وأن يتلذذ بهذا المجد وبتلك الشهرة لا يملك أدنى حد من الشعور والوجدان الإنساني..
وغني عن البيان: أن صدود هؤلاء عن قبول الحق بعد وضوحه لهم يثبت بصورة قاطعة: أن أحداً لا يطلب الجنة بقتاله، ولا يسعى لتنفيذ أمر إلهي يخشى العقوبة على مخالفته..
2 ـ وتعود الروايات المتقدمة للحديث عن الحباب بن المنذر من جديد، لتجعل له حصة في فتح هذا الحصن أيضاً. وقد قدمنا عن قريب بعض ما يفيد في تلمُّس الإشارات التي تعطي الانطباع عن حقيقة دوافع هؤلاء لنسبة مواقف وإنجازات لأناس لا يستحقونها في أنفسهم، وإنما تأتي على شكل مكافآت لهم على مواقف اتخذوها، أو نهج اتبعوه، أو أيدوه..
3 ـ وعن تبختر أبي دجانة نقول: قد مر الحديث عن تبختر علي "عليه السلام" في غزوة الخندق، حينما قتل عمرو بن عبد ود، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعلن لكل الناس حينئذٍ: أنها مشية يبغضها الله تعالى إلا في هذا الموضع، الذي يطلب فيه إرهاب العدو، وإضعاف شوكته، والحد من ميله للحرب، فإن ذلك يفيد في حفظ أرواح المسلمين، ودفع ويلات الحرب عنهم. فلعل الله سبحانه يقبل بقلوب هؤلاء الجاحدين، أو بقلوب من يلوذ بهم إلى الإسلام والإيمان، فيما لو أدركوا رعايته تعالى لمسيرة الإيمان، حيث يجد اليأس سبيله إلى قلوبهم من أن يستطيع باطلهم أن يتماسك أمام سطوة الحق وأهله..
4 ـ والغريب هنا: أن الرواية المتقدمة: تذكر أنهم حين اقتحموا الحصن كان أبو دجانة يقدمهم، ولا ندري أيضاً أين كان أسد الله وأسد رسوله الغالب، الإمام علي بن أبي طالب "عليه السلام"، الذي هو صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كل مشهد؟!
إذ يبدو لنا: أن هؤلاء قد انتهزوا فرصة الإشاعة الباطلة عن أنه "عليه السلام" كان مبتلى بالرمد، وأن التحاقه بالنبي "صلى الله عليه وآله" في خيبر قد تأخر إلى أيام حصن القموص، ونسوا: أن ذلك قد ثبت بطلانه، وزيفه.
حيث سيأتي إثبات أن رمد عينيه "عليه السلام" إنما اتفق له في آخر أيام حصار حصن القموص، حيث قتل مرحب..
وسيأتي: أنه لو صح ذلك لم يكن "عليه السلام" هو صاحب لوائه "صلى الله عليه وآله" في خيبر وفي كل مشهد..
ويضاف إلى ذلك: أنه إذا كان حصاره "صلى الله عليه وآله" لحصن القموص الذي قتل علي "عليه السلام" فيه مرحباً قد دام عشرين ليلة، فإن رمد عيني علي "عليه السلام" لم يستمر كل هذه المدة الطويلة..
وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله..
وعلينا ألَّا ننسى أن رمد علي "عليه السلام"، قد كان من ألطاف الله تعالى، فإنه تعالى قد صنع له ذلك، لكي يفرَّ أولئك الناس مرة بعد أخرى، ويظهر للناس من هو الفرَّار، ومن هو الكرّار..
5 ـ وأما بالنسبة لارتجاف الحصن، وأنه ساخ في الأرض لما حصبه النبي "صلى الله عليه وآله"، بكفٍ من حصى: فهي إذا ثبتت تكون معجزة عظيمة للنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله".
وقد كان المفروض باليهود بعد حصول هذا الأمر العظيم: أن يستسلموا لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن يؤمنوا به.
إذ لا يعقل: أن يستمروا على العناد والجحود، وهم يرون هذا العذاب الأليم يحيق بإخوانهم الذين كانوا في ذلك الحصن.
6 ـ إنه إذا صحت هذه الحادثة فلا بد أن يزيد يقين أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" وتتأكد صلابتهم في مواجهة أعداء الله تعالى، فلا يفرون في تلك الحرب مرة بعد أخرى، حتى وصفهم "صلى الله عليه وآله" بأنهم فرَّارون..
7 ـ لا ندري الحكمة في جمع النبي "صلى الله عليه وآله" للنبال التي رماهم اليهود بها.. ونحن نرتاب أيضاً في صحة الرواية التي ذكرت ذلك.
ماذا عن فتح حصن النزار؟!
وقد رووا: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نظر إلى حصن النزار، فقال: هذا آخر حصون خيبر كان فيه قتال..
وقالوا: فلما فتحنا هذا الحصن لم يكن بعده قتال، حتى خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" من خيبر.
ونقول:
لا شك: في أن علياً "عليه السلام" قد قتل مرحباً وياسراً في حصن القموص، وهو من حصون الكتيبة، وإنما انتقل إليه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد فراغه من حصون النطاة والشق.
فما معنى قولهم: إنه لم يحصل قتال بعد حصن النزار؟! لا سيما وأن أبا بكر وعمر، وسواهما قد أخذوا الراية في حصن القموص، ورجعوا ولم يكن فتح، كما تصرح به الروايات.
ويمكن أن يجاب: بأن المقصود: أن أبا بكر وعمر وسواهما، وإن أخذوا الراية والجيش، وتوجهوا نحو الحصن، ولكنهم بمجرد أن رأوا مرحباً واليهود فروا خوفاً ورعباً، وصاروا يجبِّنون أصحابهم، ويجبِّنهم أصحابهم..
كما أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل المسلمين مع علي "عليه السلام"، فهربوا عنه، وتركوه وحده، فقتل مرحباً، وسائر الفرسان، ولم يكن قتال إلا ذلك..
وهذا يوجب الشك: في أن يكون الزبير أو محمد بن مسلمة قد قتل أحداً من الفرسان أيضاً..
ولأجل ذلك: صرحت الروايات والنصوص: بأن فتح حصون الكتيبة قد كان بيد علي "عليه السلام" وحده. ولا صحة لما زعموه: من حرب وقتال لأحد سواه "عليه السلام".
ولعل هذا يفسر لنا أيضاً ما سيأتي: من أن الكتيبة والوطيح وسلالم كانت لرسول الله "صلى الله عليه وآله".. بالإضافة إلى فدك..
صفية في حصن النزار:
وقد ذكروا هنا أيضاً: أن صفية بنت حيي، وابنة عمها قد أخذتا من حصن النزار، وذلك لأن اليهود أخرجوا النساء والذرية إلى الكتيبة، وفرغوا حصن النطاة للمقاتلة.
ولكن كنانة بن الحُقيق قد رأى أن حصن النزار أحصن ما هنالك، فأبقاها فيه، هي ونسيبات معها؛ فأسرت تلك النسوة في حصن النزار([225]).
ونقول:
إن هناك نصوصاً كثيرة تقول: إن علياً "عليه السلام" هو الذي فتح الحصن، وجاء بصفية إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([226]).
فإن كانت صفية قد سبيت في حصن النزار، فذلك يعني: أن علياً "عليه السلام": هو الذي فتح هذا الحصن أيضاً، كما فتح حصن القموص، وذلك يدل على وجود تصرف خطير في الحقائق التاريخية، ومحاولة تحريف خطيرة لها..
يضاف إلى ذلك: أن هذا النص يفيد: أن رمد عيني علي "عليه السلام" الذي هيأ الفرصة لأخذ أبي بكر وعمر وغيرهما الراية في حصن القموص، وفرارهما ـ إن رمد عينيه "عليه السلام" هذا ـ قد كان بعد فتح حصن النزار، وفي أيام حصار حصن القموص، الذي استمر عشرين ليلة، كما سيأتي..
الباب السادس:
فتح خيبر
الفصل الأول: المنهزمون الفاشلون
الفصل الثاني: وقفات لا بد منه
الفصل الثالث: قتل مرحب.. أحداث وتفاصيل
الفصل الرابع: قلع باب خيبر.. أحداث وتفاصيل
الفصل الأول:
المنهزمون الفاشلون..
بـدايـة:
إننا نستميح القارئ عذراً إذا رأى ـ في هذا الفصل بالخصوص ـ أن ثمة تبدلاً في طريقة العرض والمناقشة، حيث آثرنا: أن نقدم في البداية عرضاً لطائفة كبيرة من النصوص.. ثم ألحقناها ببعض ما اقتضته الحال من مناقشات لبعضها، وتوضيحات لبعضها الآخر، بالإضافة إلى ملاحظات، أو استفادات رأينا أن من المفيد الإلماح إليها، والوقوف عندها، في نطاق عرض الأحداث التي سجلوها على أنها سيرة وتاريخ..
وسوف نقتصر على أقل القليل من ذلك، حرصاً منا على عدم إرهاق القارئ بالجزئيات والتفاصيل، فنقول، ونتوكل على خير مأمول، وأكرم مسؤول:
القموص أعظم حصون خيبر:
قالوا: لقد كان بخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم، فجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفتحها حصناً حصناً، وكان من أشد حصونهم، وأكثرها رجالاً القموص([227]).
وقالوا أيضاً: لما فتح رسول الله "صلى الله عليه وآله" حصون النطاة، والشق، انهزم من سَلِمَ منهم إلى حصون الكتيبة.
وهي: القموص، والوطيح، والسلالم.
وأعظم حصونها: القموص، وكان حصناً منيعاً([228])، بل هو حصن خيبر الأعظم([229]).
قال ابن وهب: قلت لمالك: وما الكتيبة؟!
قال: من أرض خيبر، وهي أربعون ألف عذق([230]).
حصار القموص:
وقد فتح الله هذا الحصن العظيم على يد علي "عليه السلام"، بعد أن حاصره المسلمون عشرين ليلة([231]).
وذكر موسى بن عقبة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حاصره قريباً من عشرين ليلة. وكانت أرضاً وخمة.
وقال الواقدي: "وبالكتيبة من اليهود، ومن نسائهم، وذراريهم أكثر من ألفين.
فلما صالح رسول الله "صلى الله عليه وآله" أهل الكتيبة أمن الرجال والذرية، ودفعوا إليه الأموال: البيضاء والصفراء، والحلقة، والثياب إلا ثوباً على إنسان"([232]).
ثم ذكر: أن فلول النطاة والشق جاءتهم إلى الكتيبة، والوطيح وسلالم، فتحصنوا معهم في القموص أشد التحصين مغلقين عليهم لا يبرزون، حتى هم رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يرميهم بالمنجنيق([233]).
رعب اليهود:
ويذكر الواقدي أيضاً: أن كنانة ابن أبي الحقيق كان رامياً، يرمي بثلاثة أسهم في ثلاث مائة ذراع، فيدخلها في هدف شبراً في شبر. فما هو إلا أن قيل له: هذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أقبل من الشق في أصحابه، وقد تهيأ أهل القموص، وقاموا على باب الحصن بالنبل.. فنهض كنانة إلى قوسه، فلم يستطع أن يوترها لشدة الرعدة التي انتابته..
ثم ذكروا: أنه أرسل إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليلتقيه.. ويكلمه في الصلح.. فوقع الصلح بينهما كما سيأتي([234]).
ونقول:
لعل هذا النص يريد أن يقول:
إن الصلح كان على بقية حصون الكتيبة، أما حصن القموص فقد فتحه علي "عليه السلام" وحده، كما هو صريح كلمات المؤرخين ورواياتهم.
رايات الفاشلين:
وروى الشيخان، عن سهل بن سعد.
والبخاري، وابن أبي أسامة، وأبو نعيم، عن سلمة بن الأكوع.
وأبو نعيم، والبيهقي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه.
وأبو نعيم، عن ابن عمر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي سعيد الخدري، وعمران بن حصين، وجابر بن عبد الله، وأبي ليلى.
ومسلم، والبيهقي، عن أبي هريرة.
وأحمد، وأبو يعلى، والبيهقي، عن علي "عليه السلام".
قال بريدة: كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" تأخذه الشقيقة، فيمكث اليوم واليومين لا يخرج، فلما نزل خيبر أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى الناس، فأرسل أبا بكر، فأخذ راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ وكانت بيضاء([235]) ـ ثم نهض فقاتل قتالاً شديداً، ثم رجع، ولم يكن فتح. وقد جهد (وقتل محمود بن مسلمة)([236]).
ثم أرسل عمر، فأخذ راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقاتل قتالاً شديداً هو أشد من القتال الأول، ثم رجع، ولم يكن فتح.
وفي حديث عن علي "عليه السلام" عند البيهقي: أن الغلبة كانت لليهود في هذين اليومين([237]). انتهى.
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" أرسل عمر في اليوم الأول، ثم أرسل أبا بكر في اليوم الثاني، ثم أرسل عمر في اليوم الثالث، ولم يكن فتح([238]).
وفي نص آخر عن بريدة: حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر، فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذه عمر من الغد، فخرج ورجع، ولم يفتح له. وأصاب الناس يومئذٍ شدة جهد، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إني دافع اللواء الخ..([239]).
وعند الطبري: فانكشف عمر وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، يجبِّنه أصحابه ويجبِّنهم، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لأعطين الراية ـ اللواء ـ غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
فلما كان من الغد تطاول لها أبو بكر، وعمر، فدعا علياً "عليه السلام" الخ..([240]).
وعن أبي ليلى، وعن ابن عباس: بعث أبا بكر فسار بالناس، فانهزم حتى رجع إليه، وبعث عمر فانهزم بالناس حتى انتهى إليه، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لأعطين الخ..([241]).
زاد بعضهم قوله: ثم بعث رجلاً من الأنصار فقاتل ورجع، ولم يكن فتح([242]).
فأخبر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك فقال: "لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله عليه، ليس بفرار، يحب الله ورسوله، يأخذها عنوة".
وفي لفظ: "يفتح الله على يديه".
قال بريدة: فبتنا طيبة أنفسنا أن يفتح غداً، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها.
فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلهم يرجو أن يعطاها.
قال أبو هريرة: قال عمر: فما أحببت الإمارة قط حتى كان يومئذ([243]).
قال بريدة: فما منا رجل له من رسول الله "صلى الله عليه وآله" منزلة إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولت أنا لها، ورفعت رأسي لمنزلة كانت لي منه، وليس منةً([244]).
وفي حديث سلمة، وجابر: وكان علي تخلف عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لرمد شديد كان به لا يبصر، فلما سار رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: لا، أنا أتخلف عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"!!
فخرج فلحق برسول الله "صلى الله عليه وآله" في الطريق، أو بعد وصوله إلى خيبر([245]).
ثم ذكر البخاري وغيره، قوله "صلى الله عليه وآله": لأعطين الراية غداً..
إلى أن قال: فنحن نرجوها، فقيل: هذا علي، فأعطاه، ففتح عليه([246]).
وفي نص آخر: فإذا نحن بعلي، وما نرجوه، فقالوا: هذا علي الخ..([247]).
قال بريدة: وجاء علي "عليه السلام" حتى أناخ قريباً، وهو رَمِد، قد عصب عينيه بشق برد قطري.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما لك؟
قال "عليه السلام": رمدت بعدك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ادن مني.
فدنا منه، ثم ذكر أنه أعطاه الراية، فنهض بها معه، وعليه حلة أرجوان حمراء، قد أخرج خملها، فأتى خيبر الخ..([248]).
وفي نص آخر: قال بريدة: فلما أصبح رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلى الغداة، ثم دعا باللواء، وقام قائماً.
قال ابن شهاب: فوعظ الناس، ثم قال: "أين علي"؟
قالوا: يشتكي عينيه.
قال: "فأرسلوا إليه".
قال سلمة: فجئت به أقوده، قالوا كلهم: فأُتي به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "ما لك"؟
قال: رمدت حتى لا أبصر ما قدامي.
قال: "ادن مني".
وفي حديث علي عند الحاكم: فوضع رأسي عند حجره، ثم بزق في ألية يده، فدلك بها عيني.
قالوا: فبرئ، كأن لم يكن به وجع قط، فما وجعهما علي حتى مضى لسبيله، ودعا له، وأعطاه الراية([249]).
وذكروا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أرسل سلمة بن الأكوع إلى علي "عليه السلام"، فجاء يقوده وهو أرمد([250]).
قال سهل: فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟
فقال: "أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم. ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى، وحق رسوله. فوالله، لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم"([251]).
وقال أبو هريرة: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعلي: "اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك، ولا تلتفت".
قال: علام أقاتل الناس؟
قال: "قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله".
فخرجوا، فخرج بها ـ والله يأيح ـ يهرول هرولة، وإنَّا لخلفه نتبع أثره. حتى ركزها تحت الحصن.
فاطلع يهودي من رأس الحصن فقال: من أنت؟
قال: علي.
أو قال: أنا علي بن أبي طالب.
فقال اليهودي: غلبتهم (أو علوتم)، والذي أنزل التوراة على موسى. فما رجع حتى فتح الله تعالى على يديه([252]).
وعن حذيفة: "لما تهيأ علي "عليه السلام" للحملة، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله":
"يا علي، والذي نفسي بيده، إن معك من لا يخذلك. هذا جبريل "عليه السلام" عن يمينك، بيده سيف لو ضرب الجبال لقطعها، فاستبشر بالرضوان والجنة.
يا علي: إنك سيد العرب، وأنا سيد ولد آدم".
وفي رواية: أنه "صلى الله عليه وآله" ألبسه درعه الحديد([253])، وشد ذا الفقار في وسطه، وأعطاه الراية، ووجّهه إلى الحصن.
فقال علي "عليه السلام": يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ الخ..([254]).
فخرج علي بها، وهو يهرول"([255]).
وفي نص آخر: أركبه رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم خيبر، وعممه بيده، وألبسه ثيابه، وأركبه بغلته، ثم قال له: "امض يا علي، وجبرئيل عن يمينك، وميكائيل عن يسارك، وعزرائيل أمامك، وإسرافيل وراءك، ونصر الله فوقك، ودعائي خلفك"([256]).
رايتان أم ثلاث؟!
وقد ذُكِرَ في بعض النصوص: أنه "صلى الله عليه وآله" أرسل أبا بكر، فرجع منهزماً، ثم أرسل عمر، فرجع منهزماً أيضاً..
وبعضها اقتصر على عمر..
وبعضها ذكر: أنه أرسل عمر مرتين، مرة قبل أبي بكر، ومرة بعده.
لكن الذي لفت نظرنا هو: إضافة راية ثالثة لرجل من الأنصار، وأنه رجع منهزماً أيضاً([257]).
والظاهر: أن المقصود بذلك هو: سعد بن عبادة، بل لقد صرح الواقدي باسمه، وبأنه قد رجع مجروحاً([258]).
مع أن الذي ذكرته الروايات الكثيرة، هو: هزيمة أبي بكر وعمر، وربما اقتصرت بعض الروايات على ذكر عمر أيضاً. فهل السبب في هذه الإضافة لسعد، وربما لابن مسلمة وغيره، هو إخراج هذا الأمر عن دائرة قريش، وعن دائرة الذين استأثروا بالأمر بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لتشمل الهزيمة زعيم الأنصار، الذي نافسهم في السقيفة، فأرادوا أن ينيلوه شرف الهزيمة والفرار الذي باؤوا به؟!
وإلا، فلماذا اختاروا سعد بن عبادة دون سواه لهذا الأمر؟!
إرسال عمر مرتين:
وقد لوحظ أيضاً: أن بعض النصوص تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" أرسل عمر إلى اليهود مرتين، مرة قبل إرسال أبي بكر، ومرة بعده..
وربما يمكن تفسير ذلك أيضاً: بأن عمر كان يدَّعي لنفسه الشدة والصلابة، ويُظْهِر ذلك للناس، حتى إنه يأمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقتل هذا، وبقلع ثنايا ذاك، ويصر على قتل الأسرى في بدر.. وعلى القتال في الحديبية.. و.. و..
فكأنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن يظهر: أن هذا كله لم يكن لأجل شجاعة فيه، بل هو لأمور أخرى..
والشاهد على ذلك: هذا الذي جرى في خيبر، فإن أمكن لعمر أن يتعلل بشيء في هزيمته في اليوم الأول، فبأي شيء يعتذر أو يتعلل في اليوم الثاني؟!
ثم إن إرسال أبي بكر، وغيره، قد جاء ليؤكد على: أن هذا السنخ من الناس ليس هو الذي يفتح الله تعالى على يده الحصون، ويقرُّ بقلع أبوابها العيون..
بل الذي يقوم بهذه المهمات الجسيمة، والإنجازات الهائلة والعظيمة هو نوع آخر من الناس، مطمئنة نفسه، وراضية بلقاء الله تعالى.. كرار غير فرار.. لا يتمنى الإمارة لنفسه، حتى في ذلك اليوم، بل هو يرى أنه لا أحد يستطيع أن يمنع ما يعطيه، فيقول: "اللهم لا مانع لما أعطيت".
أين ابن مسلمة، والحباب، والزبير؟!
ويبقى أمامنا سؤال يقول: لماذا لم يعط النبي "صلى الله عليه وآله" الراية في اليوم الثاني لمحمد بن مسلمة، أو للحباب, أو للزبير؟! الذين ينسبون لهم البطولات العظيمة في خيبر, حتى ليدَّعون أن ابن مسلمة هو الذي قتل مرحباً.
نعم, لماذا صرف النظر عن هؤلاء جميعاً؟! وأطلق تعريضه بهم ليشمل وصف الفرار كل واحد منهم، بعد أن حصر وصف الكرار بعلي "عليه السلام" دون سواه؟!
فلماذا لم يحفظ لهم ماء الوجه, لو كانوا قد ثبتوا ولم يهربوا مع الهاربين؟!
ونحن نكاد نطمئن إلى أنهم قد أهملوا ذكر ابن مسلمة مع الفارين بالراية ـ كما سيأتي ـ لأنهم ادخروه لقتل مرحب، بدلاً من علي "عليه السلام" كما سنرى..
كتائب اليهود تهاجم الأنصار:
وقد ذكر الواقدي ما جرى بطريقة تشير إلى أمور يحسن لفت النظر إليها، فهو يقول ما ملخصه: إنه "صلى الله عليه وآله" دفع لواءه إلى أحد المهاجرين، فرجع ولم يصنع شيئاً.
فدفعه إلى آخر: فكذلك.
فدفع لواء الأنصار إلى رجل منهم: فكذلك أيضاً.
فحث "صلى الله عليه وآله" المسلمين على الجهاد.
وسالت كتائب اليهود، أمامهم الحارث أبو زينب يهدُّ الأرض هداً، فأرجعهم صاحب راية الأنصار إلى الحصن.
فخرج ياسر [أو أسير] معه عاديته([259])، وكشف الأنصار حتى انتهى إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في موقفه، فاشتد ذلك على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبات مهموماً.
[وخرج بعد ذلك سعد بن عبادة].
وكان سعد بن عبادة قد جرح، وجعل يستبطئ أصحابه، وجعل صاحب راية المهاجرين يستبطئ أصحابه، ويقول: أنتم، وأنتم.
فقال "صلى الله عليه وآله": إن اليهود جاءهم الشيطان، فقال لهم: إن محمداً يقاتلكم على أموالكم، نادوهم:
قولوا: لا إله إلا الله، ثم قد أحرزتم أموالكم ودماءكم، وحسابكم على الله.
فنادوهم بذلك، فنادت اليهود: إنَّا لا نفعل. ولا نترك عهد موسى والتوراة بيننا.
فقال "صلى الله عليه وآله": لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله([260])، ليس بفرار([261]).
أبشر يا محمد بن مسلمة، غداً إن شاء الله يقتل قاتل أخيك، وتولِّي عادية اليهود.
وفي نص المقريزي: "ثم خرج مرحب، فحمل على علي، وضربه، فاتقاه بالترس، فأطن ترس علي رضي الله عنه، فتناول باباً كان عند الحصن، فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن.
وبعث رجلاً يبشر النبي "صلى الله عليه وآله" بفتح حصن مرحب.
ويقال: إن باب الحصن جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً.
وروي من وجه ضعيف عن جابر: ثم اجتمع عليه سبعون رجلاً، فكان جهدهم أن أعادوا الباب الخ.."([262]).
ونقول:
إن لنا مع هذا النص وقفات، نجملها على النحو التالي:
ألف: تعمد التعتيم على الحقائق:
إن أول ما يطالع من يقرأ هذه الرواية، هو تعمد التكتم على المهاجِرَيْن اللذين فرَّا أولاً، وذلك بأساليب متعددة، منها:
1 ـ كتمان اسميهما.. وقد جاء ذلك في نصوص أخرى أيضاً.
مع ملاحظة: أن ثمة إيحاءً بالتكتم على اسم الأنصاري الثالث، بالرغم من أن الراوي يتعمد التصريح أخيراً باسم سعد بن عبادة الذي جرح، حيث يظهر بوضوح أنه هو المقصود، فإنه جعله في مصاف المهاجريْن اللذين فرا، ولم يصنعا شيئاً.
ثم أوغل الراوي في حشد الأمارات والدلالات عليه، حين ذكر: أن ذلك الأنصاري جعل يستبطئ أصحابه.. تماماً كما جعل المهاجريان يستبطئان أصحابهما..
2 ـ إنه غيَّرَ في التعابير بطريقة لا تُفهم القارئ أن هؤلاء قد هربوا، فضلاً عن أن يكون الهروب مخزياً..
بل هو قد أبعد ذهن القارئ عن موضوع الفرار بصورة تامة، ويكاد لا يشير إليه، بل هو يهيئ الأجواء ليفهم الناس عكس الحقيقة، إذ غاية ما يفهم من الكلام، أنهما قد بذلا جهداً، وحاربا ولم يتمكنا من فتح الحصن.
3 ـ إنه تكتم أيضاً على أمر آخر قد صرحت به الروايات، وهو: أن الهارب الأول صار يجبِّن أصحابه (أي يتهمهم بأنهم جبناء)، ويجبِّنه أصحابه (أي يتهمونه هو بأنه جبان)، فذكر الراوي هنا عوضاً عن ذلك عبارة: يستبطئ أصحابه ويقول: أنتم، وأنتم..
ب: لواء الأنصار، أم لواء النبي '؟!
ويلاحظ أيضاً: أن الراوي هنا.. قد نسب اللواء الذي أخذه المهاجري الأول، والمهاجري الثاني إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".. فقال: دفع لواءه إلى أحد المهاجرين..
ولكنه: نسب اللواء الذي أعطاه للأنصاري إلى الأنصار، لا إلى رسول الله، فقال: "فدفع لواء الأنصار إلى رجل منهم".
وهذا يدل: على أن فرار ذلك الأنصاري إنما كان بلواء الأنصار، لا بلواء الجيش كله.. فهو لواء لفرقة خاصة.
وأما فرار الأولين، وهما من المهاجرين، فقد كان بلواء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو لواء الجيش.
فإن كان الراوي يريد إعطاء امتياز للمهاجريين (وهما أبو بكر وعمر طبعاً) على ذلك الأنصاري (وهو سعد بن عبادة المنافس لهما في يوم السقيفة).. فإنه يكون قد وقع في أمر لا يريده، وهو أمر بالغ الخطورة.
حيث أوضح: أنهما قد هربا بلواء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومن الواضح: أن الهزيمة لحامل لوائه "صلى الله عليه وآله" ـ وهو لواء الجيش كله ـ تبقى هي الأشر، والأضر، والأخطر، والأمر، عليه "صلى الله عليه وآله"، وعلى الإسلام والمسلمين، وهي جريمة عظيمة وهائلة..
ج: حفظ ماء وجه الأنصاري:
ويلاحظ: أن الراوي نفسه، الذي يريد أن يكرس الامتيازات للرجلين المهاجريين، بالتأكيد على فرار أحد منافسيهما، وهو ابن عبادة، قد أقر لسعد بن عبادة بأنه حقق إنجازاً ـ مهما كان متواضعاً ـ عجز ذانك الرجلان عن تحقيقه، حيث ذكر: أنه قد أرجع كتائب اليهود إلى الحصن، ومعهم قائدهم الحارث أبو زينب، الذي كان يهدّ الأرض هداً.
د: أين كان المهاجرون؟!
والسؤال المحير هنا هو: لماذا يتصدى خصوص ذلك الأنصاري والأنصار الذين كانوا معه للحارث أبي زينب، وللكتائب التي كانت معه، حتى ردّوهم إلى الحصن؟ وأين كان المهاجريان اللذان أخذا لواء النبي "صلى الله عليه وآله"، وهربا به؟!!..
والأغرب من ذلك: أنه بعدما عادت كتائب اليهود مع الحارث أبي زينب إلى الحصن بجهد الأنصار فقط، قد عادت لتخرج من جديد بقيادة ياسر اليهودي، وتهاجم الأنصار، دون سواهم مرة أخرى..
ولا ندري لماذا لا تتعرض للمهاجرين في هذه المرة.. أيضاً؟!
كما أننا لا ندري: لماذا لم يُعِنْ المهاجرون الأنصار؟!
ولماذا تركوا اليهود يزيلون الأنصار عن مراكزهم، حتى انتهوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في موقفه؟!
فإن كانوا لا يحبذون إعانة الأنصار لأمر مَّا كان في نفوسهم عليهم، فهل من المعقول أن يتركوا اليهود يخلصون إلى النبي "صلى الله عليه وآله" في موقفه؟!
وماذا سيكون عذرهم لو أن اليهود تمكنوا من إلحاق الأذى به "صلى الله عليه وآله"؟!..
هـ: نداء رسول الله ' في اليهود:
وقد ذكرت تلك الرواية المتقدمة أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أخبر عن مقالة الشيطان لليهود: إن محمداً يقاتلكم على أموالكم..
وهو نداء شيطاني حقاً، من شأنه أن يثير حفيظة أناس يعرف الناس كلهم: أن حبهم للمال يفوق كل حب، والمال هو هاجسهم الأول والأخير، ويرون: أن فقدهم للمال يوازي فقدهم للحياة.
وقد أمر النبي "صلى الله عليه وآله" بنداءٍ يبطل تأثير مقولة الشيطان هذه، ويفقدهم ذريعةً كانوا يرون أنها تكفي لتبرير طغيانهم عليه "صلى الله عليه وآله".
فإنه "صلى الله عليه وآله" أظهر في ندائه لهم: أن أموالهم، وكذلك دماءهم ليست هدفاً له "صلى الله عليه وآله"، رغم كل ما فعلوه معه، من نقض عهود، ومن تحريض، ومن تآمر، وسعي للإعداد والاستعداد لحربه، وإنما هدفه هو: أن يعلنوا أنهم ملتزمون بتوحيد الله سبحانه..
مع تقديم تعهد صريح منه "صلى الله عليه وآله"، بالاكتفاء منهم بهذا الإعلان، فلا يكون هناك أي بحث عن دخائلهم، وعن مكنونات نفوسهم، ولا يتعرض للكشف عن ضمائرهم، فإن حسابهم على الله وحده، وليس لأحد غيره الحق في التعرض لشيء من ذلك.
فنلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يطلب لنفسه منهم مالاً، ولا سلطة، ولا سعى لمحاسبتهم على ما بدر منهم، ولا غير ذلك.
ولكن اليهود رفضوا حتى الإعلان عن الالتزام بالوحدانية، وأكدوا التزامهم بالخط الذي هم عليه، رغم ظهور الحجة، وسطوع البرهان على نبوته "صلى الله عليه وآله"، حتى إنهم ليجدونه "صلى الله عليه وآله"، مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، وهم يعرفونه "صلى الله عليه وآله" كما يعرفون أبناءهم.
و: الصحابة يفرون حتى عن علي ×!!
وقد صرحت الرواية: بأن الذين ذهبوا مع علي "عليه السلام" قد فروا عنه "صلوات الله وسلامه عليه" أيضاً، وتركوه، ليواجه كتائب اليهود وحده، وكانت بقيادة الحارث أخي مرحب. فقتله علي "عليه السلام".. وهرب الذين كانوا مع الحارث إلى الحصن، وأغلقوا عليهم..
ثم خرج مرحب، فقتله علي "عليه السلام" أيضاً على الباب، وفتح الباب..
والذي يبدو لنا: أن الرواة المغرضين قد حاولوا تلطيف أمر هذا الفرار، فقالوا: إن علياً قد أخذ الراية وهرول نحو الحصن وفتحه، وقلع بابه ودخله، قبل أن يلحق آخر الناس أولهم، أو قبل أن يلبس الناس سلاحهم، أو قبل أن يتم اصطفاف الخيل، أو نحو ذلك مما سنذكره فيما سيأتي إن شاء الله، تحت عنوان: علي يفتح خيبر وحده.
تعابير ذات مغزى:
وعن ابن عباس: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: لأبعثن رجلاً لايخزيه الله أبداً، يحب الله ورسوله.
قال: فاستشرف لها من استشرف.
قال: أين علي "عليه السلام"؟!
قالوا: هو في الرحل، يطحن.
قال: وما كان أحدكم ليطحن؟
قال: فجاء وهو أرمد، لا يكاد يبصر.
قال: فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثاً، فأعطاه إياها، فجاء بصفية بنت حيي الخ..([263]).
ونقول:
1 ـ قد تحدثنا في موضع آخر من هذا الكتاب عن قوله "صلى الله عليه وآله": "لا يخزيه الله أبداً". فيمكن الاكتفاء بما ذكرناه هناك..
2 ـ لقد كان علي "عليه السلام" يمارس عملية الطحن، حين تخلف في الرحل، بسبب الرمد الذي جعله لا يبصر.
فلم يكن "عليه السلام" ـ حتى وهو في هذه الحالة الصعبة ـ فارغاً، ينتظر خدمة الآخرين له.. بل يؤدي وظيفة تفيد هذا الجيش المقاتل لأعداء الله تعالى، وجد نفسه قادراً على أدائها..
وقد تركه الناس يمارس هذا العمل، وسارعوا إلى الحضور عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"، على أمل أن يفوزوا بشرف حمل الراية حين علموا: بأن ثمة أوسمة هامة، تؤهلهم لتبوُّؤ مناصب، وتحلهم في مراتب كانوا يحلمون بها، ومنها: أن حاملها سوف يفتح الله على يديه.
نعم، لقد سارعوا إلى مجلس رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واستشرفوا للراية، وطلبوها، رغم الفرار الذي كان قد صدر منهم عن قريب.
فهل كانوا ذاهلين عن أن الله تعالى إنما يفتح على يدي من كان كراراً غير فرار؟!.
ومن كان الله ورسوله أحب إليه حتى من نفسه؟!.
ومن كان باذلاً نفسه في كل ما يرضي الله ورسوله، حتى صار حبيباً لهما؟!
ومن لا يعتبر إعطاء الراية له مكسباً دنيوياً، بل هو يعتبره عطاءً إلهياً يعبر عنه بقوله: اللهم لا مانع لما أعطيت؟!([264]).
ومن لا يخالف ما يأمره به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى فيما قد يراه الكثير من الناس شكلياً، أو أمراً عادياً؟!
حتى إنه حينما قال له: اذهب ولا تلتفت، مشى قليلاً، ووقف ولم يلتفت، وسأل رسول الله "صلى الله عليه وآله": علام أقاتلهم؟! أو علام أقاتل الناس؟!
ومن الواضح: أن الالتزام بأوامر النبي "صلى الله عليه وآله" وتنفيذها حرفياً، هو الأمر الذي يجب الالتزام به، ولا يجوز التخلف عنه، وهو الذي يدخل السرور على قلبه "صلى الله عليه وآله".
3 ـ ولأجل تركهم إياه يمارس ذلك العمل، وإسراعهم إلى ما يرون الحصول عليه مكسباً وامتيازاً دنيوياً، جاء اللوم لهم من قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليؤكد على لزوم معرفة أقدار الرجال، وإعطاء كل ذي حق حقه..
والأهم من ذلك: أن يوكل كل عمل للشخص المناسب له، فلا يوكل أمر الطحن، أو استقاء الماء لقادة الجيش، ولعلماء الأمة وربانييها؛ لأن ذلك معناه: هدر الطاقات، وتعطيل القدرات، خصوصاً إذا حصل ذلك في الأوقات العصيبة، والظروف الحساسة، والمصيرية.
4 ـ وعن النصوص التي تتعمد كتمان أسماء الفارين نعود فنقول:
لماذا يتعمدون تجهيل الناس بهذا الأمر؟!
ألا يعتبر ذلك: من مفردات الخيانة للأمة، ومن التدليس على الناس؟!
وهو تدليس شديد الإضرار بالأمة، عظيم الأثر على الدين، ولا نريد أن نقول أكثرمن ذلك.
أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟!
وحول قول علي "عليه السلام" للنبي "صلى الله عليه وآله": علام أقاتلهم؟ نقول:
1 ـ لعل سؤال علي "عليه السلام" عن غاية القتال قد فاجأ الكثيرين من الصحابة الذين كانوا حول رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والذين قد يكون أكثرهم إنما يقاتل من أجل الغنائم، أو المناصب، أو الشهرة، أو حباً بالإمارة؛ أو لأجل أن يفرضوا الإسلام عليهم بالقوة والقهر، أو نحو ذلك..
فأراد علي "عليه السلام" أن يعرف الجميع: أنه لا بد أن يكون كل عمل يقوم به الإنسان هادفاً.
ثم أن يكون الهدف في مستوى العمل نفسه، من حيث خطورته، ومن حيث حساسية آثاره.
2 ـ ومن جهة أخرى نلاحظ: أنه لم يقل: أقاتلهم حتى يكونوا مسلمين، بل قال: حتى يكونوا مثلنا..
ولعل السبب في ذلك: أنه "عليه السلام" لو استعمل كلمة "المسلمين" لجاء الجواب بنعم، أو بلا..
ولكنه حين قال: حتى يكونوا مثلنا.. احتاج إلى توضيح مستوى المثلية المطلوبة، وأن المطلوب أولاً: هو الدرجة التي توجب حقن دمائهم.. أما سائر المراتب والدرجات، فإنما تحصل بالسعي الدؤوب من قبل الأفراد أنفسهم، كل بحسب حاله، وقدراته، وطبيعة قناعاته..
والذي تحقن به دماؤهم، هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
عرِّفهم ما يجب عليهم:
ومن الأهمية بمكان الوقوف عند قوله "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"، حين قال له: علام أقاتلهم؟!: "عرِّفهم ما يجب عليهم من حق الله تعالى، وحق رسوله". وذلك بالتزامن مع دعوتهم إلى الإسلام، الأمر الذي يدل على أن دعوتهم إلى الإسلام لا يقصد بها إكراههم عليه، وفرض قبوله عليهم بلا مناقشة.. بل هي دعوة تستند إلى الإقناع، وتعتمد على إقامة الحجة، والتوعية، والتعريف بما يجب وما لا يجب.
حق الله وحق رسوله:
ثم إن قول رسول الله "صلى الله عليه وآله": "عرفهم ما يجب عليهم من حق الله ورسوله"، قد تضمن طلبه "صلى الله عليه وآله" في بادئ الأمر تعريفهم بحق الله تعالى عليهم، وهو توحيده، وعبادته، وطاعته. ولا يطلب تعريفهم بأوامر الله، ونواهيه لهم، فإن هذا يأتي في مرحلة لاحقة، حيث لا بد لهم من السعي إلى الحصول على هذا الأمر..
كما أنه لم يطلب تعريفهم بشيء يعود نفعه إليه "عليه السلام" كشخص، ولا يريد منهم شيئاً لنفسه، بل يطلب "صلى الله عليه وآله" منه "عليه السلام" أن يعرفهم بحق من تكون له صفة الرسولية والنبوة، وهو القبول منه، وعنه، وتوقيره ونصرته، والشهادة والاعتراف له بذلك..
لأن يهدي الله بك نسمة:
ثم هو يعقب ذلك بالتوجيه الكريم والعظيم، حيث يقول له: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم..
ليفهم الجميع: أن مسؤوليتهم هي هداية الناس.. وأن هذا هو الخير العظيم الذي يحب أن تنصرف إليه الهمم، وتعقد عليه العزائم، فلا يكون همهم الحصول على الأموال والجواري، والمناصب، ولا فتح الحصون، وقتل الرجال. بل يكون كل همهم منصرفاً إلى فتح القلوب أولاً، حتى إذا أصبحت الحصون أقفالاً على تلك القلوب، فلا بد حينئذٍ من دكِّها وتحطيمها، وإزالة تلك الأقفال عنها.
وقد ورد أيضاً أنه "صلى الله عليه وآله" قال: لأن يهدي الله بك نسمة (أو رجلاً) خير لك مما طلعت عليه الشمس([265]). وهذه الكلمة وتلك تعطي الانطباع عن حقيقة القيمة التي للإنسان بنظر الإسلام، حتى إن نسمة واحدة سواء كانت رجلاً أم أنثى، صغيرة كانت أم كبيرة، إذا هُديت بك، فهي خير من كل ما طلعت عليه الشمس..
وهذا معناه: أن كل قتال شرعه الإسلام، إنما شرعه وفق هذه النظرة ومن خلالها، إذ لا مجال للتناقض والاختلاف في دين الله سبحانه وتعالى، فهذا التشريع إنما كان بهدف حفظ البشرية، ومن أجل إزاحة مصادر الخطر عنها، واستئصال جراثيم سرطانية، لا مجال للحياة معها.
اليهود، وكلمة التوحيد:
وقد قال "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وهذا يشير إلى أن توحيد اليهود مشوب بالشرك أو بغيره من المعاني التي تنافىه، وتخرجه عن حقيقته، مثل اعتقادهم بأن عزيراً ابن الله، واعتقادهم بالتجسيم الإلهي، ونسبة أمور مشينة إلى الذات المقدسة، مثل أن يده ـ سبحانه ـ مغلولة، وكذلك نسبة الظلم والعجز إليه تبارك وتعالى، وغير ذلك.
التدرج في الاعتقادات، وفي الأحكام:
وقد جعل النبي "صلى الله عليه وآله" ميزان حفظ الأموال، وحقن الدماء: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، كما اتضح من جواب النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"..
وذلك: لأن للاعتقادات مراتب، ولكل مرتبة منها آثارها.. فالاعتراف بوجود الله سبحانه، وبأن له رسلاً وكتباً، وشرائع ـ كما هو الحال في أهل الكتاب ـ أقل قبحاً من الإلحاد، ومن الشرك.
ولذلك كانت لهؤلاء أحكام تختلف عن أحكام أولئك، فيجوز مثلاً التزويج بالكتابية متعة، ولا يجوز تزويجهم مطلقاً، ويصح أيضاً اعتبارهم من أهل الذمة، ويمنع التعرض لهم في ممارساتهم الدينية، وفق حدود وقيود معينة، ويمكن الدخول في عهد معهم، وما إلى ذلك.
فإذا دخلوا في الإسلام، وشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإنه يضاف إلى ذلك: أنه يوجب بمجرده حقن دمائهم، ويمنع من التعرض لأموالهم، ولا حاجة في ذلك إلى عقد وعهد، ولا يصح اعتبارهم أهل ذمة..
ويجوز أيضاً: التزوج والتزويج منهم، ويحكم بحلية ذبائحهم، وبطهارتهم، وهم يرثون ويورثون الخ..
فإذا اعتنقوا مذهب الحق: فإن ذلك يرتب أحكاماً أخرى لهم وعليهم. فتحرم غيبتهم، وتجب حقوق الأخوة الإيمانية لهم، وتترتب عليهم أيضاً أحكام أهل المذهب، فلا يقبل منهم التصرف الموافق للمذاهب الأخرى، فلا يمضى عليهم الطلاق بالثلاث، ويحكم ببطلانه، ولا يقبل طلاقهم من غير شهود، فإذا صاروا من أهل العدالة، صحت الصلاة خلفهم، وقبلت شهادتهم، وما إلى ذلك.
ثم إن الواحد منهم يتدرج في مراتب الفضل والكمال، فيكون عالماً، ويكون عابداً تقياً، وقد يصل إلى أن يكون ولياً من الأولياء.
ومن البشر من يصطفيهم تعالى للإمامة وللنبوة، وإن للنبوة مراتب أيضاً تختلف وتتفاوت، فيكون النبي من أولي العزم، أو من غيرهم، أو تكون له مرتبة النبوة الخاتمة، التي هي المرتبة العظمى والمنزلة الأسمى.. وللإمامة أيضاً مراتب، وأعظمها مقام الإمامة للنبوة الخاتمة، فإنها أعظم من مقام الإمامة بدون هذه الخصوصية.
وعلى كل حال: فإن الله يزيد في المقام، ويوجب الحقوق، ويجعل الأحكام التي تناسب هذه الخصوصية أو تلك..
الفصل الثاني:
وقفات لا بد منه
هل قاتل المهزومون في خيبر؟!
زعمت بعض النصوص المتقدمة: أن أبا بكر وعمر قد قاتلا قتالاً شديداً، وقد جهدا فلم يفتح لهما..
ونحن ليس فقط نشك في صحة ذلك، بل نرجح: أنهما قد هزما قبل مباشرة القتال، أو أنهما باشراه مع ظهور الخوف والجبن، فانهزما بسرعة قبل إنجاز أي شيء مؤثر، أو صالح لأن يوصف بأنه قتال..
ونستند في ذلك إلى ما يلي:
أولاً: أشارت بعض النصوص، وبعضها كاد أن يصرح: بأن عمر قد رجع قبل أن يصل إلى ساحة الحرب..
فقد ورد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دعا أبا بكر في اليوم الأول، وقال: خذ الراية.
فأخذها في جمع من المهاجرين، فاجتهد فلم يغن شيئاً، فعاد يؤنب القوم الذين اتبعوه ويؤنبونه..
فلما كان من الغد تعرض لها عمر، فسار بها غير بعيد، ثم رجع يجبِّن أصحابه ويجبِّنونه.
فقال "صلى الله عليه وآله": ليست هذه الراية لمن حملها، جيئوني بعلي.
فقيل: إنه أرمد.
فقال: أرونيه، تروني رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله([266]).
وقد ورد في حديث بريدة أيضاً قوله: "فأخذ اللواء أبو بكر، فانصرف ولم يفتح له، ثم أخذها عمر من الغد، فخرج ورجع ولم يفتح له..".
وفي حديث ابن أبي ليلى، وابن عباس: بعث أبا بكر، فسار بالناس؛ فانهزم حتى رجع إليه، وبعث عمر، فانهزم بالناس حتى انتهى إليه.
وفي نص آخر: دفع "صلى الله عليه وآله" اللواء لرجل من المهاجرين، فرجع ولم يصنع شيئاً، فدفعه إلى آخر من المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئاً.
وكل ذلك قد تقدم مع طائفة من مصادره..
ثانياً: إن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد غضب واستاء مما حصل، وصرح بما قد يُشْعِر: بأن هذا الفعل مقصود من المهاجرين والأنصار، حيث قال: هكذا تفعل المهاجرون والأنصار؟! ـ حتى قالها ثلاثاً ـ لأعطين..([267]).
وقالوا أيضاً: فغضب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقال: "ما بال أقوام يرجعون منهزمين، يجبنون أصحابهم؟!
أما والله لأعطين الخ.."([268]).
وذكر نص آخر: انهزام أبي بكر وعمر وقال: حتى ساء رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك، فقال: لأعطين الراية الخ..([269]).
فهذا الغضب والاستياء من رسول الله "صلى الله عليه وآله" يدل على: أن هزيمتهم لم يكن لها ما يبررها أصلاً.
بل إن قوله ثلاث مرات: هكذا تفعل المهاجرون والأنصار، يشير إلى أسف بالغ، وحسرة قوية، قد انتابته من فعلهم هذا، حيث يدل ذلك على أن ما يجري ليس بسبب قوة اليهود، بل هو نتيجة تخاذل، وجبن من أصحابه، ولهذا الجبن والخور دلالته السلبية..
ومما يؤكد ذلك كله: أن نفس المهاجرين والأنصار كانوا يتبادلون الاتهامات حول ما يجري، الأمر الذي يدل على قناعتهم بأن مسؤولية ما حصل تقع على عاتقهم أنفسهم.
ثالثاً: لو صح قولهم: إنهما قاتلا قتالاً شديداً، وجهدا، لم يصح تعريض النبي "صلى الله عليه وآله" بهما وبمن معهما, وإظهار الإزراء عليهما, وفضحهما على رؤوس الأشهاد. بل كان اللازم تقدير جهودهما، وجهادهما، وإغداق الأوسمة عليهما. فهذا الاستياء، وذلك التعريض والتأنيب، وإظهار الأسى والغضب يدل دلالة واضحة على أنهما قد ارتكبا بفرارهما أمراً عظيماً، وأن هذا الفرار كان على درجة كبيرة من القباحة والشناعة، جعلتهما يستحقان ذلك كله..
وبات من الضروري عقوبتهما بهذه الطريقة المؤلمة، التي تخلد اسميهما في سجل لا يحب أحد أن يكون له اسم فيه، وهو سجل الفرارين في الحروب. ثم هو يصف علياً "عليه السلام" بأوصاف، ويمنحه أوسمة تستبطن التعريض بهما، من حيث إنهما لا يستحقان شيئاً منها..
بل هي تظهر أنهما يحملان نقيضها، وهو الأمر القبيح الذي لا يصح الانطواء عليه بأي حال.
والأوصاف هي التالية:
1 ـ يحب الله ورسوله:
فهو "صلى الله عليه وآله" قد وصف علياً "عليه السلام" بأنه يحب الله ورسوله , مشيراً بذلك ـ فيما يظهر ـ إلى أن غيره لم يكن كذلك, فإن ادَّعى ذلك لنفسه، فأمثال هذه الدعاوى تكون ساقطة عن الاعتبار، لأن شواهد الامتحان في ساحات الجهاد والنزال، تكذبها.
ولو أن أياً منهما كان صادقاً فيما يدَّعيه لنفسه لفعل نفس ما فعله علي "عليه السلام", ولم يؤْثر حفظ نفسه، والنجاة بها, ولو بارتكاب الفرار من الزحف، الذي هو من المحرمات العظيمة, مع علمه بما يترتب على هذا الفرار من سلبيات تتمثل باشتداد ميل الأعداء إلى الحرب، وتؤدي إلى هزيمة روحية للأولياء في ساحات الطعن والضرب.
ويتأكد ضعف المستوى من خلال ما جرى بين رسول الله "صلى الله عليه وآله" وبين عمر بن الخطاب، فقد قال عمر: لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه.
فقال عمر: فأنت الآن ـ والله ـ أحب إلي من نفسي.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": الآن يا عمر؟!([270]).
ولا بد أن نتذكر هنا الآية الشريفة التي تقول:
?قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?([271])
2 ـ يحبه الله ورسوله:
وإذا كان علي "عليه السلام" يحب الله ورسوله، فإن ذلك يستتبع القيام بما يمليه هذا الحب من الالتزام، والوفاء، والتضحية في سبيل الله ورسوله.. الأمر الذي ينشأ عنه حب الله ورسوله له "عليه السلام" أيضاً..
فكان من الطبيعي أن يأتي الوسام الآخر، وهو: أنه "عليه السلام" يحبه الله ورسوله، وهو وسام عظيم، خصوصاً مع ما يتضمنه هذا الوصف من التعريض بالذين هربوا، ليدل فرارهم على: أنهم لم يكونوا كذلك، فالمعيار لكسب رضا الله تعالى، ونيل محبته ومحبة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ هو العمل الصالح، والجهاد، والتضحية، ولا تكفي الدعاوى العريضة، والعجيج، والضجيج في الرخاء، ثم الهرب في ساحات الجهاد، والحاجة إلى التضحية والفداء..
التزوير الرخيص.. تصرف وحذف:
وفي بعض الروايات جاءت العبارة هكذا: فقال "صلى الله عليه وآله" لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله([272]).
وبعضها اكتفى بذكر الفقرة الثانية وهي قوله "صلى الله عليه وآله": يحب الله ورسوله([273]).
وبعضها اقتصر على الفقرة الأولى([274])، وهي قوله: يحب الله ورسوله.
ونقول:
إن هؤلاء ما فتئوا يسعون إلى الانتقاص من علي "عليه السلام"، وإخفاء فضائله بكل حيلة ووسيلة. وقد بدأت هذه السياسات منذ الصدر الأول، فقد أخفى أعداؤه "عليه السلام" فضائله حسداً، وأخفاها محبوه وأولياؤه خوفاً، وظهر من بين هذين ما ملأ الخافقين..
وعلينا في مثل هذه الموارد التي تغيظ حساد علي "عليه السلام" ومناوئيه، أن نتوقع ظهور حسيكة النفاق، وأن يتجلى الحقد الأعمى بصورة يصعب التستر عليها.. وهكذا كان، فإنهم حاولوا حتى إنكار قتله "عليه السلام" لمرحب، ونسبوه لمحمد بن مسلمة كما سيأتي بيانه إن شاء الله..
ونسبوا قتل سائر الفرسان إلى أبي دجانة تارة، وإلى الزبير أخرى.. ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ولو كره الشانئون والحاقدون.. فإن فضائل علي "عليه السلام" وكراماته قد ظهرت في أصح الكتب عند شيعته، وعند غيرهم أيضاً، وأسفر الصبح لذي عينين.
أقوال النبي ' في المصادر والمراجع:
وفي جميع الأحوال نقول:
قد ذكرت الروايات: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال في خيبر بعد فرار المهاجرين والأنصار:
لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله([275]).
ليس بفرار([276])
أو كرار غير فرار([277]).
لا يرجع حتى يفتح الله عليه([278]).
يفتح الله على يديه([279]).
أو قال: لا يولي الدبر، يفتح الله عليه([280]).
فاستشرف لها الناس، فبعث علياً([281]).
أو: فبات الناس يدركون ليلتهم أيهم يعطاها([282]).
وفي اليوم التالي غدا الناس على رسول الله "صلى الله عليه وآله" كلهم يرجو أن يعطاها([283]).
وعند الراوندي: فتطاول جميع المهاجرين والأنصار، فقالوا: أما علي فهو لا يبصر شيئاً، لا سهلاً ولا جبلاً([284]).
وعند الطبري: فتطاولت لها قريش ورجال، كل واحد منهم يرجو أن يكون هو صاحب ذلك([285]).
وفي نص آخر: تطاول لها أبو بكر وعمر([286]).
ابن الصباغ ينقل عن صحيح مسلم:
قال ابن الصباغ: "وفي صحيح مسلم: قال عمر بن الخطاب: فما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، فتساورت لها، وحرصت عليها حتى أبديت وجهي، وتصديت لذلك ليتذكرني..
ثم قال: قالوا: وإنما كانت محبة عمر لما دلت عليه من محبته الله ورسوله، ومحبتهما له، والفتح"([287]).
ونقول:
إن سائر الروايات قد اقتصرت على القول: بأن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ.
قال: فتساورت لها، رجاء أن أدعى لها([288]).
فدعا علياً فأعطاه إياها، وقال: امش، ولا تلتفت.
فصرخ: يا رسول الله، على ماذا أقاتل الناس؟!
قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا منك دماءهم ومالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله([289]).
فهل كانت لدى ابن الصباغ نسخة من صحيح مسلم تختلف عن النسخة التي وصلت إلينا؟
أم أن أحداً قد كتب في هامش نسخته توضيحاً لكلام عمر، فظنه ابن الصباغ جزءاً من الرواية، فأدرجه فيها؟
أو أن ابن الصباغ نفسه قد شرح كلمة عمر بالنحو المتقدم، لكن نساخ كلامه قد أسقطوا (كلمة)؟
أي أن كل ذلك محتمل ويؤيد هذا الاحتمال الأخير: أن الماحوزي نقل كلام ابن الصباغ بإضافة ما يدل على أنه بصدد توضيح كلام عمر فراجع([290]).
3 ـ كرار غير فرار:
وإذا أردنا العودة إلى شرح كلمات رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي في خيبر، فإننا نقول:
إنه "صلى الله عليه وآله" لا يكتفي بالإشارة إلى فرار هؤلاء الناس، بل هو يتحدث عن أنهم كثيرو الفرار، حتى كأن هذا الأمر قد أصبح عادة لهم، في حين أن علياً "عليه السلام" ليس بفرار، بل هو كثير الكر، حتى أصبح ذلك عادة له أيضاً..
4 ـ لا يولي الدبر:
ثم أكد ذلك بقوله: لا يولي الدبر، مستفيداً من تعبير يؤكد شعور السامع بالنفرة من عملهم هذا.
5 ـ لا يرجع حتى يفتح الله عليه:
ثم يزيد "صلى الله عليه وآله" في توضيح ما يرمي إليه، بقوله: لا يرجع.. أي كما رجع أولئك، حتى يفتح الله سبحانه عليه، لأن الفتح كرامة إلهية، ولطف رباني، يختص الله به من هو أهل للكرامة. ومستحق للطف.. وهو ذلك الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، فإنه "صلى الله عليه وآله" قد مهد تلك المقدمات لينتهي إلى هذه النتيجة، بصورة عفوية وطبيعية.
فكأنها من القضايا التي تكون قياساتها معها..
6 ـ لا يخزيه الله أبداً:
وورد في بعض النصوص قوله "صلى الله عليه وآله": لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً، أي إنه "صلى الله عليه وآله" قد تقدم خطوة أخرى في سياق الإعلان عن قبح الفرار الذي حصل، ليدلنا ذلك على أنه لا يمكن المرور عن هذا الأمر مرور الكرام، لشدة خطورته، وعميق تأثيره، مما يعني بقاء تبعاته وآثاره تلاحق الذين صدر منهم ذلك، وتلقي بكلاكلها على سمعتهم، وعلى موقعهم. وذلك حين ألمح على سبيل التعريض الذي هو أبلغ من التصريح إلى أن الفرار من موجبات الذل، والمهانة، والخزي، الذي هو أشر أنواع السقوط.
ولتُلاحظ: كلمة أبداً أيضاً في كلامه "صلى الله عليه وآله"، فإنها قد جاءت لتفيد المزيد من التأكيد على براءة ونزاهة ذلك المبعوث من هذا الأمر الشنيع.
حتى أنت يا عمر؟!:
وقد روي: أن عمر لما سمع النبي "صلى الله عليه وآله" يقول: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كراراً غير فرار، قال: ما أحببت الإمارة إلا ذلك اليوم([291]).
ونقول:
1 ـ الظاهر هو: أنه قد ذكر ذلك عن نفسه ليقول للناس: إنه لم يكن من طلاب الدنيا. فما جرى بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما كان لأجل الحفاظ على الإسلام، وعلى أهله..
2 ـ إن عمر قد فهم من الأوصاف التي أوردها النبي "صلى الله عليه وآله": أنه يقصد ترشيح صاحب تلك الأوصاف لما هو أعظم من قيادة الجيش ومن أخذ الراية يوم خيبر.
فهو يريد أن يقول:
إن الذي يفتح الله على يديه، ويحب الله ورسوله، هو الذي يصلح لحمل الأمانة من بعده، وهو سيد العرب كما تقدم.
أما من عداه فليس له الحق؛ لأنه لا يؤمن على ذلك.
فكأن عمر أراد أن يظهر: أن هذه الميزات كانت موجودة فيه، ولذلك رشح نفسه للإمارة، وصار يتعرض لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
3 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد منح أبا بكر وعمر، كلاً على حدة، فرصة للفوز بالفتح، وتحقيق النصر العظيم، فضيعاها. ورجعا منهزمين.
بل ورد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد منح الفرصة لعمر مرتين، فما معنى تجدد حب الإمارة لدى عمر، بعد أن أعلن النبي "صلى الله عليه وآله": أنه سيعطي الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله؟!
فقد يقال: إن ذلك جاء بدافع الحسد المذموم..
وقد يقال: إن هذا الأمر قد جاء نتيجة الإحساس بأنه بعد فراره هو وصاحبه قد أصبحا في موضع التهمة، وأن عليه أن يستعيد شيئاً من ماء الوجه، مع علمه بمقصود النبي "صلى الله عليه وآله"، فعرض نفسه لذلك، وطلب الراية لنفسه، مع يقينه بأنه لن يختاره هو ولا غيره من الفارين، فإن المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، ولا يصح، ولا يفيد تجريب المجرب، إلا من السفيه، وغير المتوازن. وحاشا رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يكون كذلك.
4 ـ إن المفروض: أن يكون نفس كلام النبي "صلى الله عليه وآله" مانعاً لعمر، ولغيره ممن هم مثله من التصدي للراية، ولا يجوز لهم بمقتضاه أن يطلبوها من جديد، إذ إن الكرار غير الفرار، هو ذلك الذي كان من عادته الكر، دون الفر، وقد ظهر عملياً أنه ليس كذلك، فما معنى صدور هذا التمني منه، وما معنى أن يتطاول لها؟ وما معنى قوله: فتساورت لها رجاء أن أُدعى لها؟ وما معنى أن يبادر إلى طلبها؟!
5 ـ إن عمر يقول: إنه لم يتمن الإمارة إلا يومئذٍ، مع أنه هو نفسه يقر ويقسم على أنه قد تمنى هذا الأمر مرة أخرى، وذلك عندما جاء وفد ثقيف إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال لهم النبي "صلى الله عليه وآله": لتسلمن، أو لأبعثن إليكم رجلاً مني، وفي رواية: مثل نفسي، فليضربن أعناقكم، وليسبين ذراريكم، وليأخذن أموالكم([292]).
قال عمر: فوالله، ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ، وجعلت أنصب صدري له، رجاء أن يقول: هو هذا.
فالتفت "صلى الله عليه وآله" إلى علي "عليه السلام"، وقال: هو هذا، هو هذا.
فعمر يقول هنا: ما تمنيت الإمارة إلا يومئذٍ.
وفي غزوة خيبر يقول: ما تمنيت الإمارة، إلا ذلك اليوم.. فأيهما هو الصحيح؟!..
أم أنه قد تمنى الإمارة في كلا الموردين؟!
هذا كله.. عدا عن السؤال الذي يطرح نفسه، وهو: أنه حين هاجم بيت الزهراء "عليها السلام"، بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، واعتدى عليها بالضرب، وتسبب في إسقاط جنينها المحسن، وفي استشهادها "عليها السلام"، ألم يكن ذلك منه حباً بالإمارة، وطلباً لها، وإزهاقاً لأرواح أقدس الخلق من أجلها؟!
وكيف نفسر قول أمير المؤمنين "عليه السلام" له حينئذٍ: احلب حلباً لك شطره؟!([293]).
وقوله "عليه السلام" عنه، وعن أبي بكر: لشد ما تشطرا ضرعيها؟!([294]). وغير ذلك..
مقارنة ذات مغزى:
وعلينا أن نتأمل كثيراً في موقف عمر الآنف الذكر، حيث تمنى الإمارة في خيبر تارة، وفي ثقيف أخرى.. وفي موقف أمير المؤمنين "عليه السلام"، فإنه لما بلغه ما قاله النبي "صلى الله عليه وآله"، عن الذي سوف يعطيه الراية، قال: "اللهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت.."([295]).
فهو "عليه السلام" يعتبر: أن ذلك كرامة إلهية، يختص الله تعالى بها من يشاء.
أما بالنسبة لتمنيات عمر، فنقول:
ألف: إن كان يقصد بأنه أحب الإمارة، طمعاً منه في ملاقاة العدو، فيرد عليه:
أولاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قبل ذلك قد نهى عن لقاء العدو، وقال: لا تتمنوا لقاء العدو([296]). فما معنى أن يخالف عمر هذا النهي من رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
ثانياً: إنه قد جرب حظه مرتين، ومع هذا العدو بالذات، ولم يتغير شيء بين الأمس واليوم.
ب: وإن كان قد تمنى وتطاول إلى الحصول على الإمارة، لما دلت عليه من محبة الله ورسوله، وحصول الفتح، فهو أعجب، وأعجب. فإن كل الناس يعرفون ـ وعمر بن الخطاب منهم ـ: أن في جهاد العدو رضا الله ورسوله.
وأن محبة الله ورسوله لا تنال إلا بالعمل الصالح، والطاعة والانقياد في الحرب والسلم، والسراء والضراء، وهو عارف بنفسه إن كان قد أطاع الله ورسوله، ولبى نداء الواجب في جهاد العدو أم أنه لم يقم بذلك.
سعادتهم برمد علي ×:
لقد أظهرت النصوص المختلفة: أن قريشاً والمتأثرين بمنهجها، والتابعين لها، كانوا سعداء بابتعاد علي "عليه السلام" عن الساحة، ولعلهم ظنوا: أن كل الدور سيكون لهم، وأن الانتصارات والإنجازات ستحقق على أيديهم، وأن جميع الأوسمة، ستكون من نصيبهم..
وهذا أول الغيث، فإنه "صلى الله عليه وآله" يعلن عن وسام جديد وهو: أنه سيعطي الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله عليه..
وفي جميع الأحوال نقول:
إنه بعد أن قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لأعطين الراية غداً الخ.. غدت قريش يقول بعضهم لبعض:
"أما علي فقد كفيتموه، فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه"([297]).
غير أن علياً "عليه السلام" لما سمع مقالة رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: "اللهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت".
وربما يكون قد دار في خلدهم: أن هذه الأوسمة تعطى جزافاً، وأن وجود علي "عليه السلام" بينهم كان هو العائق لهم عن نيلها.. وأن فرارهم السابق لا يضر، فلعل الجيش الذي سوف يقودونه سيجد الفرصة لتحقيق النصر، أو لعل بعضهم قد ظن أن هذا الفتح ـ الذي وعدهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ سيكون سهلاً؛ لأنه وعد تضمن الإشارة إلى التدخل الإلهي الذي يأتي بالفتح، فلا تعب ولا نصب، بل هي معجزة يظهرها الله تعالى، وينتهي الأمر.. وهم أهل لأن يظهر الله سبحانه المعجزات لمصلحتهم ومن أجلهم..
وهذا سوف يعوضهم عن النكسة التي مني بها أحباؤهم، الذين هربوا بالراية أكثر من مرة في هذه الحرب.
ولعل فيهم أيضاً من احتمل أن يكون لغضب رسول الله "صلى الله عليه وآله" تأثير على روحيات المقاتلين، الذين سوف يهاجمون الحصن بقوة واندفاع، يوفر على حاملي الراية جهداً، ويحقق لهم نصراً على أيدي غيرهم، ويظهر لهم فضلاً يكون لهم بمثابة الغنيمة الباردة التي يحلم بها الضعفاء، والفرارون عادة..
يضاف إلى ذلك: أن نفس هذا التصدي، واستعراض العضلات، ربما يسهم في تبرئة القادة الذين فروا، وكان أصحابهم يجبنونهم، ويجعل التهمة بالجبن والفرار موجهة لغيرهم، أكثر مما هي موجهة إليهم.
والأهم من ذلك كله: أن أي رجل يأخذ الراية لسوف يكون له كل الفضل على الذين هربوا حتى لو كان هو واحداً منهم، ولا سيما بعد غضب الرسول "صلى الله عليه وآله"، واستيائه، وبعد ما قاله في حقهم تصريحاً تارة، وتلويحاً أخرى.
كلهم يرجو أن يُعْطاها:
ولا ندري كيف يرجو أولئك الذين فروا بالراية، مرة بعد أخرى وربما أكثر من ثلاث مرات، أن يعطيهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" الراية مرة رابعة، أو خامسة؟!
فهل هم يحسبون أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يملك موازين صحيحة؟
أم يظنون أنه شديد النسيان إلى هذا الحد؟
أم أنه يخضع لتأثيرات الهوى، والميول، والعصبيات؟!
أم أنهم هم أنفسهم قد خولطوا في عقولهم؟!
أم أنهم يظنون أن الرسول سوف يخصهم بمعجزة إلهية، يستطيع هو أن يختار لها من أحب؟!
ثم إن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، هو الذي يقول: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين([298])، فكيف يتوقع منه أبو بكر وعمر أن يعطيهما الراية، وهما لا يكادان يلتقطان أنفاسهما من عناء الهروب، الذي يريد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يعالج سلبياته وآثاره؟.
وكيف يتطاولان لها، وهما السبب في اتخاذ النبي "صلى الله عليه وآله" هذا القرار الحاسم، وهو أن يعطي الراية لكرار غير فرار؟!.
حتى قريش:
والأغرب من ذلك أن يصرح المؤرخون: بأن قريشاً هي التي تطاولت لهذا الأمر، ورجا كل واحد منهم أن يكون هو صاحب الراية، فما هو المبرر لهذا الطموح القبائلي القرشي؟!
ومتى كانت قريش ـ بما هي قبيلة ـ مهتمة بأمر الجهاد والتضحية والعطاء؟! فإننا لا ننكر: أن بعض أفرادها قد جاهد وضحى، ولكنهم لم يكونوا أفضل من غيرهم في ذلك..
أم يظنون: أن يغلب الحس العشائري على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فيخص عشيرته بالامتيازات، ولو لم تكن مستحقة لها؟!
لماذا الإعلان المسبق؟!
وقد لوحظ هنا أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" قد وعد الناس بأن يعطي الراية في اليوم التالي لرجلٍ ذكره لهم بوصفه دون اسمه..
مع أنه كان يمكنه "صلى الله عليه وآله": أن يسكت في ذلك اليوم، ثم يطلب في اليوم التالي حضور علي "عليه السلام"، فيعطيه الراية، ويمكن أن يطلق عليه تلك الأوصاف في ساعة إرساله "عليه السلام" للقتال..
ولكنه "صلى الله عليه وآله" أراد للناس أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يطبقوه على هذا تارة، وعلى ذاك أخرى.. وأن يتمناها الفرارون، وأن تشرئب إليها الأعناق، في الوقت الذي كان لا يمر في خيال الجميع أو في وهمهم حتى احتمال أن يكون المقصود هو علي "عليه السلام" لأن الجميع يعرفون أنه "عليه السلام" يعاني من الرمد ما يعاني.. ولذلك لم يعطه رسول الله "صلى الله عليه وآله" الراية في أيام رمده, حتى أظهر الله تعالى ضعف وخور أولئك القوم، وعرف الناس حقيقتهم، وأنهم لم يكونوا أهلاً لما يؤملونه، وليسوا في المواضع التي يضعون أنفسهم فيها.
وقد استقرت كلمات النبي "صلى الله عليه وآله" ـ في وصف صاحب الراية ـ في أنفسهم، وطبقوها على الكثيرين منهم، واستمرت الاحتمالات والمقارنات بين الأوصاف وبين ما ظهر من صفات المدَّعين للمقامات طيلة تلك الليلة.. حتى تبين لهم في اليوم التالي خطؤهم جميعاً في حساباتهم، وأن أحداً من الناس الذين فكروا فيهم لا يملك تلك الصفات.
ولو أنه "صلى الله عليه وآله" أجَّل إطلاق كلماته تلك لليوم التالي فلربما لا يفكر أحد بتلك الصفات، ولا يقوم بأية مقارنة تطبيقية، بل قد يظن الكثيرون أنها مجرد مدائح طارئة، وأوسمة يطلقها الرئيس على القادة عادة، لتشجيع فرسانهم، وشحذ عزائمهم، وقد لا تكون فضفاضة على أصحابها في مجال التطبيق.
التدخل الإلهي:
وقد أظهرت النصوص المتقدمة: أنه حين ظهر إحجام هؤلاء الناس عن القيام بواجبهم الشرعي في دفع العدو، تدخل الله تعالى لحفظ دينه بصورة إعجازية، وذلك بشفاء علي "عليه السلام" من دون أن يؤثر ذلك على خيار واختيار أعدائه تعالى، أي أنه تعالى لم يحل بينهم وبين ما يريدون، ولم يشل حركتهم، ولم يمنعهم من ممارسة حقهم الطبيعي، فليس لهم أن يشعروا بأنهم قد ظلموا في ذلك..
كما أنه لم يقهر المسلمين ولا علياً "عليه السلام" على التصدي للحرب، بل اكتفى بإزالة الموانع من طريق علي "عليه السلام" بشفاء عينيه، وأفسح المجال له لكي يختار، بعد أن أساء الآخرون الاختيار، فاختاروا الحياة الدنيا، وأنفسهم، وأظهروا: أن أنفسهم أحب إليهم من الله ورسوله..
النبي ' يصنع المعجزة:
وشفاء عيني علي "عليه السلام" وإن كان معجزة صنعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" لهم، ولكنها لم تكن المعجزة التي يتوقف عليها إقناع الناس بالنبوة؛ لأن معجزة النبوة هي القرآن الكريم.
وقد كان الناس مقتنعين بنبوته "صلى الله عليه وآله"، بالاستناد إليها، أو إلى غيرها من موجبات ذلك..
كما أن هذا الشفاء لم يأت ابتداءً من الله تعالى ليظهر سبحانه فضل النبي "صلى الله عليه وآله"، أو علي "عليه السلام"؛ بل هو أمر تعمد رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه أن يفعله. وقد اختاره، وقصد إلى إيجاده بعد أن لم يكن، مما يعني: أنه "صلى الله عليه وآله" عارف به، ومختار له، وواثق بالنتيجة قبل حصولها.. وعارف بأنه يملك القدرة على فعله، من خلال ما خوله الله تعالى إياه..
وهذا يشير إلى: أنه "صلى الله عليه وآله" يملك قدرات تمكِّنه من التأثير التكويني في أمور واقعية ومادية خارجية، من دون استخدام الوسائل المعتادة، بل من خلال هذه القدرات التي يملكها، وأن القضية ليست مجرد دعاء، قد استجابه الله تعالى له.
وهذا يفسر ما روي من أنه "صلى الله عليه وآله" قد تفل في عيني علي "عليه السلام"، وبزق في إلية يده، فدلك بها عينيه، أو نحو ذلك.
ولا بد من التوقف والتأمل في حقيقة أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكتف بالدعاء والطلب إلى الله تعالى أن يشفيه، بل قرن ذلك بممارسة عملية تؤكد: أنه يريد أن ينجز عملاً يقع تحت قدرته وباختياره.
متى رمدت عينا علي ×؟
وأما حديث: أن علياً "عليه السلام " قد تخلف عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبقي في المدينة، فلما سار "صلى الله عليه وآله" إلى خيبر، قال علي: لا، أنا أتخلف؟!
فلحق برسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلا يصح؛ وذلك لما يلي:
أولاً: إذا كان علي "عليه السلام" يعاني من رمد في عينيه، حتى إنه لم يكن يبصر، فإنه كان غير قادر على السير إلا بقائد يقوده، ومدبر يدبره، فإلى من أوكلت هذه المهمة يا ترى في كل هذه المدة الطويلة؟! فإن كان قائده هو سلمة بن الأكوع فإن الرواية قد صرحت: بأنه جاء به يقوده إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، في قضية قتل مرحب فقط..
فكيف جاء من المدينة؟! وكيف كان ينتقل من حصن إلى حصن، ومن مكان إلى مكان لقضاء حوائجه؟!
وبعد.. فإن تخلف علي "عليه السلام" في المدينة لا بد أن يكون بإذن من رسول الله "صلى الله عليه وآله".. كما أن مسيره لا بد أن يكون بإذن منه، فهل استأذن "عليه السلام" في الخروج من المدينة؟ أم أنه فعل ذلك من عند نفسه؟ وإذا كان قد خرج بإذنه "صلى الله عليه وآله" وبعلمه، فلماذا لم يخرجه معه، فإن حاله لم يختلف؟ وإن كان قد أذن له بالخروج، فكيف أذن له وهو بهذه الحالة؟ وكيف؟ وكيف؟
ثانياً: إنهم يقولون: إن سبب رمد عيني علي "عليه السلام" هو دخان الحصن الخيبري نفسه، وليس شيئاً آخر عرض له في المدينة، فراجع([299]). فإذا صح هذا، فلا يكون ثمة مبرر لبقائه في المدينة، كما زعموا.
ثالثاً: صرحت الروايات المتقدمة: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعطى اللواء في غزوة خيبر إلى علي بن أبي طالب "عليه السلام"([300]).
وقد أعطاه إياه في أول حصن ورد عليه، وباشر معه القتال فيه، وهو حصن ناعم، وقد هاجم هو نفسه ذلك الحصن بالذات، فقتل معه "عليه السلام"([301]) عبد يهودي اسمه ياسر، وكان قد أسلم آنئذٍ.
فكيف يعطيه اللواء، وهو لا يبصر طريقه؟!
رابعاً: قال المفيد: "كانت الراية يومئذٍ لأمير المؤمنين "عليه السلام"، فلحقه رمد أعجزه عن الحرب"([302]).
أي إن هذا الرمد قد عرض له بعد أن تسلم الراية..
خامساً: إن الرواية نفسها تدل على أن رمد عيني علي "عليه السلام" قد كان طارئاً في تلك الفترة، وأنه لم يدم برهة، بحيث يصل خبر ذلك إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
فقد ذكرت الرواية: أنه في يوم قتل مرحب: أصبح رسول الله "صلى الله عليه وآله" فصلى الغداة، ثم دعا باللواء، ووعظ الناس، فقال: أين علي؟
قالوا: يشتكي عينيه.
قال: فأرسلوا إليه..
فلما جيء به قال له النبي "صلى الله عليه وآله": ما لك؟!
قال: رمدت، حتى لا أبصر ما قدامي.
فظاهر السياق يعطي: أن الناس كانوا يرون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن على علم بأمر الرمد، فأخبروه به.
وسؤال النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": ما لك؟ وجواب علي "عليه السلام" له يقطع كل عذر، ويزيل كل شبهة في ذلك.
ولو كان علي "عليه السلام" غائباً عن ساحة القتال كل هذه الأيام، لعلم بذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا سيما وأنه هو الذي يعتمد عليه في حروبه، وهو القريب منه، والذي يواصل الاتصال به، والتفقد له، وهو حامل لوائه، وقائد جيوشه..
علي × فاجأهم:
وفي البخاري وغيره: أن علياً "عليه السلام" رمدت عيناه في المدينة، فلما خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" لحق به، فوصل في لحظة إعطاء الراية.
ففاجأ حضور علي "عليه السلام" الناس، لأنهم كانوا لا يرجون حضوره، حتى إنهم حين رأوه قالوا بعفوية: هذا علي.
ونقول:
قد ذكرنا فيما تقدم: أن رمد عيني علي "عليه السلام" إنما حصل في أواخر أيام الحصار، بل لقد صرحت بعض الروايات: أن الرمد إنما أصابه بسبب دخان الحصن..
وأما الحديث الدال على أنهم فوجئوا بحضور علي "عليه السلام"، فقد يكون بعضه صحيحاً إذا كان أكثر الناس لم يلتفتوا، أو لم يسمعوا كلام النبي "صلى الله عليه وآله"، حين سأل عن علي "عليه السلام"، فتصدى عمار بن ياسر، أو سلمة بن الأكوع لإخباره أو إحضاره. فلما جاء به فوجئوا بحضوره.
أما إن كان المقصود: أنهم كانوا يعتقدون أن رمده قد منعه من الخروج مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" من المدينة إلى خيبر، ثم لحق به ..
فقد تقدم: أنه لم يفارق رسول الله "صلى الله عليه وآله" منذ خروجه من المدينة، حسبما أوضحناه.
لباس علي × في الحر والبرد:
ورووا عن علي "عليه السلام" أنه قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعث إليَّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله، إني أرمد!!
فتفل في عيني، فقال: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فما وجدت حراً ولا برداً منذ يومئذٍ.
وذكروا: أنه "عليه السلام" كان يلبس في الحر الشديد القباء المحشو الثخين، ويلبس في البرد الشديد الثوبين الخفيفين([303]).
ونقول:
أولاً: قد ذكروا: أن رجلاً دخل على علي "عليه السلام" وهو يرعد تحت سمل قطيفة، (أي قطيفة خلقة) فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله جعل لك في هذا المال نصيباً، وأنت تصنع بنفسك هكذا.
فقال: لا أرزؤكم من مالكم شيئاً، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من المدينة([304]).
قال الحلبي: "قد يقال: لا مخالفة، لأنه يجوز أن تكون رعدته رضي الله عنه ليست من البرد، خلاف ما ظنه السائل، لجواز أن تكون لحمى أصابته في ذلك الوقت"([305]).
ويرد عليه:
أن هذا تأويل بارد، ورأي كاسد، بل فاسد؛ فإن ظاهر الكلام: أن رعدته قد كانت بسبب رقة ما يلبسه، وهو قطيفة خلقة (أي بالية)، وأنه لو استفاد من نصيبه من المال، ولبس ما يدفع هذا البرد لم يكن ملوماً. فما يجري له كان هو السبب فيه، وهو الذي أورده على نفسه.. وقد أصر "عليه السلام" على عدم المساس بالمال الذي تحت يده.
ولعلهم أرادوا في جملة ما أرادوه من هذا الحديث: أن يشككوا الناس بزهده "عليه السلام" في ملبسه، وأن يقولوا لهم: إن ذلك بسبب عدم شعوره بحر ولا برد.
ثانياً: إننا لا نجد أي ارتباط بين شكوى علي "عليه السلام" من الرمد، وبين الدعاء المنسوب للنبي "صلى الله عليه وآله" وهو: اللهم أذهب عنه الحر والبرد، فإنه "عليه السلام" لم يكن يشكو من حر ولا برد.
بل كانت شكواه من رمد عينيه، فهل هذا إلا من قبيل أن تقول لإنسان: إني عطشان، فيقول لك: نم على السرير؟!
ثالثاً: حتى لو كان قد دعا له بإذهاب البرد والحر عنه.. فإنه لا يجب استمرار أثر ذلك حتى الممات، بل يكفي أن لا يشعر بالبرد والحر في ذلك اليوم، أو في أيام خيبر مثلاً.
ويدل على ذلك: أنهم قد رووا عن بلال، قوله: أذَّنت في غداة باردة فخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلم ير في المسجد أحداً، فقال: أين الناس يا بلال؟!
قال: منعهم البرد.
فقال: اللهم أذهب عنهم البرد.
قال بلال: فرأيتهم يتروحون([306]).
فلماذا لم يستمر ذهاب البرد عنهم إلى أن خرجوا من الدنيا؟ كما يزعمونه بالنسبة لعلي "عليه السلام"؟!
أم أن هذه هي القصة الواقعية، وقد استُفيد منها في قصة خيبر، لحاجة في أنفسهم؟!
الفصل الثالث:
قتل مرحب.. أحداث وتفاصيل..
علوتم والذي أنزل التوراة:
وعن قول اليهودي لما سمع باسم علي "عليه السلام": علوتم، والذي أنزل التوراة على موسى، نقول:
إن أبا نعيم قال: "فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم، بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله تعالى على يديه".
وهي التفاتة جليلة من أبي نعيم، ويؤيدها:
أولاً: ما روي من أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال لعلي "عليه السلام": خذ الراية، وامض بها فجبرئيل معك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم..
واعلم يا علي، أنهم يجدون في كتابهم: أن الذي يدمر عليهم اسمه (إيليا)، فإذا لقيتهم فقل: أنا علي.
فإنهم يُخذلون إن شاء الله تعالى الخ..([307]).
ثانياً: إن مرحباً نفسه قد هرب لما سمع باسم علي "عليه السلام"، وكانت ظئره قد أخبرته: بأن اسم قاتله حيدرة.
وقد زعموا: أنها قالت له ذلك: لأنها كانت تتعاطى الكهانة.
والجواب: إن كونها تتعاطى الكهانة لا يعطيها القدرة على معرفة الغيب الإلهي، فإنه تعالى وحده ?عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ..?([308]).
ويشهد لذلك: أننا وجدنا في جملة الأقوال حول تسمية علي "عليه السلام" بحيدرة: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة..
وسيأتي بعض الحديث عن ذلك، تحت عنوان: "من سمى علياً "عليه السلام" بحيدرة" إن شاء الله تعالى.
ولعل هناك من يريد اعتبار قول اليهودي: علوتم (أو غلبتم) والذي أنزل التوراة على موسى، قد جاء على سبيل التفؤل بالاسم..
ونحن وإن كنا لا نصر على بطلان هذا الاحتمال، باعتبار أن الذين يشتد تعلقهم بالدنيا يتشبثون ولو بالطحلب، ويخافون حتى من هبوب الرياح، ويتشاءمون ويتفاءلون بالخيالات والأشباح..
غير أننا نقول:
إنه مع وجود الشواهد والمؤيدات لما ذكره أبو نعيم، لا يبقى مجال لترجيح الاحتمال الآخر..
ونزيد هنا: أن ما أكد لهم صحة ما ورد في كتبهم، هو ما تناهى إلى مسامعهم من مواقف علي "عليه السلام" التي تظهر أنه أهل لما أهَّله الله تعالى له، كما دلت عليه معالي أموره في المواقع المختلفة في الحرب، وفي السلم على حد سواء، ومن ذلك مبيته "عليه السلام" على فراش النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة الهجرة، وجهاده في بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والنضير، و.. و.. الخ..
قتل علي × مرحباً والفرسان الثمانية:
قالوا: ثم خرج أهل الحصن إلى ساحة القتال.. أما رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإنه لما أصبح أرسل إلى علي "عليه السلام" وهو أرمد، فتفل في عينيه. قال علي "عليه السلام": فما رمدت حتى الساعة. ودعا له، ومن معه من أصحابه بالنصر.
فكان أول من خرج إليهم الحارث أبو زينب، أخو مرحب في عادية (أي ممن يعدون للقتال على أرجلهم) ـ قال الحلبي: وكان معروفاً بالشجاعة ـ فانكشف المسلمون، وثبت علي "عليه السلام"، فاضطربا ضربات، فقتله علي "عليه السلام".
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وأغلقوا عليهم، ورجع المسلمون إلى موضعهم..
وخرج مرحب وهو يقول:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني مـرحـب الـخ....
فحمل عليه علي "عليه السلام" فقطَّره (أي ألقاه على أحد قطريه، أي جانبيه) على الباب، وفتح الباب، وكان للحصن بابان([309]).
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلاً جسيماً طويلاً، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين برز وطلع عامر: "أترونه خمسة أذرع"؟ وهو يدعو إلى البراز.
فخرج إليه علي بن أبي طالب "عليه السلام"، فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفَّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني يـاســر شـاكـي الســـلاح بـطــل مغاور
إذا الـلـيـوث أقـبـلـت تبــــادر وأحجمـت عن صـولـة المســاور
إن حسـامي فـيـه مـوت حـاضـر
قال محمد بن عمر: وكان من أشدائهم، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوساً.
فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت إلا خليت بيني وبينه، ففعل .
فقالت صفية لما خرج إليه الزبير: يا رسول الله، يقتل ابني؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "بل ابنك يقتله، إن شاء الله"، فخرج إليه الزبير وهو يقول:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني زبــــار قــرم لـقـرم غـير نـكـس فـــرار
ابـن حمـاة المـجــد، ابن الأخيـار يـاســر لا يـغـررك جمـع الـكفـار
فجمعهم مثـل السـراب الخـتـار
ثم التقيا فقتله الزبير.
قال ابن إسحاق: وذكر أن علياً هو الذي قتل ياسراً.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" للزبير لما قتل ياسراً: فداك عم وخال.
ثم قال: "لكل نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي"([310]).
وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقي: أن مرحباً خرج وهو يخطر بسيفه.
وفي حديث ابن بريدة، عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني مـرحـب شـاكــي الســلاح بـطــل مجرب
إذا الـلـيــوث أقـبـلـت تـلـهـب
قال سلمة: فبرز له عامر (أي عامر بن الأكوع) وهو يقول:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني عــامـر شـاكــي الســلاح بـطــل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله، وفي رواية: أصاب عين ركبته، وكانت فيها نفسه.
قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول:
قـد علـمـت خـيـبر أني مـرحـب شـاكــي الســلاح بـطــل مجرب
إذا الـلـيـوث أقـبـلـت تـلـهــب وأحـجـمـت عـن صـولة المغلب
فبرز له علي بن أبي طالب "عليه السلام"، وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:
أنـا الـذي سمتني أمـي حـيــدرة كـلـيـث غـابـات كريـه المنــظرة
أوفـيـهم بالصـاع كيـل السنـدرة
فضرب مرحباً ففلق رأسه، وكان الفتح([311]).
وفي نص آخر: أن علياً "عليه السلام" أجاب مرحباً بقوله:
أنـا الـذي سمتني أمـي حـيــدرة كـلـيـث غـابـات كريـه المنــظرة
عـبـل الـذراعين شديد القصـورة أضـرب بالسـيـف وجـوه الكفرة
ضـرب غـلام مـاجــد حـــزوَّرة أكيلكم بالسيـف كيـل السنـدرة([312])
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي "عليه السلام" بضربة (بذي الفقار) فقدَّ الحجر، والمغفر، ورأسه، ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة.
وفي نص آخر: سمع أهل العسكر صوت ضربته. وقام الناس مع علي حتى أخذ المدينة([313]).
وفي نص آخر: ضربه على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.
قال: وما تتام آخر الناس مع علي "عليه السلام" حتى فتح لأولهم([314]).
وفي نص آخر: "فخرج يهرول هرولة، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا.
وصاح سعد: اربع يلحق بك الناس.
فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن الخ.."([315]).
وفي بعض النصوص: "أن مرحباً لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعاً من الحصن في سلاحه، أي وقد كان لبس درعين، وتقلد بسيفين، واعتم بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً، وحجراً قد ثقبه قدر البيضة، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان، وذكر أن ياسراً خرج بعد مرحب"([316]).
ولم يكن بخيبر أشجع من مرحب ولم يقدر أحد من أهل الإسلام أن يقاومه في الحرب([317]).
وزعموا: أن محمد بن مسلمة قتل أسيراً أيضاً([318]).
وعن علي "عليه السلام" قال: لما قتلت مرحباً، جئت برأسه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([319]).
قال الدياربكري: قيل هذا ـ أي قتل علي مرحباً ـ هو الصحيح، وما نظمه بعض الشعراء يؤيده، وهو:
عـلي حمى الإسلام من قتل مرحب غـداة اعـتـلاه بـالحســام المضخم
وفي رواية قتله محمد بن مسلمة([320]).
وسيأتي الكلام حول ذلك، وأنه مكذوب ومختلق.
ولنا مع هذه النصوص وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:
قطع رأس مرحب لماذا؟!
بالنسبة لما روي من أن علياً "عليه السلام" قد قطع رأس مرحب، وجاء به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، نقول:
أولاً: هو أمر لم نعهده منه "عليه السلام" في مختلف مواقفه الجهادية..
وثانياً: إننا لا نرى مبرراً لتصرف كهذا. فإن النبي "صلى الله عليه وآله" وكذلك علي "عليه السلام" لم يكونا ممن يرغب في التشفي من الأشخاص، لا في حياة أولئك الأشخاص، ولا بعد مماتهم، بل كانا يريدان دفع الفساد، وإقامة الدين.
ثالثاً: إنه إذا كان "عليه السلام" قد شق رأس مرحب وجسده نصفين حتى بلغ السرج([321])، كما ذكرته بعض الروايات؛ فإن قطع الرأس في هذه الحال يصبح بمثابة جمع أشلاء، وحمل قطع ذات منظر مثير، وهو أمر لا يليق فعله بالإنسان العادي، فكيف بأنبل الناس، وأشرفهم، وأكرمهم؟!
صفية تتدخل لمصلحة ولدها:
وأما قصة الزبير، وأن أمه قد خافت عليه، حين برز لذلك اليهودي، فنحن نشك في صحتها، وذلك لما يلي:
أولاً: إنهم يقولون: إن هذه القضية قد حصلت في بني قريظة، حيث برز أحد الأعداء، فقال النبي "صلى الله عليه وآله" للزبير: قم يا زبير.
فقالت أمه صفية: واحدي يا رسول الله.
فقال "صلى الله عليه وآله": أيهما علا صاحبه قتله، فعلاه الزبير فقتله. فنفله رسول الله "صلى الله عليه وآله" سلبه وقال: السلب للقاتل([322]).
ثم نجد الحلبي يشكك في هذه القضية أيضاً، فيقول: فليتأمل، فإني لم أقف في كلام أحد على أن بني قريظة وقعت منهم مقاتلة بالمبارزة([323])
فأي ذلك هو الصحيح؟!.
ثانياً: قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" قد قال للزبير حين قتل ياسراً: فداك عم، وخال.. يثير أمامنا سؤالاً عن السبب في اختيار تفديته بالعم والخال، دون الأب والأم كما هو المعتاد، ومن هو العم المقصود بالتفدية؟! فهل أراد أن يفديه بعمه المشرك أبي لهب، أو بعمه الآخر أبي طالب، الذي يزعمون أنه مات مشركاً أيضاً؟! مع أن دعواهم الثانية في أبي طالب محض افتراء وبهتان، كما أثبتناه في كتابنا: "ظلامة أبي طالب عليه السلام".
ومن هو الخال الذي يقصدونه؟ وهل كان مسلماً أم مشركاً؟!
ولماذا ترك "صلى الله عليه وآله" تفدية الزبير بأبويه، مع أنهم يزعمون أنه كان قد فداه بهما في أحد، وفي بني قريظة([324]).
قال ابن عبد البر: ثبت عن الزبير أنه قال: جمع لي رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبويه مرتين: يوم أُحد، ويوم بني قريظة.
فقال: ارم فداك أبي وأمي([325]).
ورغم: أنهم يقولون هذا، فإنهم ينكرونه في موضع آخر فيقولون أيضاً: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يجمع أبويه لأحد إلا لسعد بن أبي وقاص([326]).
ثالثاً: زعموا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال للزبير حين قتل ياسراً: "لكل نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي".
مع أنهم يقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قال له ذلك، حين جاءه بخبر بني قريظة([327]).
فأيهما هو الصحيح؟ وإن كنا نعتقد بعدم صحة أي منهما أيضاً.
فقد ذكرنا في غزوة بني قريظة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما استخبر عن أمر بني قريظة بواسطة سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، فلم يكن هناك حاجة لإرسال الزبير.
رابعاً: صرحت بعض الروايات: بأن الزبير كان أيضاً قد طلب الراية يوم خيبر، وأنه كان قد فرَّ بها، وأنه "صلى الله عليه وآله" لم يعطه إياها بل قال "صلى الله عليه وآله": والذي كرم الله وجه محمد لأعطين الراية رجلاً لا يفر، هاك يا علي([328]).
وسيأتي بعض الحديث عن ذلك إن شاء الله تعالى..
الزبير حواري رسول الله ':
وأما الحديث الذي يقول: لكل نبي حواري, وإن حواريي الزبير, وابن عمتي..
فلا نشك: في أنه مكذوب على الرسول "صلى الله عليه وآله"..
ويكفي أن نذكر شاهداً على ذلك:
أولاً: روى الكشي بسنده عن أسباط بن سالم, عن الإمام الكاظم "عليه السلام" أنه قال: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين حواريّو محمد بن عبد الله "صلى الله عليه وآله", الذين لم ينقضوا العهد, ومضوا عليه؟!
فيقوم سلمان, والمقداد, وأبو ذر.
ثم ينادي منادٍ: أين حواريّو علي بن أبي طالب "عليه السلام" الخ..؟([329]).
ثانياً: ما معنى وما فائدة قوله في الحديث المزعوم: وابن عمتي؟! فهل لم يكن الناس يعلمون: أن الزبير كان ابن عمة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
وما فائدة كونه كذلك, إذا كان سوف يخالف أمره "صلى الله عليه وآله", ويخرج على أخيه ووصيه, وابن عمه علي بن أبي طالب "عليه السلام"؟!. وسيخرج زوجته "صلى الله عليه وآله" من خدرها, ويسير بها في البلاد لتعينه على حرب علي "عليه السلام"..
لقد كان ابن نوح أقرب إلى نوح من أي إنسان آخر، ولكن ذلك لم ينفعه، حين آثر الكفر على الإيمان والخيانة على الأمانة..
ولقد كان أبو لهب أقرب الناس إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الزبير, ولكن ذلك لم ينفعه أيضاً، حين اختار أن يحارب الله ورسوله..
بل إن قرابته هذه سوف تزيد من عذابه في نار جهنم, لأنه يكون بها أشد إساءة إلى الرسول "صلى الله عليه وآله", وإلى دين الله تعالى, حيث ستكون سبباً في صدود الناس عنه "صلى الله عليه وآله" وعن الدين الذي جاء به.
كما أن هذه القرابة القريبة آكد في إقامة الحجة عليه, بسبب شدة قربه من الرسول "صلى الله عليه وآله", واطِّلاعه على أحواله, وعلى صدقه وصحة ما جاء به..
ثالثاً: من أين لنا، وكيف يمكن إثبات أن لكل نبي حوارياً؟ فإن القرآن قد صرح: بأن عيسى "عليه السلام" هو الذي كان له حواريون، كما أن الروايات تقول: إن للنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" أيضاً حواريين..
ولم نجد مثل ذلك لسائر الأنبياء "عليهم السلام", سواء أكانوا من أولي العزم، أم من غيرهم.
رابعاً: بماذا استحق الزبير أن يكون حواري رسول الله "صلى الله عليه وآله" دون سائر الصحابة, ممن كانوا أقرب إليه "صلى الله عليه وآله" منه بمراتب؟!
خامساً: روى هشام بن زيد، عن أنس, قال: سألت النبي "صلى الله عليه وآله": من حواريك يا رسول الله؟!
فقال: الأئمة بعدي اثني عشر، من صلب علي وفاطمة "عليهما السلام".
وهم حواريي، وأنصار ديني([330]).
وفي نص آخر: عن أبي المفضل, عن رجاء بن يحيى العبرتائي الكاتب, عن محمد بن خلاد الباهلي, عن معاذ بن معاذ, عن ابن عون, عن هشام بن زيد, عن أنس بن مالك, قال:
سألت رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن حوارييّ عيسى "عليه السلام"، فقال: كانوا من صفوته وخيرته, وكانوا اثني عشر، مجردين, مكمشين في نصرة الله ورسوله, لا زهو فيهم, ولا ضعف, ولا شك, كانوا ينصرونه على بصيرة ونفاذ، وجدٍّ وعناء.
قلت: فمن حواريك يا رسول الله؟
فقال: الأئمة من بعدي اثنا عشر، من صلب علي وفاطمة, هم حواريي, وأنصار ديني عليهم من الله التحية والسلام([331]).
لماذا تعظيم الزبير؟!
من الواضح: أن سياسة هؤلاء تقضي بتعظيم كل من ناوأ علي بن أبي طالب "عليه السلام" وحاربه، فمن الطبيعي إذاً أن نجدهم يهتمون بمنح الزبير الأوسمة وأن ينحلوه الكثير من البطولات التي لا يستحقها، بل من الطبيعي أن يختلسوا مواقف أمير المؤمنين "عليه السلام" ويمنحوها لأعدائه الذين أحبوهم لبغضهم علياً "عليه السلام". والزبير ـ كما هو معلوم ـ قاد جيشاً وحارب علياً "عليه السلام" وتسبب بقتل الألوف من المسلمين والمؤمنين، ولكن الدائرة قد دارت عليه حتى قتل وهو منهزم كما دلت عليه النصوص الكثيرة.
وأما بشارته "عليه السلام" لابن جرموز ـ قاتل الزبير ـ بالنار، فإنما هي إخبار بالغيب عما سيؤول إليه أمر ابن جرموز من المروق من الدين، وصيرورته خارجياً، وليس لأجل أن الزبير قد تاب وانصرف عن الحرب. ولو كان لأجل ذلك لكان أقاده به، ولما طلَّ دمه.
وإنما قلنا: إنه قتل وهو منهزم، استناداً إلى نصوص كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ إنه حينما ذكّر علي "عليه السلام" الزبير بقول رسول الله "صلى الله عليه وآله" له: "أما إنك ستحاربه، وأنت ظالم له".
رجع الزبير إلى صفوفه، واتهمه ولده عبد الله بالجبن وقال له:
ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف حداد، تحملها فتية أنجاد.
فقال الزبير: ويلك، أتهيجني على حربه؟! أما إني قد حلفت ألا أحاربه.
قال: كفِّر عن يمينك، لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت، وما كنت جباناً.
فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني.
ثم أنصل سنان رمحه، وحمل على عسكر علي "عليه السلام" برمح لا سنان له.
فقال علي "عليه السلام": أفرجوا له، فإنه محرج.
ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانية، ثم ثالثة.
ثم قال لابنه: أجبناً ـ ويلك ـ ترى؟!
فقال: لقد أعذرت([332]).
2 ـ وقد قال همام الثقفي:
أيـعتق مكحولاً ويعـصي نــــبيه لقد تاه عن قصد الهدى ثــم عوق
أينوي بهذا الصدق والبر والتـقى سيعــــلم يوماً من يبر ويصـدق([333])
3 ـ وقد قال النجاشي الشاعر، في رثائه لعمرو بن محصن الأنصاري:
ونحن تركــنا عـند مختلف القنـا أخـــاكم عـــبيد الله لحـماً ملحّب
بصفين لــما ارفض عنه رجالكم ووجـه ابــــن عتاب تركناه ملغب
وطلحة مــن بعد الزبير، ولم ندع لضبة في الهيجــا عريفـاً ومنكبـا([334])
4 ـ وروى البلاذري: أن ابن الزبير لما جبَّن أباه وعيَّره، قال له: حلفت ألا أقاتله.
قال: فكفر عن يمينك.
فأعتق غلاماً له يقال له: سرجس. وقام في الصف بينهم([335]).
5 ـ و قال عبد الرحمن بن سليمان:
لم أر كـــــاليوم أخــــا إخـــوان أعـجب مــن مــكفر الأيمــــان
بالعتق فــي معصيـة الـرحـمن
6 ـ وقال رجل من شعرائهم:
يعتق مكــحولاً لــــصون ديـــنه كفـــارة لله عــــن يـمينــــــــه
والنكـــث قـــد لاح على جبينه([336])
7 ـ وكتب "عليه السلام" إلى أهل الكوفة يخبرهم بالفتح، ويقول:
"فقتل طلحة والزبير. وقد تقدمت إليهما بالمعذرة، وأبلغت إليهما بالنصيحة، واستشهدت عليهما صلحاء الأمة، فما أطاعا المرشدين، ولا أجابا الناصحين الخ.."([337]).
8 ـ وعن سليم في حديث قال: ونشب القتال، فقتل طلحة، وانهزم الزبير([338]).
9 ـ وعن الحسن قال: إن علياً "عليه السلام" لما هزم طلحة والزبير أقبل الناس مهزومين فمروا بامرأة حامل الخ..([339]).
10 ـ وذكر الحاكم: أن علياً "عليه السلام" نادى في الناس: أن لا ترموا أحداً بسهم ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف، ولا تطلبوا القوم.. إلى أن قال:
ثم الزبير قال لأساورة كانوا معه: ارموهم برشق. وكأنه أراد أن ينشب القتال.
فلما نظر أصحابه إلى الانتشاب لم ينتظروا، وحملوا.
فهزمهم الله، ورمى مروان طلحة الخ..([340]).
وهذا يدل: على أن الوقعة الفاصلة قد حصلت بفعل الزبير نفسه وحضوره، وأن الهزيمة وقعت عليه وعلى أصحابه.
11 ـ وذكر الطبري: أنه "لما انهزم الناس في صدر النهار نادى الزبير: أنا الزبير، هلموا إليَّ أيها الناس، ومعه مولى له ينادي: أعن حواري رسول الله "صلى الله عليه وآله" تنهزمون؟!.
وانصرف الزبير نحو وادي السباع"([341]).
12 ـ وذكروا أيضاً: أن كعب بن سور أقبل إلى عائشة، فقال: أدركي، فقد أبى القوم إلا القتال، فركبت، وألبسوا هودجها الأدراع، ثم بعثوا جملها، فلما برزت من البيوت وقفت واقتتل الناس، وقاتل الزبير، فحمل عليه عمار بن ياسر، فجعل يحوزه بالرمح والزبير كاف عنه، ويقول: أتقتلني، يا أبا اليقظان؟
فيقول: لا، يا أبا عبدالله.
وإنما كف عنه الزبير لقول رسول الله "صلى الله عليه وآله": تقتل عماراً الفئة الباغية. ولولا ذلك لقتله.
وبينما عائشة واقفة إذ سمعت ضجة شديدة.. فقالت: ما هذا؟
قالوا: ضجة العسكر.
قالت: بخير أو بشر؟
قالوا: بشر.
فما فجأها إلا الهزيمة.
فمضى الزبير من سننه في وجهه، فسلك وادي السباع، وجاء طلحة سهم غرب الخ..([342]).
أضاف ابن الأثير قوله عن الزبير: وإنما فارق المعركة، لأنه قاتل تعذيراً لما ذكر علي "عليه السلام"([343]).
13 ـ ونص آخر يقول: "لما انهزم الناس يوم الجمل عن طلحة والزبير، مضى الزبير حتى مرّ بمعسكر الأحنف الخ.."([344]).
14 ـ وعن محمد بن إبراهيم قال: "هرب الزبير على فرس له، يدعى بذي الخمار، حتى وقع بسفوان، فمر بعبد الله بن سعيد المجاشعي الخ.."([345]).
15 ـ وفي نص آخر: "هرب الزبير إلى المدينة، حتى أتى وادي السباع، فرفع الأحنف صوته الخ.."([346]).
16 ـ وعن أبي مخنف وغيره: مضى الزبير حين هزم الناس يريد المدينة، حتى مر بالأحنف أو قريباً منه الخ..([347]).
17 ـ ولعل ما ذكره البلاذري إذا ضممناه إلى ما تقدم يصلح بياناً لحقيقة ما جرى.
فقد روى عن قتادة، قال: لما اقتتلوا يوم الجمل كانت الدبرة على أصحاب الجمل، فأفضى علي إلى الناحية التي فيها الزبير، فلما واجهه قال له: يا أبا عبد الله، أتقاتلني بعد بيعتي وبعدما سمعت من رسول الله في قتالك لي ظالماً؟!
فاستحيا وانسل على فرسه منصرفاً إلى المدينة، فلما صار بسفوان لقيه رجل من مجاشع يقال له: النَعر بن زمام، فقال له: أجرني.
قال النعر: أنت في جواري يا حواري رسول الله.
فقال الأحنف: وا عجباً!! الزبير لفّ بين غارين (أي جيشين) من المسلمين، ثم قد نجا بنفسه الخ..([348]).
فالمراد بانصراف الزبير هو انصراف الهزيمة، لا انصراف التوبة كما هو ظاهر هذا النص إذ لو كان قد انصرف عن القتال على سبيل التوبة، لما احتاج إلى من يجيره.
وقد صرحت سائر النصوص التي ذكرناها آنفاً بهذه الهزيمة.
صيغة أخرى لما جرى في خيبر:
قد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله"، قال لعلي "عليه السلام": قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله..
ولكن نصاً آخر ذكر تفصيلاً لهذه الوصية يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتأمل، فإنه "صلى الله عليه وآله" حين دفع إليه الراية قال له:
"سر في المسلمين إلى باب الحصن، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال: إما أن يدخلوا في الإسلام، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وأموالهم لهم..
وإما أن يذعنوا للجزية والصلح، ولهم الذمة، وأموالهم لهم.
وإما الحرب.
فإن اختاروا الحرب فحاربهم.
فأخذها وسار بها والمسلمون خلفه، حتى وافى باب الحصن، فاستقبله حماة اليهود، وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير.
فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا، فحمل عليهم أمير المؤمنين "عليه السلام" فانهزموا بين يديه ودخلوا الحصن وردوا بابه، وكان الباب حجراً منقوراً في صخر، والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى، وفي وسطه ثقب لطيف، فرمى أمير المؤمنين "عليه السلام" بقوسه من يده اليسرى، وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى، لأن السيف كان في يده اليمنى، ثم جذبه إليه فانهار الصخر المنقور، وصار الباب في يده اليسرى.
فحملت عليه اليهود، فجعل ذلك ترساً له، وحمل عليهم فضرب مرحباً فقتله، وانهزم اليهود من بين يديه؛ فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه، فمر الحجر الذي هو الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر.
قال المسلمون: فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعاً، ثم اجتمعنا على الباب لنرفعه من الأرض وكنا أربعين رجلاً حتى تهيأ لنا أن نرفعه قليلاً من الأرض"([349]).
ونقول:
إننا نذكر القارئ بالأمور التالية:
1 ـ إن من ينقض العهود، ويخون المواثيق، إنما يعامله الناس بحزم وبقسوة، ولا يعطونه عادة أي خيار، ولا يمنحونه أية فرصة للاختيار، أما إذا تكررت تلك الخيانات، وظهر تصميمه على ممارسة العدوان في أية فرصة تسنح له، فلا يترددون في سحقه، وتدميره، واقتلاعه من جذوره..
ولكن نبينا الأعظم "صلى الله عليه وآله"، لم يعامل اليهود بهذه الروحية، بل عاملهم بالعفو وبالتسامح، وبالسعي لمجرد إبطال كيدهم، ودفع شرهم، رغم تكرر خياناتهم له، وإصرارهم على نقض العهود، وإعلانهم الحرب عليه.
فها هو يقدم لهم خيارات تمنحهم الحياة، وتعفيهم من العقوبة. بل إن بعض تلك الخيارات يمنحهم حصانة، وحقوقاً، تساويهم مع سائر من هم معه "صلى الله عليه وآله"..
إنه يقول لهم: إن أسلموا حقنوا دماءهم، واحرزوا أموالهم، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم.
وإن لم يفعلوا ذلك.. فإنه أيضاً لا ينظر إليهم نظرة العدو والمحارب، بل هو يعطيهم فرصة أخرى للعيش بأمن وسلام، وتكون أموالهم لهم، ولهم ذمة المسلمين.
2 ـ إن اقتلاع باب خيبر كان كافياً لإقناع اليهود بعدم جدوى الحرب، وبأن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ووصيه، وأولياءه مؤيدون من الله.. وكان كافياً لأن تستسلم قلوبهم لنداء الضمير والوجدان، ويعلنوا إيمانهم وإسلامهم.
ولكن ذلك لم يكن، بل عكسه هو الذي كان، فقد حملوا على علي "عليه السلام" مرة أخرى..
فحمل عليهم وهزمهم..
3 ـ ثم رمى ذلك الباب من يده إلى مسافات بعيدة، فكان ذلك يكفي رادعاً آخر لهم عن غيهم، ودافعاً لهم ليثوبوا إلى رشدهم، وليعلنوا إيمانهم. ولكن ذلك لم يحصل أيضاً.
4 ـ والأغرب من كل هذا وذاك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يغيِّر طريقة تعامله معهم، بل بقي يعتمد سياسة الصفح، والرفق والتخفيف. فهو بعد كل هذا العناد، والتحدي والإصرار على مواصلة الحرب، لم ينتقم منهم، ولم يواجههم بما يستحقونه، بل قبِل بأن يعملوا له في الأرض، وأن يعطوه نصف ما يحصل منها.. مع أنهم لا يستحقون البقاء على قيد الحياة، فضلاً عن أن يكون "صلى الله عليه وآله" هو الذي يهيئ لهم الفرصة للحصول على ما يعتاشون به، ويلبي لهم حاجاتهم.
من سمى علياً × بحيدرة؟!
قد تقدم: أن علياً "عليه السلام" قال في مواجهة مرحب:
أنـا الـذي سمتني أمـي حـيـدرة كـلـيـــث غـابــات كــريه....
وقال ثابت بن قاسم: في تسمية علي "عليه السلام" بحيدرة، ثلاثة أقوال:
أحدها: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة.
الثاني: أن أمه فاطمة بنت أسد "رضي الله عنها" حين ولدته كان أبوه غائباً، فسمته باسم أبيها. فقدم أبوه فسماه علياً.
الثالث: أنه كان لقب في صغره بحيدرة، لأن "الحيدرة" الممتلئ لحماً مع عظم بطن. وكذلك كان علي([350]).
وذكر ذلك الحلبي أيضاً ولكنه لم يشر إلى أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، فراجع([351]).
ثم قال: "ويقال: إن ذلك كان كشفاً من علي كرم الله وجهه، بحيث إن الله أطلع علياً على رؤيا كان مرحب قد رآها في تلك الليلة في المنام: أن أسداً افترسه، فذكَّره علي كرم الله وجهه بذلك، ليخيفه، ويضعف نفسه"([352]).
ونقول:
أولاً: لو صح قولهم: إن لكلمة حيدرة عدة معان، فلماذا يختارون منها ما يوهم الناس بأمور غير محببة؟! حتى لقد قالوا: الحيدرة: الممتلئ لحماً مع عظم بطن، وكذلك كان علي "عليه السلام". أي أنه قد لقب بـ "الحيدرة" لعظم بطنه..
مع أنهم يقولون: إن أمه هي التي سمته بذلك حين ولدته، فهل كان عظيم البطن من حين ولادته؟!
وإذا كان قد صرح هو نفسه: بأن أمه قد سمته بحيدرة وكان ذلك منذ ولادته، فما معنى قولهم: لُقِّب بذلك منذ صغره؟!
فإن اللقب غير الاسم.. والاسم يوضع للمولود من حين يولد، ولحوق اللقب في الصغر قد يتأخر لمدة سنوات.
ثانياً: ما معنى قولهم: كان لُقِّب في صغره بـ "الحيدرة"؟ ألا ينافي هذا قول علي "عليه السلام" نفسه:
أنـا الـذي سمتني أمـي حـيـدرة كـلـيـــث غـابــات كــريه....
ثالثاً: لماذا لا يذكرون ما قاله ابن الأعرابي: الحيدرة في الأسد مثل الملك في الناس، وما قاله أبو العباس: يعني لغلظ عنقه، وقوة ساعديه؟!
رابعاً: قد ذكر ابن بري: أن أم علي لم تسم علياً "عليه السلام" حيدرة، بل سمته أسداً([353]).
لكنه "عليه السلام" لم يتمكن من ذكر الأسد لأجل القافية، فعبر بمعناه وهو: "حيدرة"، فرد عليه ابن منظور بقوله:
"وهذا العذر من ابن بري لا يتم له، إلا إن كان الرجز أكثر من هذه الأبيات، ولم يكن أيضاً ابتدأ بقوله: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة"، وإلا فإذا كان هذا البيت ابتداء الرجز، وكان كثيراً أو قليلاً، كان رضي الله عنه مخيراً في إطلاق القوافي على أي حرف شاء، مما يستقيم الوزن له به.
كقوله: "أنا الذي سمتني أمي الأسد"، أو "أسداً"، وله في هذه القافية مجال واسع، فنطقه بهذا الاسم على هذه القافية من غير قافية تقدمت، يجب اتباعها، ولا ضرورة صرفته إليها، مما يدل على أنه سمي حيدرة"([354]).
الصحيح في هذه القضية:
والصحيح هو: ما رواه المفيد عن الحسين بن علي بن محمد التمار، عن علي بن ماهان، عن عمه، عن محمد بن عمر، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، قال:
لما كان يوم خيبر خرج رجل يقال له: مرحب، وكان طويل القامة، عظيم الهامة، وكانت اليهود تقدمه لشجاعته ويساره.
قال: فخرج ذلك اليوم إلى أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فما واقفه قرن إلا قال: أنا مرحب، ثم حمل عليه، فلم يثبت له.
قال: وكانت له ظئر، وكانت كاهنة، تعجب بشبابه، وعظم خلقه.
وكانت تقول له: قاتل كل من قاتلك، وغالب كل من غالبك، إلا من تسمَّى عليك بـ "حيدرة"، فإنك إن وقفت له هلكت.
قال: فلما كثر مناوشته، وجزع الناس بمقاومته، شكوا ذلك إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وسألوه أن يخرج إليه علياً "عليه السلام"، فدعا النبي "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام"، وقال له: "يا علي، اكفني مرحباً".
فخرج إليه أمير المؤمنين "عليه السلام"، فلما بصر به مرحب يسرع إليه فلم يره يعبأ به، أنكر ذلك، وأحجم عنه، ثم أقدم وهو يقول:
أنـا الــذي سمتني أمـي مــرحباً ......
فأقبل علي "عليه السلام" وهو يقول:
أنـا الـذي سمتني أمـي حـيـدرة كـلـيـــث غـابــات كــريه....
فلما سمعها منه مرحب هرب ولم يقف، خوفاً مما حذرته منه ظئره، فتمثل له إبليس في صورة حبر من أحبار اليهود، فقال: إلى أين يا مرحب؟
فقال: قد تسمى عَلَيَّ هذا القرن بحيدرة!!
فقال له إبليس: فما حيدرة؟
فقال: إن فلانة ظئري كانت تحذرني من مبارزة رجل اسمه حيدرة، وتقول: إنه قاتلك.
فقال له إبليس: شوهاً لك، لو لم يكن حيدرة إلا هذا وحده لما كان مثلك يرجع عن مثله، تأخذ بقول النساء، وهن يخطئن أكثر مما يصبن؟! وحيدرة في الدنيا كثير، فارجع فلعلك تقتله، فإن قتلته سُدت قومك، وأنا في ظهرك أستصرخ اليهود لك، فرده. فوالله ما كان إلا كفواق ناقة حتى ضربه علي ضربة سقط منها لوجهه، وانهزم اليهود يقولون: قتل مرحب، قتل مرحب([355]).
إشارات ودلالات:
وقد تضمن هذا الحديث أموراً هامة تحسن الإشارة إليها، والدلالة عليها، وهي التالية:
ألف: سر زعامة مرحب:
قد ذكر الحديث: أن سبب تقديم اليهود لمرحب أمران:
أحدهما: شجاعته.
والثاني: يساره.
نعم.. وهذا هو المتوقع من اليهود الذين لا يفكرون إلا بالمال، وبالدنيا، والذين يسعون في الأرض فساداً، ويثيرون الفتن بين الناس، وكل همهم هو الهيمنة على الآخرين، وإذلالهم، وقهرهم، فإن ذلك هو ما ينسجم مع نظرتهم الاستعلائية إلى كل من هو غير إسرائيلي، لأنهم ـ بزعمهم ـ شعب الله المختار، وقد خلق الله تعالى غيرهم من أجل خدمتهم، وقد تحدثنا عن جانب من آرائهم هذه في كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
إن تقدم مرحب بينهم لم يكن لأجل عقله، ودينه، ومزاياه الأخلاقية، والإنسانية، بل لأنهم يحتاجون إلى فروسيته وشجاعته، وقوته، ويحتاجون إلى ماله ودنياه أيضاً.
ب: اكفني مرحباً:
وبعد، فما أروع كلمة رسول الله "صلى الله عليه وآله": "يا علي، اكفني مرحباً"، فإنه تحدث بصيغة المتكلم وحده "اكفني"، ربما لكي يشير: إلى أنه "صلى الله عليه وآله" هو المقصود الحقيقي لمرحب، وأن همة اليهود منصرفة إلى النيل من شخص رسول لله "صلى الله عليه وآله"، وأن لا مشكلة لمرحب مع أحد من الناس إلا معه "صلى الله عليه وآله"..
أما سائر من حضر فلا يقيم مرحب لهم وزناً، وهو قادر على استيعاب كل حركتهم ضده، وليشير "صلى الله عليه وآله" في كلامه هذا: إلى أن الذي يكفيه ويدفعه عنه هو خصوص علي "عليه السلام" دون سواه.
ج: الناس يريدون علياً ×:
وصرحت الرواية الآنفة الذكر أيضاً: بأن الناس حين جزعوا وعجزوا عن مقاومة مرحب التجأوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وسألوه أن يخرج إليه علياً "عليه السلام"، مع علمهم بشدة مرضه "عليه السلام"، وذلك يدل على أنهم كانوا يعرفون طرفاً من جهاد علي "عليه السلام"، وإقدامه وتضحياته في سبيل الله تعالى، ويعرفون أنه لا يتعرض له أحد إلا هلك، وأن مرضه لا يقصر به عن بلوغ غاياته..
فإن صحت هذه الرواية التي نحن بصدد الحديث عنها، فهي لا تنافي روايات إرسال غير علي "عليه السلام" بالراية قبله، لجواز أن يكون الناس قد طلبوا من النبي "صلى الله عليه وآله" إرسال علي "عليه السلام" بعد فشل الذين كان قد أرسلهم قبل ذلك..
بل قد يكون طلبهم هذا قبل إرسال الآخرين أيضاً، لكن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد آثر أن لا يرسل علياً "عليه السلام" من أول يوم لمصالح رآها..
ولعل بعضها قد اتضح في ثنايا هذا الكتاب.
بل قد يكون قسم من المسلمين، طلبوا من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يخرج علياً "عليه السلام" لمرحب، مع عدم علمهم بحالته الصحية، فوافق ذلك ما كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد عقد العزم عليه، فأعطاه الراية، وأمره بأن يكفيه مرحباً.
ثم تعجب العارفون برمد عيني علي "عليه السلام"، حين رأوه "عليه السلام" قد حضر بينهم.
وبذلك يتضح: أنه لا تناقض ولا اختلاف فيما بين هذه الرواية ورواية إعطاء الراية لعلي "عليه السلام"، خصوصاً تلك التي صرحت بأنهم قد فوجئوا بعلي "عليه السلام".
د: تمثل إبليس:
وقد يستغرب البعض أن يتثمل إبليس بصورة بعض أحبار اليهود..
ولكن الحقيقة هي: أنه لا غرابة في ذلك، فإن الآيات قد صرحت بأن إبليس كان من الجن.. والجن كما دلت عليه الروايات يقدرون على التمثل، تماماً كما تقدر الملائكة على ذلك.
وقد دلت الآيات والروايات على تمثل الملائكة، قال تعالى: ?فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً?([356]).
وكان جبرئيل يتمثل بصورة دحية الكلبي ـ على حد زعمهم ـ.
وقد ذكر الله تعالى: أن إبليس كان من الجن، فقال: ?إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ?([357])
وأشارت الروايات: إلى أن الجن أيضاً يتمثلون بصورة البشر، ويدل على ذلك: ما ورد من أن إبليس قد تمثل لقريش حينما تآمروا على قتل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأشار عليهم باختيار عشرة من الرجال ـ كل واحد من قبيلة ـ ويبيِّتوا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويضربوه بأسيافهم ليضيع دمه في القبائل..
فقبلوا مشورته، وحاولوا تنفيذها في ليلة الهجرة، حيث بات علي "عليه السلام" في فراش الرسول "صلى الله عليه وآله"، فنجا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بسبب ذلك([358]).
وقد روي عن الحارث الأعور قال: بينا أمير المؤمنين "عليه السلام" يخطب على المنبر يوم الجمعة، إذ أقبل أفعى من باب الفيل..
إلى أن تقول الرواية:
إن علياً "عليه السلام" أخبرهم: أن هذا الأفعى هو من الجن قال:
"فأتاني في ذلك، وتمثل في هذا المثال، يريكم فضلي الخ.."([359]).
فلاحظ قوله: "وتمثل في هذا المثال".
وفي رواية أخرى: أن هاتفاً كلّم النبي، فقال "صلى الله عليه وآله"، له:
"اظهَر رحمك الله في صورتك.
قال سلمان: فظهر لنا شيخ أذب، أشعر، قد لبس وجهه شعر غليظ الخ.."([360]).
وفي حديث آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" كان جالساً بالأبطح، وعنده جماعة من أصحابه.. "إذ نظرنا إلى زوبعة قد ارتفعت فأثارت الغبار، وما زالت تدنو والغبار يعلو إلى أن وقفت بحذاء النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم برز منها شخص كان فيها، ثم قال: يا رسول الله..
إلى أن تقول الرواية:
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": فاكشف لنا عن وجهك حتى نراك على هيئتك التي أنت عليها.
قال: فكشف لنا عن صورته، فنظرنا فإذا الشخص عليه شعر كثير، فإذا رأسه طويل العينين، عيناه في طول رأسه، صغير الحدقتين الخ.."([361]).
وعن الإمام الصادق "عليه السلام": إن إبليس لعنه الله قد طلب من ربه أن: "لا يولد لهم ـ أي لبني آدم ـ ولد إلا ولد لي اثنان، وأراهم، ولا يروني، وأتصور لهم في كل صورة شئت"([362]).
وفي حديث آخر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان جالساً، وعنده جني يسأله عن قضايا مشكلة، فأقبل أمير المؤمنين، فتصاغر الجني حتى صار كالعصفور الخ..([363]).
يضاف إلى ما تقدم حديث يقول: إن جنية من أهل نجران تمثلت في مثال أم كلثوم([364]) فراجع.
وأمثال ذلك كثير لا مجال لاستقصائه.. وهو يدل على ما ذكرناه من قدرة الجن ـ وإبليس منهم ـ على الظهور بأية صورة أرادوا..
شكوك حول مقتل عامر:
روى الشيخان، والبيهقي، عن سلمة بن الأكوع، قال: لما تصاف القوم يوم خيبر، وكان سيف عامر فيه قصر، فتناول به ساق يهودي ليضربه، فرجع ذباب سيفه، فأصاب عين ركبته، فمات منه.
فلما قفلوا سمعت نفراً من أصحاب محمد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه. فأتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأنا أبكي فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لما رآني شاحباً: ما لك؟
قلت: فداك أبي وأمي، زعموا أن عامراً حبط عمله.
قال: "من قال"؟
قلت: فلان وفلان، وأسيد بن الحضير الأنصاري الخ..([365]).
ونقول:
إننا نشك في هذه الرواية لما يلي:
أولاً: إن مجرد إصابة ذباب السيف لعين ركبة إنسانٍ لا يقتضي موته، بل هي جراحة بسيطة قابلة للشفاء..
ثانياً: إن هذا النوع من الجراحات ـ لو كان يؤدي بالمجروح إلى الموت ـ لا يوجب الموت مباشرة، فهو ليس مثل ضرب العنق، أو الطعن في القلب، أو شق الرأس. بل هو لا يميت إلا بعد وقت طويل، وتفاعل أمراض، وحصول مضاعفات، مع أن ظاهر الكلام هو: أن عامراً قد مات من ذلك في وقت قصير.
ثالثاً: لماذا يبكي سلمة، ألم يكن يعلم: أن من لم يتعمد قتل نفسه لا يعد قاتلاً لها، ولا موجب لحبط عمله؟
رابعاً: إن ما ذكروه في وجه إصابة ذباب السيف لعين ركبة عامر مما يصعب تصوره، إلا في حالة لا تكاد تحصل إلا ممن تعمد فعل ذلك، ولماذا يتعمد فعل أمر يحتاج إلى تكلف وجهد، ما دام أن بإمكانه تحقيق غرضه بضرب نفسه بمواضع من السيف هي أدنى من ذبابه؟
شائعات أسيد بن حضير:
قد تقدم: أن الناس قالوا عن عامر بن الأكوع، الذي قتله مرحب ـ حسب زعمهم ـ: قد قتله سلاحه.
وفي رواية: قتل نفسه. أي فليس بشهيد.
وأن سلمة بن الأكوع قال لرسول الله "صلى الله عليه وآله": زعموا أن أخي عامراً حبط عمله، أو قال: يزعم أسيد بن حضير، وجماعة من أصحابك: أن عامراً حبط عمله، إذ قتل بسيفه.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": كذب من قال، وإن له لأجرين، وجمع بين إصبعين.
وفي رواية: وإنه لشهيد.
وفي نص آخر: إنه لجاهدٌ مجاهد قلَّ عربيٌّ مشى ـ وفي لفظ: نشأ ـ بها مثله([366]).
ونلاحظ هنا:
أولاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أجاب بعبارة تتضمن اتهاماً صريحاً لأولئك القائلين، بأنهم قد كذبوا فيما قالوه. حيث لم يقل: إنهم أخطأوا، أو نحو ذلك.
فوصف النبي "صلى الله عليه وآله" لهم بالكذب يدل: على أنهم متعمدون للإخبار عن أمر يعلمون أنه خلاف الواقع، وهذا يؤكد أنهم لا يملكون من الورع ما يحجزهم عن ارتكاب الكبائر ـ ومنها الكذب ـ حتى على إنسان قد نال مقام الشهادة في سبيل الله..
مع أن كل أحد يعلم: أن من لم يتعمد قتل نفسه، لا موجب لحبط عمله.
وقد حاول الحلبي: التخفيف من وقع هذا التعبير النبوي بادعاء: أن المراد بالكذب: الخطأ، أي أخطأ من قال([367]).
غير أننا نقول له:
أولاً: إن هذا خلاف ظاهر الكلام، إذ كان بالإمكان أن يقول: أخطأ من قال.
ثانياً: لقد وصف سلمة بن الأكوع عامراً في هذه الرواية: بأنه أخوه، مع أنهم يقولون: إن الصحيح أنه عمه، وهذا وجه آخر من وجوه ضعف هذه الرواية..
وأجيب: بأنه من الجائز: أن يكون أخاه من الرضاعة، وعمه في النسب، فجاز له أن يقول: أخي([368]).
ونقول:
إن من الندرة بمكان، أن يعدل عن التعبير بالعم إلى التعبير بالأخ؛ لأجل الأخوة الرضاعية بمجردها. بل لم نجد أحداً يفعل ذلك.
بل الإنصاف يقضي: بأن يعدَّ هذا من الأدلة على أن عامراً كان أخاً لسلمة فعلاً، والله هو العالم.
ابن مسلمة قاتل مرحب.. كذبة مفضوحة:
قد تقدم أن هناك من يزعم: أن قاتل مرحب هو محمد بن مسلمة، وليس علي بن أبي طالب "عليه السلام"، فقد روى البيهقي عن عروة، وعن موسى بن عقبة، وعن الزهري، وعن ابن إسحاق، وعن محمد بن عمر عن شيوخه، قالوا: واللفظ لابن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن سهل بن عبد الرحمن بن سهل، أخو بني حارثة، عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال:
خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر، وقد جمع سلاحه يقول: من يبارز؟ ويرتجز:
قـد علمـت خـيـبر أني مـرحـب شـاكـي الســلاح بـطـل مجــرب
أطـعن أحـيـانـاً وحينـاً أضـرب إذا الـلـيــوث أقـبـلــت تجــرب
إن حمـاي لـلـحـمـى لا يـقـرب
فأجابه كعب بن مالك:
قـد عـلـمـت خـيـبر أني كـعـب مـفـرج الـغـمـى جـريء صـلب
إن شـبـت الحـرب تلتهـا الحرب مـعـي حسـام كـالـعـقيق عضب
نـطـؤكم حـتـى يـذل الصــعب نـعـطي الجـزاء أو يـفـيء النـهب
بـكـف مـاضٍ لـيـس فـيـه عـتـب
قال ابن هشام: وأنشدني أبو زيد:
قـد عـلـمـت خـيــبر أني كـعب وأنـنـي مـتـى تـشــب الحـــرب
مـاض على الهـول جريء صلب مـعـي حسـام كـالـعقيـق عضب
بكـف مـاضٍ ليـس فيـه عـتـب نـدكـكم حتى يــذل الـصـــعب
قال: ومرحب: ابن عميرة.
قال جابر: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "من لهذا"؟
قال محمد بن مسلمة: أنا له يا رسول الله، أنا والله الموتور الثائر، قتل أخي بالأمس.
فأمره بأن يقوم إليه، قال: "اللهم أعنه عليه".
(وفي بعض المصادر: وأعطاه سيفه، فخرج إليه، ودعاه إلى البراز، فارتجز كل منهما).
قال: فلما دنا أحدهما من صاحبه، دخلت بينهما شجرة عمرية (غمرته) من شجر العشر، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه، فكلما لاذ منه بها اقتطع صاحبه ما دونه منها، حتى برز كل واحد منهما لصاحبه، وصارت بينهما كالرجل القائم، ما فيها فنن.
ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة فضربه، فاتقاه بالدرقة، فوقع سيفه فيها، فعضت به فأمسكته، وضربه محمد بن مسلمة فقطع فخذيه حتى قتله([369]).
قالوا: ونفَّل رسول الله "صلى الله عليه وآله" محمد بن مسلمة يوم خيبر سلب مرحب: سيفه، ورمحه، ومغفره، وبيضته([370]).
قال الواقدي: "فكان عند آل محمد بن مسلمة سيفه، فيه كتاب لا يدرى ما هو، حتى قرأه يهودي من يهود تيماء، فإذا فيه:
هـذا سـيـف مـرحـب مـن يـذقـه يـعـطـب"([371]).
ابن مسلمة يقتل كنانة بأخيه:
ويقولون أيضاً: إنه بعد تعذيب كنانة ابن أبي الحقيق دفعه "صلى الله عليه وآله" لمحمد بن مسلمة، فضرب عنقه بأخيه محمود.
وذكروا في توجيه بشارة النبي "صلى الله عليه وآله" لمحمود هذا بنزول فرائض البنات: أن محمود بن مسلمة كان متمولاً، وكان ماله أكثر من أموال أخيه محمد. فلما سقطت عليه الرحى جعل يقول لأخيه: بنات أخيك لا يتبعن الأفياء، يسألن الناس.
فيقول له محمد: لو لم تترك مالاً لكان لي مال. ولم تكن فرائض البنات قد نزلت.
فلما كان يوم موته، وهو اليوم الذي قتل فيه مرحب أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" جعيل بن سراقة الغفاري، ليبشر محموداً بأن الله قد أنزل فرائض البنات وأن محمد بن مسلمة قد قتل قاتله.
فسر بذلك، ومات في اليوم الذي قتل فيه مرحب بعد ثلاث من سقوط الرحى عليه من حصن ناعم([372]).
ونقول:
إن هذا الكلام كله غير صحيح، وذلك لما يلي:
أولاً: إن الفاصل بين ما جرى في حصن ناعم حيث قتل محمود بن مسلمة وبين قتل مرحب في حصن القموص كان أياماً كثيرة تعد بالعشرات..
ثانياً: إنه لا ربط بين البشارة بنزول فرائض البنات وبين البشارة بقتل مرحب.
ثالثاً: إن فرائض البنات قد نزلت قبل ذلك بسنوات، ويشهد لهذا: أن الآيات المرتبطة بذلك هي في سور قد نزلت قبل ذلك بزمان طويل..
رابعاً: إن قاتل مرحب هو علي "عليه السلام"، لا محمد بن مسلمة..
وشواهد ذلك كله يجدها المتتبع بالمراجعة.
خامساً: إن رواياتهم في قاتل محمود بن مسلمة مختلفة ومتناقضة.
فهم يدَّعون: أن قاتله هو مرحب.
ثم يدَّعي بعضهم أيضاً: أن ابن مسلمة قد قتل مرحباً بأخيه.
ثم هم يدَّعون: أن علياً "عليه السلام" حين فتح الحصن أخذ قاتل محمود، ودفعه لأخيه محمد بن مسلمة، فقتله به..
ثم يدَّعون أيضاً هنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد دفع كنانة ابن أبي الحقيق إلى محمد بن مسلمة ليقتله بأخيه محمود([373]).
فلماذا هذا الاختلاف؟! وما هو السبب في هذا التخبط؟!
وقد يقال في دفع هذا التناقض الأخير: إن علياً "عليه السلام" دفعه للنبي "صلى الله عليه وآله"، والنبي دفعه لمحمد بن مسلمة، فصح نسبة ذلك إليه "صلى الله عليه وآله" تارة، وإلى علي "عليه السلام" أخرى..
ونحن لو قبلنا هذا التوجيه، فإنه لا يدفع التناقض الآخر.. ولا يدفع التناقض بين كون القاتل لمحمود هو مرحب، أو كنانة..
كما أن ملاحظة رواياتهم تعطي: أن هؤلاء الناس ليس لهم همٌّ ولا شغل إلا رواية الأحاديث في الإشادة بمحمد بن مسلمة، وتسطير المآثر والبطولات له، وكأن النبي "صلى الله عليه وآله" وعلياً "عليه السلام" وسواهما متحيرون في كيفية إرضاء ابن مسلمة، وتطييب خاطره، وتلبية طلباته..
سادساً: إن دعواهم تعذيب كنانة بن أبي الحقيق قبل قتله، على يد هذا تارة وذاك أخرى، دليل آخر على كذب هذه الرواية، إذ لا مبرر لتعذيبه.
ويكفي أن نذكِّر الناس بوصية علي "عليه السلام" بقاتله عبد الرحمن بن ملجم، حيث قال:
"ما فعل ضاربي؟! أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولى بحقي، وإن مت فاضربوه ولا تزيدوه"([374]).
وفي نص آخر: "احبسوه، وأطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش فعفو، أو قصاص الخ.."([375]).
حدِّث العاقل بما لا يليق له:
وحول دور محمد بن مسلمة في قتل مرحب نضيف إلى ما تقدم ما قاله الحاكم النيسابوري: "على أن الأخبار متواترة بأسناد كثيرة: أن قاتل مرحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام"([376]).
وقال الذهبي: الأخبار متواترة: أن قاتل مرحب علي([377]).
وقال الصالحي الشامي:
قلت: جزم جماعة من أصحاب المغازي: بأن محمد بن مسلمة هو الذي قتل مرحباً.
ولكن ثبت في صحيح مسلم ـ كما تقدم ـ عن سلمة بن الأكوع: أن علياً ـ رضي الله عنه ـ هو الذي قتل مرحباً.
وورد ذلك: في حديث بريدة بن الحصيب، وأبي نافع مولى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وعلى تقدير صحة ما ذكره جابر، وجزم به جماعة، فما في صحيح مسلم مقدم عليه من وجهين:
أحدهما: أنه أصح إسناداً.
الثاني: أن جابراً لم يشهد خيبر، كما ذكره ابن إسحاق، ومحمد بن عمر، وغيرهما، وقد شهدها سلمة، وبريدة، وأبو رافع. وهم أعلم ممن لم يشهدها.
وما قيل: من أن محمد بن مسلمة ضرب ساقي مرحب فقطعهما، ولم يجهز عليه، ومرَّ به علي "عليه السلام" فأجهز عليه، يأباه حديث سلمة، وأبي رافع، والله أعلم.
وصحح أبو عمر: أن علياً "عليه السلام" هو الذي قتل مرحباً، وقال ابن الأثير: إنه الصحيح([378]).
وقال ابن الأثير: "وقيل: إن الذي قتل مرحباً، وأخذ الحصن علي بن أبي طالب، وهو الأصح والأشهر"([379]).
وقال أيضاً: "الصحيح الذي عليه أهل السير والحديث: أن علياً كرم الله وجهه قاتله"([380]).
وقال الحلبي: "وقيل: القاتل له علي كرم الله وجهه، وبه جزم مسلم (ره) في صحيحه.
وقال بعضهم: والأخبار متواترة به".
وقال أيضاً: "وقد يجمع بين القولين: بأن محمد بن مسلمة أثبته، أي بعد أن شق علي كرم الله وجهه هامته، لجواز أن يكون قد شق هامته، ولم يثبته، فأثبته محمد بن مسلمة. ثم إن علياً كرم الله وجهه وقف عليه"([381]).
ثم استدل الحلبي على ذلك بما في بعض السير عن الواقدي، قال: "لما قطع محمد بن مسلمة ساقي مرحب، قال له مرحب: أجهز عليَّ.
فقال: لا، ذق الموت كما ذاقه أخي.
ومرّ به علي فضرب عنقه، وأخذ سلبه، فاختصما إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سلبه.
فقال محمد: يا رسول الله، ما قطعت رجليه وتركته إلا ليذوق الموت، وكنت قادراً أن أجهز عليه.
فقال علي كرم الله وجهه: صدق.
فأعطى سلبه لمحمد بن مسلمة"([382]).
وقالوا: لعل هذا كان بعد مبارزة عامر بن الأكوع لمرحب، فلا ينافي ما مر عن فتح الباري([383]).
وفي الإستيعاب: "والصحيح الذي عليه أكثر أهل السير والحديث أن علياً قاتله"([384]).
ونقول:
إن ما تقدم هو محض اكاذيب ولا يصح، والذي قدمناه من النصوص الصحيحة، والمتواترة كاف في إثبات ذلك، ونزيد هنا ما يلي:
1 ـ علي × يفي بوعده:
رووا: أن علياً "عليه السلام" لما فتح الحصن، أخذ الرجل الذي قتل أخا محمد بن مسلمة، وسلمه إلى ابن مسلمة، فقتله بأخيه..
وفي نص آخر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" دفع كنانة لمحمد بن مسلمة ليقتله([385]).
ولا منافاة بين الروايتين، إذ إن علياً "عليه السلام" لا يورد ولا يصدر إلا عن أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فهو قد سلمه إليه بعد أن أحرز الإذن منه "صلى الله عليه وآله"..
فيصح أن يقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" دفعه إليه، ويصح أيضاً القول: بأن علياً "عليه السلام" فعل ذلك.
2 ـ الإشتراك في قتل محمود:
إن دعوى اشتراك مرحب، وكنانة بن الربيع، والرجل الذي سلمه علي "عليه السلام" لمحمد بن مسلمة ـ إن دعوى اشتراك الثلاثة ـ في قتل محمود بن مسلمة([386]) غير مقبولة:
أولاً: لثبوت أن ابن مسلمة لم يقتل مرحباً بأخيه ـ كما زعموا ـ لكي يصح قولهم: إنه قتله بأخيه الذي كان قد شارك في قتله، بل قاتل مرحب هو علي "عليه السلام"..
ثانياً: لما روي: من أن علياً "عليه السلام" قد سلم قاتل محمود إلى أخيه محمد. وهو لم يسلم إليه مرحباً قطعاً.. ولم يسلم إليه كنانة لأجل ذلك أيضاً.
ثالثاً: قيام احتمال أن يكون محمد بن مسلمة قد فرَّ مع الفارين في غزوة خيبر، كما سنرى في الفقرة التالية، فإنه إذا كان قد فر وانهزم، فلا يكون قد قتل مرحباً بأخيه أيضاً.
3 ـ ابن مسلمة يفرُّ بالراية أيضاً:
لقد ورد في بعض النصوص: ما يثير بقوة احتمال أن يكون محمد بن مسلمة أحد الذين أعطاهم النبي "صلى الله عليه وآله" الراية وهرب، فقد روى ابن الأثير بإسناده عن بريدة، قال: "لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء، فلما كان من الغد أخذه عمر. وقيل (أخذه): محمد بن مسلمة (أي وهرب)، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله":
لأدفعن لوائي إلى رجل لم يرجع حتى يفتح الله عليه.
فصلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلاة الغداة، ثم دعا باللواء، فدعا علياً "عليه السلام" وهو يشتكي عينيه الخ.."([387]).
فقد دلت هذه الرواية: على أن ابن مسلمة كان هو أو عمر قد هرب في خيبر.
ومما يؤيد ذلك: الرواية التي تقول: إن جماعة طلبوا الراية من النبي "صلى الله عليه وآله" في خيبر، فلم يعطهم إياها، وأعطاها علياً "عليه السلام"، ففتح الله عليه([388]).
4 ـ الإختصام في سلب مرحب:
ثم إن الحديث عن اختصام علي "عليه السلام" ومحمد بن مسلمة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سلب مرحب، مكذوب أيضاً، بدليل:
أنهم قد رووا: أن علياً "عليه السلام" لم يقدم على سلب عمرو بن عبد ود وهوأنفس سلب، وحين طالبه عمر بن الخطاب بذلك قال:
"كرهت أن أبز السبيَّ ثيابه"([389]).
قال المعتزلي: فكأن حبيباً (يعني أبا تمام الطائي) عناه بقوله:
إن الأسـود أسـود الغـاب همتهـا يوم الكريهة في المسلوب لا السلب([390])
كما أنه "عليه السلام" قال لعمرو بن عبد ود حين طلب منه أن لا يسلبه حلته: هي أهون علي من ذلك([391]).
فمن كان كذلك: فهو لا يجاحش على السلب، ولا ينازع أحداً فيه، فضلاً عن أن يرفع الأمر إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليفصل فيه.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمال
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1"
الفصل الرابع: كتاب النبي ' إلى المقوقس ..................... 5 ـ 50
الفصل الخامس: كتاب النبي ' إلى النجاشي الثاني............ 51 ـ 62
الباب الخامس: حصون خيبر
الفصل الأول: من المدينة.. إلى خيبر.. .........................65 ـ 114
الفصل الثاني: قبل أن يبدأ القتال.. .......................... 115 ـ 146
الفصل الثالث: فتح حصن ناعم.. .......................... 147 ـ 168
الفصل الرابع: فتح سائر حصون النطاة والشق .............. 169 ـ 212
الباب السادس: فتح خيبر
الفصل الأول: المنهزمون الفاشلون.. ....................... 215 ـ 248
الفصل الثاني: وقفات لا بد منها ............................ 249 ـ 286
الفصل الثالث: قتل مرحب.. أحداث وتفاصيل.. .......... 287 ـ 338
الفهارس .................................................. 339 ـ 353
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1"
الفصل الرابع: كتاب النبي ' إلى المقوقس
كتاب النبي ' إلى المقوقس:.................................................... PAGEREF _Toc108850852 \h 7
قصة هذه الرسالة:................................................................ PAGEREF _Toc108850853 \h 9
الرسول ' عند المقوقس:..................................................... PAGEREF _Toc108850854 \h 10
الرسول ' مع الملك في السر:............................................... PAGEREF _Toc108850855 \h 11
كتاب المقوقس إلى رسول الله ':........................................... PAGEREF _Toc108850856 \h 12
هدايا المقوقس إلى النبي ':................................................... PAGEREF _Toc108850857 \h 14
عليك إثم القبط:.................................................................. PAGEREF _Toc108850858 \h 18
الحرص على الملك:............................................................ PAGEREF _Toc108850859 \h 19
شبهات المقوقس، لماذا؟!:.................................................... PAGEREF _Toc108850860 \h 19
دور الدعاء في دعوة الأنبياء ^:............................................ PAGEREF _Toc108850861 \h 20
هدايا المقوقس:.................................................................. PAGEREF _Toc108850862 \h 22
القبط لا تطاوعه:................................................................ PAGEREF _Toc108850863 \h 22
وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم:.............................................. PAGEREF _Toc108850864 \h 23
كتاب آخر مشكوك فيه:........................................................ PAGEREF _Toc108850865 \h 24
كلمات عن المقوقس:........................................................... PAGEREF _Toc108850866 \h 25
لا تسمع القبط منك حرفاً واحداً:............................................. PAGEREF _Toc108850867 \h 26
كتابه ' إلى النجاشي الأول من مكة:....................................... PAGEREF _Toc108850868 \h 28
إسلام النجاشي الأول:.......................................................... PAGEREF _Toc108850869 \h 30
كلام الرسول ' عند النجاشي الأول:....................................... PAGEREF _Toc108850870 \h 31
إنما يفتضح الفاجر:............................................................. PAGEREF _Toc108850871 \h 32
كتاب النجاشي الأول إلى النبي ':.......................................... PAGEREF _Toc108850872 \h 33
رسول النجاشي الأول وهداياه:.............................................. PAGEREF _Toc108850873 \h 36
الإقرار للنجاشي الأول بالملك:............................................... PAGEREF _Toc108850874 \h 38
سلام عليك:...................................................................... PAGEREF _Toc108850875 \h 39
أحمد إليك الله:................................................................... PAGEREF _Toc108850876 \h 39
المـلـك:............................................................................ PAGEREF _Toc108850877 \h 40
القدوس:........................................................................... PAGEREF _Toc108850878 \h 40
السلام، المؤمن:................................................................. PAGEREF _Toc108850879 \h 41
المهيمن:.......................................................................... PAGEREF _Toc108850880 \h 41
العزيز الجبار المتكبر:......................................................... PAGEREF _Toc108850881 \h 42
شهادة رسول الله ' لعيسى أولاً:............................................. PAGEREF _Toc108850882 \h 43
مريم البتول، الطيبة، الحصينة:.............................................. PAGEREF _Toc108850883 \h 44
فخلقه من روحه ونفخه:....................................................... PAGEREF _Toc108850884 \h 46
كما خلق آدم × بيده ونفخه:................................................... PAGEREF _Toc108850885 \h 46
الموالاة على طاعة الله عز وجل:........................................... PAGEREF _Toc108850886 \h 47
أدعوك وجنودك:............................................................... PAGEREF _Toc108850887 \h 48
الفصل الخامس: كتاب النبي ' إلى النجاشي الثاني
كتاب النبي ' إلى النجاشي الثاني:.......................................... PAGEREF _Toc108850890 \h 53
النجاشي ثلاثة، أسلم منهم اثنان:............................................. PAGEREF _Toc108850891 \h 55
النجاشي يموت وهو مهاجر:................................................. PAGEREF _Toc108850892 \h 59
إخلاص النجاشي:.............................................................. PAGEREF _Toc108850893 \h 60
كتابه ' إلى النجاشي الثالث:................................................. PAGEREF _Toc108850894 \h 61
الباب الخامس: حصون خيبر
الفصل الأول: من المدينة.. إلى خيبر..
تقديم:.............................................................................. PAGEREF _Toc108850899 \h 67
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc108850900 \h 68
ماذا عن خيبر؟!................................................................. PAGEREF _Toc108850901 \h 69
خيبر مقدسة!!................................................................... PAGEREF _Toc108850902 \h 71
تاريخ غزوة خيبر:............................................................. PAGEREF _Toc108850903 \h 72
في أي شهر كانت؟!............................................................ PAGEREF _Toc108850904 \h 74
مدة حصار خيبر:............................................................... PAGEREF _Toc108850905 \h 75
مدة إقامته ' في خيبر:........................................................ PAGEREF _Toc108850906 \h 75
الاستنفار إلى خيبر:............................................................ PAGEREF _Toc108850907 \h 75
المستخلف على المدينة:........................................................ PAGEREF _Toc108850908 \h 78
خدمة أنس للنبي ':............................................................ PAGEREF _Toc108850909 \h 79
أم سلمة في خيبر أيضاً:....................................................... PAGEREF _Toc108850910 \h 81
إحساس يهود المدينة بالخطر:................................................ PAGEREF _Toc108850911 \h 82
إجراءات في الطريق إلى خيبر:............................................. PAGEREF _Toc108850912 \h 85
لمن الشعر المتقدم؟!............................................................ PAGEREF _Toc108850913 \h 90
الخطأ في مضمون شعر عامر:.............................................. PAGEREF _Toc108850914 \h 90
ارتجاز عامر لرسول الله ':................................................. PAGEREF _Toc108850915 \h 91
الإستغفار أمارة الشهادة:...................................................... PAGEREF _Toc108850916 \h 91
لا تحل الجنة لعاص:........................................................... PAGEREF _Toc108850917 \h 92
الكثرة لا خير فيها:............................................................. PAGEREF _Toc108850918 \h 94
أكذوبة الفتاة الحائض:......................................................... PAGEREF _Toc108850919 \h 96
إختيارالطريق إلى خيبر:...................................................... PAGEREF _Toc108850920 \h 99
التطير والتفاؤل:.............................................................. PAGEREF _Toc108850921 \h 100
لا حول ولا قوة إلا بالله:..................................................... PAGEREF _Toc108850922 \h 101
المطلوب هو الخير لا الغنائم:.............................................. PAGEREF _Toc108850923 \h 103
ابن أبي يحذر اليهود:......................................................... PAGEREF _Toc108850924 \h 106
غطفان تخاف، فتتراجع:.................................................... PAGEREF _Toc108850925 \h 107
الفصل الثاني: قبل أن يبدأ القتال..
وصول رسول الله ' إلى خيبر:........................................... PAGEREF _Toc108850928 \h 117
الجيش هو الخميس:.......................................................... PAGEREF _Toc108850929 \h 120
خربت خيبر:.................................................................. PAGEREF _Toc108850930 \h 120
إنحسار الإزار عن فخذ رسول الله ':................................... PAGEREF _Toc108850931 \h 121
لا يظن اليهود: أنه ' يغزوهم:............................................. PAGEREF _Toc108850932 \h 126
الأذان علامة الإسلام:....................................................... PAGEREF _Toc108850933 \h 127
إستعراضات وانتفاخات كاذبة:............................................ PAGEREF _Toc108850934 \h 129
مشورة الحباب:............................................................... PAGEREF _Toc108850935 \h 131
ألف: الإنتقاص من رسول الله ':............................... PAGEREF _Toc108850936 \h 133
ب: إذا أمسينا تحولنا:.............................................. PAGEREF _Toc108850937 \h 134
الحباب ذو الرأي من هو؟!.............................. PAGEREF _Toc108850938 \h 134
ج: حديث الراحلة:.................................................. PAGEREF _Toc108850939 \h 136
د: بناء المسجد في خيبر:.......................................... PAGEREF _Toc108850940 \h 137
صوابية تدبير اليهود:........................................................ PAGEREF _Toc108850941 \h 137
قطع نخيل النطاة:............................................................. PAGEREF _Toc108850942 \h 139
الأمان لمن أراد:.............................................................. PAGEREF _Toc108850943 \h 141
من دخل النخل فهو آمن:.................................................... PAGEREF _Toc108850944 \h 142
جعل علي × على المقدمة:................................................. PAGEREF _Toc108850945 \h 143
التشكيك في قيادة علي ×:.................................................. PAGEREF _Toc108850946 \h 143
علي × يسمع الناس أقوال النبي ':....................................... PAGEREF _Toc108850947 \h 145
جبرئيل يحب علياً ×:........................................................ PAGEREF _Toc108850948 \h 146
الفصل الثالث: فتح حصن ناعـم..
حصار حصن ناعم:......................................................... PAGEREF _Toc108850951 \h 149
على فرس، أو على حمار؟!................................................ PAGEREF _Toc108850952 \h 152
قتال رسول الله ' في خيبر:............................................... PAGEREF _Toc108850953 \h 152
الرايات بدأت في خيبر:..................................................... PAGEREF _Toc108850954 \h 153
الزموا الأرض جلوساً:...................................................... PAGEREF _Toc108850955 \h 155
نداء لا تحل الجنة لعاص:................................................... PAGEREF _Toc108850956 \h 155
الإنضباط ضرورة لا تقبل الجدل:........................................ PAGEREF _Toc108850957 \h 157
تمني لقاء العدو:............................................................... PAGEREF _Toc108850958 \h 157
يسلم الراعي وتعود الغنم:................................................... PAGEREF _Toc108850959 \h 159
متى شبع النبي ' من خبز الشعير؟!...................................... PAGEREF _Toc108850960 \h 163
محمود بن مسلمة يقتل في حصن ناعم:.................................. PAGEREF _Toc108850961 \h 164
أين قتل ابن مسلمة؟!......................................................... PAGEREF _Toc108850962 \h 168
الفصل الرابع: فتح سائر حصون النطاة والشق
حصار وفتح حصن الصعب بن معاذ:................................... PAGEREF _Toc108850965 \h 171
فرار المسلمين.. وثبات الحُباب:........................................... PAGEREF _Toc108850966 \h 178
لماذا الإحراج؟:............................................................... PAGEREF _Toc108850967 \h 179
أوسمة أسلم:.................................................................... PAGEREF _Toc108850968 \h 180
الموقف الشائن:............................................................... PAGEREF _Toc108850969 \h 181
اللواء للحباب بن المنذر:.................................................... PAGEREF _Toc108850970 \h 181
الصعب أكثرها طعاماً:...................................................... PAGEREF _Toc108850971 \h 182
تسخين الماء في آنية اليهود:................................................ PAGEREF _Toc108850972 \h 183
أعظم حصون خيبر:......................................................... PAGEREF _Toc108850973 \h 184
الإفتخار في الحرب:......................................................... PAGEREF _Toc108850974 \h 185
حديث الشاتين، وقطيع الغنم:............................................... PAGEREF _Toc108850975 \h 186
الحُباب بن المنذر في الواجهة:............................................. PAGEREF _Toc108850976 \h 187
ابن مسلمة يقول: تبسم إليَّ ':............................................. PAGEREF _Toc108850977 \h 188
الإهتمام بالطعام والغنيمة:................................................... PAGEREF _Toc108850978 \h 189
مدة الحصار:.................................................................. PAGEREF _Toc108850979 \h 189
حصن قلة الزبير:............................................................. PAGEREF _Toc108850980 \h 190
بطولات موهومة:............................................................ PAGEREF _Toc108850981 \h 193
نصب المنجنيق:.............................................................. PAGEREF _Toc108850982 \h 195
ذراري اليهود لم تكن في حصن الشق:................................... PAGEREF _Toc108850983 \h 196
ابن مسلمة تارة، والحباب أخرى:......................................... PAGEREF _Toc108850984 \h 197
موقع عثمان هو الأنسب:.................................................... PAGEREF _Toc108850985 \h 198
عمر يأمر بضرب عنق شخص:.......................................... PAGEREF _Toc108850986 \h 199
لا يعرف المنجنيق إلا هذا اليهودي:....................................... PAGEREF _Toc108850987 \h 201
لماذا خص النبي ' ابن مسلمة بخطابه؟!................................ PAGEREF _Toc108850988 \h 202
إسهامات عمر في فتح خيبر:............................................... PAGEREF _Toc108850989 \h 203
قتل مرحب في القموص لا في الصعب:................................. PAGEREF _Toc108850990 \h 204
حصون الشق:................................................................. PAGEREF _Toc108850991 \h 205
ماذا عن فتح حصن النزار؟!............................................... PAGEREF _Toc108850992 \h 209
صفية في حصن النزار:.................................................... PAGEREF _Toc108850993 \h 210
الباب السادس: فتح خيبر
الفصل الأول: المنهزمون الفاشلون..
بـدايـة:.......................................................................... PAGEREF _Toc108850998 \h 217
القموص أعظم حصون خيبر:............................................. PAGEREF _Toc108850999 \h 217
حصار القموص:............................................................. PAGEREF _Toc108851000 \h 218
رعب اليهود:.................................................................. PAGEREF _Toc108851001 \h 219
رايات الفاشلين:............................................................... PAGEREF _Toc108851002 \h 220
رايتان أم ثلاث؟!............................................................. PAGEREF _Toc108851003 \h 231
إرسال عمر مرتين:.......................................................... PAGEREF _Toc108851004 \h 232
أين ابن مسلمة، والحباب، والزبير؟!..................................... PAGEREF _Toc108851005 \h 233
كتائب اليهود تهاجم الأنصار:.............................................. PAGEREF _Toc108851006 \h 233
ألف: تعمد التعتيم على الحقائق:.................................. PAGEREF _Toc108851007 \h 235
ب: لواء الأنصار، أم لواء النبي '؟!........................... PAGEREF _Toc108851008 \h 236
ج: حفظ ماء وجه الأنصاري:................................... PAGEREF _Toc108851009 \h 237
د: أين كان المهاجرون؟!.......................................... PAGEREF _Toc108851010 \h 238
هـ: نداء رسول الله ' في اليهود:................................ PAGEREF _Toc108851011 \h 238
و: الصحابة يفرون حتى عن علي ×!!........................ PAGEREF _Toc108851012 \h 240
تعابير ذات مغزى:........................................................... PAGEREF _Toc108851013 \h 240
أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟!.................................................. PAGEREF _Toc108851014 \h 243
عرِّفهم ما يجب عليهم:....................................................... PAGEREF _Toc108851015 \h 244
حق الله وحق رسوله:........................................................ PAGEREF _Toc108851016 \h 245
لأن يهدي الله بك نسمة:..................................................... PAGEREF _Toc108851017 \h 245
اليهود، وكلمة التوحيد:....................................................... PAGEREF _Toc108851018 \h 247
التدرج في الاعتقادات، وفي الأحكام:.................................... PAGEREF _Toc108851019 \h 247
الفصل الثاني: وقفات لا بد منه
هل قاتل المهزومون في خيبر؟!........................................... PAGEREF _Toc108851022 \h 251
1 ـ يحب الله ورسوله:............................................. PAGEREF _Toc108851023 \h 254
2 ـ يحبه الله ورسوله:............................................. PAGEREF _Toc108851024 \h 255
التزوير الرخيص.. تصرف وحذف:................. PAGEREF _Toc108851025 \h 256
أقوال النبي ' في المصادر والمراجع:............... PAGEREF _Toc108851026 \h 257
ابن الصباغ ينقل عن صحيح مسلم:................... PAGEREF _Toc108851027 \h 262
3 ـ كرار غير فرار:............................................... PAGEREF _Toc108851028 \h 264
4 ـ لا يولي الدبر:................................................... PAGEREF _Toc108851029 \h 265
5 ـ لا يرجع حتى يفتح الله عليه:................................. PAGEREF _Toc108851030 \h 265
6 ـ لا يخزيه الله أبداً:.............................................. PAGEREF _Toc108851031 \h 265
حتى أنت يا عمر؟!:.......................................................... PAGEREF _Toc108851032 \h 266
مقارنة ذات مغزى:.......................................................... PAGEREF _Toc108851033 \h 270
سعادتهم برمد علي ×:....................................................... PAGEREF _Toc108851034 \h 272
كلهم يرجو أن يُعْطاها:....................................................... PAGEREF _Toc108851035 \h 274
حتى قريش:.................................................................... PAGEREF _Toc108851036 \h 276
لماذا الإعلان المسبق؟!...................................................... PAGEREF _Toc108851037 \h 276
التدخل الإلهي:................................................................. PAGEREF _Toc108851038 \h 277
النبي ' يصنع المعجزة:..................................................... PAGEREF _Toc108851039 \h 278
متى رمدت عينا علي ×؟................................................... PAGEREF _Toc108851040 \h 279
علي × فاجأهم:............................................................... PAGEREF _Toc108851041 \h 282
لباس علي × في الحر والبرد:............................................. PAGEREF _Toc108851042 \h 283
الفصل الثالث: قتل مرحب.. أحداث وتفاصيل..
علوتم والذي أنزل التوراة:.................................................. PAGEREF _Toc108851045 \h 289
قتل علي × مرحباً والفرسان الثمانية:.................................... PAGEREF _Toc108851046 \h 291
قطع رأس مرحب لماذا؟!................................................... PAGEREF _Toc108851047 \h 297
صفية تتدخل لمصلحة ولدها:.............................................. PAGEREF _Toc108851048 \h 297
الزبير حواري رسول الله ':............................................... PAGEREF _Toc108851049 \h 300
لماذا تعظيم الزبير؟!......................................................... PAGEREF _Toc108851050 \h 303
صيغة أخرى لما جرى في خيبر:......................................... PAGEREF _Toc108851051 \h 310
من سمى علياً × بحيدرة؟!.................................................. PAGEREF _Toc108851052 \h 313
الصحيح في هذه القضية:................................................... PAGEREF _Toc108851053 \h 315
إشارات ودلالات:............................................................ PAGEREF _Toc108851054 \h 317
ألف: سر زعامة مرحب:......................................... PAGEREF _Toc108851055 \h 317
ب: اكفني مرحباً:................................................... PAGEREF _Toc108851056 \h 318
ج: الناس يريدون علياً ×:........................................ PAGEREF _Toc108851057 \h 318
د: تمثل أبليس:...................................................... PAGEREF _Toc108851058 \h 319
شكوك حول مقتل عامر:.................................................... PAGEREF _Toc108851059 \h 323
شائعات أسيد بن حضير:.................................................... PAGEREF _Toc108851060 \h 324
ابن مسلمة قاتل مرحب.. كذبة مفضوحة:............................... PAGEREF _Toc108851061 \h 326
ابن مسلمة يقتل كنانة بأخيه:................................................ PAGEREF _Toc108851062 \h 329
حدِّث العاقل بما لا يليق له:................................................. PAGEREF _Toc108851063 \h 332
1 ـ علي × يفي بوعده:............................................ PAGEREF _Toc108851064 \h 334
2 ـ الإشتراك في قتل محمود:.................................... PAGEREF _Toc108851065 \h 335
3 ـ ابن مسلمة يفرُّ بالراية أيضاً:................................ PAGEREF _Toc108851066 \h 336
4 ـ الإختصام في سلب مرحب:................................. PAGEREF _Toc108851067 \h 337
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc108851071 \h 341
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc108851072 \h 343
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي ج2 ص417 عن المصادر التالية، مع التذكير بأنه اعتمد على الطبعات المتوفرة لديه: السيرة الحلبية ج3 ص280 وسيرة زيني دحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص70 وإعلام السائلين ص19 ورسالات نبوية ص278 وأعيان الشيعة ج2 ص142 وفي (ط أخرى) ج2 ص244 وجمهرة رسائل العرب، عن صبح الأعشى ج6 ص 378 وعن خطط المقريزي ج1 ص29 وعن حسن المحاضرة ج1 ص42 وعن المواهب اللدنية للقسطلاني ج3 ص397 ونشأة الدولة الإسلامية ص304 عن فتوح مصر (ط ليدن) ص46 = = وعن مجلة الهلال (عدد أكتوبر سنة 1904م) وصبح الأعشى ج6 ص358 ـ 366 وزاد المعاد لابن القيم ج3 ص61 ونصب الراية للزيلعي ج4 ص421.
وراجع: الإصابة ج3 ص531 ودائرة المعارف لوجدي ج9 ص317 وشرح المواهب للزرقاني ج3 ص347 وفتوح مصر لابن عبد الحكم ص46 وتأريخ الخميس ج2 ص37 ولغت نامه دهخدا (فارسي) ج43 ص955 وصبح الأعشى ج6 ص364 والمصباح المضيء ج2 ص129 والوثائق السياسية: 105/49 عن فتوح مصر لابن عبد الحكم ص46 وعن مفيد العلوم للقزويني والبيهقي والمنفلوطي ومنشآت السلاطين لفريدون بك.
وأشار إليه: الطبري ج3 ص645 والكامل لابن الأثير ج2 ص210 واليعقوبي ج2 ص67 والبداية والنهاية ج4 ص272 وحياة الصحابة ج1 ص117 والتنبيه والإشراف ص227 والبحار ج20 ص283 والطبقات ج2 ق1 ص86 و ج2 ق1 ص16 و 17 وج1 ق3 ص80 وابن هشام ج4 ص254 وثقات ابن حبان ج2 ص5 ـ 7 وفقه السيرة ص387 والأموال لأبي عبيد ص367 وحياة الحيوان للدميري ج2 ص328 وكنز العمال ج10 ص399 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص15 والإصابة ج1 ص300 في ترجمة حاطب، وج3 ص530 في ترجمة المقوقس، والإستيعاب (هامش الإصابة) ج1 ص350 وأسد الغابة ج1 ص363 والوثائق السياسية: 135/49 وعن الوفاء لابن الجوزي ص717 وانظر كايتاني ج6 ص49 واشپرنكر ج3 ص265 و 267 ومجلة ژورنال آزياتيك (باريس سنة 1917م) ص482 ـ 498 ومجلة إسلامك ريفيو لاكتشاف أصل المكتوب في كنيسة قرب اخميم في صعيد مصر إلى آخر ما ذكره من المجلات. وراجع أيضاً: أنساب الأشراف تحقيق محمد حميد الله ص448 والمنتظم ج5 ص69 وج3 ص275 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج5 ص662 وعن عيون الأثر ج2 ص331.
([2]) مكاتيب الرسول ج1 ص13 وج2 ص421 عن: السيرة الحلبية ج3 ص281 وزيني دحلان هامش الحلبية ج3 ص70 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص396 والبداية والنهاية ج4 ص272 وحياة الصحابة ج1 ص117 و 118 والإصابة ج3 ص530 و 531 وأسد الغابة 1 ص362 وقاموس الرجال ج3 ص42 وحياة الصحابة ج1 ص117 وزاد المعاد ج3 ص61 والتراتيب ج1 ص183 و 186 وكنز العمال ج10 ص399 والمنتظم ج5 ص9 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص142 والبحار ج20 ص382 وج22 ص250 وعن فتح الباري ج8 ص97 وتحفة الأحوذي ج7 ص415 والآحاد والمثاني ج1 ص446 ونصب الراية ج4 ص490 وج6 ص563 والطبقات الكبرى ج1 ص134 و 260 وتاريخ خليفة بن خياط ص47 و 52 و 62 والثقات ج2 ص6 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص235 وج34 ص280 وكتاب المحبر ص76 وتهذيب الكمال ج1 ص197 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص78 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص288 و 289 و 307 والتنبيه والإشراف ص227 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص36 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص651 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1026 وعن عيون الأثر ج2 ص321 و 331 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص343 و 445 و 514 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص348.
([3]) مكاتيب الرسول ج1 ص189 وج2 ص422 عن زيني دحلان ج3 ص70 والحلبية ج3 ص281 والطبقات ج2 ق1 ص17 وفتوح مصر لابن عبد الحكم ص46 وزاد المعاد ج3 ص61 وتاريخ الخميس ج2 ص37 والدلائل للبيهقي ج4 ص396 والتراتيب الإدارية ج1 ص183 والروض الأنف ج3 ص249 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص349 ونصب الراية للزيعلي ج6 ص564.
([4]) لعلها تصحيف كلمة (الجمل) فإن راكب الحمار هو عيسى، وراكب الجمل هو نبينا "صلى الله عليه وآله". والنجاشي ـ كما سيأتي ـ قال: وإن بشارة موسى براكب الحمار، كبشارة عيسى براكب الجمل.
([5]) مكاتيب الرسول ج2 ص423 عن: الإصابة ج3 ص530 في ترجمة المقوقس وزيني دحلان ج3 ص73 والحلبية ج3 ص283 وتأريخ الخميس ج2 ص37. وراجع: موسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص664.
([6]) مكاتيب الرسول ج2 ص423 وقال: نقل كتاب المقوقس في نشأة الدولة الإسلامية: 305 كما يلي: "باسمك اللهم" "من المقوقس إلى محمد: أما بعد فقد = = بلغني كتابك وقرأته وفهمت ما فيه. أنت تقول: إن الله تعالى أرسلك رسولاً وفضلك تفضيلاً، وأنزل عليك قرآناً مبيناً، فكشفنا يا محمد في علمنا عن خبرك، فوجدناك أقرب داع دعا إلى الله، وأصدق من تكلم بالصدق، ولولا أني ملكت عظيماً لكنت أول من سار إليك لعلمي أنك خاتم الأنبياء، وسيد المرسلين، وإمام المتقين" وهكذا نقله محمد حميد الله بالرقم 51 من فتوح مصر للواقدي: 10 وصبح الأعشى ج6 ص467.
([7]) قال في مكاتيب الرسول ج2 ص423 و424 عن: الحلبية ج3 ص281 وسيرة دحلان بهامش الحلبية ج3 ص71 والإصابة ج3 ص531 وصبح الأعشى ج6 ص136 و467 وحياة الحيوان ج2 ص328 والمنتظم ج3 ص274 و 275 وفتوح مصر لابن عبد الحكم ص47 وزاد المعاد ج3 ص61 وتأريخ الخميس ج2 ص37 ونشأة الدولة الإسلامية ص305 عن الواقدي والقلقشندي.
وراجع: رسالات نبوية ص280 والبحار ج20 ص383 والوثائق السياسية: 136 /50 والمواهب اللدنية ج2 ص292 ومفيد العلوم ومبيد الهموم للقزويني = = ص8 ومنشآت السلاطين ج1 ص33 ونصب الراية ج11 ص2 والوفاء لابن الجوزي ص717 وقابل الأموال لأبي عبيد ص632 والطبقات ج2 ق1 ص16 و 17 وشرح الزرقاني للمواهب ج2 ص349 والأموال لابن زنجويه، وانظر كايتاني ج6 ص49 واشپرنكر ج3 ص265 و 267.
وراجع: موسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص664 و 665 وعن عيون الأثر لابن سيد الناس ج2 ص332 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص349.
([8]) مكاتيب الرسول ج2 ص424 عن: الحلبية ج3 ص281 وزيني دحلان ج3 ص71 والإصابة ج3 ص531 وج4 ص335 و 404 والإستيعاب (هامش الإصابة) ج1 ص46 وج4 ص329 و 411 والطبقات ج2 ق1 ص17 والطبري ج2 ص649 والكامل ج2 ص210 والبداية والنهاية ج4 ص272 وتاج العروس ج3 ص4 وج4 ص182 وج10 ص341 في المقوقس، وحياة الصحابة ج1 ص117 وزاد المعاد ج3 ص61 وتأريخ الخميس ج2 ص37 و 182 والدلائل للبيهقي ج4 ص395 والمستدرك للحاكم ج4 ص38 والأموال لأبي عبيد ص367 والبحار ج20 ص383 وج22 ص263 وعن ج76 ص105 وكنز العمال ج10 ص399.
وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص215 ونصب الراية ج4 ص490 وأسد الغابة ج5 ص543 وإعلام الورى ج1 ص187 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص515.
([9]) مكاتيب الرسول ج2 ص424 عن: الحلبية ج3 ص281 ودحلان ج3 ص71 والإصابة ج3 ص531 وج4 ص335 و 339 و 404 والإستيعاب (هامش الإصابة) ج1 ص46 وج4 ص329 و 412 والبداية والنهاية ج4 ص272 وتاج العروس ج3 ص4 وج4 ص220 في المقوقس، وحياة الصحابة ج1 ص117 وزاد المعاد ج3 ص61 وتاريخ الخميس ج2 ص37 و 182 والدلائل لأبي نعيم ج4 ص365 والمستدرك للحاكم ج4 ص38 والبحار ج20 ص383 وكنز العمال ج10ص399 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص139 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص336 وعن المعجم الكبير ج24 ص306 وعن الطبقات الكبرى ج1 ص134 و 135 وج5 ص266 وج8 ص212 و 214 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص236 وج4 ص307 وج34 ص292 وأسد الغابة ج2 ص6 وج3 ص285 وج4 ص268 وج5 ص485 و 543 وسير أعلام النبلاء ج2 ص549 والمنتخب في ذيل المذيل ص108 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص648 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص413.
([10]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ج3 ص282 ودحلان ج3 ص71 وتأريخ الخميس ج2 ص182 وكنز العمال ج10 ص399.
([11]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ص3 ص282 ودحلان ج3 ص71 وتأريخ الخميس ج2 ص182.
([12]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ج3 ص282 ودحلان ج3 ص71 والإصابة ج6 ص13 والإستيعاب ج4 ص329 و 411 و 412 والبداية والنهاية ج4 ص272 و (ط دار إحياء التراث) ج4 ص311 وج7 ص86 وج5 ص350 و 324 وتأريخ الخميس ج2 ص38 و 182 والمستدرك ج4 ص38.
وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص515 وج4 ص648 و 600 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص666 عن المناقب ج2 ص225.
([13]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ج3 ص281 و 282 ودحلان ج3 ص71 والإصابة ج3 ص531 وج4 ص335 و 404 والطبقات ج2 ق1 ص17 والبداية والنهاية ج4 ص272 وتاج العروس في المقوقس، وحياة الصحابة ج1 ص117 وزاد المعاد ج3 ص61 وتاريخ الخميس ج2 ص37 و 182 والدلائل للبيهقي ج4 ص395 والأموال ص367 والبحار ج20 ص383 والمعجم الكبير للطبراني ج4 ص15 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص146 والبحار ج16 ص108 و 126 وعن فتح الباري ج3 ص273 وفيض القدير ج5 ص224 وعن عيون الأثر ج2 ص332 و 410 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص403.
([14]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ج3 ص281 ودحلان ج3 ص71 والإصابة ج3 ص531 وج4 ص335 و 404 وتاريخ الخميس ج2 ص38 والبحار ج20 ص383.
([15]) البحار ج61 ص195 عن البيهقي. قالوا: أما يعفور فأهداه للنبي "صلى الله عليه وآله" فورة بن عمر الجذامي في منصرف النبي "صلى الله عليه وآله" من حجة الوداع. راجع: البحار ج61 ص195 والطبقات الكبرى ج1 ص491 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص422 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص421 وسيأتي: زعمهم: أنه "صلى الله عليه وآله" أصاب هذا الحمار في خيبر.
([16]) تاريخ الخميس ج2 ص182.
([17]) حياة الحيوان ج2 ص328.
([18]) مكاتيب الرسول ج2 ص425 عن: الحلبية ج3 ص282 ودحلان ج3 ص71 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص349.
([19]) مكاتيب الرسول ج2 ص426 عن: الحلبية ج3 ص282 ودحلان ج3 ص72 والإصابة ج3 ص531 وتاريخ الخميس ج2 ص28 وحياة الحيوان ج2 ص328.
([20]) مكاتيب الرسول ج2 ص426 عن: الحلبية ج3 ص381 و 382 ودحلان ج3 ص71 و 72 والإصابة ج1 ص531 وج4 ص335 و 404 وتاج العروس في المقوقس، وحياة الصحابة ج1 ص117 وتاريخ الخميس ج2 ص38 والدلائل للبيهقي ج4 ص365 وحياة الحيوان ج2 ص328.
([21]) مكاتيب الرسول ج2 ص426 عن: الحلبية ج3 ص383 ودحلان ج3 ص72.
([22]) مكاتيب الرسول ج2 ص421 ـ 426.
([23]) رسالات نبوية ص280 عن المصباح المضيء ج2 ص147 عن الواقدي، وجمهرة رسائل العرب ج1 ص38. وراجع: فتوح الشام ج2 ص23.
([24]) راجع: فتوح الشام ج1 ص116 و 154.
([25]) راجع: مكاتيب الرسول ج2 ص419.
([26]) راجع: معجم البلدان ج5 ص141 ومكاتيب الرسول ج2 ص420.
([27]) مكاتيب الرسول ج2 ص420 عن السيرة الحلبية، وعن السيرة النبوية لدحلان، ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص501 والبحار ج7 ص176 وعون المعبود ج11 ص117 وكنز العمال ج12 ص475.
([28]) الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج1 ق2 ص17 و (ط دار صادر) ج1 ص261 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص395 ومكاتيب الرسول ج2 ص426 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص664.
([29]) مكاتيب الرسول ج2 ص426 عن السيرة الحلبية ج3 ص281 وعن السيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج3 ص71 ونصب الراية ج6 ص564 وعن عيون الأثر ج2 ص332.
([30]) مكاتيب الرسول ج2 ص426 و 427 عن السيرة الحلبية ج3 ص283 وعن = = السيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج3 ص72 وراجع: نصب الراية ج6 ص564 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص665 وعن السيرة النبوية لدحلان ج3 ص72 و 73 وعيون الأثر ج2 ص332 وتاريخ الخميس ج2 ص38 وحياة الصحابة ج1 ص118 وكنز العمال (ط الهند) ج10 ص399.
([31]) راجع مصادر هذا الكتاب في: مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي رحمه الله وهي التالية: إعلام الورى ص30 وفي (ط أخرى) ص56 والطبري ج2 ص294 وفي (ط أخرى) ص652 والبداية والنهاية ج3 ص83 وإعلام السائلين ص 4 وناسخ التواريخ في بيان سيرة رسول الله "صلى الله عليه وآله" ص 472 والحلبية ج3 ص279 وزيني دحلان (هامش الحلبية) ج3 ص67 وتأريخ الخميس ج2 ص30 وأعيان الشيعة ج2 ص207 وفي (ط أخرى) ج1 ص243 وأسد الغابة ج4 ص86 وج1 ص61 في ترجمة أرمى بن أصحم، والبحار ج20 ص392 و ج18 ص418 و 419 وج21 ص23 و 43 عن إعلام الورى وقصص الأنبياء للراوندي ص324 وجمهرة رسائل العرب ج1 ص36 وصبح الأعشى ج1 ص91 وج6 ص358 و 359 و 465 ورسالات نبوية ص289 وتأريخ ابن خلدون ج2 ص790 و 791 وفي (ط أخرى) ج2 ق2 ص36 وثقات ابن حبان ج2 ص9 وحياة الصحابة ج1 ص103 والدلائل للبيهقي ج4 ص376 وج2 ص78 و 79 وفي (ط أخرى) ص309 وربيع الأبرار ج3 ص297 والمصباح المضيء ج2 ص35 وزاد المعاد ج3 ص60 وإعجاز القرآن ص113 والمواهب اللدنية للقسطلاني شرح الزرقاني (كما في الجمهرة) ونشأة الدولة الإسلامية: 301/15 ومدينة البلاغة ج2 ص241 والمنتظم ج3 ص287 والوثائق السياسية: 99/21 عن جمع ممن تقدم، وعن المواهب ج1 ص291 ونصب الراية للزيلعي، ومنشآت السلاطين لفريدون بك ج1 ص32 ووسيلة المتعبدين (مخطوطة بانكى = = پور) ص8 وإعجاز القرآن للباقلاني ص203 وإمتاع الأسماع للمقريزي (خطية كوپرلو إسطنبول) ص1021 والمبعث والمغازي لإسماعيل التيمي (خطية كوپرلو) ورقة 114 ورفع شأن الحبشان للسيوطي (خطية بروصة) ورقة 110 والوفاء لابن الجوزي ص 734. وراجع: التنبيه والإشراف ص226 والطبقات (ط ليدن) ج2 ق1 ص15 وق1 ص139 و (ط بيروت) ج1 ص207 و 258 وج4 ص249 وج8 ص97 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص114 والكامل لابن الأثير ج2 ص210 و 213 والإستيعاب (هامش الإصابة) ج2 ص497 وكنز العمال ج1 ص239 وج10 ص419 والتراتيب الإدارية ج1 ص165 و 197 واليعقوبي ج2 ص67 والمناقب ج1 ص164. قال في الوثائق: (قابل سعيد بن منصور: 3 /2/2480 وانظر كايتاني ج6 ص53 واشپرنكر ج3 ص262). وراجع: الكامل ج2 ص210 و 213 وحياة محمد لهيكل ص353 وأنساب الأشراف تحقيق محمد حميد الله ص438.
([32]) مكاتيب الرسول ج2 ص447 و 448 و 449.
([33]) مكاتيب الرسول ج2 ص447 عن الطبقات لابن سعد ج2 ق1 ص15 و 16 وعن السيرة الحلبية ج3 ص279 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص67 و 68 والمصباح المضيء ج2 ص35. وراجع: ميزان الحكمة ج4 = = ص3209 وتاريخ مدينة دمشق ج45 ص430 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص573 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص365.
([34]) مكاتيب الرسول ج2 ص447 عن دحلان ج3 ص68 والحلبية ج3 ص279 وزاد المعاد ج3 ص60 والروض الأنف ج3 ص304 والمصباح المضيء ج2 ص39 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص572 وج2 ص654 وعيون الأثر ج2 ص329 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج1 ص259.
([35]) مكاتيب الرسول ج2 ص448 عن السيرة النبوية لدحلان ج3 ص68 وعن السيرة الحلبية ج3 ص280 وزاد المعاد ج3 ص60.
([36]) البحار ج20 ص397 و (ط حجرية) ج6 ص571 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص541 ومكاتيب الرسول ج2 ص453 وراجع: ناسخ التواريخ، ترجمة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومدينة البلاغة ج2 ص244.
([37]) الثفروق: الأقماع التي تلصق بالبسر.
([38]) مكاتيب الرسول ج2 ص448 عن المصادر التالية: عن السيرة النبوية لدحلان ج3 ص67 و 68 وعن السيرة الحلبية ج3 ص279 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص652 وفي (ط أخرى) ص 294 عن ابن إسحاق، وإعلام الورى ص30 وفي (ط أخرى) ص56 والبحار ج6 ص398 و 567 (الطبعة الحجرية) وج18 ص419 وج20 ص392 وأسد الغابة ج1 ص62 و 63 وإعلام السائلين ص4 وناسخ التواريخ ص273 من تأريخ رسول الله "صلى الله عليه وآله" وثقات ابن حبان ج2 ص9 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص79 وحياة الصحابة ج1 ص103 ومجموعة الوثائق السياسية ص46 وفي (ط أخرى) ص 104 عن جمع ممن تقدم، و عن صبح الأعشى ج6 ص379 و 466 و 467 وسواطع الأنوار للتيمي (خطية) ورقة 114/ب، و 115/ألف، ورفع شأن الحبشان للسيوطي (خطية) ورقة 110/ب، وإمتاع المقريزي (خطية كوپرلو) ص1021 والوفاء لابن الجوزي ص735 وراجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص63 والمواهب اللدنية (بشرح الزرقاوي) ج3 ص379 والمستدرك ج2 ص624 وتاريخ ابن خلدون ج2 ص791 وفي (ط أخرى) ج2 ق2 ص36 والبداية والنهاية ج3 ص84 وزاد المعاد لابن القيم ج3 ص60 و 61 والشفاء للقاضي عياض ج1 ص164 ونشأة الدولة الإسلامية: 302/17 ورسالات نبوية ص290 وتأريخ الخميس ج2 ص30 والطبقات ج2 ق1 ص15 ومدينة البلاغة ج2 ص243 ونصب الراية للزيلعي ج4 ص421 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص79 والمنتظم ج3 ص288 والمصباح المضيء ج2 ص37.
([39]) مكاتيب الرسول ج2 ص449 عن المصادر التالية: الوثائق ص106 وفي (ط أخرى) ص48 عن سواطع الأنوار للتيمي ص81 والطراز المنقوش لابن عبد الباقي، الباب الأول. وابن الجوزي ص568 و 569 ملخصاً ونشأة الدولة الإسلامية: 303/18.
([40]) مكاتيب الرسول ج2 ص449 عن: الوثائق ص48 وفي (ط أخرى) ص104 عن الطراز المنقوش لابن عبد الباقي وسواطع الأنوار ص82 وقابل إعلام السائلين ص3 والمصباح المضيء ج2 ص37 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص576 وج2 ص661.
([41]) البحار ج18 ص412 ومكاتيب الرسول ج2 ص449 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص9 وعن فتح الباري ج7 ص143 وعن مجمع البيان ج3 ص400 وسير أعلام النبلاء ج1 ص208 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص70 وعن البداية والنهاية ج3 ص85 و 92 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص555 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص213 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص4 و 17 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص22 وج2 ص363.
([42]) راجع: الجزء الثاني من هذا الكتاب، ومكاتيب الرسول ج2 ص450. وراجع: والبداية والنهاية ج3 ص98 عن أبي موسى، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص11 وراجع: كنز الدقائق ج3 ص173 وتفسير علي بن إبراهيم ج1 ص176 ونور = = الثقلين ج1 ص549 والبرهان ج1 ص493 ومجمع البيان ج9 ص244 وفي أسد الغابة ج1ص44 "بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي.." وراجع ج5 ص250.
([43]) اخترنا هذه النصوص من كتاب مكاتيب الرسول للعلامة الأحمدي "رحمه الله تعالى" فراجعه، وراجع أحداث هجرة الحبشة في مختلف كتب السيرة والتاريخ، ومنها على سبيل المثال: المصنف لعبد الرزاق ج5 ص284 وحياة الصحابة ج1 ص331 ومستدرك الحاكم ج4 ص21 وتأريخ الخميس ج1 ص288 وج2 ص21 والمعجم الكبير للطبراني ج25 ص218 ـ 223 وكشف الأستار ج2 ص297 والدلائل للبيهقي ج2 وج4 ص344 والبحار ج18 ص410 وج21 ص19 و 23 و 24 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص344 وج4 ص3 والدر المنثور ج5 ص133 وج2 ص302 و 303 وسيرة ابن إسحاق ص213 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص23 و 24 وكنز الدقائق ج3 ص173 ومجمع البيان ج3 ص233 وج9 ص244 ونور الثقلين ج1 ص546 والبرهان (تفسير) ج1 ص493 وتفسير القمي ج1 ص176 والشفاء للقاضي عياض ج1 ص259 والبداية والنهاية ج3 ص66 وج4 ص262 و 205 والكامل في التاريخ ج2 ص76 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج2 ص328 وعن السيرة الحلبية ج1 ص360 وج3 ص56 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج1 ص251 وج2 ص251.
([44]) من دعاء السجاد "عليه السلام" يوم الأضحى والجمعة، راجع: الصحيفة السجادية (ط مؤسسة المهدي قم) ص349 ـ 353. وراجع: المقنعة للمفيد ص129 ومصباح المتهجد ص270 و 274 و 423 ومكارم الأخلاق ص295 وإقبال الأعمال ج1 ص250 و 326 و 501 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص491 وتهذيب الأحكام ج3 ص88 والمزار لابن المشهدي ص471 وعن إقبال الأعمال ج1 ص205 و 326 و 501 وج2 ص181 وجمال الأسبوع ص111 و 133 و 266 والبحار ج5 ص53 وعن ج84 ص203 و 261 و 268 وعن ج86 ص295 وعن ج87 ص329 وعن ج88 ص24 وعن ج95 ص18 و 131 و 208 و 286 ونور البراهين ج2 ص306 وميزان الحكمة ج3 ص1914 وجامع البيان ج17 ص82.
([45]) الآية 82 من سورة يس.
([46]) راجع: لسان العرب (نشر أدب الحوزة ـ قم) ج11 ص34 مادة: بتل. وراجع: النهاية في اللغة، مادة بتل أيضاً. والكافي ج5 ص509 ومعاني الأخبار ص64 والمزار الكبير لابن المشهدي ص78 والبحار ج6 ص64 وج14 ص300 وج43 ص15 وعن ج97 ص201 ومكاتيب الرسول ج2 ص435 وتحفة الأحوذي ج4 ص171 واللمعة البيضاء ص203 وبيت الأحزان ص26 والسيدة فاطمة الزهراء للبيومي ص109.
([47]) علل الشرائع ج1 ص181 ومعاني الأخبار للصدوق ص64 ومشرق الشمس للبهائي العاملي ص325 وروضة الواعظين ص149 ومستدرك الوسائل ج2 ص37 ودلائل الإمامة ص150 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص277 والبحار ج43 ص15 و 16 وج78 ص112 ومكاتيب الرسول ج2 ص435 وكشف الغمة ج2 ص92.
([48]) سبل السلام لابن حجر ج3 ص111 وشرح مسلم للنووي ج9 ص176.
([49]) الكافي هامش ج2 ص379 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص57 والتبيان ج10 ص164 والجامع لأحكام القرآن ج19 ص44.
([50]) رسائل المرتضى ج4 ص85.
([51]) فتح الباري ج9 ص96.
([52]) مكاتيب الرسول ج2 ص435 عن ابن الهروي.
([53]) الآية 28 من سورة مريم.
([54]) الآية 42 من سورة آل عمران.
([55]) الآية 10 من سورة الفتح.
([56]) الآية 52 من سورة الشورى.
([57]) الآية 42 من سورة الأنفال.
([58]) الآية 14 من سورة محمد.
([59]) الدر المنثور ج3 ص7 عن أبي الشيخ، وابن مردويه، وعن صحيح مسلم، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص68 ومكاتيب الرسول ج2 ص437 وميزان الحكمة ج4 ص3214 وصحيح مسلم ج5 ص166 وشرح مسلم للنووي ج12 ص112 ونصب الراية ج6 ص559 وفتح القدير ج2 ص106 وعن البداية والنهاية ج4 ص299 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص494 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص345.
([60]) راجع: البحار ج18 ص418 وج78 ص348 والأقطاب الفقهية لابن أبي جمهور ص65 وعيون أخبار الرضا ج2 ص252 والخصال ص359 و 360 باب السبعة حديث رقم 47 والوسائل (ط مؤسسة أهل البيت) ج3 ص107 ومستدرك الوسائل ج2 ص275 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص541 ومسند الإمام الرضا ج2 ص417 و 490 وعوالي اللآلي ج2 ص60 وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص146 ومجمع البيان ج2 ص561 والكشاف (ط سنة 1406هـ) ج1 ص459.
([61]) راجع: مسند أحمد ج4 ص75 وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص114 وحياة الصحابة ج1 ص107 ونصب الراية ج4 ص418 وراجع: مجمع الزوائد ج8 ص235 والمنتظم ج3 ص289 ومكاتيب الرسول ج2 ص416 وكنز العمال ج1 ص268 وعن البداية والنهاية ج5 ص20 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص28 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص458 وج11 ص355.
([62]) راجع هذه الأقوال في: البداية والنهاية ج4 ص277 وأسد الغابة ج1 ص99 والإصابة ج1 ص109 و 102 وتاريخ الخميس ج2 ص30 والبحار ج21 ص368 وعن العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ص826 والكامل ج2 ص293 وراجع: عمدة القاري ج17 ص15 وفتح الباري ج7 ص146 وعن تاريخ الأمم والملوك. ج3 ص122 ومرآة الجنان ج1 حوادث سنة تسع، وزاد المعاد ج3 ص60 ومكاتيب الرسول ج2 ص438 عنهم، وعن السيرة النبوية لدحلان ج3 ص69 وعن السيرة الحلبية ج3 ص180 وغير ذلك كثير.
([63]) مجمع الزوائد ج8 ص289 وراجع: المعجم الكبير ج25 ص81 وج23 ص353 ومكاتيب الرسول ج2 ص439 وعن البداية والنهاية ج4 ص317 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص525 والخلاف والوفاق لعلي بن محمد القمي ص370 عن الخلاف ج3 ص555 والإقناع للحجاوي ج2 ص32 ومغني المحتاج للشربيني ج2 ص400 وإعانة الطالبين ج3 ص175 ودلائل النبوة ص150 وسير أعلام النبلاء ج2 ص109 والطبقات الكبرى ج8 ص95 والآحاد والمثاني ج6 ص226.
([64]) الإصابة ج4 ص458 والبداية والنهاية ج4 ص9 وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص230 وتنقيح المقال ج3 ص72 والتنبيه والإشراف ص213 وسيرة مغلطاي ص55 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج4 ص421 و 422 وسير أعلام النبلاء ج16 ص100 وشرح مسند أبي حنيفة ص203 والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج8 ص217 ومعرفة الثقات ج1 ص97 وعن أسد الغابة ج3 ص196.
([65]) راجع: المغازي للواقدي ج1 ص344 والطبقات الكبرى ج8 ص87 ومعرفة الثقات ج1 ص97 وعن فتح الباري ج1 ص324 وسير أعلام النبلاء ج16 ص100.
([66]) راجع: تنقيح المقال ج3 ص72 وتاريخ الخميس ج1 ص466 وسيرة مغلطاي ص55 والمستدرك للحاكم ج4 ص3 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص145 وتاريخ مدينة دمشق ج3 ص208.
([67]) راجع: إعلام الورى ج1 ص210 والبحار ج21 ص23 ومكاتيب الرسول ج2 ص445 والطبقات الكبرى ج1 ص258 وتاريخ مدينة دمشق ج45 ص430.
([68]) الدر المنثور ج2 ص302 و 303 والبداية والنهاية ج3 ص18 وإعلام الورى ص6 وتفسير الميزان ج6 ص85 وأسباب نزول الآيات ص137 وزاد المسير ج2 ص310 وتفسير الجلالين ص350 ولباب النقول ص84 وفتح القدير ج2 ص69.
([69]) الوسائل ج15 ص6 والكافي ج5 ص282 والمحاسن للبرقي ص240 ومرآة العقول ج20 ص111 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص473 وعلل الشرايع ج2 ص500 ومكارم الأخلاق ص236 وعن البحار ج100 ص349 وعن سنن= = أبي داود ج1 ص468 وسنن النسائي ج6 ص119 وعون المعبود ج6 ص95 و 96 ومسند ابن راهويه ج4 ص27 والسنن الكبرى للنسائي ج3 ص315 والمنتقى من السنن المسندة ص179 وكشف الخفاء ج1 ص388 ودفع شبهة التشبيه لابن الجوزي ص53 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص136 و 139 وتهذيب الكمال ج1 ص204 وسير أعلام النبلاء ج1 ص442 وج2 ص221 وج7 ص138 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص273 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص194.
([70]) البحار ج18 ص416 ومكاتيب الرسول ج2 ص452 عن ناسخ التواريخ، ترجمة رسول الله "صلى الله عليه وآله" ص273 ومدينة البلاغة ج2 ص244 وميزان الحكمة ج4 ص3426 وتفسير القمي ج1 ص179 والتفسير الصافي ج2 ص79 والتفسير الأصفى ج1 ص292 ونور الثقلين ج1 ص664.
([71]) راجع: مكاتيب الرسول ج2 ص454 عن الكافي ج2 ص121 وقال راجع: البحار ج72 ص124 وراجع شرحه هناك، ومرآة العقول ج8 ص243 وأمالي الشيخ ج1 ص13 وأمالي المفيد ص238 والبداية والنهاية ج3 ص307 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص404 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج11 ص218.
([72]) مكاتيب الرسول ج2 ص455 و 456 عن المصادر التالية: دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص78 وفي (ط أخرى) ج2 ص308 وزيني دحلان هامش الحلبية ج3 ص69 والبداية والنهاية ج3 ص83 عن البيهقي في الدلائل، ورسالات نبوية ص291 وسيرة ابن إسحاق (الجزء المطبوع) ص210 وفي (ط أخرى) ص228 والمستدرك للحاكم ج2 ص623 والوثائق: 103/22 قال: وقابل إعلام السائلين، وشرح المواهب للزرقاني ج3 ص346 ونشأة الدولة الإسلامية ص302 والأموال لأبي عبيد ص34 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ق2 ص36 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص41.
([73]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص42 وراجع: تهذيب المقال ج5 ص421 وتاج العروس ج3 ص168.
([74]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص31 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص152 ووفاء الوفاء ج4 ص1210.
([75]) الأحكام السلطانية ج1 ص200 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص670 و 671 ووفاء الوفاء ج4 ص1209 وعمدة الأخبار ص315 وتاريخ الأمم والملوك = = ج2 ص302 والكامل في التاريخ ج2 ص221 والسيرة الحلبية ج3 ص والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع مع الحلبية) ج3 ص والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص351.
([76]) راجع ما تقدم في: سبل الهدى والرشاد ج5 ص152 ووفاء الوفاء ج4 ص1210.
([77]) مراصد الاطلاع ج2 ص751 ووفاء الوفاء ج4 ص1238 ومعجم البلدان ج3 ص276.
([78]) وفاء الوفاء ج1 ص62 عن أحمد، والطبراني في الأوسط، ورجال أحمد رجال الصحيح، ومسند أحمد ج3 ص292 والآحاد والمثاني ج2 ص449 وكنز العمال ج12 ص248.
([79]) الآية 20 من سورة الفتح.
([80]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص115 و 152 و 153 عن ابن عقبة، وابن إسحاق، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص31 والبحار ج21 ص1 وتاريخ الخميس ج2 ص43.
([81]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص153.
([82]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص153.
([83]) السيرة الحلبية ج3 ص31.
([84]) الإمتاع للمقريزي ج1 ص310 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص42 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص152 و 153 و السيرة الحلبية ج3 ص31.
([85]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص 153 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص42 عن المواهب اللدنية.
([86]) السيرة الحلبية ج3 ص31.
([87]) معجم البلدان ج2 ص409 و 410.
([88]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص152 و 153 والمغازي للواقدي ج2 ص634.
([89]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص 153 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص634.
([90]) تاريخ الخميس ج2 ص42.
([91]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص153.
([92]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص 153.
([93]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص152 وتاريخ الخميس ج2 ص42.
([94]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص156 عن الطبراني في الأوسط.
([95]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص156 عن البيهقي.
([96]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص115 والسيرة الحلبية ج3 ص31 والإمتاع للمقريزي ص310 والمغازي للواقدي ج2 ص634.
([97]) السيرة الحلبية ج3 ص31 والإمتاع للمقريزي ص310 والمغازي للواقدي ج2 ص634.
([98]) الآية 20 من سورة الفتح.
([99]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص115 عن ابن هشام، والسيرة الحلبية ج3 ص31 والإمتاع ص310.
([100]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص115عن أحمد، وسعيد بن منصور، والبخاري في التاريخ الصغير، وابن خزيمة، والطحاوي، والحاكم، والبيهقي عن أبي هريرة، والتاريخ الصغير ج1 ص43 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص198 والسيرة الحلبية ج3 ص31 والإصابة ج2 ص13 والإمتاع ص310 والمغازي للواقدي ج3 ص636 وتاريخ الخميس ج2 ص42.
([101]) الإمتاع ص310 والمغازي للواقدي ج2 ص637.
([102]) مسند أحمد ج3 ص159 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص115 والسنن الكبرى ج9 ص125 وسنن النسائي ج8 ص274 وعن البخاري ج11 ص177 (6363) والسيرة الحلبية ج3 ص31.
([103]) الإصابة ج1 ص71.
([104]) أسد الغابة ج1 ص128.
([105]) السيرة الحلبية ج3 ص31 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص72 وراجع: الإصابة ج1 ص71.
([106]) الإصابة ج1 ص72.
([107]) راجع: إختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ص45 والمعارف لابن قتيبة ص580 والإرشاد للمفيد ص166 و 167 والخصال ص219 والأمالي للصدوق المجلس 26 ص106 و 521 و 522.
([108]) الخصال ج1 ص189 و 190 والإيضاح ص541 والبحار ج2 ص217 وج22 ص102 و 242 وج31 ص640 عن الخصال وج108 ص31 ومعجم رجال الحديث ج4 ص151 وج11 ص79 ومستدرك سفينة البحار ج9 ص81.
([109]) السيرة الحلبية ج3 ص31 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص وتاريخ الخميس ج2 ص42.
([110]) الآية 36 من سورة الأحزاب.
([111]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص115 و 116 عن الواقدي عن شيوخه، وعن أحمد، والطبراني، ومسند أحمد ج3 ص423 ومجمع الزوائد ج4 ص129 والطبراني في المعجم الصغير ص234 والمغازي للواقدي ج2 ص634 و 635، وراجع: نيل الأوطار ج9 ص182 وفيض القدير ج5 ص195 وتاريخ مدينة دمشق ج27 ص343 وأسد الغابة ج3 ص142.
([112]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص31 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص638 و 639 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص116 وفي الهامش: وأخرجه البخاري ج7 ص530 (4196) وأخرجه مسلم ج3 ص1427 (123/1802).
([113]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص116 و 117 وفي هامشه قال: أخرجه البخاري ج7 ص530 (4196) وأخرجه مسلم ج3 ص1427 (123/1802)، والبيهقي في الدلائل ج4 ص201 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص31 و 32 و 53 و 54 والبحار ج21 ص2 و 3 وبغية الباحث ص99 وغريب الحديث ج1 ص717 والنهاية في غريب الحديث لابن الأثير ج3 ص29.
([114]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص117 وفي هامشه عن البخاري ج7 ص529 (4195) والمغازي للواقدي ج2 ص635 و 636 وراجع: الموطأ لمالك ج1 ص26 ومسند أحمد ج3 ص462 وعن صحيح البخاري ج1 ص59 وج4 ص13 وج5 ص72 وج6 ص198 والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص160 والمصنف للصنعاني ج1 ص178 عن البخاري من طريق مالك والحميدي = = عن ابن عيينة، وشرح معاني الآثار ج1 ص66 وصحيح ابن حبان ج3 ص432 والمعجم الكبير ج7 ص87 وكنز العمال ج9 ص505 وأسد الغابة ج2 ص381 ومعجم ما استعجم ج3 ص844.
([115]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص117 و 118 والمغازي للواقدي ج2 ص639 وتاريخ الخميس ج2 ص42.
([116]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص153 والبخاري (المغازي ص38) و (الأدب ص90) وصحيح مسلم (الجهاد ص123) ومسند أحمد ج4 ص48.
([117]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص153.
([118]) السيرة الحلبية ج3 ص32.
([119]) مسند أحمد ج5 ص65 وعن صحيح البخاري (فضائل أصحاب النبي ص5).
([120]) عن صحيح البخاري (دعوات ص19 الترجمة ص49 المغازي ص55) وصحيح مسلم (فضائل الصحابة ص165).
([121]) مسند أحمد ج5 ص391 و 392.
([122]) السيرة الحلبية ج3 ص56 و 57 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص387 ومسند أحمد ج6 ص380 وسنن أبي داود ج1 ص78 والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص407 والبداية والنهاية ج4 ص232 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص804.
([123]) راجع: الكافي ج5 ص535 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص461 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج8 ص458 ومستدرك الوسائل ج8 ص373 وج14 ص290 ومكارم الأخلاق ص235 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص247 والبحار ج101 ص37 وجواهر الكلام ج11 ص118 وج29 ص99 وجامع المقاصد ج12 ص34 ومسالك الأفهام ج7 ص56 ومجمع الفائدة للمحقق الأردبيلي ج2 ص495 وج3 ص121 والحدائق الناضرة ج9 ص83 ومستند الشيعة ج16 ص61.
([124]) راجع: الكافي ج2 ص648 والبحار ج40 ص235 وج16 ص215 و 229 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج8 ص452 وفي هامشه عن من لا يحضره الفقيه ج2 ص52.
([125]) راجع: الوسائل (ط دار الإسلامية) ج14 ص185 وفي هامشه عن الكافي (الفروع) ج2 ص77 وعن من لا يحضره الفقيه ج2 ص183.
([126]) مسند أحمد ج5 ص271 وفي التراتيب الإدارية ج2 ص511 عن أبي داود: حنين بدل خيبر. ولعله تصحيف؛ لأجل عدم وجود نقط للحروف في تلك الأزمنة.
([127]) سبل الهدى والرشاد ج 5 ص 150 وفي هامشه عن: البيهقي ج2 ص184 وابن أبي عـاصم ج1 ص274 والطبري ج8 ص147 وابن السني (512) وعبد = = الرزاق (9244) وانظر البداية والنهاية ج4 ص213 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص33 ومسند أحمد ج4 ص418 و 402 وج5 ص265 وعن صحيح البخاري ج5 ص75 وج7 ص169 وعن صحيح مسلم ج8 ص74 ومجمع الزوائد ج10 ص98 والديباج على مسلم ج6 ص59 ومسند أبي داود ص326 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص192 والسنن الكبرى للنسائي ج4 ص398 وج6 ص7 وكتاب الدعاء للطبراني ص472 وسير أعلام النبلاء ج8 ص332 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص404.
([128]) الآية 25 من سورة التوبة.
([129]) سبل الهدى والرشاد ج 5 ص118 وقال في هامشه: أخرجه ابن خزيمة (2565) والبخاري في التاريخ الكبير ج6 ص472 والطبراني في الكبير ج8 ص39 والبيهقي في الدلائل ج4 ص204 وابن السني (518).
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص32 و 33 والبحار ج21 ص1 و 14 وج73 ص249 وعن مجمع البيان ج9 ص200 والإمتاع ص310 والمغازي للواقدي ج2 ص642 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص176 والمزار ص52 والأمان من الأخطار ص132 ومدينة المعاجز ج1 ص173.
([130]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص42 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص364.
([131]) الآية 249 من سورة البقرة.
([132]) السيرة الحلبية ج3 ص51 والإمتاع ص313 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص642 و 650 وتاريخ الخميس ج2 ص42 والبحار ج21 ص30 عن الخرائج والجرائح والإصابة ج3 ص254 و 301.
([133]) البحار ج21 ص30 وج21 ص30 والخرايج والجرايح ج1 ص164.
([134]) المغازي للواقدي ج2 ص650 و 651.
([135]) الآية 4 من سورة المنافقون.
([136]) الكرازين: الفؤوس.
([137]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص118 والسيرة الحلبية ج3 ص33 والإمتاع ص310 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص637 و 642 و 643 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص106.
([138]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص118 والسيرة الحلبية ج3 ص33 والمغازي للواقدي ج2 ص643.
([139]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص119 وفي هامشه عن: البخاري ج2 ص89 (610/2991) ومسلم ج3 ص1426 (120/1365) وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص33 ولباب التأويل ج4 ص152 والإمتاع ص311 والمغازي للواقدي ج2 ص642 و 643.
([140]) سبل الهدى والرشاد ج7 ص33 وج5 ص119 وفي هامشه عن: الحاكم في المستدرك ج2 ص466 والبيهقي في الدلائل ج4 ص204، وانظر: الدر المنثور ج6 ص111.
وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص34 ومستدرك الوسائل ج8 ص268 ومكارم الأخلاق ص15 والبحار ج6 ص229 وسنن ابن ماجة ج2 ص1339 والجامع الصحيح ج2 ص241 وفتح الباري ج6 ص56 وشرح النهج للمعتزلي ج11 ص194 وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص210 والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص131 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص350 وعن تاريخ الخميس ج1 ص493.
([141]) السيرة الحلبية ج3 ص33 والدر المنضود ج2 ص145 والبحار ج20 ص234 و 262 وج21 ص32 والأم للشافعي ص267 والمجموع للنووي ج19 ص288 وتنوير الحوالك ص391 والمبسوط للسرخسي ج10 ص31 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص509 والإرشاد للمفيد ج1 ص110 وميزان الحكمة ج3= = ص2247 ومسند الشافعي ص318 ومسند أحمد ج3 ص102 وج3 ص111 و 164 و 186 و 206 و 246 و 263 و 270 وج4 ص28 و 29 وعن صحيح البخاري ج1 ص98 و 152 و 228 وج4 ص5 و 16 و 188 وج5 ص73 وعن صحيح مسلم ج4 ص145 و 147 وج5 ص185 والجامع الصحيح للترمذي ج3 ص54 وسنن النسائي ج1 ص272 وج6 ص132 وج7 ص204 والمستدرك للحاكم ج1 ص460 والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص230 وج9 ص55 و 80 و 153 وشرح مسلم للنووي ج12 ص164 ومجمع الزوائد ج6 ص149 وعن فتح الباري ج7 ص359 وشرح سنن النسائي للسيوطي ج6 ص132 ومسند أبي داود ص283 ومسند الحميدي ج2 ص504 وبغية الباحث ص261 وكتاب السنة ص594 والسنن الكبرى للنسائي ج1 ص478 وج3 ص161 و 335 وج5 ص177 و 178 و 200 وج6 ص441 ومسند أبي يعلى ج5 ص286 و 384 وج6 ص431 وج7 ص30 وشرح معاني الآثار ج3 ص208 وصحيح ابن حبان ج11 ص50 وج14 ص452 وج16 ص195 والمعجم الصغير للطبراني ج1 ص196 والمعجم الأوسط للطبراني ج3 ص95 وج4 ص142 وج8 ص358 والمعجم الكبير للطبراني ج5 ص97 ومسند الشاميين ج4 ص22 ودلائل النبوة للإصبهاني ص112 والأذكار النووية للنووي ص209 ونصب الراية للزيلعي ج6 ص135 وكنز العمال ج10 ص385 و ص465 وغير ذلك كثير.
([142]) راجع: الصحيح من السيرة ج2 ص275 و 276.
([143]) مسند أحمد ج5 ص290 وج1 ص275 وصحيح البخاري ج1 ص51 وسنن البيهقي ج2 ص228 والإصابة ج3 ص448 وفتح الباري ج1 ص403 ونيل الأوطار ج2 ص50 ومستدرك الحاكم ج4 ص180 و 181 ومجمع الزوائد ج2 ص52 عن أحمد، والطبراني في الكبير، والغدير ج9 ص282 فما بعدها، عن من تقدم، وعن إرشاد الساري، وابن حبان في صحيحه، وليراجع: موطأ مالك، والترمذي، وأبو داود، ومشكل الآثار ج2 ص284 و285 و286 وحتى ص293. والمصنف ج11 ص27 وتأويل مختلف الحديث ص 323 و324.
([144]) راجع: الغدير ج9 ص285 و 284 و 288 و 290 و 291 و 292. والمعجم الصغير ج2 ص96. وحياة الصحابة ج2 ص612 و 613 حين تجد كثيراً من أقوال العلماء والنصوص حول ذلك.
([145]) راجع: طبقات ابن سعد ج4 ص113 و 114 والزهد والرقائق ص107 وربيع الأبرار ج1 ص760 وحياة الصحابة ج3 ص482 عن كنز العمال ج8 ص306 وج5 ص124 وعن حلية الأولياء ج1 ص34 والغدير ج7 ص248 وج9 ص281.
([146]) الغدير ج9 ص285.
([147]) مجمع الزوائد ج9 ص82 والبداية والنهاية ج7 ص202 عن الطبراني في الكبير، والأوسط، ومسند أحمد، وأبي يعلى، وتاريخ جرجان ص416، والمصنف للصنعاني ج11 ص232 و 233 والمحاسن والمساوئ ج1 ص61 وحياة الصحابة ج2 ص611 و 612 عن الأولين، ومشكل الآثار ج2 ص283 و 284 ومسند أحمد ج1 ص71 وج6 ص62 و 155 و 167 وصحيح مسلم ج7 ص116 و 177 والغدير ج9 ص274 و 275 و 287 وص290 عن الأخيرين، وعن: مصابيح السنة ج2 ص273 والرياض النضرة ج2 ص88 وراجع: تأويل مختلف الحديث ص323 والتراتيب الإدارية ج2 ص383 و 384 وفيه أحاديث أخرى عن حياء الملائكة من عثمان، ومسند أبي يعلى ج7 ص415.
([148]) راجع: كنز العمال ج3 ص122 ومسند أحمد ج4 ص121 وج5 ص273 وعن صحيح البخاري ج5 ص100 وتحفة الأحوذي ج2 ص74 ومسند ابن الجعد ص130 والمعجم الكبير ج17 ص236 و 237 و 238 ومسند الشهاب ج2 ص186 والأذكار النووية ص410 ورياض الصالحين للنووي ص713 والجامع الصغير للسيوطي ج1 ص6 و 382 وعن فتح الباري ج10 ص434 والغدير ج9 ص275 ومستدرك الوسائل ج8 ص466 والشرح الكبير لابن قدامة ج12 ص43 وسبل السلام لابن حجر ج4 ص206 والمغني لابن قدامة ج12 ص33 وتنوير الحوالك ص167 وإعانة الطالبين ج4 ص318 والإقناع للحجـاوي ج2 ص280 ومغني المحتـاج ج4 ص427 وميزان الحكمة ج1 = = ص718 وفيض القدير ج2 ص685 وكشف الخفاء ج1 ص14 و 98 وتفسير مجمع البيان ج8 ص388 والمحصول للرازي ج2 ص34 والكامل ج6 ص82 وطبقات المحدثين بإصبهان ج3 ص560 وتاريخ بغداد ج3 ص315 وج10 ص303 و 354 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص388 وج36 ص183 وج53 ص120 وأسد الغابة ج2 ص227 وتهذيب الكمال ج16 ص124 والأنساب للسمعاني ج4 ص154 والبداية والنهاية ج2 ص169 وج12 ص68 و 158.
([149]) راجع: الكافي ج1 ص7 وج2 ص106 وتحف العقول ص394 وشرح أصول الكافي ج8 ص301 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج11 ص330 ومستدرك الوسائل ج8 ص461 و 463 وج12 ص81 وكتاب الزهد للكوفي ص6 والمسترشد للطبري ص16 ودلائل الإمامة ص66 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص411 والبحار ج1 ص149 وج68 ص329 وج75 ص309 وج76 ص112 والغدير ج9 ص275 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص310 ومكاتيب الرسول ج3 ص576 و 577 وميزان الحكمة ج1 ص717 ومسند أحمد ج2 ص501 وسنن ابن ماجة ج2 ص1400 وسنن الترمذي ج3 ص247 والمستدرك للحاكم ج1 ص52 و 53 ومجمع الزوائد ج1 ص91 وج8 ص26 و 169 وعن فتح الباري ج10 ص433 ومسند ابن الجعد ص421 والمصنف لابن أبي شيبة ج6 ص92 وج7 ص222 والأدب المفرد للبخاري ص278 ومكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا ص35 وأمالي المحاملي ص104 وصحيح ابن حبان ج2 ص373 و 374 والمعجم الصغير ج2 ص115 والمعجم الأوسط ج5 ص193 والمعجم الكبير ج10 ص196 وج18 ص178 وج22 ص414 وموارد الظمـآن ص476 والجـامع الصغـير ج1 = = ص596 وج2 ص25 والعهود المحمدية للشعراني ص459 وكنز العمال ج3 ص53 و 120 وج15 ص877 وفيض القدير ج3 ص568 وج4 ص75 وتفسير الثعالبي ج4 ص269 وتاريخ بغداد ج6 ص189 وتاريخ مدينة دمشق ج14 ص55 وميزان الإعتدال ج1 ص110 والكشف الحثيث لسبط ابن العجمي ص48 ولسان الميزان ج1 ص198 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص93 وبيت الأحزان للقمي ص46 ولسان العرب ج14 ص148.
([150]) الآية 3 من سورة العاديات.
([151]) الآية 38 من سورة القمر.
([152]) الآية 177 من سورة الصافات.
([153]) الآية 81 من سورة هود.
([154]) الآية 66 من سورة الحجر.
([155]) الآية 83 من سورة الحجر.
([156]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص119 و 120 وفي هامشه عن ابن سعد في الطبقات 3/2/109 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص33 و 34 والمغازي للواقدي ج2 ص643 و 644.
([157]) السيرة الحلبية ج3 ص33 و 34 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص120 وراجع: = = المغازي للواقدي ج2 ص644.
([158]) طبقات ابن سعد 3/2/109 والمصنف للصنعاني (9291) والسيرة الحلبية ج3 ص34 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص119 و 120 وفي الهامش: أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9291).
([159]) السيرة الحلبية ج3 ص34 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص644.
([160]) الإمامة والسياسة (ط سنة 1356 هـ بمصر) ج1 ص9.
([161]) قاموس الرجال ج3 ص46 عن شرح النهج للمعتزلي ج6 ص40 والغدير للأميني ج7 ص76.
([162]) الإمامة والسياسة (ط سنة 1356 هـ بمصر) ج1 ص7 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص24 وج6 ص9 وصحيح البخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنى، والكامل لابن الأثير ج2 ص25 وتاريخ الأمم والملوك ج2 حوادث سنة 11 هـ. والإحتجاج للطبرسي ج1 ص92.
([163]) قاموس الرجال ج3 ص44.
([164]) السيرة الحلبية ج3 ص33.
([165]) السيرة الحلبية ج3 ص34 والإمتاع ص311 والمغازي للواقدي ج2 ص644 و 645 وتاريخ الخميس ج2 ص46.
([166]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص644.
([167]) السير الكبير للشيباني ج1 ص55 وتدوين القرآن ص27.
([168]) الكافي ج1 ص334 و 335 وج5 ص30 والبحار ج19 ص177 ـ 179 وراجع: مسند أحمد ج1 ص300 والتهذيب للطوسي ج6 ص138 و 139 والأموال ص35 وتذكرة الفقهاء ج1 ص412 و 413 ومنتهى المطلب ج2 ص908 و 909 وجواهر الكلام ج21 ص 66 والوسائل ج11 ص43 و 44 والمحاسن للبرقي ص355.
([169]) أسد الغابة ج3 ص34.
([170]) تاريخ الخميس ج2 ص42.
([171]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص120 وأخرجه البيهقي في الدلائل ج4 ص48 وذكره ابن حجر في المطالب العالية (4202) والسيرة الحلبية ج3 ص35 والإمتاع ص313 والمغازي للواقدي ج2 ص649.
([172]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص120 وفي الهامش قال: أخرجه البيهقي في الدلائل ج4 ص48 وذكره ابن حجر في المطالب العالية (4202) والواقدي في المغازي ج2 ص649 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص35 والإمتاع ص311 و 313.
([173]) السيرة الحلبية ج3 ص35.
([174]) المستدرك للحاكم ج3 ص38 ومجمع الزوائد ج5 ص328 وج6 ص151 والمعجم الصغير للطبراني ج2 ص11 وعيون الأثر ج2 ص136 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص120 وفي هامشه عن: مسلم في الجهاد باب 6 رقم (20)، ونحوه عند البخاري في الصحيح حديث (7237) وسنن الدارمي ج2 ص216 والمصنف لعبد الرزاق (9513) (9518) وسنن أبي داود في الجهاد باب 97 والسيرة الحلبية ج3 ص34 وراجع: الإمتاع ص312.
([175]) الإمتاع ص312 والمغازي للواقدي ج2 ص649.
([176]) سبل الهدى والرشاد ج3 ص120 والسيرة الحلبية ج3 ص34 والإمتاع ص313 والمغازي للواقدي ج2 ص644 وراجع: الغدير للشيخ الأميني ج7 ص204.
([177]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص120 و 121 وفي هامشه عن: ابن أبي شيبة ج7 ص454 والسيرة الحلبية ج3 ص53 والمغازي للواقدي ج2 ص644.
([178]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص34.
([179]) السيرة الحلبية ج3 ص34.
([180]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص122.
([181]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص36 عن سيرة الدمياطي.
([182]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص36 وكشف الغطاء ج1 ص15 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج1 ص302 والعمدة لابن البطريق ص153 والطرائف لابن طاووس ص57 والصوارم المهرقة للتستري ص35 والبحار ج39 ص90 وبغية الباحث ص218 والمعجم الكبير للطبراني ج7 ص35 والثقات لابن حبان ج2 ص13 والكامل لابن عدي ج2 ص61 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص89 والبداية والنهاية ج7 ص373 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص798.
([183]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص129وفي هامشه عن: البيهقي في الدلائل ج4 ص22 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص344 والبداية والنهاية ج4 ص190 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص39 والإمتاع ص313 والمغازي للواقدي ج2 ص649 و 650 والمستدرك للحاكم ج2 ص136 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص143 ودلائل النبوة ص188 وكنز العمال ج16 ص743.
([184]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص129 والبداية والنهاية ج4 ص218 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص362.
([185]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص130 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص806 وعيون الأثر ج2 ص148.
([186]) السيرة الحلبية ج3 ص39.
([187]) المغازي للواقدي ج2 ص645 والإمتاع ص311 و 312 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص34.
([188]) السيرة الحلبية ج3 ص34 وراجع: المعجم الصغير ج2 ص136 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص38 ومجمع الزوائد ج5 ص328 وج6 ص151 وكتاب الدعاء للطبراني ص328 وكنز العمال ج4 ص361 وعيون الأثر ج2 ص136.
([189]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص35 ومجمع الزوائد ج9 ص123.
([190]) السيرة الحلبية ج 3 ص 34.
([191]) الإمامة والسياسة (ط سنة 1356 هـ بمصر) ج1 ص54 وقاموس الرجال ج8 ص388 عنه.
([192]) البداية والنهاية ج4 ص185 عن البيهقي.
([193]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص121 و 122 والمغازي للواقدي ج2 ص658 و 659 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص39 و 40.
([194]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص121 والمغازي للواقدي ج2 ص658.
([195]) المغازي للواقدي ج2 ص662.
([196]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص121 وإمتاع الأسماع ص316 و 317 والمغازي للواقدي ج2 ص660 وراجع: مجمع الزوائد ج6 ص149 وج9 ص316 وعن البداية والنهاية ج4 ص221 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص798 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص368.
([197]) المغازي للواقدي ج2 ص60.
([198]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص121 و 122 والسيرة الحلبية ج3 ص39 وإمتاع الأسماع ص316.
([199]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص122 والسيرة الحلبية ج3 ص39 و 40 والمغازي للواقدي ج2 ص659 وراجع: المعجم الكبير للطبراني ج6 ص94 و 95 ورياض الصالحين للنووي ص385 وعن سنن أبي داود ج2 ص267.
([200]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص122 والمغازي للواقدي ج2 ص622.
([201]) السيرة الحلبية ج3 ص40 وراجع ص41 عن الإمتاع.
([202]) السيرة الحلبية ج3 ص40.
([203]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص122 والسيرة الحلبية ج3 ص40 وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج9 ص61 وبغية الباحث ص211 ونصب الراية للزيعلي ج4 ص267 والسير الكبير للشيباني ج3 ص1018.
([204]) مدعم: هو العبد الأسود الذي كان مولى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
([205]) الجندل: الحجارة. لسان العرب ج13 ص136.
([206]) العكم: ثوب يبسط، ويجعل فيه المتاع ويشد. تاج العروس ج8 ص404.
([207]) السيرة الحلبية ج3 ص39.
([208]) السيرة الحلبية ج3 ص39 وراجع: معجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج2 ص523.
([209]) السيرة الحلبية ج3 ص39.
([210]) السيرة الحلبية ج3 ص39 والمغازي للواقدي ج2 ص664.
([211]) السيرة الحلبية ج3 ص41.
([212]) السيرة الحلبية ج3 ص41 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص124.
([213]) الدبول: الجدول (القاموس المحيط ج3 ص373).
([214]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص122 و 123 وفي هامشه عن: البيهقي في الدلائل ج4 ص124 والمغازي للواقدي ج2 ص646 و 667. وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص40.
([215]) السيرة الحلبية ج3 ص40 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص160.
([216]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص34 و 35 وراجع ص41 والإمتاع ص312 والمغازي للواقدي ج2 ص645 و 647 و 648 ونظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص99.
([217]) المغازي للواقدي ج2 ص648.
([218]) السيرة الحلبية ج3 ص41.
([219]) السيرة الحلبية ج3 ص41.
([220]) المغازي للواقدي ج2 ص648.
([221]) راجع: تفسير المنار ج4 ص191 والجامع لأحكام القرآن ج4 ص244 وفتح القدير ج1 ص392 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص414 وتفسير التبيان ج3 ص26 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص203 والإرشاد للشيخ المفيد ص50 والبحار ج20 ص84 والبداية والنهاية ج4 ص28 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص21 عن الواقدي، لكن مغازي الواقدي المطبوع لم يصرح بالأسماء بل كنَّى عنها في ج1 ص277 إلا أنه في الهامش قال: في نسخة (عمر وعثمان) والكامل لابن الأثير ج2 ص158 والسيرة الحلبية ج2 ص227 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص55 والدر المنثور ج2 ص88 و 89 عن ابن جرير وابن المنذر، وابن إسحاق. وراجع: سيرة ابن إسحاق ص332 وجامع البيان ج4 ص96 وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج4 ص113 والتفسير الكبير للرازي ج9 ص50 و 51 وأنساب الأشراف ج1 ص326. وراجع عن فراره يوم أحد وتخلفه يوم بدر: محاضرات الراغب ج3 ص184 ومسند أحمد ج2 ص101 وج1 ص68 والصراط المستقيم للبياضي ج1 ص91.
([222]) الآية 1 من سورة الحجرات.
([223]) المغازي للواقدي ج2 ص641.
([224]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص123 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص224 والمغازي للواقدي ج2 ص667 و 668 والسيرة الحلبية ج3 ص40.
([225]) المغازي للواقدي ج2 ص668 و 669.
([226]) قد ذكرنا مصادر ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب، وراجع: البحار ج21 ص22 وعن الخصائص للنسائي ص63 وفي هامشه عن أعلام النساء ج2 ص333 وأسد الغابة ج5 ص490 والدر المنثور ج1 ص263.
([227]) البحار ج21 ص21 عن إعلام الورى ج1 ص207.
([228]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص124 والمغازي للواقدي ج2 ص670 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص226 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص376.
([229]) تاريخ الخميس ج2 ص48 ومعجم ما استعجم للبكري الأندلسي ج2 ص522.
([230]) إمتاع الأسماع ص319 و 320 وراجع: سنن أبي داود ج2 ص37 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص318 وعون المعبود ج8 ص175 ونصب الراية للزيعلي ج4 ص253 وعن البداية والنهاية ج4 ص229 وعن عيون الأثر ج2 ص142 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص383 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص152.
([231]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص41 وتاريخ الخميس ج2 ص48 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص124.
([232]) المغازي للواقدي ج2 ص669 وإمتاع الأسماع ص319.
([233]) المغازي للواقدي ج2 ص670.
([234]) المغازي للواقدي ج2 ص670.
([235]) الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 والإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص121 وراجع: شرح الأخبار للقاضي النعمان ج1 ص147 والعمدة لابن البطريق ص150 عن تفسير الثعالبي، والطرائف لابن طـاووس ص58 وإحقـاق الحـق ج5 ص373 ومسنـد أحمـد ج5 ص358 = = والمناقب للخوارزمي (ط النجف) ص103 وفي (طبعة أخرى) ص167 والبحار ج21 ص3 وج39 ص10 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص139 والمستدرك للحاكم ج3 ص37 وعن فتح الباري ج10 ص129 ومجمع البيان ج9 ص201 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص156 وتفسير الميزان ج18 ص295 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص300 وعن البداية والنهاية ج4 ص213 ونهج الإيمان لابن جبر ص322 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص354 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص124.
([236]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها عن البيهقي، وراجع ما تقدم من مصادر في الإحالة السابقة. غير أننا ذكرنا فيما تقدم: أن محمود بن مسلمة قد قتل في حصن ناعم.
([237]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص124 والبداية والنهاية ج4 ص184 فما بعدها ودلائل النبوة ج4 ص209 والسيرة الحلبية ج3 ص41 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص30 وحلية الأولياء ج1 ص62 ومعالم التنزيل (ط مصر) ج4 ص156 وتذكرة الخواص ص25 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص128 وتاريخ الخميس ج2 ص48.
([238]) تاريخ الخميس ج2 ص48 وراجع: مناقب أهل البيت للشيرواني ص141.
([239]) مسند أحمد ج5 ص353 وراجع: الخصائص للنسائي (ط التقدم بمصر) ص5 والسيرة النبوية لابن هشام (المطبعة الخيرية بمصر) ج3 ص175 وأسد الغابة ج4 ص334 وشرح أصول الكافي ج12 ص494 والعمدة لابن البطريق ص140 والطرائف لابن طاووس ص55 والبحار ج32 ص133 وج39 ص7 ومجمع الزوائد ج7 ص150 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص109 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص92 و 93 والبداية والنهاية ج7 ص373 ونهج الإيمان لابن جبر ص318 وينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص155.
([240]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص127 و 128 ولم يذكروا غير عمر في هذا النص، وكذا في الرياض النضرة = = (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 188 والإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص126 والبحار ج21 ص28 عن الخرايج والجرايح وراجع ص3 وج39 ص10، وراجع: العمدة لابن البطريق ص150 والطرائف لابن طاووس ص58 وتفسير مجمع البيان للطبرسي ج9 ص201 وخصائص الوحي لابن البطريق ص156 وتفسير الميزان ج18 ص295 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص93 ونهج الإيمان لابن جبر ص322.
([241]) منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج5 ص44 ومجمع الزوائد ج9 ص123 وراجع: مناقب ابن شهرآشوب ج2 ص318 والبحار ج3 ص525 والمستدرك للحاكم ج3 ص37 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج1 ص497 وج8 ص522 وكنز العمال ج13 ص121.
([242]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص37 والمغازي للواقدي ج2 ص654.
([243]) ستأتي مصادر كثيرة لهذا الحديث إن شاء الله تعالى.
([244]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص124 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص128 وراجع: كنز العمال ج10 ص463 والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص212 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص354 ومصادر أخرى كثيرة.
([245]) تاريخ الخميس ج2 ص48 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص124 وراجع: صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171وراجع ص23.
([246]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171.
([247]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص23 والبداية والنهاية ج4 ص184 والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252.
([248]) البداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص301 وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص156 والمناقب للخوارزمي ص168 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص355 والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج2 ص220.
([249]) راجع هذه الكرامة الجليلة في المصادر التالية: منتخب كنز العمال (مطبوع مع مسند أحمد) ج4 ص127 و 128 والصواعق المحرقة (ط الميمنية) ص74 وحياة الحيوان (مطبعة الشرفية بالقاهرة) ج1 ص237 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص 564 والإصابة ج2 ص502 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص107 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية) ص176 ومصابيح السنة (ط الخيرية بمصر) ج2 ص201 والإستيعاب (مع الإصابة) ج3 ص366 ومعالم التنزيل ج4 ص156 والشفاء (ط مصر) ج2 ص272 وجامع الأصول ج9 ص469 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص258 وكفاية الطالب ص130 و 116 و 118 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج2 ص188 وج1 ص50 وصحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171 وصحيح مسلم ج5 ص195 وج7 ص120 ومسند أحمد ج5 ص333 و 353 و 358 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص638 والخصائص للنسائي (مطبعة التقدم بمصر) ص 4 و 5 و 6 و 7 والسيرة النبوية لابن هشام (المطبعة الخيرية بمصر) ج3 ص175 وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج3 ص157 والمعجم الصغير ص163 ومستدرك الحـاكم ج3 ص38 و 108 و 116 وراجـع ص125 ولبـاب التـأويل ج4 ص152 و 153 وتاريخ = = الخميس ج2 ص48 و 49 والبحار ج21 ص29 عن الخرايج والجرايح، ومعارج النبوة ص219 والخصائص الكبرى ج1 ص251 فما بعدها وتاريخ الخلفاء (ط مطبعة السعادة) ص168 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 وحلية الأولياء ج1 ص62 وتذكرة الخواص ص24 و 25 والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج2 ص219 و 220 وأسد الغابة ج4 ص21 و 25 و 28 ومجمع الزوائد ج9 ص123 و 122 ومصادر كثيرة أخرى.
([250]) صحيح مسلم ج5 ص195 ومسند أحمد ج4 ص54 وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج3 ص157 ومناقب آل أبي طالب لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية) ص176 ومعالم التنزيل ج4 ص156 ومنتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص130 وحياة الحيوان (مطبعة الشرفية بالقاهرة) ج1 ص237 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 187 ولباب التأويل للخازن ج4 ص152 و 153.
([251]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171وصحيح مسلم ج7 ص21 ومسند أحمد ج5 ص333 والخصائص للنسائي ص6 وحلية الأولياء ج1 ص62 والسنن الكبرى ج9 ص107 وتذكرة الخواص ص24 وأسد الغابة ج4 ص28 ومشكـاة المصابيح (ط دهـلي) ص564 والبدايـة والنهايـة ج4 = = ص184 فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 وراجع: الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج2 ص184 و 188.
([252]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص124 و 125 والأنس الجليل (ط الوهبية) ص179 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص35 و 36 و 37 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص175 وحلية الأولياء ج1 ص62 والإكتفاء للكلاعي (ط مكتبة الخانجي) ج2 ص258 والكامل (ط دار صادر) ج2 ص220 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 فما بعدها، وذخائر العقبى ص184 ـ 188 والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252 وتاريخ الخميس ج2 ص49 والبحار ج21 ص16.
([253]) تاريخ الخميس ج2 ص49 وراجع: تحف العقول ص346 وعن عون المعبود ج8 ص172 و السيرة الحلبية.
([254]) السيرة الحلبية ج3 ص37 وتاريخ الخميس ج2 ص49 وراجع: شرح اللمعة للشهيد الثاني ج7 ص152 وزبدة البيان للأردبيلي ص12 وشرح أصول الكافي ج6 ص136 وج12 ص494 ومناقب أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص507 و 508 وعن الإحتجاج ج1 ص167 والعمدة ص142 و 146 و 148 و 149 و 157 والطرائف لابن طاووس ص56 وعن ذخائر العقبى ص73 والبحار ج21 ص3 و ج39 ص8 و 12 وكتاب الأربعين للماحوزي ص287 و 288 ومناقب أهل البيت ص137 والغدير ج2 ص41 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص10 وأضواء على الصحيحين للنجمي ص341 وفضائل الصحابة ص166 وعن مستدرك أحمد ج5 ص333 وعن صحيح البخاري ج4 ص20 و 207 وج5 ص77 وعن صحيح مسلم ج7 ص122 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 = = ص107 وعن فتح الباري لابن حجر ج7 ص366 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص46 و 110 و 137 وعن الخصائص للنسائي ص56 وشرح معاني الآثار ج3 ص207 وصحيح ابن حبان ج15 ص378 والمعجم الكبير ج6 ص152 و 198 ورياض الصالحين ص145 ونظم درر السمطين ص99 وفيض القدير ج6 ص465 ومجمع البيان للطبرسي ج9 ص201 وتفسير الميزان ج18 ص295 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص86 و 88 وأسد الغابة ج4 ص28 وعن الإصابة لابن حجر ج1 ص38 والبداية والنهاية لابن كثير ج4 ص211 وبشارة المصطفى ص297 ونهج الإيمان لابن جبر ص320 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص351 وجواهر المطالب ج1 ص177 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 وينابيع المودة ج1 ص153 ومعجم النورين للمرندي ص242.
([255]) السيرة الحلبية ج3 ص37 وراجع: الأربعون حديثاً لابن بابويه ص56 ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص128 والعمدة ص153 والطرائف لابن طاووس ص57 والبحار ج39 ص9 وج72 ص33 وبغية الباحث ص218 والمعجم الكبير ج7 ص35 والثقات لابن حبان ج2 ص13 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص89 و 90 والجواهر في نسب علي وآله للبري ص70 والبداية النهاية ج4 ص112 وج7 ص373 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص798 والجمل للمفيد ص196 ومصادر كثيرة أخرى.
([256]) راجع: البحار ج21 ص18 و 19 وفي هامشه عن مناقب آل أبي طالب ج2 ص78 وعن الإرشاد.
([257]) المغازي للواقدي ج2 ص653 والسيرة الحلبية ج3 ص37.
([258]) المغازي للواقدي ج2 ص653.
([259]) أي معه الجماعة الذين يُعْدّن للحرب.
([260]) في الإمتاع لم يذكر كلمة: "ويحب الله ورسوله". فراجع ص314.
([261]) المغازي للواقدي ج2 ص653 و 654 والإمتاع ص313 و 314 والسيرة الحلبية ج3 ص34.
([262]) الإمتاع ص314 و 315 والإرشاد للمفيد ج1 ص333 وقال في الهامش: انظر حديث فتح خيبر في تاريخ مدينة دمشق ج1 ص174 و 248 والثاقب في المناقب ص257 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص125 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) للعلامة الحلي ص128 والبحار ج21 ص1 وج41 ص279 والإمام علي للهمداني ص613 وكشف الخفاء ج1 ص232 و 366 ومجمع البيان ج9 ص202 والميزان ج18 ص296 وعن البداية والنهاية ج4 ص216 عن دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص212 ونهج الإيمان لابن جبر ص323 عن المناقب لابن شهرآشوب ج2 ص329 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص359 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص129.
([263]) مسند أحمد ج1 ص331 والخصائص للنسائي (ط التقدم بمصر) ص8 وفي (طبعة أخرى) ص63 والمستدرك للحاكم ج3 ص132 وكفاية الطالب (ط مكتبة الغري) ص116 وراجع: العمدة لابن البطريق ص85 و 238 وذخائر العقبى ص87 وحلية الأبرار ج2 ص والبحار ج38 ص241 وج40 ص50 وخلاصة عبقات الأنوار ج7 ص112 و 292 والمراجعات ص196 والغدير ج1 ص50 وج3 ص195 ومواقف الشيعة ج3 ص393 وعن مجمع الزوائد ج9 ص119 وكتاب السنة لابن عاصم ص589 والسنن الكبرى ج5 ص113 وعن خصائص الوحي المبين لابن البطريق ص118 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص98 و 99 و 101 وج46 ص150 وسير أعلام النبلاء ج3 ص68 وعن الإصابة لابن حجر ج4 ص467 وعن البداية والنهاية ج7 ص374 والمناقب للخوارزمي ص125.
([264]) قد ذكرنا مصادر هذه الكلمة في موضع آخر من هذا الكتاب.
([265]) راجع: البحار (ط كمباني) ج6 ص440 و (ط جديد) ج32 ص448 وج97 ص34 وج101 ص364 وج1 ص216 وج19 ص167 وج21 ص361 ومختلف الشيعة ج4 ص394 ومنتهى المطلب للحلي ج2 ص904 وتذكرة الفقهاء للحلي ج1 ص409 وج9 ص44 وكشف اللثام ج2 ص196 و 276 ورياض المسائل ج1 ص486 وج7 ص493 وجواهر الكلام ج21 ص52 والمبسوط للسرخسي ج10 ص31 والكافي ج5 ص28 و 36 وتهذيب الأحكام ج6 ص141 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 ومستدرك الوسائل ج11 ص30 وج12 ص241 وج17ص210 ومصباح الشريعة ص199 والنوادر للراوندي ص140 والإقبال لابن طاووس ج2 ص58 واليقين لابن طاووس ص14 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص353 وج10 ص502 ونهج السعادة ج2 ص158 وج5 ص214 ودرر الأخبار ص178 والمستدرك للحاكم ج3 ص568 ومجمع الزوائد ج5 ص334 والمعجم الكبير ج1 ص315 و 332 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص14 والجامع الصغير ج2 ص401 وكنز العمال ج10 ص156 وج13 ص107 والسير الكبير ج1 ص78 والثقات لابن حبان ج2 ص122 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص238.
([266]) البحار ج21 ص15 والإرشاد للمفيد ج1 ص126 وراجع: مدينة المعاجز ج1 ص174.
([267]) البحار ج21 ص12 عن الإحتجاج ج2 ص64.
([268]) البحار ج21 ص28 عن الخرايج والجرايح ج1 ص159.
([269]) البحار ج21 ص21 عن إعلام الورى ج1 ص207.
([270]) مسند أحمد ج4 ص336 وصحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج8 ص161 وعمدة القاري ج1 ص144 والمعجم الأوسط ج1 ص103 وكنز العمال ج12 ص600 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص356 وج3 ص476 وتاريخ دمشق ج19 ص87 وفتح الباري ج1 ص56 وراجع: المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص456 والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج2 ص19.
([271]) الآية 24 من سورة التوبة.
([272]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح) ج5 ص171 و 23 والخصائص للنسائي (طبعة التقدم بمصر) ص7.
([273]) منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص130 ومجمع الزوائد ج9 ص123 والإصابة ج2 ص502 والبداية والنهاية ج4 ص184 وراجع: الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج2 ص188 والخصائص الكبرى ج1 ص252 و 253 ومستدرك الحاكم ج3 ص108 وجامع الأصول ج9 ص472 والإكتفاء (ط مكتبة الخانجي) ج2 ص258 وتذكرة الخواص ص25 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص124 ومسند أحمد ج1 ص331 وج2 ص384 وج4 ص54 ولسان العرب ج14 ص352 ومسند الطيالسي ص320 وسنن ابن ماجة (ط مكتبة التازية بمصر) ج1 ص56 والسيرة النبوية لابن هشام (ط المكتبة الخيرية بمصر) ج3 ص175 والسيرة الحلبية ج3 ص37 والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص32 و 4 و 8 و 7 وحلية الأولياء ج4 ص356 وج1 ص62.
([274]) المغازي للواقدي ج2 ص653.
([275]) تاريخ بغداد ج8 ص5 ومسند أحمد ج1 ص99 و 185 وج5 ص333 و 353 و 358 وصحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171 وتاريخ البخاري ج1 ق2 ص115 وج4 ص115 والبداية والنهاية ج4 ص184 فما بعدها، وصحيح مسلم ج7 ص121 و 120 وج5 ص195 وتذكرة الخواص ص24 و 25 والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج2 ص219 و 220 وأسد الغابة ج4 ص25 و 28 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 وسنن ابن ماجة (ط مكتبة التازية بمصر) ج1 ص56 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص638 والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص4 و 5 و 32 و 6 و 7 و 8 ومنتخب كنز العمال ج5 ص44 و 48 وج4 ص130 و 127 و 128 والصواعق المحرقة (ط المكتبة الميمنية بمصر) ص74 والمناقب المرتضوية (ط بمبي) ص158 ومدارج النبوة للدهلوي ص323 ومجمع الزوائد ج9 ص123 وحياة الحيوان (مطبعة الشرفية) ج1 ص237 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص564 والإصابة ج2 ص502 والفصول المهمة لابن الصباغ ص19 والخصائص الكبرى ج1 ص251 وتاريخ الخلفاء (مطبعة السعادة بمصر) ص168 ونور الأبصار ص81 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) ص169 وتاج العروس ج7 ص133 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41 والطبقات الكبرى لابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج3 ص156 و 157 ومشارق الأنوار للصغائي (ط مكتبة الأستانة) ج2 ص292 وكفاية الطالب (ط الغري) ص130 وحلية الأولياء ج1 ص62 والعقد الفريد (ط مكتبة الجمالية بمصر) ج3 ص94 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية) ص176 ومستدرك الحاكم ج3 ص38 و 132 و 437 والشفاء (ط مصر) ج1 ص272 والريـاض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 وج2 ص188 = = و 190 ولباب التأويل ج4 ص152 و 153 والمعجم الصغير (ط دهلي) ص163 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج3 ص366 ومصابيح السنة (ط المكتبة الخيرية بمصر) ج2 ص201 ومعالم التنزيل ج4 ص156 وجامع الأصول ج9 ص469 و 471 و 472 وتاريخ الخميس ج2 ص48 والبحار ج21 ص28 و 21 و 20 عن الخرايج والجرايح وعن إعلام الورى ص107 و 108 وعن الخصال ج2 ص120 و 124.
([276]) مسند أحمد ج1 ص133 والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص5 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة الخيرية بمصر) ج3 ص175 وحلية الأولياء ج1 ص62 والإستيعاب (مع الإصابة) ج3 ص366 وكفاية الطالب (ط الغري) ص130 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج5 ص48 وج4 ص127 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 فما بعدها، والمغازي للواقدي ج2 ص653 ومجمع الزوائد ج9 ص123 والبحار ج21 ص20 عن الخصال ج2 ص120 و 124.
([277]) مسند أحمد ج5 ص353 وتاريخ الخميس ج2 ص48 والبحار ج21 ص 28 و 21 عن الخرايج والجرايح وعن إعلام الورى ص107 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج5 ص48 والمناقب المرتضوية (ط بمبي) ص158 ومعارج النبوة ص219 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 و 187.
([278]) المعجم الصغير (ط دهلي) ص163 ومستدرك الحاكم ج3 ص38 والمغازي ج2 ص653 والبحار ج21 ص28 و 21 و 20 عن الخرايج والجرايح وعن إعلام الورى ص107 وعن الخصال ج2 ص120.
([279]) تاريخ الخميس ج2 ص48 ومصادر أخرى.
([280]) المستدرك للحاكم ج3 ص38 والمعجم الصغير (ط دهلي) ص163 وتاريخ بغداد ج8 ص5 والسنن الكبرى ج9 ص107 والإستيعاب (مع الإصابة) ج3 ص366 وكفاية الطالب (ط الغري) ص130 وتذكرة الخواص ص24 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج5 ص48 وج4 ص130 والصواعق المحرقة (ط المكتبة الميمنية بمصر) ص74 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص564 والإصابة ج2 ص502 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 فما بعدها وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص4 ولباب التأويل ج4 ص182 و 183 ومجمع الزوائد ج9 ص123 ومعارج النبوة ص219 والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252 وتاريخ الخلفاء (ط مكتبة السعادة بمصر) ص168 ونور الأبصار ص81 وإسعاف الراغبين بهامشه ص169 وتاج العروس ج7 ص133 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41.
([281]) مسند أحمد ج1 ص133 وراجع: تاريخ البخاري (ط حيدر آباد الدكن) ج1 ق2 ص115 وصحيح مسلم ج7 ص120 وسنن ابن ماجة (ط المكتبة التازية بمصر) ج1 ص56 والجامع الصحيح ج5 ص638 والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص4 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 ومنتخب كنز العمال (بهامش المسند) ج4 ص127 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 فما بعدها وراجع: الرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 ومجمع الزوائد ج9 ص123.
([282]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171 وصحيح مسلم ج7 ص121 ومسند أحمد ج5 ص333 وتاج العروس ج7 ص133 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41 فما بعدها ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص205 وحلية الأولياء ج1 ص62 والسنن الكبرى ج9 ص107 وجامع الأصول ج9 ص472 وتذكرة الخواص ص24 وأسد الغابة ج4 ص22 والصواعق المحرقة (ط الميمنية بمصر) ص74 والفصول المهمة لابن الصباغ ص19 والبداية والنهاية ج4 ص184 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص124 ومسند الطيالسي ص320 والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 وتاريخ الخلفاء (ط مكتبة السعادة بمصر) ص168 وإسعاف الراغبين (بهامش نور الأبصار) 169 ونور الأبصار ص81.
([283]) صحيح البخاري (ط محمد علي صبيح بمصر) ج5 ص171 وصحيح مسلم ج7 ص121 ومسند أحمد ج5 ص333 ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص564 والإصابة ج2 ص502 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 والخصائص للنسائي ص6 ومصابيح السنة (ط مكتبة الخيرية بمصر) ج2 ص201 وتذكرة الخواص ص24 والصواعق المحرقة (ط المكتبة الميمنية بمصر) ص74.
([284]) البحار ج21 عن الخرايج والجرايح.
([285]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص107 والكامل في التاريخ (ط دار صادر) ج2 ص219 وراجع: منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص128 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252 وتاريخ الخميس ج2 ص48.
([286]) راجع: منتخب كنز العمال (بهامش مسند أحمد) ج4 ص128 وتاريخ الخميس ج2 ص48.
([287]) الفصول المهمة لابن الصباغ ص38 وكتاب الأربعين للماحوزي ص181 و 189.
([288]) صحيح مسلم (ط محمد علي صبيح) ج7 ص121 ومسند الطيالسي ص320 والتاج الجامع للأصول ج3 ص326 ومسند أحمد ج2 ص384 وعن صحيح البخاري ج7 ص544 (4209 و 4210) والخصائص الكبرى ج1 ص251 و 252 وخصائص علي بن أبي طالب للنسائي ص7 والطبقات لابن سعد (ط دار الثقافة الإسلامية مصر) ج3 ص156 ومعارج النبوة ص219 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص124 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص205 وجامع الأصول ج9 ص472 وتذكرة الخواص ص24 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 و 75 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188 والنهاية لابن الأثير ج2 ص420 وينابيع المودة ج1 ص154 والبحار ج39 ص12 و 13 وشرح صحيح مسلم للنووي ج15 ص176 والديباج على مسلم ج5 ص387 ورياض الصالحين للنووي ص108 والجوهرة في نسب علي بن أبي طالب وولده ص68 وشرح أصول الكافي للمازندراني ج6 ص136 وج12 ص494 وتاريخ الخميس ج2 ص48.
([289]) صحيح مسلم (ط محمد علي صبيح) ج7 ص121 ومسند الطيالسي ص320 = = والتاج الجامع للأصول (ط مصر) ج3 ص326 ومسند أحمد ج2 ص384 والخصائص للنسائي ص7 والطبقات لابن سعد (ط دار الثقافة الإسلامية) ج3 ص156 ومستدرك الحاكم ج3 ص38 والمعجم الصغير (ط دهلي) ص163 وتذكرة الخواص ص24 و 25 والبداية والنهاية ج4 ص184 و 185 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص184 ـ 188.
([290]) كتاب الأربعين للماحوزي ص181 و 189.
([291]) السيرة الحلبية ج3 ص35 وراجع: شرح أصول الكافي ج6 ص136 و 137 و 494 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص503 وأمالي الطوسي ص380 والعمدة ص144 و 149 والطرائف لابن طاووس ص59 والبحار ج21 ص27 وج39 ص10 و 12 وكتاب الأربعين للماحوزي ص290 ومقام الإمام علي للعسكري ص30 و 42 ومستدرك سفينة البحار ج8 ص229 وأضواء على الصحيحين ص432 وعن صحيح مسلم ج7 ص121 وعن فتح الباري ج7 ص47 و 365 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص11 و 180 وعن خصائص أمير المؤمنين للنسائي ص57 ورياض الصالحين للنووي ص108 وعن تفسير ابن كثير ج1 ص377 وتاريخ مدينة دمشق ج25 ص459 وج42 ص83 و 84 وعن الإصابة ج4 ص466 وعن البداية والنهاية لابن كثير ج7 ص372 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص422 وعن عيون الأثر ج1 ص291 ونشأة التشيع ص120 وعن التاج الجامع للأصول ج3 ص331 ورواه الشيخان.
([292]) السيرة الحلبية ج3 ص35 وراجع: الطرائف لابن طاووس ص65 والبحار ج38 ص325 وج40 ص80 والمناقب للخوارزمي ص136 ونهج الإيمان لابن جبر ص481 والعدد القوية للحلي ص250 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص60 وفي الهامش روى الحديث في أواسط ترجمة أمير المؤمنين = = "عليه السلام" من كتاب الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص46 وأما عبد الرزاق فروى الحديث في فضائل علي "عليه السلام" تحت الرقم 2389 من كتاب المصنف ج11 ص226، وليلاحظ: ترجمة أمير المؤمنين "عليه السلام" من تاريخ دمشق ج2 ص373.
([293]) راجع: الإحتجاج ج1 ص96 والصراط المستقيم ج2 ص225 وج3 ص11 و 111 وكتاب الأربعين للشيرازي ص173 والبحار ج28 ص285 و 388 = = وج29 ص522 و 626 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص400 والسقيفة للمظفر ص89 والغدير ج5 ص271 ونهج السعادة ج5 ص210 ومكاتيب الرسول ج3 ص708 وتثبيت الإمامة ص17 وأنساب الأشراف ص440 والإمامة والسياسة (تحقيق زيني) ج1 ص18 وبيت الأحزان ص81 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص257.
([294]) نهج البلاغة (الخطبة الشقشقية) ج1 ص33 ورسائل المرتضى ج2 ص109 والإحتجاج ج1 ص284 وكتاب الأربعين للشيرازي ص167 وحلية الأبرار ج2 ص290 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص457 والنص والإجتهاد ص25 والغدير ج7 ص81 وج10 ص25 والمعيار والموازنة لابن الإسكافي ص46 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص162 و 170 والدرجات الرفيعة ص34 وبيت الأحزان ص89 وحياة الإمام الحسين للقرشي ج1 ص282 وشرح شافية ابن الحاجب للأسترآبادي ج1 ص78.
([295]) البحار ج21 ص21 وتاريخ الخميس ج2 ص48 وإعلام الورى ج1 ص207 وقصص الأنبياء للراوندي ص344.
([296]) قد تقدم الكلام حول هذه الفقرة في فصل سابق وراجع: المعجم الصغير (ط دهلي) ص163 والمستدرك على الصحيحين ج3 ص38 وتنوير الحوالك ص644 والمحلى لابن حزم ج7 ص293 وفقه السنة للسيد سابق ج2 ص648 ومكاتيب الرسول ج1 ص440 وسنن الدارمي ج2 ص216 وعن صحيح البخاري ج4 ص9 وعن صحيح مسلم ج5 ص143 وعن سنن أبي داود ج1 ص592 والمستدرك للحاكم ج2 ص78 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص76 وشرح مسلم للنووي ج12 ص45 وج14 ص207 وعن فتح الباري ج10 ص160 والمصنف للصنعاني ج5 ص248 و 249 و 250 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص189 ومسند أبي يعلى الموصلي ج2 ص151 ومسند ابن أبي أوفى ص117 والكافي في علم الرواية للخطيب البغدادي ص373 والأذكار النووية ص209 و 210 ورياض الصالحين للنووي ص86 و534 و 540 والجامع الصغير ج2 ص729 وكنز العمال ج4 ص291 و 361 وفيض القدير ج6 ص504 وكشف الخفاء ج2 ص349 و 359 وإرواء الغليل ج5 ص7 وتفسير الثوري ص119 وعن تفسير القرآن العظيم ج1 ص417 وج2 ص328 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص233 و 245 وعن الدر المنثور ج3 ص189 وتفسير الثعالبي ج1 ص489 وسير أعلام النبلاء ج6 ص7 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص383 وج5 ص120 وج9 ص114.
([297]) مناقب آل أبي طالب ج2 ص319 والبحار ج21 ص21 عن ابن جرير وأبي إسحاق، وإعلام الورى ج1 ص207.
([298]) راجع: مجمع الزوائد ج8 ص90 ومسند ابن راهويه ج1 ص395 والأدب المفرد ص272 ومنتخب مسند عبد بن حميد ص240 والديباج على مسلم ج6 ص299 وعن فتح الباري ج10 ص439 و 440 وصحيح ابن حبان ج2 ص438 والمعجم الكبير ج2 ص222 و ج17 ص20 والمعجم الأوسط ج7 ص34 و 83 وج1 ص31 ومسند الشاميين ج1 ص161 ومعرفة علوم الحديث ص250 ومسند الشهاب ج2 ص34 ورياض الصالحين ص711 وعن الجامع الصغير ج2 ص758 وعن كنز العمال ج1 ص147 و 166 وفيض القدير ج6 ص588 والفتوح لابن أعثم ج3 ص57 وسبل السلام للعسقلاني ج4 ص55 ومشكاة الأنوار للطبرسي ص551 والصراط المستقيم ج1 ص114 وعن بحار الأنوار ج110 ص10 وعن مسند أحمد ج2 ص115 وسنن الدارمي ج2 ص319 وعن البخاري ج7 ص103 وعن مسلم ج8 ص227 وعن سنن أبي داود ج2 ص448 وسنن ابن ماجة ج2 ص1318 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص320 وشرح النووي على صحيح مسلم ج18 ص114 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص97 وقصص الأنبياء للجزائري ص207 وكشف الخفاء ج2 ص185 و 374 و 375 والأحكام لابن حزم ج7 ص968 والضعفاء الكبير للعقيلي ج1 ص74 والمجروحون لابن حبان ج1 ص40 والكامل لابن عدي ج3 ص331 و 444 و ج4 ص65 والعلل للدارقطني ج9 ص109 و 111 وتاريخ بغداد ج5 ص427 وتاريخ مدينة دمشق ج55 ص372 وسير أعلام النبلاء ج5 ص340 و 342 والذريعة ج25 ص51 وتاريخ جرجان ص314 والبداية والنهاية ج3 ص381 و ج4 ص53 وتنزيه الأنبياء ص110 ونهج الإيمان لابن جبر ص54 و 618 والشفاء لعياض ج1 ص80 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص486 وج3 ص92 وعن عيون الأثر ج1ص401.
([299]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص123 والمسترشد للطبري ص299 وراجع: كنز العمال ج10 ص92.
([300]) راجع: دلائل النبوة للبيهقي ج4 ص48 والمطالب العالية ح4202 والمغازي للواقدي ج1 ص407 وج2 ص649 والسيرة الحلبية ج3 ص35.
([301]) راجع على سبيل المثال: المغازي للواقدي ج2 ص649.
([302]) راجع: الإرشاد ج1 ص126.
([303]) مسند أحمد ج1 ص99 والسيرة الحلبية ج3 ص36 وسنن ابن ماجة (ط المكتبة التازية بمصر) ج1 ص56 والخصائص للنسائي (ط مكتبة التقدم بمصر) ص5 والعقد الفريد (ط مكتبة الجمالية بمصر) ج3 ص94 وكفاية الطالب (ط الغري) ص130 وتاريخ الخميس ج2 ص49 ومجمع الزوائد ج9 ص122 وتذكرة الخواص ص25 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج2 ص188 والخصائص الكبرى ج1 ص252 و 253 والبحار ج21 ص4 و 20 و 29 عن الخرايج والجرايح، وعن الخصال ج2 وعن دلائل النبوة للبيهقي والميزان (تفسير) ج18 ص296 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص106 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص214 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج13 ص121 عن ابن جرير، والبزار، وأحمد، وابن أبي شيبة، والطيالسي، والمستدرك، والبيهقي، وغيرهم والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص497 ومناقب أمير المؤمنين ج2 ص88 و 89 ومجمع البيان (ط سنة 1421هـ) ج9 ص155.
([304]) السيرة الحلبية ج3 ص36 وحلية الأبرار ج2 ص246 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص477 وعن ينابيع المودة ج2 ص195 والبحار ج40 ص334 والتذكرة الحمدونية (ط بيروت) ص69 ومختصر حياة الصحابة (ط دار الإيمان) ص253 والأموال (ط دار الكتب العلمية) ص284 وقمع الحرص بالزهد والقناعة ص79 وصفة الصفوة (ط حيدرآباد الدكن) ج1 ص122 وحلية الأولياء ج1 ص82 وإحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص295 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص284 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص173.
([305]) السيرة الحلبية ج3 ص36.
([306]) سبل الهدى والرشاد ج10 ص214 عن البيهقي، وأبي نعيم، والطبراني ومجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص318 والكامل لابن عدي ج1 ص346 والموضوعات لابن الجوزي ج2 ص93 وأسد الغابة ج1 ص209 وميزان الإعتدال ج1 ص289 ولسان الميزان لابن حجر ج1 ص482 والبداية والنهاية ج6 ص185.
([307]) البحار ج21 ص15 عن الإرشاد للمفيد ج1 ص126 وراجع: كتاب الأربعين للماحوزي ص295 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص213.
([308]) الآيتان 26 و 27 من سورة الجن.
([309]) المغازي للواقدي ج2 ص653 و 654 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص34.
([310]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص657 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 و 126 وتاريخ الخميس ج2 ص51.
([311]) صحيح مسلم ج5 ص195 ومسند أحمد ج5 ص333 و 351 والمستدرك للحاكم ج3 ص38 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 ومناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية بطهران) ص176 ولباب التأويل ج4 ص182 و 183 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 و 187 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها ومعالم التنزيل (ط مصر) ج4 ص156 وحياة الحيوان ج1 ص237 وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج3 ص157 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41 والمغازي للواقدي ج2 ص657.
([312]) تذكرة الخواص ص26.
([313]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص126 و 125 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص32 و 37 و 38 ومسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ولباب التأويل ج4 ص182 و 183 ومعارج النبوة ص219 والإصابة ج2 ص502 والكامل في التاريخ ج2 ص220 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 ومعالم التنزيل ج4 ص156 وتاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع بعض ما تقدم في: إمتاع الأسماع ص315 و 316.
([314]) مسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 وراجع: العمدة لابن البطريق ص141 ومجمع الزوائد ج6 ص15 والسنن الكبرى ج5 ص110 و 178 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص95 وعن الإصابة ج4 ص466 وعن تاريخ الأمم والملوك ج2 ص300 وفضائل الصحابة لابن حنبل ج2 ص604.
([315]) البحار ج21 ص22 عن إعلام الورى ج1 ص208 وفي هامشه قال: انظر الإرشاد للمفيد ج1 ص125 والخرائج والجرائح ج1 ص159 و 249 والمغازي للواقدي.
([316]) السيرة الحلبية ج3 ص37 و 38 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص50.
([317]) تاريخ الخميس ج2 ص50.
([318]) إمتاع الأسماع ص315.
([319]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص127 ومسند أحمد ج1 ص111 وتذكرة الخواص ص26 وعن البداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ومجمع الزوائد للهيثمي ج6 ص152 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص357.
([320]) تاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص5 عن جماعة من السفاف والمعاندين ادَّعوا: أن مرحباً قتله محمد بن مسلمة، وادّعـوا، وادَّعـوا.
([321]) معارج النبوة ص323 و 219.
([322]) السيرة الحلبية ج3 ص38 عن الزمخشري والمغازي للواقدي ج2 ص504.
([323]) السيرة الحلبية ج3 ص38 والمغازي للواقدي ج2 ص505.
([324]) المواهب اللدنية ج1 ص112 والسيرة الحلبية ج2 ص217 وراجع ص327 و 328 كلاهما عن الشيخين.
وقال الترمذي: حديث حسن. والتاريخ الكبير للبخاري ج6 ص 13. = = وقول الزبير الأخير: موجود في السيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 و 10 وكذا في سبل الهدى والرشاد ج4 ص562 لكنه لم يصرح ببني قريظة. وحدائق الأنوار ج2 ص590 عن الصحيحين، وليس فيهما تصريح ببني قريظة أيضاً. وفيه: أنه لما قال له الزبير: أنا، قال: إن لكل نبي حواري، وإن حواريي الزبير. وراجع: صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله"، باب مناقب الزبير.
([325]) السيرة الحلبية ج2 ص217 و 229.
([326]) السيره الحلبية ج2 ص229 وشرح مسلم للنووي ج15 ص184.
([327]) المغازي ج2 ص457 وإمتاع الأسماع ج1 ص227 والسيرة الحلبية ج2 ص217.
([328]) مجمع الزوائد ج9 ص124 وراجع: شرح الأخبار ج1 ص321 والعمدة ص140 و 143 وفضائل الصحابة ج2 ص617 ح1054 و ص583 ح987 وذخائر العقبى ص73 عن مسند أحمد ج3 ص16 ومسند أبي يعلى ج2 ص500 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص104 و 105 والبداية والنهاية ج4 ص212 ونهج الإيمان لابن جبر ص317 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص352 وينابيع المودة ص164 ومصادر أخرى تقدمت.
([329]) سفينة البحار ج2 ص194 عن رجال الكشي، والبحار ج34 ص275 و ج22 ص342 والإختصاص (ط النجف) ص55 وروضة الواعظين (ط سنة 1386هـ) ص282 وراجع: شجرة طوبى ج1 ص78 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص465 وتفسير نور الثقلين ج5 ص210 وإختيار معرفة الرجال ج1 ص41 وجامع الرواة للأردبيلي ج1 ص110 و 545 والدرجات الرفيعة ص432 وطرائف المقال ج2 ص340 و 593 ومعجم رجال الحديث ج4 ص156 وج9 ص197 وج20 ص109 وتهذيب المقال ج4 ص200 والشيعة في أحاديث الفريقين ص518.
([330]) البحار ج36ص271 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص213 وراجع: كفاية الأثر ص69.
([331]) البحار ج36 ص309 وكفاية الأثر ص10.
([332]) شرح النهج للمعتزلي (تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم) ج1 ص234 وراجع: تلخيص الشافي ج4 ص150 و 141 و 142 و 143 والفصول المختارة ص106 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج4 ص502 والكامل في التاريخ ج3 ص240 و 261 وتذكرة الخواص ص71 والبحار ج32 ص205.
([333]) البحار ج32 ص 205.
([334]) شرح النهج للمعتزلي (ط سنة 1964م) ج2 ص819.
([335]) تلخيص الشافي ج4 ص 143 وشرح النهج للمعتزلي ج2 ص 167 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج4 ص 509 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص254.
([336]) تلخيص الشافي ج4 ص 142 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج4 ص 502 وتذكرة الخواص ص 71.
([337]) تلخيص الشافي ج4 ص136.
([338]) البحار ج32 ص 217.
([339]) البحار ج 32 ص 214.
([340]) مستدرك الحاكم ج3 ص 371.
([341]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج4 ص 512.
([342]) راجع: الكامل في التاريخ ج3 ص 243 وراجع ص 262 وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص 507.
([343]) الكامل ج3 ص243.
([344]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص534.
([345]) الجمل ص 387.
([346]) الجمل ص 390.
([347]) أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص254.
([348]) المصدر السابق ج2 ص258.
([349]) البحار ج21 ص29 والخرايج والجرايح ج1 ص161 وراجع: إحقاق الحق ج5 ص368.
([350]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص163 وقال: "وذكره الشيخ كمال الدين الدميري (ره) في شرح المنهاج" وراجع: حياة الحيوان (ط المكتبة الشرفية بالقاهرة) ج1 ص237 ولسان العرب (ط سنة 1416 هـ) ج3 ص84 و 85 ومجمع البحرين ج3 ص261 وتاريخ الخميس ج2 ص50 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص12.
([351]) السيرة الحلبية ج3 ص38.
([352]) السيرة الحلبية ج3 ص38.
([353]) لسان العرب (ط سنة 1416 هـ.) ج3 ص84.
([354]) المصدر السابق ج3 ص84 و 85.
([355]) البحار ج21 ص9 عن الأمالي للمفيد، وأمالي الطوسي ص4 ومدينة المعاجز ج1 ص178.
([356]) الآية 17 من سورة مريم.
([357]) الآية 50 من سورة الكهف.
([358]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص68 والبداية والنهاية ج3 ص175 وتاريخ الخميس ج1 ص321 و 322.
([359]) الثاقب في المناقب ج2 ص248 ومدينة المعاجز ج1 ص141.
([360]) مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج2 ص308 ومدينة المعاجز ج1 ص144و 145 والأنوار العلوية ص133وحلية الأبرار ج1 ص268 وج2 ص95 والبحار ج39 ص183.
([361]) مدينة المعاجز ج1 ص148 و 149 وحلية الأبرار ج1 ص270 وج2 ص918 وعيون المعجزات ص43 والبحار ج18 ص86 وج39 ص169 وج60 ص91 ونوادر المعجزات للطبري ص53 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص169 واليقين لابن طاووس ص261 وحلية الأبرار ج2 ص98.
([362]) تفسير الميزان ج8 ص61 عن تفسير القمي.
([363]) مشارق أنوار اليقين ص85 ومدينة المعاجز ج1 ص142 عنه، وحلية الأبرار ج2 ص15 ومجمع النورين ص190.
([364]) البحار ج42 ص88 والخرائج والجرائح ج2 ص825 و826 ومرآة العقول ج21 ص198 وراجع: المجدي في أنساب الطالبيين ص17 و18 ومدينة المعاجز ج3 ص202 والصراط المستقيم ج3 ص130 وسفينة البحار (ط سنة 1414هـ) ج1 ص684.
([365]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص146 والسيرة الحلبية ج3 ص32 وراجع: الإصابة ج2 ترجمة عامر بن سنان والمغازي للواقدي ج2 ص661 و 662 وعبقات الأنوار ج3 ص278 ومسند أحمد ج4 ص48 وعن صحيح البخاري ج5 ص73 وج7 ص108 وج8 ص41 وعن صحيح مسلم ج5 ص186 وعن فتح الباري (المقدمة) ص303 وج7 ص358 والمعجم الكبير ج7 ص33 وجزء أحاديث الشعر ص102 والطبقات الكبرى ج4 ص304 وتاريخ مدينة دمشق ج60 ص240 والبداية والنهاية ج4 ص208 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص347.
([366]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص32 وراجع: الإصابة ج2 ترجمة عامر بن سنان، وإمتاع الأسماع ص317.
([367]) السيرة الحلبية ج3 ص32 وراجع: البحار ج21 ص2 و 3.
([368]) السيرة الحلبية ج3 ص32 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص146.
([369]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص127 و 128 والسيرة الحلبية ج3 ص37 و 38 والمغازي للواقدي ج2 ص655 و 656 وتاريخ الخميس ج2 ص50 و 51 عن الإكتفاء وعن مسند أحمد ج3 ص385 ومجمع الزوائد ج6 ص150 وبغية الباحث ص217 وتاريخ مدينة دمشق ج55 ص268 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص299 عن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص797 والبداية والنهاية ج4 ص215.
([370]) السيرة الحلبية ج3 ص38 عن مختصر المزني وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص656.
([371]) المغازي للواقدي ج2 ص656.
([372]) إمتاع الأسماع ص316 والمغازي للواقدي ج2 ص658.
([373]) السيرة الحلبية ج3 ص43 وراجع: السير الكبير للشيباني ج1 ص218.
([374]) المناقب للخوارزمي ص280 و 281.
([375]) الثقات ج2 ص303 والأخبار الطوال ص215 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص25 و 26 وراجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص495 و 502 و 504.
([376]) المستدرك على الصحيحين ج3 ص437.
([377]) تلخيص مستدرك الحاكم (مطبوع مع المستدرك) ج3 ص437.
([378]) سبل الهدى والرشاد ج5 ص127 و 128 وعن أسد الغابة ج4 ص331.
([379]) الكامل في التاريخ ج2 ص219.
([380]) شرح مسلم للنووي ج12 ص186 عن ابن الأثير.
([381]) السيرة الحلبية ج3 ص38.
([382]) السيرة الحلبية ج3 ص38. وأشار إلى ذلك في الإمتاع ص315 والمغازي للواقدي ج2 ص656 وراجع: السير الكبير ج2 ص606.
([383]) السيرة الحلبية ج3 ص38.
([384]) السيرة الحلبية ج3 ص38.
([385]) السيرة الحلبية ج3 ص39.
([386]) السيرة الحلبية ج3 ص39.
([387]) أسد الغابة ج4 ص21 والعمدة لابن البطريق ص156 وعن المناقب لابن المغازلي ص88.
([388]) تذكرة الخواص ص25 عن أحمد في الفضائل وراجع: مسند أحمد ج3 ص16.
([389]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص237.
([390]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص237.
([391]) كنز الفوائد للكراجكي ص137 والبحار ج20 ص216.