اختلاف الحديث
الامام الشافعي
[ 473 ]
كتاب اختلاف الحديث للامام محمد بن ادريس الشافعي
[ 475 ]
بسم الله الرحمن الرحيم أخبرنا أبو محمد الحسن بن على بن محمد بن الحسن الجوهر قراءة عليه وهو يسمع وأنا أسمع فأقربه قال أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن محمد بن زكريا بن حيويه قراءة عليه وأنا أسمع قال حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله ابن سيف السجستاني حدثنا الربيع بن سليمان قال قال محمد ابن إدريس المطلبى الشافعي رضى الله عنه. الحمد الله بما هو أهله وكما ينبغى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. (أما بعد) فإن الله جل ثناؤه وضع رسوله موضع الابانة لما افترض على خلقه في كتابه ثم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن ما افترض على لسانه نصا في كتاب الله فأبان في كتابه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدى إلى صراط مستقيم صراط الله ففرض على العباد طاعته وأمرهم بأخذ ما آتاهم والانتهاء عما نهاهم عنه وكان فرضه على كل ما عاين رسوله ومن بعده إلى يوم القيامة واحدا في أن على كل طاعته ولم يكن أحد غاب عن رؤية رسول الله يعلم أمر رسول الله إلا بالخبر عنه وأوجب الله جل ثناؤه على عباده حدودا وبينهم حقوقا فدل على أن يؤخذ منهم ولهم بشهادات والشهادات أخبار ودل في كتابه على لسان نبيه أن الشهود في الزنا أربعة وأمر في الدين بشاهدين أو شاهدين وامرأتين وفى الوصايا بشاهدين وكانت حقوق سواها بين الناس لم يذكر في القرآن عدد الشهود فيها منها القتل وغيره أخذ عدد الشهود فيها من سنة أو إجماع وأخذ أن يقتل في غير الزنا ويقطع وتؤخذ الحقوق من جميع الجهات بشاهدين بقول الاكثر من أهل العلم ولم يجعلوه قياسا على الزنا وأخذ أن تؤخذ الاموال بشاهد وامرأتين لذكر الله إياهما في الدين وهو مال واخترنا أن يؤخذ المال بيمين وشاهد بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واخترنا أن يجب الحق في القسامة بدلائل قد وصفناها وإن لم يكن مع الدلائل شاهد بالخبر عن رسول الله فكان ما فرض الله من الخبر عن رسول الله مودى خبرا كما تؤدى الشهادات خبرا وشرط في الشهود ذوى عدل ومن نرضى وكان الواجب أن لا يقبل خبر أحد على شئ يكون له حكم حتى يكون عدلا في نفسه ورضا في خبره وكان بينا إذ افترض الله علينا قبول أهل العدل أنه إنما كلفنا العدل عندنا على ما يظهر لنا لانا لا نعلم مغيب غيرنا فلما تعبدنا الله بقبول الشهود على العدالة عندنا ودلت السنة على إنفاذ الحكم بشهاداتهم وشهاداتهم أخبار دل على أن قبول قولهم وعددهم تعبد لانه لا يكون منهم عدد إلا وفى الناس أكثر منه وكان (1) في قبولهم على اختلافهم مقبولا من وجوه مما وصفت من كتاب أو سنة أو قول عوام أهل العلم لا أن ما ثبت وشهد به عندنا من قطعنا الحكم بشهادته إحاطة عندنا على المغيب ولكنه صدق على الظاهر بصدق المخبر عندنا وإن أمكن فيه الغلط ففيه مادل على (1) لعل لفظ " في " زائدا اه (*)
[ 476 ]
الفرض علينا من قبول الخبر عن رسول الله ولا يؤخذ عدد من يقبل خبره عنه صلى الله عليه وسلم إلا بأحد الدلائل التى قبلنا بها عددا من الشهود فرأينا الدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبول خبر الواحد عنه فلزمنا والله أعلم أن نقبل خبره إذا كان من أهل الصدق كما لزمنا قبول عدد من وصفت عدده في الشهادة بل قبول خبر الواحد عنه أقوى سببا بالدلالة عنه ثم ما لم أعلم فيه خلافا من أحد من ماضى أهل العلم بعد رسول الله فتابعيهم إلى اليوم خبرا نصا منهم ودلالة معقولة عنهم من قبول عدد الشهود في بعض ما قبلنا فيه وقد كتبت في كتاب " جماع العلم " الدليل على ما وصفت مما أكتفيت (1) في رد كثير منه في كتابي هذا وقد رددت منه جملا تدل من لم يحفظ كتاب جماع العلم على ما وراءها إن شاء الله فإن قال قائل أفيكون الاخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدا أو أكثر ؟ قيل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبران فخبر عامة عن عامة عن النبي صلى الله عليه وسلم يحمل ما فرض على العباد أن يأتوا به بألسنتهم وأفعالهم ويؤتوا به من أنفسهم وأموالهم وهذا مالا يسمع جهله وما كان على أهل العلم والعوام أن يستووا فيه لان كلا كلفه كعدد الصلاة وصوم رمضان وتحريم الفواحش وأن لله عليهم حقا في أموالهم وخبر خاصة في خاص الاحكام لم يكلفه العامة لم يأت أكثره كما جاء الاول وكلف علم ذلك من فيه الكفاية للخاصة به دون العامة وهذا مثل ما يكون منهم في الصلاة سهو (2) يجب به سجود السهو وما يكون منهم فيما لا يجب به سجود سهو وما يفسد الحج وما لا يفسده وما تجب به البدنة ولا تجب مما يفعل مما ليس فيه نص كتاب وهو الذى على العلماء فيه عندنا والله أعلم قبول خبر الصادق على صدقه ولا يسعهم رده كما لا يسعهم رد العدد من الشهود الذى قبلوا شهادتهم وهو حتى صدق عندهم على الظاهر كما يقال فيما شهد به الشهود فمن أدخل في شئ من قبول خبر الواحد شيئا دخل عليه في قبول عدد الشهود الذين ليسوا بنص في كتاب ولا سنة مثل الشهود على القتل وغيره إن شاء الله فإن قال قائل فأين الدلالة على قبول خبر الواحد عن رسول الله ؟ قيل له إن شاء الله كان الناس مستقبلي بيت المقدس ثم حولهم الله إلى البيت الحرام فأتى أهل قباء آت وهم الصلاة فأخبرهم أن الله أنزل على رسوله كتابا وأن القبلة حولت إلى البيت الحرام فاستداروا إلى الكعبة وهم في الصلاة وأن أبا طلحة وجماعة كانوا يشربون فضيخ بسر ولم يحرم يومئذ من الاشربة شئ فأتاهم آت فأخبرهم أن الخمر قد حرمت فأمروا أناسا فكسروا جرار شرابهم ذلك ولا شك أنهم لا يحدثون في مثل هذا إلا ذكروه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله ويشبه أن لو كان قبول خبر من أخبرهم وهو صادق عندهم مما لا يجوز لهم قبوله أن يقول لهم رسول الله قد كنتم على قبلة ولم يكن لكم أن تحولوا عنها إذ كنت حاضرا معكم حتى أعلمكم أو يعلمكم جماعة أو عدد يسميهم لهم ويخبرهم أن الحجة تقوم عليهم بمثلها لا بأقل منها إن كانت لا تثبت عنده بواحد والفساد لا يجوز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عند عالم وهراقة حلال فساد فلو لم تكن الحجة أيضا تقوم عليهم بخبر من أخبرهم بتحريم لاشبه أن يقول قد كان لكم حلالا ولم يكن لكم إفساده حتى أعلمكم أن الله عزوجل خرمه أو يأتيكم عدد يحده لهم يخبر عنى بتحريمه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة أن تعلم امرأة أن تعلم زوجها إن قبلها وهو صائم لا يحرم عليه ولو لم ير الحجة تقوم عليه بخبرها إذا صدقها لم يأمرها إن شاء الله به وأمر رسول الله أنيسا الاسلمي أن يغدو على امرأة رجل فإن (1) أي في إعادة. تأمل. (2) قوله: يجب به سجود الخ لعل مراده يتأكد به، تأمل. كتبه مصححه. (*)
[ 477 ]
اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها وفى ذلك إفاتة نفسها باعترافها عند أنيس واحد وأمر عمرو بن أمية أن يقتل أبا سفيان وقد سن عليه إن علمه أسلم لم يحل له قتله وقد يحدث الاسلام قبل أن يأتيه عمرو بن أمية وأمر أنيسا أو عبد الله بن أنيس " شك الربيع " أن يقتل خالد بن سفيان الهذلى فقتله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو أسلم أن لا يقتله وكل هؤلاء من معاني ولاته وهم واحد واحد فتصور الحكم بأخبارهم وبعث رسول الله بعماله واحدا واحدا ورسله واحدا واحدا وإنما بعث عماله ليخبروا الناس بما أخبرهم به رسول الله من شرائع دينهم ويأخذوا منهم ما أوجب الله عليم ويعطوهم ما لهم ويقيموا عليهم الحدود وينفذوا فيهم الاحكام ولم يبعت منهم واحدا إلا مشهورا بالصدق عند من بعثه إليه ولم تقم الحجة عليهم بهم إذ كانوا في كل ناحية وجههم إليها أهل صدق عندهم ما بعثهم إن شاء الله وبعث أبا بكر واليا على الحج فكان في معنى عماله ثم بعث عليا بعده بأول سورة براءة فقرأها في مجمع الناس في الموسم وأبو بكر واحد وعلى واحد وكلاهما بعثه بغير الذى بعث به صاحبة ولو لم تكن الحجة تقوم عليهم ببعثته كل واحد منهما إذا كانا مشهورين عند عوامهم بالصدق وكان من جهلهما من عوامهم يجد من يثق به من أصحابه يعرف صدقهما ما بعث منهما واحدا فقد بعث عليا يعطيهم نقض مدد وإعطاء مدد ونبذ إلى قوم ونهى عن أمور وأمر بأخرى وما كان لاحد من المسلمين بلغه على أن لهم مدة أربعة أشهر أن يعرض لهم في مدتهم ولا مأمور بشئ ولا منهى عنه برسالة على أن يقول له أنت واحد ولا تقوم على الحجة بأن رسول الله بعثك إلى بنقض شئ جعله لى ولا بأحداث شئ لم يكن لى ولا لغيري ولا بنهي عن أمر لم أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ولا بإحداث أمر لم أعلم رسول الله أحدثه وما يجوز هذا لاحد في شئ قطعه عليه على برسالة النبي ولا أعطاه إياه ولا أمره به ولا نهاه عنه بأن يقول لم أسمعه من رسول الله أو ينقله إلى عدد أو لا أقبل فيه خبرك وأنت واحد ولا كان لاحد وجه إليه رسول الله عاملا يعرفه أو لا يعرفه له من يصدقه صدقه أن يقول له العامل عليك أن تعطى كذا وكذا أو نفعل بك كذا فيقول لا أقبل هذا منك لانك واحد حتى ألقى رسول الله فيخبرني أن على ما قلت إنه على فأفعله عن أمر رسول الله لا عن خبرك (1) وقد يمكن أن يغلط أو يجهل بينة عامة بشرط في عددهم وإجماعهم على الخبر عن رسول الله وشهادتهم معا أو متفرقين ثم لا يذكر أحد من خبر العامة عددا أبدا إلا وفى العامة عدد أكثر منه ولا من اجتماعهم حين يخبرون وتفرقهم تثبيتا إلا أمكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أو بعض زمانه حين كثر أهل الاسلام فلا يكون لتثبيت الاخبار غاية أبدا ينتهى إليها ثم لا يكون هذا لاحد من الناس أجوز منه لمن قال هذا ورسول الله بين ظهرانيه لانه قد يدرك لقاء رسول الله ويدرك ذلك له أبوه وولده وإخوته وقرابته ومن يصدقه في نفسه ويفضل صدقه له بالنظر له فإن الكاذب قد يصدق نظرا له وإذا لم يجز هذا لاحد يدرك لقاء رسول الله ويدرك خبر من يصدق من أهله والعامة عنه كان لمن جاء بعد رسول الله ممن لا يلقاه في الدنيا أولى أن لا يحوز ومن زعم أن الحجة لا تثبت بخبر المخبر الصادق عند من أخبره فما يقول في معاذ إذ بعثه رسول الله إلى أهل اليمن واليا ومحاربا من خالفه ودعا قوما لم يلقوا النبي عليه السلام إلى أخذ الصدقة منهم وغيرها فامتنعوا فقاتلهم وقاتلهم معه من أسلم منهم بأمر رسول الله ولم يكن عند من قاتل معه أو أكثرهم إلا صدق معاذ عندهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بقتالهم إذ كانوا مطيعين لله تعالى بنصر معاذ وتصديقه عن النبي صلى الله عليه وسلم وكانت الحجة قائمة (1) قوله: وقد يمكن كذا في الاصل. وتأمل (*)
[ 478 ]
على من رد على معاذ ما جاء به معاذ حتى قتله معاذ وهو محجوج ومعاذ لله مطيع وما يقول فيمن كان رسول الله يبعثه في جيوشه وسراياه إلى من بعت فيدعوهم إلى الاسلام أو إعطاء الجزية فان أبوا قاتلهم أكان أمير الجيش والسرية والجيش والسرية مطيعين لله فيمن قاتلوا ومن امتنع ممن دعوه محجوجا وقد كانت سراياه تكون عشرة نفر أو أقل أو أكثر أم لا ؟ فإن زعم أن من جاءه معاذ وأمراء سراياه محجوجا بخبرهم فقد زعم أن الحجة تقوم بخبر الواحد وإن زعم أن لم تقم عليهم حجة فقد أعظم القول وإن قال لم يكن هذا أنكر خبر العامة عمن وصفت وصار إلى طرح خبر الخاصة والعامة وما يقول في امرئ ببادية من الله عليه بالاسلام ثم تنحى إلى باديته فجاء أخوه وأبوه وهما صادقان عنده فأخبراه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم شيئا أو أحله فحرمه أو أحله أيكون مطيعا لله بقبول خبرهما ؟ فإن قال نعم فقد ثبت خبر الواحد وإن قال لا خرج مما لم أعلم فيه مخالفا فإنى لم أحفظ عن أحد لقيته ولم أعلمه حكى لى عمن لم ألق من أهل العلم أن لا يثبت إلا ما وصفت من أمر أبى بكر وعلى وغيرهما من عمال النبي صلى الله عليه وسلم على الانفراد ولا يجوز أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما تقوم به الحجة لمن يبعث إليه وعلى من بعث إليه النبي ولم أعلم مخالفا من أهل العلم في أن لم يكن لاحد وصل إليه عامل رسول لله صلى الله عليه وسلم ورسله ممن سمينا أو لم نسم من عماله ورسله أن يمنعه شيئا أعلمه أنه يجب عليه ولا أن يرد حكما حكم به عليه ولا أن يعصيه فيما أمره به مما لم يعلم لرسول الله فيه سنة تخالفه لان رسول الله لا يبعث إلا بما تقوم به الحجة فكل من بعث رسول الله واحد ثم لم أعلم لناس منذ قبض الله رسوله اختلفوا أن خليفتهم ووالى المصر لهم وقاضي المصر واحد وليس من هؤلاء واحد عدل يقضى فيقول شهد عندي فلان وفلان وهما عدلان على فلان أنه قتل فلانا أو أنه ارتد عن الاسلام أو أنه قذف فلانا أو أنه أتى فاحشة مما يجوز فيه شاهدان إلا جاز أن يقام عليه ما وصفه هؤلاء ولا حاكم يعرف بعدل يكتب بأنه قضى لفلان على فلان بكذا من المال وبالدار التى في موضع كذا ولا لاحد بأنه ابن فلان ووارثه ولا شئ من حقوق الناس إلا أنفذه الحاكم المكتوب إليه وكل حاكم جاء بعده ولا يكتب به إلى حاكم ببلد من بلدان أهل الاسلام لاحد ولا على أحد إلا أنفذه له وليس فيه عنه أحد أنفذه له علم إلا بقول الحاكم الذى قضى به ولا عند الحاكم المكتوب إليه أن أحدا شهد عند القاضى الذى ذكر أنه شهد عنده إلا بخبر ذلك القاضى والقاضى واحد فقد أجازوا خبره في جميع أحكام الناس فكذلك الخليفة والوالى العدل وفيما وصفت من أنهم لم يختلفوا في هذا دليل على أن الحجة في الحكم الذى لم يكلفه العباد كلهم تقوم بخبر الواحد مع أنى لم أعلم أحدا حكى عنه من أصحاب رسول الله والتابعين إلا ما يدل على قبول خبر الواحد وكان عمر بن الخطاب في لزومه رسول الله حاضرا ومسافرا وصحبته له ومكانه من الاسلام وأنه لم يزايل المهاجرين بمكة والمهاجرين والانصار بالمدينة ولم يزايله عامة منهم في سفر له وأنه مقدم عندهم في العلم والرأى وكثرة الاستشارة لهم وأتهم يبدءونه بما علموا فيقبله من كل من جاء به وأنه يعلم أن قوله حكم ينفذ على الناس في الدماء والاموال والفروج يحكم بين أظهرهم أن في الابهام خمس عشر من الابل وفى المسبحة والوسطى عشرا عشرا وفى التى تلى الخنصر تسعا وفى الخنصر ستا فمضى على ذلك كثير ممن حكى عنه في زمانه والناس عليه حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم كتبه رسول الله لعمرو بن حزم فيه وفى كل أصبع مما هنالك عشر من الابل فصار الناس إليه وتركوا ما قضى به عمر مما وصفت وسووا بين الخنصر التى قضى فيها عمر بست والابهام التى قضى فيها بخمس عشرة وكذلك يجب عليهم ولو علمه عمر كما علموه لقبله وترك ما حكم به إن شاء الله كما فعل في غيره مما علم فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غير ماكان هو يقول فترك قوله بخبر صادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك
[ 479 ]
يجب عليه (قال الشافعي) ولا أحسبه قال بما قال من ذلك وقبل ذلك من قبله من المقضى له والمقضى عليه وغيرهم إلا أنه وإياهم قد علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في اليد بخمسين من الابل وكانت اليد خمسة أطراف فاجتهد فيها على قدر منافعها وجمالها ففضل بعضها على بعض ولو لم يكن عن رسول الله أن في كل أصبع عشرا صرنا إلى ما قال عمر أو ما أشبهه وعلمنا أن الخنصر لا تشبه الابهام في الجمال ولا المنفعة وفى هذا دليل على ما قلت من أن الخبر عن رسول الله يستغنى بنفسه ولا يحتاج إلى غيره ولا يزيده غيره إن وافقه قوة ولا يوهنه إن خالفه غيره وأن بالناس كلهم الحاجة إليه والخبر عنه فإنه متبوع لا تابع وأن حكم بعض أصحاب رسول الله إن كان يخالفه فعلى الناس أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أن يصيروا إلى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يتركوا ما يخالفه ودليل على أنه يعزب على المتقدم الصحبة الواسع العلم الشئ يعلمه غيره وكان عمر ابن الخطاب يقضى أن الدية للعاقلة ولا يورث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها فرجع إليه عمر قال وسأل عمر بن الخطاب من عنده علم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين فأخبره حمل بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة فقال عمر بن الخطاب إن كدنا أن نقضى في مثل هذا برأينا أو قال لو لم نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا وفى كل هذا دليل على أنه يقبل خبر الواحد إذا كان صادقا عند من أخبره ولو جاز لاحد رد هذا بحال جاز لعمر بن الخطاب أن يقول للضحاك أنت رجل من أهل نجد ولحمل بن مالك أنت رجل من أهل تهامة لم تعريا رسول الله ولم تصحباه إلا قليلا ولم أزل معه ومن معى من المهاجرين والانصار فكيف عزب هذا عن جماعتنا وعلمته أنت وأنت واحد يمكن فيك أن تغلط وتنسى بل ؟ رأى الحق اتابعه والرجوع عن رأيه في ترك توريث المرأة من دية زوجها وقضى في الجنين بما أعلم من حضر أنه لو لم يسمع عن النبي فيه شيئا قضى فيه بغيره كأنه يرى إن كان الجنين حيا فيه مائة من الابل وإن كان ميتا فلا شئ فيه ولكن الله تعبده والخلق بما شاء على لسان نبيه فلم يكن له ولا لاحد إدخال لم ؟ ولا كيف ؟ ولا شيئا من الرأى على الخبر عن رسول الله ولا رده على من يعرفه بالصدق في نفسه وإن كان واحدا وقبل عمر بن الخطاب خبر عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس ولم يقل لو كانوا أهل كتاب كان لنا أن نأكل ذبائحهم وننكح نساءهم وإن لم يكونوا أهل كتاب لم يكن لنا أن نأخذ الجزية منهم وقبل خبر عبد الرحمن ابن عوف في الطاعون ورجع بالناس عن خبره وذلك أنه يعرف صدق عبد الرحمن ولا يجوز له عنده ولا عندنا خلاف خبر الصادق عن رسول الله فإن قال قائل فقد طلب عمر بن الخطاب من مخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم مخبرا آخر غيره معه عن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له أن قبول عمر الخبر واحد على الانفراد يدل على أنه لا يجوز عليه أن أن يطلب مع مخبر مخبرا غيره إلا استظهارا لا أن الحجة تقوم عنده بواحد مرة ولا تقوم أخرى وقد يستظهر الحاكم فيسأل الرجل قد شهد له عنده الشاهدان العدلان زيادة شهود فإن يفعل قبل الشاهدين وإن فعل كان أحب إليه أو أن يكون عمر جهل المخبر وهو إن شاء الله لا يقبل خبر من جهله وكذلك نحن لا نقبل خبر من جهلناه وكذلك لا نقبل خبر من لم نعرفه بالصدق وعمل الخير وأخبرت الفريعة بنت مالك عثمان ابن عفان أن النبي عليه السلام أمرها أن تمكث في بيتها وهى متوفى عنها حتى يبلغ الكتاب أجله فاتبعه وقضى به وكان ابن عمر يخابر الارض بالثلث والربع لا يرى بذلك بأسا فأخبره رافع أن النبي نهى عنها فترك ذلك بخبر رافع وكان زيد بن ثابت سمع النبي يقول " لا يصدرن أحد من الحاج حتى يطوف بالبيت " يعنى طواف الوداع بعد طواف الزيارة فخالفه ابن عباس وقال تصدر الحائض دون غيرها فأنكر ذلك زيد بن على ابن عباس سل أم سلمة فسألها فأخبرته أن النبي
[ 480 ]
صلى الله عليه وسلم أرخص للحائض في أن تصدر ولا تطوف فرجع إلى ابن عباس فقال وجدت الامر كما قلت وأخبر أبو الدرداء معاوية أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع باعه معاوية فقال معاوية ما أرى بهذا بأسا فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أخبره عن رسول الله ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض فخرج أبو الدرداء من ولاية معاوية ولم يره يسعه مساكنته إذ لم يقبل منه خبره عن النبي ولو لم تكن الحجة تقوم عليه عند أبى الدرداء بخبره ما كان رأى أن مساكنته على ضيقة ولم أعلم أحدا من التابعين أخبر عنه إلا قبل خبر واحد وأفتى به وانتهى إليه فابن المسيب بقبل خبر أبى هريرة وحده وأبى سعيد وحده عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله سنة وعروة يصنع ذلك في عائشة ثم يصنع ذلك في يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وفى حديث يحيى بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمر وعبد الرحمن بن عبد القارى عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويثبت كل ذلك سنة وصنع ذلك القاسم وسالم وجميع التابعين بالمدينة وعطاء وطاوس ومجاهد بمكة فقبلوا الخبر عن جابر وحده عن النبي عليه السلام وعن ابن عباس وحده عن النبي وثبتوه سنة وصنع ذلك الشعبى فقبل خبر عروة بن مضرس عن النبي وثبته سنة وكذلك قبل خبر غيره وصنع ذلك إبراهيم النخعي فقبل خبر علقمة عن عبد الله عن النبي وثبته سنة وكذلك خبر غيره وصنع ذلك الحسن وابن سيرين فيمن لقيا لا أعلم أحدا منهم إلا وقد روى هذا عنه فيما لو ذكرت بعضه لطال. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أنبأنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب نهى عن الطيب قبل زيارة البيت وبعد الجمرة قال سالم فقالت عائشة طيبت رسول الله بيدى لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وسنة رسول الله أحق (قال الشافعي) فترك سالم قول جده عمر في إمامته وقبل خبر عائشة وحدها وأعلم من حدثه أن خبرها وحدها سنة وأن سنة رسول الله أحق وذلك الذى يجب عليه وصنع ذلك الذين بعد التابعين المتقدمين مثل ابن شهاب ويحيى بن سعيد وعمرو بن دينار وغيرهم والذين لقيناهم كلهم يثبت خبر واحد عن واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم ويجعله سنة حمد من تبعها وعاب من خالفها فحكيت عامة معاني ما كتبت في صدر كتابي هذا العدد من المتقدمين في العلم بالكتاب والسنة واختلاف الناس والقياس والمعقول فما خالف منهم واحد واحدا وقالوا هذا مذهب أهل العلم من أصحاب رسول الله والتابعين وتابعي التابعين ومذهبنا فمن فارق هذا المذهب كان عندنا مفارقا سبيل أصحاب رسول الله وأهل العلم بعدهم إلى اليوم وكان من أهل الجهالة وقالوا معا لا نرى إلا إجماع أهل العلم في البلدان على تجهيل من خالف هذا السبيل وجاوزوا أو أكثرهم فيمن يخالف هذا السبيل إلى مالا أبالى أن لا أحكيه وقلت لعدد ممن وصفت من أهل العلم فإن من هذه الطبقة الذين خالفوا أصل مذهبنا ومذهبكم من قال (1) إن خلافنا لما زعمتم في القرآن والحديث يأمر بأن لنا فيه حجة على أن القرآن عربي والاحاديث بكلام عربي فأتأول كلا على ما يحتمل اللسان ولا أخرج مما يحتمله اللسان وإذا تأولته على ما يحتمله اللسان فلست أخالفه فقلت القرآن عربي كما وصفت والاحكام فيه على ظاهرها وعمومها ليس لاحد أن يحيل منها ظاهرا إلى باطن ولا عاما إلى خاص إلا بدلالة من كتاب الله فإن لم تكن فسنة رسول الله تدل على أنه خاص دون عام أو باطن دون ظاهر أو إجماع من عامة العلماء الذين لا يجهلون كلهم كتابا ولا سنة وهكذا السنة، ولو جاز في الحديث أن يحال (1) قوله: إن خلافنا لما زعمتم إلى قوله فأتأول الخ كذا في النسخ ولعل مراده أن خلافنا لما زعمتم من القرآن أن علينا فيه حجة فالقرآن والسنة كلام عربي فأتأول الخ. تأمل. (*)
[ 481 ]
شئ منه عن ظاهره إلى معنى باطن يحتمله كان أكثر الحديث يحتمل عددا من المعاني ولا يكون لاحد ذهب إلى معنى منها حجة على أحد ذهب إلى معنى غيره ولكن الحق فيها واحد لانها على ظاهرها وعمومها إلا بدلالة عن رسول الله أو قول عامة أهل العلم بأنها على خاص دون عام وباطن دون ظاهر إذا كانت إذا صرفت إليه عن ظاهرها محتملة للدخول في معناه (قال) وسمعت عددا من متقدمي أصحابنا وبلغني عن عدد من متقدمي أهل البلدان في الفقه معنى هذا القول لا يخالفه وقال لى بعض أهل العلم في هذا الاصل إنما اختلفوا في الرجال الذين يثبتون حديثهم ولا يثبتونه في التأويل فقلت له هل يعد وحديث كل رجل منهم حدث عنه لا يخالفه غيره أن يثبت من جهة صدقه وحفظه كما يثبت عندك عدل الشاهد بعدله إلا بدلالة على ما شهد عليه إلا عدل نفسه أو لا يثبت قال لا يعدو هذا قلت فإذا ثبت حديثه مرة لم يجز أن نطرحه أخرى بحال أبدا إلا بما يدل على نسخه أو غلط فيه لانه لا يعدو في طرحه فيما يثبته في مثله أن يخطئ في الطرح أو التثبيت قال لا يجوز غير هذا أبدا وهذا العدل قلت وهكذا كل من فوقه ممن في الحديث لانك تحتاج في كل واحد منهم إلى صدق وحفظ قال أجل فقلت وهكذا تصنع في الشهود ولا تقبل شهادة رجل في شئ وتردها في مثله ؟ قال أجل وقلت له لو صرت إلى غير هذا قال لك من خالفك مذهبه من أهل الكلام إذا جاز لك رد حديث واحد وسمى رجلا ورجالا فوقه بلا حجة في رده جاز لى رد جميع حديثه لان الحجة يصدقه أو تهمته بلا دلالة في واحد الحجة في جميع حديثه ما لم يختلف حاله في حديثه واختلافها أن يحدث مرة مالا مخالف له فيه ومرة ماله فيه مخالف فإذا كان هذا هكذا اختلفت حاله في حديثه بخلاف غيره له ممن هو في مثل حاله في حديثه كما تقبل شهادة الشهود ويقضى بما شهدوا به على الكمال فإذا خالفهم غيرهم حال الحكم بخلاف غيرهم لهم عنه إذا كانوا شهدوا غير مخالفين لهم في الشهادة فقال من قلت له هذا من أهل العلم هذا هكذا وقلت لبعضهم ولو جاز لك غير ما وصفت جاز لغيرك عليك أن يقول أجعل نفسي بالخيار فأرد من حديثه ما قبلت وأقبل من حديثه ما رددت بلا اختلاف لحاله في حديثه وأسلك في ردها طريقك فيكون لى ردها كلها لانك قد رددت منها ما شئت فشئت أن ردها كلها وطلب العلم من غير الحديث ثم اعتل فيها بمعنى علتك ثم لعله أن يكون ألحن بحجته منك قال ما يجوز هذأ لاحد من الناس وما القول فيه إلا أن يقبل حديثهم كما وصفت أولا ما لم يكن له مخالف أو يختلف حالهم فيه وقلت له والحجة على من تأول بلا دلالة كتابا أو سنة على غير ظاهرهما وعمومهما وإن احتملا الحجة لك على من خالف مذهبك في تأويل القرآن والحديث فقال ما سمعنا منهم أحدا تأول شيئا إلا على ما يحتمله احتمالا جائزا في لسان العرب وإن كان ظاهره على غير ما تأوله عليه لسعة لسان العرب وبذلك صار من صار منهم إلى استحلال ما كرهنا نحن وأنت استحلاله وجهل ما كرهنا لهم جهله قال أجل وقلت له قد روينا ورويت أن رسول الله أمر امرأة أن تحج عن أبيها ورجلا أن يحج عن أبيه فقلنا نحن وأنت به وقلنا نحن وأنت معا لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد فذهب بعض أصحابنا إلى أن ابن عمر قال لا يحج أحد عن أحد أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه فقال الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم فلا يجوز أن يعمله المرء إلا عن نفسه وتأول قول الله عزوجل " وأن ليس للانسسان إلا ما سعى " وتأول " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقال السعي العمل والمحجوج عنه غير عامل فهل الحجة عليه إلا أن الذى روى هذا الحديث عن رسول الله ممن يثبت أهل الحديث حديثه وأن الله فرض طاعة رسوله وأن ليس لاحد خلافه ولا التأول معه لانه المنزل (م 8 72)
[ 482 ]
عليه الكتاب المبين عن الله معناه وأن الله جل ثناؤه يعطى خلقه بفضله ما ليس لهم وأن ليس في أحد من أصحاب النبي لو قال بخلافه حجة وأن عليه أن لو علم هذا عن رسول الله اتباعه قال هذه الحجة عليه قلت وروينا ورويت أن رسول الله قال " من أعمر عمرى له ولعقبه فهى للذى يعطاها " فأخذنا نحن وأنت به وخالفنا بعض أهل ناحيتنا أفرأيت إن احتج له أحد فقال قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " المسلمون على شروطهم فلا يؤخذ مال رجل إلا بما شرط أهل الحجة عليه " إلا أن قول النبي صلى الله عليه وسلم إن كان قاله المسلمون على شروطهم جملة فلا يرد بالجملة نص خبر عن رسول الله فلا ترد الجملة نص خبر يخرج من الجملة ويستدل على أن الجملة على غير ما أراد رسول الله مما يخالف جملتها وأن في الحديث الذى روى عن النبي " المسلمون على شروطهم " أن قال " النبي إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " وهذا من تلك الشروط وقد شرط أهل بريرة على عائشة أن تعتق بريرة ولهم ولاء بريرة فجعل النبي الولاء لمن أعتق قال فهذه الحجة عليه وكفى بهذه حجة وقلت فإن احتج بأن القاسم بن محمد قال في العمرى " ما أدركت الناس إلا على شروطهم " قال هذا مذهب ضعيف ولا حجة في أحد خالف ما نثبته عن رسول الله بحال وذكرت له بعض ما روينا ورووا من الحديث وخالفه بعض أهل ناحيتنا فاحتججت عليه بمعان شبيهة بما وصفت واحتج بنحو ما ذكرت فقلت له فما قلت فيمن قال هذا من أهل ناحيتنا قال قلت إنه خالف السنن فيما ذكرنا وكان أقل عذرا لما خالف فيها من الذين أصل دينهم طرح الحديث ولم يدخل أهل الرد للحديث في معنى إلا دخل فيما خالف منه في مثله بل هم أحسن حجة فيما خالفوه منه وتوجيها له منه فقلت له فإذا كانت لنا ولك بهذه الحجة على من سلك هذه السبيل فهى عليك إذا سلكت في غير هذه الاحاديث طريقه فإذا حمدتك باتباع حديث لرسول الله ذممتك على رد آخر مثله ولا يجوز أن أحمدك بموافقة الحديث وخلافه لانك لا تخلو من الخطأ في أحدهما قال أجل وقلت له قد روى أصحابنا أن النبي قال " من وجد عين ماله عند معدم فهو أحق به " وقالوا وقلنا به وخالفته وروى أصحابنا أن النبي قضى باليمين مع الشاهد وقلنا وقالوا به وخالفته وذكرت له أحاديث خالفها أخذ بها أصحابنا وذكرت من الحجة عليه في تركها شبيها بما ذكرت له عن بعض أصحابنا فيما أخذنا نحن وهو به من الحديث وخالفوه وإن كنت أعلم أنه ألحن بحجته ممن أخذ من أصحابنا من الحديث بما خالفه قال فحديث التفليس وحديث اليمين مع الشاهد أضعف من حديث العمرى وحديث أن يحج أحد عن غيره قلت أما هما مما نثبت نحن وأنت مثله قال بلى قلت فالحجة بهما لازمة ولو كان غيرهما أقوى منهما كما تكون الحجة لازمة لنا بشهادة رجلين من خير الناس وشهادة رجلين حين خرجا من أن يكونا مجروحين وكما تكون الحجة لنا بأن نقضى بشهادة مائة عدول غاية وشهادة اثنين عدلين وكلاهما دون جميع الغاية في العدل وإن كانت النفس على الاعدل وعلى الاكثر أطيب فالحجة بالاقل إذا كان علينا قبوله ثابتة وقلت له قد شهد عليك أصحابنا الحجازيون وعلى من ذهب مذهبك في رد هذين الحديثين وفيما رددت مما أخذوا به من الحديث أنكم تركتم السنن وابتدعتم خلافها ولعلهم قالوا فيكم ما أحب الكف عن ذكره لافراطه وشهدت على من خالفك منهم فيما أخذت به من حديث حج الرجل عن غيره والعمرى بالبدعة وخلاف السنة ورداهم ضعف العقول فاجتمع قولك وقولهم على أن عابوك بما خالفت من الحديث وعبتهم بما خالفوا منه وعامة ما خالفت وخالفوا حديث رجل واحد أو اثنين ولا يحوز عليك ولا عليهم إذأ عاب كل واحد منكم صاحبه بما خالفه من حديث الانفراد إلا أن يكون العائب لغيره بخلاف حديث الانفراد مصيبا فيكون شاهدا على نفسه بالخطأ في تركه ما يثبت مثله من حديث الانفراد أو مخطئا بعيبه ترك حديث الانفراد فيكون مخطئا في أخذه في بعض الحالات بحديث الانفراد وعيب من خالفه وقلت له وهكذا
[ 483 ]
قال البصريون فيما أخذوا به من الحديث دونكم ودون غيركم والكوفيون سواكم فيما أخذوا به من الحديث دونكم ودون غيركم فنسبوا من خالف حديثا أخذوا به عن رسول الله إلى الجهل إذا جهله وقالوا كان عليه أن يتعلمه وإلى البدعة إذا عرفه فتركه وهكذا كل أهل بلد فيها علم فوجدت أقاويل من حفظت عنه من أهل الفقخه كلها مجتمعة على عيب من خالف الحديث المنفرد فلو لم يكن في تثبيت الحديث المنفر إلا ما وصفت من هذا كان تثبيته من أقوى حجة في طريق الخاصة لتتابع أهل العلم من أهل البلدان عليها وقلت له سمعت من أهل الكلام من يسرف و يحتج في عيب من خالفه منكم بأن يأخذ من خالفه منكم بحديث ويترك مثله لان ذلك عنده داخل في معناه وذلك كما قال فقال هذا كما وصفت والحجة بهذا ثابتة لكل من صحح الاخذ بالحديث ولم يخالفه على من أخذ ببعض وترك بعضا ولكن من أصحابنا من ذهب إلى شئ من التأويل فما الحجة عليه ؟ قلت فسنذكر من التأويل إن شاء الله ما يدل على أن الحجة فيه وما سلك فيه سالك طريقا خالف الحق عندنا كان أشبه أن يشتبه على كل من يسمعه منك من أصحابك لانكم قلتم ولكم علم بمذاهب الناس وبيان العقول وكلمته وغيره ممن سلك طريقه فيما تأولوا ورأيتهم غلطوا فيه وخلطوا بوجوه شتى أمثل مما حضرني منها مثالا يدل على ما رواءها إن شاء الله ونسال الله العصمة والتوفيق (قال الشافعي) أبان الله جل ثناؤه لخلقه أنه أنزل كتابه بلسان نبيه وهو لسان قومه العرب فخاطبهم بلسانهم على ما يعرفون من معاني كلامهم وكانوا يعرفون من معاني كلامهم أنهم يلفظون بالشئ عاما يريدون به العام وعاما يريدون به الخاص ثم دلهم على ما أراد من ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه وأبان لهم أن ما قبلوا عن نبيه فعنه جل ثناؤه قبلوا بما فرض من طاعة رسوله في غير موضع من كتابه منها " من يطع الرسول فقد أطاع الله " وقوله " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " قال وقد اختصرت من تمثيل ما يدل الكتاب على أنه نزل من الاحكام عاما أريد به العام وكتبته في كتاب غير هذا وهو الظاهر من علم القرآن وكتبت معه غيره مما أنزل عاما يراد الخاص وكتبت في هذا الكتاب مما نزل عام الظاهر ما دل الكتاب على أن الله أراد به الخاص لابانة الحجة على من تأول ما رأيناه مخالفا فيه طريق من رضينا مذهبه من أهل العلم بالكتاب والسنة من ذلك قال الله جل ثناؤه " فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " الآية وقال " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " فكان ظاهر مخرج هذا عاما على كل مشرك فأنزل الله " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " فدل أمر الله جل ثناؤه بقتال المشركين من أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية على أنه إنما أراد بالآيتين اللتين أمر فيهما بقتال المشركين حيث وجدوا حتى يقيموا الصلاة وأن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله من خالف أهل الكتاب من المشركين وكذلك دلت سنة رسول الله على قتال أهل الاوثان حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية فهذا من العام الذى دل الله على أنه إنما أراد به الخاص لا أن واحدة من الآيتين ناسخة للاخرى لان لاعمالهما معا وجها بأن كان كل أهل الشرك صنفين صنف أهل الكتاب وصنف غير أهل الكتاب ولهذا في القرآن نظائر وفى السنن مثل هذا قال والناسخ. من القرآن الامر ينزله الله من بعد الامر يخالفه كما حول القبلة قال " فلنولينك قبلة ترضاها " وقال " سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها " وأشباه له كثيرة في غير موضع قال ولا ينسخ كتاب الله إلا كتابه لقول الله " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها " وقوله " وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما
[ 484 ]
أنت مفتر " فأبان أن نسخ القرآن لا يكون إلا بقرآن مثله وأبان الله جل ثناؤه أنه فرض على رسوله اتباع أمره فقال " اتبع ما أوحى إليك من ربك " وشهد له باتباعه فقال جل ثناؤه " وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم * صراط الله " فأعلم الله خلقه أنه يهديهم إلى صراطه قال فتقام سنة رسول الله مع كتاب لله جل ثناؤه مقام البيان عن الله عدد فرضه كبيان ما أراد بما أنزل عاما العام أراد به أو الخاص وما أنزل فرضا وأدبا وإباحة وإرشادا إلا أن شيئا من سنة رسول الله يخالف كتاب الله في حال لان الله جل ثناؤه قد أعلم خلقه أن رسوله يهدى إلى صراط مستقيم صراط الله ولا أن شيئا من سنن رسول الله ناسخ لكتاب الله لانه قد أعلم خلقه أنه إنما ينسخ القرآن بقرآن مثله والسنة تبع للقرآن وقد اختصرت من إبانة السنة عن كتاب الله بعض ما حضرني مما يدل على مثل معناه إن شاء الله قال الله جل ثناؤه " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فدل رسول الله على عدد الصلاة ومواقيتها والعمل بها وفيها ودل عليه أنها على العامة الاحرار والمماليك من الرجال والنساء إلا الحيض فأبان منها المعاني التى وصفت وأنها مرفوعة عن الحيض وقال الله جل ثناؤه " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم " الآية وكان ظاهر محرج الآية على أن على كل قائم إلى الصلاة الوضوء فدل رسول الله على أن فرض الوضوء على القائمين إلى الصلاة في حال دون حال لانه صلى صلاتين وصلوات بوضوء واحدة وقد قام إلى كل واحد منهن وذهب أهل العلم بالقرآن إلى أنها على القائمين من النوم ودل رسول الله على أشياء توجب الوضوء على من قام إلى الصلاة وذكر الله غسل القدمين فمسح رسول الله على الخفين فدل على أن الغسل على القدمين على بعض المتوضئين دون بعض وقال الله جل ثناؤه لنبيه " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " وقال " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فكان ظاهر مخرج الآية بالزكاة عاما يراد به الخاص بدلالة سنة رسول الله على أن من أموالهم ما ليس فيه زكاة وأن منها مما فيه الزكاة ما لا يجب فيه الزكاة حتى يبلغ وزنا أو كيلا أو عددا فإذا بلغه كانت فيه الزكاة ثم دل على أن من الزكاة شيئا يؤخذ بعدد وشيئا يؤخذ بكيل وشيئا يؤخذ بوزن وأن منها ما زكاته خمس وعشر وربع عشر وشئ بعدد وقال الله " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم على مواقيت الحج وما يدخل به فيه وما يخرج به منه وما يعمل فيه بين الدخول والخروج وقال الله جل ثناؤه " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " وقال " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وكان مخرج هذا عاما فدل رسول الله على أن الله جل ثناؤه أراد بهذا بعض السارقين بقوله " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " ورجم الحرين الزانيين الثيبين ولم يجلدهما فدلت السنة على أن القطع على بعض السراق دون بعض والجلد على بعض الزناة دون بعض فقد يكون سارقا من غير حرز فلا يقطع وسارقا لا تبلغ سرقته ربع دينار فلا يقطع ويكون زانيا ثيبا فلا يجلد مائة فوجب على كل عالم أن لا يشك أن سنة رسول الله إذا قامت هذا المقام مع كتاب الله في أن الله أحكم فرضه بكتابه وبين كيف ما فرض على لسان نبيه وأبان على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما أراد به العام والخاص كانت كذلك سنته في كل موضع لا تختلف وأن قول من قال تعرض السنة على القرآن فإن وافقت ظاهره وإلا استعملنا ظاهر القرآن وتركنا الحديث جهل لما وصفت فأبان الله لنا أن سنن رسوله فرض علينا بأن ننتهي إليها لا أن لنا معها من الامر شيئا إلا التسليم لها واتباعها ولا أنها تعرض على قياس ولا على شئ غيرها وأن كل ما سواها من قول الآدميين تبع لها قال فذكرت ما قلت من هذا لعدد من أهل العلم بالقرآن والسنن والآثار واختلاف الناس والقياس والمعقول فكلهم قال مذهبنا ومذهب جميع من رضينا ممن لقينا وحكى لنا عنه من أهل العلم فقلت لالحن من خبرت منهم عندي بحجة وأكثرهم علما فيما علمت أرأيت إذا زعمنا نحن وأنت أن الحق
[ 485 ]
عندنا في أمر فهل يجوز خلافه ؟ قال لا قلت وحجتنا حجتك على من رد الاحاديث واستعمل ظاهر القرآن فقطع السارق في كل شئ لان اسم السرقة يلزمه وأبطل الرجم لان الله يقول " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " وعلى من استعمل بعض الحديث مع هؤلاء وقال لا يمسح على الخفين لان الله قصد القدمين بغسل أو مسح وعلى آخرين من أهل الفقة أحلوا كل ذى روح لم ينزل تحريمه في القرآن لقول الله " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير " وقالوا قال بما عاقلنا من أصحاب رسول الله من هو أعلم به من أبى ثعلبة فحرمنا كل ذى ناب من السباع بخبر من ثقة عن أبى ثعلبة عن النبي قال نعم هذه حجتنا وكفى بها حجة ولا حجة في أحد مع رسول الله ولا في أحد رد حديث رسول الله بلا حديث مثله عن رسول الله وقد يخفى على العالم برسول الله الشئ من سنته يعلمه من ليس مثله في العلم وهؤلاء وإن أخذوا ببعض الحديث فقد سلكوا في ترك تحريم كل ذى ناب من السباع وترك المسح على الخفين طريق من رد الحديث كله لانهم إذا استعملوا بعض الحديث وتركوا بعضه لا مخالف له عن النبي فقد عطلوا من الحديث ما استعملوا مثله وقلت ولا حجة لهم بتوهين الحديث إذا ذهبوا إلى أنه يخالف ظاهر القرآن وعمومه إذا احتمل القرآن أن يكون خاصا وقولهم لمن قال بالحديث في المسح وتحريم كل ذى ناب من السباع وغيره إذا كان القرآن محتملا لان يكون عاما يراد به الخاص خالفت القرآن ظلم قال نعم قلت ولا تقبل حجتهم بأن أنكر على بن أبى طالب رضى الله عنه المسح على الخفين وابن عباس وعائشة وأبو هريرة وهم أعلم بالحديث وألزم للنبى صلى الله عليه وسلم وأقرب منه وأحفظ عنه وأن بعضهم ذهب إلى أن المسح منسوخ بالقرآن وأنه إنما كان قبل نزول سورة المائدة وإن لم يزل في الناس إلى اليوم من يقول بقولهم قال لا أقبل من هذا شيئا وليس في أحد رد خبرا عن رسول الله بلا خبر عنه حجة قلت له وإنما كانت الحجة في الرد لو أوردوا أن رسول الله مسح ثم قال بعد مسحه لا تمسحوا قال نعم قلت ولا يقبل أن يقال لهم إذا قال قائلهم لم يمسح النبي بعد المائدة فإنما قاله بعلم أن المسح منسوخ قال ولا قلت وكذلك لا يجوز أن يقبل قول من قال أن النبي لم يمسح بعد المائدة إذا لم يرو وذلك عن النبي قلت له ويجوز أن ينسخ القرآن السنة إلا أحدث رسول الله سنة تنسخها قال أما هذا فأحب أن تبينه لى قلت أرأيت لو جاز أن يكون رسول الله سن فتلزمنا سنته ثم نسخ الله سنته بالقرآن ولا يحدث النبي مع القرآن سنة تدل على أن سنته الاولى منسوخة ألا يجوز أن يقال إنما حرم رسول الله ما حرم من البيوع قبل نزول قول الله " وأحل الله البيع وحرم الربا " وقوله " إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " أو ما جاز أن يقال إنما حرم رسول الله أن تنكح المرأة على عمتها وخالتها قبل نزول قول الله " حرمت عليكم أمهاتكم " الآية وقوله " وأحل لكم ما وراء ذلكم " فلا بأس بكل بيع عن تراض والجمع بين بين العمة والخالة وإنما حرم كل ذى ناب من السباع قبل نزول " قل لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه " الآية فلا بأس بأكل كل ذى روح ما خلا الآدميين ثم جاز هذا في المسح على الخفين وجاز أن تؤخذ الصدقة فيما دون خمسة أوسق لقول الله " خذ من أموالهم صدقة " وهذا دون خمسة أوسق من أموالهم وذكرت له في هذا شيئا أكثر من هذا فقال ما يجوز أن ينسخ السنة القرآن إلا ومع القرآن سنة تبين إن الاولى منسوخة وإلا دخل هذا كله وكان فيه تعطيل الاحاديث قلت وكذلك لا يجوز أن يقبل قول من قال إن النبي لم يمسح على الخفين بعد المائدة إذا لم يرو ذلك خبرا عن النبي لانه إنما قاله على علمه وقد يعلم غيره انه مسح بعدها ولا يرد عليه قول غيره لم يمسح بعدها إذ لم يروه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لان هذا لو جاز أن يقال لا يقبل أبدا أن رسول الله قال شيئا مثل هذا إلا بأن يقال قال رسول الله ويجعل
[ 486 ]
القول قول صاحبه دون قول النبي ولا نجعل في قوله حجة وإن وافق ظاهر القرآن إذا لم يعزه إلى النبي بخبر يخالفه قال نعم قلت إن هذا لو جاز جاز أن يقال أن النبي إنما قال " تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا " ورجم الثيبين ثم نزل " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ونزل " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " فنسخ رجمه بالجلد ودلالة أن لا يقطع إلا من سرق من حرزما يبلغ ربع دينار قال نعم، وقلت له ولا يجوز إذا ذكر الحديث عن النبي عليه السلام أبو سعيد أو ابن عمر أو رجل من أصحاب النبي فقضى رجل من أصحاب النبي المتقدمى الصحبة بخلاف ماروى أحد هؤلاء عن النبي إلا أن يؤخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم (1) قال بخبر صادق عنه وعلمي بأن الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بخبر صادق عنه لعله من التابعين وخبر صاحب النبي أولى بأن يثبت من خبر تابعي أو أن يستويا في أن يثبتا فإذا استويا علم بأن النبي قال أو أن رجلا من أصحابه قال ولا يسع مسلما أن يشك في أن الفرض اتباع قول النبي وطرح كل ما خالفه كما صنع الناس بقول عمر في تفضيل بعض الاصابع على بعض وكما صنع عمر بقول نفسه إذ كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئا حتى وجد ووجدوا خلافه عن النبي قال نعم هذا هكذا ولا يسع مسلما أن يشك في هذا قلت ولا يقال لا يعزب عن عمر العلم يعلمه من ليست له صحبة ولا عن الاكثر من أصحاب النبي قال لا لانا قد وجدناه عزب قلت له أعطيت عندنا بجملة هذا القول النصفة ولزمتك الحجة مع جماعة أهل العلم ومنفردا بما علمت من هذا وعلمت بموضع الحجة وأن كثيرا قد غلط من هذا الوجه بالجهالة بكثير مما يلزمه من العلم فيه قال أجل قلت فقد وجدت لك أقاويل توافق هذا فحمدتها وأقاويل تخالف هذا فلا يجوز أن أحمدك على خلاف ما حمدتك عليه ولا يجوز لك إلا أن تنتقل عما أقمت عليه من خلاف ما زعمت الحق فيه قال ذلك الواجب على فهل تعلم شيئا أقمت عليه من خلاف هذا ؟ قلت نعم حديثا لرسول الله تركته بأضعف من حجة من احتججت له في رد المسح على الخفين وغيره قال فاذكر من ذلك شيئا قلت له قلنا إن رسول الله قضى باليمين مع الشاهد فرددتها وما رأيتك جمعت حجتك على شئ كجمعكها على من قال بها وسلكت سبيل من رد خبر المنقرد عن رسول الله بتأول القرآن ونسبت من قال بها إلى خلاف القرآن وليس فيها من خلاف القرآن شئ ولا في شئ يثبت عن النبي وإنما ثبت الشهادة على غيرك بالخطأ فيما وصفت من رد المسح وكل ذى ناب من السباع بمثل ما رددت به اليمين مع الشاهد بل حجتك فيها أضعف فقال بعض من حضره قد علمنا أن لا حجة له فيما احتج به من القرآن ورد اليمين مع الشاهد إلا أن لا يكون له حجة على من ترك المسح على الخفين وأحل أكل كل ذى ناب من السباع وقطع كل من لزمه اسم سرقة وعطل الرجم إن كان من حدث بها ممن يثبت أهل الحديث حديثه أو حديث مثله بصحة إسناده واتصاله بها وقال هو وهم ولكنها رويت فيما علمنا من حديث منقطع ونحن لا نثبته فقلت له فقد كانت لك كفاية تصدق بها وتنصف وتكون لك الحجة في ردها لو قلت أنها رويت من حديث منقطع لانا وإياك وأهل الحديث لا نثبت حديثا منقطعا بنفسه بحال فكيف خبرت بأنها خلاف القرآن فزعمت أنك تردها إن حكم بها حاكم وأنت لا ترد حكم حاكم برأيه وإن رأيته أنت جورا قال فدع هذا فقلت نعم بعد علم بأنك أغفلت أو عمدت أنك تشنع على غيرك بما تعلم أن ليست لك عليه فيه حجة وهذا طريق غفلة أو ظلم قال فهل تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد متصل فإنما عرفنا فيها حديثا منقطعا وحديثا يروى عن سهيل بن أبى صالح متصلا فينكره سهيل ويرويه رجل ليس بالحافظ فيحتمل له مثل هذا قلت ما أخذنا باليمين مع الشاهد من واحد من هذين لكن عندنا فيها حديث متصل عن النبي يتأمل هذا المقام. (*)
[ 487 ]
صلى الله عليه وسلم قال فاذكره قلت أخبرنا عبد الله بن الحرث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو ابن دينار عن ابن عباس أن النبي قضى باليمين مع الشاهد وأخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ ابن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي مثله قال ما سمعته قبل ذكرك الآن قلت أنثبت نحن وأنت مثله ؟ قال نعم قلت فلزمك أن ترجع إليه قال فأردها من وجه آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " البينة على من ادعى واليمين على المدعى عليه " وقد كتبت هذا في الاحاديث الجمل والمفسرة وكلمته فيه بما علم من حضر بأنه لم يحتج فيه بشئ وقد وصفت في كتابي هذا المواضع التى غلط فيها بعض من عجل بالكلام في العلم قبل خبرته وأسأل الله التوفيق والحديث عن رسول الله كلام عربي ما كان منه عام المخرج عن رسول الله كما وصفت في القرآن يخرج عاما وهو يراد به العام ويخرج عاما وهو يراد به الخاص والحديث عن رسول الله على عمومه وظهوره حتى تأتى دلالة عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أراد به خاصا دون عام ويكون الحديث العام المخرج محتملا معنى الخصوص بقول عوام أهل العلم فيه أو من حمل الحديث سماعا عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى يدل على أن رسول الله أراد به خاصا دون عام ولا يجعل الحديث العام المخرج عن رسول الله خاصا بغير دلالة ممن لم يحمله ويسمعه لانه يمكن فيهم جملة أن لا يكونوا علموه ولا بقول خاصة لانه يمكن فيهم جهله ولا يمكن فيمن علمه وسمعه ولا في العامة جهل ما سمع وجاء عن رسول الله وكذلك لا يحتمل الحديث زيادة ليست فيه دلالة بها عليه وكلما احتمل حديثان أن يستعملا معا استعملا معا ولم يعطل واحد منها الآخر كما وصفت في أمر الله بقتال المشركين حتى يؤمنوا وما أمر به من قتال أهل الكتاب من المشركين حتى يعطوا الجزية وفى الحديث ناسخ ومنسوخ: كما وصفت في القبلة المنسوخة باستقبال المسجد الحرام فإذا لم يحتمل الحديثان إلا الاختلاف كما اختلفت القبلة نحو بيت المقدس والبيت الحرام كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا ولا يستدل على الناسخ والمنسوخ إلا بخبر عن رسول الله (1) أو بقول أو بوقت يدل على أن أحدهما بعد الآخر فيعلم أن الآخر هو الناسخ أو بقول من سمع الحديث أو العامة كما وصفت أو بوجه آخر لا يبين فيه الناسخ والمنسوخ وقد كتبته في كتابي وما ينسب إلى الاختلاف من الاحاديث ناسخ ومنسوخ فيصار إلى الناسخ دون المنسوخ ومنها ما يكون اختلافا في الفعل من جهة أن الامرين مباحان كاختلاف القيام والقعود وكلاهما مباح ومنها ما يختلف ومنها ما لا يخلوا من أن يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى كتاب الله أو أشبه بمعنى سنن النبي صلى الله عليه وسلم مما سوى الحديثين المختلفين أو أشبه بالقياس فأى الاحاديث المختلفة كان هذا فهو أولاهما عندنا أن يصار إليه ومنها ما عده بعض من ينظر في العلم مختلفا بأن الفعل فيه اختلف أو لم يختلف الفعل فيه إلا باختلاف حكمه أو اختلف الفعل فيه بأنه مباح فيشبه أن يعمل به بأنه القائل به ومنها ما جاء جملة وآخر مفسرا وإذا جعلت الجملة على أنها عامة عليه رويت بخلاف المفسر وليس هذا اختلافا إنما هذا مما وصفت من سعة لسان العرب وأنها تنطق بالشئ منه عاما تريد به الخاص وهذان يستعملان معا وقد أوضحت من كل صنف من هذا ما يدل على ما في مثل معناه إن شاء الله وجماع هذا أن لا يقبل إلا حديث ثابت كما لا يقبل من الشهود إلا من عرف عدله فإذا كان الحديث مجهولا أو مرغوبا عمن حمله كان كما لم يأت لانه ليس بثابت. (1) لعله زائدة من الناسخ. (*)
[ 488 ]
باب الاختلاف من جهة المباح حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضأ وجهه ويديه ومسح برأسه مرة مرة. أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان بن عفان أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا. أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عمرو بن يحيى المازنى عن أبيه أنه سمع رجلا يسأل عبد الله ابن زيد هل تستطيع أن ترينى كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ؟ فدعا بماء ثم ذكر أنه غسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين مرتين ومسح رأسه وغسل رجليه (قال الشافعي) ولا يقال لشئ من هذه الاحاديث مختلف مطلقا ولكن الفعل فيها يختلف من وجه أنه مباح لا اختلاف الحلال والحرام والامر والنهى ولكن يقال أقل ما يجزى من الوضوء مرة وأكمل ما يكون من الوضوء ثلاثا. أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الله بن نافع عن داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أسامة بن زيد عن بلال أن رسول الله توضأ ومسح على الخفين (قال الشافعي) ولا يقال لمسح رسول الله على الخفين خلاف غسل رجليه على المصلى إنما يقال الغسل كمال والمسح رخصة وكمال وأيهما شاء فعل. باب القراءة في الصلاة أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن مسعر عن الوليد بن سريع عن عمرو بن حريث قال سمعت النبي يقرأ في الصبح " والليل إذا عسعس " (قال الشافعي) يعنى يقرأ في الصبح " إذا الشمس كورت " أخبرنا سفيان عن زياد ابن علاقة عن عمه قال سمعت النبي عليه السلام في الصبح يقرأ " والنخل باسقات " (قال الشافعي) يعنى: " ق " أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرنا محمد بن عباد بن جعفر قال أخبرنا أبو سلمة بن سفيان وعبد الله بن عمرو العائذى عن عبد الله بن السائب قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بمكة فاستفتح بسورة " المؤمنين " حتى إذا جاء ذكر موسى وهرون أو ذكر عيسى أخذت النبي سعلة فحذف فركع قال وعبد الله ابن السائب حاضر ذلك (قال الشافعي) وليس نعد شيئا من هذا اخلافا لانه قد صلى الصلوات عمره فيحفظ الرجل قراءته يوما والرجل قراءته يوما غيره وقد أباح الله في القرآن بقراءة ما تيسر منه وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ " بأم القرآن " وما تيسر فدل على أن اللازم في كل ركعة قراءة أم القرآن وفى الركعتين الاوليين ما تيسر معها. باب في التشهد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا الثقة عن الليث بن سعد عن أبى الزبير عن سعيد وطاوس عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن فكان يقول " التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول لله " (قال الربيع) هذا حدثنا به يحيى بن حسان (قال الشافعي) وقد روى أيمن بن نابل بإسناد له عن جابر عن النبي عليه السلام تشهدا يخالف هذا في بعض حروفه وروى البصريون عن أبى موسى
[ 489 ]
عن النبي عليه السلام حديثا يخالفهما في بعض حروفهما وروى الكوفيون عن ابن مسعود في التشهد حديثا يخالفا كلها في بعض حروفها فهى مشتبهة متقاربة واحتمل أن تكون كلها ثابتة وأن يكون رسول الله يعلم الجماعة والمنفردين التشهد فيحفظ أحدهم على لفظ ويحفظ الآخر على لفظ يخالفه لا يختلفان في معنى أنه إنما يريد به تعظيم الله جل ثناؤه وذكره والتشهد والصلاة على النبي فيقر النبي كلا على ما حفظ وإن زاد بعضهم كلمة على بعض أو لفظها بغير لفظه لانه ذكر وقد اختلف بعض أصحاب النبي في بعض لفظ القرآن عند رسول الله ولم يختلفوا في معناه فأقرهم وقال " هكذا أنزل إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه " فما سوى القرآن من الذكر أولى أن يتسع هذا فيه إذا لم يختلف المعنى قال وليس لاحد أن يعمد أن يكف عن قراءة حرف من القرآن إلا بنسيان وهذا في التشهد وفى جميع الذكر أخف وإنما قلنا بالتشهد الذى روى عن ابن عباس لانه أتمها وأن فيه زيادة على بعضها " المباركات ". باب في الوتر حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) وقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر أول الليل وآخره في حديث يثبت مثله وحديث دونه وذلك مما وصفت في المباح له أن يوتر في الليل كله ونحن نبيح في المكتوبة أن يصلى في أول الوقت وآخره وهذا في الوتر أوسع منه. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال أخبرنا أبو يعفور عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله فانتهى وتره إلى السحر. باب سجود القرآن حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ ب " النجم " فسجد وسجد الناس معه إلا رجلين قال أرادا الشهرة. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله ب " النجم " فلم يسجد فيها (قال الشافعي) وفى هذين الحديثين دليل على أن سجود القرآن ليس بحتم ولكنا نحب أن لا يترك لان النبي عليه السلام سجد في " النجم " وترك. حدثنا الربيع بن سليمان (قال الشافعي) وفى " النجم " سجدة ولا أحب أن يدع شيئا من سجود القرآن وإن تركه كرهته له وليس عليه قضاؤه لانه ليس بفرض فإن قال قائل ما الدليل على أنه ليس بفرض ؟ قيل السجود صلاة وقد قال الله تعالى " إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا " فكان الموقوت يحتمل موقوتا بالعدد وموقوتا بالوقت فأبان رسول الله أن الله جل ثناؤه فرض خمس صلوات فقال رجل يا رسول الله هل على غيرها ؟ قال " لا إلا أن تطوع " فلما كان سجود القرآن خارجا من الصلوات المكتوبات كان سنة اختيار وأحب إلينا أن لا يدعه ومن تركه ترك فضلا لا فرضا وإنما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في " النجم " لان فيها سجودا في حديث أبى هريرة (م 8 73)
[ 490 ]
وفى سجود النبي صلى الله عليه وسلم في " النجم " دليل على ما وصفت لان الناس سجدوا معه إلا رجلين والرجلان لا يدعان إن شاء الله الفرض ولو تركاه أمرهما رسول الله بإعادته (قال الشافعي) وأما حديث زيد أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم " النجم " فلم يسجد فهو والله أعلم أن زيدا لم يسجد وهو القارئ فلم يسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن عليه فرضا فيأمره النبي به (حدثنا الربيع) أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلا قرأ عند النبي " السجدة " فسجد فسجد النبي ثم قرأ آخر عنده " السجدة " فلم يسجد فلم يسجد النبي فقال يا رسول الله قرأ فلان عندك " السجدة " فسجدت وقرأت عندك " السجدة " فلم تسجد ؟ فقال النبي عليه السلام " كنت إماما فلو سجدت سجدت معك " (قال الشافعي) إنى لاحسبه زيد ابن ثابت لانه يحكى أنه قرأ عند النبي " النجم " فلم يسجد وإنما روى الحديثين معا عطاء بن يسار قال وأحب أن يبدأ الذى يقرأ " السجدة " فيسجد ويسجدوا معه فإن قال قائل فلعل أحد هذين الحديثين نسخ الآخر قيل فلا يدعى أحد أن السجود في " النجم " منسوخ إلا جاز لغيره أن يدعى أن ترك السجود منسوخ والسجود ناسخ ثم يكون أولى لان السنة السجود لقول الله " فاسجدوا لله واعبدوا " ولا يقال لواحد من هذين ناسخ ولا منسوخ ولكن يقال اختلاف من جهة المباح. باب القصر والاتمام في السفر في الخوف وغير الخوف حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله جل ثناؤه " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة " الآية (قال الشافعي) وكان بينا في كتاب الله أن القصر في السفر في الخوف وغير الخوف معا رخصة من الله لا أن الله فرض أن تقصروا كما كان بينا في كتاب الله أن قوله " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " رخصة لا أن حتما من الله أن يطلقوهن من قبل أن يمسوهن وكما كان بينا في كتاب الله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم " إلى " جميعا أو أشتاتا " رخصة لا أن الله تعالى حتم عليهم أن يأكلوا من بيوتهم ولا من بيوت آبائهم ولا جميعا ولا أشتاتا وإذا كان القصر في الخوف والسفر رخصة من الله كان كذلك القصر في السفر بلا خلاف فمن قصر في الخوف والسفر قصر بكتاب الله ثم بسنة رسول الله ومن قصر في سفر بلا خوف قصر بنص السنة وأن رسول الله أخبر أن الله تصدق بها على عباده فإن قال قائل فأين الدلالة على ما وصفت ؟ قيل أخبرنا مسلم وعبد المجيد بن عبد العزيز عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبى عمار عن عبد الله بن باباه عن يعلى بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب إنما قال الله " أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " فقد أمن الناس فقال عمر عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله فقال " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " فدل رسول الله على أن القصر في السفر بلا خوف صدقة من الله والصدقة رخصة لاحتم من الله أن يقصروا ودلت على أن يقصر في السفر بلا خوف إن شاء المسافر وأن عائشة قالت كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم في السفر وقصر (حدثنا الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب ابن عبد المجيد عن أيوب السختيانى عن محمد بن سيرين عن ابن عباس قال سافر رسول الله من مكة إلى المدينة آمنا لا يخاف إلا الله فصلى ركعتين. حدثنا الربيع حدثنا الشافعي أخبرنا إبراهيم عن أبى يحيى عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن عائشة قالت كل ذلك قد فعل رسول الله أتم في السفر وقصر.
[ 491 ]
(باب الخلاف في ذلك) أخبرنا الربيع قال (قال الشافعي) رضى الله عنه قال لى بعض الناس من أتم في السفر فسدت صلاته لان أصل فرض الصلاة في السفر ركعتان الا أن يجلس قدر التشهد في مثنى فيكون ذلك كالقطع للصلاة أو يدرك مقيما يأتم به في صلاته قبل أن يسلم منها فيتم قال يقال له ما قلت للمسافر أن يتم ولا صححت عليه قولك أن يقصر قال فكيف قلت أرأيت لو كان المسافر إذا صلى أربعا كانت اثنتان منها نافلة أكان له أن يصلى خلف مقيم ؟ لقد كان يلزمك في قولك أن لا يصلى خلف مقيم أبدا إلا فسدت صلاته من وجهين أحدهما أنه خلط عندك نافلة بفريضة والآخر أنك تقول إذا اختلفت نية الامام والمأموم فسدت صلاة المأموم ونية الامام والمأموم مختلفة ههنا في أكبر الاشياء وذلك عدد الصلاة قال إنى أقول إذا دخل خلف المقيم حال فرضه قلت بأنه يصير مقيما أو هو مسافر قال بل هو مسافر قلت فمن أين يحول فرضه ؟ قال قلنا إجماع من الناس أن المسافر إذا صلى خلف مقيم أتم قلت وكان ينبغى أن لو لم يعلم في أن للمسافر أن يتم إن شاء كتابا ولا سنة أن يدلك هذا على أن له أن يتم وقلت له قلت فيه قولا محالا قال وما هو ؟ قلت أرأيت المصلى المقيم إذا جلس في مثنى من صلاته قدر التشهد أيقطع ذلك صلاته ؟ قال لا ولا يقطعها إلا السلام أو الكلام أو العمل الذى يفسد الصلاة قلت فلم زعمت أن المسافر إذا جلس في مثنى قدر التشهد وهو ينوى حين دخل في الصلاة في كل حال أن يصلى اربعا فصلى أربعا تمت صلاته إلا أن الاولتين الفرض والآخرتين نافلة وقد وصلهما قال كان له أن يسلم منهما قلت وقولك كان له يصيره حكم من سلم منهما أو لا يكون في حكمه إلا بالسلام فما علمته زاد على أن قال فأنا أضيق عليه إن قلت تفسد قلت فقد ضيفت إن سها فلم يجلس في مثنى وصلى أربعا فزعمت أن صلاته تفسد لانه يخلط نافلة بفريضة فما علمتك وافقت قولا ماضيا ولا قياسا صحيحا وما زدت على أن اخترعت قولا أحدثته محالا قال فدع هذا ولكن لم تقل أنت إن فرضه ركعتان ؟ قلت أقول له أن يصلى ركعتين بالرخصة لا أن حتما عليه أن يصلى ركعتين في السفر كما قلت في المسح على الخفين له أن يغسل رجليه وله أن يمسح على خفيه قال فكيف قالت عائشة قلت أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر قال الزهري قلت فما شأن عائشة كانت تتم الصلاة ؟ قال إنها تأولت ما تأول عثمان (قال الشافعي) فقال فما تقول في قول عائشة ؟ قلت أقول إن معناه عندي على غير ما أردت بالدلالة عنها قال وما معناه ؟ قلت أن صلاة المسافر أقرت على ركعتين إن شاء قال وما دل على أن هذا معناه عندها قلت إنها أتمت في السفر قال فما قول عروة إنها تأولت ما تأول عثمان ؟ قلت لاأدرى أتأولت أن لها أن تتم وتقصر فاختارت الاتمام وكذلك روت عن النبي وما روت عن النبي وقالت بمثله أولى بها من قول عروة أنها ذهبت إليه لو كان عروة ذهب إلى غير هذا وما أعرف ما ذهب إليه قال فلعله حكاه عنها قتل فما علمته حكاه عنها وإن كان حكاه فقد يقال تأول عثمان أن لا يقصر إلا خائف وما تقف على ما تأول عثمان خبرا صحيحا قال فلعلها تأولت أنها أم المؤمنين قلت لم تزل للمؤمنين أما وهى تقصر ثم أتمت بعد وحالها في أنها أم المؤمنين قبل القصر وبعده سواء وقد قصرت بعد رسول الله وأتمت قال أما إن ليست لى عليك مسألة بأن أصل ما أذهب إليه وتذهب إليه أن ليس في أحد مع رسول الله حجة وإنك تذهب إلى أن فرض القرآن أن القصر رخصة لاحتم وكذلك روايتك في السنة قلت ما خفى على ذلك ولكني أحببت أن تكون على علم من أنى لم أرك سلكت طريقا في صلاة السفر إلا أخطأت في ذلك الطريق فتكون أوهن لجميع قولك قال نقد عاب ابن مسعود على عثمان إتمامه بمنى قلت وقام فصلى بأصحابه في منزله فأتم
[ 492 ]
فقيل له عبت على عثمان الاتمام وأتممت قال الخلاف شرقال نعم قلت وهذا مما وصفت من احتجاجك بما عليك قال وما في هذا مما على ؟ قلت أترى أن ابن مسعود كان يتم وهو يرى الاتمام ليس له ؟ قال ما يجوز أن يكون ابن مسعود أتم إلا والاتمام عنده له وإن اختار القصر ولكن ما معنى عيب ابن مسعود الاتمام قلت له من عاب الاتمام على أن المتم رغب عن الرخصة فهو موضع يجوز له به القول كما نوق فيمن ترك المسح رغبة عن الرخصة ولا نقول ذلك فيمن تركه غير رغبة عنها قال أما إنه قد بلغنا عن بعض أصحاب النبي عليه السلام أنه عاب الاتمام وأتمها عثمان وصلى معه قلت فهذا مثل ما رويت عن ابن مسعود من أن صلاتهم لا تفسد أفترى أنهم في صلاتهم مع عثمان أنهم كانوا لا يجلسون في مثنى ؟ قال ما يجوز هذا عليهم قلت أفتفسد صلاته وصلاتهم بأنهم يعلمون أنه يصلى أربعا وإنما فرضه زعمت ركعتان أو تراهم إذا ائتموا به في الاتمام لوسها فقام يخالفونه فيجلسون في مثنى ويسلمون قال ما يجوز لى أن أقول هذا قلت قد قلته أولا ثم علمت أنه يلزمك فيه هذا فأمسكت عنه وقد اجترأت على قوله أولا وهو خلاف الكتاب والسنة وخلافهما أضيق عليك من خلاف من امتنعت من أن تعطى خلافه قال فتقول ماذا ؟ قلت ما وصفت من أنهم مصيبون بالاتمام بأصل الفرض ومصيبون بالقصر الرخصة كما أقول في كل رخصة وأن لا موضع لعيب الاتمام إلا أن يتم رجل يرغب عن قبول الرخصة. (باب الفطر والصوم في السفر) حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله جل ثناؤه في فرض الصوم " شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " فكان بينا في الآية أنه فرض عليهم عدة فجعل لهم أن يفطروا فيها مرضى ومسافرين ويحصوا حتى يكملوا العدة وأخبر أنه أراد بهم اليسر (قال الشافعي) وكان قول الله " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " يحتمل معنين أحدهما أن لا يجعل عليهم صوم شهر رمضان مرضى ولا مسافرين ويجعل عليهم عددا إذا مضى المرض والسفر من أيام أخر ويحتمل أن يكون إنما أمرهم بالفطر في هاتين الحالتين على الرخصة إن شاءوا لئلا يحرجوا إن فعلوا وكان فرض الصوم والامر بالفطر في المرض والسفر في آية واحدة ولم أعلم مخالفا أن كل آية إنما أنزلت متتابعة لا متفرقة وقد تنزل الآيتان في السورة مفترقتين فأما آية فلا لان معنى الآية أنها كلام واحد غير منقطع يستأنف بعده غيره فلم يختلفوا كما وصفت أن آية لم تنزل إلا معا لا مفترقة فدلت سنة رسول الله على أن أمر الله المريض والمسافر بالفطرإر خاصا لهما لئلا يحرجا ان فعلا (1) لانهما يجزيهما أن يصوما في تينك الحالين شهر رمضان لان الفطر في السفر لو كان غير رخصة لمن أراد الفطر فيه لم يصم رسول الله صلى الله عليه وسلم. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس أن رسول الله خرج عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر فأفطر الناس معه وكانوا يأخذون بالاحدث فالاحداث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمارة بن عزية عن محمد بن عبد الرحمن أن عبد الله بن سعد بن معاذ قال قال جابر بن عبد الله كنا مع رسول الله زمان غزوة تبوك ورسول الله يسير بعد أن أضحى إذا هو بجماعة في ظل شجرة فقال " من هذه الجماعة " ؟ قالوا رجل صائم أجهده الصوم أو كلمة نحو هذه فقال رسول الله " ليس من البر أن تصوموا في السفر " * أخبرنا سفيان عن الزهري عن صفوان بن عبد الله عن أم الدرداء عن كعب بن عاصم الاشعري أن رسول الله قال للصائم في (1) لعله " لا أنهما لا يجزيهما " تأمل. (*)
[ 493 ]
السفر " ليس من البر أن تصوموا في السفر " * أخبرنا مالك عن سمى مولى أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله أن النبي أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال " تقووا للعدو " وصام النبي قال أبو بكر قال الذى حدثنى لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب فوق رأسه الماء من العطش أو من الحر فقيل يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت فلما كان رسول الله بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس * أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس معه فقيل له يا رسول الله إن الناس قد شق عليهم الصيام فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعض الناس وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال " أولئك العصاة " * وفى حديث الثقة غير الدراوردى عن جعفر عن أبيه عن جابر فخرج رسول الله عام الفتح في رمضان إلى مكة فصام وأمر الناس أن يفطروا وقال " تقووا بعددكم على عدوكم " فقيل له إن الناس أبوا أن يفطروا حين صمت فدعا بقدح من ماء فشربه ثم ساق الحديث * أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن حميد عن أنس بن مالك قال سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم * أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمر والاسلمي قال يا رسول الله أصوم في السفر ؟ وكان كثير الصيام فقال رسول الله " إن شئت فصم وإن شئت فأفطر " (قال الشافعي) رحمه الله فقال قائل من أهل الحديث ما تقول في صوم شهر رمضان والواجب غيره والتطوع في السفر والمرض ؟ قلت أحب صوم شهر رمضان في السفر والمرض إن لم يكن يجهد المريض ويزيد في مرضه والمسافر فيخاف منه المرض فلهما معا الرخصة فيه قال فما تقول في قصر الصلاة في السفر وإتمامها ؟ فقلت قصرها في السفر والخوف رخصة في الكتاب والسنة وقصرها في السفر بلا خوف رخصة في السنة أختارها وللمسافر إتمامها فقال أما قصر الصلاة فبين أن الله إنما جعله رخصة لقول الله " وإذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة أن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " فلما كان إنما جعل لهم أن يقصروا خائفين مسافرين فهم إذا قصروا مسافرين بما ذكرت من السنة أولى أن يكون القصر رخصة لا حتما أن يقصروا لان قول الله " فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم إن يفتنكم الذين كفروا " رخصة بينة وظاهر الآية في صوم أن الفطر في المرض والسفر عزم لقول الله " ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر " كيف لم تذهب إلى أن الفطر عزم وأنه لا يجزى شهر رمضان من صام مريضا أو مسافرا مع الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " ليس من البر الصيام في السفر " ومع أن الآخر من أمر رسول الله ترك الصوم وأن عمر أمر رجلا صام في السفر أن يقضى الصيام قال فحكيت له قلت في قول الله " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من من أيام أخر " أنها آية واحدة وأن ليس من أهل العلم بالقرآن أحد يخالف في أن الآية الواحدة كلام واحد وأن الكلام الواحد لا ينزل إلا مجتمعا وإن نزلت الآيتان في السورة مفترقتين لان معنى الآية معنى قطع الكلام قال أجل قلت فإذا صام رسول الله في شهر رمضان وفرض شهر رمضان إنما أنزل في الآية أليس قد علمنا أن الآية بفطر المريض والمسافر رخصة ؟ قال بلى فقلت له ولم يبق شئ يعرض في نفسك إلا الاحاديث ؟ قال نعم ولكن الآخر من أمر رسول الله أليس الفطر قال فقلت له الحديث يبين أن رسول الله لم يفطر لمعنى نسخ الصوم ولا اختبار الفطر على الصوم ألا ترى أنه يأمر الناس بالفطر ويقول " تقووا لعدوكم " ويصوم ثم يخبر بأنهم أو أن بعضهم أبى أن يفطر إذ صام فأفطر ليفطر من تخلف عن الفطر لصومه بفطره كما صنع عام الحديبية فإنه أمر الناس أن ينحروا ويحلقوا فأبوا
[ 494 ]
فانطلق فنحر وحلق ففعلوا قال فما قوله " ليس من البر الصيام في السفر ؟ " قلت قد أتى به جابر مفسرا فذكر أن رجلا أجهده الصوم فلما علم النبي به قال " ليس من البر الصيام في السفر " فاحتمل ليس من البر أن يبلغ هذا رجل بنفسه في فريضة صوم ولا نافلة وقد أرخص الله له وهو صحيح أن يفطر فليس من البر أن يبلغ هذا بنفسه ويحتمل ليس من البر المفروض الذى من خالفه أثم قال فكعب بن عاصم لم يقل هذا قلت كعب روى حرفا واحدا وجابر ساق الحديث وفى صوم النبي دلالة على ما وصفت وكذلك في أمر حمزة بن عمرو إن شاء صام وإن شاء أفطر " وفى قول أنس سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم قال فقد روى سعيد أن النبي قال " خياركم الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا الصلاة " قلت وهذا مثل ما وصفت خياركم الذين يقبلون الرخصة لا يدعونها رغبة عنها لا أن قبول الرخصة حتم يأثم به من تركه قال فما أمر عمر رجلا صام في السفر أن يعيد قلت لا أعرفه عنه وإن عرفته فالحجة ثابتة بما وصفت لك وأصل ما نذهب إليه أن ما ثبت عن رسول الله فالحجة لا زمة للخلق به وعلى الخلق اتباعه وقلت له من أمر المسافر أن يقضى الصوم فمذهبه والله أعلم أنه رأى الآية حتما بفطر المسافر والمريض ومن رآها حتما قال المسافر منهى عن الصوم فإذا صامه كان صيامه منهيا عنه فيعيده كما لو صام يوم العيدين من وجب عليه كفارة وغيرها أعادهما فقد أبنا دلالة السنة أن الآية رخصة لا حتم قال فما قول ابن عباس يؤخذ بالآخر فالآخر من أمر رسول الله ؟ فقلت روى أنه صام وأفطر فقال ابن عباس أو من روى عن ابن عباس هذا برأيه وجاء غيره في الحديث بما لم يأت به من أن فطره كان لامتناع من أمره بالفطر من الفطر حتى أفطر وجاء غيره بما وصفت في حمزة بن عمرو وهذا مما وصفت أن الرجل يسمع الشئ فيتناوله ولا يسمع غيره ولا يمتنع من علم الامرين أن يقول بهما معا. (باب قتل الاسارى والمفاداة بهم والمن عليهم) حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله رجلا من بنى عقيل وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففداه النبي بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف قال وقد روى عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى لا يحضرني ذكر من فوقه في الاسناد أن خيلا للنبى صلى الله عليه وسلم أسرت ثمامة بن أثال الحنفي فأتى به مشركا فربطه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سارية من سوارى المسجد ثلاثا ثم من عليه وهو مشرك فأسلم بعد (قال الشافعي) وأخبرني عدد من أهل العلم من قريش وغيرهم من أهل المغازى أن رسول الله أسر النضر بن الحرث العبدرى يوم بدر وقتله بالبادية أو بين البادية والاثيل صبرا. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأخبرني عدد من أهل العلم أن رسول الله أسر عقبة بن أبى معيط يوم بدر فقتله صبرا وأن رسول الله أسر سهبل بن عمرو وأبا وداعة السهمى وغيرهما ففاداهما بأربعة آلاف أربعة آلاف وفادى بعضهم بأقل وأن رسول الله أسر أبا عزة الجمعى يوم بدر فمن عليه ثم أسره يوم أحد فقتله صبرا (قال الشافعي) فكان فيما وصفت من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن للامام إذا أسر رجلا من المشركين أن يقتل أو أن يمن عليه بلا شئ أو أن يفادى بمال يأخذه منهم أو أن يفادى بأن يطلق منهم على أن يطلق له بعض أسرى الملسمين لا أن بعض هذا ناسخ لبعض ولا مخالف له إلا من جهة إباحته ولا يقال لشئ من الاحكام مختلف مطلقا إلا ما قال حاكم حلال وحاكم حرام فأما ما كان واسعا فيقال هو مباح وكل من صنع فيه شيئا وإن خالف فعل صاحبه فهو فاعل ما يجوز له كما يكون القائم مخالفا للقاعد والماشي مخالفا للقائم وكل ذلك مباح لا أن حتما على الماشي أن يقوم ولا على القائم أن يقعد
[ 495 ]
(باب الماء من الماء) حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا غير واحد من ثقات أهل العلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبى أيوب عن أبى بن كعب قال قلت يا رسول الله إذا جامع أحدنا فأكسل ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ليغسل ما مس المرأة منه وليتوضأ ثم ليصل " (قال الشافعي) وهذا من أثبت إسناد الماء من الماء أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى الاشعري أتى عائشة أم المؤمنين فقال لقد شق على اختلاف أصحاب محمد في أمر إنى لاعظم أن أستقبلك به فقالت ما هو ؟ ما كنت سائلا عنه أمك فسلني عنه فقال لها الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقالت إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل فقال أبو موسى لا أسأل عن هذا أحدا بعدك أبدا. * حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرني إبراهيم بن محمد عن محمد بن يحيى بن زيد بن ثابت عن خارجة بن زيد عن أبيه عن أبى بن كعب أنه كان يقول ليس على من لم ينزل غسل ثم نزع عن ذلك أي قبل أن يموت (قال الشافعي) وإنما بدأت بحديث أبى في قوله " الماء من الماء " ونزوعه أن فيه دلالة على أنه سمع " الماء من الماء " عن النبي ولم يسمع خلافه فقال به ثم لا أحسبه تركه إلا لانه ثبت له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعده ما نسخه * أخبرنا الثقة عن يونس عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي قال بعضهم عن أبى بن كعب ووقفه بعضهم على سهل بن سعد قال كان الماء من الماء في أول الاسلام ثم ترك ذلك بعد وأمروا بالغسل إذا مس الختان الختان * أخبرنا سفيان عن على ابن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى سأل عائشة عن التقاء الختانين فقالت عائشة قال النبي صلى الله عليه وسلم " إذا التقى الختانان أو مس الختان الختان فقد وجب الغسل " * أخبرنا إسمعيل بن إبراهيم قال حدثنا على بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا قعد بين الشعب الاربع ثم ألزق الختان بالختان فقد وجب الغسل " * أخبرنا الثقة عن الاوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أو عن يحيى ابن سعيد عن القاسم عن عائشة قالت إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا وحديث " الماء من الماء " ثابت الاسناد وهو عندنا منسوخ بما حكيت فيجب الغسل من الماء ويجب إذا غيب الرجل ذكره في فرج المرأة حتى يوارى حشفته. (باب الخلاف في أن الغسل لا يجب إلا بخروج الماء) حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض أصحاب الحديث من أهل ناحيتنا وغيرهم فقالوا لا يجب على الرجل إذا بلغ من امرأته ما شاء الغسل حتى يأتي منه الماء الدافق واحتج فيه بحديث أبى بن كعب وغيره مما يوافقه وقال أما قول عائشة فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا فقد يكون تطوعا منهما بالغسل ولم تقل أن النبي عليه السلام قال عليه الغسل (قال الشافعي) فقلت له الاغلب أن عائشة لا تقول إذا مس الختان الختان أو جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل وتقول فعلته أنا ورسول الله فاغتسلنا إلا خبرا عن رسول الله بوجوب الغسل منه قال فيحتمل أن تكون لما رأت النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل اغتسلت ورأته واجبا ولم تسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إيجابه فقلت نعم قال فليس هذا خبرا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقلت الاغلب أنه خبر عنه قال وأما حديث على بن زيد فليس مما يثبته أهل الحديث وهو لا تقوم به الحجة فقلت له فإن أبى بن كعب قد رجع قوله الماء من الماء بعد قوله به عمرا من عمره وهو يشبه أن لا يكون رجع إلا بخير يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن هذا لاقوى فيه من غيره وما هو بالبين وقلت له
[ 496 ]
ما أعلم عندنا من جهة الحديث شيئا أكبر من هذا قال فمن جهة غير الحديث فقلت نعم قال الله جل ثناؤه " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " إلى قوله " حتى تغتسلوا " فكان الذى يعرفه من خوطب بالجنابة من العرب أنها الجماع دون الانزال ولم تختلف العامة أن الزنا الذى يجب به الحد الجماع دون الانزال وأن من غابت حشفته في فرج المرأة وجب عليه الحد وكان الذى يشبه أن الحد لا يجب إلا على من أجنب من حرام وقلت له قد يحتمل أن يقال حديث أبى إذا جامع أحدنا فأكسل أن ينزل أن يقول إذا صار إلى الجماع ولم يغيب حشفته فأكسل فلا يكون حديث الغسل " إذا التقى الختانان " مخالفا له قال أفتقول بهذا ؟ فقلت إن الاغلب أنه إذا بلغ أن يلتقى الختانان ولم ينزل وكذلك والله أعلم الاغلب من قول عائشة فعلته أنا والنبى صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا على إيجاب الغسل لانها توجب الغسل إذا التقى الختانان قال فماذا التقاء الختانين ؟ قلت إذا صار الختان حذو الختان وإن لم يتماسا قال فيقال لهذا التقاء ؟ قلت نعم أرأيت إذا قيل التقى الفارسان أليس إنما يعنى إذا تواقفا فصار أحدهما وجاه الآخر أو اختلفت دوابهما فصار أحد الرجلين وجاه صاحبه ويقال إذا جاوز بدن أحدهما بدن صاحبه قد خلف الفارس ؟ قال بلى قلت ويقال إذا تماسا التقيا لانه أقرب اللقاء وبعض اللقاء أقرب من بعض قال إن الناس ليقولونه قلت وهذا كله صحيح جائز في لسان العرب فإنما يراد بهذا أن تغيب الحشفة في الفرج حتى يصير الختان الذى خلف الحشفة حذو ختان المرأة وإنما يجهل هذا من جهل لسان العرب. (باب التيمم) حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) رضى الله عنه نزلت آية التميم في غزوة بنى المصطلق انحل عقد لعائشة فأقام الناس على التماسه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأنزل الله آية التيمم أخبرنا بذلك عدد من أهل العلم بالمغازي وغيرهم * أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فانقطع عقد لى فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وليس معهم ماء فنزلت آية التيمم * أخبرنا الشافعي قال سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبيد الله بن عتبة عن أبيه أن عمار بن ياسر قال فتيممنا مع رسول الله إلى المناكب (قال الشافعي) ولا أعلم بنص خبر كيف تيمم النبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت آية التيمم * أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبيه عن عمار بن ياسر قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلت آية التميم فتيممنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المناكب (قال الشافعي) فلو كان لا يجوز أن يكون تيمم عمار إلى المناكب إلا بأمر النبي عليه السلام مع التنزيل كان منسوخا لان عمارا أخبر أن هذا أول تيمم كان حين نزلت آية التيمم فكل التيمم كان للنبى صلى الله عليه وسلم بعده مخالفه فهو ناسخ له أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا إبراهيم بن محمد عن أبى الحويرث عبد الرحمن بن معاوية عن الاعرج عن ابن الصمنة قال مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فمسح بجدران ثم يمم وجه وذراعيه (قال الشافعي) وابن الصمة وبنو الصمة معروفون بدريون وأحديون وأهل غناء في الاسلام ومكان منه والاعرج وأبو الحويرث ثقة ولو كان حديث بن الصمة مخالفا حديث عمار بن ياسر غير بين أنه نسخه كان حديث ابن الصمة أولاهما أن يؤخذ به لان الله جل ثناؤه أمر في الوضوء بغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والرجلين ذكر ثم
[ 497 ]
التيمم فعفى جل ثناؤه عن الرأس والرجلين وأمر بأن تيمم الوجه واليدين وكان اسم اليدين يقع على الكفين والذراعين وعلى الذراعين والمرفقين فلم يكن معنى أولى أن يؤخذ به مما فرض الله في الوضوء من غسل الذراعين والمرفقين لان التيمم بدل من الوضوء والبدل إنما يؤتى به على ما يؤتى به في المبدل عنه (قال الشافعي) وروى عن عمار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن ييمم وجهه وكفيه قال فلا يجوز على عمار إذا كان ذكر تيممهم مع النبي عند نزول الآية إلى المناكب إن كان عن أمر النبي إلا أنه منسوخ عنده إذ روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتيمم على الوجه والكفين أو يكون لم يرو عنه إلا تيمما واحدا فاختلفت روايته عنه فتكون رواية ابن الصمة التى لم تختلف أثبت فإذا لم تختلف فأولى أن يؤخذ بها لانها أوفق لكتاب الله من الروايتين اللتين رويتا مختلفتين أو يكون إنما سمع آية التيمم عند حضور الصلاة فتيمموا واحتاطوا فأتوا على غاية ما يقع عليه اسم اليد لان ذلك لا يضرهم كما لا يضرهم لو فعلوه في الوضوء فلما صاروا إلى مسألة النبي أخبرهم أنه يجزيهم من التيمم أقل مما فعلوا وهذا أولى المعاني عندي برواية ابن شهاب من حديث عمار بما وصفت من الدلائل قال وإنما منعنا أن ناخذ برواية عمار في أن نيمم الوجه والكفين ثبوت الخبر عن رسول الله أنه مسح وجهه وذراعيه وأن هذا التيمم أشبه بالقرآن وأشبه بالقياس بأن البدل من الشئ إنما يكون مثله. باب صلاة الامام جالسا ومن خلفه قياما حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) إذا لم يقدر الامام على القيام فصلى بالناس جالسا صلى الناس وراءه إذا قدروا على القيام قياما كما يصلى هو قائما ويصلى من خلفه إذا لم يقدروا على القيام جلوسا فيصلى كل فرضه وقد روى عن النبي عليه الصلاة والسلام فيما قلت شئ منسوخ وناسخ. أخبرنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أن رسول الله ركب فرسا فصرع فجحش شقه الايمن فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد فصلينا وراءه قعودا فلما انصرف قال " إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا صل قائما فصلوا قياما وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون " (قال الشافعي) وهذا ثابت عن رسول الله منسوخ بسنته وذلك أن أنسا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا من سقطة من فرس في مرضه وعائشة تروى ذلك وأبو هريرة يوافق روايتهما وأمر من خلفه في هذه العلة بالجلوس إذا صلى جالسا ثم تروى عائشة أن النبي صلى في مرضه الذى مات فيه جالسا والناس خلفه قياما قال وهى آخر صلاة صلاها بالناس حتى لقى الله تعالى وهذا لا يكون إلا ناسخا. أخبرنا الثقة يحيى بن حسان أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله كان وجعا فأمر أبا بكر أن يصلى بالناس فوجد النبي خفة فجاء فقعد إلى جنب أبى بكر فأم رسول الله أبا بكر وهو قاعد وأم أبو بكر الناس وهو قائم. وذكر إبراهيم عن الاسود عن عائشة عن النبي مثل معناه. أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن يحيى ابن سعيد عن ابن أبى مليكة عن عبيد بن عمير عن النبي مثل معناه لا يخالفه (قال الشافعي) وفى حديث أصحابنا مثل ما في هذا وأن ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم الذى مات فيه فنحن لم نخالف الاحاديث الاولى إلا بما يجب علينا من أن نصير إلى الناسخ الاولى كانت حقا في وقتها ثم نسخت فكان الحق فيما نسخها وهكذا كل منسوخ يكون الحق ما لم ينسخ فإذا نسخ كان الحق في ناسخه وقد روى في هذا الصنف شئ يغلط فيه بعض من يذهب (م 8 74)
[ 498 ]
إلى الحديث وذلك أن عبد الوهاب أخبرنا عن يحيى بن سعيد عن أبى الزبير عن جابر أنهم خرجوا يشيعونه وهو مريض فصلى جالسا وصلوا خلفه جلوسا. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد أن أسيد بن حضير فعل ذلك (قال الشافعي) وفى هذا ما يدل على أن الرجل يعلم الشئ عن رسول الله لا يعلم خلافه عن رسول الله فيقول بما علم ثم لا يكون في قوله بما علم وروى عن حجة على أحد علم أن رسول الله قال قولا أو عمل عملا ينسخ العمل الذى قال به غيره وعلمه كما لم يكن في رواية من روى أن النبي صلى جالسا وأمر بالجلوس وصلى جابر بن عبد الله وأسيد بن الحضير وأمرهما بالجلوس وجلوس من خلفهما حجة على من علم عن رسول الله شيئا ينسخه وفى هذا دليل على أن علم الخاصة يوجد عند بعض ويعزب عن بعض وأنه ليس كعلم العامة الذى لا يسع جهله ولهذا أشباه كثيرة وفى هذا دليل على ما في معناه منها. باب صوم يوم عاشوراء حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت كان يوم عاشوراء يوما تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي يصومه في الجاهلية فلما قدم النبي صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان كان هو الفريضة وترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه أخبرنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت معاوية بن أبى سفيان يوم عاشوراء وهو على المنبر منبر رسول الله وقد أخرج قصة من شعر يقول أين علماؤكم يا أهل المدينة ؟ سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذه ويقول " إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساوهم " ثم قال سمعت رسول الله يقول في مثل هذا اليوم " إنى صائم فمن شاء منكم فليصم " أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله يقول لهذا اليوم " هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء منكم فليصم ومن شاء فليفطر " أخبرنا الثقة يحيى بن حسان عن الليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر قال ذكر عند رسول الله يوم عاشوراء فقال النبي " كان يوما يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كرهه فليدعه ". أخبرنا سفيان أنه سمع عبيد الله بن أبى يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول ما علمت رسول الله صام يوما يتحرى صيامه فضله عليه الايام إلا هذا اليوم يعنى يوم عاشوراء (قال الشافعي) وليس من هذه الاحاديث شئ مختلف عندنا والله أعلم إلا شيئا ذكره في حديث عائشة وهو مما وصفت من الاحاديث التى يأتي بها المحدث ببعض دون بعض فحديث ابن أبى ذئب عن عائشة كان رسول الله يصوم يوم عاشوراء ويأمرنا بصيامه لو انفرد كان ظاهره أن عاشوراء كان فرضا وذكر مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صامه في الجاهلية وأمر بصيامه فلما نزل رمضان كان الفريضة وترك عاشوراء (قال الشافعي) لا يحتمل قول عائشة ترك عاشوراء معنى يصح إلا ترك إيجاب صومه إذ علمنا أن كتاب الله بين لهم أن شهر رمضان المفروض صومه ووأبان لهم ذلك رسول الله وترك إيجاب صومه وهو أولى الامور عندنا لان حديث ابن عمر ومعاوية عن رسول الله أن الله لم يكتب صوم يوم عاشوراء على الناس ولعل عائشة إن كانت ذهبت إلى أنه كان واجبا ثم نسخ قالته لانه يحتمل أن تكون رأت النبي لما صامه وأمر بصومه كان صومه فرضا ثم نسخه
[ 499 ]
ترك أمره فمن شاء أن يدع صومه ولا أحسبها ذهبت إلى هذا ولا ذهبت إلا إلى المذهب الاول لان الاول هو موافق القرآن أن الله فرض الصوم فأبان أنه شهر رمضان ودل حديث ابن عمر ومعاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم على مثل معنى القرآن بأن لا فرض في الصوم إلا رمضان وكذلك قول ابن عباس ما علمت رسول الله صام يوما يتحرى فضله على الايام إلا هذا اليوم يعنى يوم عاشوراء كأنه يذهب يتحرى فضله في التطوع بصومه. باب الطهارة بالماء حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) رضى الله عنه: قال الله تعالى " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " وقال في الطهارة " فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " فدل على أن الطهارة بالماء كله. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي حدثنا الثقة عن ابن أبى ذئب عن الثقة عنده عمن حدثه أو عن عبيد الله بن عبد الرحمن العدوى عن أبى سعيد الخدرى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بئر بضاعة يطرح فيها الكلاب والحيض فقال النبي " إن الماء لا ينجسه شئ ". أخبرنا الثقة من أصحابنا عن الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ". أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن موسى بن أبى عثمان عن أبيه عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه " وبه عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات ". حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي بمثله إلا أن مالكا جعل مكان ولغ شرب. خبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة أن رسول الله قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات أولاهن أو إحداهن بالتراب " (قال الشافعي) فبهذه الاحاديث كلها نأخذ وليس منها واحد يخالف عندنا واحدا أما حديث بئر بضاعة فإن بئر بضاعة كثيرة الماء واسعة كان يطرح فيها من الانجاس مالا يغير لها لونا ولا طعما ولا يظهر له فيها ريح فقيل للنبى صلى الله عليه وسلم نتوضأ من بئر بضاعة وهى بئر يطرح فيها كذا ؟ فقال النبي والله أعلم مجيبا " الماء لا ينجسه شئ " وكان جوابه محتملا كل ماء وإن قال وبينا أنه في الماء مثلها إذا كان مجيبا عليها فلما روى أبو هريرة عن النبي أن يغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا دل على أن جواب رسول الله في بئر بضاعة عليها وكان العلم أنه على مثلها وأكثر منها ولا يدل حديث بئر بضاعة وحده على أن ما دونها من الماء لا ينجس وكانت آنية الناس صغارا إنما هي صحون وصحاف ومخاضب الحجارة وما أشبه ذلك مما يحلب فيه ويشرب ويتوضأ وكبير آنيتهم ما يحلب ويشرب فيه فكان في حديث أبى هريرة عن النبي " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " دليل على أن قدر ماء الاناء ينجس بمخالطة النجاسة وإن لم تغير له طعما ولا ريحا ولا لونا ولم يكن فيه بيان أن ما يجاوزه وإن لم يبلغ قدر ماء بئر بضاعة لا ينجس فكان البيان الذى قامت به الحجة على من علمه في الفرق بين ما ينجس وبين ما لا ينجس وبين ما لا ينجس من الماء الذى لم يتغير عن حاله وانقطع به الشك في حديث الوليد بن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله قال " إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا " وفى الحديث " بقلال هجر " قال ابن جريج وقد رأيت قلال هجر فالقلة تسع قربتين أو قربتين وشيئا (قال الشافعي) وقرب الحجاز قديما وحديثا كبار لعز الماء بها فإذا كان الماء خمس قرب كبار لم يحمل نجسا وذلك قلتان بقلال هجر وفي قول النبي " إذا كان الماء
[ 500 ]
قلتين لم يحمل نجسا " دلالتان إحداهما أن ما بلغ قلتين فأكثر لم يحمل نجسا لان القلتين إذا لم تنجسا لم ينجس أكثر منهما وهذا يوافق جملة حديث بئر بضاعة والدلالة الثانية أنه إذا كان أقل من قلتين حمل النجاسة لان قوله إذا كان الماء كذا لم يحمل النجاسة دليل على أنه إذا لم يكن كذا حمل النجاسة وما دون القلتين موافق جملة حديث أبى هريرة أن يغسل الاناء من شرب الكلب فيه وآنية القوم أو أكثر آنية الناس اليوم صغار لا تسع بعض قربة فأما حديث موسى بن أبى عثمان " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه " فلا دلالة فيه على شئ يخالف حديث بئر بضاعة ولا إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ولا " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " لانه إن كان يعنى به الماء الدائم الذى يحمل النجاسة فهو مثل حديث الوليد بن كثير وأبى هريرة وأبى هريرة وإن كان يعنى به كل ماء دائم دلت السنة في حديث الوليد بن كثير وحديث بئر بضاعة على أنه انما نهى عن البول في كل ماء دائم يشبه أن يكون على الاختيار لا على أن البول بنجسه كما ينهى الرجل أن يتغوط على ظهر الطريق والظل والمواضع التى يأوى إليها الناس لما يتأذى به الناس من ذلك لا أن الارض ممنوعة ولا أن التعوط محرم ولكن من رأى رجلا يبول في ماء ناقع قذر الشرب منه والوضوء به فإن قال قائل فإن جعلت حديث موسى بن أبى عثمان يضاد حديث بئر بضاعة وحديث الوليد بن كثير وجعلته على أن البول ينجس كل ماء دائم قيل فعليك حجة أخرى مع الحجة بما وصفت فإن قال وما هي ؟ قيل أرأيت رجلا بال في البحر أينجس بوله ماء البحر ؟ فإن قال لا قيل ماء البحر ماء دائم وقيل له أفتنجس المصانع الكبار ؟ فإن قال لا قيل فهى ماء دائم وإن قال نعم دخل عليه ماء البحر فإن قال وماء البحر ينجس فقد خالف قول العامة مع خلافه السنة وإن قال لا هذا كثير قيل له فقل إذا بلغ الماء ما شئت لم ينجس فإن حددته بأقل ما يخرج من النجاسة قيل لك فإن كان أقل منه بقدح ماء فإن قلت ينجس قيل فيعقل أبدا أن يكون ماءان تخالطهما نجاسة واحدة لا تغير منهما شيئا ينجس أحدهما الآخر إلا بخبر لازم تعبد العباد باتباعه وذلك لا يكون إلا بخبر عن النبي والخبر عن النبي بما وصفت من أن ينجس ما دون خمس قرب ولا ينجس خمس قرب فما فوقها فأما شئ سوى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يقبل فيه أن ينجس ماء ولا ينجس آخروهما لم يتغيرا إلا أن يجمع الناس فلا يختلفون فنتبع إجماعهم وإذا تغير طعم الماء أو لونه أو ريحه بمحرم يخالطه لم يطهر الماء أبدا حتى ينزح أو يصب عليه ماء كثير حتى يذهب منه طعم المحرم ولونه وريحه فإذا ذهب فعاد بحاله التى جعله الله بها طهورا ذهبت نجاسته وما قلت من أنه إذا تغير طعام الماء أو ريحه أو لونه كان نجسا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت مثله أهل الحديث وهو قول العامة لا أعلم بينهم فيه اختلافا ومعقول أن الحرام إذا كان جزءا في الماء لا يتميز منه كان الماء نجسا وذلك أن الحرام إذا ماس الجسد فعليه غسله فإذا كان يجب عليه غسله بوجوده في الجسد لم يجز أن يكون موجودا في الماء فيكون الماء طهورا والحرام قائم موجود فيه وكل ما وصفت في الماء الدائم وهو الراكد فأما الجارى فإذا خالطته النجاسة فجرى فالآنى بعد ما لم تخالطه النجالسة فهو لا ينجس. وإذا تغير طعم الماء أو ريحه أو لونه أو جميع ذلك بلا نجاسة خالطته لم ينجس إنما ينجس بالمحرم فأما غير المحرم فلا ينجس به وما وصف من هذا في كل ما لم يصب على النجاسة يريد إزالتها فإذا صب على نجاسة يريد إزالتها فحكمه غير ما وصفت استدلالا بالسنة وما لم أعلم فيه محالفا وإذا أصابت الثوب أو البدن النجاسة فصب عليها الماء ثلاثا ودلكت بالماء طهر وإن كان ما صب عليها من الماء قليلا فلا ينجس الماء بمماسة النجاسة إذا أريد به إزالتها عن الثوب لانه لو نجس بمماستها بهذه الحال لم يطهر وكان إذا غسل الغسلة الاولى نجس الماء ثم كان في الماء الثاني يماس ماء نجسا فينجس والماء الثالث يماس
[ 501 ]
ماء نجسا فينجس ولكنها تطهر بما وصفت ولا يجوز في الماء غير ما قلت لان الماء يزيل الانجاس حتى يطهر منها ما ماسه ولا نجده ينجس إلا في الحال التى أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الماء ينجس فيها والدلالة عن رسول الله بخلاف حكم الماء المغسول به النجاسة أن النبي قال " إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات " وهو يغسل سبعا بأقل من قدح ماء وفى أن النبي أمر بدم الحيضة يقرص بالماء ثم يغسل وهو يقرص بماء قليل وينضح فقال بعض من قال قد سمعت قولك في الماء فلو قلت لا ينجس الماء بحال للقياس على ما وصفت أن الماء يزيل الانجاس كان قولا لا يستطيع أحد رده ولكن زعمت أن الماء الذى يطهر به ينجس بعضه فقلت له إنى زعمته بالعرض من قول رسول الله الذى ليس لاحد فيه إلا طاعة الله بالتسليم له فأدخل حديث موسى بن أبى عثمان " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه " فأدخلت عليه ما وصفت من إجماع الناس فيما علمته على خلاف ما ذهب إليه منه ومن ماء المصانع الكبار والبحر فلم يكن عنده فيه حجة. حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) وقلت له ما علمتكم اتبعتم في الماء سنة ولا إجماعا ولا قياسا ولقد قلتم فيه أقاويل لعله لو قيل لعاقل تخاطأ فقال ما قلتم لكان قد أحسن التخاطؤ ثم ذكرت فيه الحجج بما ذكرت من السنة وقلت له أفى أحد مع النبي حجة ؟ فقال: لا وقلت أليست تثبت الاحاديث التى وصفت ؟ فقال أما حديث الوليد بن كثير وحديث ولوغ الكلب في الماء وحديث موسى بن أبى عثمان فتثبت بإسنادها وحديث بئر بضاعة فيثبت بشهرته وأنه معروف فقلت له لقد خالفتها كلها وقلت قولا اخترعته مخالفا للاخبار خارجا من القياس فقال وما هو ؟ قلت اذكر القدر الذى إذا بلغه الماء الراكد لم ينجس وإذا نقص منه الماء الراكد نجس قال الذى إذا حرك أدناه لم يضطرب أقصاه فقلت أقلت هذا خبرا ؟ قال: لا قلت فقياسا ؟ قال: لا ولكن معقول أنه يختلط بتحريك الآدميين ولا يختلط. قلت أرأيت إن حركته الريح فاختلط قال إن قلت إنه ينجس إذا اختلط ما تقول قلت أقول أرأيت رجلا من البحر تضطرب أمواجها فتأتى من أقصاها إلى أن تفيض على الساحل إذا هاجت الريح أتختلط ؟ قال: نعم فقلت أفتنجس تلك الرجل من البحر ؟ قال لا: ولو قلت تنجس تفاحش على قلت فمن كلفك قولا يخالف السنة والقياس ويتفاحش عليك فلا تقوم منه على شئ أبدا ؟ قال فإن قلت ذلك قلت فيقال لك أيجوز في القياس أن يكون ماءان خالطتهما نجاسة لم تغير شيئا لا ينجس أحدهما وينجس الآخر إن كان أقل منه بقدح ؟ قال: لا قلت ولا يجوز إلا أن لا ينجس شئ إلا بأن يتغير بحرام خالطه لانه يزيل الانجاس أو ينجس كله بل ما خالطه ؟ قال ما يستقيم في القياس إلا هذا ولكن لا قياس مع خلاف خبر لازم قلت فقد خالفت الخبر اللازم ولم تقل معقولا ولم تقس وزعمت أن لو فأرة لو وقعت في بئر فماتت نزح منها عشرون أو ثلاثون دلوا ثم طهرت البئر فإن طرحت تلك العشرون أو الثلاثون دلوا في بئر أخرى لم ينزح منها إلا عشرون أو ثلاثون دلوا وإن كانت ميتة أكبر من ذلك نزح منها أربعون أو ستون دلوا فمن وقت لك هذا في الماء الذى لم يتغير بطعم حرام ولا لونه ولا ريحه أن ينجس بعض الماء دون بعض أينجس بعضه أم ينجس كله ؟ قال بل ينجس كله قلت أفرأيت شيئا قط ينجس كلكه فيخرج بعضه فتذهب النجاسة من الباقي منه أتقول هذا في سمن ذائب أو غيره ؟ قال ليس هذا بقياس ولكنا اتبعنا فيه الاثر عن على وابن عباس رحمة الله عليهما قلت أفتخالف ما جاء عن رسول الله إلى قول غيره ؟ قال لا قلت فقد فعلت وخالفت مع ذلك عليا وابن عباس زعمت أن عليا قال إذا وقعت الفأرة في بئر نزح منها سبعة أو خمسة دلاء وزعمت أنها لا تطهر إلا بعشرين أو ثلاثين وزعمت أن ابن عباس نزح زمزم من زنجى وقع فيها وأنت تقول يكفى من ذلك أربعون أو ستون دلوا
[ 502 ]
قال فلعل البئر تغيرت بدم قلت فننحن نقول إذا تغيرت بدم لم تطهر أبدا حتى لا يوجد فيها طعم دم ولا لونه ولا ريحه وهذا لا يكون في زمزم ولا فيما هو أكثر ماء منها وأوسع حتى ينزح فليس لك في هذا شئ وهذا عن على وابن عباس غير ثابت وقد خالفتهما لو كان ثابتا وزعمت لو أن رجلا كان جنبا فدخل في بئر ينوى الغسل من الجنابة نجس البئر ولم يطهر ثم هكذا إن دخل ثانية ثم يطهر الثالثة فإذا كان ينجس أولا ثم ينجس ثانية وكان نجسا قبل دخوله أولا ولم يطهر بها ولا ثانية أليس قد ازداد في قولك نجاسة فإنه كان نجسا بالجنابة ثم زاد نجاسة بمماسة الماء النجس فكيف يطهر بالثالثة ولم يطهر بالثانية قبلها ولا بالاولى قبل الثانية ؟ قال إن من أصحابنا من قال لا يطهر أبدا قلت وذلك يلزمك قال يتفاحش ويتفاحش ويخرج من أقاويل الناس قلت فمن كلفك خلاف السنة وما يخرج من أقاويل الناس وقلت له وزعمت أنك إن أدخلت يدك في بئر تنوى بها أن توضئها نجست البئر كلها لانه ماء توضئ به ولا تطهر حتى تنزح كلها وإذا سقطت فيها ميتة طهرت بعشرين دلوا أو ثلاثين دلوا فزعمت أن البئر بدخول اليد التى لا نجاسة فيها تنجس كلها فلا تطهر أبدا وأنها تطهر من الميتة بعشرين دلوا أو ثلاثين هل رأيت أحدا قط زعم أن يد مسلم تنجس أكثر مما تنجسه الميتة وزعمت أنه إن أدخل يده ولا ينوى وضوءا طهرت يده للوضوء ولم تنجس البئر أو رأيت أن لو ألقى فيها جيفة لا ينوى تنجيسها أو ينويه أو لا ينوى شيئا أذلك سواء ؟ قال: نعم النجاسة كلها سواء ونيته لا تصنع في الماء شيئا قلت وما خالطه إما طاهر وإما نجس قال نعم. قلت فلم زعمت أن نيته في الوضوء تنجس الماء إنى لاحسبكم لو قال هذا غيركم لبلغتم به إلى أن تقولوا القلم عنه مرفوع فقال لقد سمعت أبا يوسف يقول قول الحجازيين في الماء أحسن من قولنا وقولنا فيه خطأ قلت وأقام عليه وهو يقول هذا فيه قال قد رجع أبو يوسف فيه إلى قولكم نحوا من شهرين ثم رجع عن قولكم قلت وما زاد رجوعه إلى قولنا قوة ولا وهنه رجوعه عنه وما فيه معنى إلا أنك تروى عنه ما تقوم عليه به الحجة من أن يقيم على قوله وهو يراه خطأ قلت له زعمت أن رجلا إن وضأ وجهه ويديه لصلاة ولا نجاسة على وجهه ولا يديه في طست نظيف فإن أصاب الماء الذى في ذلك الطست ثوبه لم ينجسه وإن صب على الارض لم ينجسها ويصلى عليها رطبة كما هي ثم إن صب في بئر نجس البئر كلها و لم تطهر أبدا إلا بأن ينزح ماؤها كله ولو أن قدر الماء الذى وضأ به وجهه ويديه كان في إناء فوقعت فيه ميتة نجسته وإن مس ثوبا نجسه ووجب غسله وإن صب على الارض لم يصل عليها رطبة وإن صب في بئر طهرت البئر بأن ينزح منها عشرون دلوا أو ثلاثون دلوا أزعمت أن الماء الطاهر أكثر نجاسة من الماء النجس ؟ قال فقال ما أحسن قولكم في الماء قلت أفترجع إلى الحسن فما علمته رجع إليه ولا غيره ممن ترأس منهم بل علمت من ازداد من قولنا في الماء بعدا فقال إذا وقعت فأرة في بئر لم تطهر أبدا إلا بأن يحفر تحتها بئر فيفرغ ماؤها فيها وينقل طينها وينزع بناؤها وتغسل مرات. وهكذا ينبغى لمن قال قولهم هذا وفى هذا من خلاف السنة وقول أهل العلم ما لا يجهله عالم وقد خالفنا بعض أهل ناحيتنا فذهب إلى بعض قولهم في الماء والحجة عليه الحجة عليهم وخالفنا بعض الناس فقال لا يغسل الاناء من الكلب سبعا ويكفى فيه دون سبع فالحجة عليه بثبوت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووافقنا بعض أهل ناحيتنا في غسل الاناء إذا ولغ الكلب فيه وأن يهراق الماء ثم عاد فقال: إن ولغ الكلب بالبادية في اللبن شرب اللبن وأكل وغسل الاناء لان الكلاب لم تزل بالبادية فشغلنا العجب من هذا القول عما وصفنا من قول غيره. أرأيت إذ زعم أن الكلب يلغ في اللبن فينجس الاناء بمماسة اللبن الذى ماسه لسان
[ 503 ]
الكلب حتى يغسل فكيف لا ينجس اللبن وإذا نجس اللبن فكيف يؤكل أو يشرب فإن قال لا ينجس اللبن فكيف ينجس الاناء بمماسة اللبن واللبن غير نجس أو رأيت قوله ما زالت الكلاب بالبادية فمن أخبره أنها إذا كانت بالبادية لا تنجس وإذا كانت بالقرية نجست أترى أن البادية تطهرها أرأيت إذا كان الفأر والوزغان بالقرية أكثر من الكلاب بالبادية وأقدم منها أو في مثل قدمها أو أحرى أن لا يمتنع منها أفرأيت إذا وقعت فأرة أو وزغ أو بعض دواب البيوت في سمن أو لبن أو ماء قليل أينجسه ؟ قال فإن قال لا ينجسه في القرية لانه لا يمتنع أن يموت في بعض آنيتهم وينجسه في البادية فقد سوى بين قوليه وزاد في الخطأ وإن قال ينجسه قيل فكيف لم يقل هذا في الكلب في البادية وأهل البادية يضبطون أوعيتهم من الكلاب ضبطا لا يقدر عليه أهل القرية من الفأرة وغيرها لانهم يوكئون على ألبانهم القرب ويقل حبسه عندهم لانه لا يبقى لهم ولا يبقونه لانه مما لا يدخر ويكفئون عليه الآنية ويزجرون الكلاب عن مواضعه ويضربونها فتنزجر ولا يستطاع شئ من هذا في الفأرة ولا دواب البيوت بحال وأهل البيوت يدخرون إدامهم وأطعمتهم للسنة وأكثر فكيف قال هذا في أهل البادية دون أهل القرية وكيف جاز لمن قال ما أحكى أن يعيب أحدا بخلافه الحديث عن النبي عيبا يجاوز فيه القدر والذى عابه لم يعد أن رد الاخبار ولم يدع من قبولها ما يكترث به على قائله أو آخر استتر من رد الاخبار ووجهها وجوها تحتملها أو تشبه بها فعبنا مذهبهم وعابه ثم شركهم في بعض أمورهم فرد هذا من الاخبار بلا وجه تحتمله وزاد أن ادعى الاخبار وهو يخالفها (1) وفى رد من ترك أسوأ السر والعلانية مالا يشكل على من سمعه. باب الساعات التى تكره فيها الصلاة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن محمد بن يحيى بن حبان عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وعن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يتحرى أحدكم فيصلى عند طلوع الشمس ولا عند غروبها "، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحى أن رسول الله قال " إن الشمس تطلع ومعها قرن الشيطان فإذا ارتفعت فارقها فإذا استوت قارنها فإذا زالت فارقها فإذا دنت للغروب قارنها فإذا غربت فارقها " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات وروى عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة أن رسول الله نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة، أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله نام عن الصبح فصلاها بعد أن طلعت الشمس ثم قال " من نسى صلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله عزوجل يقول " أقم الصلاة لذكرى "، أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رسول الله في سفر فعرس فقال " ألا رجل صالح يكلؤنا الليلة لا نرقد عن الصلاة " فقال بلال أنا يا رسول الله قال قال فاستند بلال إلى راحلته واستقبل الفجر قال فلم يفزعوا إلا بحر الشمس في وجوههم فقال رسول الله " يا بلال " فقال بلال يا رسول الله أخذ بنفسى الذى أخذ بنفسك قال فتوضأ رسول الله ثم صلى ركعتي الفجر ثم اقتادوا رواحلهم شيئا تم صلى الفجر (قال الشافعي) وهذا يروى عن النبي متصلا من حديث أنس وعمران (1) كذا في النسخ وتأمل. (*)
[ 504 ]
ابن حصين عن النبي ويزيد أحدهما عن النبي " من نسى الصلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " ويزيد الآخر " أي حين ما كانت " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن أبى الزبير المكى عن عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم أن رسول الله قال " يا بنى عبد مناف من ولى منكم من أمر الناس شيئا فلا يمنعن أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار ". أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن عطاء عن النبي مثله أو مثل معناه لا يخالفه وزاد عطاء " يا بنى عبد المطلب أو يا بنى هاشم أو يا بنى عبد مناف ". أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عبد الله بن أبى لبيد قال سمعت أبا سلمة قال قدم معاوية المدينة فبينا هو على المنبر إذ قال يا كثير بن الصلت اذهب إلى عائشة أم المؤمنين فسلها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر فقال أبو سلمة فذهبت معه وبعث ابن عباس عبد الله بن الحرث بن نوفل معنا فقال اذهب واستمع ما تقول أم المؤمنين قال فجاءها فسألها فقالت له عائشة لا علم لى ولكن اذهب إلى أم سلمة فسلها قال فذهبنا معه إلى أم سلمة فقالت دخل على رسول الله ذات يوم بعد العصر فصلى عندي ركعتين لم أكن أراه يصليهما فقلت يا رسول الله لقد صليت صلاة لم أكن أراك تصليها قال " إنى كنت أصلى ركعتين بعد الظهر وأنه قدم على وفد بنى تميم أو صدقة فشغلوني عنهما فهما هاتان الركعتان ". أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمى عن جده قيس قال رأني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا صلى ركعتين بعد الصبح فقال " ما هاتان الركعتان يا قيس ؟ " فقلت إنى لم أكن صليت ركعتي الفجر فسكت عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) وليس بعد هذا اختلافا في الحديث بل بعض هذه الاحاديث يدل على بعض فجماع نهى النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد ما تبدو حتى تبزغ وعن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس وبعد مغيب بعضها حتى يغيب كلها وعن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة ليس على كل صلاة لزمت المصلى بوجه من الوجوه أو تكون الصلاة مؤكدة فأمر بها وإن لم تكن فرضا أو صلاة كان الرجل يصليها فأغفلها فإذا كانت واحدة من هذه الصلوات صليت في هذه الاوقات بالدلالة عن رسول الله ثم إجماع الناس في الصلاة على الجنائز بعد الصبح والعصر (قال الشافعي) رحمه الله فإن قال قائل فأين الدلالة عن رسول الله ؟ قيل في قوله " من نسى صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها " فإن الله يقول " أقم الصلاة لذكرى " وأمره أن لا يمنع أحد طاف بالبيت وصلى أي ساعة شاء وصلى المسلمون على جنائزهم بعد العصر والصبح (قال الشافعي) وفيما روت أم سلمة من أن النبي صلى في بيتها ركعتين بعد العصر كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما بالوفد فصلاهما بعد العصر لانه كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما قال وروى قيس جد يحيى بن سعيد ابن قيس أن النبي رآه يصلى ركعتين بعد الصبح فسأله فأخبره بأنهما ركعتا الفجر فأقره لان ركعتي الفجر مؤكدتان مأمور بهما فلا يجوز إلا أن يكون نهيه عن الصلاة في الساعات التى نهى عنها على ما وصفت من كل صلاة لا تلزم فأما كل صلاة كان يصليها صاحبها فأغفلها أو شغل عنها وكل صلاة أكدت وإن لم تكن فرضا كركعتي الفجر والكسوف فيكون نهى النبي فيما سوى هذا ثابتا (قال الشافعي) رحمه الله تعالى والنهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ونصف النهار ومثله إذا غاب حاجب الشمس وبرز لا اختلاف فيه لانه نهى واحد قال وهذا مثل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة لان من شأن الناس التهجيز للجمعة والصلاة إلى خروج الامام وهذا مثل الحديث في نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام اليوم قبل رمضان إلا أن يوافق ذلك صوم رجل كان يصومه.
[ 505 ]
باب الخلاف في هذا الباب حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض أهل ناحيتنا وغيرهم فقال يصلى على الجنائز بعد العصر وبعد الصبح ما لم تقارب الشمس أن تطلع وما لم تتغير الشمس واحتج في ذلك بشئ رواه عن ابن عمر يشبه بعض ما قال (قال الشافعي) وابن عمر إنما سمع من النبي النهى أن يتحرى أحد فيصلى عند طلوع الشمس وعند غروبها ولم أعلمه روى عنه النهى عن الصلاة بعد العصر ولا بعد الصبح فذهب ابن عمر إلى أن النهى مطلق على كل شئ فنهى عن الصلاة على الجنائز لانها صلاة في هذين الوقتين وصلى عليها بعد الصبح وبعد العصر لانا لم نعلمه روى النهى عن الصلاة في هذه الساعات (قال الشافعي) فمن نهى علم أن النبي نهى عن الصلاة بعد الصبح والعصر كما نهى عنها عند طلوع الشمس وعند غروبها لزمه أن يعلم ما قلت من أنه إنما نهى عنها فيما لا يلزم ومن روى فعلم أن النبي صلى بعد العصر ركعتين كان يصليهما بعد الظهر فشغل عنهما وأقر قيسا على ركعتين بعد الصبح لزمه أن يقول نهى عنها فيما لا يلزم ولم ينه الرجل عنه فيما اعتاد من صلاة النافلة وفيما يؤكد منها ومن ذهب هذا عليه وعلم أن النبي نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس فلا يجوز له أن يقول إلا بما قلنا به أو ينهى عن الصلاة على الجنائز بعد الصبح وبعد العصر بكل حال (قال الشافعي) وذهب أيضا إلى أن لا يصلى أحد للطواف بعد الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس واحتج بأن عمر بن الخطاب طاف بعد الصبح ثم نظر فلم ير الشمس طلعت فركب حتى أناخ بذى طوى فصلى (قال الشافعي) رحمه الله: فإن كان عمر كره الصلاة في تلك الساعة فهو مثل مذهب ابن عمر وذلك أن يكون علم أن رسول الله نهى عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر فرأى نهيه مطلقا فترك الصلاة في تلك الساعة حتى طلعت الشمس ويلزم من قال هذا أن يقول لا صلاة في جميع الساعات التى نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها لطواف ولا على جنازة وكذلك يلزمه أن لا يصلى فيها صلاة فائتة وذلك من حين يصلى الصبح إلى أن تبرز الشمس وحين يصلى العصر إلى أن يتتام مغيبها ونصف النهار إلى أن تزول الشمس (قال الشافعي) وفى هذا المعنى أن أبا أيوب الانصاري سمع النبي ينهى أن تستقبل القبلة أو بيت المقدس بحاجة الانسان قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد صنعت فننحرف ونستغفر الله وعجب ابن عمر ممن يقول لا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس بحاجة الانسان وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته (قال الشافعي) رحمه الله: علم أبو أيوب النهى فرآه مطلقا وعلم ابن عمر استقبال النبي صلى الله عليه وسلم بحاجته ولم يعلم النهى فرد النهى ومن علمهما معا قال النهى عن استقبال القبلة وبيت المقدس في الصحراء التى لا ضرورة على ذاهب فيها ولا ستر فيها لذاهب لان الصحراء ساحة يستقبله المصلى أو يستدبره فترى عورته إن كان مقبلا أو مدبرا وقال لا بأس بذاك في البيوت لضيقها وحاجة الناس إلى المرفق فيها وسترها وأن أحدا لا يرى من كان فيها إلا أن يدخل أو يشرف عليه (قال الشافعي) وفى هذا المعنى أن أسيد بن حضير وجابر بن عبد الله صليا مريضين قاعدين بقوم أصحاء فأمراهم بالقعود معهما وذلك أنهما والله أعلم علما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأمرهم بالجلوس فأخذا به وكان حقا عليهما ولا شك أن قد عزب عليهما أن النبي صلى في مرضه الذى مات فيه جالسا وأبو بكر إلى جنبه قائما والناس من ورائه قياما فنسخ (م 8 75)
[ 506 ]
هذا أمر النبي بالجلوس وراءه إذ صلى شاكيا جالسا وواجب على كل من علم الامرين معا أن يصير إلى أمر النبي الآخر إذ كان ناسخا للاول أو إلى أمر النبي الدال بعضه على بعض (قال الشافعي) وفى مثل هذا المعنى أن على بن أبى طالب خطب الناس وعثمان بن عفان محصور فأخبرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وكان يقول به لانه سمعه من النبي وعبد الله بن واقد قد رواه عن النبي وغيرهما فلما روت عائشة أن النبي نهى عنه عند الدافة ثم قال " كلوا وتزودوا وادخروا وتصدقوا " وروى جابر بن عبد الله عن النبي أنه نهى عن لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال " كلوا وتزودوا وتصدقوا " كان يجب على كان من علم الامرين معا أن يقول نهى النبي عنه لمعنى فإذا كان مثله فهو منهى عنه وإذا لم يكن مثله لم يكن منهيا عنه أو يقول نهى النبي عنه في وقت ثم أرخص فيه بعده والآخر من أمره ناسخ للاول (قال الشافعي) وكل قال بما سمعه من رسول الله وكان من رسول الله ما يدل على أنه قاله على معنى دون معنى أو نسخه فعلم الاول ولم يعلم غيره فلو علم أمر رسول الله فيه صار إليه إن شاء الله (قال الشافعي) رحمه الله تعالى ولهذا أشباه كثيرة في الاحاديث وإنما وضعت هذه الجملة لتدل على أمور غلط فيها بعض من نظر في العلم ليعلم من علمه أن من متقدمي الصحبة وأهل الفضل والدين والامانة من يعزب عنه من سنن رسول الله الشئ يعلمه غيره ممن لعله لا يقاربه في تقدم صحبته وعلمه ويعلم أن علم خاص السنن إنما هو علم خاص بمن فتح الله له علمه لا أنه عام مشهور كشهرة الصلاة وجمل الفرائض التى كلفتها العامة ولو كان مشهوا شهرة جمل الفرائض ما كان الامر فيما وصفت من هذا أشباهه كما وصفت ويعلم أن الحديث إذا رواه الثقاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك ثبوته وأن لا نعول على حديث ليثبت أن وافقه بعض أصحاب رسول الله ولا يرد لان عمل بعض أصحاب رسول الله عملا يخالفه لان بأصحاب رسول الله والمسلمين كلهم حاجة إلى أمر رسول الله وعليهم اتباعه لا أن شيئا من أقاويلهم تبع ما روى عنه ووافقه يزيد قوله شدة ولا شيئا خالفه من أقاويلهم يوهن ما روى عنه الثقة لان قوله المفروض اتباعه عليهم وعلى الناس وليس هكذا قول بشر غير رسول الله (قال الشافعي) رحمه الله: فإن قال قائل أتهم الحديث المروى عن النبي إذا خالفه بعض أصحابه جاز له أن يتهم الحديث عن بعض أصحابه لخلافه لان كلا روى خاصة معا وأن يتهما فما روى عن النبي أولى أن يصار إليه ومن قال منهم قولا لم يروه عن النبي لم يجز لاحد أن يقول إنما قاله عن رسول الله لما وصفت من أنه يعزب عن بعضهم بعض قوله ولم يجز أن نذكره عنه إلا رأبا له ما لم يقله عن رسول الله فإذا كان هكذا لم يجز أن نعارض بقول أحد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو قال قائل: لا يجوز أن يكون إلا عن رسول الله لم يحل له خلاف من وضعه هذا الموضع وليس من الناس أحد بعد رسول الله إلا وقد أخذ من قوله وترك اقول غيره من أصحاب رسول الله ولا يجوز في قول رسول الله أن يرد لقول أحد غيره فإن قال قائل: فاذكر لى في هذا ما يدل على ما وصفت فيه ؟ قيل له ما وصفت في هذا الباب وغيره مفرقا وجملة ومنه أن عمر بن الخطاب إمام المسلمين والمقدم في المنزلة والفضل وقدم الصحبة والورع والفقه والثبت والمبتدئ بالعلم قبل أن يسأله والكاشف عنه لان قوله حكم يلزم كان يقضى بين المهاجرين والانصار أن الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره أو كتب إليه الضحاك بن سفيان أن النبي كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابى من ديته فرجع إليه عمر وترك قوله وكان عمر يقضى أن في الابهام خمس عشرة والوسطى والمسبحة عشرا عشرا وفى التى تلى الخنصر تسعا وفى الخنصر ستا حتى وجد كتاب عند آل عمرو بن حزم الذى كتبه له النبي صلى الله عليه وسلم " وفى كل أصبع مما هنالك عشر من الابل " فترك الناس قول عمر وصاروا إلى كتاب النبي ففعلوا
[ 507 ]
في ترك أمر عمر لامر النبي فعل عمر في فعل نفسه في أنه ترك فعل نفسه لامر النبي صلى الله عليه وسلم وذلك الذى أوجب الله عليه وعليهم وعلى جميع خلقه (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وفى هذا دلالة على أن حاكمهم كان يحكم برأيه فيما لرسول الله فيه سنة لم يعلمها ولم يعلمها أكثرهم وذلك يدل على أن علم خاص الاحكام خاص على ما وصفت لا عام كعام جمل الفرائض (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وقسم أبو بكر حتى لقى الله فسوى بين الحر والعبد ولم يفضل بين أحد بسابقة ولا نسب ثم قسم عمر فألغى العبيد وفضل بالنسب والسابقة ثم قسم على فألغى العبيد وسوى بين الناس وهذا أعظم ما يلى الخلفاء وأعمه وأولاه أن لا يختلفوا فيه وإنما لله عزوجل في المال ثلاثة أقسام قسم الفئ وقسم الغنيمة وقسم الصدقة فاختلف الائمة فيها ولم يمتنع أحد من أخذ ما أعطاه أبو بكر ولا عمر ولا على وفى هذا دلالة على أنهم يسلمون لحاكمهم وإن كان رأيهم خلاف رأيه وإن كان حاكمهم قد يحكم بخلاف آرائهم لا أن جميع أحكامهم من جهة الاجماع منهم وفيه ما يرد على ما ادعى أن حكم حاكمهم إذا كان بين أظهرهم ولم يردوه عليه فلا يكون إلا وقد رأوا رأيه من قبل أنهم لو رأوا رأيه فيه لم يخالفوه بعده فإن قال قائل قد رأوه في حياته ثم رأوا خلافه بعده قيل له فيدخل عليك في هذا إن كان كما قلت أن إجماعهم لا يكون حجة عندهم إذا كان لهم أن يجمعوا على قسم أبى بكر ثم يجمعوا على قسم عمر ثم يجمعوا على قسم على وكل واحد منهم يخالف صاحبه فإجماعهم إذا ليس بحجة عندهم أولا ولا آخرا وكذلك لا يجوز إذا لم يكن عندهم حجة أن يكون على من بعدهم حجة. فإن قال قائل: فكيف تقول ؟ قلت لا يقال لشئ من هذا إجماع ولكن ينسب كل شئ منه إلى فاعله فينسب إلى أبى بكر فعله وإلى عمر فعله وإلى على فعله ولا يقال لغيرهم ممن أخذ منهم موافق لهم ولا مخالف ولا ينسب إلى ساكت قول قائل ولا عمل عامل إنما ينسب إلى كل قوله وعمله وفى هذا ما يدل على أن ادعاء الاجماع في كثير من خاص الاحكام ليس كما يقول من يدعيه. فإن قال قائل: أفتجد مثل هذا ؟ قلنا إنما بدأنا به لانه أشهر ما صنع الائمة وأولى أن لا يختلفوا فيه وأن لا يجهله العامة ونحن نجد كثيرا من ذلك أن أبا بكر جعل الجد أبا ثم طرح الاخوة معه ثم خالفه فيه عمر وعثمان وعلى ومن ذلك أن أبا بكر رآى على بعض أهل الردة فداء وسبيا وحبسهم بذلك فأطلقهم عمر وقال لا سبى ولا فداء مع غير هذا مما سكتنا عنه ونكتفى بهذا منه. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن هشام بن عروة عن أبيه أن يحيى بن حاطب حدثه قال توفى حاطب فأعتق من صلى من رقيقه وصام وكانت له أمة نوبية قد صلت وصامت وهى أعجمية لم تفقه فلم ترعه إلا بحملها وكانت ثيبا فذهب إلى عمر فحدثه فقال له عمر لانت الرجل الذى لا يأتي بخير فأفزعه ذلك فأرسل إليها عمر فقال أحبلت ؟ فقالت: نعم من مر عرس بدرهمين فإذا هي تستهل بذلك ولا تكتمه قال وصادف عليا وعثمان وعبد الرحمن ابن عوف فقال أشيروا على قال وكان عثمان جالسا فاضطجع فقال على وعبد الرحمن قد وقع عليها الحد فقال أشر على يا عثمان فقال قد أشار عليك أخواك فقال أشر على أنت قال أراها نستهل به كأنها لا نعلمه وليس الحد إلا على من علمه فقال عمر صدقت صدقت والذى نفسي بيده ما الحد إلا على من علمه فجلدها عمر مائة وغربها عاما (قال الشافعي) فخالف عليا وعبد الرحمن فلم يحدها حدها عندهما وهو الرجم وخالف عثمان أن لا يحدها بحال وجلدها مائة وغربها عاما فلم يرو عن أحد منهم من خلافه بعد حده إياها حرف ولم يعلم خلافهم له إلا بقولهم المتقدم قبل فعله قال وقال بعض من يقول ما لا ينبغى له إذ قيل حد عمر مولاة حاطب كذا لم يكن ليجلدها
[ 508 ]
إلا بإجماع أصحاب رسول الله جهالة بالعلم وجرأة على قول ما لا يعلم ومن اجترأ (1) على أن يقول أن قول رجل أو عمله في خاص من الاحكام ما لم يحك عنه وعنهم قال عندنا ما لم يعلم (قال الشافعي) وقضى عمر أن لا تباع أمهات الاولاد وخالفه على وغيره وقضى عمر في الضرس بجمل وخالفه غيره فجعل الضرس سنا فيها خمس من الابل وقال عمر وعلى وابن مسعود وأبو موسى الاشعري وغيرهم للرجل على امرأته الرجعة حتى تطهر من الحيضة الثالثة وخالفهم غيرهم فقال إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة فقد انقطعت رجعته عنها مع أشياء أكثر مما وصفت فدل ذلك على أن قائل السلف يقول برأيه ويخالفه غيره ويقول برأيه إلى ولا يروى عن غيره فيما قال به شئ فلا ينسب الذى لم يرو عنه شئ خلافه ولا موافقته لانه إذا لم يقل لم يعلم قوله ولو جاز أن ينسب إلى موافقة جاز أن ينسب إلى خلافه ولكن كلا كذب إذا لم يعلم قوله ولا الصدق فيه إلا أن يقال ما يعرف إذ لم يقل قولا وفى هذا دليل على أن بعضهم لا يرى قول بعض حجة تلزمه إذا رأى خلافها وأنهم لا يرون اللازم إلا الكتاب أو السنة وأنهم لم يذهبوا قط إن شاء الله إلى أن يكون خاص الاحكام كلها إجماعا كإجماعهم على الكتاب والسنة وجمل الفرائض وأنهم كانوا إذا وجدوا كتابا أو سنة اتبعوا كل واحد منهما فإذا تأولوا ما يحتمل فقد يختلفون وكذلك إذا قالوا فيما لم يعلموا فيه سنة اختلفوا (قال الشافعي) رضى الله عنه: وكفى حجة على أن دعوى الاجماع في كل الاحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه وجملته أنه لم يدع الاجماع فيما سوى جمل الفرائض التى كلفتها العامة أخذ من أصحاب رسول الله ولا التابعين ولا القرن الذين من بعدهم ولا القرن الذين يلونهم ولا عالم علمته على ظهر الارض ولا أحد نسبته العامة إلى عمل إلا حينا من الزمان فإن قائلا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدا من أهل العلم عرفه وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر بالبلدان على شئ وعامة قبلهم قيل يحفظ عن فلان وفلان كذا ولم نعلم لهم مخالفا ونأخذ به ولا نزعم أنه قول الناس كلهم لانا لا نعرف من قاله من الناس إلا من سمعناه منه أو عنه قال وما وصفت من هذا قول من حفظت عنه من أهل العلم نصا استدلالا (قال الشافعي) رضى الله عنه: والعلم من وجهين اتباع واستناط والاتباع اتباع كتاب فإن لم يكن فسنة فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفا فإن لم يكن فقياس على كتاب الله عزوجل فإن لم يكن فقياس على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فقياس على قول عامة سلفنا لا مخالف له ولا يجوز القول إلا بالقياس وإذا قاس من له القياس فاختلفوا وسع كلا أن يقول بمبلغ اجتهاده ولم يسعه اتباع غيره فيما أدى إليه اجتهاده بخلافه والله أعلم. باب أكل الضب (حدثنا الربيع) قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الضب فقال " لست بآكله ولا محرمه ". أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي نحوه. أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن أبى أمامة سهل بن حنيف عن ابن عباس (قال الشافعي) " أشك " قال مالك عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أو عن ابن عباس وخالد بن الوليد أنهما دخلا مع النبي صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فأهوى إليه رسول الله بيده فقال بعض النسوة اللاتى في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله (1) لعله: على أن يقول في قول رجل الخ. تأمل. (*)
[ 509 ]
ما يريد أن يأكل فقالوا هو ضب يا رسول الله فرفع رسول الله يده فقلت أحرام هو ؟ قال " لا ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه " قال خالد فاجتررته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر (قال الشافعي) وحديث ابن عباس موافق لحديث ابن عمر أن رسول الله امتنع من أكل الضب لانه عافه لا لانه حرمه وقد امتنع من أكل البقول ذوات الريح لان جبريل يكلمه ولعله عافها لا محرما لها وقول ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لست بآكله " يعنى نفسه وقد بين ابن عباس أنه عافه وقال ابن عمر إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولا محرمه " قال فجاء بمعنى ابن عباس بينا وإن كان معنى ابن عمر أبين منه قال " لست أحرمه وليس حراما ولست أكله " تفسير وأكل الضب حلال وإذا أصابه المحرم فداه لانه صيد يؤكل. باب المجمل والمفسر حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله عزوجل " فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " الآية وقال الله جل ثناؤه " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي قال " لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبى هريرة أن عمر قال لابي بكر فيمن منع الصدقة أليس قد قال رسول الله " لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله " ؟ فقال أبو بكر هذا من حقها يعنى منعهم الصدقة وقال الله " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله " الآية. أخبرنا الثقة عن محمد بن أبان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رسول الله كان إذا بعث جيشا أمر عليهم أميرا وقال " فإذا لقيت عدوا من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال أو ثلاث خصال " (شك علقمة) " ادعهم إلى الاسلام فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم إن هم فعلوا أن لهم ما للمهاجرين وأن عليهم ما عليهم فإن اختاروا المقام في دارهم فأخبرهم أنهم كأعراب المسلمين يجرى عليهم حكم الله كما يجرى على المسلمين وليس لهم في الفئ شئ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن لم يجيبوك إلى الاسلام فادعهم إلى أن يعطوا الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم ودعهم وإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم " (قال الشافعي) وليست واحدة من الآيتين ناسخة للاخرى ولا واحد من الحديثين ناسخا للاخر ولا مخالفا له ولكن أحد الحديثين والآيتين من الكلام الذى مخرجه عام يراد الخاص ومن المجمل الذى يدل عليه المفسر فأمر الله بقتال المشركين حتى يؤمنوا والله تعالى أعلم أمره بقتال المشركين من أهل الاوثان وهم أكثر من قاتل النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك حديث أبى هريرة عن النبي وذكر أبى بكر وعمر إياهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في المشركين من أهل الاوثان دون أهل الكتاب وفرض الله قتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون إن لم يؤمنوا وكذلك حديث ابن بريدة في أهل الكتاب خاصة كما كان حديث أبى هريرة في أهل الاوثان خاصة قال فالفرض في قتال من دان وآباؤه دين أهل الاوثان من المشركين أن يقاتلوا إذا قدر عليهم حتى يسلموا ولا يحل أن تقبل منهم جزية بكتاب الله وسنة نبيه قال والفرض في أهل الكتاب ومن دان قبل نزول القرآن كله دينهم أن يقاتلوا حتى يعطوا الجزية أو يسلموا وسواء كانوا عربا أو عجما قال ولله كتب نزلت قبل نزول القرآن المعروف منها عند العامة التوراة
[ 510 ]
والانجيل وقد أخبر الله أنه أنزل غيرهما فقال " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذى وفى " وليس تعرف تلاوة كتب إبراهيم وذكر زبور داود فقال " وإنه لفى زبر الاولين " قال والمجوس أهل كتاب غير التوراة والانجيل وقد نسوا كتابهم وبدلوه فأذن رسول الله في أخذ الجزية منهم. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع بجالة يقول ولم يكن عمر بن الخطاب أخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ودان قوم من العرب دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن فأخذ رسول الله من بعضهم الجزية فدل ذلك على أن أهل الكتاب الذين أمرنا بقتالهم حتى يعطوا الجزية عن يد أهل التوراة وأهل الانجيل (1) دون غيرهم فإن قال قائل: هل حفظ أحد أن المجوس كانوا أهل كتاب ؟ قلت: نعم أخبرنا سفيان عن أبى سعد سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل الاشجعى علام تؤخذ الجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب ؟ فقام إليه المستورد فأخذ بلببه فقال يا عدو الله تطعن على أبى بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين يعنى عليا وقد أخذوا منهم الجزية فذهب به إلى القصر فخرج على عليهما فقال البدا فجلسنا في ظل القصر فقال على أنا أعلم الناس بالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وأن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أخته فاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهل مملكته فقال تعلمون دينا خيرا من دين آدم قد كان آدم ينكح بنيه من بناته فأنا على دين آدم ما يرغب بكم عن دينه ؟ فاتبعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى على كتابهم فرفع من بين أظهرهم وذهب العلم الذى في صدورهم وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول الله وأبو بكر وعمر منهم الجزية. قال فهل من دليل على ما وصفت غير ما ذكرت من هذا ؟ فقلت: نعم أرأيت إذ أمر الله بأخذ الجزية من الذين أوتوا الكتاب أما في ذلك دلالة على أن لا تؤخذ من الذين لم يؤتوا الكتاب ؟ فقال: بلى لانه إذا قيل خذ من صنف كذا فقد منع من الصنف الذى يخالفه. قلت أرأيت حين أمر الله أن يقاتل المشركون حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله وأمر إذا انسلخ الاشهر الحرم أن يقتل المشركون حيث وجدوا ويؤخذوا ويحصروا ويقعد لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة خلى سبيلهم أما في هذا دلالة على أن في أمر الله أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب دون أهل الاوثان وأن الفرض في أهل الكتاب غيره في أهل الاوثان ؟. قال أما القرآن فيدل على ما وصفت (قال الشافعي) وقلت له وكذلك السنة. فان قال قائل: إن حديث ابن بريدة عام بأن يدعوا إلى إعطاء الجزية فقد يحتمل أن يكون عنى كل مشرك وثنى أو غيره قلت له وحديث أبى هريرة أن النبي قال " لا أزال أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " عام المخرج فإن قال جاهل بل هو على كل مشرك فلا تؤخذ الجزية من كتابي ولا غيره ولا يقبل منه إلا الاسلام أو القتل هل الحجة عليه إلا كهى على من ذهب إلى جملة حديث ابن بريدة وادعى أن حديث أبى هريرة ناسخ له ؟ قال ما لواحد منهما في الحديثين شئ إلا كما لصاحبه مثله لو لم يكن إلا الحديثان. (1) لعل هنا زيادة أو سقطا من الناسخ. تأمل. (*)
[ 511 ]
باب الخلاف فيمن تؤخذ منه الجزية وفيمن دار دين أهل الكتاب قبل نزول القرآن حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس فقال: تؤخذ الجزية من أهل الكتاب وممن دان دين أهل الاوثان ما كان إلا أنها لا تؤخذ من العرب خاصة إذا دانوا دين أهل الاوثان فأما العجم فتؤخذ منهم وإن دانوا دين أهل الاوثان قال فقلت لبعض من يقول هذا القول ومن أين قلت هذا ؟ قال ذهبت إلى أن الذين أمر بقتالهم حتى يسلموا العرب قلت أفرأيت العرب إذا دانوا دين أهل الكتاب أتأخذ منهم الجزية ؟ قال: نعم قلت ويدخلون في معنى الآية التى نزلت في أهل الكتاب. قال: نعم قلت فقد تركت أصل قولك وزعمت أن الجزية على الدين لا على النسب قال فلا أقدر أن أقول الجزية وترك الجزية وأن يقاتلوا حتى يسلموا على النسب وقد أخذ النبي الجزية من بعض العرب فقلت له فلم ذهبت أولا إلى الفرق بين العرب والعجم ولست تجد ذلك في كتاب ولا سنة ؟ قال فإن من أصحابك من قال تؤخذ الجزية من كل من دعا إليها وثنى أو غيره أو أعجمى أو عربي فقلت له أحمدت قول من قال هذا ؟ قال: لا وذلك أن أكثر من قاتل رسول الله العرب فلم يأخذ الجزية إلا من عربي دان دين أهل الكتاب وسأقوم لمن خالفنا وإياك من أصحابك بقوله فأقول إن النبي أخذ الجزية من المجوس ورأيت المسلمين لم يختلفوا في أن تؤخذ منهم الجزية ولا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم وروى هذا عن النبي وأهل الكتاب تؤكل ذبائحهم وتنكح نساؤهم وفى هذا دليل على أن المجوس ليسوا بأهل كتاب (قال الشافعي) فقلت له: قلت إن المجوس ليسوا بأهل كتاب مشهور عند العامة باق في أيديهم فهل من حجة في أن ليسوا بأهل كتاب كالعرب ؟ قال لا إلا ما وصفت من أن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم. قلت فكيف أنكرت أن يكون النبي دل على أن قول الله حتى يعطوا الجزية من دان دين أهل الكتاب قبل نزول الفرقان وأن يكون إحلال نساء أهل الكتاب إحلال نساء بنى إسرائيل دون أهل الكتب سواهم فيكونون مستوين في الجزية مختلفين في النساء والذبائح كما أمر الله بقتال المشركين " حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " وأمر بقتال أهل الكتاب " حتى يعطوا الجزية عن يدوهم صاغرون " فسوى بينهم في الشرك وخالف بينهم في القتال على الشرك فقال أو قال بعض من حضره ما في هذا ما أنكره عالم (قال الشافعي) قلت له: لم يذهب هذا المذهب أحد له علم بكتاب الله أو السنة قال ومن أين ؟ قلت السنة لا تكون أبدا إلا تبعا للقرآن بمثل معناه ولا تخالفه فإذا كان القرآن نصا فهى مثله وإذا كان جملة أبانت ما أريد بالجملة ثم لا تكون إلا والقرآن محتمل ما أبانت السنة منه قال أجل قلت فمن ذكر أن الجزية تؤخذ من كل أحد خرج من الامرين معا من الكتاب إلى غير كتاب ومن السنة إلى غير السنة وذهب في المجوس إلى أمر جهله فقال فقال فيهم بالجهالة قال إنه شبه عليهم في أن لا تؤكل ذبائحهم قلت لا ولا ذبائح نصارى العرب وتؤخذ الجزية منهم كما وصفت بأن يجتمعوا في جملة من أوتى الكتاب والذين أمر بنكاح نسائهم من أهل الكتاب وأكل ذبائحهم أهل التوراة والانجيل من بنى إسرائيل دون غيرهم.
[ 512 ]
(باب في المرور بين يدى المصلى) حدثتا الربيع قال (قال الشافعي) حدثنا مالك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد راهقت الاحتلام ورسول الله يصلى بالناس فمررت بين يدى بعض الصف فنزلت فأرسلت حماري يرتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك على أحد. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن كثير بن كثير عن بعض أهله عن المطلب بن أبى وداعة قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم (1) (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وليس بعد شئ من هذا مختلفا وهو والله أعلم من الاحاديث المؤداة لم يتقص المؤدى لها أسبابها وبعضها يدل على بعض وأمر رسول الله المصلى أن يستتر بالدنو من السترة اختيار لا أنه إن لم يفعل فسدت صلاته ولا أن شيئا يمر بين يديه يفسد صلاته لانه صلى الله عليه وسلم قد صلى في المسجد الحرام والناس يطوفون بين يديه وليس بينه وبينهم سترة وهذه صلاة انفراد لا جماعة وصلى بالناس بمنى صلاة جماعة إلى غير سترة لان قول ابن عباس إلى غير جدار يعنى والله أعلم إلى غير سترة ولو كانت صلاته تفسد بمرور شئ بين يديه لم يصل إلى غير سترة ولا أحد وراءه يعلمه وقد مر ابن عباس على أتان بين يدى بعض الصف الذى وراء رسول الله فلم ينكر ذلك عليه أحد وهكذا والله أعلم أمره بالخط في الصحراء اختيار وقوله لا يفسد الشيطان عليه صلاته أن يلهو ببعض ما يمر بين يديه فيصير إلى أن يحدث ما يفسدها لمرور ما يمر بين يديه وكذلك ما يكره للمار بين يديه ولعل تشديده فيها إنما هو على تركهم نهيه عنه والله أعلم وقوله " إذا صلى أحدكم إلى غير سترة فليس عليكم جناح أن تمروا بين يديه " يدل على أن ذلك لا يقطع على المصلى صلاته ولو كان يقطع عليه صلاته ما أباح لمسلم أن يقطع صلاة مسلم وهكذا من معنى مرور الناس بين يدى رسول الله وهو يصلى والناس في الطواف ومن مرور ابن عباس بين يدى بعض من يصلى معه بمنى لم ينكر عليه وفيه دليل على أنه يكره أن يمر بين يدى المصلى المستتر ولا يكره أن يمر بين يدى المصلى الذى لا يستتر وقوله صلى الله عليه وسلم في المستتر " إذا مر بين يديه فليقاتله " يعنى فليدفعه فإن قال قائل فقد روى أن مرور الكلب والحمار يفسد صلاة المصلى إذا مرا بين يديه قيل لا يجوز إذا روى حديث واحد أن رسول الله قال " يقطع الصلاة المرأة والكلب والحمار " وكان مخالفا لهذه الاحاديث فكان كل واحد منها أثبت منه ومعها ظاهر القرآن أن يترك إن كان ثابتا إلا بأن يكون منسوخا ونحن لا نعلم المنسوخ حتى نعلم الآخر ولسنا نعلم الآخر أو يرد ما يكون غير محفوظ وهو عندنا غير محفوظ لان النبي صلى وعائشة بينه وبين القبلة وصلى وهو حامل أمامة يضعها في السجود ويرفعها في القيام ولو كان ذلك يقطع صلاته لم يفعل واحدا من الامرين وصلى إلى غير سترة وكل واحد من هذين الحديثين يرد ذلك الحديث لانه حديث واحد وإن أخذت فيه أشياء فإن قيل فما يدل عليه كتاب الله من هذا ؟ قيل قضاء الله " أن لا تزر وازرة وزر أخرى " والله أعلم أنه لا يبطل عمل رجل عمل غيره وأن يكون سعى كل لنفسه وعليها فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يكون مرور رجل يقطع صلاة غيره. (1) كذا في النسخ ولم يذكر متن الحديث والذى يؤخذ من بقية الباب أنه في الصلاة إلى السترة بل إنه يؤخذ منه ان هناك أحاديث أخر سقطت من هذا المقام وكلها تتعلق بالمرور بين يدى المصلى إلى سترة وغيرها فتنبه. وحرر. كتبه مصححه. (*)
[ 513 ]
(باب خروج النساء إلى المساجد) حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا بعض أهل العلم عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن النبي قال " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وإذا خرجن فليخرجن تفلات " (قال الربيع) يعنى لا يتطيبن. أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال " إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها " (قال الشافعي) وهذا حديث كلمنا فيه جماعة من الناس بكلام قد جهدت على تقصى ما كلمونى فيه فكان مما قالوا أو بعضهم ظاهر قول رسول الله النهى عن منع إماء الله مساجد الله والنهى عندك عن النبي تحريم إلا بدلالة عن رسول الله أنه أراد به غير التحريم وهو عام على مساجد الله والعام عندك على عمومه إلا بدلالة عن النبي أو عن جماعة لا يمكن فيهم جهل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاص فما تقول في هذا الحديث ؟ أهو عام فيكون تحريم أن يمنع أحد إماء الله مساجد الله بحال أو خاص فيكون لهم منعهن بعض المساجد دون بعض فإنه لا يحتمل إلا واحدا من معنيين ؟ قلت بل خاص عندي والله أعلم قال ما دل على أنه خاص عندك ؟ قلت الاخبار الثابتة عن النبي بما لا أعلم فيه مخالفا قال فاذكر ما جاء عن النبي من الدليل على ما وصفت قلت. أخبرنا مالك عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يحل لا مرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذى محرم " حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا ابن عيينة عن عمرو دينار عن أبى معبد عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يخطب يقول " لا يخلون رجل بامرأة ولا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم " فقال رجل فقال يا رسول الله إنى اكتتبت في غزوة كذا وكذا وإن امرأتي انطلقت حاجة قال " فانطلق فاحجج بامرأتك " قال فقلت أفترى أن فرضا على قيمها أن يمنعها أكبر مساجد الله لان أكبرها أو جبها ومن كل سفر ؟ قال " نعم " قلت فمن أين قلته قال قلته بالخير عن رسول الله لان سفرها مع غير ذى محرم معصية وفرض الله أن تمنع المعصية قلت فقد زعمت أن فرض الله والخبر عن رسول الله أن تمنع أكبر مساجد الله قال ما أجد من هذا بدا وقال غيره أنا أكلمك بغير ما كلمك به فأقول ليس لقيمها أن يمنعها أن تسافر إلى مسجد قلت ولا يمنعها الوالى ولا زوجها ولا وليها من كان قال لا قلت فقد أمرت بأن لا تمنع المعصية بالسفر قال فإن قلت فعلى ذى محرمها أن يسافر معها لان في تركه السفر معها ما يوجب على الوالى منعها من السفر بلا محرم قلت فإن قيمها أخاها وهو موسر على من النفقة في السفر أعليها أو على أخيها ؟ قال فإن قلت عليه نفقته وعليها نفقتها قلت فقد جعلت لها أن تكلفه إخراج شئ من ماله وأنت لا تجعل عليه أن ينفق عليها موسرة ولا معسرة صحيحة وتكلفها المسألة فأى الامرين كان ألزم لك أن ينفق عليها معسرة صحيحة شريفة تستحيى من المسألة خمسة دراهم في الشهر أو يكلف في سفر خمسمائة درهم قال فإن قلت فنفقته عليها قلت فأقول لك فكانت محجورا عليها أنفق عليه من مالها ؟ قال بل لا أنفق على المحجور عليها إلا ما لا صلاح لها إلا به فكيف أنفق على آخر من مالها ؟ قلت فقد منعتها إذا أكثر مساجد الله قال فكل ما قلت من هذا مخالفا قول أهل العلم قلت أجل وقد تركت إبانة ذلك لتعرف أن ما ذهبت إليه فيه كله على غير ما ذهبت إليه وهل علمت مخالفا في أن للرجل أن يمنع امرأته مسجد عشيرتها وإن كان على بابها والجمعة التى لا أوجب منها في المصر ؟ قال وما علمته قلت فلو لم يكن فيما تساءلت عنه حجة إلا ما وصفت استدللت بأن أكثر أهل العلم يقولون إذا كان لزوج المرأة (م 8 76)
[ 514 ]
وقيمها منعها من الجمعة ومسجد عشيرتها كان معنى " لا تمنعو إماء الله مساجد الله " خاصا على ما قلت لك لان أكثرهم لا يجهل معنى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فقال عامة من حضر هذا كما قلت فيما أدخلت على من ذهب إلى أن ليس لاحد أن يمنع امرأته شيئا من مساجد الله وقد بقى عليك أن تسأل ما معنى " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ؟ فقد علمنا أنه خاص فأى المساجد لا يجوز له أن يمنعه إماء الله ؟ قلت لا يجوز له أن يمنعها مسجد الله الحرام لفريضة الحج وله أن يمنعها منه تطوعا ومن المساجد غيره قال فما دل على ما قلت ؟ قلت قال الله " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " وروى عن النبي أنه قال " السبيل الزاد والمركب " فإذا كانت المرأة ممن يجد مركبا وزادا وتطيق السفر للحج فهى ممن عليه فرض الحج ولا يحل أن تمنع فريضة الحج كما لا تمنع فريضة الصلاة والصيام وغيرهما من الفرائض. قال فهل على وليها أن يحجها من مالها لو كانت محجورا عليها ؟ قلت: نعم كما يؤدى الزكاة عنها. قال فهل عليه أن يحج معها ؟ قلت: لا والاختيار له أن يفعل وقل مسلم يدع ذلك إن شاء الله فإن لم يفعل لم أجبره لم عليه وإذا وجدت نسوة ثقات حجت معهن وأجبرت وليها على تركها والحج مع نسوة ثقات إذا كانت طريقها آمنة من كان وليها زوجها أو غيره. قال فما معنى نهيها عن السفر ؟ قلت نهيها عن السفر فيما لا يلزمها. قال فما دل على ما وصفت من أنها إنما نهيت عن السفر فيما لا يلزمها. قلت بين رسول الله عن الله أن حد الزانيين البكرين جلد مائة وتغريب عام والتغريب سفر وقد نهى رسول الله أن يخلى بامرأة إلا مع ذى محرم وفى التغريب خلوة بها مع غير ذى محرم وسفر فدل ذلك على أنه إنما ينهى عن سفرها فيما لا يلزمها ولم أعلم مخالفا في أن امرأة لو كانت ببلد ناء لا حاكم فيه فأحدثت حدثا يكون عليها فيه حد أو حق لمسلم أو خصومة له جلبت إلى الحاكم فدل هذا على ما وصفت من أنها نهيت عن السفر فيما لا يلزمها فإذا قضت حجة الاسلام فلوليها من كان منعها من الحج ومن جميع المساجد إلا شيئا سأذكره في العيدين إن شاء الله. قال أفتجد على هذا دلالة ؟ قلت: نعم ما وصفت لك من أن الله لم يفرض على أحد قط أن يسافر إلى مسجد غير المسجد الحرام للحج وأن الاسفار إلى المساجد نافلة غير السفر للحج وفى منع عمر بن الخطاب أزواج النبي الحج بقول رسول الله إنما هي هذه الحجة ثم ظهور الحصر قال وإن إتيان الجمعة فرض على الرجال إلا من عذر ولم نعلم من أمهات المؤمنين امرأة خرجت إلى جمعة ولا جماعة في مسجد وأزواج رسول الله بمكانهن من رسول الله أولى بأداء الفرائض فإن قيل فإنهن ضرب عليهن الحجاب قيل وقد كن لا حجاب عليهن ثم ضرب عليهن الحجاب فلم يرفع عنهن من الفرائض شئ ولم نعلم أحدا أوجب على النساء إتيان الجمعة كل روى أن الجمعة على كل أحد إلا امرأة أو مسافرا أو عبدا فإذا سقط عن المرأة فرض الجمعة كان فرض غيرها من الصلوات المكتوبات والنافلة في المساجد عنهن أسقط. قال: فقال وما فرض إتيان الجمعة إلا على الرجال وليس هذا على النساء بفرض وما هن في إتيان المساجد للجماعات كالرجال فقلت له إن الحجة لتقوم بأقل مما وصفت لك وعرفت بنفسك وعرف الناس معك وقد كان مع رسول الله نساء من أهل بيته وبناته وأزواجه ومولياته وخدمه وخدم أهل بيته فما علمت منهن امرأة خرجت إلى شهود جمعة والجمعة واجبة على الرجال بأكثر من وجوب الجماعة في الصلوات غيرها ولا إلى جماعة غيرها في ليل أو نهار ولا إلى مسجد قباء فقد كان النبي يأتيه راكبا وماشيا ولا إلى غيره من المساجد وما أشك أنهن كن على الخير بمكانهن من رسول الله أحرص وبه أعلم من غيرهن وأن النبي لم يكن ليدع أن يأمرهن بما يجب عليهن وعليه فيهن وما لهن فيه من الخبر وإن لم يجب عليهن كما أمرهن بالصدقات والسنن وأمر أزواجه بالحجاب وما علمت أحدا
[ 515 ]
من سلف المسلمين أمر أحدا من نسائه بإتيان جمعة ولا جماعة من ليل ولا نهار ولو كان لهن في ذلك فضل أمروهن به وأذنوا لهن إليه بل قد روى والله أعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في حجرتها وصلاتها في حجرتها خير من صلاتها في المسجد أو المساجد " حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن أبى سلمة بن عبد الرحمن أنه سمع عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول " إن كان ليكون على صوم من رمضان فما أستطيع أن أصوم حتى يأتي شعبان " وروى " إذا استأذنت أحدكم امرأته لتشهد العشاء فلا يمنعها " فاحتمل أن يجب عليهن واحتمل أن يكون على الاستحباب فلما كان ما وصفت من الاستدلال بأن لم يختلف العامة أن ليس على المرأة شهود صلاة جماعة كما هي على الرجل وأن لوليها حبسها كان هذا اختيارا لا فرضا على الولى أن يأذن للمرأة للعشاء. فقال ما علمت أحدا من المفتين يخالف في أن ليس على الرجل الاذن لامرأته إلى جمعة ولا جماعة ولقد قال بعضهم ولا إلى حج لانه لا يفوتها في عمرها فقلت ففى أن لم يختلف المفتون إن كان كما قلت دليل على أن لا يجهلوا معنى حديث رسول الله إذا كان معنى حديث رسول الله محتملا ما قالوا قال ولقد قال بعضهم لزوج المرأة أن يمنعها من الحج قلت أما هذا فلا لانه إذا جاز له أن يمنعها الفريضة فقد منعها مساجد الله كلها فأباح له خلاف الحديث فإذا قلت لا يمنعها الفريضة من الحج فلم أخالف الحديث بل هو ظاهر الحديث " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله كلها " وفيه والله أعلم دلالة على أن لهم منعهن بعضها قال وأجبر زوج امرأة ووليها من كان على أن يدعها والفريضة من الحج والعمرة في سفر ولا أجبره على ما تطوعت به منهما فإذا أذن لها إلى الحج فلم يمنعها مساجد الله لانه قد أذن لها في الفرض إلى مسجد الله الحرام قال وقد روى حديث " أن يترك النساء إلى العيدين " فإن كان ثابتا قلنا به. باب غسل الجمعة حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله جل ثناؤه " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم " الآية قال فدلت السنة على أن الوضوء من الحدث وقال الله جل ثناؤه " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابرى سبيل حتى تغتسلوا " قال فكان الوضوء عاما في كتاب الله من الاحداث وكان أمر الله الجنب بالغسل من الجنابة دليلا والله أعلم. أن لا يجب الغسل إلا من جنابة إلا أن تدل السنة على غسل واجب فنوجبه بالسنة بطاعة الله في الاخذ بها ودلت على وجوب الغسل من الجنابة ولم أعلم دليلا بينا على أن يجب غسل غير الجنابة الوجوب الذى لا يجزئ غيره قال وقد روى في غسل يوم الجمعة شئ فذهب ذاهب إلى غير ما قلنا ولسان العرب واسع. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال " من جاء منكم إلى الجمعة فليغتسل " أخبرنا مالك وسفيان عن صفوان ابن مسلم عن عطاء بن يسار عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله قال " غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم " (قال الشافعي) فاحتمل واجب لا يجزئ غيره وواجب في الاخلاق وواجب في الاختيار وفى النظافة ونفى تغير الريح عند اجتماع الناس كما يقول الرجل للرجل وجب حقك على إذ رأيتنى موضعا لحاجتك وما أشبه هذا فكان هذا أولى معنييه لموافقة ظاهر القرآن في عموم الوضوء من الاحداث وخصوص الغسل من الجنابة والدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غسل يوم الجمعة أيضا. فإن قال قائل: فاذكر الدلالة قلت: أخبرنا مالك عن
[ 516 ]
ابن شهاب عن سالم بن عبد الله قال دخل رجل من أصحاب رسول الله المسجد يوم الجمعة وعمر بن الخطاب يخطب فقال عمر أي ساعة هذه ؟ فقال يا أمير المؤمنين انقلبت من السوق فسمعت النداء فما زدت على أن توضأت فقال عمر والوضوء أيضا ؟ وقد علمت أن رسول الله كان يأمر بالغسل ؟ (قال الشافعي) فلما علمنا أن عمر وعثمان علما أن رسول الله كان يأمر بالغسل يوم الجمعة فذكر عمر علمه وعلم عثمان فذهب عنا أن نتوهم أن يكونا نسيا علمهما عن رسول الله في غسل يوم الجمعة إذ ذكر عمر علمهما في المقام الذى توضأ فيه عثمان يوم الجمعة ولم يغتسل ولم يخرج عثمان فيغتسل ولم يأمره عمر بذلك ولا أحد ممن حضرهما من أصحاب رسول الله ممن علم أمر رسول الله بالغسل معهما أو بإخبار عمر عنه دل هذا على أن عمر وعثمان قد علما أمر النبي بالغسل على الاحب لا على الايجاب للغسل الذى لا يجزئ غيره وكذلك والله أعلم دل على أن علم من سمع مخاطبة عمر وعثمان في مثل علم عمر وعثمان إما أن يكون علموه علما وإما أن يكونون علموه بخبر عمر كالدلالة عن عمر وعثمان وروت عائشة الامر بالغسل يوم الجمعة، أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان الناس عمال أنفسهم فكانوا يروحون بهيأتهم فقيل لهم لو اغتسلتم قال وروى من حديث البصريين أن رسول الله قال " من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل " قال وقول أكثر من لقيت من المفتين اختيار الغسل يوم الجمعة وهم يرون أن الوضوء يجزئ منه وفى حديث ابن عمر عن رسول الله " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " ما يدل على أن غسل يوم الجمعة لا يجب الوجوب الذى لا يجزئ غيره لان الغسل إذا وجب الوجوب الذى لا يجزئ غيره وجب على كل مصل جاء الجمعة أو تخلف عنها لان قول رسول الله " من جاء منكم الجمعة فليغتسل " يدل على أن لا غسل على من لم يأت الجمعة. باب نكاح البكر حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن عبد الله بن عباس أن رسول الله قال " الايم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها ". أخبرنا مالك عن عبد الرحمن ابن القاسم عن أبيه عن عبد الرحمن ومجمع ابني يزيد بن جارية عن خنساه ابنة خذام أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فأتت النبي فرد نكاحه. أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع وبنى بى وأنا ابنة تسع وكنت ألعب بالبنات فكن جوار يأتيننى فإذا رأين رسول الله تقمعن فكان رسول الله يسر بهن إلى (قال الشافعي) والولى الذى قال رسول الله " الايم أحق بنفسها منه " الاب خاصة لانه لا يكون لاحد ولاية معه وإنما تكون الولاية لغيره إذا لم يكن أب فهو الولى المطلق وحديث ابن عباس في الايم أحق بنفسها من وليها مثل حديث خنساء إذا كانت المرأة أيما والايم الثيب يزوجها أبوها بغير إذنها فرد رسول الله نكاحه (قال الشافعي) والبكر تستأذن في نفسها والله أعلم يستأذنها أبوها في نفسها وهذا يحتمل ما ذهبنا إليه والله أعلم فقلنا أمره الآباء بالاستئذان للابكار في الانكاح أطيب لانفسهن وأحرى إن كان بهن علة في أنفسهن أولهن علة فيمن يستأمرن في إنكاحه أن يذكرنها لا على أن لهن في أنفسهن مع آبائهن أمرا إن لم يأذن أن ينكحن لم يجز أن ينكحن وذهبنا إلى ذلك أن رسول الله تزوج عائشة وهى بنت سبع سنين وأدخلها عليه وهى بنت تسع سنين وهى في حال التزويج والدخول ممن لا أمر له في نفسه فلو كان النكاح لا يجوز على البكر إلا بإذنها لم يجز أن تزوج
[ 517 ]
حتى يكون لها أمر في نفسها كما قلنا في المولود يقتل أبوه يحبس قاتله حتى يبلغ الولد فيعفو أو يصالح أو يقتل لان ذلك لا يكون إلا بأمره وهو صغير لا أمر له فوقفنا قتل قاتل أبيه حتى يكون له أمر فقلنا إذا زوج الاب ابنته البكر بالغا أو صغيرة بغير إذنها لزمها النكاح وإن لم يستأمرها فإن قيل فما دل على أن قول النبي " تستأمر " على ما قلت قيل ما وصفت من نكاحه عائشة وهى لا أمر لها ودخول النبي صلى الله عليه وسلم بها وهى ممن لا أمر لها إذ زوجها أبوها وإنكاح الآباء الصغار قديما وإن لم يختلف أحد أن ذلك جائز عليهن فإن قيل فهل من دلالة غير ذلك ؟ قلت نعم قال الله لنبيه " وشاورهم في الامر " ولم يجعل الله لاحد مع نبينا أمرا بل فرض عليهم طاعته فيما أحبوا أو كرهوا فإن قيل فما معنى ذلك ؟ قيل والله أعلم هو يشبه أن يكون على استطابة أنفسهم وعلى أن يستن بالمشورة من بعده من ليس له ما لرسول الله فيه فإن قيل فهل من دليل غيره ؟ قيل نعم زوج نعيم بن النحام ابنته فكرهت ذلك أمها فأتت رسول الله فقال " آمروهن في بناتهن " وكانت ابنته بكرا ولا اختلاف أن ليس للام شئ من إنكاح ابنتها مع أبيها ولو كانت منفردة ولا من إنكاح نفسها إلا بوليها. باب النجش حدثنا الربيع بن سليمن قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النجش. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تناجشوا " أخبرنا سفيان ومالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي مثله (قال الشافعي) رحمه الله والنجش أن يحضر الرجل السلعة تباع فيعطى بها الشئ وهو لا يريد الشراء ليقتدى به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه قال فمن نجش فهو عاص بالنجش إن كان عالما بنهي رسول الله عنه ومن اشترى وقد نجش غيره بأمر صاحب السلعة أو غير أمره لزمه الشراء كما يلزم من لم ينجش عليه لان البيع جائز لا يفسده معصية رجل نجش عليه لان عقده غير النجش ولو كان بأمر صاحب السلعة لان الناجش غير صاحب السلعة فلا يفسد البيع إن فعل الناجش ما نهى عنه وهو غير المتبايعين فلا يفسد على المتبايعين بفعل غيرهما وأمر صاحب السلعة بالنجش معصية منه ومن الناجش معصية قال وقد بيع فيمن يزيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاز البيع وقد يجوز أن يكون زاد من لا يريد الشراء. باب في بيع الرجل على بيع أخيه حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبع بعضكم على بيع بعض ". أخبرنا مالك وسفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبع بعضكم على بيع بعض ". أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبع الرجل على بيع أخيه " أخبرنا سفيان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبى هريرة عن النبي مثله (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فنهى الرجل إذا اشترى من رجل سلعة ولم يتفرقا عن مقامهما الذى تبايعا فيه أن يبيع المشترى سلعة تشبه السلعة التى اشترى أولا لانه لعله يرد السلعة التى اشترى أولا ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للمتبايعين الخيار ما لم يتفرقا فيكون البائع الآخر قد أفسد على البائع الاول بيعه
[ 518 ]
ثم لعل البائع الآخر يختار نقض البيع فيفسد على البائع والمبتاع بيعه (قال الشافعي) لا أنهى رجلين قبل أن يتبايعا ولا بعد ما يتفرقان عن مكانهما الذى تبايعا فيه أن يبيع أي المتبايعين شاء لان ذلك ليس بيعا على بيع غيره فينهى عنه (قال) وهذا يوافق حديث " المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا " لما وصفت فإذا باع رجل رجلا على بيع أخيه في هذه الحال فقد عصى إذا كان عالما بالحديث فيه والبيع لازم لا يفسد فإن قال قائل وكيف لا يفسد وقد نهى عنه ؟ قيل بدلالة الحديث نفسه أرأيت لو كان البيع يفسد هل كان ذلك يفسد على البائع الاول شيئا إذا لم يكن للمشترى أن يأخذ البيع الآخر فيترك به الاول بل كان ينفع الاول لانه لو كان يفسد على كل بيع بيعه كان أرغب للمشترى فيه أفرأيت إن كان البيع الاول إذا لم يتفرق المتبايعان عن مقامهما لازما بالكلام كلزومه لو تفرقا ما كان البيع الآخر يضر البيع الاول أو رأيت لو تفرقا ثم باع رجل رجلا على ذلك البيع هل يضر الاول شيئا أو يحرم على البائع الآخر أن يبيعه رجل سلعة قد اشترى مثلها ولزمته هذا لا يضره وهذا يدل على أنه إنما ينهى عن البيع على بيع الرجل إذا تبايع الرجلان وقبل أن يتفرقا فأما في غير تلك الحال فلا. بيع الحاضر للبادى حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال " لا يبع حاضر لباد ". أخبرنا سفيان عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا يبع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض " (قال الشافعي) ليس في النهى عن بيع الحاضر للبادى بيان معنى والله أعلم لم نهى عنه إلا أن أهل البادية يقدمون جاهلين بالاسواق وبحاجة الناس إلى ما قدموا به ومستثقلين المقام فيكون أدنى من أن يرتخص المشترون سلعهم فإذا تولى أهل القرية لهم البيع ذهب هذا المعنى فلم يكن على أهل القرية في المقام شئ يثقل عليهم ثقله على أهل البادية فيرخصون لهم سلعهم ولم يكن فيهم الغرة بموضع حاجة الناس إلى ما يبيع الناس من سلعهم ولا بالاسواق فيرخصونها لهم فنهوا والله أعلم لئلا يكونوا سببا لقطع ما يرجى من رزق المشترى من أهل البادية لما وصفت من ارتخاصه منهم فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه لان البيع لو كان يكون مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى إلا الضرر على البادى من أن تحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلى هو أو باد مثله بيعها فيكون كمكسد لها وأحرى أن يرزق مشتريه منه بارتخاصه إياها بإكسادها بالامر الاول من رد البيع وغرة البادى الآخر فلم يكن ههنا معنى يخاف يمتنع فيه أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه والله أعلم إلا ما قلت من أن بيع الحاضر للبادى جائز غير مردود والحاضر منهى عنه. باب تلقى السلع حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تلقوا السلع " (قال الشافعي) وقد سمعت في هذا الحديث فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق (قال الشافعي) وبها نأخذ إن كان ثابتا وفى هذا دليل على أن الرجل إذا تلقى السلعة فاشتراها فالبيع جائز غير أن لصاحب السلعة بعد أن يقدم السوق الخيار لان تلقيها حين يشترى من البدوى قبل أن يصير
[ 519 ]
إلى موضع المساومين من الغرر له بوجه النقص من الثمن فإذا قدم صاحب السلعة السوق فهو بالخيار بين إنفاذ البيع ورده ولا خيار للمتلقى لانه هو الغار لا المغرور. باب عطية الرجل لولده حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن وعن محمد بن النعمان ابن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إنى نحلت ابني هذا غلاما كان لى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكل ولدك نحلت مثل هذا " ؟ قال لا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعه (قال الشافعي) وقد سمعت في هذا الحديث أن رسول الله قال " أليس يسرك أن يكونوا في البر إليك سواء " ؟ قال بلى قال " فارجعه ". حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاوس أن النبي قال " لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد من ولده " (قال الشافعي) وحديث النعمان ثابت وبه نأخذ وفيه الدلالة على أمور منها حسن الادب في أن لا يفضل رجل أحدا من ولده على بعض في نحل فيعرض في قلب المفضل عليه شئ يمنعه من بره لان كثيرا من قلوب الآدميين جبل على الاقتصار عن بعض البر إذا أوثر عليه والدلالة على أن نحل الوالد بعض ولده دون بعض جائز من قبل أنه لو كان لا يجوز كان يقال إعطاؤك إياه وتركه سواء لانه غير جائز فهو على أصل ملكت الاول أشبه من أن يقال ارجعه وقوله صلى الله عليه وسلم " فارجعه " دليل على أن للوالد رد ما أعطى الولد وأنه لا يحرج بارتجاعه منه فقد روى عن النبي أنه قال " أشهد غيرى " فهذا يدل على أنه اختيار (قال الشافعي) فإذا كان هكذا فسواء ادان الولد أو تزوج رغبة فيما أعطاه أبوه أو لم يدن أو لم يتزوج فله أن يرجع في هبته له متى شاء قال وقد حمد الله جل ثناؤه على إعطاء المال والطعام في وجوه الخير وأمر بهما فقال " وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين " وقال " مسكينا ويتيما " وقال " ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم " وقال " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " وقال " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " فإذا جاز هذا للاجنبيين وذوى القربى فلا أقرب من الولد وذلك أن الرجل إذا أعطى ماله ذا قرابته غير ولده أو أجنبيا فقد منعه ولده وقطع ملكه عن نفسه فإذا كان محمودا على هذا كان محمودا أن يعطيه بعض ولده دون بعض ومنع بعضهم ما أخرج من ماله أقل من منعهم كلهم ويستحب له أن يسوى بينهم لئلا يقصر واحد منهم في بره فإن القرابة تنفس بعضها بعضا ما لم تنفس العبادة " قال الربيع " يريد البعداء وقد فضل أبو بكر عائشة بنخل وفضل عمر عاصم بن عمر بشئ أعطاه إياه وفضل عبد الرحمن بن عوف ولد أم كلثوم (قال الشافعي) ولو اتصل حديث طاوس أنه لا يحل لواهب أن يرجع فيما وهب إلا الوالد فيما وهب لولده لزعمت أن من وهب هبة لمن يستثيبه مثله أولا يستثيبه وقبضت الهبة لم يكن للواهب أن يرجع في هبته وإن لم يثبته الموهوب له والله أعلم. باب بيع المكاتب حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت جاءتني بريرة فقالت إنى كاتبت أهلى على تسع أواق في كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أحب أهلك أن أعدها لهم عددتها ويكون ولاؤك لى فعلت فذهبت بريرة إلى أهلها فقالت لهم ذلك فأبوا عليها فجاءت من عند أهلها ورسول الله
[ 520 ]
جالس فقالت إنى عرضت ذلك عليهم فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم فسمع ذلك رسول الله فسألها النبي فأخبرته عائشة فقال لها رسول الله " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " ففعلت عائشة ثم قام رسول الله في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال " أما بعد فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق وإنما الولاء لمن أعتق ". أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة (قال الشافعي) وحديث يحيى عن عمرة عن عائشة أثبت من حديث هشام وأحسبه غلط في قوله " واشترطي لهم الولاء " وأحسب حديث عمرة أن عائشة كانت شرطت لهم بغير أمر النبي وهى ترى ذلك يجوز فأعلمها رسول الله أنها إن أعتقتها فالولاء لها وقال " لا يمنعك منها ما تقدم فيها من شرطك " ولا أرى أمرها أن تشترط لهم مالا يجوز (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وقد ذهب فيه قوم مذاهب سأذكر ما حضرني حفظه منها إن شاء الله (قال الشافعي) فقال لى بعض أهل العلم بالحديث والرأى يجوز بيع المكاتب قلت نعم في حالين قال وما هما ؟ قلت أن يحل نجم من نجوم الكتابة فيعجز عن أدائه لانه إنما عقدت له الكتابة على الاداء فإذا لم يؤد ففى نفس الكتابة أن للمولى بيعه لانه إذا عقدها على شئ فلم يأت به كان العبد بحاله قبل أن يكاتبه إن شاء سيده قال قد علمت بهذا فما الحال الثانية ؟ قلت أن يرضى المكاتب بالبيع والعجز من نفسه وإن لم يحل له نجم قال فأين هذا ؟ قلت أفليس في المكاتب شرطان إلى السيد بيعه في أحدهما وهو إذا لم يوفه ؟ قال بلى قلت والشرط الثاني للعبد ما أدرى لانه لم يخرج بالكتابة من ملك سيده قال أما الخروج من ملك سيده فلم يك بالكتابة (قال الشافعي) قلت وإذا لم يخرج من ملك سيده بالكتابة هل الكتابة إلا شرط للعبد على سيده وللسيد على عبده (1) ؟ قال لا قلت أرأيت من كان له شرط فتركه أليس ينفسخ شرطه ؟ قال أما من الاحرار قبلى قلت فلم لا يكون هذا في العبد ؟ قال العبد لو كان له مال فعفاه لم يجز له قلت فإن عفاه بإذن سيده ؟ قال تجوز قلت أفليس قد اجتمع العبد والسيد على الرضا بترك شرطه في الكتابة ؟ قال بلى قلت ولو اجتمعا على أن يعتق المكاتب عبده أو يهب ماله جاز ؟ قال بلى قلت فلم لا يجوز إذا اجتمعا على إبطال الكتابة أن يبطلاها ؟ قال وقلت له ذهاب بريرة إلى أهلها مساومة بنفسها لعائشة ورجوعها إلى عائشة بجواب أهلها بأن اشترطوا ولاءها ورجوعها بقبول عائشة ذلك يدل على رضاها بأن تباع ورضا الذى يكاتبها بذلك لانها لا تشترى إلا ممن كاتبها ؟ قال أجل فقلت فقد كان في هذا ما يكفيك مما سألت عنه قال فان قلت فلعلها عجزت قلت أفترى من استعان في كتابته معجزا قال لا قلت فحديثها يدل على أنها لم تعجز وإن كانت قد عجزت فلم يعجزها سيدها قال فلعل لاهلها بيعها قلت بغير رضاها ؟ قال لعل ذلك قلت أفتراها راضية إذا كانت مساومة بنفسها ورسولا لاهلها وإليهم ؟ قال نعم قلت فينبغي أن يذهب توهمك أنهم باعوها بغير رضا وتعلم أن من لقينا من المفتين إذا لم يختلفوا في أن لا يباع المكاتب قبل أن يعجز أو يرضى بالبيع لا يجهلون سنة رسول الله وأنه لو كان محتملا معنيين كان أولاهما ما ذهب إليه عوام الفقهاء مع أنه بين في الحديث كما وصفت أن لم تبع إلا برضاها ؟ قال أجل (قال الشافعي) فقال لى بعض الناس فما معنى إبطال النبي شرط عائشة لاهل بريرة ؟ قلت إن بينا والله أعلم في الحديث نفسه أن رسول الله قد أعلمهم أن الله قد قضى أن الولاء لمن أعتق وقال " ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم " الآية وأنه نسبهم إلى مواليهم كما نسبهم إلى آبائهم وكما لم يجز أن يحولوا عن آبائهم فكذلك لا يجوز أن يحولوا عن مواليهم ومواليهم الذين ولو امنتهم وقال الله " وإذ تقول للذى أنعم الله (1) لعله قال: نعم. تأمل. (*)
[ 521 ]
وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك " وقال رسول الله " الولاء لمن أعتق " ونهى رسول الله عن بيع الولاء وعن هبته وروى عنه أنه قال " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " فلما بلغهم هذا كان من اشترط خلاف ما قضى الله ورسوله عاصيا وكانت في المعاصي حدود وآداب وكان من آداب العاصين أن تعطل عليهم شروطهم لينكلوا عن مثلها وينكل بها غيرهم وكان هذا من أحسن الادب. باب الضحايا حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إسماعيل ابن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس ابن مالك أن رسول الله ضحى بكبشين أملحين. قال وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عباد بن تميم أن عويمر ابن أشقر ذبح أضحية قبل أن يغدو يوم الاضحى وأنه ذكر ذلك لرسول الله فأمره أن يعود بضحية أخرى قال وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار أن أبا بردة بن نيار ذبح قبل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاضحى فزعم أن رسول الله أمره أن يعود بضحية أخرى قال أبو بردة لا أجد إلا جذعا فقال النبي " وإن لم تجد إلا جذعا فاذبحه " (قال الشافعي) فاحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود بضحية أخرى لان الضحية واجبة واحتمل أن يكون إنما أمره أن يعود إن أراد أن يضحى لان الضحية قبل الوقت ليست بضحية تجزيه فيكون في عداد من ضحى قال ووجدنا الدلالة عن رسول الله أن الضحية ليست بواجبة لا يحل تركها وهى سنة يجب لزومها ويكره تركها لا على إيجابها فإن قيل فأين السنة التى دلت على أنها ليست بواجبة ؟ قيل أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن حميد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا دخل العشر فإن أراد أحدكم أن يضحى فلا يمس من شعره ولا بشره شيئا " (قال الشافعي) وفى هذا الحديث دلالة على أن الضحية ليست بواجبة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فإن أراد أن يضحى " ولو كانت الضحية واجبة أشبه أن يقول فلا يمس من شعره حتى يضحى ونأمر من أراد أن يضحى أن لا يمس من شعره شيئا حتى يضحى اتباعا واختيارا فإن قال قائل مادل على أنه اختيار لا واجب ؟ قيل له روى مالك بن أنس عن عبد الله بن أبى بكر عن عمرة عن عائشة قالت أنا فتلت قلائد هدى رسول الله بيدى ثم قلدها رسول الله بيده ثم بعث بها مع أبى فلم يحرم على رسول الله شئ أحله الله له حتى نحر الهدى (قال الشافعي) في هذا دلالة على ما وصفت من أن المرء لا يحرم بالبعثة بهديه يقول البعثة بالهدى أكبر من إرادة الضحية. باب المختلفات التى يوجد على ما يوجد منها دليل على غسل القدمين ومسحهما حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) نحن نقرأ آية الوضوء " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " بنصب أرجلكم على معنى فاغسلوا وجوهكم وأيديكم وأرجلكم وامسحوا برءوسكم وعلى ذلك عندنا دلالة السنة والله أعلم قال والكعبان اللذان أمر بغسلهما ما أشرف من مجمع مفصل الساق والقدم والعرب تسمى كل ما أشرف واجتمع كعبا حتى تقول كعب سمن (قال الشافعي) فذهب عوام أهل العلم أن قول الله " وأرجلكم إلى الكعبين " كقوله " وأيديكم إلى المرافق " وأن المرافق والكعبين مما يغسل. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن ابن أبى ذئب عن عمران بن بشير عن سالم سبلان مولى (م 8 77)
[ 522 ]
النضريين قال خرجنا مع عائشة زوج النبي إلى مكة فكانت تخرج بأبى حتى يصلى بها قال فأتى عبد الرحمن بن أبى بكر بوضوء فقالت عائشة أسبغ الوضوء فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ويل للاعقاب من النار يوم القيامة " (قال الشافعي) وأخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبى سعيد عن أبى سلمة عن عائشة أنها قالت لعبد الرحمن أسبغ الوضوء يا عبد الرحمن فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ويل للاعقاب من النار " (قال الشافعي) فلا يجزئ متوضئا إلا أن يغسل ظهور قدميه وبطونهما وأعقابهما وكعبيه معا (قال) وقد روى أن رسول الله مسح على ظهور قدميه وروى أن رسول الله رش على ظهورهما وأحد الحديثين من وجه ساحل الاسناد قال فإن قال قائل فلم لا يجزئ مسح ظهور القدمين أو رشهما ولا يكون مضادا لحديث أن النبي غسل قدميه كما أجزأ المسح على الخفين ولم يكن مضادا لغسل القدمين ؟ قيل له الخفان حائلان دون القدمين فلا يجوز أن يقال المسح عليهما يضاد غسل القدمين وهو غيرهما والذى قال مسح أو رش ظهور القدمين فقد زعم أن ليس بواجب على المتوضئ غسل بطن القدمين ولا تخليل بين أصابعهما ولا غسل أصابعهما ولا غسل عقبيه ولا كعبيه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويل للاعقاب من النار " وقال " ويل للعراقيت من النار " ولا يقال ويل لهما من النار إلا وغسلهما واجب لان العذاب إنما يكون على ترك الواجب وقال رسول الله لاعمى يتوضأ " بطن القدم بطن القدم " فجعل الاعمى يغسل بطن القدم ولا يسمع النبي فسمى البصير فإن قال قائل فما جعل هذه الاحاديث أولى من حديث مسح ظهور القدمين ورشهما ؟ قيل أما أحد الحديثين فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد وأما الحديث الآخر فحسن الاسناد ولو كان منفردا ثبت والذى يخالفه أكثر وأثبت منه وإذا كان هكذا كان أولى ومع الذى خالفه ظاهر القرآن كما وصفت وهو قول الاكثر من العامة. باب الاسفار والتغليس بالفجر حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن محمد بن عجلان عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج أن رسول الله قال " أسفروا بالصبح فإن ذلك أعظم لاجوركم " أو قال " للاجر " أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت كن نساء من المؤمنات يصلين مع النبي وهن متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى أهلهن ما يعرفهن أحد من الغلس قال وروى زيد بن ثابت عن النبي ما يوافق هذا وروى مثله أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم (قال الشافعي) فقلنا إذا انقطع الشك في الفجر الآخر وبان معترضا فالتغليس بالصبح أحب إلينا، وقال بعض الناس الاسفار بالفجر أحب إلينا قال وروى حديثان مختلفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذنا بأحدهما وذكر حديث رافع بن خديج وقال أخدنا به لانه كان أرفق بالناس قال وقال لى أرأيت إن كانا مختلفين فلم صرت إلى التغليس ؟ قلت لان التغليس أولاهما بمعنى كتاب الله وأثبتهما عند أهل الحديث وأشبههما بجمل سنن النبي صلى الله عليه وسلم وأعرفهما عند أهل العلم قال فاذكر ذلك قلت قال الله تعالى " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى " فذهبنا إلى أنها الصبح وكان أقل ما في الصبح إن لم تكن هي أن تكون مما أمرنا بالمحافظة عليه فلما دلت السنة ولم يختلف أحد أن الفجر إذا بان معترضا فقد جاز أن يصلى الصبح علمنا أن مؤدى الصلاة في أول وقتها أولى بالمحافظة عليها من مؤخرها وقال رسول الله " أول الوقت رضوان الله " وسئل رسول الله أي الاعمال أفضل ؟ فقال " الصلاة في أول وقتها " ورسول الله لا يؤثر على رضوان الله ولا على أفضل الاعمال شيئا (قال الشافعي) ولم يختلف أهل العلم
[ 523 ]
في امرئ أراد التقرب إلى الله بشئ يتعجله مبادرة ما لا يخلو منه الآدميون من النسيان والشغل ومقدم الصلاة أشد فيها تمكنا من مؤخرها وكانت الصلاة المقدمة من أعلى أعمال بنى آدم وأمرنا بالتغسيل بها لما وصفنا قال فأبن أن حديثك الذى ذهبت إليه أثبتهما قلت حديث عائشة وزيد بن ثابت وثالث معهما عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتغليس أثبت من حديث رافع بن خديج وحده في أمره بالاسفار فإن رسول الله لا يأمر بأن تصلى صلاة في وقت ويصليها في غيره (قال الشافعي) وأثبت الحجج وأولاها ما ذكرنا من أمر الله بالمحافظة على الصلوات ثم قول رسول الله " أول الوقت رضوان الله " وقوله إذ سئل أي الاعمال أفضل ؟ قال " الصلاة في أول وقتها " قال فقال فيخالف حديث رافع بن خديج حديثكم في التغليس قلت إن خالفه فالحجة في أخذنا بحديثنا ما وصفت وقد يحتمل أن لا يخالفه بأن يكون الله أمرنا بالمحافظة على الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ذلك أفضل الاعمال وأنه رضوان الله " فلعل من الناس من سمعه فقدم الصلاة قبل أن يتبين الفجر فأمرهم أن يسفروا حتى يتبين الفجر الآخر فلا يكون معنى حديث رافع ما أردت من الاسفار ولا يكون حديثه مخالفا حديثنا قال فما ظاهر حديث رافع ؟ قلت الامر بالاسفار لا بالتغليس وإذا احتمل أن يكون موافقا للاحاديث كان أولى بنا أن لا ننسبه إلى الاختلاف وإن كان مخالفا فالحجة في تركنا إياه بحديثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وصفت من الدلائل معه. باب رفع الايدى في الصلاة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي منكبيه وإذا أراد أن يركع وبعد ما يرفع رأسه من الركوع ولا يرفع بين السجدتين. أخبرنا سفيان عن عاصم بن كليب قال سمعت أبى يقول حدثنى وائل ابن حجر قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه حذو منكبيه وإذا ركع وبعد ما يرفع رأسه قال وائل ثم أتيتهم في الشتاء فرأيتهم يرفعون أيديهم في البرانس (قال الشافعي) وروى هذا الحديث أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصدقوه معا (قال الشافعي) رحمه الله: وبهذا نقول فنقول إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه وإذا أراد أن يركع رفعهما وكذلك أيضا إذا رفع رأسه من الركوع ولا يرفع يديه في شئ من الصلاة غير هذه المواضع (قال الشافعي) رحمه الله: وبهذه الاحاديث تركنا ما خالفها من الاحاديث (قال الشافعي) لانها أثبت إسنادا منه وأنها عدد والعدد أولى بالحفظ من الواحد فإن قيل فإنا نراه رأى المصلى يرخى يديه فلعله أراد رفعهما فلو كان رفعهما مدا احتمل مدا حتى المنكبين واحتمل ما يجاوزه ويجاوز الرأس ورفعهما ولا يجاوز المنكبين وهذا حذو حتى يحاذي منكبيه وحديثنا عن الزهري أثبت إسنادا ومعه عدد يوافقونه ويحددونه تحديدا لا يشبه الغلط والله أعلم. فإن قيل أفيجوز أن يجاوز المنكبين ؟ قيل لا ينقص الصلاة ولا يوجب سهوا والاختيار أن لا يجاوز المنكبين. باب الخلاف فيه حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس في رفع اليدين في الصلاة فقال إذا افتتح الصلاة المصلى رفع يديه حتى يحاذي أذنيه ثم لا يعود يرفعهما في شئ من الصلاة واحتج بحديث رواه يزيد بن أبى زياد عن عبد الرحمن
[ 524 ]
ابن أبى ليلى عن البراء بن عازب قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة يرفع يديه قال سفيان ثم قدمت الكوفة فلقيت يزيد بها فسمعته يحدث بهذا وزاد فيه ثم لا يعود فظنت أنهم لقنوه قال سفيان هكذا سمعت يزيد يحدثه هكذا ويزيد فيه ثم لا يعود قال وذهب سفيان إلى أن يغلط يزيد في هذا الحديث ويقول كأنه لقن هذا الحرف الآخر فلقنه ولم يكن سفيان يرى يزيد بالحافظ لذلك قال فقلت لبعض من يقول هذا القول أحديث الزهري عن سالم عن أبيه أثبت عند أهل العلم بالحديث أم حديث يزيد ؟ قال بل حديث الزهري وحده قلت فمع الزهري أحد عشر رجلا من أصحاب رسول الله منهم أبو حميد الساعدي وحديث وائل بن حجر كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم بما وصفت وثلاثة عشر حديثا أولى أن تثبت من حديث واحد ومن أصل قولنا وقولك أنه لو لم يكن معنا إلا حديث واحد ومعك حديث يكافئه في الصحة فكان في حديثك أن لا يعود لرفع اليدين وفى حديثنا يعود لرفع اليدين كان حديثنا أولى أن يؤخذ به لان فيه زيادة حفظ ما لم يحفظ صاحب حديثك فكيف صرت إلى حديثك وتركت حديثنا والحجة لنا فيه عليك بهذا وبأن إسناد حديثك ليس كإسناد حديثنا بأن أهل الحفظ يرون أن يزيد لقن " ثم لا يعود " قال فإن إبراهيم النخعي أنكر حديث وائل ابن حجر وقال أترى وائل بن حجر أعلم من على وعبد الله ؟ قلت وروى إبراهيم عن على وعبد الله أنهما رويا عن النبي خلاف ما روى وائل بن حجر قال: لا ولكن ذهب إلى أن ذلك لو كان روياه أو فعلاه ؟ قلت: أفروى هذا إبراهيم عن على وعبد الله نصا ؟ قال: لا قلت فخفي عن إبراهيم شئ رواه على وعبد الله أو فعلاه ؟ قال ما أشك في ذلك قلت فتدرى لعلهما قد فعلاه فخفي عنه أو روياه فلم يسمعه قال: إن ذلك ليمكن قلت أفرأيت جميع ما رواه إبراهيم فأخذ به فأحل به وحرم ؟ أرواه عن على وعبد الله ؟ قال: لا قلت فلم احتججت بأنه ذكر عليا وعبد الله وقد يأخذ هو وغيره عن غيرهما ما لم يأت عن واحد منهما ومن قولنا وقولك أن وائل بن حجر إذ كان ثقة لو روى عن النبي شيئا فقال عدد من أصحاب النبي لم يكن ما روى كان الذى قال كان أولى أن يؤخذ بقوله من الذى قال لم يكن وأصل قولنا أن إبراهيم لو روى عن على وعبد الله لم يقبل منه لانه لم يلق واحدا منهما إلا أن يسمى من بينه وبينهما فيكون ثقة للقيهما ثم أردت إبطال ما روى وائل بن حجر عن النبي بأن لم يعلم إبراهيم فيه قول على وعبد الله قال: فلعله علمه قلت ولو علمه لم يكن عندك فيه حجة بأن رواه فإن كنت تريد أن توهم من سمعه أنه رواه بلا أن يقول هو رويته جاز لنا أن نتوهم في كل ما لم يرو أنه علم فيه ما لم يقل لنا علمنا ولو روى عنهما خلافه لم عندك فيه حجة فقال وائل أعرابي فقلت أفرأيت فرثعا الضبى وقزعة وسهم بن منجاب حين روى إبراهيم عنهم وروى عن عبيد ابن نضلة أهم أولى أن يروى عنهم أم وائل بن حجر وهم معروف عندكم بالصحابة وليس واحد من هؤلاء فيما زعمتم معروفا عندكم بحديث ولا شئ ؟ قال: بل وائل بن حجر قلت فكيف ترد حديث رجل من الصحابة وتروى عمن دونه ونحن إنما قلنا برفع اليدين عن عدد لعله لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا قط عدد أكثر منهم غير وائل بن حجر ووائل أهل أن يقبل عنه (قال الشافعي) وقيل عن بعض أهل ناحيتنا إنه لمروى عن رسول الله رفع اليدين في الافتتاح وعند رفعه من الركوع وما هو بالمعمول به ثم قال إن الناس كانوا إذا ناموا من الليل في شهر رمضان لم يأكلوا ولم يجامعوا حتى نزلت الرخصة فأكلوا وشربوا وجامعوا إلى الفجر فأما قوله ليس بالمعمول به فقد أعيانا أن نجد عند أحد علم هؤلاء الذين إذا عملوا بالحديث ثبت عنده فإذا تركوا العمل به سقط عنده وهو يروى أن النبي فعله وأن ابن عمر فعله ولا يروى عن أحد يسميه أنه تركه فليث شعرى من هؤلاء الذى لم أعلمهم خلقوا ثم يحتج بتركهم العمل وغفلتهم فأما قوله في الناس كانوا لا يأكلون بعد النوم في شهر رمضان حتى أرخص لهم أن
[ 525 ]
أشياء قد كانت ثم نسخها الله فذلك كما قال وقد بين الله ما نسخها وبينه رسول الله أفيجوز أن يقال لما قال رسول الله هو منسوخ بلا خبر عن رسول الله أنه منسوخ ؟ فإن قال: لا قيل فاين الخبر أن رسول الله رفع اليد في الصلاة ؟ فإن قال فلعله كان ولم يحفظ قيل أفيجوز في كل خبر رويته عن النبي أن يقال قد كان هذا ولعله منسوخ فيرد علينا أهل الجهالة السنن ب " لمعله " (قال الشافعي) وإن كان تركك أحاديث رسول الله بمثل ما وصفت من هذا المذهب الضعيف فكيف لمنا ولاموا من ترك من الاحاديث شيئا من أهل الكلام الذين يعتلون في تركها بأحسن وأقوى من هذا المذهب الضعيف. باب صلاة المنفرد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن حصين أظنه عن هلال بن يساف سمع ابن أبى بردة قال أخذ بيدى زياد بن أبى الجعد فوقف بى على شيخ بالرقة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له وابصة بن معبد فقال أخبرني هذا الشيخ أن رسول الله رأى رجلا يصلى خلف الصف وحده فأمره أن يعيد الصلاة " قال الشافعي " وقد سمعت من أهل العلم بالحديث من يذكر أن بعض المحدثين يدخل بين هلال بن يساف ووابصة فيه رجلا ومنهم من يرويه عن هلال عن وابصة سمعه منه وسمعت بعض أهل العلم منهم كأنه يوهنه بما وصفت وسمعت من يروى بإسناد حسن أن أبا بكرة ذكر للنبى أنه ركع دون الصف فقال له النبي " زادك الله حرصا ولا تعد " فكأنه أحب له الدخول في الصف ولم ير عليه العجلة بالركوع حتى يلحق بالصف ولم يأمره بالاعادة بل فيه دلالة على أنه رأى ركوعه منفردا مجزئا عنه ومن حديثنا حديث ثابت أن صلاة المنفرد خلف الامام تجزئه فلو ثبت الحديث الذى يروى عن وابصة كان حديثنا أولى أن يؤخذ به لان معه القياس وقول العامة فإن قال قائل: وما القياس وقول العامة ؟ قيل أرأيت صلاة الرجل منفردا أتجرئ عنه ؟. فإن قال: نعم قلت وصلاة الامام أمام الصف وهو في صلاة جماعة ؟ فإن قال: نعم قيل فهل يعدو المنفرد خلف المصلى أن يكون كالامام المنفرد أمامه أو يكون كرجل منفرد يصلى لنفسه منفردا ؟ فإن قيل فهكذا سنة موقف الامام والمنفرد قيل فسنة موقفهما تدل على أن ليس في الانفراد شئ يفسد الصلاة فإن قال بالحديث فيه قيل في الحديث ما ذكرنا فإن قيل فاذكر حديثك. قيل أخبرنا مالك عن إسحق بن عبد الله ابن أبى طلحة عن أنس بن مالك أن جدته مليكة دعت النبي إلى طعام صنعته فأكل منه ثم قال " قوموا فلاصلى لكم " قال أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بالماء فقام عليه رسول الله وصففت أنا واليتم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا ركعتين ثم انصرف حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن إسحق بن عبد الله أنه سمع عمه أنس بن مالك يقول صليت أنا ويتيم لنا خلف النبي في بيتنا وأم سلمة خلفنا (قال الشافعي) فأنس يحكى أن امرأة صلت منفردة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فرق في هذا بين امرأة ورجل فإذا أجزأت المرأة صلاتها مع الامام منفردة أجزأ الرجل صلاته مع الامام منفردا كما تجزئها هي صلاتها.
[ 526 ]
باب المختلفات التى يوجد على ما يؤخذ منها دليل على صلاة الخوف حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) قال الله جل ثناؤه في صلاة الخوف " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة " الآية. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع النبي يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وصفت طائفة وجاه العدو وصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لانفسهم ركعة ثم انصرفوا وصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم الركعة التى بقيت عليه ثم ثبت جالسا وأتموا لانفسهم ثم سلم بهم. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأخبرنا من سمع عبد الله بن عمر عن حفص يذكر عن أخيه عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن خوات بن جبير عن النبي مثل معناه لا بخالفه (قال الشافعي) وأخذنا بهذا في صلاة الخوف إذا كان العدو في غير جهة القبلة أو جهتها غير مأمونين لثبوته عن النبي وموافقته للقرآن قال وروى ابن عمر عن النبي في صلاة الخوف شيئا يخالف فيه هذه الصلاة روى أن طائفة صفت مع النبي وطائفة وجاه العدو فصلى بالطائفة التى معه ركعة ثم استأخروا ولم يتموا الصلاة فوقفوا بإزاء العدو وجاءت الطائفة التى كانت بإزاء العدو فصلوا معه الركعة التى بقيت عليه ثم انصرفت وقامت الطائفتان معا فأتموا لانفسهم (قال الشافعي) فإن قال قائل كيف أخذت بحديث خوات بن جبير دون حديث ابن عمر ؟ قيل لمعنيين أحدهما موافقة القرآن وأن معقولا فيه أنه عدل بين الطائفتين وأحرى أن لا يصيب المشركون غرة من المسلمين فإن قال فأين موافقة القرآن ؟ قلت قال الله " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " إلى " وأسلحتهم " الآية (قال الشافعي) فذكر الله صلاة الطائفة الاولى معه قال " فإذا سجدوا " فاحتمل أن يكون إذا سجدوا ما عليهم من السجود كله كانوا من ورائهم ودلت السنة على ما احتمل القرآن من هذا فكان أولى معانيه والله أعلم وذكر الله خروج الامام بالطائفتين من الصلاة ولم يذكر على واحدة من الطائفتين ولا على الامام قضاء وهكذا حديث خوات بن جبير قال ولما كانت الطائفة الاولى مأمورة بالوقوف بإزاء العدو وفى غير صلاة كان معلوما أن الواقف في غير صلاة يتكلم بما يرى من حركة العدو وإرادته ومددا إذا جاءه فيفهمه عنه الامام والمصلون فيخفف أو يقطع أو يعلمونه أن حركتهم حركة لا خوف فيها عليهم فيقيم على صلاته مطيلا لا معجلا وتخالفهم الطائفة التى بإزائهم أو بعضها وهى في غير صلاة والحارس في غير صلاة أقوى من الحارس مصليا فكان أن تكون الطائفة الاخرى إذا حرست الاولى إذ صارت مصلية والحارسة غير مصلية أشبه من أن تكون الاولى قد أخذت من الآخرة ما لم تعطها والحديث الذى يخالف حديث خوات بن جبير تكون فيه الطائفتان معا في بعض الصلاة ليس لهما حارس إلا الامام وحده وإنما أمر الله إحدى الطائفتين بحراسة الاخرى والطائفة الجماعة لا الامام الواحد قال وإنما أراد الله أن لا يصيب المشركون غرة من أهل دينه وحديث خوات بن جبير كما وصفنا أقوى في المكيدة وأحسن لكل المسلمين من الحديث الذى يخالفه (قال الشافعي) فبهذه الدلائل قلنا بحديث خوات بن جبير (قال الشافعي) وقد روى حديث لا يثبت أهل العلم بالحديث مثله أن النبي صلى بذى قرد بطائفة ركعة ثم سلموا وبطائفة ركعة ثم سلموا فكانت للامام ركعتان وعلى كل واحدة ركعة وإنما تركناه لان جميع الاحاديث في صلاة الخوف مجتمعة على أن على المأمومين من عدد الصلاة مثل ما على الامام وكذلك أصل الفرض في الصلاة على الناس واحد في العدد ولانه لا يثبت عندنا مثله لشئ في بعض إسناده قال وروى في صلاة الخوف أحاديث لا نضاد حديث خوات بن جبير وذلك أن جابرا روى أن النبي صلى ببطن نخل
[ 527 ]
صلاة الخوف بطائفة ركعتين ثم سلم ثم جاءت الطائفة الاخرى فصلى بهم ركعتين ثم سلم وهاتان الطائفتان محروستان فإن صلى الامام هكذا أجزأ عنه (قال الشافعي) وقد روى أبو عياش الزرقى أن العدو كان في القبلة فصلى النبي بالطائفتين معا بعسفان فركع وركعوا ثم سجد فسجدت معه طائفة وقامت طائفة تحرسه فلما قام سجد الذين يحرسونه وهكذا نقول لان أصحاب النبي كانوا كثيرا والعدو قليل لا حائل بينهم وبينه يخاف حملتهم فإذا كانوا هكذا صليت صلاة الخوف هكذا وليس هذا مضادا للحديث الذى أخذنا به ولكن الحالين مختلفان. باب صلاة كسوف الشمس والقمر (قال الربيع) أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس قال خسفت الشمس فصلى رسول الله فحكى ابن عباس أن صلاته ركعتان في كل ركعة ركوعان ثم خطبهم فقال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله " أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة. وحدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال وأخبرنا مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة قالت خسفت الشمس فصلى النبي فحكت أنه صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان. أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن كثير بن عباس بن عبد المطلب أن رسول الله صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان. أخبرنا سفيان عن اسماعيل بن أبى خالد عن قيس بن أبى حازم عن أبى مسعود الانصاري قال انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله فقال الناس انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقال النبي " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة " (قال الشافعي) فبهذا نقول إذا كسفت الشمس والقمر صلى الامام بالناس ركعتين في كسوف كل واحد منهما في كل ركعة ركوعان فإن لم يصل الامام صلى المرء لنفسه كذلك (قال الشافعي) وبلغنا أن عثمان بن عفان صلى في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان. باب الخلاف في ذلك حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا في ذلك بعض الناس في صلاة لكسوف فقال يصلى في كسوف الشمس والقمر ركعتين كما يصلى الناس في كل يوم وليس في كل ركعة ركوعان (قال الشافعي) فذكرت له بعض حديثنا فقال هذا ثابت وإنما أخذنا بحديث لنا غيره فذكر حديثا عن أبى بكرة أن النبي صلى في الكسوف ركعتين نحوا من صلاتكم هذه وذكر حديثا عن سمرة بن جندب في معناه فقلت له ألست تزعم أن الحديث إذا جاء من وجهين فاختلفا وكان في الحديث زيادة كان الجائى بالزيادة أولى أن يقبل قوله لانه أثبت ما لم يثبت الذى نقص الحديث ؟ قال: بلى فقلت ففى حديثنا الزيادة التى تسمع فقال أصحابه عليك أن ترجع إليه وقال فالنعمان بن بشير يقول صلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكر في كل ركعة ركوعان فقلت فالنعمان يزعم أن النبي صلى ركعتين ثم نظر فلم تنجل الشمس فقام فصلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين أفتأخذ به ؟ قال: لا قلت فأنت إذا تخالف حديث النعمان وحديثنا وليس لك في حديث النعمان إلا مالك في حديث أبى بكرة وسمرة وأنت تعلم أن إسنادنا في حديثنا من أثبت إسناد الناس فقال روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ثلاث ركوعات في كل ركعة قال فقلت له فتقول
[ 528 ]
به أنت ؟ قال: لا ولكن لم لم تقل به أنت وهو زيادة على حديثكم ؟ قلت له نثبته قال: ولم لا تثبته ؟ قلت هو من وجه منقطع ونحن لا نثبت المقطع على وجه الانفراد ووجه نراه والله أعلم غلطا قال: وهل تروى عن ابن عباس صلاة ثلاث ركوعات ؟ قلت نعم أخبرنا سفيان عن سليمان الاحول يقول سمعت طاوسا يقول خسفت الشمس فصلى بنا ابن عباس في صفة زمزم ست ركعات في أربع سجدات (قال الشافعي) هذا ومع المحفوظ عندنا عن ابن عباس حديث عائشة وأبى موسى وكثير بن عباس عن النبي موافقة كلها أن النبي صلى ركعتين في كل ركعة ركوعان قال فما جعل زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أثبت من سليمن الاحول عن طاوس عن ابن عباس ؟ فقلت الدلالة عن ابن عباس موافقة حديث زيد بن أسلم عنه قال: فأين الدلالة ؟ قيل روى إبراهيم بن محمد عن عبد الله بن أبى بكر عن عمر وصفوان بن عبد الله بن صفوان قال رأيت ابن عباس صلى على ظهر زمزم في كسوف الشمس ركعتين في كل ركعة ركعوعان قال وابن عباس لا يصلى في الخسوف خلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إن شاء الله قال وإذا كان عطاء بن يسار وعمر وصفوان بن عبد الله يروون عن ابن عباس خلاف ما روى سليمان الاحول كانت رواية ثلاثة أولى أن تقبل وعبد الله بن أبى بكر وزيد بن أسلم أكثر حديثا وأشبه بالعلم بالحديث من سليمان وقد روى عن ابن عباس أنه صلى في زلزلة ثلاث ركوعات في كل ركعة قلت لو ثبت عن ابن عباس أشبه أن يكون ابن عباس فرق بين خسوف الشمس والقمر والزلزلة وإن سوى بينهما فأحاديثنا أكثر وأثبت مما رويت فأخذنا بالاكثر الا ثبت وكذلك نقول نحن وأنت قال ومن أصحابكم من قال لا يصلى في خسوف القمر صلاة جماعة كما يصلى في خسوف الشمس قلت فقد خالفنا نحن وأنت فلا عليك أن لا تذكر قوله قال فما الحجة عليه ؟ قلت حديثه حجة عليه وهو يروى عن ابن عباس أن النبي قال " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله " ثم كان ذكر الله الذى فزع إليه رسول الله الصلاة لكسوف الشمس وأمره مثله فعله وقد أمر في خسوف القمر بالفزع إلى ذكر الله كما أمر به في خسوف الشمس وقد قال الله عزوجل " قد أفلح من تزكي * وذكر اسم ربه فصلى " ولو لم يكن عليه حجة لا هذا كانت عليه وفى حديث ابن عيينة أن النبي أمرهم في الشمس والقمر أن يفزعوا إلى ذكر الله وإلى الصلاة وفى الحديث الثابت أن ابن عباس صلى في خسوف القمر كما صلى في كسوف الشمس ثم أعلمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ذلك قال فمن أين تراه أنت ؟ قلت ما يعلم كل الناس كل شئ وما يؤمن في العلم أن يجهله بعض من ينسب إليه. باب من أصبح جنبا في شهر رمضان حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الانصاري عن أبى يونس مولى عائشة عن عائشة أن رجلا قال لرسول الله وهو واقف على الباب وأنا أسمع يا رسول الله إنى أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فقال رسول الله " وأنا أصبح جنبا وأنا أريد الصوم فأغتسل وأصوم ذلك اليوم " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن سمى مولى أبى بكر أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن يقول كنت أنا وأبى عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقال مروان أقسمت عليك يا عبد الرحمن لتذهبن إلى أمي المؤمنين عائشة وأم سلمة فتسألهما عن ذلك قال أبو بكر فذهب عبد الرحمن وذهبت معه حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها عبد الرحمن وقال: يا أم المؤمنين إنا كنا عند مروان فذكر له أن
[ 529 ]
أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم فقالت عائشة ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن أترغب عما كان رسول الله يفعله ؟ قال عبد الرحمن لا والله قالت عائشة فأشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان ليصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم قال ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة فخرجنا حتى جئنا مروان فقال له عبد الرحمن ما قالتا فأخبره قال مروان أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي بالباب فلتأتين أبا هريرة فلتخبره بذلك قال فركب عبد الرحمن وركبت معه حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة ثم ذكر له ذلك فقال أبو هريرة لا علم لى بذلك إنما أخبرنيه مخبر. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان قال حدثنى سمى مولى أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن عائشة أنها قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يدركه الصبح وهو جنب فيغتسل ويصوم يومه (قال الشافعي) رحمه الله فأخذنا بحديث عائشة وأم سلمة زوجي النبي صلى الله عليه وسلم دون ما روى أبو هريرة عن رجل عن رسول الله بمعان. منها: أنهما زوجتاه وزوجتاه أعلم بهذا من رجل إنما يعرفه سماعا أو خبرا. ومنها: أن عائشة مقدمة في الحفظ وأن أم سلمة حافظة ورواية اثنين أكثر من رواية واحد. ومنها: أن الذى روتا عن النبي المعروف في المعقول والاشبه بالسنة. فإن قال قائل: وما يعرف منه في المعقول ؟ قيل إذا كان الجماع والطعام والشراب مباحا في الليل قبل الفجر وممنوعا بعد الفجر إلى مغيب الشمس فكان الجماع قبل الفجر أما كان في الحال التى كان فيها مباحا ؟ فإذا قيل: بلى قيل أفرأيت الغسل أهو الجماع أم هو شئ وجب بالجماع ؟ فإن قال هو شئ وجب بالجماع قيل وليس في فعله شئ محرم على صائم في ليل ولا نهار: فإن قال: لا قيل فبذلك زعمنا أن الرجل يتم صومه لانه يحتلم بالنهار فيجب عليه الغسل ويتم صومه لانه لم يجامع في نهار وأن وجوب الغسل لا يوجب إفطارا فإن قال فهل لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تشبه هذا ؟ قيل: نعم الدلالة عن رسول الله والنهى عن الطيب للمحرم وقد كان تطيب حلالا قبل يحرم بما بقى عليه لونه ورائحته بعد الاحرام لان نفس التطيب كان وهو مباح وهذا في أكثر معنى ما يجب به الغسل من جماع متقدم قبل يحرم الجماع (قال الشافعي) فإن قال قائل: فأنى ترى الذى روى خلاف عائشة وأم سلمة ؟ قيل والله أعلم: قد يسمع الرجل سائلا يسأل عن رجل جامع أهله بليل وأقام مجامعا بعد الفجر شيئا فأمر بأن يقضى لان بعض الجماع قد كان في الوقت الذى يحرم فيه. فان قال قائل: فكيف إذا أمكن هذا على محدث ثقة ثبت حديثه ولزمت به حجة ؟ قيل كما يلزم بشهادة الشاهدين الحكم في المال والدم ما لم يخالفهما غيرهما وقد يمكن عليهما الغلط والكذب فلا يجوز أن يترك الحكم بشهادتهما إن كانا عدلين في الظاهر ولو شهد غيرهما بضد شهادتهما لم يستعمل شهادتهما كما يستعملها إذا انفردا فحكم المحدث لا يخالفه غيره كحكم الشاهدين لا يخالفهما غيرهما ويحول حكمه إذا خالفه غيره بما وصفت ويؤخذ من الدلائل على الاحفظ من المحدثين بما وصفت بما لا يؤخذ في شهادة الشهود بحال إن كان إلا قليلا. باب الحجامة للصائم حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن خالد الحداء عن أبى قلابة عن أبى الاشعث الصنعانى عن شداد بن أوس. قال: كنت مع النبي زمان الفتح فرأى رجلا يحتجم لثمان عشرة خلت (م 8 78)
[ 530 ]
من رمضان فقال وهو آخذ بيدى " أفطر الحاجم والمحجوم " أخبرنا سفيان عن يزيد بن أبى زياد عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله احتجم محرما صائما (قال الشافعي) وسماع ابن أوس عن رسول الله عام الفتح ولم يكن يومئذ محرما ولم يصحبه محرم قبل حجة الاسلام فذكر ابن عباس حجامة النبي عام حجة الاسلام سنة عشر وحديث " أفطر الحاجم والمحجوم " في الفتح سنة ثمان قبل حجة الاسلام بسنتين (قال الشافعي) فإن كانا ثابتين فحديث ابن عباس ناسخ وحديث " أفطر الحاجم والمحجوم " منسوخ (قال) وإسناد الحديثين معا مشتبه وحديث ابن عباس أمثلهما إسنادا فإن توقى رجل الحجامة كان أحب إلى احتياطا ولئلا يعرض صومه أن يضعف فيفطر وإن احتجم فلا تفطره الحجامة إلا أن يحدث بعدها ما يفطره مما لو لم يحتجم ففعله فطره (قال الشافعي) ومع حديث ابن عباس القياس أن ليس الفطر من شئ يخرج من جسد إلا أن يخرجه الصائم من جوفه متقيئا وأن الرجل قد ينزل غير متلذذ فلا يبطل صومه ويعرق ويتوضأ ويخرج منه الخلاء والريح والبول ويغتسل ويتنور فلا يبطل صومه وإنما الفطر من إدخال البدن أو التلذذ بالجماع أو التقيؤ فيكون على هذا إخرج شئ من جوفه كما عمد إدخاله فيه قال والذى أحفظ عن بعض أصحاب رسول الله والتابعين وعامة المدنيين أنه لا يفطر أحد بالحجامة. باب نكاح المحرم حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن شهاب قال أخبرني يزيد ابن الاصم أن رسول الله نكح ميمونة وهو حلال قال عمرو: قلت لابن شهاب أتجعل يزيد الاصم إلى ابن عباس ؟ أخبرنا سفيان عن أيوب بن موسى عن نبيه بن وهب عن أبان بن عثمان عن عثمان أن رسول الله قال " المحرم لا ينكح ولا يخطب ". أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن نبيه بن وهب أحد بنى عبد الدار عن أبان ابن عثمان عن عثمان أن رسول الله قال " لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب " أخبرنا مالك عن ربيعة ابن أبى عبد الرحمن عن سليمان بن يسار أن رسول الله بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الانصار فزوجاه ميمونة والنبى بالمدينة: أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن مسلمة عن إسماعيل بن أمية عن سعيد بن المسيب قال وهل فلان ما نكح رسول الله ميمونة إلا وهو حلال (قال) وقد روى بعض قرابة ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة محرما (قال الشافعي) فكان أشبه الاحاديث أن يكون ثابتا عن رسول الله أن رسول الله نكح ميمونه حلالا فإن قيل ما يدل على أنه أثبتها ؟ قيل روى عن عثمان عن النبي النهى عن أن ينكح المحرم ولا ينكح وعثمان متقدم الصحبة ومن روى أن النبي نكحها محرما لم يصحبه إلا بعد السفر الذى نكح فيه ميمونة وإنما نكحها قبل عمرة القضية وقيل له وإذا اختلف الحديثان فالمتصل الذى لا شك فيه أولى عندنا أن ثبت لو لم تكن الحجة إلا فيه نفسه ومع حديث عثمان ما يوافقه وإن لم يكن متصلا اتصاله فإن قيل فإن من روى أن رسول الله نكحها محرما قرابه يعرف نكاحها قيل ولابن أخيها يزيد بن الاصم ذلك المكان منها ولسليمان بن يسار منها مكان الولاية يشابه أن يعرف نكاحها فإذا كان يزيد بن الاصم وسليمان بن يسار مع مكانهما منها يقولان نكحها خلالا وكان ابن المسيب يقول نكحها حلالا ذهبت العلة في أن يثبت من قال نكحها وهو محرم بسبب القرابة وبأن حديث عثمان بالاسناد المتصل لا شك في اتصاله أولى أن يثبت مع موافقة ما وصفت فأى محرم نكح أو أنكح فنكاحه مفسوخ بما وصفت من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحرم.
[ 531 ]
باب من يكره في الربا من الزيادة في البيوع حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان أنه سمع عبد الله بن أبى يزيد يقول سمعت ابن عباس يقول أخبرني أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما الربا في النسيئة " (قال الشافعي) وروى من وجه غير هذا ما يوافقه فكان ابن عباس لا يرى في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يدا بيد بأسا ويراه في النسيئة وكذلك عامة أصحابه وكان يروى مثل قول ابن عباس عن سعيد وعروة بن الزبير رأيا منهما لا أنه يحفظ عنهما عن رسول الله (قال الشافعي) وهذا قول المكيين. أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب بن أبى تميمة عن محمد ابن سيرين عن مسلم بن يسار ورجل آخر عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق ولا البر بالبر ولا الشعير بالشعير ولا التمر بالتمر ولا الملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين يد بيد ولكن بيعوا الذهب بالورق والورق بالذهب والبر بالشعير والشعير بالبر والتمر بالملح والملح بالتمر يدا بيد كيف شئتم " ونقص أحدهما الملح أو التمر وزاد أحدهما " من زاد أو ازداد فقد أربى " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن موسى بن أبى تميم عن سعيد بن يسار عن أبى هريرة أن رسول الله قال " الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما " أخبرنا مالك عن نافع عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبا منها بناجز " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك أنه بلغه عن جده مالك بن أبى عامر عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله " لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين " (قال الشافعي) فأخذنا بهذه الاحاديث التى توافق حديث عبادة وكانت حجتنا في أخذنا بها وتركنا حديث أسامة بن زيد إذا كان ظاهره يخالفها قول من قال إن النفس على حديث الاكثر أطيب لانهم أشبه أن يحفظوا من الاقل وكان عثمان وعبادة أسن وأشد تقدم صحبة من أسامة وكان أبو هريرة وأبو سعيد أكثر حفظا عن النبي فيما علمنا من أسامة. فإن قال قائل: فهل يخالف حديث أسامة أحاديثهم ؟ قيل إن كان يخالفها فالحجة فيها دونه لما وصفنا فإن قال فأنى ترى هذا ؟ قيل والله أعلم قد يحتمل أن يكون سمع رسول الله يسأل عن الربا في صنفين مختلفين ذهب بفضة وتمر بحنطة فقال " إنما الربا في النسيئة فحفظه فأدى قول النبي ولم يؤد مسألة السائل فكان ما أدى منه عند من سمعه أن لا ربا إلا في النسيئة. باب من أقيم عليه حد في شئ أربع مرات ثم عادله حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا محمد بن إسمعيل عن ابن أبى ذئب عن الحرث بن عبد الرحمن عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وذكر " فاجلدوه " وذكر الحديث (قال الشافعي) وقد بلغني عن الحرث بن عبد الرحمن فضل وعنده أحاديث حسان ولم أحفظ عن أحد من أهل العلم بالرواية عنه إلا ابن أبى ذئب ولا أدرى هل كان يحفظ الحديث أو لا وقد روى من وجه عمرو بن شعيب أن النبي قال " من أقيم عليه حد في شئ أربع مرات أو ثلاث مرات (قال الربيع أنا شككت) ثم أتى به الرابعة أو الخامسة قتل أو خلع " وروى من حديث أبى الزبير " من أقيم عليه حد أربع مرات ثم أتى به الخامسة
[ 532 ]
قتل " ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد أقيم عليه الحد أربع مرات ثم أتى به الخامسة فحده ولم يقتله (قال الشافعي) رحمه الله: فإن كان شئ من هذه الاحاديث ثبت عن النبي فقد روى عن النبي نسخه بحديث أبى الزبير وقد روى عن النبي مثلها ونسخه مرسلا. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن شرب فاجلدوه " فإن قال قائل فهل في هذا حجة غير ما وصفت ؟ قيل نعم. أخبرنا الثقة عن حماد عن يحيى بن سعيد عن أبى أمامة بن سهل بن حنيف عن عثمان أن رسول الله قال " لا يحل دم مسلم إلا من إحدى ثلاث كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس " (قال الشافعي) رحمه الله وهذا حديث لا يشك أهل العلم بالحديث في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فإن قال قائل قد يحتمل أن يكون هذا على خاص ويكون من أمر بقتله فنقتله بنص أمره فلا يكونان متضادين ولا أحدهما ناسخا للاخر إلا بدليل على أن أحدهما ناسخ للاخر قيل له فلا نعلم أحدا من أهل الفتيا يخالف في أن من أقيم عليه حد في شئ أربع مرات ثم أتى به خامسة أو سادسة أقيم ذلك الحد عليه ولم يقتل وفى هذا دليل على أن ما روى عن النبي إن كان ثابتا فهو منسوخ مع أن دلالة القرآن بما وصفت بينة فإن قال وأين دلالة القرآن ؟ قيل إذا كان الله وضع القتل موضعا والجلد موضعا فلا يجوز والله أعلم أن يوضع القتل موضع الجلد إلا بشئ ثابت عن النبي لا مخالف له ولا ناسخ. باب لحوم الضحايا حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أبى الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال " بعد ذلك كلوا وتزودوا وادخروا ". حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن أبى بكر عن عبد الله بن واقد بن عبد الله أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث قال عبد الله بن أبى بكر فذكرت ذلك لعمرة فقالت صدق سمعت عائشة تقول دف ناس من أهل البادية حضرة الاضحى في زمان رسول الله فقال رسول الله " ادخروا لثلاث وتصدقوا بما بقى " قالت فلما كان بعد ذلك قلنا لرسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم يجملون منها الودك ويتخذون منها الاسقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وما ذاك " ؟ أو كما قال قالوا يا رسول الله نهيت عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله " إنما نهيتكم من أجل الدافة التى دفت حضرة الاضحى فكلوا وتصدقوا وادخروا " (قال) فيشبه أن يكون إنما نهى رسول الله عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث إذ كانت الدافة على معنى الاختيار لا على معنى الفرض وإنما قلت يشبه الاختيار لقول الله عزوجل في البدن " فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا " وهذه الآية في البدن التى يتطوع بها أصحابها لا التى وجبت عليهم قبل أن يتطوعوا بها وإنما أكل النبي صلى الله عليه وسلم من هديه أنه كان تطوعا فأما ما وجب من الهدى كله فليس لصاحبه أن يأكل منه شيئا كما لا يكون له أن يأكل من زكاته ولا من كفارته شيئا وكذلك إن وجب عليه أن يخرج من ماله شيئا فأكل بعضه فلم يخرج ما وجب عليه بكماله وأحب لمن أهدى نافلة أن يطعم البائس الفقير لقول الله " فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير " وقوله " وأطعموا القانع والمعتر " القانع هو السائل والمعتر الزائر والمار بلا وقت فإذا أطعم من هؤلاء واحدا أو أكثر فهو من المطعمين فأحب إلى ما أكثر أن يطعم ثلثا ويهدى ثلثا ويدخر ثلثا ويهبط به حيث شاء والضحايا من هذه السبيل والله أعلم وأحب إن كانت في الناس مخمصة أن لا يدخر أحد من أضحيته ولا من هديه أكثر من ثلاث لامر النبي صلى الله عليه وسلم في الدافة فإن ترك رجل أن يطعم من هدى تطوع أو أضحية فقد أساء وليس عليه أن يعود للضحية وعليه أن يطعم
[ 533 ]
إذا جاءه قانع أو معتر أو بائس فقير شيئا ليكون عوضا مما منع وإن كان في غير أيام الاضحى (قال) ومن ضحى قبل الوقت الذى يمكن الامام أن يصلى فيه بعد طلوع الشمس ويتكلم فيفرغ فأراد أن يضحى أعاد ولا أنظر إلى انصراف الامام اليوم لان منهم من يؤخر ويقدم وكذلك لو قدم الامام فصلى قبل طلوع الشمس فضحى رجل أعاد إنما الوقت في قدر صلاة النبي التى كان يضعها موضعها. باب العقوبات في المعاصي (قال الشافعي) كانت العقوبات في المعاصي قبل أن ينزل الحد ثم نزلت الحدود ونسخت العقوبات فيما فيه الحدود حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله قال " ما تقولون في الشارب والسارق والزانى ؟ " وذلك قبل أن تنزل الحدود فقالوا الله ورسوله أعلم فقال رسول الله " هن فواحش وفيهن عقوبات وأسوأ السرقة الذى يسرق صلاته " ثم ساق الحديث قال ومثل معنى هذا في كتاب الله قال " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت " إلى آخر الآية فكان هذا أول العقوبة للزانيين في الدنيا ثم نسخ هذا عن الزناة كلهم الحر والعبد والبكر والثيب فحد الله البكرين الحرين المسلمين فقال " الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أنه قال سمعت عمر ابن الخطاب يقول الرجم في كتاب الله على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت عليه البينة أو كان الحبل أو الاعتراف. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول قال عمر إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا أجد حدين في كتاب الله فقد رجم رسول الله ورجمنا والذى نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " فإنا قد قرأناها. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك وابن عيينة عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن أبى هريرة وزيد بن خالد وزاد سفيان وسئل أن رجلا ذكر أن ابنه زنى بامرأة رجل فقال رسول الله " لافضين بينكما بكتاب الله " فجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا أن يغدو على امرأة الآخر " فان اعترفت فارجمها " فاعترفت فرجمها (قال الشافعي) رحمه الله كان ابنه بكرا وامرأة الآخر ثيبا قال فذكر رسول الله عن الله حد البكر والثيب في الزنا فدل ذلك على مثل ما قال عمر من حد الثيب في الزنا (قال الشافعي) قال الله جل ثناؤه في الاماء " فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب " فعقلنا عن الله أن على الاماء ضرب خمسين لانه لا يكون النصف إلا لما يتجزأ فأما الرجم فلا نصف له لان المرجوم قد يموت بأول حجر وقد لا يموت إلا بعد كثير من الحجارة. أخبرنا عبد الوهاب عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم (قال الشافعي) رحمه الله وقد حدثنى الثقة أن الحسن كان يدخل بينه وبين عبادة حطان الرقاشى ولا أدرى أدخله عبد الوهاب بينهما فزال من كتابي حين حولته من الاصل أم لا والاصل يوم كتبت هذا الكتاب غائب عنى " (قال الشافعي) فكان هذا أول ما نسخ من حبس الزانيين وأذاهما وأول حد نزل فيهما وكان فيه ما وصفت في الحديث قبله من أن الله أنزل حد الزنا للبكرين والثيبين وأن من حد البكرين النفى على كل واحد منهما مع ضرب مائة ونسخ الجلد عن الثيبين وأقر أحدهما الرجم فرجم النبي صلى الله عليه وسلم امرأة الرجل ورجم ما عز بن ما عز ولم يجلد واحدا
[ 534 ]
منهما فإن قال قائل مادل على أن أمر امرأة الرجل وما عز بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم " الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " قيل إذ كان النبي يقول " خذوا عنى قد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة والرجم " كان هذا لا يكون إلا أول حد حد به الزانيان فإذا كان أول فكل شئ جد بعد يخالفه فالعلم يحيط بأنه بعده والذى بعد ينسخ ما قبله إذا كان يخالفه وقد أثبتنا هذا والذى نسخه في حديث المرأة التى رجمها أنيس مع حديث ما عز وغيره فكانت الحدود ثابتة على المحدودين ما أتوا الحدود وإن كثر إتيانهم لها لانهم في كل واحد من الاحول جانون ماحدوا فيه وهم زناة أول مرة وبعد أربع عشرة وكذلك القذفة الذين أنزل الله أن يجلدوا ثمانين وجميع أهل الحدود (قال الشافعي) وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها " ثم قال " فليبعها بعد الثالثة أو الرابعة " (قال الشافعي) وروى عن النبي في الشارب يجلد ثلاثا أو أربعا ثم يقتل ثم حفظ عن النبي أنه جلد الشارب العدد الذى قال يقتل بعده ثم أتى به فجلده ووضع القتل وصارت رخصة والقتل عمن أقيم عليه حد في شئ أربعا فأتى به الخامسة منسوخ بما وصفت وكذلك بيع الامة بعد زناها ثلاثا أو أربعا. باب نكاح المتعة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن على قال وكان الحسن أرضاهما عن أبيهما أن عليا قال لابن عباس إن رسول الله نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الاهلية. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي عن إسماعيل عن قيس قال سمعت ابن مسعود قال كنا نغزو مع رسول الله وليس معنا نساء فأردنا أن نختصى فنهانا عن ذلك رسول الله ثم رخص لنا أن ننكح المرأة إلى أجل بالشئ (قال الشافعي) ثم ذكر ابن مسعود الارخاص في نكاح المتعة ولم يوقت شيئا يدل أهو قبل خيبر أم بعدها فأشبه حديث على بن أبى طالب في نهى النبي عن المتعة أن يكون والله أعلم ناسخا فلا يجوز نكاح المتعة بحال وإن كان حديث الربيع بن سبرة يثبت فهو يبين أن رسول الله أحل نكاح المتعة ثم قال " هي حرام إلى يوم القيامة " قال فإن لم يثبت ولم يكن في حديث على بيان أنه ناسخ لحديث ابن مسعود وغيره مما روى إحلال المتعة سقط تحليلها بدلائل القرآن والسنة والقياس وقد ذكرنا ذلك حيث سئلنا عنه. باب الخلاف في نكاح المتعة حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا في نكاح المتعة فقال بعضهم النهى عن نكاح المتعة عام خيبر على أنهم استمتعوا من يهوديات في دار الشرك فكره ذلك لهم لا على تحريمه لان الناس استمتعوا عام الفتح في حديث عبد العزيز بن عمر فقيل له الحديث عام الفتح في النهى عن نكاح المتعة على الابد، أبين من حديث على بن أبى طالب وإذا لم يثبت فلا حجة فيه بالارخاص في المتعة وهى منهى عنها كما روى على بن أبى طالب والنهى عندنا تحريم إلا أن تأتى دلالة على أنه اختيار لا تحريم قال أرأيت إن لم يكن في النهى عن نكاح المتعة دلالة على ناسخ ولا منسوخ الارخاص فيها أولى أم النهى عنها ؟ قلنا بل النهى عنها والله أعلم أولى قال فما الدلالة على ما وصفت ؟ قلت قال الله جل ثناؤه " والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم " فحرم النساء إلا بنكاح أو ملك يمين وقال في المنكوحات " إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " فأحلهن بعد التحريم بالنكاح ولم يحرمهن إلا بالطلاق وقال في الطلاق " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وقال " وإن أردتم استبدال
[ 535 ]
زوج مكان زوج وآتيتم أحداهن قنطارا " فجعل إلى الازواج فرقة ما انعقد عليه النكاح فكان بينا أنه والله أعلم أن يكون نكاح المتعة منسوخا بالقرآن والسنة في النهى عنه لما وصفت لان نكاح المتعة أن ينكح امرأة مدة ثم ينفسخ نكاحها بلا إحداث طلاق منه وفى نكاح المتعة إبطال ما وصفت مما جعل الله إلى الازواج من الامساك والطلاق وإبطال المواريث بين الزوجين وأحكام النكاح التى حكم الله بها في الظهار والايلاء واللعان إذا انقضت المدة قبل إحداث الطلاق. باب في الجنائز حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال قال رسول الله " إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها حتى تخلفكم أو توضع " (قال الشافعي) ورووا شبيها بما يوافقه وهذا لا يعدو أن يكون منسوخا وأن يكون النبي قام لها لعلة قد رواها بعض المحدثين من أن جنازة يهودى مر بها على النبي فقام لها كراهية أن تطوله وأيهما كان فقد جاء عن النبي تركه بعد فعله والحجة في الآخر من أمره إن كان الاول واجبا فالآخر من أمره ناسخ وإن كان استحبابا فالآخر هو الاستحباب وإن كان مباحا فلا بأس بالقيام والقعود أحب إلى لانه الآخر من فعل رسول الله. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ وعن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم عن على بن أبى طالب أن رسول الله كان يقوم في الجنائز ثم جلس. باب في الشفعة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله قال " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة ". أخبرنا الشافعي قال أخبرنا الثقة عن معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن جابر عن رسول الله مثله أو مثل معناه لا يخالفه وبه أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " (قال الشافعي) وبهذا نأخذ فنقول لا شفعة فيما قسم اتباعا لسنة رسول الله وعلمنا أن الدار إذا كانت مشاعة بين رجلين فباع أحدهما نصيبه منها فليس يملك أحدهما شيئا وإن قل إلا ولصاحبه نصفه فإذا دخل المشترى على الشريك للبائع هذا المدخل كان الشريك أحق به منه بالثمن الذى ابتاع به المشترى فإذا قسم الشريكان فباع أحدهما نصيبه باع نصيبا لا حظ في شئ منه لجاره وإن كانت طريقهما واحدة لان الطريق غير المبيع كما لو يكونا بشركتهما في الطريق شريكين في الدار المقسومة فكذلك لا يؤخذ بالشرك في الطريق شفعه في دار ليسا بشركين فيها وقد روى حديثان ذهب إليهما صنفان ممن ينسب إلى العلم وكل واحد منهما على خلاف مذهبنا أما أحدهما فإن سفيان بن عيينة أخبرنا عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبى رافع أن رسول الله قال " الجار أحق بسقبه " (قال الشافعي) وزاد في حديث بعض من خالفنا أنه كان لابي رافع بيت في دار رجل فعرض البيت عليه بأربعمائة وقال قد أعطيت به ثمانمائة ولكن سمعت رسول الله يقول " الجار أحق بسقبه " (قال الشافعي) فقال الذى خالفنا أتأول هذا الحديث فأقول للشريك الذى لم يقاسم شفعة وللجار المقاسم شفعة كان لاصقا أو غير لاصق إذا لم يكن بينه وبين الدار التى بيعت طريق نافذه وإن بعد ما بينهما واحتج بأن قال أبو رافع يرى الشفعة للذى بيته في داره والبيت مقسوم لانه ملاصق (قال الشافعي) فقلت له أبو رافع فيما رويت عنه متطوع بما صنع قال: وكيف ؟ قلت هل كان على أبى رافع أن يعطيه البيت بشئ قبل بيعه أو لم تكن له الشفعة حتى يبيعه ؟ قال: بل ليست له الشفعة حتى يبيعه أبو رافع قلت فإن باعه
[ 536 ]
أبو رافع فإنما يأخذ بالشفعة من المشترى قال نعم قلت وبمثل الثمن الذى اشتراه به لا ينقصه البائع ولا أن على أبى رافع أن يضع من ثمنه عنه شيئا ؟ قال نعم فقلت أتعلم أن ما وصفت عن أبى رافع كله تطوع ؟ قال: فقد رأى له الشفعة في بيت له فقلت وإن رأى الشفعة في بيت له ما كان عليا في ذلك شئ عارض حديثنا بل حديث النبي إنما يعارض بحديث عن النبي فأما رأى رجل فلا يعارض به حديث النبي قال: فلعله سمعه من رسول الله قلت ألست تسمعه حين حكى عن رسول الله ؟ قال " الجار أحق بسقبه لا ما أعطى من نفسه " قال: بل هكذا حكايته عن النبي قلت ولعله لا يرى له الشفعة فتطوع له بما لا يرى كما يتطوع له بما ليس عليه فإن حملته على أنه إنما أعطاه ما يراه عليه قيل فقد رأى على نفسه أن يعطيه بيتا لم يبعه بنصف ما أعطى به قال: لا أراه يرى هذا قلت ولا أرى عليه أن له شفعة فيما نرى والله أعلم. ولكن أحسن أن يفعل وقلت له نحن نعلم وأنت تعلم أن قول النبي " الجار أحق بسقبه " لا يحتمل إلا معنين لا ثالث لهما. قال فماهما ؟ قلت أن يكون أجاب عن مسألة لم يخل أكثرها أن يكون أراد أن الشفعة لكل جار أو أراد بعض الجيران دون بعض فإن كان هذا المعنى فلا يجوز أن يدل على أن قول النبي خرج عاما أراد به خاصا إلا بدلالة عن رسول الله أو إجماع من أهل العلم وقد ثبت عن رسول الله " أن لا شفعة فيما قسم " فدل على أن الشفعة للجار الذى لم يقاسم دون الجار المقاسم وقلت له حديث أبى رافع عن رسول الله جملة وقلنا عن النبي منصوص لا يحتمل تأويلا. قال: فما المعنى الثاني الذى يحتمله قول النبي ؟ قلت: أن تكون الشفعة لكل من لزمه اسم جوار وأنت تزعم أن الجوار أربعون دارا من كل جانب وأنت لا تقول بحديثنا ولا بما تأولت من حديثك ولا بهذه المعاني. قال: ولا يقول بهذا أحد قلت: أجل لا يقول بهذا أحد وذلك يدلك على أن رسول الله أراد أن الشفعة لبعض الجيران دون بعض وأنها لا تكون إلا لجار لم يقاسم. قال أفيقع اسم الجوار على الشريك ؟ قلت: نعم وعلى الملاصق وعلى غير الملاصق قال فالشريك ينفرد باسم الشريك ؟ قلت أجل والملاصق ينفرد باسم الملاصقة دون غيره من الجيران ولا يمنع ذلك واحدا منهما أن يقع عليه اسم جوار قال: أفتوجدني ما يدل على أن اسم الجوار يقع على الشريك ؟ قلت زوجتك التى هي قرينتك يقع عليها اسم الجوار. قال حمل بن مالك بن النابغة: كنت بين جارتين لى يعنى ضرتين وقال الاعشى: أجارتنا بينى فإنك طالقه * وموموقة ما كنت فينا ووامقه أجارتنا بينى فإنك طالقه * كذاك أمور الناس تغدو وطارقه وبيني فإن البين خير من العصا * وأن لا تزالى فوق رأسك بارقه حبستك حتى لا منى كل صاحب * وخفت بأن تأتى لدى ببائقه (قال الشافعي) وروى غيرنا عن عبد الملك عن عطاء عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الجار أحق بشفعته ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كانت الطريق واحدة " وذهب بعض البصريين إلى أن قال الشفعة لا تكون إلا للشريك وهما إذا اشتركا في طريق دون الدار وإن اقتسما الدار شريكان (قال الشافعي) فيقال له الشريكان في الدار أو في الطريق دون الدار فإن قال في الطريق دون الدار قيل له فلم جعلت الشفعة في الدار التى ليسا فيها بشريكين بالشرك في الطريق والطريق غير الدار أرأيت لو باع داراهما فيها شريكان وضم في الشراء معها دارا أخرى غيرها لا شرك فيها ولا طريقها أتكون الشفعة في الدار أو في الشرك ؟ قال: بل في الشرك دون
[ 537 ]
الدار التى ضمت مع الشرك قلت ولا تجعل فيها شفعة إذا جمعتهما الصفقة وفى إحداهما شفعة ؟ قال: لا قلت فكذلك يلزمك أن تقول إن بيعت الطريق وهى مما يجوز بيعه وقسمه ففيها شفعة ولا شفعة فيما قسم من الدار قال: فإن قال فإنما ذهبت فيه إلى الحديث نفسه قيل سمعنا بعض أهل العلم بالحديث يقول نخاف أن لا يكون هذا الحديث محفوظا قال: ومن أين ؟ قلت إنما رواه عن جابر بن عبد الله وقد روى أبو سلمة عن جابر مفسرا أن رسول الله قال " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة " وأبو سلمة من الحفاظ وروى أبو الزبير وهو من الحفاظ عن جابر ما يوافق قول أبى سلمة ويخالف ما روى عبد الملك (قال الشافعي) وفيه من الفرق بين الشريك وبين المقاسم ما وصفت جملته في أول الكتاب فكان أولى الاحاديث أن يؤخذ به عندنا والله أعلم لانه أثبتها إسنادا وأبينها لفظا عن النبي وأعرفها في الفرق بين المقاسم وغير المقاسم. باب في بكاء الحى على الميت حدثنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن أبن أبى بكر عن أبيه عن عمرة أنها سمعت عائشة وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول " إن الميت لعذب ببكاء الحى " فقالت عائشة أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسى إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية وهى يبكى عليها أهلها فقال " إنهم ليبكون وأنها لتعذب في قبرها ". حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبى مليكة قال توفيت ابنة لعثمان بمكة فجئنا نشهدها وحضرها ابن عباس وابن عمر فقال إنى لجالس بينهما جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى فقال ابن عمر لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله قال " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ؟ فقال ابن عباس قد كان عمر يقول بعض ذلك ثم حدث ابن عباس فقال: صدرت مع عمر بن الخطاب من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا بركب تحت ظل شجرة قال اذهب فانظر من هؤلاء الركب ؟ فذهبت فإذا صهيب قال ادعه فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق بأمير المؤمنين فلما أصيب عمر سمعت صهيبا يبكى ويقول: وا أخياه وا صاحباه فقال عمر يا صهيب تبكى على وقد قال رسول لله " إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه " ؟ قال فلما مات عمر ذكرت ذلك لعائشة فقالت يرحم الله عمر لا والله ما حدث رسول الله أن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله قال " إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه " وقالت عائشة حسبكم القرآن " ولا تزر وازرة وزر أخرى " قال ابن عباس عند ذلك " والله أضحك وأبكى " وقال ابن أبى مليكة فوالله ما قال ابن عمر من شئ (قال الشافعي) وما روت عائشة عن رسول الله أشبه أن يكون محفوظا عنه صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب ثم السنة. فإن قيل فأين دلالة الكتاب ؟ قيل في قوله عزوجل " ولا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للانسان إلا ما سعى " وقوله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقوله " لتجزى كل نفس بما تسعى " (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبى مليكة وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظا فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبى مليكة من قول النبي " إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها " فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لانها تعذب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه وإن كان الحديث كما رواه ابن أبى مليكة فهو صحيح لان على الكافر عذابا أعلى فان عذب بدونه فزيد في عذابه (م 8 79)
[ 538 ]
فيما استوجب وما نيل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه. عليه فإن قيل يزيده عذابا ببكاء أهله عليه، قبل يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤه سببا لا أنه يعذب ببكائهم. فإن قيل أين دلالة السنة ؟ قيل: قال رسول الله لرجل " ابنك هذا ؟ " قال: نعم قال " أما إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه " فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه. باب استقبال القبلة للغائط والبول حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثى عن أبى أيوب الانصاري أن النبي نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت من قبل القبلة فننحرف ونستغفر الله. أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إن ناسا يقولون إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس قال ابن عمر لقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته (قال الشافعي) وليس يعد هذا اختلافا ولكنه من الجمل التى تدل على معنى المعد (قال الشافعي) كان القوم عربا إنما عامة مذاهبهم في الصحارى وكثير من مذاهبهم لا حش فيها يسترهم فكان الذاهب لحاجته إذا استقبل القبلة أو استدبرها استقبل المصلى بفرجه أو استدبره ولم يكن عليهم ضرورة في أن يشرقوا أو يغربوا فأمروا بذلك وكانت البيوت مخالفة للصحراء فإذا كان بين أظهرها كان من فيه مستترا لا يراه إلا من دخل أو أشرف عليه وكانت المذاهب بين المنازل متضايقة لا يمكن من التحرف فيها ما يمكن في الصحراء فلما ذكر ابن عمر ما رأى من رسول الله من استقباله بيت المقدس وهو حينئذ مستدبر الكعبة دل على أنه إنما نهى عن استقبال الكعبة واستدبارها في الصحراء دون المنازل (قال الشافعي) وسمع أبو أيوب الانصاري النهى من رسول الله ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله بيت المقدس لحاجته فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة وتحرف لئلا يستقبل الكعبة وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره ورأى ابن عمر النبي في منزله مستقبلا بيت المقدس لحاجته فأنكر على من نهى عن استقبال القبلة لحاجته وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره أو لم يرو له عن النبي خلافه ولعله سمعه منهم فرآه رأيا لهم لانهم لم يعزوه إلى النبي ومن علم الامرين معا ورأهما محتملين أن يستعملا استعملهما معا وفرق بينهما لان الحال تفترق فيهما بما قلنا وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل وفلما يعم علم الخاص وهذا مثل حديث النبي في الصلاة جالسا والقوم خلفه قيام وجلوس فإن قيل فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس " حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها لغائط أو بول " قيل له هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه ولو ثبت كان كحديث أبى أيوب وحديث ابن عمر عن النبي مسند حسن الاسناد أولى أن يثبت منه لو خالفه فإن كان قال طاوس " حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها " فإنما سمع والله أعلم حديث أبى أيوب عن النبي فأنزل ذلك على إكرام القبلة وهى أهل أن تكرم والحال في الصحارى كما حدث أبو أيوب وفى البيوت كما حدث ابن عمر لا أنهما يختلفان (قال الشافعي) وقد قيل إن الناس كانوا يبنون مساجد بحط حجارة في الطريق فنهى أن تستقبل للغائط أو البول فيكون متغوطا في المساجد أو مستدبرا فيكون الغائط والبول بعين المصلى إليها
[ 539 ]
ويتأذى بريحه وهذا في الصحارى منهى عنه بهذا الحديث وبغيره بأن يقال " اتقوا الملاعن " وذلك أن يتغوط في ممر الناس في طريق من ظلال المسجد أو البيوت والشجر والحجارة وعلى ظهر الطريق ومواضع حاجة الناس في الممر والمنزل. باب الصلاة في الثوب ليس على عاتق المرء منه شئ حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله قال " لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ " (قال الشافعي) وروى بعض أهل المدينة عن جابر أن النبي أمر الرجل يصلى في الثوب الواحد أن يشتمل بالثوب في الصلاة فإن ضاق اتزر به (قال الشافعي) وهذا إجازة أن يصلى وليس على عاتقه منه شئ وهو يقدر بالمدينة على ثوب امرأته وعلى العمامة والشئ يطرحه على عاتقه. أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان بن عيينة عن أبى إسحق عن عبد الله بن شداد عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت كان رسول الله يصلى في مرط بعضه على وبعضه عليه وأنا حائض (قال الشافعي) وليس واحد من هذين الحديثين مخالفا للآخر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلى الرجل في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ والله أعلم اختيار لا فرض بالدلالة عنه صلى الله عليه وسلم بحديث جابر وأنه صلى في مرط ميمونة بعضه عليه وبعضه على ميمونة لان بعض مرطها إذا كان عليها فأقل ما عليها منه ما يسترها مضطجعة ويصلى النبي عليه السلام في بعضه قائما ويتعطل بعضه بينه وبينها أو يسترها قاعدة فيكون يحيط بها جالسة ويتعطل بعضه بينه وبينها فلا يمكن أن يستره أبدا إلا أن يأتزر به ائتزارا وليس على عاتق المؤتزرين في هذه الحال من الازار شئ ولا يمكن في ثوب في دهرنا أن يأتز به ثم يرده على عاتقيه أو أحدهما ثم يسترها وقلما يمكن هذا في ثوب في الدنيا اليوم وكذلك روى عن النبي عليه السلام أنه قال " إذا صلى أحدكم في الثوب الواحد فليتوشح به فإن لم يكفه فليأتزر به (قال الشافعي) وإذا صلى الرجل فيما يوارى عورته أجزأته صلاته وعورته ما بين سرته وركبته وليست السرة والركبة من العورة. باب الكلام في الصلاة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن عاصم بن أبى النجود عن أبى وائل عن عبد الله قال كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة قبل أن نأتى أرض الحبشة فيرد علينا وهو في الصلاة فلما رجعنا من أرض الحبشة أتيته لاسلم عليه فوجدته يصلى فسلمت عليه فلم يرد على فأخذني ما قرب وما بعد فجلست حتى إذا قضى صلاته أتيته فقال " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله أن لا يتكلموا في الصلاة " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فقال رسول الله " أصدق ذو اليدين ؟ " فقال الناس: نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع. أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد قال سمعت أبا هريرة يقول: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر
[ 540 ]
فسلم من ركعتين فقام ذو اليدين فقال أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله ؟ فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال " أصدق ذو اليدين ؟ " فقالوا: نعم فأتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقى من الصلاة ثم سجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم. أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين قال سلم النبي في ثلاث ركعات من العصر ثم قام فدخل الحجرة فقام الخرباق رجل بسيط اليدين فنادى يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فخرج رسول الله مغضبا يجر ردائه فسأل فأخبر فصلى تلك الركعة التى كان ترك ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم (قال الشافعي) فبهذا كله نأخذ فنقول إن حتما أن لا يعمد أحد الكلام في الصلاة وهو ذاكر لانه فيها فإن فعل انتقضت صلاته وكان عليه أن يستأنف صلاة غيرها لحديث ابن مسعود عن النبي ثم مالا أعلم فيه مخالفا ممن لقيت من أهل العلم قال ومن تكلم في الصلاة وهو يرى أنه قد أكملها أو نسى أنه في صلاة فتكلم فيها بنى على صلاته وسجد للسهو ولحديث ذى اليدين وأن من تكلم في هذه الحال فإنما تكلم وهو يرى أنه في غير صلاة والكلام في غير الصلاة مباح وليس يخالف حديث ابن مسعود حديث ذى اليدين وحديث ابن مسعود في الكلام جملة ودل حديث ذى اليدين، على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين كلام العامد والناسى لانه في صلاة أو المتكلم وهو يرى أنه قد أكمل الصلاة. باب الخلاف في الكلام في الصلاة ساهيا حدثنا الربيع قال: قال الشافعي فخالفنا بعض الناس في الكلام في الصلاة وجمع علينا فيها حججا ما جمعها علينا في شئ غيره إلا في اليمين مع الشاهد ومسألتين أخريين (قال الشافعي) فسمعته يقول حديث ذى اليدين حديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرو عن رسول الله شئ قط أشهر منه ومن حديث العجماء جرحها جبار وهو أثبت من حديث العجماء جرحها جبار ولكن حديث ذى اليدين منسوخ فقلت ما نسخه ؟ فقال حديث ابن مسعود ثم ذكر الحديث الذى بدأت به الذى فيه " إن الله يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث الله أن لا تتكلموا في الصلاة " فقلت له والناسخ إذا اختلف الحديثان الآخر منهما فقال نعم قلت له أو لست تحفظ في حديث ابن مسعود هذا أن ابن مسعود مر على النبي بمكة قال فوجدته يصلى في فناء الكعبة وأن ابن مسعود هاجر إلى أرض الحبشة ثم رجع إلى مكة ثم هاجر إلى المدينة وشهد بدرا ؟ قال بلى فقلت له فإذا كان مقدم ابن مسعود على النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل هجرة النبي ثم كان عمران بن حصين يروى أن النبي أتى جذعا في مؤخر مسجده أليس تعلم أن النبي لم يصل في مسجده إلا بعد هجرته من مكة ؟ قال: بلى قلت فحديث عمران يدلك على أن حديث ابن مسعود ليس بناسخ لحديث ذى اليدين وأبو هريرة يقول صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فلا أدرى ما صحبه أبو هريرة قلت قد بدأنا بما فيه الكفاية من حديث عمران الذى لا يشكل عليك وأبو هريرة إنما صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وقال أبو هريرة صحبت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ثلاث سنين أو أربعا " قال الربيع " أنا شككت وقد أقام النبي بالمدينة سنين سوى ما أقام بمكة بعد مقدم ابن مسعود وقبل يصحبه أبو هريرة فيجوز أن يكون حديث ابن مسعود ناسخا لما بعده قال لا قلت له لو كان حديث ابن مسعود مخالفا حديث عمران وأبى هريرة كما قلت وكان عمد الكلام وأنت تعلم أنك في صلاة كهو إذا تكلمت وأنت ترى أنك أكملت الصلاة أو نسيت الصلاة كان حديث ابن مسعود منسوخا وكان الكلام في الصلاة مباحا ولكنه ليس بناسخ ولا منسوخ ولكن وجهه ما ذكرت من أنه لا يجوز الكلام في الصلاة على الذكر وأن التكلم في الصلاة إذا كان هكذا يفسد الصلاة وإذا كان النسيان والسهو وتكلم
[ 541 ]
وهو يرى أن الكلام مباح بأن يرى أن قد قضى الصلاة أو نسى أنه فيها لم تفسد الصلاة قال فأنتم تروون أن ذا اليدين قتل ببدر قلت فاجعل هذا كيف شئت أليست صلاة النبي بالمدينة في حديث عمران بن حصين والمدينة إنما كانت بعد حديث ابن مسعود بمكة ؟ قال: بلى قلت وليست لك إذا كان كما أردت فيه حجة لما وصفت وقد كانت بدر بعد مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بستة عشر شهرا قال أفذو اليدين الذى رويتم عنه المقتول ببدر ؟ قلت لا عمران يسميه الخرباق ويقول قصير اليدين أو مديد اليدين والمقتول ببدر ذو الشمالين ولو كان كلاهما ذا اليدين كان اسما يشبه أن يكون وافق اسما كما تتفق الاسماء فقال بعض من ذهب مذهبه فلنا حجة أخرى قلنا وما هي ؟ قال إن معاوية بن الحكم حكى أنه تكلم في الصلاة فقال رسول الله " إن الصلاة لا يصلح فيها شئ من كلام بنى آدم " فقلت له فهذا عليك ولا لك إنما يروى مثل قول ابن مسعود سواء والوجه فيه ما ذكرت قال فإن قلت هو خلافه قلت فليس ذلك لك ونكلمك عليه فإن كان أمر معاوية قبل أمر ذى اليدين فهو منسوخ ويلزمك في قولك أن يصلح الكلام في الصلاة كما يصلح في غيرها وإن كان أمر معاوية معه أو بعده فقد تكلم فيها فيما حكيت وهو جاهل بأن الكلام غير محرم في الصلاة ولم يحك أن النبي أمره بإعادة الصلاة فهو في مثل حديث ذى اليدين أو أكثر لانه تكلم عامدا للكلام في حديثه إلا أنه حكى أنه تكلم وهو جاهل أن الكلام لا يكون محرما في الصلاة قال هذا في حديثه كما ذكرت قلت فهو عليك إن كان على ما ذكرته وليس لك إن كان كما قلنا قال فما تقول ؟ قلت أقول إنه مثل حديث ابن مسعود غير مخالف حديث ذى اليدين فقال فإنكم خالفتم حين فرعتم حديث ذى اليدين قلت فخالفناه في الاصل قال لا ولكن في الفرع قلت فأنت خالفته في نصه ومن خالف النص عندك أسوأ حالا ممن ضعف نظره فأخطأ التفريع قال: نعم وكل غير معذور (قال الشافعي) فقلت له فأنت خالفت أصله وفرعه ولم نخالف نحن من أصله ولا من فرعه حرفا واحدا فعليك ما عليك في خلافه وفيما قلت من أنا خالفنا منه ما لم نخالفه قال فأسألك حتى أعلم أخالفته أم لا ؟ قلت فسل قال ما تقول في إمام انصرف من اثنتين فقال له بعض من صلى معه قد انصرفت من اثنتين فسأل آخرين فقالوا صدق ؟ قلت أما المأموم الذى أخبره والذين شهدوا أنه صدق وهم على ذكر من أنه لم يقض صلاته فصلاتهم فاسدة قال فأنت تروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى وتقول قد قضى معه من حضر وإن لم تذكره في الحديث قلت أجل قال فقد خالفته قلت لا ولكن حال إمامنا مفارقة حال رسول الله قال فأين افتراق حاليهما في الصلاة والامامة ؟ قال فقلت له إن الله كان ينزل فرائضه على رسوله فرضا بعد فرض فيفرض عليه ما لم يكن فرضه عليه ويخفف عنه بعض فرضه قال: أجل ؟ قلت ولا نشك نحن ولا أنت ولا مسلم أن رسول الله لم ينصرف إلا وهو يرى أن قد أكمل الصلاة قال: أجل قلت فلما فعل لم يدر ذو اليدين أقصرت الصلاة بحادث من الله أم نسى النبي وكان ذلك بينا في مسألته إذ قال أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ قال أجل قلت ولم يقبل النبي من ذى اليدين إذ سأل غيره قال: أجل قلت ولما سأل غيره احتمل أن يكون سأل من لم يسمع كلامه فيكون مثله واحتمل أن يكون سأل من سمع كلامه ولم يسمع النبي رد عليه فلما لم يسمع النبي رد عليه كان في معنى ذى اليدين من أنه لم يستدل النبي بقوله ولم يدر أقصرت الصلاة أم نسى النبي فأجابه ومعناه معنى ذى اليدين من أن الفرض عليهم جوابه ألا ترى أن النبي لما أخبروه فقبل قولهم لم يتكلم ولم يتكلموا حتى بنوا على صلاتهم قال فلما قبض الله رسوله تناهت فرائضه فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبدا قال: نعم فقلت هذا فرق بيننا وبينه فقال من حضره هذا فرق بين لا يرده عالم لبيانه ووضوحه فقال فإن من أصحابكم من قال ما تكلم به الرجل في أمر الصلاة لم يفسد صلاته قال فقلت له إنما الحجة علينا ما قلنا لا ما قال غيرنا
[ 542 ]
(قال الشافعي) وقال قد كلمت غير واحد من أصحابك فما احتج بهذا ولقد قال العمل على هذا فقلت له قد أعلمتك أن العمل ليس له معنى ولا حجة لك علينا بقول غيرنا قال: أجل قلت فدع مالا حجة لك فيه وقلت له قد أخطأت في خلافك حديث ذى اليدين مع ثبوته وظلمت نفسك بأنك زعمت أنا ومن قال به نحل الكلام والجماع والغناء في الصلاة وما أحللنا ولاهم من هذا شيئا قط وقد زعمت أن المصلى إذا سلم قبل أن يكمل الصلاة وهو ذاكر أنه لم يكملها فسدت صلاته لان السلام زعمت في غير موضعه كلام وإن سلم وهو يرى أنه قد أكمل بنى فلو لم يكن عليك حجة إلا هذا كفى بها عليك حجة ونحمد الله على عيبكم خلاف الحديث وكثرة خلافكم له باب القنوت في الصلوات كلها حدثنا الربيع قال: قال الشافعي أخبرني بعض أهل العلم عن جعفر بن محمد عن أبيه قال لما انتهى إلى النبي قتل أهل بئر معونة أقام خمس عشرة ليلة كلما رفع رأسه من الركعة الاخيرة من الصبح قال " سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد اللهم افعل " فذكر دعاء طويلا ثم كبر فسجد قال وحفظ عن جعفر عن النبي القنوت في الصلوات كلها عند قتل أهل بئر معونة وحفظ عن النبي أنه قنت في المغرب كما روى عنه في القنوت في غير الصبح عند قتل أهل بئر معونة والله أعلم وروى أنس عن النبي أنه قنت وترك القنوت جملة ومن روى مثل حديثه روى أنه قنت عند قتل أهل بئر معونة وبعده ثم ترك القنوت فأما القنوت في الصبح فمحفوظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أهل بئر معونة وبعده ولم يحفظ عنه أحد تركه حدثنا الربيع أخبرنا قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن ابن المسيب عن أبى هريرة أن النبي لما رفع رأسه من الركعة الثانية من الصبح قال " اللهم أنج الوليد ابن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبى ربيعة والمستضعفين بمكة اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف " (قال الشافعي) فأما ما روى أنس بن مالك من ترك القنوت فالله أعلم ما أراد فأما الذى أرى بالدلالة فإنه ترك القنوت في أربع صلوات دون الصبح كما قالت عائشة فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر تعنى ثلاث صلوات دون المغرب وترك القنوت في الصلوات سوى الصبح لا يقال له ناسخ إنما يقال الناسخ والمنسوخ ما اختلف فأما القنوت في غير الصبح فمباح أن يقنت وأن يدع لان رسول الله لم يقنت في غير الصبح قبل قتل أهل بئر معونة ولم يقنت بعد قتل أهل بئر معونة في غير الصبح فدل على أن ذلك دعاء مباح كالدعاء المباح في الصلاة لا ناسخ ولا منسوخ. باب الطيب للاحرام حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت طيبت رسول الله لاحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت. أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال سمعت عائشة وبسطت يدها تقول: أنا طيبت رسول الله بيدى هاتين لاحرامه حين أحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت. أخبرنا سفيان عن عثمان بن عروة قال: سمعت أبى يقول سمعت عائشة تقول طيبت رسول الله لحرمه ولحله فقلت لها بأى الطيب ؟ فقالت بأطيب الطيب. أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: طيبت رسول الله لحله ولحرمه. أخبرنا سفيان عن عطاء بن السائب عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة
[ 543 ]
قالت رأيت وبيص الطيب في مفارق رسول الله بعد ثلاث. أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار قال أخبرنا عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال كنا عند رسول الله بالجعرانة فأتاه رجل وعليه مقطعة يعنى جبة وهو مضمخ بالخلوق فقال يا رسول الله إنى أحرمت بالعمرة وهذه على ؟ فقال له رسول الله " ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك ". أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال نهى رسول الله أن يتزعفر الرجل (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ فنرى جائزا للرجل والمرأة أن يتطيبا بالغالية وغيرها مما يبقى ريحه بعد الاحرام إذا كان تطيب به قبل الاحرام ونرى إذا رمى الجمرة وحلق وقبل أن يفيض أن الطيب حلال له وننهى الرجل حلالا بكل حال أن يتزعفر ونأمره إذا تزعفر غير محرم أن يغسل الزعفران عنه وكذلك نأمره إذا تزعفر قبل أنى حرم ثم أحرم وبه أثر الزعفران أن يغسل الزعفران نفسه للاحرام وإنما قلنا هذا لان الدلالة عن رسول الله تشبه أن يكون لم يأمره بغسل الصفرة إلا أنه نهى أن يتزعفر الرجل وأن رسول الله أمر غير محرم أن يغسل الصفرة عنه ولم يأمره لكراهية الطيب للمحرم إذا كان التطيب وهو حلال لانه تطيب حلالا بما بقى عليه ريحه محرما (قال الشافعي) ونأمر المحرم إذا هو حلق أن يتطيب كما نأمره أن يلبس على معنى إن شاء إباحة له لا إيجابا عليه ونبيح له الصيد إن خرج من الحرم. باب الخلاف في تطيب المحرم للاحرام حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض أهل ناحيتنا في الطيب قبل الاحرام وبعد الرمى والحلاق وقبل طواف الزيارة فقال لا يتطيب بما يبقى ريحه عليه ولا بأس أن يدهن قبل الاحرام بما لا يبقى ريحه عليه وإن بقى لينه في رأسه ولحيته وإذهابه الشعث قال وكان الذى ذكر واحتج به أن عمر بن الخطاب أمر معاوية وأحرم معه فوجد منه ريحا طيبا فأمره أن يغسل الطيب وأنه قال من رمى الجمرة وحلق فقد حل له ما حرم الله عليه إلا النساء والطيب (قال الشافعي) وسالم بن عبد الله أفقه وأحمد مذهبا من قائل هذا القول. أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله وربما قال عن أبيه وربما لم يقله قال: قال عمر إذا رميتم الجمرة وذبحتم وحلقتم فقد حل لكم كل شئ حرم عليكم إلا النساء والطيب قال سالم وقالت عائشة أنا طيبت رسول الله لاحرامه قبل أن يحرم ولحله بعد أن رمى الجمرة وقبل أن يزور قال سالم وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع (قال الشافعي) مادريت إلى أي شئ ذهب من خالفنا في تطييب المحرم اتهم الرواية عن النبي فهى عن النبي أثبت من الرواية عن عمر يرويها عطاء وعروة والقاسم وغيرهم عن عائشة وإنما تلك الرواية من حديث رجلين عن ابن عمر عن عمر وإن جاز أن تتهم رواية هؤلاء الرجال مع كثرتهم عن عائشة عن النبي جاز ذلك في الرواية عن ابن عمر عن عمر وليس يشك عالم إلا مخطئ أن ما روى عن النبي أولى أن يؤخذ به وقائل هذا يخالف بعض ما روى عن عمر بن الخطاب في هذا عمر يبيح ما حرمه الاحرام إذا رمى وحلق إلا النساء والطيب وهو يحرم الصيد خارجا من الحرم وهو مما أباح عمر فيخالف عمر لرأى نفسه ويتبعه ويخالف به ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مع كثرة خلافه عمر لرأى نفسه ورأى بعض أصحاب النبي قال: ولم أعلم له مذهبا إلا أن يكون شبه عليه بحديث يعلى بن أمية في أن يغسل المحرم أثر الصفرة عنه فإن قال قائل: فهل يخالف حديث يعلى حديث عائشة ؟ قيل: لا إنما أمره النبي بالغسل فيما نرى والله أعلم للصفرة عليه وإنما نهى أن يتزعفر الرجل ولا يجوز أن يكون أمر الاعرابي
[ 544 ]
أن يغسل الصفرة إلا لما وصفت لانه لا ينهى عن الطيب في حال يتطيب فيها صلى الله عليه وسلم ولو كان أمره بغسل الصفرة لانها طيب كان أمره إياه بغسل الصفرة عام الجعرانة وهى سنة ثمان وكان تطيبه في حجة الاسلام وهى سنة عشر فكان تطيبه لاحرامه ولحله ناسخا لامره الاعرابي بغسل الصفرة والذى خالفنا يروى أن أم حبيبة طيبت معاوية ونحن نروى عن ابن عباس وسعد بن أبى وقاص التطيب للاحرام والحل ونرويه عن غيرهما وهو يقول معنا في الرجل يجامع أهله من الليل ثم يصبح جنبا إن صومه تام لان الجماع كان وهو مباح له والتطيب كان وهو مباح للرجل قبل أن يحرم لا شك وقبل أن يطوف بالبيت بالخبر عن رسول الله ولو كان ينظر إلى حاله بعد الاحرام إذا كان الطيب قبله كان ترك قوله لامره بالدهن الذى لا يبقى طيبه وإن بقى الدهن عليه لانه لا يجيز له أن يبتدئ دهن رأسه ولحيته بدهن غير طيب وهو محرم ولا أعلمه استقام على أصل ذهب إليه في هذا القول. باب ما يأكل المحرم من الصيد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله ابن عباس عن الصعب ابن جثامة أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه رسول الله قال فلما رأى رسول الله ما في وجهى قال " إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم ". أخبرنا مسلم وسعيد عن ابن جريج. قال وأخبرنا مالك عن أبى النضر مولى عمر بن عبد الله التيمى عن نافع مولى أبى قتادة عن أبى قتادة الانصاري أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان ببعض طريق مكة تخلف مع أصحاب له محرمين وهو غير محرم فرأى حمارا وحشيا فاستوى على فرسه فسأل أصحابه أن يناولوه سوطه فأبوا فسألهم رمحه فأبوا فأخذ رمحه فشد على الحمار فقتله فأكل منه بعض أصحاب النبي وأبى بعضهم فلما أدركوا النبي سألوه عن ذلك فقال " إنما هي طعمة أطعمكموها الله ". أخبرنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء ابن يسار عن أبى قتادة في الحمار الوحشى مثل حديث أبى النضر إلا أن في حديث زيد أن رسول الله قال " هل معكم من لحمه شئ " (قال الشافعي) وليس يخالف والله أعلم حديث الصعب بن جثامة حديث طلحة بن عبيد الله وأبى قتادة عن النبي وكذلك لا يخالفهما حديث جابر بن عبد الله وبيان أنها ليست مختلفة في حديث جابر أخبرنا إبراهيم بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو مولى المطلب عن المطلب عن جابر أن رسول الله قال " لحم الصيد لكم في الاحرام حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم ". أخبرنا من سمع سليمان بن بلال يحدث عن عمرو بن أبى عمرو بهذا الاسناد عن النبي هكذا. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبى عمرو عن رجل من بنى سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم هكذا (قال الشافعي) وابن أبى يحيى أحفظ من عبد العزيز وسليمان مع ابن أبى يحيى (قال الشافعي) فإن كان الصعب أهدى الحمار للنبى صلى الله عليه وسلم حيا فليس للمحرم ذبح حمار وحشى حى وإن كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له فرده عليه ومن سنته صلى الله عليه وسلم أن لا يحل للمحرم ما صيد له وهو لا يحتمل إلا أحد الوجهين والله أعلم ولو لم يعلمه صيد له كان له رده عليه ولكن لا يقول حينئذ له " إلا أنا حرم " وبهذا قلنا لا يحتمل إلا الوجهين قبله قال وأمر أصحاب أبى قتادة أن يأكلوا ما صاده رفيقهم بعلمه أنه لم يصده لهم ولا بأمرهم فحل لهم أكله (قال الشافعي) وإيضاحه في حديث جابر وفى حديث مالك أن الصعب أهدى للنبى حمارا أثبت من حديث من حدث أنه أهدى له من لحم حمار والله أعلم. فإن عرض
[ 545 ]
في نفس امرئ من قول الله " وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما " قيل له إن الله جل ثناؤه منع الحرم قتل الصيد فقال " لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم " الآية وقال في الآية الاخرى " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم " فاحتمل أن يصيدوا صيد البحر وأن يأكلوه إن لم يصيدوه وأن يكون ذلك طعامه ثم لم يختلف الناس في أن للمحرم أن يصيد صيد البحر ويأكل طعامه وقال في سياقها " وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما " فاحتمل أن لا تقتلوا صيد البر مادمتم حرما وأشبه ذلك ظاهر القرآن والله أعلم ثم دلت السنة على أن تحريم الله صيد البر في حالين أن يقتله رجل وأمر في ذلك الموضع بأن يفديه وأن لا يأكله إذا أمر بصيده فكان أولى المعاني بكتاب الله ما دلت عليه سنة رسول الله وأولى المعاني بنا أن لا تكون الاحاديث مختلفة لان علينا في ذلك تصديق خبر أهل الصدق ما أمكن تصديقه وخاص السنة إنما هو خبر خاصة لا عامة. باب خطبة الرجل على خطبة أخيه حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة عن النبي مثله قال وقد زاد بعض المحدثين " حتى يأذن أو يترك ". أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله قال لها في عدتها من طلاق زوجها " فإذا حللت فآذنينى " قالت فلما حللت فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال رسول الله " أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة ابن زيد " قالت فكرهته فقال " إنكحى أسامة " فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به (قال الشافعي) وحديث فاطمة غير مخالف حديث ابن عمر وأبى هريرة في نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب المرء على خطبة أخيه وحديث ابن عمر وأبى هريرة مما حفظت جملة عامة يراد بها الخاص والله أعلم لان رسول الله لا ينهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال يخطب هو فيها على غيره ولكن نهيه عنها في حال دون حال فإن قال قائل فأى حال نهى عن الخطبة فيها ؟ قيل والله أعلم أما الذى تدل عليه الاحاديث فإن نهيه عن أن يخطب على خطبة أخيه إذا أذنت المرأة لوليها أن يزوجها لان رسول الله رد نكاح خنساء بنت خذام وكانت ثيبا فزوجها أبوها بلا رضاها فسلت السنة على أن الولى إذا زوج قبل إذن المرأة المزوجة كان النكاح باطلا وفى هذا دلالة على أنه إذا زوج بعد رضاها كان النكاح ثابتا وتلك الحال التى إذا زوجها فيها الولى ثبت عليها فيها النكاح ولا يجوز فيه والله أعلم غير هذا لانه لا حالين لها يختلف حكمها في النكاح فيهما غيرهما وفاطمة لم تعلم رسول الله إذنها في أن تزوج معاوية ولا أبا جهم ولم يرو أن النبي نهى معاوية ولا أبا جهم أن يخطب أحدهما بعد الآخر ولا أحسبهما خطباها إلا مفترقين أحدهما قبل الآخر قال فإن كانت المرأة بكرا يزوجها أبوها أو أمة يزوجها سيدها فخطبت فلا ننهى أحدا أن يخطبها على خطبة غيره حتى يعده الولى أن يزوجه لان رضا الاب والسيد فيهما كرضاهما في أنفسهما قال: فقال لى قائل أن بعض أصحابك ذهب إلى أن قال إنما نهى عن الخطبة إذا ركنت المرأة فقلت هذا كلام لا معنى له أفرأيت إن كان ذهب إلى أنها إذا ركنت أشبه بالنكاح منها قبل أن تركن فقيل له أفرأيت إن خطبها رجل فشتمته وآذته ثم عاد فتركت شتمه وسكتت ثم عاد فقالت أنظر أليست في كل حال من هذه الاحوال أقرب إلى أن تكون رضيت (م 8 80)
[ 546 ]
بنكاحه منها في الحال التى قبلها لانها إذا تركت الشتم فكأنها قريبة من الرضا وإذا قالت أنظر فهى أقرب من الرضا منها إذا تركت الشتم ولم تقل أنظر أرأيت إن قال له قائل إذا كان بعض هذا لم يسع غيره الخطبة هل الحجة عليه إلا أن يقال هي راكن وقريبة من الرضا ومستدل على هواها لا يجوز إنكاحها وإذا لم يجز إنكاحها فلا حكم يخالف هذا منها إلا أن تأذن لوليها أن يزوجها وإذا لم تأذن لوليها أن يزوجها فليس له أن يزوجها وإن زوجها رد النكاح وهى إذا أذنت بالنكاح فعلى وليها تزويجها فإن لم يفعل زوجها الحاكم وإذا زوجت بعد الاذن جاز النكاح ولا افتراق لحالها أبدا إلا الاذن وما خالف من ترك الاذن ومن قول إذا ركنت خالف الاحاديث كلها فلم يجز الخطبة بكل حال لحديث فاطمة ولم يردها بكل حال لجملة حديث ابن عمر وأبى هريرة ولم يستدل ببعضها على بعض فيأتى بمعنى يعرف (قال الشافعي) وقول من زاد في الحديث " حتى يأذن أو يترك " لا يحيل من الاحاديث شيئا وإذا خطبها رجل فأذنت في إنكاحه ثم ترك نكاحها وأذن لخاطبها جاز لغيره أن يخطبها وما لم يفعل لم يجز (قال الشافعي) فإن قال قائل: فمن أين ترى هذا كان في الرواية هكذا ؟ قيل والله أعلم إما أن يكون محدث حضر سائلا سأل رسول الله عن رجل خطب امرأة فأذنت فيه فقال رسول الله " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " يعنى في الحال التى سأل فيها على جواب المسألة فسمع هذا من النبي ولم يحك من قال السائل أو سبقته المسألة وسمع جواب النبي فاكتفى به وأداه ويقول ويقول رسول الله " لا يخطب أحدكم على خطبه أخيه " إذا أذنت أو كان حال كذا فأدى بعض الحديث ولم يؤد بعضا أو حفظ بعضا وأدى ما يحفظه ولم يحفظ بعضا فأدى ما أحاط بحفظه ولم يحفظ بعضا فسكت عما لم يحفظ أو شك في بعض ما سمع فأدى ما لم يشك فيه وسكت عما شك فيه منه أو يكون فعل ذلك من دونه ممن حمل الحديث عنه وقد اعتبرنا عليهم وعلى من أدركنا فرأينا الرجل يسأل عن المسألة عنده حديث فيها فيأتى من الحديث بحرف أو حرفين يكون فيهما عنده جواب لما يسأل عنه ويترك أول الحديث وآخره فإن كان الجواب في أوله ترك ما بقى منه وإن كان جواب السائل له في آخره ترك أوله وربما نشط المحدث فأتى بالحديث على وجهه ولم يبق منه شيئا ولا يخلو من روى هذا الحديث عن النبي عندي والله أعلم من بعض هذه المعاني. باب الصوم لرؤية الهلال والفطر له حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله قال " إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له " وكان عبد الله ابن عمر يصوم قبل الهلال بيوم قيل لابراهيم يتقدمه ؟ قال: نعم. أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد ابن جبير عن ابن عباس قال: عجبت ممن يتقدم الشهر وقد قال رسول الله " لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه " أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تقدموا الشهر بيوم ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين " أخبرنا عمرو بن أبى علقمة عن سلمة عن الاوزاعي حدثنى يحيى بن أبى كثير حدثنى أبو سلمة عن أبى هريرة قال: قال رسول الله " لا تقدموا بين يدى رمضان بيوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صياما فليصمه " (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ والظاهر من أمر رسول الله والله أعلم أن لا يصام حتى يرى
[ 547 ]
الهلال ولا يفطر حتى يرى الهلال لان الله جعل الاهلة مواقيت للناس والحج وقدرها يتم وينقص فأمرهم الله أن لا يصوموا حتى يروا الهلال على معنى أن ليس بواجب عليكم أن تصوموا حتى تروا الهلال وإن خفتم أن يكون قد رآه غيركم فلا تصوموا حتى تروه على أن عليكم صومه ولا تفطروا حتى تروه لان عليكم إتمامه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين " يعنى فيما قبل الصوم من شعبان ثم تكونوا على يقين من أن عليكم الصوم وكذلك فاصنعوا في عدد رمضان فتكونون على يقين من أن يكون لكم الفطر لانكم قد صمتم كمال الشهر قال وابن عمر سمع الحديث كما وصفت وكان ابن عمر يتقدم رمضان بيوم قال وحديث الاوزاعي " لا تصوموا إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم " يحتمل معنى مذهب ابن عمر في صومه قبل رمضان إلا أن تصوموا على ما كنتم تصومون متطوعين لا أن عليكم واجبا أن تصوموا إذا لم تروا الهلال (قال) ويحتمل خلافه من أن يرى أن لا يوصل رمضان بشئ من الصوم إلا أن يكون رجل اعتاد صوما من أيام معلومة فوافق بعض ذلك الصوم يوما يصل شهر رمضان (قال الشافعي) فأختار أن يفطر الرجل يوم الشك في هلال رمضان إلا أن يكون يوما كان يصومه فأختار صيامه وأسأل الله التوفيق. ولهذا نظير في الصلاة سنذكره في موضعه إن شاء الله. وهو النهى عن الصلاة في ساعات من النهار. باب نفى الولد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن ابن المسيب أو أبى سلمة عن أبى هريرة (الشك من سفيان) أن رسول الله قال " الولد للفراش وللعاهر الحجر " أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد بن زمعة وسعدا اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد يا رسول الله أوصاني أخى إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة فأقبضه فإنه ابني فقال عبد بن زمعة أخى وابن أمة أبى ولد على فراش أبى فرأى شبها بينا بعتبة فقال " هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة ". أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله فرق بين المتلاعنين وألحق الولد بالمرأة. أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبى يزيد عن أبيه قال أرسل عمر بن الخطاب إلى شيخ من بنى زهرة كان يسكن دارنا فذهبت معه إلى عمر بن الخطاب فسأله عن ولاد من ولاد الجاهلية فقال أما الفراش فلفلان وأما النطفة فلفلان فقال عمر صدق ولكن رسول الله قضى بالفراش. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن سهل بن سعد الساعدي وذكر حديث المتلاعنين فقال: قال النبي " أنظروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الاليتين فلا أراه إلا قد صدق عليها وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا " قال فجاءت به على النعت المكروه. أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن سعيد بن المسيب وعبد الله بن عبد الله ابن عتبة أن رسول الله قال " إن جاءت به أميغر سبطا فهو لزوجها وإن جاءت به أديعج جعدا فهو للذى يتهمه " قال فجاءت به أديعج (قال الشافعي) وفى حديث إبراهيم بن سعد من الوجهين عن النبي دلالة على أن رسول الله نفى الولد عن الزوج لانه لو لم ينفه عنه لم يأمر والله أعلم بالنظر إليه ودلالة على أن أحكام الله ورسوله في الدنيا على الظاهر من أمرهم وأحكام الله على الناس في الآخرة على سرائرهم لان الله لا يطلع على السرائر غيره وفى ذلك إبطال أن يحكم الناس في شئ أبدا بغير الظاهر وإبطال أحكام التوهم كلها من الذرائع وما يغلب على سامعه
[ 548 ]
وما سواها ولانى لا أعلم شيئا بعد أمر المنافقين أبين من أن يقول رسول الله لملاعنة وهى حبلى إن جاءت به كذا فهو للذى يتهمه وإن جاءت به كذا فلا أحسبه إلا قد كذب عليها فتأتى به على ما وصف أنه للذى يتهمه ثم لا يحد الذى يتهم به ولا هي (قال الشافعي) وفى حديث مالك عن نافع ما في هذه الا حديث من إلحاق النبي الولد بالمرأة وذلك نفيه عن أبيه وهو أبين من هذه في نفى الولد عن أبيه عند من ليس له نظر (قال الشافعي) وليس يخالف حديث نفى الولد عمن ولد على فراشه قول النبي " الولد للفراش وللعاهر الحجر " ومعنى قوله الولد للفراش معنيان أحدهما وهو أعمهما وأولاهما أن الولد للفراش ما لم ينفه رب الفراش باللعان الذى نفاه به عنه رسول الله فإذا نفاه باللعان فهو منفى عنه وغير لاحق بمن ادعاه بزنا وإن أشبهه كما لم يلحق النبي المولود الذى نفاه زوج المرأة باللعان ولم ينسبه إلى رجل بعينه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم شبهه به لانه ولد على غير فراش وترك النبي أن يلحقه به مثل قوله " وللعاهر الحجر " فجعل ولد العاهر لا يلحق كان العاهر له مدعيا أو غير مدع (قال الشافعي) والمعنى الثاني إذا تنازع الولد رب الفراش والعاهر فالولد لرب الفراش وإن نفى الرجل الولد بلعان فهو منفى وإذا حدث إقرار بعد اللعان فالولد لا حق به لان المعنى الذى نفى به عنه بالتعانه وكذلك إذا أقر بكذبه بالالتعان كان الولد للفراش كما قال رسول الله " ولو أقر به مرة لم يكن له نفيه بعد إقراره باللعان " لان إقراره بكل حق لآدمي مرة يلزمه ولا بخرجه منه شئ غيره وقد قال قائل من غير أهل العلم لا أنفى الولد باللعان وأجعل الولد لزوج المرأة بكل حال لان النبي قال " الولد للفراش " وقوله الولد للفراش حديث مجمع عليه ونفى الولد عن رب الفراش حديث يخالف الولد للفراش قال وحديث " الولد للفراش " ثابت وكذلك حديث نفى الولد باللعان والحديث أن النبي نفى الولد عن المتلاعنين وألحقه بأمه أوضح معنى وأحرى أن لا يكون فيه شبهة من حديث " الولد للفراش " لانه إذا نص الحديث في الولد للفراش فإنما هو أن رجلين تنازعا ولدا أحدهما يدعيه لرب أمه الواطئ لها بالملك. والآخر يدعيه لرجل وطئ تلك الامة بغير ملك ولا نكاح فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسبه لمالك الامة أفرأيت لو قال لنا قائل: إذا كان مثل هذا فالولد للفراش لان رسول الله إنما ألحقه بالفراش بالدعوى لصاحب الفراش وإذا لم يكن هذا فولد مولود على فراش رجل لم ألحقه به إلا بدعوى يحدثها له هل الحجة عليه إلا أن معقولا في الحديث أن يثبت النسب بالحلال ولا يثبت بالحرام وإن لم يكن نصا بأن الولد للفراش بدعوة رب الفراش وأن يكون يدعيه له من تجوز دعوته عليه فحديث إلحاق الولد بالمرأة بين بنفسه لا يحتاج فيه إلى تفسير من غيره فلا يحتمل تأويلا ولم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم (قال الشافعي) أرأيت لو أن رجلا عمد إلى سنة لرسول الله فخالفها أو إلى أمر عرف عوام من العلماء مجتمعين عليه لم يعلم لهم فيه منهم مخالفا فعارضه أيكون له حجة بخلافه أم يكون بها جاهلا يجب عليه أن يتعلم ؟ لانه لو جاز هذا لاحد كان لكل أحد أن ينقض كل حكم بغير سنة وبغير اختلاف من أهل العلم ؟ فمن صار إلى مثل ما وصفت من أن لا ينفى الولد بلعان خالف سنة رسول الله. ثم ما أعلم المسلمين اختلفوا فيه ثم من أعجب أمر قائل هذا القول أنه يدعى القول بالاجماع وإبطال غيره فما يعدو أن يكون يكون رجلا لا يعرف إجماعا ولا افتراقا في هذا أو يكون رجلا لا يبالى ما قال.
[ 549 ]
باب في طلاق الثلاث المجموعة حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد وعبد المجيد عن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه أن أبا الصهباء قال لابن عباس إنما كانت الثلاث على عهد رسول الله تجعل واحدة وأبى بكر وثلاث من إمارة عمر فقال ابن عباس: نعم حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني عكرمة بن خالد أن سعيد بن جبير أخبره أن رجلا جاء إلى ابن عباس فقال طلقت امرأتي ألفا فقال تأخذ ثلاثا وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين. أخبرنا مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج عن مجاهد قال رجل لابن عباس طلقت امرأتي مائة فقال تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين (قال الشافعي) فإن كان معنى قول ابن عباس أن الثلاث كانت تحسب على عهد رسول الله واحدة يعنى أنه بأمر النبي فالذي يشبه والله أعلم أن يكون ابن عباس قد علم إن كان شيئا فنسخ فإن قيل فما دل على ما وصفت ؟ قيل: لا يشبه أن يكون يروى عن رسول الله شيئا ثم يخالفه بشئ لم يعلمه كان من النبي فيه خلافه فإن قيل فلعل هذا شئ روى عن عمر فقال فيه ابن عباس بقول عمر قيل قد علمنا أن ابن عباس يخالف عمر في نكاح المتعة وبيع الدينار بالدينارين وفى بيع أمهات الاولاد وغيره فكيف يوافقه في شئ يروى عن النبي فيه خلافه ؟ فإن قيل فلم لم يذكره ؟ قيل وقد يسأل الرجل عن الشئ فيجيب فيه ولا يتقصى فيه الجواب ويأتى على الشئ ويكون جائزا له كما يجوز له لو قيل أصلى الناس على عهد رسول الله إلى بيت المقدس ؟ أن يقول نعم وإن لم يقل ثم حولت القبلة قال: فإن قيل فقد ذكر على عهد أبى بكر وصدر من خلافة عمر قيل والله أعلم وجوابه حين استفتى يخالف ذلك كما وصفت فإن قيل فهل من دليل تقوم به الحجة في ترك أن تحسب الثلاث واحدة في كتاب أو سنة أو أمر أبين مما ذكرت ؟ قيل: نعم حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأة له فطلقاه ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال والله لا آويك إلى ولا تحلين أبدا فأنزل الله " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق وذكر بعض أهل التفسير هذا فلعل ابن عباس أجاب على أن الثلاث والواحدة سواء وإذا جعل الله عدد الطلاق على الزوج وأن يطلق متى شاء فسواء الثلاث والواحدة وأكثر من الثلاث في أن يقضى بطلاقه (قال الشافعي) وحكم الله في الطلاق أنه مرتان " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " وقوله " فإن طلقها " يعنى والله أعلم الثلاث " فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " فدل حكمه أن المرأة تحرم بعد الطلاق ثلاثا حتى تنكح زوجا غيره وجعل حكمه بأن الطلاق إلى الازواج يدل على أنه إذا حدث تحريم المرأة بطلاق ثلاث وجعل الطلاق إلى زوجها فطلقها ثلاثا مجموعة أو مفرقة حرمت عليه بعدهن حتى تنكح زوجا غيره كما كانوا مملكين عتق رقيقهم فإن أعتق واحدا أو مائة في كلمة لزمه ذلك كما يلزمه كلها جمع الكلام فيه أو فرقه مثل قوله لنسوة له أنتن طوالق ووالله لا أقربكن وأنتن على كظهر أمي وقوله لفلان على كذا ولفلان على كذا ولفلان على كذا فلا يسقط عنه بجمع الكلام معنى من المعاني جميعه كلام فيلزمه بجمع الكلام ما يلزمه بتفريقه فإن قال قائل فهل من سنة تدل على هذا ؟ قيل: نعم. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة
[ 550 ]
ابن الزبير عن عائشة أنه سمعها تقول: جاءت امرأة رفاعة القرظى إلى رسول الله فقالت إنى كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله وقال " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته " قال وأبو بكر عند النبي وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يؤذن له فنادى يا أبكر ألا تسمع ما تجهر به هذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ (قال الشافعي) فإن قيل فقد يحتمل أن يكون رفاعة بت طلاقها في مرات قلت ظاهره في مرة واحدة وبت إنما هي ثلاث إذا احتملت ثلاثا وقال رسول الله " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى يذوق عسيلتك " ولو كانت عائشة حسبت طلاقها بواحدة كان لها أن ترجع إلى رفاعة بلا زوج فإن قيل أطلق أحد ثلاثا على عهد النبي ؟ قيل: نعم عويمر العجلاني طلق امرأته ثلاثا قبل أن يخبره النبي أنها تحرم عليه باللعان فلم أعلم النبي نهاه وفاطمة بنت قيس تحكى للنبى أن زوجها بت طلاقها تعنى والله أعلم أنه طلقها ثلاثا وقال النبي " ليس لك عليه نفقة " لانه والله أعلم لا رجعة له عليها ولم أعلمه عاب طلاق ثلاث معا (قال الشافعي) فلما كان حديث عائشة في رفاعة موافقا ظاهر القرآن وكان ثابتا كان أولى الحديثين أن يؤخذ به والله أعلم وإن كان ليس بالبين فيه جدا (قال الشافعي) ولو كان الحديث الآخر له مخالفا كان الحديث الآخر يكون ناسخا والله أعلم وإن كان ذلك ليس بالبين فيه جدا. باب طلاق الحائض حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الله ابن أيمن يسأل ابن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا ؟ فقال طلق عبد الله بن عمر امرأته وهى حائض على عهد النبي فقال النبي " ليرتجعها " فردها على ولم يرها شيئا فقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهى حائض في عهد رسول الله فسأل عمر رسول الله عن ذلك فقال رسول الله " مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التى أمر الله أن يطلق النساء ". أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج أنهم أرسلوا إلى نافع يسألونه هل حسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله ؟ قال: نعم (قال الشافعي) حديث مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي أمر عمر أن يأمر ابن عمر أن يراجع امرأته دليل بين على أن لا يقال له راجع إلا ما قد وقع عليه طلاقه لقول الله في المطلقات " وبعولتهن أحق بردهن في ذلك " ولم يقل هذا في ذوات الازواج وإن معروفا في اللسان بأنه إنما يقال للرجل راجع امرأتك إذا افترق هو وامرأته وفى حديث أبى الزبير شبيه به ونافع أثبت عن ابن عمر من أبى الزبير والاثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه وقد وافق نافعا غيره من أهل التثبيت في الحديث فقيل له أحسبت تطليقة ابن عمر على عهد رسول الله تطليقة ؟ فقال: فمه أو إن عجز يعنى أنها حسبت قال والقرآن يدل على أنها تحسب قال الله عز وجل " الطلاقع مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان " لم يخص طلاقا دون طلاق (قال الشافعي) وما وافق ظاهر كتاب الله من الحديث أولى أن يثبت مع أن الله إذا ملك الازواج الطلاق وجعله إحداث تحريم الازواج بعد أن كن حلالا وأمروا أن يطلقوهن في الطهر فطلق رجل في خلالف الطهر لم تكن المعصية إن كان عالما تطرح عنه التحريم ثم إذا حرمت بالطلاق وهو مطيع في وقته كانت حراما بالطلاق إذا كان عاصيا في تركه الطلاق في الطهر لان المعصية لا تزيد الزوج خيرا إن لم تزده شرا
[ 551 ]
فإن قيل فهل لقوله فلم تحسب شيئا وجه ؟ قيل له الظاهر فلم تحسب تطليقة وقد يحتمل أن تكون لم تحسب شيئا صوابا غير خطأ يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه ألا ترى أنه يؤمر بالمراجعة ولا يؤمر بها الذى طلق طاهرا امرأته كما يقال للرجل أخطأ في قوله أو أخطأ في جواب أجاب به لم يصنع شيئا صوابا. باب بيع الرطب باليابس من الطعام حدثنا الربيع بن سليمان قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الاسود بن سفيان أن زيدا أبا عياش أخبره أنه سأل سعد بن أبى وقاص عن البيضاء بالسلت ؟ قال له سعد أيهما أفضل، فقال البيضاء فنهى عن ذلك وقال: سمعت رسول الله يسأل عن شراء التمر بالرطب فقال رسول الله " أينقص الرطب إذا يبس ؟ " قالوا: نعم فنهى عن ذلك. أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله نهى عن المزابنة والمزابنة بيع الثمر بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا. أخبرنا سفيان عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبى حثمة أن رسول الله أرخص لصاحب العرية أن يبيعها بكيلها تمرا يأكلها أهلها رطبا. أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه وعن بيع الثمر بالتمر قال عبد الله ابن عمر وحدثنا زيد بن ثابت أن رسول الله أرخص في بيع العرايا (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ وليس فيه حديث يخالف صاحبه إنما النهى عن المزابنة وهى كل بيع كان من صنف واحد من الطعام بيع منه كيل معلوم بجزاف وكذلك جزاف بجزاف لان بينا في سنة رسول الله أن يكون الطعام بالطعام من صنفه معلوما عند البائع والمشترى مثلا بمثل ويدا بيد والجزاف بالكيل والجزاف بالجزاف مجهول وأصل نهى النبي عن بيع الرطب بالتمر لان الرطب ينقص إذا يبس في معنى المزابنة إذا كان ينقص إذا يبس فهو تمر بتمر أقل منه وهو لا يصلح بأقل منه وتمر بتمر لا يدرى كم مكيلة أحدهما من الآخر الرطب إذا يبس فصار تمرا لم يعلم كم قدره من قدر التمر وهكذا قلنا لا يصلح كل رطب بيابس في حال من الطعام إذا كانا من صنف واحد ولا رطب برطب لان رسول الله إنما نهى عن بيع الرطب بالتمر لان الرطب ينقص ونظر في المتعقب من الرطب وكذلك لا يجوز رطب برطب لان نقصهما يختلف لا يدرى كم نقص هذا ونقص هذا فيصير مجهولا بمجهول وسواء كان الرطب بالرطب من الطعام من نفس خلقته أو رطبا بل بغير مبلول (قال الشافعي) وإذا رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا وهى رطب بتمر كان نهيه عن الرطب بالتمر والمزابنة عندنا والله أعلم من الجمل التى مخرجها عام وهى يراد بها الخاص والنهى عام على ما عدا العرايا والعرايا مما لم تدخل في نهيه لانه لا ينهى عن أمر يأمر به إلا أن يكون منسوخا ولا نعلم ذلك منسوخا والله أعلم (قال الشافعي) والعرايا أن يشترى الرجل ثمر النخلة وأكثر بخرصه من التمر بخرص الرطب رطبا ثم يقدر كم ينقص إذا يبس ثم يشترى بخرصه تمرا يقبض التمر قبل أن يتفرق البائع والمشترى فإن تفرقا قبل أن يتقابضا فسد البيع كما يفسد في الصرف ولا يشترى رجل من العرايا إلا ما كان خرصه تمرا أقل من خمسة أوسق فإذا كان أقل من خمسة أوسق بشئ وإن قل جاز فيه البيع فإن قال قائل كيف يجوز البيع فيما دون خمسة أوسق ولا يجوز فيما هو أكثر منها ؟ قيل: يجوز بما أجازه به رسول الله الذى فرض الله طاعته ولم يجعل لاحد أن يقول معه إلا باتباعه ويرد بما رده به عليه السلام. حدثنا الربيع أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن داود بن الحصين عن أبى سفيان مولى ابن أبى أحمد عن أبى هريرة أن رسول الله أرخص في بيع العرايا ما دون خمسة أوسق أو في خمسة
[ 552 ]
أوسق " الشك من داود " (قال الشافعي) وفى توقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إجازته بمكيلة من العرايا دليل على منع ما هو أكثر منها فهو ممنوع بيعه في الحديث نفسه ولو قال قائل وأدخله في بيع الرطب بالتمر والمزابنة لكان مذهبا يصح عندنا والله أعلم ولا تكون العرايا إلا من نخل أو عنب لانه لا يخرص غيرهما * حدثنا الربيع قال قال الشافعي ولا يجوز بيع تمر بتمر إلا مثلا بمثل كيلا بكيل ولا يجوز وزنا بوزن لان أصله الكيل. (باب الخلاف في العرايا) * حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) ولم يجد الذين يظهرون القول بالحديث في شئ من الاحاديث من الشبه ما وجدوا في المجمل مع المفسر وذلك أنهم يلقون بهما قوما من أهل الحديث ليس لهم بصر بمذاهبه فيشبهون عليهم وقد ذكرنا بعض ما يدل على ما وراءه من المجمل مع المفسر وقال بعض الناس في بيع الرطب بالتمر حلال فخالفه بعض أصحابه ووافقنا وقال: لا يجوز لنهى النبي صلى الله عليه وسلم ثم عاد صاحبه الذى خالفه فقال: لا بأس بحنطة بحنطة مبلولة وإحداهما أكثر ابتلالا من الاخرى ولا رطب برطب ولم يزد على أن أظهر الاخذ بالحديث جملة ثم خالف معناه فيما وصفت وقال: ولا بأس بتمرة بتمرتين وثلاث بأربع لان هذا لا يكال فقيل له إذا كان التمر محرما إلا كيلا بكيل فكيف أجزت منه قليلا بأكثر ؟ فإن قال لا يكال فهكذا كل التمر إذا فرق قليلا وإنما تجمع تمرة إلى أخرى فتكال وفى نهى النبي " إلا كيلا بكيل " دليل على تحريمه عددا بعدد مثله أو أقل أو أكثر منه فقد أجزته متفاضلا لان رسول الله نهى عنه إلا مستويا بالكيل * قال الربيع قال يعنى الشافعي وخالفونا معا في العرايا فقالوا لا نجيز بيعها وقالوا نرد إجازة بيعها بنهي النبي عن المزابنة ونهيه عن الرطب بالتمر وهى داخلة في المعنيين فقيل لبعض من قال هذا منه فإن أجاز إنسان بيع المزابنة بالعرايا لان النبي قد أجاز بيع العرايا قال ليس ذلك له قلنا هل الحجة عليه إلا كهى عليكم في أن يطاع رسول الله فنحل ما أحل ونحرم ما حرم ؟ أرأيت لو أدخل عليكم أحد مثل هذا ؟ فقال أنتم تقولون إن النبي قال " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " وتقولون في الحديث دلالة على أن لا يعطى إلا بينة ومن حلف برئ لم تقولون في قتيل يوجد في محلة يحلف أهل المحلة ويغرمون الدية فتغرمون من حلف وتعطون من لم تقم له البينة ؟ أفخالفتم حديث النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " قالوا: لا ولكنه جملة يحتمل أن يراد به الخاص ولما وجدنا عمر يقضى في القسامة فيعطى بغير بينة ويحلف ويغرم قلنا جملة البينة على المدعى عام أريد به الخاص لان عمر لا يجهل قول النبي ولا يخالفه (قال الشافعي) فقيل له أقول رسول الله أدل على قوله أم قول غيره ؟ قال: لا بل قول رسول الله أدل على قوله قلت وهو الذى زعمنا نحن وأنت لانه لا يستدل على قول رسول الله ولا غيره إلا بقول نفس القائل وأما غيره فقد بخفى علينا قوله قال وكيف تقول ؟ قلت أحل ما أحل من بيع العرايا وأحرم ما حرم من بيع المزابنة وبيع الرطب بالتمر سوى العرايا وأزعم أن لم يرد بما حرم ما أحل ولا مما أحل ما حرم فأطيعه في الامرين وما علمتك إلا عطلت نص قوله في العرايا وعامة من روى عنه النهى في المزابنة روى أن النبي أرخص في العرايا فلم يكن للتوهم ههنا موضع فنقول الحديثان مختلفان ولقد خالفه في فروع بيع الرطب بالتمر قال ووافقنا بعض أصحابنا في جملة قولنا في بيع العرايا ثم عاد فقال لاتباع إلا من صاحبها الذى أعراها إذا تأذى بدخول الرجل عليه بتمر إلى الجذاذ قال فما علمته أحلها فيحلها لكل مشتر ولا حرمها فيقول قول من حرمها وزاد فقال تباع بتمر نسيئة والنسيئة عنده في الطعام حرام ولم يذكر عن النبي ولا غيره أنه أجاز أن تباع بدين فكيف جاز لاحد أن يجعل الدين في الطعام بلا خبر عن رسول الله وأن يحل بيعا من إنسان يحرمه من غيره فشركهم صاحبنا في رد بيع
[ 553 ]
العرايا في حال وزاد عليهم إذ أحلها إلى الجذاذ فجعل طعاما بطعام إلى أجل وإلى أجل مجهول لان الجذاذ مجهول والآجال لا نجوز إلا معلومة قال والعرايا التى أرخص رسول الله فيها فيما دون ذكر محمود بن لبيد قال سألت زيد بن ثابت فقلت ما عراياكم هذه التى تحلونها ؟ فقال: فلان وأصحابه شكوا إلى رسول الله أن الرطب يحضر وليس عندهم ذهب ولا ورق يشترون بها وعندهم فضل تمر من قوت سنتهم فأرخص لهم رسول الله أن يشتروا العرايا بخرصها من التمر يأكلونها رطبا. باب بيع الطعام حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله قال " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " أخبرنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن رسول الله قال " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس قال أما الذى نهى عنه رسول الله فهو الطعام أن يباع حتى يستوفى وقال ابن عباس برأيه ولا أحسب كل شئ إلا مثله. أخبرنا سفيان عن ابن أبى نجيح عن عبد الله بن كثير عن أبى المنهال عن ابن عباس قال: قدم النبي المدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث فقال رسول الله " من سلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم أو إلى أجل معلوم " أخبرنا الثقة عن أيوب عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قال نهانى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عندي (قال الشافعي) وليس شئ من هذه الاحاديث مختلفا ولكن بعضها من الجمل التى تدل على معنى المفسر وبعضها أدى فيه أكثر مما أدى في بعضه قال فسألني مقدم من أهل العلم ممن يكثر خلافنا ويدخل المجمل على المفسر والمفسر على المجمل فقال أرأيت هذه الاحاديث أمختلفة هي ؟ قلت ما يخالف منها واحد واحدا قال فأبن لى من أين اتفقت ولم تختلف قلت أما ابن عمر فيقول أن رسول الله قال " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه فدل هذا على أن لا يجوز لمبتاع طعاما بيعه قبل أن يستوفيه لانه والله أعلم مضمون بالبيع على البائع فلا يكون من ضمان غيره بالبيع ويأخذ هو ثمنه وربحه وهو لو هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المبتاع أخذ منه رأس ماله وكان كمن لا بيع بينه وبينه وأما حديث طاوس عن ابن عباس فمثل حديث ابن عمر والله أعلم إلا أنه لم يذكر فيه من ابتاع طعاما وفيه دلالة إذ قال أما الذى نهى عنه رسول الله " فالطعام أن يباع حتى يعلم " يعنى حتى يكال وإذا اكتاله المشترى فقد استوفاه وإن كان حديث ابن عمر أوضح معنى منه فأما حديث حكيم بن حزام فإن رسول الله نهاه والله أعلم عن أن يبيع شيئا بعينه لا يملكه والدليل على أن هذا معنى حديث حكيم بن حزام والله أعلم حديث أبى المنهال عن ابن عباس أن رسول الله أمر من سلف في تمر سنتين أو ثلاث أن يسلف في كيل معلوم ووزن معلوم وهذا بيع ما ليس عند المرء ولكنه بيع صفة مضمونة على بائعها وإذا أتى بها البائع لزمت المشترى وليست بيع عين بيع العين إذا هلكت قبل قبض المبتاع انتقض فيها البيع ولا يكون بيع العين مضمونا على البائع فيأتى بمثله إذا هلكت. فقال كل ما قلت كما قلت وبه أقول. فقلت له ولا نجعل عن رسول الله حديثين مختلفين أبدا إذا وجد السبيل إلى أن يكونا مستعملين فلا نعطل منهما واحدا لان علينا في كل ما علينا في صاحبه ولا نجعل المختلف إلا فيما لا يجوز أن يستعمل أبدا إلا بطرح صاحبه قال: فقلت له ولو ذهب ذاهب في هذه الاحاديث إلى أن يجعلها مختلفة فيقول حكى ابن عباس قدوم النبي المدينة وهم يسلفون فأمرهم أن يسلفوا في كيل معلوم ووزن معلوم (م 8 81)
[ 554 ]
وهذا أول مقدمه ثم حكى حكيم بن حزام وإنما صحبه بعد الفتح أن النبي نهاه عن بيع ما ليس عنده والسلف في صفة بيع ما ليس عنده فلا يحل السلف هل الحجة عليه إلا أن يقال له السلف صنف من البيع غير بيع العين ونستعمل الحديثين معا ونجد عوام المفتين يستعملونهما وفى استعمال عوام المفتين إياهما دليل على أن الحجة تلزمهم بأن يستعملوا كل ما كان في معناهما ولا يتفرقوا فيه كما اجتمعوا على استعمال هذين والدليل على أن الحجة مع من استعملهما دون من لم يستعملهما قال: نعم قال: فقلت له هكذا الحجة عليك في كل ما ذهبت إليه من أن تجعل المفسر مرة حجة على المجمل والمجمل حجة على المفسر في القسامة واليمين مع الشاهد والبينة على المدعى وبيع العرايا والمزابنة وغير ذلك مما كثر مما أسمعك تذهب فيه إلى الطريق التى أرى أن تقبلها عن طريق النص بأنها تضاد انتشار الخلاف بين الاحاديث والله أعلم ولكنك تذهب فيها إلى الاستتار من كثرة خلاف الحديث عند من لعله لا يبصر في أن قال ذلك ممن يعيب عليك خلاف الحديث. باب المصراة (الخراج بالضمان) حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا سعيد بن سالم عن ابن أبى ذئب عن مخلد بن خفاف عن عروة بن الزبير عن عائشة أن رسول الله قال " الخراج بالضمان " أخبرنا مسلم عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الخراج بالضمان " (قال الشافعي) وأحسب بل لا أشك إن شاء الله أن مسلما نص الحديث فذكر أن رجلا ابتاع عبدا فاستعمله ثم ظهر منه على عيب فقضى له رسول الله برده بالعيب فقال المقضى عليه قد استعمله فقال رسول الله " الخراج بالضمان ". أخبرنا مالك عن أبى الزناد عن الاعرج عن أبى هريرة أن رسول الله قال " لا تصروا الابل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " أخبرنا سفيان عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبى هريرة عن النبي مثله إلا أنه قال " ردها وصاعا من تمر لا سمراء " (قال الشافعي) وحديث الخراج بالضمان وحديث المصراة واحد وهما متفقان فيما اجتمع فيه معناهما وفى حديث المصراة شئ ليس في حديث الخراج بالضمان قال وذلك أن مبتاع الشاة أو الناقة المصراة مبتاع لشاة أو ناقة فيها لبن ظاهر وهو غيرهما كالثمر في النخلة الذى إذا شاء قطعه وكذلك اللبن إذا شاء حلبه واللبن مبيع مع الشاة وهو سواها وكان في ملك البائع فإذا حلبه ثم أراد ردها بعيب التصرية ردها وصاعا من تمر كثر اللبن أو قل كان قيمته أو أقل من قيمته لان ذلك شئ وقته رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جمع فيه بين الابل والغنم والعلم يحيط أن ألبان الابل والغنم مختلفة الكثرة والاثمان وأن ألبان كل الابل والغنم مختلفة وكذلك البقر لانها في معناها (قال) فإن رضى الذى ابتاع المصراة أن يمسكها بعيب التصرية ثم حلبها زمانا ثم ظهر منها على عيب غير التصرية فإن ردا بالعيب ردها ولا يرد اللبن الذى حلبه بعد لبن التصرية لانه لم يكن في ملك البائع وإنما كان حادثا في ملك المبتاع كما حدث الخراج في ملكه ويرد صاعا من تمر للبن التصرية فقط (قال الشافعي) وإذا ابتاع العبد فإنما ابتاعه بعينه وما حدث له في يده من خدمة أو خراج أو مال أفاده فهو للمشترى لانه حادث في ملكه لم تقع عليه صفقة البيع فهو كلبن الشاة الحادث بعد لبن التصرية في ملك مشتريها لا يختلف وكذلك نتاج الماشية يشتريها فتنتج ثم يظهر منها على عيب فيردها دون النتاج وكذلك لو أخذ لها أصوافا أو شعورا أو أوبارا وكذلك لو أخذ للحائط ثمر إذا كانت يوم يردها بحالها يوم أخذها أو أفضل وهكذا وطئ الامة الثيب قد دلس له فيها بعيب يردها ولا شئ عليه في الوطئ والخراج والخدمة ليسا بأكثر مما وصفت من وطئ ثيب لا ينقصها الوطئ وأخذ ثمرة ولبن وفتاج إذا
[ 555 ]
لم ينقص الشجر والامهات وكذلك كراء الدار يبتاعها فيستغلها ثم يظهر منها على عيب يكون له الكراء بالضمان والضمان الذى يكون له به الكراء ضمان يحل له بالبيع بكل حال ألا ترى أنه يحل له في كل شئ دلس له فيه بعيب مما وصفت أن يمسكه بعيبه ويموت ويهلك فيهلك من ماله ويعتق المماليك فيقع عليهم عتقه لانه مالك تام المالك جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيارا فيما دلس له به إن شاء رده وإذا جعل إن شاء رده فقد جعل له إن شاء أن يمسكه فقد أبان رسول الله أن له أن يمسك في الشاة المصراة فقال " إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر " من إبانته الاول بقول " إن شاء رده " (قال الشافعي) فأما ما ضمن ببيع فاسد أو غصب أو غير ملك صحيح فلا يكون له خراجه ولا يكون له منفعة مالا يحل له حبسه وكيف يجوز إذا جعل رسول الله المنفعة من المملوك للذى يحل له ملكه المالك المدلس أن يحيل معناه أن يجعل لغير مالك ولمن لا يحل له حبس الذى فيه المنفعة فيكون قد أحيل إلى ضده وخولف فيه معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. باب الخلاف في المصراة حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس في المصراة فقال: الحديث فيها ثابت ولكن الناس كلهم تركوه فقلت له أفتحكى لى عن أحد من أصحاب رسول الله أنه تركه ؟ قال: لا قلت فأنت تحكى عن ابن مسعود أنه قال فيها مثل معنى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وقلت له أو تحكى عن أحد من المتابعين أنه تركه ؟ فما علمته ذكر في مجلسه ذلك أحدا منهم يخالفه قال: إنما عنيت بالناس المفتين في زماننا أو قبلنا لا التابعين قلت له: أتعنى بأى البلدان ؟ قال: بالحجاز والعراق: فقلت له: فاحك لى من تركه بالعراق ؟ قال أبو حنيفة لا يقول به وأصحابه قلت أفتعد أصحابه إلا رجلا واحدا لانهم قبلوه عن واحد ؟ قال: فلم أعلم غيره قال به. قلت أنت أخبرتنا عن ابن أبى ليلى أنه قال يردها وقيمة اللبن يومئذ قال: وهكذا كان يقول ولكن لا نقول به. فقلت أجل: ولكن ابن أبى ليلى قد زاد الحديث فتأول فيه شيئا يحتمله ظاهره عندنا على غيره فقلنا بظاهره وابن أبى ليلى أراد اتباعه لا خلافه قال فما كان مالك يقول فيه ؟ قلت أخبرني من سمعه يقول بالحديث قال فما كان الزنجي يقول فيه ؟ قلت سمعته يفتى فيه بمعنى الحديث (قال الشافعي) وقلت له ما كان من يفتى بالبصرة يقول فيه: قال ما أدرى قلت أفرأيت من غاب عنك قوله من أهل البلدان أيجوز لى أن أقول على حسن الظن بهم وافقوا حديث رسول الله قال: لا إلا أن تعلم قولهم (قال الشافعي) فقلت فقد زعمت أن الناس كلهم تركوا القول بحديث رسول الله في المصراة وزعمت على لسانك أنه لا يجوز لك ما قلت ولم يحصل في يديك من الناس أحد تسميه غير صاحبك وأصحابه (قال الشافعي) وقلت له: وهل وجدت لرسول الله حديثا يثبته أهل الحديث يخالفه عامة الفقهاء إلا إلى حديث لرسول الله مثله ؟ قال: كنت أرى هذا قلت فقد علمت الآن أن هذا ليس هكذا قال وكنت أرى حديث جابر أن معاذا كان يصلى مع النبي العتمة ثم يأتي بنى سلمة فيصلى بقومه العتمة هي له نافلة ولهم فريضة فوجدنا أصحابكم المكيين عطاء وأصحابه يقولون به ووجدنا وهب بن منبه والحسن وأبا رجاء العطاردي وبعض مفتى أهل زمانيا يقولون به قلت وغير من سميت ؟ قال: أجل وفى هؤلاء ما دل على أن الناس لم يجمعوا على تركه قلت له ولقد جهدت منذ لقيتك وجهدنا أن نجد حديثا واحدا يثبته أهل الحديث خالفته العامة فما وجدنا إلا أن يخالفوه إلى حديث رسول الله فذكر حديثا قلت أثابت هو ؟ قال: لا فقلت ما لا يثبت مثله فليس بحجة لاحد ولا عليه قال: فكيف
[ 556 ]
نرد صاعا من تمر ولا نرد ثمن اللبن. قلت أثبت هذا عن النبي ؟ قال: نعم قلت وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فليس فيه إلا التسليم فقولك وقول غيرك فيه لم وكيف خطأ قال بعض من حضره نعم قلت فدع كيف إذا قررت أنها خطأ في موضع فلا تضعها الموضع الذى هي فيه خطأ قال بعض من حضره وكيف كانت خطأ ؟ قلت إن الله تعبد خلقه في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بما شاء لا معقب لحكمه فعلى الناس اتباع ما أمروا به وليس لهم فيه إلا التسليم وكيف إنما تكون في قول الآدميين الذى يكون قولهم تبعا لا متبوعا ولو جاز في القول اللازم كيف حتى يحمل على قياس أو فطمة عقل لم يكن للقول غاية ينتهى إليها وإذا لم يكن له غاية ينتهى إليها بطل القياس ولكن القول قولان: قول فرض لا يقال فيه كيف. وقول تبع يقال فيه كيف يشبه القول الغاية (قال الربيع) والقول الغاية الكتاب والسنة (قال الشافعي) قلت له: هل تعلم في قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخراج بالضمان معنى إلا اثنين قال ما هما ؟ قلت إن الخراج حادث بعمل العبد ولم يكن في ملك البائع ولم يكن له فيه حصة من الثمن فلا يجوز لما كان هكذا في ملك المشترى أن يكون إلا للمشترى وأنه صلى الله عليه وسلم قضى به للمالك ملكا صحيحا (1) قال لا قلت فإنك لما فرعت خالفت بعض معناهما معا قال وأين خالفت ؟ قلت زعمت أن خراج العبد والامة وخدمتهما وما ملكا بهبة أو وصية أو كنز وجداه أو غيره من وجوه الملك يكون لسيده الذى اشتراه ودلس له فيه بالعيب وله رده والخدمة وما ملك العبد بلا خراج غير الخراج فإذا قيل لك لم تجعل ذلك له وهو غير الخراج والخراج يكون بعمله وما وهب له يكون بغير عمله ولا يشغله عن خدمته ؟ فقلت لانه حادث في ملكه ليس مما انعقدت عليه صفقة البيع وزعمت أن ألبان الماشية وأنتاجها وصوفها وثمر النخل لا يكون مثل الخراج لان هذا شئ منها والخراج ليس من العبد وتعب العبد بالخراج أكثر من تعب الماشية باللبن والصوف والشعر يؤخذ منها وكلاهما حادث في ملك المشترى وزعمت أن المشترى إذا كان جارية فأصابها لم يكن له ردها فقيل له أو تنقصها الاصابة ؟ قال: لا فقيل الاصابة أكثر أو يجد ألف دينار ركازا فيأخذها السيد وكلاهما حادث في ملكه. فقلت فلم فرقت بينهما ؟ قال لانه ولئ أمته فقلت أو ليست أمته حين يردها ؟ قال: بلى قلت ولولا أنها أمته لم يأخذ كنزا وجدته. قال: نعم، قلت فما معنى وطئ أمته وهى عندنا وعندك أمته حتى يردها ؟ قال: فروينا هذا عن على قلت أثبت عن على ؟ فقال بعض من حضره من أهل الحديث لا قال فروينا عن عمر يردها وذكر عشرا أو نحوا من ذلك قلت أثبت عن عمر ؟ قال بعض من حضره لا قلت فكيف تحتج بما لم يثبت وأنت تخالف عمر لو كان قال ؟ قال أفليس يقبح أن يرد جارية قد وطئها بالملك قلت أيقبح لو باعها ؟ قال: لا، قلت فإذا جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم رد العبد بالعيب والامة عندنا وعندك مثل العبد وأنت ترد الامة ما لم يطأها فكيف قلت في الوطئ خاصة وهو لا ينقصها لا يردها إذا وطئها من شراء مرة أو مرتين ؟ قال ما انتفع به منها وهو ينتفع منها بما وصفت ويردها معه قال فمن أصحابنا من وافقك على أن يرد الجارية إذا وطئت إذا كانت ثيبا وخالفك في نتاج الماشية فقلت الحجة عليه الحجة عليك باب كسب الحجام حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة أن (1) لعله قال " نعم " إلا أن يكون في الكلام سقط. تأمل. (*)
[ 557 ]
محيصة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه عنه فلم يزل يكلمه حتى قال له " أطعمه رقيقك وأعلفه ناضحك " أخبرنا مالك عن الزهري عن ابن شهاب عن حرام بن سعد عن أبيه أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام فنهاه عنها فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال له " أعلفها ناضحك ورقيقك " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي أخبرنا مالك عن حميد عن أنس قال: حجم أبو طيبة رسول الله فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه. وأخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن حميد عن أنس أنه قيل له: احتجم رسول الله ؟ قال: نعم، حجمه أبو طيبة فأعطاه صاعين وأمر مواليه أن يخفوا عنه من ضريبته وقال " إن أمثل ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري لصبيانكم من العذرة ولا تعذبوهم بالغمز " أخبرنا عبد الوهاب الثقفى عن أيوب عن ابن سيرين عن ابن عباس. أخبرنا سفيان عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس قال: احتجم رسول الله وقال للحجام " اشكموه " (قال الشافعي) ليس في شئ من هذه الاحاديث مختلف ولا ناسخ ولا منسوخ فهم قد أخبرونا أنه قد أرخص لمحيصة أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه ولو كان حراما لم يجز رسول الله والله أعلم لمحيصة أن يملك حراما ولا يعلفه ناضحه ولا يطعمه رقيقه ورقيقه ممن عليه فرض الحلال والحرام ولم يعط رسول الله حجاما على الحجامة أجرا إلا لانه لا يعطى إلا ما يحل له أن يعطيه وما يحل لمالكه ملكه حل له ولمن أطعمه إياه أكله قال: فإن قال قائل: فما معنى نهى رسول الله وإرخاصه في أن يطعمه الناضح والرقيق ؟ قيل لا معنى لة إلا واحد وهو أن من المكاسب دنيا وحسنا فكان كسب الحجام دنيا فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة لكثرة المكاسب التى هي أجمل فلما زاد فيه أمره أن يعلفه ناضحه ويطعمه رقيقه تنزيها له لا تحريما عليه (قال الشافعي) رضى الله عنه: وقد روى أن رجلا ذا قرابة لعثمان قدم عليه فسأله عن معاشه فذكر له غلة حمام وكسب حجام أو حجامين فقال إن كسبك لوسخ أو قال لدنئ أو قال لدنس أو كلمة تشبه ذلك. باب الدعوى والبينات حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن ابن أبى مليكة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " البينة على المدعى " (قال الشافعي) وأحسبه ولا أثبته قال " واليمين على المدعى عليه " أخبرنا عبد الله بن الحرث عن سيف بن سليمان عن قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد قال عمرو في الاموال. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد عن ربيعة بن عثمان عن معاذ بن عبد الرحمن التيمى عن ابن عباس ورجل آخر سماه لا أحفظ اسمه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبى حثمة أن عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود خرجا إلى خيبر فتفرقا لحاجتهما فقتل عبد الله بن سهل فانطلق هو وعبد الرحمن أخو المقتول وحويصة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له قتل عبد الله بن سهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم قتيلكم أو صاحبكم " قالوا يا رسول الله لم نشهد ولم نحضر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فتبرئكم يهود بخمسين يمينا " قالوا يا رسول الله كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ فزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عقله من عنده قال بشير قال سهل لقد ركضتنى فريضة من تلك الفرائض في مربد لنا (قال الشافعي) وبهذه الاحاديث كلها نأخذ وهى من الجمل التى يدل بعضها على بعض ومن
[ 558 ]
سعة لسان العرب أو اقتصار المحدث على بعض ما يسمع دون بعض أو هما معا فمن ادعى على أحد شيئا سوى الذى في النفس خاصة يريد أخذه لم يكن له أخذه بدعواه بحال فقط إلا أن يتيم بينة على ما ادعى فإذا أقام شاهدين على ما دون الزنا أو شاهدا وامرأتين على الاموال قضى له بدعواه ولم يكن عليه أن يحلف مع بينته وإذا لم يقم على ما يدعى إلا شاهدا واحدا فإن كان مالا أحلف مع شاهده وأعطى المال وإن كان الذى يدعى غير مال لم يعط به شيئا وكان حكمه حكم من لم يأت ببينة (قال الشافعي) رضى الله عنه: البينة في دلالة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بينتان بينة كاملة بعدد الشهود لا يحلف مقيمها معها وبينة ناقصة العدد يحلف مقيمها معها (قال) ومن ادعى شيئا لم يقم عليه بينة يؤخذ بها أحلف المدعى عليه فإن حلف برئ وإن نكل لم يأخذ الذى ادعى منه شيئا حتى يحلف على دعواه فيأخذ بيمينه مع نكول المدعى عليه (قال) والحكم بالدعوى بلا بينة والايمان (1) مخالف له بالبينة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقاس به لانهما شئ واحد تضادا قال ومن ادعى مالا دلالة للحاكم على دعواه إلا بدعواه أحلفنا المدعى عليه كما يحلف فيما سوى الدماء وإذا كانت على دعوى المدعى دلالة تصدق دعواه كالدلالة التى كانت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى فيها بالقسامة أحلف المدعون خمسين يمينا واستحقوا دية المقتول ولا يستحقون دما (قال) وكل ما وصفت بين في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا فإن أحكامه لا تختلف وأنها إذا احتملت أن يمضى كل شئ منها على وجهه أمضى ولم تجعل مختلفة وهكذا هذه الاحاديث فإن قال قائل فتجد في كتاب الله تعالى ما يشبه هذا ؟ قيل نعم قال الله عزوجل " واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم " وقال في الذين يرمون بالزنا " لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء " فكان حكم الله أن لا يثبت الحد على الزانى إلا بأربعة شهداء وقال الله تعالى في الوصية " اثنان ذوا عدل منكم " فكان حكمه أن نقبل الوصية باثنين وكذلك يقبل في الحدود وجميع الحقوق اثنان في غير الزنا وقال في الدين " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " فكان حكمه في الدين يقبل بشاهدين أو شاهد وامرأتين ولا يقال لشئ من هذا مختلف على أن بعضه ناسخ لبعض ولكن يقال مختلف على أن كل واحد منه غير صاحبه قال: وإنما قلت لا يقسم المدعون الدم إلا بالدلالة استدلالا بما وصفت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أن الانصار كانت من أعدى الناس لليهود لقطعها ما كان بينها وقتلها رجالها وإجلائها عن بلادها وفقد عبد الله بعد العصر ووجد قبل مغيب الشمس قتيلا في منزلهم ودارهم محصنة لا يخلطهم فيها غيرهم فكان فيما وصفت دلائل من علمها أنه لم يقتله إلا يهود لبعضهم فعرض النبي صلى الله عليه وسلم على الانصار أن يحلفوا ويستحقوا فأبوا فعرض عليهم أن تحلف يهود فيبرئهم بخمسين يمينا فأبوا فوداه من عنده وذلك عندنا تطوع فإذا كان في مثل هذا وما في معناه أو أكثر منه مما يغلب على من يعمله أن الجماعة التى فيها القتيل أو بعضها قتلته كانت القسامة فيه واستحق أهله بها العقل لا الدم وإذا أبو احلف لهم من ادعوا عليه خمسين يمينا ثم يبرءون لان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " فتبرئكم يهود " يدل على أنهم يبرءون بالايمان ومثل هذا وأكثر منه تدخل الجماعة البيت فيدخل عليهم وفيهم القتيل فيغلب على العلم أنهم أو بعضهم قتله أو يوجد الرجل بالفلاة متلطخ الثياب بالدم أو السيف وعنده القتيل ليس قربه عين ولا أثر عين فيغلب على من علم هذا أنه قتله أو إخبار من يغلب على من يسمع خبره أنه لا يكذب إذا كان ذلك بحضرة القتيل وأتى واحد (1) قوله: بلا بينة والايمان الخ. كذا بالنسخة التى بيدنا كما روى وحرره من أصل صحيح. كتبه مصححه. (*)
[ 559 ]
من جهة وامرأة من أخرى أو صبى من أخرى أو كافر من أخرى وأثبت كلهم رجلا فقالوا هذا قتله وغيب فأروا غيره فقالوا لم يقتله هذا وما كان في هذا المعنى فإذا لم يكن واحد من هذه المعاني فادعى أولياء الميت أن فلانا قتله وكان جماعة من وجه واحد ليس فيهم من تجوز شهادته يمكن أن يكونوا تواطؤوا على الباطل بعد القتل فيما لا يمكن أن يكون الذين جاءوا من وجوه متفرقة اجتمعوا فتواطؤوا على أن يقولوا إنه قتله لم يكن فيه قسامة يحلف المدعى عليهم ويبرءون. باب الخلاف في هذه الاحاديث حدثنا الربيع قال: (قال الشافعي) رضى الله عنه فخالفنا بعض الناس في هذه الاحاديث فجرد خلاف حديث اليمين مع الشاهد وخالف بعض معنى " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " وقد كتبت عليه واحججا اختصرت في هذا الكتاب بعضها فكان مما رد به اليمين مع الشاهد أن قال. قال الله تبارك وتعالى " شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان " فقلت له لست أعلم في هذه الآية تحريم أن يجوز أقل من شاهدين بحال قال: فإن قلت فيها دلالة على أن لا يجوز أقل من شاهدين ؟ قلت فقله قال فقد قلته قلت فمن الشاهدان اللذان أمر الله جل ثناؤه بهما ؟ قال عدلان حران مسلمان قلت فلم أجزت شهادة أهل الذمة ؟ وقلت لم أجزت شهادة القابلة وحدها ؟ قال لان عليا أجازها قلت فخلاف هي للقرآن ؟ قال: لا قلت فقد زعمت أن من حكم بأقل من شاهدين خالف القرآن ؟ وقلت له يجوز في شئ من الحديث أن يخالف القرآن ؟ قال: فإن قلته ؟ قلت فيقال لك قال الله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " إلى " فنصف ما فرضتم " - وقال " ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها " فزعمت أن الرجل إذا خلا بالمرأة وأغلق بابا وأرخى ستار أو خلا بها في صحراء وهما يتصادقان بأن لم يمسها كان لها المهر وعليها العدة فخالفت القرآن قال: لا قال عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت ما قلت وإذا قالا لم نجعله للقرآن خلافا قلت فما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله تعالى ألم تقولوا هذا فيه وهو أبعد من أن يكون خلافا لظاهر القرآن من هاتين الآيتين وذكرت له غيرهما وقلت أن الله عزوجل قال شاهدين وشاهدا وامرأتين ففيه دليل على ما تتم به الشهادة حتى لا يكون على من أقام الشاهدين يمين لا أنه حرم أن يحكم بأقل منه ومن جاء بشاهد لم يحكم له بشئ حتى يحلف معه فهو حكم غير الحكم بالشاهدين كما يكون أن يدعى الرجل على الرجل الحق فينكل المدعى عليه عن اليمين فيلزمه عندك ما نكل عنه وعندنا إذا حلف المدعى فهو حكم غير شاهد ويمين وشاهدين قال: فإنا ندخل عليكم فيها وفى القسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعى " قلت فهذا القول خاص أو عام ؟ قال بل عام قلت فأنت إذا أشد الناس له خلافا قال: وأين ؟ قلت أنت تزعم لو أن قتيلا وجد في محلة أحلفت أهلها خمسين يمينا وغرمتهم الدية وأعطيت ولى الدم بغير بينة وقد زعمت أن قول النبي صلى الله عليه وسلم " البينة على المدعى عام " فلا يعطى أحد إلا ببينة وأحلفت أهل المحلة ولم تبرئهم وقد زعمت أن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " واليمين على المدعى عليه " أن المدعى عليه إذا حلف برئ مما ادعى عليه فإن قلت هذا بأن عمر قضى به قلت فمن احتج بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه أولى بالحجة ممن احتج بقضاء غيره فإن قال بل من احتج بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت فقد احتججت بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعمت أن قوله " البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه " عام قال ما هو بعام قلنا فلم امتنعت من أن تقول بما إذا كشفت عنه أعطيت ما يدل على أن عليك أن تقول به ؟ وقلت بما إذا كشفت عنه ووجد عليك خلافه ؟ (قال) فقد جعلتم اليمين مع
[ 560 ]
الشاهد تامة في شئ ناقصة في غيره وكذلك جعلتم الشاهدين تامين في كل شئ إلا الزنا وجعلتم رجلا وامرأتين تامين في المال ناقصين في الحدود وجعلتم شهادة أهل الذمة تامة بينهم ناقصة بين غيرهم وشهادة المرأة تامة في عيوب النساء ناقصة في غيرها قال واحتج في القسامة بأن قال أعطيتهم بغير بينة قلت فكذلك أعطيت في قسامتك واحتج بأن قال أحلفتهم على مالا يعلمون قلت فقد يعلمون بظاهر الاخبار ممن يصدقون ولا تقبل شهادتهم وإقرار القاتل عندهم بلا بينة ولا يحكم بادعائهم عليه الاقرار وغير ذلك قال: العلم ما رأوا بأعينهم أو سمعوا بآذانهم قلت ولا علم ثالث ؟ قال: لا قلت فإذا اشترى ابن خمس عشرة سنة عبدا ولد بالمشرق منذ خمسين ومائة سنة ثم باعه فادعى الذى ابتاعه أنه كان آبقا فكيف تحلفه ؟ قال: على البتة قال يقول لك تظلمنى فإن هذا ولد قبلى وببلد غير بلدي وتحلفني على البتة وأنت تعلم أنى لا أحيط بأن لم يأبق قط علما ؟ قال يسأل قلت يقول لك فأنت تحلفني على ما تعلم إنى لا أبر فيه قال وإذ سئلت وسعك أن تحلف قلت أفرجل قتل أبوه فغبي ممن ساعته فسأل أولى أن يعلم قال: نعم قال بعض من حضره بل من قتل أبوه قلت فقد عبت يمينه على القسامة ونحن لا نأمره أن يحلف إلا بعد العلم والعلم يمكنه واليمين على القسامة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت برأيك يحلف على العبد الذى وصفت قال فقد خالف حديثكم ابن المسيب وابن بجيد قلت أفأخذت بحديث سعيد وابن بجيد فتقول اختلفت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأخذت بأحدها ؟ قال: لا قلت فقد خالفت كل ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في القسامة ؟ قال: لا قلت فلم لم تأخذ بحديث ابن المسيب ؟ قال هو منقطع والمتصل أولى أن يؤخذ به والانصاريون أعلم بحديث صاحبهم من غيرهم قال فكيف لم تأخذ بحديث ابن بجيد ؟ قلت لا يثبت ثبوت حديث سهل فبهذا صرنا إلى حديث سهل دونه قال: فإن صاحبكم قال لا تجب القسامة إلا بلوث من بينة أو دعوى من ميت ثم وصف اللوث بغير ما وصفت قلت قد رأيتنا تركناه على أصحابنا وصرنا إلى أن نقضى فيه بمثل المعنى الذى قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بشئ في غير معناه قال وأعطيتم بالقسامة في النفس ولم تعطوا بها في الجراح قلت أعطينا بها حيث أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجراح مخالفة للنفس قلت لان المجروح قد يتبين من جرحه ويدل على من عمل ذلك ولا يتبين الميت ذلك ؟ قال: نعم قلنا فبهذا لم نعط بها في الجراح كما أعطينا بها في النفس والقضية التى خالفوا بها البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه أنهم أحلفوا أهل المحلة ولم يبرئوهم وإنما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين موضع براءة وقد كتبنا الحجة في هذا مع غير ذلك مما كتبناه في غير هذا الكتاب وما رأيناهم ادعوا الحجة في شئ إلا تركوه ولا عابوا شيئا إلا دخلوا في مثله أو أكثر منه (قال الشافعي) رضى الله عنه ومن كتاب عمر بن حبيب عن محمد ابن إسحق قال حدثنى محمد بن إبراهيم بن الحرث التيمى عن عبد الرحمن بن بجيد بن قبطى أحد بنى حارثة قال محمد يعنى ابن إبراهيم وأيم الله ما كان سهل بأكثر علما منه ولكنه كان أسن منه قال والله ما هكذا كان الشأن ولكن سهلا أو هم ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم احلفوا على مالا علم لهم به ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الانصار أنه وجد قتيل بين أبياتكم فدوه فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلا فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده (قال الشافعي) فقال لى قائل: ما يمنعك أن تأخذ بحديث ابن بجيد ؟ قلت لا أعلم ابن بجيد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وإذا لم يكن سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فهو مرسل ولسنا ولا إياك نثبت المرسل وقد علمت سهلا صحب النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه وساق الحديث ساقا لا يثبته إلا الاثبات فأخذت به لما وصفت قال فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب قلت مرسل والقتيل أنصارى والانصاريون أولى بالعناية بالعلم به من غيرهم إذا كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله تعالى ثقة.
[ 561 ]
باب المختلفات التى لا يثبت بعضها من مات ولم يحج أو كان عليه نذر حدثنا الربيع قال أخبر أنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن سعد بن عبادة استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اقضه عنها " (قال الشافعي) رضى الله عنه سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقضى فريضة الحج عمن بلغ أن لا يستمسك على الراحلة وسن أن يقضى نذر الحج عمن نذره وكان فرض الله تعالى في الحج على من وجد إليه السبيل وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبيل المركب والزاد وفى هذا نفقة على المال وسن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق عن الميت ولم يجعل الله من الحج بدلا غير الحج ولم يسم ابن عباس ما كان نذر أم سعد فاحتمل أن يكون نذر الحج فأمره بقضائه عنها لان من سنته قضاءه عن الميت ولو كان نذر صدقة كان كذلك والعمرة كالحج (قال) فأما من نذر صياما أو صلاة ثم مات فإنه يكفر عنه في الصوم ولا يصام عنه ولا يصلى عنه ولا يكفر عنه في الصلاة (قال الشافعي) فإن قال قائل: ما فرق بين الحج والصوم والصلاة ؟. قلت: قد فرق الله تعالى بينها: فإن قال وأين ؟ قلت فرض الله تعالى الحج على من وجد إليه سبيلا وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقضى عمن لم يحج، ولم يجعل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم من الحج بدلا غير الحج وفرض الله تعالى الصوم فقال " فمن كان منكم مريضا أو على سفر " إلى قوله " مساكين " قيل يطيقونه ثم عجزوا عنه فعليهم في كل يوم طعام مسكين وأمر بالصلاة وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تقضى الحائض ولا يقضى عنها ما تركت من الصلاة وقال عوام المفتين ولا المغلوب على عقله ولم يجعلوا في ترك الصلاة كفارة ولم يذكر في كتاب ولا سنة عن صلاة كفارة من صدقة ولا أن يقوم به أحد عن أحد وكان عمل كل امرئ لنفسه وكانت الصلاة والصوم عمل المرء لنفسه لا يعمله غيره وكان يعمل الحج عن الرجل اتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الصلاة والصوم لان فيه نفقة من المال وليس ذلك في صوم ولا صلاة (قال الشافعي) فإن قيل أفروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أمر أحدا أن يصوم عن أحد ؟ قيل: نعم: روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن قيل فلم لا تأخذ ؟ به قيل حدث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم نذر نذرا ولم يسمه مع حفظ الزهري وطول مجالسة عبيد الله لابن عباس فلما جاء غيره عن ابن عباس بغير ما في حديث عبيد الله أشبه أن لا يكون محفوظا فإن قيل أتعرف الذى جاء بهذا الحديث يغلط عن ابن عباس ؟ قيل: نعم: روى أصحاب ابن عباس عن ابن عباس أنه قال لابن الزبير أن الزبير حل من متعته الحج فروى هذا عن ابن عباس أنها متعة النساء وهذا غلط فاحش (قال الشافعي) وليست علينا كبير مؤنة في الحديث الثابت إذا اختلف أو ظن مختلفا لما وصفت ولا مؤنة على أهل العلم بالحديث والنصفة في العلم بالحديث الذى يشبه أن يكون غلطا والحديث الذى لا يثبت مثله وقد عارض صنفان من الناس في الحديث الذى لا يثبت مثله بحال بعض محدثيه والحديث الذى غلط صاحبه بدلالة فلا يثبت فسألني منهم طائفة تبطل الحديث عن هذا الموضع بضربين أحدهما الجهالة ممن لا يثبت حديثه والآخر بأن يوجد من الحديث ما يرده فيقولون إذا جاز في واحد منه جاز في كله وصرتم في معنانا فقلت أرأيت (م 8 82)
[ 562 ]
الحاكم إذا شهد عنده ثلاثة عدل يعرفه ومجروح يعرفه ورجل يجهل جرحه وعدله أليس يجيز شهادة العدل ويترك شهادة المجروح ويقف شهادة المجهول حتى يعرفه بعدل فيجيزه أو بجرح فيرده ؟ فإن قال: بلى قيل فلما رد المجروح في الشهادة بالظنة جاز له أن أن يرد العدل الذى لا يوجد ذلك في شهادته فإن قال لا قيل: فكذلك الحديث لا يختلف وليس نجيز لكم خلاف الحديث وطائفة تكلمت بالجهالة ولم ترض أن تترك الجهالة ولم تقبل العلم فثقلت مؤنتها وقالوا قد تردون حديثا وتأخذون بآخر قلنا نرده بما يجب به رده ونقبله بما يجب به قبوله كما قلنا في الشهود وكانت فيه مؤنة وإن غضب قوم لبعض من رد من حديثه فقالوا هؤلاء يعيبون الفقهاء وليس يجوز على الحكام أن يقال هؤلاء يردون شهادة المسلمين وإن ردوا شهادة بعضهم بظنة أو دلالة على غلط أو وجه يجوز به رد الشهادة. باب المختلفات التى لا يثبت بعضها * من أعتق شركا له في عبد حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق منه ما عتق " (أخبرنا) سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أيما عبد كان بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرا فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل ليست بوكس ولا شطط ثم يغرم لهذا حصته " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال أخبرني قيس بن سعد أنه سمع مكحولا يقول سمعت سعيد بن المسيب يقول أعتقت امرأة أو رجل ستة أعبد لها ولم يكن لها مال غيرهم فأتى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأقرع بينهم فأعتق ثلثهم (قال الشافعي) كان ذلك في مرض المعتق الذى مات فيه أخبرنا عبد الوهاب عن أيوب عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن حصين أن رجلا من الانصار أوصى عند موته فأعتق ستة مماليك ليس له مال غيرهم أو قال أعتق عند موته ستة مماليك ليس له شئ غيرهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه قولا شديدا ثم دعاهم فجزأهم ثلاثة أجزاء فأقرع اثنين وأرق أربعة (قال الشافعي) وبهذا كله نأخذ وكل واحد من هذه الاحاديث ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة العدل فأعطى شركاءه حصصهم وكان حرا يوم تكلم بالعتق وله ولاؤه وإن لم يكن له مال يبلغ قيمته عتق عليه ما ملك منه ورق ما بقى لاصحابه فيه ومن كان له مماليك لا يملك غيرهم فأعتقهم في مرضه الذى مات فيه عتق بتات ثم مات من مرضه أقرعنا بينهم على ثلاثة أجزاء فأيهم خرج له سهم العتق عتق ورق الباقون ولا يستسعى الرقيق ولا العبد يعتق بعضه في حال. باب الخلاف في هذا الباب حدثنا الربيع قال قال الشافعي وخالف مذهبنا في هذا بعض الناس فزعم أن الرجل إذا أعتق شركا له في عبد فشريكه بالخيار بين أن يعتق أو يضمنه أو يستسعى العبد فخالفه أصحابه وعابوا هذا القول عليه فقالوا إذا كان المعتق للشقص له في العبد موسرا عتق عليه كله وإن كان معسرا فالعبد حر ويسعى في حصة شريكه وقالوا في ثلاثة
[ 563 ]
مماليك أعتقهم رجل لا مال له غيرهم عند الموت يعتق ثلث كل واحد منهم ويسعى في ثلثى قسمته (قال الشافعي) وسمعت من يحتج بأنه قال بعض هذا بأن روى عن رجل عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن تسير ابن نهيك عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبد بين اثنين يعتقه أحدهما وهو معسر يسعى وروى عن رجل عن خالد الحذاء عن أبى قلابة عن رجل من بنى عذرة (قال الشافعي) قيل له أو ثابت حديث أبى قلابة لو لم يخالف فيه الذى رواه عن خالد ؟ فقال من حضر هو مرسل ولو كان موصولا كان عن رجل لم يسم ولم يعرف ولم يثبت حديثه فقلت أثابت حديثك عن سعيد بن أبى عروبة لو كان منفردا بهذا الاسناد فيه الاستسعاء وقد خالفه شعبة وهشام ؟ فقال بعض من حضره حدثنيه شعبة وهشام هكذا ليس فيه استسعاء وهما أحفظ من ابن أبى عروبة قلت: فلو كان منفردا كان في هذا ما شكك في ثبوت الاستسعاء بالحديث وقيل لبعض من حضر من أهل الحديث لو اختلف نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهذا الاسناد أيهما كان أثبت ؟ قال نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وعلينا أن نصير إلى الا ثبت من الحديثين قال ؟ نعم: قلت فمع نافع حديث عمران بن حصين بإبطال الاستسعاء (قال الشافعي) ولقد سمعت بعض أهل النظر والدين منهم وأهل العلم بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبى عروبة في الاستسعاء منفردا لا يخالفه غيره ما كان ثابتا (قال الشافعي) فعارضنا منهم معارض آخر بحديث آخر في الاستسعاء فقطعه عليه بعض أصحابه وقال لا يذكر مثل هذا الحديث أحد يعرف الحديث لضعفه قال بعضهم نناظرك في قولنا وقولك فقلت أو للمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرح الاستسعاء في حديثى نافع وعمران ؟ قال: إنا نقول إن أيوب ربما قال فقال نافع فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله وأكثر ظنى أنه شئ كان يقوله نافع برأيه فقلت له لا أحسب عالما بالحديث وروايته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لانه كان ألزم له من أيوب ولمالك فضل حفظ لحديث أصحابه خاصة ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شئ لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لان يغلط به الذى لم يشك إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشئ في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد وهو منفرد وقد وافق مالكا في زيادته وإلا فقد عتق منه ما عتق غيره وزاد فيه بعضهم ورق منه مارق قال فقلت له هل علمت خلقا يخالف حديث عمران بن حصين في حديث القرعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: لا قلت فكيف كان خلافك له وهو كما وصفت وهو مما نثبت نحن وأنت أكثر من خلافك حديث نافع ومن أين استجزت أن تخالفه وقد علمت أن معارضا لو عارضك فقال عطية المريض كعطية الصحيح فلم يكن لك عليه حجة أقوى من حديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في عتق المريض عتق بتات أنه وصية وعلمت أن طاوسا قال: لا تجوز الوصية إلا لقرابة وتأول الوصية للوالدين والاقربين فقال نسخ الوالدان بالفرائض ولم ينسخ الاقربون فلم يكن لنا عليه حجة إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزل عتق المماليك وصية وأجازها وهمن غير قرابة لانه كان عربيا والرقيق عجم وعلمت أن حجتنا وحجتك في الاقتصار بالوصا على الثلث من حديث عمران بن حصين دون حديث سعد لانه لبس ببين في حديث سعد بن أبى وقاص فكيف ثبتناه حتى أصلنا منه هذه الاصول وغيرها واحتججنا به على من خالفنا ثم صرت إلى خلاف شئ منه بلا خبر مخالف له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد علمت أن الذى
[ 564 ]
احتج (1) عليه بعضهم بحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل عطية المريض من الثلث فإن كان حديث عمران ثابتا فقد خالفته وإن كان غير ثابت فلا حجة لك فيه ولكنك وإياه محجوجان به قال: فكيف يعتق ستة يعتق اثنان ويرق أربعة ؟ قلت كما يعطى الرجل الرجل دارا أو رقيقا له ثلثهم فيقتسمون فينفذ للمعطى بالوصية ثلثهم ويعطى الورثة ثلثيهم فلما أعتق المريض ماله ولغيره جميعا أعتقنا ماله في بعضهم ولم نعتق مال غيره عليه (قال الشافعي) قلت له كيف قولك في حديث نثبته نحن وأنت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا وعندك غير واسع تركه لفرض الله علينا قبول ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أثبتنا عنه شيئا فالفرض علينا اتباعه كما عدلنا وعدلت فقلنا في الجنين غرة ولو كان حيا كانت فيه مائة من الابل أو ميتا لم يكن فيه شئ وهو لا يعدو أن يكون حيا أو ميتا وكما قلنا نحن وأنت في جميع الجنايات ما جنى رجل ففى ماله إلا الخطأ في بنى آدم فعلى عاقلته وكما قلنا نحن وأنت في الديات وغيرها بالامر الذى ليس فيه إلا الاتباع ولا ينبغى أن يختلف قولك (قال الشافعي) رضى الله عنه: فقال فأكلمك في حديث نافع قلت أو للكلام فيه موضع ؟ قال: إنك خلطت فيه بين حكم الرق والحرية قلت ما فعلنا لقد تركناه لنفسه وكسبه كما تركناه لخدمة سيده ما قدرنا فيه على غير هذا كما نفعل لو كان بين اثنين قال أفتجعلون ما اكتسب في يومه له ؟ قلنا نعم وإن مات ورثه ورثته الاحرار قلنا: نعم قال: قال فتورثونهم منه ولا تورثونه ؟ قلنا نعم لم يخالفنا مسلم علمناه في أنه إذا بقى في العبد شئ من الرق فلا يرث ولا تجوز شهادته فقلنا لا يرث بحال بإجماع وبأن لا تجوز شهادته وغير ذلك من أحكامه قال أفتجد غيره يورث ولا يرث ويحكم له ببعض حكم الحرية ولا يحكم ببعض ؟ قلت نعم الجنين يسقط ميتا يورث ولا يرث والمكاتب نحكم له في منع سيده بيعه وماله بغير حكم العبد ونحكم له فيما سوى ذلك منه بحكم العبد (قال الشافعي) وقلت له أرأيت إذا كان العبد بين اثنين فأعتقه أحدهما فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان المعتق موسرا أن يعطى شريكه قيمة حصته ويكون حرا أتجده أعتقه في هذا الموضع إلا بأن أعطى شريكه الذى لم يعتق قيمة نصيبه منه إذا خرج نصيبه من يديه ؟ قال: لا قلت فإذا لم يثبت لك أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقه على المعسر واستسعاه أما خالفت رسول الله والقياس على قوله إذا أعتقه فأخرجته من مال مالكه الذى لم يعتقه بغير قيمة دفعها إليه قال أجعل العبد يسعى فيها قلت فقال لك العبد لا أسعى فيها إن كان الذى أعتقني يعتقنى وإلا لا حاجة لى في السعاية أما ظلمت السيد وخالفت السنة وظلمت العبد إذ جعلت عليه قيمة لم يجن فيها جناية ولم يرض بالقيمه منه فدخل عليك ما تسمع مع خلافك فيه السنة. باب قتل المؤمن بالكافر حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبى حسين عن عطاء وطاوس أحسبه قال ومجاهد والحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح " ولا يقتل مؤمن بكافر " (قال الشافعي) وهذا عام عند أهل المغازى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم في خطبته يوم الفتح (قال الشافعي) وهو يروى مسندا عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمرو بن شعيب وحديث عمران بن حصين أخبرنا سفيان بن عيينة عن مطرف عن الشعبى عن أبى جحيفة قال سألت عليا كرم الله وجهه هل عندكم من رسول الله شئ سوى القرآن ؟ فقال كذا في النسخ. (*)
[ 565 ]
لا: والذى فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى الله عبدا فهما في كتابه وما في الصحيفة. قلت وما في الصحيفة ؟ قال: العقل وفكاك الاسير وأن لا يقتل مؤمن بكافر (قال الشافعي) وبهذا نأخذ وهو ثابت عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما حكيت " ولا يقتل حر بعبد ولا مؤمن بكافر ". باب الخلاف في قتل المؤمن بكافر حدثنا الربيع قال (قال الشافعي) فخالفنا بعض الناس فقال إذا قتل المؤمن الكافر الحر أو العبد قتلته به وإذا قتل المستأمن الكافر لم أقتله به (قال الشافعي) فقلت لغير واحد منهم أقاويل جمعتها كلها جماعها أن قلت لمن قلت منهم ما حجتك في أن يقتل المؤمن بالكافر المعاهد دون المستأمن ؟ قال: روى ربيعة عن ابن البيلمانى أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل مؤمنا بكافر وقال " أنا أحق من وفى بذمته " فقلت له أرأيت لو لم يكن لنا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخالف هذا أيكون هذا مما يثبت عندك ؟ قال: إنه لمرسل وما نثبت المرسل قلت لو كان ثابتا كيف استجزت أن ادعيت فيه ما ليس فيه وجعلته على بعض الكفار دون بعض ؟ وقلت لمن قلت: منهم أثابت حديثنا قال: نعم حديث على ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن له معنى غير الذى ذهبتم إليه قلت: وما معناه ؟ قال لا يقتل مؤمن بكافر من أهل الحرب حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد قلت أيتوهم أحد أنه يقال لا يقتل مؤمن بكافر أمر المؤمن بقتله ؟ قال: أعنى من أهل الحرب مستأمنا قلت: أفتجد هذا في الحديث أو في شئ يدل عليه الحديث بمعنى من المعاني ؟ فقال أجده في غيره قلت وأين ذلك قال: قال سعيد بن جبير في الحديث لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده قلت أيثبت حديث سعيد بن جبير وإن كان حدثه أيلزمنا تأويلك لو تأولته بما لا يدل عليه الحديث ؟ قال: فما معنى قول سعيد ؟ قلت لا يلزمنا منه شئ فنحتاج إلى معناه ولو لزم ما كان لك فيه مما ذهبت إليه شئ قال: كيف قلت لو قيل لا يقتل مؤمن بكافر علمنا أنه عنى غير حربى وليس بكافر غير حربى إلا ذو عهد إما عهد بجزية وإما عهد بأمان قال: أجل قلت: ولا يجوز أن يخص واحدا من هذين وكلاهما حرام الدم وعلى من قتله ديته وكفارة إلا بدلالة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر لم يختلف فيه قال: فما معناه ؟ قلت: لو كان ثابتا فكان يشبه أن يكون لما أعلمهم أنه لا قود بينهم وبين الكفار أعلمهم أن دماء أهل العهد محرمة عليهم فقال لا يقتل مؤمن بكافر غير حربى ولا يقتل ذو عهد في عهده قال: فإنا ذهبنا إلى أن لا يقتل مؤمن بكافر حربى ولا يقتل به ذو عهد لو قتله قلت: أفبدلالة ؟ فما علمته جاء بأكثر مما وصفت قال بعضهم فإنما قلنا قولنا بالقرآن قلنا فاذكره قال: قال الله تبارك وتعالى " ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل " فأعلم الله سبحانه أن لولى المقتول ظلما أن يقتل قاتله قلنا: فلا تعدو وهذه الآية أن تكون مطلقة على جميع من قتل مظلوما أو تكون على من قتل مظلوما ممن فيه القود ممن قتله ولا يستدل على أنها خاص إلا بسنة أو إجماع فقال بعض من حضره ما تعدو أحد هذين فقلت: إعن أيهما شئت قال: هي مطلقة قلت: أفرأيت رجلا قتل عبده وللعبد ابن حر أيكون ممن قتل مظلوما ؟ قال: نعم أفرأيت رجلا قتل ابنه ولابنه ابن بالغ أيكون الابن المقتول ممن قتل مظلوما قال ؟ نعم قلت أفعلى واحد من هذين قود ؟ قال لا قلت ولم وأنت تقتل الحر بالعبد الكافر ؟ قال: أما الرجل يقتل عبده فإن السيد ولى دم عبده فليس له أن يقتل نفسه وكذلك هو ولى دم ابنه أوله فيه ولاية فلا يكون له أن يقتل نفسه مع أن حديث النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن لا يقتل والد بولده فقيل أفرأيت رجلا قتل ابن عمه أخى أبيه وليس للمقتول ولى غيره وله ابن عم يلقاه بعد عشرة آباء أو أكثر
[ 566 ]
أيكون لابن العم أن يقتل القاتل وهو أقرب إلى المقتول منه بما وصفت ؟ قال: نعم قلت: وهذا الولى ؟ قال: لا ولاية لقاتل وكيف تكون له ولاية ولا ميراث له بحال ؟ قلت: فما منعك من هذا القول في الرجل يقتل عبده وفى الرجل يقتل ابنه ؟ قال: أما قتله ابنه فبالحديث قيل الحديث فيه أثبت أم الحديث في أن لا يقتل مؤمن بكافر فقد تركت الحديث الثابت (قال الشافعي) وقلت له فليس في المسلم يقتل المستأمن علة فكيف لم تقتله بالمستأمن معه ابن له ولا ولى له غيره يطلب القود قال: هذا حربى قلت: وهل كان الذمي إلا حربيا فأعطى الجزية فحرم دمه وكان هذا حربيا فطلب الامان فحرم دمه ؟ قال: آخر منهم يقتل المسلم بالكافر لان الله عز وجل قال " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " الآية قلت له أخبرنا الله تعالى أنه كتب عليهم في التوراة هذا الحكم أفحكم هو بيننا ؟ قال: نعم قلت أفرأيت الرجل يقتل العبد والمرأة أيقتل بهما ؟ قال نعم قلت ففقأ عينه أو جرحه فيما دون النفس جراحات فيها القصاص ؟ قال: لا يقاد منه واحد منهما قلت فأخبر الله عزوجل أن حكمه حيث حكم أن النفس بالنفس الآية فعطلت هذه الا إحكام الاربعة بين الحر والعبد والرجل والمرأة وحكما جامعا أكثر منها والجروح قصاص فزعمت أنه لا يقتص واحد منهما منه في جرح وزعمت أنه يقتل النفس بالنفس كل واحد منهما فما تخالف في هذه الآية أكثر مما وافقتها فيه إنما وافقتها في النفس بالنفس ثم خالفت في النفس بالنفس في ثلاثة أنفس في الرجل يقتل ابنه وعبده والمستأمن ولم تجعل من هذه نفسا بنفس وقيل لبعضهم لا نراك تحتج بشئ إلا تركته أو تركت منه والله المستعان قال: فكيف يقتص لعبد من حر وامرأة من رجل فيما دون النفس وعقلهما أقل من عقله ؟ قلت أو تجعل العقل دليلا على القصاص فإذا استوى اقتصصت وإذا اختلف لم تقتص ؟ قال: فأبن فقلت: فقد يقتل الحر ديته مائة من الابل وهى ألف دينار عندك بعبد قيمته خمسة دنانير وامرأة ديتها خمسون من الابل قال: ليس القود من العقل بسبيل قلت: فكيف احتججت به ؟ فقال منهم قائل إنى قتلت الرجل بالمرأة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم " قلت: أفكان هذا عندك في القود ؟ قال: نعم قلت فهذا عليك أو رأيت إن قال النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين " تتكافأ دماؤهم " أما في هذا دليل على أن دماء الكفار لا تتكافأ (قال الشافعي) رضى الله عنه فقال قائل قلنا هذه آيات الله تعالى ذكر المؤمن يقتل خطأ فجعل فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة وذكر ذلك في المعاهد قلت أفرأيت المستأمن فيه دية مسلمة إلى أهله وكفارة قال ؟ نعم. قلت: فلم لم تقتل به مسلما قتله ؟. باب جرح العجماء جبار حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " العجماء جرحها جبار " حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء ابن عازب دخلت حائطا لقوم فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن على أهل الاموال حفظها بالنهار وما أفسدت المواشى بالليل فهو ضامن على أهلها. أخبرنا أيوب بن سويد قال: حدثنا الاوزاعي عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة عن البراء بن عازب أن ناقة البراء دخلت حائط رجل من الانصار فأفسدت فيه فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحوائط حفظها بالنهار وعلى أهل الماشية ما أفسدت ما شيتهم بالليل (قال الشافعي) فأخذنا به لثبوته باتصاله ومعرفة رجاله قال ولا يخالف هذا الحديث حديث " العجماء جرحها جبار " ولكن " العجماء جرحها جبار " جملة من الكلام
[ 567 ]
العام المخرج الذى يراد به الخاص فلما قال صلى الله عليه وسلم " العجماء جرحها جبار " وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أفسدت العجماء بشئ في حال دون حال دل ذلك على أن ما أصابت العجماء من جرح وغيره في حال جبار وفى حال غير جبار قال: وفى هذا دليل على أنه إذا كان على أهل العجماء حفظها ضمنوا ما أصابت فإذا لم يكن عليهم حفظها لم يضمنوا شيئا مما أصابت فيضمن أهل الماشية السائمة بالليل ما أصابت من زرع ولا يضمنونه بالنهار ويضمن القائد والراكب والسائق لان عليهم حفظها في تلك الحالة ولا يضمنون لو انفلت (قال الشافعي) وما يشبه هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وذكرت فاطمة أن معاوية وأبا جهم خطباها فخطبها على أسامة وتزوجته فأحاط العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال يخطب هو فيها وحديث " جرح العجماء جبار " مطلق وجرحها إفسادها (1) في حال يقضى في على رب العجماء بفسادها ومثله نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح جملة وهو يأمر من نسى صلاة أن يصليها إذا ذكرها ولا يمنع من طاف وصلى أية ساعة شاء. باب المختلفات التى عليها دلالة حدثنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردى عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تسع سنين لم يحج ثم أذن في الناس بالحج فتدارك الناس بالمدينة ليخرجوا معه فخرج فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلقنا لا نعرف إلا الحج وله خرجنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ينزل عليه القرآن وهو يعرف تأويله وإنما يفعل ما أمره به فقدمنا مكة فلما طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبيت وبالصفا والمروة قال " من لم يكن معه هدى فليجعلها عمرة فلو استقبلت من أمرى ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة ". أخبرنا إبراهيم بن محمد عن سعيد بن عبد الرحمن ابن رقيش عن جابر أنه قال: ما سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحرامه حجا ولا عمرة. أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة أنها سمعت عائشة تقول: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس ليال بقين من ذى القعدة ولا نرى إلا أنه الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدى إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت عائشة فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا ؟ فقالوا: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه قال يحيى فذكرت هذا الحديث للقاسم فقال: أتتك بالحديث على وجهه. أخبرنا سفيان عن ابن طاوس وإبراهيم بن ميسرة أنهما سمعا طاوسا يقول خرج النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمى حجا ولا عمرة ينتظر القضاء. قال: فنزل عليه القضاء وهو يطوف بين الصفا والمروة فأمر أصحابه أن من كان منهم أهل بالحج ولم يكن معه هدى أن يجعلها عمرة وقال " لو استقبلت من من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدى ولكني لبدت رأسي وسقت هديى فليس لى محل إلا محلى هذا " فقام إليه سراقة بن مالك فقال يا رسول الله اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم أعمرتنا لعامنا هذا أم للابد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يل للابد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة " قال فدخل على من اليمن فسأله النبي صلى (1) كذا في الاصل وفيه سقط. والمراد أنه مطلق ولا يعمل بإطلاقه لانه لا يحكم بنفيه مطلقا. ثم يقضى فيه في حال. تأمل. (*)
[ 568 ]
الله عليه وسلم " بما أهللت ؟ " فقال أحدهما لبيك إهلال النبي صلى الله عليه وسلم وقال الآخر لبيك حجة النبي صلى الله عليه وسلم. أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج أخبرنا سفيان عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت: وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج. حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ قال " إنى لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر " (قال الشافعي) وليس مما وصفت من هذه الاحاديث المختلفة شئ أحرى إلا أن يكون متفقا من وجه أو مختلفا من وجه لا ينسب صاحبه إلى الغلط باختلاف (1) من حديث أنس ومن قال قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم ممن قال كان ابتداء إحرامه حجا لا عمرة معه لان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج من المدينة إلا حجة واحدة قال ولم يختلف في شئ من السنن الاختلاف في هذا من وجه أن مباح وإن كان الغلط فيه قبيحا مما حمل من الاختلاف ومن فعل شيئا مما قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم فعله كان له واسعا لان الكتاب ثم السنة ثم ما لا أعلم فيه خلافا يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج وإفراد الحج والقران واسع كله (قال الشافعي) وأشبه الرواية أن يكون محفوظا في حج النبي صلى الله عليه وسلم رواية جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لا يسمى حجا ولا عمرة وطاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج محرما ينتظر القضاء لان رواية يحيى بن سعيد عن قاسم وعمرة عن عائشة توافق روايته وهؤلاء تقصوا الحديث ومن قال أفرد الحج فيشبه والله أعلم أن يكون قاله على ما يعرف من أهل العلم الذين أدرك دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا يكون مقيما على حج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج (قال الشافعي) وأحسب أن عروة حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بحج إنما ذهب إلى أنه سمع عائشة تقول فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وذكر أن عائشة أهلت بعمرة إنما ذهب إلى أن عائشة قالت ففعلت في عمرتي كذا لا أنه خالف خلافا بينا لحديث جابر وأصحابه في قول عائشة ومنا من جمع الحج والعمرة (قال الشافعي) فإن قال قائل قرن الصبى ابن معبد فقال له عمر بن الخطاب هديت لسنة نبيك قيل له حكى له أن رجلين قالا له هذا أضل من جملة فقال هديت لسنة نبيك إن من سنة نبيك أن القران والافراد والعمرة هدى لا ضلال فإن قال قائل فما دل على هذا ؟ قيل: أمر عمر بأن يفصل بين الحج والعمرة وهو لا يأمر إلا بما يسع و يجوز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإفراده الحج (قال الشافعي) فإن قيل فما قول حفصة للنبى صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا ولم تحلل من عمرتك ؟ قيل: أكثر الناس لم يكن معه هدى وكانت حفصة معهم فأمروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلوا فقالت لم حل الناس ولم تحل من عمرتك ؟ تعنى من إحرامك الذى ابتدأته وهم بنية واحدة قال عليه السلام " لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر بدنى " يعنى والله أعلم حتى يحل الحاج لان القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدى إحرامه حجا وهذا من سعة لسان العرب الذى تكاد تعرف ما الجواب فيه فإن قال قائل فمن أين ثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر وطاوس دون حديث من قال قرن ؟ قيل: لتقدم صحبة جابر وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره وقرب عائشة من النبي صلى الله عليه وسلم وفضل حفظها عنه وقرب ابن عمر منه ولان من وصف انتظار النبي عليه السلام القضاء إذ لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج قبل حجته حجة الاسلام طلب الاختيار فيما وسع له فيه من الحج والعمرة يشبه أن يكون حفظ عنه لانه قد أتى في المتلاعنين فانتظر القضاء فيهما وكذلك حفظ عنه في غيرهما والله أعلم. أن يكون محفوظا في حج النبي صلى الله عليه وسلم رواية جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لا يسمى حجا ولا عمرة وطاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج محرما ينتظر القضاء لان رواية يحيى بن سعيد عن قاسم وعمرة عن عائشة توافق روايته وهؤلاء تقصوا الحديث ومن قال أفرد الحج فيشبه والله أعلم أن يكون قاله على ما يعرف من أهل العلم الذين أدرك دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا يكون مقيما على حج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج (قال الشافعي) وأحسب أن عروة حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بحج إنما ذهب إلى أنه سمع عائشة تقول فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وذكر أن عائشة أهلت بعمرة إنما ذهب إلى أن عائشة قالت ففعلت في عمرتي كذا لا أنه خالف خلافا بينا لحديث جابر وأصحابه في قول عائشة ومنا من جمع الحج والعمرة (قال الشافعي) فإن قال قائل قرن الصبى ابن معبد فقال له عمر بن الخطاب هديت لسنة نبيك قيل له حكى له أن رجلين قالا له هذا أضل من جملة فقال هديت لسنة نبيك إن من سنة نبيك أن القران والافراد والعمرة هدى لا ضلال فإن قال قائل فما دل على هذا ؟ قيل: أمر عمر بأن يفصل بين الحج والعمرة وهو لا يأمر إلا بما يسع و يجوز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإفراده الحج (قال الشافعي) فإن قيل فما قول حفصة للنبى صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا ولم تحلل من عمرتك ؟ قيل: أكثر الناس لم يكن معه هدى وكانت حفصة معهم فأمروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلوا فقالت لم حل الناس ولم تحل من عمرتك ؟ تعنى من إحرامك الذى ابتدأته وهم بنية واحدة قال عليه السلام " لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر بدنى " يعنى والله أعلم حتى يحل الحاج لان القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدى إحرامه حجا وهذا من سعة لسان العرب الذى تكاد تعرف ما الجواب فيه فإن قال قائل فمن أين ثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر وطاوس دون حديث من قال قرن ؟ قيل: لتقدم صحبة جابر وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره وقرب عائشة من النبي صلى الله عليه وسلم وفضل حفظها عنه وقرب ابن عمر منه ولان من وصف انتظار النبي عليه السلام القضاء إذ لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج قبل حجته حجة الاسلام طلب الاختيار فيما وسع له فيه من الحج والعمرة يشبه أن يكون حفظ عنه لانه قد أتى في المتلاعنين فانتظر القضاء فيهما وكذلك حفظ عنه في غيرهما والله أعلم. (1) رواية أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لبى الحج والعمرة معا. أي: فهو قارن ولم تذكر رواية أنس في هذا الموضع. فتنبه. كتبه مصححه. (*) أن يكون محفوظا في حج النبي صلى الله عليه وسلم رواية جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج لا يسمى حجا ولا عمرة وطاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج محرما ينتظر القضاء لان رواية يحيى بن سعيد عن قاسم وعمرة عن عائشة توافق روايته وهؤلاء تقصوا الحديث ومن قال أفرد الحج فيشبه والله أعلم أن يكون قاله على ما يعرف من أهل العلم الذين أدرك دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا يكون مقيما على حج إلا وقد ابتدأ إحرامه بالحج (قال الشافعي) وأحسب أن عروة حين حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بحج إنما ذهب إلى أنه سمع عائشة تقول فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجه وذكر أن عائشة أهلت بعمرة إنما ذهب إلى أن عائشة قالت ففعلت في عمرتي كذا لا أنه خالف خلافا بينا لحديث جابر وأصحابه في قول عائشة ومنا من جمع الحج والعمرة (قال الشافعي) فإن قال قائل قرن الصبى ابن معبد فقال له عمر بن الخطاب هديت لسنة نبيك قيل له حكى له أن رجلين قالا له هذا أضل من جملة فقال هديت لسنة نبيك إن من سنة نبيك أن القران والافراد والعمرة هدى لا ضلال فإن قال قائل فما دل على هذا ؟ قيل: أمر عمر بأن يفصل بين الحج والعمرة وهو لا يأمر إلا بما يسع و يجوز في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ما يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإفراده الحج (قال الشافعي) فإن قيل فما قول حفصة للنبى صلى الله عليه وسلم ما بال الناس حلوا ولم تحلل من عمرتك ؟ قيل: أكثر الناس لم يكن معه هدى وكانت حفصة معهم فأمروا أن يجعلوا إحرامهم عمرة ويحلوا فقالت لم حل الناس ولم تحل من عمرتك ؟ تعنى من إحرامك الذى ابتدأته وهم بنية واحدة قال عليه السلام " لبدت رأسي وقلدت هديى فلا أحل حتى أنحر بدنى " يعنى والله أعلم حتى يحل الحاج لان القضاء نزل عليه أن يجعل من كان معه هدى إحرامه حجا وهذا من سعة لسان العرب الذى تكاد تعرف ما الجواب فيه فإن قال قائل فمن أين ثبت حديث عائشة وجابر وابن عمر وطاوس دون حديث من قال قرن ؟ قيل: لتقدم صحبة جابر وحسن سياقه لابتداء الحديث وآخره وقرب عائشة من النبي صلى الله عليه وسلم وفضل حفظها عنه وقرب ابن عمر منه ولان من وصف انتظار النبي عليه السلام القضاء إذ لم يحج من المدينة بعد نزول فرض الحج قبل حجته حجة الاسلام طلب الاختيار فيما وسع له فيه من الحج والعمرة يشبه أن يكون حفظ عنه لانه قد أتى في المتلاعنين فانتظر القضاء فيهما وكذلك حفظ عنه في غيرهما والله أعلم.