الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج13
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الخامس: حديث الإفك
الفصل الأول: النصوص والآثار
الفصل الثاني: نقد أسانيد حديث الإفك
الفصل الثالث: لا حافظة لكذوب (تناقض الروايات)
الفصل الرابع: عائشة في حديث الإفك
الفصل الخامس: شخصيات ومضامين غير معقولة
الفصل السادس: مفارقات تاريخية
الفصل السابع: القرآن .. وروايات الإفك
الفصل الثامن: نصوص غير معقولة في حديث الإفك
الفصل التاسع: نقاط ضعف أخرى في حديث الإفك
الفصل العاشر: الكيد السياسي في حديث الإفك
الفصل الحادي عشر: الإفك على مارية
الفصل الثاني عشر: قضية مارية بين الأخذ والرد
الفصل الثالث عشر: نهاية المطاف في حديث الإفك
الفصل الرابع عشر: ما عشت أراك الدهر عجب
بـدايـة:
وحيث إنهم يذكرون "حديث الإفك" في مناسبة غزوة المريسيع، فقد آثرنا أن نورده في نفس هذا المورد أيضاً رغم اعتقادنا بأن الصحيح هو أنه قد حدث بعد ولادة إبراهيم ابن رسول الله "صلى الله عليه وآله" من مارية.
وإنما ذكرناه هنا، لتيسير الوصول إليه على القارئ الكريم، فنقول:
حديث الإفك في فصول:
إننا قبل أن ندخل في الحديث حول موضوع الإفك نذكر القارئ بالأمور التالية:
الأول: إن ما نذكره هنا، وإن كان يعتمد بصورة أساسية وكبيرة على كتابنا: "حديث الإفك"، الذي كان قد صدر قبل أكثر من عشرين سنة.. إلا أن ما أجريناه من توضيحات، وتصحيحات، واستدراكات.. ثم ما نال مطالبه من تقليم وتطعيم.. قد جعل هذه الدراسة أكثر فائدة، وأوضح بياناً، وأدق مضموناً، وأعم فائدة، ولأجل ذلك كان لا بد من إيرادها في سياق حديث السيرة النبوية الصحيحة.. وهكذا كان.
الثاني: إن علماءنا الأبرار، وهم جهابذة العلم، والفكر والتحقيق يلتزمون ويؤكدون بإصرار بالغ على حقيقة: أن زوجة أي نبي من الأنبياء يمكن أن تكون كافرة كما ذكره الله سبحانه في سورة التحريم حين تعرض لامرأتي نوح ولوط عليهما وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام. ولكنها منزهة عن الفجور ـ والعياذ بالله ـ بدون أدنى شبهة أو ريب.
وذلك هو ما نريد أن يجعله القارئ الكريم نصب عينيه، وأن يلتزم به، ولا يفرط فيه.
فزوجات رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذن منزهات مبرءات من كل تهمة من هذا القبيل.
الثالث: إنه قد يظهر من كلمات بعض علمائنا الأبرار: أن ثمة تسالماً على أن الإفك إنما كان على عائشة.
فقد سئل العلامة الحلي "رحمه الله": "ما يقول سيدنا في قصة الإفك، والآيات التي نزلت ببراءة المقذوفة، هل ذلك عند أصحابنا كان في عائشة، أم نقلوا: أن ذلك كان في غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وآله"؟!.
فأجاب:
"ما عرفت لأحد من العلماء خلافاً في أن المراد بها عائشة"([1]).
وقال الشيخ المفيد: "ولا خلاف أن حسان كان ممن قذف عائشة، وجلده النبي "صلى الله عليه وآله" على قذفه"([2]).
غير أننا نقول: أما بالنسبة لكلام العلامة الحلي "رحمه الله".. فيحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون "رحمه الله" قد فهم من السؤال: أن الحديث هو عن خصوص الإفك على زوجاته "صلى الله عليه وآله"، فلا شأن لسراريه "صلى الله عليه وآله".. فإذا كان يرى أن مارية كانت من السراري لا الزوجات فيصح له أن يقول: إنه لم يرد حديث سوى عن عائشة..
الثاني: وهو الأقرب: أن يكون "رحمه الله" غير مطلع على صنوف الأحاديث حول الإفك الذي تعرضت له مارية القبطية.. وسيأتي شطر مما رواه الشيعة والسنة في ذلك..
ولأجل ذلك قال: "ما عرفت لأحد الخ..". فنفى معرفته بذلك، ولم ينف وجوده. وهو إنما كان مهتماً بالفقه وعلم الكلام.. وما إلى ذلك كما يظهر من ملاحظة تآليفه "رحمه الله"..
وأما بالنسبة للشيخ المفيد، فإن من العلماء من اعتبر كلامه موجهاً لأهل السنة ووفق ما هو متسالم عليه عندهم، وذلك إلزاماً لهم بما يلزمون به أنفسهم.
ووجود الخلاف الذي ينفيه يحتم اللجوء إلى هذا الاحتمال، أو الإقرار بأنه هو الآخر لم يطلع على هذا الخلاف، بسبب عدم تقصيه وتتبعه للأقوال وللروايات..
وأخيراً نقول:
إنه لا ريب في عدم دقة كلام الشيخ المفيد، فقد اختلفت الأقوال في ضرب الإفكين وعدمه.. بل لقد أنكر قوم أن يكون حسان قد خاض في أمر الإفك من الأساس.. فلا معنى لقوله: لا خلاف أن حساناً كان ممن قذف عائشة الخ.. وستأتي أقوالهم في ذلك في فصل: (لا حافظة لكذوب) وفي غيره من الفصول إن شاء الله.. فانتظر..
آيات الإفك:
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لكُم بَل هُوَ خَيْرٌ لكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالذِي تَوَلى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ، لوْلا جَاؤُوا عَليْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لمْ يَأتُوا بِالشُّهَدَاء فَأوْلئِكَ عِندَ اللهِ هُمُ الكَاذِبُونَ، وَلوْلا فَضْلُ اللهِ عَليْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِذْ تَلقَّوْنَهُ بِأَلسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا ليْسَ لكُم بِهِ عِلمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللهِ عَظِيمٌ، وَلوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلتُم مَّا يَكُونُ لنَا أَن نَّتَكَلمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ، وَيُبَيِّنُ اللهُ لكُمُ الآيَاتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، إِنَّ الذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلمُونَ، وَلوْلا فَضْلُ اللهِ عَليْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَلوْلا فَضْلُ اللهِ عَليْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، وَلا يَأْتَلِ أوْلُوا الفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أوْلِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَليَعْفُوا وَليَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ، إِنَّ الذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَشْهَدُ عَليْهِمْ أَلسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الحَقَّ وَيَعْلمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ، الخَبِيثَاتُ لِلخَبِيثِينَ وَالخَبِيثُونَ لِلخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أوْلئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([3]).
صدق الله العلي العظيم
الفصل الأول:
النصوص.. والآثار
بـدايـة:
إن الأولوية في إيراد النصوص ستكون لروايات كتب الصحاح، على أن تكون روايات صحيح البخاري هي الأساس في ذلك.
وسوف لا نتردد في إيراد ما ورد في سائر الكتب والمؤلفات، وذلك ليمكن إعطاء صورة متكاملة ووافية، لما قيل ويقال من تفاصيل لهذا الحدث فنقول:
النصوص الصريحة:
1 ـ الرواية المشهورة والمعروفة، والتي أوردها أصحاب الصحاح وغيرهم..
وهي..
والنص للبخاري في كتاب التفسير من الصحيح: "حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث بن يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي "صلى الله عليه وآله"، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرّأها الله مما قالوا. وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث. وبعض حديثهم يصدّق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض.. الذي حدثني عروة عن عائشة زوج النبي "صلى الله عليه وآله"، قالت:
كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله "صلى الله عليه وآله" معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، فسرنا، حتى إذا فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين: آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار([4]) قد انقطع، فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه.
وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه ـ وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العلقة من الطعام([5]) ـ فلم يستنكر القوم خفة الهودج الذي رفعوه، وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا..
فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم، وليس بها داعٍ ولا مجيب، فأممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي. فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني، فنمت. وكان صفوان بن المعطل السلمي، ثم الذكواني، من وراء الجيش، فأدلج([6]) فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته، فوطئ على يديها، فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة.
فهلك من هلك، وكان الذي تولىّ الإفك عبد الله بن أبي بن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي.. أني لا أعرف من رسول الله "صلى الله عليه وآله" اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيسلم، ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني، ولا أشعر حتى خرجت بعدما نقهت، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع([7]) ـ وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا.. وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ـ .
فانطلقت أنا وأم مسطح ـ وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر، خالة أبي بكر، وابنها مسطح بن أثاثة ـ فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي قد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها([8])، فقالت: تعس مسطح.
فقلت لها: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟!
قالت: أي هنتاه([9])، أولم تسمعي ما قال؟
قالت: قلت: وما قال؟!
فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي.
فلما رجعت بيتي، ودخل علي رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ تعني سلم ـ ثم قال: كيف تيكم؟!
فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ ـ قالت: وأنا حينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ـ قالت: فأذن لي رسول الله "صلى الله عليه وآله". فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه، ما يتحدث الناس؟
قالت: يا بنية، هوّني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها، قالت: فقلت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟!
قالت: فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، حتى أصبحت أبكي.
فدعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد (رض) حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة بن زيد، فأشار على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود، فقال: يا رسول الله، أهلك، وما نعلم إلا خيراً.
وأما علي بن أبي طالب، فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت: فدعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بريرة فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟
قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
فقام رسول الله "صلى الله عليه وآله" فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول، قالت: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو على المنبر: يا معشر المسلمين، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي.
فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج، أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت: فقام سعد بن عبادة، وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبت لعمرو الله، لا تقتله، ولا تقدر على قتله.
فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمرو الله لنقتلنه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
فتثاور الحيان: الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا. ورسول الله "صلى الله عليه وآله" قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يخفضهم، حتى سكتوا وسكت.
قالت: فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم.
قالت: فأصبح أبواي عندي، وقد بكيت ليلتين ويوماً، لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، يظنان أن البكاء فالق كبدي.
قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي، فاستأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها: فجلست تبكي معي.
قالت: فبينما نحن على ذلك دخل علينا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فسلم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني.
قالت: فتشهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين جلس، ثم قال:
أما بعد: يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله، وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
قالت: فلما قضى رسول الله "صلى الله عليه وآله" مقالته قلص([10]) دمعي. حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيما قال.
قال: والله، ما أدري ما أقول لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقلت لأمي: أجيبي رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقالت: ما أدري ما أقول لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
قالت: فقلت ـ وأنا جارية حديثة السن، لا أقرأ كثيراً من القرآن ـ : إني والله، لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث، حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف:
{..فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}([11]).
قالت: ثم تحولت، فاضطجعت على فراشي.
قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
قالت: فوالله، ما رام رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا خرج أحد من أهل البيت، حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق، وهو في يوم شاتٍ، من ثقل القول الذي ينزل عليه، قالت: فلما سرّي عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، سرّي عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة، أما الله عز وجل فقد برأك، فقالت أمي: قومي إليه.
قالت: فقلت: والله، لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل. وأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ..}([12]). العشر آيات كلها.
فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق ـ وكان ينفق على مسطح بن أثاثة، لقرابته منه وفقره ـ: والله، لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً، بعد الذي قال لعائشة ما قال.
فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أوْلِي الْقُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهَ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([13]).
قال أبو بكر: بلى والله، إني أحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله، لا أنزعها منه أبداً.
قالت عائشة: وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: يا زينب، ماذا علمت، أو رأيت؟!
فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً.
قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك.
وزاد البخاري في روايته في المغازي: بعد أن ذكر عروة: أنه لم يسم غير الأربعة: ابن أُبي ـ متولي الكبر ـ، وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة"، ثم ذكر كراهية عائشة: أن يسب عندها حسان، وتقول: إنه الذي يقول:
فـإن أبــي ووالــده وعـرضـي لـعـرض محـمـد منـكـم وقـــاء
ثم ذكرت: ان الذي قيل له ما قيل، ليقول:
"سبحان الله، فوالذي نفسي بيده، ما كشفت من كنف أنثى قط، ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله"([14]).
2 ـ قال البخاري أيضاً: وقال أبو أسامة، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، قالت:
لما ذكر من شأني الذي ذكر، وما علمت به، قام رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيَّ خطيباً، فتشهد، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أشيروا عليَّ في أناس أبنوا أهلي، وأيم الله، ما علمت على أهلي من سوء، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر، ولا غبت في سفر إلا غاب معي.
فقام سعد بن معاذ، فقال: ائذن لي يا رسول الله أن نضرب أعناقهم. وقام رجل من بني الخزرج، وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل، فقال: كذبت، أما والله أن لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم، حتى تكاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد، وما علمت.
فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي، ومعي أم مسطح، فعثرت، وقالت: تعس مسطح، فقلت لها: أي أم تسبِّين ابنك؟! وسكتت.
ثم عثرت ثانية، فقالت: تعس مسطح.
فقلت لها: تسبِّين ابنك؟!
ثم عثرت ثالثة، فقالت: تعس مسطح. فانتهرتها، فقالت: والله ما أسبُّه إلا فيك.
فقلت: في أي شأني؟!
قالت: فبقرت لي الحديث.
فقلت: وقد كان هذا؟
قالت: نعم والله.
فرجعت إلى بيتي، كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلاً ولا كثيراً، ووعكت، فقلت لرسول الله "صلى الله عليه وآله": أرسلني إلى بيت أبي.
فأرسل معي الغلام، فدخلت الدار، فوجدت أم رومان في السفل، وأبا بكر فوق البيت يقرأ، فقالت أمي: ما جاء بك يا بنية؟
فأخبرتها، وذكرت لها الحديث، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني، فقالت: يا بنية، خفضي عليك الشأن، فإنه والله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها، لها ضرائر إلا حسدنها، وقيل فيها. وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني.
قلت: وقد علم به أبي؟
قالت: نعم.
قلت: ورسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
قالت: نعم، ورسول الله "صلى الله عليه وآله"، واستعبرت، وبكيت.
فسمع أبو بكر صوتي، وهو فوق البيت يقرأ، فنزل، فقال لأمي: ما شأنها؟!
قالت: بلغها الذي ذكر من شأنها، ففاضت عيناه.
قال: أقسمت عليك أي بنية إلا رجعت إلى بيتك، فرجعت.
ولقد جاء رسول الله بيتي، فسأل عني خادمتي، فقالت: لا والله ما علمت عليها عيباً، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها، أو عجينها.
وانتهرها بعض أصحابه، فقال: أصدقي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حتى أسقطوا لها به.
فقالت: سبحان الله، والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر.
وبلغ الأمر إلى ذلك الرجل الذي قيل له، فقال: سبحان الله، والله ما كشفت كنف أنثى قط، قالت عائشة: فقتل شهيداً في سبيل الله.
قالت: وأصبح أبواي عندي، فلم يزالا حتى دخل عليّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقد صلى العصر، ثم دخل، وقد اكتنفني أبواي عن يميني وعن شمالي، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا عائشة، إن كنت قارفت سوءاً، أو ظلمت فتوبي إلى الله، فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
قالت: وقد جاءت امرأة من الأنصار، فهي جالسة بالباب.
فقلت: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟
فوعظ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فالتفتّ إلى أُبي.
فقلت: أجبه.
قال: فماذا أقول؟
ثم إن الرواية تمضي في الحديث، بما يقرب من الرواية الأولى، مع اختلافات غير مهمة، إلا أنها تذكر: أنها التمست اسم يعقوب فلم تقدر عليه، وأن أبويها قالا لها: قومي إليه.
فقالت: "والله لا أقوم إليه، ولا أحمده، ولا أحمدكما، ولكن أحمد الله عز وجل، الذي أنزل براءتي، لقد سمعتموه، فما أنكرتموه، ولا غيرتموه".
وتمضي في الحديث إلى أن تقول: "إن الذي كان يتكلم فيه: مسطح، وحسان بن ثابت، والمنافق عبد الله بن أُبي، وهو الذي كان يستوشيه، ويجمعه. وهو الذي تولى كبره منهم، هو وحمنة".
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب([15]).
3 ـ والنص للبخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن حصين، عن أبي وائل، قال: حدثني مسروق بن الأجدع، قال: حدثتني أم رومان ـ وهي أم عائشة ـ قالت: بينا أنا قاعدة، أنا وعائشة، إذ ولجت امرأة من الأنصار، فقالت: فعل الله بفلان وفعل.
فقالت أم رومان: وما ذاك؟
قالت: ابني فيمن حدث الحديث.
قالت: وما ذاك؟
قالت: كذا وكذا، قالت عائشة: سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
قالت: نعم.
قالت: وأبو بكر؟
قالت: نعم، فخرت مغشياً عليها، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض، فطرحت عليها، فغطيتها.
فجاء النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: ما شأن هذه؟
قلت: يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض.
قال: فلعل في حديث تحدث به؟
قالت: نعم، فقعدت عائشة، فقالت: والله، لئن حلفت لا تصدقوني، ولئن قلت لا تعذروني، مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه، والله المستعان على ما تصفون.
قالت: وانصرف، ولم يقل شيئاً، فأنزل الله عذرها، قالت: بحمد الله، لا بحمد أحد، ولا بحمدك.
وأخرج البخاري أيضاً قطعة منه في كتاب التفسير، عن محمد بن كثير عن سليمان، عن حصين الخ..
وأخرجه بتمامه في قصة يوسف، عن محمد بن سلام، عن ابن فضيل عن حصين، عن سفيان، عن مسروق([16]).
4 ـ روى البخاري وغيره أيضاً، عن القاسم، وعن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أنه استأذن على عائشة حين موتها، وقرضها بأمور منها: أنه "صلى الله عليه وآله" لم ينكح بكراً غيرها، وأنه نزل عذرها من السماء.
وزادت المصادر الأخرى أموراً مثل: أن الملك نزل بصورتها، وأنها كانت أحب النساء إليه، وأنه تزوجها وعمرها سبع، وبنى بها لتسع سنين، وأنها رأت جبرائيل، وأن الوحي كان يأتيه، وهو معها في لحاف واحد، وأنه "صلى الله عليه وآله" قبض وهو في بيتها، ولم يله أحد غيرها وغير الملك، وما إلى ذلك([17]).
وفي نص آخر عن ابن عباس أيضاً قال فيه: "وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سماواته"([18]).
وروي عنها: أنها فضلت على نساء النبي بتسع، وفي رواية أخرى: بعشر. فذكرت شطراً مما تقدم، بالإضافة إلى أنه "صلى الله عليه وآله" لم ينكح بكراً غيرها، ونزل عذرها من السماء، فراجع([19]).
5 ـ قال البخاري: "وشاور علياً وأسامة، فيما رمى أهل الإفك عائشة فسمع منهما، حتى نزل القرآن، فجلد الرامين، ولم يلتفت إلى تنازعهم، ولكن حكم بما أمره الله"([20]).
وزعموا: أن أبيات حسان بن ثابت وفيها:
حصــان رزان مـا تـزن بـريــبـة وتصبح غرثى من لحـوم الغـوافل
إنما هي في مدح عائشة. والاعتذار من الذي كان منه في شأنها وفيها:
فـإن كـان مـا قـد قيـل عنـي قلته فـلا رفعت سـوطي إلـيّ أنـامـلي
وإن الـذي قـد قيـل لـيـس بـلائط بهـا الـدهـر بل قيل امرئ متماحل
فـكـيف وودي مـا حييت ونصرتي لآل رسـول الله زيــن المـحـافــل
حليلة خـيـر الـخلـق دينـاً ومنصباً نبي الهدى والمكرمات الفـواضـل
لـه رتـب عـالٍ على النـاس كلهـم تقـاصـر عنه سـورة المتـــطـاول
أتـيـتـك وليغفر لــك الله حـــرةً من المحصنات غير ذات غوافـل([21])
وذكر البخاري وغيره عدة روايات تقول: إنها كانت تكره: أن يسب عندها حسان، رغم أنه كان ممن كثّر عليها..([22]).
6 ـ والنص للبخاري أيضاً، في كتاب المغازي: حدثني عبد الله بن محمد، قال أملى عليّ هشام بن يوسف من حفظه، أخبرنا معمر، عن الزهري، قال: قال لي الوليد بن عبد الملك: أبلغك أن علياً كان فيمن قذف عائشة؟
قلت: لا. ولكن قد أخبرني رجلان من قومك، أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أن عائشة قالت لهما: كان علي مسلماً في شأنها، فراجعوه فلم يرجع، وقال: مسلماً بلا شك فيه وعليه، وكان في أصل العتيق كذلك(!).
7 ـ والنص للترمذي: حدثنا بندار، أنبأنا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، قالت: لما نزل عذري قام رسول الله "صلى الله عليه وآله" على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم. هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق.
وفي سنن أبي داود فسر الرجلين بحسان ومسطح، ثم قال: قال النفيلي: يقولون: المرأة حمنة بنت جحش.
وفي لفظ الدر المنثور: فضربوا حدّين، وفسر الحلبي الرجلين: بعبيد الله بن جحش، ومسطح، والمرأة بحمنة([23]).
8 ـ عن ابن عباس: إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات، قال: ..عائشة خاصة([24]).
ورواه البلاذري عن عكرمة فقط([25]).
9 ـ وفي رواية أخرى عن ابن عباس: أن صفوان كان: "لا يقرب النساء". وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اعتزل عائشة، واستشار فيها زيد بن ثابت وغيره، فقال: يا رسول الله، دعها، لعل الله أن يحدث أمره فيها، فقال علي بن أبي طالب: النساء كثير..
وفيها: أن عائشة لما أخبرتها أم مسطح بالأمر: خرّت مغشياً عليها، فنزلت آيات الإفك، فأمر النبي "صلى الله عليه وآله" أبا بكر أن يأتيها ويبشرها، فجاءها أبو بكر فأخبرها بالعذر وبالآيات، فقالت: بحمد الله، لا بحمدك، ولا بحمد صاحبك([26]).
10 ـ وفي رواية عن ابن عمر، عن عائشة أيضاً: أن القرعة أصابت عائشة، وأم سلمة. فخرج بهما معه، فلما كانوا في بعض الطريق مال رحل أم سلمة، فأناخوا بعيرها ليصلحوا رحلها. فاغتنمت عائشة الفرصة، وذهبت لقضاء حاجتها، ولم يعلم بها أحد، فأتت خربة، فانقطعت قلادتها، فاحتبست في جمعها ونظامها.
فبعث القوم إبلهم، ومضوا، فلما خرجت لم تر أحداً، فاتبعتهم حتى أعيت، فقامت على بعض الطريق فمر بها صفوان ـ وكان رفيق رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان سأل النبي "صلى الله عليه وآله" أن يجعله على الساقة فجعله ـ فظن أنها رجلاً، فقال: يا نومان قم، فإن الناس قد مضوا. فأخبرته أنها عائشة، فاسترجع، وأمرها بالركوب..
ثم ساق القصة، ثم ذكر أن ابن أُبي قال: فجربها ورب الكعبة..
إلى أن ذكر: أن أم مسطح قد وقع السطل من يدها، فقالت: تعس مسطح، فسألتها، فحكت لها، فأخذتها حمى بنافض، ولم تجد المذهب، فرجعت.
ثم استأذنت النبي أن تأتي أهلها، فأذن لها، فذهبت، فسألها أبوها، فقالت: "أخرجني رسول الله من بيته.
قال لها أبو بكر: فأخرجك رسول الله من بيته، وأؤويك أنا؟ والله لا آويك حتى يأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فأمره رسول الله "صلى الله عليه وآله": أن يؤويها، فقال لها أبو بكر: والله، ما قيل لنا هذا في الجاهلية قط، فكيف وقد أعزنا الله بالإسلام؟
فبكت عائشة، وأمها أم رومان، وأبو بكر، وعبد الرحمن، وبكى معهم أهل الدار.
وبلغ ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فصعد المنبر، فاستعذر ممن يؤذيه. فقام سعد بن معاذ، فسل سيفه، وقال: ..إلى أن اتهمه سعد بن عبادة، بأنه إنما طلبه بذحول في الجاهلية.
فقال هذا: يا للأوس.
وقال هذا: يا للخزرج، فاضطربوا بالنعال، والحجارة، وتلاطموا..
فقام أسيد بن حضير، فقال: فيم الكلام، هذا رسول الله يأمرنا بأمره فنفعله على رغم أنف من رغم.
ونزل جبرائيل وهو على المنبر، فلما سري عنه تلا عليهم ما نزل به جبرائيل: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا..}([27]) إلى آخر الآيات، فصاح الناس: رضينا بما أنزل الله.
وبعد ذلك بعث النبي "صلى الله عليه وآله" إلى علي "عليه السلام"، وأسامة، وبريرة، وكان إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد علياً، وأسامة بن زيد، بعد موت أبيه زيد، فأشار علي بطلاقها.
أما أسامة، فقد قال: سبحان الله، ما يحل لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
أما بريرة فقالت: إنها نؤوم، تنام حتى تجيء الداجن، فتأكل عجينها، وإن كان شيء من هذا ليخبرنك الله.
فذهب النبي "صلى الله عليه وآله" إلى بيت أبي بكر، وجرى بينه وبين عائشة ما جرى، حسبما تقدم في الرواية الأولى.
وذكرت أنها أُنسيت اسم يعقوب من الأسف.
وأنها قالت لرسول الله "صلى الله عليه وآله": بحمد الله لا بحمدك.
ثم طلب منها النبي "صلى الله عليه وآله" أن تقوم إلى البيت، فقامت، وخرج رسول الله إلى المسجد، فدعا أبا عبيدة بن الجراح، فجمع الناس، ثم تلا عليهم ما أنزل الله في براءة عائشة، وبعث إلى عبد الله بن أبي، فضربه حدين، وبعث إلى حسان، ومسطح، وحمنة، فضربوا ضرباً وجيعاً، ووجئ في رقابهم.
قال ابن عمر: إنما ضرب رسول الله "صلى الله عليه وآله" ابن أُبي حدين، لأنه من قذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" فعليه حدان..
فبعث أبو بكر إلى مسطح: لا وصلتك بدرهم أبداً، ولا عطفت عليك بخير أبداً، ثم طرده أبو بكر، وأخرجه من منزله.
ثم ذكر ابن عمر نزول الآيات في ذلك، فضاعف أبو بكر على مسطح النفقة([28]).
11 ـ وعن أنس: أنه كان جالساً عند عائشة، ليقر عينها بالبراءة: وهي تبكي، فقالت: والله، لقد هجرني القريب والبعيد، حتى هجرتني الهرة، وما عرض علي طعام ولا شراب، وكنت أرقد، وأنا جائعة ظامئة، فرأيت في منامي فتى، فقال لي: ما لك؟
فقلت: حزينة مما ذكر الناس.
فقال لي: ادعي بهذا الدعاء يفرج عنك ـ ثم ذكرت الدعاء ـ وقالت: فانتبهت وأنا ريانة، شبعانة، وقد أنزل الله منه فرجي.
قال ابن النجار: خبر غريب([29]).
12 ـ وروى أحمد عن هشيم، عن منصور، عن عبد الرحمن بن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن عائشة قالت: لما نزل عذري من السماء جاءني النبي "صلى الله عليه وآله" فأخبرني، فقلت: بحمد الله عز وجل لا بحمدك([30]).
13 ـ عن علي "عليه السلام": "ومنه الحديث في أمر عائشة وما رماها به عبد الله بن أبي سلول([31]) وحسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإفك..}([32]) الآية. فكل ما كان من هذا أو شبهه في كتاب الله، فهو مما تأويله قبل تنزيله"([33]).
14 ـ وذكر الشيخ المفيد: أن عائشة تحدثت عن أمر الإفك: "واستشارته في أمرها أسامة بن زيد.
قالت: وكان عبداً صالحاً مأموناً، وذكر له قذف القوم بصفوان، فقال له أسامة: لا تظن يا رسول الله إلا خيراً، فإن المرأة مأمونة، وصفوان عبد صالح.
ثم استشار علياً "عليه السلام"، فقال له: يا رسول الله، صلى الله عليك، النساء كثير، وسل بريرة خادمتها، وابحث عن خبرها منها.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": فتولّ أنت يا علي تقريرها.
فقطع له علي "عليه السلام" عسباً من النخل، وخلا بها يسألها عني، ويتهددها ويرهبها، لا جرم أني لا أحب علياً أبداً"([34]).
15 ـ وروى مثل ذلك عن علي أمير المؤمنين أيضاً([35]).
16 ـ وروى المفيد "رحمه الله" عن محمد بن عمر الجعابي، عن أحمد بن محمد بن عقدة، عن علي بن الحسن بن فضال في كتابه المعروف بالمنبي، عن أبان بن عثمان، عن الأجلح، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عباس قال:
لما رمى أهل الإفك عائشة استشار رسول الله "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" فيها، فقال: يا رسول الله، النساء كثيرة، وسل الخادمة، فسألوا بريرة، فقالت: ما علمت إلا خيراً.
فبلغ ذلك عائشة، فقالت: لا أحب علياً بعد هذا أبداً، وكانت تقول: لا أحب علياً أبداً، أليس هو الذي خلا وصاحبه بجاريتي يسألونها عني؟!([36]).
17 ـ وذكر الحديث المروي عن عروة عن عائشة: أن الناس تحدثوا في أمر الإفك وشاع فيهم، وقام رسول الله "صلى الله عليه وآله" خطيباً، ولم تشعر به عائشة.
ثم خرجت ذات ليلة مع أم مسطح، فعلمت منها بالأمر وذهبت إلى منزل أبيها.. فعلمت بالأمر منهم، فقال أبو بكر:
"مكانك حتى نغدو معك على رسول الله، فغدونا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعنده امرأة من الأنصار، فما منع النبي "صلى الله عليه وآله" مكانها أن تكلم، فقال: يا عائشة إن كنت أسأت أو أخطأت فاستغفري الله وتوبي إليه.
فقلت لأبي: تكلم.
فقال: بم أتكلم؟
فقلت لأمي: تكلمي.
فقالت: بم أتكلم"؟
إلى أن تذكر أنه "صلى الله عليه وآله" سأل بريرة فبرأتها.. فصعد "صلى الله عليه وآله" المنبر فبرأها.. ثم نزل الوحي عليه "صلى الله عليه وآله" ببراءتها.
وذكرت أيضاً: أن الذي تولى كبر الإفك هم حسان ومسطح وحمنة "وكان يتحدث به عند عبد الله بن أبي، فكان يسمعه ويستوشيه الخ..".
وذكرت أيضاً: أن حساناً قال يكذب نفسه:
حصـان رزان مـــاتـزن بـريــبـــة وتصـبـح غرثى من لحوم الغوافل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم فلا حملت سوطـي إلـى أنـامـلـي
وكيف وودي ما حييت ونصـرتـي لآل رسـول الله زيــن المـحـافـل
أأشتم خير النـاس بعـلاً والـــــداً ونفسـاً لـقـد أنزلت شر المنازل([37])
18 ـ عن الحكم بن عتيبة: لما فاض الناس في الإفك أرسل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى عائشة، قالت: فجئت وأنا انتفض من غير حمى، فقال: يا عائشة، ما يقول الناس؟!
فقلت: لا، والذي بعثك بالحق لا أعتذر بشيء إليك. قالوه حتى ينزل عذري من السماء.
فأنزل الله فيها خمس عشرة آية الخ..([38]).
19 ـ وعن الحيين الأوس والخزرج حين تثاوروا والرسول يخفضهم، قال ابن جريج: قال مولى لابن عباس: "قال بعضهم لبعض: موعداً لكم الحرة، فلبسوا السلاح وخرجوا إليها، فأتاهم النبي "صلى الله عليه وآله". فلم يزل يتلو عليهم هذه الآية: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ..}([39]) حتى تنقضي، يرددها عليهم حتى اعتنق بعضهم بعضاً، وحتى إن لهم لحناناً، ثم انصرفوا قد اصطلحوا".
ثم تذكر سؤال النبي "صلى الله عليه وآله" لأسامة وعلي، ثم تقول: "فمكثت يومين وليليتين، لا تكتحل عيني بنوم، ولا يرقأ لي دمع. وأصبح أبواي عندي الخ..".
ثم تذكر الرواية: نزول الوحي على رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم تقول: "قال أبو بكر: فجعلت أنظر إلى رسول الله، فأخشى أن يأتي من السماء ما لا مرد له، وأنظر إلى وجه عائشة فإذا هو مفيق، فيطمعني في ذلك منها، فإنما أنظرها هنا وههنا"([40]).
وفي نص آخر: أنها بكيت ليلتين ويوماً([41]).
20 ـ وفي رواية أخرى: أنه لما وجدها صفوان بن المعطل: سألها عن أمرها فسترت وجهها عنه بجلبابها، وأخبرته بأمرها فقرب بعيره، فوطّأ على ذراعه، وولاها قفاه حتى ركبت، وسوت ثيابها، فأقبل يسير بها حتى دخلا المدينة نصف النهار أو نحوه.
ثم ذكرت جفاء النبي "صلى الله عليه وآله" لها.. ثم ذهبت هي وأم مسطح لقضاء حاجتها، ثم استشار علياً "عليه السلام" وأسامة، فأشار عليه "عليه السلام" بأن يتوعد الجارية بريرة، ففوضه "صلى الله عليه وآله" ذلك. فلم تقر بشيء.. ثم ذكرت خطبة النبي "صلى الله عليه وآله"، وما جرى بين الأوس والخزرج، قالت:
"فدخل النبي "صلى الله عليه وآله" بيتي، وبعث إلى أبوي، فأتياه، فحمد الله وأثنى عليه الخ.." ثم تسوق القصة إلى أن تقول:
"وقعد صفوان بن المعطل لحسان بن ثابت بالسيف، فضربه ضربة، فقال صفوان لحسان في الشعر حين ضربه:
تلق ذباب السيـف مــني فـإنـني غــلام إذا هـوجيت لـسـت بشاعر
ولكنني أحـمي حمـاي وأنتـقـم مـن البـاهـت الرامي البراة الطواهر
ثم صاح حسان فاستغاث الناس على صفوان، فلما جاء الناس فر صفوان، فجاء حسان إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فاستعداه على صفوان في ضربته إياه، فسأله النبي "صلى الله عليه وآله" أن يهب له ضربة صفوان إياه، فعاضه منها حائطاً من نخل عظيم، وجارية. ثم ذكرت أن معاوية اشترى الحائط من حسان بمال عظيم.
قالت عائشة: قال أبو بكر لمسطح في رميه عائشة، فكان يدعى عوفاً:
يا عـوف ويحك هـلا قـلت عارفة مـن الكلام ولـم تبغ لـه طــمع
فــأدركـتـه حميــاً معـشـر أنــف فلم يكن قاطع يـا عوف من قطع
هلا حربت من الأقوام إذ حسدوا فـلا تـقـول وإن عـاديـتـم قـذع
لمـا رميـت حصـانـاً غيــر مقرفـة أمينة الجيب لـم يـعـلم لهـا خضع
في من رماها وكنتم معشـراً أفـكاً في سيئ القول من لفظ الخنا شرع
فـأنـزل الله عـذراً فـــي بـراءتهـا وبين عـوف وبـيـن الله مـا صـنع
فإن أعش أجب عوفـاً في مقالـتـه سـوء الــجـزاء الغـيـبة تبــــع
وقالت أم سعد بن معاذ في الذين رموا عائشة من الشعر:
شـهـد الأوس كلهــا وفناؤهـــا والخمـاسـي مـن نسلهـا والنظيـم
ونـسـاء الخزرجييــــن يـشهدن بـــــحق وذلـكـم مـعـــلـــوم
أن ابنة الصـديق كـانت حصـانـاً عـفـة الـجـيب دينهــا مستقيــم
تتقـي الله فـي المـغـيـب عليهـــا نـعـمــة اللـه سـترها ما يـريـــم
خير هـدي النساء حـالاً و نـفسـاً وأبـاً للـعـلى نمـاهــا كــريــــم
للمـوالـي إذا رمـوهـــا بـإفـك أخـذتـهـم مـقـامـع وجـحـيـــم
لـيـت مـن كـان قدر رماها بسوءٍ فـي حـطـام حتى يـبــول الـلئـيم
وعـوان مــن الحــروب تـلــظى نـفـسـاً قـوتـهـا عــقـار صـريـم
لـيـت سعداً ومـن رمـاهـا بسوءٍ في كـظـاظ حتى يـتـوب الـظلوم
وقال حسان، وهو يبرئ عائشة:
حصـان رزان ما تــزن بريــبــــةٍ وتصبح غرثـى من لحـوم الغوافل
خليلـة خيـر الناس دينـاً ومنصبـاً نبي الهدى والمكـرمـات الفواضـل
عقـيـلـة حي من لـؤي بـن غالب كـرام المسـاعـي مجدها غير زائـل
مهذبة قـد طيب اللـه خـيمـهـــا فـطـهـرهـا من كل سوء وبـاطـل
فـإن كـان مـا قـد جـاء عنـي قلته فــلا رفـعـت سوطي إلـى أنامـل
إلى أن تقول الرواية: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحد جميعاً.
وقال حسان بن ثابت في الشعر حين جلدوا:
لـقـد كـان عبد الله مـا كـان أهله وحمنة إذ قـالـوا: هجـيراً ومسطح
تعـاطـوا برجم القول زوج نبيهم وسخطه ذي العرش الكريم فأترحو
فـآذن رسـول الله فيهـا وعمـموا مخـازي سـوءٍ حللوها وفضحوا([42])
21 ـ وذكرت رواية أخرى عن عائشة: أنها حين أخبرتها أم مسطح بالأمر خرت مغشياً عليها، قالت: "فبلغ أم رومان أمي، فلما بلغها الأمر أتتني، فحملتني فذهبت إلى بيتها. فبلغ رسول الله أن عائشة قد بلغها الأمر، فجاء إليها فدخل عليها، وجلس عندها وقال:
يا عائشة، إن الله قد وسع التوبة، فازددت شراً إلى ما بي، فبينا نحن كذلك، إذ جاء أبو بكر، فدخل علي، فقال: يا رسول الله، ما تنتظر بهذه التي خانتك وفضحتني؟!
قالت: فازددت شراً إلى شر.
قالت: فأرسل إلى علي، فقال: يا علي، ما ترى في عائشة؟..".
إلى أن تقول: "فأرسل إلى بريرة، فقال لها: أتشهدين أني رسول الله؟
قالت: نعم.
قال: فإني سائلك عن شيء فلا تكتميني.
قالت: نعم الخ.."([43]).
22 ـ وفي نص آخر: أن الآيات قد نزلت ببراءتها حين كان النبي "صلى الله عليه وآله" مع أصحابه.. فبشروا أبا بكر ببراءة ابنته، وأمره بأن ينطلق إلى عائشة ويبشرها قالت: "وأقبل أبو بكر مسرعاً يكاد أن ينكب.
قالت: فقلت: بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي جئت من عنده.
فجاء رسول الله، فجلس عند رأسي، فأخذ بكفي، فانتزعت يدي منه، فضربني أبو بكر وقال: أتنزعين كفك من رسول الله؟ أوَ برسول الله تفعلين هذا؟ فضحك رسول الله"([44]).
23 ـ وعن عائشة: لما بلغني ما تكلموا به هممت أن آتي قليباً فأطرح نفسي فيه([45]).
24 ـ وعن ابن عباس في رواية: "فعرس رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأصحابه، وخرجت عائشة للحاجة، فتباعدت، ولم يعلم بها، فاستيقظ النبي "صلى الله عليه وآله"، والناس قد ارتحلوا، وجاء الذين يحملون الهودج فحملوه، ولا يعلمون إلا أنها فيه. وساروا فأقبلت عائشة فوجدتهم قد ارتحلوا فجلست مكانها. فاستيقظ رجل من الأنصار، يقال له: صفوان بن المعطل، وكان لا يقرب النساء، فتقرب منها، وكان معه بعير له، فلما رآها حملها..".
ثم تذكر الرواية: أنه "صلى الله عليه وآله" استشار فيها زيد بن ثابت وغيره. ثم تذكر خروجها مع أم مسطح، وإخبارها إياها بما يجري، وأنها وقعت مغشياً عليها..
وتذكر أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمر أبا بكر "أن يأتيها ويبشرها، فجاء أبو بكر، فأخبرها بعذرها، وبما أنزل الله، فقالت: لا بحمدك ولا بحمد صاحبك"([46]).
مؤيدات أخرى:
ثم إنهم يوردون في سياق الحديث عن الإفك على عائشة نصوصاً قد يقال: إنها غير ظاهرة الدلالة على ذلك. بل هي تتحدث عن هذا الأمر بصورة عامة من دون تحديد الشخص المعني بها.. ولكن المحدثين أحبوا أن يتحفوا عائشة بها.
و بعض ما يلي هو من هذا القبيل..
1 ـ والنص للبخاري: حدثني محمد بن حرب، حدثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني، عن هشام بن عروة، عن عائشة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" خطب الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي؟
إلى أن قالت: وقال رجل من الأنصار: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم..([47]).
2 ـ والنص للبخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: والذي تولى كبره، قالت: عبد الله بن أبي بن سلول([48]).
3 ـ واللفظ للبخاري في كتاب المغازي: حدثني بشر بن خالد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: دخلنا على عائشة، وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعراً، يشبب بأبيات له، وقال:
حصـان رزان مـا تـزن بـــريـبـةٍ وتصبح غـرثى من لحـوم الغوافل
فقالت له عائشة: لكنك لست كذلك.
قال مسروق: فقلت لها: لم تأذني له أن يدخل عليك، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}؟!
فقالت: وأي عذاب أشد من العمى؟
قالت له: إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله..([49]).
4 ـ قالوا في حديث الإفك: ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف، حين بلغه ما يقول فيه. وقد كان حسان قال شعراً ـ مع ذلك ـ يعرض بابن المعطل فيه، وبمن أسلم من مضر، فقال:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفـريعة أمسى بيضة الـبلـد
الأبيات.. فاعترضه صفوان بالسيف، فضربه، ثم قال:
تلق ذبـاب السيف عنــي فـإنّـني غـلام إذا هـوجـيـت لست بشاعر
فأخذوا صفوان فقيدوه، فلما علم عبد الله بن رواحة، أمرهم بإطلاقه فأطلقوه، وأتوا الرسول، فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب، فضربته.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لحسان: يا حسان، أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام؟
ثم قال: أحسن يا حسان في الذي قد أصابك، قال: هي لك يا رسول الله. فأعطاه رسول الله عوضاً منها بيرحاً، وهي قصر بني حديلة، وأعطاه سيرين أمة قبطية، أخت مارية، فولدت له عبد الرحمن بن حسان([50]).
5 ـ في كتاب الإشارات للفخر الرازي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان في تلك الأيام التي تكلم فيها بالإفك يقضي أكثر أوقاته في البيت، فدخل عليه عمر فاستشاره "صلى الله عليه وآله" في تلك الواقعة، فقال: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله، أنا قاطع بكذب المنافقين، لأن الله عصمك عن وقوع الذباب على جلدك، لأنه يقع على النجاسات، فيتلطخ بها، فلما عصمك عن ذلك القدر من القذر، فكيف لا يعصمك عن صحبة من تكون متلطخة بمثل هذه الفاحشة؟! فاستحسن "صلى الله عليه وآله" كلامه..
ودخل عليه عثمان، فاستشاره، فقال: إن الله ما أوقع ظلك على الأرض، لئلا يضع إنسان قدمه على ذلك الظل، أو تكون الأرض نجساً، فلما لم يمكن أحداً من وضع القدم على ظلك، كيف يمكن أحداً من تلويث عرض زوجتك؟!
ودخل عليه علي، فاستشاره، فقال: يا رسول الله، كنا نصلي خلفك فخلعت نعليك في أثناء الصلاة، فخلعنا نعالنا، فلما أتممت الصلاة سألتنا عن سبب الخلع، فقلنا: الموافقة.
فقلت: أمرني جبرائيل بإخراجهما لعدم طهارتهما، فلما أخبرك أن على نعلك قذراً وأمرك بإخراج النعل من رجلك بسبب ما التصق من القذر، فكيف لا يأمرك بإخراجها، بتقدير أن تكون متلطخة بشيء من الفواحش؟! وفي المشكاة عن أبي سعيد مثله.
قال الحلبي: ويحتاج أئمتنا إلى الجواب عن خلع إحدى نعليه في أثناء الصلاة، لنجاسة بها، واستمر في الصلاة"([51]).
الفصل الثاني:
نقد أسانيد حديث الإفك
رواة حديث الإفك من الصحابة:
لقد روى الرواة حديث الإفك عن ثمانية من الصحابة هم:
1 ـ ابن عمر. 2 ـ ابن عباس.
3 ـ عبد الله بن الزبير. 4 ـ أبو هريرة.
5 ـ أبو اليسر الأنصاري. 6 ـ عائشة.
7 ـ أم رومان. 8 ـ أنس بن مالك.
أما رواية أبي هريرة، وأبي اليسر، وأنس، وابن عباس، وابن عمر: فلم ترد في صحاح أهل السنة، وهي مجرد نتف صغيرة، باستثناء رواية ابن عباس ففيها بعض التفصيل. وكذا رواية ابن عمر.
أما رواية ابن الزبير فلم نجدها، غير أن البخاري، بعد أن ذكر رواية الزهري، ساق سنداً آخر إلى عبد الله بن الزبير، وقال: مثله..
تفاصيل حول الأسانيد:
وإذا أردنا أن نعطي القارئ لمحة موجزة عن بعض ما يرتبط بالأسانيد، فإننا نقول:
1 ـ رواية ابن عمر:
أما بالنسبة لرواية ابن عمر، فإنها لم ترد في كتاب الصحاح ـ تماماً كما هو الحال بالنسبة لرواية ابن الزبير ـ وهي رواية ضعيفة السند، وهي في الحقيقة نفس رواية عائشة، كما يظهر من ملاحظة سياقها.. وقد رواها الطبراني، وابن مردويه.. حسبما تقدم في الفصل السابق.
فالحديث عنها يرجع إلى الحديث عن رواية عائشة. خصوصاً فيما يرتبط بمناقشة المضمون، كما سنرى..
هذا، مع أن ابن الزبير، كابن عمر وابن عباس، بل وكذا سائر الرواة، لا بد أن يرووا هذه الرواية عن عائشة نفسها، أو عن أمها وأبيها، لأن هؤلاء هم الذين يعرفون ما جرى بينها وبين أم مسطح، وما جرى بينها وبين أبيها، وأمها.. وبينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وما جرى لها مع صفوان.. وما إلى ذلك.. فإذا ذكر ابن عمر وغيره رواية فيها هذه التفاصيل فإن ذلك يحتم أن يكون الراوي قد أخذ من هؤلاء فقط، فما هو المقدار الذي أخذه منهم؟! هل هو كل هذه التفاصيل، أم بعضها؟ وهل أخذ ذلك منهم مباشرة أو بواسطة آخرين؟ كل ذلك غير واضح.. فلا مجال إذن لنسبة الرواية ـ خصوصاً مع احتوائها لهذه التفاصيل ـ لخصوص راويها، وهو ابن الزبير أو ابن عمر، أو ابن عباس، أو غير هؤلاء..
2 ـ رواية ابن عباس:
أما ابن عباس، فإن كان راوياً لحديث الإفك حقاً، فلا شك أنه رواه عن غيره. وذلك:
أولاً: لأنه كان حين قضية الإفك طفلاً صغيراً، لا يحسن رواية أحداث كهذه، حتى لو شهدها، لأنه ولد سنة الهجرة، أو قبلها بثلاث سنوات..
ثانياً: إنه حتى لو كان رجلاً كاملاً، فإنه لم يكن حين قضية الإفك في المدينة لأنه إنما قدم إليها مع أبيه في سنة ثمان([52])، أي بعد قضية الإفك بعدة سنوات.
على أن هناك الكثير الكثير من الشك حول ما يروى عن ابن عباس.
فقد ذكر العسقلاني: أن غندراً قال: "ابن عباس لم يسمع من النبي "صلى الله عليه وآله" إلا تسعة أحاديث. وعن يحيى القطان عشرة. وقال الغزالي في المستصفى: أربعة"([53]).
مع أنهم يذكرون: أن البخاري قد روى عن ابن عباس مئتين وسبعة عشر حديثاً([54]).. فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولا نستطيع أن نقول: إنه قد روى ذلك عن الصحابة الموثوقين جزماً، فقد روى عن غير المؤمنين، وعن غير الصحابة، وروى حتى عن مسلمة أهل الكتاب، فقد روى عن معاوية، وأبي هريرة، وكعب الأحبار، وتميم الداري، وغيرهم..
هذا كله، بالإضافة إلى ضعف سند حديث الإفك، الذي ينتهي إليه. ولذلك لم ترد روايته في الكتب التي يعتبرها أهل السنة صحاحاً.
3 ـ عبد الله بن الزبير:
أما بالنسبة لابن الزبير، فإننا نقول:
أولاً: قد ذكرنا فيما تقدم بحثاً مفصلاً حول تاريخ ولادة ابن الزبير، وقلنا هناك: إن الأرجح هو: أنه قد ولد سنة اثنتين، أو ثلاث من الهجرة، وذلك استناداً إلى العديد من الأدلة والشواهد، فراجع.
فيكون عمره حين الإفك ثلاث أو أربع أو حتى خمس سنوات.
ثانياً: إنه قد روى الحديث عن عائشة نفسها، كما يظهر من رواية البخاري([55]).
ثالثاً: إن حديث ابن الزبير ضعيف السند برجال آخرين، سوف يأتي الحديث عنهم إن شاء الله.
4 ـ أنس بن مالك:
إن أنس حين قضية الإفك لم يكن قد بلغ الحلم.. بل لقد أنكرت عليه عائشة روايته عن النبي "صلى الله عليه وآله".. فقد روى: "علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن ابيه: أن عائشة قالت: ما علم أنس بن مالك، وأبو سعيد الخدري بحديث رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإنما كانا غلامين صغيرين"([56]).
5 ـ أبو هريرة:
سنده ليس بمتصل، لأن أبا هريرة قد أسلم بعد حديث الإفك، وبالذات في سنة خيبر.. فعمن روى أبو هريرة ذلك؟ عن كعب الأحبار؟ عن عائشة؟ لا ندري..
غير أن ما نعلمه هو: أن علاّمة مصر الشيخ محمود أبو رية، والإمام شرف الدين في كتابه "أبو هريرة: شيخ المضيرة.." قد وضعا علامات استفهام كبيرة على كل ما يرويه أبو هريرة..
6 ـ أبو اليسر الأنصاري:
لم ترد روايته، ولا رواية أنس، ولا رواية أبي هريرة في الصحاح.. كما أنه يناقض في روايته جميع روايات الإفك على الإطلاق، ولذا فلا يمكن الاعتماد عليه.
7 ـ وأما رواية أم رومان ففيها:
1 ـ قد جاء في سندها: أن الراوي عن أم رومان هو مسروق بن الأجدع، الذي تبنته عائشة. والذي كان ولاه زياد على السلسلة([57]). ومسروق لم ير أم رومان، لأنها توفيت في حياة النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو إنما قدم المدينة بعد وفاته "صلى الله عليه وآله"([58]).. ولسوف يأتي ما يثبت أنها توفيت قبل حديث الإفك، أي في حين كان عمر مسروق ـ في بلده ـ لا يزيد عن خمس سنين، فكيف حدثته أم رومان بحديث الإفك، فروايته مرسلة؟!.
واحتمل أبو عمر صاحب الإستيعاب أن يكون سمع ذلك من عائشة([59]).
هذا.. عدا عن أن لنا في مسروق نفسه مقالاً، لأنه كان منحرفاً عن علي، معادياً له. فقد روى سلمة بن كهيل: أن مسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد كانا يمشيان إلى بعض أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" (ولا نستبعد أنها عائشة)، فيقعان في علي "عليه السلام".
كما أن زوجة مسروق نفسه تصرح: بأنه كان يفرط في سب علي "عليه السلام".
وروى أبو نعيم، عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق: قال: ثلاثة لا يؤمنون على علي بن أبي طالب: مسروق، ومرة، وشريح. وروي أن الشعبي رابعهم، وروي أنه عاد إلى موالاته "عليه السلام" في أواخر أيامه..
وعده الثقفي ممن كان بالكوفة من فقهائها أهل عداوة لعلي، وبغض له، الخارجين عن طاعته([60])..
وصرح ابن سعد: بأنه أبطأ عن علي، وعن مشاهده، ولم يشهد معه شيئاً. وكان يحتج لإبطائه هذا، ويدافع عنه بما لا مجال لذكره هنا([61]).
2 ـ وفي السند أيضاً: أبو وائل: شقيق بن سلمة..
وكان عثمانياً يقع في علي "عليه السلام".
ويقال: إنه كان يرى رأي الخوارج. ولا خلاف في كونه خرج معهم على علي "عليه السلام".
وقد روى خلف بن خليفة قال: قال أبو وائل: خرجنا أربعة آلاف، فخرج إلينا علي، فما زال يكلمنا، حتى رجع منا ألفان..
وعده الثقفي فيمن خرج عن طاعة علي، ومن فقهاء الكوفة، ممن كان أهل عداوة له وبغض([62]).
وقال لمن سبّ الحجاج وذكر مساوئه: لا تسبّه! وما يدريك؟ لعله قال: اللهم اغفر لي، فغفر له([63]).
وقال عاصم بن أبي النجود: قلت لأبي وائل: شهدت صفين؟!
قال: نعم، وبئست الصفوف كانت([64]).
3 ـ وفي السند محمد بن كثير العبدي، قال ابن معين: لم يكن بثقة.
وقال ابن قانع: ضعيف.
وقال ابن معين أيضاً: لم يكن يستاهل أن يكتب عنه([65]).
وقال أيضاً: لا تكتبوا عنه([66]).
4 ـ وفي السند أيضاً: غندر، والحصين بن عبد الرحمن السلمي. وفيهما أيضاً كلام يراجع في كتب الرجال والتراجم([67]).
وفيما ذكرناه كفاية.
8 ـ وأما الرواية عن عائشة:
فقد رواها عنها، حسب إحصائية العسقلاني، عشرة من التابعين، وهم:
1 ـ عروة بن الزبير.
2 ـ سعيد بن المسيب، ولكن في سيرة ابن هشام: سعيد بن جبير.
3 ـ علقمة بن وقاص.
4 ـ عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود.
5 ـ القاسم بن محمد بن أبي بكر.
6 ـ عمرة بنت عبد الرحمن.
7 ـ عباد بن عبد الله بن الزبير.
8 ـ أبو سلمة بن عبد الرحمن.
9 ـ الأسود بن يزيد.
10 ـ مقسم مولى ابن عباس.
وقد رواها الزهري عن الأربعة الأول، ورواها عن الزهري ثلاثة وعشرون رجلاً، خمسة منهم روايتهم في الصحاح، وهم:
1 ـ يونس بن يزيد الأيلي.
2 ـ فليح بن سليمان.
3 ـ صالح بن كيسان.
4 ـ معمر.
5 ـ النعمان بن راشد.
ورواها في غير الصحاح ـ حسب إحصائية العسقلاني ـ ثمانية عشر رجلاً.. وقد تقدمت أسماؤهم، عند ذكرنا لمصادر رواية الزهري، في الفصل الأول في الهوامش. فلا نعيد. ولسوف تأتي المناقشة في غالبهم إن شاء الله تعالى.
أما رواية عروة:
ففي أسانيدها عدد ممن لا يمكن قبول روايتهم، وهم:
1 ـ عروة بن الزبير نفسه:
فقد عده الإسكافي من التابعين، الذين كانوا يضعون أخباراً قبيحة في علي([68]).
ويقولون أيضاً: إنه كان يتألف الناس على روايته([69]).
وروى عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة، عن عائشة في علي "عليه السلام"، فسألته عنهما يوماً، فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ إني لأتهمهما في بني هاشم([70]).
وقال يحيى بن عروة: كان عروة إذا ذكر علياً نال منه([71]).
وكان عروة أيضاً إذا ذكر علياً أخذه الزمع، فيسبه ويضرب بإحدى يديه على الأخرى الخ..([72]).
وقال لابن عمر: إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء، فيتكلمون بالكلام نعلم أن الحق غيره، فنصدقهم، ويقضون بالجور فنقويهم، ونحسّنه لهم، فكيف ترى في ذلك؟!
فقال له ابن عمر: يا ابن أخي، كنا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" نعدّ هذا النفاق؛ فلا أدري كيف هو عندكم([73]).
2 ـ هشام بن عروة:
كان أبو الأسود يعجب من حديث هشام عن أبيه، وربما مكث سنة لا يكلمه.
وقال ابن خراش: كان مالك لا يرضاه، ونقم عليه حديثه لأهل العراق.
وقال العسقلاني: في كبره تغير حفظه، فتغير حديث من سمع منه([74]).
وقد حاول أن يقبل يد المنصور، فيمنعه إكراماً له([75]).
وقال ابن حبيب: "..وحدّ أبو بكر بن عمرو بن حزم الأنصاري، وهو عامل عبد الملك على المدينة، هشام بن عروة بن الزبير في فرية على رجل من بني أسد بن عبد العزى..
وحد عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري، وهو عامل المدينة للوليد بن عبد الملك هشام بن عروة بن الزبير في فرية افتراها على رجل من بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم([76]).
3 ـ أبو أسامة، وهو حماد بن أسامة:
قال ابن سعد: كان يدلس، ويبين تدليسه.
وقال وكيع: نهيت أبا أسامة أن يستعير الكتب. وكان دفن كتبه..
وقال سفيان بن وكيع: كان أبو أسامة يتبع كتب الرواة، فيأخذها وينسخها، قال لي ابن نمير: أن المحسن لأبي أسامة يقول: إنه دفن كتبه، ثم تتبع الأحاديث بعد من الناس.
قال سفيان بن وكيع: إني لأعجب كيف جاز حديث أبي أسامة، كان أمره بيناً، وكان من أسرق الناس لحديث جيد، وذكره الأزدي في الضعفاء([77]).
وعدّه المسترشد فيمن يحمل على علي "عليه السلام"([78]).
4 ـ فليح بن سليمان:
ممن روى عن هشام بن عروة، حسب رواية البخاري، ووقع أيضاً في رواية الزهري عند البخاري ومسلم معاً..
قال ابن معين، وأبو حاتم، ومظفر بن مدرك، والنسائي، وأبو داود وأبو أحمد، علي بن المديني ـ كلهم قالوا ـ: ضعيف..
وقال الطبري: ولاّه المنصور على الصدقات، لأنه كان أشار عليهم بحبس بني حسن([79])..
وقال ابن معين: ليس قوي ولا يحتج به، وكذا قال أبو حاتم، وكان يحيى بن معين يقشعر من أحاديث فليح بن سليمان([80]).
وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وذكره العقيلي، وابن عدي، وابن الجوزي، والذهبي في جملة الضعفاء([81]).
وهكذا الحال بالنسبة لـ :
5 ـ يونس بن بكير.
6 ـ يحيى بن زكريا.
7 ـ حماد بن سلمة.
8 ـ أبي أويس، عبد الله بن عبد الله الأصبحي.
وغيرهم.
رواية الزهري:
قلنا فيما سبق: إنها وردت في الصحيح عن خمس من الرواة عن الزهري، وفي غير الصحيح عن ثمانية عشر، رووها عنه أيضاً حسب إحصائية العسقلاني..
ونحن نتكلم أولاً على ما ورد في صحاح أهل السنة منها، ثم نعطف الكلام للإشارة إلى حال بعض من رواها عن الزهري في غير الصحيح.. غير أننا نبدأ حديثنا حول الذين روى الزهري عنهم، حسبما ورد في صحاح أهل السنة، فنقول:
الزهري ومن روى عنهم الزهري:
لقد رواها الزهري، عن: عروة بن الزبير، وعلقمة بن وقاص، وسعيد بن المسيب، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.. فأما:
1 ـ عروة بن الزبير:
فقد تقدم بعض ما يشير إلى حاله، وأن الزهري، وغيره، قد اتهموه بوضع الأحاديث، والكذب على بني هاشم، وعلي.. وأما:
2 ـ سعيد بن المسيب:
فنحن لا نثق بروايته أيضاً، لانحرافه عن علي "عليه السلام".. وقد جبهه عمر بن علي بكلام شديد، حيث جعله من المنافقين، وفهم هو نفسه ذلك، فقال له: يا ابن أخي، جعلتني منافقاً؟!
قال: ذلك ما أقول لك.
قال: ثم انصرف([82]).
وقال المفيد "رحمه الله": وأما ابن المسيب فليس يدفع نصبه، وما اشتهر عنه من الرغبة عن الصلاة على زين العابدين..
قيل له: ألا تصلي على هذا الرجل الصالح، من أهل البيت الصالح؟
فقال: صلاة ركعتين أحب إلي من الصلاة على هذا الرجل الصالح، من أهل البيت الصالح([83])..
وروي عن مالك: أنه كان خارجياً([84]).. وإذا كان عدواً لعلي "عليه السلام" فهو عدو الله عز وجل، لما روي من قول النبي "صلى الله عليه وآله": عدوك عدوي، وعدوي عدو لله عز وجل..
وبعد هذا، فكيف يصح الاعتماد على روايته، والوثوق بأقواله؟!
3 ـ وأما عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فإننا لم نجد تاريخ ولادته..
ولكن قال علي بن المديني: إنه لم يصح له سماع من زيد بن ثابت. ولا رؤية([85])..
فإذا أضفنا إلى ذلك: أن من الأقوال في وفاة زيد هو سنة55 هـ . فإننا لا نستطيع حينئذ أن نجزم برؤيته لعائشة، وسماعه منها أيضاً، لأنها إنما توفيت في سنة سبع، أو ثمان وخمسين..
4 ـ وأما الزهري نفسه، فهو أيضاً كان منحرفاً عن علي "عليه السلام".
قال محمد بن شيبة: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري، وعروة بن الزبير قد جلسا، فذكرا علياً، فنالا منه، فبلغ ذلك علي بن الحسين، فجاء حتى وقف عليهما، فقال: أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك إلى الله. فحكم الله لأبي على أبيك.. وأما أنت يا زهري، فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كنّ أبيك([86]).
وعدّه الثقفي من فقهاء الكوفة، الذين خرجوا عن طاعة علي، وكانوا أهل عداوة له وبغض، وخذلوا عنه([87])..
وكان الزهري يرى بني أمية في عداد المؤمنين، وأن الخارج عليهم يعد من جملة البغاة([88])
وتزلفه لهم، وتعليمه لأولادهم، وتوليه القضاء لهم معروف ومشهور([89])
وعن عبيد الله بن عمر: كنت أرى الزهري يعطى الكتاب فلا يقرؤه ولا يقرأ عليه، فيقال له: نروي ذلك عنك؟
فيقول: نعم([90]).
وعن سفيان الثوري قال: أتيت الزهري فتثاقل علي، فقلت له: لو أنك أتيت أشياعنا فصنعوا بك مثل هذا.
فقال: كما أنت، ودخل فأخرج إليَّ كتاباً فقال: خذ هذا فاروه عني، فما رويت عنه حرفاً([91]).
5 ـ وأما علقمة.. فلا يمكن الاعتماد على روايته بمجردها، لأننا لا نعرف ما الذي رواه عن الزهري بالتحديد.. وخاصة بعد أن كنا لا نثق بسماع الزهري من عروة، ولا بسماع عبيد الله من عائشة..
وبالأخص إذا لاحظنا: أن الروايات التي نقلت عن بعض هؤلاء تتناقض وتختلف مع بعضها البعض بشكل واضح وملموس.
الرواة عن الزهري:
وأما من روى حديث الإفك عن الزهري في الصحاح فهم:
1 ـ النعمان بن راشد مولى بني أمية:
علقه عن الزهري في البخاري، في كتاب المغازي.. وقد ضعفه يحيى القطان جداً.
وقال أحمد بن حنبل: مضطرب الحديث، روي له أحاديث مناكير.
وقال العقيلي: ليس بالقوي، يعرف فيه الضعف.
وقال النسائي: ضعيف كثير الغلط.
وقال البخاري، وأبو حاتم: في حديثه وهم كثير.
وقال ابن أبي حاتم: أدخله البخاري في الضعفاء.
وقال أبو داود: ضعيف.
وقال ابن معين: ضعيف.
وقال مرة: ليس بشيء([92])..
2 ـ فليح بن سليمان:
وقد تقدم الحديث عنه في رواية عروة.
3 ـ يونس بن يزيد الأيلي:
قال وكيع: كان سيئ الحفظ.
وقال أحمد: لم يكن يعرف الحديث، وكان يشتبه عليه.
وقال: إن في حديثه عن الزهري منكرات.
وقال ابن سعد: حلو الحديث كثيره، وليس بحجة، وربما جاء بالشيء المنكر..
وقال ابن يونس: كان من موالي بني أمية([93]). هو مولى معاوية بن أبي سفيان.
4 ـ عبد الرزاق الصنعاني:
هو الراوي عن معمر، عن الزهري.
قال ابن شبويه: كان بعدما عمي يلقن.
وقال أحمد: كذلك.
وقال أيضاً: من سمع منه بعدما ذهب بصره فهو ضعيف السماع.
وقال النسائي: فيه نظر لمن كتب عنه بآخرة، كتب عنه أحاديث مناكير.
وقال ابن حبان: كان ممن يخطئ إذا حدث من حفظه.
وقال العباس العنبري ـ حين قدم من صنعاء ـ : لقد تجشمت إلى عبد الرزاق، وإنه لكذاب، والواقدي أصدق منه، وعن زياد قال: لم يخرج أحد من هؤلاء الكبار من ههنا إلا وهو مجمع ألا يحدث عنه([94])..
وعن زيد بن المبارك قال: كان عبد الرزاق كذاباًَ يسرق الحديث([95]).
وقال فيه سفيان بن عيينة: أخاف أن يكون من الذين أضل سعيهم في الحياة الدنيا([96]).
5 ـ صالح بن كيسان:
والرواية عن صالح بن كيسان الذي كان معلماً لأولاد الوليد بن عبد الملك([97]) نجد في سندها:
أ ـ عبد العزيز بن عبد الله الأويسي. وقد ضعفه أبو داود([98]).
ب ـ إبراهيم بن سعد، الذي ولي بيت المال ببغداد، وقد ذكر عند يحيى بن سعيد، فجعل كأنه يضعفه. وكان يجيز الغناء بالعود، وقال صالح جزرة: كان صغيراً حين سمع من الزهري([99]).
ج ـ الحسن بن علي الحلواني، قال أبو سلمة بن شبيب عنه: يرمى في الحش، من لم يشهد بكفر الكافر فهو كافر.
وقال الإمام أحمد: ما أعرفه بطلب الحديث، ولا رأيته يطلبه، ولم يحمده، ثم قال: يبلغني عنه أشياء أكرهها.
وقال مرة: أهل الثغر عنه غير راضين، أو ما هذا معناه([100]).
هؤلاء هم الذين وردت روايتهم عن الزهري في الصحاح، وقد رأينا أنهم والزهري، ومن يروي عنه الزهري جميعاً لم يسلموا من الطعن والتجريح، من قبل العلماء والرجاليين..
وقد بقي عدد ممن رواها عن الزهري، في غير الصحاح، تقدمت أسماؤهم عن فتح الباري، عند ذكر مصادر رواية الزهري.
ونحن نكتفي بالإشارة إلى حال طائفة منهم على سبيل المثال.. فنقول:
1 ـ يعقوب بن عطاء:
قال أحمد: منكر الحديث.
وقال ابن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ضعيف.
وقال أحمد: ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس بالمتين. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه([101]).
2 ـ عبد الرحمن بن إسحاق:
فإن كان هو الذي يقال له: عباد بن إسحاق..
فقد قال القطان: سألت عنه بالمدينة، فلم أرهم يحمدونه، ومثل ذلك نقل عن إسماعيل بن إبراهيم، وعلي بن المديني.
وقال العجلي: ليس بالقوي.
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به.
وقال الحاكم: لا يحتجان "يعني مسلم والبخاري" به، ولا واحد منهما.
وقال السعدي: غير محمود في الحديث.
وقال الدارقطني: ضعيف، يرمى بالقدر، إلى غير ذلك([102]).
وإن كان هو الواسطي، فقد قال البخاري: فيه نظر.
وكان أحمد يضعفه، ويقول: ليس بشيء منكر الحديث.
وقال ابن معين: ضعيف ليس بشيء.
وقال ابن سعد، والعجلي، والعقيلي، وأبو حاتم، ويعقوب بن سفيان، وأبو داود، والنسائي، وابن حبان: ضعيف.. إلى غير ذلك([103]).
3 ـ سفيان بن عيينة:
قد اختلط في أواخر عمره.
وقد ورد بسند قوي: أنه هو نفسه قد اعترف أنه يزيد وينقص في الحديث، وعلل ذلك بأنه قد كبر وسمن.
وقال سليمان بن حرب: إنه أخطأ في عامة حديثه عن أيوب.. وكان من أعداء أهل البيت "عليهم السلام"، وكان يدلس كما عن جامع ابن الأثير([104]).
4 ـ يحيى بن سعيد الأنصاري:
يحيى بن سعيد الأنصاري قاضي المدينة والذي أقدمه المنصور وولاه القضاء بالهاشمية أو بغداد. متهم بالتدليس، اتهمه بذلك الدمياطي ويحيى بن سعيد القطان([105]).
5 ـ إسحاق بن راشد:
قال ابن معين: إنه ليس في رواية الزهري بذاك.
وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه.. واعترف هو: أنه لم يلق الزهري، وإنما يحدث من كتاب له وجده ببيت المقدس.
وقال الذهبي: إن في حديثه عن الزهري اضطراباً شديداً.
وقال النسائي: ليس بذاك القوي([106]).
6 ـ إسماعيل بن رافع:
إسماعيل بن رافع ـ الذي كان قاصاً ـ .
قال عمر بن علي: منكر الحديث، في حديثه ضعف.
وقال أحمد: ضعيف.
وقال في رواية عنه: منكر الحديث.
وقال ابن معين: ضعيف.
وفي رواية الدوري عنه أنه قال: ليس بشيء.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث.
وقال الترمذي: ضعفه بعض أهل العلم.
وقال النسائي: متروك الحديث.
وقال مرة: ضعيف.
وقال مرة: ليس بشيء، ومرة: ليس بثقة.
وقال ابن خراش والدارقطني، وعلي بن الجنيد: متروك.
وقال ابن عدي: أحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء.
وقال العجلي: ضعيف الحديث.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم.
وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب في الرواية عنه.
وقال البزار: ليس بثقة، ولا حجة، وضعفه أبو حاتم، والعقيلي، وأبو العرب والمقدمي، ومحمد بن عبد الله بن عمار، وابن الجارود، وابن عبد البر، وابن حزم، والخطيب، وأبو داود، وغيرهم([107]).
7 ـ عطاء الخراساني:
ذكره البخاري: في الضعفاء.
وقال سعيد بن المسيب: كذب علي عطاء، ما حدثته هكذا.
وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ، يخطئ ولا يعلم، فبطل الاحتجاج به([108]).
وذكره ابن الجوزي في الضعفاء وقال ابن حجر: يهم ويخطئ ويدلس. ونسبه سعيد بن المسيب إلى الكذب([109]).
8 ـ صالح بن أبي الأخضر:
قال ابن معين: ليس بالقوي.
وقال مرة: ضعيف.
وقال الجوزجاني: اتهم في أحاديثه..
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث.
وقال البخاري، والنسائي: ضعيف.
وقال الترمذي: يضعف في الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره.
وقال ابن عدي: في بعض حديثه ما ينكر، وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم، وذكره الفسوي في باب من يرغب في الرواية عنهم، وكنت أسمع أصحابنا يضعفونهم.
وقال الدارقطني: لا يعتبر به.
وقال المروزي: لم يرضه أحمد، إلى آخر ما هنالك([110]).
9 ـ معاوية بن يحيى الصدفي:
الذي كان على بيت المال بالري من قبل المهدي العباسي.
قال يحيى بن معين: هالك، ليس بشيء.
وقال الجوزجاني: ذاهب الحديث.
وقال أبو زرعة: ليس بقوي، أحاديثه كأنها منكرة..
وقال أبو حاتم: ضعيف في حديثه إنكار.
وقال أبو داود، والنسائي، وأبو علي النيسابوري: ضعيف.
وقال النسائي أيضاً: ليس بثقة.
وقال في موضع آخر: ليس بشيء.
وقال ابن عدي: عامة رواياته فيها نظر.
وقال الحاكم أبو أحمد: يروي عنه الهقل بن زياد، عن الزهري أحاديث منكرة، شبيهة بالموضوعة.
وقال الساجي: ضعيف الحديث جداً، وكان اشترى كتاباً للزهري من السوق، فروى عن الزهري..
وقال أحمد بن حنبل: تركناه([111]). إلى آخر ما هنالك..
10 ـ ابن أبي عتيق:
قال ابن حبيب: "..وحد مروان أيضاً: ابن أبي عتيق. واسمه: عبد الله، بن محمد، بن عبد الرحمن، بن أبي بكر، في الخمر، فلقيه أبو قتادة بن ربعي الأنصاري، بعدما ضرب، فقال: يا ابن أخي، ما صنع بك في خُليْلة ضربوك؟
فقال: كلا والله يا عمرو، إنها لصهباء من داروم، أو بابلية، أو من بلاس، بلد بها الخمور، فقال أبو قتادة: فلا أراهم إذن ظلموك.."([112]).
وقد قالت فيه امرأته، وهي أعرف الناس به:
أذهبـــت مــالـك غـيـر مـتّـرك في كـل مـومـســة وفـي الخـمر([113])
كل ما تقدم كان استطراداً في مناقشة سند بعض ما روي عن الزهري في غير الصحاح الستة.. والباقون من الرواة عنه: إما مجهول، وإما لا يمكن الاعتماد على روايته. إما لضعفه في نفسه، وإما لضعف من يروي عنه..
فالراوون عن الزهري إذن تُرد بضاعتهم إليهم، ولسنا على ذلك من النادمين..
ومن رواة حديث الإفك عن عائشة، من غير طريق الزهري:
1 ـ الأسود بن يزيد:
وقد كان يقع في علي "عليه السلام" عند بعض أمهات المؤمنين. ومات على ذلك.
وقالت امرأة مسروق بن الأجدع: إنه كان يفرط في سب علي "عليه السلام"، وبقي على ذلك حتى مضى لشانه.
وعده الثقفي من فقهاء الكوفة الخارجين عن طاعة علي "عليه السلام"، ومن أهل العداوة والبغض له([114]).
2 ـ مقسم مولى ابن عباس:
ممن روى ذلك عن عائشة في غير الصحاح ـ باختصار ـ قال ابن حزم: ليس بالقوي.
وقال الساجي: تكلم بعض الناس في روايته.
وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفاً.
وذكره البخاري في الضعفاء، وقال في التاريخ الصغير: لا يعرف لمقسم سماع من أم سلمة، ولا ميمونة، ولا عائشة([115]).
3 ـ أفلح مولى أبي أيوب:
وهو لم يحضر قضية الإفك، لأنه من سبي أبي بكر من عين التمر، فروايته مرسلة.
4 ـ سفيان بن وكيع:
روى عنه ابن جرير قضية الإفك، عن علقمة بن وقاص. وسفيان هذا لا يمكن الاعتماد عليه أصلاً..
فقد قال عنه البخاري: يتكلمون فيه لأشياء لقنوه.
وقال أبو زرعة حينما سئل عنه: لا يشتغل به وكان يتهم بالكذب.
وذهب إليه أبو حاتم وجماعة من مشايخ أهل الكوفة، ونصحوه، وأخبروه أن ورّاقه يدخل بين حديثه ما ليس منه.. ولكنه لم يفعل شيئاً.
وقال النسائي: ليس بثقة. وفي موضع آخر: ليس بشيء.
إلى غير ذلك مما لا مجال لاستقصائه([116]).
5 ـ محمد بن المثنى:
روى عنه البخاري قضية دخول ابن عباس على عائشة عند موتها الخ..
وقد قال فيه صالح بن محمد: صدوق اللهجة، وكان في عقله شيء.
وقال النسائي: لا بأس به، كان يغير في كتابه([117]).
6 ـ بندار:
في رواية الترمذي وأبي داود، وابن ماجة ـ وهو محمد بن بشار ـ قال عبد الله بن محمد بن سيار: سمعت عمرو بن علي يحلف: أن بنداراً يكذب فيما يروي عن يحيى. وكان يحيى بن معين، لا يعبأ به ويستضعفه.
وكان القواريري لا يرضاه وقال: كان صاحب حمام، وسئل ابن المديني عن حديث رواه بندار، فقال: هذا كذب. وأنكره أشد الإنكار.. إلى غير ذلك([118]).
7 ـ ابن أبي مليكة:
وأما رواية البخاري، عن ابن أبي مليكة: أن ابن عباس دخل على عائشة حين موتها ومدحها بما تقدم، فهي رواية لا يمكن الاعتماد عليها، فإن ابن أبي مليكة كان مؤذناً لعبد الله بن الزبير وقاضياً له([119]).
هذا عدا عن أن الرواية مرسلة، إذ قد أورد هذه الرواية ابن سعد، وأحمد، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان، فأسقط البخاري ذكوان من سند الرواية، أو أنه أسقط غيره لا ندري، فتكون مرسلة لا حجة فيها، لأن ابن أبي مليكة لم يشهد ذلك ولا سمعه من ابن عباس حال قوله لعائشة من دون توسط ذكوان أو غيره([120]).
ووجه العسقلاني ذلك: بأن من المحتمل أن يكون شهد ذلك لكنه نسيه، فذكره به ذكوان([121]).
وبقي في المقام كلمات بعض التابعين، كالضحاك، ومجاهد، وابن سيرين، وأضرابهم حول كون حديث الإفك في عائشة.. ويكفي إرسالها ضعفاً فيها، فضلاً عن سوى ذلك.
خلاصة جامعة:
وحسبنا ما ذكرناه حول أسانيد روايات الإفك، فإن فيما ذكرناه مقنعاً للمنصف الخبير، والناقد البصير..
وتكون النتيجة بعد تلك الجولة هي: أنه لا روايات الصحاح، ولا غيرها يصح الاعتماد عليها سنداً لإثبات حديث الإفك، ونسبته إلى عائشة.. وإن غالب ما ورد في ذلك إما مرسل، أو معلق، أو منقطع.. والمتصل منه ضعيف السند، لا يصح الاعتماد عليه..
وقد اتضح أيضاً: أن عمدة تلك الأحاديث، وجلها إن لم يكن كلها ينتهي إلى عائشة، ويبدأ بها.. وفضلاً عن أنها جميعاً لم تسلم أسانيدها من الطعن والتضعيف: فإننا قد وجدناها متناقضة متباينة كما سيتضح..
ولعله يجوز لنا هنا أن نسأل: إن قضية بهذه الأهمية، وحصل لها مثل ذلك الشيوع والاشتهار، حتى لم يبق بيت، ولا ناد، إلا طار فيه، حتى إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد خطب الناس لأجلها مرتين، ونزلت فيها آيات قرآنية كثيرة، نعم، إن قضية هذا حالها، كيف لم ترو إلا عن عائشة؟ أو على الأقل لا يمكن إثباتها إلا من قبلها؟! إن ذلك لعجيب حقاً!! وأي عجيب!!..
وأخيراً.. وإذا جاز للزهري: أن يتهم عائشة، وعروة على بني هاشم وعلي "عليه السلام"، وينسب إليها: أنها لا تتورع من أن تنسب لهم ما ليس بحق، بدافع من حقدها عليهم، وبغضها لهم.
فلماذا لا نجيز نحن لأنفسنا: أن نحتمل أن حب عائشة لنفسها، أو على الأقل حب أتباعها لها، وبغضهم لعلي ولا سيما عروة بن الزبير، وذكوان، ومسروق بن الأجدع ومن هو منها بسبب، أو بسبيل، قد دفعهم إلى نسبة القضية لعائشة وتزيدوا فيها ما شاءت لهم قرائحهم، على اعتبار: أن ذلك يرفع من شأن عائشة، لنزول آيات قرآنية فيها من جهة.. ويحرم علياً من فضل كشفه لحقيقة الإفك التي جرت لمارية، ويبرئ أقواماً قد دنسوا أنفسهم فيها؟
ولهذا نلاحظ: حرص رواية عائشة على اتهام علي "عليه السلام" بمجانبة الحق واتباع الهوى، ولهذه القضية نظائر كثيرة.
وعلى كل حال.. فإننا سوف نرجئ إصدار حكم قاطعٍ في ذلك بعد النظر في متون روايات الإفك هذه، والتدبر فيها؛ فإلى الفصول التالية.
الفصل الثالث:
لا حافظة لكذوب (تناقض الروايات)
بـدايـة:
إن من أمعن النظر في روايات الإفك المتقدمة، وغيرها، يجد التناقض والاختلاف الكثير الكثير فيما بينها واضحاً بيناً.. حتى إنه ليجد طائفة من هذه الاختلافات والتناقضات في الرواية الواحدة.. بل إننا نستطيع أن نؤكد أن كل كلمة فيها قد وقع الاختلاف والتغيير فيها، كما لا يخفى على من يراجع الروايات.
وحيث إن استقصاء ذلك يستدعي إسهاباً في القول، ووقتاً طويلاً، فقد آثرنا أن نقتصر على موارد محدودة من هذه التناقضات والاختلافات لنعرضها على سبيل المثال، لا الحصر.. ونترك بقية ذلك إلى من يهمه الأمر، وتقتضي حاجته الاستقصاء فنقول:
1 ـ اختلفت الروايات فيمن تولى كبر الإفك:
فبعضها يقول: هو عبد الله بن أبي فقط كمجاهد وغيره([122]).
وبعضها يقول: هي حمنة.
وفي رواية أنهم: ابن أُبي، وحسان، ومسطح([123])..
وثالث يذكر: أنهم حسان، ومسطح، وحمنة([124]).
ورابع يذكر ـ وهو قتادة ـ : "أن الذي تولى كبره رجلان من الصحابة، أحدهما من قريش، وآخر من الأنصار"([125]).. ونظن أن المقصود هو: ابن أُبي، ومسطح ـ أو علي ـ .
وخامس يقول: الذي تولى كبره هو حسان، كما في رواية مسروق، عن عائشة.
وعند ابن هشام: أنه ابن أُبي في رجال من الخزرج([126]) ومسطح، أو حسان، ومسطح([127]).
وعند الطبراني هم: ابن أُبي، ومسطح، وحسان، وحمنة([128]).
وبنو أمية يقولون: هو علي "عليه السلام"..
2 ـ واختلفت أيضاً الروايات فيمن جلد الحد:
فبعضها يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" أمر برجلين وامرأة فجلدا الحد، وفسر الرجلان بحسان، ومسطح، والمرأة بـ "حمنة".
وورد التصريح بذلك في روايات أخرى، وكتب السير والتاريخ تميل عموماً إلى هذا..
وصرح البعض: بأن ابن أُبي لم يجلد([129]).
ويذكر البعض بدل حمنة: "أم حسنة" بنت جحش([130]). ولربما تكون أم حسنة كنية لحمنة..
وبعضها يقول: إنه ضرب ابن أُبي حدين، وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة، فضربهم ضرباً وجيعاً، ووجئ في رقابهم..
وبعضها، وهي رواية أبي اليسر: لا تذكر الوجأ في الرقاب([131]) كما أنها لم تذكر حسان بن ثابت.
وذكر ابن حبيب أسماء من حدّ من قريش، فقال: "حد رسول الله "صلى الله عليه وآله" مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف، وهو ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قذفه عائشة رضي الله عنها بالإفك"([132]).
لكن ذلك لا يعني أنه لم يُحد أحد من الأنصار.
وذكر المفيد: ضرب حسان الحد([133]).
وفي بعضها: أنه أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدين.
وبعضهم: يقتصر على ذكر حسان ومسطح، ولا يذكر حمنة([134]).
والبعض يذكر: أنه ضرب الأربعة، حسان، ومسطح، وابن أُبي، وحمنة ثمانين ثمانين([135])..
وبعضها يضيف إليهم: زيد بن رفاعة([136]).
وذكرت رواية أخرى: ثلاثة جلدوا ثمانين، ولم تذكر ابن أُبي([137]).
ويضيف البعض: عبيد الله بن جحش أيضاً([138]).
وأضيف أيضاً: عبد الله بن جحش.
ويقول البعض، والعبارة لابن عبد البر: "..وأنكر قوم أن يكون حسان خاض في الإفك، وجلد فيه".
وروي عن عائشة: أنها برأته من ذلك.. ثم ذكر أنها قالت في حال الطواف لأم حكيم ورفيقتها: "بل لم يقل شيئاً"([139]).
وقال الدياربكري: وفي السمط الثمين، قال أبو عمر: وهذا عندي أصح، لأنه لم يشتهر جلد حسان، ولا عبد الله، ولا من اشتهر من الجميع([140])..
وأخرج البيهقي عن فليح بن سليمان، قال: وسمعت ناساً من أهل العلم يقولون: إن أصحاب الإفك جلدوا الحد، ولا نعلم ذلك فشا([141])..
وصحح الماوردي: أنه لم يجلد أحد([142])..
وقال ابن الأثير عن حمنة: "فقال بعضهم: إنها جلدت مع من جلد، وقيل: لم يجلد أحد"([143]).
وقال الواقدي: "قال أبو عبد الله: ويقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يضربهم، وهو أثبت عندنا"([144]).
3 ـ بعض تلك الروايات يقول: إن براءة عائشة، والوحي نزل في حضور عائشة، وإنه "صلى الله عليه وآله" بشرها ببراءتها في نفس ذلك المجلس، بعد أن طلب منها الإقرار به والتوبة..
وفي بعضها عن عائشة: "أنها لم تكن حين نزول براءتها، وإنما أمر النبي "صلى الله عليه وآله" أبا بكر أن يأتيها ويبشرها، فجاء يعدو يكاد يعثر"([145]).
4 ـ وأما من الذي قرأ آية البهتان العظيم، فهو أيضاً غير واضح، فبعضها يقول: إنه أبو أيوب..
وبعضها يضيف: زيد بن حارثة..
وثالثة: تنسب ذلك إلى سعد بن معاذ..
ورابعة: تنسب ذلك إلى رجل أنصاري دون تعيين..
وخامسة: إنه أسامة بن زيد..
وسادسة: إنه أبي بن كعب..
وسابعة: إن قتادة بن النعمان هو الذي قال ذلك..
واحتمال أن يكون كل واحد من هؤلاء قد قرأ هذه الآية، لكن كل راو قد أخبر بما رآه أو بما بلغه.. غير مقبول، لأن ظاهر سياق الروايات هو: أن الذي قال ذلك هو واحد بعينه في حادثة بخصوصها.
5 ـ بعض الروايات يقول: إن زيد بن حارثة كان حياً حينئذٍ، وأنه قال: سبحانك هذا بهتان عظيم..
وبعضها يقول: إنه كان قد توفي..
6 ـ ظاهر طائفة من الروايات كرواية ابن إسحاق: أنها خرجت وحدها في تلك الغزوة، حيث تقول: أقرع بين نسائه فخرج سهمي عليهن.
ويقول مغلطاي، والسمهودي، وفي رواية الواقدي، وحديث ابن عمر([146]): أنها خرجت هي وأم سلمة.
7 ـ رواية تقول: إنها فقدت قلادتها، فحبسها ابتغاءها..
وأخرى تقول: انفرط نظام قلادتها، فاحتبست في جمعها ونظامها.
8 ـ رواية تقول: إنها بعد عودتها من قضاء حاجتها يممت منزلها فمكثت فيه، على أمل أن يعودوا إليها إذا فقدوها..
ورواية ابن عمر تقول: إنها تبعتهم حتى أعيت، فقامت على بعض الطريق، فمر بها صفوان([147]).
9 ـ رواية تقول: إن صفوان ركب، وأردفها خلفه كما في مرسل مقاتل..
وأخرى تقول: ركبت الراحلة، وكان صفوان يقودها..
10 ـ رواية تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" استشار علياً وأسامة، وقرر بريرة، ثم ذهب إلى المسجد، وخطب الناس..
وأخرى تقول: إنه ذهب إلى المسجد قبل ذلك..
11 ـ رواية تقول: إنه صعد المنبر، واستعذر من ابن أبي، قبل أن تعلم عائشة بالأمر([148]).
وبعضها يقول: إنها علمت بالأمر، وذهبت إلى أهلها، وكان ما كان من بكاء أبي بكر، وسائر أهل الدار، فبلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله" فاستعذر ممن يؤذيه.
ورواية تقول: إنها علمت الأمر قبل ذهابها لبيت أهلها، فاستأذنت بالذهاب إليهم لتستيقن الخبر منهم.
وأخرى تقول: بل علمت بالأمر بعد ذهابها إليهم.
12 ـ وثمة رواية تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" بعد أن استعذر عاد إلى عائشة، وحاول تقريرها، وهذا يتناقض مع استعذاره من ابن أبي، وإظهاره حسن ظنه بصفوان في المسجد.
13 ـ بعض الروايات تقول: إنها لما وصلت إلى أمها وكلمتها في الأمر، سمع أبو بكر، فأقسم عليها أن ترجع إلى بيتها فرجعت.. ونزلت براءتها في بيتها عند النبي "صلى الله عليه وآله".
ورواية مقاتل تقول: إن أباها طردها كما طردها الرسول، فانطلقت تجول لا يؤويها أحد، حتى أنزل الله عذرها([149]).
وتناقضها رواية أخرى تقول: إن أبا بكر رفض إيواءها، فأمره الرسول "صلى الله عليه وآله" أن يؤويها ففعل.
14 ـ ورواية تقول: إنها علمت بالأمر من أم مسطح، ثم ذهبت إلى أمها لتستيقن الخبر.
وأخرى تقول: إن أمها كانت حاضرة حينما علمت بالأمر من المرأة الأنصارية.
15 ـ وواحدة تقول: إن أم مسطح المهاجرية أعلمتها بالأمر في طريقها إلى المناصع ذهاباً، أو إياباً.
وأخرى تقول: علمت بذلك من أنصارية، وأمها كانت عندها.
ومن المضحك المبكي هنا محاولة العسقلاني رفع التنافي بالقول: بأنها علمت أولاً من أم مسطح، فذهبت إلى أمها لتستيقن الخبر، فأخبرتها مجملاً، ثم جاءت الأنصارية، فأخبرتها بمثل ذلك، بحضرة أمها([150]).. فإن ذلك لا شاهد له، ولا سيما بملاحظة: خصوصيات الروايات الأخرى، كما لا يخفى على من راجعها.. وبملاحظة: أن الأنصارية قد أخبرت عائشة بالأمر في بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، لا في بيت أمها.. وأنها غشي عليها لما علمت بالأمر من الأنصارية. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.
16 ـ وعن أحوال مرضها، رواية تقول: إنها مرضت بضعاً وعشرين ليلة([151]).
ورواية الزهري تقول: مرضت شهراً كاملاً.
وثالثة: سبعاً وثلاثين يوماً، كما حكاه السهيلي عن بعض المفسرين، وكذا الحلبي.. وعند ابن حزم: أن مدة المرض كانت خمسين يوماً أو أزيد!!
وجمع العسقلاني: بأن رواية الزهري قد ألغت الكسر الذي في غيرها.. ورواية الخمسين، أو الأكثر: هي المدة التي كانت بين قدومهم المدينة، ونزول القرآن ببراءتها..
وأما التقييد بالشهر: فهو المدة التي أولها إتيان عائشة إلى بيت أبويها([152]).
ولكن قد فاته: أن نزول القرآن بالبراءة قد كان بعد قدومها بيت أبويها بمدة قليلة جداً أي ليلتين ويوماً، كما نصت عليه الرواية الأولى وفي الثانية ليلة واحدة..
ولم يعرفنا العسقلاني: أي الكسرين هو الصحيح؟ هل هو كسر البضع والعشرين؟ أم كسر السبع والثلاثين؟
وقوله في وجه ذكر الخمسين: لم يقم على صحته دليل، بل هو محض تخرص، ورجم بالغيب.
17 ـ وثمة رواية تقول: إنها خرجت بعد أن نقهت، أي برئت من مرضها..
ونفس الرواية تعود فتقول: فازددت مرضاً على مرضي.
ورواية تقول: أنها وعكت ومرضت عندما أخبرتها أم مسطح بالأمر.. ولم تكن قبل ذلك تجد شيئاً.
وواحدة تقول: أخذتها الحمى النافض، عندما أخبرتها أم مسطح، قبل أن تصل إلى بيتها.
وأخرى تقول: أخذتها الحمى في البيت حينما أخبرتها الأنصارية.
18 ـ واحدة تقول: إنها نقهت من مرضها، ثم ذهبت إلى بيت أبيها.
وأخرى تقول: إنها ذهبت، ثم مرضت([153]).
19 ـ وهناك رواية تقول: إن علياً "عليه السلام" أشار على النبي "صلى الله عليه وآله" بسؤال بريرة.
وأخرى تقول: إن الذي أشار بذلك هو: أسامة بن زيد، وعلي أشار بطلاقها([154]).
20 ـ وأيضاً، رواية تقول: إن علياً "عليه السلام" أشار بطلاقها..
وأخرى تقول: إنه أشار ببراءتها، ولم يذكر عن الطلاق شيئاً..
21 ـ رواية تقول: إن أم مسطح عثرت قبل قضاء عائشة حاجتها.. وأنها بعد أن علمت بالأمر رجعت دون قضاء حاجتها، كأن الذي خرجت له لا تجد منه قليلاً ولا كثيراً..
ورواية أخرى تقول: إنها عثرت بعد قضاء الحاجة في حال رجوعها.
22 ـ وأيضاً فإن رواية تقول: إنها أخبرتها من حين العثرة الأولى.
ورواية علقمة([155]): أنها أخبرتها في الثانية..
ورواية ثالثة تقول: بعد الثالثة..
23 ـ وأيضاً رواية تقول: عثرت في مرطها..
وأخرى تقول: وقع السطل من يدها..
وثالثة: إنها وطئت على عظم أو شوكة([156])..
24 ـ وأيضاً رواية: أنها ذهبت إلى المناصع مع أم مسطح من بيت أبي بكر([157]).
وأخرى تقول: من بيت النبي "صلى الله عليه وآله"([158])..
25 ـ هناك رواية تذكر: خروجها مع نساء منهن أم مسطح.
ورواية أخرى: تقتصر على ذكر أم مسطح التي حملت لها الأداوة إلى المناصع.
26 ـ وأما ما جرى بعد رحيل الجيش، فإن ثمة رواية تقول: والله ما كلمني بكلمة، ولم أسمع غير استرجاعه.
وبعضها يذكر: أنه سألها عن سبب تخلفها عن الجيش، فأخبرته بأمر القلادة، وكلاماً غير ذلك.
وثالثة تقول: إنه سألها فلم تجبه.
27 ـ رواية تقول: إن البراءة أتتها وهي في بيت النبي "صلى الله عليه وآله".
وأخرى تقول: أتتها البراءة وهي في بيت أبيها.
وحاول العسقلاني الجمع: بأن أبويها جاءا إليها في المكان الذي هي فيه: وهو بيت أبيها نفسه([159]).
ونحن لا ندري كيف يمكن فهم كلام العسقلاني هذا، فمن فهم منه شيئاً فليتفضل علينا به، وله مزيد الشكر، إذ أننا نجد التصريح في الروايات بأن أباها امرها بالعودة إلى بيتها.
وفي أخرى: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمره بإيوائها.
وكلا الروايتين لا تنسجم مع كلام العسقلاني.
28 ـ رواية تقول: إن صفوان قد عرفها فور رؤيته لها، لأنه كان يراها قبل ضرب الحجاب.
ورواية ابن عباس، وأبي هريرة، تقول: إنه ظنها رجلاً، ولم يعرفها حتى عرفته بنفسها.
29 ـ في رواية ابن عمر: أنها استأذنت الرسول "صلى الله عليه وآله" أن تأتي أهلها فأذن لها وأرسل معها الغلام.
مع أن الرواية نفسها تنص على أنها قالت لأبيها: إن النبي "صلى الله عليه وآله" طردها. فرفض أبو بكر حينئذ إيواءها.
وقال: أؤويك وطردك رسول الله؟! فلم يؤوها.. حتى طلب الرسول "صلى الله عليه وآله" منه ذلك، ففعل.
فإذا كان الرسول "صلى الله عليه وآله" قد طردها حقاً.. فلماذا تقول: إنها استأذنته، فأذن لها، وأرسل معها الغلام؟! وإن كان الرسول لم يطردها، فلا بد من التأمل في الدوافع التي دفعتها لأن تخبر أباها بغير الحقيقة.
30 ـ لقد اختلفت الروايات في من استشارهم الرسول "صلى الله عليه وآله" في أمر الإفك، فذكرت تلك الروايات كلاً أو بعضاً: الأسماء التالية: عمر، عثمان، أم أيمن.
وفي رواية: أنه "صلى الله عليه وآله" سأل زينب بنت جحش عن أمرها.
وفي أخرى: أنه سأل زيد بن ثابت.
ولكننا نجد: أن رواية ابن عمر المتقدمة تصرح بأنه "صلى الله عليه وآله" إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد علياً وأسامة!!
31 ـ وبعضها يقول: إن عائشة سألت أمها عن علم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالأمر، فأخبرتها.
وأخرى تقول: إن المسؤول والمجيب، هو المرأة الأنصارية بحضور أم رومان.
32 ـ وفي بعضها: أنه قد هجرها القريب والبعيد، حتى الهرة.
وفي بعضها: أن أبويها، ولا سيما أمها، كانا عندها يخففان من مصابها، وأن امرأة من الأنصار كانت تبكي حالها، وكذا أم مسطح..
بل في بعضها: أن الهرة أيضاً كانت تبكي حالها([160])..
33 ـ وثمة رواية تقول: إنها لما خاض الناس في الإفك أرسل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى عائشة قالت: "فجئت وأنا انتفض من غير حمى"([161]).
فسألها عما يقول الناس: فقالت: إنها لا تعتذر حتى ينزل عذرها من السماء.
وفي رواية أم رومان: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه قد جاء فوجدها قد أخذتها حمى بنافض، لأنهم أخبروها بقول أهل الإفك، فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني..
إلى أن تقول: وانصرف ولم يقل شيئاً، فأنزل الله عذرها.
34 ـ وفي رواية: أنه لما استعذر رسول الله "صلى الله عليه وآله" ممن أفك على أهله، تثاور الحيان الأوس والخزرج، فلم يزل يخفضهم وهو قائم على المنبر حتى سكتوا وسكت.
وظاهر رواية ابن عمر عن عائشة أيضاً ذلك.
لكن رواية أخرى تقول: إن الأوس والخزرج تواعدوا في الحرة، فلبسوا السلاح، وخرجوا إليها، فأتاهم النبي "صلى الله عليه وآله" هناك([162]).
35 ـ وثمة نص يقول: إنها بكت ليلتين ويوماً.
ونص آخر يقول: إنها بكت يومين وليلتين([163]).
36 ـ وفي رواية: "أنه "صلى الله عليه وآله" دخل عليها وقد اكتنفها أبواها عن يمينها وعن شمالها، فسألها، فأجابته، فنزل الوحي ببراءتها"..
وفي أخرى: "أنه "صلى الله عليه وآله" دخل بيتها، وبعث إلى أبويها، فأتياه، فحمد الله، وأثنى عليه الخ.."([164]).
37 ـ ثم هناك رواية تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد فوض علياً "عليه السلام" تقرير بريرة، فقررها.
وأخرى تقول: إنه هو "عليه السلام" والنبي "صلى الله عليه وآله" معاً خليا بجاريتها يسألانها عنها([165]).
ورواية ثالثة تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" هو الذي سأل بريرة فبرأتها.
ختام:
وحسبنا ما ذكرناه هنا.. فإن استقصاء كل ذلك صعب، ويحتاج إلى وقت طويل، وصبر جميل.. ولا سيما إذا أردنا تتبع الاختلاف فيما يؤثر من الأقوال والأفعال.. فإنك تكاد لا تجد صيغة واحدة متفقاً عليها، حتى في روايات الراوي الواحد.
فإن رواية الزهري من طريق فليح تختلف اختلافاً بيناً عنها من طريق صالح بن كيسان مثلاً.
وعلى كل حال.. فإن الاختلاف لا يكاد يخفى على المتتبع الخبير، والناقد البصير.. وفيما ذكرناه كفاية.
الفصل الرابع:
عائشة.. في حديث الإفك
توطئة، وبيان:
إن عائشة هي بطلة حديث الإفك، ويبدو لكل متأمل: أن ثمة عناية ظاهرة بإزجاء الإطراء، والمديح، وتسطير الفضائل الكثيرة لها في هذه المناسبة.
وقد حفلت فصول هذا الكتاب بالكثير من الدلائل على ذلك.. وفي فصول أبواب حديث الإفك دلائل كثيرة ايضاً..
غير أن ذلك لا يغني عن عقد هذا الفصل الذي نورد فيه بعض الأمور التي احتاجت إلى بعض البيان لوجه الحق فيها، بالإضافة إلى التذكير بأمور تضمنها حديث الإفك بالذات..
مع العلم بأن في هذا الكتاب مناقشات قوية، تؤكد بصورة قاطعة وجازمة عدم صحة كل تلك الفضائل المدعاة..
ونحن نجمل ما أوردنا تفصيله أو إجماله في هذا الفصل مما يرتبط بحديث الإفك على النحو التالي..
1 ـ تاريخ حديث الإفك:
إن قضية الإفك التي نتحدث عنها قد كانت في غزوة المريسيع بالإجماع.
وقد تقدم: أن هذه الغزوة قد كانت سنة ست([166])، وقيل: سنة خمس، وقيل: أربع..
وقد ذكرنا تفصيل ذلك كله، ومن قال بهذا أو بذاك، وأثبتنا: أن القول الأول هو الصحيح في الجزء السابق من هذا الكتاب([167]) فأغنى ذلك عن إيراده هنا.
2 ـ عمر عائشة:
قد ذكرت روايات الإفك: أن عائشة كانت حين قضية الإفك جارية حديثة السن، لا تقرأ كثيراً من القرآن، وأنها كانت تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله.
ونقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، فقد ذكرنا في مجلد سابق من هذا الكتاب: أنها لم تكن جارية حديثة السن حين قضية الإفك، بل كان عمرها حين تزوجها الرسول حوالي عشرين سنة، إن لم يكن أكثر من ذلك بكثير، بدليل أنها أسلمت في أول البعثة، بعد ثمانية عشر إنساناً فقط، بالإضافة إلى أمور أخرى ذكرناها هناك، فراجع..
3 ـ جهل عائشة.. وفطنتها:
ثم إنهم من أجل التأكيد على حداثة سن عائشة، ادّعوا:
1 ـ إنها كانت في ذلك الوقت لا تقرأ كثيراً من القرآن..
2 ـ إنها كانت تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله، على حد التعبير المنسوب إلى بريرة.
ولنا مع هذا الكلام وقفات وتساؤلات، نوجزها كما يلي:
أولاً: إن من كان عمرها حوالي عشرين سنة، وقد مضى على وجودها في بيت الرسول "صلى الله عليه وآله" حوالي خمس أو ست سنوات، كيف لم تقرأ حتى الآن كثيراً من القرآن؟!
ثانياً: إذا كانت في قلة الفطنة والوعي بحيث تنام عن عجين أهلها، حتى تأتي الداجن فتأكله، وهي بهذه السن العالية فمتى تجاوزت هذا الدور الطفولي الساذج يا ترى؟!
وكيف روت عن النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك القدر العظيم من الروايات، حتى لا يضارعها أحد في ذلك كثرة، اللهم إلا إن كان أبو هريرة؟!.
ثالثاً: هل كانت الجارية حديثة السن، التي تنام عن عجين أهلها، تحسن القيام بذلك الدور التي تنسبه لنفسها في حديث الإفك؟ ثم التكلم بتلك الكلمات القوية، ذات المغزى العميق التي يقال: إنها واجهت النبي بها وغيره؟!
هذا كله.. عدا عن مواقفها وأفعالها الذكية مع أم سلمة، وزينب بنت جحش، وسائر أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" بعد قضية الإفك وقبلها.
واحتمل العسقلاني: أن يكون قولها: وكنت جارية حديثة السن، يراد به: الإشارة إلى إقامة عذرها في حرصها على العقد، وتركها إعلامها أهلها، ولذا أعلمت النبي "صلى الله عليه وآله" بضياع عقدها في حادثة التيمم([168]).
ولقد فات العسقلاني:
أولاً: أن سياق الكلام ظاهر في أنها تقيم العذر على عدم التفاتهم لخفة الهودج، بسبب صغر حجمها الناشئ عن صغر سنها.
ثانياً: إن حادثة التيمم، كانت في نفس هذه السفرة أيضاً كما سيأتي. فكيف انتبهت هناك، وغفلت هنا، مع أنها في كلتيهما كانت لا تزال جارية حديثة السن؟!
4 ـ هزال عائشة المفرط:
ما ورد في الرواية: من أنهم رحلوا هودجها، ولم يشعروا بأنها لم تكن فيه بسبب هزالها وخفتها، يرد عليه:
أولاً: قد روي عن عائشة نفسها أنها قالت: "أرادت أمي تسمنني لدخولي على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فلم أقبل منها بشيء مما تريد حتى أطعمتني القثاء والرطب، فسمنت عليه أحسن السمن"([169]).
ثانياً: إننا نجد التصريح في الروايات: بأنها كانت في هذه الغزوة سمينة، فقد روى في الإمتاع، وروى الواقدي وغيرهما: أنه "صلى الله عليه وآله" تسابق في هذه الغزوة ـ المريسيع ـ مع عائشة، فتحزمت بقبائها، وفعل هو كذلك، ثم استبقا، فسبقها رسول الله، وقال لها: هذه بتلك التي كنت سبقتني، يشير إلى مسابقة أخرى سابقة([170]).
وينص ابن الجوزي: وأبو داود، وغيرهما: أنها كانت في الغزوة التي سبقها فيها النبي قد سمنت وحملت اللحم([171]).
إذن، فكيف تكون مهزولة تارة، حتى لا يحس بها حاملوها، وسمينة تحمل اللحم أخرى، حتى يسبقها النبي "صلى الله عليه وآله"؟!!
ثالثاً: مهما فرض فيها من ضعف البنية، وحتى لو فرضناها هيكلاً عظمياً فقط، فإن وزنها لا بد أن يكون 30 كيلو غراماً على الأقل..
وعلى هذا.. فكيف لا يشعر الذين يحملونها في هودجها، بأنها ليست فيه؟! إن ذلك لعجيب حقاً! وأي عجيب!!
ويتأكد العجب والغرابة.. حينما نجدهم يقولون: إن الذين كانوا يحملونها في هودجها لا يزيدون على رجلين، أحدهما أبو موهبة([172]) أو أبو مويهبة وحده([173]).
حدث العاقل بما لا يليق له، فإن لاق له، فلا عقل له.
ومن الطريف هنا قولهم: إن عائشة نفسها قد شعرت بعدم معقولية ولا مقبولية دعوى أن لا يشعر بها حاملوها، بسبب هزالها، وضعفها، فعللت ذلك بأن النساء كنّ يأكلن العلقة من الطعام.
ثم ادَّعت: أنها جارية حديثة السن لأجل ذلك ولغيره..
ولكن.. وبعد ما قدمناه، هل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!
4 ـ جمال عائشة المميز.
5 ـ حظوة عائشة عند رسول الله '.
6 ـ حسد ضرائرها لها وغيرتهن منها.
تنص الرواية على: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يحب عائشة، ولها حظوة عنده، وكانت حسناء جميلة.. وأن لها ضرائر حسدنها، فقلن فيها، وأكثرن عليها..
ونحن نقول:
قد تقدم أن جمال عائشة، ومحبة النبي "صلى الله عليه وآله" لها وغيرة زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" منها، وحسدهن لها لهو من الأمور التي لا يمكن أن تصح، والصحيح هو العكس تماماً، وهو الحقيقة التي كانت تؤلم عائشة، وكانت تسعى لإشاعة ما يناقضها.
وقد تقدم الحديث عن ذلك في بعض أجزاء هذا الكتاب([174])، فلا مجال لإعادته هنا.
فلا معنى لما تدَّعيه لنفسها من جمال ووضاءة، ولا لما يُدَّعى لها: من بياض، فإنها كانت سوداء أو أدماء، وكانت أشبه الناس بأبيها، الذي لم يكن له حظ في الجمال، كما يظهر من وصفهم له.
أما تسميتها بالحميراء، فلعله كان لأجل صفرة أو حمرة في شعرها، فإذا انضم ذلك إلى أدمة الوجه، أو السواد فيه، فإن الأمر يصبح أكثر مجانبة للحالات الجمالية، لأنه يكون بعيداً كل البعد عن التناسق والانسجام.. ويصبح وصف الجمال له أشبه بالنكتة والدعابة.
وأما حظوتها، فقد عرفنا: أنها أيضاً بعيدة عن الحقيقة، وأن غيرتها من سائر نسائه "صلى الله عليه وآله"، ومن مارية لخير شاهد على ما نقول.. فلا وقع لدعواها: أن زينب بنت جحش وحدها هي التي كانت تساميها من بين سائر نسائه "صلى الله عليه وآله".
7 ـ الإفك في خصائص عائشة:
وقد ذكرت روايات الإفك التي رويت عن عائشة، وعن ابن عباس: أن عائشة قد اختصت بخصال: أربع، أو تسع، أو عشر، مثل:
أن الملك نزل إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بصورتها.
وكان يأتيه "صلى الله عليه وآله" الوحي، وهو معها في لحاف واحد.
وأنها رأت جبرائيل.
وأنه "صلى الله عليه وآله" قبض في بيتها، ولم يله أحد غيرها وغير الملك.
وأنها كانت أحب الناس إليه.
وأنه تزوجها لسبع، وبنى بها لتسع.
وأنها نزل عذرها من السماء، أو نزلت فيها آيات كادت الأمة تهلك فيها.
وأنه "صلى الله عليه وآله" لم يتزوج بكراً غيرها.
وأنه كان يصلي وهي معترضة بين يديه.
وأنها، وأنها..
فراجع: فصل: النصوص والآثار، الحديث رقم4 لتجد مصادر حديث خصائص عائشة هذه، والتي تضمنت الإشارة إلى حديث الإفك أيضاً.
ونقول:
قد تحدثنا في هذا الكتاب وفي غيره عن موضوعات عديدة تعرضت لها هذه الروايات.. وأثبتنا عدم صحتها.
فقد ظهر مثلاً عدم صحة قولها: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد تزوجها لسبع، وبنى بها لتسع.
وعدم صحة قولها: إنها كانت أحب الناس إليه، وأحظى نسائه عنده.
وعدم صحة قولها: إنها رأت جبرائيل، فإن من يرى جبرائيل يصاب بالعمى، كما هو معلوم.
وقد تحدثنا عن هذا الأمر فيما سبق([175]).
وقد أثبتنا أيضاً عدم صحة قولها: إن النبي "صلى الله عليه وآله" مات في بيتها، بل هو قد توفي في بيت فاطمة "عليها السلام"، ودفن فيه.
وقد أثبت علماؤنا الأبرار عدم صحة قولها أيضاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد مات في حجرها، بل هو قد مات في حجر علي.
وأما أنه "صلى الله عليه وآله" كان يصلي وهي معترضة بين يديه، فهذا من موجبات ذمها، لأن هذا سوء أدب منها معه "صلى الله عليه وآله".
هذا بالإضافة إلى ما أثبتناه في هذا الكتاب من عدم صحة حديث الإفك الذي نسبته إلى نفسها، وبالتالي فلا يصح قولها: إن الله قد أنزل عذرها من السماء، أو أنزل في حقها آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها. وتقصد بها الآيات التي تحدثت عن الإفك.
وأما دعوى: أن الملك قد نزل بصورتها للنبي "صلى الله عليه وآله"، فهي دعوى من تجرّ النار إلى قرصها، ولا تستطيع أن تجد من يشهد لها بصحتها، رغم: أن خديجة وغيرها من نساء النبي "صلى الله عليه وآله" اللواتي لم يظهر منهن أي شيء يؤذيه "صلى الله عليه وآله" أو يعكر عليه صفو حياته، ولم يظهر منهن أي بغض وأذى له، ولا خرجن على وصيه، ولا أظهرن الكره لسبطيه، إن هؤلاء أولى بهذا الإكرام وأحق بهذه العناية الإلهية، وقد كن جميعاً محسودات من قبلها كما عرفنا، من كل حدب وصوب، ونحسب أن ذلك كله يكفي لإثبات عدم صحة روايات الإفك، وكذلك الحال بالنسبة لروايات خصائص عائشة.
لم يتزوج بكراً غير عائشة:
بقي أن نشير إلى الشك الكبير الذي يراودنا فيما ذكرته روايات الإفك من أنه "صلى الله عليه وآله" لم يتزوج بكراً غير عائشة.. وهو الأمر الذي لم نزل نسمعها تردده على مسامع الناس، ويتبجح به محبوها؛ مع أن ذلك موضع شك وريب، كما يظهر من ملاحظة ما يلي:
أولاً: قد تقدم في هذا الكتاب ما يدل على أن السيدة خديجة قد تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهي بكر، إذ قد ظهر عدم صحة ما يدَّعونه من أنها قد تزوجت قبل النبي "صلى الله عليه وآله" بأحد من الناس.
فلا تصح دعوى عائشة: أنه لم يتزوج بكراً غيرها.
وربما يجد الباحث في حرص عائشة على إتحاف نفسها بهذا الوسام، وبغيره من أوسمة ثبت بطلان نسبتها إليها، وحرمان سائر نساء النبي "صلى الله عليه وآله" من أية ميزة ثبتت لهن، ربما يجد في ذلك ما يبرر الشك في أن تكون عائشة نفسها ومحبوها وراء الشائعات الباطلة عن زواج خديجة "عليها السلام" بغير رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثانياً: قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا أبو أسامة، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: "خطب النبي "صلى الله عليه وآله" عائشة إلى أبي بكر، وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم، فخلعها منه، فزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهي ابنة ست سنين الخ.."([176]).
فهو يصرح في هذا النص: بأنها كانت متزوجة برجل آخر قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" لا يمكن أن يقدم على خطبة امرأة متزوجة فإن هذا يعطينا: أن أبا بكر قد خلعها من زوجها، ثم عرضها على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وأما أن عمرها كان آنئذٍ ست سنين، فقد أثبتنا أنه غير صحيح، بل كان عمرها حين تزوجها الرسول "صلى الله عليه وآله" حوالي عشرين سنة، أو أكثر.
ثالثاً: قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن نمير، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: خطب رسول الله "صلى الله عليه وآله" عائشة إلى أبي بكر الصديق، فقال: يا رسول الله، إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم فاستسلّها منهم، فطلقها، فتزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله"([177]).
فهذا النص يصرح أيضاً بحدوث طلاقها بسبب: أن أبا بكر قد استسلها منهم.. وهو نص صريح لا مجال للمناقشة فيه.
وهو يدل على: أن الحديث عن خطبة النبي "صلى الله عليه وآله" لها، ما هو إلا تزوير أريد به إعطاء امتياز لعائشة، إذ لا يمكن أن يقدم النبي "صلى الله عليه وآله" على خطبة امرأة متزوجة، أو لا يعلم أنها خلية..
فالحديث عن طلاقها، ثم زواج النبي "صلى الله عليه وآله" منها، يدل على ما ذكرناه: من أن هذا الطلاق كان سابقاً على تلك الخطبة، ويؤيد ذلك:
ألف ـ ما روي عن ابن عباس: قال: خطب رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أبي بكر الصديق عائشة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قد كنت وعدت بها، أو ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم، ففعل، ثم تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكانت بكراً([178]).
ويظهر من هذا النص وهو قوله: "ذكرتها لمطعم بن عدي.. لابنه جبير" أن أبا بكر هو الذي كان قد عرضها على مطعم، لابنه جبير..
الأمر الذي يجعلنا نظن ـ كما سيأتي ـ: أن أبا بكر أيضاً هو الذي سعى بطلاقها من جبير، ليزوجها من رسول الله "صلى الله عليه وآله". وربما يجد في نفسه أكثر من سبب ومبرر لذلك.
ب ـ إن نصوصاً أخرى تتحاشى التعبير بكلمة "تزوجها"، وتلجأ إلى التعبير بأنها كانت مسماة له، فسلها أبو بكر سلاً رفيقاً([179]).
وبعضها يكتفي بالقول: بأنها كانت تذكر لجبير بن مطعم، وتسمى له([180]).
قال ابن الجوزي: "كانت مسماة لجبير بن مطعم، فخطبها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال أبو بكر: دعني حتى أسلها من جبير سلاً رفيقاً. فتزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بمكة الخ.."([181]).
ج ـ والنص الآنف الذكر مقتبس من الرواية التي تقول:
إن خولة بنت حكيم جاءت إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فعرضت عليه التزوج بعائشة، وبسودة بنت زمعة، فقال لها: فاذهبي فاذكريهما علي، فأتت أم رومان، فأخبرتها بذلك، فقالت أم رومان: وددت.
ثم إنها لما كلمت أبا بكر قال لها: "وهل تصلح له؟! إنما هي ابنة أخيه؟! فرجعت إلى الرسول فأخبرته، فقال "صلى الله عليه وآله": ارجعي إليه فقولي له: أنت أخي في الإسلام، وأنا أخوك، وابنتك تصلح لي.
فأتت أبا بكر فأخبرته، فقال لها: انتظريني حتى أرجع.
فخرج، حتى أتى المطعم بن عدي، وإذا امرأته عنده، فقالت العجوز له: لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه، وتدخله في دينك!!
فقال أبو بكر لزوجها: ما تقول هذه؟!
فقال: إنها تقول ذاك.
فخرج أبو بكر وقد أذهب الله العدة التي كانت في نفسه من عدته التي وعدها إياه فرجع، وقال لخولة: ادعي لي رسول الله، فدعته فجاء، فأنكحه([182]).
د ـ عن ابن أبي مليكة: "قال أبو بكر: كنت قد أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أسألها منهم، فاستلبثها"([183]). (لعل الصحيح: حتى أسلها منهم فاستلها).
وفسر البعض كلمة "مسماة على جبير": بأنها كانت مخطوبة لابنه من أبيها([184]).
ونستطيع أن نستفيد من النصوص المتقدمة عدة أمور، هي:
1 ـ لا ندري: كيف يبادر رجل لعرض ابنته على رجل مشرك، وقد قاطع المشركون المسلمين وحصروهم عدة سنوات، ومنعوا من التزوج منهم والتزويج لهم. فحتى لو لم يكن قد نزل من الله نهي عن إنكاح المشركين، وهو قوله تعالى: {..وَلاَ تُنكِحُواْ المُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ..} ([185])، فإن طبيعة الأمور تقضي بالترفع عن القبول بذلك، فضلاً عن قولهم: إن أبا بكر هو الذي ذكرها لهم، وعرضها عليهم!!.
فما معنى أن نقرأ في الروايات المتقدمة: أنه ذكرها لمطعم ليزوجها بابنه جبير، أو كانت مسماة له، أو أنه أعطاها له، أو وعده بها أو نحو ذلك؟!.
2 ـ هل كان من عادات أهل ذلك الزمان حقاً خطبة بناتهم سنوات، ثم يكون العقد، ثم يكون الزواج؟!! أم أن ذلك من خصوصيات عائشة التي يُدَّعى: أنها كانت صغيرة السن، وبعمر ست سنوات فقط!!
مع أن الصحيح هو: أن عمرها كان حوالي عشرين سنة أو اكثر من ذلك، حسبما حققناه في هذا الكتاب.
كما أننا نشك في: أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد تزوجها فور وفاة خديجة "عليها السلام"، لوجود ما يدل على أنه قد تزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين([186]).
بل قال بعضهم: إن هناك رواية تقول: إنه تزوجها في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة([187]).
3 ـ إذا كانت مسماة لجبير، أو معطاة له، أو أنه قد وعده بها، أو أنه كان قد تزوجها.. فكيف يخطب رسول الله "صلى الله عليه وآله" امرأة هذه حالها، ويرضى بأن تطلّق، أو بأن تخلع امرأة من زوجها؟!
بل كيف يرضى بأن يسلها أبو بكر حتى من خطيبها، المسماة له؟!..
وقد حاول البعض أن يعتذر عن ذلك: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد خطبها، لأنه لم يعلم بالخطبة، أو كان قبل النهي([188]).
ولكنه اعتذار بارد، ورأي فاسد.. فإن النصوص قد ذكرت: أنه قد أخبره بأنه وعد بها، أو ذكرها لفلان، ثم استمهله ليسلها منهم.
أضف إلى ذلك: أن نفس هذا التصرف مما تدرك الناس خروجه عن حدود اللياقات على الأقل، فهو مرفوض حتى لو لم يرد نهي عنه.
4 ـ إن الروايات تصرح: بأن أبا بكر هو الذي عرضها على الزواج الأول، ثم تصرح: بأنه كان يسعى لاستلالها منهم، ويصرح بعضها: بأنه خلعها، أو طلقها.. مما يعني: أن أبا بكر كان شديد الحرص على التفريق بينها وبين جبير.
فإذا ضممنا ذلك إلى قولهم: إن أم رومان قد عبرت عن فرحتها بقولها: "وددت" ثم قول بعضهم: "وفي رواية : أن أبا بكر استلها منهم قبل أن تخطبها خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون لرسول الله (صلى الله عليه وآله)"([189]).
فإذا ضممنا بعض ذلك إلى البعض الآخر، فإننا نسمح لأنفسنا بأن نحتمل: بأن أبا بكر كان هو الذي أرسل خولة بنت حكيم إلى رسول الله.. وبأنه قد خلعها من ذاك وطلقها منه، ليفرضها على رسول الله "صلى الله عليه وآله" لحاجة في نفسه قضاها.
5 ـ إن تلك الروايات تقول: إن أبا بكر قد تعجب من خطبة النبي لها، لتوهمه أنها لا تحل له لكونها ابنة أخيه.
ويرد عليه النبي "صلى الله عليه وآله": أن المراد بلا شك هو الأخوة في الإسلام والإيمان.
وحينئذ نقول: هل كان أبو بكر يظن: أنه لا يجوز للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يتزوج ابنة رجل مسلم.. لأن المؤمنين إخوة؟!
وإذا صح ذلك فهو يعني: أن لا يجوز زواج أي مسلم من أي مسلمة، لنفس السبب..
أو هل كان يظن: أنه أخ للنبي "صلى الله عليه وآله" بما هو أبعد من أخوة الإسلام؟! وكيف؟!
6 ـ إن ظاهر الروايات المتقدمة تارة هو: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه قد جاء لخطبة عائشة.
وتارة أخرى: أنه أرسل خولة بنت حكيم، فقامت بالمهمة، ثم هيأ أبو بكر الأمر وطلب منها أن تدعو الرسول "صلى الله عليه وآله" فدعته، فزوجه..
7 ـ إن هناك نصاً آخر يتحدث عن كيفية زواجه "صلى الله عليه وآله" بعائشة يفيد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" رأى عائشة على أرجوحة، فأعجبته، فأتى منزل أبي بكر، ولم يكن حاضراً، فقالت له أم رومان: ما حاجتك يا رسول الله؟
قال: جئت أخطب عائشة.
قالت: إن عندنا يا رسول الله من هي أكبر منها.
قال: إنما أريد عائشة.
ثم خرج. ودخل أبو بكر. فأخبرته أمها بما قال رسول الله، فخرج، فزوجها إياه([190]).
ويستوقفنا في هذا النص عدة أمور:
منها: مناقضته لسائر النصوص في أمور عديدة، تظهر بالملاحظة.
ومنها: أنه يكذب قولها: إن الملك قد جاء بصورتها إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بسرقة من حرير.
رابعاً: ومما يدل أيضاً على أن عائشة كانت متزوجة قبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" برجل آخر، ما يلي:
1 ـ لقد روى أبو داود وغيره بالأسانيد الصحيحة([191]) عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي (أو كل نسائك، أو كنيت نساءك فاكنني، أو) لهن كنى.
قال: فاكتني بابنك عبد الله.
قال الراوي: يعني عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت أبي بكر.
وكانت عائشة تكنى بأم عبد الله حتى ماتت.
أضاف أحمد والصنعاني، وأبو نعيم: قوله: ولم تلد قط([192]).
2 ـ وفي نص آخر: أنه قال لها: اكتني بابنك، يعني عبد الله بن الزبير، فكانت تكنى أم عبد الله([193]).
3 ـ وعنها قالت: كناني النبي "صلى الله عليه وآله" أم عبد الله، ولم يكن ولد لي قط([194]).
4 ـ وقد حددت وقت تكنيتها بذلك، حيث روي عنها: لما ولد عبد الله بن الزبير أتيت به رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فتفل في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه، وقال: هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.
أضاف ابن حبان قولها: فما زلت أكنى بها، وما ولدت قط([195]).
5 ـ وفي نص آخر عنها: أنها قالت: يا رسول الله، كل نسائك لها كنية غيري، قال: أنت أم عبد الله([196]).
6 ـ وحسب نص الحلبية: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعائشة: "هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.
قالت: فما زلت أكتني به، أي وكان يدعوها أماً، لأنه تربى في حجرها"([197]).
7 ـ وروي تكنيها بأم عبد الله عن الإمام الصادق "عليه السلام" أيضاً([198]) فراجع.
فقد دلت هذه النصوص على:
1 ـ أنه قد كان لعائشة ابن.
2 ـ أن اسم هذا الابن هو عبدالله. وقد كناها النبي "صلى الله عليه وآله" به.
3 ـ ثم جاء الرواة وقالوا: إن عائشة، حسب أقوالها هي، وأقوال محبيها كانت حين زواجها برسول الله "صلى الله عليه وآله" صغيرة السن.
4 ـ وقال الرواة أيضاً: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" تزوجها بكراً، مستندين في ذلك أيضاً إلى أقوال عائشة نفسها، وإصرارها الشديد على ذلك.
ونقول:
إننا نسجل على ما تقدم الملاحظات التالية:
ألف ـ قد عرفنا في أجزاء هذا الكتاب السابقة:
أن دعواها: أن عمرها قد كان حينما تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" ست سنين أو سبع.. غير صحيحة بل كان عمرها حوالي عشرين سنة، إن لم يكن أزيد من ذلك.
ويتأكد هذا الإشكال: إذا أخذ بنظر الاعتبار قولها: إن تكنيتها بأم عبد الله كان حين ولادة ابن الزبير، أي في أوائل الهجرة، فإنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن قد تزوج سوى سودة بنت زمعة، وخديجة ولا تُعرَف لهن أية كنية.
ب ـ قد عرفنا هنا أن دعواها: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد تزوجها بكراً لا تصح أيضاً..
ج ـ إن دعواها: أنها لم تتزوج أحداً غير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا تصح، بل هي كانت متزوجة برجل آخر هو جبير بن مطعم. وقد طلقت منه.
وفي نصوص أخرى: سلها أبو بكر منه سلاً رفيقاً..
د ـ إننا لم نجد لأي من نساء النبي "صلى الله عليه وآله" أية كنية سوى لـ "أم سلمة، وأم حبيبة، وزينب بنت خزيمة، أم المساكين"، فكيف تقول عائشة: إن جميع نسائه "صلى الله عليه وآله" لهن كنى.
هـ ـ إنه قد كان لها ابن اسمه عبد الله.
و ـ إنها لم تلد من رسول الله "صلى الله عليه وآله" قط. كما زعمت، وسيأتي: أننا نشك في ذلك كله، وأن ما ذكرناه فيما تقدم يدلنا على: أنه كان لها ابن من ذلك الذي كان زوجها وطلّقها، ثم تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعده.
ز ـ إن حصيلة ذلك هي: أن تطبيق كلمة "ابنك عبد الله" على ابن الزبير، ما هو إلا اجتهاد من الرواة، كما ظهر مما تقدم تحت رقم 1 حيث قال الراوي: "يعني عبد الله بن الزبير"، وقوله رقم 2، اكتني بابنك يعني عبد الله بن الزبير.
كما أن بعض النصوص المتقدمة قد ذكرت تكنية النبي "صلى الله عليه وآله" لها بأم عبد الله من دون إشارة لابن الزبير كما في رقم 3 و 5.
وأما الرواية رقم 4 وكذلك رقم 6 فلا دلالة فيهما على وجود ربط بين تسمية المولود الذي جاءت به للنبي "صلى الله عليه وآله" بعبد الله، وبين تكنيتها بهذا الاسم، سوى تشابه الاسمين.
التصرفات غير المقبولة:
وبناء على ما تقدم نقول:
لقد أصبح واضحاً: أنه لا مجال لقبول الروايات التي جعلت كلمة ابن الزبير من تتمة كلام الرسول، ولذلك فلا مجال لقبول روايتهم عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أنه قال:
أ ـ اكتني بابنك عبد الله بن الزبير([199]).
زاد الصالحي الشامي قوله: إن السبب في ذلك هو "أنها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها، يدعوها أما"([200]).
ب ـ أو: اكتني بابنك عبد الله، فإن الخالة والدة([201]).
ج ـ أو: تكني بابن أختك عبد الله([202]).
د ـ قال بعض المؤرخين: "كنيتها: أم عبد الله. كناها النبي "صلى الله عليه وآله" باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير"([203]).
فإن زيادة كلمة "ابن الزبير" في النص الأول، وكلمة: "فإن الخالة والدة" في النص الثاني.. قد جاءت من قبل الرواة، إما جرياً على ما ارتكز في أذهانهم.. وإما تبرعاً عمدياً بهدف دفع الإشكال، لاقتناعهم بالروايات التي تتحدث عن صغر سن عائشة، وعن أنها كانت بكراً لم تتزوج قبله "صلى الله عليه وآله".
وأما الرواية الأخيرة: التي أقحمت كلمة "ابن أختك" فهي موضع شك كبير، بل إننا نرفضها ونردها، استناداً إلى الروايات الصحيحة المتقدمة التي صرحت: بأن التفسير قد جاء من الراوي، أو جاءت بكلمة: "يعني" حسبما أسلفنا.
وإذا أردنا أن نحسن الظن، فإننا نقول: إننا نحتمل احتمالاً قوياً أن يكون ثمة تصحيف لكلمة "جبير" بكلمة "زبير".. بسبب التشابه بين الكلمتين في مقام النطق، فيقع الخطأ في سماع الصوت بسبب اختلاط الحروف.
فلا معنى لإطلاق القول: بأن النبي قد كناها بأم عبد الله بابن أختها ابن الزبير، كما فعله ابن الأثير مثلاً([204]).
وخلاصة الأمر: أن الرواية واحدة في نصوصها وفي أسانيدها.. وقد جاءت نصوصها الصحيحة بدون هذا التفسير. وصرحت: بأنه تفسير من قبل الرواة ولم يرد على لسان النبي "صلى الله عليه وآله".
وأما ما ذكره الدياربكري وغيره، فهو لا يخرج عن السياق الذي أشرنا إليه، ولذا فإنه ليس له أية قيمة علمية، أو تاريخية.
عائشة لم يولد لها قط!!
والذي يحتاج إلى التنبيه عليه والإشارة إليه هنا: هو ذلك النص المتقدم، الذي تقول فيه: كناني النبي "صلى الله عليه وآله" أم عبد الله، ولم يكنِّ ولد لي قط([205]).
وعن هشام بن عروة، عن بعض أصحابه قال: كنى رسول الله "صلى الله عليه وآله" عائشة، ولم يولد لها قط([206]).
وعلى أي تقدير، فإن دعوى أنها لم يولد لها قط، والتي جاءت من قبلها ومن قبل محبيها([207])، تحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق، ونكتفي هنا بالإلماح إلى ما يلي:
أولاً: إن النفي المطلق لأن تكون قد ولدت يقابله قولهم: "وقيل: إنها ولدت من رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولداً مات طفلاً.
ثم قالوا: وهذا غير ثابت. والصحيح الأول، لأنه قد ورد عنها من طرق كثيرة"([208]).
وفي نص آخر: إنها أسقطت من النبي سقطاً، يسمى عبد الله، كانت تكنى به. وهذا مروي عنها أيضاً بطرق كثيرة([209]).
فهم إذن، يستندون إلى نفيها هي لهذا الأمر عن نفسها، وهو نفي يبقى موضع شبهة وريب، حيث يظن قوياً: أنها ومحبيها يسعون لإثبات الفضائل لها، وقد ظهر: أن تلك الفضائل غير قادرة على الصمود أمام البحث العلمي الموضوعي والرصين.
وقول السهيلي: إن ذلك لم يثبت، لأنه يدور على داود بن المحبر، وهو ضعيف([210]).. يقابله القول: إن الروايات الأخرى أيضاً تدور على عائشة، ومن يدور في فلكها كعروة بن الزبير وأمثاله.. وهي تجر النار إلى قرصها، وما أكثر الفضائل التي أثبتتها لنفسها، وأثبتها لها هذا الفريق الذي يهمه أمرها، ثم ثبت عدم صحتها.. وليس حديث الإفك إلا واحداً من هذه الأحاديث الموهومة.
ثانياً: إن قولها لم يولد لها قط ـ لو صح ـ فلا بد من حمله على أنها لم يولد لها من رسول الله "صلى الله عليه وآله".. وبذلك يتم الجمع بين النصوص، ويرتفع التكاذب أو احتماله فيما بينها.. وعلى هذا تُحمَل النصوص التالية:
الأول: أن ابن عباس قال لها بعد حرب الجمل: "إنا جعلناك للمؤمنين أماً، وأنت بنت أم رومان. وجعلنا أباك صديقاً، وهو ابن أبي قحافة، حامل قصاع الودك لابن جدعان إلى أضيافه".
فقالت: يا ابن عباس، تمنون علي برسول الله؟
فقال: ولم لا يمنُّ عليك بمن لو كان منك قلامة ظفر منه، مننتنا به، ونحن لحمه ودمه، ومنه وإليه. وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست بأبيضهن لوناً، ولا بأحسنهن وجهاً، ولا بأرشحهن عرقاً، ولا بأنضرهن ورقاً"([211]).
ويستفاد من هذا النص الأمور التالية:
1 ـ إنه يدل على وضاعة حال أبي بكر قبل الإسلام.. وأنه لم يكن له نصيب من المجد والسؤدد، لا في نفسه، ولا من خلال أبيه.. وكذلك كان حال أم رومان.
2 ـ إنه ينفي أن يكون لعائشة أي سبب من قبل رسول الله، يعطيها الحق بالمن به على الآخرين، لا من حيث ولادة الأولاد، ولا من أي جهة أخرى، لكنه لا ينفي حدوث سقط منها.
3 ـ إن عائشة لم تكن هي المميزة على نساء النبي في حسن الوجه..
4 ـ إنها لم تكن أبيضهن لوناً.
5 ـ إنها لم تكن أنضرهن.
الثاني: إنها حين وقعت في خديجة وذكرتها بسوء، وأن الله قد أبدله خيراً منها، قال "صلى الله عليه وآله": ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها، أو حرمني أولاد النساء([212]).
الثالث: إنها حينما تجرأت على خديجة فتنقصتها أمام فاطمة "عليها السلام"، فبكت، فسألها النبي "صلى الله عليه وآله"، فذكرت له سبب بكائها "عليها السلام"، قال:
"مه يا حميرا، فإن الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإن خديجة رحمها الله ولدت مني طاهراً، وهو عبد الله، وهو المطهر. وولدت مني القاسم، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم، وزينب، وأنت ممن أعقم الله فلم تلدي شيئاً"([213]).
ويلاحظ: أنه لم يعش له أحد من ولده من خديجة سوى فاطمة "عليها السلام".
وأما رقية وأم كلثوم، وزينب، فقد قلنا: إن الظاهر هو أنهن قد متن في حال الصغر أيضاً، أما زوجتا عثمان، وزوجة أبي العاص فهن ربيبات له "صلى الله عليه وآله" على الظاهر ولسن بناته "صلى الله عليه وآله" على الحقيقة.
الفصل الخامس:
شخصيات ومضامين غير معقولة
مما سبق:
قد تحدثنا في الفصل السابق عن أمور عديدة ترتبط بعائشة، لا نرى ضرورة لها هنا، غير أننا نشير إلى:
1 ـ عمر عائشة:
حيث تقدم: أن قولها: إنها كانت جارية حديثة السن، لا يمكن قبوله، بل كان عمرها حين تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" حوالي عشرين سنة، أو أكثر من ذلك بسنوات أيضاً، فيكون عمرها حين قضية الإفك في حدود الثلاثين سنة أو أزيد من ذلك..
2 ـ سعد بن معاذ:
والسؤال هنا هو:
متى توفي سعد بن معاذ؟
وهل كان حياً حين قضية الإفك؟.
والجواب:
إننا قد ذكرنا فيما تقدم: أن سعد بن معاذ مات إثر غزوة الخندق، من الرمية التي أصابته، وذلك بعد أن حكم في بني قريظة.
وقد قدمنا: في الجزء العاشر من هذا الكتاب: الصحيح هو أن غزوة الخندق قد كانت سنة أربع، وقيل سنة خمس. وقد ذكرنا الأدلة والشواهد على ذلك.
أما غزوة المريسيع فكانت في سنة ست كما أسلفنا، فسعد بن معاذ إذن لم يكن حياً في سنة ست.
ومن قال بأن المريسيع كانت قبل الخندق، فإنه إنما أراد تصحيح حديث الإفك، مع غفلته عن أنه لا ضرورة لتغيير حقائق التاريخ لأجله، مع توفر الأدلة والشواهد التي تمنع من الأخذ به، وتوجب الانصياع لما هو الحق في ترتيب تواريخ هذه الأحداث.
غير أن المسعودي قال: إن غزوة الخندق كانت سنة خمس، وغزوة المريسيع كانت سنة أربع([214]).
كما أن بعض من قال بأن الخندق والمريسيع كانتا معاً في سنة خمس، فإنهم قد حرصوا على اعتبار الخندق بعد المريسيع أيضاً، لأجل حديث الإفك بالذات، حيث أيدوا قولهم هذا بأن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق مباشرة، فلو كانت المريسيع سنة ست لكان ذكر سعد في حديث الإفك غلطاً، فلا بد من أن تكون المريسيع قبل الخندق([215]).
ثم أيدوا ذلك أيضاً: بأن الإفك كان بعد فرض الحجاب. وقد فرض الحجاب سنة أربع، على قول بعضهم. بل لقد "جزم خليفة، وأبو عبيدة وغير واحد بأنه سنة ثلاث"([216]). وكذا قال اليافعي([217]).
ونحن هنا لا نستطيع أن نقبل أقوال هؤلاء وتأييداتهم ونخالف المعروف والمشهور، وذلك لأسباب عديدة:
أولاً: إن جعل ذكر سعد بن معاذ في حديث الإفك دليلاً على وهم من قال بكون المريسيع سنة ست، ليس بأولى من العكس، وجعل قول أهل الحديث والتاريخ دليلاً على الوهم في حديث الإفك، ومن أسباب الشك فيه، ولا سيما بملاحظة: أن أكثر المحدثين يذهبون الى ذلك كما تقدم.
وقد صرح عدد من العلماء بالإشكال على حديث الإفك بذلك، كالقاضي عياض، الذي قال: إن بعض شيوخه قد نبَّه على أن ذكر سعد بن معاذ في الرواية وهم. والأشبه أنه غيره، ولهذا ذكر ابن إسحاق: أن المتكلم أولاً وآخراً هو أسيد بن حضير([218]).
وممن استظهر أن المحاورة كانت مع أسيد بن حضير: ابن عبد البر، لأن ابن معاذ كان قد توفي.
وتعرض لهذا الإشكال أيضاً: ابن العربي. حتى لقد قال: "اتفق الرواة: على أن ذكر ابن معاذ في قصة الإفك وهم". وتبعه على هذا الإطلاق القرطبي([219]).
وقال في الإمتاع: "إن تقدم قريظة على المريسيع هو الصحيح، والوهم لم يسلم منه أحد"([220]).
ويصر ابن خلدون أيضاً على: أن ابن معاذ قد توفي قبل المريسيع بأكثر من عشرين شهراً([221]).
ونحن نقول أيضاً: إن ذكر ابن معاذ في الروايات لا يصح.. مع أن هذه الروايات قد وردت في كتب الصحاح، ومختلف كتب الحديث!!
بل في بعض الروايات: أنه "صلى الله عليه وآله" قد صالح بين السعدين بعد ذلك!!([222]) فإصلاح ذلك بأن المراجعة كانت مع ابن حضير فقط، لا يجدي لأنه مجرد دعوى، لا تستند إلى دليل، ولماذا اختير أسيد بن حضير ليحل الإشكال من خلاله، ولم يختاروا شخصاً آخر؟! ولماذا تخلوا عن معاذ بهذه السهولة، بعد إجماع الروايات، حتى الروايات الصحاح على ذلك كما قلنا؟!
وإن الإشكالات الكثيرة جداً تسقط رواية الإفك عن الاعتبار، وتوجب ضعفها ووهنها في نفسها، ولا تصلح سبباً لضعف غيرها بأي وجه.. وسيأتي ما فيه الكفاية في ذلك كما سنرى.
ثانياً: إن تأييد البعض رأيه هذا بقضية الحجاب غريب، فإن ذلك دليل عليه لا له، لأن أكثر المؤرخين الأثبات يذكرون: أن الحجاب كان في سنة خمس، في شهر ذي القعدة([223])..
وإذا كانت المريسيع في شعبان، فلا بد أن يكون هو شعبان السنة السادسة، لأن المراد شعبان الذي بعد الحجاب.
وإذا كان الحجاب في ذي القعدة من الخامسة، فهو بلا شك بعد بني قريظة على جميع الأحوال والأقوال، لأن الخندق وقريظة كانتا قبل ذلك.
وقد صرح البيهقي: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تزوج زينب بنت جحش بعد بني قريظة([224]).
وحين تزوجها فرض الحجاب، بل سيأتي: أنه تزوجها بعد المريسيع أيضاً.
والمفروض: أن سعداً مات في بني قريظة، وكانت المريسيع بعد فرض الحجاب على الفرض، فمتى كان سعد موجوداً في قضية الإفك؟!.. وكيف يكون فرض الحجاب مؤيداً لوجوده؟ بل هو مؤيد لموته كما هو ظاهر.
ثالثاً: قد ثبت أن ابن عمر كان ممن شهد المريسيع، والمفروض أن الخندق كانت أول مشاهده، فلا بد أن تكون المريسيع بعد الخندق، والمفروض أن سعد بن معاذ قد مات بعد الخندق وقريظة مباشرة.
توجيهات لا تصح:
أ ـ وقد حاول العسقلاني: أن يجيب على هذا باحتمال أن يكون قد حضرها دون أن يشترك في القتال، إذ لا ملازمة بين شهوده وبين أن يكون قد أجيز بالقتال، كما ثبت عن جابر أنه كان يمنح أصحابه الماء في بدر، مع الاتفاق على عدم شهوده بدراً([225]).
ولكنها محاولة فاشلة، إذ أن التعبير بشهد غزوة كذا إنما يعني شهود قتال، لا مجرد حضور، هكذا اصطلح وتعارف عليه الرواة والمؤرخون في تعبيراتهم، وصرف اللفظ عن هذا المعنى يحتاج إلى شاهد، وهو مفقود، بل الشواهد قائمة على خلافه.
ب ـ وحاول عياض توجيه ذلك باحتمال أن تكون الخندق والمريسيع معاً سنة أربع، مع تقدم المريسيع على الخندق([226]).
ونقول: إن هذا مخالف لأقوال جل المؤرخين، كما أنه يصطدم بقضية فرض الحجاب في سنة خمس بعد قريظة، لأنهم يقولون: إن الإفك كان بعد فرض الحجاب، وهو يصطدم بقضية شهود ابن عمر للمريسيع، وغير ذلك مما تقدم وسيأتي بيانه.
ج ـ قد احتمل البيهقي: أن يكون جرح سعد لم ينفجر بعد قريظة مباشرة، بل تأخر إلى ما بعد المريسيع، ولم يشهدها بسبب جرحه، وبعدها، وبعد قضية الإفك، ومراجعته لسعد بن عبادة انفجر جرحه، فمات.
ونقول: إن مقتضى كلام البيهقي هذا هو: أن موت سعد قد تأخر عن قريظة إلى حوالي سنة، أي من ذي القعدة إلى شوال تقريباً.. لأن المريسيع في شوال، وكانت المراجعة والمحاورة بعدها بأكثر من شهر.
وكلام البيهقي هذا مما لا يوافقه عليه أحد، ولا مبرر له إلا إرادة تصحيح ما ورد في الصحاح.. حتى لو اقتضى ذلك مخالفة كل النصوص والمسلمات التاريخية.
د ـ احتمل القطب الحلبي: أن يكون المراد سعداً آخر غير ابن معاذ، بقرينة قولهم في بعض الروايات: "..فقام سعد أخو بني عبد الأشهل، وفي بني عبد الأشهل جماعة كلهم يسمى سعداً. فيحتمل أن يكون هو سعد بن زيد الأشهلي..".
ورده العسقلاني: بأن ذلك مردود بالتصريح بسعد بن معاذ في رواية الزهري، وغيره([227]).
وبعد كل ما تقدم.. فإننا نعرف: أن الشواهد الدالة على موت سعد بن معاذ قبل المريسيع قوية جداً.. ولا أقل من كونه مشكوكاً فيه.
ولا يصلح ذلك القول: بأن المريسيع كانت سنة خمس.
لأن تقدم الخندق عليها هو المعتمد عند جلّ المؤرخين كما تقدم.. ولذا نجد فريقاً منهم يقول: إن الخندق كانت سنة أربع.
3 ـ سيرين:
وأما ما ذكر من إعطاء سيرين لحسان، عندما ضربه ابن المعطل بالسيف وجرحه، فهو أمر غريب وعجيب:
فأولاً: إن سيرين هذه هي أخت مارية القبطية باتفاق، وهي إنما أهداها المقوقس للنبي "صلى الله عليه وآله"، ووصلت إلى المدينة سنة سبع، أو ثمان([228]).
والإفك كان على أبعد الأقوال في سنة ست.
ولا مجال للقول بأن من الممكن: أن يتأخر إعطاء سيرين لحسان، لتأخر ضرب ابن المعطل له، أو لتأخر تصدي النبي "صلى الله عليه وآله" للصلح بينهما.
فإنه كلام مرفوض جملة وتفصيلاً، إذ إن ابن المعطل إنما اعترض حساناً وضربه بالسيف بمجرد أن بلغه أنه يقول فيه ذلك الأمر.
كما أن صريح الرواية: أنهم قيدوا ابن المعطل، وجاؤوا به للرسول "صلى الله عليه وآله" بمجرد أن قام بضرب حسان.
ثانياً: قال ابن عبد البر: "..أما إعطاء رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيرين أخت مارية لحسان، فمروي من وجوه، وأكثرها أن ذلك ليس لضربه صفوان، بل لذبه بلسانه عن النبي "صلى الله عليه وآله" في هجاء المشركين له. والله أعلم.." ([229]).
ثالثاً: إن ابن المعطل إنما اعتذر عن ضربه له بأنه آذاه وهجاه، وأن الرسول "صلى الله عليه وآله" قد قال لحسان: أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام؟! وليس ثمة من ذكر لأمر الإفك، ولو كان للإفك شأن، فإن الاعتذار به، واللوم عليه، أولى وأجدر.
هذا.. وثمة رواية تفيد: أن النبي قد عوض حساناً، وأعطاه حائطاً، في ضربة ابن المعطل له عندما هجا النبي "صلى الله عليه وآله".. فلعل سيرين كانت من جملة ما أعطاه إياه النبي "صلى الله عليه وآله" في ذلك..
وستأتي الرواية عند الكلام حول بيت الشعر القائل:
أمـسـى الجــلابـيـب قـد عــزوا الخ..
فإلى هناك..
رابعاً: لقد ذكر عبد الرزاق: أن صفوان بن المعطل هو الذي أعطى الجارية لحسان وهي أم عبد الرحمن بن حسان([230]) وربما كان اسمها سيرين أيضاً.
فإذا صح هذا فإن سيرين هذه تكون غير أخت مارية، وقد جاء اسمها موافقاً لاسم أخت مارية سرية النبي "صلى الله عليه وآله" من باب الاتفاق.
4 ـ زيد بن رفاعة:
لقد زاد الزمخشري فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد: "زيد بن رفاعة"([231]).
قال العسقلاني: ولم أره لغيره..
ولكن زيد بن رفاعة لم يشهد قضية الإفك، لأنهم عندما رجعوا من غزوة المريسيع إلى المدينة وجدوه قد مات([232]).. ولذا احتمل الحلبي أن يكون ثمة زيد بن رفاعة آخر([233]).. وهو احتمال لا شاهد له، لا من خبر، ولا من أثر، إلا إرادة تصحيح جلده وتقوية قضية الإفك، فلا يعدو عن أن يكون رجماً بالغيب.
هل من اشتباه؟
وقد يمكن للبعض، أن يحتمل احتمالاً وجيهاً هنا، ويقول: لعل الاسم اشتبه على الرواة هنا، والمقصود هو: "رفاعة بن زيد" لا العكس.. لعدم ذكره في تراجم الصحابة..
ولكنه احتمال لا يجدي أيضاً.. لأن المقصود إن كان هو رفاعة بن زيد الجذامي، ثم الضبي، فهو إنما قدم على النبي "صلى الله عليه وآله" في هدنة الحديبية، وهو غلام، فأسلم، وحمله النبي "صلى الله عليه وآله" كتاباً إلى قومه يدعوهم فيه إلى الإسلام، فأسلموا. ثم ساروا إلى حرة الرجلاء([234]).
وإن كان المقصود هو رفاعة بن زيد بن التابوت، أحد بني قينقاع، الذي كان من عظماء اليهود.. وكهفاً للمنافقين ـ وهذا هو الراجح ـ فهو أيضاً عندما عادوا من غزوة المريسيع، وجدوه قد مات في ذلك اليوم([235]).
ملاحظة:
لقد تعودنا دعاوى تعدد الشخصيات من هؤلاء القوم، كلما تضايقوا، ولم يجدوا مخرجاً، وكان يعز عليهم وجود شخصية ما، في موقع ما.
فقد ادَّعوا تعدد خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، لأنه عز عليهم أن يجدوه إلى جانب علي "عليه السلام" في حروبه.
وادَّعوا تعدد سعد بن معاذ.
وهنا ادَّعوا تعدد زيد بن رفاعة.. وما أكثر مثل هذه الدعاوى في كلامهم، كما يظهر لمن تتبع كتبهم.
5 ـ عبد الله بن جحش:
وذكر فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد: "عبد الله بن جحش" زاده الربيـع بن سالم، تبعاً لأبي الخطاب بن دحية([236]).
وهذا غريب.. فإن عبد الله بن جحش قد استشهد في غزوة أحد([237]).
أي قبل غزوة المريسيع بثلاث سنين أو بسنتين على الأقل، فكيف يكون ممن جاء بالإفك، وجلد الحد؟!
6 ـ عبيد الله بن جحش:
وذكر أيضاً فيمن جاء بالإفك، وجلد الحد "عبيد الله بن جحش" أبو أحمد([238]).
ولا بد هنا من تصحيح: أن أبا أحمد هو أحد أخوة عبيد الله، واسمه: "عبد" وليس أبو أحمد كنية لعبيد الله([239]).
ومهما يكن من أمر.. فإن هذا أيضاً لا يصح، لأن من المجمع عليه: أن عبيد الله بن جحش كان ممن هاجر إلى الحبشة، وتنصر هناك، ومات هناك. وهو زوج أم حبيبة، التي زوجها النجاشي رسول الله "صلى الله عليه وآله". لا نجد خلافاً في ذلك([240]).
7 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر:
بعض روايات الإفك تقول: إن عبد الرحمن بن أبي بكر قد قعد مع أبيه، وأمه وأخته، وأهل الدار، يبكون.. حين قضية الإفك.
ولكن الحقيقة هي: أن عبد الرحمن كان في سنة ست في مكة على دين قومه، ولم يسلم ـ على ما يقول أهل السير ـ إلا في هدنة الحديبية، بعد المريسيع([241]).
وقد قال أبو الفرج في الأغاني: "لم يهاجر مع أبيه، لأنه كان صغيراً. وخرج قبل الفتح (أي الذي كان سنة ثمان) في فتية من قريش، منهم معاوية إلى المدينة، فأسلموا.
أخرجه الزبير بن بكار، عن ابن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان"([242]).
ونحن وإن كنا نشك في وجود معاوية معهم، لأنه قد ثبت أنه من الطلقاء.. لكن لا مانع من صحة خروج عبد الرحمن هذا في فتية من قريش آنئذ.
وقيل: إنما أسلم عبد الرحمن يوم الفتح.
ويقال: إنه شهد بدراً مع المشركين. وكذلك أحداً([243]).
وعلى جميع التقادير، فإن عبد الرحمن بن أبي بكر لم يكن موجوداً في المدينة حين قضية الإفك، ليقوم بذلك الدور الذي أوكل إليه.
8 ـ بريرة:
وعن بريرة نقول:
أ ـ والجارية بريرة لم تحضر غزوة المريسيع، فكيف أشار علي "عليه السلام" على النبي "صلى الله عليه وآله" أن يسألها عن أمر غابت عنه؟!.
وكيف يزعمون أن علياً "عليه السلام" قد ضربها لينتزع منها إقراراً على سيدتها في أمر لم تشهده؟!.
ب ـ وحتى لو كانت معها في تلك السفرة، فإنها لم تكن معها حين وجدها صفوان وحدها في قلب الصحراء، وأتى بها.
ج ـ ثم كيف لم تخبر أبا مويهبة حامل الهودج أن سيدتها ليست فيه، وأنها قد ذهبت لقضاء حاجة، وعليه أن ينتظر حتى ترجع؟!
د ـ ثم هم يزعمون أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استند إلى قول بريرة في حكمه بكذب الآفكين، ولم يستند إلى الوحي، ولا إلى شهادة معتبرة.. ولكنه "صلى الله عليه وآله" عاد ـ حسب زعمهم ـ وشكك، وطلب من عائشة أن تتوب إن كانت قد ألمت بذنب!!
هـ ـ بل إننا نشك في وجود بريرة آنئذٍ في بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، وفي تملك عائشة لها، إذ قد ورد أن عائشة قد اشترتها بعد فتح مكة، وأنه "صلى الله عليه وآله" قد خيرها، فاختارت نفسها، وكان زوجها يبكي، فقال النبي "صلى الله عليه وآله" للعباس: يا عباس، ألا تعجب من حب مغيث بريرة؟!([244]).
وفي رواية أخرى يقول للعباس: "ذاك مغيث، عبد بني فلان (يعني زوج بريرة) كأني أنظر إليه يتبعها في سكك المدينة، يبكي عليها"([245]).
والعباس إنما هاجر قبل الفتح بقليل([246]).
وقد اشار إلى هذا الإشكال غير واحد أيضاً، كابن القيم الحنبلي، وغيره([247]).
توجيهات ولمحات:
وحاول العسقلاني الإجابة على ذلك: تبعاً للسبكي، وكذا القسطلاني باحتمال: أن تكون بريرة قد كانت تخدم عائشة، وهي في رق مواليها، ثم كانت قصة مكاتبتها بعد ذلك..
أو أنها اشترتها وأخّرت عتقها إلى ما بعد الفتح.
أو دام حزن زوجها عليها مدة طويلة.
أو حصل لها الفسخ، وطلب أن يردها بعقد جديد.
أو كانت لعائشة، ثم باعتها، ثم استعادتها بعد الكتابة.
أو أن بريرة هذه غير بريرة تلك.
وجزم بهذا الاحتمال الأخير: الزركشي.
وناقشه العسقلاني: بأن الحكم بأنها كانت تخدم عائشة بالأجرة أولى من تغليط الحفاظ([248]).
هذه طائفة من فنون الرجم بالغيب، الذي لا دليل له، ولا شاهد عليه. لا من أثر، ولا من خبر، بل هو محاولة لتضعيف الشاهد على خلافه.. وأما غيرة العسقلاني على الحفاظ، والمحافظة عليهم من التغليط، فنحن نرى شدة حفظهم وسلامته في كل الروايات، وخير شاهد على سلامته هو حديث الإفك الذي عرفت طائفة من التناقضات فيه.
هذا.. ولكن السهيلي يرى: أن قضية الإفك قد كانت بعد تحرير بريرة، وعتقها من قبل عائشة. ولذا قال في مقام توجيه ما روي من ضرب علي "عليه السلام" لها: "..وإن ضرب علي للجارية وهي حرة، ولم تستوجب الخ.."([249]).
فقوله: وهي حرة، دليل على ما قلناه..
فالإشكال المتقدم إذن يحتاج منه ومن غيره إلى الجواب.. وأنى له ولهم.
9 ـ أم رومان:
تنص الرواية على: أن أم رومان، أم عائشة، قد قامت بدور كبير في قضية الإفك. وقد ورد التصريح باسمها في عدة مواطن من الروايات المتقدمة.
ولكننا نشك كثيراً في: أن تكون أم رومان على قيد الحياة، في وقت قضية الإفك هذه. لأن غزوة المريسيع كانت ـ على ما هو الصحيح ـ في سنة ست، بعد الخندق وقريظة، كما قدمنا، وقد اختلف في وقت وفاة أم رومان، فبعضهم يقول ومنهم مغلطاي([250]): توفيت سنة أربع، وقيل: سنة خمس.
وقال الزبير بن بكار والبلاذري، والواقدي، وابن سعد: توفيت سنة ست([251]).
فوجود أم رومان إذن على قيد الحياة في وقت قضية الإفك يكون مشكوكاً فيه، على أقل تقدير.
ومحاولة البعض جعل ورود اسمها في حديث الإفك دليلاً على تأخر وفاتها عن الإفك([252])، وأنها توفيت بعد النبي "صلى الله عليه وآله" مصادرة على المطلوب.
إذ لماذا لا يكون العكس هو الصحيح، ويكون قول هؤلاء من موجبات الشك في حديث الإفك، الذي توالت عليه الأمراض والعلل من مختلف النواحي؟
من دلائل وفاتها في زمن الرسول ':
ومما يدل على أنها توفيت في زمن الرسول "صلى الله عليه وآله":
أ ـ أنهم يذكرون: أنها لما دليت في قبرها، قال الرسول "صلى الله عليه وآله": من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان([253]).
ب ـ يروون أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد نزل في قبرها([254]).
وهذا يدل على: أنها لم تبق على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وآله"، ليأتي مسروق بن الأجدع ـ المتولد في أول سني الهجرة ـ من اليمن، في خلافة أبي بكر أو عمر([255]).. ويسمع منها حديث الإفك، وغيره، وهو ابن خمس عشرة سنة، كما جزم به ابن الحربي([256]).. فضلاً عن أن يقال: إن وفاتها قد كانت في خلافة عثمان([257]).
وقد أنكر هذا: أبو عمر صاحب الإستيعاب، والسهيلي، وابن السكن، والخطيب، وصاحب المشارق والمطالع، وابن سيد الناس، والمزي في الأطراف، والذهبي في مختصراته، والعلائي في المراسيل، وآخرون([258]).
بل لقد قال السهيلي: إن مسروقاً ولد بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" بلا خلاف، ولم ير أم رومان قط([259]).
واستدلال البخاري على بقائها حية برواية مسروق عنها([260])، ليس بأولى من الحكم بإرسال رواية مسروق، استناداً إلى إجماع من سبق هذا القائل من المؤرخين والرجاليين على أنه قد ولد بعد وفاة الرسول "صلى الله عليه وآله"، وأنها ماتت في حياته "صلى الله عليه وآله"..
أضف إلى ذلك: أن السهيلي نقل عن شيخه أبي بكر([261]): أنه تتبع روايات مسروق عن أم رومان فوجد أن في بعضها: حدثتني أم رومان، وفي بعضها: عن مسروق، عن أم رومان، معنعناً، وقال: والعنعنة أصح فيه، وإذا كان الحديث معنعناً كان محتملاً، ولم يلزم فيه ما يلزم في "حدثنا"، وفي "سألت"، لأن للراوي أن يقول: عن فلان، وهو لم يدركه([262]).
أدلة وفاتها بعد النبي ':
ولقد حاول العسقلاني إثبات بقائها إلى ما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" ليسمع منها مسروق مستنداً إلى روايتين:
أولاهما: أن عبد الرحمن بن أبي بكر يذكرها في حديث ضيوف أبي بكر، حيث قال عبد الرحمن فيها: وإنما هو أنا وأبي، وأمي، وامرأتي، وخادم.
وفيها: فلما جاء أبو بكر قالت له أمي: احتبست عن أضيافك الخ.. وأم عبد الرحمن هي أم رومان بلا خلاف.. ولم يهاجر عبد الرحمن إلا في هدنة الحديبية في سنة سبع في قول ابن سعد، وتردد الزبير بن بكار بينها وبين التي بعدها.
أقول: بل بعد ذلك، فإنه قد أسلم يوم الفتح كما تقدم.
ومعنى ذلك: هو أن وفاتها قد كانت بعد سنة أربع وخمس وست، وأنها في سنة سبع أو ثمان قد كانت على قيد الحياة.
الثانية: أنه قد روي في مسند أحمد ـ والسند جيد ـ عن محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة: عن عائشة: أنه لما نزلت آية التخيير استدعاها الرسول "صلى الله عليه وآله"، وقال لها: إني عارض عليك أمراً، فلا تفتئتي فيه بشيء حتى تعرضيه على أبويك: أبي بكر، وأم رومان الخ..
وأصل هذا الحديث في الصحيح، ولكنه يكتفي بذكر: "أبويك" ولا يصرح باسم أم رومان.
وآية التخيير إما نزلت في سنة تسع، فهذا يدل على تأخر موت أم رومان عن قضية الإفك([263]).
هذا ما ذكره العسقلاني في مقام تأييد سماع مسروق منها، ولكنه كما ترى لا يدل على مطلوبه، وذلك لما يلي:
أولاً: لأن ما ذكره لا يثبت حياتها إلى ما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" ليثبت سماع مسروق منها.
ثانياً: إن ذلك ليس بأولى من جعل قول المؤرخين، والرجاليين، والرواة دليلاً على أنها توفيت سنة أربع أو خمس، أو ست دليلاً على عدم صحة هاتين الروايتين.
ثالثاً: ويمكن أن نقول: إن التعبير بالأم في هذه الرواية عن زوجة أبيه قد جاء على سبيل المجاز، وهو تعبير متعارف عند الناس، وبذلك يتم الجمع، ويكون حديث وفاتها في زمنه "صلى الله عليه وآله" صحيحاً..
وهذه الرواية أيضاً صحيحة، ولا مانع من ذلك بعد ثبوت موتها في حياته "صلى الله عليه وآله".
هذا.. عدا عن المناقشة في سند هاتين الروايتين، فإن الكلام فيه يطول.
رابعاً: إن رواية أضياف أبي بكر ذكرها البخاري في ثلاثة مواضع: في آخر مواقيت الصلاة، وفي كتاب الأدب في باب ما يكره من الغضب والجزع عند الضيف، ثم في الباب الذي بعده([264]).
والأولى قد اختلفت نسخ البخاري فيها، فنسخة الكشميهني، والمستملي تذكر كلمة: "وأمي" ولا تذكرها سائر النسخ.
هذا بالإضافة إلى أن عبد الرحمن يقول فيها: "قالت له امرأته" و "فقال لامرأته" مما يشعر بأن زوجة أبي بكر حينئذٍ لم تكن أماً لعبد الرحمن، وإلا لكان قال: "قالت له أمي".
وأما الرواية الثانية: فليس فيها أي ذكر للنساء. ومجرد ذكر "كلمة أمي" في الثالثة، مع شدة الاختلاف بين الروايات الثلاث، مع أن راويها واحد، وهو أبو عثمان النهدي، عن عبد الرحمن بن أبي بكر، يسقطها عن الصلاحية للاحتجاج، لوضوح وقوع التصرف فيها، وإلا لما كان ثمة اختلاف.. فليقارن بين الروايات الثلاث، ليعلم مدى الاختلاف بينها.
هذا كله عدا عن أن في رواية الأضياف اتهاماً صريحاً لأبي بكر بسوء الخلق، وبذاءة اللسان، وهو ما لا يرضى به العسقلاني ونظراؤه.
خامساً: لعل ما ورد في هذه الرواية من قول أبي بكر لزوجته: يا أخت بني فراس.. هو معتمد من قال: إن أم رومان فراسية، ويمكن أن يفهم ذلك من كلام العسقلاني في إصابته وغيره([265]).
ونقول:
إن سلسلة نسبها تدل على خلاف ذلك، فإننا لم نجد في هذه السلسـلة ـ التي اختلف فيها ابتداء من أبيها إلى كنانة([266]) ـ اسماً لفراس بن غنم بن ثعلبة..
بل ذكروا: أنها بنت عامر بن عويمر، بن عبد شمس، بن عتاب، بن أذينة، بن سبيع، بن دهمان، بن الحارث، بن غنم.. ولم يذكروا اسم فراس بن غنم أصلاً.
فلا معنى لقول ابن إسحاق: إنها بنت دهمان أحد بني فراس بن غنم.
بل إن ابن حزم والعسقلاني قد ناقضا نفسيهما هنا، لأنهما قد حكما أولاً بأنها فراسية، ولكنهما حينما يذكران سلسلة نسبها يذكرانها على نحو ما قدمناه.. أي ينهيانها إلى الحارث بن غنم([267]) لا إلى فراس بن غنم!!
وليكن ذكر كلمة: "يا أخت بني فراس" في رواية أضياف أبي بكر مؤيداً وشاهداً على: أن زوجة أبي بكر في تلك الرواية لم تكن هي أم رومان بل كانت زوجة أخرى له، إذ لم نجد في جميع ما لدينا من الكتب المتعرّضة لسلسلة نسبها ما يدل على فراسية أم رومان.. بل جميعها متفقة على عدم ذكر فراس بن غنم في سلسلة نسبها([268]).
سادساً: أما بالنسبة لآية التخيير التي استدل بها العسقلاني على حياتها إلى ما بعد وفاته "صلى الله عليه وآله".. فللكلام فيها مجال واسع، ونحن نكتفي هنا بذكر الأمور التالية:
ألف ـ إن كلمة "أم رومان" ربما تكون من تفسيرات الرواة، ولا سيما بملاحظة: أن أحمد وغيره قد ذكروا الرواية في عدة مواضع بلفظ: "أبويك"([269]). ولفظ الأبوين يصح إطلاقه على الأب وزوجته، وإن لم تكن أماً.
ب ـ إن آية التخيير قد وردت في سورة الأحزاب، وهي قد نزلت في وقعة الخندق سنة أربع أو خمس. ولا سيما بملاحظة: أن هذه السورة قد اشتملت على ذكر قضية زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بزينب.. فكيف يكون التخيير في سنة تسع([270])، وآياته نزلت في سنة أربع أو خمس؟!
ويؤيد ذلك: أنه قد ورد بطرق صحيحة: أن الصحابة ما كانوا يعرفون انتهاء السورة إلا إذا نزلت: "بسم الله الرحمن الرحيم". مما يدل على أن نزول السور كان منظماً، بلا تخليط، ولا تشويش كما سيأتي، أضف إلى ذلك قول مالك الآتي.
ج ـ ومما يدل على أن التخيير كان قبل سنة تسع بعدة سنين، ما رواه مسلم، والسيوطي عن غير واحد، عن عمر بن الخطاب: من أن آية التخيير قد نزلت عندما تظاهرتا عليه عائشة وحفصة، فاعتزلهن الرسول في مشربته تسعاً وعشرين ليلة.. وذلك قبل أن يفرض الحجاب على نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، فأنزل الله آية التخيير: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ}، {وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ..} والرواية طويلة([271]).
ومعلوم: أن فرض الحجاب ـ كما يقولون ـ قد كان في السنة الخامسة، أو في الرابعة، أو في الثالثة. فكيف يكون تخيير نسائه في التاسعة؟!
وقبل أن نمضي في الحديث نشير إلى: أن عمر بن الخطاب قد غلط هنا، فإن آية التخيير ليست هي الآية المذكورة. وإنما هي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أمَتِّعْكُنَّ وَأسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً}([272]). كما أنه قد غلط في ترتيب الآيتين المذكورتين.
د ـ إن في رواية التخيير المذكورة نقاط ضعف أخرى، كقولها: إنه "صلى الله عليه وآله" قد بدأ بعائشة، فخيَّرها، فاختارت الله ورسوله، ونحن نشك في ذلك، لما يلي:
1 ـ إن رواية القمي تقول: إن أم سلمة هي التي اختارت الله ورسوله أولاً، ثم تبعنها سائر أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" ([273]).
ويؤيد ذلك، ويدل عليه: ما رواه ابن سعد، عن عمر بن الخطاب: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" اعتزل نساءه في المشربة شهراً، حين أفشت حفصة لعائشة ما أسره الرسول إليها.
وكان قال: ما أنا بداخل عليكن شهراً. موجدة عليهن.
فلما مضت تسع وعشرون دخل على أم سلمة، وقال: الشهر تسع وعشرون.
قال: وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين([274]).
2 ـ إن قتادة يصرح: بأن سبب هجر النبي "صلى الله عليه وآله" لنسائه، ثم نزول آية التخيير، هو قضية فيها غيرة من عائشة، في شيء أرادته من الدنيا([275]).
فهل من المعقول: أن تكون هي السبب في كل ما حصل، ثم بعد ذلك. يظهر لها النبي "صلى الله عليه وآله" هذا الحب والعطف؟. ويميزها ـ في هذه المناسبة بالذات ـ أم أن المناسب هو إهمالها، وعدم الاعتناء بها، وعدم تمييزها على سائر أزواجه؟ بل تمييزهن عليها، لتشعر بعظيم الذنب الذي ارتكبته في حقه "صلى الله عليه وآله"، حتى اعتزل نساءه لشدة موجدته عليهن، كما صرحت به الروايات؟!
والكلام في آية التخيير طويل.. وما يهمنا هنا هو ما ذكرناه، ولذا فنحن نقتصر على ذلك، على أمل أن نوفق لبحث ذلك مفصلاً في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
ولكن.. مما لا ريب فيه، هو: أن آية التخيير لم تنزل في سنة تسع، وإنما نزلت قبل ذلك بعدة سنين، فلا مانع من أن تحضرها أم رومان، حتى لو فرض أننا صرفنا النظر عن الإشكالات الأخرى في الرواية.
ويتضح من جميع ما قدمناه عدم صحة قولهم:
إنها عاشت إلى ما بعد وفاة النبي كما يريد العسقلاني، حتى يروي عنها ابن الأجدع.. ولذا يبقى الشك في حضورها قضية الإفك على حاله.
10 ـ أسامة بن زيد:
صريح روايات الإفك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استشار في أمر أهله أسامة بن زيد.
وإذا أردنا أن نأخذ بالرواية القائلة: بأنه إنما استشاره بعد وفاة أبيه زيد ـ وهي من روايات الإفك المتقدمة ـ فإننا نجد إجماع المؤرخين والرواة على أن زيـداً أباه كـان حياً في سنة ست، وإنـما قتـل في غزوة مؤتة في سنة ثـمان ـ وعلى هذا ـ فلا بد أن يكون الإفك بعد وفاة زيد، بينما تقول تلك الروايات المتقدمة إن الإفك كان سنة ست.
وإذا أردنا: أن لا نلتفت إلى التصريح بوفاة زيد آنئذٍ، فإننا سوف نجد: أن أسامة نفسه حين الإفك المذكور في تلك الروايات لم يكن قد بلغ الحلم بعد.
بل يقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يقعده على فخذه هو والحسن "عليه السلام"، الذي ولد في الثانية أو الرابعة من الهجرة([276]). وهذا يدل على أن عمره كان حين الإفك في سنة ست أو خمس أو أربع كان أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة أو اثني عشرة سنة. وهو ينسجم مع ما هو المعروف والمشهور، من أن عمره كان حين توفي الرسول "صلى الله عليه وآله" ثمانية عشر عاماً فقط([277]).
فكيف يترك النبي "صلى الله عليه وآله" شيوخ المهاجرين والأنصار، وبني هاشم، ويلجأ إلى استشارة هذا الطفل الذي لم يمارس الأمور، ولم تحكمه التجارب بعد؟!
اعتذار لا يصح:
واعتذار العسقلاني: بأن للشاب من صفاء الذهن ما ليس لغيره، ولأنه أكثر جرأة على الجواب بما يظهر له من المسن، لأن المسن غالباً يحسب العاقبة، فربما أخفى بعض ما يظهر له، رعاية للقائل تارة، وللمسؤول عنه أخرى([278])،
هذا الاعتذار بارد حقاً.. فإن المطلوب في مثل هذه الأمور هو حساب العواقب، واللجوء إلى من أحكمتهم التجارب. لا التصرف بناءً على آراء أطفال جهال لم يبلغ الواحد منهم الحلم.
ثم إذا صح قول العسقلاني هنا، فقد كان يجب: أن لا يستشير النبي "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" لأنه، حين قضية الإفك، قد كان له من العمر حوالي ثلاثين عاماً. وكان يجب أن لا يستشير عثمان، وعمر، وأم أيمن، ولا غير هؤلاء ممن أسنّوا وتكاملت عقولهم.. مع اعتراف العسقلاني بأنه "صلى الله عليه وآله" قد استشار هؤلاء أيضاً.
نعم، لقد كان على النبي "صلى الله عليه وآله" ـ حسب منطق العسقلاني ـ أن يذهب إلى الشارع ويأتي بمجموعة أطفال، ويطرح عليهم مشكلته، ليضعوا لها الحلول المناسبة!!
ولكان يجب أن ينال هؤلاء الأطفال درجة النبوة والولاية العظمى، وقيادة الجيش، ومناصب القضاء.. وغير ذلك من المناصب والمقامات!!
ولو صح ما ذكره فقد كان اللازم: أن يستشير الأطفال في أهم الأمور العامة أيضاً، ليستفيد من صفاء ذهنهم، وسلامة فطرتهم، مع اعتراف العسقلاني بأنه "صلى الله عليه وآله" كان يستشير في الأمور العامة ذوي الأسنان من أكابر الصحابة!!([279]).
11 ـ زيد بن ثابت:
لقد وقع في رواية الطبراني، عن ابن عباس: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استشار زيد بن ثابت في أمر عائشة([280]).
فقال: "دعها فلعل الله يحدث لك فيها أمراً".
ولكن ذلك غير معقول..
أولاً: إن رواية ابن عمر تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يعدو في استشارته علياً وأسامة.
ثانياً: لماذا اختص زيد بن ثابت، الشاب المراهق، الذي كان عمره في المريسيع حوالي خمسة عشر عاماً فقط، لأنه إنما أجيز عام الخندق، حسب رواية عنه([281]) ـ نعم، لماذا اختص هذا الشاب أو فقل هذا الطفل ـ بهذه المشورة دون سائر شيوخ المهاجرين والأنصار من صحابته "صلى الله عليه وآله"؟!
اعتذار غير صحيح:
واحتمل العسقلاني: أن يكون ثمة اشتباه من الراوي، وأنه كان في الأصل زيد بن حارثة.
ولكن هذا غير مسموع.
أولاً: لأنه رجم بالغيب. لا شاهد له ولا دليل عليه.
ثانياً: إن رواية ابن عمر المتقدمة تقول: إنه لم يكن يعدو في استشارته علياً وأسامة.
وهذه الرواية ترد حديث استشارته لعمر، وعثمان، وبريرة، وغيرهم أيضاً.
ثالثاً: إن رواية ابن عمر تنص على أن زيد بن حارثة كان قد توفي، فلا معنى للتصحيح بها.. وإلا فالأولى تصحيح ذلك بأن المقصود هو أسامة بن زيد، فذهل الراوي عن أسامة وتوجه إلى كلمة زيد، وأضاف إليها كلمة ابن ثابت دون قصد.. لكن هذا كله أيضاً مجرد تخرص ورجم بالغيب. لا شاهد له، ولا دليل عليه.
12 ـ الأنصارية وابنها:
لقد جاء في رواية أم رومان قولها: "..بينما أنا قاعدة عند عائشة، إذ ولجت امرأة من الانصار.
فقالت: فعل الله بفلان وفعل.
فقالت أم رومان: وما ذاك؟
قالت: ابني فيمن حدث الحديث..".
ولكن ذلك موضع شك وريب، فإن اللذين جاءا بالإفك من الانصار هما: عبد الله بن أُبي، وحسان بن ثابت، ولم تكن أم واحد منهما موجودة([282]).
وأما رفاعة بن زيد.. فقد قدمنا: أنه مات قبل ذلك.
ولا بد أيضاً من الاعتذار:
واحتمل البعض: أن يكون لأحدهما أم من رضاع، أو غيره([283]).. وهو احتمال لا شاهد له، ولا دليل عليه، إلا الالتزام بتصحيح ما ورد في حديث الإفك.. وليس هو مما يستحق هذا التكلف، بعد أن تواردت عليه العلل والأسقام.
13 ـ زيد بن حارثة:
تنص رواية ابن عمر على: أن زيد بن حارثة كان حين قضية الإفك قد توفي ولذلك استشار النبي "صلى الله عليه وآله" ولده أسامة.
ونقول:
إن من الواضح: أن الإفك قد كان في سنة ست، أو قبلها. وزيد بن حارثة قد استشهد في غزوة مؤتة في سنة ثمان، فكيف يكون حين الإفك قد توفي؟!
الفصل السادس:
مفارقات تاريخية
1 ـ متى نزلت آيات الإفك؟
لقد وردت آيات الإفك في سورة النور، والظاهر أن سورة النور قد ابتدأ نزولها في السنة الثامنة، على وجه التقريب. وذلك لعدة أدلة:
الأول: أنها نزلت بعد سورة النصر([284]). وسورة النصر نزلت في سنة ثمان، فقد ورد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" عاش بعدها سنتين فقط([285]).
الثاني: أنها نزلت بعد الأحزاب، التي ابتدأ نزولها في سنة خمس. وبينها وبين سورة النور ـ حسب رواية ابن عباس ـ عدة سور: فالأحزاب، ثم الممتحنة، ثم النساء، ثم إذا زلزلت، ثم الحديد، ثم القتال، ثم الرعد، ثم الرحمن، ثم الإنسان، ثم الطلاق ثم لم يكن، ثم الحشر، ثم إذا جاء نصر الله. ثم النور([286]).
وفي هذه السور شواهد كثيرة على نزول عدد من آياتها بعد سنة ست..
الثالث: أن آيات اللعان الواقعة في صدر السورة قد نزلت سنة تسع، بعد رجوع النبي "صلى الله عليه وآله" من غزوة تبوك في قصة عويمر بن ساعدة، واتهامه شريك بن السمحاء بأنه زنى بامرأته، فراجع([287]).
الرابع: إذا أضفنا إلى ذلك: أن هناك من يرى أن ترتيب القرآن هو نفس الترتيب الذي في اللوح المحفوظ، بلا تصرف، ولا تغيير،
ومالك يقول: إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي "صلى الله عليه وآله"، وكذا قال البغوي: أنهم كتبوا القرآن كما سمعوا من النبي "صلى الله عليه وآله" من غير أن قدموا شيئاً، أو أخروا([288])،
وأضفنا إلى ذلك: أنه قد ذكر في أول هذه السورة ـ سورة النور ـ ما يدل على أنها نزلت جملة واحدة، حيث قال تعالى: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ..}،
وأضفنا إليه: أن الصحابة ما كانوا يعرفون انتهاء السورة، وابتداء غيرها إلا بعد نزول البسملة([289])،
فإننا سوف نطمئن ـ بعد كل ذلك ـ إلى أن آيات الإفك قد تأخر نزولها إلى سنة ثمان. من دون أي تصرف في آيات السورة أصلاً..
2 ـ متى كان فرض الحجاب؟
زعموا: أن الحجاب قد نزل فرضه في سنة خمس من الهجرة([290]). وذلك حين تزوج النبي "صلى الله عليه وآله" بزينب بنت جحش.
ونقول:
إن ذلك غير صحيح، وذلك لما يلي:
أولاً: تذكر قضية الإفك: أن الإفك قد كان بعد فرض الحجاب، مع أن آيات الحجاب قد وردت في سورة النور، وسورة النور قد نزلت بعد سنة ست، كما قدمنا في المبحث السابق.
ثانياً: إن الظاهر من قوله تعالى في أول سورة النور: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا} أن هذه السورة قد نزلت كلها دفعة واحدة.. وتقدمت شواهد أخرى تدل على ذلك..
وهذا معناه: أن آيات الحجاب قد نزلت مع آيات الإفك في سورة واحدة، ودفعة واحدة، فكيف يكون الحجاب قد فرض قبل ذلك؟!
فما في روايات الإفك من افتراض الحجاب ووجوبه قبل نزول سورة النور مما لا يجتمعان.
ثالثاً: إنهم يقولون: إن الحجاب إنما فرض حينما تزوج "صلى الله عليه وآله" بزينب بنت جحش، حيث بقي الرجال جالسين، حتى تضايق النبي "صلى الله عليه وآله" منهم، ففرض الحجاب حينئذ([291]).
كما أن حمنة ـ حسب روايات الإفك ـ قد طفقت تحارب لأختها زينب.. لكن الله قد عصم أختها بالورع.
مما يعني: أن زينب كانت حين قضية الإفك زوجة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإنما نزل الحجاب بمناسبة تزويجها به "صلى الله عليه وآله".
ولكننا نقول: إن ذلك موضع شك كبير، بل منع.. فإننا إذا أخذنا بقول من يقول: إن الإفك كان سنة أربع أو خمس، فإنما كان في شعبان منها.. ولا خلاف عندهم في كون الحجاب قد فرض في ذي القعدة سنة خمس([292])، حسبما تقدم. فهو إذن بعد قضية الإفك بلا ريب.
بل إن ابن سعد، والطبري، والبلاذري يطلقون الحكم هنا، ويقولون: إن تزوُّج النبي "صلى الله عليه وآله" بزينب قد كان بعد المريسيع([293]). أضاف البلاذري قوله: ويقال: إنه تزوجها في سنة ثلاث وليس بثبت([294]).
وإن قلنا: أن الإفك كان في السنة السادسة ـ كما هو الصحيح ـ فبالإضافة إلى حكم البلاذري، والطبري، وابن سعد المتقدم نلاحظ ما يلي:
أولاً: إن هناك رواية تقول: إن عمرة بنت عبد الرحمن سألت عائشة: متى تزوج رسول الله "صلى الله عليه وآله" زينب بنت جحش؟
قالت: مرجعنا من غزوة المريسيع، أو بعده بقليل([295]).
ثانياً: يظهر من عبد الرزاق، بل صريحه: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تزوج بزينب بعد تزوجه بصفية، حيث قال، وهو يعدد زوجات النبي "صلى الله عليه وآله": "..ثم نكح صفية بنت حيي، وهي مما أفاء الله عليه يوم خيبر، ثم نكح زينب بنت جحش.."([296]) والحجاب إنما فرض ـ كما يقولون ـ : في قصة زينب، ففرض الحجاب إذن يكون بعد المريسيع.
فكيف تقول عائشة: إن الإفك كان بعد فرض الحجاب، وبعد تزوجه "صلى الله عليه وآله" بزينب؟! وأنها خمرت وجهها بجلبابها، وأن حمنة طفقت تحارب لأختها زينب، التي عصمها الله بالورع.. وأنه سأل زينب عن أمرها في الإفك، فبرأتها؟!
وأما دعوى: أن حديث الإفك يدل على تقدم زواجه "صلى الله عليه وآله" بزينب، وفرض الحجاب([297])، فهي مصادرة وتحكم بلا دليل.
بل إن العكس هو الصحيح، لأن حديث الإفك فيه الكثير من الإشكالات الأساسية الموجبة لضعفه ووهنه، فلا يقوى على مقاومة النصوص التاريخية الأخرى.
ولو أردنا: أن نصحح حديث الإفك لوجب ان نغير جانباً عظيماً من التاريخ ليوافقه وينسجم معه.. ولا يمكن ذلك، ولا يصح، من أجل رواية واحدة، متناقضة، ضعيفة السند والمتن.. وتنتابها العلل من كل جانب ومكان.
ثالثاً: قد عرفنا: أن سورة النور قد نزلت في سنة تسع لأجل آيات اللعان، التي نزلت في سنة تسع بعد رجوعه "صلى الله عليه وآله" من تبوك.
رابعاً: هناك روايات تذكر: أن سبب نزول الحجاب هو جرأة عمر على نساء رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين نادى سودة بنت زمعة وهي تذهب إلى المناصع ليلاً، وقال لها: قد عرفناك يا سودة([298]).
وفي نص آخر: أن آيات الحجاب نزلت في إيذاء المنافقين لنسائه "صلى الله عليه وآله" حين كن يخرجن بالليل لحاجاتهن([299]). أو حين أكل عمر مع بعض نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، فأصابت يده بعض أيدي نساء النبي "صلى الله عليه وآله" ([300]).
3 ـ المـنـبـر:
أ ـ لقد ورد في روايات الإفك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صعد المنبر، واستعذر من ابن أُبي، وأن الحيين تثاورا، فما زال يخفضهم وهو على المنبر، حتى سكتوا وسكت.
مع أنهم يذكرون: أن المنبر لم يكن قد اتخذ بعد. وإنما اتخذ في السنة الثامنة([301])، بل في السنة التاسعة. كما يدل عليه ذكر تميم الداري في روايات المنبر، وتميم إنما قدم المدينة سنة تسع.
وذلك لأنهم يقولون: إن تميم الداري هو الذي صنعه([302]).
ب ـ وفيه أيضاً: ذكر للعباس بن عبد المطلب، الذي قدم المدينة في آخر سنة ثمان، فقد جاء في رواية: أنه "صلى الله عليه وآله"، عندما اقترح عليه تميم الداري المنبر شاور العباس بن عبد المطلب، فقال العباس: إن لي غلاماً يقال له: كلاب، أعمل الناس، فقال: مره أن يعمل([303]).. الحديث.
وفي المبهمات لابن بشكوال قال: قرأت بخط ابن حبان قال: ذكر عبد الله بن حسين الأندلسي في كتابه في الرجال، عن عمر بن عبد العزيز: أن المنبر عمله صباح مولى العباس([304]).
وقد حاول البعض توجيه ذلك: بأن المقصود: أنه وقف على شيء مرتفع من الطين([305]).
ولكن هذا التوجيه لا يعدو كونه تخرصاً لا مبرر له.. ولا سيما بملاحظة: أن لفظ المنبر لا يطلق على ذلك لغة، كما هو ظاهر..
ويرده أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" كان قبل اتخاذ المنبر يخطب وهو مستند إلى جذع. فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن الجذع، فأتاه فمسح يده عليه، حتى سكن([306]).
قال عياض: حنين الجذع مشهور منتشر، والخبر به متواتر، أخرجه أهل الصحيح، ورواه من الصحابة بضعة عشر([307]).
الفصل السابع:
القرآن.. وروايات الإفك
مما تقدم:
لقد ارتأينا: أن نبحث حديث الإفك هنا من وجهة نظر قرآنية أيضاً.
وقد تقدم في الفصل السابق البحث عن أمور عديدة، كان من بينها نقاط ثلاث، تعتبر أيضاً من الأمور القرآنية.. ونحن بعد أن ذكرناها هناك، لا نرى حاجة لإعادتها بصورة تفصيلية في هذا الفصل، وهذه الأمور الثلاثة هي:
الأول: ما تقدم من أن آيات الإفك لا بد أن تكون قد نزلت بعد الإفك بحوالي ثلاث سنين..
فإن الظاهر هو: أن سورة النور قد نزلت بأجمعها دفعة واحدة..
مع أنهم يقولون: إن حديث الإفك كان في السادسة، أو التي قبلها في غزوة المريسيع.. والآيات إنما نزلت في وقت حدوث الإفك، حسب تصريح الروايات. فكيف يكون الإفك في سنة ست، والآيات نزلت بعد هذه المدة الطويلة؟!..
الثاني: إن صريح روايات الإفك: أنه كان بعد فرض الحجاب، وآيات فرض الحجاب قد نزلت في سورة النور نفسها بعد سنة ثمان؛ فكيف يكون الإفك في سنة ست أو قبلها، وآيات فرض الحجاب نزلت في سنة ثمان؟!
هذا.. عدا عما تقدم من أن زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بزينب، التي نزلت آيات الحجاب في قضيتها، إنما كان بعد المريسيع.. بل بعد خيبر أيضاً كما عرفت.
الثالث: إن آيات اللعان الواردة في أول سورة النور تدل على أن الإفك قد كان في السنة التاسعة أيضاً؛ لأن اللعان إنما كان بعد غزوة تبوك حسبما تقدم.
وما نريد أن نذكره في هذا الفصل ـ بالإضافة إلى ما تقدم ـ هو الأمور التالية:
1 ـ المؤمنات:
لقد وصف القرآن الكريم تلك المرأة التي تعرضت للإفك عليها بالمؤمنة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ}([308]).
لكننا إذا راجعنا سورة التحريم، فسنواجه آيات فيها تعريض قوي، وإيحاء بالغ الدلالة على ضد ذلك، إذ إن عائشة وحفصة كانتا هما السبب في نزول تلك السورة، فتكونان بالتالي هما المقصودتان بتلك الآيات. فلاحظ ما يلي:
أ ـ قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ}([309]) فإن ظاهر السياق هو: أن هذه الصفات غير موجودة فيهن، وإنما هي موجودة في البدائل، وذلك ليصح الامتنان بهذا الأمر على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وليصح تهديدهن به والتعريض به لهن.
ب ـ إنه سبحانه قد اتخذ هو وجبرائيل، وصالح المؤمنين، والملائكة أيضاً جانب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليكون من يتظاهر على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الجانب الآخر. قال تعالى:
{إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُؤْمِنِينَ وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}([310]).
ج ـ ثم إنه سبحانه قد عرَّض بخيانتهما لرسول الله ـ من خلال إفشاء سره الخطير ـ فجعلهما في صف امرأتي نوح ولوط، فقال تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}([311]).
وكل ذلك وسواه.. يثير شكوكاً قوية حول إمكانية أن تكون الآيات الشريفة في سورة النور قد نزلت في عائشة، لتصفها بهذه الأوصاف المادحة، التي لا تتلاءم مع أجواء سورة التحريم..
2 ـ الغافلات:
وأما وصف "الغافلات" الوارد في آيات الإفك، فإنه هو الآخر يزيد من صعوبة دعوى أن تكون آيات الإفك قد نزلت في عائشة.
وهي أشدُّ مناسبة والتصاقاً بما جرى لمارية، إذ إن مارية كانت تعيش في مشربتها في معزل عن الناس، ولا تلتقي إلا برسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبنسيبها، أو أخيها مأبور، وليس ثمة من حدث لافت ومثير في حياتها تلك العادية والرتيبة.
أما عائشة فقد تركها النبي "صلى الله عليه وآله" في قلب الصحراء، وقد صادفها صفوان بن المعطل وحدها نائمة، أو مستيقظة، على اختلاف رواياتها.. وقد بقيت معه حتى قدم بها في اليوم التالي في نحر الظهيرة على جيش فيه الكثير من المنافقين، الذين يبحثون عن أية فرصة للنيل من رسول الله "صلى الله عليه وآله".. فكيف لم يخطر في بالها ـ والحالة هذه ـ : أن يتهمها المنافقون الحاقدون بما يسيء إلى سمعتها؟!
إلا إن كانت على درجة عالية جداً من السذاجة، البالغة إلى حد البله، وليست عائشة بهذه المثابة على أي حال. بل هي المرأة اليقظة الذكية التي استطاعت أن تقود حرباً ضد وصي رسول الله "صلى الله عليه وآله".. يقتل فيها ألوف كثيرة من المسلمين.
وهذه الملاحظة تزيد من مشكلات حديث الإفك على عائشة، وتؤكد عدم صحته.
3 ـ الإفك المبين:
وعن الإفك المبين نقول:
ألف: إن الآيات القرآنية توبخ المؤمنين، لأنهم لم يظنوا خيراً، وتكلفهم أن يحكموا بمجرد سماعهم بالإفك بأنه بهتان عظيم، وبأنه إفك مبين.. فلا بد أن يكون إفكاً بيناً ومعلوماً لدى كل أحد، ليمكن لكل من سمعه أن يحكم بكونه بهتاناً، وإفكاً مبيناً.
والأمر في قضية عائشة المروي عنها ليس كذلك، فالإيهام والإبهام فيها موجود، فتكليف الناس بأن يحكموا بأنه كذب مبين، لا معنى له.
فإنه إن كان الخطاب في الآيات متوجهاً للناس في قضية إفك عائشة، لكان ذلك تكليفاً بما لا يطاق.. لعدم كون الإفك في قصة عائشة ـ وبيتوتتها مع رجل غريب ـ واضحاً بيناً لكل من سمعه.
ب: إنه لو كان إفكاً مبيناً لم يهتم النبي "صلى الله عليه وآله" بالأمر، ولم يرتب الأثر على قول الآفكين، حسب روايات إفك عائشة.
فهذه الآيات إذن لا بد أن تكون ناظرة لقضية أخرى، يكون الإفك فيها واضحاً وبيناً جداً.. بحيث يصح معها توبيخ المؤمنين على موقفهم غير المنسجم مع طبيعة الأحداث.. فما هي هذه القضية التي تنظر إليها الآيات؟! هذا ما سوف نجيب عنه في الفصول الآتية، إن شاء الله تعالى.
4 ـ الذين جاءوا بالإفك:
يقول الله تعالى: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..}.
وإذا لاحظنا معنى العصبة في اللغة، فسنرى أن معناها: الجماعة المتعصبة المتعاضدة.
فيكون مفاد الآية: أن ثمة جماعة قد تعاضدت وتعاونت على صنع قضية الإفك، والمجيء به وافترائه.. وإلا لعبر بكلمة: جماعة، أو طائفة، أو نحو ذلك.
مع أن الأمر في قضية الإفك على عائشة لم يكن كذلك، لأن روايات الإفك على عائشة تفيد: أنها لما قدمت مع صفوان.. مرت معه على ابن أبي.. فقال: امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت. أو قال: "فجر بها ورب الكعبة" والعياذ بالله.. ثم صار يجمع، ويستوشي الأخبار.
وهذا معناه: أن بدء الإفك كان من رجل واحد وبشكل عفوي، من دون اتفاق وتعاضد مسبق.
كما أن ظاهر الآية: أنهم جاؤوا بالإفك معاً، لا أن أحدهم جاء به، ثم تبعه آخر وصدقه، وقذف متابعة له.
5 ـ عصبة "منكم":
ثم إن قول أم رومان: إن الإفك كان من الضرائر، لعله يقرب: أن المراد من قوله في الآية {عُصْبَةٌ مِّنكُمْ}: أن بعض نساء النبي "صلى الله عليه وآله" قد اشترك في قضية الإفك، بشكل رئيسي وفعال بحيث يصح نسبة ذلك إليهن من قبل أم رومان.. وقد انضم إليهن أقرباؤهن أو من له اتصال بهن بسبب أو نسب.. حتى صاروا عصبة ولذا قال تعالى: {مِّنكُمْ}!!.. هنا.
ولكنه صرح بكلمة {المُؤْمِنُونَ} في قوله: {ظَنَّ المُؤْمِنُونَ} مما يعني: أن ثمة تمايزاً من نوع ما بين من يطلب منهم الظن الحسن، والذين جاؤوا بالإفك.. ولو كان المقصود بـ "منكم" أي من المؤمنين، لكان اللازم أن يقول: "ظننتم بأنفسكم خيراً" ليتحد السياق وينسجم الكلام.
6 ـ العصبة:
ثم إن عدداً من روايات الإفك قد صرّح في تفسير كلمة عصبة منكم بأن المراد هو: أربعة منكم([312]). وهذا هو ما تذكره غالب روايات الإفك فإنها لم تذكر أزيد من أربعة أشخاص، هم: ابن أُبي، مسطح، حسان، حمنة.
وزاد بعضهم: علياً، وعبد الله بن جحش، وعبيد الله بن جحش.
وزاد بعضهم: زيد بن رفاعة.
وقد ذكرنا: أن تهمة الثلاثة الأواخر لا تصح تاريخياً، ويبقى الأربعة الأوائل.. وقد برأت عائشة حسان.. أو برأ نفسه، وبرأه عدد من المؤرخين، وأنكر مسطح أيضاً: أن يكون ممن خاض في الإفك.
وعلي أيضاً: ذكروا أنه برأها. وبرأه الزهري.
ولم يبق على الساحة سوى ابن أُبي، وحمنة بنت جحش.
إذا عرفنا هذا.. فلنعد إلى النص القرآني حول قضية الإفك، لنجده يقول: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..}.
والعصبة لغة: هي الجماعة من العشرة إلى الأربعين([313]).
وفسرها في أقرب الموارد بالعصابة، وفسر العصابة بـ "الجماعة من الرجال، ومن الخيل، ومن الطير، وقيل: العشرة، وقيل: ما بين العشرة إلى الأربعين"([314]).
وقال العسقلاني: "العصابة ـ بكسر العين ـ الجماعة من العشرة إلى الأربعين. ولا واحد لها من لفظها.."([315]).
ويؤيد ذلك: أن عروة قال: "لم يسم من أهل الإفك غير عبد الله بن أبي، وحسان، وحمنة، ومسطح في آخرين، لا علم لي بهم، غير أنهم عصبة.."([316]).
مما يعني: أن العصبة هم أكثر من ذلك.
وعليه.. فلا يمكن أن نصدق ما نسب إلى ابن عباس من تفسير العصبة بالأربعة فقط([317]).. فإن ذلك خلاف اللغة والعرف.. وابن عباس من البلغاء الفصحاء، لا يصدر عنه مثل ذلك.
وعلى كل حال.. فإن السبعة أو الثمانية لا يصدق عليهم: أنهم عصبة.. فكيف بالاثنين أو الأربعة.. سواء أفسرنا العصبة بالعشرة.. أو فسرناها بما بين العشرة والأربعين.
ومجرد إفاضة الناس في أمر الإفك.. لا يعني أن هؤلاء الناس هم الذين جاؤوا بالإفك.. كما هو ظاهر.
..فأين ذهبت أسماء بقية العصبة؟ وكيف غفل الناس عن أمر هام كهذا الأمر؟!.
نعم.. لا بد أن يكون ذكر أسمائهم مضراً بمصالح الذين يهتمون برواية حديث الإفك على هذا النحو الذي ذكرناه.
ولعل هذه النقطة تجعلنا أكثر يقيناً في القول: بأن الرواية تنطبق على مارية. حيث اشترك في الإفك عليها من لا يجمل بنا التصريح باسمه وكانت السياسة تقضي بمحو كل الآثار الدالة على حقيقة الإفكين ـ ولربما يأتي بعض ما يدل على ذلك.
7 ـ موقف النبي ' يخالف القرآن:
هذا.. ولعل جميع الروايات متضافرة على: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد رتب الأثر على قول الإفكين، وكان في ريب من عائشة، حيث تغيرت معاملته لها، ولم تعد تعرف منه ذلك اللطف وصار يقف على الباب ويقول: كيف تيكم؟ مع ما في هذه الكلمة من الإهانة، ثم هو يطلب منها التوبة، إن كان قد صدر منها ذنب، ثم إنه قد استشار في أمرها عدة أشخاص، وقرر بريرة وغيرها.
وفي رواية عمر: "فكان في قلب النبي "صلى الله عليه وآله" مما قالوا".
ثم إن نفس عائشة تلومهم على ترتيبهم الأثر، وشكهم.. حتى إنها تقول للذي بشرها بالبراءة: بحمد الله، وذمكما، تقصد أباها ورسول الله "صلى الله عليه وآله" أو: بحمدك لا بحمد صاحبك الذي أرسلك.. أو: بحمد الله لا بحمدك. أو نحو ذلك.
مع أن آيات الإفك توبخ على عدم الظن الحسن في هذا المورد وتقول: إنه كان يجب تكذيب هذه الفرية رأساً.. فقد قال تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.
فمن لوازم الإيمان حسن الظن، والنبي أحق من يتصف بهذه الصفة، وهو أبعد ما يكون عن الوقوع في الإثم، وله مقام النبوة، والعصمة الإلهية.
قال الزمخشري: "وهذا توبيخ وتعنيف للذين سمعوا الإفك فلم يجدوا في دفعه وإنكاره، واحتجاج عليهم بما هو ظاهر مكشوف في الشرع، من وجوب تكذيب القاذف بغير بينة، والتنكيل به إذا قذف امرأة محصنة من عرض نساء المسلمين، فكيف بأم المؤمنين.."([318]).
ونلاحظ: أن روايات الإفك تقول: إن عشرة من الصحابة، بل أكثر، قد ظنوا بعائشة خيراً.. ولم يظن بها السوء إلا النبي وعلي "صلوات الله وسلامه عليهما".
وحتى علي فإن بعض الروايات تقول: إنه قد برأها.. فاللوم القرآني على هذا إنما توجه إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقط، لأنه هو الذي هجرها شهراً، وأظهر الشك في براءتها.
أما أبو أيوب، فقد ظن خيراً وقال: لما سمع بالإفك: سبحانك ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم([319]).
وكذلك سعد بن معاذ([320]).
وعثمان.
وعمر.
وزيد بن حارثة.
وأسامة([321]).
وبريرة.
وزينب بنت جحش.
وأم أيمن.
وعلي، وغيرهم، ممن استنكر مثل هذا الأمر، وكذبه.
وقالت لها أم مسطح: أشهد أنك من الغافلات المؤمنات([322]).
فهل ذلك يعني: أن هؤلاء جميعاً كانوا أعرف من النبي "صلى الله عليه وآله"، وأشد إيماناً، وأقوى يقيناً وأتقى منه "صلى الله عليه وآله". العياذ بالله من الزلل، في القول والعمل.
واللافت أيضاً: أنهم يذكرون: أن عائشة نفسها عندما جاءها النبي "صلى الله عليه وآله"، وطلب منها الإقرار، أو الاستغفار، قالت: لقد سمعتموه وما أنكرتموه، ولا غيرتموه.. هذا مطابق تقريباً لقوله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.
وعائشة تواجه النبي "صلى الله عليه وآله" بقولها: وما أنكرتموه، فتسند إلى النبي "صلى الله عليه وآله" عين ما أنكره الله على من أفاض في الإفك ولم ينكره.. فكيف غاب ذلك عن النبي "صلى الله عليه وآله"، وأدركته عائشة، حديثة السن، والتي لم تكن تعرف كثيراً من القرآن؟! وكانت تغفل عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله؟!
إن ذلك لعجيب حقاً، وأي عجيب؟! لقد كانت النبوة إذن تليق بأحد هؤلاء: عائشة، بريرة، أبو أيوب، عمر، عثمان، أسامة، أبي زيد، أم أيوب، أم أيمن، زينب بنت جحش، سعد بن معاذ، أُبي بن كعب، قتادة بن النعمان على ما في بعض الروايات، وحتى علي "عليه السلام"، حسبما ذكرته روايات أخرى أيضاً.. دون النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"!!!
أليس عجيباً أن يكون موقف كل هؤلاء موافقاً للقرآن لكي يكون الأعجب من ذلك أن يكون موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هو المناقض تماماً لكتاب الله سبحانه؟!!
إن هذا بالذات: هو الانطباع الذي تسعى روايات الإفك إلى تقديمه كحقيقة تاريخية راهنة.. ولتكون من ثم أعجوبة الأعاجيب هي: أن يحرم هؤلاء الأفذاذ من مقام النبوة، أو حتى الألوهية.. ويُعطى مقام النبوة لمن يكون هذا حاله، وإلى هذا المصير والمستوى يكون مآله!! حسبما صورته لنا رواية الإفك، أعاذنا الله من الزلل إنه ولي المؤمنين.
ثم إنهم يقولون: إن زوجة النبي "صلى الله عليه وآله" يجوز أن تكون كافرة، كامرأة نوح، وامرأة لوط، ولا يجوز أن تكون فاجرة، لأن النبي مبعوث إلى الكفار، ليدعوهم، فيجب أن لا يكون معه ما ينفرهم عنه، والكفر غير منفر عندهم، وأما الفاحشة فمن أعظم المنفرات([323]).
فكيف أدرك هؤلاء هذه الحجة العقلية، المثبتة واقعاً ـ لا ظاهراً فحسب ـ نزاهة نسائه "صلى الله عليه وآله"، ولم يدركها النبي نفسه، ورتب الأثر على قول الإفكين، وارتاب بأهله؟!!..
ويقولون أيضاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أتى إلى عائشة، وطلب منها الاعتراف قائلاً: "..إن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه".
وقد حمل عياض هذا الكلام على أنه قد طلب منها التوبة فقط([324]).
ولكن هذا التوجيه يخالف ظاهر الكلام بصورة واضحة..
كما أن نفس جواب عائشة ينافي كلام عياض، فقد قالت: لئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر، لتصدقني الخ..
وعلى كل حال.. فيرد هنا سؤال، على تقدير أن لا يكون صفوان بن المعطل عنيناً: أنه قد كان اللازم، هو أن يندبها النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الكتمان، كما فعل "صلى الله عليه وآله" مع الذين جاؤوا ليعترفوا له بأمر من هذا القبيل، حيث صرف وجهه عنهم عدة مرات، وحاول تشكيكهم فيما يريدون الاعتراف به.
وأجاب الداودي: بالفرق بين أزواج النبي "صلى الله عليه وآله"، فيجب عليهن الاعتراف، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منهن ذلك.. بخلاف نساء الناس: فإنهن ندبن إلى الستر، ولذا صح منه "صلى الله عليه وآله" طلب الاعتراف منها.
وهذه دعوى لا يمكن قبولها، لا من الداودي ولا من غيره، إذ إن حرمة إمساك من يقع منهن ذلك تكليف متوجه إلى النبي "صلى الله عليه وآله".. وذلك لا يعني إلزام النبي "صلى الله عليه وآله" بالبحث عن هذا الأمر.. بل يحرم عليه الإمساك لو علم بهذا الأمر وفقاً لأسلوب الشارع وطريقته، وضمن حدوده وشرائعه، التي منها التستر، وعدم الرغبة في الإقرار به.. ولم يرد ما يدل على أنه يجب على الرسول "صلى الله عليه وآله" أن يتقصى هذا الأمر، وأن يستخرجه، ولو عن طريق الإصرار على الإقرار به.
كما أن ذلك لا يلزم منه وجوب اعتراف النساء أنفسهن بذلك.. ولا يكون ذلك دليلاً على الفرق بينهن وبين نساء غير الأنبياء في هذا الأمر.
هذا، بالاضافة إلى الحقيقة المسلمة عند كل أحد: أن أمراً كهذا لا يصدر من زوجات الأنبياء "عليهم السلام"، فكيف عرفه الناس ولم يعرفه رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!!
8 ـ فأصلحوا بين أخويكم، في من نزلت؟!:
إن بعض روايات الإفك ـ وهي رواية ابن عمر ـ أفادت: أن آية {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا..} قد نزلت في هذه المناسبة. وذلك عندما تثاور الحيان: الأوس والخزرج، والنبي "صلى الله عليه وآله" على المنبر، فما زال يخفضهم حتى سكتوا.
مع أن المعروف والمشهور، هو: أنها قد نزلت في مناسبة أخرى ـ غير حديث الإفك ـ فقد:
أخرج أحمد، والبخاري، ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، عن أنس قال: قيل للنبي "صلى الله عليه وآله": لو أتيت عبد الله بن أُبي، فانطلق، وركب حماراً، وانطلق المسلمون يمشون، وهي سبخة، فلما انطلق إليهم، قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله "صلى الله عليه وآله" أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد، وبالأيدي، والنعال، فأنزل فيهم: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا..}([325]).
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة، قال: ذكر لنا: أن هذه الآية نزلت في رجلين من الأنصار، وكانت مماراة في حق بينهما، فقال أحدهما للآخر: لآخذن عنوة، لكثرة عشيرته، وأن الآخر دعاه ليحاكمه إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فأبى. فلم يزل الأمر حتى تدافعوا، وحتى تناول بعضهم بعضاً بالأيدي والنعال، ولم يكن قتال بالسيوف([326]).
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدي: أنها نزلت في رجل من الأنصار، يقال له: عمران، منع امرأته من زيارة أهلها، فأرسلت إليهم، فجاؤوا ليأخذوها، فاستعان الرجل بأهله، فتدافعوا، واجتلدوا بالنعال، فنزلت الآية، فأصلح النبي "صلى الله عليه وآله" بينهم([327]). فمن نصدق؟
هل نصدق رواية عائشة، التي توالت عليها العلل والأسقام، وفيها تحاول عائشة تضخيم الأمر، وجر النار إلى قرصها؟
أم نصدق الروايات التي لا مجال للتشكيك فيها سوى معارضتها برواية عائشة التي هذا حالها؟!!
9 ـ آية رمي المحصنات:
وبالنسبة إلى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ..}، نقول:
قال الزمخشري: "فإن قلت: إن كانت عائشة هي المرادة، فكيف قيل المحصنات؟ (يعني بصيغة الجمع).
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن يراد بالمحصنات أزواج رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن يخصصن بأن من قذفهن، فهذا الوعيد لاحق به، وإذا أُردن ـ وعائشة كبراهن منزلة وقربة عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ كانت المرادة أولاً.
والثاني: أنها أم المؤمنين، فجمعت إرادةً لها، ولبناتها من نساء الأمة الموصوفات بالإحصان، والغفلة، والإيمان الخ.."([328]).
وقال الإسكندراني في حاشيته على الكشاف: "والأظهر: أن المراد عموم المحصنات، والمقصود بذكرهن على العموم: وعيد من وقع في عائشة على أبلغ الوجوه، لأنه إذا كان هذا وعيد من قذف آحاد المؤمنات، فما الظن بوعيد من قذف سيدتهن، وزوج سيد البشر "صلى الله عليه وآله"؟ على أن تعميم الوعيد أبلغ وأقطع من تخصيصه"([329]).
وقال البعض المراد عائشة، والجمع للتعظيم([330])..
ونقول:
إن هذا كله قد قيل بسبب الإصرار على أن تكون آية: الطيبات للطيبين قد نزلت في عائشة، مع أننا نرى أن البعض يقول: قد "نزلت الآية في مشركي مكة، حين كان بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله" عهد، وكانت المرأة إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة قذفها المشركون من أهل مكة، وقالوا: إنما خرجت لتفجر"([331]).
هذا بالإضافة إلى عموم الآية الظاهرة في إعطاء ضابطة كلية، يرجع إليها في الموارد المختلفة، إذا أمكن تطبيق تلك الضابطة عليها.
10 ـ آية الإنفاق على مسطح:
وقالوا: إن قوله تعالى: {وَلا يَأتَلِ أوْلُوا الْفَضْلِ} قد نزل في خصوص أبي بكر، ومسطح.. فإن أبا بكر كان قد حلف أن لا ينيل مسطحاً خيراً أبداً بعد الذي كان منه في عائشة، فلما نزلت الآية تحلل من يمينه، وعاد إلى الإنفاق عليه.
وفي بعضها: أن مسطحاً كان يتيماً في حجره.. ونصوص الرواية كثيرة([332]).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، وذلك للأمور التالية:
أولاً: روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، ومعمر، قالا: أخبرنا هشام بن عروة، عن عائشة، أنها أخبرته: أن أبا بكر لم يكن يحنث في يمين يحلف بها، حتى أنزل الله كفارة الأيمان، فقال: والله لا أرى يميناً حلفت عليها غيرها خيراً منها، إلا قبلت رخصة الله، وفعلت الذي هو خير..([333]) والسند صحيح عند الراغبين في منح عائشة وأبيها الأوسمة والكرامات.
ومن المعلوم: أن آية كفارة الأيمان قد جاءت في سورة المائدة، وهي قد نزلت في أواخر حياة النبي "صلى الله عليه وآله".. فكيف حنث أبو بكر في قضية مسطح، ثم قال: "لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا تحللتها، وأتيت الذي هو خير.."؟!([334]).
إن هذا القول ينافيه قول عائشة السابق ويدفعه، إذ إن عائشة تقول: إن أبا بكر قد قال هذا القول عندما نزلت آية كفارة الأيمان، لا في مناسبة الإنفاق على مسطح.. وهو دليل على عدم حنثه بيمينه في مسطح، إن كان قد حلف حقاً.
ثانياً: أخرج ابن جرير وابن مردويه، عن ابن عباس، قال: كان ناس من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد رموا عائشة بالقبيح، وأفشوا ذلك، وتكلموا فيه. فأقسم ناس من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، منهم أبو بكر: أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من هذا، ولا يصلوه الخ.. ([335]) وروي مثل ذلك عن الضحاك أيضاً([336])..
وهذا يعني: أن الآية لم تنزل في أبي بكر خاصة، بل نزلت في ناس من أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ولعل قول الراوي: "منهم أبو بكر" قد جاء على سبيل الانصياع لرواية حديث الإفك التي تتوارد عليها العلل، وتعبث بها الحقائق الثابتة أيما عبث.
ومهما يكن من أمر، فإن السؤال هو: لماذا تحصر الروايات نزول الآية في خصوص أبي بكر؟!
أضف إلى ذلك: أن الطبرسي "رحمه الله" قد ذكر هذه الرواية في مجمعه، لكنه لم يذكر فيها أبا بكر([337]).
ثم.. لماذا تخصيص أبي بكر بالذكر هنا من بين سائر من حلف من أولئك الصحابة.. فهل لقسمه خصوصية؟ أو طعم أو لون خاص؟! لست أدري!!
ولكن الذي يتبادر إلى ذهني: أن تكون رواية الطبرسي هي الصحيحة، وأن ذكر أبي بكر هنا ليس إلا من تزيد الرواة.. ولا سيما بملاحظة ما سيأتي.. من أن مسطحاً لم يكن ممن جاء بالإفك أصلاً.
بقي أن نشير هنا: إلى أن رواية الطبرسي هذه هي الموافقة لظاهر القرآن، الذي عبر عن هؤلاء الصحابة بصيغة الجمع، كما أنه جاء بثلاثة أنواع من أناس، قد حلف الصحابة على عدم نفعهم، عبر عنهم كلهم بصيغة الجمع، وهم: أولو القربى، والمساكين، والمهاجرون.. فجعل ذلك كله متوجهاً إلى رجل واحد، هو مسطح، خلاف الظاهر..
ثالثاً: لقد أنكر مسطح نفسه أن يكون ممن خاض في الإفك، وأقسم أنه ما قذف عائشة، ولا تكلم بشيء، فقال له أبو بكر: لكنك ضحكت، وأعجبك الذي قيل فيها، قال: لعله قد كان بعض ذلك.. فأنزل الله في شأنه: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} الآية([338])..
ولعل ما ورد في مرسلة سعيد بن جبير من قوله: "..وخاض بعضهم، وبعضهم أعجبه"([339]).. ناظر إلى هذا.
إذن.. فكيف حلف أبو بكر أن لا ينفعه بنافعة أبداً؟.
وكيف تقول عائشة في روايتها: إنه كان قد خاض في الإفك حتى نزلت الآية الشريفة في حقه؟!
رابعاً: في رواية عن ابن سيرين: أن أبا بكر حلف في يتيمين كانا في حجره، أحدهما: مسطح، الذي شهد بدراً، والآية نزلت بهذه المناسبة([340]).
ونحن.. لا نعرف لماذا عبر ابن سيرين عن مسطح بأنه يتيم، مع أنه قد شهد بدراً، فهل الذي يشهد بدراً يكون صغيراً بحيث يطلق عليه أنه يتيم في حجر من يربيه؟! أليس قد مضى على بدر من حين الإفك أكثر من أربع سنين؟! أليس شهوده بدراً يدل على أنه كان حينئذ في سن البلوغ على الأقل، وقادر على الحرب، ويجيد الطعن والضرب؟ وإلا لكان "صلى الله عليه وآله" قد رده كما رد ابن عمر.
وهل يصح إطلاق عبارة: "يتيم في حجر فلان" على الرجل الكامل العاقل!
وإذا كان قد جلد حداً أو حدين، كما في بعض الروايات، فهل يجلد اليتيم القاصر؟!
خامساً: نقول كل ذلك.. مع غض النظر عن التناقض الشديد في الرواية التي تتحدث عن أبي بكر ومسطح، كما ربما يظهر ذلك مما ذكرناه آنفاً.. وأيضاً مع غض النظر عن أن هذه الرواية لم ترو إلا عن عائشة، وابن عباس من الصحابة.. وقد كان ابن عباس حين الإفك صغيراً، يتراوح عمره بين الست والتسع سنين، لو كان الإفك في سنة ست، فتبقى رواية عائشة فقط.
سادساً: قد روي من طرق شيعة أهل البيت "عليهم السلام": أن سبب نزول هذه الآية: أنه جرى كلام بين بعض الأنصار، وبين بعض المهاجرين، فتظاهر المهاجرون عليهم، وعلوا في الكلام، فغضب الأنصار من ذلك.. وآلت بينها: أن لا تبر ذوي الحاجة من المهاجرين، وتقطع معروفها عنهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فاتعظت الأنصار([341]).
سابعاً: إن إنفاق أبي بكر على مسطح غريب، وعجيب.. ولا سيما في فترة وقعة المريسيع.. التي كانت من الفترات الصعبة على النبي "صلى الله عليه وآله"، وأهل بيته، حتى إنه ربما كانت تمضي عليه ثلاثة أيام بلا طعام. وكان يشد الحجر على بطنه من الجوع، ولم تنفرج الحالة إلا بعد خيبر، كما تقول عائشة في معرض وصفها لحالة النبي "صلى الله عليه وآله"، وأهل بيته المقرحة للقلوب في هذه الفترة([342]).
وقد ذكرت: أن الأنصار كانوا دائماً يتفقدونهم بجفان الطعام، وجفنة سعد بن عبادة مشهورة.
فإذا كان أبو بكر من أهل الفضل والسعة في المال، كما تنص عليه الآية.. فلماذا لم يكن ينفق على ابنته، فضلاً عن أن يهدي للنبي "صلى الله عليه وآله" وأهل بيته، كما كان يفعل سعد بن عبادة؟! وإذا كان يفعل ذلك، فلماذا لم يرو لنا أحد شيئاً يذكر من ذلك؟!
لا مال لأبي بكر لينفق على أحد:
ولقد كان أبو بكر خياطاً، ولم يكن قسمه في الغنائم إلا كواحد من المسلمين، ولهذا احتاج إلى مواساة الأنصار له([343]) في المدينة.
وأما المال الذي يقال: إنه حمله من مكة إلى المدينة: خمسة آلاف أو ستة آلاف.. فنحن لا نجده أنفق منه على ابنته أسماء التي تزوجت الزبير، وهو فقير لا يملك شيئاً سوى فرسه، فكانت تخدم البيت، وتسوس الفرس، وتدق النوى لناضحه، وتعلفه، وتستقي الماء.. وتنقل النوى على رأسها من أرض الزبير التي أقطعه إياها الرسول "صلى الله عليه وآله"، على بعد ثلثي فرسخ من المدينة.. ([344]).
فلماذا لا ينفق على ابنته، ويكفيها حاجاتها، وهي بتلك الحالة من التعاسة، والفقر؟!
نعم، هي قد ادَّعت: أن أبا بكر أرسل إليها خادماً كفتها سياسة الفرس، قالت: فكأنما أعتقني([345]).. لكنها بقيت على ضنك العيش وشدته. ومكابدة الفقر وحدته.. ولم يلتفت إليها أبو بكر، ولا أنفق عليها.
بل لقد هاجر وحمل ماله معه، ولم يترك لهم شيئاً حسبما يزعمون.
لكنه ينفق على مسطح لتنزل فيه الآيات القرآنية، وينال الأوسمة.. لإنفاقه على مسكين، مهاجر، ذي قربى.. وكأن أسماء ابنته لا تجتمع فيها هذه الصفات الثلاث على أكمل وجه وأدقه، فهي مهاجرة، ومسكينة، وذات قربى لأبي بكر.
وعن حديث الخمسة أو الستة آلاف درهم التي يقال: إن أبا بكر قد جاء بها من مكة إلى المدينة حين هاجر نقول: إننا نشك في وجودها.. بعد أن رأيناه أشفق من تقديم الصدقة اليسيرة، ولو درهمين في قضية النجوى، حتى نزلت آية قرآنية توبخه هو وسائر الصحابة باستثناء علي "عليه السلام"؛ لإشفاقهم أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة([346]).
وبعد أن رأينا القصة التي تروى في سياق إثبات هذا المال، فيها إشكال كبير.. وهي قصة مجيء أبي قحافة إلى أسماء بعد مهاجرة أبي بكر، حيث سألها إن كان قد ترك أبو بكر لهم شيئاً.. وكان أعمى حينئذ، فجمعت أسماء له حصى، ووضعته في مكان المال، وأخذت يده ووضعتها على الحصى، لتوهمه أنه ترك لهم مالاً كثيراً.
نعم.. إن هذه القصة فيها إشكال كبير.. فإن أبا قحافة كان سليم العينين حينئذٍ صحيحهما، "قال الفاكهي: حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال عبد الله ـ والظاهر أنه ابن مسعود ـ: لما خرج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الغار، ذهبت أستخرج، وأنظر هل أحد يخبرني عنه، فأتيت دار أبي بكر، فوجدت أبا قحافة، فخرج علي، ومعه هراوة، فلما رآني اشتد نحوي، وهو يقول: هذا من الصباة الذين أفسدوا علي ابني"([347]).
وسند هذه الرواية: معتبر عند هؤلاء القوم، فكيف يكون قد كف بصره في ذلك الوقت، لتلمسه أسماء الحصى، بحجة أنه مال؟!
الفصل الثامن:
نصوص غير معقولة في حديث الإفك
مما سبق:
قد أشرنا فيما سبق خصوصاً في فصل "عائشة.." إلى أمور عديدة غير معقولة في حديث الإفك.. مثل قولها:
إنه "صلى الله عليه وآله" لم يتزوج بكراً غيرها.
وما تدعيه لنفسها من جمال.
وأن ضرائرها كن يحسدنها.
وأنها كانت لها حظوة عند رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وأنها كانت على درجة من الضعف والهزال.
وأنها كانت صغيرة السن جداً.
وأنها كانت على درجة من قلة الفطنة والغفلة، لا تفقه كثيراً من القرآن.
بالإضافة إلى خصائصها التي ميزتها على سائر نساء النبي. ونذكر في هذا الفصل طائفة أخرى من الأمور التي لا مجال لقبولها مما جاء في حديث الإفك فنقول:
1 ـ الإفك من الضرائر:
عندما سألت عائشة أمها عما يقوله الناس، قالت: "هوّني عليك، فوالله، لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا حسدنها، وأكثرن عليها".
إذن.. فضرائر عائشة هن اللواتي جئن بالإفك، وأكثرن عليها لوضاءتها، ولمحبة النبي لها.
ونقول:
إن عائشة نفسها تصرح: بأن نساء النبي "صلى الله عليه وآله" قد عصمن عن الخوض في الإفك.. إلا أن حمنة طفقت تحارب لأختها.. أما أختها نفسها فقد عصمها الله بالورع.. فلا ندري من نصدق: البنت؟! أم أمها؟!
ولقد اعتذر الحلبي بقوله: "إلا أن يقال: ظنت أمها ذلك على ما هو العادة في ذلك"([348]).
أما العسقلاني فحاول الاعتذار عن ذلك: بأن أمها أرادت تطييب نفسها، وأنها ذكرت صفة الضرائر عموماً، ولم تتهم ضرائر عائشة([349])..
ونقول:
أولاً: إنها احتمالات أقل ما يقال فيها: إنها خلاف الظاهر.. فلا يصار إليها إلا بدليل.
ومجرد الرغبة في دفع الإشكال عن حديث الإفك لا يكفي مبرراً لهذه التمحلات، ولا سيما مع كثرة مواقع الضعف والوهن في هذا الحديث.
ثانياً: كيف ظنت أمها ذلك؟ مع كون الخائضين بالإفك هم ابن أُبي، وأضرابه ممن لا ربط لهم ببيت النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".. ويعلم بهم كل أحد، ولم يبق ناد إلا طار فيه هذا الخبر.. فهذا مجرد اتهام للضرائر لا مبرر له، مع وجود الشياع العظيم في خارج بيت النبي "صلى الله عليه وآله"..
هذا مع علم أم رومان بشيوع الحديث، ووصوله إلى أبي بكر، وإلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وتحدث الناس به..
ثالثاً: أما أنها أرادت تطييب نفسها، فهل يكون ذلك باتهام الأبرياء، وزرع الحقد والضغينة لهن في نفس عائشة؟!.. لست أدري.. ولا أظن أحداً يدري.. إلا إن كان العسقلاني نفسه..
2 ـ هل كان صفوان حصوراً حقاً؟
وتقول روايات الإفك: إن صفوان بن المعطل لم يكن له مأرب في النساء، وإنه كان حصوراً لا يأتي النساء، أي إنما معه مثل الهدبة.. أي أنه كان عنيناً.. كما صُرّح به في كثير من الموارد([350]).
وأنه ما كشف كنف أنثى قط([351]).
ولكن كل ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً: إننا نجد ما يدل على أنه كان متزوجاً، وقد شكته زوجته إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه لا يمكنها من الصيام.. فكان عذره: أنه رجل شهواني، لا يصبر عن النساء، وإسناد هذه الرواية صحيح.
فلا معنى لجعل البزار والبخاري حديث الإفك دليلاً على عدم صحتها([352]).
ولم لا يكون العكس هو الصحيح، ولا سيما بملاحظة: أن حديث الإفك قد تواردت عليه العلل والأسقام الموجبة لضعفه وسقوطه؟!
وقد حاول العسقلاني الجمع والتوجيه: بأنه ربما يكون قد تزوج بعد حديث الإفك، ومعنى أنه لم يكشف كنف أثنى قط: أنه لم يجامع([353]).
ولكن ماذا يعمل العسقلاني بالنصوص الكثيرة التي تقول: إنه كان عنيناً، وله مثل الهدبة، ولا مأرب له بالنساء! إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه هنا؟!
والصحيح في القضية هو ما ذكرناه نحن، وأيدناه بما تقدم.
ثانياً: لقد روى القرطبي أيضاً: أن زوجة صفوان جاءت تشكوه إلى النبي "صلى الله عليه وآله": ومعها ابنان لها منه، فقال النبي "صلى الله عليه وآله": أشبه به من الغراب بالغراب([354]).
فكيف يكون للعنين الذي له مثل الهدبة أولاد؟!
وحين لم يستطع العسقلاني أن يجيب على هذا، حاول التشكيك بقول القرطبي بقوله: إنه لم يقف على مستنده في ذلك.. ثم يورد احتمال أن يكون الذي قال له النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك هو صفوان آخر([355]).
ولكنه بعد تصريح القرطبي بأن المراد هو ابن المعطل، فلا يصغى لاحتمالات العسقلاني، وتوجيهاته التبرعية، فإنها اجتهاد في مقابل النص.
وإذا كان العسقلاني لم يقف على مستند القرطبي، فإن ذلك لا يسقط الرواية عن درجة الاعتبار، بل هو يحتّم على العسقلاني أن يقوم بمزيد من البحث والتتبع.
وإذا لم يوجد للرواية سند، فإن ذلك لا يعني أن تكون كاذبة،لا سيما مع تقوّيها بالرواية الصحيحة التي سبقتها.
ثالثاً: من أين علمت عائشة وسواها أن لصفوان بن المعطل مثل هذه الهدبة؟! بل من أين علمت أن لا مأرب له بالنساء؟!
رابعاً: إذا كان صفوان عنيناً، وله مثل الهدبة، فلماذا لم يبادر كل من سمع الإفك إلى تكذيب ذلك، والسخرية من القاذفين والإفكين؟!!
وكيف شاع الإفك وذاع، حتى دخل كل ناد وبيت، كما نص عليه الزمخشري؟!
وكيف لم يلتفت الإفكون إلى أنهم لن يجدوا من يصدقهم في فريتهم، والحالة هذه؟!
ولماذا احتاج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الوحي والاستعذار من ابن أُبي؟!
ولماذا قال النبي "صلى الله عليه وآله" لعائشة: إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه.
ولماذا تبكي عائشة وأمها وأبوها، وتحمّ وتمرض؟!.
وكيف استقر في قلوبهم ذلك؟..
ولم لم يبادر أحد منهم ولا النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الذبّ عنها، وتكذيب القائلين؟!..
وصفوان.. لماذا لم يبادر إلى إظهار نفسه، والإعراب عن واقع القضية، وحقيقة الأمر؟!.
اعتذارات واهنة:
وأما احتمال أن يكون القذف فيما هو دون الزنا، فيرده: أن الآيات تطلب الشهداء الأربعة من القاذفين..
ويرده أيضاً: أنهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد حد من قذف، ولم يقولوا: إنه "صلى الله عليه وآله" قد عزّرهم!!
وأيضاً: لماذا يجازف ابن المعطل بضرب حسان، ثم يعرّض نفسه لغضب النبي "صلى الله عليه وآله"، من أجل ذلك؟
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
وقد يقال: إن المراد بكونه حصوراً: أنه ممن يحبس نفسه عن شهوته.
ونقول:
أولاً: قد تقدم: أنه لم يكن يمكن زوجته من الصيام حتى شكته إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثانياً: إن هذا الأمر لا ينفع في مقام التبرئة، لأنه وصف اختياري فيمكن أن يكون الإنسان كافاً نفسه اليوم غير كاف لها غداً أو بعد غد. وكم تجد من الناس من يكون على صفة العدالة اليوم ثم يخرج عن ذلك إلى دائرة الفسق وتعمّد ارتكاب الفواحش والمعاصي.
ثالثاً: إن هذا المعنى لا يناسب قولهم: إنهم وجدوه كذلك.
3 ـ صفوان يدخل على أهل النبي ':
وأما قول النبي "صلى الله عليه وآله" على المنبر عن صفوان: إنه ما كان يفارقه في سفر ولا حضر، ولم يكن يدخل على أهله إلا معه..
وفي لفظ: "بيتي".
وفي لفظ: "بيتاً من بيوتي إلا معي"([356]) فهو أيضاً غريب وعجيب.
فأولاً: إن صفوان حسبما يقولون: لم يسلم إلا في تلك السنة، ويرى بعض المؤرخين ـ وهو الواقدي ومن تبعه ـ : أن أول مشاهده الخندق.
بينما يرى فريق آخر: أن أول مشاهده هو غزوة المريسيع نفسها، وكان إسلامه قبلها([357]).
فكيف صح أن يقال: إنه لم يفارق النبي "صلى الله عليه وآله" في سفر، ولا في حضر، وهو لم يسلم، ولم يتبع النبي "صلى الله عليه وآله" إلا قبل مدة وجيزة جداً. وكانت أول مشاهده المريسيع نفسها.. فهل كان يدخل على زوجات النبي "صلى الله عليه وآله"، ويسافر معه، لا يفارقه وهو مشرك؟!
ثانياً: لو أننا تجاوزنا ذلك، فإن قول النبي "صلى الله عليه وآله": لم يكن يدخل على أهلي إلا معي.. غريب وعجيب، ولا سيما إذا صدقنا ما قالته الرواية: من أن الحجاب كان قد ضرب على نساء النبي..
فما هو المبرر لدخول صفوان على نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو رجل أجنبي عنهن، سواء في حضوره "صلى الله عليه وآله"، أو في حال غيابه؟!
وأين هي الغيرة، والحمية، والدين إذن؟!.
ألا يعتبر ذلك طعناً في شخص النبي "صلى الله عليه وآله" والعياذ بالله؟!.. هذا النبي الذي أمر زوجاته أن يستترن حتى من ابن أم مكتوم الأعمى، وحين قلن له "صلى الله عليه وآله": إنه أعمى، قال النبي "صلى الله عليه وآله": أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟([358]).
اللهم إلا أن نأخذ بقول ابن زيد: إن الناس كانوا لعائشة محرماً، فمع أيهم سافرت فقد سافرت مع محرم، وليس لغيرها من النساء ذلك([359]). ولكن:
1 ـ ليت شعري: ما الفرق بين عائشة، وبين سائر أزواج النبي "صلى الله عليه وآله"، ولماذا اختصت عائشة بهذه الفضيلة دونهن؟!
2 ـ لماذا إذن ضرب عليها الحجاب؟ فإن ذلك سفه ولغو، لعدم وجوب الستر عليها أصلاً، وجواز تبرجها تبرج الجاهلية!!
وكذلك لماذا يمنعها حتى من رؤية الأعمى ابن أم مكتوم؟!
ثالثاً: إنه لا معنى لقوله "صلى الله عليه وآله": لم يكن يدخل على أهلي إلا معي، فإن الإفك كان في حال غياب النبي "صلى الله عليه وآله"، لا في حال حضوره، ولا في حال دخوله على أهله..
إذ لم يدَّع أحد: أن صفوان قد دخل على أهل النبي بدون علمه، بل ادَّعوا الإفك عليه في بقائه مع عائشة في الصحراء، فقد قال ابن أُبي كما يروون: زوجة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت.. أو ما هو أقبح من هذا الكلام.
4 ـ هجاء حسان لصفوان وضربة صفوان له:
وأما ما ذكروه في روايات الإفك: من أن حسان بن ثابت قد هجا صفوان بقوله:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفـريعـة أمـسى بيضـة البلد
فعدا عليه صفوان فضربه بالسيف،
وتقدم في نص آخر: أنه قعد له، فضربه ضربة بالسيف، وهو يقول:
تـلقَّ ذبـاب السيف مني فـإنـنـي غـلام إذا هـوجـيت لست بشاعر
ولكـنـنـي أحمي حمـاي وانـتـقـم من الباهت الرامي الـبراة الطواهر
فاستغاث حسان الناس، ففر صفوان، فجاء حسان إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فاستعداه عليه، فاستوهبه، فعاضه من نخل عظيم، وجارية([360])، فإنه أيضاً: محل شك كبير، فقد ورد:
1 ـ أن فتية من المهاجرين والأنصار تنازعوا على الماء، وهم يسقون خيولهم، فغضب من ذلك حسان، فقال هذا الشعر.
وتفصيل القضية: أن جهجاه أورد فرساً لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وفرساً له الماء، فوجد على الماء فتية من الأنصار، فتنازعوا فاقتتلوا، فقال ابن أُبي: هذا ما جزونا به، آويناهم ثم هم يقاتلوننا.
فبلغ حسان بن ثابت، فهجا المهاجرين بالأبيات الإحدى عشرة، التي منها هذا البيت:
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابـن الفـريعـة أمسى بيـضة البلد
قال: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا حسان نفست علي إسلام قومي؟! وأغضبه كلامه.
فعدا صفوان على حسان، وضربه بالسيف، وقال:
تـلقَّ ذباب السيف منـي فـإنـنـي غـلام إذا هـوجـيت لست بشـاعر
ولـكـنـنـي أحمي حمـاي وانتـقـم من الباهت الـرامي البراة الطواهر
ثم ذكر: أن قوم حسان أخذوا صفوان، وأطلقه سعد بن عبادة، وكساه.. ثم أتوا بحسان إلى النبي "صلى الله عليه وآله" مرتين، فلم يقبله، وقبله في الثالثة([361]).
وهذه هي الرواية المنسجمة مع سائر النصوص.. كتعبير ابن أُبي عن المهاجرين بـ "الجلابيب"([362]).
2 ـ إن روايات الإفك تصرح: بأن حساناً كان يعرّض بمن أسلم من مضر.
ونقول: ما شأن من أسلم من مضر بقضية الإفك؟!
3 ـ وبالنسبة لقول النبي "صلى الله عليه وآله" لحسان: "أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام"؟
نقول: لماذا لم يؤنبه النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" على قذفه، وإنما أنبه على هجائه لقومه فقط؟!
4 ـ وبالنسبة لقول صفوان لحسان حين ضربه بالسيف:
تـلـقَّ ذبـاب السـيـف مني فـإنـني غـلام إذا هـوجـيت لست بشـاعر
نقول: إن هذا الشعر يشير إلى أن صفوان بن المعطل إنما ينتقم من حسان بسبب هجائه له.. وهو الأمر الذي عجز صفوان عن مواجهته، فلجأ إلى طريقة العنف.
5 ـ إن قول صفوان في البيت التالي:
ولـكـنـنـي أحمي حمـاي وأنـتـقـم من الباهت الرامي الـبراة الطواهر
صريح في أنه يؤنبه على رميه الطواهر من النساء، وليس بالضرورة أن يكون مقصوده هو عائشة، فيما يرتبط بالإفك عليها، بل المقصود ـ كما صرح به الصنعاني ـ هو أم صفوان، فإن حسان بن ثابت كان يهجو صفوان بن المعطل ويذكر أمه، فضربه من أجل ذلك([363]).
6 ـ قد ذكرت بعض الروايات أن صفوان قال: "آذاني، وهجاني، وسفه عليّ، وحسدني على الإسلام، ثم أقبل على حسان، وقال: أسفهت على قوم أسلموا"؟([364]).
فلو كانت القضية في موضوع الإفك، لكان المناسب احتجاج صفوان عليه بذلك، ليكون باب العذر له أوسع.. وكان على النبي "صلى الله عليه وآله": أن يؤنبه على ذلك أيضاً، لأن ذلك عند الله عظيم، كما عبّرت به الآية الشريفة.
7 ـ وقال السمهودي، وأبو الفرج: روى عقبة، عن العطاف بن خالد، قال: كان حسان يجلس في أجمة فارع، ويجلس معه أصحابه: ويضع لهم بساطاً يجلسون عليه، فقال يوماً ـ وهو يرى كثرة من يأتي رسول الله "صلى الله عليه وآله" من العرب يسلمون ـ :
أرى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا وابن الفريعـة أمسى بيـضـة البلـد
فبلغ ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: من لي من أصحاب البساط؟
فقال صفوان بن المعطل: أنا لك يا رسول الله منهم، فخرج إليهم، واخترط سيفه، فلما رأوه مقبلاً عرفوا من وجهه الشر، ففروا وتبددوا، وأدرك حسان داخلاً بيته، فضربه، ففلق ثنّته.
فبلغني: أن النبي "صلى الله عليه وآله" عوضه، وأعطاه حائطاً، فباعه من معاوية بن أبي سفيان بمال كبير، فبناه معاوية بن أبي سفيان قصراً([365]).
وخلاصة الأمر: أن كل الدلائل والشواهد تشير إلى أن ضرب صفوان لحسان لا علاقة له بقضية الإفك على الإطلاق.
8 ـ وبعد كل ذلك.. لماذا يلجأ صفوان إلى ضرب حسان في قضية الإفك، وإلى استعمال أسلوب العنف معه، أليس قد علم الناس: أنه لا يقرب النساء، وأنه كان عنيناً، وأن له مثل الهدبة؟!
ولماذا.. لا يضرب ابن أبي أيضاً، أليس هو أولى بذلك، بعد ان تولى كبر الإفك، كما يقولون؟!
9 ـ وإذا كان قد ضرب حساناً، فلماذا يظهر النبي "صلى الله عليه وآله" التغيظ على صفوان، ويدافع عن قاذف زوجته، ويحاول المحافظة عليه، ثم يتبرع من ماله بسيرين، وبيرحاء ـ على ما يقولون ـ ليرضي حساناً عن ضربته؟!
ولماذا لا يرضيه من مال صفوان قصاصاً له؟!
ولماذا يهتم النبي "صلى الله عليه وآله" بالصلح بينهما، ويحاول إرضاء حسان بهذا النحو من التضحية بالمال وغيره، مع أن الصلح في قضية تتعلق بزوجة هذا المصلح نفسه؟! وتتضمن بالأخص رميها بالزنا.. نعوذ بالله من ذلك.
10 ـ وأما إذا كان صفوان قد ضربه بعد نزول آيات التبرئة.. وكان حسان قد عاد إلى القذف.. فقد كان اللازم: أن يقيم النبي "صلى الله عليه وآله" عليه الحد من جديد، مع أن الأمر يصير أشد وأعظم حينئذٍ، لأنه يتضمن تكذيب القرآن.
إلى غير ذلك من الأسئلة، التي لم ولن تجد لها جواباً مقنعاً ومقبولاً على الإطلاق.([366]).
5 ـ بيرحاء:
ويقولون: إن صفوان بن المعطل ضرب حسان بن ثابت في قضية الإفك، فعوّض النبي "صلى الله عليه وآله" حساناً عن ذلك ـ بالإضافة إلى سيرين ـ أرضاً اسمها: بيرحاء.
ونحن نشك في ذلك:
إذ قد ورد في البخاري: أن أبا طلحة قال للنبي "صلى الله عليه وآله": إن الله يقول في كتابه: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}. وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله.. أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله.
فقال "صلى الله عليه وآله": بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين.
فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله. فقسمها أبو طلحة في أقاربه، وبني عمه([367]).
فأعطاها لحسان، وأبي بن كعب، لأن حساناً يجتمع معه في الأب الثالث، وأبي ابن عمته([368])..
وأضاف ابن زبالة، عن أبي بكر بن حزم إليهما: ثبيط بن جابر، وشداد بن أوس، أو أباه أوس بن ثابت، يعني أخا حسان فتقاوموه، فصار لحسان، فباعه لمعاوية بمائة ألف درهم([369])..
6 ـ شعر حسان في الاعتذار لعائشة:
تذكر روايات الإفك: أن حسان بن ثابت قد اعتذر لعائشة بأبيات يقول فيها:
حصـان رزان مـــا تــــزن بـريـبة وتـصـبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له: لكنك لست كذلك.. وفيها:
فـإن كـان مـا قـد قيـل عنـي قلته فـلا رفـعـت سـوطي إلي أنـامـلي
إلى آخر الأبيات.
ونحن نشك في صحة ذلك، لما يلي:
1 ـ إن قوله: فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم، يدل على: أنه يكذب ما نسب إليه من الإفك، وليس فيه اعتذار لأحد.
بل هو يستدل على عدم صحة ذلك بقوله:
وكيف وودي مـا حييت ونصـرتي لآل رسـول الله زيـن المـحـافـــل
أأشـتـم خير الناس بعـلاً ووالـداً ونفسـاً لقـد أنـزلت شر المنـازل([370])
كما أنه ليس فيه تكذيب لنفسه كما زعمت بعض الروايات([371]) بل هو تكذيب لما نسب إليه مع استدلال وإيراد شواهد.
2 ـ ما رواه ابن هشام، عن أبي عبيدة، قال: إن امرأة مدحت بنت حسان بن ثابت عند عائشة، فقالت:
حصـان رزان مــا تـــزن بـريـبـة وتـصـبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة: لكن أباها([372]).
3 ـ وفي بعض طرق رواية مسروق: أن حساناً قال ذلك: "يشبب ببنتٍ له"([373]).
4 ـ لقد ورد: أن أنس بن زنيم، حينما بلغه إهدار النبي "صلى الله عليه وآله" دمه جاء إليه معتذراً، وأنشده أبياتاً كان منها قوله:
ونـبّـي رسـول الله: أنـي هـجـوته فـلا رفعت سـوطي إلي إذن يدي([374])
وعلى هذا.. فلا يستبعد أن تكون هذه القصيدة منحولة لحسان بما فيها أبيات التبري كما ربما تشير إليه الشواهد.
وقد قال الأصمعي عن حسان: "تنسب له أشياء لا تصح عنه"([375]).
ومحاولة العسقلاني التأكيد على: أن اللامية قد قالها حسان في عائشة، إذ قد ورد فيها:
فإن كنت قد قلت الذي زعموا لكم الخ....([376])،
ما هي إلا محاولة فاشلة، بعد أن ثبت التصرف في الأبيات.. وأيضاً فإن هذا البيت عام المضمون؛ فيمكن أن يكون قد بلغ ابنة حسان عن المادحة شيء يسوؤها، فتريد أن تبرئ نفسها منه. أو لعل البيت لأنس بن زنيم، ثم نحل لحسان، لحاجة في النفس قضيت.
هذا كله.. عدا عن أن البيت الأول، أعني قوله: حصان رزان الخ.. عام المضمون كذلك.
ويلاحظ أيضاً: أن بعض الأبيات المذكورة فيها ضعف ولين، لا يناسب شعر حسان. فليلاحظ قوله:
تعـاطـوا بـرجم القول زوج نبيهم وسخطة ذي العرش الكريم فاترحو
فـآذوا رسـول الله فيهـا وعـمـموا مخازي سـوء عمموها وفضحوا([377])
واخيراً:
فإن مما يلفت النظر هنا: أن البعض قد جعل قوله:
فــلا رفـعـت سـوطـي...... الخ..
دليلاً على أنه لم يجلد في الإفك، ولا خاض فيه([378])..
ولكنهم لما رأوا: أن قول الآخر:
لقـد ذاق حسـان الـذي كان أهله وحمنة، إذ قـالـوا هجيراً ومسـطح
ينافي ذلك، ادّعوا: أنه محرَّف، وأن الصحيح هو الرواية الأخرى:
لقـد ذاق عبد الله الذي كان أهله([379]) الخ..
بل لقد قالوا: إن هذا الشعر هو لحسان نفسه في ابن أُبي، وأنه قد قاله في الإفكين حين جلدوا([380]).
مع أن قائل هذا الشعر هو عبد الله بن رواحة، أو كعب بن مالك، كما سيأتي.. كما أن أبا عمر صاحب الإستيعاب قال: إن الأصح هو قوله:
لقـد ذاق حسـان الـذي كان أهله ([381]) الخ..
وعلى كل حال.. فإن عندنا مثل عامي يقول: الفاخوري يجعل أذن الجرة أين وكيفما أراد.
7 ـ توبة الإفكين أو تبرئتهم:
وقد ذكروا: أن عائشة قد رجت الجنة لحسان، وقالت، في قوله:
فـإن أبي، ووالـــده، وعـــرضــي لعـرض محــمـد منــكـم وقـاء..
بهذا البيت يغفر الله له كل ذنب.. وبرأته من أن يكون قد افترى عليها، ثم لما قيل لها: أليس ممن لعنه الله في الدنيا والآخرة بما قال فيك؟
قالت: لم يقل شيئاً الخ..([382]).
وأيضاً.. فإننا نجد في بعض الروايات: أن ابن عباس يؤكد على توبة حسان، ومسطح، وحمنة!!
ويقول الصفدي: "تاب الله على الجماعة إلا عبد الله السلولي"([383]). يقصد بالجماعة: حمنة، وحساناً، ومسطحاً.
وفي رواية: أن الله تعالى سوف يستوهب المهاجرين من الإفكين يوم القيامة، فيستأمر النبي "صلى الله عليه وآله" عائشة.. فتهبه إياهم([384]).
ونحن إزاء هذه المنقولات نشير إلى ما يلي:
1 ـ كيف تبرئ عائشة حساناً، وهم يقولون: إنه ممن تولى كبر الإفك؟!.
وكيف نجمع بين جعلها العذاب العظيم له هو عماه.. وبين قولها: لم يقل شيئاً؟!
فمن لم يقل شيئاً لماذا يكون له هذا العذاب العظيم؟
2 ـ كيف حكمت عائشة بمغفرة كل ذنب لحسان، وكيف يكون العذاب العظيم له هو عماه، مع أن القرآن قد نص على أن العذاب العظيم يكون في الآخرة، لا في الدنيا؟! وأنه عذاب ينتظر الإفكين، ولا مفر لهم منه، قال تعالى: {..لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}..
3 ـ كيف يحكم ابن عباس والصفدي بتوبة الإفكين، وكذلك عائشة، مع أن ابن عباس نفسه وغيره يصرحون: بأن من يقذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله"، لا توبة له، وأما من يقذف غيرهن فله توبة؟!([385]).
وروى الزمخشري وغيره: عن ابن عباس: أنه كان يوم عرفة في البصرة يفسر القرآن، وكان يسأل عن تفسيره، حتى سئل عن هذه الآيات، فقال: من أذنب ذنباً ثم تاب منه قبلت توبته، إلا من خاض في أمر عائشة.
قال الزمخشري: وهذا منه مبالغة، وتعظيم لأمر الإفك([386]). وهذا موافق لصريح الآيات القرآنية.
4 ـ كيف يحكم ابن عباس والصفدي بتوبة الثلاثة، وحصر العذاب الأخروي في ابن أبي، ونحن نرى: أن آيات القرآن قد نصت على أن العذاب العظيم في الآخرة لجميع الإفكين؟
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} إلى آخر الآيات.
هل لقاذف زوجة النبي ' توبة؟!
هذا.. ويرى البعض أن لقاذف زوجة النبي "صلى الله عليه وآله" توبة، وأنه إنما طوي ذكر التوبة في آيات الإفك لكونها معلومة([387])..
ونحن إزاء هذا الادِّعاء نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن من يقذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" يؤذي نفس النبي "صلى الله عليه وآله". ولا أعظم وأشد من أذيته "صلى الله عليه وآله" في ناموسه، وشرفه.. وحال من يؤذيه "صلى الله عليه وآله" في الدنيا والآخرة معلوم من الآيات القرآنية وغيرها.. ولا سيما إذا كانت أذية من هذا النوع!!
2 ـ إن هذا الرأي لا يضر بما قلناه آنفاً، من تناقض كلام ابن عباس وغيره في هذا المقام.
3 ـ قال الزمخشري: "..ولو فليت القرآن كله، وفتشت عما أوعد به من العصاة، لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة!! رضوان الله عليها، ولا أنزل من الآيات القوارع، المشحونة بالوعيد الشديد، والعتاب البليغ، والزجر العنيف، واستعظام ما ركب من ذلك، واستفظاع ما أقدم عليه، ما أنزل على طرق مختلفة، وأساليب مفتنة، كل واحد منها كاف في بابه.. ولو لم ينزل إلا هذه الآيات الثلاث (يعني قوله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ..} إلى قوله: {الحَقُّ المُبِينُ}..) لكفى بها: حيث جعل القَذَفَةَ ملعونين في الدارين جميعاً، وتوعدهم بالعذاب العظيم في الآخرة، وبأن ألسنتهم، وأيديهم، وأرجلهم تشهد عليهم بما أفكوا.."([388]).
ومع ذلك كله هم يقولون: إن لقاذف زوجة النبي توبة، لماذا؟ لكي يصح قولهم بتوبة حسان وأضرابه، ممن لهم بهم هوى سياسي أو غيره!!
ما عشت أراك الدهر عجباً!!
8 ـ ضرب بريرة:
وتذكر روايات الإفك: أن علياً "عليه السلام" قد انتهر الجارية بريرة، وفي بعضها: أنه ضربها.
وفي رواية: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لعلي: شأنك بالجارية.. فسألها علي، وتوعدها، فلم تخبره إلا بخير، ثم ضربها وسألها.
وفي رواية الاكتفاء، وابن إسحاق: فقام إليها علي، فضربها ضرباً شديداً، يقول: أصدقي رسول الله "صلى الله عليه وآله"([389]).
وعند ابن أبي الحديد: لما استشار النبي "صلى الله عليه وآله" علياً، قال له: "ما هي إلا شسع نعلك، وقال له: سل الخادم وخوفها، وإن أقامت على الجحود فاضربها، إلى أن قال: ونقل النساء إليها كلاماً كثيراً عن علي وفاطمة، وأنهما قد أظهرا الشماتة، جهاراً وسراً، بوقوع هذه الحادثة لها، فتفاقم الأمر وغلظ.." ثم ذكر: أنه عندما نزل القرآن ببراءتها، كان منها ما يكون من المغلوب حين ينتصر..([390]).
ونقول:
وفي نص آخر: أنه "عليه السلام" قال للنبي "صلى الله عليه وآله": "وسل بريرة خادمتها، وابحث عن خبرها منها، فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": فتول أنت يا علي تقريرها.
فقطع لها علي "عليه السلام" عسباً من النخل، وخلا بها يسألها عني، ويتهددها، ويرهبها. لا جرم أني لا أحب علياً أبداً"([391]).
ونقول:
1 ـ إننا لا نعرف المبرر لضرب بريرة ـ هذه التي عجب الناس من فقهها!! ـ كما يزعمون.. بل ما هو المبرر حتى لانتهارها؟!. بل ما هو المبرر لأمر النبي "صلى الله عليه وآله" له بذلك، بقوله: "شأنك بالجارية"؟!.
نعم.. لا نعرف المبرر لهذا الأمر الذي يقع بمرأى من النبي "صلى الله عليه وآله" وبمسمع، بل بموافقته وأمره، سعياً لانتزاع إقرار منها على زوجة هذا النبي الأعظم بالقبيح.. مع أن هذا النبي نفسه قد حرم التوسل بالقوة، أو بأي من أساليب التخويف، لانتزاع إقرار من أحد على غيره. وإذا كان علي "عليه السلام" قد بادر إلى ذلك من عند نفسه، وكان ذلك يمثل عدواناً عليها، فلماذا لا يقتص منه ما دام أنه قد اعتدى عليها بالضرب والتهديد؟!
2 ـ هل كانت بريرة حاضرة وناظرة لما جرى بين صفوان وعائشة لتعرف بالأمر وتقر به إثباتاً أو نفياً؟!
التوجيه البارد:
ومن الطريف هنا أن يوجه السهيلي ذلك بقوله: "..وإن ضرب علي للجارية، وهي حرّة ولم تستوجب ضرباً، ولا استأذن رسول الله "صلى الله عليه وآله" في ضربها.. فأرى معناه: أنه أغلظ لها بالقول، وتوعدها بالضرب، واتهمها أن تكون خانت الله ورسوله، فكتمت من الحديث ما لا يسعها كتمه، مع إدلاله، وأنه كان من أهل البيت.."([392]).
ونقول:
1 ـ إننا لا ندري متى تغيرت اللغة، وصار معنى قولهم: "ضربه": أنه تهدده بالضرب؟!.
2 ـ ولا ندري أيضاً.. ما الفرق بين الحرة والأمة، حتى يجوز ضرب الأمة بلا ذنب، ولا يجوز ضرب الحرة؟!
3 ـ ولا ندري كذلك.. إن كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يأذن في ضرب البريء، أو لا يأذن؟!
4 ـ ولا ندري رابعة: إن كان مجرد الاتهام لأحد يبرر ضربه، والاعتداء عليه، وتهديده؟!
5 ـ ولا ندري أخيراً!! وليتنا كنا ندري.. إن كان مجرد كون علي "عليه السلام" من أهل البيت "عليهم السلام"، وإدلاله بذلك، يسوِّغ له الاعتداء على الأبرياء بالضرب والتهديد؟!
فمن كان يدري.. فليعلمنا، فلسوف نكون له من الشاكرين.
9 ـ استشارة بريرة وتقريرها:
وأين قولهم: إنهم قد ضربوا بريرة لانتزاع إقرار منها على سيدتها، من قول بعض الروايات: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استشار بريرة، ثم صعد المنبر فبرأ عائشة؟
وبعض الروايات تعكس الأمر، وتقول: إنه برأها، ثم استشار في أمرها.
ونحن لا يمكننا قبول ذلك أيضاً، وذلك لما يلي:
أولاً: إنه حينما برأها أولاً.. قد دل على أنه قاطع بطهارة ذيلها.. فما معنى محاولة تقريرها ثانياً؟ فإن كان في شك من أمرها فقد كان الأجدر: أن يقررها قبل أن يقف في المسجد ذلك الموقف، ويقول ذلك القول، الذي كاد أن يوقع الفتنة بين الحيين الأوس والخزرج.. فإن ذلك هو التصرف الطبيعي لكل إنسان يواجه مشكلة من هذا النوع.
وكذلك الحال.. لو كان قد سأل عنها بريرة، ثم برأها على المنبر أولاً، ثم عاد فاستشار في أمرها، كما تقول بعض الروايات الأخرى.. فما المبرر لهذه الاستشارة اللاحقة؟ فإن الأولى والأجدر، والتصرف الطبيعي هو عكس ذلك. إذ أن السؤال والتبرئة لها لا يبقيان موقعاً للاستشارة في أمرها، لأن الأمر يكون قد حسم وانتهى.
وإن كان الأمر لم يحسم بذلك، فكيف اعتمد على قول بريرة حينما برأها أولاً على المنبر؟([393]).
ثانياً: إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد أعلن في المسجد براءة عائشة، ثم عاد فقرّر بريرة، فماذا سيكون موقفه لو أن بريرة أقرت بخلاف ما أعلنه، وماذا سيقول للناس يا ترى؟!
ثالثاً: هل كان النبي "صلى الله عليه وآله" الذي هو عقل الكل، وإمام الكل، ومدبر الكل بحاجة إلى الاستشارة حقاً؟!
وكيف أدركت بريرة براءة عائشة، وعجب الناس من فقهها، وكذلك عمر وعثمان، وأسامة، و..و.. و.. ولم يستطع النبي "صلى الله عليه وآله"، نبي الأمة أن يدرك ذلك؟!
وهل لم يكن عنده من الفقه بمقدار ما عند بريرة؟!.
وأين كان فقه علي "عليه السلام"، وكذلك فقه غيره من صحابة الرسول "صلى الله عليه وآله"؟!.
رابعاً: لنفرض أن بريرة اتهمت عائشة، والعياذ بالله، مع أنها سيدتها، وولية نعمتها، وواهبة حريتها.. فهل يستطيع النبي "صلى الله عليه وآله" أن يرتب الأثر على اتهام بريرة، وهو يعلم: أنها لم تكن معها في تلك الغزوة؟!
وإذا كانت معها، فلماذا لم تخبر حاملي الهودج أن سيدتها ليست فيه؟!
خامساً: هل يمكن للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يرتب الأثر على اتهامها لسيدتها، وهي شاهد واحد.. وهذا الشاهد هو امرأة، وليست رجلاً؟!
سادساً: إنها لم تشهد بالنفي، بل أظهرت عدم علمها بشيء؛ فكيف جاز ـ بعد هذا ـ للقسطلاني أن يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد اعتمد على قول بريرة، عندما برأ عائشة على المنبر، كما تقدم؟!!
سابعاً: ما هو المبرر لاستشارة أولئك الذين لم يحضروا ولم يشهدوا غزوة المريسيع أصلاً، مثل بريرة، وأم أيمن، وزينب بنت جحش وغيرهن؟!
ولم لم يختر من زوجاته إلا خصوص زينب بنت جحش، التي تقول عائشة: إنها الوحيدة التي كانت تساميها من بين زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" ليسألها؟ فهل يريد حقاً: إثبات التهمة عليها؟!..
ثم لماذا يترك سؤال واستشارة أم سلمة، التي تنص الروايات على أنها كانت معها في غزوة المريسيع؟!
ثامناً: حتى لو كانوا جميعاً معها في غزوة المريسيع، فأيهم ذلك الذي كان معها حينما وجدها ابن المعطل وحيدة في الصحراء، ثم لحقهم بها؟!!
فحتى لو شهد الكل عليها بالإثبات أو بالنفي.. فإن ذلك لا يفيد، ولا يصح ترتيب الأثر عليه، ولا يمكن إثبات شيء في أمر كهذا إلا عن طريق الإقرار وحسب، فلا معنى للاستشارة، ولا لسؤال أحد.
10 ـ نفاق سعد بن عبادة:
تقول عائشة: "فقام سعد بن عبادة، سيد الخزرج ـ وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ـ " ([394]).
وتقول عن أسيد بن حضير: "..وكان أسيد رجلاً صالحاً في بيت من الأوس عظيم"([395]).
فهل يعني ذلك: أن صلاح ابن عبادة قد ذهب الآن؟!
وإذا كان قد ذهب، فما الذي يكفل عودته إليه؟! فلعله استمر على عدم الصلاح إلى ما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، حتى طالب بالخلافة لنفسه، ونازع أباها، ولم يبايعه، حتى اغتالته السياسة في الشام، على حد تعبير طه حسين.
أما أسيد بن حضير ـ الذي شهدت له أم المؤمنين بالصلاح الفعلي!! وجعلته في بيت من الأوس عظيم!!! ـ سيأتي بعض ما يفسر لنا هذا الموقف تجاهه ـ فإن ذلك يرتبط بتاريخه ومواقفه ـ في موضعه كما سنرى إن شاء الله تعالى.
ثم.. هناك وصف أسيد بن حضير لسعد بن عبادة بأنه: منافق يجادل عن المنافقين!!. فإننا لا ندري ما هو المبرر لهذا، إذ من المعلوم لدى كل أحد أن ابن عبادة لم يكن منافقاً، بل هو من كبار الصحابة، وهو ينافس أباها في أمر الخلافة!!
والأنكى من ذلك: أن عائشة تحاول الإيحاء بصحة كلام ابن حضير، وذلك حينما تقول: وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً.
وأهم من ذلك كله: أن نجد النبي "صلى الله عليه وآله" يسكت عن وصفهم لسعد بالنفاق.
تأويلات موهونة:
وأجاب البعض عن هذا: بأن النبي إنما ترك الإنكار على ابن حضير، لأنه إنما قال ذلك مبالغة في زجر سعد، وعلى سبيل الغيظ والحنق.
وهذا الجواب لا يصح، لأن المنكر الذي صدر من أسيد، هو منكر على أي حال، سواء صدر منه على جهة الغيظ، أو لأجل الزجر، ولا يخرجه ذلك عن كونه قذفاً بأمر فظيع، وخطير جداً، ومعصية عظمى.
وقد اعتذر ابن التين ـ وحسّنه العسقلاني ـ : بأن مقصود عائشة: أنه لم يتقدم منه الوقوف مع أنفة الحمية([396]).
وهو كلام فارغ.. فإن ذلك يعني: أن سعداً قد وقف هنا مع أنفة الحمية، وأن ذلك لم يصدر منه قبل هذا.
ومن الواضح: أن هذا يكفي مبرراً للطعن في صلاحه، ولا سيما إذا كان هذا الوقوف يجر إلى إيذاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والنيل من كرامته وشرفه، ويؤدي إلى النزاع بين الأوس والخزرج.
هذا كله بالإضافة إلى: أن ابن معاذ لم يتكلم بما يثير الحمية الجاهلية عند ابن عبادة!!
وأما توجيه كلام أسيد تارة: بأن سعداً أراد أن يصنع صنيع المنافقين، لا أنه منافق بالفعل، وأخرى ـ كما يقول المازري ـ : بأنه ليس المراد: نفاق الكفر، بل المراد، أنه كان يظهر المودة للأوس، ثم ظهر عدمه،
أما هذه التوجيهات، فهي أيضاً لا يمكن أن تكون مقبولة.. وذلك لبعدها عن مدلول اللفظ، وسياق الكلام، فإنه إنما أثبت لابن عبادة عين نفاق المنافقين الذين يجادل عنهم سعد.. لأنه يريد أن يجعله منهم، ومدافعاً عنهم.
ثم ما هو الربط بين المودة للأوس وقضية الإفك على عائشة، والاستعذار من ابن أبي وبين حمية الجاهلية؟ ولم يصدر من ابن معاذ شيء يثير حمية الجاهلية أبداً، وإنما هو قد تعهد بتنفيذ أوامر النبي "صلى الله عليه وآله" فقط.. فهل تنفيذ أوامره "صلى الله عليه وآله" يتنافى مع المودة للأوس؟!
11 ـ جلد الإفكين:
وروايات جلد الإفكين مختلفة جداً أيضاً كما قدمنا حين الحديث عن تناقضات روايات الإفك، فاستقصاء الكلام فيها يحتاج إلى وقت طويل.. ولكن ما لا يدرك كله، لا يترك كله، ولذا فنحن نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:
1 ـ إن أغرب ما في روايات الإفك: أن بعضها يقول: إن الإفكين قد جلدوا حدين.. وتزيد بعضها: إنه وجئ في رقابهم.. وبعضها يكتفي: بالوجأ في الرقاب للبعض منهم.
ونحن لم نستطع أن نفهم: لماذا جلدوا الحد الآخر!! كما أننا لم نعرف: السبب في ضم بالوجأ في الرقاب إلى الحد الشرعي، فهل هو جزء منه؟ أم هو من قبيل البخشيش؟! أم ماذا؟.
ولعل روايات الإفك المضطربة في هذا الأمر جداً هي التي دعت أصحاب النوايا الحسنة!!! إلى أن ينسبوا إلى ابن عمر القول: بأن قاذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" يحد حدين، وهذا مما تفردت به روايات الإفك، وابن عمر.
بل إن البعض يقول: من قذف عائشة يقتل، ومن قذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" يحد حدين([397]).. ولعل حكمهم بقتله، لأجل أن قذفه لها حينئذٍ يتضمن تكذيباً للقرآن النازل في براءتها.
وليس في القرآن نص يفيد: أن الإفك كان على عائشة، وإنما سمتها الروايات ـ التي قد تبين حالها. أما جلد أهل الإفك جلدين فإننا لم نفهم حتى الآن، لماذا حكم بالحدين لمن يقذف سائر أزواجه "صلى الله عليه وآله"؟
2 ـ ثم هناك الرواية التي تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" أمر برجلين وامرأة فجلدا الحد، وفسروا الرجلين بحسان ومسطح، والمرأة بحمنة، ويؤيده قول ابن رواحة، أو كعب بن مالك([398]).
لقـد ذاق حسـان الـذي كـان أهله وحمنـة إذ قـالـوا هجيراً ومسـطح
الأبيات.. ولم يذكر معهم ابن أُبي.
لكن في الطبراني قال: أما ابن أبي فقد سلم من الجلد، كما تقوله هذه الرواية. وروى هذا البيت بصيغة لقد ذاق عبد الله.. ونُسب مع بقية الأبيات لحسان نفسه([399]).
ولكن لماذا لم يجلد ابن أبي، مع أنه هو الذي تولى كبر الإفك، حسبما ذكرته روايات كثيرة؟! وكيف جاز لرسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يعطل الحد الشرعي الثابت عليه؟!
واعتذر البعض عن ذلك: بأن قبيلته كانت تمنعه بحيث لو أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يحده للزم فساد كبير.
ولكن كل ذلك لا يجدي؛ إذ ما الفرق بين حسان، وابن أبي؟ فابن أبي خزرجي، وكذلك حسان، فلماذا لا يمنع الخزرج حساناً شاعرهم، ولسانهم، كما منعوا ابن أبي؟! أم يعقل أنهم يمنعون المنافق، ولا يمنعون المسلم؟!. وقد تلاوموا على أخذهم صفوان بن المعطل، عندما كسع حساناً بالسيف، بدون إذن النبي "صلى الله عليه وآله" لهم في أخذه.. فلماذا إذن، يمنعون النبي "صلى الله عليه وآله" من إقامة حدّ من حدود الله تعالى.. ولا سيما في قضية ترتبط بناموس وشرف هذا النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه؟!!
واعتذر الحلبي بعذر آخر، حيث قال: "الحد كفارة، وليس من أهلها، وقيل: لم تقم عليه البينة بخلاف أولئك، وقيل: لأنه كان لا يأتي بذلك على أنه من عنده، بل على لسان غيره"([400]).
وهو اعتذار عجيب وغريب، فإن الحدود لا تعطل بحجة الأهلية وعدمها.. ولا ورد في تشريع الحدود تقييد من هذا القبيل.
وأما عن البينة فنقول: كيف لم تقم عليه البينة، وهم يقولون: إنه هو الذي تولى كبر الإفك، أي معظمه؟! ومن ينص القرآن على أنه قد تولى كبره منهم وله عذاب عظيم.. كيف يترك من دون أن يصيبه العذاب الأليم في الدنيا؟!
وكيف كان ينقل ذلك على لسان غيره؟ وهم يقولون: إنه أول من قال: فجر بها ورب الكعبة.. ثم تبعه من تبعه.. فلماذا لا يشهدون عليه بما سمعوه منه؟
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة، والمحيرة التي لا تجد جواباً مقنعاً ولا مقبولاً.
3 ـ ثم هناك قول أبي عمر في الإستيعاب، وصححه الماوردي: أن حدّهم لم يشتهر، والذي اشتهر هو أنه لم يجلد أحد.
فكيف لم يجلد أحد؟
وهل عطل النبي "صلى الله عليه وآله" حداً من حدود الله؟!
وهل للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يعطل الحدود؟!
4 ـ وإذا كان مسطح قد نفى عن نفسه الاشتراك في الإفك، وحسان قد برأته عائشة، وقالت: لم يقل شيئاً.. فلماذا تقول الروايات الأخرى: إنهما جلدا حدين، أو حداً واحداً، أو وجئ في رقبتيهما، أو ضربا ضرباً وجيعاً؟!
5 ـ وإذا نظرنا إلى رواية أخرى، فإننا نجد أنها تقول: إن ابن أبي حدّ حدّين ووجئ في رقاب الباقين، كما عن الطبراني، وابن مردويه، أو ضربوا ضرباً وجيعاً، كما في بعض الروايات.
فلا ندري لماذا اختص ابن أبي بالحدين، دون بقية رفقائه.. الذين شاركوه في الإفك؟
وكون ابن أبي قد تولى كبر الإفك، لا يوجب الحدين له، دون غيره، إذ لم يقل أحد من الأئمة: أن ذلك يوجب حدين.. كما أنه لم يقل أحد: أن العذاب العظيم في الآية هو ذلك([401]).
6 ـ وأما حدّهم في الآخرة، ثمانين ثمانين([402])، فلم نعرف له وجهاً، بعد أن كانت الحدود تشريعات دنيوية محضة.. وليس في الآخرة سوى العذاب الأليم لهم، بنص آيات الإفك نفسها.
7 ـ ويبقى هنا سؤال.. لماذا أخّر النبي "صلى الله عليه وآله" حد القاذفين طيلة شهر، أو أكثر من خمسين يوماً، من بدء إفكهم، حسبما تقدم؟! حتى شاع، وتناقلته الألسن!!
إعتذارات غير مقبولة:
وقد يعتذر عن ذلك: بأن آيات حد القذف لم تكن قد نزلت بعد، فلما نزلت حدّهم، ويدل عليه: استعذار النبي "صلى الله عليه وآله"، وأن ابن معاذ قال: إنه يقتل الإفك، ولو كان حكم القذف معلوماً لقال ابن معاذ وسائر الناس حكم القذف معلوم، ويدك مبسوطة([403]).
وجوابه: أن معنى ذلك: أنهم قد ارتكبوا ذنباً لم يكن قد نزل حكمه بعد، فكيف يؤاخذون به؟! فإن ذلك غير مقبول في العادة والعرف.
ولو كان للحدود هذا المفعول الرجعي للزم أن يعاقب النبي الصحابة جميعاً على كثير من المخالفات التي صدرت منهم، ثم نزلت عقوباتها بعد أشهر.. مع أننا لم نجد النبي "صلى الله عليه وآله" قد فعل ذلك في أي مورد أبداً.
وربما يقال في الجواب أيضاً: إن حكم القذف كان معلوماً مع عدم الشاهد، وهو الجلد، وتبرئة المقذوف شرعاً.. فتأخير النبي "صلى الله عليه وآله" إجراء الحد عليهم، كان بهدف الانتظار إلى حين نزول براءة ذيلها واقعاً بالآيات.
ولكنه جواب لا يصح أيضاً: لأن ما أتى به الوحي لا يزيد على ما تعينه آية القذف من براءة المقذوف براءة شرعية وظاهرية، لأن الآيات الست عشرة تستدل على كذب الإفكين بعدم إتيانهم بالشهداء، وهذا دليل البراءة الظاهرية لا الواقعية.. ولا ملازمة بين الحكم الشرعي بالبراءة، وبين البراءة الواقعية.. وقوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ}.. إنما أثبت البراءة، التي يشترك بها جميع المقذوفين، من غير قيام بينة.. والبراءة المناسبة لهذا المعنى هي الشرعية([404]).
قال النيسابوري والزمخشري، والنص له: "جعل الله التفصلة بين الرمي الصادق والكاذب ثبوت شهادة الشهود الأربعة، وانتفاؤها.. والذين رموا عائشة لم تكن لهم بينة، على قولهم، فقامت عليهم الحجة (عند الله)، أي في حكمه وشريعته كاذبين.."([405]).
وهذا هو معنى البراءة الشرعية لا الواقعية.
وعلى هذا.. فالآيات لا يمكن أن تتناسب مع روايات الإفك هنا، بل لا بد من البحث عن مصداق آخر لها.. وسيأتي تحقيق الكلام في ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
12 ـ عمى مسطح:
تذكر بعض روايات الإفك: أن مسطحاً قد عمي، وأن ذلك كان من جملة ضروب العقاب له، لافترائه على أم المؤمنين عائشة([406]).
ونحن لا نستطيع أن نقبل بهذا:
فأولاً: إن ذلك لم يذكر في أي من كتب التاريخ والتراجم، حتى الكتب التي خصصت لذكر العميان، وشرح أقوالهم، واستقصاء أخبارهم كنكت الهميان، ومعارف ابن قتيبة، وغير ذلك.
ثانياً: إن المؤرخين يقولون: إن مسطحاً قد شهد حرب صفين، مع سيد الأوصياء "عليه السلام"، ومات سنة 37 للهجرة([407]).
وواضح أنه لو كان أعمى لم يشهد صفين، لأن الأعمى لا يستطيع الحرب، ولا يجيد الطعن والضرب.
ثالثاً: قد عرفنا: أن بعض الروايات تقول: إنه لم يشارك في الإفك إلا في حدود أنه ضحك وأعجبه.
13 ـ حسان: الأعمى ـ الجبان ـ المشلول!!
أ ـ عمى حسان:
وأما عمى حسان، الذي تقول عائشة: إنه العذاب العظيم له([408]):
فإن كان مقصودها: أنه كان بسبب ضرب صفوان له،
فالجواب: إن ذلك غير صحيح، وذلك لما يلي:
أولاً: إن ضربة صفوان إنما وقعت في يد حسان([409]) ولم تقع على رأسه، ولا في وجهه.. فكيف أوجبت عماه؟!!
ثانياً: في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب قال: مرّ عمر بحسان في المسجد، وهو ينشد، فلحظ إليه، فقال: كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة، فقال: أنشدك الله الخ..([410]).
فإدراكه لحظ عمر له يدل على أنه كان بصيراً حتى ذلك الوقت.
إلا أن يقال: إنه قد عمي بعد ذلك التاريخ.
ويجاب عنه: بأن مجرد حدوث العمى بعد سنوات كثيرة ليس دليلاً على أنه كان على سبيل العقوبة.
ثالثاً: لقد ذكروا: أنه كان جباناً، وجعلوا ذلك هو سبب عدم شهوده مع النبي في أي من مشاهده([411]).
أضف إلى ذلك: أن أبا عمر قد قال في مقام اعتذاره عن عدم شهوده مع النبي "صلى الله عليه وآله" مشاهده: "..وقيل: إنما أصابه ذلك الجبن منذ ضربه صفوان بن المعطل بالسيف"([412]).
ونقول:
بناء على هذا: إنه لو كان ضريراً لكان الاعتذار عن عدم حضوره الحروب بالعمى أولى من الاعتذار بالجبن.
وأما إذا كان مقصود عائشة: أن الله ابتلاه بالعمى بعد الإفك بسنوات عديدة، وبعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ليكون ذلك هو العذاب العظيم له،
فالجواب: أن ذلك مجرد اجتهاد من عائشة إذ من الذي أخبرها: أن هذا العمى قد جاء على سبيل العقوبة وليس له سبب آخر؟! ولقد رأينا كثيرين ابتلوا بالعمى، ولا يعتبر ذلك أحد أنه عقوبة وعذاب عظيم لهم.. مثل: عقيل، والعباس، وابن عباس، وجابر الأنصاري، وأبي سفيان بن الحارث.. وغيرهم.
ب ـ جبن حسان:
وأما قولهم: بأن جبن حسان كان بسبب ضربة صفوان له:
فيكذبه أولاً: قولهم: إن الضربة وقعت في يده، كما تقدم.
ويكذبه ثانياً: قضيته مع صفية واليهودي الذي قتلته، وجبن حسان عن النزول لقتله، وحتى عن سلبه.
وهذه القضية كانت في وقعة الخندق([413]).. التي عرفت تقدمها على المريسيع، وعلى حديث الإفك، وعلى ضرب صفوان له.
ثالثاً: إنهم يصرحون: بأنه لم يشهد أياً من المشاهد، لا بدراً، ولا أُحداً، ولا غيرهما، بسبب جبنه([414]).
فلو كان الجبن إنما أتاه بسبب ضربة صفوان، لوجب أن يكون لحسان أدنى أثر في الحروب قبل السنة السادسة، ولا نجد له شيئاً من ذلك.
رابعاً: إن البعض يقول: "إن حسان (بن ثابت) كان لسناً شجاعاً، فأصابته علة أحدثت له الجبن"([415]). فالعلة هي سبب جبن حسان، وليس ضربة صفوان.
وأخيراً.. فإن البعض ينكر: أن يكون حسان جباناً، بدليل: أنه كان يهاجي قريشاً، ويذكر مثالبهم ومساويهم، ولم يبلغنا: أن أحداً عيره بالجبن، والفرار من الحروب.. وقد عير هو نفسه الحارث بن هشام بالفرار.. وما أجابه بما ينقض به أو يطعن به عليه، بل اعتذر عن فراره بأمور أخرى([416]).
خامساً: إنهم يذكرون: أن عائشة قد برأته من قضية الإفك.. وأنه هو أنكر ذلك كما تقدم.
ج ـ شلل يدي حسان:
ثم إن بعض الروايات تصرح: بأن ضربة صفوان لحسان، قد أوجبت شلل يدي حسان.. ([417]) وذلك غريب وعجيب:
أولاً: إنهم يقولون: إن الضربة أصابت إحدى يديه([418]) لا كلتاهما، فكيف صارت إذن سبباً لشلل اليد الأخرى؟!
ثانياً: لماذا لا يعتذرون عن عدم شهوده المشاهد، إلا بجبنه، وقد كان الاعتذار بشلل يديه أعذر وأولى.
هذا كله.. عدا عن أن أحداً من المؤرخين لم يذكر شلل يدي حسان على الإطلاق.. مع اعتنائهم التام بذكر مثل هذه الأمور لا سيما بالنسبة للصحابة الكبار، والشخصيات منهم.. حتى لقد ألفوا كتباً خاصة في ذوي العاهات منهم.. أو عقدوا لبيانها فصولاً مطولة في كتبهم.
14 ـ قبّعة الإخفاء:
لقد ذكرت عائشة في حديث الإفك: أنه "صلى الله عليه وآله" كان إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله.
قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، بعدما نزل الحجاب.
ونقول:
أولاً: إن ثمة روايات تقول: إن أم سلمة أيضاً كانت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" في غزوة المريسيع([419]). وقد قدمنا ذلك أيضاً في ضمن النصوص والآثار لحديث الإفك، الرواية رقم 10.
ثانياً: لماذا لم تنبّه أم سلمة حاملي الهودج إلى غيبة رفيقتها؟! أم أنها لم ترها حين ذهبت من بينهم؟..
وإذا كانت أم سلمة قد غفلت عن غيبة عائشة، أو لم ترها حين تركت هودجها، فهل لبست عائشة قبعة الإخفاء، وخرجت من بين ذلك الجيش كله، فلم يرها أحد؟!
ثالثاً: إنه إذا كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يستصحب بعض نسائه، فإن الجيش أيضاً سيفعل كما كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفعل، فسيصطحب المتزوجون أو كثير منهم نساءهم.. ومن الراجح أن تسير النساء في مجموعات تخصهن، لا أن تسير كل امرأة مع زوجها، وهذا معناه: أن النسوة يرين بعضهن، ولا سيما في حالات نزول الجيش للاستراحة، ويعرفن من تغيب منهن لقضاء الحاجة ومن لا تغيب.
فلماذا لم تخبر النسوة حامل هودج عائشة بغيبتها عن هودجها؟
ولماذا تركنها تذهب وحدها، ألم يخفن عليها من سبع، أو من أي طارق وطارئ في ذلك الليل البهيم، قد يلحق بها الأذى، ولا أقل من أن تفاجئها حركة بعض الحيوانات، فتصاب ببعض الحالات العصبية بسبب الرعب القاتل، والخوف العظيم؟!
رابعاً: إننا لا ندري لماذا اختارت أن تذهب وحدها في ذلك الليل وفي قلب الصحراء؟
ولماذا اختارت أن تبعد عن الجيش هذا المقدار الكبير، الذي فقدت معه سماع جلبة الرحيل وضوضاء حركة الجيش، مع أن الليل ساتر؟.
ونحن نعلم: أنها هي نفسها قد ذكرت: أنها حتى وهي في المدينة، وحيث الأمن والأمان متوفر أكثر مما هو في الصحراء، قد خرجت إلى حاجتها مع أم مسطح، وتقول: إنها علمت بأمر الإفك من قبل هذه المرأة بالذات، وفي نفس هذه المناسبة.
فيا سبحان الله كيف أن الإفك عليها قد كان بسبب قضاء الحاجة، ثم كانت معرفتها بأمر الإفك، أيضاً، في مناسبة قضاء الحاجة!!
15 ـ القرعة بين النساء:
ومن الأمور التي تحتاج إلى تأمّل دعوى أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان إذا خرج في سفر أقرع بين نسائه..
فإن بعض الباحثين يشك كثيراً في صحة ذلك، ويقول: إن ذلك لم يرد إلا عن عائشة، وفي خصوص غزوة بني المصطلق.
ولأجل ذلك، فإن ثمة قدراً من الطمأنينة إلى أن الأمر كان على عكس ذلك تماماً، أي أنه "صلى الله عليه وآله" لم يستصحب نساءه في أسفاره الحربية.
الفصل التاسع:
نقاط ضعف أخرى في حديث الإفك
ملاحظات.. ومؤاخذات:
وبعد هذا الكم الهائل من المؤاخذات والإشكالات في حديث الإفك، فقد بات بديهياً: أنه حديث موضوع، ومصطنع لأسباب لا تخفى.
واللافت للنظر هنا: أن ما ذكرناه ليس هو الحصيلة النهائية لموارد الخلل، بل هناك الكثير مما لم نشر إليه، وربما يكون هناك كثير أيضاً مما لم نقف عليه.
وسنورد في هذا الفصل أيضاً طائفة أخرى من موارد الخلل هذه، مع توخي الاختصار قدر الإمكان.
وإذا كان بعض ما سوف نذكره لا يرقى إلى درجة الحسم واليقين، لكنه قادر ولا شك على المساعدة على ذلك، من حيث إنه يضع علامات كبيرة على طبيعة هذه الرواية وصحتها وسلامتها.
والذي سوف نشير إليه هنا يتلخص في النقاط التالية:
1 ـ أذى النبي الأكرم ':
لقد صرح عدد من الروايات: بأن ما جاء به الإفكون قد أوجب أذى النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، حتى قال: ما بال رجال يؤذوني في أهلي، أو قال: من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، أو نحو ذلك..
ومن المعلوم: أن من يؤذي النبي "صلى الله عليه وآله" يجب قتله([420]).
ولكننا نرى النبي "صلى الله عليه وآله" يدافع عن الإفكين فيغضب على صفوان، لضربه حسان بن ثابت، كما تزعم بعض روايات الإفك.. وهي الأشهر.
كما يقول ابن عبد البر: إنه لم يُجلَد أحد.. وهذا هو الأعجب والأدهى حقاً.
وإذا قيل: لعل ذلك لأجل عدم ثبوت ذلك عليهم بالشهود،
فالجواب هو في ضمن سؤال: كيف يطلب هو إذن من الناس أن يتدخلوا لمنعهم من أذاه "صلى الله عليه وآله"؟ وكيف جاز له أن يعلن بالاتهام لهم؟!
2 ـ كذب الصحابي:
يقول أسيد بن حضير، لسعد بن عبادة: كذبت.. فأسيد في قوله هذا إما صادق في نسبة الكذب إلى سعد، أو كاذب. فأحد الرجلين كاذب على كل حال.. فكيف يكون صحابياً ويكذب؟! فإنه وفق أصول أنصار عائشة ومحبيها، وهم جماعة أهل السنة، مما لا مجال لقبوله، لأن الصحابة عندهم عدول كلهم، لا يكذبون.
وكذلك الحال في اتهام ابن عبادة لابن معاذ بأنه قد علم أنهم من الخزرج، ولا يريد نصرة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإنما ينطلق في موقفه هذا من ضغائن وإحن جاهلية([421]).
3 ـ براءة الصحابة:
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي: "..لو كان هذا صحيحاً ما احتاجت عائشة إلى نزول براءتها من السماء.. بل كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" من أول يوم يعلم كذب أهل الإفك، لأنها زوجته، وصحبتها له آكد من صحبة غيرها، وصفوان بن المعطل أيضاً كان من الصحابة، فكان ينبغي ألا يضيق صدر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يحمل ذلك الهم والغم الشديد اللذين حملهما.
ويقول: صفوان من الصحابة، وعائشة من الصحابة. والمعصية عليهما ممتنعة"([422]).
4 ـ هل كان مسطح بدرياً؟!
هل كان مسطح بدرياً حقاً؟!
لقد ادَّعى النيسابوري الإجماع على ذلك([423]).. ويؤيده التصريح به في كثير من المصادر.
ونقول:
إذا كان كذلك، فلماذا يحده النبي "صلى الله عليه وآله" على الإفك؟
أليس قد رووا: أن الله تعالى قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم؟.. فإذا كان ذنبه مغفوراً فلماذا يعاقب عليه؟!
هذا إذا فسرنا هذه الكلمة بأن الذنوب تقع منهم، لكنها تكون مقرونة بالمغفرة.
وأما إذا أخذنا بالاحتمال الآخر، وهو أن المراد: أن المعصية لا تقع من البدري أصلاً([424]).. فالأمر يصير أعقد وأشكل.
وفسرها النيسابوري بأن المراد: اعملوا من النوافل قليلاً أو كثيراً، فقد أعطيتكم الدرجات العالية في الجنة، وقد غفرت لكم، لعلمي أنكم تموتون على التوبة([425]).
ونقول:
أولاً: ما الدليل على أن هذا هو المراد من قوله "صلى الله عليه وآله": اعملوا ما شئتم؟!
ولماذا هذه التبرعات التفسيرية بلا شاهد ولا دليل؟!
ثانياً: هل للذي يؤذي رسول الله ويتهم زوجته بهذا البهتان العظيم توبة؟!
ثالثاً: إن هذا ينافي قوله تعالى: {وَلهَمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
فإنها تدل على عدم قبول توبتهم إن لم نقل إنها تدل على عدم حصول التوبة من الاساس. والصحيح في معنى هذه الرواية لو صحت: أن المؤمنين الذين شاركوا في بدر ـ بشرط الإيمان ـ قد غفر الله لهم ذنوبهم السالفة، فليستأنفوا العمل، وسوف يحاسبهم الله عليه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لكن شرط أن لا يكونوا من المنافقين، فإنّ المنافق كافر، فليس مشمولاً للحديث من الأساس حتى لو شارك في بدر.
5 ـ الرهط:
قال في حديث الإفك: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون الخ..
والرهط في اللغة يطلق على العدد من الثلاثة إلى العشرة([426]).
مع أننا نجد الواقدي يقول: إن الذين كانوا يرحلون رحلها هم اثنان فقط.
والحلبي قال: إن الذي كان يتولى ذلك رجل واحد، هو أبو مويهبة..
فراجع ما تقدم من الكلام عن عمر عائشة..
6 ـ فقه بريرة، وفقه الرسول ':
تقول رواية علقمة عن عائشة: إن النبي "صلى الله عليه وآله" استشار بريرة. وأجابته بأنها لئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله.
قالت: فعجب الناس من فقهها([427]).
ولكن ليت شعري.. أين كان فقه النبي "صلى الله عليه وآله" آنئذٍ؟..
ولم لم يدرك هو هذه الحقيقة قبل بريرة؟! وهو الذي تعلّم منه الناس الفقه؟!
ولم لم يدرك أحد غير بريرة ذلك؟!
ولم لم يعجب الناس من فقه أبي بكر أيضاً؟ ففي رواية أبي أويس، أنه قال: هو رسول الله، والوحي يأتيه..
7 ـ لم يفقد النبي ' زوجته:
ثم.. ألا ترى معي: أن من غير المألوف: أن أفضل الأنبياء والمرسلين.. وأعظم وأشرف إنسان وجد على وجه الأرض يترك زوجته في الصحراء ويذهب، ثم لا يفتقدها إلا بعد مضي يوم كامل؟!
بل في بعض النصوص: أنها لم يفتقدها أحد أصلاً.
ففي رواية ابن إسحاق، قالت: "..فوالله، ما أدركنا الناس، ولا افتقدت، حتى نزلوا واطمأنوا طلع الرجل يقودني.."([428]). وكان نزولهم طبعاً في نحر الظهيرة، كما تقدم.
وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد افتقدها، فكيف لم يرسل السرايا للبحث عنها في كل حدب وصوب، ويبذل كل ما في وسعه من أجل الوصول إليها؟!
ثم إن الرسول الكريم لا يمكن أن يغفل عن واجباته، وهو أشد الناس اهتماماً براحة مرافقيه، وتوفير حاجاتهم.. فهل يعقل أن لا يفكر في أن زوجته قد تحتاج إلى الطعام والشراب طيلة ليلة ونصف يوم؟! إن ذلك لا يصدر عن أي إنسان عادي، فكيف بالنسبة لعقل الكل، وإمام الكل، ومدبر الكل؟!
وإذا كان هو "صلى الله عليه وآله" قد غفل عن ذلك، فهل غفل عنه أيضاً سائر من كانوا معها ويفترض فيهم أن يهيئوا لها حاجاتها؟!
وكيف لم يلتفتوا إليها أيضاً في أوقات الصلاة، حيث تحتاج إلى تجديد الوضوء، وإلى المكان المستور الذي تؤدي فيه صلاتها؟! ولو أنها قد صلت في رحلها، فكيف توضأت؟
والغريب في الأمر هنا: أن عائشة نفسها تقول: إنها كانت تظن أنهم سوف يفتقدونها.. ولكن ظنها قد خاب، حيث لم يفتقدها أحد حتى زوجها.
يضاف إلى ما تقدم: أنهم يذكرون: أنه قد كان من عادته "صلى الله عليه وآله" أن يساير هودجها، ويتحدث معها([429]).
ولكنه في تلك الليلة بالذات.. ولأن عقدها ضاع، وضاعت معه.. ولأنه لا بد من إحكام قضية الإفك.. غيّر النبي عادته، ولم يساير هودجها، ولا تحدث معها!!!
ووجّه العسقلاني ذلك: بأن عدم افتقادها يمكن أن يكون لأجل أنهم استصحبوا وجودها معهم، أو أنهم اشتغلوا بحط رحالهم، ولم يفتقدوها([430]).
ولكنه توجيه غير مقبول، فإنها قد صرحت بأنهم قد نزلوا واطمأنوا.
وإن الذين مشوا ليلة ونصف يوم لا بد أن يفتقدوا زوجة نبيهم، ولو لأجل الطعام والشراب، فضلاً عن الصلاة!!
والغريب هنا: أننا نجدها تقول ـ على ما في رواية الواقدي ـ : "كنت أظن: أني لو أقمت شهراً لم يبعثوا بعيري، حتى أكون في هودجي"([431]).
وهذا يعني: أنهم كانوا يعرفون بخروجها من هودجها، وأنها ليست فيه.
فهل قد تعمدوا تركها في الصحراء؟!
وإذا كانوا لا يعرفون بنزولها من هودجها ـ كما تقوله بعض الروايات الأخرى ـ فكيف إذن كانت تظن هذا الظن.. أم أنها ترى أنهم كانوا يعلمون الغيب؟! أو ترى أن لديهم حاسة شم قوية، يدركون فيها وجودها وعدمه؟ عجيب أمر عائشة وأي عجيب!!
8 ـ البكاء شاهد على البراءة:
وفي بعض الروايات تذكر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" حينما سمع ببكاء آل أبي بكر، قام إلى المسجد، فاستعذر من الإفكين، ثم عاد واستشار، وقرر عائشة.
ونقول:
أولاً: متى كان البكاء شاهداً على البراءة؟!!
ثانياً: لماذا استعذر رسول الله "صلى الله عليه وآله" من عبد الله بن أُبي خاصة مع أن الذين جاؤوا بالإفك كانوا عصبة؟
فإن قيل: إن الاستعذار منه، إنما هو لأجل أنه هو الذي تولى كبر الإفك؟
فالجواب هو: أن في مقابل ذلك: القول بأن الذي تولى كبر الإفك هو حسان أو حمنة.
وهناك من يقول: إن ابن أُبي لم يجلد الحد، وجلد غيره.
والغريب في الأمر: أن نجد التصريح في الروايات: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد استعذر من ابن أُبي استناداً إلى قول جارية!!
ثم هي جارية عائشة بالذات!! وهي جارية لم تكن مع عائشة في تلك الرحلة.
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" لا يجلده الحد، رغم نزول الوحي الإلهي فيه.. فهل كان قول الجارية أقوى تأثيراً في نفس الرسول "صلى الله عليه وآله" من الوحي الإلهي وأوثق؟!
نعوذ بالله من الزلل، في القول، وفي العمل!!
9 ـ التهويل!! والأيمان!!
وإننا في حين نلاحظ: أن عائشة تحاول التعظيم والتهويل في القضية، حيث ادَّعت: أنها قد بكت حتى ليظن أبواها: أن البكاء فالق كبدها.. وأن الأمة كادت تهلك بسببها.. وأنها حين سمعت بالأمر من أم مسطح خرت مغشياً عليها، فبلغ ذلك أمها أم رومان فجاءتها، فحملتها إلى بيتها([432])،
وأنها همت أن ترمي نفسها في قليب([433]) أي بئر،
إنها.. وهي تتحدث عن كل ذلك تكثر من حلف الأيمان، ولا سيما وهي تقترب من نهايات الحديث.. حيث لا بد لها من زرع القناعة بأن الإفك كان عليها.. ولا بد أن ينسى الناس قصة مارية، وأن لا يعيروها أي اهتمام.
إنها ليست فقط تقسم لتأكيد ما تنقله عن نفسها، بل هي تقسم على ما تنقله عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعن أبيها، وعن أمها أيضاً..
فلماذا هذه الأيمان الكثيرة المنهي عنها في الشرع الشريف؟! ولماذا هذا التهويل والمبالغة فيه؟!
فهل كانت تشعر بضعف دعواها، فاعتمدت طريقة التقوي بالأيمان؟!
أم أن المريب كاد أن يقول خذوني؟!
إن ذلك ليس بعيداً ـ فيما نعتقد ـ عن ذهن من نسب هذه الروايات إليها.
أو فقل: عن ذهن صانع الرواية، من أجل أن يُكسبها فضيلةً وشرفاً، ما أشد شوقها إليه، وما أعظم حرصها عليه.
10 ـ لو أن خالداً سمع عائشة؟!
ويذكرني قول عائشة لأبيها: بحمد الله لا بحمدك، ولا بحمد صاحبك الذي أرسلك([434]).
يذكرني بخالد بن الوليد: الذي قتل مالك بن نويرة بحجة أن مالكاً عبر له عن أبي بكر بـ "صاحبك" فقال له: كأنك لا تراه لك صاحباً، فاستحل بذلك دمه، وقتله.
فحمدت الله وشكرته على أن خالداً لم يسمع من عائشة هذه الكلمة عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وإلا لكان ألحقها بمالك بن نويرة!.. ولأصبح أخوها محمد شاعراً يرثي أخته الشهيدة!! كما كان متمم يرثي أخاه مالكاً الشهيد "رحمه الله" تعالى.
11 ـ الإساءة لرسول الله ':
ولسنا ندري ما هو ذنب النبي "صلى الله عليه وآله" تجاه عائشة، حتى تقول له: بحمد الله لا بحمدك، أو بحمد الله وذمكما.. وما أشبه ذلك؟
ثم قولها له: ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئاً؟!
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" لما حاول أن يغازلها (!!) حيث أخذ بذراعها، أمام أبويها، قد أبعدت يده عنها، حتى اضطر أبو بكر أن يأخذ النعل ليضربها، فمنعه النبي "صلى الله عليه وآله".. كما أنه حاول أن يأخذ النبي "صلى الله عليه وآله" بيدها، فتنتزع يدها منه، فنهرها أبو بكر([435]). بل هو قد ضربها فعلاً كما في بعض الروايات([436]).
نعم، إننا:
أولاً: لا ندري ما هو المبرر لهذا العنف مع النبي الأكرم، مع أنه لم يصدر منه "صلى الله عليه وآله" تجاهها ما يستدعي ذلك، بل إنه قد برأها على المنبر، وبلغ الأمر حداً كادت تقع الفتنة بين الأوس والخزرج؟
ثانياً: ألا يعتبر ذلك سوء أدب منها مع الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"؟ وإيذاءً له!
وما حكم من يقدم على ذم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومواجهته بكل تلك التعابير والتصرفات؟
وقول البعض: إن ذلك لعتبها عليهم، لعدم تبرئتهم إياها، مع تحققهم من حسن طريقتها، أو أنها قالت ذلك إدلالاً منها عليه "صلى الله عليه وآله"،
أو أنها فهمت من قول النبي "صلى الله عليه وآله" لها: احمدي الله: إفراد الله بالحمد، وبقية الألفاظ؛ باعثها الغضب([437])،
إن هذا القول لم نفهم له معنى. ولا سيما بملاحظة قولها: بحمد الله وذمكما.
وأيضاً بملاحظة أنها هي نفسها تقول: إن النبي اعتذر من ابن أُبي على المنبر.
وأما تحققهم من حسن طريقتها، فيكذبه قولهم: إن أبا بكر كان يشك في أمرها.. وكذلك النبي "صلى الله عليه وآله" حسبما تقدم.. وحتى لو غضبت، فهل إن ذلك يجوّز لها الجرأة على نبي الأمة، ومواجهته بهذه الطريقة؟!
12 ـ ثمن عقد عائشة:
ومن أغرب ما يذكر هنا: ما ذكره ابن التين من أن ثمن عقد عائشة كان 12 درهماً([438]).
وإذا كانت هذه قيمته فقد قال العسقلاني: إن معنى ذلك: أنه ليس من جزع ظفار، وإلا لكانت قيمته أكثر من ذلك([439])..
مع أنها هي نفسها تنص على أنه كان من جزع ظفار.
وبالمناسبة: فإن العقد الذي سقط في الأبواء أيضاً كان من جزع ظفار. وكانت قيمته 12 درهماً كما سيأتي.. فتبارك الله أحسن الخالقين.
ولسنا ندري من أين عرف ابن التين قيمة ذلك العقد المبارك!! وكيف اختص هو دون سواه بنزول الوحي عليه ببيان قيمة ذلك العقد..
لعل بين ابن التين ومقوّم ناقة صالح، قرابة نسبة أو حرفية!!! وحسبنا هنا أن نتذكر قول الآخر:
لـي حـيــلــة فـي مــن يـــنــمّ ولـيـس في الــكــذاب حــيــلـة
مـن كـــان يــخــلق مـا يـقـــو ل فـحـيـلـتـي فــيــه قــلــيـلـة
13 ـ أسامة، وبراءة عائشة:
لقد قالت عائشة: إن أسامة بن زيد قد أشار على النبي "صلى الله عليه وآله" ببراءة أهله.
ولكننا إذا أمعنا النظر في كلام أسامة: فإننا لا نجده زاد على القول: بأنه لا يعلم إلا خيراً. وهذا لا يعني تبرئتها، وإنما غاية ما يدل عليه هو: عدم اطلاعه على ما يُريب.. فهو كقول زينب بنت جحش: أحمي سمعي وبصري الخ..
14 ـ هل كان أبو بكر يعرف الحقيقة؟!
لماذا تطلب من أبيها: أن يجيب رسول الله، مع أن الرسول "صلى الله عليه وآله" كان يسألها عن واقع وباطن الأمر، ولا اطلاع لأبويها على ذلك؟!
واعتذار العسقلاني: بأنها أرادت بذلك الإشارة إلى أن باطنها لا يخالف الظاهر الذي يعلمه أبواها.. وإنما أجابها أبو بكر بـ: لا أدري، لأنه كثير الاتباع لرسول الله، فأجاب بما يطابق السؤال المعنى.. ولأنه كره أن يزكي ولده([440]).
هذا الاعتذار لا يصح، وذلك لما يلي:
أولاً: إن عائشة نفسها تخاطبهم جميعاً بقولها: حتى استقر في أنفسكم.
وفي رواية هشام بن عروة: وأشربته قلوبكم.
ثانياً: إنها لما عاتبت أباها بقولها: ألا عذرتني؟!
قال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا قلت ما لا أعلم([441])؟
ثالثاً: تقول عائشة: إنه لما أخذ رسول الله برحاء الوحي، ما فزعت لعلمها ببراءة نفسها.. وأما أبواها فما سري عن الرسول "صلى الله عليه وآله"، حتى ظنت لتخرجن أنفسهما، فرقاً من أن يأتي من الله تحقيق ما يقول الناس([442]).
رابعاً: إن أبا بكر نفسه كما يروي عنه العسقلاني وغيره قد فزع أن ينزل من السماء ما لا مرد له([443]).
وبعد كل هذا.. فلا نصغي إلى اعتذار العسقلاني هنا أيضاً: بأنهم أرادوا إقامة الحجة على من تكلم في ذلك، ولا يكفي في ذلك النفي المجرد.
كما لا يصح قوله: بأن مرادها ممن صدق به، هو أصحاب الإفك، لكن ضمت إليهم من لم يكذبهم تغليباً([444]).
15 ـ حمنة تحارب لأختها:
وتذكر الروايات: أن حمنة طفقت تحارب لأختها، حتى هلكت فيمن هلك.. وحتى أقيم عليها الحد، وذكرت فيمن تولى كبر الإفك..
لكن أختها نفسها عصمها الله بالورع.
ونقول:
عجيب هذا!!
أوليس يقولون: ليست الثكلى كالمستأجرة؟!
وإذا لم تكن أختها راضية بفعلها، فأي فائدة تعود على حمنة من موقفها هذا؟!
ولماذا اختصت زينب بهذا الأمر من بين سائر نساء النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"؟!.
وهل لم يكن لسائر نساء النبي "صلى الله عليه وآله" أخوات ولا أقارب يتولين المحاربة لهن؟!
16 ـ جواب ابن عبادة:
قالوا: إن جواب سعد بن عبادة لابن معاذ غير مناسب، لأن ابن معاذ لم يقل إن كان من الخزرج قتلناه([445]).
وأجاب الحلبي: بأن ابن عبادة يريد بجوابه ذاك: أنه لو كان من الأوس لا تقدر على قتله لأنه يظهر الإسلام.. ولا يقتل النبي "صلى الله عليه وآله" من يظهر الإسلام.
فكأنه قال له: لا تقل ما لا تفعل، أو ما لا تقدر على فعله([446]).
واعتذر آخر: بأن المقصود: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يجعل حكمه إليك([447]).
واعتذر ثالث: بأن ابن معاذ لا يستطيع قتل الإفك؟ إذ يسبق إليه الخزرج أنفسهم([448]).
ونقول: إن ذلك كله غير سليم، إذ يكذب الأول: أن ابن عبادة قال: "ما قلت هذه المقالة، إلا لأنك قد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك من الأوس ما قلت هذا.."([449]).
ويكذب الثاني والثالث..
رد ابن حضير على ابن عبادة: بأنك منافق تجادل عن المنافقين.
17 ـ أهلي وأهل بيتي:
لماذا قال النبي "صلى الله عليه وآله" في مجلس الاستعذار: بلغني أذاهم في أهلي، أو أبنوا أهل بيتي، فجاء بلفظ الأهل وأهل البيت، مع أن المقصود هو عائشة فقط.
أجاب العسقلاني: بأنه "لما كان يلزم من سبها سب أبويها، ومن هو بسبيل منها، وكلهم كانوا بسبب عائشة معدودين في أهله.. صح الجمع..".
ثم استشهد على ذلك بما ورد في حديث الهجرة، من قول أبي بكر: إنما هم أهلك يا رسول الله، يعني: عائشة، وأمها، وأسماء بنت أبي بكر([450]).
ونحن لا نريد أن نناقش في صحة ما استشهد به من حديث الهجرة، فقد تكلمنا على بعض نقاط الضعف فيه في الجزء الثالث من هذا الكتاب، فراجع..
وإنما نريد فقط أن نسجل هنا ما يلي:
أولاً: إننا لا نحتاج إلى تمحلات العسقلاني وتوجيهاته، فقد نص أهل اللغة على أن "أهل الرجل" زوجته([451]). بل هي ليست حتى من أهل الرجل، وإنما يقال لها ذلك مجازاً([452]).
وأما كلمة "أهل البيت"، فلا تشمل الزوجة من الأساس كما سيتضح.
ثانياً: لو صح كلام العسقلاني، فكيف يصح إذن: أن يقول أسامة بن زيد، عندما استشاره النبي "صلى الله عليه وآله" في فراق أهله: هم أهلك، وما نعلم إلا خيراً.. فهل يستشير الرسول "صلى الله عليه وآله" في طلاق جميع آل أبي بكر، فيشير عليه أسامة: بأنه لا يعلم منهم إلا خيراً؟!
ثالثاً: إذا كان يلزم من سبها سب أبويها وغيرهم، فلماذا يحاول النبي "صلى الله عليه وآله" تقريرها، وانتزاع اعتراف منها؟
فهل يريد فضيحة آل أبي بكر، "أهله"!! فضيحة أبدية؟!
لا.. ولا كل ذلك.. ولكن ثمة أمر آخر يرمي إليه العسقلاني، ومن هم على شاكلته.
إنهم يريدون بهذا اللف والدوران أن يقولوا: إن آل أبي بكر هم آل بيت النبي الذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً.. وليس علي، وفاطمة، والحسنان.. أو على الأقل يريدون إضافة هؤلاء إلى أولئك.. ولكن يأبى الحق والرسول عليهم ذلك، كما سيتضح في الإيرادات التالية.
رابعاً: بالنسبة لاعتبار عائشة، وآل أبي بكر هم أهل البيت نقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، لأسباب عديدة، هي:
ألف : أن الرسول "صلى الله عليه وآله" نفسه قد فسر المراد من كلمة "أهل البيت" حيث بقي ستة أشهر، أو سبعة عشر شهراً أو إلى آخر عمره الشريف([453])، يأتي إلى بيت فاطمة "عليها السلام"، ويقول: "السلام عليكم أهل البيت، ورحمة الله وبركاته".
ب : إنه "صلى الله عليه وآله" قد صرح بخروج زوجته أم سلمة عن دائرة أهل بيته، حيث قال لها: إنك من أهلي خير، وهؤلاء أهل بيتي([454]).
أو قال لها بعد أن منعها من الدخول: إنك على خير، فراجع حديث الكساء المشهور([455]).
ج : قد تقدم عن أهل اللغة: أن أهل الرجل يطلق على الزوجة مجازاً..
د : سئل أنس بن مالك: أليس نساؤه من أهل بيته؟!
فقال: نساؤه من أهل بيته؟!
ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس([456]). وروي ذلك عن أحمد أيضاً([457]).
هـ : سئل أنس بن مالك مرة أخرى: من أهل بيته؟ نساؤه؟
قال: لا، وأيم الله، إن المرأة لتكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها، وقومها. أهل بيته أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة من بعده([458]).
و : إن نفس آية التطهير تدل على عدم شمول عنوان "أهل البيت" للنساء، فإنه تعالى يقول: {..إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ..}([459]).
ولم يقل: "يريد أن يذهب" مع أن الأوامر والزواجر في الآيات الشريفة متوجهة للزوجات، فلو كان التطهير لهن، لوجب تعلق الإرادة الإلهية بالمصدر المأخوذ من كلمتي أن يذهب، ولكنه عدل عن المصدر وجاء باللام في قوله "ليذهب" ليفيد: أن هذه الأوامر والزواجر للزوجات إنما تهدف لتطهير أناس آخرين هم أهل البيت "عليهم السلام".
18 ـ ليس في الإفكين أوسي:
وإذا كان حديث الإفك قد شاع وذاع، حتى لم يبق بيت ولا ناد إلا طار فيه على حد تعبيرهم وكان من الواضح: أن ليس في الإفكين أوسي أصلاً، فلماذا:
أولاً: يقول سعد بن معاذ: إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من الخزرج أمرتنا فيه بأمرك؟! وما معنى هذا الترديد، بعد شهرة الأمر، وطيرانه في كل بيت وناد؟!
أم يعقل: أن يعلم بهذا الأمر كل أحد، وسيد الأوس وحده هو الذي يجهل به من بين الجميع؟!
وإذا كان يعلم، فما معنى قول ابن عبادة له: بأنه يعرف أنه من الخزرج؟!
ثانياً: ما الذي أثار حفيظة ابن عبادة، مع أن ابن معاذ لم يجترئ على الخزرج، بل ذكر أنه يعمل فيهم بأمر النبي "صلى الله عليه وآله"؟!
وهل يرد سعد بن عبادة أمر النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو صحابي، وهم يقولون: إن الصحابة عدول؟!
ولو أراد أن يفعل ذلك، فهل يجرؤ أو هل يستطيع ذلك؟!
وتوجيه العسقلاني بأنه أراد أن ابن عبادة كان يعلم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يأمر بقتل خزرجي، لا يصح لما يلي:
أولاً: إذا كان الخزرجي مجرماً، مستحقاً للقتل، فلماذا لا يأمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقتله؟
ثانياً: لو أمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقتل خزرجي، فهل يستطيع ابن معاذ أن لا يمتثل الأمر؟! ومتى جرت عادة النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأمر قبيلة الرجل بقتل الرجل؟!. أليس عكس ذلك هو الصحيح؟! أو على الأقل أليس عدم تقيده بذلك هو المعروف عنه؟!
وأجاب البعض: بأن كلام ابن معاذ كان عن حنكة وسياسة، فهو يلقي الكلام بهذه الصورة، وبنحو الترديد ليظهر نفسه على أنه بمنأى عن التعصب القبلي، والتحيز لفئة دون فئة.
ولكن ما هذه الحنكة وما هذه السياسة المفضوحة لدى كل أحد؟!
ونحن نربأ بابن معاذ، الرجل التقي الورع: أن ينطلق في مواقفه من تعصبات قبلية مقيتة، ونربأ بعقله وحكمته ودرايته أن يتصرف تصرفاً مفضوحاً بعيداً عن الحنكة والدراية، كهذا التصرف!!
19 ـ التناقض في المواقف:
وإذا كان ابن عبادة يغضب، عندما يبدي ابن معاذ استعداده لتنفيذ أمر النبي "صلى الله عليه وآله" في الإفكين، كما أن الخزرج قد وافقوا على قول ابن عبادة، حتى تلاطموا مع الأوس بالأيدي والنعال، فلماذا سكت الخزرج، وابن عبادة معهم حينما جلد النبي الإفكين، الذين كان فيهم خزرجيان، وليس بينهم أوسي؟! ورضوا بالعار والشنار بذلك؟!
بل يقولون: إن ابن عبادة نفسه هو الذي أطلق ابن المعطل، عندما أخذه الخزرج لأجل ضربته لحسان بن ثابت، وأعطاه حائطاً يتحصل منه مال كبير، بما عفا عن حقه.
فكيف كانوا أتقياء حينما كسع حساناً بالسيف، حتى شارف على الموت، ولم يفعلوا مع صفوان شيئاً، حتى استشاروا النبي "صلى الله عليه وآله" في أمره، وكان الصلح على يديه، حسبما تقدم؟!
ولم يكونوا أتقياء ولا أبراراً، بل كانوا منافقين كسعد بن عبادة عندما كانت القضية تمس شرف النبي "صلى الله عليه وآله"، وقدس حضرته، وهو الذي أخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة؟!
أم أنهم بين ليلة وضحاها انقلبوا من أشقياء فجار منافقين، إلى أتقياء أبرار؟! يدافعون عن الإفكين، ويتلاطمون مع الأوس ـ الأتقياء الأبرار دائماً ـ بالنعال والأيدي، ثم يتركون ابن المعطل ولا يكلمونه، مع أنه أوشك أن يقتل صاحبهم، حتى يستشيروا النبي "صلى الله عليه وآله" في أمره، ويسكتون أيضاً على عار جلد أبنائهم الحد؟
20 ـ أبو بكر لا يعذر ابنته:
إن البلاذري يروي عن مجاهد، قال: "لما أنزل الله عذر عائشة، قام إليها أبو بكر، فقبل رأسها، فقالت: بحمد الله لا بحمدك ولا بحمد صاحبك، يا أبتاه، ألا عذرتني؟!
فقال: وكيف أعذرك بما لا أعلم؟! أي أرض تقلني يوم أعذرك بما لا علم لي به"([460]).
وتقدم أيضاً: أنه كان يخشى أن يأتي من الشيء، ما لا مرد له.
فلماذا لا يظن بها أبو بكر خيراً، مع أن الآيات تقول: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}؟!
هل هو عوف؟! أم مسطح؟!
وقد ذكرت رواية أبياتاً نسبتها إلى أبي بكر، وأنه قالها في مسطح في رميه عائشة.
واللافت: أنه قد سمى فيها مخاطَبُهُ بـ "عوف" في أربع أبيات من أبياتها التي لا تزيد على سبع، ولا يذكر اسم "مسطح" أبداً.
فكيف تكون خطاباً لمسطح، ويكون الخطاب والحديث كله عن عوف؟! وما ربط عوف بمسطح؟!
وقد تقدمت الأبيات في فصل: النصوص والآثار، الحديث رقم 18 فراجع([461]).
21 ـ لماذا لم يجلد النبي ' أبا بكر؟!
والغريب في الأمر: أننا نجد أبا بكر يتهم عائشة بما رماها به أهل الإفك، ويحرض الرسول "صلى الله عليه وآله" على الانتقام منها، لكن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يستجيب له، ولا يعتبره في جملة الإفكين فلا يجلده الحد. فإنه لما بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله": أن الأمر قد بلغ عائشة، دخل وجلس عندها، وقال: "يا عائشة إن الله قد وسع التوبة، فازددت شراً إلى ما بي، فبينا نحن كذلك إذ جاء أبو بكر، فدخل علي، فقال: يا رسول الله، ما تنتظر بهذه التي خانتك وفضحتني؟!
قالت: فازددت شراً إلى شر".
فأرسل "صلى الله عليه وآله" إلى بريرة فاستشارها([462]).
22 ـ الموالي والإفك:
وتذكر روايات الإفك أبياتاً من الشعر تنسبها لأم سعد بن معاذ تتهم فيها "الموالي" بالإفك، فهي تقول:
للـمـوالي إذا رمــوهــا بـإفــــك أخــذتهـــم مــقامـع وجـحيم([463])
ونحن لا نجد في روايات الإفك على عائشة أحداً يمكن أن ينسب إلى الموالي، فهم: ابن أبي، ومسطح، وحسان، وحمنة، وزادت بعض الروايات: زيد بن رفاعة، وليس في هؤلاء أحد من الموالي.
فما معنى هذا؟! وكيف نفسره؟!
إلا أن نفسر كلمة (الموالي) بالمحبين، أو نفسرها بالأنصار. ولكن، هل كان عبد الله بن أبي من محبي أبي بكر، أو من أنصاره؟! وهل كانت حمنة أيضاً من هؤلاء؟!
23ـ الدعاء على سعد:
ثم إن أبيات أم سعد بن معاذ تتضمن الدعاء على سعد، فتقول:
ليــت سـعــداً ومن رمـاها بسوءٍ في كـظـاظ حتى يتـوب الظـلوم([464])
فإن كانت تقصد ولدها سعد بن معاذ، فإنه:
أولاً: قد مات قبل قضية الإفك، فلماذا تدعو عليه؟!
ثانياً: إنه قد أنكر على الإفكين ـ حسب روايات عائشة ـ وأبدى استعداده لمعاقبتهم، فلماذا تدعو أمه عليه؟!
وإن كانت تقصد سعد بن عبادة، فإنه هو الآخر لم يكن في جملة الإفكين، وغاية ما صدر منه ـ بحسب دعوى رواية عائشة ـ أنه واجه ابن معاذ منتصراً لقومه، رافضاً أن يمكّنه من تولي معاقبة أحدٍ من قومه، أو فقل: رافضاً أن يكون له الحق في معاقبة أحد.
24 ـ الذين نزل القرآن بموافقتهم:
ألف : ويقولون: إن الذين قالوا ـ حينما سمعوا الإفك ـ : سبحانك هذا بهتان عظيم، هم:
1 ـ أبو أيوب: فإنه قال لزوجته لما أخبرته الخبر: فعائشة خير منك، وصفوان خير مني.
وقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم.
قالت عائشة: فأنزل الله عز وجل: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}([465]).
وقال ذلك أيضاً:
2 ـ أسامة بن زيد([466]).
3 ـ أبي بن كعب في قصة شبيهة بقصة أبي أيوب([467]).
4 ـ سعد بن معاذ([468]).
5 ـ زيد بن حارثة([469]).
6 ـ قتادة بن النعمان([470]).
7 ـ عمر بن الخطاب([471]).
ب : ومن الذين نزل القرآن بموافقتهم في آية: {..المُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ..} نذكر:
1 ـ أم مسطح، فإنها عندما عثرت، وسبت مسطحاً، سألتها عائشة عن السبب، فقالت: أشهد أنك من الغافلات المؤمنات([472]).
وهذا موافق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ المُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا..}.
2 ـ بريرة التي ذكرت أن عائشة تنام عن عجين أهلها.
وفي رواية مقسم: أنها غفلت عن العجين، فجاءت الشاة فأكلتها. ونحن نسأل الله أن لا تكون هذه هي نفس تلك الشاة التي أكلت قسماً من القرآن!!([473]).
3 ـ ابن المنير، لقد قال ابن المنير: "فغفلتها عن عجينها أبعد لها من مثل الذي رميت به، وأقرب إلى أن تكون من المحصنات الغافلات المؤمنات"([474]). فالآية أيضاً قد نزلت بموافقة بريرة وابن المنير.
ج : وقد نزل أيضاً قوله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً..} ليوافق أبا أيوب الأنصاري. حسبما عرفناه.
نعم.. لقد نزل القرآن بموافقة كل هؤلاء باستثناء النبي "صلى الله عليه وآله"، وعلي "عليه السلام"، فإن القرآن قد خالفهما، وأنبهما على موقفهما من قضية الإفك.. لست أدري لماذا لم تكن النبوة من نصيب هؤلاء الأفذاذ، الذين تجذر فيهم عنصر الوحي؟! ولماذا اختصت بذلك الرجل الذي هو أبعد ما يكون في هذه القضية عن الموقف الإلهي الصحيح؟!
ملاحظات ثلاث:
الأولى: اختلاف الروايات:
إن المُراجع للروايات يرى: أن في رواية أبي أيوب اختلافاً، فبعضها يفيد: أن أبا أيوب كان يعلم بالخبر قبل إخبار زوجته إياه، وبعضها يدل: على أنه لم يكن يعلم بالأمر إلا حين أعلمته زوجته به.
كما أن ثمة رواية تقول: إن أبا أيوب قد وافق قوله آية: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً..}.
والأخرى تقول: بل وافق قوله تعالى: {مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ..}.
الثانية: سند رواية أبي أيوب؟!
وإن من يراجع هذه الرواية يجد: أن رواتها هم: رجل من بني النجار.. مجهول.. وأفلح، مولى أبي أيوب، الذي لم يكن حين الإفك، بل هو من سبي اليمامة، وعائشة.
الثالثة: هل ابن المعطل خير من أبي أيوب:
إننا لم نستطع أن نفهم متى وكيف أصبح صفوان بن المعطل خيراً من أبي أيوب وأفضل.. مع أنه لم يسلم إلا قبل قضية الإفك بقليل، حتى ليقولون: إن أول مشاهده المريسيع التي هي غزوة الإفك.
مع أن أبا أيوب كان من كبار الصحابة وخيارهم، وهو مضيف النبي "صلى الله عليه وآله" حين مقدمه المدينة، وشهد العقبة وبدراً، وسائر المشاهد.
وعلى حسب مقاييسهم: لا يقاس بالبدريين أحد، ولكن من يدري؟! فلعل صفوان كان يقطع ما يحتاج الناس فيه إلى سنوات بأشهر، أو بأيام، لاستعداده النادر، ومواهبه الفذة، التي قصَّرت به عن أن يكون له أي دور سوى دوره في حديث الإفك، وقصَّرت به أيضاً عن أن يكون نادرة زمانه، وفريد عصره وأوانه!!.
نعم، له في التاريخ فضائل أخرى نادرة: فهو الذي كان لا يصلي الصبح، وكان يضرب زوجته، وكان يمنعها من الصيام، وكل ذلك كان بعد المريسيع!! ثم هو خير من أبي أيوب وأفضل!!
مما يأتي:
واللافت هنا: أن الإشكالات على حديث الإفك لا تنحصر فيما قدمناه بل هناك إشكالات أخرى ستظهر لنا من خلال البحوث الآتية: ومنها حديث:
1 ـ مشتركات:
حيث سنذكر: أن عقد عائشة قد ضاع مرة أخرى في نفس غزوة المريسيع، أو انقطع..
وكان ذلك في وقت الرحيل أيضاً.
وهو من جزع ظفار.
وقيمته أيضاً كانت اثني عشر درهماً.
وفي مكان لا ماء فيه، فأقام الجيش كله على التماسه حتى نزلت آية التيمم.
ولأسيد بن حضير دور رئيس أيضاً في هذه القضية، وسيأتي تفصيل ذلك.
2 ـ سباق البطلين:
وسنذكر أيضاً: أن في هذه الغزوة بالذات حصل السباق الشهير!!! بين رسول الله "صلى الله عليه وآله"!!! وبين عائشة!!! في قلب الصحراء.. وفاز الرسول "صلى الله عليه وآله" في هذا السباق. كما سيأتي..
فتبارك الله وما شاء الله، وحيا الله هذه الغزوة المباركة، التي ظهرت فيها كل هذه البركات!!
الفصل العاشر:
الكيد السياسي في حديث الإفك
الإفك والسياسة:
إن ملاحظة حديث الإفك بدقة تعطي: أن هذا الحديث يهدف إلى تحقيق عدة أهداف سياسية معينة، ومدروسة..
ونحن نشير منها إلى ما يلي:
1 ـ ابن حضير وابن عبادة:
إن أول ما يطالعنا في حديث الإفك هو: موقف أسيد بن حضير، الذي تقول عنه عائشة: "وكان أسيد رجلاً صالحاً في بيت من الأوس عظيم" كما تقدم.. وأسيد هذا يدَّعون له: أنه أحد الثلاثة الذين لم يكونوا يلحقون في الفضل، هو وابن معاذ، وعباد بن بشر([475]).
وقالت عنه: إنه كان من أفاضل الناس([476]).
وكان أبو بكر يكرمه، ولا يقدم أحداً من الأنصار عليه، ويقول: لا خلاف عنده([477]).
وكان ابن خالة أبي بكر، وكان في الذين جاؤوا مع عمر لإحراق بيت علي إن لم يبايع([478]).
وكان أول من بايع أبا بكر، حسداً لسعد بن عبادة([479]). وله في بيعة أبي بكر أثر عظيم([480]).
هذا هو أسيد بن حضير، وهذه هي مواقفه، وهذه هي مكانته عندهم، مع أنه هو الذي كذبه رسول الله "صلى الله عليه وآله" صراحة في بعض القضايا على ما رواه ابن سعد([481]).
وعلى هذا.. وإذ قد عرفنا منزلة ابن حضير عندهم، وأثره في تثبيت حكمهم، فالمقابلة في حديث الإفك بين أسيد، وجعله يتخذ جانب النبي "صلى الله عليه وآله" والحق، وبأنه رجل صالح، ومن بيت في الأوس عظيم، وبين سعد بن عبادة، الذي وصف بأنه كان قبل ذلك رجلاً صالحاً!! وبأنه منافق يجادل عن المنافقين!
وسعد: هو المنافس لأبي بكر في الخلافة، والمغاضب للخلفاء، والمقتول غيلة في الشام وقد اغتالته السياسة ـ على حد تعبير طه حسين ـ ثم إعطاؤه في حديث الإفك دور العداء للنبي "صلى الله عليه وآله"، والمجانبة للحق، إن هذه المقابلة، تكون حينئذٍ طبيعية، ولها مبرراتها المقبولة، ومن منطلقات سياسية عميقة الجذور، وبعيدة الأغوار، لا تكاد تخفى على الناقد البصير، والمتتبع الخبير، ومن أمعن النظر وتدبر في مرامي الأهواء، وعثرات وشطحات الميول.
2 ـ بين الأوس والخزرج:
ثم.. هناك المقابلة بين قبيلتي الأوس، التي هي قبيلة أسيد بن حضير وقبيلة الخزرج، التي هي قبيلة سعد بن عبادة.
فقبيلة أسيد تقوم لنصرة الحق وتأييد النبي "صلى الله عليه وآله"، أما الخزرج، فتتحمس لزعيمها سعد، فتشاركه في النفاق، وفي الجدال عن المنافقين على حساب النبي "صلى الله عليه وآله"، والحق، والدين.
وأولئك قد بلغوا الغاية في التقوى والورع والصلاح.. وهؤلاء.. قد بلغوا الغاية في قلة الدين، وعدم مراعاة مقام النبوة والرسالة.
نعم، لقد بلغ الفريقان الغاية، هذا في باطله، وذاك في حقه، فكان التشاتم، والتضارب بينهما بالأيدي والنعال.. حتى لقد كان من الممكن أن ينتهي الأمر إلى سل السيوف، وإزهاق النفوس.. والكل لا يحترمون النبي "صلى الله عليه وآله"، الذي كان يسكتهم، وهو لا يزال قائماً على المنبر.
وكل ذلك من بركات: نفاق سعد بن عبادة طبعاً.. إن ذلك لعجيب حقاً!! وأي عجيب!!
3 ـ علي ×:
أما علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، فهو أيضاً لا يجـوز أن ينسى، بل لا بد أن يعطى ـ وقد واتتهم الفرصة ـ نصيبه الأوفى في هذا الأمر.. وها هو الوليد بن عبد الملك، وأخوه هشام يقولان: إنه هو الذي تولى كبر الإفك، وتفصيل ذلك:
أ ـ لقد قال الزهري: إن الوليد بن عبد الملك قال له: الذي تولى كبره منهم، علي؟
قلت: لا. ولكن حدثني سعيد بن المسيب، وعروة، وعلقمة، وعبيد الله، كلهم عن عائشة، قال: الذي تولى كبره عبد الله بن أُبي([482]).
زاد في الدر المنثور: "فقال لي: ما كان جرمه؟
قلت: حدثني شيخان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أنهما سمعا عائشة تقول: كان مسيئاً في أمري"([483]).
وفي حلية أبي نعيم، من طريق ابن عيينة عن الزهري: كنت عند الوليد بن عبد الملك، فتلا هذه الآية: {..وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، فقال: نزلت في علي بن أبي طالب.
قال الزهري: أصلح الله الأمير، ليس الأمر كذلك، أخبرني عروة، عن عائشة.
قال: وكيف أخبرك؟
قلت: أخبرني عروة عن عائشة، أنها نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول([484]).
ولابن مردويه من وجه آخر، عن الزهري: كنت عند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي، وهو يقرأ سورة النور مستلقياً، فلما بلغ هذه الآية: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..} حتى بلغ: {..وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} جلس.
ثم قال: يا أبا بكر، من الذي تولى كبره منهم؟ أليس علي بن أبي طالب؟!
قال: فقلت في نفسي: ماذا أقول؟ لئن قلت لا، لقد خشيت أن ألقى منه شراً، ولئن قلت: نعم، لقد جئت بأمر عظيم.
قلت في نفسي: لقد عودني الله الصدق خيراً.
قلت: لا.
قال: فضرب بقضيبه على السرير، ثم قال: فمن؟ فمن؟ حتى ردد ذلك مراراً.
قلت: لكن عبد الله بن أُبي([485]).
ب ـ وأخرج يعقوب بن شيبة في مسنده، عن الحسن بن علي الحلواني، عن الشافعي، قال: حدثنا عمي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان، الذي تولى كبره من هو؟!
قال: عبد الله بن أُبي.
قال: كذبت، هو علي.
قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول.
فدخل الزهري فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره؟!
قال: ابن أُبي.
قال: كذبت، هو علي.
فقال: أنا أكذب لا أبا لك. والله لو نادى مناد من السماء: أن الله أحل الكذب لما كذبت.. حدثني عروة، وسعيد، وعبيد الله، وعلقمة، عن عائشة: أن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أُبي. فذكر قصته مع هشام.
وقد جاء في آخرها، قول هشام: نحن هيجنا الشيخ، أو ما بمعناه. وأمر فقضى عنه ألف ألف درهم([486]).
فالوليد بن عبد الملك إذن، وكذلك هشام بن عبد الملك يريدان تأكيد الفرية على أمير المؤمنين "عليه السلام"، إلى درجة أنهم قد افتروا عليه: أنه هو الذي تولى كبر الإفك.
كما أن عائشة قد ذكرت: أن علياً "عليه السلام" كان مسيئاً في شأنها، كما تقدم في الرواية التي ذكرها البخاري ـ حسب رواية النسفي وغيره عنه ـ حول ما جرى بين الزهري وبين الوليد، حيث قال الزهري: قلت: لا.
ولكن أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: أن عائشة قالت لهما: كان علي مسيئاً في شأنها([487]).
قال العسقلاني: ذكر عياض: أن النسفي رواه عن البخاري بلفظ مسيئاً، قال: وكذلك رواه أبو علي بن السكن، عن الفربري، وقال الأصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلماً: كذا قرأناه، والأعرف غيره([488]).
وكذلك نقله في الدر المنثور، عن البخاري كما تقدم، وعن ابن المنذر، والطبراني وابن مردويه، والبيهقي.
ورواه عبد الرزاق أيضاً بلفظ "مسيئاً"، وكذلك أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في المستخرجين.
ويقوي الرواية التي فيها: "مسيئاً" ما في رواية ابن مردويه بلفظ: إن علياً أساء في شأني، والله يغفر له. انتهى([489]).
وقال العسقلاني أيضاً: إن عائشة قد نسبت علياً إلى الإساءة في شأنها([490]).
وذلك كله يشير إلى: أن رواية البخاري قد حرفت من قبل النساخ، للتقليل من بشاعة هذا الأمر، وفظاعته، وحفاظاً على عائشة، والوليد، والزهري، ومن لف لفهم.
وأيضاً حفاظاً على كرامة البخاري نفسه، إذ ليس من السهل تكذيب القرآن من خلال توجيه هذه الفرية لعلي، الذي أذهب الله عنه الرجس وطهره تطهيراً.. وهو مع الحق، والحق معه يدور معه حيث دار.
واللافت هنا: أنهم في حين يصرون على تأكيد الفرية على أمير المؤمنين "عليه السلام" فإنهم لا يجرؤون على القول: بأن علياً "عليه السلام" قد جلد، بل يقولون بكل وضوح وإصرار: لم يجلد علي "عليه السلام" مع من جلد، ولم يحده النبي معهم بالاتفاق!! رغم أن عائشة، والوليد، وهشاماً يصرون على نسبة الإساءة إليه، وعلى أنه ممن قذفها، وعلى أنه تولى كبره في ذلك!! نعوذ بالله؟!! فلماذا عفا عنه النبي "صلى الله عليه وآله" إذن؟! وهل للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يعفو عن حد من حدود الله؟! حتى لو كان مستحقه هو صهره وابن عمه!!
4 ـ عائشة:
وعائشة قد ربحت أيضاً، وكان لها حصة الأسد، حيث نزل في حقها طائفة من الآيات القرآنية.
ولا سيما مثل قوله تعالى: {..وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ونظائر هذه الآية، مما يفهم منه المدح العظيم للتي رميت بالإفك حتى قال ابن الأثير: "ولو لم يكن لعائشة من الفضائل إلا قصة الإفك، لكفى بها فضلاً، وعلو مجد، فإنها نزل فيها من القرآن ما يتلى إلى يوم القيامة"([491]).
وهذا وسام عظيم، وشرف باهر، هي بأمس الحاجة إليه ولا بد لها من الحصول عليه، لدعم الموقف السياسي لها في مقابل علي، وأهل البيت "عليهم السلام"، وليبطل مفعول آيات سورة التحريم، التي نزلت في أحد مواقف عائشة، التي لا تحسد عليها.
5 ـ ذنب مسطح:
ثم هناك مسطح، الذي زج في حديث الإفك لأمرين:
أولهما: إظهار فضل أبي بكر، لتنزل فيه آية قرآنية تقرضه، وتمدحه.
وثانيهما: إنه قد حضر حرب صفين إلى جانب علي أمير المؤمنين "عليه السلام".
ثم نالته درجة تخفيف، لقرابته من أبي بكر، كما هو معلوم من الروايات.
6 ـ حسان:
وحسان بن ثابت يتهم أولاً.. ثم نجد محاولات جادة لتبرئته، وإعادة الاعتبار له، ولا نكاد نشك في أن عثمانيته، وانحرافه عن علي، وعدم بيعته له قد كان لذلك كله دور كبير في تبرئته.
ولعله إنما اتهم بهذا الأمر من أجل إثارة الشبهة في مصداقية ما قاله من الشعر في علي "عليه السلام"، وبيعته يوم الغدير، والنص عليه صلوات الله وسلامه عليه في ذلك اليوم.. مما لعله أثار حفيظة أم المؤمنين ومحبيها، فأسرت لهم، ومنهم عروة بن الزبير ابن أختها، أو فقل: أسرّ واضع الرواية ـ وهو الأنسب ـ إلى خاصته، ومن يثق به، بتوجيه التهمة له ليمثل ذلك صفعة قوية له، ثم اشتهر ذلك وذاع.
ولكن ظهور انحراف حسان عن علي "عليه السلام"، وامتناعه عن بيعته، وعن تأييده قد شفع له، فكان السعي لتبرئته، وإبعاد الشبهات عنه..
حتى إن عائشة قالت: بل لم يفعل شيئاً، بعد أن كانوا قد ذكروا أنه قد جلد الحد، بل جعلوه هو الذي تولى كبر الإفك!!
بل لعل نفيهم الحد من الجميع قد كان إكراماً له: إذ من أجل عين ألف عين تكرم!!
وربما يكون الذين زجوا باسم حسان بالأمر بسبب: شعره في الغدير وفي أمير المؤمنين قد فعلوا ذلك بدون علم أم المؤمنين، التي أرادت أن تكافئه على موقفه السلبي من علي "عليه السلام" بعد ذلك، فوقع الاختلاف واضطرت إلى التدخل لإنقاذ الموقف.
7 ـ أسامة:
ثم هناك دور أسامة، في مقابل علي "عليه السلام"، فقد ذكرت الرواية: أن موقفهما في المشورة على النبي "صلى الله عليه وآله" كان على طرفي نقيض، فادَّعت أن أسامة يشير على النبي "صلى الله عليه وآله" ببراءتها، مع أنه لم يزد على أن أظهر عدم علمه بشيء من أمرها، كما تقدم.
أما علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، فإن المقابلة بين موقفه وموقف أسامة، تريد أن توحي بأنه "عليه السلام" قد أشار بغير ما يعلم. أي أنه مع علمه ببراءتها قد أشار على النبي "صلى الله عليه وآله" بطلاقها!!.
وقد تقدم: أنها نسبت علياً "عليه السلام" إلى الإساءة في شأنها..
ولا نكاد نرتاب: في أن الهدف من وراء ذلك، هو الإمعان في توجيه الإهانة والاتهام إلى علي "عليه السلام". علي الذي كان دائماً الشجا المعترض في حلقهم جميعاً، حتى إن عائشة كانت لا تستطيع ـ كما يقول ابن عباس ـ أن تذكر علياً بخير أبداً([492]).
وإذا عرفنا: أن موقف أسامة كان يتصف بالتذبذب.. بل لقد كان منحرفاً عن علي "عليه السلام"، حيث لم يبايعه، ولم يشترك معه في أي من حروبه([493])، ولم يعطه علي "عليه السلام" من العطاء([494]).
إذا عرفنا ذلك.. فإننا نعرف سر المقابلة المذكورة بين الموقفين لأسامة ولعلي "عليه السلام" تجاه عائشة التي حاربت علياً، وأزهقت في حربها له الآلاف من الأرواح البريئة المسلمة.
ونعرف أيضاً: سر جعلهم أسامة حِبّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومستشاره الذي لا يعدوه، وهو لما يبلغ الحلم.. ثم تكون إشارته موافقة للحق وللضمير على عكس ما أشار به غيره حتى علي "عليه السلام".
8 ـ زيد بن ثابت:
وتذكر الروايات: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استشار زيد بن ثابت، بدل أسامة، أو معه.. ولا يختلف حال زيد عن حال أسامة في الموقف السياسي، فإن عثمانيته كانت معروفة ومشهورة، وهو لم يشهد مع علي "عليه السلام" شيئاً من حروبه، وكان كاتباً للخلفاء قبل علي([495]).
ولأن هوى عثمان كان في قراءته، فقد منع الحجاج قراءة غيره، وفرض قراءته، كما ذكره الإسكافي في رده على عثمانية الجاحظ([496]).
إذن.. فلا بد أن يجعل له في هذا الأمر نصيب، وأن تجعل آراؤه وأقواله موافقة للحق وللقرآن، تماماً على عكس آراء وأقوال أمير المؤمنين "عليه السلام" بزعمهم.
9 ـ اتهام إخوة زينب:
ثم هناك إصرار روايات الإفك على اتهام حمنة بنت جحش، حيث لم يكن إلى اتهام أختها سبيل، لأن أختها زينب كانت تنافس عائشة في بيت النبي "صلى الله عليه وآله" ـ كما تقول ـ ولها التقدم عليها في كثير من الشؤون، ونزل تزويجها من السماء([497]). ولم يكن لحمنة شافع، فلم تجد أحداً يدافع عنها، أو يكذب التهمة الموجهة إليها.. وذلك أيضاً هو سر اتهام أخويها: عبد الله، وعبيد الله ابني جحش.
10 ـ ضرائر عائشة:
ثم بذلت محاولة لإشراك ضرائر عائشة في ذلك، كما يفهم من قول أم رومان المتقدم.. ثم أدركتهن درجة تخفيف، وربما بسبب أنهم ـ بعد ذلك ـ رأوا أن من غير المناسب توسيع جبهة المعارضة لعائشة، ولا سيما إذا أراد من ينتسب إلى سائر زوجاته "صلى الله عليه وآله" أن ينتصروا لمن تتصل بهم بسبب أو نسب، أو لأن زمان المعارضة كان قد مضى وذهب، فلا حاجة إلى فتح جدال جديد معهن. ولهذا فقد اكتفوا بكلام أم رومان المتقدم.
أما زينب، فقد كانت قد توفيت وذهبت أيامها، وليس ثمة من ينتصر لها.
وشدد الأمر على حمنة.. لأن أختها ما كان أحد من زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" يساميها غيرها.. على حد تعبير عائشة، ولأنها هي التي نزل تزويجها من السماء، دون سائرهن!! كما ألمحنا إليه.
11 ـ التعذير والتبرير:
ثم هناك من يجد في حديث الإفك العذر والمبرر لمواقف عائشة العدائية من أمير المؤمنين، وأهل بيته "عليهم السلام".. إذ بعد أن أشار "عليه السلام" بطلاقها، كما يزعمون، وتولى ضرب بريرة، في محاولة لانتزاع إقرار منها ضد عائشة، كما يدَّعون.. فإن من الطبيعي أن يجعلوا ذلك هو المبرر لأن ـ بعد هذا ـ تحقد عليه عائشة، وتتأكد نفرتها منه، وكراهيتها له.
إذن.. فيجوز للعقاد، ولابن أبي الحديد([498]) أن يجعلوا من مشورة علي غير الموفقة ـ على حد تعبير العقاد ـ مبرراً لحقد عائشة على علي "عليه السلام"، وتخف بذلك تبعة وبشاعة الجريمة التي ارتكبتها في حرب الجمل، التي قتل فيها الألوف من أبرياء المسلمين، حيث يمكن إلقاء قسط كبير من التبعة على عاتق علي "عليه السلام" نفسه.
ولكن.. وبعد أن تحقق أن حديث الإفك لا أساس له من الصحة.. وإنما هو مجعول لأهداف سياسية معينة.. فلسنا ندري ما هو الموقف الذي سوف يتخذه أولئك الذين يهمهم تبرير الأمر الواقع، على أساس عدم التعرض لتحقق النص التاريخي صدقاً أو كذباً.. وإنما يأخذونه على علاته، ويشرعون في تبريره وتوجيهه، وإظهاره على أنه حقيقة مسلمة، لا ريب فيها، ولا شك يعتريها؟!
12 ـ من هم المتهمون؟!
وأما القاذفون.. الذين تحدثت عنهم رواية الإفك المزعوم فهم اثنان خزرجيان، هما:
1 ـ عبد الله بن أُبي.
2 ـ وحسان بن ثابت.
ويظهر: أن ذنبهما هو أنهما من قبيلة سعد بن عبادة، المنافس لأبي بكر في الخلافة، حسبما تقدم، وقرب آل عبادة خصوصاً قيس بن سعد من علي "عليه السلام".
وأما ذنب حسان فهو مدحه لعلي صلوات الله وسلامه عليه، وإشادته بيوم الغدير.
3 ـ علي "عليه السلام"، وهو ذلك الرجل الذي لم تكن لتصفو له قلوب الأمويين، والزبيريين، وعائشة. التي لم تكن تستطيع أن تذكره بخير أبداً، كما قدمنا.
4 ـ ومسطح، وذنبه: أنه شهد مع علي "عليه السلام" صفين. كما أن اتهامه هو الذي يمكّنهم من ادعاء نزول الآيات في فضل أبي بكر، الذي كان بأمس الحاجة إلى إدعاءات من هذا القبيل.
5 ـ وحمنة، وسائر أبناء جحش، الذين لم نعرف لهم ذنباً، إلا أن أختهم زينب، التي زوجها الله رسوله، ونزلت في ذلك آيات قرآنية خالدة، وليس لعائشة مثل هذه الفضيلة..
براءة.. وتخفيف:
ثم يبرؤ من هؤلاء: حسان فقط. وترضى عنه عائشة كل الرضا، لعثمانيته، وانحرافه عن علي "عليه السلام". وتحكم له بالجنة، وتقول: إنه لم يقل شيئاً.
ويخفف ذنب مسطح، إذ قد تصارع فيه عاملان متضادان: شهوده صفين إلى جانب علي "عليه السلام"، وقرابته من أبي بكر؛ فكان هذا الجمع العجيب هو الحل، فهو يعفى من الحد، لقرابته من أبي بكر.
ويقال: إنه لم يأفك، بل أعجبه الأمر، وضحك له، ويبقى في حظيرة الاتهام بهذا المقدار لشهوده مع علي "عليه السلام" حرب صفين، ولتنزل الآية القرآنية في أبي بكر فيما يرتبط بالإنفاق عليه.
وتكون الخلاصة هي: أن كل المواقف غير المشرفة تنسب إلى خصوم عائشة، وخصوم الجهاز الحاكم عموماً.
أما المواقف المشرفة، فهي خاصة بالموالين لهم، والمتعاطفين معهم، حتى إذا ما نسب إلى هؤلاء شيء في وقت ما، نراهم يسارعون إلى بذل محاولات تبرئته بكل وسيلة، كما كان الحال بالنسبة لحسان، حينما اتضح لهم انحرافه عن علي "عليه السلام".
وأما الآخرون: علي "عليه السلام" وابن عبادة، ومسطح، وغيرهم فالتهمة عليهم باقية.
وهؤلاء الخصوم فقط هم الذين تبقى التهم ثابتة عليهم، وهم الذين لا حمية لهم ولا صلاح عندهم.
أما ابن حضير، وحسان، وزيد بن ثابت العثماني النزعة، وأسامة نظيره، فهم أهل الحمية والإنصاف، والصلاح والفلاح!!
الفصل الحادي عشر:
الإفك على مارية
الشيعة، وحديث الإفك:
قال ابن أبي الحديد: "..وقوم من الشيعة زعموا: أن الآيات التي في سورة النور لم تنزل فيها (يعني عائشة)، وإنما نزلت في مارية القبطية، وما قذفت به، مع الأسود القبطي.
وجحدهم لإنزال ذلك في عائشة جحد لما يعلم ضرورة من الأخبار المتواترة.."([499]).
ولكن قد تقدم: أن حديث الإفك على عائشة لا يمكن أن يكون متواتراً كما علم حين الحديث عن سنده، لأنه إما مسند منقول عنها، و إما منقول عن صحابي لم يحضر الإفك أو مات قبله، أو كان صغيراً لا يعقل، أو منقطع، أو مرسل، أو مروي عمن يلوذ بعائشة وحزبها بسبب سياسي أو نسب أو غيره، كل ذلك قد تقدم بالتفصيل فلا حاجة إلى إعادته.
أضف إلى ذلك: ما قدمناه من وجوه الإشكال الكثيرة جداً في روايات الإفك على عائشة التي تسقط مضمونها عن الاعتبار، وهي إشكالات لا يمكن غض النظر عنها ولا تجاهلها.
إذن فهؤلاء القوم من الشيعة هم بلا شك محقون في نفيهم الإفك عنها، وإن أبى ذلك ابن أبي الحديد([500])وغيره.
ويبقى أن نعرف: إن كانوا محقين في القضية الأخرى، وهي قولهم: إن الإفك كان على مارية.
هذا ما سوف يطلع عليه القارئ الكريم فيما يأتي، وبالله التوفيق، ومنه نستمد الحول والقوة.
روايات القمي وغيره لحديث الإفك:
قال القمي: "{إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..} الآية.. إن العامة رووا: أنها نزلت في عائشة، وما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة، وأما الخاصة فإنهم رووا: أنها نزلت في مارية القبطية، وما رمتها به عائشة.
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، قال: حدثني عبد الله بن بكير عن زرارة، قال:
سمعت أبا جعفر "عليه السلام" يقول: لما مات إبراهيم ابن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حزن عليه حزناً شديداً، فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟! فما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" وأمره بقتله، فذهب علي "عليه السلام" ومعه السيف، وكان جريح القبطي في حائط، فضرب علي "عليه السلام" باب البستان، فأقبل جريح، ليفتح له الباب، فلما رأى علياً "عليه السلام"، عرف في وجهه الغضب، فأدبر راجعاً، ولم يفتح الباب، فوثب علي "عليه السلام" على الحائط، ونزل إلى البستان، واتبعه. وولى جريح مدبراً، فلما خشي أن يرهقه صعد في نخلة، وصعد علي في أثره، فلما دنا منه رمى بنفسه من فوق النخلة، فبدت عورته، فإذا ليس له ما للرجال، ولا ما للنساء.
فانصرف علي "عليه السلام" إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: يا رسول الله، إذا بعثتني في الأمر أكون فيه كالمسمار المحمي في الوبر، أم أثبّت؟ قال: لا بل اثبّت.
فقال: والذي بعثك بالحق ما له ما للرجال، ولا ما للنساء، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت.."([501]).
وعنه في رواية عبد الله بن موسى، عن أحمد بن راشد، عن مروان بن مسلم، عن عبد الله بن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله "عليه السلام": جعلت فداك، كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر بقتل القبطي، وقد علم أنها كذبت عليه؟ أولم يعلم؟ وقد دفع الله عن القبطي القتل بتثبيت علي "عليه السلام"؟
فقال: بل كان والله يعلم، ولو كان عزيمة من رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما انصرف علي "عليه السلام" حتى يقتله، ولكن إنما فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" لترجع عن ذنبها، فما رجعت، ولا اشتد عليها قتل رجل مسلم([502]).
وروى الصدوق "رحمه الله"، عن ماجيلويه، عن عمه عن البرقي، عن محمد بن سليمان، عن داود بن النعمان عن عبد الرحيم القصير، قال: قال لي أبو جعفر "عليه السلام": أما لو قد قام قائمنا "عليه السلام" لقد ردت إليه الحميراء، حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة "عليها السلام" منها، قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها الحد؟!
قال: لفريتها على أم إبراهيم "عليها السلام".
قلت: فكيف أخره الله للقائم؟
قال: لأن الله تعالى بعث محمداً "صلى الله عليه وآله" رحمة، وبعث القائم "عليه السلام" نقمة([503]).
وروي أيضاً: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" قال في حديث المناشدة مع الخمسة الذين في الشورى: نشدتكم بالله هل علمتم: أن عائشة قالت لرسول الله "صلى الله عليه وآله": إن إبراهيم ليس لك، وإنه ابن فلان القبطي؟
قال: يا علي، اذهب فاقتله.
فقلت: يا رسول الله، إذا بعثتني أكون كالمسمار المحمي في الوبر، أو أثبت؟!
قال: بل تثبت.
فلما نظر إلي استند إلى حائط، فطرح نفسه فيه، فطرحت نفسي على أثره، فصعد على نخلة، فصعدت خلفه، فلما رآني قد صعدت رمى بإزاره، فإذا ليس له شيء مما يكون للرجال، فجئت، فأخبرت رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت.
فقالوا: اللهم لا.
فقال: اللهم اشهد..([504]).
وثمة رواية أخرى ذكرها في البرهان عن الحسين بن حمدان، وفيها دلالة: على أن عائشة وحفصة، وأبا بكر وعمر قد اشتركوا في قضية مارية.
ولكننا: أضربنا عن ذكرها بطولها، لأن الحسين بن حمدان ضعيف جداً، فاسد المذهب، صاحب مقالة ملعونة، لا يلتفت إليه، كما يقولون في كتب الرجال([505]).
وإنه، وإن كان لا يمتنع أن يصدق الكاذب، ولكننا لا يمكن لنا أن نقول: إن رواية ابن حمدان هي الصحيحة هنا ما لم يدعمها دليل قوي من غيرها، وحينئذ فيكون هو الدليل، لا هي!!
وقد روى القمي أيضاً هذه القضية في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا..}([506]).
روايات غير الشيعة لقضية مارية:
إن نصوص هذه القضية المرتبطة بمارية عديدة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ روى مسلم وغيره، والنص لمسلم، عن أنس: أن رجلاً كان يتهم بأم ولد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي: اذهب، فاضرب عنقه، فأتاه علي، فإذا هو في ركي([507]) يتبرد فيها.
فقال له علي: اخرج، فناوله يده، فأخرجه، فإذا هو مجبوب، ليس له ذكر، فكف علي عنه.
ثم أتى النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا رسول الله، إنه لمجبوب ما له ذكر([508]).
2 ـ عن أنس بن مالك، قال: كانت أم إبراهيم سرية للنبي "صلى الله عليه وآله" في مشربتها، وكان قبطي يأوي إليها، ويأتيها بالماء والحطب، فقال الناس في ذلك: علجة يدخل على عجلة.
فبلغ ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأرسل علي بن أبي طالب، فوجده على نخلة، فلما رأى السيف وقع في نفسه، فألقى الكساء الذي كان عليه، وتكشف، فإذا هو مجبوب.
فرجع علي إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فأخبره فقال: يا رسول الله، أرأيت إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى، في غير ذلك، أيراجعك؟
قال: نعم. فأخبره بما رأى من القبطي.
قال: وولدت مارية إبراهيم، فجاء جبرائيل "عليه السلام" إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم، فاطمأن رسول الله إلى ذلك"([509]).
وفي رواية أخرى مثل ذلك، غير أنه قال: "خرج علي، فلقيه على رأسه قربة مستعذباً لها من الماء، فلما رآه علي شهر السيف، وعمد له، فلما رآه القبطي طرح القربة، ورقى في نخلة وتعرى، فإذا هو مجبوب، فأغمد علي سيفه، ثم رجع إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فأخبره الخبر، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أصبت، إن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب"([510]).
"وروى الواقدي في إسناده قال: كان الخصي الذي بعث به المقوقس مع مارية، يدخل إليها ويحدثها، فتكلم بعض المنافقين في ذلك وقال: إنه غير مجبوب، وأنه يقع عليها، فبعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب، وأمره أن يأتيه، ويقرره، وينظر في ما قيل فيه، فإن كان حقاً قتله، فطلبه علي، فوجده فوق نخلة، فلما رأى علياً يؤمه أحس بالشر فألقى إزاره، فإذا هو مجبوب ممسوح.
وقال بعض الرواة: إنه ألفاه يصلح خباء له فلما دنا منه ألقى إزاره وقام متجرداً. فجاء به علي إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأراه إياه، فحمد الله على تكذيبه المنافقين بما أظهر من براءة الخصي، واطمأن قلبه" ([511]).
3 ـ في مستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي والنص له: عن عائشة قالت: "أهديت مارية ومعها ابن عم لها، فقال أهل الإفك والزور: من حاجته إلى الولد ادَّعى ولد غيره.
قالت: فدخل النبي "صلى الله عليه وآله" بإبراهيم عليَّ فقال: كيف ترين؟!
قلت: من غذي بلبن الضأن يحسن لحمه.
قال: ولا الشبه؟!
قالت: فحملتني الغيرة.
فقلت: ما أرى شبهاً.
قالت: وبلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما يقول الناس، فقال لعلي: خذ هذا السيف، فانطلق فاضرب عنق ابن عم مارية، فانطلق، فإذا هو في حائط على نخلة يخترف، فلما نظر إلى علي، ومعه السيف استقبلته رعدة، فسقطت الخرقة، فإذا هو ممسوح"([512]).
4 ـ وأصرح من ذلك ما رواه السيوطي، عن ابن مردويه، عن أنس: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أنزل أم إبراهيم منزل أبي أيوب، قالت عائشة: فدخل النبي "صلى الله عليه وآله" بيتها يوماً، فوجد خلوة، فأصابها، فحملت بإبراهيم.
قالت عائشة: فلما استبان حملها، فزعت من ذلك، فمكث رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى ولدت، فلم يكن لأمه لبن، فاشترى له ضائنة يغذي منها الصبي، فصلح عليه جسمه، وصفا لونه، فجاء به يوماً يحمله على عنقه.
فقال: يا عائشة، كيف تري الشبه؟
فقلت ـ أنا غيرى ـ : ما أرى شبهاً([513]).
فقال: ولا باللحم؟
فقلت: لعمري، لمن تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال: فجزعت عائشة رضي الله عنها وحفصة من ذلك، فعاتبته حفصة، فحرّمها، وأسرّ إليها سراً، فأفشته إلى عائشة، فنزلت آية التحريم، فأعتق رسول الله "صلى الله عليه وآله" رقبة([514]).
5 ـ وهو مهم في المقام كسابقه: أنه لما استبان حمل مارية بإبراهيم جزعت عائشة قالت: فلما ولد إبراهيم جاء به رسول الله إلي، فقال: انظري إلى شبهه بي.
فقلت ـ وأنا غيرى ـ : ما أرى شبهاً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟!
فقلت: إن من قصر عليه اللقاح أبيض وسمن([515]).
6 ـ روى محمد بن الحنفية رحمة الله عليه، عن أبيه أمير المؤمنين "عليه السلام"، قال: كان قد كثر على مارية القبطية أم إبراهيم في ابن عم لها قبطي، كان يزورها، ويختلف إليها.
فقال لي النبي "صلى الله عليه وآله": خذ هذا السيف، وانطلق، فإن وجدته عندها فاقتله.
قلت: يا رسول الله، أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة، أمضي لما أمرتني؟ أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟
فقال لي النبي "صلى الله عليه وآله": بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
فأقبلت متوشحاً بالسيف، فوجدته عندها، فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه، عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى إليها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشغر برجليه، فإذا به أجب أمسح، ما له مما للرجال قليل ولا كثير.
قال: فغمدت السيف، ورجعت إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت([516])..
7 ـ قال الزمخشري: "بلغه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أن قبطياً يتحدث إلى مارية، فأمر علياً "عليه السلام" بقتله.
قال علي "عليه السلام": فأخذت السيف وذهبت إليه، فلما رآني رقى على الشجرة، فرفعت الريح ثوبه، فإذا هو حصور، فأتيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبرته، فقال: إنما شفاء العي السؤال".
وقيل: الحصور ههنا: المجبوب، لأنه حصر عن الجماع([517]).
8 ـ روت عمرة عن عائشة حديثاً فيه ذكر غيرتها من مارية، وأنها كانت جميلة، قالت: وأعجب بها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان، وكانت جارتنا، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" عامة النهار والليل عندهـا، حتى قذعنا لها ـ والقذع الشتم ـ فحولها إلى العالية، وكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد، ثم رزقها الله الولد وحرمناه منه([518]).
الفصل الثاني عشر:
قضية مارية بين الأخذ والرد
مع الأجواء الطبيعية لقضية مارية:
لقد رأينا: أن النصوص عند جميع المسلمين تكاد تكون متفقة على صورة قضية الإفك على مارية.
ورأينا أيضاً: أن ما رواه الحاكم في مستدركه، والسيوطي عن ابن مردويه، وغير ذلك مما تقدم، يؤكد على أن عائشة قد غارت من مارية، ونفت شبه إبراهيم بأبيه "صلى الله عليه وآله"، رغم إصرار النبي "صلى الله عليه وآله" على خلافها، ورغم أنه كان أشبه الخلق به "صلى الله عليه وآله" كما في الرواية عن الطبراني.
مما يعني: أنها كانت تسعى لإثارة الشبهة في انتسابه إليه "صلى الله عليه وآله" والإيحاء بحصول خيانة من مارية رحمها الله، كما أن إصرارها على رفض قول رسول الله في تأكيده لشبهه به يستبطن التكذيب والأذى له "صلى الله عليه وآله". وكان الحامل لها على ذلك هو غيرتها الشديدة، حسب اعتراف عائشة نفسها.
شواهد على إلقاء الشبهة:
ومما يجعلنا نطمئن إلى صحة ذلك الحوار، وأن عائشة قد حاولت أن تلقي شبهة على طهارة مارية هو ما قالته عائشة نفسها عن حالتها مع مارية:
"..ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية، وذلك أنها كانت جميلة جعدة، وأعجب بها رسول الله "صلى الله عليه وآله".
إلى أن قالت: وفرغنا لها، فجزعت، فحولها رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى العالية، فكان يختلف إليها هناك، فكان ذلك أشد علينا. ثم رزقه الله الولد وحرمناه.."([519]).
لكن عند السمهودي ـ كما تقدم ـ : حتى قذعنا لها، والقذع الشتم كما أشرنا إليه هناك.
وعن أبي جعفر: "..وكانت ثقلت على نساء النبي "صلى الله عليه وآله"، وغرن عليها، ولا مثل عائشة"([520]).
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن موقف عائشة حين موت إبراهيم "عليه السلام": "..ثم مات إبراهيم فأبطنت شماتة، وإن أظهرت كآبة.."([521]).
وبعد كل ما تقدم، نعرف: أن أم المؤمنين قد ساهمت في إثارة الشكوك والشبهات حول مارية، وولدها إبراهيم.
شراكة حفصة:
ولعلنا نستطيع أن نفهم أيضاً من رواية السيوطي عن ابن مردويه: أن حفصة أيضاً قد شاركت في تأليب رأي النبي "صلى الله عليه وآله" ضد مارية، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد حرّم مارية على نفسه، بعد المحاورة التي جرت بينه وبين عائشة، وبعد جزعهما، وعتاب حفصة له في شأنها.
ويفهم أيضاً من رواية الحاكم أن تكثير الناس على مارية قد كان بعد المحاورة المشار إليها بين النبي "صلى الله عليه وآله" وعائشة.
سبب تحريم مارية:
وكل ذلك يجعلنا نطمئن إلى: أن سبب تحريم مارية هو ما ذكر من الشبهات حولها، لا مجرد أنه وطأها في بيت حفصة أو عائشة.
ولا سيما بملاحظة: أن آيات التحريم، في سورة التحريم، تدل على: أن ما ارتكبوه كان أمراً عظيماً جداً، لا مجرد قول حفصة: "يا رسول الله في بيتي، وعلى فراشي"، فإن هذا كلام طبيعي، وليس فيه أي إساءة أدب، أو خروج عن الجادة، ولا يستحق هذا التأنيب العظيم الوارد في الآيات.
وعلى هذا فإن الظاهر هو: أن آيات تحريم مارية التي في سورة التحريم قد نزلت في معالجة الشبهات التي أثارتها عائشة وحفصة حول مارية حينما حرمها النبي "صلى الله عليه وآله" على نفسه لذلك، وأما آية الإفك، فنزلت في الإفك عليها أيضاً.
دور عمر في قضية مارية تبرئة أو اتهاماً:
ولقد احتمل بعض العلماء: أن عمر أيضاً قد شارك في إثارة الشبهات حول مارية بالإضافة إلى حفصة وعائشة، ومستنده في ذلك ما عند الطبراني وغيره، حيث ذكروا رواية تضمنت أن ظهور براءة مارية كان على يد عمر، لا علي "عليه السلام"، وأنه لما رجع إلى الرسول، قال له "صلى الله عليه وآله": "ألا أخبرك يا عمر: إن جبرائيل أتاني فأخبرني، أن الله عز وجل قد برأ مارية وقريبها مما وقع في نفسي، وبشرني: أن في بطنها مني غلاماً، وأنه أشبه الخلق بي، وأمرني أن أسميه إبراهيم.."([522]).
فقد احتمل المظفر استناداً إلى هذه الرواية: أن لعمر بن الخطاب شأناً في اتهام مارية، وإلا.. فلماذا يخصه الرسول "صلى الله عليه وآله" بهذه المقالة؟!([523]).
من الذي برأ مارية:
ولكننا بدورنا نقول: إن هذه الرواية محل إشكال، لأن الروايات متفقة ومتضافرة على أن براءة مارية كانت على يد علي "عليه السلام"، وهذه تقول: بل كانت على يد عمر.
وأجاب العسقلاني عن ذلك باحتمال: أن يكون رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أرسل عمر أولاً، فأبطأ في العودة، لأنه لما رآه ممسوحاً اطمأن وتشاغل ببعض الأمر، فأرسل "صلى الله عليه وآله" علياً بعده، ورجع علي "عليه السلام"، فبشره "صلى الله عليه وآله" بالبراءة، ثم جاء عمر بعده فبشره بها([524]).
ولكن هذا التوجيه منه يحتاج إلى إثبات، وعلى الأقل إلى شواهد تؤيده، كما أن تلكؤ عمر في إخباره للنبي "صلى الله عليه وآله"، حتى يذهب علي "عليه السلام"، ويكشف الأمر مرة ثانية، ويرجع، بعيد عن التصرف الطبيعي في مناسبات حادة، تثير الأزمات بدرجة غير عادية كهذه المناسبة.
إذن.. فبملاحظة التشابه بين هذه الرواية، وبين ما يرد عن علي "عليه السلام"،
وبملاحظة: أن تبرئة علي "عليه السلام" لها مجمع عليها، ولا شك فيها، فإننا لا يمكن أن نصدق هذه الرواية: فإن عمر لم يذهب إلى مأبور، ولا شارك في تبرئة مارية.
فقولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قال له: ألا أخبرك يا عمر الخ.. ـ إن صح ـ فهو ابتداء كلام معه، وحينئذ فيحتاج ما ذكره المظفر إلى الجواب.
براءة مارية:
لقد مر علينا آنفاً: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" يخبر عمر بن الخطاب بأن جبرائيل قد أخبره أن الله تعالى قد برأ مارية.
وقد يمكن أن يفهم من ذلك: أن هذا يؤيد كون آيات الإفك قد نزلت في شأن مارية.. وأن الله تعالى قد برأها بواسطتها، وإلا فما معنى تبرئة الله تعالى لها فيما سوى ذلك؟ إذ إن براءتها قد ثبتت على يد علي "عليه السلام"، فتبرئة الله تعالى لها، لا بد أن تكون بنحو آخر، غير ما فعله علي "عليه السلام"، وليس هو إلا نزول آيات الإفك في شأنها.
استمرار آثار الاتهام:
هذا.. ويبدو أن الشك في شأن مارية قد استمر إلى حين وفاة إبراهيم ابن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأنه قد كان ثمة من يصر على الاتهام، ولو بالخفاء.
ولعل عائشة التي يقول المعتزلي: إنها أظهرت كآبة، وأبطنت شماتة، كان يهمها هذا الأمر أكثر من غيرها. ولذا نجد النبي "صلى الله عليه وآله" حتى حين موت ولده إبراهيم يؤكد على: أن إبراهيم هو ولده.
فقد روي في صحيح مسلم: أنه "..لما توفي إبراهيم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي، وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة.."([525]).
فليس لقوله "صلى الله عليه وآله": "إن إبراهيم ابني" مبرر إلا أن يقال: إنه أراد أن يقوم بمحاولة أخيرة، لدفع كيد الإفكين، وشك الشاكين.
كلام السيد المرتضى:
وأشكل السيد المرتضى وغيره على الرواية الأخيرة، من روايات الإفك على مارية: بأنه كيف جاز لرسول الله "صلى الله عليه وآله" الأمر بقتل رجل على التهمة بغير بينة، ولا ما يجري مجراها؟
وعلى حد تعبير ابن حزم: "كيف يأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بقتله دون أن يتحقق عنده ذلك الأمر، لا بوحي، ولا بعلم صحيح، ولا بينة، ولا بإقرار؟!
وكيف يأمر "عليه السلام" بقتله في قصة، بظن قد ظهر كذبه بعد ذلك وبطلانه؟!
وكيف يأمر "عليه السلام" بقتل امرئ قد أظهر الله تعالى براءته بعد ذلك بيقين لا شك فيه؟!
وكيف يأمر "عليه السلام" بقتله، ولا يأمر بقتلها، والأمر بينه وبينها مشترك؟!".
وقد أجاب ابن حزم بقوله: "لكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد علم يقيناً أنه بريء، وأن القول كذب، فأراد "عليه السلام" أن يوقف على ذلك مشاهدة، فأمر بقتله لو فعل ذلك الذي قيل عنه، فكان هذا حكماً صحيحاً في من آذى رسول الله "صلى الله عليه وآله". وقد علم "عليه السلام" أن القتل لا ينفذ عليه لما يظهر الله تعالى من براءته".
ثم ذكر قصة اختلاف امرأتين في مولود، وتحاكمهما إلى داود، فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان، فقال: ائتوني بالسكين أشقه بينهما.
فقالت الصغرى: لا تفعل يرحمك الله، هو ابنها، فقضى به للصغرى.
ثم قال: "إن سليمان لم يرد قط شق الصبي بينهما، وإنما أراد امتحانهما بذلك، وبالوحي فعل هذا بلا شك، وكان حكم داود للكبرى على ظاهر الأمر، لأنه كان في يدها، وكذلك فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ما أراد قط إنفاذ قتل ذلك المجبوب، لكن أراد امتحان علي في إنفاذ أمره، وأراد إظهار براءة المتهم وكذب التهمة عياناً. وهكذا لم يرد الله تعالى إنفاذ ذبح إسماعيل بن إبراهيم "عليهما السلام" إذ أمر أباه بذبحه، لكن أراد الله تعالى إظهار تنفيذه لأمره"([526]).
وليت ابن حزم قال: إنه "صلى الله عليه وآله" أراد إظهار طاعة علي "عليه السلام" كما هو حال إبراهيم حين أمره الله بذبح ولده اسماعيل.
وأجاب السيد المرتضى "رحمه الله تعالى":
بأن من الجائز أن يكون القبطي معاهداً، وأن النبي كان قد نهاه عن الدخول إلى مارية، فخالف وأقام على ذلك، وهذا نقض للعهد، وناقض العهد من أهل الكفر مؤذن بالمحاربة، والمؤذن بها مستحق للقتل.
وإنما جاز منه "صلى الله عليه وآله" أن يخير بين قتله والكف عنه، وتفويض ذلك إلى علي "عليه السلام"، لأن قتله لم يكن من الحدود والحقوق، التي لا يجوز العفو عنها، لأن ناقض العهد إذا قدر عليه الإمام قبل التوبة له أن يقتله، وله أن يعفو عنه.
وأشكل أيضاً: بأنه كيف جاز لأمير المؤمنين "عليه السلام" الكف عن القتل، ومن أي جهة آثره لما وجده أجب، وأي تأثير لكونه أجب فيما استحق به القتل، وهو نقض العهد؟!
وأجاب: بأنه كان له "عليه السلام" أن يقتله مطلقاً حتى مع كونه أجب لكنه "عليه السلام" آثر العفو عنه، من أجل إزالة التهمة والشك الواقعين في أمر مارية، ولأنه أشفق من أن يقتله، فيتحقق الظن، ويلحق بذلك العار([527]).
أما نحن فنقول:
إن الجواب على الإشكال الأول محل تأمل، ذلك للشك في كون مأبور معاهداً، فقد صرحوا: بأن مأبوراً قد أسلم في المدينة.
إلا أن يقال: إنه أسلم بعد قضية مارية.
ولكن ذلك يحتاج إلى إثبات ليمكن اعتماد جواب السيد المرتضى "رحمه الله".
على أننا نقول: إن من القريب جداً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن أمره بالقتل على الحقيقة، وإنما كان ذلك مقدمة لإظهار البراءة الواقعية لمارية، فأراد علي "عليه السلام" أن يظهر للناس قصد النبي هذا، فسأله بما يدل عليه، وأجابه "صلى الله عليه وآله" بذلك أيضاً.
ولعل هذا الاحتمال، أولى مما ذكره السيد المرتضى: لأن ما ذكره السيد يحتاج إلى إثبات المعاهدة لمأبور، ولا مثبت لها..
أما هذا، فهو موافق للسنة الجارية في أمور مثل هذه يحتاج الأمر فيها إلى الكشف واليقين، ورفع التهمة، لا سيما وأن آيات الإفك إنما دلت على البراءة الشرعية، فتحتاج إلى ما يدل على البراءة الواقعية أيضاً.
ويؤكد هذه البراءة الواقعية: أن مأبوراً ـ كما يقولون ـ كان أخاً لمارية، وكان شيخاً كبيراً([528]).
وقال النووي في مقام الجواب عن الإشكال المتقدم: "قيل: لعله كان منافقاً، ومستحقاً للقتل بطريق آخر، وجعل هذا محركاً لقتله بنفاقه، وغيره، لا بالزنى.. وكف عنه علي رضي الله عنه اعتماداً على أن القتل بالزنى، وقد علم انتفاء الزنى.."([529]).
ولكن قد فات النووي: أن عقوبة الزنى ليست هي القتل أيضاً، وإنما هي الجلد أو الرجم.
إلا أن يقال: إن ذلك هو حكم من يعتدي على حرمات رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وخلاصة الأمر: أن دعوى نفاقه تبقى بلا دليل، فلا يمكن الاعتماد عليها، فما أجبنا به نحن هو الأظهر والأولى.
بل إننا حتى لو سلمنا: أنه كان منافقاً ظاهر النفاق، فإن قتله له في هذه المناسبة لأجل نفاقه سيوجب تأكد تهمة الفاحشة والزنى على مارية، وهذا خلاف الحكمة منه "صلى الله عليه وآله"، وفيه ضرر عظيم على الدعوة وعلى قضية الإيمان كلها.
فكان لا بد من إظهار كذب تلك التهمة بصورة محسومة، ثم يعاقب على نفاقه بالصورة التي يستحقها.
مناقشات العلامة الطباطبائي &:
وقد ناقش العلامة الطباطبائي "رحمه الله" موضوع الإفك على مارية في رواية القمي "رحمه الله" بمناقشتين:
أولاهما: أن قضية مارية لا تقبل الانطباق على الآيات التي نزلت في الإفك، ولا سيما قوله: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك} الآية.
وقوله: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} الآية..
وقوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ..} الآية.
فمحصل الآيات: أنه كان هناك جماعة مرتبط بعضهم ببعض، يذيعون الحديث، ليفضحوا النبي "صلى الله عليه وآله". وكان الناس يتداولونه لساناً عن لسان، حتى شاع بينهم، ومكثوا على ذلك زماناً، وهم لا يراعون حرمة النبي "صلى الله عليه وآله" وكرامته من الله.. وأين مضمون الروايات من ذلك؟
اللهم إلا أن تكون الروايات قاصرة في شرحها للقصة.
ثانيتهما: أن مقتضى القصة، وظهور براءتها إجراء الحد على الإفكين، ولم يجر.. ولا مناص عن هذا الإشكال، إلا بالقول بنزول آية القذف بعد قصة الإفك بزمانٍ.
والذي ينبغي أن يقال ـ بالنظر إلى إشكال الحد الوارد على الصنفين ـ يعني ما روته العامة، من أن الإفك كان على عائشة، وما رواه القمي وغيره ـ حسبما بيناه ـ: أن آيات الإفك قد نزلت قبل آية حد القذف، ولم يشرَّع بنزول آيات الإفك إلا براءة المقذوف، مع عدم قيام الشهادة، وتحريم القذف.
ولو كان حد القاذف مشروعاً قبل حديث الإفك، لم يكن هناك مجوز لتأخيره مدة معتداً بها، وانتظار الوحي، ولا نجا منه قاذف منهم.
ولو كان مشروعاً مع آيات الإفك لأشير فيها إليه، ولا أقل باتصال آيات الإفك بآية القذف، والعارف بأساليب الكلام لا يرتاب في أن قوله: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك} الآيات.. منقطعة عما قبلها.
ولو كان على من قذف أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" حدان، لأشير إلى ذلك في خلال آيات الإفك بما فيها من التشديد، واللعن، والتهديد بالعذاب على القاذفين.
ويتأكد الإشكال على تقدير نزول آية القذف، مع نزول آية الإفك، فإن لازمه أن يقع الابتلاء، بحكم الحدين، فينزل حكم الحد الواحد([530]).
ولنا هنا كلمة:
هذا مجمل كلام العلامة الطباطبائي في المقام.
وقد رأينا أنه "رحمه الله" قد أجاب هو نفسه عن كلا المناقشتين في المقام بما فيه مقنع وكفاية، فيبقى حديث إفك مارية سليماً من الإشكال، بخلاف حديث الإفك على عائشة، فإن ما تقدم في هذا البحث لا يدع مجالاً للشك في كونه إفكاً مفترى.
ونزيد نحن هنا: أن ما ذكره العلامة الطباطبائي من أن رواية مارية قاصرة في شرحها للقصة، صحيح. ولعل ذلك يرجع إلى أن الاتجاه السياسي كان يفرض أن لا تذكر جميع الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع، لأنه يضر بمصلحة الهيئة الحاكمة، أو من يمت إليها بسبب سياسي، أو نسب أو غيره..
وأيضاً: فإننا إذا أضفنا من ذكرتهم روايات عائشة في جملة الإفكين، إلى من ذكرتهم، أو لمحت إليهم الروايات الأخرى، ولا سيما أولئك الآخرون الذين لم يعرفهم عروة بن الزبير.. فإن المجموع يصير طائفة لا بأس بها، ويصدق عليهم أنهم عصبة.
ولا سيما بملاحظة: أن بعض روايات الإفك على مارية قد ذكرت: أن هذه القضية قد شاعت وذاعت وتناقلتها الألسن وكثر عليها في هذا الأمر.
وأما بالنسبة لمناقشته الثانية ـ أعني موضوع إجراء الحد ـ فجوابه الأول هذا محل نظر إذ قد تقدم: أن سورة النور قد نزلت جملة واحدة.
ولذا فإن الظاهر هو: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقم الحد على الإفكين، وهو ما صرح به أبو عمر بن عبد البر من أنه لم يشتهر جلد أحد.
ويتأكد ذلك: إذا كان ثمة مفسدة كبرى تترتب على إقامته، تهدد كيان الدولة الإسلامية، وبناء المجتمع الإسلامي، أو تترتب عليه أخطار جسيمة على مستقبل الدعوة بشكل عام.
ولهذا الأمر نظائر كثيرة في السيرة النبوية، فالنبي "صلى الله عليه وآله" لا يقتل ابن أُبي رغم استحقاقه للقتل، في كثير من الموارد، وذلك حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه. مما يصير سبباً في امتناع الناس عن الدخول في الإسلام، وهو لا يزال في أول أمره، أو خروج أصحاب النفوس الضعيفة منه.
وكذلك هو لا يقتل خالد بن الوليد، رغم ما ارتكبه في بني جذيمة، حيث قتلهم قتلاً قبيحاً، وهم مسلمون موحدون، يقيمون الصلاة..
بل إن الحكومات الغاصبة تمارس نفس هذا الأسلوب، فإن أبا بكر لم يقتل خالد بن الوليد، ولم يقم عليه حد الزنا في قضية مالك بن نويرة، وذلك حفاظاً على حكومته وقوتها في قبال علي "عليه السلام" صاحب الحق الشرعي بنص الكتاب الحكيم وبتنصيب الرسول الكريم "صلى الله عليه وآله" .
إلى كثير من الشواهد الأخرى على ذلك.
هذا كله، لو فرض: أن آية حد القذف قد نزلت مباشرة مع آيات الإفك، أو قبلها، كما هو الظاهر.
وأما إذا كان قد تأخر نزولها ـ وهو أمر غير مقبول، لما قدمناه في مطاوي البحث ـ فلا يكون ثمة إشكال على رواية مارية أصلاً. نعم يبقى الإشكال في روايات الإفك على عائشة التي تقول: إن الإفكين قد جلدوا حداً، أو حدين، أو وجىء في رقابهم!! كما تقدم.
الفصل الثالث عشر:
نهاية المطاف في حديث الإفك
واقع القضية، وحقيقة الأمر:
قد عرفنا: أن الافتراء على مارية وقذفها، واتهامها الباطل بمأبور مما أجمعت الأمة على حصوله. وقد ذكر ذلك كل من ترجم لمارية أو لمأبور، أو لإبراهيم ابن النبي "صلى الله عليه وآله"، ذكروه بالتفصيل تارة، وبالإجمال أخرى، فالإفك عليها أمر لا ريب فيه.
ولكن يبقى سؤال: هل هي التي نزلت فيها آيات سورة النور؟
أم هي عائشة؟!
والجواب:
إننا قد أثبتنا فيما تقدم: أن حديث الإفك على عائشة، لا يمكن أن يصح من أساسه..
وأما الإفك على مارية فهو الصحيح، الذي لا مجال للمراء فيه، إذ رغم تصريح رواية القمي المتقدمة: بأن عائشة قد قذفت مارية بمأبور، وتأييد ذلك بما ورد في الروايات الأخرى التي وردت من طرق غير الشيعة،
ولربما يفهم من بعضها: أن لحفصة وغيرها أيضاً مساهمة في هذا الأمر،
نعم، رغم كل ذلك.. فإننا نجد: شواهد كثيرة تدل على ذلك في نفس حديث الإفك على عائشة، مما يدل دلالة واضحة على: أن رواية الإفك على مارية، التي ماتت في عهد عمر، وليس لها أحد يهتم بقضاياها أو يدافع، قد حرفت لتنطبق على عائشة. وقد كان هذا تحريفاً فاحشاً، أفقدها معظم معالمها، حتى لم يبق منها إلا لمحات خاطفة، تشير بصراحة أحياناً، وبشيء من الوهن أحياناً أخرى إلى القضية الأم، التي ذهبت ضحية الأهواء والميول، والخطط السياسية التي لا ترحم، ولا تقف عند حد.
ونحن نجمل هنا بعض تلك الشواهد في النقاط التالية:
شواهد من حديث عائشة:
1 ـ إن الآيات التي في سورة النور، ليس فيها إلا ما يدل على البراءة الشرعية، دون الواقعية، فهي لا تصلح لدفع ما يُدَّعى أن أهل الإفك قالوه في عائشة، إذ لهم أن يقولوا: صحيح أن ذلك لم يثبت شرعاً، لكن عدم ثبوته شرعاً بالشهداء، لا يدل على البراءة واقعاً، ولا كان مع عائشة أحد يمكنه تبرئتها، كما هو مفروض الرواية.
أما في قضية مارية فالبراءة الشرعية قد حصلت بالآيات، والبراءة الواقعية قد حصلت على يد الإمام علي "عليه السلام"، بانكشاف حقيقة مأبور.
فسياق الآيات الشديد لا يتلاءم إلا مع وجود براءة واقعية، وإلا لم يكن معنى لهذه الشدة، والتوعد باللعن في الدنيا، والعذاب العظيم في الآخرة. كما لا معنى للوم الناس على عدم ظنهم خيراً، وعلى عدم حكمهم بأن ذلك بهتان عظيم، وإفك مبين.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: "..وجرت لمارية نكبة مناسبة لنكبة عائشة، فبرأها علي "عليه السلام" منها، وكشف بطلانها، أو كشفه الله تعالى على يده. وكان ذلك كشفاً محساً بالبصر، لا يتهيأ للمنافقين أن يقولوا فيه ما قالوه في القرآن المنزل ببراءة عائشة، وكل ذلك مما كان يوغر صدر عائشة عليه (أي على علي "عليه السلام")، ويؤكد ما في نفسها منه، ثم مات إبراهيم، فأبطنت شماتة، وإن أظهرت كآبة.."([531]).
2 ـ الآيات تنص على: أن الإفك كان إفكاً ظاهراً مبيناً، يفهمه كل أحد. ولذا صح منه تعالى توبيخ المؤمنين على عدم مبادرتهم لتكذيب ذلك ورده. وروايات الإفك على عائشة تفيد ضد ذلك تماماً، بخلاف الإفك على مارية فإنه ظاهر مبين، يفهمه كل أحد، لأن مابوراً كان شيخاً كبيراً، وكان أخاً لمارية ـ كما يقولون ـ وكان مجبوباً أيضاً.
3 ـ لقد قدمت مارية إلى المدينة سنة سبع أو ثمان، وولدت إبراهيم في ذي الحجة سنة ثمان بالاتفاق([532])، وتوفي سنة عشر، كما تذكره المصادر التاريخية.
وفي رواية عائشة عدد من الشواهد الدالة على أن الإفك كان في سنة ثمان، ونذكر من ذلك ما يلي:
ألف: ما تقدم من أن المنبر قد صنع سنة سبع، أو بعد الفتح الذي كان سنة ثمان.
والروايات تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" صعد المنبر، وصار يخفضهم وهو على المنبر، ثم نزل.. إلى آخر ما تقدم.
ب: ما تقدم من إهداء سيرين أخت مارية لحسان، بدلاً من ضربته، وسيرين، إنما قدمت مع أختها مارية سنة سبع أو ثمان.
ج: قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" استشار أسامة بن زيد بعد وفاة أبيه. وأبوه إنما مات سنة ثمان شهيداً في غزوة مؤتة.
د: قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" قد استشار أسامة بن زيد، وهو إنما كان سنة ست أو قبلها صغيراً، لم يبلغ الحلم، فاستشارته سنة ثمان، أو في التي بعدها، تكون أكثر انسجاماً ومعقولية من استشارته سنة ست، أو قبلها.
هـ: ما قدمناه: من أن سورة النور قد نزلت دفعة واحدة في حدود سنة ثمان، بل نزلت في السنة التاسعة على وجه التحديد، لأجل وجود آيات اللعان فيها.
و: دور بريرة الذي أُعطيتْه في القضية، وبريرة كما قلنا: إنما اشترتها عائشة بعد سنة ست بزمان طويل، بل بعد فتح مكة الذي كان سنة ثمان.
ز: استشارته "صلى الله عليه وآله" زيد بن ثابت الذي كان عمره في غزوة المريسيع لا يزيد على الخمسة عشر عاماً، فإن استشارة شاب مراهق كهذا بعيدة في الغاية عن شأن نبي الأمة "صلى الله عليه وآله".
وهذا يقرب: أن يكون الإفك في الثامنة أو التاسعة، ليصح ويجوز للنبي استشارة زيد، الذي يكون حينئذ في الثامنة عشرة تقريباً، فإن ذلك يكون أقرب إلى المعقولية وأبعد عن الخفة، وأقرب إلى الحكمة والحزم.
ح: ذكرهم زيد بن رفاعة في الإفكين، وفي الذين أقيم عليهم الحد.
وقد قلنا: إنه لا يعقل أن يكون هو زيد بن رفاعة الذي وجدوه قد مات عند عودتهم من المريسيع، فلا بد أن يكون هو رفاعة بن زيد الضبي، الذي قدم في هدنة الحديبية على النبي "صلى الله عليه وآله" فأسلم، وهدنة الحديبية قد كانت بعد المريسيع بالاتفاق.
ط: ذكر عبد الرحمن بن أبي بكر في روايات الإفك، وهو إنما أسلم في هدنة الحديبية، أو يوم الفتح، وهاجر إلى المدينة سنة ثمان قبل الفتح.
ي: قول روايات الإفك على عائشة: بأن قضيتها كانت بعد فرض الحجاب.
وقد قلنا: إن آيات فرض الحجاب وردت في سورة النور، التي نزلت دفعة واحدة، بعد سنة ست، بل في سنة ثمان على وجه التقريب، أو في التاسعة.
ك: إن روايات الإفك تذكر: أن ذلك كان بعد زواجه "صلى الله عليه وآله" بزينب، وقد ذكرنا عن الطبري وابن سعد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد تزوج بزينب بعد المريسيع.
بل في بعض المصادر: أنه تزوجها بعد خيبر، بعد تزوجه بصفية كما تقدم.
4 ـ أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال على المنبر: إن المتهم لم يكن يدخل على أهله إلا معه، وكان لا يفارقه في سفر ولا في حضر. وهذا لا يناسب صفوان بن المعطل، الرجل الغريب عن بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، والذي لم يسلم إلا قبل المريسيع بقليل، ولا سيما إذا كان ذلك بعد فرض الحجاب، حسبما تنص عليه الرواية، وإنما يناسب حال مأبور أخي مارية، أو ابن عمها، الذي كان يدخل عليها، ويسليها.
5 ـ قول أم رومان: إن الإفك كان من الضرائر، الذي تؤكده كلمة (منكم) في قوله تعالى: {إِنَّ الذِينَ جَاؤُوا بِالإفك عُصْبَةٌ مِّنكُمْ..}.
وقد تقدم: أن لعائشة دوراً في تأكيد التهمة على مارية، مع أن رواية عائشة تصر على خلاف ذلك، وأنهن جميعاً قد عصمهن الله بالورع.
6 ـ محاولة وصف صفوان: بأنه كان عنيناً، أو أن له مثل الهدبة، مع أنه كان لا يمكن زوجته من الصيام لشدة شبقه. وكان له ولدان أشبه به من الغراب بالغراب. فهذه المحاولة ما هي إلا من أجل تقريب حاله إلى حال مأبور الخصي الذي كان مجبوباً. ولا يتهيأ القول فيه كما يتهيأ في غيره على حد تعبير المعتزلي المتقدم. ولهذا بقيت عائشة حانقة، كما قال..
7 ـ ما تقدم: من أن ظاهر الآيات هو: أنه قد كان ثمة جماعة قد اتفقوا وتعاضدوا على الإفك. وهذا لا ينطبق على قضية عائشة، لأن الرمي كان عفوياً، ومن رجل واحد. ثم صار يجمعه ويستوشيه، كما تقول رواياتها. وأما رواية الإفك على مارية، فظاهرها: أنه قد كان ثمة من يقصدها بالضرر والأذى.
8 ـ قد عرفنا: أن الإفكين على عائشة، إما لم يكونوا موجودين ثمة، أو أنهم كانوا موجودين، لكن لا تنطبق القضية عليهم، مع أن الكل في الإفك على مارية كانوا موجودين. ولا مانع من اشتراكهم جميعاً وتواطئهم على قذفها: حسان، مسطح، رفاعة بن زيد، ابن أبي، حمنة ومن لم يعرفهم عروة، وغيرهم ممن شارك في تأكيد الشبهة عليها ـ كما تقول روايات مارية ـ فلم يكن ثمة مانع من اشتراكهم، وتعاضدهم، وصيرورتهم عصبة. بخلاف الأمر بالنسبة لعائشة.
9 ـ إن سؤال زينب بنت جحش، وبريرة، وأم أيمن إنما يصح إذا كان عن أمر يمكنهن معرفته، وذلك ممكن في قضية مارية، التي كانت تعيش معهن، ويعرفن اتصالاتها، ويمكنهن رؤية من يدخل عليها، أو يخرج.
أما بالنسبة لعائشة فلا يصح سؤالهن عن أمرها مع ابن المعطل، لأنهن لم يكنَّ معها في تلك الغزوة.
وحتى لو كنَّ معها، فإنها حين تخلفت عن الجيش، ووجدها صفوان بن المعطل كما تقول روايتها، لم يكن معها أي مخلوق.
بل إن سؤال النبي لأي إنسان يصبح أمراً غير معقول ولا مقبول، وستكون نتيجته معلومة سلفاً.
10 ـ إن الآيات قد وصفت المرأة التي أفك عليها الإفكون بأنها من المؤمنات، لكن الآيات في سورة التحريم التي نزلت في عائشة وحفصة لا تؤيد هذا المعنى.
وليس لدى مارية مشكلة من هذا القبيل.
11 ـ لقد وصفت الآيات المرأة التي تعرضت للإفك عليها بالغافلة وهذا الوصف إنما يناسب ما جرى لمارية التي كانت تعيش في مشربتها، حياة عادية رتيبة، خالية من أي حدث مثير وغير عادي.
أما عائشة، فقد تركها الجيش وحيدة في قلب الصحراء، وقد صادفها صفوان بن المعطل ـ وحدها ـ نائمة، أو مستيقظة، حسب زعم رواياتها. وبقيت معه إلى أن قدم بها في اليوم التالي في نحر الظهيرة على جيش فيه الكثير من المنافقين.
فكيف لم يخطر في بالها: أن يتخذ المنافقون ذلك ذريعة لاتهامها بما يسيء إلى سمعتها وكرامتها؟! إلا إذا كانت على درجة عالية من البله والسذاجة، وليست عائشة بهذه المثابة على أي حال.
خلاصة أخيرة لحديث الإفك:
كانت تلك دراسة تكاد تكون موجزة حول موضوع الإفك، وقد رأينا أن الروايات القائلة بأن الإفك كان على عائشة لا يمكن أن تصح. وإنما الذي يقرب في النظر هو صحة ما اتفقوا على نقله من الإفك على مارية.
وأن الظاهر هو: أن الآيات قد نزلت في هذه القضية خاصة لا في عائشة كما يقولون.
ونرى: أن يد السياسة هي التي آثرت تحجيم قضية مارية، إن لم يمكن القضاء عليها، وإعطاء كل النقاط، والامتيازات للفريق الآخر، عائشة، ومن يدور في فلكها، ثم استغلال ذلك لاهداف سياسية ذات طابع معين، كما بيناه في الفصول المتقدمة، ولا سيما فصل: الكيد السياسي في حديث الإفك، والله الموفق والبادي.
الفصل الرابع عشر:
ما عشت أراك الدهر عجب
المسابقة بين البطلين:
ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن هذه الغزوة كانت عظيمة البركة على عائشة، وعلى الأمة. كما أن بركة هذا العقد كانت أجل وأعظم..
ففي هذه الغزوة أيضاً ـ غزوة المريسيع ـ جرت المسابقة الشهيرة في قلب الصحراء بين رسول الإسلام، أعظم رجل على وجه الأرض، وبين حبيبته عائشة، حيث تحزمت بقبائها، وكذلك فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وجرى البطلان في حلبة السباق، وفاز الرسول فيها على البطلة القوية والذكية، وقال لها: هذه بتلك.
وكان قد سابقها مرة قبل ذلك، فسبقته، فبقي الرسول "صلى الله عليه وآله" يترصد الفرصة، حتى سمنت عائشة، وثقلت، وطلب منها في هذه الغزوة السباق من جديد، فسابقته، فسبقها، فقال لها: هذه بتلك([533]).
فهل يليق هذا بمقام الرسول؟!
وهل هذا هو تفكيره؟
وهذه هي آفاقه؟
وهذه هي حياته؟!
إننا نربأ نحن بأنفسنا عن تصرف كهذا، فكيف برسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا نريد أن نقول أكثر من هذا.
ضياع العقد مرة أخرى:
قد تقدم: أن قضية الإفك كانت في غزوة المريسيع ونزل عذر عائشة من السماء، وكان ذلك بسبب ضياع عقدها المبارك في وقت الرحيل، وكان عقدها من جزع ظفار، وكان يساوي اثني عشر درهماً.
وفي هذه الغزوة كذلك ضاع عقد عائشة بالذات مرة أخرى!! أو انقطع!! وفي وقت الرحيل أيضاً!! وكذلك هو من جزع ظفار!! وأيضاً فإنه كان يساوي ـ كعقد الإفك ـ اثني عشر درهماً!!([534]) وفي مكان لا ماء فيه، وأقام النبي "صلى الله عليه وآله"، والجيش كله وعائشة على التماسه، وأرسل "صلى الله عليه وآله" في طلبه الرجال، حتى نزلت آية التيمم.
ولأسيد بن حضير ههنا أيضاً دور! ـ وفي كل واد أثر من ثعلبة ـ حيث كان مع الرجال الذين أرسلوا في طلب العقد.
ولما نزلت آية التيمم قال: ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر، ثم لما بعثوا الجمل وجدوا العقد تحته([535]).
وقال ابن عبد البر في التمهيد: يقال: إنه كان في غزوة بني المصطلق، وجزم بذلك ابن عبد البر في الاستذكار. وسبقه إلى ذلك ابن سعد، وابن حبان([536]).
وأضاف الدياربكري وغيره قولهم: وفيها كانت قصة الإفك لعائشة، وكان ذلك بسبب وقوع عقدها أيضاً، فإذا كان ما جزموا به ثابتاً، حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين، لاختلاف القضيتين([537]).
والواقدي جاء بحديث التيمم، وحديث الإفك، وحديث مسابقة البطلين عن عائشة في سياق واحد، وقد صرح: بأن ذلك كان في غزوة المريسيع([538]).
وقال محمد بن حبيب الأخباري، وغيره: إن عقد عائشة سقط في ذات الرقاع، والمصطلق([539]).
ونقول:
إن ذلك أيضاً إفك بيّن:
ومستندنا في ذلك ما يلي:
أولاً: كيف يكون ذلك في غزوة المريسيع، وهم يقولون: إن هذا العقد قد وقع في البيداء، أو بذات الجيش، وهما بين خيبر والمدينة، والمريسيع بين مكة والمدينة كما جزم به النووي([540]).
أي أنها بين قديد والساحل([541]).
وقد يناقش في ذلك: بأن ابن التين قد جزم بأن البيداء وذات الجيش يقعان بين مكة والمدينة([542]).
فإن البيداء هو ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة. أما ذات الجيش فهي وراء ذي الحليفة، على بريد من المدينة، بينها وبين العقيق سبعة أميال، والعقيق على طريق مكة لا على طريق خيبر([543]).
وقيل: إن ذا الجيش على ستة أميال، أو عشرة، أو ميلين من ذي الحليفة، وهي أحد المنازل النبوية إلى بدر([544]).
وفي مسند الحميدي: أن القلادة سقطت بالأبواء، وهي بين مكة والمدينة، وفي رواية جعفر القرناني: أنها سقطت بمكان يقال له: الصلصل ـ بضم المهملتين ـ جبل عند ذي الحليفة. قاله البكري([545]).
ويصرح أبو عبد الله البكري: بأن البيداء أدنى إلى مكة من ذي الحليفة([546]). وكل ذلك يؤيده ما ذكره ابن التين.
إلا أن يقال: إن تناقض الروايات يمنع من الوثوق بها، خصوصاً مع جزم النووي بخلاف ذلك كما أوضحناه، كما أنه يمكن أن يكون قد اعتمد في ذلك على الرواية القائلة: إن قضية التيمم والإفك كانتا معاً في غزوة المريسيع.
ثانياً: لقد روى البيهقي في سننه، وابن جرير طريقة لهذا التيمم الذي نزل بسبب عقد عائشة، وهي أن يضرب بيده ضربة للوجه، وضربة أخرى باليدين إلى المناكب والآباط.
ومن الواضح: أن هذه الطريقة مخالفة لجميع الروايات الأخرى، حتى اضطر الشافعي إلى الحكم بأن ما ورد في رواية عقد عائشة منسوخ([547]).
ثالثاً: إننا لو أغمضنا النظر عن قولهم: إن العقد كان يساوي اثني عشر درهماً، ولا يعقل أن يتوقف الجيش بكامله حيث لا ماء من أجل عقد ثمنه اثنا عشر درهماً فقط حتى يضج الجيش، ثم يرسل الرسول الرجال في طلبه، وأغمضنا النظر عن تناقض رواياته وعن إشكالات أخرى فيه.
فإننا نقول:
لقد صرح البخاري: بأن آية التيمم التي نزلت هي الآية التي في سورة المائدة([548]).
ومن المعلوم: أن سورة المائدة قد نزلت في وقت متأخر عن غزوة المريسيع بسنوات، وهي من أواخر ما نزل..
رابعاً: يقول أبو هريرة ـ حسبما روى ابن أبي شيبة ـ : لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع([549])..
ومن المعلوم: أن أبا هريرة قد أسلم بعد المريسيع بمدة طويلة بلا خلاف([550]).
خامساً: إنهم يقولون: إن آية التيمم نزلت في الأسلع بن شريك كما رواه غير واحد([551]).
أو في الأنصار الذين كانوا يمرون في المسجد في حال الجنابة([552]).
أو في مريض لم يكن يقدر على الوضوء([553]).
أو في الصحابة الذين فشت فيهم الجراح، ثم ابتلوا بالجنابة، فإن اغتسل أحدهم خاف أن يموت، فشكوا ذلك إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فنزلت الآية: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى}([554]).
وهكذا.. فإن هذه الرواية التي تحاول أن تضيف فضيلة أخرى لعائشة، ونزول آية قرآنية فيها، وفيها تعظيم لبركة عائشة، وبركة عقدها وثناء من أبي بكر تارة، ومن أسيد بن حضير أخرى.. إن هذه الرواية ليست إلا كسراب بقيعة، أو كرمادٍ اشتدت به الريح في يوم عاصف.
والحمد لله والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس الفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الباب الخامس: حديث الإفك
الفصل الأول: النصوص والآثار................................13 ـ 50
الفصل الثاني: نقد أسانيد حديث الإفك ........................51 ـ 82
الفصل الثالث: لا حافظة لكذوب (تناقض الروايات) .........83 ـ 100
الفصل الرابع: عائشة في حديث الإفك ......................101 ـ 130
الفصل الخامس: شخصيات ومضامين غير معقولة .......... 131 ـ 164
الفصل السادس: مفارقات تاريخية .......................... 165 ـ 174
الفصل السابع: القرآن .. وروايات الإفك ...................175 ـ 200
الفصل الثامن: نصوص غير معقولة في حديث الإفك ........201 ـ 244
الفصل التاسع: نقاط ضعف أخرى في حديث الإفك ........ 254 ـ 278
الفصل العاشر: الكيد السياسي في حديث الإفك .............279 ـ 296
الفصل الحادي عشر: الإفك على مارية ...................... 297 ـ 310
الفصل الثاني عشر: قضية مارية بين الأخذ والرد ............. 311 ـ 326
الفصل الثالث عشر: نهاية المطاف في حديث الإفك .......... 327 ـ 336
الفصل الرابع عشر: ما عشت أراك الدهر عجباً ............. 337 ـ 347
الفهارس .................................................. 347 ـ 360
2 ـ الفهرس الفصيلي
الباب الخامس: حديث الإفك
بـدايـة:............................................................................... PAGEREF _Toc101255682 \h 7
حديث الإفك في فصول:........................................................ PAGEREF _Toc101255683 \h 7
آيات الإفك:...................................................................... PAGEREF _Toc101255684 \h 11
الفصل الأول: النصوص.. والآثار
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc101255687 \h 15
النصوص الصريحة:.......................................................... PAGEREF _Toc101255688 \h 15
مؤيدات أخرى:.................................................................. PAGEREF _Toc101255689 \h 47
الفصل الثاني: نقد أسانيد حديث الإفك
رواة حديث الإفك من الصحابة:............................................. PAGEREF _Toc101255692 \h 53
تفاصيل حول الأسانيد:........................................................ PAGEREF _Toc101255693 \h 53
1 ـ رواية ابن عمر:.................................................. PAGEREF _Toc101255694 \h 54
2 ـ رواية ابن عباس:................................................ PAGEREF _Toc101255695 \h 54
3 ـ عبد الله بن الزبير:............................................... PAGEREF _Toc101255696 \h 56
4 ـ أنس بن مالك:..................................................... PAGEREF _Toc101255697 \h 56
5 ـ أبو هريرة:........................................................ PAGEREF _Toc101255698 \h 56
6 ـ أبو اليسر الأنصاري:........................................... PAGEREF _Toc101255699 \h 57
7 ـ وأما رواية أم رومان ففيها:.................................... PAGEREF _Toc101255700 \h 57
8 ـ وأما الرواية عن عائشة:........................................ PAGEREF _Toc101255701 \h 60
أما رواية عروة:................................................................ PAGEREF _Toc101255702 \h 61
رواية الزهري:.................................................................. PAGEREF _Toc101255703 \h 64
الزهري ومن روى عنهم الزهري:.......................................... PAGEREF _Toc101255704 \h 65
الرواة عن الزهري:............................................................ PAGEREF _Toc101255705 \h 68
خلاصة جامعة:................................................................. PAGEREF _Toc101255706 \h 81
الفصل الثالث: لا حافظة لكذوب (تناقض الروايات)
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc101255709 \h 85
ختام:............................................................................ PAGEREF _Toc101255710 \h 100
الفصل الرابع: عائشة.. في حديث الإفك
توطئة، وبيان:................................................................. PAGEREF _Toc101255713 \h 103
1 ـ تاريخ حديث الإفك:........................................... PAGEREF _Toc101255714 \h 103
2 ـ عمر عائشة:.................................................... PAGEREF _Toc101255715 \h 104
3 ـ جهل عائشة.. وفطنتها:....................................... PAGEREF _Toc101255716 \h 105
4 ـ هزال عائشة المفرط:......................................... PAGEREF _Toc101255717 \h 106
4 ـ جمال عائشة المميز........................................... PAGEREF _Toc101255718 \h 108
5 ـ حظوة عائشة عند رسول الله '............................. PAGEREF _Toc101255719 \h 108
6 ـ حسد ضرائرها لها وغيرتهن منها.......................... PAGEREF _Toc101255720 \h 108
7 ـ الإفك في خصائص عائشة:................................. PAGEREF _Toc101255721 \h 109
لم يتزوج بكراً غير عائشة:................................................. PAGEREF _Toc101255722 \h 111
التصرفات غير المقبولة:.................................................... PAGEREF _Toc101255723 \h 124
عائشة لم يولد لها قط!!...................................................... PAGEREF _Toc101255724 \h 126
الفصل الخامس: شخصيات ومضامين غير معقولة
مما سبق:....................................................................... PAGEREF _Toc101255727 \h 133
1 ـ عمر عائشة:.................................................... PAGEREF _Toc101255728 \h 133
2 ـ سعد بن معاذ:................................................... PAGEREF _Toc101255729 \h 133
توجيهات لا تصح:....................................... PAGEREF _Toc101255730 \h 138
3 ـ سيرين:.......................................................... PAGEREF _Toc101255731 \h 140
4 ـ زيد بن رفاعة:................................................. PAGEREF _Toc101255732 \h 142
هل من اشتباه؟............................................ PAGEREF _Toc101255733 \h 142
ملاحظة:................................................... PAGEREF _Toc101255734 \h 143
5 ـ عبد الله بن جحش:............................................. PAGEREF _Toc101255735 \h 143
6 ـ عبيد الله بن جحش:............................................ PAGEREF _Toc101255736 \h 144
7 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر:..................................... PAGEREF _Toc101255737 \h 145
8 ـ بريرة:............................................................ PAGEREF _Toc101255738 \h 146
توجيهات ولمحات:....................................... PAGEREF _Toc101255739 \h 147
9 ـ أم رومان:....................................................... PAGEREF _Toc101255740 \h 148
من دلائل وفاتها في زمن الرسول ':................ PAGEREF _Toc101255741 \h 150
أدلة وفاتها بعد النبي ':................................. PAGEREF _Toc101255742 \h 152
10 ـ أسامة بن زيد:................................................ PAGEREF _Toc101255743 \h 159
اعتذار لا يصح:........................................... PAGEREF _Toc101255744 \h 159
11 ـ زيد بن ثابت:................................................. PAGEREF _Toc101255745 \h 159
اعتذار غير صحيح:..................................... PAGEREF _Toc101255746 \h 159
12 ـ الأنصارية وابنها:........................................... PAGEREF _Toc101255747 \h 159
ولا بد أيضاً من الاعتذار:............................... PAGEREF _Toc101255748 \h 159
13 ـ زيد بن حارثة:............................................... PAGEREF _Toc101255749 \h 159
الفصل السادس: مفارقات تاريخية
1 ـ متى نزلت آيات الإفك:................................................. PAGEREF _Toc101255752 \h 159
2 ـ متى كان فرض الحجاب؟.............................................. PAGEREF _Toc101255753 \h 159
3 ـ المنبر:...................................................................... PAGEREF _Toc101255754 \h 159
الفصل السابع: القرآن.. وروايات الإفك
مما تقدم:........................................................................ PAGEREF _Toc101255757 \h 159
1 ـ المؤمنات:....................................................... PAGEREF _Toc101255758 \h 159
2 ـ الغافلات:........................................................ PAGEREF _Toc101255759 \h 159
3 ـ الإفك المبين:.................................................... PAGEREF _Toc101255760 \h 159
4 ـ الذين جاءوا بالإفك:........................................... PAGEREF _Toc101255761 \h 159
5 ـ عصبة "منكم":............................................... PAGEREF _Toc101255762 \h 159
6 ـ العصبة:......................................................... PAGEREF _Toc101255763 \h 159
7 ـ موقف النبي ' يخالف القرآن:.............................. PAGEREF _Toc101255764 \h 159
8 ـ فأصلحوا بين أخويكم، في من نزلت؟!:................... PAGEREF _Toc101255765 \h 159
9 ـ آية رمي المحصنات:......................................... PAGEREF _Toc101255766 \h 159
10 ـ آية: الإنفاق على مسطح:................................... PAGEREF _Toc101255767 \h 159
لا مال لأبي بكر لينفق على أحد:.......................................... PAGEREF _Toc101255768 \h 159
الفصل الثامن: نصوص غير معقولة في حديث الإفك
مما سبق:....................................................................... PAGEREF _Toc101255771 \h 159
1 ـ الإفك من الضرائر:........................................... PAGEREF _Toc101255772 \h 159
2 ـ هل كان صفوان حصوراً حقاً؟............................. PAGEREF _Toc101255773 \h 159
اعتذارات واهنة:.......................................... PAGEREF _Toc101255774 \h 159
3 ـ صفوان يدخل على أهل النبي ':........................... PAGEREF _Toc101255775 \h 159
4 ـ هجاء حسان لصفوان وضربة صفوان له:............... PAGEREF _Toc101255776 \h 159
5 ـ بيرحاء:.......................................................... PAGEREF _Toc101255777 \h 159
6 ـ شعر حسان في الاعتذار لعائشة:........................... PAGEREF _Toc101255778 \h 159
7 ـ توبة الإفكين أو تبرئتهم:...................................... PAGEREF _Toc101255779 \h 159
هل لقاذف زوجة النبي ' توبة:....................... PAGEREF _Toc101255780 \h 159
8 ـ ضرب بريرة:.................................................. PAGEREF _Toc101255781 \h 159
التوجيه البارد:............................................. PAGEREF _Toc101255782 \h 159
9 ـ استشارة بريرة وتقريرها:................................... PAGEREF _Toc101255783 \h 159
10 ـ نفاق سعد بن عبادة:......................................... PAGEREF _Toc101255784 \h 159
تأويلات موهونه:......................................... PAGEREF _Toc101255785 \h 159
11 ـ جلد الإفكين:.................................................. PAGEREF _Toc101255786 \h 159
إعتذارات غير مقبولة:................................... PAGEREF _Toc101255787 \h 159
12 ـ عمى مسطح:................................................. PAGEREF _Toc101255788 \h 159
13 ـ حسان: الأعمى ـ الجبان ـ المشلول!!.................... PAGEREF _Toc101255789 \h 159
أ ـ عمى حسان:........................................... PAGEREF _Toc101255790 \h 159
ب ـ جبن حسان:.......................................... PAGEREF _Toc101255791 \h 159
ج ـ شلل يدي حسان:..................................... PAGEREF _Toc101255792 \h 159
14 ـ قبّعة الإخفاء:................................................. PAGEREF _Toc101255793 \h 159
15 ـ القرعة بين النساء:.......................................... PAGEREF _Toc101255794 \h 159
الفصل التاسع: نقاط ضعف أخرى في حديث الإفك
ملاحظات.. ومؤاخذات:..................................................... PAGEREF _Toc101255797 \h 159
1 ـ أذى النبي الأكرم ':.......................................... PAGEREF _Toc101255798 \h 159
2 ـ كذب الصحابي:................................................ PAGEREF _Toc101255799 \h 159
3 ـ براءة الصحابة:................................................ PAGEREF _Toc101255800 \h 159
4 ـ هل كان مسطح بدرياً؟!...................................... PAGEREF _Toc101255801 \h 159
5 ـ الرهط:........................................................... PAGEREF _Toc101255802 \h 159
6 ـ فقه بريرة وفقه الرسول ':................................. PAGEREF _Toc101255803 \h 159
7 ـ لم يفقد النبي ' زوجته:....................................... PAGEREF _Toc101255804 \h 159
8 ـ البكاء شاهد على البراءة:..................................... PAGEREF _Toc101255805 \h 159
9 ـ التهويل!! والأيمان!!.......................................... PAGEREF _Toc101255806 \h 159
10 ـ لو أن خالداً سمع عائشة؟!................................. PAGEREF _Toc101255807 \h 159
11 ـ الإساءة لرسول الله ':..................................... PAGEREF _Toc101255808 \h 159
12 ـ ثمن عقد عائشة:............................................. PAGEREF _Toc101255809 \h 159
13 ـ أسامة: وبراءة عائشة:...................................... PAGEREF _Toc101255810 \h 159
14 ـ هل كان أبو بكر يعرف الحقيقة؟!........................ PAGEREF _Toc101255811 \h 159
15 ـ حمنة تحارب لأختها:....................................... PAGEREF _Toc101255812 \h 159
16 ـ جواب ابن عبادة:............................................ PAGEREF _Toc101255813 \h 159
17 ـ أهلي وأهل بيتي:............................................. PAGEREF _Toc101255814 \h 159
18 ـ ليس في الإفكين أوسي:..................................... PAGEREF _Toc101255815 \h 159
19 ـ التناقض في المواقف:...................................... PAGEREF _Toc101255816 \h 159
20 ـ أبو بكر لا يعذر ابنته:....................................... PAGEREF _Toc101255817 \h 159
21 ـ لماذا لم يجلد النبي ' أبا بكر:............................. PAGEREF _Toc101255818 \h 159
22 ـ الموالي والإفك:.............................................. PAGEREF _Toc101255819 \h 159
23ـ الدعاء على سعد:............................................. PAGEREF _Toc101255820 \h 159
24 ـ الذين نزل القرآن بموافقتهم:............................... PAGEREF _Toc101255821 \h 159
ملاحظات ثلاث:............................................................. PAGEREF _Toc101255822 \h 159
الأولى: اختلاف الروايات:....................................... PAGEREF _Toc101255823 \h 159
الثانية: سند رواية أبي أيوب:..................................... PAGEREF _Toc101255824 \h 159
الثالثة: هل ابن المعطل خير من أبي أيوب:................... PAGEREF _Toc101255825 \h 159
مما يأتي:....................................................................... PAGEREF _Toc101255826 \h 159
1 ـ مشتركات:...................................................... PAGEREF _Toc101255827 \h 159
2 ـ سباق البطلين:.................................................. PAGEREF _Toc101255828 \h 159
الفصل العاشر: الكيد السياسي في حديث الإفك
الإفك والسياسة:............................................................... PAGEREF _Toc101255831 \h 159
1 ـ ابن حضير وابن عبادة:...................................... PAGEREF _Toc101255832 \h 159
2 ـ بين الأوس والخزرج:........................................ PAGEREF _Toc101255833 \h 159
3 ـ علي ×:.......................................................... PAGEREF _Toc101255834 \h 159
4 ـ عائشة:........................................................... PAGEREF _Toc101255835 \h 159
5 ـ ذنب مسطح:.................................................... PAGEREF _Toc101255836 \h 159
6 ـ حسان:........................................................... PAGEREF _Toc101255837 \h 159
7 ـ أسامة:............................................................ PAGEREF _Toc101255838 \h 159
8 ـ زيد بن ثابت:................................................... PAGEREF _Toc101255839 \h 159
9 ـ اتهام إخوة زينب:.............................................. PAGEREF _Toc101255840 \h 159
10 ـ ضرائر عائشة:.............................................. PAGEREF _Toc101255841 \h 159
11 ـ التعذير والتبرير:............................................. PAGEREF _Toc101255842 \h 159
12 ـ من هم المتهمون:............................................ PAGEREF _Toc101255843 \h 159
براءة.. وتخفيف:............................................................. PAGEREF _Toc101255844 \h 159
الفصل الحادي عشر: الإفك على مارية
الشيعة، وحديث الإفك:...................................................... PAGEREF _Toc101255847 \h 159
روايات القمي وغيره لحديث الإفك:...................................... PAGEREF _Toc101255848 \h 159
روايات غير الشيعة لقضية مارية:........................................ PAGEREF _Toc101255849 \h 159
الفصل الثاني عشر: قضية مارية بين الأخذ والرد
مع الأجواء الطبيعية لقضية مارية:....................................... PAGEREF _Toc101255852 \h 159
شواهد على إلقاء الشبهة:.................................................... PAGEREF _Toc101255853 \h 159
شراكة حفصة:................................................................ PAGEREF _Toc101255854 \h 159
سبب تحريم مارية:........................................................... PAGEREF _Toc101255855 \h 159
دور عمر في قضية مارية تبرئة أو اتهاماً:............................. PAGEREF _Toc101255856 \h 159
من الذي برأ مارية:.......................................................... PAGEREF _Toc101255857 \h 159
براءة مارية:................................................................... PAGEREF _Toc101255858 \h 159
استمرار آثار الاتهام:......................................................... PAGEREF _Toc101255859 \h 159
كلام السيد المرتضى:........................................................ PAGEREF _Toc101255860 \h 159
مناقشات العلامة الطباطبائي >رحمه الله<:............................ PAGEREF _Toc101255861 \h 159
ولنا هنا كلمة:.................................................................. PAGEREF _Toc101255862 \h 159
الفصل الثالث عشر: نهاية المطاف في حديث الإفك
واقع القضية، وحقيقة الأمر:............................................... PAGEREF _Toc101255865 \h 159
شواهد من حديث عائشة:................................................... PAGEREF _Toc101255866 \h 159
خلاصة أخيرة لحديث الإفك:.............................................. PAGEREF _Toc101255867 \h 159
الفصل الرابع عشر: ما عشت أراك الدهر عجب
المسابقة بين البطلين:........................................................ PAGEREF _Toc101255870 \h 159
ضياع العقد مرة أخرى:..................................................... PAGEREF _Toc101255871 \h 159
إن ذلك أيضاً إفك بيّن:....................................................... PAGEREF _Toc101255872 \h 159
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc101255876 \h 159
2 ـ الفهرس الفصيلي............................................... PAGEREF _Toc101255877 \h 159
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) أجوبة المسائل المهنائية ص121.
([2]) كتاب الجمل (ط مكتب الإعلام الإسلامي سنة1413هـ) ص218.
([3]) الآيات 11 ـ 26 من سورة النور.
([4]) الجزع: نوع خرز فيه سواد وبياض. وظفار: بلد باليمن.
([5]) هي ما يمسك الريق.
([6]) أدلج: سار في الليل.
([7]) هي المواضع التي يتخلى فيها لبول، أو حاجة.
([8]) هو كساء واسع تأتزر المرأة به.
([9]) أي هنتاه: يا هذه، يا امرأة.
([10]) أي انقبض.
([11]) الآية 18 من سورة يوسف.
([12]) الآية 11 من سورة النور.
([13]) الآية 22 من سورة النور.
([14]) راجع: صحيح البخاري كتاب التفسير (ط سنة 1309هـ) ج3 ص106 ـ 108 وص25 ـ 27 كتاب المغازي عن: عبد العزيز بن عبد الله، عن إبراهيم بن سعد، عن صالح، عن ابن شهاب، وفي كتاب التوحيد ج4 ص196 ذكر قطعة منه بسند رواية التفسير وذكر قطعة منه في كتاب الأيمان والنذور ج4 ص100 وقطعة منه في كتاب الجهاد ج2 ص97 وقطعة في آخر كتاب الاعتصام كلها بسند رواية المغازي ج4 ص174. وفي كتاب الأيمان والنذور ج4 ص100 عن: الحجاج بن منهال، عن عبد الله بن عمر النميري، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري وذكر قطعة منه بنفس هذا السند في كتاب التوحيد ج4 ص189 وقطعة في كتاب الشهادات ج2 ص64 عن حجاج، عن عبد الله بن عمر النميري، عن ثوبان. وعن الليث عن يونس. وذكره بطوله في كتاب الشهادات ج2 ص67 ـ 69 قال: حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود وأفهمني بعضه أحمد، حدثنا فليح بن سليمان، عن ابن شهاب.. وقال في آخره: وحدثنا فليح عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة، وعبد الله بن الزبير مثله، وحدثنا فليح، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر مثله، وعلقه في المغازي من طريق النعمان بن راشد عن الزهري.
وأما مسلم فقد أخرجه في صحيحه (ط سنـة 1334هـ) ج8 ص113 ـ 118 عن = = عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.. وعن يونس بن يزيد الأيلي، وفليح بن سليمان، عن الزهري، وصالح بن كيسان عنه أيضاً، وسنده إلى الأخير هو: الحسن بن علي الحلواني وعبد بن حميد، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن صالح الخ.. وفي ج7 ص163 ذكر دفاعها عن حسان الذي كان ممن كثر عليها.
وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق في المصنف ج5 ص410 ـ 419 ومسند أحمد ج6 ص194 ـ 198 وأسباب النزول للواحدي ص182 ـ 185، ولم يذكر سؤاله "صلى الله عليه وآله" لزينب والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص297 وطبقات ابن سعد ج3 قسم 2 ص11 ومجمع الزاوئد ج9 ص229 وراجع: سنن البيهقي ج7 ص302 والدر المنثور ج5 ص25 و 26 عن بعض من تقدم عن: عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، وليراجع أيضاً تاريخ الخميس ج1 ص475، 476، وأدخل فيها زيادات سوف نشير إليها.. وذكر في فتح الباري ج8 ص343 و 344 وإرشاد الساري ج4 ص399: أن النسائي قد أخرجه أيضاً: ولكنني لم أجد ذلك في سننه، وذكر أيضاً: أن ممن أخرج عن الزهري: أبو عوانة في صحيحه والطبراني، من رواية: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعبيد الله بن عمر العمري، وإسحاق بن راشد، وعطاء الخراساني، وعقيل، وابن جريج، وأخرجه أبو عوانة أيضاً من رواية محمد بن إسحاق، وبكر بن وائل، ومعاوية بن يحيى، وحميد الأعرج، وعند أبي داود طرف من رواية حميد هذه، وعند الطبراني أيضاً من رواية: زياد بن سعد، وابن أبي عتيق، وصالح بن أبي الأخضر، وأفلح بن عبد الله بن المغيرة، وإسماعيل بن رافع، ويعقوب بن عطاء، وأخرجه ابن مردويه من رواية ابن عيينة، وعبد الرحمن بن إسحاق، كل هؤلاء عن الزهري ومنهم من طوله ومنهم من اختصره. وأخرج أبو داود من طريق وهب عن يونس طرفاً منه في السنن،= = وذكره الترمذي، عن يونس ومعمر، وغيرهما معلقاً عقب رواية هشام بن عروة، هذا ما ذكره العسقلاني.
والرواية موجودة أيضاً في: حياة الصحابة ج1 ص605 ـ 611 وتفسير القرآن الكريم لابن كثير ج3 ص270 ومجمع الزوائد ج9 ص232 والبحار ج20 ص310 ومسند أبي يعلى ج8 ص322 ـ 333 و 340 ـ 352 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج16 ص14 ـ 19 والمعجم الكبير ج23 ص50 ـ 108 بأسانيد تنتهي إلى عائشة على وجه العموم ومجمع البيان ج7 ص130 والسيرة الحلبية ج2 ص292 ـ 309 مع تفصيلات كثيرة، ومغازي الواقدي ج2 ص426 ـ 435 الكامل لابن الأثير ج2 ص195 ـ 199 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص309 ـ 321 والبداية والنهاية ج4 ص160 ـ 163 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص264 ـ 270 كلاهما عن السيرة، وجامع البيان ج18 ص71 ـ 74 وفي تفسير النيسابوري بهامش جامع البيان ج18 ص62 ملخص منه، وصفة الصفوة ج2 ص21 ـ 29 عن الصحيحين، والترمذي في تفسير سورة النور برقم 3179 والأوائل لأبي هلال العسكري ج2 ص168 ـ 170 إلى غير ذلك من كتب الحديث والتاريخ فإنه مما لا يمكن استقصاؤه، وفيما ذكرناه كفاية.
([15]) ذكر الرواية بطولها: البخاري في كتاب التفسير ج3 ص108 و 109 وأشار إليها في الشهادات ج2 ص69 عن فليح بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وفي كتاب الإعتصام، من رواية محمد بن حرب، عن يحيى بن أبي زكريا، عن هشام الخ.. ووصلها مسلم إلى أبي أسامة، عن هشام عن أبيه في ج8 ص119 والترمذي في جامعه (ط الهند) ج4 ص155 و 156 وأحمد في مسنده ج6 ص59 و 60 كلهم عن أبي أسامة، وفي فتح الباري ج8 ص344: أن الطبري والإسماعيلي أيضاً قد أخرجاهـا عن أبي أسـامة أيضاً. وأخرجها أبو عوانـة، = = والطبراني من رواية حماد بن سلمة، وأبي أويس، وأبو عوانة، وابن مردويه من رواية يونس بن بكير، والدارقطني في الغرائب من رواية مالك، وأبو عوانة من رواية علي بن مهر، وسعيد بن أبي هلال.. كل هؤلاء رووا هذه الرواية عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة. فتح الباري للعسقلاني كما قلنا. وذكرها السيوطي في الدر المنثور ج5 ص26 و 27 عن البخاري، والترمذي، وابن أُبي حاتم، وابن مردويه. وذكرها أيضاً الطبري في تفسيره ج18 ص74 ـ 76 وفي مسند أحمد ج6 ص103 قطعة من حديث الإفك عن أبي عوانة، عن عمر عن أبيه، عن عائشة. وراجع: المعجم الكبير ج23 ص108 ـ 111.
([16]) صحيح البخاري ج3 ص27 و 108 وج2 ص155 ومسند أحمد ج16 ص367 و 368، بسندين.
وفي أحدهما: أن أبا بكر هو الذي رجع فأخبرها بنزول عذرها، فقالت: بحمد الله لا بحمدك.
قال لها أبو بكر: تقولين هذا لرسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
قالت: نعم.
وذكره في الدر المنثور ج5 ص27 عن البخاري، وأحمد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن مردويه، وأخرجه في منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي ج2 ص131 و 132. وراجع: الإحسان ج16 ص22 و 23 والمعجم الكبير ج23 ص161 و 122 و 123.
([17]) راجع: صحيح البخاري ج3 ص108 وصفة الصفوة ج2 ص37 ومسند أحمد ج1 ص276 و 349 والدر المنثور ج5 ص32 عن ابن مردويه والبخاري، وطبقات ابن سعد ج8 ص74 و 75.
([18]) سبل الهدى والرشاد ج11 ص177 و 169 و 170 عن أبي داود، وابن عساكر، عن عائشة، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج16 ص42 وفي هامشه عن: الثقات ج9 ص237 وحلية الأولياء ج2 ص45 وعن أحمد في فضائل الصحابة رقم1644 و 1636 و 1639 ومسند أحمد ج1 ص220.
([19]) الدر المنثور ج5 ص32 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص388 عن ابن سعـد، والطـبراني برجـال الصحيح، وابن أبي شيبة، وأبي يعلى. وراجع: = = أسباب النزول للواحدي ص181 وفتح الباري ج8 ص372 عن الإسماعيلي، وأبي نعيم في المستخرج، وطبقات ابن سعد ص63 و 64 والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص30 و 31 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص118 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص172 و 179 و 177 و 178 عن ابن سعد، وعن أمالي الوزير نظام، وعن الطبراني برجال الصحيح، وابن أبي شيبة.
([20]) صحيح البخاري ج4 ص174.
([21]) تاريخ الخميس ج1 ص479 وفتح الباري ج8 ص374 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص320.
([22]) راجع: صحيح البخاري ج3 ص27 و 25 وصحيح مسلم ج8 ص118 ومسند أحمد ج6 ص197 و 198 والدر المنثور ج5 ص33 وغيرها، عن ابن سعد، وعبد بن حميد، وغيرهم.
([23]) راجع: جامع الترمذي (ط الهند) ج4 ص157 وسنن أبي داود (ط الهند) ج4 ص276، وقال في عون المعبود، وتحفة الأحوذي: أن المنذري والنسائي قد أخرجاه، وسنن البيهقي ج8 ص250 ومسند أحمد ج6 ص61 و 35 ومصنف عبد الرزاق ج5 ص419، لكنه ذكر أنه حد المفترين، بلا تعيين. وفتح الباري ج13 ص285 والدر المنثور ج5 ص32 عن أحمد، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وأبي داود، والترمذي، وحسنه النسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن مردويه، والطبراني، والبيهقي في الدلائل. والسيرة الحلبية ج2 ص305، عن أصحاب السنن الأربعة.
([24]) مستدرك الحاكم ج4 ص10 و 11 وتلخيص الذهبي بهامشه، والمعجم الكبير للطبراني ج23 وغير ذلك.
([25]) أنساب الأشراف ج1 ص420.
([26]) الدر المنثور ج4 ص28، عن ابن مردويه.
([27]) الآية 9 من سورة الحجرات.
([28]) راجع: الدر المنثور ج5 ص28 و 29 عن ابن مردويه، والطبراني، وأشار إليها في فتح الباري ج8 ص345 والمعجم الكبير ج23 ص125 ـ 129 ومجمع الزوائد ج9 ص240.
([29]) الدر المنثور ج5 ص37 و 38، عن ابن النجار في تاريخ بغداد، والسيرة الحلبية ج2 ص297 عن حياة الحيوان.
([30]) الإحسان ج16 ص21 ومسند أحمد ج6 ص30 و 103 والمعجم الكبير ج23 ص155 و 156 و 121.
([31]) الصحيح: ابن أبي بن سلول.
([32]) الآية 11 من سورة النور.
([33]) البحار ج20 ص316 وفي هامشه عن رسالة المحكم والمتشابه ص96.
([34]) الجمل (ط سنة 1413هـ) ص157 و 158.
([35]) المصدر السابق ص412.
([36]) المصدر السابق ص426.
([37]) ملخص من حديث عروة في مسند أبي يعلى ج8 ص335 ـ 338 وراجع مسند أحمد ج6 ص60.
([38]) المعجم الكبير ج23 ص160 ومجمع الزوائد ج7 ص82.
([39]) الآية 103 من سورة آل عمران.
([40]) المعجم الكبير ج23 ص168 وراجع ص72.
([41]) المعجم الكبير ج23 ص76 و 100.
([42]) المعجم الكبير ج23 ص111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج9 ص236.
([43]) المعجم الكبير ج23 ص117 ـ 118 ومجمع الزوائد ج9 ص230.
([44]) المعجم الكبير ج23 ص120 ومجمع الزوائد ج9 ص230.
([45]) المعجم الكبير ج23 ص121 والدر المنثور ج5 ص32 وعن ابن مردويه، وفتح الباري ج8 ص355 وإرشاد الساري ج4 ص393.
([46]) المعجم الكبير ج23 ص123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص237.
([47]) صحيح البخاري، كتاب الاعتصام ج4 ص174.
([48]) صحيح البخاري كتاب التفسير ج3 ص106.
([49]) صحيح البخاري ج3 ص27 وكتاب التفسير ج3 ص108 عن: محمد بن يوسف، وذكره في العقد الفريد (ط دار الكتاب العربي) ج4 ص43 إلى قولها: لكنك لست كذلك، مضيفاً قوله: وكان حسان من الذين جاؤوا بالإفك، وراجع: أنساب الأشراف ج1 ص419 لكنه قال: إن البيت المذكور قد قاله حسان لابنته. والمعجم الكبير ج23 ص135 و 36 و 137.
([50]) تاريخ الطبري ج2 ص269 و 270 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص317 و 318 و 319 وتاريخ الخميس ج1 ص478، وليراجع أيضاً: الإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص188 والإصابة ج2 ص191 وأسد الغابة ج3 ص26 وفتح الباري ج8 ص359 والمحبر ص109 و 110 والدر المنثور ج5 ص33 عن ابن جرير، والسيرة الحلبية ج2 ص303 و 304 ومغازي الواقدي ج2 ص436 و 437 والبداية والنهاية عنه ج4 ص163 والكامل ج2 ص199. والأغاني (ط ساسي) ج4 ص11 و 12 وراجع: أنساب الأشراف ج1 ص452.
([51]) تاريخ الخميس ج1 ص476 و 477 والسيرة الحلبية ج2 ص306.
([52]) راجع: فتح الباري ج9 ص249.
([53]) تهذيب التهذيب ج5 ص279.
([54]) مفتاح الصحيحين ص8.
([55]) حيث إنه بعد ذكر رواية الزهري ساق سنداً آخر إلى ابن الزبير، وقال: مثله.
([56]) جامع بيان العلم ج2 ص189. مع أنه قد روي له في صحيح البخاري فقط 268 حديثاً كما في مفتاح الصحيحين ص7.
([57]) راجع: الثقات لابن حبان ج5 ص456.
([58]) الإصابة ج3 ص391. وتوفي مسروق سنة 63 هجرية عن 63 سنة. وصلى خلف أبي بكر مميزاً ابن 13 سنة كما في الإصابة ج3 ص393.
([59]) الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص452.
([60]) راجع كل ذلك في: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص99 و 97 و 98 والغارات للثقفي ج2 ص559 و 562 ـ 564 وراجع في كونه عثمانياً: تاريخ بغداد ج9 ص270 وتهذيب الكمال ج12 ص553 وطبقات ابن سعد ج6 ص71 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص379.
([61]) طبقات ابن سعد ج6 ص51 و 52.
([62]) راجع المصادر في ما قبل الهامش الأخير.
([63]) سير أعلام النبلاء ج4 ص165 وحلية الأولياء ج4 ص102.
([64]) سير أعلام النبلاء ج4 ص166.
([65]) تهذيب التهذيب ج9 ص418. وكلام ابن معين الأخير في سير أعلام النبلاء ج10 ص384 وفي تهذيب الكمال ج26 هامش ص336.
([66]) تهذيب الكمال ج26 ص336.
([67]) راجع: تهذيب التهذيب ج9 ص98 وج2 ص382 و 383.
([68]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص63.
([69]) تهذيب التهذيب ج7 ص182 وصفة الصفوة ج2 ص85 وسير أعلام النبلاء ج4 ص425 و 431 وحلية الأولياء ج2 ص176 وتهذيب الكمال ج20 ص16 وتذكرة الحفاظ ج1 ص61 وخلاصة تهذيب تهذيب الكمال ص265.
([70]) شرح النهج ج4 ص64 وقاموس الرجال ج6 ص299.
([71]) الغارات للثقفي ج2 ص576 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص102.
([72]) قاموس الرجال ج6 ص300.
([73]) السنن الكبرى ج8 ص165 وراجع ص164 لكنه لم يصرح في هذه الصفحة باسم عروة، ومثله في الترغيب والترهيب ج4 ص382 عن البخاري. وإحياء علوم الدين ج3 ص159 وأشار في هامشه إلى الطبراني.
([74]) راجع: تهذيب التهذيب ج11 ص50 و 51 وفتح الباري (المقدمة) ص448. وتهذيب الكمال ج30 ص239 و 238.
([75]) تاريخ بغداد ج14 ص39 وميزان الإعتدال ج4 ص302 وتهذيب الكمال ج30 ص240.
([76]) المنمق ص502.
([77]) تهذيب التهذيب ج3 ص3 ومقدمة فتح الباري ص396، 397.
([78]) قاموس الرجال ج3 ص392.
([79]) تهذيب التهذيب ج8 ص304 وتهذيب الكمال ج23 ص318 و 319.
([80]) راجع: سير أعلام النبلاء ج7 ص353 و 354 وتهذيب الكمال ج23 ص320.
([81]) هامش كتاب تهذيب الكمال ج23 ص322.
([82]) الغارات للثقفي ج2 ص580 وشرح النهج ج4 ص101 والبحار (ط قديم) ج11 ص41 وج8 ص730.
([83]) قاموس الرجال ج4 ص378 و 376 عن: عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
([84]) قاموس الرجال ج4 ص378.
([85]) تهذيب التهذيب ج7 ص24.
([86]) الغارات ج2 ص578 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص102 والبحار (ط قديم) ج11 ص41 و 42 وج8 ص730.
([87]) الغارات للثقفي ج2 ص558 ـ 560.
([88]) سير أعلام النبلاء ج3 ص376.
([89]) سير أعلام النبلاء ج5 ص331 وراجع ص334.
([90]) المعرفة والتاريخ ج1 ص635 وتهذيب الكمال ج26 ص439 و 440.
([91]) تهذيب الكمال ج26 ص440.
([92]) تهذيب التهذيب ج10 ص452 وتهذيب الكمال ج29 ص446 و 447 و 448 والجرح والتعديل ج8 رقم الترجمة 2060 والضعفاء الكبير للعقيلي والعلل ومعرفة الرجال ج2 ص251 والتاريخ الكبير للبخاري ج8 الترجمة رقم 2248 والمحلى ج6 ص121.
([93]) تهذيب التهذيب ج11 ص450 ـ 452 وراجع: مقدمة فتح الباري ص455 وتهذيب الكمال ج32 ص554و 555 و 557 والجرح والتعديل ج9 الترجمة رقم1042.
([94]) تهذيب التهذيب ج6 ص312 ـ 315 ومقدمة فتح الباري ص418 وسير أعلام النبلاء ج9 ص571 وما سبقها ولحقها، وتهذيب الكمال ج18 ص57 و 58 وراجع: الضعفاء للعقيلي.
([95]) سير أعلام النبلاء ج9 ص574.
([96]) راجع كتاب: الضعفاء الكبير للعقيلي.
([97]) سير أعلام النبلاء ج5 ص454 وتهذيب الكمال ج13 ص81 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص380.
([98]) تهذيب التهذيب ج6 ص346 ومقدمة الفتح ص419.
([99]) تهذيب التهذيب ج1 ص123 ومقدمة الفتح ص485 وسير أعلام النبلاء ج8 ص306 ـ 308 وراجع: تهذيب الكمال ج2 ص92 وميزان الإعتدال ج1 ص33 و 34 والكامل لابن عدي.
([100]) تهذيب التهذيب ج2 ص303 وتهذيب الكمال ج6 ص262 و 263 وراجع تاريخ بغداد ج7 ص365.
([101]) تهذيب التهذيب ج11 ص393 وتهذيب الكمال ج32 ص354 و 355 والجرح والتعديل ج9 ص211 وميزان الإعتدال (ط سنة 1416هـ) ج7 ص279 و 280 والضعفاء الكبير ج4 ص446.
([102]) تهذيب التهذيب ج6 ص137 ـ 139 وراجع: الجرح والتعديل ج5 ص521 و 522 و 524.
([103]) تهذيب التهذيب ج6 ص136 و 137 وراجع: تهذيب الكمال ج16 ص517 و 518 وسنن الدارقطني ج2 ص121 والجرح والتعديل ج5 ص213.
([104]) تهذيب التهذيب ج4 ص120 ـ 121 وقاموس الرجال ج4 ص398 و 399.
([105]) تهذيب التهذيب ج11 ص224.
([106]) تهذيب التهذيب ج1 ص230 و 231 ومقدمة فتح الباري ص386 وراجع: تهذيب الكمال ج2 ص421 و 422 وتهذيب تاريخ دمشق ج2 ص439.
([107]) تهذيب التهذيب ج1 ص295 و 296 وراجع: تهذيب الكمال ج3 ص86 ـ 89 والضعفاء الكبير ج1 ص78 والمجروحون ج1 ص124.
([108]) تهذيب التهذيب ج7 ص214 و 215 وراجع: التاريخ الكبير للبخاري الترجمة رقم278 والمجروحون ج2 ص130و 131.
([109]) التاريخ الكبير ج6 الترجمة رقم3027.
([110]) تهذيب التهذيب ج4 ص380 و 381 وراجع: سير أعلام النبلاء ج7 ص304. وتهذيب الكمال ج13 ص13 ـ 15 والجرح والتعديل ج4 الترجمة رقم 1727 وأحوال الرجال الترجمة رقم 182 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص320 والضعفاء والمتروكون للنسائي الترجمة رقم 302 والمجروحون ج1 ص368 و 369 وراجع تقريب التهذيب.
([111]) تهذيب التهذيب ج10 ص219 و 220 وراجع: تهذيب الكمال ج28 ص222 و 223 والضعفاء الكبير للعقيلي ج4 ص83 والتاريخ الكبير ج4 قسم1 ص336 والجرح والتعديل ج8 ص384 وميزان الإعتدال (ط سنة1416 هـ) ج6 ص461.
([112]) المنمق (ط الهند) ص499 و 500.
([113]) تهذيب الكمال ج16 ص67.
([114]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص97 و 98 والغارات للثقفي ج2 ص559.
([115]) تهذيب التهذيب ج2 ص382 و 383 وراجع: التاريخ الصغير للبخاري ج1 ص294 وطبقات ابن سعد ج7 ص471 والمحلى ج2 ص189 وج5 ص219 وج10 ص80 و 81 وج11 ص45 وميزان الإعتدال (ط سنة 1416 هـ) ج6 ص508.
([116]) راجع: تهذيب التهذيب ج4 ص124 وسير أعلام النبلاء ج12 ص152 وتهذيب الكمال ج11 ص202 و 203 وميزان الإعتدال (ط سنة 1416 دار الكتب العلمية) ج3 ص249 و 250 والجرح والتعديل ج4 ص231 و 232.
([117]) راجع: تهذيب التهذيب ج9 ص426 و 427 وميزان الإعتدال (ط سنة1416) ج6 ص318 وسير أعلام النبلاء ج12 ص24 وتهذيب الكمال ج26 ص363.
([118]) راجع: تهذيب التهذيب ج9 ص71 و 72 وسير أعلام النبلاء ج12 ص147 و 148 وتهذيب الكمال ج24 ص55 وراجع ص516 وتاريخ بغداد ج2 ص103 وفتح الباري (المقدمة) وميزان الإعتدال (ط سنة 1416هـ) ج6 ص79.
([119]) تهذيب الكمال ج15 ص256.
([120]) فتح الباري ج8 ص371 و 372.
([121]) فتح الباري ج8 ص371 و 372.
([122]) الدر المنثور ج5 ص33 وراجع: البحار ج20 ص314 والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص137 وقد تقدم عن البخاري وغيره في فصل النصوص والآثار.
([123]) جامع البيان ج18 ص70 والبحار ج20 ص314 ومسند أبي يعلى ج8 ص355 ـ 338 وراجع: مسند أحمد ج6 ص60.
([124]) وهو قول الضحاك، تفسير النيسابوري، هامش الطبري ج18 ص62.
([125]) الدر المنثور ج5 ص33 عن عبد بن حميد.
([126]) السيرة النبوية ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص267 والكامل ج2 ص267.
([127]) المعجم الكبير ج23 ص138.
([128]) المعجم الكبير ج23 ص137.
([129]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص165.
([130]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص165 والتنبيه والإشراف ص216.
([131]) الدر المنثور ج5 ص29، عن الطبراني، وابن مردويه والمعجم الكبير ج23 ص124 ومجمع الزوائد ج9 ص280.
([132]) المنمق ص495 و 496.
([133]) الجمل (ط سنة1413هـ ) ص218.
([134]) الكشاف ج3 ص221 وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص66.
([135]) المعجم الكبير ج23 ص152 و 111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج7 ص80 وج9 ص236.
([136]) تاريخ الخميس ج1 ص479، وقال: كذا في معالم التنزيل، والإكتفاء.
([137]) مسند أبي يعلى ج8 ص339 وأشار في الهامش إلى المصادر التالية: المصنف لعبد الرزاق برقم 9750 و 9749 وسنن أبي داود برقم 4475 و 4474 وسنن البيهقي ج8 ص250 وسنن ابن ماجة برقم 2567 والجامع الصحيح للترمذي برقم 3180 ومسند أحمد ج6 ص35.
([138]) السيرة الحلبية ج2 ص300.
([139]) الإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص340 وأسد الغابة ج2 ص6 والرواية في الأغاني ج4 ص15.
([140]) تاريخ الخميس ج1 ص479.
([141]) سنن البيهقي ج8 ص250 ومسند أبي يعلى ج8 ص334.
([142]) نقل ذلك عن الماوردي في فتح الباري ج8 ص368 و 370.
([143]) أسد الغابة ج5 ص428.
([144]) مغازي الواقدي ج2 ص434.
([145]) الدر المنثور ج5 ص31، عن الطبراني، وابن مردويه والمعجم الكبير ج23 ص120 و 123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص230 و 237.
([146]) فتح الباري ج8 ص346 ووفاء الوفاء ج1 ص143 والمواهب اللدنية ج1 ص109 وسيرة مغلطاي ص55 والمعجم الكبير ج23 ص125 ـ 129 ومجمع الزوائد ج9 ص240 والدر المنثور ج5 ص28 و 29 عن ابن مردويه، والطبراني.
([147]) فتح الباري ج8 ص349 والمصادر في الهامش السابق.
([148]) كما في رواية علقمة في جامع البيان ج18 ص76 ورواية عروة عن عائشة كما في مسند أبي يعلى ج8 ص335 ـ 338 وراجع مسند أحمد ج6 ص60.
([149]) فتح الباري ج8 ص353، عن الحاكم في الإكليل، وبعض من تأخر عنه.
([150]) فتح الباري ج8 ص356.
([151]) سيرة ابن هشام ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 عنه، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص268 والكامل لابن الأثير ج2 ص196.
([152]) راجع: فتح الباري ج8 ص363.
([153]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص295.
([154]) مغازي الواقدي ج2 ص430. ومصادر أخرى تقدمت في فصل النصوص والآثار.
([155]) جامع البيان ج18 ص76.
([156]) راجع: فتح الباري ج8 ص354.
([157]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 والبدء والتاريخ ج4 ص215.
([158]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص266 والكامل لابن الأثير ج2 ص196.
([159]) فتح الباري ج8 ص363.
([160]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص295.
([161]) المعجم الكبير ج23 ص160 ومجمع الزوائد ج7 ص82.
([162]) المعجم الكبير ج23 ص168.
([163]) المعجم الكبير ج23 ص168 وراجع 72.
([164]) المعجم الكبير ج23 ص111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج9 ص230.
([165]) الجمل ص426.
([166]) المعجم الكبير ج23 ص162 و 163 عن ابن إسحاق، وعن العصفري، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص143.
([167]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص180 ومصادر كثيرة أخرى ذكرناها في هذا الكتاب (الباب الرابع: غزوة المريسيع.. أحداث وقضايا) ج12 ص233 وما بعدها.
([168]) فتح الباري ج8 ص348.
([169]) كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص696 وسيرة ابن إسحاق ص255 والمعجم الكبير ج23 ص27 وفي هامشه عن أبي داود رقم 3885 وعن سنن ابن ماجة رقم3342 وعون المعبود ج10 ص397.
([170]) مغازي الواقدي ج2 ص427 والسيرة الحلبية ج2 ص290.
([171]) راجع: سنن أبي داود ج3 ص530 وصفة الصفوة ج1 ص176 وقال: رواه الإمام أحمد، وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة.
([172]) مغازي الواقدي ج2 ص427 و 428.
([173]) السيرة الحلبية ج2 ص292.. ثم احتمل الحلبي: أن يكون معه غيره يعاونه، وقال البلاذري: شهد أبو مويهبة غزوة المريسيع، وكان يخدم بعير عائشة، راجع: فتح الباري ج8 ص347 وإرشاد الساري ج4 ص391 والبداية والنهاية ج5 ص324.
([174]) راجع: هذا الكتاب ج4 ص285 ـ 288.
([175]) راجع: هذا الكتاب ج11 ص86 و 87.
([176]) المعجم الكبير ج23 ص26.
([177]) الطبقات الكبرى ج8 ص59 وزوجات النبي لسعيد أيوب ص47.
([178]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص58 والمحبر ص80 و 81.
([179]) أنساب الأشراف ج1 ص409.
([180]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22.
([181]) صفة الصفوة ج2 ص15 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج14 ص164.
([182]) راجع المصادر التالية: المعجم الكبير للطبراني ج23 ص23 و 24 وتاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الاستقامة) ج2 ص411 و 412 والمنتظم ج3 ص16 و 17 ومسند أحمد ج6 ص210 و 211 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص411 و 412، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص225 و 227 و 226 عن الطبراني وتاريخ الخميس ج1 ص305 والسيرة الحلبية ج1 ص348 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381 و 382 عن أحمد والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص139 و 140 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص142 و 143 و 14 عن أحمد والبيهقي والبداية والنهاية ج3 ص131 و 132 و 133 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص165 و 166.
([183]) الإصابة ج4 ص359.
([184]) راجع شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381.
([185]) الآية 221 من سورة البقرة.
([186]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص22.
([187]) زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" لسعيد أيوب ص47.
([188]) راجع: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381.
([189]) زوجات النبي "صلى الله عليه وآله" لسعيد أيوب ص47.
([190]) أنساب الأشراف ج1 ص411.
([191]) الأذكار النووية ص295.
([192]) سنن أبي داود ج4 ص294 بعدة أسانيد، والأذكار النووية ص295 والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص18 بعدة أسانيد، وكنز العمال ج16 ص424 ومسند أحمد ج6 ص107 و 213 و 151 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص315 و 93 والمصنف للصنعاني ج11 ص42 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص18 وراجع: الغدير ج6 ص315 وطبقات ابن سعد ج8 ص64 و 63.
([193]) الأدب المفرد ص125 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وصفة الصفوة ج2 ص15 ومسند أحمد ج6 ص186.
([194]) المعجم الكبير ج23 ص18.
([195]) سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج16 ص54 و 55 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392 و 393، عن ابن سعد، وابن حبان، وقال: وله طرق كثيرة عنها، وراجع: معرفة علوم الحديث ص190.
([196]) مسند أحمد ج6 ص186.
([197]) السيرة الحلبية ج3 ص314.
([198]) راجع: الخصال (ط سنة 1389هـ طهران) ص419 والبحار ج22 ص194 والوسائل ج14 ص182 وتفسير نور الثقلين ج4 ص298.
([199]) راجع: مسند أبي يعلى ج7 ص473 و 474 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج16 ص424 وج13 ص693 عن ابن سعد، والبيهقي، والحاكم، وأحمد، والطبراني، والآحاد والمثاني ج5 ص388 و 389.
وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22 ومسند أحمد ج6 ص260 ومسند ابن راهويه ج2 ص310 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص358 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وطبقات ابن سعد ج8 ص66 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 وزوجات النبي "صلى الله عليه وآله" لسعيد أيوب ص47 و 48.
([200]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص18 وراجع: شرح المواهب للزرقاني ج4 ص393 عن ابن إسحاق وغيره.
([201]) الأدب المفرد ص125 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص363 عنه وطبقات ابن سعد ج8 ص66 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 عن الروض.
([202]) معرفة علوم الحديث ص190.
([203]) تاريخ الخميس ج1 ص357.
([204]) راجع: أسد الغابة ج5 ص502. وغيره.
([205]) المعجم الكبير ج23 ص18.
([206]) المعجم الكبير ج23 ص19.
([207]) راجع على سبيل المثال: فيض القدير للمناوي ج1 ص90 (ط سنة 1391هـ بيروت) والبداية والنهاية ج5 ص315 ومسند أحمد ج6 ص151.
([208]) سبل الهدى والرشاد ج11 ص164.
([209]) كذا قال الصالحي الشامي، فراجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 و 18 عن ابن الأعرابي في معجمه، والأذكار النووية ص295 و 288 وراجع: البداية والنهاية ج5 ص315 وج8 ص99 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392 وتاريخ الخميس ج1 ص358 والسيرة الحلبية ج3 ص314 والإصابة ج4 ص360.
([210]) راجع: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392.
([211]) بحار الأنوار ج32 ص270 ورجال الكشي (ط جامعة مشهد) ص59 والدرجات الرفيعة ص109 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص229 ومعجم رجال الحديث ج11 ص249 ووسائل الشيعة ج20 هامش ص240 وجواهر المطالب في مناقب علي "عليه السلام" ج2 ص25 ومجمع النورين ص266 ومواقف الشيعة مع خصومهم ج1 ص169 وج2 ص40 وأحاديث أم المؤمنين عائشة ج2 ص249.
([212]) راجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص287 و 286 وإسعاف الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) (ط العثمانية) ص85 و (ط السعيدية بمصر) وص90 ومسند أحمد ج6 ص118 وراجع: الإصابة ج4 ص283 وأسد الغابة ج5 ص438 وقاموس الرجال ج10 ص332 والبحار ج16 ص12 عن كشف الغمة.
([213]) الخصال ص404 و 405 والبحار ج16 ص3 وشجرة طوبى ج2 ص233 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص396.
([214]) مروج الذهب ج2 ص289.
([215]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص341 وفتح الباري ج7 ص332 ونقله ص360 و 361 عن إسماعيل القاضي، ونقله عن إسماعيل أيضاً في شرح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج10 ص227. ونقله المعلق على السيرة النبوية لابن هشام ج3 بهامش ص302 عن الزرقاني. وراجع أيضاً: وفاء الوفاء ج1 ص314.
([216]) فتح الباري ج7 ص333.
([217]) مرآة الجنان ج1 ص7.
([218]) شرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري ج10 ص226 وفتح الباري ج8 ص360).
([219]) فتح الباري ج8 ص360 و 361.
([220]) السيرة الحلبية ج2 ص301.
([221]) تاريخ ابن خلدون ج2 قسم2 ص33.
([222]) مغازي الواقدي ج2 ص435 والسيرة الحلبية ج2 ص301.
([223]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص231 والكامل لابن الأثير ج2 ص177، والتنبيه والإشراف ص217 ومروج الذهب ج2 ص289 وطبقات ابن سعد ج2 قسم1 ص81 وج8 ص125 و 126 و 127 وتاريخ الخميس ج1 ص500 و 501 و 267، ونقله أيضاً عن أسد الغابة، وعن المنتقى، ونقله في البداية والنهاية ج4 ص145 عن قتادة، والواقدي، وبعض أهل المدينة، والبيهقي. ونقله في السيرة الحلبية ج2 ص293 عن الإمتاع، عن بعض أهل الأخبار، ثم أشكل على ذلك بما ورد في حديث الإفك.. ونقله في فتح الباري ج8 ص351 عن الواقدي، وصفة الصفوة لابن الجوزي ج2 ص46 ووفاء الوفاء للسمهودي ج1 ص310.
([224]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص145.
([225]) راجع: فتح الباري ج8 ص360.
([226]) فتح الباري ج8 ص360.
([227]) فتح الباري ج8 ص360.
([228]) راجع: تاريخ الخميس ج2 ص38 وطبقات ابن سعد ج8 ص153 وأسد الغابة ج5 ص544 و 585 والإصابة ج4 ص404، وغير ذلك.. فإن ذلك من الأمور المتسالم عليها ويظهر ذلك بالمراجعة إلى كتب التراجم، ترجمة حسان، ومارية، وسيرين، وعبد الرحمن بن حسان.
([229]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص341 والسيرة الحلبية ج2 ص305 وتاريخ الخميس ج1 ص478.
([230]) المصنف ج9 ص454 والإستذكار ج25 ص51.
([231]) الكشاف ج3 ص217 وعنه في فتح الباري ج8 ص352 وتاريخ الخميس ج1 ص479، عن الإكتفاء ومعالم التنزيل وإرشاد الساري ج4 ص398 وتفسير النيسابوري، هامش جامع البيان للطبري ج18 ص62.
([232]) السيرة الحلبية ج2 ص300.
([233]) نفس المصدر السابق.
([234]) أسد الغابة ج2 ص181 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص243 والكامل في التاريخ ج2 ص207.
([235]) تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) ج2 ص262.
([236]) فتح الباري ج8 ص352.
([237]) طبقات ابن سعد ج3 قسم1ص64 وأسد الغابة ج3 ص131 والإصابة ج2 ص287 والسيرة الحلبية ج2 ص300 وصفة الصفوة ج1 ص386.
([238]) السيرة الحلبية ج2 ص300.
([239]) طبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص62 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص272.
([240]) راجع: أسد الغابة ج3 ص131 والإصابة ج4 ص4 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص272 ـ 274 وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص62 والتنبيه والإشراف ص223.
([241]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص400 والإصابة ج2 ص407.
([242]) المصدران السابقان.
([243]) الإصابة ج2 ص407 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص399.
([244]) صحيح البخاري ج3 ص176 و 177 وإرشاد الساري ج4 ص394 وج7 ص261 وفتح الباري ج8 ص358.
([245]) صحيح البخاري ج3 ص176 بسندين.
([246]) الإصابة ج2 ص271 وإرشاد الساري ج7 ص261 وج4 ص394.
([247]) راجع: فتح الباري ج8 ص358 وإرشاد الساري ج7 ص261 وج4 ص394.
([248]) إرشاد الساري ج4 ص395 وج7 ص261 وفتح الباري ج8 ص358.
([249]) الروض الأنف ج4 ص20.
([250]) سيرة مغلطاي ص54.
([251]) راجع الأقوال في وفاتها في: تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص350 وأسد الغابة ج5 ص583 وفتح الباري ج7 ص337 والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص449 وأنساب الأشراف ج1 ص420 والإصابة ج4 ص451 و 452 وتهذيب التهذيب ج2 ص467 وطبقات ابن سعد ج8 ص202 وتاريخ الخميس ج2 ص26 والروض الأنف ج4 ص21 وإرشاد الساري ج6 ص343 والسيرة الحلبية ج2 ص79 وغير ذلك.
([252]) أسد الغابة ج5 ص583 وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص350 و 351 عنه.
([253]) راجع المصادر الكثيرة المتقدمة، وغيرها من كتب التاريخ والتراجم، في ترجمة أم رومان.. أو في عام وفاتها.
([254]) طبقات ابن سعد ج8 ص202 والروض الأنف ج4 ص21 ووفاء الوفاء ج3 ص897 والسيرة الحلبية ج2 ص79.
([255]) فتح الباري ج7 ص337 والإصابة ج4 ص451 وإرشاد الساري ج6 ص343.
([256]) الإصابة ج4 ص451 وتهذيب التهذيب ج12 ص468.
([257]) تهذيب التهذيب ج12 ص468، عن البخاري في تاريخيه الأوسط والصغير، وأيده العسقلاني.
([258]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص452 والروض الأنف ج4 ص21 والإصابة ج4 ص452 وفتح الباري ج7 ص337 و 338، وليراجع تهذيب التهذيب ج12 ص468 عن الخطيب.
([259]) الروض الأنف ج4 ص21 وفي السيرة الحلبية ج2 ص79، من دون قوله: ولم ير أم رومان قط.
([260]) نقله عن العسقلاني في كتابه: تهذيب التهذيب ج2 ص468 وفتح الباري ج7 ص337 والإصابة ج4 ص451 والسيرة الحلبية ج2 ص79.
([261]) المراد به: الخطيب البغدادي.
([262]) الروض الأنف ج4 ص21.
([263]) راجع: الإصابة ج4 ص451 و 452 وفتح الباري ج7 ص337 وتهذيب التهذيب ج12 ص468 و 469 ورواية التخيير موجودة في مسند أحمد ج6 ص212.
([264]) راجع صحيح البخاري ج1 ص74، وج4 ص47.
([265]) الإصابة ج4 ص450، وراجع: تهذيب التهذيب ج2 ص467 وجمهرة أنساب العرب لابن حزم ص188.
([266]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص448 والإصابة ج4 ص450.
([267]) راجع: جمهرة أنساب العرب ص137 و 188 وتهذيب التهذيب ج12 ص467 و 433 والإصابة ج4 ص450.
([268]) راجع: طبقات ابن سعد ج8 ص202 والإصابة ج4 ص450 والإستيعاب بهامشها ج4 ص448 وتهذيب التهذيب ج12 ص433 وجمهرة أنساب العرب، وغير ذلك.
([269]) مسند أحمد ج6 ص78 و 103 وصحيح مسلم ج4 ص186 و 187 و 194.
([270]) وفاء الوفاء ج1 ص316، وغير ذلك.
([271]) صحيح مسلم ج4 ص188 ـ 190 والدر المنثور ج6 ص242 و 243 عنه، وعن ابن مردويه، وعبد بن حميد.
([272]) الآية 28 من سورة الأحزاب.
([273]) تفسير القمي ج2 ص192 ونور الثقلين ج4 ص464 والميزان ج16 ص315 كلاهما عنه.
([274]) طبقات ابن سعد ج8 ص138.
([275]) جامع البيان ج21 ص100 والدر المنثور ج5 ص195 عنه، وعن ابن المنذر، وابن ابي حاتم.
([276]) الطبقات لابن سعد ج4 ص43 وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص114.
([277]) كما جزم به ابن الأثير، في أسد الغابة ج1 ص64 وابن الجوزي في صفة الصفوة ج1 ص522. وليراجع: الإصابة ج1 ص31 عن ابن أبي خيثمة، وعن ابن سعد كان عمره عشرين سنة، والإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص57.
([278]) فتح الباري ج8 ص357.
([279]) فتح الباري ج8 ص357.
([280]) المعجم الكبير ج23 ص123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص237.
([281]) الإصابة ج1 ص561، روى ذلك عنه الواقدي.. وقيل: بل أجيز يوم أحد.
([282]) راجع: إرشاد الساري ج6 ص343.
([283]) المصدر السابق.
([284]) الإتقان ج1 ص11 وفتح الباري ج9 ص37.
([285]) الكشاف ج4 ص812.
([286]) الإتقان ج1 ص11.
([287]) تفسير القمي ج2 ص98 وتفسير الميزان ج15 ص85 وتفسير البرهان ج3 ص125 و 126 وتاريخ الخميس ج2 ص133، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص167 وراجع (ط مطبعة مصطفى محمد بمصر) ص407 والبحار ج21 ص367 و 368 عن الكازروني في المنتقى وراجع أيضاً: المواهب اللدنية، وأسد الغابة.
([288]) الإتقان ج1ص61.
([289]) راجع: مقالة العلامة السيد أبو الفضل مير محمدي، في مجلة الهادي سنة 5 عدد 3 وفتح الباري ج9 ص39، كما أخرجه أبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص92 ومجمع الزوائد ج2 ص109 أو قال: أخرجه البزار بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح.
([290]) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج8 ص174 و 176.
([291]) أنساب الأشراف ج1 ص434 و 435 وطبقات ابن سعد ج8 ص173 و 174 والمصادر.
([292]) أنساب الأشراف ج1 ص465.
([293]) طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج8 ص157 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص414 وأنساب الأشراف ج1 ص433.
([294]) أنساب الأشراف ج1 ص433.
([295]) طبقات ابن سعد ج8 ص81.
([296]) مصنف عبد الرزاق ج7 ص490.
([297]) فتح الباري ج8 ص351.
([298]) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج8 ص174.
([299]) راجع طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج8 ص176.
([300]) طبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج8 ص175.
([301]) السيرة الحلبية ج2 ص300 عن كتابي: الأصل، والنور، وفي فتح الباري ج2 ص330 ووفاء الوفاء ج2 ص397: أن ابن النجار جزم بهذا، وأما ابن سعد فقد جزم بأنه اتخذ في السابعة.
([302]) الأوائل للعسكري ج1 ص336 ووفاء الوفاء ج2 ص391 و 396، عن أبي داود، بسند أحمد، وفتح الباري ج2 ص330 عن أبي داود، والحسن بن سفيان، والبيهقي، والعسقلاني، وإسناده جيد، وسيأتي ذكره في علامات النبوة وفي البخاري أشار إليه، وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج1 ص250.
([303]) الإصابة ج3 ص304، عن الطبقات، وطبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص9، وفي وفاء الوفاء ج2 ص393، عن الطبقات، وقيل: إن رجاله ثقات ما عدا الواقدي، وكذا قيل في فتح الباري ج2 ص330، وهو من حديث أبي هريرة، وفي كتاب يحيى بن سعيد، منقطعاً عن أبي الزناد، وغيره.
([304]) الإصابة ج2 ص175.
([305]) السيرة الحلبية ج2 ص300، عن صاحب كتاب النور..
([306]) راجع: الوفاء لابن الجوزي ج1 ص321 ـ 324 ووفاء الوفاء للسمهودي ج2 ص388، فصاعداً عن البخاري بعدة طرق، وعن النسائي، وابن خزيمة، وعن الدارمي، وأحمد، وابن ماجة، وابن عساكر في تحفته، وعياض، وابن عبد البر، وكتاب يحيى بن سعيد، والإسفراييني، وكتاب ابن زبالة، والبخاري ج2 ص11 وفتح الباري ج2 ص330 عن بعض من تقدم، وعن الترمذي، وابن خزيمة، وصححاه، وطبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص10 و 11 و 12 ومصنف عبد الرزاق ج3 ص186 ودلائل النبوة ج2 ص274 ـ 271.
([307]) راجع: وفاء الوفاء ج2 ص394.
([308]) الآية 23 من سورة النور.
([309]) الآية 5 من سورة التحريم.
([310]) الآية 4 من سورة سورة التحريم.
([311]) الآية 10 من سورة سورة التحريم.
([312]) المعجم الكبير ج23 ص130 و 134 وراجع: مجمع الزوائد ج4 ص188.
([313]) تاريخ الخميس ج1 ص475 وإرشاد الساري ج7 ص256 وج7 ص339 والكشاف ج3 ص217 وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص62.
([314]) أقرب الموارد ج2 ص781.
([315]) فتح الباري ج1 ص60.
([316]) جامع البيان ج18 ص69. وفتح الباري ج8 ص352 والدر المنثور ج5 ص32 عن ابن جرير، وابن المنذر من دون ذكر العبارة الأخيرة.
([317]) الدر المنثور ج5 ص29 عن الطبراني.
([318]) الكشاف ج3 ص219.
([319]) راجع: المعجم الكبير ج23 ص76.
([320]) المصدر السابق ص144 ومجمع الزوائد ج7 ص78.
([321]) المعجم الكبير ج23 ص143 و 127 ومجمع الزوائد ج9 ص240.
([322]) المعجم الكبير ج23 ص117.
([323]) تاريخ الخميس ج1 ص477 وتفسير النيسابوري هامش الطبري ج18 ص64 والكشاف ج3 ص220 والسيرة الحلبية ج2 ص305 والميزان (تفسير) ج15 ص102.
([324]) فتح الباري ج8 ص364 عنه.
([325]) الدر المنثور ج5 ص90 وأسباب النزول للواحدي ص223 وصحيح البخاري أول كتاب الصلح ص370.
([326]) راجع: الدر المنثور ج5 ص90.
([327]) المصدر السابق.
([328]) الكشاف ج3 ص224 وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص69.
([329]) تفسير الكشاف ج3 ص264.
([330]) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص69.
([331]) تفسير النيسابوري هامش الطبري ج18 ص69.
([332]) راجع: الدر المنثور ج5 ص34 و 35 وغيره.
([333]) المصنف لعبد الرزاق: ج8 ص497، وفي هامشه قال: وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (مخطوط) ص181.
([334]) الدر المنثور ج5 ص34 عن ابن المنذر.
([335]) جامع البيان ج18 ص82 والدر المنثور ج5 ص35 والمعجم الكبير ج23 ص150.
([336]) جامع البيان ج18 ص82.
([337]) مجمع البيان ج7 ص133.
([338]) الدر المنثور ج5 ص34، عن ابن أبي حاتم، عن مقاتل.
([339]) فتح الباري ج8 ص352، وأشار إليه النيسابوري، هامش الطبري ج18 ص68.
([340]) فتح الباري ج8 ص352 عن ابن مردويه والدر المنثور ج5 ص35 عن ابن مردويه، وعبد بن حميد.. وفي جامع البيان ج18 ص82: >إن أبا بكر حلف أن لا ينفع يتيماً كان في حجره<. ونقل رواية الحسن ومجاهد أيضاً، في مجمع البيان ج7 ص133، ونص على يتمه أيضاً في السيرة الحلبية ج2 ص294، فراجع.
([341]) تلخيص الشافي ج3 ص216.
([342]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص120 وليراجع من: ص113 حتى120.
([343]) تلخيص الشافي ج3 ص237.
([344]) صحيح البخاري باب الغيرة في النكاح، ومسلم كتاب النكاح، باب جواز إرداف المرأة الأجنبية إذا أعيت في الطريق، ومسند أحمد ج6 ص347 ودلائل الصدق ج2 ص399.
([345]) المصادر السابقة.
([346]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص130 وراجع: ج4 من هذا الكتاب ص248 ـ 254.
([347]) الإصابة ج2 ص460 و 461.
([348]) السيرة الحلبية ج2 ص295.
([349]) فتح الباري ج8 ص355.
([350]) راجع: المحبر ص109 والأغاني (ط ساسي) ج4 ص64 والسيرة الحلبية ج2 ص301 وفتح الباري ج8 ص350 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص319 والبداية والنهاية ج4 ص319 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص270 والكامل في التاريخ ج2 ص199 وتقدم ذلك عن المعجم الكبير للطبراني ج23 ص123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص237.
([351]) المعجم الكبير ج23 ص129.
([352]) راجع: فتح الباري ج8 ص350 عن سنن أبي داود، والبزار، وابن سعد، وصحيح ابن حبان، والحاكم من طريق الأعمش، عن أبي سعيد..
وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص302 و 293 ومشكل الآثار ج2 ص423 والإصابة ج2 ص191.
([353]) فتح الباري ج8 ص350 والإصابة ج2 ص191.
([354]) المصدران السابقان.
([355]) المصدران السابقان.
([356]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص299 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص267 والكامل في التاريخ ج2 ص197. ومصادر كثيرة أخرى تقدمت في فصل النصوص والآثار.
([357]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص187 وأسد الغابة ج3 ص26 والإصابة ج2 ص190 وفتح الباري ج8 ص349.
([358]) طبقات ابن سعد ج8 ص128 و 126 ومسند أحمد ج6 ص296.
([359]) جامع البيان ج18 ص77.
([360]) المعجم الكبير ج23 ص111 و 117 ومجمع الزوائد ج9 ص236.
([361]) الأغاني (ط ساسي) ج4 ص12 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص163 عن ابن إسحاق.
([362]) السيرة الحلبية ج2 ص304.
([363]) المصنف للصنعاني ج10 ص162.
([364]) المغازي للواقدي ج2 ص437.
([365]) الأغاني ج4 ص11 ووفاء الوفاء ج3 ص962 و 963.
([366]) المصنف ج10 ص162.
([367]) البخاري كتاب الزكاة باب48، باب الزكاة على الأقارب، والسيرة الحلبية ج2 ص304 ووفاء الوفاء ج3 ص961، مع بعض الاختلاف، وسنن النسائي ج6 ص231 و 232 والروض الأنف ج4 ص22 وأخرجه مسلم، والراوندي، وأبو داود، والنسائي مختصراً.
([368]) الروض الأنف ج4 ص22 والسيرة الحلبية ج2 ص304 ووفاء الوفاء ج3 ص962 وسنن النسائي ج6 ص232.
([369]) وفاء الوفاء ج3 ص963.
([370]) مسند أبي يعلى ج8 ص335 ـ 338 وتاريخ الخميس ج1 ص479 وفتح الباري ج8 ص374 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص320.
([371]) راجع: مسند أبي يعلى ج8 ص335 ـ 338.
([372]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص320 وفتح الباري ج8 ص374.
([373]) فتح الباري ج8 ص374.
([374]) مغازي الواقدي ج2 ص790 والإصابة ج1 ص69 والسيرة الحلبية ج2 ص302.
([375]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص339.
([376]) فتح الباري ج8 ص374.
([377]) المعجم الكبير ج23 ص116 و 117.
([378]) السيرة الحلبية ج2 ص302 والروض الأنف ج4 ص23.
([379]) الروض الأنف ج4 ص24 والمعجم الكبير ج23 ص116 و 117.
([380]) الإستيعاب، بهامش الإصابة ج4 ص359 و 360 والمعجم الكبير ج23 ص116 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص236.
([381]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص359 و 360 والمعجم الكبير ج23 ص116 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص236.
([382]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص478والإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص340.
([383]) نكت الهميان ص136.
([384]) الدر المنثور ج5 ص37 عن الطبراني.
([385]) الدر المنثور ج5 ص35 عن سعيد بن منصور، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، عن ابن عباس، وجامع البيان ج18 ص83 والسيرة الحلبية ج2 ص306، عن الخصائص الصغرى، بمثل قول ابن عباس.
([386]) الكشاف ج3 ص223 وتفسير النيسابوري، بهامش الطبري ج18 ص69.
([387]) راجع: تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص69.
([388]) تفسير الكشاف ج3 ص223.
([389]) راجع: فتح الباري ج8 ص358 وتاريخ الخميس ج1 ص478 وإرشاد الساري ج7 ص269 والسيرة الحلبية ج2 ص298 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص313 والكامل في التاريخ ج2 ص197 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص267 والبداية والنهاية ج4 ص162.
([390]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص194.
([391]) الجمل ص157 و 158 و 412 وراجع (ط سنة 1413هـ) ص426، وراجع: المعجم الكبير ج23 ص111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج9 ص236.
([392]) الروض الأنف ج4 ص20، وليراجع: السيرة الحلبية ج2 ص298.
([393]) إرشاد الساري ج4 ص395.
([394]) النص موجود في الرواية في هذا المجلد.
([395]) مغازي الواقدي ج2 ص427.
([396]) فتح الباري ج8 ص362.
([397]) السيرة الحلبية ج2 ص294 و 305 و 306.
([398]) الأبيات مذكورة في مختلف المصادر، لكن نسبها إلى قائلها في التنبيه والإشراف ص216.
([399]) المعجم الكبير ج23 ص116 و 117 والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص359 و 360.
([400]) السيرة الحلبية ج2 ص305.
([401]) تفسير الميزان ج15 ص103.
([402]) الدر المنثور ج5 ص37 عن الطبراني.
([403]) راجع في التوجيه، وجوابه: تفسير الميزان، للطباطبائي ج15 ص102 و 103.
([404]) المرجع السابق.
([405]) الكشاف ج3 ص219 وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص64.
([406]) إرشاد الساري ج7 ص257 والسيرة الحلبية ج2 ص305.
([407]) أسد الغابة ج4 ص154 و 355 والإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص130 و 495، وقالا: إنه هو الأكثر، والإصابة ج3 ص408.
([408]) نكت الهميان ص136 والسيرة الحلبية ج2 ص302.
([409]) السيرة الحلبية ج2 ص304 عن الإمتاع.
([410]) الإصابة ج1 ص326 وصحيح مسلم ج7 ص62.
([411]) أسد الغابة ج2 ص6 والسيرة الحلبية ج2 ص303.
([412]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص341.
([413]) الإصابة ج4 ص349 ونكت الهميان ص134 و 135 وغرر الخصائص الواضحة ص355 وقاموس الرجال ج3 ص119 وأسد الغابة ج5 ص493 ومعاهد التنصيص ج1 ص74 وعن السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص246 وعن تاريخ ابن عساكر ج4 ص140.
([414]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص341 ونكت الهميان ص134 والمعارف لابن قتيبة ص136.
([415]) نكت الهميان ص135 وتهذيب الكمال ج6 ص24 وسير أعلام النبلاء ج2 ص521 والوافي بالوفيات ج11 ص272.
([416]) راجع: نكت الهميان ص135 والإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص341 ـ 343.
([417]) تاريخ الخميس ج1 ص475، عن أنوار التنزيل، وإرشاد الساري ج7 ص257 والسيرة الحلبية ج2 ص203.
([418]) السيرة الحلبية ج2 ص304 عن الإمتاع.
([419]) راجع: الجزء الثاني عشر من هذا الكتاب تحت عنوان (الباب الرابع: غزوة المريسيع، أحداث وقضايا).
([420]) إرشاد الساري ج7 ص262.
([421]) الكامل في التاريخ ج2 ص197 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص297 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص313 والبداية والنهاية ج4 ص162 ومغازي الواقدي ج2 ص431 وفتح الباري ج8 ص361.
([422]) شرح النهج للمعتزلي ج20 ص30.
([423]) تفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص68.
([424]) أشار إلى المعنيين العسقلاني في فتح الباري ج8 ص369.
([425]) النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص68.
([426]) أقرب الموارد ج1 ص439 ومن معاني العصبة: القوم والقبيلة. وراجع: فتح الباري ج4 ص347 وفي المفردات للراغب ص204، الرهط: العصابة دون العشرة، وقيل: يقال إلى الأربعين.
([427]) فتح الباري ج8 ص359 وجامع البيان ج18 ص76 رواية علقمة. والدر المنثور ج5 ص32، عن الطبري، وابن مردويه، وإرشاد الساري ج7 ص261.
([428]) البداية والنهاية ج4 ص160 وسيرة ابن هشام ج3 ص311 وفتح الباري ج8 ص352.
([429]) فتح الباري ج8 ص349.
([430]) فتح الباري ج8 ص349.
([431]) مغازي الواقدي ج2 ص428 وفتح الباري ج8 ص347.
([432]) راجع: المعجم الكبير ج23 ص117 و 118 و 123 و 124 وراجع أيضاً: مجمع الزوائد ج9 ص230 و 237 وراجع سائر المصادر التي قدمناها في فصل النصوص والآثار الحديث رقم3.
([433]) راجع: المعجم الكبير ج23 ص121 وفتح الباري ج8 ص355 عن الطبراني بسند صحيح، وإرشاد الساري ج4 ص393 والدر المنثور ج5 ص32 عن الطبراني، وابن مردويه.
([434]) راجع: الدر المنثور ج5 ص31 عن الطبراني، وابن مردويه.
([435]) راجع: الدر المنثور ج5 ص31، عن ابن مردويه، والطبراني، وإرشاد الساري ج7 ص270 والسيرة الحلبية ج2 ص296 وفتح الباري ج8 ص366.
([436]) راجع: المعجم الكبير ج23 ص120 ومجمع الزوائد ج9 ص230.
([437]) إرشاد الساري ج7 ص270 وفتح الباري ج8 ص366 والنووي شرح صحيح مسلم بهامش القسطلاني ج10 ص230.
([438]) فتح الباري ج8 ص347.
([439]) فتح الباري ج8 ص347 وما هو دليلك يا عسقلاني على أن قيمة الظفاري أكثر من ذلك أو أقل؟
([440]) فتح الباري ج8 ص364.
([441]) الدر المنثور ج5 ص32 عن البزار والسيرة الحلبية ج2 ص396 وفتح الباري ج8 ص366.
([442]) مغازي الواقدي ج2 ص33 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص315 والبداية والنهاية ج4 ص162 عنه، والكامل في التاريخ ج2 ص198 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص268 وفتح الباري ج8 ص365 والسيرة الحلبية ج2 ص296.
([443]) فتح الباري ج8 ص365 والمعجم الكبير ج23 ص72 و 168.
([444]) فتح الباري ج8 ص364.
([445]) السيرة الحلبية ج2 ص299.
([446]) المصدر السابق.
([447]) فتح الباري ج8 ص361 عن ابن التين.
([448]) فتح الباري ج8 ص362.
([449]) السيرة النبوية لابن هشام، والسيرة الحلبية ج2 ص300 وغير ذلك.
([450]) فتح الباري ج13 ص287.
([451]) أقرب الموارد ج1 ص23 وراجع: المفردات للراغب الأصفهاني ص29.
([452]) راجع: تاج العروس ج1 ص217 ولسان العرب ج11 ص38 والمفردات للراغب ص29.
([453]) راجع كتابنا: أهل البيت في آية التطهير (ط الثانية 1423هـ) ص40 ـ 44 عن كثير من المصادر.
([454]) راجع: المستدرك على الصحيحين ج2 ص416 وتلخيصه، وشواهد التنزيل ج2 ص82 و 88 والخصال ج2 ص403 والتبيان ج8 ص308 ومتشابه القرآن ومختلفه ج2 ص52 والبحار ج35 ص231 و 316 وجامع البيان ج22 ص7 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص483 ومشكل الآثار ج1 ص336 وتفسير فرات ص377 وغير ذلك.
([455]) راجع مصادره الكثيرة جداً في كتابنا: أهل البيت في آية التطهير (ط الثانية 1423هـ) ص36 و 51.
([456]) صحيح مسلم ج7 ص130 والدر المنثور ج5 ص199 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص486 وفتح القدير ج4 ص280 وكنز العمال (ط جديد) ج13 ص641 والمواهب اللدنية ج2 ص122 والتفسير الحديث ج8 ص261 والبرهان (تفسير) ج3 ص324 والصواعق المحرقة ص226 وراجع ص227 و 228 والسنن الكبرى ج2 ص148 وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص347 وسليم بن قيس ص104 ونور الأبصار ص110 وإسعاف الراغبين ص108 والإتحاف بحب الأشراف ص22 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص300 والبحار ج35 ص229 وكفاية الطالب ص53 وليس فيه عبارة: (نساؤه من أهل بيته) عن مسلم، وأبي داود، وابن ماجة. وفي هامشه عن: مسند أحمد ج4 ص366 وعن كنز العمال ج1 ص45 وعن مشكل الآثار ج4 ص368 وعن أسد الغابة ج2 ص12 وعن مستدرك الحاكم ج3 ص109 وراجع أيضاً: منهاج السنة لابن تيمية ج4 ص21 وتاريخ دمشق ج4 ص208.
([457]) منهاج السنة ج4 ص21.
([458]) صحيح مسلم ج7 ص123 والصراط المستقيم ج1 ص185 وتيسير الوصول ج2 ص161 والبرهان (تفسير) ج3 ص324 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص486 والطرائف ص122 والبحار ج35 ص230 وج23 ص117 والعمدة لابن بطريق ص35 والتفسير الحديث ج8 ص261 والتاج الجامع للأصول ج308 و 309 وخلاصة عبقات الأنوار ج2 ص64 عن دراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب ص227 و 231 وإحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص323 عن الجمع بين الصحيحين والصواعق المحرقة ص148 وعن جامع الأصول ج10 ص103.
([459]) الآية 33 من سورة الأحزاب.
([460]) أنساب الأشراف ج1 ص419.
([461]) وهي في المعجم الكبير ج23 ص111 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص236.
([462]) المعجم الكبير ج23 ص117 و 118 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص230.
([463]) راجع: المعجم الكبير ج23 ص111 و 117 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص237.
([464]) المصدران السابقان.
([465]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص268 ومغازي الواقدي ج2 ص434 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص315 وأسباب النزول للواحدي ص185 والدر المنثور ج5 ص33 و 34، عن ابن مردويه، وابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنـذر، وابـن أبي حـاتم، وابـن عسـاكـر، والحـاكـم، وفتح الباري ج8 = = ص359 وج13 ص287 عن ابن إسحاق، والحاكم، والطبراني، والآجري، وتاريخ الخميس ج1 ص477. وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص63 والكشاف ج3 ص218.
([466]) فتح الباري ج8 ص359 وج13 ص287، وجامع البيان.
([467]) فتح الباري ج13 ص287، عن الحاكم في الإكليل من طريق الواقدي.
([468]) الدر المنثور ج5 ص30 و 35 عن ابن أبي حاتم، والطبراني، وعن سنيد في تفسيره، وفتح الباري ج8 ص59 وج13 ص287.
([469]) الدر المنثور ج5 ص34 عن ابن سمي في فوائده، وفتح الباري ج3 ص287.
([470]) فتح الباري ج13 ص287.
([471]) السيرة الحلبية ج2 ص298.
([472]) فتح الباري ج8 ص355.
([473]) راجع: تأويل مختلف الحديث ص310 وراجع كتابنا: حقائق هامة حول القرآن ص235 و 236 ففيه مصادر كثيرة.
([474]) فتح الباري ج8 ص358 وإرشاد الساري ج7 ص261.
([475]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص55 وليراجع الإصابة ج1 ص49.
([476]) الإصابة ج1 ص49.
([477]) أسد الغابة ج1 ص92 والإصابة ج1 ص49.
([478]) الإمامة والسياسة ج1 ص11 وقاموس الرجال ج2 ص88 عنه، وعن الواقدي.
([479]) قاموس الرجال ج2 ص88 عن الطبري.
([480]) أسد الغابة ج1 ص92.
([481]) طبقات ابن سعد ج4 قسم2 ص38.
([482]) فتح الباري ج7 ص336 وقد تقدم نقله عن البخاري، في أوائل هذا البحث.
([483]) الدر المنثور ج5 ص32، عن البخاري، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي، وستأتي مصادر أخرى.
([484]) فتح الباري ج7 ص336.
([485]) فتح الباري ج7 ص336 والسيرة الحلبية ج2 ص302 والمعجم الكبير ج23 ص97.
([486]) فتح الباري ج7 ص337 والسيرة الحلبية ج2 ص302 و 303 وسير أعلام النبلاء ج5 ص229.
([487]) صحيح البخاري المطبوع بهامش فتح الباري ج7 ص336 وليراجع إرشاد الساري ج6 ص343 والدر المنثور ج5 ص32 عن البخاري وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي.
([488]) راجع: فتح الباري ج7 ص336 وإرشاد الساري ج6 ص343.
([489]) راجع: فتح الباري ج7 ص336 وإرشاد الساري ج6 ص343.
([490]) فتح الباري ج7 ص357.
([491]) أسد الغابة ج5 ص504.
([492]) راجع: مسند أحمد بن حنبل ج6 ص288 و 38 والجمل للشيخ المفيد (ط سنة 1413هـ) ص158 والسـنـن الكـبـرى ج1 ص3 والإحسـان ج8 ص198 = = والمستدرك على الصحيحين ج3 ص56 وطبقات ابن سعد (ط سنة 1405هـ) ج2 ص231 و 232.
وراجع: صحيح البخاري (ط سنة 1401هـ دار الفكر، بيروت) ج1 ص162 وصحيح مسلم (بشرح النووي) ج4 ص138 و 139 والصوارم المهرقة ص105 والإرشاد للمفيد ص194 وتاريخ الأمم والملوك (ط ليدن) ج1 ص1801 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص175.
([493]) أسد الغابة ج1 ص65.
([494]) راجع: قاموس الرجال ج1 ص468 و472.
([495]) أسد الغابة ج2 ص222 وقاموس الرجال ج4 ص239 و 240، وغير ذلك..
([496]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص239 و 240.
([497]) وإن كانت قد بذلت محاولة لجعل تزويج عائشة أيضاً من السماء، حيث أتاه جبرائيل ـ كما تقول هي ـ بسراقة من حرير.. ولكن موقف زينب أحكم وأقوى، لوجود نص قرآني في قضيتها، لا يمكن المراء والجدل فيه لأحد.
([498]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج14 ص23 وج9 ص194 فما بعدها، وكتاب: الصديقة بنت الصديق، للعقاد.
([499]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص23.
([500]) ولكن.. المصيبة العظمى هي: أننا سوف نخسر ـ بإسقاطنا حديث الإفك عن الاعتبار ـ عشرات الفوائد الفقهية فيه.. وقد ذكر جانباً منها العسقلاني في فتح الباري ج8 ص368 و 371.
([501]) تفسير القمي ج2 ص99 و 100 وص318 و 319 وتفسير البرهان ج3 ص126 و 127 وج4 ص205 وتفسير نور الثقلين ج3 ص581 و 582 عنه، وتفسير الميزان ج5 ص103 و 104 وفي تفسير القمي والبرهان في سورة الحجرات: أن آية: {إِنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} نزلت في هذه المناسبة، والبحار ج22 ص155.
([502]) تفسير الميزان ج15 ص104 وتفسير البرهان ج3 ص127 وج4 ص205 وتفسير القمي ج2 ص319 والبحار ج22 ص154.
([503]) علل الشرائع (ط مكتبة الطباطبائي سنة 1378هـ قم) ج2 ص267 والبحار ج22 ص242.
([504]) تفسير البرهان ج3 ص127، عن ابن بابويه والخصال ج2 ص120 و 126 والبحار ج22 ص154.
([505]) راجع قاموس الرجال ج3 ص279.
([506]) تفسير القمي ج2 ص318 و 319 والبحار ج22 ص153 و 154.
([507]) الركي: البئر.
([508]) صحيح مسلم (ط مشكول) ج8 ص119 ومستدرك الحاكم ج4 ص39 و 40، وراجع: البداية والنهاية ج4 ص273 والمحلى ج11 ص413 وتلخيصه للذهبي، نفس الصفحة والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص411 و 412 والإصابة ج3 ص334 والسيرة الحلبية ج3 ص312. وليراجع: أسد الغابة ج5 ص542 و 544 وج4 ص268 والكامل لابن الأثير ج2 ص313.
([509]) طبقات ابن سعد ج8 ص154 و 155 ومجمع الزوائد ج9 ص161، عن الطبراني في الأوسط.
([510]) طبقات ابن سعد ج8 ص155.
([511]) أنساب الأشراف ج1 ص450.
([512]) مستدرك الحاكم ج4 ص39 وتلخيصه للذهبي، هامش نفس الصفحة.
([513]) الظاهر أن الصحيح: فقلت ـ وأنا غيرى ـ : ما أرى شبهاً ـ كما يعلم من سائر المصادر.
([514]) الدر المنثور ج6 ص240، عن ابن مردويه. وراجع: الآحاد والمثاني ج5 ص448 والبداية والنهاية ج5 ص326 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص603.
([515]) قد تقدم هذا النص عن الحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه، والسيوطي عن ابن مردويه.
ونزيد هنا: طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص88 والبداية والنهاية ج3 ص305 وقاموس الرجال ج11 ص305 عن البلاذري وأنساب الأشراف ج1 ص450 والسيرة الحلبية ج3 ص309، من دون الفقرة الأخيرة من كلامها، وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص87، مع حذف كلمة "ما" من قولها: "ما أرى شبهاً" لكن المقصود معلوم من اعتراضه "صلى الله عليه وآله". وقد تكون قد قالت ذلك على سبيل السخرية أو الاستفهام الإنكاري.
([516]) أمالي السيد المرتضى ج1 ص77 وصفة الصفوة ج2 ص78 و 79 والبداية والنهاية ج3 ص304، وقال: إسناد رجاله ثقات، عن الإمام أحمد وكشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص188 و 189 ومجمع الزوائد ج4 ص329 وقال: رواه البزار وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس ولكنه ثقة وبقية رجاله ثقات، وقد أخرجه الضياء في أحاديثه المختارة على الصحيح. والبحار ج22 ص167 و 168.
([517]) الفائق ج1 ص287.
([518]) وفاء الوفاء ج3 ص826.
([519]) طبقات ابن سعد ج8 ص153 والإصابة ج4 ص405 ووفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص826 ولتراجع: البداية والنهاية ج3 ص303 و 304.
([520]) طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص86 والسيرة الحلبية ج3 ص309.
([521]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195.
([522]) دلائل الصدق ج3 قسم2 ص26 عن كنز العمال ج6 ص118 والرواية موجودة في مجمع الزوائد ج9 ص162 والسيرة الحلبية ج3 ص312 و 313 والإصابة ج3 ص335 عن ابن عبد الحكم في فتوح مصر، وكنز العمال ج14 ص97 عن ابن عساكر بسند حسن.
([523]) دلائل الصدق ج3 قسم2 ص26.
([524]) الإصابة ج3 ص335.
([525]) صحيح مسلم (ط مشكول) ج7 ص77 وفتح الباري ج3 ص140 وتاريخ الخميس ج2 ص146 وكنز العمال ج14 ص98 عن أبي نعيم.
([526]) المحلى ج11 ص413 و 414.
([527]) راجع أمالي السيد المرتضى ج77 ـ 79.
([528]) طبقات ابن سعد ج8 ص153 والإصابة ج4 ص405 وج3 ص334.
([529]) النووي على مسلم، هامش القسطلاني ج10 ص237.
([530]) الميزان ج15 ص104 و 105.
([531]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195.
([532]) راجع: فتح الباري ج3 ص140 ومستدرك الحاكم ج4 ص38 وتلخيصه، ووفاء الوفاء ج1 ص316 وذخائر العقبى ص153 ـ 155 وصفة الصفوة ج1 ص148 وأسد الغابة ج5 ص544 وطبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص86.
([533]) صفة الصفوة ج1 ص176 ومسند أحمد ج6 ص129 و 182 و 280 و 39 و 261 و 264 والسيرة الحلبية ج2 ص290 ومغازي الواقدي ج2 ص427 وسنن أبي داود ج3 ص30 ورواه النسائي، وابن ماجة. وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص386 عن أبي داود والنسائي وسبل الهدى والرشاد ج11 ص173 ومسند الطيالسي ج3 ص253 والمعجم الكبير للطبراني ج23= = ص47 ومسند أحمد رقم 2492 ومسند الحميدي رقم 261 وسنن ابن ماجة رقم 1979.
([534]) المواهب اللدنية ج1 ص109 وإرشاد الساري ج1 ص366 وفتح الباري ج1 ص366.
([535]) هذه الرواية ـ كرواية الإفك أيضاً ـ لا يكاد يخلو منها كتاب في الحديث والفقه، ومع ذلك نشير إلى: مصنف عبد الرزاق ج1 ص227 و 214 و 228 وصحيح مسلم ص192 وصحيح البخاري (ط الميمنية) ج1 ص46 و (ط مشكول) ج1 ص86 وج6 ص64 وسنن أبي داود ج1 ص86 وأسباب النزول للواحدي ص88 وتاريخ الخميس ج1 ص473 والسيرة الحلبية ج2 ص307 ومغازي الواقدي ج2 ص426 و 427 والمعجم الكبير ج23 ص49 و 50 وراجع ص121 و 122 ومسند أحمد ج6 ص179 وأبو داود رقم313 والنسائي ج1 ص163 و 164 وجامع البيان ج18 ص89 ـ 92 وج5 ص72. وطبقات ابن سعد ج2 ص65 وصفة الصفوة ج2 ص37 والثقات ج1 ص264 وحبيب السير ج1 ص359 وزاد المعاد ج2 ص112 والمحافل ج1 ص245 و 246 وشرحه للأشخر اليمني ج1 ص245 والمواهب اللدنية ج1 ص79 عن ابن عبد البر في التمهيد، وجزم به في الإستذكار، وسبقه إليه ابن سعد، وابن حبان، والجامع للقيرواني ص283 والتنبيه والإشراف ص216 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص506 ووفاء الوفاء ج1 ص300 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص267 والدر المنثور ج2 ص67 عن ابن مردويه، والبيهقي، وغير ذلك كثير.. وعدد ممن ذكرنا كالواقدي وغيره قد نص على: أن هذه القضية كانت في غزوة المريسيع.
([536]) راجع: المواهب اللدنية ج1 ص109 وتاريخ الخميس ج1 ص473 ووفاء الوفاء ج1 ص314 وإرشاد الساري ج1 ص365 وفتح الباري ج1 ص365.
([537]) تاريخ الخميس ج1 ص473 والمواهب اللدنية ج1 ص109.
([538]) مغازي الواقدي ج2 ص426 و 427.
([539]) المواهب اللدنية ج1 ص109.
([540]) المواهب اللدنية ج1 ص109 وتاريخ الخميس ج1 ص473.
([541]) شرح بهجة المحافل ج1 ص246.
([542]) المواهب اللدنية ج1 ص109 وتاريخ الخميس ج1 ص473 وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص246.
([543]) تاريخ الخميس ج1 ص473 والمواهب اللدنية ج1 ص109، وراجع: شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص246.
([544]) تاريخ الخميس ج1 ص473 عن خلاصة الوفاء، وشرح بهجة المحافل ج1 ص246.
([545]) شرح بهجة المحافل ج1 ص246.
([546]) شرح بهجة المحافل ج1 ص246.
([547]) الدر المنثور ج2 ص167.
([548]) راجع البخاري في تفسير سورة المائدة.
([549]) المواهب اللدنية ج1 ص109 وفتح الباري ج1 ص368 وتاريخ الخميس ج1 ص474.
([550]) تاريخ الخميس ج1 ص473 والمواهب اللدنية ج1 ص109.
([551]) السيرة الحلبية ج2 ص309 والدر المنثور ج2 ص165 عن الطبراني في سننه ومعجمه، والضياء في المختارة، والبيهقي في سننه، والبارودي في الصحابة، وأبي نعيم في المعرفة، والطحاوي في مشكل الآثار، والقاضي إسماعيل في الأحكام، والحسن بن سفيان في مسنده، وعبد بن حميد، والدارقطني، وابن سعد، وابن جرير، والبغوي.
([552]) الدر المنثور ج2 ص166، عن ابن جرير.
([553]) الدر المنثور ج2 ص166 عن ابن المنذر، وابن أبي حاتم..
([554]) الدر المنثور ج2 ص166 عن ابن المنذر، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وعبد بن حميد، والبيهقي عن ابن عباس..