الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج10
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني:
حدث وتشريع
ماذا في هذا الفصل؟!
إننا لاستكمال الحديث عن الأمور المرتبطة بغزوة ذات الرقاع نتحدث في هذا الفصل عن عدة أمور بالترتيب التالي:
1 ـ إنهم يقولون: إن صلاة الخوف قد شرعت في غزوة ذات الرقاع، وصلاها النبي "صلى الله عليه وآله" بأصحابه فيها، وهي أول صلاة خوف في الإسلام.
ونحن نرى: أن ذلك غير سليم، وأن صلاة الخوف قد شرعت في الحديبية، وهي قبل ذات الرقاع.
بل قد يقال: إنها قد شرعت قبل الحديبية أيضاً.
2 ـ ثم نشير إلى الاختلافات الواردة في كيفية صلاة الخوف.
3 ـ ونتحدث أيضاً بإجمال عما يقال عن عدم صلاة الخوف في غزوة الخندق، لأنها لم تكن شرعت آنئذٍ..
4 ـ ثم نعقب ذلك بفلسفة تحليلية لتشريع صلاة الخوف في حدود ما تسمح به المناسبة.
5 ـ ثم نتوجه إلى الحديث عن قصر الصلاة، حيث يقال: إن ذلك قد حدث في غزوة ذات الرقاع أيضاً.
6 ـ ثم نستطرد في الحديث إلى موضوع آخر يرتبط بقصر الصلاة، وهو ما اشترطته الآية للقصر، من كونه في مورد خوف الفتنة، وذلك من أجل بيان المراد من هذا الشرط، ثم المبرر لإدراجه في الآية الشريفة.
7 ـ ولا ننسى أن نستطرد أيضاً إلى موضوع قصر عثمان للصلاة في منى وعرفات في أيام الحج، وما نشأ عن ذلك وما انتهى إليه.
ونذكر أيضاً: أعذاراً وتوجيهات لهذا الأمر لا يمكن أن تصح، ولا يصح الاعتماد عليها.
8 ـ ثم نختم الحديث عن هذا الموضوع بالإشارة إلى أن القصر في السفر رخصة أم عزيمة؟ من أجل أن يتضح المقصود من آية القصر، حيث إن الحديث عن القصر فيها إنما هو بصيغة: ليس عليكم جناح أن تقصروا.
9 ـ وأما الحديث عن أن آية التيمم قد نزلت في غزوة ذات الرقاع أيضاً فنرجئه إلى الحديث عن غزوة المريسيع بعد الخندق، حيث يتم التعرض له هناك إن شاء الله تعالى..
هذه خلاصة ما سوف نتحدث عنه في هذا الفصل. وأنت ترى: أنه كله حديث عن تشريعات ادُّعي أنها قد حصلت في غزوة ذات الرقاع، ثم استطرادات مفيدة في نطاق الحديث عن هذه التشريعات.
ونحن نرجو أن يكون فصلاً مفيداً للقارئ وممتعاً له في نفس الوقت.. فإلى ما يلي من مطالب، ومن الله نستمد العون والقوة، وعليه نتوكل..
صلاة الخوف:
يقال: إن صلاة الخوف قد شرعت في غزوة ذات الرقاع، حيث إنه "صلى الله عليه وآله" في هذه الغزوة واجه جمعاً من الأعداء "فتقارب الجمعان، ولم يكن بينهما حرب. وقد خاف بعضهم بعضاً، من غير أن يغيروا عليهم، فصلى بهم النبي "صلى الله عليه وآله" صلاة الخوف، ثم انصرف بالناس"([1]).
وهي أول صلاة خوف في الإسلام([2]).
ونقول:
إننا نسجل هنا ما يلي:
1 ـ قولهم: إنها أول صلاة خوف صليت في الإسلام لا تؤيده الروايات على اختلافها؛ فقد ذكروا ـ وإن كنا قد رددنا ذلك فيما يأتي ـ: أن صلاة الخوف إنما شرعت في غزوة بني النضير([3]) وهي قبل غزوة ذات الرقاع قطعاً.
2 ـ ومن جهة أخرى ثمة روايات تقول: إن آيات صلاة الخوف قد نزلت في غزوة عسفان، فصلى بهم النبي "صلى الله عليه وآله" صلاة الخوف.
وفي رواية الترمذي وابن جرير: أن جبرئيل هو الذي علَّم النبي "صلى الله عليه وآله" كيف يصليها، وذلك بين ضجنان، وعسفان. وعسفان كانت بعد الخندق([4]).
3 ـ وسأل سليمان اليشكري جابر بن عبد الله عن إقصار الصلاة أي يوم أنزل؟.
فقال جابر بن عبد الله: وعير قريش آتية من الشام، حتى إذا كنا بنخل..
ثم ذكر ما جرى، وصلاة النبي "صلى الله عليه وآله" بهم صلاة الخوف، ثم قال: فأنزل الله في إقصار الصلاة([5]).
ولكن قال ياقوت: "إن نخلاً موضع بنجد، من أرض غطفان مذكور في غزاة ذات الرقاع"([6]).
وعن السمهودي، أنه قال: "حتى نزل نخلاً، وهي غزوة ذات الرقاع"([7]).
وقال السمهودي أيضاً: "وكأن أبا حاتم رأى اتحادهما، فلم يذكر ذات الرقاع، وهي بنخل عند بعضهم، فلذلك لم يذكرها أيضاً"([8]).
ونقول: إن هذا اشتباه واضح، فإن نخلاً إذا كانت بنجد لم يكن ثمة مناسبة بينها وبين عير قريش الآتية من الشام، فالمراد إذن هو النخل التي من جهة الشام دون سواها.
4 ـ وعن مجاهد أنه قال: بالنسبة لصلاة الخوف في عسفان: "فلم يصل رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلاة الخوف قبل يومه، ولا بعده"([9]).
5 ـ عن جابر قال: غزا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ست غزوات قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة([10]).
فالقول بأنها في ذات الرقاع، وذات الرقاع في السنة الرابعة، لا يصح.
الرواية الأقرب إلى القبول:
والمعتمد عندنا في هذا المجال هو: الرواية التي رواها علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الإمام الصادق "عليه السلام": "فإنها نزلت لما خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الحديبية، يريد مكة، فلما وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في ماءتي فارس كميناً يستقبل رسول الله "صلى الله عليه وآله" [فكان يعارض رسول الله] على الجبال.
فلما كان في بعض الطريق، وحضرت صلاة الظهر، فأذن بلال، فصلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالناس.
فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم، فإنهم لا يقطعون صلاتهم، ولكن تجيء لهم الآن صلاة أخرى هي أحب إليهم من ضياع أبصارهم، فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم.
فنزل جبرئيل "عليه السلام" على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بصلاة الخوف في قوله: ?وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ..?([11]).
ولا يعارض ذلك ما رواه ابن بابويه في الفقيه بسند صحيح إلى عبد الرحمن بن أبي عبد الله: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صلى بأصحابه صلاة الخوف في ذات الرقاع; فإن هذه الرواية ليس فيها: أن جبرئيل قد نزل بصلاة الخوف آنئذٍ، ولا أن الآية قد نزلت أيضاً في غزوة ذات الرقاع. وإن كان الإمام "عليه السلام" بعد أن ذكر كيفية صلاته "صلى الله عليه وآله" بأصحابه صلاة الخوف، قد أورد الآية، مظهراً بذلك موافقة فعل النبي "صلى الله عليه وآله" لمضمونها، فراجع([12]).
فتشريع صلاة الخوف قد كان في الحديبية التي كانت في سنة ست ثم صلاها "صلى الله عليه وآله" مرة أخرى بأصحابه في غزوة ذات الرقاع، التي كانت في السنة السابعة حسبما قدمنا.
كيفية صلاة الخوف:
قد اختلفت رواياتهم في كيفية صلاة الخوف التي صلاها رسول الله "صلى الله عليه وآله" في مغازيه، حتى ليقول البعض:
"قد رويت صلاة الخوف على ست عشرة صورة كلها سائغ فعله"([13]).
وقال آخر: "ووراء ذلك من الكيفيات المتباينات، والخلافات المتعددات بحسب اختلاف الروايات، ما يطول ذكره، ويعز حصره"([14]).
وقد أغنانا ذلك عن ذكر التناقضات الكثيرة والاختلافات الفاحشة بين الروايات المختلفة.
والحل الأمثل: هو الرجوع إلى أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، فإنهم هم أحد الثقلين اللذين لن يضل من تمسك بهما، وهم سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى.
وقد ذكروا: أن صلاة الخوف في ذات الرقاع كانت قصراً([15]).
صلاة الخوف في غزوة الخندق:
وقد زعم البعض: أن صلاة الخوف لم تكن شرعت في غزوة الخندق، وإلا لكان صلاها حينئذٍ، لأنهم حبسوه عن صلاة الظهرين والعشاءين فصلاهن جميعاً، وذلك قبل نزول صلاة الخوف([16]).
ونقول:
إن هذا الاستدلال لا يصح: إذ لعل العدو كان في جهة القبلة فصلاها المسلمون إيماء أو كان الوضع الحربي لا يسمح بالصلاة جماعة بسبب تلاحم المقاتلين، والمناوشة بينهم، حيث يكفي في هذه الحالة التهليل والتسبيح، والتحميد، والدعاء، كما حدث في صفين ليلة الهرير([17]).
وسيأتي: عدم صحة ما يذكرون حول هذا الأمر في موضعه إن شاء الله تعالى..
صلاة الخوف لماذا؟!:
ولربما يراود ذهن البعض سؤال: عن السبب في الإصرار على الصلاة جماعة حتى في حال الحرب، إذ أن بالإمكان أن يصلي المسلمون فرادى متفرقين، مع الاحتفاظ بمواجهة العدو بالكثرة العددية في ساحة القتال. خصوصاً مع اتساع الوقت لأداء الصلاة بصورة متوالية من العناصر، بحيث لا يخل ذلك بالحالة التي يتخذونها تجاه العدو بهدف إرهاقه، أو دفع شره.
وللإجابة على هذا السؤال: لا بد لنا من الإشارة إلى أن هذا أمر مقصود لله عز وجل، لأنه يمثل مطلباً أساسياً في أكثر من اتجاه.
فهو من جهة يمثل إصرار المسلمين على الجهر بمعتقداتهم، وممارسة حقهم بحرية التعبير عنها، وحرية ممارسة شعائرهم الدينية. رضي الناس ذلك أم أبوا.
كما أنه يمثل إظهاراً للالتزام بالقيادة المثلى، والاقتداء بها، والتلاقي عليها ومعها لتكون رمز وحدة الأمة، من خلال وحدة الهدف، ثم وحدة الموقف، وانتهاءً بوحدة المصير.
ومن جهة أخرى: فإن هذا المظهر العبادي الوحدوي التنظيمي ووحدة الشعار، لا بد أن يثير لدى الأعداء أكثر من سؤال يرتبط بالموقف السياسي والعسكري، الذي يتخذه ذلك العدو، ويتحرك ويتعامل معهم على أساسه ومن خلاله، حتى إذا ما راجع حساباته في هذا السبيل، فلسوف يجد أنه لم يكن منطقياً، ولا منصفاً في عدائه لهم، ولا في مواقفه منهم، التي اتخذها انطلاقاً من عدم قناعته بما اقتنعوا به، أو فقل: من عدم قبوله بما هم عليه. فهل عدم اقتناع شخص بأفكار، ومعتقدات، وقناعات، شخص آخر، يعطيه الحق في تدمير ذلك الشخص واستئصاله من الوجود؟!..
وهل إذا قال هؤلاء: ربنا الله، وليس الصنم الفلاني، يستحقون أن يواجهوا بالحرب وبالحرمان وبالقطيعة، وبجميع أشكال الاضطهاد والتنكيل؟!.
إن صلاة الخوف هذه لسوف تقنع هذا العدو بالذات أن ما يحاربهم من أجله، ويصرون هم عليه، إنما يعنيهم هم أولاً وبالذات، وليس له هو حق في اتخاذ أي موقف سلبي منهم لأجل أمر يخصهم ويرجع إليهم، فـ ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?([18]) فإن الدين يقوم على أساس القناعات وعلى أساس المشاعر، وعقد القلب، وإحساسه بالأمن، واستشعاره الإيمان.
ولا يمكن أن يفرض هذا على أحد، ولا يتحقق الإكراه فيه.
ولا يملك أحد أن يصادر حرية الآخرين في أن يعتقدوا ما شاؤوا، ولا يمكنه أن يمنعهم من ممارسة كثير مما يريدون ممارسته.
بل إن هذا يخضع للمنطق وللبرهان وللدليل أولاً، مع إعطاء دور رئيس لتكوّن عامل الثقة، والصراحة والصدق والإنصاف، والحرية، وغير ذلك مما هو ضروري في مجال التحرك الواعي والمسؤول في مجال الدعوة لتحقيق الاستجابة الحقيقية والواعية والمسؤولة.
فصلاة الخوف شعار، وموقف، وبلاغ، ودعوة، وتصميم، ووحدة، وخلوص، والتفاف حول القيادة، وتربية، وتعليم، وتحد، ثم هي حرب نفسية وسلاح قاطع.
وليس ثمة رسالة أبلغ منها للعدو، ليعرف أن هؤلاء الناس قد بلغوا من إصرارهم على مواقفهم، وتمسكهم بمبادئهم، وفنائهم فيها، حداً يجعلهم يرون قضيتهم، ودينهم ودعوتهم، هي الأهم من كل شيء، وأن حياتهم، وكل شيء يملكونه لا بد أن يكون لها ومن أجلها، وفي سبيلها، وهم يمارسون ذلك عملاً، ويقدمون على البذل والعطاء في سبيله، بكل رضاً ومحبة، وصفاء وسخاء.
ومن جهة ثانية: إن ذلك يؤكد للإنسان المسلم مدى أهمية الصلاة، حتى إنها لا تترك بحال، حتى للغريق المشرف على التلف، وحتى للمقاتل الذي يواجه الأخطار الكبرى على حياته ووجوده..
وتأتي الصلاة في هذه الحال بالذات ـ حال الخوف ـ لتربط الإنسان بمصدر الأمن، والسلام، والطمأنينة للقلوب، وانسجام المشاعر وتلاقيها، ليعيش الإنسان في الآفاق الملكوتية روح الطهر والخلوص، ليصبح قادراً على التخلص مما يربطه بهذه الدنيا، ويشده إلى الأرض ليخلد إليها، ويحجبه ذلك عن مصدر القدرة، وعن الانطلاق في رحابه، وفي آفاق ملكوته، ومعاينة آلائه، وتلمسها، والتصديق بها.
قصر الصلاة:
وقالوا: إن الصلاة قد قصرت في غزوة ذات الرقاع([19]) حيث نزل قوله تعالى: ?وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً?([20]).
ونقول:
إن الكلام هنا في عدة جهات، نذكر منها ما يلي:
1 ـ تاريخ قصر الصلاة:
إن القول: بأن ذلك كان في غزوة ذات الرقاع، تقابله الرواية التي تقول: إن ذلك قد كان في غزوة عسفان.
فقد روي: "عن مجاهد، في قوله: ?فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ?([21])، قال: أُنزلت يوم كان النبي "صلى الله عليه وآله"، والمشركون بضجنان، فتوافقوا فصلى النبي "صلى الله عليه وآله" بأصحابه صلاة الظهر أربعاً، ركوعهم وسجودهم، وقيامهم معاً جمعاً. فهمّ بهم المشركون أن يغيروا على أمتعتهم، وأثقالهم، فأنزل الله: ?فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ?([22]).
فصلى العصر، فصف أصحابه صفين ثم كبر بهم جميعاً، ثم سجد الأولون لسجوده، والآخرون قيام لم يسجدوا حتى قام النبي "صلى الله عليه وآله" ثم كبر بهم وركعوا جميعاً، فتقدم الصف الآخر، واستأخر الصف المتقدم، فتعاقبوا السجود كما فعلوا أول مرة، وقصر العصر إلى ركعتين"([23]).
ونقول:
إن هذه الرواية صريحة في أن آية قصر الصلاة قد نزلت بعد أو حين تشريع صلاة الخوف، وثمة روايات أخرى يظهر منها أنهم يتحدثون عن آية القصر ويقصدون منها صلاة الخوف فقط([24])، ولعل هذا قد نشأ عن كونهما قد نزلتا في زمان واحد.
وقد تقدم: أن صلاة الخوف قد شرعت في الحديبية، ثم صلاها النبي "صلى الله عليه وآله" في ذات الرقاع، التي كانت بعدها، فمعنى ذلك: أن قصر الصلاة قد شرع في الحديبية أيضاً، أو بعدها وذلك واضح لا يحتاج إلى بيان.
لكن ثمة رواية تقول: إن نزول الآية، وتشريع صلاة القصر قد كان قبل نزول آية صلاة الخوف بسنة ; فشرع القصر على لسان رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حين سأله تجار يضربون في الأرض عن كيفية صلاتهم، فراجع([25]).
فيكون تشريع القصر، قبل غزوة الحديبية بسنة!
القصر في حالتي الأمن والخوف:
ومن الأمور التي تساءل بعض الناس عنها هو: أن آية القصر إنما تتحدث عن إيجاب القصر بشرط خوف الفتنة من قِبَل الذين كفروا، مع أن القصر ثابت مع خوف الفتنة وبدونه.
وقد حاول البعض الهروب من هذا الإشكال بدعوى: أن القصر لم يذكر في القرآن أصلاً([26]).
وبعض آخر: كعائشة، وسعد بن أبي وقاص، ادعوا: أن الواجب هو القصر في حال الخوف فقط، أما في حال الأمن، فكانا يتمان في السفر([27]).
وروي عن عائشة خلاف ذلك أيضاً([28]).
وقد يحلو للبعض أن يدعي: أن القرآن قد نسخ بالسنة، حيث إن القرآن نص على القصر في حالة الخوف، ثم نسخ ذلك بقول النبي "صلى الله عليه وآله"، حيث جعله "صلى الله عليه وآله" في مطلق السفر([29]).
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.
ونقول:
إن مجرد كون القرآن قد نص على القصر في مورد خوف الفتنة، ثم جاء تعميم ذلك إلى مطلق السفر على لسان النبي "صلى الله عليه وآله"، لا يوجب اعتبار ذلك من قبيل نسخ القرآن بالسنة، إذ قد يكون القرآن قد ذكر لهم ما كان محلاً لابتلائهم، أو أورد ذلك مورد الغالب؛ فإذا كان القرآن قد بيَّن قسماً مما يجب فيه القصر، ثم بينت السنة باقي الموارد، فليس ذلك من قبيل النسخ، بل هو إما من باب إلقاء الخصوصية، أو من باب التعميم، والتتميم، إذ ليس فيه إلغاء للحكم الثابت بالقرآن.
وقد أشارت الروايات إلى ذلك أيضاً، فقد روي: أن يعلى بن أمية قال لعمر بن الخطاب: ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا، وقد أمن الناس.
فقال له عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن ذلك؛ فقال: صدقة تصدق الله عليكم، فاقبلوا صدقته([30]).
وعن أبي العالية، قال: "سافرت إلى مكة، فكنت أصلي بين مكة والمدينة ركعتين، فلقيني قراء أهل هذه الناحية، فقالوا: كيف تصلي؟!
قلت: ركعتين.
قالوا: أسنة أو قرآن؟!
قلت: كل ذلك سنة وقرآن. صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ركعتين.
قالوا: إنه كان في حرب.
قلت: قال الله: ?لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاء اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ?([31]).
وقال: ?وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ?([32]) فقرأ حتى بلغ: ?فَإِذَا اطْمَأنَنتُمْ?([33])"([34]).
إتمام عثمان للصلاة في منى وعرفات:
ومن الأمور التي طعن بها الصحابة والمسلمون على عثمان بن عفان([35]): أنه أتم الصلاة بمنى وبعرفات، فخالف بذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله"، الذي قصر الصلاة فيهما، وكذلك أبو بكر وعمر، وعثمان نفسه عدة سنوات أيام خلافته([36]).
الصامدون والمتزلفون:
وقد كان ابن عمر بعد أن يتم خلف عثمان، يعيد صلاته بعد أن يرجع إلى بيته([37]) أما ابن مسعود الذي اعترض على عثمان، لفعله ذاك، فإنه عاد فصار يصلي أربعاً، بحجة أن الخلاف شر([38]) وكذلك تماماً كان من عبد الرحمن بن عوف، فإنه ناقش عثمان أولاً، ثم تابعه وعمل بعمله أخيراً([39]).
ولكن علياً أمير المؤمنين "عليه السلام" وحده الذي أصر على الرفض، فقد روي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: اعتل عثمان وهو بمنى، فأتى علي، فقيل له: صل بالناس.
فقال: إن شئتم صليت لكم صلاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، يعني ركعتين.
قالوا: لا، إلا صلاة أمير المؤمنين ـ يعني عثمان ـ أربعاً. فأبى([40]).
معاوية والأمويون، وسنة عثمان:
ولكن معاوية حين قدم حاجاً صلى الظهر ركعتين، فجاءه مروان بن الحكم، وعمرو بن عثمان فقالا له: "ما عاب أحد ابن عمك بأقبح مما عبته به.
فقال لهما: وما ذاك؟!
قالا: له: ألم تعلم أنه أتم الصلاة بمكة؟
قال: فقال لهما: ويحكما، وهل كان غير ما صنعت؟ قد صليتهما مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومع أبي بكر، وعمر.
قالا: فإن ابن عمك قد أتمها، وإن خلافك إياه له عيب.
قال: فخرج معاوية إلى العصر، فصلاها بنا أربعاً"([41]).
وقال ابن عباس، بعد أن ذكر صلاة عثمان شطراً من خلافته قصراً: "ثم صلاها أربعاً، ثم أخذ بها بنو أمية"([42]).
أعذار لا تصح:
قد ذكروا أعذاراً كثيرة للخليفة، ونحن نختار منها نموذجاً، ونحيل القارئ في الباقي إلى المصادر فنقول:
1 ـ لقد اعتذر الخليفة نفسه بأنه إنما فعل ذلك لأنه تأهل بمكة لما قدمها([43]).
وقال العسقلاني: "هذا الحديث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده الخ.."([44]).
ويرده أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يسافر بزوجاته، ويقصر([45]).
وقال العلامة الأميني: "ما المسوغ له ذلك، وقد دخل مكة محرماً؟ وكيف يشيع المنكر، ويقول: تأهلت بمكة مذ قدمت؟ ولم يكن متمتعاً بالعمرة ـ لأنه لم يكن يبيح ذلك أخذاً برأي من حرمها كما يأتي تفصيله ـ حتى يقال: إنه تأهل بين الإحرامين، بعد قضاء نسك العمرة، فهو لم يزل كان محرماً من مسجد الشجرة، حتى أحل بعد تمام النسك بمنى"..
إلى أن قال: "وقد صح من طريق عثمان نفسه عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" من قوله: "لا يَنْكِحُ المحرم، ولا يُنْكِحُ، ولا يخطب"([46]).
ثم ذكر "رحمه الله" نصوصاً أخرى: حول عدم جواز التزوج حال الإحرام فلتراجع([47]).
هذا بالإضافة: إلى أنه لا معنى للحكم بالإتمام للمسافر إذا تزوج امرأة في بلد ما لأن المرأة هي التابعة للرجل وليس العكس.
ولو كان حكم عثمان الإتمام لأنه تزوج امرأة هناك، فلماذا يتم سائر الناس الذين يأتمون به؟! ولماذا يصر على علي "عليه السلام" بالإتمام حينما أراده على الصلاة مكانه؟!
ولماذا يصرون على معاوية بالعمل بسنة عثمان، ثم يستمر بنو أمية على ذلك؟!
ولماذا يصلي ابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف بأصحابه تماماً، لأن الخلاف شر؟!
ولماذا؟. ولماذا؟!..
2 ـ وثمة عذر آخر، وهو أنه إنما أتم في منى وعرفة، لأنه كان له مال بالطائف([48]).
وهو اعتذار لا يصح أيضاً، لأن وجود ملك أو دار في مكة فضلاً عن الطائف لا يوجب الإتمام. وقد قصر الصحابة الذين حجوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم يأمرهم النبي "صلى الله عليه وآله" بالإتمام، ولا أتموا بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"([49]).
هذا بالإضافة إلى أن الذين ائتموا به لم يكن كلهم لهم أملاك هناك.
ولماذا يصر هو على علي "عليه السلام"، ويصر بنو أمية على الإتمام بعد ذلك؟! ولماذا؟! ولماذا؟!
3 ـ واعتذر أيضاً بأنه خاف أن يظن أهل اليمن والأعراب المقيمون: أن الصلاة للمقيم ركعتان([50]).
ولكن هذا العذر غير مقبول أيضاً، إذ قد كان يمكن تعليم الناس على الحكم الشرعي بأسلوب آخر.
كما أن هذا الفعل قد يوجب أن يظن أهل اليمن، والأعراب: أن الصلاة في السفر أربع ركعات.
أضف إلى ذلك: أن رسول الله لم يفكر في تعليم الناس بهذه الطريقة، مع أنه كان يوجد في زمنه أعراب، وكان أهل اليمن يحجون في عهد أسلاف عثمان أيضاً.
وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لأهل مكة، بعد أن صلى ركعتين: "أتموا الصلاة يا أهل مكة فإنا سفر أو قال: يا أهل البلد صلوا أربعاً فإنا سفر"([51]).
وروي أن عمر أيضاً كان يفعل ويقول ذلك فراجع([52]).
4 ـ إن منى أصبحت قرية وصار فيها منازل، فتأول عثمان أن القصر إنما هو في حال السفر([53]).
ونقول:
معنى هذا: أن عثمان كان لا يعرف حكم القصر، وأنه كان يظن أن القصر إنما يجب في حال المشي في الصحراء فقط، فإذا بلغ المسافر قرية ونزل فيها، فإنه يتم حينئذٍ، مع أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قصر في مكة نفسها، وقد كانت مكة بلداً كبيراً ومعموراً أكثر من منى وعرفات بمراتب.
5 ـ إنه أقام بها ثلاثاً والمقيم يتم([54]).
وهو عذر واه إذ إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أقام في مكة ما يقرب من عشرة أيام، ولم يزل يصلي فيها قصراً([55]).
6 ـ إنه كان قد نوى الإقامة بعد الحج، والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة ثم بدا له بعد ذلك([56]).
وعلى حسب نص آخر: أنه قد نوى الإقامة بعد الحج([57]).
والجواب عن ذلك:
أولاً: ما قاله العسقلاني من أن سنده مرسل.
ثانياً: إن الإقامة في مكة على المهاجرين حرام([58]).
ثالثاً: ولو صح ذلك أيضاً، فلماذا يتم سائر الناس؟.
ولماذا يقتدي به الأمويون؟
ولماذا يصر هو على علي "عليه السلام" بالإتمام؟!
ولماذا كان قصر معاوية عيباً له، ولماذا؟ ولماذا؟!
7 ـ إن الإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته، فكأنه وطنه([59]). والأسئلة الآنفة الذكر آتية هنا. هذا بالإضافة إلى أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان إمام الخلائق، فلماذا لم يتم؟!([60]).
وقد قصر أبو بكر وعمر، وعثمان نفسه شطراً من ولايته.
8 ـ إن التقصير في السفر رخصة لا عزيمة([61]) كما اعتذر به المحب الطبري.
ونقول:
أولاً: إن ذلك لا يصح، بسبب ورود أحاديث كثيرة دالة على أن التقصير في السفر حكم إلزامي، ولا يجزي الإتمام عنه، بل لا بد من إعادة الصلاة لو صلى تماماً في موضع القصر عمداً([62]).
ثانياً: لو كان ذلك رخصة فلماذا يصر عثمان على الإتمام، حينما طلب من علي أمير المؤمنين أن يصلي بالناس؟! ولماذا يصر الأمويون بعد ذلك على العمل بسنة عثمان، وترك سنة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!.
ثالثاً: لماذا يصر عثمان على الإتمام في هذا المورد بالذات، دون سائر الأسفار؟.
ولماذا ينكر عليه الصحابة ذلك، ويعترضون عليه فيه؟!
ولماذا لم يعتذر هو بهذا العذر لهم بالذات ليسكتهم عنه؟! بل اعتذر عن ذلك بأنه رأي رآه([63]).
التقصير رخصة أم عزيمة:
قد تخيل البعض أن القصر في السفر رخصة، ولعل منشأ فهمهم هذا هو أن الآية قد قررت ذلك بعبارة: ?فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ?([64]).
قال العامري:
"ظاهرها يدل على أن رخصته مشروطة بالخوف، ودلت السنة على الترخيص مطلقاً..
إلى أن قال: ثم لا يبعد أن يبيح الله الشيء في كتابه بشرط، ثم يبيحه على لسان نبيه بانحلال ذلك الشرط، الخ.."([65]).
وقد قال بعض الفقهاء: بأن التقصير رخصة، فراجع([66]).
ولكن هذا التخيل مردود.
أولاً: للأخبار الكثيرة الدالة على أن التقصير في السفر عزيمة وليس رخصة، وكلام الرسول مفسر للقرآن، ومبين لمعناه، وقد ذكر العلامة الأميني "رحمه الله" طائفة منها([67]).
ثانياً: لقد كان من الواضح: أن الكثيرين سوف لن تطيب نفوسهم بترك ركعتين من الصلاة، ويرون في هذا الأمر تضييعاً للأهداف الإلهية وتساهلاً في امتثال أوامره تعالى، فجاء التعبير بلا جناح ليدفع هذا الوهم، وليطمئنهم إلى أنه لا غضاضة عليهم، لو فعلوا ذلك، ولا نقص ولا حرج فيه.
نزول آية التيمم:
وقالوا في هذه الغزوة: نزلت آية التيمم([68]).
وقيل: بل شرع التيمم في غزوة بني المصطلق.
وقيل: في غزوة أخرى([69]).
ونحن نرجئ الحديث عن ذلك إلى غزوة بني المصطلق؛ فإلى هناك.
الفصل الثالث:
عظات وكرامات أو سياسات إلهية
ماذا في هذا الفصل؟!
وهذا الفصل يتعلق ببعض ما يقال: إنه حصل في ذات الرقاع، وهي الأمور التالية:
1 ـ إلقاء الأضواء على قضية شراء النبي "صلى الله عليه وآله" جملاً من جابر بن عبد الله الأنصاري، وذلك في طريق العودة من هذه الغزوة، وظهور كرامة للنبي "صلى الله عليه وآله" بالنسبة لاستعادة ذلك الجمل قوته، بعد أن كان في آخر الركب.
ثم سوغ "صلى الله عليه وآله" جابراً الجمل وثمنه. بالإضافة إلى حديث جرى بين النبي "صلى الله عليه وآله" وجابر في طريق العودة إلى المدينة.. ثم إلقاء الأضواء على القيمة الحقيقية لهذين الحدثين بالمقدار الذي يسمح لنا به المجال.
2 ـ ثم نتحدث عن قضية أخرى لجابر مع النبي "صلى الله عليه وآله"، ترتبط بقضاء دين كان على عبد الله والد جابر، وهي قضية مثيرة وقد تحدثنا عن بعض دلالاتها الهامة بصورة موجزة أيضاً.
3 ـ ونذكر أيضاً ما قاله النبي "صلى الله عليه وآله" في هذه الغزوة، حينما جاء رجل بفرخ طائر، فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه، وألقينا الأضواء على هذه الحادثة حسبما اقتضته المناسبة.
4 ـ ثم تكلمنا عن قصة أخرى يقال: إنها حدثت في هذه الغزوة حيث جاءت أعرابية إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بابن لها، ليعالجه، فاستجاب "صلى الله عليه وآله" لطلبها، مع إلماحة إلى بعض دلالات هذه القضية بصورة موجزة أيضاً..
5 ـ ثم نشير إلى قصة أخرى في هذه الغزوة ظهرت فيها كرامة للنبي "صلى الله عليه وآله"، حيث أكل أصحابه من ثلاث بيضات نعام، وشبعوا. والبيض في القصعة كما هو، مع إشارة موجزة إلى بعض ما يستفاد من هذا الحدث.
6 ـ وينتهي بنا المطاف إلى الحديث عن قضية أخرى يقال: إنها قد حدثت في هذه الغزوة، وهي قصة ذلك الجمل الذي جاء يستعدي على صاحبه، فبادر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى تفريج كربه، وحل مشكلته.
7 ـ ثم استطردنا إلى الحديث عن الكرامات والمعجزات وعن لزوم معرفة النبي "صلى الله عليه وآله" بلغات البشر، وظهر لنا: أن ذلك كله وسواه من التصرفات المتميزة والملفتة إنما هي مقتضيات طبيعية لقيادته "صلى الله عليه وآله" ـ وكذلك الإمام "عليه السلام" ـ لمسيرة البشرية نحو كمالها المنشود، ونحو تحقيق الأهداف الإلهية من الخلق كله..
وقد اقتضى ذلك: أن نشير بصورة موجزة إلى جهات أخرى ترتبط بهذا البحث أو تنتهي إليه؛ فإلى ما يلي من مطالب.
ومن الله نستمد العون، والقوة، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
جمل جابر:
يقول المؤرخون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" وهو في طريقه إلى المدينة اشترى من جابر جملاً بأوقية، واشترط له ظهره إلى المدينة، واستغفر له في الطريق خمساً وعشرين مرة، وفي الترمذي سبعين مرة.
زاد ابن سعد: وسأله عن دين أبيه فأخبره به([70]).
وتفصيل ذلك:
أن جابراً كان على جمل ثقال في سفر، في آخر القوم؛ فمر به النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: من هذا؟!
فقلت: جابر بن عبد الله.
قال: فما لك؟!
قلت: إني على جمل ثقال.
قال: أمعك قضيب؟
قلت: نعم.
قال: أعطنيه، فضربه، فزجره؛ فكان من ذلك المكان من أول القوم.
قال: بعنيه.
قلت: بل هو لك يا رسول الله.
قال: بل بعنيه؛ فقد أخذته بأربعة دنانير، ولك ظهره إلى المدينة.
فلما قدمت المدينة، قال: يا بلال، اقضه وزده.
فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً.
قال جابر رضي الله عنه: وأعطاني الجمل وسهمي مع القوم([71]).
وفي لفظ عن جابر قال: دخل النبي "صلى الله عليه وآله" المسجد، فدخلت إليه، فعلفت الجمل في ناحية البلاط، فقلت: يا رسول الله، هذا جملك.
فخرج "صلى الله عليه وآله" فجعل يطوف بالجمل، قال: الثمن والجمل لك([72]).
وحسب نص آخر قال جابر: "وتحدثت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر؟
قال: قلت: يا رسول الله، بل أهبه لك.
قال: لا، ولكن بعنيه.
قال: قلت: فسمنيه يا رسول الله.
قال: قد أخذته بدرهم.
قال: قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله.
قال: فبدرهمين.
قال: قلت: لا.
قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله "صلى الله عليه وآله" في ثمنه، حتى بلغ الأوقية.
قال: قلت: فقد رضيت يا رسول الله؟
قال: نعم.
قلت: فهو لك.
قال: قد أخذته.
ثم قال: يا جابر، هل تزوجت بعد؟([73]).
قال: قلت: نعم يا رسول الله.
قال: أثيباً أو بكراً؟!
قلت: لا، بل ثيباً.
قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعب؟.
قال: قلت: يا رسول الله، إن أبي أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعاً([74])؛ فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن، وتقوم عليهن.
قال: أصبت إن شاء الله أما إنا لو قد جئنا صراراً (موضع على ثلاثة أميال من المدينة) أمرنا بجزور؛ فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك، وسمعت بنا، فنفضت نمارقها([75]).
قال: قلت: والله يا رسول الله ما لنا من نمارق.
قال: إنها ستكون؛ فإذا أنت قدمت فاعمل عملاً كيساً.
قال: فلما جئنا صراراً أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بجزور فنحرت، وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول الله "صلى الله عليه وآله" دخل ودخلنا.
قال: فحدثت المرأة الحديث، وما قال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله".
قالت: فدونك، فسمع وطاعة.
قال: فلما أصبحت أخذت برأس الجمل، فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: ثم جلست في المسجد قريباً منه.
قال: وخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" فرأى الجمل، فقال: ما هذا؟.
قالوا: يا رسول الله، هذا جمل جابر جاء به.
قال: فأين جابر؟
قال: فدعيت له.
قال: يا بن أخي، خذ برأس جملك فهو لك.
ودعا بلالاً، فقال له: اذهب بجابر فأعطه أوقية.
قال: فذهبت معه، فأعطاني أوقية، وزادني شيئاً يسيراً.
قال: فوالله ما زال ينمى عندي، ويرى مكانه من بيتنا، حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا، يعني يوم الحرة([76]).
وفي نص آخر: "ثم قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبلي، وقدمت بالغـداة؛ فجئت المسجد فـوجـدته على بـاب المسجد، فقـال: الآن حين قدمت؟
قلت: نعم.
قال: فدع جملك، وادخل فصل ركعتين.
قال: فدخلت فصليت ركعتين الخ.."([77]).
ثم ذكر هبة النبي "صلى الله عليه وآله" الجمل، وثمنه له.
وفي بعض روايات مسلم عن جابر: أن هذه القضية قد حصلت له, وهم مقبلون من مكة إلى المدينة([78]).
اختلافات الرواية في مقدار ثمن الجمل:
إن المراجع لنصوص هذه الرواية يجد: أن فيها العديد من موارد الاختلاف والتناقض، خصوصاً فيما يرتبط بقيمة جمل جابر.
فقيل: اشتراه منه بأوقية([79]) وهي أربعة دنانير.
قال الأشخر اليمني: "وهي أكثر الروايـات، كما نقله البخـاري عن الشعبي"([80]).
وقيل: بأوقيتين([81]).
وقيل: بثلاث([82]).
وقيل: بأربع([83]).
وقيل: بخمس([84]).
وقيل: بست أواق([85]).
وقيل: بثمان مئة درهم([86]).
وقيل: بخمسة دنانير([87]).
وقيل: بدينارين ودرهمين([88]).
وقيل: بعشرين ديناراً([89]).
وحملها البعض على أنها كانت دنانير صغاراً([90]).
وقيل: بأربعة دنانير، بعد أن أعطاه درهماً ممازحاً له([91]).
وهذا القول الأخير: لا ينافي القول بأنه اشتراه بأوقية، لأن ذلك في معنى الأوقية([92]).
الزيادة المباركة:
والروايات تصرح: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" زاد جابراً على ثمن جمله.
وتصرح بعض الروايات: بأنه قد زاده قيراطاً.
فقال جابر: "لا تفارقني زيادة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فحفظه حتى أصيب منه يوم الحرة، ففيه التبرك بآثار الصالحين"([93]).
تاريخ قصة جمل جابر:
قيل: إن قصة جمل جابر قد كانت في غزوة ذات الرقاع حسبما تقدم.
وبعض الروايات تقتصر على القول بأنها كانت في رجوعه من مكة إلى المدينة([94]).
وقيل: كانت في رجوعه من غزوة تبوك([95])، وهي متأخرة عن غزوة ذات الرقاع.
وقد يناقش في ذلك: بأن سؤال النبي "صلى الله عليه وآله" له عن كونه قد تزوج أو لا، واعتذاره لتزوجه ثيباً بأنه قد لاحظ حال أخواته، اللواتي تركهن له أبوه المستشهد في أُحد يدل على أنه إنما تزوج بعد مقتل أبيه في أُحد، ولم يؤخر ذلك إلى غزوة تبوك.
إلا أن يقال: إنه قد يكون تزوج أكثر من مرة، وتكون مشكلة أخواته موجودة في المرتين، أو يكون قد تأخر زواجه طيلة هذه المدة، وإن كان ذلك بعيداً.
القيمة الحقيقية لهذا الحدث:
وإننا حين نراجع قصة جمل جابر، فإننا نجد فيها:
1 ـ ملامح غنية من الخلق الرفيع لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، لما انطوت عليه من لطف ورقة، ومحبة وأريحية ظاهرة، تظهر لنا: أن علاقاته "صلى الله عليه وآله" بأصحابه إنما كانت من منطلق الحب والعطف والصفاء والمودة، مع إجلال منهم له وإكبار، وتقديس.
2 ـ إننا نجد الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" في هذه القصة ـ كما هو في غيرها ـ يعيش آلام الآخرين، ويشاركهم الشعور بها. وقد كان والد جابر بن عبد الله قد استشهد في حرب أحد، وأصبح جابر هو المسؤول عن الأسرة بعد أبيه، وكان عليه أن يختار للزواج امرأة تستوعب وتتفهم الواقع الذي استجد نتيجة لذلك، وتشاركه في معالجته بأحسن وجه وأتمه.
وقد ظهرت رقة حال جابر، من الجهة المالية والمعيشية، في أن الجمل الذي أعده لهذه الأسفار البعيدة والشاقة كان من الضعف بحيث أصبح في آخر الركب.
ولم يكن الرسول "صلى الله عيه وآله" بالذي يغفل عن تفقد حال أصحابه، والوقوف عليها عن كثب ليشاركهم حياتهم حلوها ومرها.
وها هو يجد جابراً على جمله الضعيف المكدود في آخر الركب.
3 ـ إن من الملاحظ: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" كان يسير مع الناس، وفي أواخرهم أحياناً، فيعرف حال أصحابه في مسيرهم ذاك بصورة أتم وأوفى. ولم يكن ليقتصر على حملة الأخبار إليه "صلى الله عليه وآله"، فكان يندفع للتعرف على الأمور بنفسه، ومن دون أي وسطاء، ربما تؤثر التوجهات السياسية والارتباطات الاجتماعية وغيرها على مستوى دقتهم، واستيعابهم لسائر الخصوصيات التي يكون الوقوف عليها مفيداً بل وضرورياً في كثير من الأحيان.
هذا كله: لو فرض أن هؤلاء النقلة على درجة من الحيطة الدينية والورع والصفاء، والوفاء. وقد لا يكون الكثيرون منهم كذلك بالفعل.
4 ـ قد لاحظنا: أن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد دخل مع جابر ـ بأسلوب رضي وسليم ـ إلى حياته الخاصة، بل وإلى أعماقها، فعرف السر الذي لأجله أقدم جابر على التزوج بامرأة ثيب.
وعرف ما يعاني منه جابر من ضغط الظروف، وما يتحمله من مسؤولية نجمت عن فقد أبيه ووجود أخواته السبع.
ثم عرف أيضاً: أن جابراً لا يملك شيئاً من النمارق، أو غيرها مما يتنعم به المتنعمون.
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" لم يترك توصية جابر بأن يعمل عملاً كيساً، يتسم بالعقلانية والتدبير.
كما أنه قد أفسح في آماله وطموحاته حينما أخبره: أن حالته لسوف تتغير، وتتحسن من الناحية المعيشية، ولسوف يملك حتى النمارق في المستقبل، وما عليه من أجل الحصول على ذلك، والوصول إليه إلا أن يعمل عملاً كيساً.
5 ـ إن عرض النبي "صلى الله عليه وآله" على جابر شراء بعيره بطريقة فيها نوع من المداعبة له، ليفتح قلبه، وليسقط حواجز الرهبة لديه، إنما أراد أن يجعل منه ذريعة لإيصال مال إليه، يستعين به على مصاعب الحياة، وعلى إحداث تغيير أساسي فيها، ولكن بطريقة لا تبقي مجالاً للتساؤل ولا للاعتراض من أحد، بخلاف ما لو بادر إلى تقديم هذا المال إلى جابر دون مبرر ظاهر.
6 ـ ولا نريد أن نترك الحديث عن هذه القضية دون الإلماح إلى أن ذلك يعطينا درساً دقيقاً ورائعاً عن طبيعة العلاقات التي تربط بين القائد والرعية؛ فهي ليست علاقات السيد والمسود، والأمير والمأمور، أو القوي والضعيف أو ما إلى ذلك.
وإنما هي علاقات الإنسان بالإنسان من خلال الإحساس بالمسؤولية والواجب الإلهي والإنساني.
ونزيد ذلك توضيحاً حين نقول: إن سلوك النبي "صلى الله عليه وآله" هذا من جهة ذاته ليس تواضعاً منه ولا هو إحسان وتفضل فقط، وإنما هو مقتضى إنسانيته الكاملة وهو عمل بواجبه الإلهي، والإنساني، وإن كان من جهة قياسه بما هو خارج عن مقام ذاته يعد من التواضع والإحسان والتفضل في أعلى درجاتها، وأوضح تجلياتها.
وفقنا الله للسير على هدى النبوة، والتأسي برسوله الأكرم الأعظم "صلى الله عليه وآله".
كرامة وتكريم:
قال الواقدي: وحدثني إسماعيل بن عطية بن عبد الله بن أنيس، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال:
لما انصرفنا راجعين([96])؛ فكنا بالشُّقرة، قال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا جابر ما فعل ديَن أبيك؟!
فقلت: عليه، انتظرت يا رسول الله أن يجذَّ نخله.
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إذا جذذت فأحضرني.
قال: قلت: نعم.
ثم قال: من صاحب دين أبيك؟
فقلت: أبو الشحم اليهودي له على أبي سقة (جمع وسق) تمر.
فقال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله": فمتى تجذها؟
قلت: غداً.
قال: يا جابر، فإذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها، وألوان التمر على حدتها.
قال: ففعلت، فجعلت الصيحاني على حدة، وأمهات الجرادين على حدة، والعجوة على حدة، ثم عمدت إلى جماع من التمر، مثل نخبة، وقرن، وشقحة، وغيرها من الأنواع، وهو أقل التمر، وجعلته حبلاً واحداً، ثم جئت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فخبرته، فانطلق رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومعه عِلية أصحابه، فدخلوا الحائط وحضر أبو الشحم.
قال: فلما نظر رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى التمر مصنفاً، قال: اللهم بارك له.
ثم انتهى إلى العجوة؛ فمسها بيده وأصناف التمر، ثم جلس وسطها، ثم قال: ادع غريمك. فجاء أبو الشحم.
فقال: اكتل.
فاكتال حقه كله من حبل واحد وهو العجوة، وبقية التمر كما هو.
ثم قال: يا جابر، هل بقي على أبيك شيء؟
قال: قلت: لا.
قال: وبقي سائر التمر؛ فأكلنا منه دهراً، وبعنا، حتى أدركت الثمرة من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما كان على أبي من الدين الخ..([97]).
مع الحدث في دلالاته وخصوصياته:
وفي وقفة قصيرة مع هذا الحدث نلمح باختصار شديد إلى النقاط التالية:
1 ـ إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا ينسى أولئك الصفوة الأبرار، الذين استشهدوا في سبيل الله سبحانه، فيسعى لحل العقد والمشكلات التي ربما تكون لا تزال عالقة، وبحاجة إلى حل.
فها هو يريد إبراء ذممهم من حقوق الناس وديونهم ما وجد إلى ذلك سبيلاً، لكي تطيب سمعتهم ويذكرهم الناس بالإجلال والإكبار، ومن دون أي حزازة، أو غضاضة.
ثم لتطيب نفوس أبنائهم، وأقاربهم، ويزول شعورهم بالحرج أمام الناس وفي أنفسهم، حتى يواجهوا انفراجاً في حالتهم المعيشية، التي تتسم بشيء من الضيق والصعوبة.
2 ـ رغم أن ذلك الدائن لعبد الله والد جابر كان رجلاً من اليهود، إلا أننا لم نجد تردداً من النبي "صلى الله عليه وآله" في أمر إرجاع المال إليه، ولا أخذ بنظر الاعتبار مواقف اليهود الحاقدة على الإسلام وعلى المسلمين، ومؤامراتهم وكيدهم، والتي كان ولا يزال هو والمسلمون يعانون منها.
وقد يكون من أسباب ذلك ـ بالإضافة إلى أن هذا هو حكم الإسلام، وهذه هي أخلاقياته، حتى مع أعدى أعدائه، وهو ينطلق في ذلك مما يملكه من قيم ومبادئ إنسانية وإلهية سامية ومقدسة ـ هو:
أنه يريد بذلك أن يقيم حركة التعامل فيما بين الناس على أسس وضوابط ثابتة، يمكن للناس أن يعتمدوا عليها، ويرجعوا إليها وأن يطمئنوا إلى هذا الثبات فيها ليمكنهم التحرك الفاعل والمؤثر بالفعل، والتخطيط لبناء الحياة في المستقبل. إذ بدون هذا الثبات، ومن دون وضوح ضوابط التعامل، فإن الحياة تصبح قلقة، وغير مشجعة على القيام بمبادرات ذات طابع حيوي وشمولي.
3 ـ إن والد جابر قد استشهد في حرب أحد، وكانت هذه القضية قد جرت حين رجوع النبي "صلى الله عليه وآله" من غزوة ذات الرقاع التي كانت بعد الحديبية، حسبما أثبتناه فيما سبق.
ومعنى ذلك هو: أنه قد مضت عدة سنوات، ولم يستطع جابر أن يقضي دين أبيه، ولعله قد قضى شطراً من ذلك الدين في السنوات والمواسم السابقة.
نعم، تمضي عدة سنوات، ولا ينسى النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك الدين، الذي لم يستطع جابر أن يتخلص منه، ولم تسنح الفرصة بعد لرسول الله "صلى الله عليه وآله" أيضاً للمبادرة إلى ذلك!
4 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قبل أن يكون وفاء دين عبد الله من نفس النخلات التي كانت له، ولم يبادر إلى تقديم أية ضمانة في أن يتم وفاؤها من بيت مال المسلمين. إذ إن عبد الله كان قد استفاد من ذلك المال، ولديه ما يمكن الاعتماد عليه في وفاء ذلك الدين. واستشهاده لا ينقل هذا الحق عن ماله ليصبح حقاً على بيت مال المسلمين.
5 ـ إن طريقة وفاء دين عبد الله قد أخذت صفة الكرامة الإلهية من الله لرسوله "صلى الله عليه وآله"، حينما ظهرت البركة في التمر، حتى ليقول جابر، بعد أن استوفى ذلك اليهودي حقه من خصوص العجوة التي هي أفضل أنواع التمر:
"وبقي سائر التمر؛ فأكلنا منه دهراً وبعنا، حتى أدركت الثمرة من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما كان على أبي من الدين".
6 ـ ونلفت النظر هنا إلى أن طريقة تعامل النبي "صلى الله عليه وآله" مع هذه القضية تشير إلى أنه "صلى الله عليه وآله" كان يخطط لإظهار هذا الأمر، بطريقة تجسيد الواقع. حيث نجد أنه "صلى الله عليه وآله" قد خطط ليكون الحدث في البستان نفسه، ولم يقنع بأن يؤتى بالثمرة إلى البيت.
ثم هو يأمره بتقسيم التمر كل قسم على حدة.
ثم هو يلمس العجوة بيده الشريفة، وكذا سائر الأنواع.
ثم يجلس في وسط التمر..
بالاضافة إلى: أنه لا يأتي وحده، بل يأتي ومعه علية أصحابه، وليس خصوص الأشخاص العاديين منهم. ثم يشهد الجميع هذا التكريم لجابر، ويشهدون هذه الكرامة الإلهية التي أظهرها الله على يد رسوله "صلى الله عليه وآله".
إلى غير ذلك من دروس وعبر يمكن استفادتها من هذا الحدث. فصلى الله على رسوله وعلى الأئمة الميامين من آله وسلم تسلمياً كثيراً.
رحمة الله بعباده:
وفي هذه الغزوة أيضاً جاء رجل بفرخ طائر فأقبل أحد أبويه حتى طرح نفسه بين يدي الذي أخذ فرخه، فعجب الناس من ذلك.
فقال "صلى الله عليه وآله": أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه، فطرح نفسه رحمة لفرخه. والله، لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه([98]).
وما يلفت في هذه الرواية ـ على تقدير صحتها، ولا نرى داعياً للوضع فيها ـ هو أننا نجده "صلى الله عليه وآله" يستفيد حتى من مناسبة كهذه ليقوم بدوره في تعريف أصحابه على أمر يلزمهم أن يعرفوه بعمق وصفاء. وذلك من خلال الاستفادة من أسلوب التجسيد الظاهر للحقيقة التي يراد اطلاعهم عليها، وإقناعهم بها. حيث يكون ذلك أوقع في النفس مما لو اكتفى بأسلوب التعليم النظري والمجرد، خصوصاً إذا أدركنا: أن هذا التجسيد قد ترك أثره النفسي فيهم، وأثار فيهم انفعالات ظهرت على شكل تعجب من رحمة ذلك الطائر بولده، فكان لا بد من الاستفادة من هذه الحالة النفسية وتوظيفها لصالح الإدراك الشعوري بالحقيقة التي يراد لهم لمسها، بروحهم وبمشاعرهم بالدرجة الأولى، ثم بعقلهم في مرحلة لاحقة.
النبي ' يعالج ابن الأعرابية:
وروي: أنه في هذه الغزوة جاءت امرأة بدوية بابنها إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فقالت له: يا رسول الله، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان، ففتح فاه فبزق فيه، وقال: اخسأ عدو الله أنا رسول الله.
ثم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لها: شأنك بابنك، لن يعود إليه شيء مما كان يصيبه. فكان كذلك([99]).
وذكرت هذه القصة في غزوة المريسيع أيضاً([100]) التي ستأتي في حوادث السنة السادسة.
ونقول:
1 ـ إن هذه الأعرابية قد جاءت بولدها إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليداويه لها. منساقة في ذلك بدافع من إحساسها الفطري بما لرسول الله "صلى الله عليه وآله" من قداسة وطهر، وكرامة على الله سبحانه، وبأنه مصدر للبركات والكرامات.
وقد استجاب "صلى الله عليه وآله" لها، وعالج ولدها بطريقة تكرس هذا الشعور لديها، ولدى كل من حضر وعاين ما يجري، حيث تفل في فم ولدها، وأخبرها بالنتيجة بصورة قطعية.
وذلك يكذب ما يريد البعض أن يدعيه من أنه صلى الله عليه وآله مجرد طارش ورسول، أبلغ الناس رسالة وانتهى، ولا شيء سوى ذلك.
ثم يقولون: إن القداسة إنما هي لرسالته وليست له، فلا داعي للغلو فيه، ولا للتبرك بآثاره.
2 ـ إن ذلك يشير أيضاً: إلى أن على الناس أن يعوا: أن للأمور المعنوية والروحية دورها في دفع البلايا التي يتعرض لها الإنسان كما أن عليهم أن يؤمنوا بأن ما يعتري الإنسان من أعراض وأمراض، ليس كله ناشئاً عن تحولات مادية فيه، ولا يمكن تفسيره كله على هذا الأساس. فإن هناك قوى خفية تشارك أيضاً في التأثير في حياة الإنسان وفي سلامته. وإن معالجة آثار تصرفاتها لا يكون من خلال الوسائل المادية في أحيان كثيرة، بل لا بد من وسائل أخرى قد لا يؤمن بها كثير من الماديين.
كرامة أخرى لرسول الله ':
ويذكر المؤرخون في حوادث هذه الغزوة: أن رجلاً جاء للنبي "صلى الله عليه وآله" بثلاث بيضات من بيض النعام، فقال "صلى الله عليه وآله" لجابر: دونك يا جابر، فاعمل هذه البيضات.
قال جابر: فعملتهن، ثم جئت بهن في قصعة، فجعلنا نطلب خبزاً، فلم نجد، فجعل "صلى الله عليه وآله" وأصحابه يأكلون من ذلك البيض بغير خبز، حتى انتهى كل إلى حاجته، أي إلى الشبع، والبيض في القصعة كما هو([101]).
وذكرت هذه القصة في غزوة المريسيع([102]).
ونقول:
وفيها أيضاً: كرامة ظاهرة لرسول الله "صلى الله عليه وآله". وربما يكون ظهور هذه الكرامات ضرورياً من أجل أن لا يغتر المسلمون بأنفسهم، فيرون: أن ما يحققونه من انتصارات على أعدائهم، ثم ما يحصلون عليه من مكاسب، مادية، ومعنوية، وشوكة، ونفوذ، على مستوى المنطقة بأسرها، إنما كان بالدرجة الأولى بسبب هذه الألطاف الإلهية، التي يشملهم الله بها، وليس التأثير مقتصراً على قدراتهم الذاتية، وحسن تدبيرهم في الاستفادة منها في الوقت المناسب، وفي المحيط المناسب.
ومن جهة ثانية، فإن من الواضح: أن وجود النبي "صلى الله عليه وآله" بين ظهرانيهم، لا ينبغي أن يؤثر على نوع ومستوى العلاقة التي يجب أن تحكم نظرتهم إليه "صلى الله عليه وآله".
فلا يجوز أن يعتادوا عليه، إلى درجة أن يصبح رجلاً عادياً فيما بينهم، بل لا بد من الاحتفاظ بذلك الشعور العفوي لديهم والذي يؤكد على ارتباطه "صلى الله عليه وآله" بالغيب، بالمصدر الأول جل وعلا..
فتأتي هذه الكرامات لتحدث التصحيح في مسار تعاملهم معه ونظرتهم إليه؛ لأن هذا التصحيح ضروري، ولا بد منه، إذا أريد لكل كلمة وموقف منه "صلى الله عليه وآله" أن يحدث الأثر العميق والدقيق في روح الإنسان، وفي مشاعره، وفي سلوكه، فضلاً عن أن يحدث التغيير الجذري في تكوينه الفكري والعقيدي بصورة عامة.
ولأجل ذلك قلنا: إن ظهور هذه الكرامات كان ضرورياً من فترة لأخرى حسبما تقتضيه المصلحة الإيمانية والإسلامية في مختلف المجالات، وعلى جميع المستويات. وهذا واضح لا يكاد يخفى على أحد.
جمل يستعدي على صاحبه:
وفي هذه الغزوة أيضاً ـ كما يقولون ـ: جاء جمل حتى وقف عنده "صلى الله عليه وآله" ورغا، فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه بأن هذا الجمل يستعديه على سيده، (يزعم: أنه كان يحرث عليه منذ سنين، وأنه أراد أن ينحره) وقال "صلى الله عليه وآله": إذهب يا جابر إلى صاحبه، فأت به.
قال جابر (رض): فقلت: لا أعرفه.
قال: إنه سيدلك عليه.
قال جابر: فخرج بين يدي حتى وقف على صاحبه، فجئته به، فكلمه "صلى الله عليه وآله" في شأن الجمل([103]).
ونقول:
قد ذكرت هذه القصة أيضاً في غزوة بني المصطلق (المريسيع)([104]).
ونحن نسجل هنا النقاط التالية:
1 ـ قد ذكرت هذه الرواية: أن الناس كانوا يحرثون على الإبل في ذلك الزمان ولا ندري مدى صحة ذلك.
2 ـ إن هذه الرواية تؤكد ما ورد في الروايات المتواترة، التي قد تعد بالمئات، وتؤكد على ما للحيوانات من حقوق يلزم مراعاتها، والالتزام بها. وقد ألف سماحة العلامة الحجة الشيخ علي الأحمدي "رحمه الله" كتاباً قيماً لم يطبع بعد، ولنا في هذا المجال كتاب باسم "حقوق الحيوان في الإسلام" فيمكن الرجوع إليه..
معرفة النبي ' بلغات البشر، والحيوان والجماد، والشجر:
3 ـ قد أوضحت هذه الرواية: ودلت الروايات الكثيرة غيرها على أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يعرف ألسنة الحيوانات عموماً. وقد فهم ما قاله الجمل، الذي جاء إليه "صلى الله عليه وآله" ليشتكي سيده الذي كان يحرث عليه منذ سنين، والآن يريد أن ينحره الخ..
ونجد في كتب الحديث والتاريخ الشيء الكثير مما يتحدث عن كرامات لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، منذ ما قبل بعثته، وحتى وفاته، مثل تسليم الحجر والشجر عليه "صلى الله عليه وآله"، وتسبيح الحصى في كفيه.
وكذلك امتثال الشجر أوامره، وشهادته له، ومجيء الشجرة إليه لتظله، وتسلم عليه، وتأمين أسكفة الباب، وحوائط البيت على دعائه، وتسبيح الطعام بين أصابعه.
وإخبار الشاة له بأنها مسمومة وشكوى البعير له قلة العلف، وكثرة العمل.
وشكوى بعض الطيور له "صلى الله عليه وآله" أخذ بيضه أو فراخه، وسجود البعير والغنم له وتكليم الحمار له، وشهادة الجمل عنده: أنه لصاحبه الأعرابي دون من ادعاه، وسؤال الظبية أن يخلصها لترضع ولدها وتعود، وغير ذلك([105]).
ومن جهة ثانية: فقد دلت النصوص الكثيرة على أنه "صلى الله عليه وآله" كان يعرف لغات البشر أيضاً، وقد تكلم بعدد منها في مناسبات عديدة([106]).
سؤالان يحتاجان إلى جواب:
1 ـ السؤال الأول:
والسؤال الذي يواجهنا بادئ ذي بدء هو:
هل إن هذه القضايا وكثيراً غيرها مما زخرت به المجاميع الحديثية والتاريخية، وغيرها، لا بد من تصنيفها في عداد الكرامات والمعجزات، وخوارق العادات، التي تهدف إلى مواجهة الإنسان المكابر أو الشاك بالصدمة التي توصد أمامه كل أبواب التملص والتخلص، والتجاهل للواقع، ودلائله الظاهرة، وأعلامه الباهرة، وحججه القاهرة؟!.
أم أن الأمر يتعدى ذلك ليصب في خانة تجلي السنن والنواميس الحقيقية التي تحكم المسار العام فيما يرتبط بتبلور الشخصية القيادية الواقعية في نطاق هيمنة هذه القيادة على المسار الواقعي العام، من خلال تلك النواميس، وعلى أساسها؟!
علماً بأن ذلك لا يقلل من قيمة تلك الكرامات والمعجزات، بل هو يجليها بصفتها ضرورة حياتية في نطاق الهداية الإلهية التامة على أساس نواميس الواقع ومقتضياته.
2 ـ السؤال الثاني:
وثمة سؤال آخر نعرض له هنا، وهو:
أنه إذا كان النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" يعرف جميع اللغات؛ فلماذا يصر على مراسلة عظيم فارس، وعظيم الروم وملك الحبشة، والمقوقس، وغيرهم بخصوص اللغة العربية؟!
وهل ثمة خلفيات سياسية، أو تشريعية دينية أو غيرها وراء هذا التمسك باللغة العربية؟!
وأكثر من ذلك: أننا نجد الإسلام لا يرضى في عباداته، وفي موارد معينة أخرى بغير اللغة العربية. فلا تصح الصلاة مثلاً باللغات الأخرى، من أي كان من الناس: العربي، والرومي، والحبشي، والفارسي، وغيرهم. فما هو السر والدافع إلى هذا الإلزام والالتزام، يا ترى؟!.
الإجابة والتوضيح:
ونحن في مقام الإجابة على هذين السؤالين، نقدم الحديث والإجابة على ثانيهما؛ فنقول:
1 ـ الإجابة على السؤال الثاني:
إنه يفترض في كل حضارة تستهدف إحداث تغييرات حقيقية وجذرية في المجالات الحياتية المتنوعة من سياسية واقتصادية، واجتماعية، وفكرية، وغيرها وحتى في بنـاء الشخصية الإنسانيـة، والتـأثير والتغيير في مشـاعـر الإنسان، وأحاسيسه، وعواطفه، فضلاً عن خصائصه ومزاياه، وكل وجوده،
نعم.. إنه يفترض في هكذا حضارة أن تفرض على الشعوب والأمم التي تريد أن تحيا في ظلها هيمنة فكرها، وثقافتها، وأن تزرع فيها مصطلحاتها وتعابيرهـا الخـاصة بهـا، ذات الإيحـاءات والمداليـل المعينة والهادفة، وتنفذ من خلال هذه المصطلحات وعلى أساس ذلك الفكر، وبروافد من تلك الثقافة إلى مناطق اللاوعي في الأحاسيس والمشاعر، وفي القلوب والضمائر لتلك الأمم والشعوب. وتتغلغل في أعماقها؛ لتصبح جزءاً لا يتجزء من وجودها، ومن شخصيتها، ومن كيانها العتيد.
بل لقد رأينا: أنه حتى الدول لا تألو جهداً في فرض لغتها، وعاداتها، ومفاهيمها على الشعوب التي تهيمن عليها.
وإذا كـان الله سبحانه قـد أرسـل نبيه إلى جميع الأمم فلا بـد ـ والحالة هذه ـ من أن تهيمن لغة القرآن، وثقافة الإسلام والإيمان على العالم بأسره. لأن القرآن كتاب العالم، ودستور البشرية جمعاء، ولعل هذا هو الذي يفسر لنا بعض ما ورد في الحث على تعلم اللغة العربية وتعليمها فراجع.
2 ـ الإجابة على السؤال الآخر:
أما الإجابة على السؤال الآخر، وهو أول السؤالين المتقدمين، فإننا نقول:
هناك معجزات وكرامات في اتجاهات ثلاثة:
الأول: من الواضح: أن هناك معجزات قد ظهرت للنبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" وللأنبياء السابقين، وكذلك للأوصياء، حينما كانوا يواجهون التحدي الوقح من أهل الشرك والعناد؛ بحيث لو لم تظهر المعجزة، أو الكرامة لاستطاع أولئك الشياطين أن يثيروا الشبهات المضعفة للدعوة؛ والموجبة لزعزعة درجة الطمأنينة والوثوق لدى كثير ممن آمن بها واطمأن إليها، أو يحدث نفسه بذلك.
فتأتي المعجزة لتثبت أولئك، وتشجع هؤلاء، ولتسحق أيضاً كبرياء المستكبرين، وتكسر شوكتهم، ويكون بها خزي المعاند، وبوار كيد الماكر والحاقد.
الثاني: وثمة معجزات وكرامات، وخوارق عادات أكرم الله بها أنبياءه وأولياءه تشريفاً لهم، وتجلة وتكريماً، وإعزازاً لجانبهم. وقد يستفيد منها المؤمن القوي سمواً ورسوخَ قدم في الإيمان، ويتثبت بها ضعيف الإيمان، فيزداد بصيرة في الأمر، وتسكن نفسه، ويطمئن قلبه، على قاعدة قوله تعالى: ?قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي?([107]).
وعلى قاعدة: ?سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا?([108]).
الثالث: ذلك القسم الذي ظهر فيه: أنه يتعامل فيه مع المخلوقات من موقع المدبر، والراعي، والحافظ لها، من موقع أنها جزء من التركيبة العامة، حيث لا بد من التعامل معها على هذا الأساس.
وهذا القسم الأخير هو الذي يعنينا البحث عنه هنا.
فنقول:
إن الله سبحانه قد أراد لهذا الإنسان أن يدخل إلى هذا الوجود، ليقوم بدور هام فيه. وقد اختار الله له هذه الأرض ليتحرك عليها، وينطلق فيها ومنها.
وكان عليه أن يستفيد ممـا خولـه الله إيـاه من طـاقـات وإمكـانـات لإعمارها، وبث الحياة فيها، بل والهيمنة والتسلط على كل ما في هذا الكون، وتسخيره، والاستفادة مما أودعه الله فيه من طاقات وقدرات، من خلال تفعيل نواميسه الطبيعية وإثارة دفائنه وكوامنه وتوظيفها في مجالات البناء الإيجابي، والصحيح، الذي يسهم في إسعاد هذا الإنسان، وفي تكامله، ونموه المطرد في مختلف جهات وجوده، حتى في جوانبه النفسية والروحية، والفكرية، والعقيدية، فضلاً عن النواحي الأخرى، من اجتماعية واقتصادية وغيرها.
كل ذلك وفقاً للخطة المرسومة في نطاق التربية الربانية، والإعداد والمواكبة المستمرة لهذا الإنسان في تحركه نحو الأهداف الإنسانية والإلهية السامية والنبيلة العليا، وهو دائب الكدح إلى الله، ومن أجله وفي سبيله، لا غير، وليس إلا.
?يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ..?([109]).
ولكي يتضح ما نرمي إليه بصورة أوفى وأصفى، نذكر هنا آيات قرآنية أشارت إلى أن جميع ما في هذا الكون مسخر للبشر.
وآيات أخرى، تتحدث عن وجود درجة من الشعور والإدراك لدى المخلوقات، من حيوانات وغيرها.
بالإضافة إلى نماذج من التعامل الإيجابي وآفاقه، وما يترتب على ذلك، فنقول:
تسخير المخلوقات للإنسان في الآيات القرآنية:
لقد أشارت الآيات القرآنية إلى تسخير الموجودات للإنسان، ويتضح ذلك بالتأمل في الآيات التالية:
?هُوَ أَنشَأَكُم مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا..?([110]).
?أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً..?([111]).
?وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ..?([112]).
?..وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ، وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُم مِن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا..?([113]).
?وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأكُلُواْ مِنْهُ لَحماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا..?([114]).
الشعور والإدراك لدى المخلوقات:
ثم إن الإنسان يريد أن يتعامل مع كون ليس جماداً بقول مطلق، وإنما كل الموجودات فيه تمتلك درجة من الشعور والإدراك، وإن كنا لا نعرف كنهه ولا حدوده.
وقد تحدث القرآن عن السماوات، والأرض، والجبال والطير وكل الموجودات، بطريقة تركز هذا المعنى، وتدفع أي تشكيك أو ترديد فيه. فلنقرأ معاً الآيات التالية:
قال تعالى مخاطباً نبيه موسى "عليه السلام": ?..قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً..?([115]).
وقال تعالى: ?إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً?([116]).
وقال سبحانه عن داود: ?إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ?([117]).
وقال في آية أخرى عن داود أيضاً: ?يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ..?([118]).
والمراد بالتأويب ترجيع التسبيح على ما يظهر.
وقال تعالى: ?وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ?([119]).
وقال: ?وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ?([120]).
وقال تعالى: ?تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً?([121]).
وتسبيح ما في السماوات والأرض، مذكور في عدة آيات([122]).
وقال سبحانه: ?لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ الله?([123]).
وقال تعالى: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ?([124]).
وقال جل وعلا: ?أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ?([125]).
فكل ما تقدم يشير بوضوح: إلى أن هذه المخلوقات تملك حالة شعورية وإدراكية معينة، وليست مجرد جمادات أو حيوانات خاوية من ذلك بصورة نهائية.
وهذا ما يفسر لنا: أننا نجد أن الله قد تعاطى معها بطريقة تكرس هذا الفهم، وترسخه، ولا تبقي مجالاً لأي تشكيك أو ترديد فيه.
نماذج حية من تسخير الموجودات العاقلة:
فإذا كان الله سبحانه قد سخر المخلوقات لهذا الإنسان، واتضح أن هذه المخلوقات تمتلك صفة الشعور والإدراك، ولها أعمال عقلانية ومرتبطة بالشعور ومستندة إليه فإننا نذكر هنا نموذجاً قرآنيا حياً، وواقعياً لهذا التسخير تجلت فيه طريقته، وأبعاده ومجالاته بصورة ظاهرة. حيث ذكرت الآيات أن الله سبحانه قد سخر الريح، والطير، والجبال، والجن لسليمان وداود "عليهما السلام". بالإضافة إلى هيمنتهما بدرجة ما على نواميس الطبيعة التي تفيد الهيمنة عليها في تحقيق الغايات التي يتم السعي لها، والتحرك باتجاهها، كما أشار إليه الله سبحانه حين تحدث أنه تعالى قد ألان الحديد لداود.
فلنقرأ ذلك كله في الآيات التالية:
قال تعالى: ?.. وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ، وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ، وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ?([126]).
?إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ?([127]).
وقال تعالى عن سليمان: ?فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ، وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ، وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ?([128]).
قصة سليمان وداود نموذج فذ:
وإذا راجعنا سورة النمل، فإننا نجد فيها نماذج فذة عن تعاطي سليمان وداود مع ما آتاهما الله سبحانه في هذا المجال. وأول ما يواجهنا في الحديث عنهما "عليهما السلام" هو أنه تعالى قد وفر لهما الأدوات الضرورية للتعامل مع هذه المخلوقات في نطاق رعايتها وهدايتها وتوجيهها. فنجدها تبدأ الحديث بأن الله قد آتاهما علماً، وعُلِّما منطق الطير، وأوتيا من كل شيء، ثم ذكرت الآيات نماذج تطبيقية لهذا العلم، وللمعرفة بجميع الألسنة، ثم لتأثير ما آتاه الله سبحانه في إدارة الأمور، وتوجيهها ورعايتها والهيمنة عليها بصورة حيوية وبناءة وإيجابية، لا تأتي إلا بالخير، ولا تؤدي إلا إلى الفلاح.
آيات من سورة النمل:
?.. وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالا الحَمْدُ لِلهَِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ المُبِينُ، وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ، حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِن قَوْلِهَا?([129]).
ثم تحدثت الآيات عن قصته "عليه السلام" مع الهدهد، والدور الذي قام به، ثم ما كان من الإتيان بعرش بلقيس، بواسطة ما كان لدى ذلك الآتي به من علم من الكتاب. وأن ذلك قد تم قبل أن يرتد طرف سليمان إليه.
مع آيات سورة النمل:
وقد أظهرت الآيات المتقدمة كيف تم توظيف كل القدرات المادية وغيرها في تحقيق رضا الله سبحانه، وبناء الحياة وتكاملها باتجاه الأهداف الإلهية ووفقاً للخطة المعقولة والمقبولة له تعالى. بدءاً من قصة تبسم سليمان من قول النملة، مروراً بقصة الهدهد، والإتيان بعرش بلقيس بتلك الطريقة المثيرة، ثم تنكير عرشها لها، وانتهاءاً بأمرها بدخول الصرح الذي حسبته لجة، مع أنه صرح ممرد من قوارير.
وقد تجسد ذلك كله من خلال حاكمية وإمامة سليمان عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام، ورعايته وهدايته التامة والشاملة.
وقد كانت هذه الهداية والرعاية مستندة إلى علم آتاه الله إياه، والى إمكانات ذات صفة شمولية: ?وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ?. فلم يكن ثمة أي قصور في القدرات الذاتية، فقد علم سليمان منطق الطير، وأوتي من العلم ما يكفيه في مهمته الكبيرة والخطيرة.
كما أنه لم يكن ثمة نقص في الإمكانات المادية، كما أشرنا. وكان سليمان أيضاً يحظى برعاية الله تعالى له، ولطفه به، وتسديده وتأييده إلى درجة العصمة.
فلم يبق والحالة هذه إلا المبادرة إلى القيام بالدور المرصود له في نطاق الاستفادة الواعية والإيجابية والبناءة من كل المخلوقات المسخرة لهذا الإنسان، وتوجيهها لتؤدي دورها في الحياة كاملاً غير منقوص..
وهذا ما حصل بالفعل، فكانت المعجزة الكبرى، وكان الإنجاز العظيم، وهذا ما سوف يتحقق بصورة أكثر رسوخاً وشموخاً وعظمة في عهد ولي الأمر قائم آل محمد "عليهم الصلاة والسلام".
إعادة توضيح وبيان:
إنه ما دام أن المفروض بالإنسان هو أن يتعاطى مع جميع المخلوقات التي سخرها الله تعالى له، فقد كان لا بد من أن يخضع تعامله هذا وكذلك تعامله مع نفسه، ومع ربه، ومع كل شيء لضوابط تحفظه من الخطأ ومن التقصير، أو التعدي.
ولقصور الإنسان الظاهر، فقد شاءت الإرادة الإلهية، من موقع اللطف والرحمة أن تمد يد العون له، وهدايته في مسيرته الطويلة المحفوفة بالمزالق والأخطار هداية تامة تفضي به إلى نيل رضا الله سبحانه، وتثمر الوصول إلى تلك الأهداف الكبرى والسامية وتحقيقها، وهي إعمار الكون وفق الخطة الإلهية، التي تريد من خلال ذلك بناء إنسانية الإنسان، وإيصاله إلى الله سبحانه، حيث يصبح جديراً بمقامات القرب منه تعالى، حيث الرضوان والزلفى.
وإذا كان كذلك فإنه يصبح واضحاً: أن المثل القرآني الذي يتمثل في تجربة سليمان وداود "عليهما السلام"، إنما أراد أن يجسد ولو بصورة مصغرة هذه الحقيقة بالذات ليتلمس هذا الإنسان الأهداف الإلهية، وهي تتجسد واقعاً حياً، ملموساً، وليس مجرد خيالات، أو شعارات، أو آمال وطموحات غير عقلانية، ولا مسؤولة.
وهي أيضاً تجسد معنى القيادة المطلوبة والصالحة لتحقيق هدف كهذا، حتى إن طائراً، وهو الهدهد، يضطلع بدور حيوي وفي مستوى مُلكٍ بأسره، وأحد الحاضرين في مجلس سليمان يأتي بعرش بلقيس ـ بواسطة العلم الذي عنده من الكتاب ـ قبل أن يرتد الطرف.
كما أن هذه الشواهد القرآنية، وتلك الكرامات والمعجزات النبوية، ومنها قصة الجمل التي هي مورد البحث، قد رسخت هذه الحقيقة، سواء بالنسبة لدور الإنسان في الكون، وتعاطيه معه، أو بالنسبة إلى حقائق راهنة لا بد أن تأخذ دورها وحقها، ويحسب حسابها على مستوى التخطيط، وعلى مستوى الممارسة، أو بالنسبة إلى الدور الذي لا بد لهذه القيادة أن تضطلع به، في مقام الرعاية التامة، والهداية العامة، وما يتطلبه ذلك من طاقات ومن إمكانات، ومواصفات قيادية خاصة ومتنوعة، لا تحصل إلا بالرعاية والتربية الإلهية لها، ولا تكون إلا في نبي أو في وصي.
وتصبح معرفة لغات الحيوانات، والوقوف على كثير من أسرار الخلقة، ونواميس الطبيعة ضرورة لا بد منها لهذه القيادة، التي لا بد أن ترعى، وتوازن، وتربي، وتحفظ لكل شيء حقه، وكيانه، ودوره في الحياة. حيث لا بد لها من التدخل المباشر في أحيان كثيرة لحسم الموقف، ولحفظ سلامة المسار.
كما لا بد لها من توجيه الطاقات والاستفادة منها في الوقت المناسب وفي الموقع المناسب، بصورة قويمة وسليمة، كما كان الحال بالنسبة لنبي الله داود، ونبي الله سليمان عليهما وعلى نبينا محمد وآله الصلاة والسلام.
النقاط على الحروف:
وبذلك يتضح: أنه لا بديل عن قيادة المعصوم، إذ أن كل القيادات الأخرى إذا كانت عادلة لن يكون لها أكثر من دور الشرطي الذي ينجح في درء الفتنة حيناً، ويفشل أحياناً.
أما إذا كانت قيادة منحرفة، فهناك الكارثة الكبرى، التي عبرت عنها الكلمة المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي "عليه الصلاة والسلام"، حيث يقول:
"أسد حطوم، خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم، خير من فتنة تدوم"([130]).
وقد اتضح أيضاً: أن وجود الإمام المعصوم في كل عصر وزمان أمر حتمي وضروري حتى ولو كان غائباً ومستوراً، لأن هذا الإمام لسوف يحفظ ويرعى كثيراً من المواقع والمواضع في هذا الكون المسخر للإنسان، التي لولا حفظها ورعايتها لوقعت الكارثة ولساخت الأرض بأهلها.
وبذلك نعرف السر في أن الروايات قد ذكرت: أنه لو بقيت الأرض بغير إمام، أو لو أن الإمام رفع من الأرض ولو ساعة لساخت بأهلها، وماجت كما يموج البحر بأهله([131]).
وأصبح واضحاً معنى الرواية التي تقول: وأما وجه انتفاع الناس بي في غيبتي؛ فكالشمس إذا جللها عن الأنظار السحاب.
واتضح أيضاً: سر معرفة الأئمة بعلوم الأنبياء، وبألسنة جميع البشر، وبألسنة أصناف الحيوان أيضاً([132])، إلى غير ذلك من خصائص وتفصيلات في علومهم "عليهم السلام" وفي حدود ولايتهم ورعايتهم لهذا الإنسان في هذا الكون الأرحب.
الفصل الرابع:
بـدر المـوعـد
بداية الحديث عن بدر الموعد:
كانت حرب أحد قد تمخضت عن نتائج مادية تختلف تماماً عن نتائجها المعنوية والسياسية.
فعلى صعيد الخسائر مني المسلمون بخسائر كبيرة، حيث قتل منهم العشرات، حينما خالف الرماة الذين كانوا على فتحة الجبل أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" له بالبقاء في أماكنهم، فسنحت الفرصة للمشركين، وأوقعوا بالمسلمين، وقتلوا منهم عدداً كبيراً من الناس.
ولكن هذه النتيجة لا تمثل كل الواقع، ولا يمكن اعتبارها معياراً تقاس عليه سائر النتائج، التي تمخضت عنها تلك الحرب، على صعيد الربح والخسارة والتأثير في الواقع النفسي لكلا الفريقين، ثم في الواقع السياسي والعسكري.
حيث إن النتائج كانت في هذه المجالات لصالح المسلمين، إذ انتهت المعركة بهزيمة حقيقية فاحشة مني بها المشركون في الجهات الثلاث جميعاً، أي من الناحية العسكرية، والنفسية، وعلى صعيد الحالة السياسية في المنطقة بصورة عامة.
غير أن أبا سفيان قد حاول أن يقوم بمبادرة إعلامية جريئة تحفظ للمشركين بعض هيبتهم، وتعيد إليهم شيئاً من معنوياتهم حيث أعلن: أن المعركة التالية، والتي قد تكون هي الحاسمة، سوف تكون بعد عام من تاريخ غزوة أحد.
وقد نسي أو تناسى: أن نفس هذا الإعلان ليس في الحقيقة إلا إعلان فشلهم في تحقيق الأهداف التي كانوا يسعون إلى تحقيقها من خلال خوضهم هذه الحرب.
ثم كانت حركة المسلمين السريعة في مطاردتهم عقب انتهاء غزوة أحد، بمثابة فضيحة مخزية للمشركين، لا سيما وأنه "صلى الله عليه وآله" قد قرر أن تكون هذه المطاردة مقتصرة على خصوص جرحى أحد، بقيادة علي أمير المؤمنين "عليه السلام".
وبعد مرور نحو عام، واقتراب الموعد الذي ضربه أبو سفيان كان لا بد من التحرك. وكانت نتيجة هذا التحرك، المزيد من الخزي لأبي سفيان، وكل معسكر الشرك والبغي، والمزيد من العزة والشوكة للمسلمين، وللإسلام في ظل قيادة نبيه الأكرم "صلى الله عليه وآله".
فما الذي جرى في بدر الموعد؟! وما الذي نتج عنه؟.
هذا ما سوف نتعرض له في ما يلي من مطالب..
تاريخ غزوة بدر الموعد:
يذكر المؤرخون: أن غزوة بدر الصغرى (الموعد) (الثالثة)، قد كانت في هلال ذي القعدة في السنة الرابعة.
وقيل: في شوال.
وقد غاب فيها رسول الله "صلى الله عليه وآله" ست عشرة ليلة.
والمقصود هو: بدر الصفراء، التي كانت سوقاً للعرب في الجاهلية. يجتمعون فيها في كل عام لمدة ثمانية أيام، ابتداء من أول ذي القعدة، ثم يفترقون([133]).
وقد ربح المسلمون فيها في تجارتهم في سوق بدر، في هذه المناسبة بصورة ملفتة، كما سنرى.
وأما قول موسى بن عقبة: إنها كانت في شوال سنة ثلاث([134]) فلا يصح، لأنها كانت لأجل تنفيذ طلب أبي سفيان بعد انتهاء حرب أحد بأن يلتقوا للحرب في بدر، بعد عام. وأحد إنما كانت في السنة الثالثة كما هو معلوم([135]).
كما أن الأشبه: أنها كانت في ذي القعدة، أو قبل ذلك لأن أحداً كانت في ذي القعدة، وكان بينهما سنة([136]).
والصحيح: أنها كانت في شعبان كما سيأتي في غزوة الخندق.
النص التاريخي لبدر الصغرى:
يذكر المؤرخون: أن أبا سفيان لما أراد أن ينصرف من أُحد نادى: يا محمد، الموعد بيننا وبينكم موسم بدر الصغرى لقابل، إن شئت نلتقي بها فنقتتل.
وعن مجاهد ـ كما في الوفاء ـ أنه قال: يا محمد، موعدكم بدر، حيث قتلتم أصحابنا.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لعمر بن الخطاب: قل: نعم، إن شاء الله. فافترق الناس على ذلك.
ثم يذكر المؤرخون وقائع غزوة بدر الموعد.
ونحن من أجل أن نلمّ بأكثر الخصوصيات التي قيلت في هذه الغزوة وعنها، نجمع شتات كلمات الرواة والمحدثين، ونقلة الأخبار والمؤرخين، ونؤلف بينها، ثم نشير في نهاية ذلك إلى المصادر التي قد يكون فيها أكثر الذي ذكرناه، أو بعضه.
فنقول:
لما مضى على أُحد ما يقرب من عام، وقرب الموعد الذي ضربه أبو سفيان، كره الخروج وخاف من عواقبه، ثم قر رأيه بعد المشاورة على الخروج شيئاً يسيراً، ثم يعود، فخرج في أهل مكة، حتى نزل مجنّة، من ناحية الظهران.
يقال: عُسفان. وكان في ألفي رجل، ومعهم خمسون فرساً.
ويقول البعض: إنه بعد أن خرج إلى عسفان أو مجنة ألقى الله الرعب في قلبه، فبدا له في الرجوع.
فلقي نعيم بن مسعود الأشجعي، وقد قدم معتمراً؛ فطلب منه: أن يلحق بالمدينة، ويثبط المسلمين، ويعلمهم: أن أبا سفيان في جمع كثير، ولا طاقة لهم بهم، ووعده أن يعطيه عشرة ـ وعند الواقدي: عشرين ـ من الإبل، يضعها على يدي سهيل بن عمرو، ويضمنها سهيل له. وحمله على بعير.
ومما قاله له، بعد أن ذكر له: أن هذا عام جدب: "قد بدا لي أن لا أخرج إليها، وأكره أن يخرج محمد ولا أخرج؛ فيزيدهم ذلك جراءة؛ فلأن يكون الخُلف من قبلهم أحب الي من أن يكون من قبلي".
وبعد ضمان سهيل بن عمرو الإبل لنعيم، خرج مسرعاً، حتى أتى المدينة؛ فوجد الناس يتجهزون لميعاد أبي سفيان، فسألهم فأخبروه بما يريدون، فقال لهم: "بئس الرأي رأيتم، أتوكم في دياركم وقراركم، فلم يفلت منكم إلا الشريد، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم؟! والله، لا يفلت منكم أحد".
وجعل يطوف بهذا القول في أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فكره أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخروج.
وزاد الواقدي قوله: "حتى نطقوا بتصديق قول نعيم، أو من نطق منهم.
واستبشر بذلك المنافقون واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع".
حتى بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك، وتظاهرت به الأخبار عنده، حتى خاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن لا يخرج معه أحد.
فجاء أبو بكر بن أبي قحافة (رض)، وعمر بن الخطاب (رض)، وقد سمعا ما سمعا، فقالا: يا رسول الله، إن الله مظهر دينه، ومعز نبيه. وقد وعدنا القوم موعداً، ونحن لا نحب أن نتخلف عن القوم، فيرون أن هذا جبن منا عنهم؛ فسر لموعدهم؛ فوالله، إن في ذلك لخيرة.
فسر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك، ثم قال: "والذي نفسي بيده، لأخرجن ولو وحدي".
قال عثمان: "لقد رأيتنا وقد قذف الرعب في قلوبنا فما أرى أحداً له نية في الخروج".
فأما الجبان، فإنه رجع، وتأهب الشجاع للقتال، وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل.
واستخلف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على المدينة عبد الله بن رواحة [أو عبد الله بن أبي سلول]([137]) وحمل لواءه الأعظم علي بن أبي طالب، في ألف وخمس مائة رجل. والخيل عشرة أفراس.
قال الواقدي([138]): "فرس لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وفرس لأبي بكر، وفرس لعمر، وفرس لأبي قتادة، وفرس لسعيد بن زيد، وفرس للمقداد، وفرس للحباب، وفرس للزبير، وفرس لعباد بن بشر".
وخرجوا ببضائع لهم وتجارات.
وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا. فجعلوا يلقون المشركين، ويسألون عن قريش، فيقولون: قد جمعوا لكم، يريدون أن يرهبوا المسلمين.
فيقول المؤمنون: حسبنا الله ونعم الوكيل.
وفي نص آخر: قال لهم المنافقون: قد قتلوكم عند بيوتكم، فكيف إذا أتيتموهم في بلادهم، وقد جمعوا لكم، والله لا ترجعون أبداً.
ومهما يكن من أمر، فإنهم لما قربوا من بدر قالوا لهم: إنها امتلأت من الذين جمعهم أبو سفيان، يرعبونهم ويرهبونهم، ونزلت آية: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ..?([139]) فلما بلغوا بدراً وجدوا أسواقاً لا ينازعهم فيها أحد [وفي الحلبية([140]) فأنزل الله: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ..?]..
وقال مجاهد وعكرمة: في هذه الغزوة نزل قوله تعالى: ?الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله وَالرَّسُولِ..?([141]).
وعند أكثر المفسرين: نزلت هذه الآية في غزوة حمراء الأسد.
وبلغ المسلمون بدراً ليلة هلال ذي القعدة. والصحيح في شعبان.
وقد أقام النبي "صلى الله عليه وآله" بها ثمانية أيام، ينتظر أبا سفيان.
وباع المسلمون تجاراتهم وبضائعهم في سوق بدر، وأصابوا بالدرهم درهمين.
وقد سمع الناس بمسيرهم، وذهب صيت جيشهم إلى كل جانب، فكبت الله بذلك عدوهم.
وانصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.
أما المشركون فرأى لهم أبو سفيان أن يخرجوا، فيسيروا ليلة أو ليلتين، ثم يرجعون؛ فإن كان محمد قد خرج احتجوا بأن السنة كانت سنة جدب، وإن لم يخرج كانت هذه لهم عليه.
فخرجوا، وهم ألفان، ومعهم خمسون فرساً، حتى انتهوا إلى مجنّة، وهو سوق معروف بناحية الظهران، وقيل: إلى عسفان، ثم رجعوا.
وفي نص آخر: أن ابن حمام قدم على قريش، فأخبرهم بمسير المسلمين إلى بدر، فأُرعب أبو سفيان، ورجع إلى مكة. فسماهم أهل مكة: جيش السويق. أي خرجوا يشربون السويق.
وبلغ المشركين خروج المسلمين إلى بدر وكثرتهم، وأنهم كانوا أصحاب الموسم، فقال صفوان بن أمية لأبي سفيان: نهيتك أن تعد القوم، ولم تسمع كلامي. قد اجترؤوا علينا ورأوا: أنَّا قد أخلفناهم، ثم أخذوا بالكيد والتهيؤ لغزوة الخندق.
كانت تلك الصورة مأخوذة من نصوص ذكرت هنا وهناك في المصادر المختلفة([142]) أوردناها في سياق واحد، لتكون الصورة التي يرسمها لنا المؤرخون أكثر انسجاماً، واستجماعاً للملامح الضرورية التي يريدون توجيه الأنظار إليها.
وقد ذكروا أيضاً: أن عبد الله بن رواحة، أو حسان بن ثابت قد قال في جملة أبيات له:
وعـدنـا أبـا سفـيـان وعـداً لم نجد لمـيـعـاده صدقـاً وقد كـان وافيا([143])
ولنا هنا مناقشات وشكوك في بعض ما ذكروه، كما أن لنا بعض الإيضاحات والتحليلات التي ربما تكون مفيدة هنا، ونحن نذكر ذلك فيما يلي من مطالب، فنقول:
آيات سورة آل عمران:
قد تقدم قولهم: إن آية: ?الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِنَ الله وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ الله وَ اللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ?([144]).. قد نزلت في مناسبة بدر الموعد؛ لأن المسلمين قالوا ذلك.
ولكننا لا نستطيع قبول ذلك؛ فعدا عن تناقض الروايات في مكان نزولها: في المدينة، أو في الطريق إلى بدر، أو في بدر نفسها، كما تقدم، نسجل الأمور التالية:
الأول: قال العسقلاني، بالنسبة لآية: ?الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله?: "والصحيح: أن هذه الآية نزلت في شأن حمراء الأسد، كما نص عليه العماد بن كثير"([145]).
وقد روى المحدثون والمؤرخون، والمفسرون: أنها نزلت في حمراء الأسد، فراجع ما رووه عن: ابن عباس، والحسن، وابن جريج، وعائشة، وأبي السائب، والسدي، وقتادة، وأنس، ومن طريق العوفي. وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم([146]).
وروي أيضاً عن أبي رافع بطرق كثيرة، وكذا عن أبي مريم.
وعن جابر، عن الإمام الباقر "عليه السلام": أنها نزلت في علي "عليه السلام" في حمراء الأسد([147]).
الثاني: إن سياق الآيات لا يتلاءم مع غزوة بدر الصغرى، فهي تمدح الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. وذلك إنما يناسب غزوة حمراء الأسد; حيث إن الذين قاموا بها هم خصوص أولئك الذين جرحوا في حرب أحد.
أما في بدر الصغرى، فكان قد مضى عام بكامله على تلك الجراح. ولم يكن في بدر الصغرى نفسها حرب ولا جراح.
الثالث: إن هذه الآيات تتمدح أولئك الذين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم إيماناً. مع أن الروايات التي تتحدث عن قصة بدر الصغرى، قد صرح كثير منها بأن أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد كرهوا الخروج إلى بدر الموعد، حتى نطقوا بتصديق قول نعيم بن مسعود، الذي كان يخذلهم ويُخوِّفهم، واستبشر المنافقون واليهود، حتى بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك، وتظاهرت به الأخبار عنده، حتى خاف رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن لا يخرج منهم أحد.
حتى قال "صلى الله عليه وآله": والذي نفسي بيده، لأخرجن ولو وحدي.
وقال عثمان بن عفان: لقد رأيتنا وقد قذف الرعب في قلوبنا، فما أرى أحداً له نية في الخروج..
مواقف لا بد من التأكد من صحتها:
ويذكر البعض: أن نعيم بن مسعود قدم المدينة: "وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان. أي وصار يطوف فيهم، حتى قذف الرعب في قلوب المسلمين، ولم يبق لهم نية في الخروج، واستبشر المنافقون، واليهود، وقالوا: محمد لا يفلت من هذا الجمع.
فجاء أبو بكر، وعمر، إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد سمعا ما أرجف به المسلمون، وقالا له: يا رسول الله، إن الله مظهر نبيه، ومعز دينه، وقد وعدنا القوم موعداً لا نحب أن نتخلف عنه، فيرون أن هذا جبن. فسر لموعدهم، فوالله إن في ذلك لخيرة.
فسر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك ثم قال: والذي نفسي بيده، لأخرجن، وإن لم يخرج معي أحد، فأذهب الله عنهم ما كانوا يجدون، وحمل لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب الخ.."([148]).
ونقول:
إن ما يذكر هنا من موقف لأبي بكر وعمر لا يتلاءم مع سائر مواقفهما في مناسبات كهذه، فراجع موقفهما في غزوة بدر مثلاً، ثم موقفهما في الأحزاب، وخيبر، وغيرها. بالإضافة إلى فرارهما في المواطن، ومنها غزوة أُحد، وهي الغزوة التي ضرب فيها الموعد لبدر الصغرى هذه!!
وقد تقدم: أن المسلمين كرهوا الخروج، وتظاهرت بذلك الأخبار عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى خاف أن لا يخرج معه أحد، وقال: والذي نفسي بيده لأخرجن، ولو لوحدي.
وقال عثمان بن عفان: لقد رأيتنا، وقد قذف الرعب في قلوبنا فما أرى أحداً له نية في الخروج. فكلام عثمان نكرة في سياق النفي يشمل حتى عمر وأبا بكر، فلا يتلاءم مع ما يذكر من موقفهما هنا.
فإن صح ما نقل عن الشيخين هنا، ولا أراه يصح، فإننا نجد أنفسنا أمام احتمالين، لا بد أن يكون أحدهما هو السبب ونرجح ثانيهما، وهما:
الأول: أن يكونا قد رأيا تصميم رسول الله "صلى الله عليه وآله" على المسير، إلى درجة عرفا أنه "صلى الله عليه وآله" لن يتراجع عن قراره بأي ثمن كان، ولو كان وحده.
فموقفهما هذا لن يكون له أثر في ذلك، ولسوف يكون مفيداً في تسجيل موقف إيجابي لهما، يمكن أن يكون مفيداً لهما في تحسين موقعهما عند النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين، ولا سيما بعد فرارهما في أحد، وبعد مشورتهما المتخاذلة في بدر.
الثاني: إنهما ربما يكونان قد وقفا من نعيم بن مسعود، أو من غيره على حقيقة أمر أهل مكة، وأنهم خائفون من مواجهة النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين بالحرب، لا سيما مع ما نلمحه من وجود قدر من التفاهم والانسجام في المواقف أحياناً، كما تقدم في غزوة بدر، حول الاستشارة في الحرب، ثم في قصة الأسرى، وبعد ذلك في غزوة أحد حينما وضعنا بعض علامات الاستفهام حول تحركات الخليفة الثاني.
والخلاصة: أنهما إذا كانا قد علما بحقيقة أمر المشركين، فهما يعلمان مسبقاً: أن خروج النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين إلى بدر الموعد لن يشكل أي خطر على مشركي قريش، إلا من الناحية الإعلامية والسياسية والنفسية. كما أنهما نفسيهما سوف لا يواجهان أي خطر يخشيانه، ولو في ضمن زحمة المعركة، كما قد حصل في أحد.
الأفراح والأتراح:
إننا ـ وإن كنا نقدر الواقدي في حدود معينة، ونراه منصفاً شيئاً ما، وهو من حيث نقله ينقل سيرة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" ـ بصورة أفضل وأدق مما ينقلها البعض، ولكننا نعتب عليه أحياناً ـ ليس لأجل إيراده ما ثبت بالدليل القاطع زيفه، أو التزيد فيه من الرواة، فإن ذلك أمر مألوف ومعروف، ولم ينج منه مؤلف في قضايا التاريخ وغيرها ـ بل لأجل وقوعه أحياناً ـ كغيره ـ في المتناقضات، أو فريسة لأصحاب الأهواء، وأهل الزيغ من الحاقدين والموتورين، وقد وقع هنا في هذا الخطأ بالذات، حين صور لنا أن المشركين كانوا يعيشون أفراح التأهب لحرب بدر الموعد، وكان المسلمون يعيشون الأتراح، ويهيمن عليهم الرعب والخوف والجبن، فهو يقول عن المشركين:
"وتهيأوا للخروج، وأجلبوا. وكان هذا عندهم أعظم الأيام، لأنهم رجعوا من أحد والدولة لهم، طمعوا في بدر الموعد أيضاً بمثل ذلك من الظفر"([149]).
ويقول عن المسلمين: "فيقدم القادم على أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فيراهم على تجهز، فيقول: تركت أبا سفيان قد جمع الجموع، وسار في العرب ليسير إليكم لموعدكم، فيكره ذلك المسلمون، ويهيبهم ذلك"([150]).
ونقول:
قد ذكرنا في بداية الحديث: أن المشركين لم ينتصروا في أحد، بل انهزموا هزيمة نكراء.
وقد اتضح لديهم: أن ما جرى على المسلمين آنئذٍ لن يتكرر في المستقبل، لأن ذلك إنما نشأ عن عدم الانضباطية لدى الرماة، الذين كانوا يحرسون في الجبل، ولم يكن بسبب ضعف في القدرات الحربية، ولا لجبن في المقاتلين، أو خور في عزائمهم، ولا بسبب تفرق الأهواء، ولا لأجل نقص في كفاءة القيادة. وإنما هو مجرد خطأ شخصي أعقبته حركة قتالية فريدة، تجلت فيها كفاءات لا يمكن مواجهتها، في أي زمان أو مكان، ولا سيما من علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، ثم بعض من لحقه من الصحابة الأخيار.
فلا معنى إذن: لابتهاج المشركين بحرب، لو كانت تشبه حرب أحد، فذلك يعني الدمار الكامل والشامل لهم.
وأما بالنسبة لحالة المسلمين، التي تحدث عنها الواقدي، فنحن لا نوافق المؤرخين، ولا المحدثين على ما ذكروه من خوف شامل في المسلمين من مواجهة المشركين في بدر الموعد؛ إذ لم يكن ثمة مبرر لذلك، لا سيما بعد أن حقق المسلمون انتصارات رائعة ومثيرة على المشركين في بدر وأحد، رغم خطأ الرماة الذي تسبب بحدوث كارثة.
ثم إنهم بجهود علي "عليه السلام" تلافوا الخطأ وهزموا عدوهم.
هذا بالإضافة إلى انتصاراتهم على اليهود، ثم تحركهم في المنطقة بصورة زادت من هيمنتهم ونفوذهم، وجعلتهم أكثر قوة وشوكة وثقة بالمستقبل.
ولنا أن نتساءل: إذا كان المسلمون ارتعبوا حتى خاف النبي "صلى الله عليه وآله" أن لا يخرج معه أحد، فكيف ارتفع هذا الخوف عنهم، حتى خرج من الشجعان معه ألف وخمس مئة رجل، مع أن الذين خرجوا معه إلى أُحد؛ ليدافعوا عن بلدهم المدينة، كانوا ألف رجل (رجع منهم ثلاث مئة مع ابن أبي) مع الإشارة إلى أن عدد المسلمين لم يكن يزيد عن الخارجين معه إلا يسيراً.
وهل يمكن أن يذكر لنا التاريخ اسم واحد من أولئك الذين تخلفوا عن الخروج خوفاً وجبناً؟!
أما مشركو مكة فقد تقلص نفوذهم في المنطقة بدرجة كبيرة، وتشكك كثير من الناس في قدرتهم على تحقيق نصر حاسم على المسلمين بسهولة، لا سيما بعد الهزائم سياسياً وعسكرياً التي لحقت بهم حسبما أشرنا إليه، ثم ما تتعرض له قوافلهم التجارية، وعدم قدرتهم على توفير الأمن لها، بالإضافة إلى توسع منطقة نفوذ المسلمين وتحالفاتهم، على حساب ما كان لهم من نفوذ وتحالفات.
ولعل ما يقال: عن رعب في المسلمين وتلكُّؤ قد أريد له أن يجسد المصداق للآيات التي تتحدث عن تخويف الناس لهم، مع أن الآيات تذكر تكذيباً لهذه الشائعة، وأن هذا التخويف قد زاد المسلمين إيماناً وتصميماً، ومع أن الآيات إنما نزلت في غزوة حمراء الأسد.
ولعله قد أريد ترتيب أجواء مناسبة، ليقدِّم أبو بكر وعمر مشورتهما بلزوم المواجهة، لتظهر شجاعتهما دون سائر المسلمين، وليعوضهما ذلك بعض ما كانا قد فقداه في حالات سابقة.
ولعل فيما ذكرناه كفاية لمن أراد الرشد والهداية.
المجتمع المفتوح:
وقد قرأنا فيما تقدم: أن نعيم بن مسعود الأشجعي، قد ذهب إلى المدينة بهدف تخذيل المسلمين عن الخروج إلى بدر الموعد. ولعل تردد المشركين إلى المدينة بتجاراتهم، ومتابعة شؤونهم ومصالحهم، هو من الأمور الواضحة والبديهية تاريخياً.
وربما يحمل ذلك بعض السلبيات للمسلمين أحياناً، كما لوحظ في هذه المرة، التي قام فيها نعيم بدور مخرب، ومضر جداً.
ولكن من الواضح: أن الإسلام وهو يريد للآخرين، الذين يناوئونه أن يعيدوا النظر في مواقفهم، فترة بعد أخرى، فكان بعيداً عن أجواء التشنج يفسح لهم المجال للتعامل مع المسلمين بصورة مباشرة، ليلتمسوا بأنفسهم وبصورة عملية وميدانية محاسن الإسلام، وآدابه، وسياساته، وكل آفاقه بحرية تامة، ومن دون الاعتماد على الشائعات، ولا على الإعلام الموجه الذي قد يتحفظ الكثيرون تجاهه، لأنهم قد يتخيلونه غير قادر على أن يعكس بعض الواقعيات بدقة وأمانة.
ثم إن هذا التعامل الطبيعي والحر من شأنه أن يزيل عُقداً كثيرة ربما لا يمكن إزالتها بدونه، بل هي قد تزيد رسوخاً وتجذراً، وتتراكم حولها وفيها الأدران إلى درجة كبيرة وخطيرة، إذا كانت الأبواب موصدة أمامهم، ولا يعرفون عن الإسلام والمسلمين إلا نتفاً قد تتسرب ـ لسبب أو لآخر ـ فتصل إليهم سليمة أو مشوهة، حسب الظروف.
وبعد.. فإن الإسلام واثق من كل ما لديه، وليس ثمة شيء محرج له على الإطلاق، لا في المجال العقيدي، ولا التشريعي، ولا السلوكي، ولا في دائرة الدوافع والنوايا، ولا في محيط المرامي والأهداف، ولا في غير ذلك من مجالات.
وأما ما ينشأ عن التعامل مع المشركين من سلبيات أحياناً، فإنه يمكن تلافيه، ولا أقل يمكن التقليل من آثاره وأخطاره من خلال تحصين الأمة بالوعي، وبالإيمان، وبالتربية الصالحة في مختلف المجالات. بالإضافة إلى الدور الأساسي والمحوري، الذي تقوم به القيادة المؤهلة ـ وحدها ـ لأن تهدي الأمة، وتقودها إلى الفلاح، والسداد والنجاح، وهي قيادة الأنبياء، والأئمة المعصومين "عليهم الصلاة والسلام".
استخلاف ابن أبي على المدينة:
وقد ذكر في ما تقدم: أن هناك من يقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استخلف عبد الله بن أبي بن سلول على المدينة، حين سار إلى بدر الموعد.
ونحن نشك: في صحة ذلك ونرجح أن يكون ابن رواحة هو المستخلف عليها، كما ذكرته نصوص كثيرة أخرى؛ إذ من البعيد أن يستخلف النبي "صلى الله عليه وآله" رأس النفاق، ذلك الرجل الذي كان يميل إلى المشركين واليهود أكثر مما كان يميل إلى المسلمين، ولم تزل تظهر منه فلتات وكلمات خطيرة، لو أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يجازيه عليها، لم يكن جزاؤه أقل من القتل؛ وإنما استخلف "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" في غزوة تبوك خوفاً من تحرك المنافقين فيها كما سنرى إن شاء الله.
إلا أن يقال: إن من الممكن أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" يريد أن يتألفه بذلك، كما كان يتألف غيره بإسناد بعض المهام إليهم.
قوة الإسلام:
قال الواقدي: "وأقبل رجل من بني ضمرة، يقال له: مخشي بن عمرو ـ وهو الذي حالف رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قومه، حين غزا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ودّان في المرة الأولى ـ فقام ـ والناس مجتمعون في سوقهم، وأصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" أكثر أهل ذلك الموسم ـ فقال: يا محمد، قد أخبرنا: أنه لم يبق منكم أحد، فما أعلمكم إلا أهل الموسم!
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ ليرفع ذلك إلى عدوه من قريش: ما أخرجنا إلا موعد أبي سفيان، وقتال عدونا، وإن شئت مع ذلك ـ نبذنا إليك، وإلى قومك العهد، ثم جادلناكم قبل أن نبرح من منزلنا هذا.
فقال الضمري: بل نكف أيدينا عنكم، ونتمسك بحلفك. وسمع بذلك معبد بن أبي معبد الخزاعي، فانطلق سريعاً، وكان مقيماً ثمانية أيام، وقد رأى أهل الموسم، ورأى أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وسمع كلام مخشي؛ فانطلق حتى قدم مكة، فكان أول من قدم بخبر موسم بدر. فسألوه فأخبرهم بكثرة أصحاب محمد، وأنهم أهل ذلك الموسم، وما سمع من قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" للضمري.
وقال: محمد في ألفين من أصحابه الخ..
قال البيهقي: فأفزعهم ذلك، ثم يذكر ملامة صفوان بن أمية لأبي سفيان"([151]).
وقد يستشف البعض من هذه القضية: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أحس من مخشي بن عمرو: أنه قد قال ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية؛ فقابله النبي "صلى الله عليه وآله" بهذا الأسلوب([152]).
ومن الواضح: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن لينقض العهد، ولا يباشر حرباً مع أحد إلا إذا اضطرته الظروف وكان مع ذلك لين الطبع كريم النفس، قد بلغ الغاية من النبل والأخلاق الكريمة، حتى أنزل الله فيه: ?وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ?([153]).
وبعبارة أخرى: إنه إنما اتخذ هذا الموقف من أجل أن يعيد إلى ذلك الرجل توازنه، وليفهمه: أن الأمور أعمق وأخطر من أن يتلاعب ويستخف بها قاصرو النظر، الذين لا يشعرون بالمسؤولية، ولا يحسنون فهم الأمور.
ونقول:
إن كلام مخشي بن عمرو لا يوحي بأنه كان في مقام الاستهزاء، غير أن من الواضح: أن هذا الرجل، كان يسعده أن يرى المسلمين وقد أبيدت خضراؤهم، وقتلت رجالهم، وسبيت نساؤهم، ولعله صدق ما بلغه من ذلك، ثم فوجئ بعكس ما كان يتوقعه وسمع به. فجاء ليعرف السر في ذلك، وكأنه كان على قناعة بأن مشركي مكة قادرون على ذلك، وأن المسلمين على درجة كبيرة من الضعف والوهن في قبال المشركين.
وربما يكون ما جرى في أحد، الذي لم ينقل إليه، والى سائر الناس، في صورته الحقيقية قد عزز هذه القناعة لديه، لأنه إنما وقف على نتائج حرب أحد، ولم يعرف ملابساتها، وأنها لم تكن نتيجة ضعف حقيقي في عزيمة المسلمين، ولا لتخاذل منهم في ساحة الحرب والجهاد، وبذل المهج، وخوض اللجج في سبيل الله سبحانه، كما أنه لم يكن لأجل قوة متميزة في جانب عدوهم جعلته ينتزع النصر انتزاعاً استناداً إلى قوة السيف، والسنان، وثبات في العزيمة، وشجاعة في الجنان، كما ربما يحاول القرشيون أن يشيعوه.
فأراد رسول الله الأعظم "صلى الله عليه وآله": أن يبدد هذه الغشاوة عن بصره وبصر كل من يسمعون، أو سوف يبلغهم هذا القول، ويواجهه بالحقيقة الناصعة، ويقول له: إنه "صلى الله عليه وآله" ليس فقط قادراً على سحق قريش بكل ما لديها من حشد وعتاد وقوة، وإنما هو على استعداد لمواجهتها ومعها كل من يلتقون معها ويشاركونها الموقف والرأي، والبغي على الإسلام والمسلمين.
وقد أساءت قريش لنفسها حينما صورت للناس ضآلة أمر المسلمين، وضعفهم، فها قد انكشفت للناس أكاذيبها، ورأى الناس حتى القادمون من تجار وغيرهم بأم أعينهم قوة المسلمين، وعزتهم.
فإذا كان مخشي، قومه، بل وكذلك سائر القبائل التي حضرت ذلك الموسم التجاري الواسع، قد تحركت في نفوسهم نوازع خيانية، أو خالجتهم أحاسيس حول ضعف المسلمين، أو شعروا: أن لقريش بعض القوة بسبب ما جرى في أحد، فإن عليهم أن يتأكدوا من صحة تصوراتهم ومعلوماتهم قبل أن يقدموا على أي عمل، أو يتخذوا أي قرار.
فهناك أمور قد خفيت عليهم حتماً وجزماً. وما جرى في أحد لا يمكن أن يكون معياراً وميزاناً، ولا يفيدهم شيئاً في حسابات الربح والخسارة، والنصر والهزيمة، والقوة والضعف.
فقولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" إنما أراد بذلك مقابلة حالة الاستهزاء والسخرية بالتهديد بنقض العهد لا يصح، فإن جوابه "صلى الله عليه وآله" لا يتلاءم وهذا الأمر؛ وذلك لأنه "صلى الله عليه وآله" قد أعطى لمخشي وقومه حرية التصرف في هذا الاتجاه، واكتفى هو بالاحتفاظ لنفسه بحق المقابلة بالموقف الحازم والحاسم لو نقض الآخرون عهدهم. وذلك ظاهر لا يخفى.
لا بد من الندم:
إن من الواضح: أن ما أقدم عليه أبو سفيان في نهاية حرب أحد، حيث قطع على نفسه وعداً بلقاء المسلمين بعد عام في بدر الصغرى، كان خطأ فاحشاً، ورأياً فطيراً، تعوزه البصيرة بالأمور، والواقعية في النظرة وفي الموقف.
وذلك لأن المسلمين، بعد ما جرى في أحد، قد أصبحوا أكثر تصميماً على توجيه ضربة موجعة وقوية لكبرياء قريش، بعد أن وترتهم في حرب أُحد، التي لا بد أن يكون المسلمون قد استفادوا منها الدروس والعبر، ولن يسمحوا أبداً بتكرر الخطأ الذي وقعوا فيه فيها، مهما كان الثمن.
وقد أدرك أبو سفيان خطأه الكبير ذاك، ولكن بعد فوات الأوان، وكان صفوان بن أمية قد نبهه إلى ذلك فلم يلتفت إليه.
وذلك لأن المشركين، وإن كانوا قد فاجأوا المسلمين في بلادهم، ولم يجدوا الفرصة للإعداد والاستعداد، ولكن المشركين لم يحققوا ما حققوه في تلك الحرب نتيجة لتنامي قدراتهم القتالية، ولا لأجل ضعف في المسليمن. وذلك لأن القوى وإن لم تكن متكافئة بين الفريقين من حيث العدد والعدة، إلا أن حرب بدر قد أثبتت للجميع: أن ذلك ليس هو الفيصل في الحرب، وليس هو الذي يقرر نتائجها.
هذا بالإضافة إلى أن حرب أحد نفسها قد أثبتت للمشركين: أن نتائج هذه الحرب ـ لو استمرت ـ لن تكون أفضل من نتائج حرب بدر، لولا الخطأ الذي ارتكبه الرماة على الجبل حيث جعلهم النبي "صلى الله عليه وآله" هناك ليمنعوا من حصول أي تسلل محتمل للعدو فتركوا مراكزهم، من أجل الحصول على بعض الغنائم، ثم تسلل المشركون من ذلك الموضع بالذات، وأوقعوا بالمسلمين الذين كانوا قد انصرفوا عن الحرب إلى جمع الغنائم، حسبما أوضحناه في غزوة أحد في جزء سابق.
وحتى بعد أن بدأ المسلمون يستعيدون وضعهم القتالي، فإن المشركين أحسوا بالخطر الداهم، فآثروا ترك ساحة القتال والانصراف إلى مكة.
فلو كان بإمكانهم تسجيل نصر حاسم، فلن يجدوا المسلمين في حالة أضعف من الحالة التي هم عليها الآن، وقد كان يهمهم جداً إنهاء أمر المسلمين، والقضاء عليهم نهائياً والى الأبد.
وحتى حينما كان أبو سفيان يطلق وعوده باللقاء في بدر من العام المقبل، متبجحاً بما تحقق لهم في معركة أحد، فإنه لم يكن في موقع يمكنه من حسم الأمر لصالحه ولصالح المشركين آنئذٍ.
وقد أدرك في وقت متأخر: أن الخطأ الذي وقع فيه المسلمون في أحد ربما لن يتكرر في المستقبل، مع إدراكه أن أي حرب سيخوضها ضد المسلمين، سوف يكون المسلمون فيها أكثر استبسالاً وأعظم بلاء من ذي قبل.
كما أنهم سوف يكونون أكثر التزاماً بأوامر قيادتهم الإلهية، بعد أن صح لهم أن تلك القيادة لا تنقصها الحكمة ولا الشجاعة، ولا التدبير، وقد لمسوا صوابية مواقفها، وبُعد نظرتها إلى الأمور، ودفعوا ثمن التساهل في الالتزام بأوامرها غالياً، وغالياً جداً.
ومن هنا: فإننا لا نفاجأ إذا رأينا المسلمين يصرون على الاحتفاظ بزمام المبادرة، وعلى الهيمنة العسكرية على المنطقة.
وكان لا بد لأبي سفيان من الاحتفاظ بماء الوجه، ولو شكلياً، ولكنه فشل في ذلك، حتى اضطر إلى أن يتراجع، ويخلف في وعده، متذرعاً بما لا يخفى على أحد وهنه وعدم واقعيته. حتى إن أهـالي مكة أنفسهم كـانـوا يتندرون بما حدث، ويسمون جيشهم المهزوم روحياً ونفسياً، بأنهم جيش السويق، أي أنهم خرجوا لشرب السويق في الطريق، لا للحرب، والقتال.
ولو كان العام عام جدب فعلاً، فلماذا خرج أبو سفيان بهذا الجيش الكثيف من مكة؟ ألم يكن يدري حين جهز جيشه بهذا الجدب الذي زعمه، ثم اكتشفه بعد أن قطع مسافة من الطريق، وبلغ إلى مجنّة من ناحية مرّ الظهران؟!.
الإنتظار ثمانية أيام:
وإذا كانت بدر تستضيف الكثيرين الذين يأتونها من مناطق مختلفة، لأجل السوق؛ فإن حضور المسلمين في هذا السوق على هذه الصورة الملفتة والمثيرة، لسوف يكون له تأثيره القوي على الناس الذين يعيشون في المناطق على اختلافها. خصوصاً إذا لاحظ الناس هذا الإصرار من المسلمين على لقاء عدوهم، حتى إنهم لينتظرون ثمانية أيام، ثم يتخلف عدوهم عن الحضور، رغم أنه كان هو الطالب والراغب بمناجزة المسلمين وقتالهم في هذا الموضع.
وإذا كان هذا العدو هو مشركو مكة؛ بما لها من هيبة، ونفوذ، وليس عدواً عادياً من سائر القبائل، فإن القضية سوف تصبح أكثر حساسية بالنسبة لأولئك الناس، ولسوف يكون لها أكثر من مغزى عميق ودقيق، وأكثر من أثر سلبي وإيجابي على مشاعرهم وأحاسيسهم، وعلى نظرتهم إلى المستقبل، بصورة عامة.
وهكذا: فإن الكل سوف يدرك أن ما جرى في أحد لم يؤثر ولم يغير في المعادلة شيئاً، إن لم نقل: إنه قد كانت له آثار سلبية على المشركين، وإيجابية على المسلمين كما هو ظاهر.
الإتجار في بدر الموعد:
إن البعض قد رأى: أنه من غير المعقول أن يحمل المسلمون معهم إلى بدر بضائع للتجارة، ما داموا ذاهبين إلى القتال، وإلى منطقة يجتمع فيها خلائق من الناس الذين يلتقون مع قريش في أهدافها، وفي عقائدها ومواقفها تجاه الإسلام والمسلمين.
إذن.. فموضع لقاء المسلمين بالمشركين ليس هو بدر التي هي سوق للعرب.
كما أنهم قد ذهبوا إلى الحرب بلا بضائع، وليس لأجل البيع والشراء([154]).
ونقول:
إننا لا نستطيع أن نوافق هذا الباحث على رأيه المشار إليه، وذلك لأن سوق بدر لم يكن المجتمعون فيه مستدعين لخوض حرب تحتاج إلى تجهيزات كثيرة ومتنوعة، من خيول ودروع وأعتدة مختلفة.
كما أن سيطرة الجيش الإسلامي على الموقف سوف تمنحه الفرصة للتعامل مع الآخرين وعقد الصفقات التجارية بكل طمأنينة وثقة.
أضف إلى ذلك: أن جهاز الاستخبارات الإسلامي كان من القوة بحيث إنه كان يرصد أي تحرك يحصل في مختلف أنحاء الجزيرة العربية على اتساعها وترامي أطرافها، وينهيه إلى الرسول الأكرم في الموقع المناسب.
ويدل على ذلك: أنا نجد النبي "صلى الله عليه وآله" يفاجئ أعداءه، الذين يتآمرون، ويتأهبون لقتاله، وهم غارون، وقبل أن تصدر منهم أية بادرة أو أن يجدوا الفرصة لأي تحرك والتفاف، ولو من خلال إعادة تنظيم أمرهم، ولم شعثهم.
فجهاز الاستخبارات هذا لا يعجز عن رصد حالة الناس في تلك السوق. كما أنه لا يعجز عن موافاة النبي "صلى الله عليه وآله" في الوقت المناسب بحقيقة نوايا قريش، وما أزمعت عليه من كيد ومكر إعلامي فاشل.
ومن الجهة الأخرى: فإن المسلمين كانوا وما زالوا رغم حروبهم مع أعدائهم منفتحين حتى على أولئك الأعداء في النواحي التجارية والإنمائية.
حتى إننا لنجد تجار المشركين لا يزالون يترددون على المدينة بتجاراتهم المختلفة.
ويحدثنا التاريخ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه كان يشجع هذا التوجه بصورة عامة. كما أوضحناه في كتابنا: السوق في ظل الدولة الإسلامية، فراجع.
ويكفي أن نذكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أطلق الصناع وأصحاب الحرف في خيبر لينتفع بهم المسلمون، كما سيأتي حين الحديث عن غزوة خيبر.
فالجيش الإسلامي إذن لا بد أن يقدم نموذجاً من الوفاء والتضحية والانضباطية أولاً. كما أنه في نفس الوقت يقيم علاقات تجارية مع الآخرين، ويتعامل معهم بطريقة سليمة وعفوية، وبريئة، من خلال إحساسه بالثقة وبالقوة والثبات.
أضف إلى ذلك: أن المسلمين كانوا يشكون في وفاء أبي سفيان بالوعد، قال: موسى بن عقبة: "وخرجوا ببضائعهم، وقالوا: إن لقينا أبا سفيان فهو الذي خرجنا له، وإن لم نلقه ابتعنا ببضائعنا"([155]).
ومن يدري فلعل النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه قد طلب من المسلمين ذلك، من أجل خدمة تلك العلاقات والروابط بالذات، ومن أجل أهداف تدخل في نطاق الحرب الإعلامية والنفسية للأعداء، وإعطاء فرص إيجابية إلى أولئك الآخرين الذين كانوا ينتفعون من هذه الفرص لتركيز قناعاتهم، وتبلور مفاهيمهم عن الإسلام والمسلمين، الأمر الذي ستكون له إيجابياته في المستقبل.
غزوة دومة الجندل:
إيضاحات:
1 ـ دومة الجندل: مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال، وتبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة. وهي بقرب تبوك([156]).
وقيل: دومة الجندل: اسم حصن([157]).
2 ـ صاحب دومة الجندل هو أكيدر بن عبد الملك الكندي، وهو يدين بالنصرانية، وهو في طاعة هرقل ملك الروم([158]).
3 ـ هذه الغزوة أول غزوات النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الروم([159]).
4 ـ قال المقدسي عن سنة خمس من الهجرة: "وهي سنة الزلازل"([160]).
تاريخ هذه الغزوة:
صرح البعض: بأن دومة الجندل كانت في أواخر السنة الرابعة([161]).
وقال بعض آخر: إنها كانت بعد غزوة ذات الرقاع بشهرين وأربعة أيام([162]).
وثالث يقول: إن الخندق كانت في السنة الرابعة،ودومة الجندل بعدها في الخامسة([163]).
والأكثرون على أنها كانت في السنة الخامسة في شهر ربيع الأول منها([164]).
وعند ابن سعد: في شهر ربيع الأول على رأس تسعة وأربعين شهراً من مهاجره([165]).
هذه الغزوة:
قال البعض: "أراد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن يدنو إلى أدنى الشام، وقيل له: إنها طرف من أفواه الشام؛ فلو دنوت لها كان ذلك مما يفزع قيصر الخ.."([166]).
وقال بعض آخر: إنهم كانوا يعترضون المسافرين إلى المدينة وتجارهم([167]).
غير أن جمعاً آخر من المؤرخين يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" سمع أن جمعاً من قضاعة وغسان تجمعوا بكثرة في دومة الجندل. وكان بها سوق عظيم، وتجار، بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله": أنهم يظلمون من مر بهم. وأنهم يريدون أن يدنوا من المدينة.
فاستخلف "صلى الله عليه وآله" على المدينة سبـاع بن عُرفُطة الغفاري ـ وعند المسعودي: استخلف ابن أم مكتوم ـ وخرج لخمس ليال بقين من شهر ربيع الأول في ألف من أصحابه.
فكان يسير الليل ويكمن النهار، ومعه دليل من بني عُذْرة يقال له مذكور. وقد نكب عن طريقهم، فلما كان بينه وبين دومة يوم قال الدليل: يا رسول الله، إن سوائمهم ترعى عندك؛ فأقم حتى أنظر.
وسار مذكور حتى وجد آثار النعم؛ فرجع وقد عرف مواضعهم؛ فهجم النبي "صلى الله عليه وآله" على ماشيتهم؛ فأصاب من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه.
وجاء الخبر إلى دومة الجندل، فتفرقوا، ورجع النبي "صلى الله عليه وآله".
وفي نص آخر: ونذر بـه القوم، فتفرقـوا؛ فلم يجد إلا النعم والشـاء، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب، وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة، فتفرقوا.
ونزل "صلى الله عليه وآله" بساحتهم، فلم يلق بها أحداً؛ فأقام بها أياماً، وبث السرايا، وفرقها؛ فرجعوا ولم يصادفوا منهم أحداً ورجعت السرية بالقطعة من الإبل.
فرجع "صلى الله عليه وآله"، ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر، فكانت غيبته خمساً وعشرين ليلة([168]).
وقال المقدسي: "إن التجار والسابلة شكوا أكيدر الكندي عامل هرقل عليها، فسار إليها في ألف رجل، يسير الليل ويكمن النهار، وأحس بذلك أكيدر فهرب، واحتمل الرحل، وخلى السوق، وتفرق أهلها، فلم يجد رسول الله "صلى الله عليه وآله" أحداً، فرجع"([169]).
كانت تلك صورة عما يقوله المؤرخون عن هذه الغزوة قد جمعنا شتاتها، وألفنا بين متفرقاتها ومختلفاتها، فراجع المصادر التي في الهوامش.
وقبل أن نواصل الحديث نتوقف قليلاً لنسجل بعض الملاحظات والتحفظات فنقول:
مدة غيبته ' عن المدينة:
قولهم: إن مدة غيبته "صلى الله عليه وآله" عن المدينة في هذه الغزوة كانت خمساً وعشرين ليلة لا يصح.
لأنهم يقولون: إن دومة الجندل تبعد عن المدينة مسافة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة([170])، فالذهاب والإياب منها وإليها لسوف يستغرق أكثر من شهر.
يضاف إلى ذلك: أنه كان يسير الليل ويكمن النهار، فقد يحتاج المسير إليها والحالة هذه إلى أكثر من ذلك أيضاً.
هذا بالإضافة إلى أنهم يقولون: إنه أقام بها أياماً يبث السرايا، فكيف تكون مدة غيبته عن المدينة خمساً وعشرين ليلة فقط؟!.
رجوع النبي ' قبل بلوغ دومة!!
قد ادَّعى البعض، كابن هشام: أن النبي "صلى الله عليه وآله" رجع قبل أن يصل إلى دومة الجندل([171]).
وقد يكون لنا الحق في أن نشك في صحة هذا القول، ما دام أنه يعطي انطباعاً سلبياً عن حالة المسلمين، فإن الرجوع لا بد أن يكون لأحد سببين، أو كليهما، وكلاهما مرفوض.
وهما:
الأول: إنه خاف من التعرض لقيصر، فإنه قد راجع حساباته في الطريق؛ فأدرك أن هذا في غير صالحه؛ فآثر الرجوع، ولو تسبب ذلك بنوع من الشعور بالضعف لدى المسلمين، وسوف يؤكد ذلك هيبة ملك الروم في نفوسهم، وهذا مما لا يمكن قبوله في حق النبي "صلى الله عليه وآله".
الثاني: إنه قد أحس بأن المدينة تتعرض لخطر من نوع ما في حال غيابه عنها، سواء من داخلها، من قبل المنافقين واليهود وغيرهم ممن لم يسلم حتى الآن، أو من خارجها، من قبل قريش ومن معها من المشركين المتربصين حول المدينة، وفي سائر المناطق.
وهذه أيضاً نقطة ضعف أخرى، كان من المفروض أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد حسب حسابها، وأعد العدة لمواجهتها، قبل أن يخرج من المدينة. فلا يمكن أيضاً قبول هذا السبب لما يتضمنه من نسبة القصور أو التقصير ـ والعياذ بالله ـ إلى ساحة قدس النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".
التوجيه الأقرب:
وإذا صح أنه رجع ولم يبلغها، فالأظهر أنه قد بلغه أن أهلها قد عرفوا بمسيره إليهم، فتنحوا عنها إلى جهة غير معلومة، بحيث لم يعد ثمة فائدة من المسير إليهم.
لكن الذي يعترض طريق قبول ذلك هو تلك التفاصيل الكثيرة والدقيقة التي يذكرها المؤرخون مما كان قد حصل في غزوة دومة الجندل.
ولا سيما مع تصريحهم، بأنه لما كان بينه وبين دومة الجندل يوم، قال الدليل: يا رسول الله الخ.. وتصريحهم بـأنه أقـام أيامـاً يبث السرايـا في النواحي.
فالأقرب أن يقال: إن هؤلاء الذين ادَّعوا: أنه قد رجع قبل أن يبلغها قد غلطوا في ذلك وليس الغلط من مثل هؤلاء بعزيز.
ونسجل هنا ما يلي:
ألف: إننا نلاحظ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يختار المسير ليلاً والكمون نهاراً، ليمكن له مفاجأة العدو، وأخذه على حين غرة، فيحقق بذلك الغرض من دون أن يتكبد المسلمون خسائر كبيرة، لو أن المشركين كانوا مستعدين للحرب، عارفين بمسير المسلمين إليهم.
ويكون بذلك قد قدم لنا أيضاً مثلاً في التدبير الحربي السليم، الذي يوفر مزيداً من الفرص لتسجيل النصر الحاسم، من خلال الاستفادة من عنصر التخفي في التحرك نحو الهدف المطلوب.
ب: إن تحرك النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين، كان بهدف الحفاظ على حرية حركة الناس، وضرب مصدر المتاعب حينما أصبحت طرق المواصلات والإمدادات والتموين، الذي يأتي عن طريق التجارة مع المناطق الشمالية كسورية وما والاها غير آمنة. إنه "صلى الله عليه وآله" قد تحرك ليصبح طريق الناس آمناً، وليمكنهم من أن يتواصلوا وينفع بعضهم بعضاً من خلال نقل التجارب والمعارف، ونقل المنتجات، وغير ذلك. وهذا يشير إلى أن حق الحرية هذا مقدس، ولا يمكن المساس به من أي كان، وأنه لا يمكن للحاكم العادل أن يقف تجاه انعدام الأمن موقف اللامبالاة، ويعتبر أن ذلك لا يعينه، وإنما هو مسؤولية غيره، بل عليه أن يبادر إلى تحمل مسؤولية حماية حرية الناس في تحركاتهم، وترددهم بتجاراتهم وغيرها، رغم أن ذلك يحمل في طياته خطر الاصطدام بعامل هرقل عظيم الروم، ثم بهرقل ذاته من بعده.
ج: يضاف إلى ما تقدم: أن ما جرى في بدر الموعد، قد أعطى المسلمين المزيد من النشاط، وجعلهم يتحركون بصورة أكثر حيوية وفاعلية، حينما توجهوا إلى شمال الجزيرة، بعد أن توطدت هيبتهم في الجنوب بسبب ما جرى في غزوتي بدر الموعد، وحمراء الأسد، وغيرهما.
ومعنى ذلك هو: أنهم قد عطفوا نظرهم إلى منطقة يعتبر قيصر الروم فيها هو الأقوى، والأعظم نفوذاً، ولا يتوقع القيصر أن تنشأ في جزيرة العرب حركة تجترئ عليه، أو تسمح لنفسها بالتفكير بالتطاول على هيبته وسلطانه.
د: والأكثر وقعاً وتأثيراً في هذه الغزوة: أن نجد النبي "صلى الله عليه وآله" حينما وصل إلى دومة الجندل، وفر أولئك الأشرار منها، قد بقي يبث السرايا والبعوث عدة أيام في مختلف الاتجاهات، بحثاً عن أولئك الأشرار الهاربين.
ومعنى ذلك هو: أن هذا الهجوم قد كان مدروساً بعناية، وهدوء، ويراد له أن يترك آثاره في المنطقة كلها، ولم يكن ثمة تسرع في اتخاذ القرار فيه، ولا كان ناشئاً عن اندفاع عاطفي، أو ما أشبه ذلك.
هـ : إن سرعة تحرك جيش بهذه الكثافة إلى بلد يبعد عنه مسيرة أيام كثيرة وثقته بنفسه، واطمئنانه إلى عدم جرأة أحد على العبث بالأمن في بلده من بعده، ليدل على مدى ثقة هذا الجيش بنفسه وبقدراته، وعلى أنه قادر على تسديد ضربته لكل من تسول له نفسه أن يتآمر أو يشارك في التآمر ضده، وعليه أن يحسب ألف حساب قبل أن يقدم على التحالف مع أعدائه ومناوئيه.
وإذا كان المسلمون أقوياء، فلسوف تتشوف نفوس الكثيرين للتحالف معهم، والوقوف إلى جانبهم، والعيش في كنفهم.
ولا أقل من أنهم سوف يسعون لإقامة علاقات طبيعية معهم. أما التحالف مع الأعداء، ومشاركتهم في مناوأة المسلمين، فإنه يصبح أكثر صعوبة خصوصاً من القبائل التي لا تتوفر لديها أعداد ضخمة وكافية لحماية نفسها من قوة لها هذا النشاط، وبهذا الحجم والمستوى.
وهذا من شأنه أن يضعف أمر قريش، ويقلل من الفرص المتاحة لجمع الحشود، وتحزيب الأحزاب لمواجهة المد الإسلامي العارم.
و : إن النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين وهم يحاولون أن يقللوا من الخسائر البشرية ما أمكنهم، فإنهم يعتمدون طريقة الضغط السياسي والروحي، على الخصم، وكذلك إضعافه اقتصادياً بصورة رئيسية باستيلائهم على مواشيهم وأموالهم، الأمر الذي يضعف مقاومتهم، وقدرتهم على تنظيم المؤامرات، وبذل الأموال لتجييش الجيوش لحرب المسلمين.
وليس ذلك لأجل حب السلب والنهب، وجمع الأموال، والشاهد على ذلك: أننا نجده "صلى الله عليه وآله" يجعل فداء أسير من أسرى المشركين تعليم عشرة أطفال من المسلمين القراءة والكتابة، رغم شدة حاجة المسلمين لأقل شيء من المال. وقد تقدم ذلك في غزوة بدر.
كما أننا نراه "صلى الله عليه وآله" حين يرتكب خالد بن الوليد جريمة في حق بعض القبائل ـ وذلك حينما أرسل خالداً لدعوة بني جذيمة، فآمنهم، فلما وضعوا السلاح أمر بهم فكتفوا، ثم عرضهم على السيف ـ نراه "صلى الله عليه وآله" لما بلغه ذلك تبرأ من فعل خالد، ثم أرسل علياً "عليه السلام" فودى لهم الدماء، وما أصيب لهم من الأموال، حتى إنه ليدي ميلغة الكلب([172]).
دومة الجندل حقيقة أم خيال؟!:
قال العلامة الحسني: "إن أخبار هذه الغزوة أكثرها عن الواقدي، وأخباره في الغالب من نوع المراسيل، ومن البعيد أن يترك النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة قرابة شهر كامل، كما يدَّعي المؤلفون في السيرة، إلى مكان بعيد مسافة تزيد عن خمسة عشر يوماً، والأعراب من حولها لا يزالون على الشرك، وهم يترقبون المسلمين، ويستغلون الفرصة المناسبة للوقيعة بهم. ومن ذا يمنعهم من المدينة إذا غاب عنها النبي "صلى الله عليه وآله" مع ألف من أصحابه وفيها من المنافقين ما لا يقل عدداً عن المسلمين وكانوا على اتصال دائم بقريش وأحلافها من المشركين؟
من البعيد أن يتركها ليغزو أطراف الجزيرة المتاخمة لحدود الشام في مثل هذه الظروف إلا أن يكون مأموراً بذلك من الله سبحانه"([173]).
ونقول:
1 ـ إننا لا نستطيع أن نوافق على ما ذكره العلامة الحسني "رحمه الله"، لأن ذلك لو كان، لكان مانعاً من التحرك نحو أي من المناطق الأخرى، قريبة كانت أو بعيدة. فإن كثيراً من الغزوات كان النبي "صلى الله عليه وآله" يغيب فيها أياماً كثيرة. فقد غاب في غزوة بدر الموعد ست عشرة ليلة، منها ثمانية أيام أقامها في بدر، والباقي في الطريق ذهاباً وإياباً، وكانت غيبته في ذات الرقاع خمس عشرة ليلة، وكانت غيبته في غزوة بني المصطلق ثمانية وعشرين يوماً.
فقد كان بإمكان الأعداء أن يغتنموا فرصة غيابه للإغارة على المدينة، بصورة سريعة وخاطفة، أو احتلالها، لا سيما مع وجود اليهود والمنافقين، والمشركين فيها وحولها.
2 ـ ومن جهة ثانية، فإن سير الأحداث يعطي: أن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" كانت له أجهزة استخبارات قوية وفاعلة لا يفوتها رصد أية تحركات أو تجمعات مريبة، بل وحتى المؤامرات والنوايا أحياناً. وقد كانت مبثوثة في مختلف الأنحاء والأرجاء قريبة كانت أو بعيدة كما ألمحنا إليه فيما سبق.
ومن الواضح: أن مهاجمة المدينة في غياب الرسول "صلى الله عليه وآله" يحتاج إلى جمع قوى كثيرة من مختلف القبائل ولن يخفى ذلك على عيون الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله".
3 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي كان قد عقد تحالفات ومعاهدات كثيرة في المنطقة، كما أنه قد عقد تحالفات مع سكان المدينة أنفسهم، يلزمهم فيها الدفاع والنصر، خصوصاً إذا هوجم، فكيف إذا هوجموا؟
4 ـ وحين يظعن النبي "صلى الله عليه وآله" عن المدينة، فإنه لا يخليها نهائياً، بحيث لا تبقى فيها أية قوة عسكرية قادرة على ضبط الوضع داخلياً، والدفاع ضد العدو الخارجي قدر الإمكان لو دهمهم أمر، وإلى أن يأتي الرسول "صلى الله عليه وآله"، ويمسك هو بزمام المبادرة.
5 ـ مضافاً إلى أن ضرب المدينة في غياب النبي "صلى الله عليه وآله" لا يحسم الأمر، بل هو سوف يعرض من تسول له نفسه ويقدم على ذلك إلى العقاب الصارم، الذي لن يكون قادراً على دفعه عن نفسه. فإن الكل كانوا أصغر من أن يجرؤوا على ذلك، بعد أن عجزت قريش وفشلت ذلك الفشل الذريع. ولم يكن لأي من القبائل ما كان لقريش من قوة وشوكة، ونفوذ ومنعة في المنطقة بأسرها.
ذكريات أبي موسى الأشعري في دومة الجندل:
ويذكر المؤرخون: أن تحكيم الحكمين قد كان بدومة الجندل([174]).
وفي كتاب الخوارج عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "مررت مع أبي موسى بدومة الجندل، فقال: حدثني حبيبي "صلى الله عليه وآله": أنه حكم في بني إسرائيل في هذا الموضع حكمان بالجور، وأنه يحكم في أمتي حكمان بالجور في هذا الموضع.
قال: فما ذهبت الأيام حتى حكم هو وعمرو بن العاص فيما حكماه، قال: فلقيته.
فقلت: يا أبا موسى قد حدثتني عن رسول الله.
فقال: والله المستعان. كذا أورده المجد"([175]).
موادعة عُيينة بن حصن الغادر:
ويذكر المؤرخون: أنه لما رجع النبي "صلى الله عليه وآله" من دومة الجندل وادع عيينة بن حصن الذي كانت أرضه قد أجدبت: أن يرعى بتغلمين وما والاه إلى المراض، وكان ما هناك قد أخصب، وهو موضع بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلاً على طريق الربذة([176]).
وسيأتي: أنه لما سمن حافره، وانتقل إلى أرضه أغار على لقاح([177]) رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالغابة..
حكومة القيم، أم حكومة المشاعر؟!
وغني عن القول هنا: إن عيينة بن حصن كان لا يزال هو ومن معه على الشرك والكفر، الذي كان يناوئ الدعوة الإسلامية بكل الوسائل.
ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" حين سمح له بما سمح يطمع في الحصول على أي نفع من قبله، فلم يكن يريد في مقابل ذلك مالاً، ولا كان يريد منه أن ينصره على عدوه، ويتقوى به على مناوئيه، لا في مال، ولا رجال.
كما أن عيينة لم يكن يملك قوة خارقة للعادة، بحيث يخشاه النبي "صلى الله عليه وآله" وينصاع لما يطلبه منه.
كما أننا نلاحظ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يحاول استغلال حاجة عيينة ومن معه، ليفرض عليهم شروطاً، ويحصل على امتيازات سياسية، أو مادية، أو غير ذلك. بل هو لم يطلب حتى السماح لدعاته بأن يطرحوا مع الناس هناك قضية الإسلام والإيمان، فضلاً عما هو أبعد من ذلك.
بل تصرف النبي "صلى الله عليه وآله" على أساس ما لديه من مثل وقيم، وقناعات ومنطلقات إيمانية وإنسانية، ومن ثوابت أخلاقية ودينية.
فالنبي "صلى الله عليه وآله" يرى أن الحرب إنما تهدف إلى منع قوى الهيمنة والاستكبار من فرض إرادتها، ومصادرة حرية الآخرين في الفكر وفي الإيمان. وإلى دفع غائلة العدو الذي يريد سحق قوى الخير، ونسف قواعد الإيمان. وليس للحرب أي دور حين تجري الأمور بصورة طبيعية. فإن السلاح الذي يعتمد عليه الإسلام هو الدليل القاطع والبرهان الساطع، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن..
بل إن كل الجرائم التي ارتكبها مشركو قريش في حق الإسلام والمسلمين لم تمنع النبي "صلى الله عليه وآله" من إرسال الأموال إلى مكة، حين علم أن أهلها يعانون من ضائقة كبيرة بسبب الجدب.
ولم يكن منطلقه في ذلك، ولا في موقفه هنا من عواطف ثاثرة، تتحرك باندفاع وبعنفوان بصورة غير واعية ولا متزنة في الحالات الطارئة. بل منطلقه "صلى الله عليه وآله" هو القيم والمثل العليا، وكل المعاني الإنسانية الصافية والنبيلة، فليس ثمة تناقض بين الأحاسيس والمشاعر، وبين الموقف الرسالي والمبدئي.
بل إن مشاعره "صلى الله عليه وآله" وأحاسيسه قد نمت وتربت في ظل مبادئه وقيمه ومن خلالها، فمنها تنطلق وإليها تنتهي، وعلى أساسها تقوم وتدوم.
القسم الرابع:من الخندق إلى الحديبية
الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق
الباب الثاني: معركة الخندق
الباب الثالث: غزوة بني قريظة
الباب الرابع: غزوة المريسيع
الباب الخامس: حديث الإفك
الباب السادس: زواج زينب وأحداث أخرى بعد المريسيع
الباب السابع: سرايا وغزوات بين المريسيع والحديبية
آيات حول غزوة الخندق:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الذِينَ خَلوْاْ مِن قَبْلكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ?([178]).
قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَليْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلنَا عَليْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً، إِذْ جَاؤُوكُم مِن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَل مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا، هُنَالكَ ابْتُليَ المُؤْمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالاً شَدِيداً، وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً?.
?وَإِذْ قَالت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْل يَثْرِبَ لا مُقَامَ لكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلا فِرَاراً، وَلوْ دُخِلتْ عَليْهِم مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلبَّثُوا بِهَا إِلا يَسِيراً، وَلقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُولاً، قُل لن يَنفَعَكُمُ الفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِنَ المَوْتِ أَوِ القَتْل وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَليلاً، قُل مَن ذَا الذِي يَعْصِمُكُم مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لهُم مِن دُونِ اللهِ وَليّاً وَلا نَصِيراً، قَدْ يَعْلمُ اللهُ المُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالقَائِلينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِليْنَا وَلا يَأْتُونَ البَأْسَ إِلا قَليلاً، أَشِحَّةً عَليْكُمْ فَإِذَا جَاء الخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِليْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالذِي يُغْشَى عَليْهِ مِنَ المَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الخَوْفُ سَلقُوكُم بِأَلسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلى الخَيْرِ أُوْلئِكَ لمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمَالهُمْ وَكَانَ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيراً، يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلا قَليلاً، لقَدْ كَانَ لكُمْ فِي رَسُول اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً، وَلمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْليماً، مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَليْهِ فَمِنْهُم مَن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً، ليَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ المُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَليْهِمْ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً، وَرَدَّ اللهُ الذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَال وَكَانَ اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً، وَأَنزَل الذِينَ ظَاهَرُوهُم مِنْ أَهْل الكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ وَأَرْضاً لمْ تَطَؤُوهَا وَكَانَ اللهُ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيراً?([179]).
تقديم:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
?الحَمْدُ للّهِ رَبِّ العَالمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَلكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ?.
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، وبعد..
فان حديثنا في هذا االقسم سيكون ـ إن شاء الله ـ عن غزوة الأحزاب: "الخندق" وهي الغزوة التي سميت سورة قرآنية باسمها بسبب أهميتها البالغة..
وحيث إن الحديث عن هذه الغزوة سوف يتخذ منحى تحقيقياً وتتبعياً، بالإضافة إلى وقفات تحليلية سريعة ومقتضبة، ومتناثرة هنا وهناك، فسيكون من الصعب على القارئ لملمة أطراف الحديث وجمع شتات المطالب، وربط بعضها ببعض ولو في حدود الخطوط العامة للحدث. ولأجل ذلك رأينا أن نذكر نصاً مختصراً لهذه الغزوة يكاد يقتصر على عناوينها العامة.
فنقول:
موجز عن غزوة الخندق:
إنه في السنة الرابعة ـ كما هو الأقوى ـ أو في الخامسة ـ سار عدد من اليهود إلى مكة واستنفروا أهلها لقتال النبي "صلى الله عليه وآله"، واستئصال المسلمين. واتصلوا أيضاً بقبيلة غطفان، وقبائل عربية أخرى وحرضوهم على حرب محمد، ووعدوهم بالأموال؛ فساروا وهم ألوف كثيرة إلى المدينة لإنجاز هذا المهم.
فبلغ النبي "صلى الله عليه وآله" خبرهم، حفر خندقاً حول المدينة من الجهة المكشوفة منها. وجعل للخندق أبواباً، وجعل على الأبواب حرساً.
وقد شارك النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه في حفر الخندق، وظهرت له "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ كرامات ومعجزات، سنذكرها في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
وقد عسكر "صلى الله عليه وآله" إلى جنب جبل سلع، وجعل الخندق بينه وبين الأحزاب، وجعل النساء والصبيان في بعض حصون المدينة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم. وكان لواء النبي "صلى الله عليه وآله" مع علي "عليه السلام".
ولما وافى الأحزاب فوجئوا بالخندق، ونزلوا في الجهة الأخرى منه، وحاصروا المسلمين.
وذهب حيي بن أخطب اليهودي إلى بني قريظة، ولم يزل بهم حتى نقضوا العهد مع المسلمين.
فلما بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك أرسل إليهم من يثبت له الأمر فرجعوا إليه وأخبروه بأن ما بلغه صحيح؛ فاشتد الأمر على المسلمين وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وعظم البلاء، ونجم النفاق، وكثر الخوض، وبلغت القلوب الحناجر.
وقال المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ?مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَ غُرُوراً?.
وكان أمير المؤمنين "عليه السلام" على العسكر كله بالليل يحرسهم، فإن تحرك أحد من قريش نابذهم. وكان النبي "صلى الله عليه وآله" يحرس بنفسه بعض مواضع الخندق.
ولم يكن بين المسلمين والمشركين قتال إلا الرمي بالنبل والحصا. وكان المشركون يتناوبون على الخندق، فلا يمكنهم عبوره والمسلمون يمنعونهم بالنبل والحجارة.
وأصيب يومئذٍ سعد بن معاذ "رحمه الله" بسهم، رماه به حبان بن العرقة.
وقيل: رماه به أبو أسامة الجشمي، أو خفاجة بن عاصم.
فجعل سعد "رحمه الله" في خيمة رفيدة، التي كانت تداوي فيها الجرحى. ويبدو أن جماعات من المسلمين قد تركوا النبي "صلى الله عليه وآله" وفروا، واختبأوا في حديقة هناك وفيهم عمر بن الخطاب وطلحة، وقد كشفت عائشة أمرهم، وذلك بعد إصابة سعد بن معاذ.
كما إن النصوص تؤكد على: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد بقي في ثلاث مئة من المسلمين.
بل في نص آخر: إنه لم يبق مع النبي "صلى الله عليه وآله" سوى اثني عشر رجلاً فقط.
وقد تحدثت الآيات القرآنية عن هؤلاء الفارين، فراجع سورة الأحزاب.
ومهما يكن من أمر: فقد انتدب فوارس من المشركين فأتوا مكاناً ضيقاً من الخندق، وأكرهوا خيلهم على عبوره، فعبره عكرمة بن أبي جهل، وعمرو بن عبد ود، وضرار بن الخطاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب، وحسل بن عمرو بن عبد ود، ونوفل بن عبد الله المخزومي.
فخرج أمير المؤمنين "عليه السلام" في نفر من المسلمين، حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها. وطلب عمرو بن عبد ود البراز فلم يبرز إليه أحد من المسلمين، وخافوا منه خوفاً شديداً، لما يعرفون من شجاعته وفروسيته، وكان يعد بألف فارس. وطلب عليٌّ "عليه السلام" من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأذن له بمبارزته فلم يأذن له.
فكرر النداء، وأنشد الشعر، وعيَّر المسلمين المحجمين عنه فطلب علي الإذن مرة أخرى فلم يأذن له الرسول "صلى الله عليه وآله".
فلما كان في المرة الثالثة، ولم يبادر إلى ذلك سوى علي "عليه السلام" أذن له النبي "صلى الله عليه وآله" وعممه ودعا له، وقال: برز الإيمان كله إلى الشرك كله. فبارزه علي "عليه السلام" فقتله. وقتل ولده حسلاً، ونوفل بن عبد الله، وفر الباقون.
فقال "صلى الله عليه وآله": "ضربة علي يوم الخندق تعدل (أو أفضل من) عبادة الثقلين إلى يوم القيامة".
وزعمت بعض الروايات: أن الذي قتل نوفلاً هو الزبير، وسيأتي الإشكال في ذلك.
وتزعم بعض الروايات: أن نعيم بن مسعود قد ساهم في إحداث الفتنة بين بني قريظة وبين المشركين.
ولكن الظاهر: هو أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي ألقى فيما بينهم بذور الخلاف والشك كما سنوضحه.
ثم أرسل الله سبحانه الريح على المشركين فكانت تكفأ قدورهم، وتطرح خيامهم، وتعبث بكل ما يحيط بهم، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فعادوا بالخزي والخيبة، والرعب يلاحقهم، وكفى الله المؤمنين القتال.
وقال النبي "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، فكان كما قال..
وفي هذا القسم تجد التفصيل لكل ذلك، مع بعض التحقيق والتكذيب والتصديق، والتعديـل والتحليل، حسبما يقتضيه المقـام فإلى مـا يـلي مـن مطالب وفصول:
الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق
الفصل الأول: الأحزاب إلى المدينة
الفصل الثاني: الخندق في خطة الحرب والدفاع
الفصل الثالث: حفر الخندق: أحداث ودلالات
الفصل الرابع: كرامات في نطاق السياسة الإلهية
الفصل الخامس: جيش المسلمين وجيش المشركين في المواجهة
الفصل السادس: غدر بني قريظة
الفصل السابع: معنويات الجيشين، والرعب والخوف أيام الحصار
الفصل الأول:
الأحزاب إلى المدينة
تمهيد وبيان:
لقد كان لتوالي الحروب في المنطقة فيما بين المسلمين من جهة وبين أعدائهم من اليهود والمشركين ومن تبعهم من جهة أخرى، وانشغال المسلمين الدائم بهذه الحروب تأثير قوي على حالة المسلمين الإقتصادية، حيث اختلت الحياة التجارية والحرفية وظهرت عوارض خطيرة فيما يختص بالشأن الزراعي، حيث كانت الزراعة بمثابة العمود الفقري للإقتصاد بالنسبة لأهل المدينة على الخصوص.
وقد بدأت بوادر الحاجة الملحة في النواحي المعيشية، وشحة المواد الغذائية تظهر بصورة وبأخرى في هذا المجتمع الإسلامي الصغير الناشئ، والمحاط بالأعداء، والمستهدف بالشر والسوء من كل ناحية ومكان.
وبعد أن خاض المسلمون عدة حروب، ومروا بأزمات كثيرة في أكثر من اتجاه، وبعد كسر شوكة بني النضير، وكشف خياناتهم وإفشال مؤامراتهم، وبعد غزوة ذات الرقاع وغيرها.. جاء تأجيل المشركين للحرب في بدر الموعد بسبب رعبهم وخوفهم ثم استفادة المسلمين تجارياً من سوق بدر بهذه المناسبة أمراً يبعث على الإرتياح، ويثير البهجة والأمل، والشعور لديهم بإمكانية تحسن الأوضاع المعيشية، حيث يتوفر الوقت الكافي لإعادة تنظيم مواسمهم الزراعية، والإنتعاش إقتصادياً في مجالات أخرى من حرفية، وتجارية وغيرها في أجواء يهيمن عليها السلام والأمن، والطمأنينة النسبية.
هذا بالإضافة إلى تـوفـر الـوقت لمواجهة المشكلات التي خلفتها الحروب السابقة، فردية كانت أو اجتماعية، ومحاولة وضع الحلول المناسبة لها، أو التخفيف من وطأتها. وعسى ولعل يمكنهم أيضاً ترتيب العلاقات بمن يحيطون بهم في المنطقة بصورة أكثر حميمية وصفاء، وصياغتها بصورة أكثر قوة وثباتاً عنها من ذي قبل.
ثم إنهم بعد وفوق كل ذلك يصبحون أقدر على ممارسة دور الإعلام المركز والهادئ للدعوة الإلهية التي يحملونها، ويقومون بواجبهم في نشرها، لتقوم على أسس متينة ورصينة من القناعات العقلية والوجدانية، ولتثمر من ثم حياة في الفكر، ويقظة في الضمير ومسؤولية وطهراً في الوجدان.
فجاءت حرب الأحزاب المفاجئة لتبدد كل هذه الآمال، ولتزيد من قسوة الظروف، ومرارة المعاناة، ولتكون الكابوس المخيف والمخيف جداً. خصوصاً بما تميزت به من حشد بشري هائل، وإعداد واستعداد لم تعرفه المنطقة من قبل. مع هذا الإجماع المستقطب تقريباً على العداء لهم من مختلف القبائل والديانات والشعوب التي تعيش في المنطقة. يصاحبه اطمينان إلى التعاطف والتأييد من كل الآخرين من أي الديانات، أو الفئات كانوا، في جزيرة العرب، أو في خارجها.
ثم إن حركة الأحزاب قد جاءت محرجة للمسلمين إلى درجة كبيرة وخطيرة من الناحية العسكرية والاستراتيجية الحربية، لأنها اتخذت صفة هجوم شامل عليهم، من مختلف المواضع والمواقع، ?إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ?.
يقابل ذلك: ضعف ظاهر لدى المسلمين، في العدة وفي العدد، واختراق خطير من قبل الأعداء لصفوف أهل الإيمان، من خلال قوى النفاق التي كانت تتغلغل داخل جسم هذا المجتمع الإسلامي الصغير والناشئ.
هذا كله، بالإضافة إلى المشاكل المعيشية والحياتية على مستوى الفرد والجماعة. سواء تلك المشاكل الناشئة عن الحروب والمواجهات مع الأعداء، أو المشاكل التي تنشأ عادة من صياغة حياة اجتماعية لفئات تعاني أصلاً من تناقضات كثيرة فيما بينها، بسبب اختلافها في مستوياتها وفي حالاتها الطبيعية والعارضة، وبسبب وجود الكثير مما هو من مخلفات الجاهلية الرعناء.
ولا ننسى هنا الإشارة إلى ضعف تأثير العامل القبلي لدى الفريق الإسلامي، لأن المسلمين كانوا لا يشكلون تياراً قبلياً زاخراً وهادراً ذا لون واحد، لأنهم عبارة عن مجموعات صغيرة من قبائل شتى، فيبقى الشعور والعصبية للقبيلة هو العامل الأضعف تأثيراً على صعيد رص الصف، وتقوية البنية، وتأكيد اللحمة الداخلية. وإنما الحالة الإيمانية والدينية وحدها هي التي توحدهم، وتشد من أزرهم، وتشحذ فيهم الهمم، وتبعث فيهم روح الإباء والشمم. وقد كانت هذه الروح في بدايات تكوينها لدى الكثيرين منهم فلم تكن مؤهلة للصمود كثيراً وطويلاً في المواضع الصعبة والخطيرة.
وأخيراً.. نشير إلى أن تحزيب الأحزاب قد انطلق من خلال قناعة تامة، ومن شعور أكيد بأن قوة المسلمين قد بلغت حداً لم يعد يمكن القضاء عليها إلا بحشد كامل وشامل لكل القدرات والقوى المادية والمعنوية على مستوى المنطقة بأسرها. وهذا ما حصل بالفعل، كما سنرى. ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين.
تحزيب الأحزاب في روايات المؤرخين:
لقد ذكر المؤرخون ـ والنص في أكثره للواقدي ـ: أنه لما أجلى النبي "صلى الله عليه وآله" يهود بني النضير، ساروا إلى خيبر. وكان بها من اليهود قوم أهل عدد وجلد (وليس لهم من البيوت والأحساب ما لبني النضير) فخرج عدد من اليهود، بعضهم من بني وائل والباقون من بني النضير، وهم بضعة عشر رجلاً، أو حوالي عشرين، خرجوا إلى مكة يدعون قريشاً واتباعها إلى حرب محمد "صلى الله عليه وآله". وكان ذلك في السنة الرابعة، أو الخامسة أو السادسة للهجرة.
وهؤلاء هم ـ كما ورد في النصوص المختلفة ـ: حيي بن أخطب، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وهوذة بن الحقيق، وهوذة بن قيس الوائلي (أو الوالبي كما في الإرشاد) وهو أوسي من بني خطمة، وابو عامر الراهب أو أبو عمار، ـ الوائلي ـ أو أبو عمارة الوالبي، كما عند المفيد في نفر من بني والبة.
وزاد البعض: سلام بن مسلم.
وأضاف آخر: "حوج بن عامر، وأبا رافع، والربيع بن أبي الحقيق"([180]).
وأضاف غيره: "سلام بن أبي الحقيق، لكن عند ابن الأثير: عبد الله بن سلام بن أبي الحقيق".
قال المفيد: "فصاروا إلى أبي سفيان لعلمهم بعداوته لرسول الله، وتسرعه لقتاله، فذكروا له ما نالهم منه. وسألوه المعونة على قتاله، فقال: إنا لكم حيث تحبون، فاخرجوا إلى قريش، فادعوهم إلى حربه، واضمنوا النصرة لهم، والثبوت معهم حتى تستأصلوه. فطافوا على وجوه قريش، ودعوهم إلى حرب النبي".
ويستمر الواقدي وغيره فيقولون: فقالوا لقريش: نحن معكم حتى نستأصل محمداً.
أو قالوا: سنكون معكم عليه، حتى نستأصله ومن معه.
قال أبو سفيان: هذا الذي أقدمكم ونزعكم؟
قالوا: نعم. جئنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتاله.
قال أبو سفيان: مرحباً وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد.
زاد في نص آخر قوله: "ولكن لا نأمنكم إلا إن سجدتم لآلهتنا، حتى نطمئن إليكم؛ ففعلوا"([181]).
قال النفر: فأخرج خمسين رجلاً من بطون قريش كلها، أنت فيهم، وندخل نحن وأنت بين أستار الكعبة، حتى نلصق أكبادنا بها ثم نحلف بالله جميعاً: لا يخذل بعضنا بعضاً، ولتكونن كلمتنا واحدة على هذا الرجل، ما بقي منا رجل.
ففعلوا، فتحالفوا على ذلك، وتعاقدوا.
ثم قالت قريش بعضها لبعض: قد جاءكم رؤساء أهل يثرب وأهل العلم والكتاب الأول، فسلوهم عما نحن عليه ومحمد: أينا أهدى؟!
قالت قريش: نعم.
فقال أبو سفيان: يا معشر اليهود، أنتم أهل الكتاب الأول والعلم، أخبرونا عما أصبحنا فيه نحن ومحمد، ديننا خير أم دين محمد؟! فنحن عُمَّار البيت، وننحر الكوم (أي الناقة عالية السنام)، ونسقي الحجيج، ونعبد الأصنام.
قالوا: اللهم أنتم أولى بالحق، إنكم لتعظمون هذا البيت وتقومون على السقاية، وتنحرون البُدْن([182])، وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه. فأنزل الله في ذلك: ?أَلمْ تَرَ إِلى الذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ للذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً?([183]). فاتَّعدوا لوقت وقتوه.
وفي نص آخر: "فلما قالوا ذلك لقريش نشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأجمعوا لذلك واتَّعدوا له".
فقال صفوان بن أمية: يا معشر قريش، إنكم قد وعدتم هؤلاء القوم لهذا الوقت وفارقوكم عليه، ففوا لهم به! لا يكون هذا كما كان وعدنا محمداً بدر الصفراء، فلم نف بموعده، واجترأ علينا بذلك. وقد كنت كارهاً لميعاد أبي سفيان يومئذٍ.
فخرجت اليهود حتى أتت غطفان [وقيس عيلان] وأخذت قريش في الجهاز، وسيرت في العرب تدعوهم إلى نصرها، وألَّبوا أحابيشهم ومن تبعهم.
ثم خرجت اليهود حتى جاؤوا بني سليم، فوعدوهم يخرجون معهم إذا سارت قريش، ثم ساروا في غطفان، فجعلوا لهم تمر خيبر سنة، وينصرونهم ويسيرون مع قريش إلى محمد، إذا ساروا.
فأنعمت بذلك غطفان، ولم يكن أحد أسرع إلى ذلك من عيينة بن حصن.
قال ابن خلدون: وخرج بهم عيينة بن حصن على أشجع([184]).
وذكر البعض: أن كنانة بن أبي الحقيق جعل نصف تمر خيبر لغطفان في كل عام([185]).
وذكروا أيضاً: أن قريشاً كتبت إلى رجال من بني سليم، بينهم وبينهم أرحام، استمداداً لهم، فأقبل أبو الأعور بمن تبعه من بني سليم مدداً لقريش. ثم كتب اليهود إلى حلفائهم من بني سعد أن يأتوا إلى إمدادهم([186]).
وحسب نص البلاذري: "وكان عيينة بن حصن الفزاري أسرع القوم إلى إجابتهم، ثم أتوا بني سليم بن منصور فسألوهم مثل ذلك فأنجدوهم وساروا في جميع العرب ممن حولهم، فنهضوا معهم. فخرجت قريش في من ضوى إليها ولافها من كنانة وثقيف وغيرهم ولحقتهم أفناء العرب عليه قادتها وكبراؤها"([187]).
تجمع القوى:
ويستمر الواقدي فيقول:
وخرجت قريش ومن تبعها من أحابيشها أربعة آلاف.
وعقدوا اللواء في دار الندوة.
زاد في بعض المصادر قوله: "وحمله عثمان بن أبي طلحة، وقائد القوم أبو سفيان".
وقادوا معهم ثلاث مئة فرس، وكان معهم من الظهر ألف بعير، وخمس مئة بعير.
وأقبلت سليم فلاقوهم بمر الظهران، وبنو سليم يومئذٍ سبع مئة يقودهم سفيان بن عبد شمس، حليف حرب بن أمية، وهو أبو أبي الأعور، الذي كان مع معاوية بن أبي سفيان بصفين.
لكن عند القمي: أن قائدهم هو عباس بن مرداس. وخرج أيضاً الأقرع بن حابس في قومه.
وخرجت قريش يقودها أبو سفيان بن حرب.
وخرجت بنو أسد، وقائدها طلحة (طليحة ظ) بن خويلد الأسدي.
وخرجت بنو فزارة وأوعبت([188])، وهم ألف يقودهم عيينة بن حصن.
ونص آخر يقول: "خرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن".
وخرجت أشجع وقائدها مسعود بن رخيلة (أو مسعر بن زحيلة أو جبلة) وهم أربع مئة، ولم توعب أشجع.
[وعند المفيد: ووبرة بن طريف في قومه من أشجع].
وخرج الحارث بن عوف يقود قومه بني مرة، وهم أربع مئة([189]).
الأحزاب إلى المدينة:
ووافى الأحزاب المدينة بعد أن فرغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" من حفر الخندق([190]). وكان الذين وافوا من قريش، وسليم، وغطفان، وأسد عشرة آلاف بقيادة أبي سفيان؛ فنزلت قريش برومة، ووادي العقيق في أحابيشها، ومن ضوى إليها من العرب، ونزلت غطفان بالزغابة إلى جانب أحد.
وجعلت قريش تسرح ركابها في وادي العقيق، في عضاهه وليس هناك شيء للخيل إلا ما حملوه معهم من علف، وكان علفهم الذرة. وسرحت غطفان إبلها إلى الغابة، في أثلها وطرفائها.
وقدموا في زمان حصد الناس زرعهم قبله بشهر. وأدخلوا حصادهم، وأتبانهم. وكانت غطفان ترسل خيلها في أثر الحصاد ـ وكانت خيل غطفان ثلاث مئة ـ فيمسك ذلك من خيلهم لكن إبلهم كادت تهلك من الهزال. وكانت المدينة ليالي قدموا جديبة([191]).
ويقول نص آخر: نزلت كنانة برومة، وغطفان بالزغابة إلى نقمي([192]).
وعند البعض: نزلت قريش بمجتمع السيول من رومة، بين الجرف وزغابة. ونزل عيينة في غطفان ومن معه من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان (أو ذنب نقمي)([193]).
ونص آخر يقول: نزلت قريش بمجتمع السيول من رومة، بين الجرف ورباعة([194]) ولعله تصحيف: زغابة.
أما القمي فقال: نزلت قريش وحلفاءها من كنانة بالعقيق ونزلت فزارة بالزغابة ونزلت سليم وغيرهم حصن بني ذبيان([195]).
مناقشات وإيضاحات:
ولنا فيما تقدم العديد من المناقشات والتحفظات، كما أنه يحتاج إلى بعض الإيضاحات. ونحن نذكر فيما يأتي نماذج لكلا هذين الأمرين، فنقول:
تاريخ غزوة الخندق:
لقد اختلف المؤرخون في تاريخ غزوة الخندق.
فقالت طائفة منهم: إنها كانت سنة خمس من الهجرة.
ذهب إلى ذلك: الواقدي وابن إسحاق، والمقريزي، والطبري، وابن الأثير، والبيهقي، والذهبي، وابن حبيب، وابن الكازروني والمقدسي، وابن القيم، وابن حجر، وابن العماد، والمسعودي.
وكذا روي عن عروة، وقتادة وأحمد، وغيرهم كثيرون، كما يتضح من المصادر في الهامش([196]).
أما اليعقوبي فيقع في الغلط، حيث يقول: إن الخندق كانت "في السنة السادسة، بعد مقدم رسول الله بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً"([197]).
فإن عدد الأشهر المذكور يقتضي أن تكون في السنة الخامسة لا السادسة، كما هو ظاهر.
وثمة فريق آخر يقول: إن هذه الغزوة كانت في السنة الرابعة وهو ما ذهب إليه مالك، ورواه أحمد في مسنده عنه.
وذهب إليه أيضاً: ابن العربي، وعياض، وابن حزم، وابن الديبع، والصاحب بن عباد وابن حبيب، وصححه ابن خلدون، والنووي في الروضة وقوَّاه البخاري ورواه موسى بن عقبة عن الزهري، وبه قال الفاكهاني في رياض الأفهام، ويعقوب بن سفيان([198]).
بل قال ولي الدين العراقي: "المشهور أنها في السنة الرابعة"([199]).
ومقتضى هذا القول: أن أبا سفيان قد خرج لبدر الموعد في شعبان ثم عاد وخرج إلى الخندق في شوال السنة الرابعة، كما ذهب إليه البعض([200]).
وعند الواقدي: أنها كانت في ذي القعدة.
وقد حاول البيهقي الجمع بين هذين القولين، فقال: "قلت: لا اختلاف بينهم في الحقيقة، وذلك لأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قاتل يوم بدر لسنتين ونصف من مقدمه المدينة في شهر رمضان، ثم قاتل يوم أحد من السنة القابلة لسنتين ونصف من مقدمه المدينة في شوال، ثم قاتل يوم الخندق بعد أحد بسنتين على رأس أربع سنين ونصف من مقدمه المدينة.
فمن قال سنة أربع، أراد: بعد أربع سنين، وقبل بلوغ الخمس.
ومن قال: سنة خمس، أراد: بعد الدخول في السنة الخامسة وقبل انقضائها([201]).
ونقول:
إن الظاهر هو صحة قولهم: إن غزوة الخندق كانت في السنة الرابعة، وفقاً لما اعتادوه من التاريخ، ولا حاجة إلى وجه الجمع الذي ذكره البيهقي ولا لغيره، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد قوَّى البخاري القول بأنها كانت في السنة الرابعة بقول ابن عمر: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد عرضه يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه، ثم عرضه يوم الخندق، وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه..
ومن المعلوم: أن أحد كانت في سنة ثلاث.
وقد استدل بهذا أيضاً: النووي، وابن حزم، وابن خلدون وغيرهم([202]).
وقد احتمل البعض: أن يكون ابن عمر في غزوة أحد أول ما طعن في الرابعة عشرة، وفي الأحزاب كان قد استكمل الخامسة عشرة. وبهذا أجاب البيهقي([203]).
ثم أيد البعض هذا الاحتمال: بأن أبا سفيان قال للمسلمين، حين انتهت حرب أحد: موعدكم العام المقبل ببدر.
ثم لم يأت إلى بدر في ذلك الموعد، بسبب الجدب. وخرج إليها النبي "صلى الله عليه وآله" في شعبان سنة أربع، ورجع، ولم يلق كيداً. وهي الغزوة المسماة ببدر الموعد.
فلم يكونوا ليأتوا إلى المدينة بعد ذلك بشهرين لأجل غزوة الخندق([204]).
ويؤيد ذلك أيضاً: قول البعض: "كانت وقعة الأحزاب بعد أحد بسنتين([205]).
ونقول:
لو صح ما ذكروه لكان الفرق بين أحد التي هي في شوال السنة الثالثة، والخندق التي هي في ذي القعدة السنة الخامسة سنتين وشهراً، وهذا يعني: ان ابن عمر كان عمره في الخندق ست عشرة سنة.
فإذا جاز أن يقول: إنه ابن أربع عشرة سنة، لأنه كان أول ما طعن فيها، كان عليه أن يقول: إنه كان في الخندق ابن ست عشرة سنة، لأنه كان طعن فيها أيضاً بصورة أوفى، وذلك ليجري الكلام في صدره وذيله على نسق واحد.
ولكان على عمر بن عبد العزيز وعمر بن الخطاب أن يجعلا العطاء لمن بلغ ست عشرة سنة، استناداً إلى قضية ابن عمر المذكورة، فكيف فرضا إلى ابن خمس عشرة سنة استناداً إلى ذلك؟!([206]).
وقد صرح ابن حزم: بأنه قد صح أنه لم يكن بين أحد والخندق إلا سنة واحدة فقط وأنها قبل دومة الجندل بلا شك([207]).
أما قولهم: إنه لا يعقل أن يأتوا المدينة بعد شهرين من بدر الموعد،
فجوابه: إن ذلك معقول، إذا كان التعلل من قبل المشركين بالجدب كان جبناً منهم، وهروباً من المواجهة، ثم لما وجدوا الرجال والأموال، وجمعوا عشرة آلاف مقاتل أو أكثر بكثير، فلا شيء يمنعهم عن انتهاز الفرصة، في أي من الظروف والأحوال.
2 ـ ومما يدل على أن غزوة الخندق كانت سنة أربع، قولهم: إن أبا زيد بن ثابت قد قتل يوم بعاث، وكان عمر زيد حينئذٍ ست سنين، وكانت بعاث قبل الهجرة بخمس سنين([208]) وكان عمر زيد حين قدم النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة إحدى عشرة سنة([209]).
ثم يقولون: إن أول مشاهد زيد الخندق([210]) لأنه "صلى الله عليه وآله" قد أجازه يوم الخندق([211]) وهو ابن خمس عشرة سنة([212]).
ويروى عن زيد قوله: أجازني رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الخندق وكساني قبطية([213]).
وعنه: أجزت يوم الخندق، وكانت وقعة بعاث وأنا ابن ست سنين([214]).
وعنه: لم أجز في بدر، ولا في أحد، وأجزت في الخندق([215]).
وتوفي زيد سنة ثمان وأربعين، وعمره تسع وخمسون سنة([216]).
وقال الواقدي: مات سنة خمس وأربعين، وهو ابن ست وخمسين سنة([217]) وكل ذلك يؤيد ما قلناه، ويدل عليه.
وأورد بعضهم: على كون الخندق في السنة الرابعة، بأن من المعلوم: أن غزوة بني قريظة قد كانت في السنة الخامسة، ومعلوم أنها كانت عقيب الخندق([218]).
وأجيب عن ذلك: بأن الخندق يمكن أن تكون قد استمرت إلى أواخر الرابعة([219])، لا سيما إذا صح قولهم: إنهم استمروا في حفر الخندق شهراً([220]) وأن الحصار قد استمر شهراً أيضاً([221]) مع ملاحظة: أن ابن سعد يقول: إن الخندق قد كانت في شهر ذي القعدة([222]).
هذا، بالإضافة إلى حصاره "صلى الله عليه وآله" الطويل لبني قريظة حسبما سيأتي. بعد ما تقدم نقول: إنه لا حاجة إلى الإفاضة في بيان خطأ قول البعض: أن الخندق كانت سنة خمس باتفاق المؤرخين باستثناء ابن خلدون([223]).
غزوة الخندق في زمن الحصاد:
وذكرت النصوص الآنفة الذكر: أن الأحزاب قدموا المدينة في زمان حصد الناس زرعهم قبله بشهر، وأدخلوا حصادهم وأتبانهم.
وكانت غطفان ترسل خيلها في أثر الحصاد ـ وكان خيل غطفان ثلاث مئة ـ فيمسك ذلك من خيلهم. لكن إبلهم كادت تهلك من الهزال، وكانت المدينة ليالي قدموا جديبة([224]).
ومن جهة ثانية: فإن غزوة بني قريظة كانت بعد الخندق مباشرة.
ويذكر الزهري: أن أبا لبابة الذي خان الله ورسوله فيها، قد ارتبط في المسجد في حر شديد([225]) وكان يوماً صائفاً([226]).
ومعنى ذلك هو: أن الأحزاب قد قدموا المدينة في أواسط فصل الصيف، أو أواخره، لأن الحصاد يكون عادة في أوائل فصل الصيف لا سيما في بلاد الحجاز المتميزة بشدة الحر فيها.
وهذا يلقي ظلالاً من الشك على ما يزعمونه من أن غزوة الخندق كانت "في أيام شاتية"([227]) أو "في برد شديدٍ"([228]) أو "في زمن شات، وليال باردة كثيرة الرياح"([229]).
وسيأتي: أن عائشة كانت تدفئ رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهم يحفرون الخندق، كما يزعمون.
وستأتي: سائر النصوص والمصادر لذلك، حينما نتكلم عن أسباب هزيمة الأحزاب وعن حفر الخندق.
إلا أن يقال: أن الحصاد قد يستمر إلى الخريف، فلا مانع من البرد والشتاء حينئذٍ.
هل أخطأ التقويم التطبيقي؟!
وبالمناسبة؛ فإن كتاب "التقويم التطبيقي لألف وخمس مئة سنة هجرية قمرية وميلادية"([230]). قد ذكر: أن أول شهر شوال للسنة الرابعة الهجرية يوازي يوم 6 من شهر آذار سنة 626م، وأول شهر ذي القعدة يوازي يوم 4 من شهر نيسان، وأول ذي الحجة يوازي 4 أيار.
أما في سنة خمس؛ فإن شوال وذا القعدة، وذا الحجة توازي 23 شباط حتى 23 أيار.
وهذا التطبيق يخالف ما ذكره المؤرخون في تاريخ غزوة الخندق.
أما بناء على ما ذكره الواقدي فواضح، لأننا قدمنا أن مقتضى كلام الواقدي هو أن غزوة الخندق قد حصلت في أواخر الصيف وأن انصراف الأحزاب من الخندق كان في الخريف.
وأما بناء على ما ذكره الآخرون، فإن من الواضح: أنهم يذكرون: أن الأحزاب قد انصرفوا في ليلة باردة شاتية، وأن انصرافهم كان في أواخر ذي الحجة، أي في أواخر شهر أيار.
ومن الواضح: أن الجو في الحجاز، وفي المدينة لا يكون في هذا الوقت بارداً ولا شاتياً فضلاً عما يذكرونه من برد كان يقاسيه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهم يحفرون الخندق ـ كما سيأتي ـ في شوال أو في ذي القعدة. فإن الجو في المدينة يكون في هذه الأيام في أعدل أحواله، كما هو معلوم من حال منطقة الحجاز لكل أحد.
مشاركة الحارث بن عوف في الخندق:
قد ذكرت النصوص المتقدمة: أن الحارث بن عوف قد شارك في حرب الخندق. ولكن قد روى الزهري، وكذلك بنو مرة خلاف ذلك، فذكروا: أنه لما أجمعت غطفان على السير أبى الحارث بن عوف المسير، وقال لقومه:
"تفرقوا في بلادكم، ولا تسيروا إلى محمد، فإني أرى أن محمداً أمره ظاهر. ولو ناوأه من بين المشرق والمغرب؛ لكانت له العاقبة؛ فتفرقوا في بلادهم، ولم يحضر واحد منهم"([231]).
وفي نص آخر: أنه قال لعيينة بن حصن، ولقومه من غطفان: "يا قوم أطيعوني، ودعوا قتال هذا الرجل، وخلوا بينه وبين عدوه من العرب" فغلب عليهم الشيطان، وقطع أعناقهم الطمع، ونفذوا لأمر عيينة على قتال رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكتبوا إلى حلفائهم من بني أسد فأقبل طلحة في من اتبعه من بني أسد الخ..([232]).
وقال المقريزي والحلبي الشافعي: "وقيل: لم تحضر بنو مرة"([233]).
لكن الواقدي يصر على: أن بني مرة قد شهدوا الخندق، بقيادة الحارث بن عوف، وهجاه حسان شعراً.
وذكروا: أنه كان بينه وبين النبي "صلى الله عليه وآله" جوار.
وقال الواقدي: "فكان هذا أثبت عندنا: أنه شهد الخندق في قومه. ولكنه كان أمثل تقية من عيينة"([234]).
وقال الواقدي أيضاً: "لم يحضر الخندق الحارث بن عوف ولا قومه.
ويقال: حضرها الحارث بن عوف.
قال ابن واقد: وهو أثبت القولين عندنا"([235]).
أبو رافع قُتل بعد أُحد:
وقد ذكرت بعض النصوص أيضاً: أبا رافع اليهودي في جملة من حرض المشركين وحزَّب الأحزاب في غزوة الخندق([236]).
ونقول:
إن أبا رافع قد قتل كما يقولون في السنة الثالثة في جمادى الآخرة منها([237])، وذلك بعد قتل ابن الأشرف، وقيل بعد أُحد، وقيل في السنة الرابعة([238]).
ولكن من الواضح: أن ذلك كان قبل وقعة الخندق، التي كانت في أواخر الرابعة، واستمرت حتى الخامسة، هي وغزوة بني قريظة، كما رجحناه، أو كانت في السنة الخامسة.
ولو كان أبو رافع حياً في غزوة الخندق، لكان المناسب أن يذكر مقتله بعد الخندق، لا بعد أُحد، فراجع ولاحظ كلماتهم.
هل كان أبو الأعور في الخندق؟!:
وقد ذكرت بعض النصوص المتقدمة: أن أبا الأعور السلمي كان قائد بني سليم في غزوة الأحزاب ضد المسلمين([239]).
ولكن الظاهر: هو صحة ما ذكره الواقدي وغيره، من أن أبا الأعور السلمي هو الذي حضر مع الأحزاب في حرب الخندق([240]).
ويدل على ذلك: قول قيس بن سعد للنعمان بن بشير: إنه لم يكن مع معاوية غيره وغير صويحبه مسلمة بن مخلد([241]) كما سيأتي. فلو كان أبو الأعور صحابياً لم يصح قول قيس هذا. فيظهر أن الراوي، أو الناسخ قد أسقط كلمة (أبا) الأولى، إما اشتباهاً أو سهواً، أو لحاجة في نفسه قضاها.
والذي نخشاه هو: أن يكون هذا الإسقاط قد جاء لخدمة هدف سياسي من نوع ما، كأن يكون هو دعوى أن أبا الأعور قد لقي النبي "صلى الله عليه وآله" ورآه، وذلك بهدف الإيحاء بصحة دعوى كون أبي الأعور من الصحابة، وذلك تدعيماً لموقف معاوية بتكثير عدد الصحابة معه، وإيجاد شبهات حول بغيه على إمام زمانه.
ولكن مراجعة كتب الرجال والتراجم توجب المزيد من الشك والريب في هذا الأمر، فقد قال العسقلاني: "قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: أدرك الجاهلية، ولا صحبة له وحديثه مرسل، وتبعه أبو أحمد العسكري. وذكره البخاري في من اسمه عمر. ولكن لم يذكره في الصحابة..".
إلى أن قال: "وقال ابن حبان في ثقات التابعين: يقال له صحبة"([242]) ونقل ابن منظور عن ابن عساكر قوله:
"يقال: له صحبة. ويقال: لا صحبة له"([243]).
توثيق أبي الأعور!!:
والذي يلفت نظرنا هنا: هو توثيقهم لأبي الأعور([244])، رغم تصريحهم بأنه كان أشد مَنْ عند معاوية على علي "عليه السلام"، وكان علي "عليه السلام" يدعو عليه في القنوت في آخرين([245]).
بل لقد قال ابن الأثير: "كان من أعيان أصحاب معاوية، وعليه كان مدار الحرب بصفين"([246]).
فمقام أبي الأعور لدى معاوية وخدماته لعرش الشام وضديته مع علي "عليه السلام" قد جعل الكثيرين ممن يسيرون في هذا الاتجاه يهتمون بصياغة الفضائل له، لأنها ستكون في نهاية الأمر فضائل لمعاوية نفسه. ولعلهم أرادوا أن يلبسوه ثوب الصحبة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" من أجل تكثير الصحابة عند معاوية، بهدف إيجاد شبهات حول بغيه على إمام زمانه، كما قلنا.
وقد تعودنا من هذا النوع من الناس محاولات من هذا القبيل، تهدف إلى تقليل عدد الصحابة مع علي "عليه السلام"، وزيادتهم مع خصومه، حتى ليروون عن الشعبي أنه قال: "من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة فكذبه. كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية"([247]).
ويظهر أن أمير المؤمنين "عليه السلام" وأصحابه قد التفتوا إلى هذا الأمر ولذلك نجدهم يتحدثون عن حضور الصحابة معهم، ويعطون ارقاماً دقيقة في هذا المجال.
فقد رووا: أن ناساً من قراء أهل الشام لحقوا بعلي "عليه السلام" فقال عمرو بن العاص لمعاوية عن علي "عليه السلام" في جملة كلام له: "وإنه قد سار إليك بأصحاب محمد "صلى الله عليه وآله" المعدودين، وفرسانهم، وقرائهم، وأشرافهم، وقدمائهم في الإسلام، ولهم في النفوس مهابة الخ..".
فجمع معاوية أجناد أهل الشام وخطبهم، فبلغ علياً "عليه السلام" ذلك، فأمر الناس فجمعوا.
قال أبو سنان الأسلمي: "وكأني أنظر إلى علي متوكئاً على قوسه، وقد جمع أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" عنده، فهم يلونه و [كأنه] أحب أن يعلم الناس: أن أصحاب رسول الله متوافرين عليه، فحمد الله ثم قال الخ.."([248]).
وقال سعيد بن قيس في خطبة له: "وقد اختصنا الله منه بنعمة فلا نستطيع أداء شكرها، ولا نقدر قدرها: أن أصحاب محمد المصطفين الأخيار معنا، وفي حيزنا؛ فوالله الذي هو بالعباد بصير: أن لو كان قائدنا حبشياً مجدعاً إلا أن معنا من البدريين سبعين رجلاً؛ لكان ينبغي لنا أن تحسن بصائرنا الخ.."([249]).
ويقول الأشتر في صفين: "وأنتم مع البدريين، قريب من مائة بدري، ومن سوى ذلك من أصحاب محمد "صلى الله عليه وآله".."([250])
وقد كان لهم أثر عظيم في الحرب ولا سيما الأنصار منهم كما اعترف به معاوية، فراجع([251]).
وقد قالوا: كان مع علي "عليه السلام" ثمان مئة رجل ممن بايع النبي "صلى الله عليه وآله" تحت الشجرة.
وعن سعيد بن جبير: كان مع علي رضي الله عنه يومئذٍ ثمان مئة رجل من الأنصار، وتسعمائة ممن بايع تحت الشجرة.
وعن الأعمش: كان معه ثمانون بدرياً، وثمان ماءة من أصحاب محمد "صلى الله عليه وآله"([252]).
وقال الزبير بن بكار: "شهد صفين مع أمير المؤمنين "عليه السلام" من أهل بدر سبعة وثمانون رجلاً، منهم سبعة عشر رجلاً من المهاجرين، وسبعون من الأنصار، وأما من باقي الصحابة فكان معه ألف وثمان مئة، منهم تسعون رجلاً بايعوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" تحت الشجرة"([253]).
ويعترف معاوية بأن المهاجرين والأنصار كانوا مع علي "عليه السلام"، فهو يقول لابن عباس: "فاذكروا علي بن أبي طالب ومحاربته إياي، ومعه المهاجرون والأنصار الخ.."([254]).
وقال قيس بن سعد للنعمان بن بشير: "انظر أين المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان، الذين رضي الله عنهم، ثم انظر: هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك؟! الخ.."([255]).
والمراد بصويحبه: مسلمة بن مخلد.
آية سورة النساء متى وفيمن نزلت:
لقد تحدثت النصوص التاريخية المتقدمة عن قوله تعالى:
?أَلمْ تَرَ إِلى الذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ للذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً، أُوْلئِكَ الذِينَ لعَنَهُمُ اللهُ وَمَن يَلعَنِ اللهُ فَلن تَجِدَ لهُ نَصِيراً، أَمْ لهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَآ آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلهِ..?([256]).
فذكرت: أن هذه الآيات قد نزلت في هؤلاء اليهود الذين ذهبوا إلى مكة، وإلى سائر القبائل ليحرضوهم على قتال النبي "صلى الله عليه وآله" فجمعوا الجموع، وحزَّبوا الأحزاب، فكانت غزوة الخندق.
ونقول:
إننا نشك في أن تكون هذه الآية قد نزلت في هذه المناسبة وذلك لما يلي:
1 ـ هناك روايات تقول: إن هذه الآية قد نزلت في مناسبة أخرى سبقت غزوة الخندق. وذلك لما ذهب كعب بن الأشرف إلى قريش، يحرضهم على غزو المسلمين، فسألوه عن أن أي الفريقين أهدى، فأجابهم بما يقرب مما سبق.
وذكروا أيضاً: أنهم طلبوا منه أن يسجد لأصنامهم، ليطمئنوا إلى أنه لا يمكر بهم؛ ففعل، مجاراة لهم.
وظاهر بعض النصوص الأخرى: أن هذه الآيات قد نزلت في مكة قبل الهجرة حيث ذكرت نزول سورة الكوثر في هذه المناسبة أيضاً، وهي إنما نزلت قبل الهجرة([257]).
إلا أن يقال: إنها مما تكرر نزوله.
2 ـ قيل: كان أبو برزة كاهناً في الجاهلية، فتنافس إليه ناس ممن أسلم، فنزلت الآية. عن عكرمة([258]).
توضيح وتصحيح:
إن القصة التي يحكيها المؤرخون قد فرضت وجود فريقين هما:
جماعة اليهود، والمشركون.
وقد سأل المشركون اليهود عن الأهدى؟ هم أم المسلمون؟
فأجابهم اليهود: أنتم أولى بالحق.
مع أن الآية تفرض الفريقين يتحدثان عن فريق ثالث أشير إليه بقولهم: ?هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً?([259]).
أي أن اليهود قالوا للمشركين: هؤلاء أهدى، ولم يقولوا لهم: أنتم أهدى. فلا ينطبق مدلول الآية على روايات المؤرخين، سواء رواية كعب بن الأشرف، أو حيي بن أخطب، أو رواية أبي برزة الآنفة الذكر.
إلا أن يقال: في الآية التفات من الخطاب بالضمير إلى الإشارة بكلمة هؤلاء، والالتفات موجود في القرآن.
والنكتة المسوغة لهذا الالتفات هي: أن الله سبحانه قد قال: ?وَيَقُولُونَ للذِينَ كَفَرُوا..? فجاء بصيغة المضارع ليفيد: أن هذا النهج في التعامل مستمر في هذا النوع من الناس. وليست القضية قضية مضت وذهبت، قد تكون لها ظروفها ومبرراتها، فلا تمثل خطأً مستمراً لهؤلاء الناس.
فلما عبر تعالى عما حدث بصيغة المضارع، فإنه لم يعد بالإمكان أن يقول: "أنتم أهدى"، لأن الخطاب لما صار فعلياً فيحتمل فيه أن يكون موجهاً لهؤلاء الناس الذين يسمعون الآية من النبي "صلى الله عليه وآله"، ويخاطبهم "صلى الله عليه وآله" بها، ويحتمل أن يكون خطاباً للكافرين أيضاً.
فهو من قبيل ما لو قلت لرجل: زيد قال لعمرو: أنت رجل فاسق، فكلمة أنت رجل فاسق يحتمل فيها أن تكون موجهة لمخاطبك أنت، ويحتمل أن تكون موجهة لعمرو.
إذن.. فلا بد في الآية من التصرف في خطاب أولئك الناس والإتيان بالمضمون بطريقة تدفع هذا الالتباس.
وهكذا كان، فإنه تعالى استخرج مضمون كلامهم وهو أن هؤلاء أي الكفار المشركين الذين خاطبهم أهل الكتاب (وهم غير من يخاطبهم النبي بالقرآن فعلاً) أهدى من المؤمنين.
فاتضح: أن الآية لا تنافي سياق الحدث التاريخي الذي هو مورد البحث.
تحريض اليهود:
لقد رأى اليهود عن كثب كيف أن المسلمين يزدادون قوة ويزداد الإسلام انتشاراً باستمرار.
ويرون أن نفوذهم كمصدر وحيد للمعارف بدأ ينحسر ويتلاشى وها هو الإسلام ينتقد ما يدَّعيه اليهود من ذلك ويفنده، ويبيِّن الصحيح من المزيف منه. وهو بذلك يزلزل مكانتهم، ويفقدهم الشيء الذي كانوا ولا يزالون يعتزون ويفتخرون ويتسامون به على الناس.
ويبطل مزعمتهم بأنهم شعب الله المختار، ويرفع شعار: ?إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ? ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
فاحترقت قلوبهم بالغيظ وطفحت بالحقد، وتآمروا على هذا الدين ونقضوا عهودهم التي قطعوها على أنفسهم، وجرُّوا على أنفسهم البلاء والعناء. وكانت واقعة بني قينقاع، ثم واقعة بني النضير.
وهم يريدون أن يأخذوا بثأرهم حسب زعمهم، ولكنهم يدركون عجزهم عن ذلك بأنفسهم، فالتجأوا إلى تأليب قريش والعرب الموتورين من الإسلام، والطامعين بتحقيق مكاسب مالية وغيرها من حرب كهذه.
ويقول القاضي النعمان ما ملخصه: إن يهود المنطقة، وهم أهل نعم وأموال، وأصحاب رياسة، قد أزعجهم انتشار الإسلام، لأنهم رأوا أنهم يفقدون هيمنتهم على المنطقة وعلى أهل الشرك الذين يكذبون بالبعث، فجحدوا رسول الله وشككوا الآخرين ما أمكنهم بنبوته.
فلما كان من أمر أحد ما كان، ندموا على عدم المساعدة على حرب محمد، لأنهم رأوا أنها كانت فرصة، ولو أقام المشركون على الحرب لظفروا بالمسلمين؛ فأرسلوا إلى أبي سفيان ووعدوه النصر، فوجد أنها فرصة. وطلب منهم أن يعلنوا للناس بتكذيب محمد، لأن الناس يركنون إليهم، لأنهم أهل كتاب.
فمضى وجوههم وساداتهم إلى مكة، وشهدوا للمشركين بأنهم أهدى من محمد سبيلاً، فوثقوا بهم، ومشوا معهم إلى قبائل العرب ليقنعوهم بحرب محمد "صلى الله عليه وآله" واستئصاله، وتعاقدوا على ذلك الخ..([260]).
الداء الدوي:
قد اتضح مما تقدم: أن اليهود كانوا هم الذين خططوا لحرب الخندق، واتصلوا بقريش وبغطفان، وسائر القبائل، وحرضوهم، وشجعوهم، وساعدوهم على التفاهم والإتفاق ثم المبادرة إلى غزو النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، والمسلمين في المدينة وبذلوا لهم من أموالهم ثلث ثمار خيبر أو أكثر من ذلك.
وقد بدا واضحاً من سير الأحداث: أن اليهود أشد حقداً وحنقاً على الإسلام والمسلمين. وأنهم رغم كل الآيات والحقائق التي كانوا يعرفونها ويشاهدونها لم يستطيعوا أن يتفاعلوا مع هذا الدين، ولا تذوقوا طعم الإيمان به. إلا أفراد قليلون منهم وفقهم الله لنيل هذه الكرامة والفوز بهذا الشرف العظيم من أمثال مخيريق الشهيد السعيد رحمة الله تعالى عليه ورضوانه.
ثم إنهم منذ دخل الإسلام إلى المدينة لم تجتمع لهم كلمة على حربه، لأنه دخل قوياً عزيزاً بتحالفه مع القبائل ذات النفوذ في المنطقة، ولا سيما الأوس والخزرج. ثم لأن النبي "صلى الله عليه وآله" عقد تحالفات معهم بين الحين والآخر.
ولم يزل اليهود في موقع الضعف والهوان في قبال عز الإسلام ومنعته، ونفوذه وشوكته.
فالتجأوا منذ اللحظة الأولى إلى مناوأته بأساليب التآمر والغدر والخيانة، وإذكاء الفتن، وإثارة النعرات العرقية وغيرها، وكان هذا هو السبيل الذي اختاروه لأنفسهم، بعد أن صدوا عن سبيل الله، واتخذوا آيات الله هزواً.
أما المشركون فإنهم حين يستجيبون لليهود، فإنما يستجيبون لإنقاذ سمعتهم، واستعادة هيبتهم التي اهتزت وأصيبت بنكسة قوية بسبب تخلفهم عن بدر الموعد، لدواعي حقد دفين يعتل في نفوس الكثيرين منهم، أو إلى نوازع الطمع والجشع وحب الحصول على شيء من حطام الدنيا كتمر خيبر، لدى كثيرين آخرين، كما ويستجيب فريق آخر لنداء الشيطان، الذي يزين لهم أعمالهم ويعدهم ويمنيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً، فيصرون على الجحود وعلى الإستكبار والعتو والعلو. وإن ربك لبالمرصاد.
ولكن حين يفرض الإيمان والإسلام نفسه عليهم، فإنك تجد الأمر لا يصل في صعوبته وتعقيده إلى الدرجة التي نجدها عند اليهود رغم وضوح الأمر لدى اليهود.
حتى إنهم ليعرفون هذا النبي "صلى الله عليه وآله" كما يعرفون أبناءهم، ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، وليس الأمر بالنسبة للمشركين كذلك، إلا أنهم يرون المعجزات والكرامات، ويقيم "صلى الله عليه وآله" عليهم الحجة، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة.
هذا، ومن المضحك المبكي هنا: أننا نجد اليهود يريدون أن ينتصروا على محمد والمسلمين بواسطة قريش والقبائل العربية، وقريش تريد أن تحقق هذا الهدف بالذات بالإفادة من خيانة اليهود، ومساعدة قبائل غطفان وغيرها.
أما غطفان وغيرها من القبائل العربية: فتريد الحصول على المال ولكن بالاعتماد على جهد القريشي وكيد اليهودي. ولم يكن اهتمامها باستئصال شأفة الإسلام والمسلمين يصل إلى درجة اهتمام قريش واليهود بذلك ـ كما ربما يظهر من بعض المؤلفين.
أهداف الحرب:
أما أهداف الحرب: فهي كما يظهر من كلامهم السابق استئصال محمد ومن معه، ولكننا إذا أردنا تحديد ذلك بدقة، فإننا نقول:
لقد حدد علي "عليه السلام" هدف الأحزاب والعرب من الحرب وقال: "إن قريشاً والعرب تجمعت، وعقدت بينها عقداً وميثاقاً، لا ترجع من وجهها حتى تقتل رسول الله، وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب"([261]).
ونعتقد: أن هذا الكلام هو الأقرب والأنسب فيما يرتبط بتحديد الهدف الأقصى للحرب، فإن كلامهم المتقدم في النصوص التي أوردناها، وإن كان ينص على استئصال محمد ومن معه، إلا أن استئصال جميع من مع النبي من الأوس والخزرج، وسائر قبائل العرب لن يكون سهلاً ولا ميسوراً لهم. ولا يمكن لهم أن يقدموا على إذكاء نار قد لا يمكنهم إطفاء لهيبها على مدى أجيال ولسوف ينالهم منها الشيء الكثير والخطير كما هو معلوم..
أما قتل محمد وبني عبد المطلب، فهو الأسهل والأيسر، وبه يتحقق المطلوب، ولماذا يذهبون إلى أبعد من ذلك؟!
غير أن من الواضح: أن هذا لن يقنع اليهود، لأن هدفهم هو استئصال محمد وجميع من معه. ولعل ذلك يفيدهم في إعادة بسط هيمنتهم ونفوذهم على يثرب وعلى المنطقة.
أما غطفان وسائر القبائل فيهمها تمر خيبر بالدرجة الأولى، اما استئصال محمد والمسلمين فلا ترى فيها أية سلبية، بل هو أمر محبوب بالنسبة إليها ومطلوب.
الأحقاد هي المحرك:
قد قرأنا فيما سبق: أن اليهود يقولون للمشركين: "جئنا لنحالفكم على عداوة محمد وقتاله".
فأجابهم أبو سفيان: "مرحباً وأهلاً، أحب الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد".
والذي نريد أن نلفت النظر إليه هنا: هو أن هؤلاء الناس لم يكلفوا أنفسهم حتى تلطيف عباراتهم، وعقلنة تصريحاتهم. بل أظهروا كل ما يضمرونه من سوء دونما رادع من خلق، أو وازع من عقل أو شرف أو منطق.
فلم يقولوا لأهل مكة مثلاً: إننا جئنا لأجل أن نتدارس الأمور، بموضوعية وإنصاف، ثم بحكمة وبمسؤوليه، واضعين في حسابنا الحفاظ على المصالح الاجتماعية العامة، وتوفير الأمن والاستقرار للناس، وتجنيبهم مآسي الحروب وسلبياتها على جميع الأصعدة، وفي مختلف الاتجاهات، وإعطاء الناس الفرصة لبناء حياتهم بناء سليماً، ثم الإعداد لمستقبلهم، في ظلال من السلام والأمن، وفراغ البال واطمئنان الخاطر.
كما إنهم قد أخفوا ما يضمرونه من الطموح إلى تحقيق مكاسب سياسية، وامتيازات على صعيد النفوذ والهيمنة على المنطقة، أو فيما هو أوسع منها.
ولم يعترفوا أيضاً: أن مصالحهم الدنيوية، وما فيها من أموال وتجارات ومواقع ومناصب ولذائذ، لها دور في اندفاعهم إلى حرب محمد ومن معه، لظنهم أنهم سوف يخسرون الكثير مما سيتأثرون به لأنفسهم على حساب غيرهم من الناس المستضعفين والمحرومين.
بل غاية ما صرَّحوا به: هو أن دافعهم ليس إلا الأحقاد والضغائن، والعداوات الباطلة، والبغي والحسد، بل لا مبرر ظاهر سوى أنهم لا يريدون لهؤلاء الناس أن يقولوا: ربنا الله، وليس ربنا الحجارة، ولا يريدون أن يتخذوا الطواغيت أرباباً من دون الله.
وصدق الله تعالى حيث يقول: ?لتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً للذِينَ آمَنُواْ اليَهُودَ وَالذِينَ أَشْرَكُواْ..?([262]).
يريدون ليطفئوا نور الله سبحانه:
قد عرفنا: أن اليهود إنما قدموا مكة ليتحالفوا ويتعاقدوا مع المشركين على استئصال محمد "صلى الله عليه وآله" ومن معه حسب زعمهم، حيث قالوا لقريش: "نحن معكم حتى نستأصل محمداً" أو "سنكون معكم حتى نستأصله ومن معه".
كما أنهم وهم يقررون ما يتعاقدون عليه، قالوا: "ولتكون كلمتنا واحدة على هذا الرجل ما بقي منا رجل".
وذلك يعني:
1 ـ أن هدفنا المعلن هو استئصال شأفة الإسلام والمسلمين.
2 ـ أنهم مصممون على تحقيق هذا الهدف بأسلوب الحرب حتى آخر رجل منهم.
3 ـ أن هذه المبادرة منهم قد جاءت عن طريق خيانتهم لعهودهم ومواثيقهم التي كانوا قد أبرموها مع نفس الذين يريدون استئصالهم, مع العلم بأن ذلك الطرف لم يزل وفياً بعهده حافظاً لمواثيقه معهم، ولم يحدث أن خان أو تردد في عهد مع أي فريق منهم، ولم يسئ إليهم ولا إلى غيرهم بشيء إلا ما يجرونه هم على أنفسهم بخياناتهم المتتالية، وهم يرتكبون هذه الخيانة رغم أنهم قد رأوا بأم أعينهم عواقب خيانة بني قينقاع، ثم خيانة بني النضير، وأكثرهم نضيريون، كما تقدم.
4 ـ أن مبرر هذا الإجرام العظيم والبشع هو مجرد الحسد والحقد منهم. بالإضافة إلى مكاسب سياسية، واجتماعية وغيرها يحلمون بتحقيقها على المدى البعيد من خلال فرض هيمنتهم على المدينة وعلى غيرها بصورة وبأخرى.
فلم يكن الهدف عقيدياً ولا إنسانياً ولا أخلاقياً. بل هم قد داسوا بأقدامهم الإنسانية والأخلاق وحتى مبادئهم وعقيدتهم التي يدَّعون أنهم ينتسبون إليها وهذا هو منتهى الإسفاف، وغاية التردي في حمأة الجريمة والبغي.
الإيمان والمواثيق لا تجدي:
وبعد.. فإن الملفت للنظر هنا: أننا نجد اليهود يفقدون صفة الأخلاقية والمبدئية في مواقفهم، وفي مجمل تحركهم في مواجهة الإسلام والمسلمين، وكذلك نجد المشركين، خصوصاً أبا سفيان، لا يختلف عن اليهود في ذلك.
فأبو سفيان يحاول أن يخدع قومه في حركته الهادفة إلى دفعهم إلى مواجهة الإسلام، حيث إن اليهود يتصلون به أولاً، ثم يتفق معهم على دعوة الناس إلى استئصال النبي "صلى الله عليه وآله"، وحين يطلبون ذلك من الناس علناً يظهر أبو سفيان بمظهر من يسمع هذا الكلام لأول مرة!!
ثم إنهم يصرحون: بأنهم جاؤوا للتحالف على العداء لمحمد، فلم يكن هذا المجيء، لمحاولة فهم دعوة هذا الرجل، والتعامل معه ومعها بإنصاف وبموضوعية، وتعقل وتدبر كما أسلفنا.
كما أنهم يفضلون الاتصال أولاً بأبي سفيان، ولم يكن المبرر لذلك إلا أنهم يعلمون بعداوته لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وتسرعه لقتاله فهم يريدون إذن توظيف حالة الحقد غير المسؤول لدى أبي سفيان، وحالة التسرع اللاواعي عنده لصالح تحقيق الأهداف التي يرمون إلى تحقيقها.
أضف إلى ما تقدم: أنهم لا يتورعون عن ارتكاب جريمة التضليل الإعلامي والتعليمي، ومخالفة قناعاتهم، وحتى أصول دينهم في هذا السبيل. فهم يقررون للمشركين أن الشرك أهدى من التوحيد وأن دعوى الجاهلية خير من الهدي الإلهي.
هذا كله عدا عن استخدامهم المال أيضاً كوسيلة لتحريك بعض الفئات لحرب محمد "صلى الله عليه وآله" ومن معه.
وإذا صحت الرواية التي تقول: إن أبا سفيان قد طلب من اليهود أن يسجدوا للأصنام، لأن قريشاً خافت من مكرهم، فاستجاب اليهود وسجدوا للأوثان، وكذلك فعل كعب بن الأشرف ومن معه، حين جاؤوا في مرة سبقت حرب الخندق لتحريض المشركين على حرب محمد ـ إذا صح ذلك ـ فإن الأمر يصبح في غاية الوضوح:
1 ـ حيث يكون اليهود قد أسقطوا عن وجوههم جميع الأقنعة، وتجاوزوا كل حد، وكل الأرقام القياسية في سحق المثل والقيم، والمبادئ الأخلاقية والإنسانية وأثبتوا أنهم وصوليون بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
والغريب في الأمر: أننا نجدهم يعتمدون على الإيمان والمواثيق لإحكام أمرهم مع المشركين، وللحصول على الحد الأدنى من الاطمئنان والوثوق ببعضهم البعض، رغم أنهم قد مارسوا ـ عملياً ـ أساليب من شأنها أن تنسف كل عوامل الثقة ولو بمستواها الأضعف والأدنى.
وإلا، فهل يمكن أن يكون المشركون قد وثقوا باليهود لمجرد أنهم قد رأوهم يسجدون للأوثان؟!
وهل اعتقد المشركون: أن اليهود قد تركوا يهوديتهم، ودخلوا في الشرك؟!
وإذا كانت الإجابة بالنفي، فما معنى وثوقهم بأيمانهم ومواثيقهم؟! وما معنى اطمينانهم إلى عدم مكرهم بهم، وخديعتهم لهم؟!
أليست نفس استجابتهم لطلب المشركين بالسجود للأوثان دليلاً على أنهم لا عهد، ولا ميثاق، ولا أيمان لهم؟ بل هي دليل على أنهم يخادعونهم ويمكرون بهم، ويريدون استخدامهم فيما يريدون بأية صورة كانت، وبأي ثمن كان؟!
ألم يدرك المشركون: أن وثوقهم باليهود استناداً إلى ذلك معناه أنهم يخدعون أنفسهم؟! ويظهرون للملأ: أنهم على درجة كبيرة من الرعونة والسذاجة؟!
2 ـ ومما يزيد في ضراوة هذه الشكوك: أننا نجد اليهود، حين سألهم المشركون عن ذلك، قد طلبوا من المشركين أن يعرضوا عليهم دينهم ودين محمد، ليحكموا لهم أو عليهم.
فلما عرضوا ذلك عليهم أصدروا حكمهم لصالح دين المشركين، وأنهم أولى بالحق كما تقدم.
والسؤال هنا هو: هل صحيح أن اليهود كانوا لا يعرفون دين المشركين، الذين يعيشون بينهم ويتعاملون معهم منذ عشرات السنين؟!
وهل كان المشركون أعرف بأمر محمد "صلى الله عليه وآله" وبدعوته من اليهود، وهو يعيش بين ظهرانيهم، وقد عقدوا معه التحالفات وخاضوا معه الحروب، ولم يزل يدعوهم إلى دينه ويحتج عليهم وقد جاؤوا ليحرضوا الناس على حربه واستئصاله؟!
3 ـ والأغرب من ذلك أن يخطر ببال أحد من المشركين وغيرهم: أن يجيب اليهود، الذين جاؤوا للتحريض على استئصال محمد، بغير ما أجابوا به!!
4 ـ والأعجب من ذلك: أن يعتبر الشرك ديناً يصلح للمقارنة مع ما جاء به النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" من عند الله تعالى.
تمر خيبر:
بقي أن نشير أخيراً: إلى هذا السخاء الذي تجلى في اليهود حتى جعلوا تمر خيبر سنة، أو نصفه كل سنة، لغطفان لتوافق على المشاركة في الحرب ضد الإسلام.
ولا ندري ما هو الدافع لهم للإقدام على هذه الخطوة؟ فهل كان هذا يستبطن غدراً ونقصاً كما هو معروف عن اليهود؟ أي أنهم بعد أن يتخلصوا من عدوهم الأقوى والأخطر بنظرهم يرفضون الوفاء بما تعهدوا به لغطفان.
وهل فكرت غطفان في هذا الأمر بصورة جدية وواقعية؟!
وما هو المبرر لهذه العداوة الراسخة من اليهود للاسلام ولنبي الإسلام؟!
وكيف نفسر هذا السخاء الذي لا نظير له من قوم لم نعرف عنهم إلا المزيد من الحرص على المال وعلى الدنيا، وإلا الشح المزري، والبخل المشين؟!
هذا السخاء قد جاء من أجل استئصال أناس لم يروا منهم إلا الوفاء والصدق، والنبل والالتزام بالقيم الإنسانية والمثل العليا!!
إن التفسير الوحيد المعقول لذلك هو: أنهم يشعرون أن الإسلام يمثل خطراً يتهدد دنياهم وامتيازاتهم، وهو يتناقض بصورة عميقة وأساسية مع ما يفكرون به، ويخططون له من استغلال لثروات البلاد، وإذلال واستعباد للعباد.
فلماذا إذاً: لا يضحون ببعض المال من أجل إزاحة هذا الكابوس الجاثم على صدورهم؟ فإذا تمكنوا من ذلك، فإنهم سوف يستقبلون الدنيا العريضة بكل ما لديهم من خطط ماكرة، وأساليب شيطانية، تجعلهم يتحكمون بكل مقدرات الأمم، ويهيمنون على كل نبضات الحياة فيها؟!
تأثير المال في تحزيب الأحزاب:
إن من الواضح: أنه لم يكن لقوى الكفر قيادة موحدة، ترسم الخطة، ثم تتخذ القرار، ثم تعمل على تنفيذه، بل كانت لهم قيادات متعددة ومختلفة. وذلك من شأنه أن يضعف أمرهم، ويوهن وحدتهم، مع وجود فرص تساعد على إلقاء الخلاف فيما بينهم وإذكاء روح التنافس، وإشاعة روح التشكيك ببعضهم البعض كما حصل لبني قريظة.
كما أن من البديهي: أنه لم يكن بإمكان كل قبيلة أن تستقل بعداوة محمد وقتاله، وكانت كل قبيلة تخشى من مواجهة المؤمنين وحدها.
فكان لا بد من تفاهم القبائل فيما بينها لتحصيل إجماع على الاجتماع على قتال محمد وصحبه.
فبادر اليهود إلى العمل لتحصيل هذا الإجماع، على أمل أن يحسموا الأمر لمصالحهم، ويكونون بذلك قد ثأروا لأنفسهم، وتصبح ـ من ثم ـ لهم هم الكلمة الأولى والأخيرة في المدينة على الأقل، ويكون لهم النفوذ والتأثير القوي في المنطقة بأسرها..
ثم إنه قد كان من جملة العوامل التي ساعدت على تجييش الجيوش وتحزيب الأحزاب، هو الوعود المالية السخية للناس، إذا نفروا لحرب المسلمين.
حتى لقد رفض بنو مرة نصيحة الحارث بن عوف، إذ قد "غلب عليهم الشيطان، وقطع أعناقهم الطمع"([263]).
الإرهاب الفكري والخداع للسذج:
وقد أظهر النص المتقدم: أن قريشاً ـ والظاهر: أن المقصود هو الزعماء منها ـ أرادت خداع السذج والبسطاء من الناس بالاستفادة من حالة الانبهار بأهل الكتاب، التي كانت لدى عامة الناس في المنطقة العربية، والتي كانت حين ظهور الإسلام تعاني من الجهل الذريع، الذي مكَّن لشياطين أهل الكتاب أن يصوروا لهم: أنهم هم مصدر العلوم والمعارف، وهم المرجع الموئل والمفزع للناس فيما يهمهم من أمور الدين، والمعارف الدينية.
واستطاع أهل الكتاب أن يمسكوا بعواطف الناس، البسطاء والسذج والجهلة، باستخدام طريقة التهويل والإحالة على الغيب الذي يضعف أقوى الناس أمامه إذا كان يلامس مصيره ومستقبله بصورة أو أخرى.
والملفت هنا: أن يستغل زعماء قريش هذه الفرصة للاستفادة من هذا الانبهار من أجل سوق الناس بالإتجاه الذي يريدون، ويرون أنه يحقق لهم مأربهم، ويوصلهم إلى أهدافهم الشريرة.
فيطلبون من الناس: أن يسألوا اليهود عن الأهدى من الفريقين: أهم بشركهم وضلالاتهم؟ أم محمد "صلى الله عليه وآله" وما جاء به من عند ربه من الهدى؟ ويأخذ أبو سفيان هنا زمام المبادرة ليلقي سؤاله بطريقة فنية وذكية، حينما ضمَّن كلامه خليطاً من الأمور التي ترضي آنئذٍ غرور الإنسان العربي والقرشي على وجه الخصوص، بملاحظة طبيعة حياته، وعاداته وموقعه، ككونهم ينحرون الجزور الكوماء، ويسقون الحجيج، وكونهم عمَّار البيت، ثم هم يعبدون الأوثان.
فيفهم اليهود ما يرمي إليه ويناغمونه الكيد والتزوير، ويحكمون لهم بأنهم أولى بالحق من محمد بالاستناد إلى نفس ما أراد أبو سفيان أن يستندوا إليه وألقى إليهم به.
الحارث بن عوف ينصح قومه:
ويستوقفنا هنا: ما قاله الحارث بن عوف لقومه، وهو ينهاهم عن المسير إلى حرب محمد "صلى الله عليه وآله"، فإنها نصيحة مهمة تعبر عن إدراك حقيقي لما يجري، ثم هو يقيِّم الواقع بصورة متوازنة، وعاقلة، حيث عبر لهم عن اعتقاده أن أمر الإسلام ظاهر وغالب، ولو ناوأه ما بين المشرق والمغرب لكانت له العاقبة.
ونعتقد: أنه قد أدرك هذا الأمر بحسن تقديره للأمور، وهو يراقب ما يطرح هذا الدين للناس من مفاهيم وتشريعات، وما يمارسه من تدابير وسياسات تنسجم مع أحكام العقل والفطرة السليمة، ومع الخلق السامي والنبيل. ثم هو يرى الواقع السياسي، وكل التحولات التي تستجد على المنطقة بصورة مطَّردة ومستمرة، ويرى أن هذا الدين لا يزال ينتشر، ويتجذر، ويترسخ وتتنامى هيبته وتتأكد هيمنته، رغم كل الكيد الذي يواجهه به أعداؤه، وكل الحقد الذي يعامله به مناوئوه.
عقدة بدر الموعد:
إن إلماح صفوان بن أمية إلى ما جرى في بدر الموعد، ليدل دلالة واضحة على: أن المسلمين قد سجلوا فيها نصراً مؤزراً للإسلام وهزيمة روحية وسياسية ساحقة لكبرياء الكفر والشرك، ليس في مكة وحسب، وإنما في المنطقة بأسرها.
ولكن من دون أن يكلف ذلك المسلمين أية تضحيات، بل هم قد ربحوا في تجاراتهم في سوق بدر، حسبما تقدم بيانه.
عيينة بن حصن والمعاني الإنسانية:
ربما يفهم من كلام البعض: أن الحارث بن عوف كان يرتبط مع النبي "صلى الله عليه وآله" بجوار، لكنه اعتبره أحسن تقية من عيينة بن حصن.
ولعل السر في ذلك هو: أن الحارث، وإن كان قد نقض الجوار، الذي قد يقال: إنه يعني الالتزام بعدم الاعتداء، حفظاً للجوار، مع أن البعض كالزهري، وبني مرة ينكرون أن يكون الحارث قد فعل ذلك، ويصرون على أنه لم يحضر حرب الخندق، إلا أن عيينة قد زاد على ما فعله الحارث: أنه لم يحفظ الجميل، بل جازى الإحسان إليه بالإساءة، ولكنها إساءة جاءت على درجة كبيرة من القبح، لأنها تضمنت خروجاً على كل الأعراف، والقيم، وحتى أعراف الجاهلية.
فقد تقدم: أن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" كان قد سمح لعيينة، حينما أجدبت أرضه: أن يرعى في منطقة نفوذ وسيطرة وحاكمية الرسول "صلى الله عليه وآله"، لينقذهم من الخطر الذي يتهددهم، ويساعدهم على التغلب على المشكلة الحياتية التي يعانون منها، رغم أنهم كانوا يختلفون معه "صلى الله عليه وآله"، من جهة أنهم كانوا على شركهم وضلالهم. ففعل "صلى الله عليه وآله" ذلك من دون أي مقابل، ودون أن يسجل لنفسه أي امتياز.
وقد عرف عن العرب: أنهم يعتزون ببعض المعاني التي يرون فيها شيئاً من القيمة، مثل: حسن الجوار، وحفظه، والوفاء بالعهد، ومقابلة الإحسان بمثله، ويعتبرون ذلك هو الرصيد الذي يؤهلهم لاحتلال مواقع إجتماعية متميزة، حتى إذا ما تبين لهم أن أحداً لا يملك شيئاً من هذا الرصيد، فإنه يبوء بذل العمر، وعار الدهر، وهو عندهم ساقط ومرذول، أو هكذا زعموا.
ولكن الأمور عند هؤلاء الناس قد انعكست الآن، حيث أصبح العداء للإسلام ولنبي الإسلام هو العمل الصالح عندهم الذي يبيح لهم كل محرم، وتتهاوى وتسقط معه كل قيمهم ومثلهم، التي يعتزون بها، ويعطون الأوسمة والامتيازات من خلالها وعلى أساسها.
فنقض العهود، وخفر الجوار، والإساءة لمن أحسن، وكل خزي وعار لم يعد مهماً عندهم إذا كان ذلك في قبال محمد "صلى الله عليه وآله" وضد الإسلام والمسلمين. بل إن هذه المخازي قد أصبحت أوسمة لهم، ومن دواعي تأكيد شخصيتهم، وبسط هيمنتهم بزعمهم.
وإلا، فكيف نفسر احتفاظ عيينة بن حصن، وكثيرين من أمثاله، بمواقعهم الاجتماعية، وهم قد أثبتوا أكثر من مرة أنهم لا يملكون شيئاً من هذه المعاني التي قبلها العرب، وتبنوها، وتغنوا وافتخروا بها.
وقبل أن نخلص إلى نهاية القول، نقول: إن من الطبيعي للإنسان الذي يحتفظ بميزاته وخصائصه الإنسانية أن يشعر بالامتنان تجاه من يحسن إليه، ويشعر بالاحترام والتقدير تجاه من يحسن جواره وكذلك تجاه من يتعامل معه بطريقة أخلاقية وإنسانية، حتى ولو كان يختلف معه في الرأي، وفي العقيدة والدين.
فإذا أراد أن يكون له موقف يختلف عن هذا، فلا بد أن يتناقض أولاً مع نفسه، ويقوم صراع حاد مع تلك الخصائص النبيلة، ولن يكون قادراً على اتخاذ ذلك الموقف إلا بعد أن يتم التغلب عليها وقهرها.
وتختلف صعوبة اتخاذ القرار، والموقف هذا باختلاف درجات البشاعة والشين فيه، إلا إذا فرض: أن تلك المعاني الإنسانية قد تناهى بها الضعف، بسبب ممارسات سابقة، حتى بلغت درجة فقدت معها تأثيرها وفاعليتها. وأصبح الإنسان بذلك على درجة كبيرة من الصلف واللامبالاة، والوقاحة، وتحول إلى مجرم محترف، لا يبالي أي شيء يرتكب ويقترف، كما كان الحال بالنسبة لعيينة بن حصن، الذي هو موضع البحث.
وأخيراً: فإن عيينة بن حصن هذا هو الذي يروى أن النبي "صلى الله عليه وآله" وصفه بالأحمق المطاع، وكان من المؤلفة قلوبهم، وقد ارتد عن الإسلام بعد ذلك، وقاتل تحت قيادة طليحة بن خويلد الذي ادَّعى النبوة. فلتراجع ترجمته في كتب الرجال والتراجم.
شك المشركين:
والملفت للنظر هنا: أننا نجد المشركين يشكون في صحة ما هم عليه، كما أن طلب أبي سفيان من اليهود تصديق ما هم عليه يشير إلى طغيان هذه الشكوك إلى درجة كبيرة حتى احتاجوا إلى تسكينها وطمأنة الناس وتثبيتهم.
الفصل الثاني:
الخندق في خطة الحرب والدفاع
المفاجأة:
1 ـ إن معرفة الإنسان بعدوِّه تجعله أقدر على التعاطي معه من موقع القوة والحزم، من خلال ما تهيئ له تلك المعرفة من قدرة على رسم الخطة السليمة، ثم التنفيذ الدقيق والواعي.
ولا تقتصر هذه المعرفة المؤثرة على معرفة عناصر الضعف والقوة في العدة وفي العدد، وسائر النواحي العسكرية، والامتيازات الحربية. بل تتعداها إلى الإشراف على خصائص شخصية العدو والمعرفة بطبائعه، وأخلاقياته، ومبادئه ومفاهيمه، وعاداته وتقاليده ومستواه الفكري والعلمي، وما إلى ذلك، مما له دور وتأثير في اتخاذ القرار العسكري، أو تسجيل الموقف على الصعيد السياسي، أو التعامل في مجال السلوك، وهكذا على الصعد كافة. ثم انعكاسات ذلك كله على التحرك باتجاه حشد الطاقات، ورسم الخطط، والإعداد والاستعداد للمواجهة والتصدي.
فإن التعامل مع العدو الذي يلتزم بالعهود والمواثيق، يختلف عنه مع من عرف أن من طبيعته الغدر، وعدم الوفاء. كما أن التعامل مع من يلتزم بعهده لدوافع دينية وعقيدية ومبدئية يختلف عن التعامل مع من يلتزم بذلك لدوافع أخرى.. وهكذا الحال في سائر النواحي ومختلف المواضع والمواقع.
2 ـ ونبينا الأكرم "صلى الله عليه وآله" كان يعرف تماماً حقيقة ما يفكر به المشركون، واليهود والمنافقون، وسائر القوى التي تحيط به. ثم هو يعرف طبيعة تركيبتهم السياسية والاجتماعية وواقعهم الثقافي والإقتصادي. ثم هو يعرف نهجهم، وأساليبهم وطموحاتهم وطريقتهم في الحياة.
وقد أثبتت له التجربة الحسية في أكثر من موضع وموقع ما ينطوون عليه من غدر وخيانة، ومن روح أنانية وتآمرية حاقدة وشريرة وغير ذلك من أوضاع وحالات.
وهذا الواقع العدائي، والروح التآمرية، وتلك الأعمال الخيانية التي كانت تهيمن على أعداء الله والإنسانية، قد فرضت على النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" والمسلمين أن يعيشوا حالة الحذر القصوى، فكان أن بث رسول الله "صلى الله عليه وآله" عيونه وأرصاده في طول البلاد وعرضها في الجزيرة العربية، هذا بالإضافة إلى ما كان يلمسه "صلى الله عليه وآله" من التسديد بالوحي والألطاف الإلهية به "صلى الله عليه وآله" وبالمسلمين في الفترات الحرجة والخطيرة.
وهذا ما يفسر لنا ما نشهده من معرفة النبي التامة بواقع ما يجري حوله، فلم يكن ليفاجئه أمر داهم، بل كان هو الذي يفاجئ أعداءه ويباغتهم. فهو إما يسبقهم بتوجيه الضربة الأولى لهم، وإما بمواجهته لهم بالخطة التي تبطل كيدهم، وتفشل مؤامراتهم، ومكرهم السيّئ ، ولا يحيق المكر السيّئ إلا بأهله.
وهذا بالذات هو ما حصل في حرب الخندق، حيث فاجأ المشركين بحفر الخندق حول المدينة، وتحصين سائرها، الأمر الذي أحبط خطتهم، وتسبب لهم بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة والمريرة.
3 ـ أما معرفة أعداء النبي "صلى الله عليه وآله" به فهي تختلف في مضمونها، وفي آثارها ونتائجها عن معرفته بهم، فإنهم وإن كانوا يعرفون نبوَّته وصدقه وأمانته، ولا يشكوُّن في حقانية ما جاء به. إلا أنهم يجهلون الكثير الكثير من آثار الإسلام، والإيمان، ولا يعرفون الكثير عما يحدثه الالتزام بتعاليمه وشرائعه من تغييرات عميقة في فكر وروح الإنسان وفي شخصيته، وفي كل وجوده.
نعم.. إنهم يعرفون صدق هذا النبي، وصحة نبوته، وحقانية ما جاء به، إلى درجة أن اليهود يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل.
أما المشركون، فقد عاش النبي "صلى الله عليه وآله" بينهم، وعرفوه طفلاً ويافعاً، وشاباً ومكتهلاً، وهم الذين سموه بالصادق الأمين، ورأوا منه الكثير من المعجزات والكرامات والخوارق، وعاينوا وسمعوا منه من الحجج ما يقطع كل عذر، ويزيل كل شبهة وريب، حتى لم يعد أمامهم إلا البخوع والتسليم، أو الاستكبار والجحود على علم، فألزموا أنفسهم بالخيار الثاني، كما حكاه الله تعالى عنهم: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلماً وَعُلُوّاً..?([264]).
فكان من نتيجة ذلك: أن أصبح محض الحق يواجه محض الكفر والجحود وظهر بذلك صحة قوله "صلى الله عليه وآله" حين برز علي "عليه السلام" لعمرو بن عبد ود الذي وضع المشركون فيه كل آمالهم: "برز الإيمان كله إلى الشرك كله".
ولا عجب بعد هذا إذا تعاون أهل الشرك والأوثان مع اليهود مدَّعي التوحيد. بل لا عجب إذا رأينا هؤلاء اليهود، الذين يدَّعون أنهم يعبدون الله، يشهدون لأهل الأوثان بأنهم أهدى من أهل التوحيد رغم أن ذلك يستبطن اعترافاً من اليهود ببطلان دينهم وعقيدتهم!!
وبعد ما تقدم: فإننا نستطيع أن نتفهم بعمق السبب في أن هذه الحرب فيما بين المسلمين وأعدائهم لا بد أن تكون مريرة وقاسية وتتميز بالشمولية والاتساع، والعمق. ثم برسوخ آثارها على كل صعيد ما دام أن أعداء الإسلام يرون ضرورة أن تستنفذ جميع الطاقات المتوفرة لديهم للهدم وللاستئصال، والإبادة الشاملة، فإن الهدف منها هو استئصال محمد ومن معه.
?وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ المَاكِرِينَ?([265]).
المشورة والتخطيط:
ويقول المؤرخون: إنه لما فصلت قريش من مكة إلى المدينة خرج ركب من خزاعة إلى النبي فساروا من مكة إلى المدينة أربعاً فأخبروا النبي "صلى الله عليه وآله" بالأمر. وذلك حين ندب رسول الله "صلى الله عليه وآله" الناس، وأخبرهم الخبر وشاورهم في أمرهم، وأمرهم بالجد والجهاد، ووعدهم النصر، إن هم صبروا واتقوا، وأمرهم بطاعة الله وطاعة رسوله.
وشاورهم "صلى الله عليه وآله" ـ وكان يكثر من مشاورتهم في الحرب ـ فقال: أنبرز لهم من المدينة؟ أم نكون فيها ونخندقها علينا؟ أم نكون قريباً ونجعل ظهورنا إلى الجبل؟! فاختلفوا.
[زاد المقريزي قوله: وكان سلمان الفارسي يرى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يهم بالمقام بالمدينة([266]) ويريد أن يتركهم حتى يردوا ثم يحاربهم على المدينة وفي طرقها فأشار بالخندق].
فقال سلمان: يا رسول الله! إنا إذ كنا بأرض فارس، وتخوفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن نخندق؟!
فأعجب رأي سلمان المسلمين، وأحبوا الثبات في المدينة.
فركب رسول الله "صلى الله عليه وآله" فرساً له، ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين، والأنصار، فارتاد موضعاً ينزله، فكان أعجب المنازل إليه: أن يجعل سلعاً ـ جبل معروف بسوق المدينة ـ خلف ظهره ويخندق على المذاد، إلى ذباب، إلى راتج.
فعمل يومئذٍ الخندق. وندب الناس، وخبرهم بدنو عدوهم، وعسكرهم إلى سفح سلع([267]).
واختصر ذلك المفيد وابن شهرآشوب، فقالا: "فلما سمع النبي "صلى الله عليه وآله" باجتماعهم استشار أصحابه، فاجتمعوا على المقام بالمدينة وحربهم على أنقابها"([268]).
ولنا مع هذا الذي يذكره المؤرخون وقفات، وهي التالية:
من أخبر النبي ' بمسير الأحزاب؟!
قد تقدم: أن ركباً من خزاعة قدم إلى المدينة في مدة أربعة أيام فأخبروا النبي "صلى الله عليه وآله" بمسير الأحزاب إليه.
ولكننا نجد نصاً آخر عن علي "عليه السلام" يقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد علم بذلك من جهة جبرئيل "عليه السلام" "فخندق على نفسه ومن معه"([269]).
ولا نستبعد أن يكون كلا الأمرين قد حصل.
وقد ذكرنا فيما سبق: أن خزاعة كانت ترتبط مع الهاشميين بحلف عقده معها عبد المطلب "رحمه الله"، وقد بقيت وفية لهذا الحلف وكانت عيبة نصح لرسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقد أشرنا فيما سبق: إلى أنها قد دفعت ثمن هذا الوفاء غالياً فيما بعد وفاة رسول الله الأكرم "صلى الله عليه وآله"؛ فجزى الله أنصار الله، وأنصار رسوله خير جزاء وأوفاه. إنه ولي قدير، وبالإجابة حري وجدير.
من المشير بحفر الخندق؟!
إن السياق المذكور آنفاً يدل: على أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي بادر إلى اقتراح حفر الخندق، ثم لما اختلف المسلمون، فتكلم سلمان الفارسي "رحمه الله" بطريقة بيَّن لهم فيها وجه الحكمة في اعتماد إجراء كهذا، فأعجبهم ذلك حينئذٍ، فقبلوه واجتمعت كلمتهم عليه.
ولكن كلمات كثير من المؤرخين قد أظهرت: أن سلمان هو المشير بحفر الخندق([270]) من دون أن تشير إلى أي تحفظ في ذلك.
وهذا هو ما استنتجه بعض المشركين حين فوجئوا بالخندق([271]).
بل قال مسكويه: "فأشار سلمان على رسول الله "صلى الله عليه" لما رآه يهم بالمقام بالمدينة، ويدبر أن يتركهم حتى يردوا، ثم يحاربهم على المدينة وفي طرقها: أن يخندق. ففعل ذلك"([272]).
لكن مؤرخين آخرين قد عبَّروا عن شكهم في هذا الأمر، فقال بعضهم: "استشار النبي "صلى الله عليه وآله" سلمان ـ فيما يزعمون ـ بأمر الخندق"([273]).
وقال آخرون: "فحفر الخندق. قيل: أشار به سلمان"([274]). وفي مقابل ذلك نجد ابن إسحاق وكذا غيره ينسب حفر الخندق إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولا يشير إلى مشورة سلمان، لا من قريب ولا من بعيد([275]).
بل إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد كتب في رسالته الجوابية لأبي سفيان: "وأما قولك من علَّمنا الذي صنعنا من الخندق، فإن الله ألهمني ذلك"([276]).
وكل ذلك يجعلنا نميل إلى أن كلام الواقدي قد جاء أكثر دقة في هذا المجال. وهو يفسر لنا السر في كلام ابن إسحاق من جهة، وكلام غيره المقابل له من جهة أخرى.
أما أولئك الذين ظهر منهم التردد في ذلك فلعلهم لم يقفوا على كلام الواقدي، ولم يتمكنوا من الجمع بين كلام ابن إسحاق وهو الحجة الثبت في السيرة، وبين كلام غيره.
وعي سلمان:
ولا نخفي هنا إعجابنا بهذا الوعي من سلمان المحمدي، حيث بادر في الوقت المناسب إلى تقديم تبرير لأولئك الناس الذين اختلفوا على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، يتوافق مع طريقة تفكيرهم، حيث قرر لهم: أن الخندق المقترح من شأنه أن يحد من فاعلية الخيل في الحرب، ويدفع غائلتها، ويصبح الجهد الشخصي للأفراد هو الذي يقرر مصير الحرب ونتائجها.
فكان أن استجاب المسلمون لاقتراح حفر الخندق، وأعلنوا موافقتهم عليه، وتحملوا مسؤولية الخيار والاختيار، وهذا بالذات هو ما أراده الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله".
لو كان الخندق بإشارة سلمان:
وقد رأينا: أن عدداً من المؤرخين قد زعم أن الخندق حفر بإشارة سلمان، وإن كنا نرجح: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي بادر إلى اقتراحه فاختلف المسلمون، فكان دور سلمان أن بيَّن لهم وجه الحكمة في ذلك، حسبما تقدم بيانه عن الواقدي..
ومهما يكن من أمر فقد ظهر: أن المشركين قد فوجئوا بالخندق وقالوا عنه: إن هذه المكيدة ما كانت العرب تكيدها([277])، ولعل الأنظار قد اتجهت إلى سلمان الفارسي منذئذ.
وسواء أكان ذلك بمشورة سلمان أم لم يكن فإن ما نريد أن نؤكد عليه هو أن الإسلام لا يمنع من الاستفادة من تجارب الآخرين ومن خبراتهم في المجالات الحياتية البناءة، فقد روي: أن "الحكمة ضالة المؤمن، فاطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها" وفي معناه غيره([278]).
نعم.. إن المؤمن أحق بالحكمة من غيره، ما دام أن ذلك الغير قد يستفيد منها لتقوية انحرافه، وتأكيد موقعه المناوئ للحق وللأصالة والفطرة.
وقد رأينا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أطلق الصناع وأصحاب الحرف في خيبر لينتفع بهم المسلمون([279]).
وأمر النبي "صلى الله عليه وآله" المشركين في بدر، الذين لا يجدون ما يفتدون به: أن يعلم الواحد منهم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ويطلق سراحهم في مقابل ذلك([280]).
ولكن هذه الاستفادة مشروطة: بأن لا تنشأ عنها سلبيات أخرى كما لو كان ذلك يعطي لأولئك المنحرفين فرصة لتضليل الناس وجرهم إلى مهالك الانحراف، أو يعطيهم بعض النفوذ والهيمنة أو يجرئهم على التدخل في الشؤون الخاصة بالمسلمين، وما إلى ذلك.
وهكذا، فإنه يصبح واضحاً: أن المرفوض إسلامياً هو التبعية للآخرين والانبهار الغبي بهم، وتقليدهم على غير بصيرة. وأما الاستفادة الواعية من منجزاتهم الحيوية لبناء الحياة، والتغلب على مصاعبها، بصورة تنسجم مع أحكام الشرع، ومن دون أن تنشأ عنه سلبيات خطيرة، فذلك أمر مطلوب، ولا غضاضة فيه.
وحتى لو كان الخندق بإشارة سلمان من الأساس، وكان سلمان قد استفاد ذلك من بيئته وقومه، الذين ما كانوا على طريقة الإسلام ولا على دين الحنيفية، فلا ضير ولا غضاضة في قبول مشورته. بل الغضاضة في ترك العمل بتلك المشورة إذا كانت موافقة للصواب ويتسبب الإعراض عنها بوقوع المسلمين في مأزق، وهم في غنى عنه ولا مبرر للوقوع فيه. مع وجود مخرج ليس في العمل به حرج ولا تنشأ عنه أية سلبيات يرغب عنها.
طريقة استشارته ' أصحابه:
هذا، ولا نرى أننا بحاجة إلى التذكير بمبررات مشاورة النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه، في أمر الحرب، فقد تحدثنا عن ذلك، وعن أسبابه وآثاره الإيجابية في أوائل غزوة أحد.
غير أننا نشير هنا: إلى أننا نلمح في طريقة مشاورة النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه خصوصيتين رائعتين تجلتا لنا في النص الذي ذكره الواقدي.
إحداهما: أنه "صلى الله عليه وآله" هو الذي بادر إلى اقتراح حفر الخندق ثم انتظر مبادرة سلمان الإقناعية، متعمداً أن تسير الأمور بهذه الطريقة، سياسة منه "صلى الله عليه وآله" لأصحابه، وترويضاً لعقولهم، وإعداداً لهم ليبادروا إلى تحمل المسؤولية، ولغير ذلك من أمور.
الثانية: أنه "صلى الله عليه وآله" في نفس الوقت الذي يمارس فيه أسلوب المشاورة بهدف تحسيس أصحابه بالمسؤولية وإفهامهم ـ عملاً، لا قولاً فقط ـ أنهم الجزء الحركي والفاعل والمؤثر حتى على مستوى التخطيط، والقرارات المصيرية، وأن القضية قضيتهم، بما يعنيه ذلك كله من ارتفاع ملموس في مستوى وعيهم وتفكيرهم السياسي، والعسكري، وغير ذلك من أمور كانت محط نظره "صلى الله عليه وآله"،
نعم.. إنه في هذا الحين بالذات يطرح أمامهم خيارات من شأنها أن تخرجهم من حالة الضيق والحرج، وتفتح أمامهم نوافذ جديدة على آفاق رحبة من التدبير العسكري، الذي يحفظ لهم وجودهم، ويبعد عنهم شبح الهزيمة المرة، أو التعرض لحرب تحمل معها أخطار القتل الذريع، دون أن يجدوا في مقابل ذلك أياً من تباشير النصر، أو التفاؤل به.
الخندق في إيجابياته الظاهرة:
قد تحدثنا في غزوة أحد في الفصل الأول منها، في فقرة: ما هو رأي النبي "صلى الله عليه وآله" في أحد، ما يفيد الاطلاع عليه في فهم إيجابيات البقاء في المدينة، والتمنع فيها، فيرجى مراجعة ما ذكرناه هناك.
أما هنا، فنقول: إنه لم يطل الأمر بالمسلمين، حيث إنهم سرعان ما أدركوا: أن حفر الخندق هو ذلك التدبير الذكي الرائع الذي فوَّت على عدوهم ما كان يحلم به من منازلتهم ومكافحتهم إلى درجة إلحاق الهزيمة بهم ثم استئصالهم وإبادة خضرائهم، وتقويض عزهم.
وقد أعطى الخندق المسلمين القدرة على ممارسة التسويف في الوقت، وهو الأمر الذي لم يكن المشركون قادرين على تحمل التسويف فيه إلى أجل غير مسمى.
وقد رأى المسلمون بأم أعينهم:
1 ـ كيف أن عدوهم لم يستطع الصبر طويلاً، بسبب بعده عن مصادر الإمداد البشري والتمويني، مع ملاحظة محدودية طاقاتهم التموينية، لعدم إمكان توفير مدخرات كافية لهذا العدد الهائل من الناس، ولكل ما معهم من خيل وظهر كانوا بحاجة إليه في حربهم. فإن منطقة الحجاز لم تكن قادرة ـ بحكم طبيعة حياة الناس فيها ـ على توفير هذا النوع من القدرات والإمكانات بهذا المستوى الكبير والحجم الهائل ـ ولا أقل من أن المشركين لم يفكروا مسبقاً بإيجاد خطوط تموين لحرب طويلة الأمد، ولا خططوا أبداً لمثل هذه الحرب، كما أنهم لم يعتادوا حروباً كهذه ولا ألفوها، فمن الطبيعي ـ والحالة هذه ـ أن يملوا حرباً كهذه، وينصرفوا عنها.
2 ـ إن هذا الخندق قد استطاع أن يحفظ لهم وجودهم وكرامتهم، فلم يسجل عليهم عدوهم نصراً وقد كبت الله به عدوهم وردهم بغيظهم لم ينالوا شيئاً مما كانوا يحلمون به، دون أن يكلف ذلك المسلمين خسائر تذكر، وحرم المشركين بذلك من إمكانية إشراك أعداد ضخمة في المواجهات مع المسلمين.
3 ـ ثم وجد المسلمون أنفسهم بعد ذلك أمام فرص أكبر، وحظ أوفر من ذي قبل، واستمروا يواصلون جهدهم وجهادهم للحصول على المزيد من أسباب القوة، والمنعة، والعمل على إضعاف عدوهم وتقويض هذا التوافق فيما بين فئاته لصالح بقاء هذا الدين، وترسيخ دعائمه وأركانه.
4 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" قد جمع بين أن خندق على المدينة وبين جعل جبل سلع خلف ظهر المسلمين ـ كما سنرى ـ فيكون بذلك قد استفاد من الموانع الطبيعية، ثم أحدث مانعاً مصطنعاً من الجهة الأخرى، لتكتمل خطته بحرمان العدو من أية فرصة للنيل من صمود المسلمين، أو إحداث أي إرباك، أو تشويش، أو خلخلة، أو مناطق نفوذ وتسلل في صفوفهم.
وأخيراً: نجد نصاً عن سلمان الفارسي يصرح فيه بالمبررات لحفر الخندق، فهو يقول: "يا رسول الله، إن القليل لا يقاوم الكثير في المطاولة.
قال: فما نصنع؟
قال: نحفر خندقاً يكون بيننا وبينهم حجاباً، فيمكنك منعهم في المطاولة. ولا يمكنهم أن يأتونا من كل وجه. فإنَّا كنا معاشر العجم في بلاد فارس إذا دهمنا دهم من عدونا نحفر الخنادق، فيكون الحرب من مواضع معروفة.
فنزل جبرئيل "عليه السلام" على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال: أشار سلمان بصواب([281]).
بين الأصالة والتجديد:
وآخر ما نقوله هنا: أن حفر الخندق قد أفهم المسلمين: أنه ليس من الضروري أن يبقى الإنسان أسير الأفكار والعادات والأساليب المتداولة في المحيط الذي يعيش فيه، فإذا كان باستطاعته أن يبتكر أساليب، ويحدث وسائل جديدة، تمكنه من تحقيق أهدافه على النحو الأفضل والأمثل، فعليه أن يبادر إلى ذلك، ويكسر حاجز الإستغراب والإستهجان والرهبة، ويتحرر من عقدة الحفاظ على القديم، أو على العادة والتراث لمجرد أنه قديم وتراث، ومن موقع الجمود، والخواء والتقوقع.
أما إذا كان هذا القديم يمثل الأصالة، والعمق والانتماء، ويعيد للإنسان هويته الحقيقية، ويحول بينه وبين التخلي عن خصائصه الإنسانية الأصيلة، فذلك القديم يكون هو الجديد النافع، في مقابل كل ما هو غريب، أو يجر الإنسان إلى غربة حقيقية، تبعده عن واقعه وتجرده من خصائصه الإنسانية الأصيلة، ليعيش في الظلام والضياع حيث الشقاء والبلاء، وحيث الوحشة والوحدة والغربة، بكل ما لهذه الكلمات من معنى؛ فالتجديد الإيجابي البناء هو الأصالة ذاتها.
أما التجديد الذي يفقد الإنسان أصالته، فهو الذي يمثل العودة إلى الوراء، وهو حقيقة التغرب والإنحطاط، والسقوط والتراجع. وهو بالتالي الكارثة الحقيقية والمدمرة له إن في الحاضر أو في المستقبل.
أضف إلى ما تقدم: أن التعارف فيما بين الشعوب المختلفة حين ينتهي إلى توظيف حصيلة تجاربها الحياتية لاستكمال سماتها الأصيلة للحياة بكل امتداداتها وعلى مختلف المساحات في الآفاق الرحبة، فإن هذا التعارف يصبح ضرورة لا بد منها ولا غنى عنها لأية أمة تريد لنفسها الخير والسعادة والفلاح. وتريد كذلك أن تستثمر ذلك كله في خط التقوى والعمل الصالح. وفي صراط حصحصة الحق ليكون هو الملاذ، والرجاء، في كل شدة ورخاء.
وقد قال تعالى: ?..وَجَعَلنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِل لتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ..?([282]).
أين كان الخندق وما هي مواصفاته؟!
قد تقدم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ركب فرساً وخط لهم الخندق وقد بينت النصوص التاريخية لنا مواضع الخندق وخصوصياته ومواصفاته بشيء من التفصيل، ونحن نذكر طائفة من هذه النصوص فنقول:
1 ـ موضع الخندق:
قال الواقدي: "كان الخندق ما بين جبل بني عبيد بخربى، إلى راتج. قال: وهذا أثبت الأحاديث عندنا"([283]).
وفي نص آخر: "من المذاد، إلى ذباب، إلى راتج"([284]).
وعند القمي: "فأمر "صلى الله عليه وآله" بمسحه من ناحية أحد إلى راتج"([285]).
وفي نص أكثر تفصيلاً: "حفر النبي "صلى الله عليه وآله" الخندق طولاً، من أعلى وادي بطحان، غربي الوادي، مع الحرة، إلى غربي مصلى العيد، ثم إلى مسجد الفتح، ثم إلى الجبلين الصغيرين، اللذين في غربي الوادي. ومأخذه قول ابن النجار".
إلى أن قال: "والحاصل: أن الخندق كان شامي المدينة، من طرف الحرة الشرقية، إلى طرف الغربية"([286]).
وروي بسند معتبر، عن عمرو بن عوف قال: "خط رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخندق عام الأحزاب من أجم الشيخين (السمر) طرف بني حارثة، حتى بلغ المذاد (المداحج)"([287]).
والمذاد بطرف منازل بني سلمة، مما يلي مسجد الفتح، ومنازلهم في جهة الحرة الغربية([288]).
قال السمهودي: "سيأتي أن الشيخين أطمان شامي المدينة بالحرة الشرقية، أما المداحج فلا ذكر لها في بقاع المدينة"([289]).
وأقول: لعل كلمة "المداحج" تصحيف لكلمة "المذاد"، ولعل كلمة: "السمر"، تصحيف لكلمة "الشيخين".
2 ـ جعل الأبواب للخندق:
"وذكروا: أن الخندق له أبواب، فلسنا ندري أين موضعها"([290]).
وحسب نص آخر: "جعل له رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبواباً، وجعل على الأبواب حرساً"([291]).
ولكن كعب بن مالك قد أشار إلى وجود خندقين، فهو يقول:
بـبـاب خـنـدقـيـن كـأن أســداً شـوابـكـهـن يـحـمـين العرينـا([292])
ويقول ضرار بن الخطاب:
كـأنـهـم إذا صــالــوا وصــلنا بـبـاب خـنـدقــين مصـافحونا([293])
وقال الفرزدق:
بـدر له شاهد والشعب من أحد والخندقان ويوم الفتح قد علموا([294])
وذكر القمي: أن عدد الأبواب كان ثمانية([295])
3 ـ خصوصيات ومواصفات أخرى:
"والخندق فيه قناة، يأتي من عين قباء إلى النخل الذي بالسنح، حوالي مسجد الفتح.
وفي الخندق نخل أيضاً. وانطمَّ أكثره، وتهدمت حيطانه"([296]).
وذكروا أيضاً: أنه قد "بلغ طول الخندق نحواً من خمس آلاف ذراع وعرضه تسعة أذرع، وعمقه سبعة أذرع"([297]).
الموقع الجغرافي للخندق:
ونحن إذا راجعنا الواقع الجغرافي للمدينة، فإنه يتضح: أن الخندق قد ضرب على المدينة في مواقع من الجهة الغربية والشمالية أما الجهة الشرقية والجنوبية فقد شبكت بالبنيان، ولم يخندق المسلمون عليها.
ولعل ذلك يرجع إلى أن المواقع التي تستوعب ألوف الفرسان، وتصلح أن تكون ساحة حرب ونزال هي المنطقة الواقعة بالقرب من ثنيات الوداع شمال غرب المدينة حتى تنتهي بجبل أحد. وهي منطقة واسعة ومسطحة ومكشوفة، وليست فيها عراقيل مهمة، وهي المنطقة التي حفر الخندق فيها.
أما سائر المناطق حول المدينة فلم تكن تصح لذلك، ولا سيما بالنسبة لجيوش كبيرة تعد بالألوف، من فرسان ورجالة، بالإضافة إلى ما يتبع هذه الجيوش من دواب وخيول تحمل أزوادهم وأمتعتهم، وتحمل الرجالة منهم أيضاً في سفرهم الطويل.
ذلك لأن سائر المناطق حول المدينة كان فيها من الجبال والأودية، ومن التضاريس والأشجار والحجارة ما يحد من قدرة تلك الجيوش الغازية على الحركة الفاعلة، والمؤثرة، ويفقدها الكثير من الامتيازات الحربية، ويحرمها من الاحتفاظ بزمام المبادرة، ويفوِّت عليها نصراً تطمع إلى تحقيقه.
ويوضح ذلك: أنه كانت توجد في الجهة الشرقية حرة واقم وفي الجهة الغربية حرة الوبرة، وهي مناطق وعرة فيها صخور بركانية وتمثل حواجز طبيعية، وكان في جهة الجنوب أشجار النخيل وغيرها بالإضافة إلى الأبنية المتشابكة، وكل ذلك لا يتيح لجيش المشركين أن يقوم بنشاط فاعل وقوي ضد المسلمين.
وحيث إن بعض المواضع في جهتي الشرق والجنوب كان يمثل النقطة الأضعف من غيرها، الأمر الذي يحمل معه احتمالات حدوث تسلل تكتيكي للعدو، يهدف إلى إرباك الوضع العسكري والنفسي للمسلمين، فقد كان لا بد من سد تلك الثغرة، ورفع النقص، وتفويت الفرصة على العدو، حتى لا يضطر المسلمون لتوزيع قواهم وبعثرتها هنا وهناك بطريقة عشوائية، أو من شأنها أن تضعف فيهم درجة الصمود والتصدي في ساحة الصراع الحاسم في ميدان الكر والفر الأول والأساس.
فكان أن بادر المسلمون إلى تشبيك المدينة بالبنيان وذلك في مواقع الضعف المشار إليها. وهذه الإجراءات كلها قد حالت دون استخدام قوات كبيرة في مهاجمة المدينة إلا من جهة الخندق، وهي قد أصبحت مشلولة بسبب حفر الخندق تجاه العدو فيها.
غير أن هذا الذي ذكرناه: لا يعني أن يمر القادم من مكة على ثنية الوداع، وهي الجهة الشمالية للمدينة. فإن طريق المسافرين، الذين تضمهم في الغالب قوافل صغيرة محدودة العدد، ليس كطريق الجيوش الضخمة التي تضم ألوفاً كثيرة من الناس ومن وسائل النقل المختلفة، حسبما ألمحنا إليه.
وبذلك يتضح: أن من الممكن أن نتفهم أنه لا مانع من أن تأتي الجيوش إلى جهة ثنية الوداع من جهة الشام، ولكن المسافرين يأتون من طريق آخر. ولا يمر القادم من مكة على ثنية الوداع ولا يراها، كما جاء في النص التاريخي([298]).
يقول مصطفى طلاس: "وبحفر الخندق استطاعت قيادة الجيش الإسلامي أن تعزل قوات العدو عن مكان التجمع الرئيسي للقوات المدافعة عن المدينة، وأن تحول بينها وبين اقتحام مداخل المدينة، لأن هذه المداخل أصبح من الممكن حراستها بعد حفر الخندق.
وقد أفادت قوات الثورة الإسلامية من مناعة جبل سلع، الذي كان إلى يسارها وإلى الخلف، كما أفادت من وعورة حرة الوبرة لحماية جناحها الأيسر، ومن وعورة حرة واقم لحماية جناحها الأيمن، ومن الحرة الجنوبية وجبل عسير لحماية المؤخرة"([299]).
تشبيك المدينة بالبنيان:
وكان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان، شبكوها من كل ناحية، وهي كالحصن([300]).
قال في خلاصة الوفاء: "كان أحد جانبي المدينة عورة، وسائر جوانبها مشبكة بالبنيان والنخيل، لا يتمكن العدو منها"([301]).
ثم إنه "صلى الله عليه وآله": "اختار ذلك الجانب المكشوف للخندق، وجعل معسكره تحت جبل سلع"([302]).
وبذلك يكون "صلى الله عليه وآله": قد سد الثغرات التي يمكن للعدو أن يتسلل منها ليحدث إرباكاً خطيراً في معسكر المسلمين.
ثم جعل للخندق أبواباً، وجعل على الأبواب حرساً، بطريقة تمنع من التسلل، ومن التواطؤ عليه كما سنرى.
ثم اختار الجانب المكشوف للخندق، وجعل معسكره تحت جبل سلع، مستفيداً منه كمانع طبيعي يصعب على العدو اجتيازه لمهاجمة المسلمين.
مدة حفر الخندق:
وقال المؤرخون: "وجعل المسلمون يعملون مستعجلين، يبادرون قدوم العدو عليهم"([303]).
الأقوال في مدة حفر الخندق وهي التالية:
كان حفر الخندق: ستة أيام وحصنه([304]).
وقيل: بضع عشر ليلة([305]).
وقيل: شهراً أو قريباً من شهر.
قال البعض: وهو أثبت([306]).
ووقع عند موسى بن عقبة: أنهم أقاموا في عمل الخندق قريباً من عشرين ليلة([307]).
وعند الواقدي: أربعاً وعشرين([308]).
وجزم النووي في الروضة: أنهم حفروه في خمسة عشر يوماً([309]).
وصرح القمي: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد فرغ من حفر الخندق قبل قدوم قريش والأحزاب بثلاثة أيام([310]).
ونقول:
إن الأرقام التي تقول: إنهم أقاموا يعملون في الخندق عشرين يوماً أو شهراً أو نحو ذلك، يبدو أنها بعيدة عن الصواب، لأن المفروض أن ركب خزاعة قد خرج إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد أن فصلت قريش من مكة إلى المدينة، وبقي أربعاً حتى وصل إليها، وأبلغ الرسول بالأمر..
ولنفترض: أن مسير قريش إلى المدينة قد استغرق أربع أضعاف الأربعة أيام المذكورة، فتكون قد وصلت إلى المدينة خلال ستة عشر يوماً فمع حذف الأربعة أيام الأولى لمسيرة ركب خزاعة فإنه يبقى اثنا عشر يوماً تم حفر الخندق فيها، فكيف يقال: إن العمل في الخندق قد استمر عشرين أو أربعاً وعشرين أو ثلاثين يوماً؟!
هذا.. ولكن يمكننا أن نخفي دهشتنا وإعجابنا بهذا الإنجاز الضخم والسريع جداً، مع ملاحظة ضعف الوسائل والإمكانات المتوفرة للعاملين في حفر الخندق آنئذٍ، بالإضافة إلى وجود المثبطين عن العمل، كما سنرى.
فحيا الله هذه الهمم، وبورك لهم جهادهم المبارك والرائد تحت قيادة وفي طاعة رسول الإسلام الأعظم والأكرم "صلى الله عليه وآله".
زمام المبادرة بيد من؟!
وقد اتضح من خلال النصوص المتوفرة لدينا: أن العدو وإن كان قد فرض على النبي وعلى المسلمين معركة غير متكافئة من حيث العدد والعدة، واختار هو التوقيت لحشد جيوشه وتحزيب أحزابه.
ولكنه بمجرد وصوله إلى المدينة: فقد زمام المبادرة ليصبح في يد النبي والمسلمين بصورة نهائية. فأصبح "صلى الله عليه وآله" يتحكم بمسار الحرب، وهو يفرض على عدوه الموقع الذي يريد، في هذا المكان أو في ذاك، ولا يملك عدوه أية وسيلة للتغيير في المواقع والمواضع فلا يمكنه أن يجر المسلمين إلى هذا الموقع أو إلى ذلك الموقع.
كما أنه "صلى الله عليه وآله" أصبح يتحكم بالزمام والتوقيت للحرب، ولا يستطيع عدوه أن يهاجمه في وقت لا يرغب هو بدخول الحرب فيه.
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قد أصبح قادراً على اختيار الوسيلة الحربية التي تلائمه، وتنسجم مع ظروفه وقد أسقط العتاد والعدة الحربية للعدو من الخيول وغيرها من الفاعلية المؤثرة وأصبحت عبئاً على العدو، لا بد أن يهيئ العدو لها ظروف بقائها وصيانتها من التلف في مصابرته على الحصار الطويل، الذي كان يستنزف طاقته وصبره، حتى انتهى الأمر به إلى هزيمة مخزية، كما سيتضح.
وهذه هي ثمرة التخطيط الواعي والمسؤول، وثمرة الإدراك الواعي للواقع وللظروف المحيطة، التي كان لا بد من التعامل معها والتغلب على سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها على النحو الأكمل والأفضل والأمثل.
الفصل الثالث:
حفر الخندق: أحداث ودلالات
شدائد ومتاعب:
إن من الواضح: أن حفر خندق بهذا الحجم حول مدينة كبيرة، ليس بالأمر السهل، ولا سيما بالنسبة لأناس لم يقوموا بعمل ضخم طيلة حياتهم، خصوصاً مع بدائية الوسائل ومحدوديتها، حتى اضطروا لاستعارة بعضها من يهود قريظة، كما سنرى. هذا بالإضافة إلى انقطاع المسلمين عن العمل في سبيل لقمة العيش، فانقطعت موارد أرزاقهم فكان من الطبيعي أن يعاني المسلمون من هذا الأمر من متاعب كبيرة، وشدائد لا تطاق، وذلك من ناحيتين:
إحداهما: في نفس هذا العمل الشاق والكبير، وما يحتاج لإنجازه في فرصة محدودة وقصيرة جداً، من جهد مضن لم يعتد هؤلاء الناس على أقل القليل منه، ولا واجهوا نظيره، ولو مرة واحدة طيلة حياتهم.
الثانية: في الضائقة المالية التي كانوا يعانون منها، التي تتجلى فيما يصفه لنا المؤرخون من حالة الضعف والجهد، والخصاصة والجوع في تلك الظروف بالذات..
وقد يحاول البعض أن يقول: إن هذه الضائقة لم تنل جميع الناس آنئذٍ، لأن الناس ـ كما يروى الواقدي والمقريزي ـ قد كان كثير منهم في وفرة معقولة في تلك الفترة، لأن مجيء الأحزاب كان بعد انتهاء موسم الحصاد، وقد أدخل الناس غلاتهم وأتبانهم، ولا يزال معظمها موجوداً لدى أصحابها.
أضف إلى ذلك: أن بعض الروايات الآتية التي تحكي لنا قصة جابر تقول: إن الذين احتاجوا للإصابة من طعام جابر كانوا ثلاث مائة، أي حوالي ثلث المشاركين في حفر الخندق؛ فالباقون لم يكونوا بحاجة ماسة إلى طعام، أو لعل أكثرهم كان كذلك.
ونقول:
إن هذه المحاولة غير كافية لإثبات ذلك، إذ قد صرح المؤرخون: أن العام كان عام جدب، ولم يكن ثمة غلات في مستوى يؤثر في تغيير ظاهرة الفقر والخصاصة والجوع، التي كانت مهيمنة على عامة الناس آنئذٍ. ولو كان ثمة غلات بهذا الحجم لبادر أصحابها إلى تقديمها طوعاً إلى هؤلاء الناس. بل كان النبي "صلى الله عليه وآله" يأمرهم ببذلها لإخوانهم، ولا سيما في ظروف الحرب هذه.
ولكنا قد رأيناهم: يتسابقون إلى دفع أذى الجوع عن شخص النبي الأكرم "صلى الله عليه وآلـه"، ويتسابقون إلى نيل بركاته والفوز برضاه.
إلا أن ذلك: لا يمنع من أن يكون لدى المنافقين قسط من تلك الأموال، كانوا يضنون بها ويبخلون عن بذلها ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه.
حفر الخندق في روايات المؤرخين:
ونحن نذكر هنا: طائفة من النصوص التاريخية المرتبطة بحفر الخندق، متوخين فيها ـ قدر الإمكان ـ تبويبها وتقسيمها، حسبما يتهيأ لنا، ثم نعقب ذلك ببعض ما يرتبط بما أجمل منها أو أشكل، ومن الله نستمد القوة والحول فنقول:
المساحي والمكاتل:
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد استعار من بني قريظة آلة كثيرة، من مساحٍ وفؤوس ومكاتل، يحفرون بها الخندق، وهم يومئذٍ سلم للنبي "صلى الله عليه وآله" ويكرهون قدوم قريش([311]).
ونقول:
لا ندري مدى صحة هذا القول، بعد أن كان رسول الله ـ حسبما تقدم، حين الكلام حول إيمان أبي طالب ـ يدعو الله أن لا يجعل لكافر ولا لمشرك عنده يداً أو نعمة إلا أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد قرر عليهم المعونة بهذا المقدار، إن دهمهم عدو، حسبما تقدم في معاهدته "صلى الله عليه وآله" مع يهود المدينة. فلا تبقى لهم بذلك منة على أحد، بل لله المنة عليهم، وإنما يعملون بما أخذ عليهم العمل به.
تقسيم العمل في الخندق:
قال الواقدي: "وكل بكل جانب من الخندق قوماً يحفرونه فكـان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذباب، وكانت الأنصار تحفر من ذباب إلى جبل بني عبيد".
وفي نص آخر: إلى خربي([312]).
وفي نص آخر: وخندقت بنو عبد الأشهل عليها بما يلي راتج إلى خلفها، حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخندقت بنو دينار من عند خربي إلى موضع دار ابن أبي الجنوب اليوم([313]).
ومن جهة أخرى: فإنه "صلى الله عليه وآله" قطع الخندق أربعين ذراعاً بين كل عشرة([314]).
وقال القمي: "جُعِلَ على كل عشرين خطوة، وثلاثين خطوة قوم من المهاجرين والأنصار يحفرونه"([315]).
وفي نص آخر يقول: "وجعل لكل قبيلة حداً يحفرون إليه"([316]).
لكن القطب الراوندي يقول: "قسمه بين المهاجرين والأنصار بالذراع
فجعل لكل عشرة منهم عشرة أذرع"([317]).
النبي ' يشارك في حفر الخندق:
وقد شارك النبي "صلى الله عليه وآله" المسلمين في حفر الخندق كما صرحت به النصوص التاريخة، وذلك رغبة في الأجر ولينشط المسلمين([318]).
وقد أجهد المسلمون أنفسهم، والنبي "صلى الله عليه وآله" يكابد معهم([319]) النصب والجوع وقد استمرت هذه المشاركة حتى فرغ من حفر الخندق([320]).
وكان "صلى الله عليه وآله" يضرب مرة بالمعول، ومرة يغرف بالمسحاة التراب، ومرة يحمل التراب بالمكتل، قال أبو واقد: ولقد رأيته يوماً بلغ منه، فجلس، ثم اتكأ على حجر على شقه الأيسر، فذهب به النوم، فرأيت أبا بكر وعمر واقفين على رأسه ينحيان الناس أن يمروا به فينبهوه، وأنا قريب منه، ففزع، ووثب فقال: إلا أفزعتموني؟!
فأخذ الكرزن (الفأس) يضرب به، وإنه ليقول:
اللهم إن الـعـيـش عـيش الآخـرة فـاغـفــر لـلأنـصــار والمهاجـرة
اللهم الـعـن عـضــلاً والــقــاره فـهـم كـلـفـوني أنـقل الحجارة([321])
وكان "صلى الله عليه وآله" يحمل التراب على ظهره، أو على عاتقه([322]) حتى إن التراب على ظهره وعكنه([323]) وربما كان يحفر معهم حتى يعيا، ثم يجلس حتى يستريح.
وجعل أصحابه يقولون: يا رسول الله، نحن نكفيك.
فيقول: أريد مشاركتكم في الأجر([324]).
وعن أم سلمة بسند صحيح ـ عند أحمد ـ: "كان النبي "صلى الله عليه وآله" يعاطيهم اللَّبِن يوم الخندق، وقد اغبر شعر صدره"([325]).
وفي نص آخر ذكره البخاري وغيره: "رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني التراب جلدة بطنه ـ وكان كثير الشعر ـ فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة:
والله لــولا الله مـــا اهــتــديـنـا ولا تـصـدقـنــا ولا صــلـيــن
فــانـزلـن سـكـيـنـة عــلـيـنــا وثـبــت الأقـــدام إن لاقــيــن
إن الأُلــــى قـــد بــغـوا علينـا إذا أرادوا فـــتــنــة أبــيــن
ثم يمد بها صوته: أبينا، أبينا([326]).
وقد سجل العسقلاني تحفظاً هنا، فهو يقول: "ظاهر هذا أنه كان كثير شعر الصدر، وليس كذلك فإن في صفته "صلى الله عليه وآله" أنه كان دقيق المسربة، أي الشعر الذي في الصدر إلى البطن. فيمكن أن يجمع أنه كان مع دقته كثيراً"([327]).
ولكنه جمع غير ظاهر الوجه، بعد أن كان التعبير الوارد في الرواية يأباه. ولكن المهم عند هؤلاء هو تصحيح رواية البخاري بأي ثمن.
وقد صرح القمي: بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان هو البادئ في حفر الخندق، فهو يقول: وأخذ معولاً فحفر في موضع المهاجرين بنفسه وأمير المؤمنين "عليه السلام" ينقل التراب من الحفرة، حتى عرق رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعيي، وقال:
لا عـيـش إلا عــيـش الآخـــــرة اللهم اغـفـر لـلأنـصار والمهاجرة
فلما نظر الناس إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحفر اجتهدوا في الحفر، ونقلوا التراب، فلما كان في اليوم الثاني بكروا إلى الحفر، وقعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في مسجد الفتح، فبينا المهاجرون والأنصار يحفرون إذ عرض لهم الخ.."([328]).
علي × وشيعته أعظم الناس عناء:
قال القاضي النعمان: "وكان علي صلوات الله عليه وشيعته أكثر الناس عناء، وفيه عملاً. وكان في ذلك من الأخبار ما يطول ذكره"([329]).
وثمة تفاصيل أخرى:
قد عرفنا فيما سبق: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان هو البادئ في حفر الخندق، وكان "صلى الله عليه وآله" يحفر، وعلي "عليه السلام" ينقل التراب من الحفرة، وقد استمرت مشاركة النبي "صلى الله عليه وآله" لهم في العمل حتى انتهوا من الخندق.
وأنه "صلى الله عليه وآله" كان يضرب مرة بالمعول، ومرة يغرف التراب بالمسحاة، ومرة يحمل التراب بالمكتل على ظهره، أو على عاتقه.
وكان "صلى الله عليه وآله" يعاطيهم اللَّبِن، الأمر الذي يدل على أنه كان ثمة بناء في الخندق.
أضف إلى ذلك أنهم يقولون:
إنهم كانوا يحملون المكاتل على رؤوسهم، وإذا رجعوا بها جعلوا فيها الحجارة، يأتون بها من جبل سلع، يسطرونها مما يليهم كأنها حبال التمر وكانت الحجارة من أعظم سلاحهم، يرمونهم بها.
والقوم يرتجزون، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول:
هــذي الجــمال لا جمــال خــيـبر هــــذا أبـــر ربــنــا وأطـــهر([330])
وما كان في المسلمين يومئذٍ أحد إلا يحفر في الخندق، أو ينقل التراب وكان أبو بكر وعمر لا يتفرقان في عمل، ولا مسير ولا منزل، ينقلان التراب في ثيابهما من العجلة، لم يكن مكاتل لعجلة المسلمين([331]).
وقال جابر: وعمل الناس يومئذٍ كلهم، والنبي "صلى الله عليه وآله"، وجعلت الأنصار ترتجز وتقول:
نـحـن الـذيـن بـايـعـوا محـمـــدا عــلى الجــهــاد مــا بـقـيـنـا أبدا
فقال النبي "صلى الله عليه وآله"، وفي لفظ آخر: فيجيبهم:
اللـهـم لا خــير إلا خـير الآخـرة فـاغـفـر لـلأنـصـار والمـهاجرة([332])
وكان من فرغ من المسلمين من حصته عاد إلى غيره فأعانه، حتى كمل الخندق([333]).
وعن أنس قال: خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، ولم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع.
وفي نص آخر: فلما رآهم يحملون التراب على متونهم، وما بهم من نصب وجوع، قال:
اللـهـم إن الـعـيـش عيش الآخرة فـاغـفـر لـلأنـصـار والمـهـاجـرة
فقالوا مجيبين له:
نـحـن الـذيـن بـايـعـوا محــمــدا عـلى الجـهــاد مـا بـقـيـنـا أبـدا ([334])
وبعد ما تقدم نقول:
عمل المنافقين في الخندق:
قالوا: وأبطأ عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعن المسلمين في عملهم ذاك رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل.
وحسب نص آخر: تخلف طائفة من المنافقين، يعتذرون بالضعف. وتسلل عنه "صلى الله عليه وآله" جماعة من المنافقين إلى أهليهم بغير علم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأنزل الله تعالى في ذلك:
?..قَدْ يَعْلمُ اللهُ الذِينَ يَتَسَللُونَ مِنكُمْ لوَاذاً فَليَحْذَرِ الذِينَ يُخَالفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ?.
ثم كان الرجل من المسلمين إذا نابته نائبة لا بد منها يستأذن رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيقضي حاجته، ثم يعود، فأنزل الله تعالى:
?إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جَامِعٍ لمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلئِكَ الذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولهِ..?.
واللواذ: الإستتار بالشيء عند الهرب([335]).
وهناك الذين كانوا يتسللون زاعمين أن بيوتهم عورة ـ أي مكشوفة للغزاة، ومعرَّضة للإحتلال([336]) ـ وليس الأمر كذلك.
ولنا مع ما تقدم وقفات، نشير إليها فيما يلي من مطالب:
1 ـ توزيع المهام على العاملين:
ومن الواضح: أن تحديد المسؤوليات، وتقسيم المهام على العاملين من شأنه أن يرفع من درجة الإحساس بالمسؤولية، الأمر الذي يفرض على العاملين قدراً أكبر من الدقة والتحري، الذي ينعكس على العمل إتقاناً وتناسقاً وجمالاً.
هذا عدا عن أنه يذكي روح التنافس البنَّاء والهادف، الذي يؤدي إلى نشوء نوع من الرقابة العفوية، التي تنتهي إلى الانضباط، وإلى الإسراع في الإنجاز.
ومن جهة ثانية: فإنه يقطع الطريق على أولئك الكسالى والإتكاليين، ممن يضعف لديهم الشعور بالمسؤولية، ويريدون أن يفيدوا ويستفيدوا من جهد الآخرين، دون أن يقدموا هم أنفسهم أي جهد، أو أن يبذلوا أي عناء. ومنعهم من ثم من التواكل المؤدي إلى الفشل، وإلى التضييع والبلبلة والاختلاف.
وقد روي عن علي عليه الصلاة والسلام: أنه كتب في وصيته للإمام الحسن، صلوات الله وسلامه عليه: "واجعل لكل إنسان من خدمك عملاً تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا في خدمتك"([337]).
كما أن عدم تحديد المسؤوليات يؤدي إلى تخلخل في البنية الداخلية، نتيجة للإحساس بالغبن لدى من تفرض عليه ظروف عمله أن يكون هو الذي يتحمل عبء إنجاز ما فرَّط الآخرون في إنجازه. وعسى ولعل أن يتجه الفرقاء إلى إثارة الأسئلة والشكوك، ثم إلى التراشق بآلتهم لتبرير حالة الضعف القائمة بسبب ذلك.
وعلينا بعد ذلك كله: أن نتوقع ظهور عوارض الخلل والضعف في أية خطة ترسم وتعتمد، وتفقد الكثير من حيويتها وفاعليتها في مجال التطبيق والتنفيذ.
كما أن توزيع الحصص على العاملين بهذه الطريقة يضمن تحقق المساواة والعدل في تحمل مشاق العمل، فلا يعمل هذا أكثر من ذاك. وإذا استطاع التفوق على أقرانه في العمل، فإن ذلك يظهر للآخرين ويتجلى امتيازه على سائرهم، كما سنقرؤه بالنسبة لسلمان الفارسي، الذي ظهرت قوته في العمل، فتنافس فيه المهاجرون والأنصار.
أما المتواكل المتخاذل: فلا مجال للتستر عليه، إذا كان يريد أن يتوانى في عمله ويتواكل فيه. وقد فضح القرآن الكريم المنافقين، الذين اتبعوا هذا السبيل كما تقدم.
هذا كله: بالإضافة إلى أن قسمة العمل على النحو المتقدم من شأنها أن تؤثر في زرع روح التفاؤل بإمكانية إنجاز هذا العمل الضخم وتقلل من رهبته في صدور العاملين، حينما تنحسر النظرة إلى ذلك العمل الهائل لتصبح في مدى أذرع يسيرة يتعاون على إنجاز العمل فيها عشرة من المؤمنين.
2 ـ النبي ' والشعر:
قد تقدم: بعض ما يدل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يتمثل ببعض الشعر، أو ينشد مع الصحابة ما ينشدون، ونزيد هنا:
قال دحلان وغيره: عن سهل بن سعد: كنا مع النبي في الخندق ننقل التراب على أكتافنا، فقال "صلى الله عليه وآله":
اللـهم لا عـيـش إلا عيش الآخرة فـأكـرم الأنـصــار والمـهـاجــرة
وهو من كلام ابن رواحة، وأصله:
لا هـم إن الـعـيـش عيش الآخـرة .......
فنطق به النبي "صلى الله عليه وآله":
اللـهـم لا عـيـش الخ.. ......
لأنه يعسر عليه النطق بالشعر، وإن كان من قول غيره([338]).
وعن أبي عثمان النهدي، أو سلمان: أنه "صلى الله عليه وآله" حين ضرب في الخندق قال:
بـــاســم الإلـــه وبـه بــديـنـا ولـو عـبـدنــا غـيـــره شـقـيـنـا
يـاحـبـذا ربـــاً وحــب ديـنـا ([339]) ........
قال دحلان: "وهو من كلام بعض أصحابه يتمثل به. أو من كلامه بناء على أن الرجز ليس بشعر. أو أن الشعر شرطه أن يكون مقصوداً كونه شعراً موزوناً. أما إذا خرج موزوناً بلا قصد، فلا يسمى شعراً"([340]).
ونقول:
إن بعض الناس حسبما تقدم، وكما هو مذكور في كتب التفسير، في تفسير قوله تعالى: ?وَمَا عَلمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لهُ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ?([341]).
يريد أن يدَّعي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" غير قادر على التفوه بكلام موزون، أو أن الرجز ليس بشعر. أو ما إلى ذلك..
ولكنها دعاوى ليست على درجة من القوة والاستقامة، فإن المراد بالآية الكريمة ?وَمَا عَلمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لهُ..?: أنه "صلى الله عليه وآله" ليس بشاعر، بمعنى أنه ليس لديه ملكة الشعر، لا أنه يعسر عليه التكلم بشعر غيره والنطق به.
ولا حاجة بعد هذا إلى دعوى: أن الرجز ليس بشعر، كما لا حاجة إلى اشتراط القصد أو عدمه في إيراد الشعر الموزون. فإن النظر هو إلى ملكة الشعر الذي يتضمن الانسياق وراء الأوهام والتخيلات، والمبالغات، والتصويرات غير الواقعية بالإضافة إلى الوزن والموسيقى، وفقاً لما أشار إليه تعالى بقوله: ?وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الغَاوُونَ، أَلمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُل وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ?([342])
3 ـ دور عضل والقارة:
وقد ذكرت رواية أبي واقد: أنه "صلى الله عليه وآله" قال:
اللـهـم الـعـن عـضـلاً والـقـارة هـم كـلـفـوني أنـقـل الحـجــارة
وليس هذا الكلام واضح المأخذ والمغزى، إلا أن تكون هاتان القبيلتان: عضل والقارة، قد قامتا بنشاط واسع في تحزيب الأحزاب فاق نشاط اليهود وقريش حتى صح أن ينسب "صلى الله عليه وآله" إلى هاتين القبيلتين حتى نقل الحجارة للخندق.
وليس فيما بأيدينا من نصوص ما يدل على ذلك أو يشير إليه من قريب ولا من بعيد.
4 ـ الأمثولة المواساة:
وما أروع هذا التنويع في المهمات التي تصدى الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" لها في حفر الخندق، حيث لم يقتصر على نوع واحد من العمل فيه، بل شارك "صلى الله عليه وآله" كل العاملين في أعمالهم وأذاق نفسه الشريفة مبلغ جهدهم، فصدق بذلك الخبر، وتجلت المواساة بأبهى صورها، وتجسدت الأمثولة الرائدة بأروع وأدق وأصدق معانيها.
5 ـ المتحذلقون الأغبياء:
ومن الأمور التي تلفت النظر هنا: أن البعض يحاول أن يفرغ هذه التضحية الرائعة، والأمثولة الفريدة للنبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" من معناها ومغزاها، فيدَّعي رجماً بالغيب: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان لا يرى الشدة في حمل الحجارة([343])، رغم صراحة رواية أبي واقد المتقدمة: أن أبا واقد رأى النبي "صلى الله عليه وآله" وقد بلغ منه، وعلى حد تعبير نص آخر: "وهو "صلى الله عليه وآله" يكابد معهم"
وفي نص ثالث: وربما كان يحفر حتى يعيا، ثم يجلس حتى يستريح.
وفي نص رابع: "حتى عرق رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعيي". وكل ذلك قد تقدم مع مصادره.
6 ـ لا عيش إلا عيش الآخرة:
ولا ننسى أن نلفت نظر القارئ هنا: إلى مضمون الشعر الذي كان يترنم به العاملون في الخندق، وما يتضمنه من ربط لهم بالآخرة وبما يرجو المؤمنون تحقيقه من فوز وفلاح فيها.
كما أنه يحمل في ثناياه مقارنة عفوية فيما بين الدنيا والعيش فيها، وتفضيل عيش الآخرة عليه. ثم يشاركهم النبي "صلى الله عليه وآله" في ترديد هذا الشعر، فتكون مشاركة للوجدان وللإحساس، ويتعمق لدى هذا الإنسان الكادح المجاهد الشعور بالله سبحانه، وبألطافه ومواهبه، وما أحوجهم في هذا الظرف العصيب بالذات إلى إحساس كهذا.
7 ـ الحماسة والمثابرة:
وقد كان لمشاركة النبي "صلى الله عليه وآله" هذه تأثير كبير في إثارة الحماسة لدى العاملين في حفر الخندق. وقد أذكىت هذه الحماسة أيضاً معرفتهم بتحرك الأعداء باتجاه المدينة، وإحساسهم بالخطر الذي يتهددهم.
8 ـ الأسوة الحسنة:
لقد أجمع المؤرخون: على أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد شارك في حفر الخندق.
وتتفق هذه النصوص: على أنها كانت مشاركة فعالة وحقيقية وجدية. وما نريد أن نلفت النظر إليه هنا هو:
ألف: إن هذه المشاركة لم تكن شكلية، ومجرد تمثيل، كما عهدناه وألفناه من رؤساء الجمهوريات والوزراء وكبار المسؤولين في عصرنا الحاضر، حيث يضرب أحدهم بالمعول مثلاً ضربات أمام الجماهير في احتفال تكريمي ليظهر على شاشات التلفزيون، وعلى صفحات الجرائد في استعراض إعلامي مزيف، يهدف إلى تكريس زعامته ونفوذه، ولا شيء غير ذلك، ثم يتابع رقابته على العمل والعاملين من موقع الأمر، من قصره المنيف، أو من برجه العاجي الزاهر. فجاءت مشاركة النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" في حفر الخندق بصيغة المعاناة الحقيقية والصادقة، التي تمثل الأسوة في المعاناة الكادحة لا مجرد الرمز والمثال.
ولنسمع النشيد العفوي والصادق:
لـئـن قـعـدنـا والـنـبـي يـعـمـل لـذاك مـنــا الـعـمـل المـضـلــل
يقول البعض: "إن التاريخ لم يدون لنا غير حادثة مفردة عن شخصية كان لها سلطان روحي وزمني أيضاً على أُمة من الأمم. ومع ذلك فقد عملت مثل عامل عادي، وجنباً إلى جنب مع أتباعها في ساعة الحرج الوطني العظيم"([344]).
ب: إن مشاركته "صلى الله عليه وآله" في حفر الخندق تجسد عملياً المساواة بين جميع فئات المجتمع، وتخرجها عن أن تكون مجردة شعار يراد له أن يبقى في حدود إثارة المشاعر، في النشاط الإعلامي الجماهيري، دون أن يجاوز ذلك ليصبح حياة وحركة، نهجا وسلوكاً.
فالمساواة في نظر الإسلام نهج وسلوك، وخلق إسلامي وإنساني رفيع ونبيل، تنطق من خلاله وعلى أساسه مُثُل وقيم في جهات حياتية شتى.
ولأجل ذلك: نجد النبي "صلى الله عليه وآله" يشارك أصحابه في حفر الخندق مشاركة حقيقية، فهو يتعب كما يتعبون، ويرتجز كما يرتجزون، ويجوع كما يجوعون، ويشاركهم حلو العيش ومره، ويشترك معهم في تحمل المتاعب ومواجهة المصاعب ويكون أكثرهم عناء، وأعظمهم غناء.
ج: إن هذه المشاركة منه "صلى الله عليه وآله" لم تكن عن تواضع يريد من ورائه نيل رضاهم من خلال المواساة التي يتلمسونها في مشاركته تلك. بل هي منطلقة بالإضافة إلى ذلك من قناعة راسخة بالقيم والمبادئ، وبالمثل الإسلامية والإنسانية، التي تجعل ذلك عبادة إلهية، وعبودية له سبحانه وتعالى، تلك العبادة والعبودية التي لا تستثني ولا تجامل ولا تحابي أحداً أياً كان.
د: ومن الواضح: أن ارتباط النبي "صلى الله عليه وآله" بالناس لم يكن من نوع الروابط التي تقوم بين الزعيم وبين قاعدته الجماهيرية، ولا كانت هي رابطة حاكم ورعية، وإنما كانت رابطة الأبوة المسؤولة والواعية، التي يدفعها إحساسها الأبوي لتريد الخير لمن هم تحت تكفُّلها من موقع الوعي والتدبير، لا من موقع العاطفة الهوجاء، ولا من منطلق التفكير المصلحي، الذي يريد أن يستفيد من ذلك لتكريس زعامته، أو كسب امتيازات سياسية، أو اجتماعية أو غيرها.
ولأجل ذلك كانت مواساته "صلى الله عليه وآله" لأصحابه في حالات الجوع، ثم مشاركته لهم في تلبيته لدعوة جابر لتناول الطعام؛ رغم أن جابراً لم يجد في بيته إلا ما يكفي بضعة أشخاص. ولكن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد دعا الجميع وأطعم الجميع.
منع حسان وكعب بن مالك من الشعر:
وقال المؤرخون أيضاً: عن كعب بن مالك قال: جعلنا يوم الخندق نرتجز ونحفر، فعزم رسول الله "صلى الله عليه وآله" عليَّ أن لا أقول شيئاً!
فقلت: هل عزم على غيري؟!
قالوا: حسان بن ثابت.
قال: فعرفت أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" إنما نهانا لوجدنا له، وقلته على غيرنا، فما تكلمت بحرف حتى فرغنا من الخندق.
وقال "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ: لا يغضب أحد مما قال صاحبه، لا يريد بذلك سوءاً إلا مما قال كعب وحسان فإنهما يجدان ذلك([345]).
وعند البيهقي: نهاهما أن يقولا شيئاً يحفظان به أحداً([346]).
وكان جعيل بن سراقة رجلاً صالحاً، وكان دميماً قبيحاً. وكان يعمل معهم في الخندق، وكان "صلى الله عليه وآله" قد غير اسمه يومئذٍ وسماه عمراً، فجعل المسلمون يرتجزون ويقولون:
سـمـاه مـن بـعـد جـعـيـل عمرا وكــان لـلـبـائـس يـومـاً ظـهـر
وجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يقول شيئاً، بل يقفي معهم فقط، ويقول: عمراً، ظهراً([347]).
قال الحلبي: "وسياق أسد الغابة يدل على أن هذا الذي غير رسول الله "صلى الله عليه وآله" اسمه وسماه عمراً غير الجعيل المذكور"([348]).
ونشير نحن هنا إلى ما يلي:
الكلمة المسؤولة والقرار الحاسم:
إن هذه النصوص التي ذكرناها: قد أظهرت أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اتخذ قراراً حاسماً يمنع حسان بن ثابت وكعب بن مالك من إنشاد أو قول شيء حين حفر الخندق, والذي يظهر لنا من ثنايا الكلمات هو: أن حساناً وكعب بن مالك لم يلتزما بالضوابط الأخلاقية والإسلامية فيما قالاه وأنشداه، بل هما قد تجاوزا الحد، وأغضبا الآخرين، ويشير إلى ذلك:
1 ـ أنه "صلى الله عليه وآله" قد اختص هذين الرجلين بالمنع، ولم يعزم على أحد غيرهما.
2 ـ كما أن قوله "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ: لا يغضب أحد مما قال صاحبه لا يريد بذلك سوءاً الخ.. صريح في أنه قد قيل ثمة ما يوجب الغضب، حتى احتاج الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" للتدخل لتلطيف الأجواء، وسل الخيمة؟؟
3 ـ ولعل قصة جعيل بن سراقة هي أحد الشواهد على هذا التعدي على الآخرين، حيث كان من الطبيعي أن ينزعج هذا الرجل، الذي وصف بالقبح والدمامة من ارتجازهم الشعر في حقه، ويعد ذلك نوعاً من العبث والاستهانة به، والاحتقار له.
ومن هنا: فإننا نشك كثيراً في قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" جعل يقفي معهم، ويقول: عمراً، ظهراً..
مع أننا نلاحظ على النص المذكور: أنه قد ألمح إلى أن سكوت النبي "صلى الله عليه وآله" عن إنشادهم الشعر في حق جعيل كان ملفتاً للنظر، حيث يقول النص: "فجعل رسول الله لا يقول شيئاً، بل يقفي معهم فقط".
وبعد ما تقدم نقول: إننا نلمح في النصوص المتقدمة محاولة للتحريف والتصرف في النص بهدف التعتيم على حقيقة ما جرى؛ حيث حاول أن يصوِّر لنا: أن منع حسان وكعب من قول شيء إنما كان لأجل قدرتهما على قول الشعر، وقلته على غيرهم.
مع أن القضية: ما كانت تتطلب الكثير من قول الشعر آنئذٍ، بل يكفي البيت أو البيتان ليرددهما الآخرون مدة طويلة، وفقاً لما حفظه لنا التاريخ في هذه المناسبة، بالإضافة إلى أن الكثيرين كانوا يجيدون الشعر مثل كعب وحسان.
ولم يكن ثمة داع لتحاسد القوم في أمر كهذا في مناسبة كهذه، ولا كان اللازم هو أن يحسدوا حساناً وكعب بن مالك في سائر المناسبات، ويمنعهما النبي "صلى الله عليه وآله" من هجاء المشركين، ومن نظم الشعر في كثير من المناسبات الأخرى.
ولم نجد في ما بين أيدينا من نصوص تاريخية أن حدث ما يشبه هذه القضية في أي مناسبات أخرى، لا مع النبي "صلى الله عليه وآله" ولا مع غيره.
وذلك يجعلنا نطمئن إلى حدوث تجاوز منهما للحد أوجب أن يقف النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" منهما هذا الموقف الحازم والحاسم.
فليُتأمل في تاريخ حياة هذين الرجلين، فقد يجد المتتبع فيها الكثير مما لا يحسن ولا يجمل، وقد تقدم في أواخر الحديث عن غزوة بني النضير شيء غريب صدر من حسان، وربما تأتي الإشارة لأشياء أخرى صدرت منه ومن غيره. والله هو المسدد والهادي.
زيد بن ثابت:
"كان زيد بن ثابت ممن ينقل التراب، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" في حقه: أما إنه نِعْمَ الغلام، وغلبته عينه، فنام في الخندق.
فأخذ عمارة بن حزم سلاحه، وهو نائم.
فلما قام فزع على سلاحه، فقال له "صلى الله عليه وآله": يا بار، [يا أبا رقاد] قد نمت حتى ذهب سلاحك؟
ثم قال: من له علم بسلاح هذا الغلام؟!
فقال عمارة: أنا يا رسول الله، هو عندي.
فقال: ردَّه عليه ونهى أن يروع المسلم ويؤخذ متاعه لاعباً"([349]).
وكان المسلمون قد انكشفوا يريدون يطيفون بالخندق ويحرسونه، وتركوا زيداً نائماً ولا يشعرون به.
ونقول:
لا ندري مدى صحة ما ينسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله": أنه قاله في حق زيد بن ثابت، دون سائر من كانوا ينقلون التراب من شباب وغيرهم، من دون مبرر ظاهر، أو سبب معقول، أو فعل متميز من زيد على من سواه، يستدعي أن يخلع عليه النبي الأوسمة، ويخصه بالتقاريض والمدائح.
غير أننا نعلم: أن زيداً كان ممن تهتم السلطة بأمره، وتعمل على رفعة شأنه، وتخصيصه بكل غال ونفيس ما وجدت إلى ذلك سبيلاً، لأنه كان من أعوانها بل من أركانها كما أشرنا إليه في فصل تعليم زيد اللغة العبرانية، فلا نعيد.
سلمان منا أهل البيت:
ويقولون: إن المسلمين جعلوا إذا رأوا في الرجل فتوراً ضحكوا منه. وتنافس الناس يومئذٍ في سلمان الفارسي وكان قوياً عارفاً بحفر الخنادق، فقال المهاجرون: سلمان منا..
وقالت الأنصار: هو منا ونحن أحق به.
فبلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" قولهم، فقال: "سلمان رجل منا أهل البيت"([350]).
"ولقد كان يومئذٍ يعمل عمل عشرة رجال، حتى عانه (أي أصابه بالعين) يومئذٍ قيس بن أبي صعصعة فلُبط به (أي صُرع وسقط إلى الأرض) فسألوا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: مروه فليتوضأ له، وليغتسل به، ويكفأ الإناء خلفه ففعل، فكأنما حل من عقال"([351]).
وحسب نص آخر أوضح وأصرح: "روي أنه كان يعمل في الخندق عمل الرجلين.
وفي رواية: كان يحفر كل يوم خمسة أذرع من الخندق، وعمقها أيضاً خمسة أذرع، فعانه قيس بن صعصعة، فصرع وتعطل من العمل، فأُخبر بذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأمر أن يتوضأ قيس لسلمان، ويجمع وضوءه في ظرف، ويغتسل سلمان بتلك الغسالة ويكفأ الإناء خلف ظهره، ففعل، فنشط في الحال كما ينشط البعير من العقال"([352]).
وقصة التنافس في سلمان وقول النبي "صلى الله عليه وآله": "سلمان منا أهل البيت" مذكورة في العديد من المصادر، فلتراجع في مظانها([353]).
ونص آخر يقول: إنه حين حفر الخندق كان المسلمون ينشدون سوى سلمان، فرأى النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك، فدعا الله تعالى: أن يطلق لسان سلمان، ولو ببيتين من الشعر، فأنشد سلمان ثلاثة أبيات هي:
مـا لـي لـسـان فـأقـول شـعــرا أســأل ربــي قــوة ونــصـــــر
عـلى عــدوي وعــدو الـطـهـرا محـمــد المـخـتــار حــاز الفخـر
حـتـى أنـال فــي الجـنـان قصرا مــع كــل حـوراء تحـاكـي البدر
فضج المسلمون، وجعلت كل قبيلة، تقول: "سلمان منا".
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": "سلمان منا أهل البيت"([354]).
ونقول:
إننا نشك في صحة ذلك كله، وذلك للأمور التالية:
أولاً: إنه عدا عما في هذه الأبيات الأخيرة من الهنات، لا نجد المبرر المذكور لدعاء النبي "صلى الله عليه وآله" لسلمان كافياً في تبرير ذلك، لأن الذين كانوا ينشدون الشعر، ما كانوا ينشدون من نظمهم، بل كان الناظم واحداً من الناس، والباقون يرددون المنظوم بطريقة معينة ووقع خاص يتناسب مع الحالة التي يعيشونها، وقد كان باستطاعة سلمان أن يردد ذلك النشيد مع المرددين، من دون حاجة إلى أن ينظم شعراً، كما صورته لنا الرواية.
وثانياً: إن ما ذكروه في سبب إطلاق هذه الكلمة النبوية الخالدة في حق سلمان: "سلمان منا أهل البيت" لا يعدو أن يكون أمراً عادياً بل وتافهاً.
لأن معناه: أن تكون قضية الاستفادة من قوة سلمان البدنية موضع تنافس الفرقاء، وقد حسم النبي "صلى الله عليه وآله" نزاعهم، بتحويل سلمان إلى القسم الذي كان يعمل هو "صلى الله عليه وآله" وأهل بيته فيه فكانت تلك الكلمة إيذاناً بذلك.
وهذا معناه: أن تفقد هذه الكلمة قيمتها وأهميتها. وهكذا الحال بالنسبة لحكاية إطلاق لسان سلمان بالشعر، ثم تنافس الفرقاء فيه فجعله "صلى الله عليه وآله" جزءاً من فئة تحسن التكلم بالعربية، وتحب أن تكرمه وتشجعه، لأنه نطق بلغتها.
إذن.. فلم يكن هذا الوسام لسلمان قد استحقه لعلمه، أو لدينه أو لمواقفه، أو لغير ذلك من أمور تدخل في نطاق صفات وأعمال الخير والصلاح فيه.
وبعد هذا: فلا يبقى مبرر لما نلاحظه في كلمات الأئمة "عليهم السلام" من تركيز على هذا الوسام، وتأكيد لواقعيته ومصداقيته فيه رضوان الله تعالى عليه.
كما لا معنى لاستدلال ابن عربي على عصمة سلمان بهذه الكلمة المأثورة عن النبي "صلى الله عليه وآله" في حقه، باعتبار أن أهل البيت معصومون مطهرون، بنص آية التطهير([355]).
الصحيح في القضية:
ولعل الصحيح في القضية، الذي ينسجم مع وقائع التاريخ ومع ما عهدناه من سياسات انتهجها الحكام طيلة عشرات السنين هو النص التالي:
"إن سلمان الفارسي رضي الله عنه دخل مجلس رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذات يوم، فعظموه، وقدموه، وصدروه، إجلالاً لحقه، وإعظاماً لشيبته، واختصاصه بالمصطفى وآله.
فدخل عمر، فنظر إليه فقال: من هذا العجمي المتصدر فيما بين العرب؟!
فصعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" المنبر، فخطب، فقال: إن الناس من عهد آدم إلى يومنا هذا مثل أسنان المشط لا فضل للعربي على العجمي، ولا للأحمر على الأسود إلا بالتقوى. سلمان بحر لا ينزف، وكنز لا ينفد، سلمان منا أهل البيت"([356]).
وهكذا يتضح: أن سلمان المحمدي قد تعرض لمحاولة تحقير وامتهان، من قبل رائد "التمييز العنصري" بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" الذي شاع وذاع عنه أنه لم يحب تزويج سلمان. وكان يكره الفرس ويمقتهم وقد حرمهم من أبسط الحقوق([357]) فانتصر النبي "صلى الله عليه وآله" لسلمان، وأدان المنطق الجاهلي، والتمييز العرقي والعنصري، بصورة صريحة، وقوية وقاطعة.
تقتلك الفئة الباغية:
روي في صحيح مسلم، عن أبي قتادة: "أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لعمار حين جعل يحفر الخندق، فجعل يمسح رأسه ويقول:
بؤس ابن سمية، تقتلك الفئة الباغية"([358]).
لكن القمي قد فصل ذلك حيث قال: "قوله: ?يَمُنُّونَ عَليْكَ أَنْ أَسْلمُوا..?([359])، نزلت في عثكن (عثمان) يوم الخندق. وذلك أنه مر بعمار بن ياسر، وهو يحفر الخندق، وقد ارتفع الغبار من الحفر، فوضع كمه على أنفه ومر، فقال عمار:
لا يـستوى مـن يـبتني المساجـدا يظل (فيصلي) فيها راكعاً وساجد
كـمـن يـمـر بـالـغـبـار حـائدا يـعـرض عـنـه جـاحـداً مـعـاند
فالتفت إليه عثكن، فقال: يا ابن السوداء إياي تعني؟
ثم أتى رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقال له (أي عثمان): لم ندخل معك لتُسَبَّ أعراضنا.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": قد أَقَلْتُكَ إسلامك فاذهب. فأنزل الله: ?يَمُنُّونَ عَليْكَ أَنْ أَسْلمُوا.. ? الخ.."([360]).
وقد تقدم في جزء سابق حين الحديث عن بناء مسجد المدينة: أن ذلك قد حصل في تلك المناسبة في قضية حصلت بين عمار وعثمان.
ونقول:
إننا لا نريد أن ندخل في موضوع تحقيق الحق في كون ذلك قد حصل في البناء الأول للمسجد أو الثاني، أو في حفر الخندق، فإن تحقيق ذلك ليس له كبير أهمية ما دام أن أصل القصة، وكلمة الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" مما لا شك فيه، ولا شبهة تعتريه، وقد أجمع عليه المحدثون والمؤرخون، بل والمسلمون قاطبة وأصبح من المسلمات. غير أننا نذكِّر القارئ هنا بأمر هام، وهو:
أن طريقة النبي "صلى الله عليه وآله" والأئمة الأطهار "عليهم السلام" في التربية والتعليم لها مرتكز أساس، وهو الإعتماد على بلورة المعايير والمنطلقات الأساسية في النهج الفكري والعقيدي للناس بصورة عامة، ثم تفويض أمر اختيار ما يتناسب مع تلك المعايير، ويتطابق مع هاتيك الضوابط إلى الناس أنفسهم، فنجد الناس مثلاً هم الذين يقومون بعملية التعرف على الإمام، بما لديهم من ضوابط ومعايير يمارسون تطبيقها بأنفسهم، وتوصلهم إلى الإمام الحق، بصورة قويمة وسليمة، من دون حاجة إلى التنصيص عليه بالاسم، كما كان الحال حينما أوصى الإمام الصادق "عليه السلام" إلى خمسة أحدهم الإمام الكاظم "عليه السلام"، حيث عرف الشيعة أن الإمام لا يمكن أن يكون ذلك الحاكم الظالم، كما لا يمكن أن يكون هو زوجة الإمام، ثم لا يمكن أن يكون هو الولد الأكبر مع إشراك الأصغر في الوصية([361]).
والأمر في قصة عمار أيضاً من هذا القبيل، حيث قدم النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" للناس آنئذٍ ضابطة يعرفون بها فريق البغاة، ويميزونه عن غيره، دون أن يصرح "صلى الله عليه وآله" بالاسم أو بالأسماء، الأمر الذي قد يحمل معه سلبيات كثيرة ومتنوعة بشكل أو بآخر..
ومن الواضح: أن لهذه التربية الفكرية ولصياغة الشخصية الإسلامية بهذه الطريقة آثاراً إيجابية كبيرة وهامة جداً. وذلك لما ينتج عنها من حصانة ومناعة لدى الإنسان المسلم في مقابل محاولات الخداع والتضليل التي ربما يتعرض لها من قبل أهل الدعوات الفاسدة والمشبوهة، ويصبح في مأمن من الوقوع في شراكهم التي ينصبونها له ولأمثاله..
كما إنها تجعله قادراً على نقل المفاهيم التي يؤمن بها إلى الآخرين بالطريقة المنطقية والمقبولة والمعقولة.
ثم هي تمكنه من أن ينأى بنفسه عن أن يكون من الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق، ويسيرون في ركاب كل قبيل، دون وعي أو تأمل في الأمور وفي عواقبها..
أضف إلى ذلك: أنها تخرج الإنسان المسلم عن دائرة التلقين الأعمى، ليصبح قادراً على التفاعل مع الفكرة، أو مع أية قضية تعرض عليه، ولكن لا من موقع التأثر والانفعال العاطفي أو اللاشعوري، بل من موقع التأمل والتروي والوعي والضبط والانضباط بكل ما لهذه الكلمات من معنى دقيق، وعميق.
وهذا بحث هام ومتشعب، يحتاج إلى توفر تام، من أجل حشد الشواهد والدلائل الكثيرة والمتنوعة للاستفادة منها كطريقة عمل ومنهج حياة، وسبيل صلاح وإصلاح، إن شاء الله تعالى..
الفصل الرابع:
كرامات في نطاق السياسة الإلهية
مما سبق:
قد تحدثنا في الجزء السابق، في غزوة ذات الرقاع: عن معرفة الأنبياء والأوصياء بلغات البشر، بل منطق الطير وسائر الحيوانات.
وتحدثنا أيضاً هناك: عن الكرامات التي نقلت عن نبينا الأكرم "صلى الله عليه وآله" وعن الأئمة الأطهار وعن الأنبياء "عليهم السلام" السابقين وغيرهم، مما أشار القرآن إلى بعض منه أيضاً.
وقد ذكرنا ثمة توضيحاً لا غنى عن المراجعة إليه، من أجل جعل الأمور في نصابها في نطاق فهم هذه الكرامات والمعجزات التي سجل لنا القرآن والتاريخ والحديث منها العشرات والمئات في مختلف الشؤون والمجالات.
فنرجو من القارئ الكريم: أن لا ينسى مراجعة ما كتبناه هناك، وبدون ذلك، فإن فهم هذه القضايا ليس فقط سوف يكون ناقصاً، وإنما قد يكون غير واقعي ولا دقيق.
الكرامات والمعجزات في الخندق:
لقد كان المسلمون يواجهون يوم الخندق أعظم تحد واجهوه سواء من حيث العدد، أو من حيث العدة، بالإضافة إلى حالة الحصار التي يعانون منها.
ثم يتعاظم إحساسهم بالخطر الذي يتهددهم: وهم يجدون أمارات الغدر والخيانة قد ظهرت، لدى أولئك الذين كان لهم معهم عهود ومواثيق، فلم تعد العهود قادرة على إعطاء أدنى شعور بالأمن والسكون إليها. كما أن كل ما عمله النبي والمسلمون من إحسان، وما اتخذوه من مواقف إنسانية قد اتضح أنه لم يمنع من تلقوا ذلك الإحسان من أن يحالفوا العدو، وينقلبوا على ما أحسن إليهم ليقابلوه بالإساءة، فيكتشف المسلمون أنهم مجموعة من الذئاب، والسباع الشرسة، التي تفقد كل المعاني الإنسانية، وكل الشيم التي يعتز بها الإنسان العربي، ويفتخر بها.
ثم هناك وجود المنافقين فيما بين المسلمين، الذين كانوا ينخرون في جسم الأمة، ويعملون على تمزيقها، وزرع الشكوك القاتلة، وإيجاد الريب المهلك فيها.
فتأتي هذه الكرامات: لتكون صمام الأمان لهذه القلوب الخائفة، والمفجوعة، وليربط الله بها على قلوبهم، ولتزيد في يقينهم وبصيرتهم، وتشد من عزيمتهم.
قال الشيخ محمد أبي زهرة: "إن الآيات المادية قد تؤثر في أولئك الماديين الحسيين، وخصوصاً إذا كانت في موطن الفزع، فإنها إذا جاءت من غير سبب يألفونه ويعرفونه، فإنها قد تأخذ عقولهم إلى التفكير السليم، وتخلعها من الوثنية، إذ يدخل إليها نور الحق شيئاً فشيئاً، والنور كلما دخل أشرق، وإذا أشرق اتجهوا إلى الحق وطلبوه"([362]).
ويلاحظ هنا: أن بعض هذه الكرامات قد اقترن بإخبار النبي "صلى الله عليه وآله" للمسلمين بأن البلاد سوف تفتح عليهم حتى الإمبراطوريات العظمى التي كانت تحكم العالم آنئذٍ، وهما إمبرطوريتا الروم وفارس.
وإذا جاء الخبر من الصادق المصدق، الذي يعتقد المسلمون أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، في حالة مواجهة الأخطار الكبرى والمصيرية، فإنه يكون أكثر رسوخاً في النفس، وأعظم أثراً في إثارة الهمم وشحذ العزائم.
ونحن نشير هنا: إلى طائفة من هذه الكرامات، بقدر ما يفسح لنا به المجال، فنقول:
نبوءة صادقة للنبي ':
يقول المقريزي وغيره: "وضرب بالكرزن، فصادفت حجراً، فصل الحجر (أي ترددت صوته في صليل الفأس)، فضحك رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقيل: مم تضحك يا رسول الله؟!
قال: أضحك من قوم يؤتى بهم من المشرق في الكبول (الكبل القيد العظيم)، يساقون إلى الجنة وهم كارهون"([363]).
والظاهر: أن هذا إشارة لأهل فارس.
ومن الواضح: أن هذه البشارة منه "صلى الله عليه وآله" للمسلمين إنما يراد منها أن تعطيهم انطباعاً بصورة عفوية وتلقائية بأن هذه الدعوة مستمرة وباقية، فلا يهولنهم جمع قريش والأحزاب لهم:
فما ذلك إلا: "سحابة صيف عن قليل تقشع".
كرامة أخرى لرسول الله ':
عن جابر بن عبد الله قال: أصبح الناس كدية يوم الخندق، فضربوا فيها بمعاولهم حتى انكسرت، فدعوا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدعا بماء فصبه عليها، فعادت كثيباً أهيل.
وفي نص آخر ـ ذكره البخاري وغيره ـ: أنه "صلى الله عليه وآله" قام وبطنه معصوبة بحجر ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقاً الخ..([364]).
ويبدو أن هذه قضية أخرى غير قضية سلمان الآتية التي أخبر "صلى الله عليه وآله" المسلمين فيها عن الفتوح التي يفتحها الله عليهم.
قصور الروم وفارس:
ومن الأمور التي يذكرها المؤرخون هنا: قضية الصخرة التي واجهت المسلمين وهم يحفرون الخندق وكانت سبباً في أن يخبر النبي المسلمين بأخبار غيبية تحققت فيما بعد.
ونحن نذكر النص التاريخي للرواية أولاً، ثم نشير إلى بعض ما يرتبط به، فنقول:
كان سلمان، وحذيفة والنعمان بن قرن، وعمرو بن عوف، وستة من الأنصار يعملون في أربعين ذراعاً فخرجت عليهم صخرة كسرت المعول، فأعلموا النبي "صلى الله عليه وآله" بالأمر.
وفي نص آخر يقول فيه عمرو بن عوف: فحفرنا حتى إذا كنا بجب ذي باب [والظاهر: أن الصحيح: تحت ذباب]([365]) أخرج الله من باطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا، وشقت علينا.
فطلبوا من سلمان أن يخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بأمرها؛ فإما أن نعدل عنها، فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نتجاوز خطه.
فرقى سلمان إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو ضارب عليه قبة تركية فأخبره فهبط مع سلمان وبطنه معصوب بحجر، ولبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقاً، والتسعة على شفير الخندق.
وفي نص آخر عن سلمان، قال: ضربت في ناحية من الخندق، فغلظت عليَّ ورسول الله "صلى الله عليه وآله" قريب مني، فلما رآني أضرب، ورأى شدة المكان عليَّ أخذ المعول، وضربها به ضربة فصدعها، وبرق منها برق أضاء منها بين لابتي المدينة، فكبر "صلى الله عليه وآله" تكبيرة، وكبر المسلمون.
ثم ضربها ثانية فكذلك، ثم الثالثة فكذلك أيضاً، فصدعها.
فأخذ بيد سلمان ورقى، فسأله سلمان عن الأمر الذي رآه ورآه المسلمون، وعن تكبير النبي "صلى الله عليه وآله"، فأخبرهم "صلى الله عليه وآله": أنه بالبرقة الأولى أضاءت له قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأخبره جبرئيل بأن أمته ظاهرة عليها.
وفي الثانية أضاءت له القصور الحمر من أرض الروم، وأخبره جبرئيل بأن أمته ظاهرة عليها.
وفي الثالثة أضاءت له قصور صنعاء، وأخبره جبرئيل: بأن أمته ظاهرة عليها فابشروا، فاستبشر المسلمون وقالوا:
الحمد لله موعد صدق، وعدنا النصر بعد الحصر.
فقال المنافقون، ومنهم معتب بن قشير: ألا تعجبون من محمد؟! يمنيكم ويعدكم الباطل، ويخبركم بأنه يبصر من يثرب قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا، فنزل القرآن: ?وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً?([366]) الخ..([367]).
وقيل: إن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي بن سلول([368]).
وفي نص آخر: أن المنافقين قد قالوا ذلك عند مجيء الأحزاب([369]).
وهذا هو ما نرجحه، لأن سياق الآيات إنما يناسب حالة الشدة التي عانى منها المسلمون بعد مجيء الأحزاب، وحدوث الحصار كما سنوضحه إن شاء الله تعالى.
ويظهر من نص للطبراني: أن هذه القضية قد حدثت بعد قصة دعوة جابر للنبي "صلى الله عليه وآله" وأهل الخندق للطعام([370]) كما سيأتي.
وصرح القمي: بأن هذه القضية قد كانت في اليوم الثاني من بدء حفر الخندق([371]).
وذكر نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" "جعل يصف لسلمان أماكن فارس، ويقول سلمان: صدقت يا رسول الله، هذه صفتها، أشهد أنك رسول الله.
ثم قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": هذه فتوح يفتحها الله بعدي يا سلمان"([372]).
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق "عليه السلام": لما حفر رسول الله الخندق مروا بكدية، فتناول رسول الله "صلى الله عليه وآله" المعول من يد أمير المؤمنين "عليه السلام"، أو من يد سلمان، فضرب بها ضربة، فتفرق بثلاث فرق.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لقد فتح الله عليَّ في ضربتي هذه كنوز كسرى وقيصر.
فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا كنوز كسرى وقيصر، وما يقدر أحدنا يخرج يتخلى([373]).
والمراد بأحدهما وصاحبه: هو أبو بكر وعمر، ولم يذكر اسميهما صراحة تقية.
ونقول:
لكن هذه الرواية: تخالف ما تقدم عن ابن الوردي وزيني ودحلان، من أن الذي قال ذلك: هو معتب بن قشير، أو عبد الله بن أبي.
نص آخر يخالف ما سبق:
ويقولون أيضاً: كان عمر بن الخطاب يضرب يومئذٍ بالمعول فصادف حجراً صلداً، فأخذ "صلى الله عليه وآله" منه المعول، وهو عند جبل بني عبيد فضربه، فذهبت أولها برقة إلى اليمن، ثم ضرب أخرى فذهبت برقة إلى الشام، ثم ضرب ثالثة فذهبت برقة نحو المشرق، وكسر الحجر عند الثالثة.
فكان عمر بن الخطاب يقول: والذي بعثه بالحق، لصار كأنه سهلة (رمل ليس بالدقاق).
وكان كلما ضرب ضربة يتبعه سلمان ببصره، فيبصر عند كل ضربة برقة، فسأله عن ذلك، فأخبره "صلى الله عليه وآله": أنه رأى في الأولى قصور الشام، وفي الثانية قصور اليمن، وفي الثالثة قصر كسرى الأبيض بالمدائن. وجعل يصفه لسلمان؛ فصدقه سلمان، وشهد له بالرسالة.
فقال "صلى الله عليه وآله": هذه فتوح يفتحها الله عليكم بعدي يا سلمان لتفتحن الشام، ويهرب هرقل إلى أقصى مملكته، وتظهرون على الشام فلا ينازعكم أحد ولتفتحن اليمن، وليفتحن هذا المشرق، ويقتل كسرى بعده.
قال سلمان: فكل هذا قد رأيت([374]).
ونقول:
إن هذا النص ـ كما ترى ـ يخالف جميع النصوص الأخرى الواردة في كتب الصحاح، والمسانيد، وفي كتب التاريخ، التي سجلت لنا هذا الحدث الهام.
حيث إنه يذكر: أن عمر بن الخطاب هو الذي صادف الحجر الصلد، الذي ضربه النبي "صلى الله عليه وآله"، فبرقت البرقات الثلاث.
مع أن النصوص التي أوردتها سائر المصادر المعتبرة بالأسانيد الموثوقة: قد نصت على أن القضية بجميع فصولها وخصوصياتها، وجزئياتها قد كانت مع سلمان الفارسي.
بل قد ذكر النص الذي أوردناه أولاً: أسماء ثلاثة ليس عمر بن الخطاب أحدهم. ثم صرح بأن الستة الباقين جميعهم من الأنصار.
بل إن نفس هذا النص الذي ذكرناه آنفاً، والذي أراد حشر اسم الخليفة الثاني في هذه القضية، قد عاد والتزم جانب سلمان، بمجرد أن أخذ النبي "صلى الله عليه وآله" المعول ليضرب به ذلك الحجر ولم يعد لعمر فيه أي دور يذكر.
وكل ذلك يعطينا: أن ذكر اسم الخليفة الثاني هنا قد جاء سهواً من الراوي، ولعل ثمة حاجة في النفس قضيت.
القيادة الحازمة، والإنضباط أساس النجاح:
وبعد، فإن سيطرة القيادة النبوية الشريفة على الموقف وإشرافه "صلى الله عليه وآله" على كل تحرك وتصرف، واستتباب حالة الانضباط التام لدى الفئات التي كانت تعمل معه وتحت قيادته، له تأثير كبير في حسم الموقف، وفقاً لما ترسمه القيادة ويحقق أهدافها.
وقد تجلت الهيمنة القيادية للرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" في أكثر من مجال في غزوة الأحزاب.
وقد قرأنا آنفاً: أنهم حين ظهرت الكدية والصخرة، قالوا: إنهم ما كانوا يتجاوزون ما خطه رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبداً، رغم أن المعدل قريب.
وتقدم أيضاً: أن أحداً لم يكن يترك موضعه وعمله لحاجة يريدها إلا أن يأذن له النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله". وهذا هو ما طالب به أمير المؤمنين "عليه السلام" بعض أصحابه في صفين، حين قال له: طاعة إمامك أوجب عليك من مبارزة عدوك، ونجد أمثال هذه الكلمة في مغزاها ومرماها الكثير في مختلف المواضع والمواقع.
وهذا الانضباط هو الضمانة للنجاح في أية خطة ترسم، إذ إن القبول بالانسياق وراء الاجتهادات المختلفة يفقد القيادة الثقة بإمكانية تحقيق أية خطة تضعها للمواجهة، ثم هو يفسح المجال لتمرير بعض الخدع التي تفيد الأعداء، وتهيئ لهم الظرف الملائم لتسديد ضرباتهم الموجعة، والخطيرة في أحيان كثيرة.
أضف إلى ذلك: ما يمكن أن ينشأ عن ذلك من منافسات ثم من نزاعات، إلى أن ينتهي الأمر إلى التراشق بالتهم وتصدع الصف الواحد، الذي يفترض أن يكون كالبنيان المرصوص.
ولم ينس المسلمون بعد، ما أصابهم في حرب أحد حيث تسبب الرماة والذين تركوا مراكزهم على ثغرة الجبل بكارثة حقيقية مني بها المسلمون كما سبق بيانه.
ومهما يكن من أمر: فإن الانضباط في غزوة الأحزاب، والتقيد بأوامر النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد هيأ الفرصة لتحقيق النجاح الكبير الذي غير مسار تاريخ المواجهة مع المشركين، حتى قال النبي "صلى الله عليه وآله": الآن نغزوهم ولا يغزوننا كما سيأتي ذلك مع مصادره في الفصل الأخير من هذا الباب إن شاء الله.
نقـول هـذا رغم أننا نجد المنافقين: يحـاولـون التملص من تحمـل مسؤولياتهم، ويختلقون الذرائع والحجج المختلفة لذلك، ولكن ذلك كان يتم وفقاً لقوانين الانضباط أيضاً، فقد كانوا يورون بالضعيف من العمل، وكانوا يستأذنون لحاجات وهمية، وما إلى ذلك، ولكنه كله كان تحت سمع وبصر القيادة وفي نطاق علمها، وسيطرتها على الموقف كما هو معلوم.
مدائن كسرى وقصور الروم وصنعاء:
إننا حين نقرأ هذه القضية نشعر: أن المسلمين كانوا يواجهون أكبر تجمع لقوى الشرك، ويتهيأون للدفاع عن وجودهم وحياتهم وهم يشعرون بعظيم الخطر الداهم، وتختلف في نفوسهم عوامل اليأس تارة، وعوامل الرجاء تارة أخرى.
ولعل المنافقين، ومن وراءهم اليهود، قد أسهموا بتضعيف عوامل الرجاء بما أشاعوه وأذاعوه مما يؤكد ويقوي حالة التشاؤم إلى درجة اليأس لدى الكثيرين ممن لم ترسخ لهم بعد قدم في الإيمان والتسليم، والتوكل.
فتأتي قصة رؤية قصور الحيرة والروم وصنعاء، ومدائن كسرى حينما ضرب النبي "صلى الله عليه وآله" تلك الصخرة المستعصية في الخندق ضربات ثلاثاً ـ تأتي ـ لتعيد للمسلمين ثقتهم بأنفسهم وبربهم، وتطلعاتهم ونظراتهم القوية والثاقبة للمستقبل، ويبتعد حينئذٍ تلقائياً شبح الخوف المذل والاستسلام الخانع لعوامل اليأس، التي لو تمكنت وترسخت فيهم لجرتهم إلى مزالق الذل، ولكان ذلك سبباً في ذهاب ريحهم وسقوطهم في حمأة الهوان، والبوار.
إذ إن الحادثة قد استنبطت: أن ما هم فيه ما هو إلا "سحابة صيف عن قريب تقشع" وأنهم سيخرجون من هذه الضائقة التي يواجهونها مرفوعي الرأس، ليواصلوا مسيرتهم الظافرة من نصر إلى نصر، ومن فتح إلى فتح، حتى ينتهي بهم الأمر إلى فتح الفتوح، حيث تفتح لهم البلاد، وتدخل العباد في دينهم أفواجاً، ويملكون كنوز كسرى وقيصر، حسبما أخبرهم به الرسول "صلى الله عليه وآله" منذ فجر دعوته في مكة.
ومما يدخل في هذا السياق: ما روي من أنه "صلى الله عليه وآله" قال يوم الخندق لأصحابه: لئن أمسيتم قليلاً، لتكثرن، وإن أمسيتم ضعفاء لتشرقن، حتى تصيروا نجوماً يهتدى بكم، وبواحد منكم([375]).
الأمل بالنصر:
وذلك كله يوضح لنا: سر اطمئنان المؤمنين بنصر الله لما رأوا الأحزاب وقد أحاطوا بالمدينة، وضيقوا عليها الخناق، فلم ينهزموا أمام كل تلك الحشود، وما وهنوا لما أصابهم، بل واجهوا ذلك بكل صلابة عزم، وبكل تصميم قاهر، تحدث الله عنه سبحانه حينما قال:
?وَلمَّا رَأَى المُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَاناً وَتَسْليماً?([376])" ([377]).
أما المنافقون، فاتخذوا ما أخبر به النبي "صلى الله عليه وآله" ذريعة للمزيد من السخرية، والتندر والاستهزاء، الذي يعبر عن انهزامهم النفسي والروحي أمام القوى الغازية قال تعالى: ?وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً?([378]).
كرم وكرامة:
وقضية وليمة جابر في الخندق تروى بنصوص مختلفة نلخصها فيما يلي:
قال جابر: رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحفر، ورأيته خميصاً ورأيت بين عكنه الغبار؛ فاستأذن من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يذهب إلى بيته، فأذن له فعاد إلى امرأته ـ واسمها سهيلة بنت مسعود الأنصارية ـ فاتفق معها على أن يصلحا ما عندهما، وهو مد من شعير، وعناق (شاة) أو شويهة غير سمينة. ثم يدعو النبي "صلى الله عليه وآله" للطعام.
فذهب ليدعوه مع رجل أو رجلين؛ فسأله النبي "صلى الله عليه وآله" عما عنده فأخبره؛ فقال "صلى الله عليه وآله": كثير طيب.
ثم دعا أهل الخندق جميعاً، وقال لهم: إن جابراً قد صنع لهم سوراً؛ فأقبلوا معه.
قال جابر: فقلت: والله إنها الفضيحة.
فأتيت المرأة فأخبرتها (أي بأنه "صلى الله عليه وآله" قد جاءها بالجند أجمعين، أو قد جاءك رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأصحابه أجمعون).
فقالت: أنت دعوتهم، أو هو دعاهم؟
فقلت: بل هو دعاهم.
قالت: دعهم، هو أعلم.
وفي نص آخر: أنها سألته إن كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد سأله عما عنده.
فأجابها بالإيجاب، فقالت له ذلك.
وذكرت نصوص أخرى: أنه "صلى الله عليه وآله" أقبل وأمر أصحابه، فكانوا فرقاً عشرة عشرة، ثم قال اغرفوا وغطوا البرمة، وأخرجوا من التنور الخبز ثم غطوه. ففعلوا، فجعلوا يغرفون، ثم يغطون البرمة، ثم يفتحونها فلا يرون أنها نقصت شيئاً، ويخرجون الخبز من التنور، ثم يغطونه فما يرونه ينقص شيئاً؛ فأكل الجميع حتى شبعوا.
وقال "صلى الله عليه وآله": كلوا واهدوا، فإن الناس أصابتهم مجاعة شديدة فأكلنا وأهدينا.
وفي نص آخر: فلم نزل نأكل ونهدي يومنا ذلك أجمع، فلما خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذهب ذلك.
ولهذه الرواية: نصوص تختلف من حيث التفصيل والإختصار، لم نر حاجة إلى إيرادها، ويمكن لمن يريد ذلك أن يراجع المصادر التي في الهامش([379]).
وقد صرحت بعض المصادر: بأن الذين أكلوا عند جابر كانوا ألف رجل، وهم جميع أهل الخندق.
وقيل: كانوا ثلاث مئة، وقيل: ثمان مئة، وقيل: تسع مئة([380]).
وفي بعض النصوص: حتى شبع المسلمون كلهم.
زاد ابن شهرآشوب: فلم يكن موضع للجلوس، فكان يشير إلى الحائط، والحائط يبعد، حتى تمكنوا، فجعل يطعمهم بنفسه([381]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: هل دللتم على رجل يطعمنا أكلة؟
فدلوه على رجل، فذهب إلى بيته، ولكنه كان في الخندق يعالج نصيبه، فأرسلت إليه امرأته، فأقبل يسعى، فذبح لهم جدياً كان عنده فأكل منه عشرة، ثم ذهبوا، وجاء عشرة آخرون فأكلوا.
"ثم قام "صلى الله عليه وآله" ودعا لربة البيت، وسمت عليها، وعلى أهل بيتها"([382]).
قضية أخرى فيها كرامة لرسول الله ':
وأرسلت أم متعب (أو أم عامر) الأشهلية بقعبة فيها حيس([383]) إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو في قبته مع أم سلمة، فأكلت حاجتها، ثم خرج بالقعبة فنادى مناديه: هلم إلى عشائه، فأكل أهل الخندق حتى نهلوا، وهي كما هي([384]).
كرامة أخرى للنبي ':
وبعث أبو طلحة إنساناً بأقراص من الشعير تحت إبطه، ففتها "صلى الله عليه وآله" وأطعم منها ثمانين([385]).
يطعم الجيش كله حفنة من تمر:
ومما ذكره في هذا السياق: أن ابنة بشير بن سعد([386]) جاءت بحفنة من تمر إلى أبيها وخالها عبد الله بن رواحة؛ فرآها رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهي تلتمس أباها وخالها، فأخذ ذلك منها في كفه فما ملأتها، ثم أمر بثوب فبسط له، ثم دحا بالتمر عليه، فتبدد فوق الثوب.
ثم أمر جعال بن سراقة، فصرخ في أهل الخندق: أن هلم إلى الغداء؛ فاجتمعوا، فجعلوا يأكلون منها، وجعل يزيد، حتى صدر أهل الخندق عنه، وأنه ليسقط من أطراف الثوب([387]).
كرامة أخرى لرسول الله ':
عن معاوية بن الحكم قال: لما أجرى أخي علي بن الحكم فرسه فدق جدار الخندق ساقه، فأتينا به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" على فرسه، فقال: بسم الله، ومسح ساقه، فما نزل عنها حتى برئ([388]).
بين نظرتين:
ألف: ويلفت نظرنا في قصة جابر: أن جابراً قد تصرف وفق ما وجد أنه متوفر لديه من معطيات مادية، حيث رأى أن ما عنده لا يكفي إلا لعدد يسير من الأشخاص، ولكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليجعل نفسه أسيرة للأسباب المادية في حدودها الظاهرة.
بل تجاوز ذلك ليتعامل مع مسبب الأسباب، ومفيض الوجود مباشرة، وهو الله سبحانه، ولم يكن الله ليبخل على نبيه "صلى الله عليه وآله" في وقت يحتاج فيه هؤلاء الناس إلى الشعور برعاية الله سبحانه لهم.
وحتى مع إغماض النظر عن ذلك كله، في الأسوة والقدرة، لم يكن ليميز نفسه عن الناس، بل هو سوف يواسيهم بنفسه فيما قل وكثر، وفيما صغر وكبر. وذلك هو ما تمليه عليه التعاليم والمبادئ التي جاء بها من عند الله جل وعلا.
والذي يستأثر بإعجابنا العميق هو تلك اللفتة الواعية من زوجة جابر، والتي تظهر لنا أيضاً مدى إيمان هذه المرأة ومدى تسليمها لرسول الله "صلى الله عليه وآله". كما أنها تحكي لنا طبيعة ونوعية وسنخ اعتقادها بهذا الرسول الكريم والعظيم.
وذلك حينما أخرجت زوجها جابراً من حيرته المحرجة بسؤالها له: إن كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد علم بمقدار الطعام المتوفر عندهم، فأجابها بالإيجاب، فقالت: الله ورسوله أعلم.
ومن يدري فلعل النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد عرف أن هذا الإخلاص من جابر وزوجته، ثم الإيثار منه "صلى الله عليه وآله"، وحبه لأصحابه، وإقدامه على تقسيم هذا القليل من الطعام معهم، ثم إخلاص صحابته الأخيار في دفاعهم عن أنفسهم، وعن كرامتهم، وشرفهم ودينهم، ونبيهم، وهذه المتاعب الكبيرة، والمصاعب الخطيرة التي تواجههم، بالإضافة إلى أن الله سبحانه لن يخيب نبيه ووليه وصفيه،
نعم.. إن ذلك كله إذا اقترن بأن اللطف الإلهي لا بد أن يظهر في هذه الفترة العصيبة بالذات ليطمئن المؤمنون إلى نصر الله سبحانه، فإن زيادة الطعام الذي قدمه جابر، حتى ليأكل المسلمون كلهم حاجتهم منه، تصبح أمراً مقبولاً ومعقولاً، وفي محله..
التزوير الرخيص:
زعم الشعراني: "أنه شاهد شيخه الشيخ محمد الشنَّاوي، وقد جاء من الريف، ومعه نحو خمسين رجلاً، ونزل بزاوية شيخه الشيخ محمد السروي، فتسامع مجاورو الجامع الأزهر بمجيئه، فأتوا لزيارته، فامتلأت الزاوية، وفرشوا الحصر في الزقاق.
ثم قال لنقيب شيخه: هل عندك طبيخ؟!
قال: نعم، الطبيخ الذي أفعله لي ولزوجتي.
وقال له: لا تغرف شيئاً حتى أحضر.
ثم غطى الشيخ الدست بردائه، وأخذ المغرفة، وصار يغرف إلى أن كفى من في الزاوية، ومن في الزقاق. وهذا شيء رأيته بعيني"([389]).
ونحن إذا قارنَّا بين هذا الكلام وبين قضية وليمة جابر، فإننا نجد أن هذا النص أراد أن يعطي الشناوي نفس الكرامة التي ثبتت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" حين استجاب لدعوة ذلك الرجل الصالح "رحمه الله".
والذي يستوقفنا هنا: ثقة الشنَّاوي بحصول الكرامة له، وكأنه يمارس عملاً عادياً لا يشك في انتهائه إلى النتيجة التي يريدها. تماماً كما كان الحال بالنسبة للنبي "صلى الله عليه وآله" في الخندق.
وليت شعري لماذا لم يشتهر أمر الشنَّاوي في الآفاق، وتسير به الركبان من بلد إلى بلد، ويصبح قبره كقبر النبي "صلى الله عليه وآله" في المدينة المنورة تشد إليه الرحال، وتقصده النساء والرجال من أقصى بلاد المعمورة؟
مع أننا نجدهم يقصدون زيارة قبور أناس صالحين لم تظهر لهم حتى ولو كرامة واحدة من هذا القبيل!!
الجهد، والضعف والجوع:
قد تحدثت النصوص التي سلفت في هذا الفصل، وفي غيره من الفصول، عن المعاناة التي كان يتعرض لها المسلمون بسبب شحة الأقوات في تلك السنة بالذات حيث: "كان المسلمون قد أصابهم مجاعة شديدة، وكان أهلوهم يبعثون إليهم بما قدروا عليه"([390]).
وذكر نص آخر: أن حفر الخندق كان في زمان عسيرة، وعام مجاعة حتى أن الأصحاب كانوا يشدون على بطونهم الحجر من الجهد والضعف الذي بهم من الجوع، ويقول البخاري: إنهم لبثوا ثلاثة أيام لا يذوقون ذواقاً، وكذا النبي "صلى الله عليه وآله"([391]).
وفي نص آخر: "يأتون بملء كفي شعير، فيصنع لهم بإهالة سنخة توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق، ولها ريح منتن"([392]).
ويقول أبو طلحة: "شكونا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر، حجر، فرفع رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن بطنه حجرين"([393]).
ويقول نص آخر: "وكانوا في قر شديد وجوع"([394]).
وعن علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، قال: "كنا مع النبي "صلى الله عليه وآله" في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة، ومعها كسرة خبز، فدفعتها إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وقال النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام: ما هذه الكسرة؟!
قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين، جئتك منه بهذه الكسرة.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث([395]).
ولنا هنا وقفات:
الأولى: النبي ' وصوم الوصال:
لقد ذكروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نهى عن صوم الوصال، فقالوا له: ما لك تواصل يا رسول الله؟!
قال: إني لست مثلكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني.
قال ابن حبان: ويستدرك بهذا الحديث على بطلان ما ورد: أنه "صلى الله عليه وآله"، كان يضع الحجر على بطنه، لأنه كان يطعم ويسقى من ربه إذا واصل. فكيف يترك جائعاً مع عدم الوصال، حتى يحتاج إلى ربط الحجر على بطنه؟!
قال: وإنما لفظ الحديث: الحجز، بالزاي، وهو طرف الإزار. فصحفوا، وزادوا لفظ الجوع.
وأجيب: بأنه "لا منافاة، كان "صلى الله عليه وآله" يطعم ويسقى إذا واصل في الصوم، أي يصير كالطاعم والساقي، تكرمة له. ولا يحصل له ذلك دائماً، بل يحصل له الجوع في بعض الأحايين، على وجه الابتلاء الذي يحصل للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، تعظيماً لثوابهم"([396]).
أضف إلى ذلك: أن توجه ابن حبان هذا، ودعواه تصحيف كلمة الحجز بالحجر لا تتلاءم مع ما تقدم عن علي "عليه السلام"، ولا مع ما تقدم عن جابر في قصة اندفاعه لتهيئة طعام للنبي "صلى الله عليه وآله" لما رآه خميصاً، ولا مع ما ذكر في قصة سلمان حينما طلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يعالج الصخرة.
الثانية: العزم والثبات:
ويلفت النظر هنا: أنه رغم كل ما كان يعانيه المسلمون من جهد وضعف وجوع، وبرد ـ كما يقولون ـ فإن ذلك لم ينل من عزمهم، ولم يؤثر على إرادتهم، ولا هزمهم روحياً. بل استمروا في تصميمهم على تنفيذ قرارهم بالمواجهة، ولم يحملهم ذلك على الدخول في أي مساومة، وتقديم أية تنازلات.
ولا شك: في أن للعامل الإيماني دوره الحساس في هذا المجال، ولعل العامل الأهم هنا: هو توفر القيادة الحكيمة والواعية والحازمة، المرتبطة بالله سبحانه، المتمثلة بشخصية النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".
الثالثة: الخصاصة والجوع:
قد تعودنا من أولئك الذين يتعاقبون على كراسي الحكم: أن يكونوا من أصحاب الأموال الطائلة، وأهل الثراء الفاحش، مع السعي الحثيث منهم للتمتع بمباهج الحياة، والتقلب في ملذاتها، واهتمام ظاهر بما فيها من زينة، وبهارج، في حين تكون شعوبهم تعاني من النصب والحرمان، ومن الحاجة والخصاصة بدرجة قبيحة ومزرية.
إن لم نقل: إن الكثيرين من هؤلاء الحكام هم الذين يمتصون دماء شعوبهم، ويعبثون بمقدراتها، ويختلسون كل ما قدروا عليه من أموالها.
أما نبينا الأكرم "صلى الله عليه وآله": فإنه على عكس ذلك تماماً، فها هو في أيام الخندق يربط الحجر، ولا يستأثر نفسه بشيء من حطام الدنيا. بل إنه حتى حينما يرغب أحدهم في استضافته على الشيء القليل جداً في هذا الظرف العصيب بالذات، لا يرضى "صلى الله عليه وآله" إلا أن يشاركه المسلمون جميعاً في ضيافته تلك، فيبارك الله سبحانه في ذلك الطعام، وتكون الكرامة من الله سبحانه لرسوله الأكرم "صلى الله عليه وآله".
ثم نجد علياً أمير المؤمنين "عليه السلام" خير من يتأسى برسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويسير على نهجه، وينسج على منواله. فإنه رغم أنه كان قد أنشأ ـ بكد يده، وبعرق جبينه ـ الكثير من الضياع والبساتين، لكنه لم يكن يستفيد منها بتحسين وضعه المعيشي، ولا أحدثت تغييراً في حياته الخاصة، بل كان يتصدق بها ويوزعها على الفقراء والمحتاجين، وقد أوقف عامتها على جهات البر المختلفة، ثم لم يزل يلبس الخشن، ويأكل الجشب إلى أن توفاه الله سبحانه.
وحسبك ما كتبه لعثمان بن حنيف: يلومه على حضوره وليمة دعي إليها:
قال "عليه السلام": "ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به، ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع، واجتهاد، وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً، ولا حزت من أرضها شبراً، ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة، ولهي في عيني أوهى وأهون من غصة مقرة"([397]).
إلى أن قال: "ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز. ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع.
أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسـبـك داء أن تـبـيـت ببطنة وحـولــك أكبـاد تحـن إلى الـقـد
أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش؟ فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، أو المرسلة، شغلها تقممها([398])، تكترش([399]) من أعلافها، وتلهو عما يراد بها".
إلى أن قال: "وكأني بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب، فقد قعد به الضعف على قتال الأقران، ومنازلة الشجعان. ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً، والروائح الخضرة أرق جلوداً، والنباتات العذية([400]) أقوى وقوداً، الخ.."([401]).
الفصل الخامس:
جيش المسلمين وجيش المشركين في المواجهة
الإعداد والإستعداد:
قال البلاذري: "بلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخبر، فندب المسلمين إلى قتال الأحزاب، وخرج فارتاد لعسكر المسلمين"([402]). وكان خروجه بعد أن استخلف على المدينة ابن أم مكتوم([403]).
وحسب نص الصالحي الشامي: "ركب فرساً ومعه عدة من المهاجرين والأنصار فارتاد موضعاً، وكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعاً الجبل خلف ظهره، ويخندق الخ.."([404]).
وكان خروجه "صلى الله عليه وآله" لثمان خلون من ذي القعدة، أو شوال، حسبما تقدم، ويقال: إن خروجه "صلى الله عليه وآله" كان في يوم الإثنين([405]).
واختار "صلى الله عليه وآله" ذلك الموضع المكشوف للخندق، وجعل معسكره تحت جبل سلع([406]) أو سفح سلع، أو سطح سلع، أو جعل سلعاً وراء ظهره، والخندق بينه وبين القوم([407]).
يقول البعض: "فلو أن العدو عبر الخندق لقدمت سلع للمدافعين نفس المزايا التي حصلوا عليها في أحد"([408]).
ويستفاد مما تقدم: أن موقعهم كان عند سلع من جهة الشام والمغرب([409]).
مقر القيادة:
"وضربت له "صلى الله عليه وآله" قبة من أديم أحمر، على القرن في موضع مسجد الفتح"([410]).
وتقدم في الفصل السابق، حين الكلام عن قصور الروم وفارس: أنها قبة تركية.
وعلى حد تعبير الواقدي: "وضرب قبة من أدم، وكانت القبة عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل، جبل الأحزاب"([411]).
ونسجل هنا:
ألف : إنه يستفاد من هذا ومما تقدم ـ مع أن بعض النصوص ذكرت: أن النبي "صلى الله عليه وآله" جعل معسكره سطح (أو سفح) سلع ـ: أنه "صلى الله عليه وآله" قد اختار من السفح موضعاً مشرفاً، ومرتفعاً نسبياً يمكنه من مراقبة الوضع بدقة، ثم المبادرة إلى اتخاذ القرار اللازم في الموضع المناسب.
ب: إنه إذا كان المشركون إنما يفكرون بالدنيا، ويرون العزة بما يحصلون عليه من حطامها، فإن رؤيتهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" في مكان مشرف عليهم، وهو في قبة ذات لون متميز من أدم أحمر، سيكون مغيظاً لهم، وسيزيد من حسرتهم وحنقهم، حين يرغمون على التراجع، وهم يجرون أذيال الخيبة والخسران، وقد خلفوا وراءهم قتلى من رؤسائهم وأبطالهم، كما سنرى.
عرض النبي ' الخارجين إلى الحرب:
ثم عرض "صلى الله عليه وآله": الجيش، وهو يحفر الخندق.
فعن أبي واقد الليثي قال: "رأيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعرض الغلمان، وهو يحفر الخندق، فأجاز من أجاز، ورد من رد.
وكان الغلمان يعملون مع الذين لم يبلغوا ولم يجزهم، ولكن لما لحم الأمر، أمر من لم يبلغ أن يرجع إلى أهله، إلى الآطام مع الذراري.
إلى أن قال: فكان ممن أجاز رسول الله "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ ابن عمر وهو ابن خمس عشرة، وزيد بن ثابت وهو ابن خمس عشرة، والبراء بن عازب وهو ابن خمس عشرة([412])، وأبا سعيد الخدري ولم يردهم.
ويقال: إنه أجازهم قبل ذلك"([413]).
قال العسقلاني: "عرض الجيش اختبار أحوالهم قبل مباشرة القتال للنظر في هيبتهم وترتيب منازلهم وغير ذلك"([414]).
ومهما يكن من أمر فقد أصبحت المدينة بسبب حفر الخندق كالحصن، حسبما تقدم([415]).
النساء والأطفال في الآطام:
ويذكر المؤرخون كافة تقريباً، وهم يتحدثون عن غزوة الخندق: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد جعل النساء والصبيان في الآطام([416]).
قال الواقدي: "ورفع النساء والصبيان في الآطام، ورفعت بنو حارثة الذراري في أطمهم، وكان أطماً منيعاً. وكانت عائشة يومئذٍ فيه.
ورفع بنو عمرو بن عوف النساء والذرية في الآطام، وخندق بعضهم حول الآطام بقباء، وحصن بنو عمرو بن عوف ولفها، وخطمة، وبنو أمية، ووائل، وواقف فكان ذراريهم في آطامهم"([417]).
الحرس على أبواب الخندق:
ويذكر المؤرخون: أنهم بعد أن حفروا الخندق، وحصنوه "جعل له رسول الله أبواباً([418]) وجعل على الأبواب حرساً، من كل قبيلة رجلاً، وعليهم الزبير بن العوام، وأمره إن رأى قتالاً أن يقاتل"([419]).
وفي نص آخر: "وجعل على كل باب رجلاً من المهاجرين، ورجلاً من الأنصار مع جماعة يحفظونه"([420]).
وتقدم: أن أبواب الخندق كانت ثمانية.
تركيبة الحرس مثار تساؤل:
وأما لماذا اختار النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" أن تكون تركيبة الحرس على أبواب الخندق بهذا الشكل، فربما يكون السر فيه: هو أنه "صلى الله عليه وآله" قد أراد أن يقطع الطريق على أي تفكير تآمري، من خلال اتصالات سرية فيما بين المشركين والمنافقين أو غيرهم، للتواطؤ على المسلمين. ولو عن طريق الإغراء بالمال، أو الاحتيال، أو التغفيل، حيث يتمكنون من إحداث ثغرة أو أكثر، من شأنها أن تعرض المسلمين للخطر الكبير.
وحين يكون الحرس من كل قبيلة رجلاً، فإن الرقابة على بعضهم البعض تصبح طبيعية، ولن يعود من السهل فتح علاقة مشبوهة مع أي منهم، ويصبح احتمال تواطؤهم أبعد، واتفاقهم على الخيانة يكون أصعب وأعقد.
ويلفت نظرنا هنا: ذلك النص الذي بُيِّن فيه اهتمام النبي "صلى الله عليه وآله" بمشاركة الأنصار للمهاجرين في هذا الأمر.
ونحن نعلم: أن إمكانية اختراق مشركي أهل مكة للمهاجرين أسهل وأيسر، لأنهم إخوانهم وأبناؤهم، ولم نزل نجد في المهاجرين من يحابي قومه ويهتم بعدم إلحاق المزيد من الأذى بهم بدءاً من حرب بدر، حسبما أوضحناه هناك في قضية فداء الأسرى.
بل لقد وجدنا حتى زوجة النبي "صلى الله عليه وآله" تخرج عن وقارها، وتندفع لتحرض على رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر، فراجع ما ذكرناه هناك أيضاً عن سودة بنت زمعة.
وتجد في كتابنا هذا، وفي كتاب "الغدير والمعارضون" شواهد كثيرة وغزيرة ومثيرة عن مواقف قريش من النبي "صلى الله عليه وآله" وأهل بيته. ولا نرى حاجة لإعادة التذكير بها هنا.
الذراري والنساء في الآطام:
وإن جعل النساء والذراري في مواضع حصينة، وتجميعهم في أماكن معينة يعتبر إجراءً حكيماً، لأنه يوفر على المسلمين معاناة حالة التوزع في الاهتمامات، وانتشارها، ويركزها في نقطة أو نقاط محددة يمكن التركيز عليها في الرعاية الأمنية، وتسهيل تقديم المعونة الفاعلة والمؤثرة والسريعة، وفق خطة مرسومة في الوقت المناسب لو فرض تعرضها لأي خطر من قبل الأعداء.
ثم هي تمكن هؤلاء الضعفاء من أن يفيدوا من مناعة تلك الآطام للدفع عن أنفسهم بدلاً من بيوت واهنة لا تساعد على حمايتهم، ولا تدفع عنهم في شيء.
وبذلك لم يعد النساء والأطفال منتشرين على مساحات واسعة، بصورة تجعلهم هدفاً سهلاً لكل عابث، وعرضة لأطماع الأعداء والسفهاء، الأمر الذي يوجب إرباكاً نفسياً لدى القوى التي يفترض فيها أن تصب كل اهتماماتها على نقطة واحدة، وواحدة فقط، وهي دفع العدو، وإبطال كيده، وإلحاق الهزيمة المخزية به.
وقد يمكن للعدو ـ لو لم تجعل الذراري والنساء في الآطام ـ أن يستفيد من الوضع القائم، فيعتدي أو يتظاهر بالاعتداء على المواقع المختلفة المنتشرة على مساحة المدينة بأكملها، وذلك بهدف زعزعة حالة الاتحاد والانسجام لدى الجيش الإسلامي، ليتمكن من إنزال ضربته القاصمة في الوقت المناسب.
وقد كان بنو قريظة يعرفون تفاصيل مسالك المدينة، لأنهم من أهلها، فقيامهم بأي تسلل إليها سوف يربك الوضع في ساحة القتال بصورة كبيرة وخطيرة.
وقد كان المسلمون يعرفون ذلك، فكانوا يعيشون حالة القلق لولا هذا الإجراء الذي اتخذه النبي "صلى الله عليه وآله".
ومما زاد في الربط على القلوب، وتهدئة المشاعر، واستقرار الحالة النفسية: أنه "صلى الله عليه وآله" قد جعل حراساً يطوفون في المدينة، حتى أصبح واضحاً ليهود بني قريظة ولغيرهم: أن أي تحرك سوف ينتهي بنكسة خطيرة لهم.
وقد كان في التجربة التي قام بها بعضهم للوصول إلى حصن حسان الذي كانت فيه النساء، وانتهت بقتل ذلك الرجل على يد زينب بنت جحش عبرة لهم وبلاغ.
عقد الألوية للحرب:
أما بالنسبة لعقد ألوية الحرب، فإننا نقول:
ألف: بالنسبة للمشركين، فالمؤرخون يقولون: إنهم عقدوا لواءهم في دار الندوة، وحمله عثمان بن أبي طلحة، وقائد القوم أبو سفيان([421]).
ثم وافى المشركون المدينة، فأنكروا أمر الخندق، وقالوا: ما كانت العرب تعرف هذا([422]).
ب: بالنسبة للمسلمين، يقول المؤرخون: "وكان لواء المهاجرين بيد زيد بن حارثة، ولواء الأنصار بيد سعد بن عبادة، وكان "صلى الله عليه وآله" يبعث الحرس على المدينة، خوفاً على الذراري من بني قريظة"([423]).
ونقول:
إننا لا نهتم لتحريفات المؤرخين هذه، حيث نراهم يتجاهلون الحقيقة الدامغة إرضاء لأسيادهم، وانسياقاً مع أهوائهم وعصبياتهم وتعصباتهم البغيضة.
فها هم يهملون هنا ذكر صاحب الراية العظمى للجيش كله وصاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كل مشهد، وهو علي أمير المؤمنين "عليه السلام" مع تصريحهم باسم حامل لواء المهاجرين، وحامل لواء الأنصار.
ونقول هنا:
1 ـ إنه قد تقدم في حرب أحد في فصل: قبل نشوب الحرب، وفي بدر أيضاً، طائفة من النصوص التي تضافرت وتواترت في كتب السيرة والتاريخ والحديث بالأسانيد الصحيحة والموثوقة: أن علياً "عليه السلام" هو صاحب لواء وراية النبي "صلى الله عليه وآله" في كل مشهد، وتقدم أن ذلك من فضائله وخصائصه التي اشتهر بها. وهذه حقيقة مؤلمة لمبغضي وشانئي عليٍّ "عليه السلام" ولأجل ذلك فهم يحاولون تجاهلها، والدس الرخيص للتشكيك بها، ولو وسعهم الجهر بإنكارها لبادروا إلى ذلك.
2 ـ وقد ورد في احتجاج الإمام الحسن المجتبى "عليه السلام" على معاوية وابن العاص، والوليد الفاسق قوله: "ثم لقيكم يوم أحد، ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله ومعك ومع أبيك راية الشرك"([424]).
3 ـ روى الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس، قال: "كانت راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" مع علي "عليه السلام" في المواقف كلها: يوم بدر، ويوم أحد، ويوم حنين، ويوم الأحزاب، ويوم فتح مكة. وكانت راية الأنصار مع سعد بن عبادة في المواطن كلها، ويوم فتح مكة، وراية المهاجرين مع علي "عليه السلام"([425]).
وهذا يدل على أن قولهم: كانت راية المهاجرين يوم الأحزاب مع زيد بن حارثة غير صحيح.
شعار الحرب:
ويقول المؤرخون: كان شعار المهاجرين أيام الخندق: "يا خيل الله"([426]).
وقالوا أيضاً: كان شعار أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم الخندق وبني قريظة: حم، لا ينصرون([427]).
ونقول:
لقد رأينا: أن شعار المسلمين في حروبهم مع أعدائهم، سواء في زمن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أو في زمن علي "عليه السلام" في حروبه مع البغاة هو: "حم، لا ينصرون"، وكذا عبارة: "يا منصور أمت".
وهاتان الكلمتان لهما دلالاتهما وإيحاءاتهما في ظرف كهذا حيث إنهما تزرعان الطموح إلى النصر في قلب وروح المقاتل المسلم فيزداد جرأة على القتال وإقداماً على التضحية، ويتذرع بالصبر الجميل على ما يواجهه من مكاره يترقب الفرج والفوز بعدها بمزيد من الطمأنينة والثقة ويكون تحركه في ساحة القتال والحالة هذه تحرك الواثق، الذي يريد من خلال تفعيل طاقاته القتالية بحكمة وحنكة وتعقل أن يتجاوز هذا الواقع، الذي يرى فيه وضعاً إستثنائياً ونشازاً، لا تساعد على استمراره عوامل طبيعية ومقبولة.
ثم إن هذا الشعار، حين يبدأ بواحدة من مفردات الحروف المقطعة التي اختص بها القرآن، فإنه يكون قد أوحى مسبقاً لهذا الإنسان المؤمن بصدق هذا الوعد الإلهي، الذي يتلفظ به هو نفسه ويطلقه شعاراً له في هذا الوقت بالذات الذي يحتاج إليه عملياً. فهو شعار يتجه نحو الواقع ليتجسد حقيقة ملموسة له، ويساهم هو في صنعها وفي بلورتها.
والأمر الملفت للنظر هنا: أن يكون هذا اليقين قد أيقظته في نفسه كلمة حم، التي هي رمز التحدي الفكري كما تقدم في الجزء الثاني من هذا الكتاب مفصلاً وقد اقترن هذا التحدي الفكري بالتحدي بالعنف والقتال، كنتيجة طبيعية لعجز قوى الشرك، وهزيمتها المخزية والنكراء في مجال الفكر والمثل والقيم.
وأما بالنسبة للمشركين، فالأمر سيكون على عكس ذلك تماماً، فإنهم حين يسمعون هذه الكلمة (حم، لا ينصرون) لسوف يتمثلون حالة العجز والسقوط والهزيمة بكل أنحائها، وبكل مجالاتها، ولسوف تزرع هذه الكلمة اليأس والفشل في نفوسهم، فإنها كانت رمز التحدي القرآني لهم ولكل من هو على شاكلتهم، بالإضافة إلى إيحاءات أخرى ـ ألمحنا إليها فيما سبق ـ كانت إيجابية بالنسبة لقوى الإيمان ولسوف تكون معكوسة وسلبية بالنسبة لقوى الشرك والطغيان.
فليتأمل المتأمل فيما ذكرناه، وليتدبره كيف يتحول إلى الضد من ذلك على قوى الشرك، حتى لا نضطر إلى إعادة تفصيلية له.
غير أننا نلمّح هنا إلى نقطة واحدة نضيفها إلى ما سبق، وهي: أن هذا الشعار يقول: "لا ينصرون" بصيغة المبني للمجهول ولم يقل: "لا ينتصرون" ففيه إلماح إلى أن المشركين لا يملكون معطيات النصر في أنفسهم فلا بد أن ينتظروا النصر من غيرهم، وليس ثمة ناصر لهم ولا معين، فهزيمتهم حتمية لفقدهم مقومات النصر من الجهتين. فالمشرك يرى العجز والفشل الفكري والعقيدي بكلمة حم. كما أنه يتمثل الخواء من أي من القدرات والطاقات التي تخوله أن يصنع نصراً. فهو مهزوم في الحالتين، والمؤمن يأتيه النصر من الله، وهو على يقين من هذا النصر. فاجتمع على قوى الشرك عاملان من عوامل الضعف ولقوى الإيمان عاملان من عوامل القوة.
هذا عدا عن أن الصيغة صيغة إخبار، تعطي: مزيداً من الثقة بتحقق ذلك، حتى كأنه أمر واقع وملموس، يصح الإخبار عنه بهذه الدرجة من الجزم والثبات والطمأنينة.
ولسوف يتيقن المشركون صدق هذا الوعد، ما دام أنه هدي قرآني استقر في نفوسهم: إنهم أعجز وأصغر من أن يشككوا في أي من آياته وحقائقه.
وهذا درس نافع نستفيده من هذا الشعار. نسأل الله التوفيق للتوفر على دراسة هذا الموضوع بصورة أتم وأوفى، وأوضح وأجلى وأصفى، وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
عدة وعدد المسلمين:
هذا وقد اختلفت كلمات المؤرخين في عدة وعدد الجيش الإسلامي الذي واجه الأحزاب في حرب الخندق.
فأما بالنسبة للعدة، فقد ذكر ابن سعد: "أنه كان مع المسلمين ستة وثلاثون فرساً"([428]) وأما بالنسبة إلى العدد فنشير إلى الأقوال التالية:
1 ـ قيل كان المسلمون سبع مئة، وهو قول ابن إسحاق([429]).
وقد حكم البعض على ابن إسحاق بأنه: "وهم في ذلك" وغلط. وزعم ابن القيم: أن منشأ الغلط هو ارتكاز عدد من خرج معه "صلى الله عليه وآله" في أحد([430]).
2 ـ قيل: كانوا ألفاً أو نحوها، وهو صريح رواية البخاري ومسلم عن جابر. وصرح به قتادة أيضاً([431]).
3 ـ وقيل: تسع مئة أضاف ابن خلدون قوله: "وهو راجل بلا شك".
وقال ابن حزم: "وهو الصحيح الذي لا شك فيه، والأول وهم"([432]). يريد بالأول: القول بأنهم كانوا ألفاً.
4 ـ وذهب أكثر المؤرخين إلى أنهم كانوا ثلاثة آلاف أو نحوها([433]).
ونقول:
ألف: إننا نحتمل قوياً: أن يكون القول الثالث هو نفس قول ابن إسحاق، لكن النساخ صحَّفوا سبعمئة بتسعمئة، لتقارب رسم الخط في الكلمتين، وعدم وجود النقط في السابق، وما أكثر ما يقع الاشتباه والاختلاف بين سبع وتسع، من أجل ذلك.
ب: إننا نرجح قول ابن إسحاق، وإن حكم عليه البعض، كالحلبي وغيره، بأنه قد وهم أو غلط في ذلك.
ولو تنزلنا عن ذلك، فإننا نأخذ بالقول الثاني، أما القول بأنهم كانوا ثلاثة آلاف، فلا مجال للاعتماد عليه، وذلك للأمور التالية:
1 ـ ما تقدم في قصة إطعام جابر لأهل الخندق جميعاً وكانوا سبع مئة رجل، أو ثمان مئة، أو ألف رجل. فراجع حديث جابر المتقدم في الفصل السابق، وراجع المصادر التي أشير إليها في الهامش هناك.
2 ـ روي عن الإمام الصادق "عليه السلام": أنه "صلى الله عليه وآله" شهد الخندق في تسع مئة رجل([434]). ويحتمل أن تكون كلمة تسع تصحيفاً لكلمة سبع أيضاً.
3 ـ روي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام. فكتب حذيفة بن اليمان له ألفاً وخمس مئة رجل.
وفي نص آخر: ونحن ما بين الست مئة إلى السبع مئة.
قال الدماميني: قيل: كان هذا عام الحديبية([435]).
ويرى البعض: أن المسلمين كانوا في أُحد بعد رجوع المنافقين سبع مئة رجل، وبين أُحد والخندق سنة أو أكثر بقليل، ويبعد أن يزيد المسلمون خلال سنة واحدة هذه الزيادة الكبيرة، بحيث يصلون إلى ثلاثة آلاف([436]).
وما جرى في الخندق يوضح: أن عدد سكان المدينة لا يصل إلى الخمسة آلاف نسمة بما في ذلك الأطفال والنساء.
عدد المشركين:
ووافى المشركون المدينة، وأحاطوا بها من جميع جهاتها واشتد الحصار على المسلمين([437]). وقد اختلفت الأقوال في عدد المشركين، وذلك على النحو التالي:
1 ـ قال المسعودي: "سارت إليه قريش، وغطفان، وسليم، وأسد، وأشجع، وقريظة، ونضير، وغيرهم من اليهود، فكان عدة الجميع أربعة وعشرين ألفاً، منها قريش وأتباعها أربعة آلاف"([438]).
2 ـ وقال ابن شهرآشوب: "كانوا ثمانية عشر ألف رجل"([439]).
3 ـ وقال ابن الدبيع: كانوا أحد عشر ألفاً([440]).
وذكر في موضع آخر: أنهم كانوا عشرة آلاف. ولعله حين عد معهم بني قريظة ذكر الرقم الأول، وحين غض النظر عنه عدهم عشرة آلاف.
4 ـ إن عدد جيش المشركين بجميع فئاته كان عشرة آلاف: قريش وكانوا أربعة آلاف، ومن أجابهم من بني سليم، وأسلم، وأشجع، وبني مرة، وكنانة، وفزارة، وغطفان([441]).
5 ـ إنهم كانوا مع يهود بني قريظة والنضير زهاء اثني عشر ألفاً([442]).
6 ـ ولكننا نجد آخرين من المؤرخين يتحدثون عن هذا الأمر بطريقة تؤيد أحد القولين الأولين، فقد قال ابن الوردي وغيره:
"أقبلت قريش في أحابيشها، ومن تبعها من كنانة في عشرة آلاف، وأقبلت غطفان ومن تبعها من أهل نجد" ثم ذكر انضمام بني قريظة إليهم([443]).
7 ـ ثم هناك من يقول: إن عدد جيش الأحزاب كان أربعة آلاف فقط([444]).
ولا نشك في أن هذا القول ناظر إلى حشود قريش، أو أن بعض المؤرخين رآهم يذكرون أن عدد الجمع القريشي كان هذا المقدار فتوهم أنه يقصد بيان عدد الجيش كله.
عدة جيش الشرك:
وأما بالنسبة لعدة أهل الشرك، فقد قال المسعودي: إنه كان "معهم ثلاث مئة فرس، وألف وأربع مئة بعير، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب"([445]).
وذكر آخرون: أنه كان معهم ألف وخمس مئة بعير، وثلاث مئة فرس([446]).
وذكر الدياربكري: أنهم كانوا أربعة آلاف معهم ثلاث مئة فرس وألف بعير، وعند غيره: ألف وخمس مئة بعير([447]).
ويظهر من المقريزي: أنه كان مع المشركين بالإضافة إلى ألف وخمس مئة بعير: ثلاث مئة فرس مع قريش، وثلاث مئة أخرى مع غطفان([448]).
وفي كلام حيي بن أخطب لكعب بن أسد: "والخيل ألف فرس وسلاح كثير"([449]).
وصرح النويري: أن غطفان وفزارة كان معهما ألف بعير([450]).
ومن الواضح: أن لا مجال لتحديد الرقم الحقيقي لذلك كله ولا لغيره. لكن مما لا شك فيه: أن هذا العرض للنصوص والأقوال يوضح مدى التفاوت فيما بين عدة وعدد المسلمين، وأعدائهم من الأحزاب الذين جاؤوا من كل حدب وصوب.
معنويات جيش الشرك:
وقد كان من الواضح: أن تفوق المشركين في العدد والعدة، ثم ما كان من تحالفهم مع بني قريظة الذين كانوا في الجهة الأخرى للمدينة،
أضف إلى ذلك: هذا الإجماع الحاصل من مختلف القبائل العربية،
وكذلك بسبب الإعلام المسموم الذي أعقب حرب أُحد، وصوَّر لأهل الشرك أنهم قد حققوا فيها نصراً كبيراً،
وبسبب الحقد الذي يتغلغل في نفوس الكثيرين منهم على الإسلام والمسلمين،
نعم.. إنه بسبب ذلك كله، وسواه مما لم نذكره، كان جيش الشرك يعيش في بدايات حصاره للمسلمين حالة من الانتعاش الروحي، والشعور بالقوة والتفوق، وبإمكانية تحقيق بعض ما كانوا يصبون إليه.
ولكن الأمر لم يدم على هذا الحال طويلاً فقد تبخرت الآمال وحل محلها الشعور بالخيبة، وتلاشت حالة الانتعاش، لتخلفها حالة التململ والشعور بالضيق.
حتى إذا جاءت ضربة علي القاصمة لجيش الشرك، تبدل كل شيء ليواجه هذا الجيش حالة من الرعب والخوف، وتصبح تلك الكثرة في العدد وفي العدة عبئاً ثقيلاً، ومصدر متاعب لذلك الجيش بالذات. فقد أصبحت العدة من أفراس ومن وسائل نقل ـ أبعرة ـ بسبب طول المدة، وبسبب الجدب أمراً يحسن التخلص، أو على الأقل يحسن التخفيف منه وتحجيمه.
كما إن إجماع القبائل لم ينجح في توحيد القيادة لهم، ولا استطاع أن يحجب الروح القبلية، ويمنعها من الهيمنة على مسيرة التحرك، حتى في مواقع القتال.
فكانت كثرة هذا الجيش تستبطن التمزق، وكان تكثُّر الانتماءات في الولاء والطاعة، يحمل معه بذور الفساد والإفساد، والخلاف والشقاق لأتفه الأسباب.
أضف إلى ما تقدم: أن الإعلام المزور والمسموم قد أوجب انتفاخاً كاذباً، وأذكى توقعات كبيرة، يعلم قادة الأحزاب أنفسهم أنهم أعجز عن أن ينالوها، أو أن يحققوا أدناها.
وبعد ما تقدم: فهل يمكن لجيش كهذا أن يقوم بتجربة حربية ضد المسلمين، مع أنه لا يمكن ضمان نتائجها، لا سيما بعد أن عرف ورأى ميدانياً أن الأمور قد أصبحت على غاية من التعقيد والخطورة، ولم يكن قد حسب لكل هذه المستجدات أي حساب؟
وبعد كل ما تقدم: فإن علينا أن لا ننسى أن تلك القبائل كانت تفتقر إلى ترسيخ عامل الثقة فيما بينها. ولم تكن ثمة ضمانات حقيقية لوفاء بني قريظة للمشركين، ولا العكس، مع علمهم: أن الذي يجمع كل هذه المتفرقات هو الخوف من التفرق، وليس شيئاً غير ذلك..
جيش أهل الإيمان:
وأما بالنسبة لجيش أهل الإيمان فإن الأمر يختلف تماماً، فهو يرى أن وجوده معرض للاستئصال والفناء، ولا بد له من الدفاع، ولن يجد ملجأً له إلا بذل الجهد، وإلا الجهاد من أجل البقاء.
كما أن هذا الجيش ينطلق في حركته وفي جهاده من قاعدة إيمانية تجمع بين متفرقاته، وتؤلف بين مختلفاته.
وهو وإن كان قد تعرض ـ في بادئ الأمر ـ لهزة من نوع ما حين صار المنافقون وضعفاء الإيمان يتسللون ويتركون مواضعهم بأعذار مختلفة، ولكن حزم القيادة، وهيمنتها، وحسن تدبيرها لم يفسح المجال للتأثر بالشائعات، واستطاعت هذه القيادة، حين فضحت أمر هؤلاء المنافقين بالوحي القرآني، وحين ظهرت الكرامات الباهرة على يدها، وأطلقت البشارات بالنصر الأكيد، استطاعت أن تعيد للجو الإيماني صفاءه ونقاءه، وتحصنه من كل ما من شأنه أن يشيع روح التخاذل، ويزرع اليأس والخوف في نفوس المخلصين والمؤمنين، وقطعت الطريق على أي كان، من أن يتخذ موقفاً، أو يتصرف تصرفاً من شأنه أن يعطي للعدو أية فرصة من أي نوع كانت.
الغطرسة القرشية:
وعن علي "عليه السلام" قوله: "فقدمت قريش، فأقامت على الخندق محاصرة لنا، ترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يدعوها إلى الله عز وجل، ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى، ولا يزيدها ذلك إلا عتواً"([451]).
ونقول:
ليس غريباً على قريش هذا العتو، وهذه الغطرسة، ما دامت تقيس الأمور بمقاييس مادية، وترى القوة في أنفسها، والضعف في المسلمين، الذين جاءت لاستئصالهم، وإبادة خضرائهم، ولكن هذا العتو وتلك الغطرسة سرعان ما تلاشت، ليحل محلها الضعف والخنوع، والخيبة القاتلة، كما سنرى.
وليس غريباً أيضاً: أن نجد النبي "صلى الله عليه وآله" ومن موقع الشعور بالمسؤولية يعتمد الأسلوب الإنساني، ويستثير العاطفة الناشئة عن صلات القربى ولحمة النسب، والتي تكون لها هيمنة حقيقية على الإنسان ولا بد أن تجتاح هزاتها الجامحة كل كيانه، وكل وجوده. ثم هو "صلى الله عليه وآله" يقرن ذلك بالدعوة إلى الله عز وجل، الذي هو مصدر الخير والقوة والبركات.
رسالة تهديد من أبي سفيان:
ويقال: إن أبا سفيان كتب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" مهدداً إياه بما جمعه من الأحزاب لقتاله، ولعله قد كتب هذا الكتاب بعد وصوله إلى المدينة وحصول المواجهة، والكتاب هو:
أما بعد.. فإنك قد قتلت أبطالنا، وأيتمت الأطفال، وأرملت النساء، والآن قد اجتمعت القبائل والعشائر يطلبون قتالك، وقلع آثارك وقد جئنا إليك نريد نصف نخل المدينة، فإن أجبتنا إلى ذلك وإلا أبشر بخراب الديار، وقلع الآثار.
تجـاوبــت الـقـبـائـل مـن نــزار لـنـصر الــلات في بـيـت الحــرام
وأقـبـلت الـضـراغم مـن قريش عـلى خـيـل مـسـومــة ضــــرام
فرد عليه النبي "صلى الله عليه وآله" بالرسالة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصل كتاب أهل الشرك والنفاق، والكفر والشقاق، وفهمت مقالتكم، فوالله، ما لكم عندي إلا أطراف الرماح، وشفار الصفاح. فارجعوا ويلكم عن عبادة الأصنام، وأبشروا بضرب الحسام، وبفلق الهام، وخراب الديار، وقلع الآثار، والسلام على من اتبع الهدى"([452]).
قال الشيخ محمد أبي زهرة: "ونشك في نسبة هذا الكتاب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" لما فيه من السجع"([453]).
ولا نرى: أن السجع في الكتاب يبرر الشك فيه، فإن خطب الزهراء، وخطب علي "عليهما السلام" لم تخل من ذلك، كما يظهر لمن راجعها.
الفصل السادس:
غدر بني قريظ
بنو قريظة ينقضون العهد:
يقول المؤرخون: إن بني قريظة كانوا أصحاب حصون بالمدينة وموضعهم من المدينة على قدر ميلين، وهو الموضع الذي يسمى: بئر بني المطلب، وعددهم سبع مئة مقاتل([454]).
وصاحب عقدهم وعهدهم كعب بن أسد القرظي، وكان وادع رسول الله على قومه وعاهده.
وكان حيي بن أخطب سيد بني النضير، يقول لقريش في مسيره معهم:
إن قومي بني قريظة معكم، وهم أهل حلقة وافرة، وهم سبع مئة مقاتل وخمسون مقاتلاً.
فلما دنوا قال له أبو سفيان: ائت قومك حتى ينقضوا العهد الذي بينهم وبين محمد([455]).
فلما جاء حيي إلى بني قريظة كرهوا دخوله إلى دارهم، فكان أول من لقيه غزال بن سموأل، فقال له حيي: قد جئتك بما تستريح به من محمد. هذه قريش قد حلت وادي العقيق، وغطفان بالزغابة.
قال غزال: جئتنا ـ والله ـ بذل الدهر.
قال حيي: لا تقل هذا.
ثم توجه إلى باب كعب بن أسد فدق عليه([456])، فأغلق كعب دونه باب الحصن، وقال: بيني وبين محمد عقد، ولن أنقض ما بيني وبينه.
وفي نص آخر: "لم أر منه إلا وفاءً وصدقاً".
زاد الواقدي: "والله، ما أخفر لنا ذمة، ولا هتك لنا ستراً، ولقد أحسن جوارنا".
وعند البيهقي: "لم أر رجلاً أصدق ولا أوفى من محمد وأصحابه، والله، ما أكرهنا على دين، ولا غصبنا مالاً الخ..".
فقال حيي: افتح الباب أكلمك.
فقال كعب: ما أنا بفاعل.
فقال: والله، إن أغلقت دوني الباب إلا على جشيشتك([457]) أن آكل معك منها.
فأحفظه حتى فتح له، فقال: ويحك يا كعب (جئتك بعز الدهر، وببحر طامٍ) جئتك بقريش على قادتها وسادتها، حتى أنختهم بالمدينة، وجئتك بغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني ألا يبرحوا حتى يستأصلوا محمداً ومن معه. فتأبّى كعب، وقال: جئتني بذل الدهر، بجهام هراق ماؤه وبرعد وببرق ليس فيه شيء.
زاد الواقدي قوله: "وأنا في بحر لجي لا أقدر على أن أريم داري، ومالي معي والصبيان والنساء" فدعني ومحمداً، وما أنا عليه، فلم أر منه إلا وفاء وصدقاً.
فلم يزل يفتله في الذروة وفي الغارب، حتى أعطاه عهداً من الله وميثاقاً أن يكون معه، على أنه إن رجعت تلك الجموع خائبة ولم يقتلوا محمداً: أن يرجع معه إلى حصنه، يصيبه ما أصابه. ونقض كعب ما بينه وبين رسول الله، وبرئ مما كان عليه له([458]).
"ومزقوا الصحيفة التي كان فيها العقد، وجمع رؤساء قومه وهم: الزبير بن مطا (باطا)، وشاس (نباش) بن قيس، وعزال بن ميمون (سموأل)، وعقبة بن زيد (وكعب بن زيد) وأعلمهم بما صنع من نقض العهد، وشق الكتاب الذي كتبه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلحم الأمر لما أراد الله من هلاكهم. وكان حيي بن أخطب في اليهود يشبه بأبي جهل في قريش".
وعند القمي: غزال بن شمول وياسر بن قيس، ورفاعة بن زيد، والزبير بن باطا([459]).
وقال البعض: إن الزبير بن باطا كان شيخاً كبيراً، مجرباً، قد ذهب بصره، وقد قال لهم: إنه قرأ التوراة، ووجد فيها: أنه يبعث نبي في آخر الزمان في مكة، ويهاجر إلى المدينة، وذكر لهم صفته.
فادَّعى حيي بن أخطب: أن هذا النبي هو من بني إسرائيل وهذا من العرب. ولا يكون بنو إسرائيل أتباعاً لولد إسماعيل أبداً لأن الله قد فضلهم على الناس جميعاً، ثم ادَّعى أن محمداً "صلى الله عليه وآله" ساحر، ولم يزل حتى أقنعهم بنقض العهد، فنقضوه([460]).
ويقول نص آخر: "ووعظهم عمرو بن سعدى، وخوفهم سوء فعالهم، وذكرهم ميثاق رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعهده، وقال لهم: إن لم تنصروه، فاتركوه وعدوه، فأبوا، وخرج إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" من بني قريظة بنو سعنة: أسد، وأسيد وثعلبة، فكانوا معه، وأسلموا.
وأمر كعب بن أسد حيي بن أخطب: أن يأخذ لهم من قريش، وغطفان رهائن تكون عندهم"([461])، "لئلا ينالهم ضيم، إن هم رجعوا ولم يناجزوا محمداً، قالوا: وتكون الرهائن تسعين رجلاً من أشرافهم: فنازلهم حيي على ذلك، فعند ذلك نقضوا العهد، ومزقوا الصحيفة التي فيها العقد، إلا بني سعنة"([462]).
لا بد من التثبت:
"وبلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" ذلك فغمه غماً شديداً، وفزع أصحابه"([463])، ويقال: إن الذي أبلغ النبي ذلك هو عمر بن الخطاب، فاشتد الأمر على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وشق عليه ذلك([464])، فقال: حسبنا الله، ونعم الوكيل.
فبعث سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وخوات بن جبير، وعبد الله بن رواحة.
وبعض النصوص: "لم تذكر الأخيرين وذكرت بدلهما أسيد بن حضير"([465]) يستخبرون الأمر، فوجدوهم مكاشفين بالغدر، والنيل من رسول الله "صلى الله عليه وآله" فشاتمهم سعد بن معاذ وكانوا أحلافه، وانصرفوا.
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أمرهم إن وجدوا الغدر حقاً أن يخبروه تعريضاً، لئلا يفتوا في أعضاد الناس، فلما جاؤوا إليه قالوا: يا رسول الله، عضل والقارة. يريدون غدرهم بأصحاب الرجيع"([466]).
وقال ابن إسحاق وآخرون: "إن الذي شاتمهم هو سعد بن عبادة. وكان رجلاً فيه حدة، فقال ابن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة"([467]).
والذي شاتم ابن عبادة هو نباش بن قيس([468]).
وقال أسيد بن حضير لكعب: "أتسب سيدك يا عدو الله؟! ما أنت له بكفؤ يا بن اليهودية، ولتولينَّ قريش إن شاء الله منهزمين، وتتركك في عقر دارك، فنسير إليك، فننزلك من جحرك هذا على حكمنا"([469]).
وقال موسى بن عقبة: "فدخلوا معهم حصنهم، فدعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف، فقالوا: الآن وقد كسر جناحنا وأخرجهم؟ (يريدون بني النضير). ونالوا من رسول الله "صلى الله عليه وآله" فجعل سعد بن عبادة يشاتمهم فأغضبوه فقال له سعد بن معاذ: إنا والله ما جئنا لهذا، ولما بيننا أكبر من المشاتمة.
ثم ناداهم سعد فقال: إنكم قد علمتم الذي بيننا وبينكم يا بني قريظة، وأنا خائف عليكم مثل يوم بني النضير، أو أمرَّ منه.
فقالوا: أكلت ...([470]) أبيك.
فقال: غير هذا من القول كان أجمل بكم وأحسن".
إلى أن قال: "فأمرهم بكتمان خبرهم"([471]).
وعند القمي: أنه لما رجع سعد بن معاذ وأسيد إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وأخبراه بنقض قريظة، قال "صلى الله عليه وآله": "لعناء، نحن أمرناهم بذلك"، وذلك أنه كان على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" عيون لقريش يتجسسون خبره([472]).
وفي نص آخر: أنهم لما قالوا للنبي "صلى الله عليه وآله": عضل والقارة، قال "صلى الله عليه وآله": "الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين"([473]).
أو قال: "أبشروا بنصر الله وعونه"([474]).
زاد البعض قوله: "إني لأرجو أن أطوف بالبيت العتيق، وآخذ المفتاح وليهلكن كسرى وقيصر، ولتنفقن أموالهم في سبيل الله. يقول ذلك حين رأى ما بالمسلمين من الكرب، ثم تقنع الخ.."([475]).
ويقول الحلبي إنه قال: "نصرة الله وعونه، وتقنع بثوبه واضطجع، ومكث طويلاً، فاشتد على الناس البلاء والخوف حين رأوه "صلى الله عليه وآله" اضطجع، ثم رفع رأسه وقال: أبشروا بفتح الله ونصره"([476]).
ثم إنه قد بقيت لنا مع النص المتقدم وقفات.
ونحن نلخصها في المطالب التالية:
النزعة العنصرية لدى اليهود:
أول ما يستوقفنا هنا: الطريقة التي أحبط بها حيي مقالة الزبير بن باطا حول نبي تحدثت عنه التوراة، يبعث في مكة، ويهاجر إلى المدينة.
فإنه ضرب على الوتر الحساس لدى اليهود، حين طرح لهم مقولة: أن هذا النبي لا بد أن يكون إسرائيلياً، مستنداً إلى مقولة ترتكز على النزعة العنصرية لدى اليهود، حيث قال لهم: لا يكون بنو إسرائيل أتباعاً لولد إسماعيل الخ..
وقد أشرنا إلى هذا الموضوع بصورة أوسع في كتابنا: "سلمان الفارسي في مواجهة التحدي".
وفاء اليهود:
وقد اتضح أيضاً: أن اليهودي حين يلتزم بعهده، فإنه لا ينطلق في ذلك من شهامة، ولا كرامة ولا نبل، ولا لأجل أنه يلتزم بشرف الكلمة.. وإنما لأنه يرى أن نقضه له سوف يلحق به ضرراً من نوع ما؛ فإذا اطمأن إلى عدم وجود ضرر في ذلك فإنه يبادر إليه، دونما وازع أو رادع.
وقد رأينا: أن كعب بن أسد ينقض العهد حين تخيل أنه سيحقق ما يتمناه من استئصال محمد "صلى الله عليه وآله" ومن معه، واقتنع بأن القوة التي حشدتها الأحزاب كافية في تحقيق هذه الأمنية، وأن المستقبل الرغيد والسعيد سيكون بانتظاره، وأصبح على الأبواب.
طريقة حيي للتأثير على كعب بن أسد:
ويلفت نظرنا هنا: الطريقة التي أثار فيها حيي بن أخطب حفيظة كعب بن أسد حتى فتح له، حيث اتهمه بأنه لا يفتح له خوفاً من أن يأكل من طعامه؛ ففتح له حينئذٍ الباب، الذي كان باب الخزي والخسران، والذل الأبدي، والبوار في الدنيا والآخرة.
ولكن كعباً هذا: رغم اعترافه بأنه لم يَر من النبي "صلى الله عليه وآله" إلا الوفاء والصدق، وغير ذلك فإنه ينقض العهد معه، حباً للدنيا، وطمعاً بها فكان له الدمار والهلاك.
وحسبك بهذا دلالة على تفاهة تفكير هؤلاء الناس، وسفاهة عقولهم، وتناقضهم السافر في مواقفهم.
دوافع نقض العهد:
أما ما قدمه من امتياز لكعب بن أسد ولبني قريظة ليثير شهيتهم لنقض العهد، والدخول معهم في حرب محمد فهو استئصال محمد ومن معه.
وقد اشترط كعب لنفسه إن لم يتحقق هذا الهدف أن يواجه حيي بن أخطب معه كل السلبيات التي تنشأ عن عدم استئصال محمد ومن معه، حيث شرط عليه أن يدخل معه حصنه، ويصيبه ما أصابه فقبل حيي بن أخطب ذلك.
وذلك يوضح لنا: صوابية القرار الذي اتخذه الرسول "صلى الله عليه وآله" بتنفيذ حكم سعد بن معاذ في بني قريظة، وهو الحكم الذي أعطاه بنو قريظة أنفسهم موافقتهم المسبقة عليه، بل هم الذين اقترحوا تحكيم سعد بن معاذ فيهم.
وسيأتي بحث هذا الموضوع في غزوة بني قريظة إن شاء الله تعالى.
جهام بلا ماء:
ولم يكن كعب بن أسد يرى في كل تلك الجموع قدرة على تحقيق الهدف الذي تسعى له، أو يشفي الغليل، وما هي إلا رعد وبرق فارغ، وسراب خادع.
ولعل مما ساعد على تكوُّن تلك النظرة لديه هو ما جرى في حرب بدر وأحد، وقينقاع، والنضير، وغيرها. مع رؤيته وجود فرق كبير فيما بين قدرات المسلمين في السابق وفي اللاحق. فقد تنامت قدراتهم، واتسع نفوذهم، وتأكدت هيمنتهم على المنطقة بأسرها. كما أن الخطة التي اتبعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" في مواجهة الأحزاب قد كانت على مرأى ومسمع من بني قريظة، وهم يعرفون: أنها خطة ناجحة إلى حد كبير، ولا يمكن اختراقها، وتحقيق فجوة فيها بسهولة.
الشعور بالذنب والخيانة:
وإذا كان كعب يعترف بوفاء وصدق محمد، وبسائر المواقف النبيلة والإنسانية لنبي الإسلام، فإنه يكون قد اعترف ضمناً بالخيانة وبالغدر، فهل كان حقاً قد شعر بالذنب وبتأنيب الضمير؟!
لو كان قد شعر بذلك حقاً لبدرت منه بادرة تراجع أو ندم ولكن الله لا يوفق كل ظلوم كفار، ولن يكون لغادر فلاح، ولا لخائن نجاح. والمصير الذي انتهى إليه بنو قريظة خير شاهد على ذلك.
عدة مبعوثين لمهمة واحدة:
لقد رأينا فيما سبق: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أرسل أكثر من شخص واحد لكشف خبر بني قريظة. ولعل ذلك يرجع إلى أن الجماعة تكون في مناسبات مشحونة بالتوتر أكثر تدبراً للأمور في المواقع التي تشهد تصعيداً خطيراً، وعلى درجة كبيرة من الحساسية. ويمكن لبعضهم أن يستعين بالبعض الآخر، ويسدده ويعضده، لو كان ثمة ما يقتضي اتخاذ موقف أو القيام بمبادرة من نوع ما.
كما أن ذلك يجعل الخبر الذي يأتي به هؤلاء، ليتخذ على أساسه قرارات في غاية الخطورة، ترتبط بمستقبل ومصير أمة من الناس، يجعله أكثر دقة، ووضوحاً، وأبعد عن اللبس، وعن احتمالات تدخل الأهواء في صياغته وفي أدائه. بالإضافة إلى أنه يقطع العذر لمن يريد أن يغدر ويمكر، ثم يجنب نفسه عواقب هذا الغدر والمكر، حتى تلوح له بوادر فشله، وخيبته. إذ لا بد أن يحيق به مكره السيئ، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
والملفت للنظر هنا بالذات: أنه "صلى الله عليه وآله" لا يختار لهذه المهمة أناساً عاديين، بل يختار لها الرؤساء والكبراء الذين يحترمهم رؤساء بني قريظة. وقد اختار "صلى الله عليه وآله" أن يكونوا جميعاً من الأنصار، وفيهم خصوص سعد بن معاذ، سيد الأوس، وسعد بن عبادة سيد الخزرج، لكي يلمس اليهود وجود التفاهم والانسجام الكامل، والعميق والراسخ فيما بين هاتين القبيلتين، اللتين لهما تاريخ طويل من الصراع. ثم ليستمعوا من هذين الزعيمين، وخصوصاً من سعد بن معاذ، ما يزيل لهم كل شبهة ويدفع أي لبس أو تشكيك في حقيقة موقفهما.
مع ملاحظة: أن بين بني قريظة وبين الأوس حلف وعهد، يلزمهم الوفاء به. ثم إن هذه البادرة منه "صلى الله عليه وآله" ما هي إلا تعبير لهم عن حسن النية، وتدخل في سياق تهيئة الأجواء لهم ليعودوا عن قرارهم الخياني، إذا كانوا يطمعون بوفاء سعد وقبيلته لهم، وهم الذين يفترض بهم أن يعيشوا معهم بعد رحيل الأحزاب، وعليهم أن يفكروا بأن لا يحرقوا السفن وراءهم، فإن ذلك سوف يحرمهم من السلامة في نهاية المطاف.
طريقة الرمز في نقل المعلومات الحساسة:
وقد طلب "صلى الله عليه وآله" من رسله إلى بني قريظة: أن يستعملوا طريقة الرمز في تأدية المعلومات إليه، إذا كانت تلك المعلومات ذات طابع خاص يميزها بالخطورة والحساسية، وكان للجهر بها أثر سلبي على المعنويات.
كما أن ذلك يفرض أن يكون الذين يتم اختيارهم لمهمات من هذا القبيل لديهم المؤهلات الكافية لاختيار أسلوب الرمز المناسب مع قدرتهم على تصنيف المعلومات نفسها وفقاً للخطة التي ترسمها القيادة.
البشائر النبوية بالنصر:
وحين بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" خبر نقض بني قريظة للعهد، الذي من شأنه أن يهد العزائم، ويثير حالة من الهلع في صفوف أهل الإسلام فإنه يعلن بالتكبير، الذي يؤذن بالغلبة والفلاح والنجاح، ثم يبشرهم بالنصر الأكيد الساحق، وبالسيطرة على العالم بأسره.
ولكنه "صلى الله عليه وآله" لم يذكر لهم مضمون البشارة إلا بعد أن اضطجع وتقنع بثوبه، وطال انتظارهم له، واشتد عليهم البلاء والخوف فجاءت البشارة لتبخر ذلك الخوف، وتكشف البلاء، وليفهمهم أن كلامه هذا ليس لمجرد التطمين ورفع المعنويات.
حدة سعد بن عبادة:
وقد أشرنا فيما سبق: إلى أن وصفهم لسعد بن عبادة بالحدة ليس له ما يبرره، ويبدو أن ذلك من تزييفات الحاقدين على سعد، لإقدامه على طلب الخلافة في يوم السقيفة، وهو ذنب يصعب أن يغفره له الآخرون، وإن كان أبو بكر قد استطاع بما لديه من حنكة ودهاء أن يقلب الأمور رأساً على عقب، ويفوز هو بالأمر كما يعلمون.
كما أن سعداً هو والد قيس نصير عليٍّ والحسن، والمجاهد بين أيديهما في سبيل الله.
أسيد بن حضير:
وقد ذُكر أسيد بن حضير فيما سبق كبديل عن بعض الشخصيات التي أرسلها النبي "صلى الله عليه وآله" لكشف خبر بني قريظة ثم أعطوه دوراً هاماً جداً، وهو أنه قد أخبر بني قريظة بتفاصيل ما سوف يجري لهم، وقد تحقق ما قال حرفاً فحرفاً، وكأنه يقرؤه في كتاب.
ونحن لا نصدق كل ذلك عن أسيد، الذي كان يحظى بعناية خاصة من قبل بعض التيارات؛ لأنه كان قريب أبي بكر، وكان له دور هام في توطيد أمر أبي بكر في يوم السقيفة، وكان أحد المهاجمين لبيت فاطمة "عليها السلام" وكان للسلطة اهتمام ظاهر به، وسعي لتسطير الفضائل والكرامات له، ومنحه الأوسمة، بسبب وبلا سبب([477]).
فضيلة مكذوبة للزبير:
عن عبد الله بن الزبير، قال: كنت يوم الأحزاب، أنا وعمر بن أبي سلمة مع النساء في أطم حسان، فنظرت، فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثاً، فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف!
قال: رأيتني يا بني؟!
قلت: نعم.
قال: كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: من يأت قريظة، فيأتيني بخبرهم؟!
فانطلقت، فلما رجعت جمع لي رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبويه، فقال: "فداك أبي وأمي"([478]).
وفي رواية أخرى: أن عمر بن الخطاب لما أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بنقض بني قريظة للعهد، قال "صلى الله عليه وآله": من نبعث يعلم لنا علمهم؟!
فقال عمر: الزبير بن العوام.
فكان أول من بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الناس، الزبير بن العوام، فقال: اذهب إلى بني قريظة، فذهب الزبير فنظر، ثم رجع، فقال: يا رسول الله، رأيتهم يصلحون حصونهم، ويدربون طرقهم، وقد جمعوا ماشيتهم.
فذلك حين قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إن لكل نبي حوارياً وحواريي الزبير ابن عمتي.
ثم تذكر القصة إرسال السعدين إلى بني قريظة([479]).
ونقول:
إن هذه الرواية لا تصح، وذلك للأمور التالية:
أولاً: إنها تخالف سائر الروايات وتناقضها؛ لأنها مجمعة على أن السعدين هما اللذان جاءا بخبر نقض بني قريظة للعهد.
وحاول البعض توجيه ذلك، ورفع التنافي فقال: "لا منافاة بين إرسال الزبير وإرسال هؤلاء، لاحتمال أنهم أرسلوا دفعة، أو بعد إرساله، وخص هؤلاء القوم بالإرسال لأنهم حلفاؤهم، فيحتمل أن يرجعوا إلى العهد بعد نقضه حياء من حلفائهم، فغلبت عليهم الشقوة"([480]).
وقال الحلبي: "ولعل هذا ـ أي إرسال السعدين ومن معهما ـ كان بعد إرسال الزبير إليهم ليأتي بخبرهم، هل نقضوا العهد استثباتاً للأمر"([481]).
ونقول:
إن احتمال إرسال الزبير بعد تلك الجماعة ليس له ما يبرره، إذ إن إخبار هؤلاء الكبار كان يكفي في ثبوت هذا الأمر لديه "صلى الله عليه وآله".
وأما إرسال الزبير قبلهم، فهو أيضاً في غير محله، إذا كان "صلى الله عليه وآله" عازماً من أول الأمر على إرسال تلك الجماعة، إذ إن إرساله لا يفيد شيئاً في حصول اليقين له "صلى الله عليه وآله"، أما مجرد الاحتمال فقد حصل بإخبار عمر له أولاً حسبما تقدم.
ثانياً: أضف إلى ما تقدم: أننا لم نفهم السر في أن الزبير حين أرسله النبي "صلى الله عليه وآله" ليأتيه بخبرهم، قد تردد إليهم مرتين أو ثلاثاً، ألم تكن المرة الأولى كافية لوقوفه على حقيقية أمرهم؟! ولماذا الترديد بين المرتين والثلاث، فهل نسي ولده عبد الله عدد المرات التي رصدها وسأل أباه عنها؟!
ثالثاً: إننا لم نعرف وجه تسمية الأطم ب "أطم حسان"، مع أن النساء كن في أطم بني حارثة، إلا أن يكون قد أراد الإشارة إلى أن جبن حسان قد تجلى في هذا الأطم بالذات، ثم اشتهر به بسبب ذلك، ولكن ذلك ـ على كل حال ـ يحتاج إلى إثبات.
رابعاً: قال ابن عبد البر: "ثبت عن الزبير أنه قال: جمع لي رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبويه مرتين: يوم أحد، ويوم بني قريظة، فقال: "ارم فداك أبي وأمي".
فقال: ولعل ذلك كان في أحد: "إن لكل نبي حوارياً، وإن حواريي الزبير الخ.."([482]).
خامساً: إن ابن الزبير كان يوم الخندق طفلاً صغيراً، لا يعقل مثل هذه الأمور، فلا يصح أن يسأل أباه هذا السؤال، ثم يجيبه أبوه بذلك الجواب الذي لا يدرك مغزاه إلا ذو الحجى، ولا يخاطب به طفلاً صغيراً، عمره على أبعد الأقوال أربع سنوات، أو سنتان ونصف سنة ـ كما هو قول الأكثر ـ فضلاً عن القول الذي يذكر: أنه ولد في أحد، أو في الخندق بالذات، ولتوضيح ذلك نقول:
رغم أنهم يقولون: إن ابن الزبير كان أول مولود في الإسلام من المهاجرين([483])، مع وضوح خطأ الرازي في قوله: إنه أول مولود ولد في الإسلام([484]) ـ رغم ذلك ـ فإنهم قد اختلفوا في تاريخ ولادته، على النحو التالي:
1 ـ فريق يقول: إن أسماء حملت بعبد الله في مكة، وخرجت مهاجرة إلى المدينة، فلما دخلت المدينة نزلت قباء، فولدته بقباء([485]).
2 ـ وبعضهم أطلق القول في ولادته، فقال: ولد عام الهجرة، أو ما يقرب من هذه العبارة، وبعضهم ذكر ذلك بلفظ قيل([486]).
3 ـ ونجد الآخرين يقولون: إنه ولد في شوال السنة الثانية للهجرة النبوية الشريفة([487]).
والقائلون بهذا القول هم الأكثر([488]).
لكن عبارة عدد منهم هكذا: هاجرت به أمه وهي حامل، فولد بعد الهجرة بعشرين شهراً([489]).
قال العسقلاني: "لا يتجه إلا بتقدير أن يكون قد أقام في بطنها نحو سنتين، ولم أر من صرح بذلك"([490]).
ولعل هذا هو السبب في أنه قد استظهر أن يكون القول بولادته في أول سنيّ الهجرة أقرب إلى الصحة، وإن كان الأكثر على خلافه([491]).
4 ـ ويؤيد القول بأنه قد ولد بعد الهجرة بعشرين شهراً، وأنه قد ولد في السنة الثانية قولهم: إنه قتل في السنة الثلاث وسبعين، وله اثنتان وسبعون سنة([492]).
5 ـ إنهم يقولون: إن النعمان بن بشير ولد قبل ابن الزبير بستة أشهر، على رأس أربعة عشر شهراً من الهجرة([493]).
وقال الذهبي: ولد سنة اثنتين([494]).
وقالوا أيضاً: إن النعمان هذا قد ولد قبل وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" بثمان سنين وسبعة أشهر.
وقيل: ست سنين. والأول أصح.
وقال ابن الزبير: النعمان أكبر مني بستة أشهر. وهو أول مولود للأنصار بعد الهجرة([495]). وذلك يعني أن ابن الزبير قد ولد في السنة الثالثة.
6 ـ إنهم يقولون: إن ابن الزبير يكبر مروان بن الحكم بأربعة أشهر([496]). ومروان ولد في الثالثة يوم أحد كما عن مالك، أو في الرابعة، أو يوم الخندق ـ كما عن ابن عبد البر ـ أو في الثانية. فراجع ترجمة مروان في كتب السير والتراجم([497])..
7 ـ ويقولون أيضاً: كان لابن الزبير حين موت النبي "صلى الله عليه وآله" ثمانية سنين وأربعة أشهر([498]).
ولعل قول ابن إسحاق: كان له تسع سنين([499])، لا ينافي ذلك؛ إذا كان قد قال ذلك على سبيل التقريب، لا التحديد..
8 ـ قال العسقلاني عن عمر بن أبي سلمة: "ولد بالحبشة في السنة الثانية. وقيل: قبل ذلك. وقبل الهجرة إلى المدينة.
ويدل عليه قول عبد الله بن الزبير: كان أكبر مني بسنتين الخ.."([500]).
وجزم ابن عبد البر بأنه ولد في الثانية، وعند الذهبي: ولد في أواخرها([501]).
9 ـ وأخيراً: فقد روى البخاري عن عروة: أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرساً وهو ابن عشر، ووكل به رجلاً([502]).
وقد كانت وقعة اليرموك سنة 13ه أو 15ه. وعليه الجمهور([503]). ويدل عليه كتاب الصلح الذي كتبه خالد للنصارى حينما أراد النهوض إلى اليرموك، وقد أرخه بسنة خمس عشرة([504]). فتكون ولادة ابن الزبير في السنة الثالثة أو الخامسة، وهو ما أيدته بعض الشواهد المتقدمة، خصوصاً قولهم في ولادة مروان. وقد اعتذر العسقلاني وغيره عن قصة اليرموك هذه: بأنها قد جاءت على سبيل إلغاء الكسر([505]).
ولكنه اعتذار واه، لأن إلغاء خمس أو ثلاث سنوات، من أصل خمس عشرة سنة، بعيد ومستهجن، خصوصاً إذا كان في مقام التحديد، من أجل إظهار فضيلة وخصوصية خاصة للزبير، ولو سلمنا، فإنما يقبل هذا الاعتذار بعد ثبوت كون سن عبد الله هو عشر سنين، وهو لم يثبت.
بل الظاهر: خلافه كما قلنا.
من الذي شاتم بني قريظة؟!
وقد ذكرت إحدى الروايات السابقة: أن ابن إسحاق وبعضاً آخر يقولون: إن سعد بن عبادة هو الذي شاتم بني قريظة، وكان رجلاً فيه حدة، ونقول:
1 ـ قد روي عن ابن إسحاق ما يخالف ذلك، وأن الذي شاتمهم هو ابن معاذ.
2 ـ إن قول أسيد بن حضير لكعب بن أسد: أتسب سيدك يا عدو الله، يشير إلى: أن الذي شاتمهم هو ابن معاذ، لأنه هو الذي كان بينه وبينهم حلف، ويحسن وصفه بأنه سيدهم. أما ابن عبادة فحاله معهم حال سائر الناس.
إلا أن يقال: إن مراده بالسيد هو رسول الله " صلى الله عليه وآله" نفسه.
أو أن يقال: إنه إنما قال ذلك لإظهار عظمة ابن عبادة وامتيازه عليهم، بالإسلام، وبأنه رئيس قومه. والذي نستقربه هو: أن المشاتمة قد حصلت لكلا الرجلين، فابن معاذ شُتم من قبل كعب بن أسد، وابن عبادة شُتم من قبل شاس (نباش) بن قيس حسبما تقدم، ثم قال أحدهما للآخر: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة.
عمر عرف بأمر بني قريظة:
ويذكر النص التاريخي: أنه لما نقض بنو قريظة العهد "بلغ عمر بن الخطاب نقض بني قريظة العهد، فأعلم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بخبرهم"([506]).
ونقول:
إن لم تكن هذه القضية كاذبة، فإننا لا ندري ما السبب في أن ذلك بلغ خصوص عمر بن الخطاب دون النبي "صلى الله عليه وآله"، ودون كل المسلمين الآخرين؟ فهل كان لعمر جواسيس لدى بني قريظة يخبرونه بكل مواقفهم وتحركاتهم؟ أم أنه علم ذلك من جهة المشركين؟
إننا نعترف بالعجز عن إدراك الحقيقة، وليس في النصوص التي بين أيدينا ما يكشف لنا عن هذا الأمر..
ولا نريد أن نذكر القارئ بما ذكرناه في غزوة أحد، وبما سيأتي في هذه الغزوة من أن رموز الشرك، كخالد بن الوليد، وضرار بن الخطاب كانوا يتحاشون إيصال الأذى إلى عمر بن الخطاب، ولا ندري سر وسبب ذلك، لا سيما وأنهم يصرحون له بأنهم يتخذون ذلك يداً لهم عنده.
هذا بالإضافة: إلى قضايا أخرى لا مجال للتذكير بها الآن، رغم أن أهل الشرك إلى أن انقضت غزوة الخندق، كانوا يعتقدون أن بالإمكان اقتلاع الإسلام واستئصاله من جذوره، وكانوا يهتمون بقتل كل من تصل إليه أيديهم، ولا سيما من بني هاشم، كحمزة وعبيدة بن الحارث، وعليٍّ "عليه السلام" وغيرهم. فلماذا يريدون قتل هؤلاء، ولا يريدون قتل غيرهم من رجالات الإسلام؟
أحلاف عبادة بن الصامت:
ويذكر البعض: "أنه لما خرج النبي "صلى الله عليه وآله" يوم الأحزاب قال عبادة بن الصامت: يا رسول الله، إن معي خمس مئة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي، فأستظهر بهم على العدو..
فأنزل الله تعالى: ?لا يَتَّخِذِ المُؤْمِنُونَ الكَافِرِينَ أَوْليَاء مِن دُوْنِ المُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَل ذَلكَ فَليْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلى اللهِ المَصِيرُ?([507])"([508]).
ونقول:
إن هذا الكلام لا يصح.
أولاً: لأن ظاهر الآية يأبى الانطباق على واقعة من هذا القبيل فإنها تزجر عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، ولم يكن عبادة يريد أن يتخذهم أولياء من دون المؤمنين، بل هو يريد أن يشركهم في الدفاع عن أهل الإيمان، حباً منه بسلامة المؤمنين. فهذا التحذير القوي، واستثناء حالة مصانعتهم تقية، والتنصيص على أنه يواليهم من دون أهل الإيمان يبعد القضية عن أن تكون في شأن عبادة.
ثانياً: من أين يأتي عبادة بخمس مئة يهودي ليقاتلوا معه؟ فقد أُجلىَ بنو قينقاع وبنو النضير عن ديارهم، ولم يكونوا ليدافعوا عن الإسلام، بل كانوا هم المحرضين للأحزاب على حرب النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين. وبنو قريظة قد نقضوا العهد، وأصبحوا مع الأحزاب.
عريش جديد لأبي بكر:
ويستفاد من كلام الواقدي: أنه قد كان ثمة ما يشبه العريش ـ عريش بدر ـ لأبي بكر فيذكر: أن أبا بكر كان مع النبي "صلى الله عليه وآله" "في قبة من أدم مضروبة في أصل الجبل، عند المسجد الذي في أسفل، معه أبو بكر، والمسلمون على خندقهم يتناوبون"([509]).
فجاء عمر إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وأخبره بنقض بني قريظة للعهد.
لكن قد تقدم: أن ذلك لا يصح، أو على الأقل يُشك كثيراً في صحته. وقد تحدثنا في غزوة بدر عن عدم صحة قصة العريش المزعوم لأبي بكر والنبي "صلى الله عليه وآله" فراجع ما ذكرناه هناك..
ولسنا ندري لماذا ترك أبو بكر الناس يتناوبون على خندقهم؟
أليس هو خندقه أيضاً؟
ولماذا استثناه رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليكون معه دون كل من عداه؟!
وكيف لم يعترض على ذلك أي من الناس الذين كانوا يقومون بواجباتهم في الحفظ والحراسة وكان النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه يفعل ذلك أيضاً؟!
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الثاني: حدث وتشريع ................................... 5 ـ 34
الفصل الثالث: عظات وكرامات أو سياسات إلهية ............. 35 ـ 74
الفصل الرابع: بـدر المـوعـد ................................. 75 ـ 128
القسم السابع: من الخندق إلى الحديبية
الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق
الفصل الأول: الأحزاب إلى المدينة .......................... 133 ـ 186
الفصل الثاني: الخندق في خطة الحرب والدفاع ............... 187 ـ 214
الفصل الثالث: حفر الخندق: أحداث ودلالات ............. 215 ـ 250
الفصل الرابع: كرامات في نطاق السياسة الإلهية............. 251 ـ 280
الفصل الخامس: جيش المسلمين وجيش المشركين في المواجهة281 ـ 308
الفصل السادس: غدر بني قريظة ........................... 309 ـ 338
الفهارس .................................................. 339 ـ 352
2 ـ الفهرس التفصيلي
الفصل الثاني: حدث وتشريع
ماذا في هذا الفصل؟!............................................................ PAGEREF _Toc104688579 \h 7
صلاة الخوف:..................................................................... PAGEREF _Toc104688580 \h 8
الرواية الأقرب إلى القبول:................................................... PAGEREF _Toc104688581 \h 12
كيفية صلاة الخوف:........................................................... PAGEREF _Toc104688582 \h 14
صلاة الخوف في غزوة الخندق:............................................ PAGEREF _Toc104688583 \h 14
صلاة الخوف لماذا؟!:......................................................... PAGEREF _Toc104688584 \h 15
قصر الصلاة:................................................................... PAGEREF _Toc104688585 \h 18
تاريخ قصر الصلاة:........................................................... PAGEREF _Toc104688586 \h 18
القصر في حالتي الأمن والخوف:........................................... PAGEREF _Toc104688587 \h 20
إتمام عثمان للصلاة في منى وعرفات:.................................... PAGEREF _Toc104688588 \h 23
الصامدون والمتزلفون:........................................................ PAGEREF _Toc104688589 \h 24
معاوية والأمويون، وسنة عثمان:........................................... PAGEREF _Toc104688590 \h 25
أعذار لا تصح:.................................................................. PAGEREF _Toc104688591 \h 26
التقصير رخصة أم عزيمة:................................................... PAGEREF _Toc104688592 \h 32
نزول آية التيمم:................................................................. PAGEREF _Toc104688593 \h 33
الفصل الثالث: عظات وكرامات أو سياسات إلهية
ماذا في هذا الفصل؟!.......................................................... PAGEREF _Toc104688596 \h 37
جمل جابر:....................................................................... PAGEREF _Toc104688597 \h 39
اختلافات الرواية في مقدار ثمن الجمل:................................... PAGEREF _Toc104688598 \h 43
الزيادة المباركة:................................................................ PAGEREF _Toc104688599 \h 45
تاريخ قصة جمل جابر:....................................................... PAGEREF _Toc104688600 \h 45
القيمة الحقيقية لهذا الحدث:................................................... PAGEREF _Toc104688601 \h 46
كرامة وتكريم:................................................................... PAGEREF _Toc104688602 \h 49
مع الحدث في دلالاته وخصوصياته:....................................... PAGEREF _Toc104688603 \h 51
رحمة الله بعباده:................................................................ PAGEREF _Toc104688604 \h 53
النبي ' يعالج ابن الأعرابية:................................................. PAGEREF _Toc104688605 \h 54
كرامة أخرى لرسول الله ':.................................................. PAGEREF _Toc104688606 \h 56
جمل يستعدي على صاحبه:.................................................. PAGEREF _Toc104688607 \h 57
معرفة النبي ' بلغات البشر، والحيوان والجماد، والشجر:............. PAGEREF _Toc104688608 \h 58
سؤالان يحتاجان إلى جواب:................................................. PAGEREF _Toc104688609 \h 60
الإجابة والتوضيح:............................................................. PAGEREF _Toc104688610 \h 61
تسخير المخلوقات للإنسان في الآيات القرآنية:........................... PAGEREF _Toc104688611 \h 64
الشعور والإدراك لدى المخلوقات:.......................................... PAGEREF _Toc104688612 \h 65
نماذج حية من تسخير الموجودات العاقلة:................................. PAGEREF _Toc104688613 \h 67
قصة سليمان وداود نموذج فذ:............................................... PAGEREF _Toc104688614 \h 68
آيات من سورة النمل:.......................................................... PAGEREF _Toc104688615 \h 69
مع آيات سورة النمل:.......................................................... PAGEREF _Toc104688616 \h 70
إعادة توضيح وبيان:........................................................... PAGEREF _Toc104688617 \h 71
النقاط على الحروف:.......................................................... PAGEREF _Toc104688618 \h 72
الفصل الرابع: بـدر المـوعـد
بداية الحديث عن بدر الموعد:................................................ PAGEREF _Toc104688621 \h 77
تاريخ غزوة بدر الموعد:...................................................... PAGEREF _Toc104688622 \h 78
النص التاريخي لبدر الصغرى:.............................................. PAGEREF _Toc104688623 \h 80
آيات سورة آل عمران:........................................................ PAGEREF _Toc104688624 \h 86
مواقف لا بد من التأكد من صحتها:......................................... PAGEREF _Toc104688625 \h 88
الأفراح والأتراح:............................................................... PAGEREF _Toc104688626 \h 90
المجتمع المفتوح:................................................................ PAGEREF _Toc104688627 \h 93
استخلاف ابن أبي على المدينة:.............................................. PAGEREF _Toc104688628 \h 95
قوة الإسلام:...................................................................... PAGEREF _Toc104688629 \h 95
لا بد من الندم:................................................................... PAGEREF _Toc104688630 \h 99
الإنتظار ثمانية أيام:.......................................................... PAGEREF _Toc104688631 \h 101
الإتجار في بدر الموعد:..................................................... PAGEREF _Toc104688632 \h 102
غزوة دومة الجندل:.......................................................... PAGEREF _Toc104688633 \h 104
تاريخ هذه الغزوة:............................................................ PAGEREF _Toc104688634 \h 105
هذه الغزوة:.................................................................... PAGEREF _Toc104688635 \h 106
مدة غيبته ' عن المدينة:.................................................... PAGEREF _Toc104688636 \h 109
رجوع النبي ' قبل بلوغ دومة!!........................................ PAGEREF _Toc104688637 \h 109
التوجيه الأقرب:.............................................................. PAGEREF _Toc104688638 \h 110
دومة الجندل حقيقة أم خيال؟!:............................................ PAGEREF _Toc104688639 \h 114
ذكريات أبي موسى الأشعري في دومة الجندل:........................ PAGEREF _Toc104688640 \h 116
موادعة عُيينة بن حصن الغادر:........................................... PAGEREF _Toc104688641 \h 117
حكومة القيم، أم حكومة المشاعر؟!....................................... PAGEREF _Toc104688642 \h 118
القسم السابع: من الخندق إلى الحديبية
آيات حول غزوة الخندق:................................................... PAGEREF _Toc104688651 \h 123
تقديم:............................................................................ PAGEREF _Toc104688652 \h 125
موجز عن غزوة الخندق:......................................... PAGEREF _Toc104688653 \h 126
الباب الأول: التحضيرات لغزوة الخندق
الفصل الأول: الأحزاب إلى المدينة
تمهيد وبيان:................................................................... PAGEREF _Toc104688664 \h 135
تحزيب الأحزاب في روايات المؤرخين:................................ PAGEREF _Toc104688665 \h 138
تجمع القوى:................................................................... PAGEREF _Toc104688666 \h 143
الأحزاب إلى المدينة:......................................................... PAGEREF _Toc104688667 \h 145
مناقشات وإيضاحات:....................................................... PAGEREF _Toc104688668 \h 146
تاريخ غزوة الخندق:......................................................... PAGEREF _Toc104688669 \h 147
غزوة الخندق في زمن الحصاد:........................................... PAGEREF _Toc104688670 \h 156
هل أخطأ التقويم التطبيقي؟!................................................ PAGEREF _Toc104688671 \h 157
مشاركة الحارث بن عوف في الخندق:.................................. PAGEREF _Toc104688672 \h 158
أبو رافع قُتل بعد أُحد:........................................................ PAGEREF _Toc104688673 \h 159
هل كان أبو الأعور في الخندق؟!:........................................ PAGEREF _Toc104688674 \h 160
توثيق أبي الأعور!!:......................................................... PAGEREF _Toc104688675 \h 162
آية سورة النساء متى وفيمن نزلت:....................................... PAGEREF _Toc104688676 \h 165
توضيح وتصحيح:........................................................... PAGEREF _Toc104688677 \h 167
تحريض اليهود:............................................................... PAGEREF _Toc104688678 \h 168
الداء الدوي:.................................................................... PAGEREF _Toc104688679 \h 170
أهداف الحرب:................................................................ PAGEREF _Toc104688680 \h 172
الأحقاد هي المحرك:......................................................... PAGEREF _Toc104688681 \h 173
يريدون ليطفئوا نور الله سبحانه:.......................................... PAGEREF _Toc104688682 \h 174
الإيمان والمواثيق لا تجدي:................................................. PAGEREF _Toc104688683 \h 176
تمر خيبر:...................................................................... PAGEREF _Toc104688684 \h 179
تأثير المال في تحزيب الأحزاب:.......................................... PAGEREF _Toc104688685 \h 180
الإرهاب الفكري والخداع للسذج:......................................... PAGEREF _Toc104688686 \h 181
الحارث بن عوف ينصح قومه:........................................... PAGEREF _Toc104688687 \h 182
عقدة بدر الموعد:............................................................. PAGEREF _Toc104688688 \h 183
عيينة بن حصن والمعاني الإنسانية:...................................... PAGEREF _Toc104688689 \h 183
شك المشركين:................................................................ PAGEREF _Toc104688690 \h 185
الفصل الثاني: الخندق في خطة الحرب والدفاع
المفاجأة:........................................................................ PAGEREF _Toc104688693 \h 189
المشورة، والتخطيط:......................................................... PAGEREF _Toc104688694 \h 192
من أخبر النبي ' بمسير الأحزاب؟!...................................... PAGEREF _Toc104688695 \h 194
من المشير بحفر الخندق؟!.................................................. PAGEREF _Toc104688696 \h 195
وعي سلمان:................................................................... PAGEREF _Toc104688697 \h 197
لو كان الخندق بإشارة سلمان:.............................................. PAGEREF _Toc104688698 \h 198
طريقة استشارته ' أصحابه:.............................................. PAGEREF _Toc104688699 \h 200
الخندق في إيجابياته الظاهرة:.............................................. PAGEREF _Toc104688700 \h 201
بين الأصالة والتجديد:....................................................... PAGEREF _Toc104688701 \h 203
أين كان الخندق وما هي مواصفاته؟!.................................... PAGEREF _Toc104688702 \h 204
1 ـ موضع الخندق:................................................ PAGEREF _Toc104688703 \h 205
2 ـ جعل الأبواب للخندق:......................................... PAGEREF _Toc104688704 \h 206
3 ـ خصوصيات ومواصفات أخرى:.......................... PAGEREF _Toc104688705 \h 207
الموقع الجغرافي للخندق:................................................... PAGEREF _Toc104688706 \h 208
تشبيك المدينة بالبنيان:....................................................... PAGEREF _Toc104688707 \h 210
مدة حفر الخندق:.............................................................. PAGEREF _Toc104688708 \h 211
زمام المبادرة بيد من؟!...................................................... PAGEREF _Toc104688709 \h 213
الفصل الثالث: حفر الخندق: أحداث ودلالات
شدائد ومتاعب:............................................................... PAGEREF _Toc104688712 \h 217
حفر الخندق في روايات المؤرخين:...................................... PAGEREF _Toc104688713 \h 218
المساحي والمكاتل:........................................................... PAGEREF _Toc104688714 \h 219
تقسيم العمل في الخندق:..................................................... PAGEREF _Toc104688715 \h 219
النبي ' يشارك في حفر الخندق:.......................................... PAGEREF _Toc104688716 \h 221
علي × وشيعته أعظم الناس عناء:........................................ PAGEREF _Toc104688717 \h 224
وثمة تفاصيل أخرى:........................................................ PAGEREF _Toc104688718 \h 224
عمل المنافقين في الخندق:.................................................. PAGEREF _Toc104688719 \h 227
1 ـ توزيع المهام على العاملين:.................................. PAGEREF _Toc104688720 \h 228
2 ـ النبي ' والشعر:............................................... PAGEREF _Toc104688721 \h 230
3 ـ دور عضل والقارة:........................................... PAGEREF _Toc104688722 \h 232
4 ـ الأمثولة المواساة:.............................................. PAGEREF _Toc104688723 \h 233
5 ـ المتحذلقون الأغبياء:.......................................... PAGEREF _Toc104688724 \h 233
6 ـ لا عيش إلا عيش الآخرة:.................................... PAGEREF _Toc104688725 \h 234
7 ـ الحماسة والمثابرة:............................................ PAGEREF _Toc104688726 \h 234
8 ـ الأسوة الحسنة:................................................. PAGEREF _Toc104688727 \h 234
منع حسان وكعب بن مالك من الشعر:................................... PAGEREF _Toc104688728 \h 237
الكلمة المسؤولة القرار الحاسم:............................................ PAGEREF _Toc104688729 \h 238
زيد بن ثابت:.................................................................. PAGEREF _Toc104688730 \h 240
سلمان منا أهل البيت:........................................................ PAGEREF _Toc104688731 \h 241
الصحيح في القضية:......................................................... PAGEREF _Toc104688732 \h 245
تقتلك الفئة الباغية:........................................................... PAGEREF _Toc104688733 \h 246
الفصل الرابع: كرامات في نطاق السياسة الإلهية
مما سبق:....................................................................... PAGEREF _Toc104688736 \h 253
الكرامات والمعجزات في الخندق:........................................ PAGEREF _Toc104688737 \h 253
نبوءة صادقة للنبي ':....................................................... PAGEREF _Toc104688738 \h 255
كرامة أخرى لرسول الله ':................................................ PAGEREF _Toc104688739 \h 256
قصور الروم وفارس:....................................................... PAGEREF _Toc104688740 \h 257
نص آخر يخالف ما سبق:................................................... PAGEREF _Toc104688741 \h 261
القيادة الحازمة، والإنضباط أساس النجاح:.............................. PAGEREF _Toc104688742 \h 263
مدائن كسرى وقصور الروم وصنعاء:.................................. PAGEREF _Toc104688743 \h 265
الأمل بالنصر:................................................................. PAGEREF _Toc104688744 \h 266
كرم وكرامة:.................................................................. PAGEREF _Toc104688745 \h 267
قضية أخرى فيها كرامة لرسول الله ':................................. PAGEREF _Toc104688746 \h 270
كرامة أخرى للنبي ':....................................................... PAGEREF _Toc104688747 \h 271
يطعم الجيش كله حفنة من تمر:............................................ PAGEREF _Toc104688748 \h 271
كرامة أخرى لرسول الله ':................................................ PAGEREF _Toc104688749 \h 272
بين نظرتين:................................................................... PAGEREF _Toc104688750 \h 272
التزوير الرخيص:............................................................ PAGEREF _Toc104688751 \h 274
الجهد، والضعف والجوع:.................................................. PAGEREF _Toc104688752 \h 275
الأولى: النبي ' وصوم الوصال:............................... PAGEREF _Toc104688753 \h 276
الثانية: العزم والثبات:............................................. PAGEREF _Toc104688754 \h 277
الثالثة: الخصاصة والجوع:...................................... PAGEREF _Toc104688755 \h 278
الفصل الخامس: جيش المسلمين وجيش المشركين في المواجهة
الإعداد والإستعداد:........................................................... PAGEREF _Toc104688758 \h 283
مقر القيادة:..................................................................... PAGEREF _Toc104688759 \h 285
عرض النبي ' الخارجين إلى الحرب:.................................. PAGEREF _Toc104688760 \h 286
النساء والأطفال في الآطام:................................................ PAGEREF _Toc104688761 \h 287
الحرس على أبواب الخندق:................................................ PAGEREF _Toc104688762 \h 287
تركيبة الحرس مثار تساؤل:................................................ PAGEREF _Toc104688763 \h 288
الذراري والنساء في الآطام:................................................ PAGEREF _Toc104688764 \h 289
عقد الألوية للحرب:.......................................................... PAGEREF _Toc104688765 \h 291
شعار الحرب:................................................................. PAGEREF _Toc104688766 \h 293
عدة وعدد المسلمين:......................................................... PAGEREF _Toc104688767 \h 296
عدد المشركين:................................................................ PAGEREF _Toc104688768 \h 300
عدة جيش الشرك:............................................................ PAGEREF _Toc104688769 \h 302
معنويات جيش الشرك:...................................................... PAGEREF _Toc104688770 \h 304
جيش أهل الإيمان:............................................................ PAGEREF _Toc104688771 \h 305
الغطرسة القرشية:............................................................ PAGEREF _Toc104688772 \h 306
رسالة تهديد من أبي سفيان:................................................ PAGEREF _Toc104688773 \h 307
الفصل السادس: غدر بني قريظة
بنو قريظة ينقضون العهد:.................................................. PAGEREF _Toc104688776 \h 311
لا بد من التثبت:............................................................... PAGEREF _Toc104688777 \h 315
النزعة العنصرية لدى اليهود:.............................................. PAGEREF _Toc104688778 \h 319
وفاء اليهود:.................................................................... PAGEREF _Toc104688779 \h 320
طريقة حيي للتأثير على كعب بن أسد:................................... PAGEREF _Toc104688780 \h 320
دوافع نقض العهد:............................................................ PAGEREF _Toc104688781 \h 321
جهام بلا ماء:.................................................................. PAGEREF _Toc104688782 \h 321
الشعور بالذنب والخيانة:.................................................... PAGEREF _Toc104688783 \h 322
عدة مبعوثين لمهمة واحدة:................................................. PAGEREF _Toc104688784 \h 322
طريقة الرمز في نقل المعلومات الحساسة:.............................. PAGEREF _Toc104688785 \h 323
البشائر النبوية بالنصر:...................................................... PAGEREF _Toc104688786 \h 324
حدة سعد بن عبادة:........................................................... PAGEREF _Toc104688787 \h 324
أسيد بن حضير:.............................................................. PAGEREF _Toc104688788 \h 325
فضيلة مكذوبة للزبير:....................................................... PAGEREF _Toc104688789 \h 325
من الذي شاتم بني قريظة؟!................................................ PAGEREF _Toc104688790 \h 334
عمر عرف بأمر بني قريظة:.............................................. PAGEREF _Toc104688791 \h 335
أحلاف عبادة بن الصامت:................................................. PAGEREF _Toc104688792 \h 336
عريش جديد لأبي بكر:...................................................... PAGEREF _Toc104688793 \h 337
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. 341
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. 343
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 و 29 والسيرة الحلبية ج2 ص271 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 والمغازي للواقدي ج1 ص396 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص160 والبداية والنهاية ج4 ص83 وراجع: صحيح البخاري ج3 ص24 و 25 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص174 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص227 وأنساب الأشراف ج1 ص340 وراجع: طبقات ابن سعد ج2 ص61 وتفسير البرهان ج1 ص411 عن من لا يحضره الفقيه والثقات ج1 ص258 وزاد المعاد ج1 ص110 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214 وراجع: نصب الراية ج2 ص246 و 247 وراجع صحيح مسلم (باب صلاة الخوف) ج2 ص214 ونهاية الأرب ج17 ص158 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والدر المنثور ج2 ص212 و 213 عن أبي داود، وابن حبان، والحاكم وصححه والبيهقي، وعن مالك، والشافعي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارقطني.
([2]) حبيب السير ج1 ص357 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص61 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والجامع ص279 وراجع المصادر المتقدمة أيضاً، فبعضها قد ذكر ذلك ونصب الراية ج2 ص248 و 249 عن الواقدي وغيره.
([3]) راجع هذا القول في: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة الحلبية ج2 ص271 والتنبيه والإشراف ص214 وحبيب السير ج1 ص357 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص215 ونهاية الأرب ج17 ص159 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص370 وصحيح البخاري ج3 ص23 وفتح الباري ج7 ص325 وبهجة المحافل ج1 ص232.
([4]) الدر المنثور ج2 ص211 و 213 عن المصادر التالية: عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، وأبي داود، وعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والطبراني، والحاكم، وصححه، والبيهقي، والترمذي، وابن جرير. وعن البزار عن ابن عباس، وعن أبي عياش الـزرقي، وأبي هريرة، ومجاهد وفتح البـاري ج7 ص327 والسيرة الحلبية ج2 ص271 = = ونصب الراية ج2 ص248 ومسند أحمد ج4 ص59 وفي هامش نصب الراية عن سنن أبي داود ج2 ص11 و 12 وسنن البيهقي ج3 ص257 وراجع: سنن النسائي ج3 ص174 والجامع الصحيح ج5 ص243 والمصنف للصنعاني ج2 ص504 و 505 وجامع البيان ج5 ص156 وسنن الدارقطني ج2 ص59 ومستدرك الحاكم ج1 ص337 وكشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص326.
([5]) الدر المنثور ج2 ص211 عن عبد بن حميد، وابن جرير، وجامع البيان وبغية الألمعي (مطبوع مع نصب الراية) ج2 ص248 وسنن النسائي ج3 ص176.
([6]) معجم البلدان (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص320.
([7]) بغية الألمعي (مطبوع بهامش نصب الراية) ج2 ص248 عن وفاء الوفاء ج1 ص381.
([8]) وفاء الوفاء ج1 ص280.
([9]) الدر المنثور ج2 ص214 عن ابن أبي شيبة، وابن جرير، وراجع جامع البيان ج5 ص156.
([10])مسند أحمد ج3 ص348 والدر المنثور ج2 ص214 عنه.
([11]) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411.
([12]) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411 ومن لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج1 ص460.
([13]) سيرة مغلطاي ص53 و 54 وراجع: الروض الأنف ج3 ص253 وشرح بهجة المحافل ج1 ص234 وراجع: التنبيه والإشراف ص214 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص227.
([14]) بهجة المحافل ج1 ص233.
([15]) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411.
([16]) راجع: زاد المعاد ج2 ص111 والسيرة الحلبية ج2 ص270 وراجع: فتح الباري ج7 ص327.
([17]) البرهان ج1 ص411 و 412.
([18]) الآية 256 من سورة البقرة.
([19]) تاريخ الخميس ج1 ص464 واكتفى في السيرة الحلبية ج2 ص278 بالقول: بأن قصر الصلاة كان في الرابعة.
([20]) الآية 101 من سورة النساء.
([21]) الآية 198 من سورة البقرة.
([22]) الآية 102 من سورة النساء.
([23]) الدر المنثور ج2 ص210 عن عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وجامع البيان ج5 ص156 والمصنف ج2 ص504.
([24]) راجع: الدر المنثور ج2 ص210 عن عبد الرزاق عن طاووس، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي والمصنف ج2 ص517 وغيرها وجامع البيان ج5 ص154.
([25]) الدر المنثور ج2 ص209 وجامع البيان ج5 ص155 عن علي "عليه السلام"، وبهجة المحافل ج1 ص228.
([26]) سنن النسائي ج3 ص117 وسنن البيهقي ج3 ص136 وسنن ابن ماجة ج1 ص339 ومجمع البيان ج5 ص136 والدر المنثور ج2 ص209 و 210 عنهم وعن عبد بن حميد، وابن حبان، وابن أبي حاتم. والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج6 ص444 والمستدرك على الصحيحين ج1 ص258 والموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج1 ص162 والمصنف للصنعاني ج2 ص518 ومسند أحمد بن حنبل ج2 ص65 و 66.
([27]) راجع: الدر المنثور ج2 ص110 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، ونصب الراية ج2 ص118 و 189 ونيل الأوطار ج3 ص249 وراجع: الجامع الصحيح ج2 ص430 وعن عائشة في المصنف للصنعاني ج2 ص515 وراجع أيضا: الأم ج1 ص159.
([28]) راجع: الأم ج1 ص159 وصحيح مسلم ج2 ص142 و 143 والمصنف للصنعاني ج2 ص515 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج6 ص446 و447 والدر المنثور ج2 ص210 عن بعض من تقدم وعن البخاري، ومالك، وعبد بن حميد، وأحمد، البيهقي في سننه.
([29]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص227 و 228.
([30]) الدر المنثور ج2 ص209 عن ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأحمد ومسلم والنسائي وأبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن الجارود، وابن خزيمة، والطحاوي، وابن جرير ج5 ص154 وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج6 ص448 و 450 ونصب الراية ج2 ص190 وصحيح مسلم (باب صلاة المسافر)، ج2 ص143 وسنن أبي داود ج2 ص3 وسنن ابن ماجة ج1 ص176 ومسند أحمد ج1 ص25 و 36 وسنن النسائي ج3 ص116 و117 والجامع الصحيح (كتاب التفسير) ج5 ص242 و 243 وبهجة المحافل ج1 ص227 و 228 وسنن البيهقي ج3 ص134 و 140 و 141 وسنن الدارمي ج1 ص354 ومصابيح السنة ج1 ص460 وشرح معاني الآثار ج1 ص415 والمصنف ج2 ص517 والأم ج1 ص159.
([31]) الآية 27 من سورة الفتح.
([32]) الآية 198 من سورة البقرة.
([33]) الآية 103 من سورة النساء.
([34]) جامع البيان (ط دار الفكر) ج5 ص330 والدر المنثور ج2 ص209 عنه والأم ج1 ص159 ونيل الأوطار ج3 ص247.
([35]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 وأنساب الأشراف ج5 ص39 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص254.
([36]) راجع: صحيح البخاري ج1 ص126 و 189 وصحيح مسلم ج2 ص145 و146 والموطأ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ج1 ص314 والكامل لابن الأثير ج3 ص103 ونصب الراية ج2 ص192 و 187 وسنن النسائي ج3 ص120 و 118 ومسند أحمد ج1 ص378 وج2 ص148 والمصنف للصنعاني ج2 ص516 و 518 وسنن البيهقي ج3 ص136 و 126 و 144 و 153 وسنن أبي داود ج2 ص199 والأم ج7 ص175 وج1 ص159 ونيل الأوطار ج3 ص249 والمحلى ج4 ص270.
وراجع: الجامع الصحيح ج2 ص228 و 230 وج3 ص229 وكنز العمال ج8 ص151 و 152 والبداية والنهاية ج7 ص154 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 وسنن الدارمي ج1 ص354 وج2 ص55 و 56 وأنساب الأشراف ج5 ص39، والكامل في التاريخ ج3 ص103 والغدير ج8 ص99 فما بعدها.
([37]) المحلى ج4 ص270 والموطأ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ج1 ص164.
([38]) الأم ج1 ص159 وج7 ص175 وسنن البيهقي ج3 ص144 والغدير ج8 ص100 عنهم وصحيح البخاري ج1 ص126 والبداية والنهاية ج7 ص154 والمصنف ج2 ص516 والكامل في التاريخ ج3 ص104.
([39]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص302 وأنساب الأشراف ج5 ص39 والكامل في التاريخ ج3 ص103 والبداية والنهاية ج7 ص154 وراجع: العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص140 والغدير ج8 ص98 ـ 102 عنهم.
([40]) المحلى ج4 ص270 وحاشية ابن التركماني على سنن البيهقي مطبوعة بهامش السنن ج3 ص144، والغدير ج8 ص100.
([41]) مسند أحمد ج4 ص94 ومجمع الزوائد ج2 ص156 وعن أحمد والطبراني، وقال: رجال أحمد موثقون.
([42]) الغدير ج8 ص101 وكنز العمال ج8 ص154 عن عبد الرزاق والدارقطني.
([43]) فتح الباري ج2 ص470 عن أحمد والبيهقي ومسند أحمد ج1 ص62 وأنساب الأشراف ج5 ص39 ومجمع الزوائد ج2 ص156 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 والبداية والنهاية ج7 ص154 والكامل في التاريخ ج3 ص103 وزاد المعاد ج1 ص129 وفيه: أنه كان قد تأهل بمنى، وأحكام القرآن ج2 ص254.
([44]) فتح الباري ج2 ص470.
([45]) راجع المصدر السابق.
([46]) ذكر في الغدير ج8 ص104، المصادر التالية: الموطأ ج1 ص321 وفي طبعة أخرى 254 والأم ج5 ص160 ومسند أحمد ج1 ص57 و 64 و 65 و 68 و 73 وصحيح مسلم ج1 ص935 وسنن الدارمي ج2 ص38 وسنن أبي داود ج1 ص290 وسنن ابن ماجة ج1 ص606 وسنن النسائي ج5 ص192 وسنن البيهقي ج5 ص65 و 66.
([47]) الغدير ج8 ص104 و 105.
([48]) أنساب الأشراف ج5 ص39 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 والكامل في التاريخ ج3 ص103 والبداية والنهاية ج7 ص154 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص140 وسنن أبي داود ج2 ص199.
([49]) الأم ج1 ص165 وسنن البيهقي ج3 ص153.
([50]) راجع: أنساب الأشراف ج5 ص39 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 وزاد المعاد ج1 ص129 والبداية والنهاية ج7 ص154 والكامل في التاريخ ج3 = = ص103 وسنن أبي داود ج2 ص200 وسنن البيهقي ج3 ص144 ونيل الأوطار ج2 ص260 وكنز العمال ج8 ص152 عن البيهقي وابن عساكر والغدير ج8 ص100 والمصنف ج2 ص518.
([51]) سنن البيهقي ج3 ص136 و157 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص254.
([52]) سنن البيهقي ج3 ص126 والمحلى ج5 ص18 والموطأ ج1 ص164 وفتح الباري ج2 ص470.
([53]) زاد المعاد ج1 ص129.
([54]) زاد المعاد ج1 ص129.
([55]) راجع: الغدير ج8 ص108 و 109.
([56]) الغدير ج8 ص109 وزاد المعاد ج1 ص129.
([57]) راجع: فتح الباري ج2 ص470 ونيل الأوطار ج3 ص260 وزاد المعاد ج2 ص25 والمصنف ج2 ص516 وسنن أبي داود ج2 ص199.
([58]) راجع المصادر في الهامش الآنف الذكر.
([59]) راجع: الغدير ج8 ص109 وفتح الباري ج2 ص470 وزاد المعاد ج1 ص129.
([60]) فتح الباري ج2 ص479 وزاد المعاد ج1 ص129.
([61]) الرياض النضرة ج3 ص100.
([62]) راجع: الغدير ج8 ص110 ـ 116.
([63]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص322 والغدير ج8 ص101 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص140 والبداية والنهاية ج7 ص154 والكامل في التاريخ ج3 ص103 و 104.
([64]) الآية 101 من سورة النساء.
([65]) بهجة المحافل ج1 ص227.
([66]) راجع كنز العرفان ج1 باب صلاة الخوف، والقصر في السفر، وغير ذلك من كتب الفقه.
([67]) راجع: كتاب الغدير ج8.
([68]) تاريخ الخميس ج1 ص464 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص275 و 278 وشذرات الذهب ج1 ص11.
([69]) السيرة الحلبية ج2 ص278.
([70]) تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة الحلبية ج2 ص273 وطبقات ابن سعد ج2 ص61.
([71]) السيرة الحلبية ج2 ص273 وراجع دلائل النبوة لأبي نعيم ص375 و376 وراجع: الثقات ج1 ص258 و259 وراجع السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص218 وأشار الذهبي إلى قصة الجمل في تاريخ الإسلام. وراجع: نهاية الأرب ج17 ص160 و161 وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص107 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص166 ولا بأس بمراجعة صحيح مسلم ج4 ص176.
([72]) السيرة الحلبية ج2 ص273.
([73]) في الواقدي ذكر هذه المحادثة بعد قصة شرائه الجمل منه.
([74]) في الواقدي: تسع بنات. وفي صحيح مسلم ج4 ص176: وترك تسع بنات أو سبع وفي شرح بهجة المحافل ج1 ص238 تسعاً أوستاً وجمع بين هاتين الروايتين بأن منهن ثلاث متزوجات، لم يعدهن في رواية الست ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص381 ـ 383 وراجع صحيح مسلم ج4 ص177 و 176 وراجع صحيح البخاري ج2 ص7 وراجع: بهجة المحافل ج1 ص238 وشرحه بهامش نفس الجزء والصفحة.
([75]) النمارق: الوسائد الصغيرة.
([76]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص217 و 218 وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص399 ـ 401 ونهاية الأرب ج17 ص161 و 162 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص166 والبداية والنهاية ج4 ص86 و 87.
([77]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص382 وصحيح مسلم ج4 ص177 وصحيح البخاري ج2 ص7 وبهجة المحافل ج1 ص238 و 239.
([78]) بهجة المحافل ج1 ص237.
([79]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص273 والثقات ج1 ص259 والروض الأنف ج3 ص355 وبهجة المحافل ج1 ص239.
([80]) شرح بهجة المحافل ج1 ص239.
([81]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص239.
([82]) راجع: المصدر السابق.
([83]) السيرة الحلبية ج2 ص273 والروض الأنف ج3 ص355 وبهجة المحافل ج1 ص239.
([84]) راجع: المصادر الثلاثة المتقدمة.
([85]) بهجة المحافل ج1 ص239.
([86]) المصدر السابق.
([87]) السيرة الحلبية ج2 ص273 والروض الأنف ج3 ص355.
([88]) الروض الأنف ج3 ص355 عن صحيح مسلم.
([89]) السيرة الحلبية ج2 ص274 وبهجة المحافل ج2 ص237.
([90]) شرح بهجة المحافل ج1 ص239.
([91]) السيرة الحلبية ج2 ص273 والروض الأنف ج3 ص355.
([92]) راجع: الروض الأنف ج3 ص355.
([93]) بهجة المحافل ج1 ص240.
([94]) السيرة الحلبية ج2 ص273 وبهجة المحافل ج1 ص237.
([95]) السيرة الحلبية ج2 ص273 وزاد المعاد ج2 ص111.
([96]) أي من غزوة ذات الرقاع.
([97]) مغازي الواقدي ج1 ص401 و 402.
([98]) السيرة الحلبية ج2 ص274 والمغازي للواقدي ج1 ص398 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص165 والبداية والنهاية ج4 ص86 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص379.
([99]) السيرة الحلبية ج2 ص274.
([100]) السيرة الحلبية ج2 ص292.
([101]) السيرة الحلبية ج2 ص274 والمغازي للواقدي ج1 ص399.
([102]) السيرة الحلبية ج2 ص292.
([103]) السيرة الحلبية ج2 ص273 وراجع: بصائر الدرجات ص348 و 350 و 351 و 352.
([104]) السيرة الحلبية ج2 ص292.
([105]) هذه الكرامات وسواها موجودة في كتب الحديث والسيرة فراجع على سبيل المثال: السيرة الحلبية ج3 ص283 و 284 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية ج3 ص128 فما بعدها).
([106]) راجع: مكاتيب الرسول للأحمدي ج1 ص15 و 16.
([107]) الآية 260 من سورة البقرة.
([108]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([109]) الآية 6 من سورة الإنشقاق.
([110]) الآية 61 من سورة هود.
([111]) الآية 20 من سورة لقمان.
([112]) الآية 13 سورة الجاثية.
([113]) الآيات 32 ـ 34 من سورة إبراهيم.
([114]) الآيات 14 ـ 18 من سورة النحل.
([115]) الآية 143 من سورة الأعراف.
([116]) الآية 72 من سورة الأحزاب.
([117]) الآيتان 18 و19سورة ص.
([118]) الآية 10 من سورة سبأ.
([119]) الآية 13 من سورة الرعد.
([120]) الآية 6 من سورة الرحمن.
([121]) الآية 44 من سورة الإسراء.
([122]) راجع: الآيتان 1 و 24 من سورة الحشر والآية 1 من سورة التغابن والآية 1 من سورة الصف والآية 1 من سورة الجمعة والآية 1 من سورة الحديد.
([123]) الآية 21 من سورة الحشر.
([124]) الآية 18 من سورة الحج.
([125]) الآية 41 من سورة النور.
([126]) الآيات 79 ـ 82 من سورة الأنبياء.
([127]) الآيتان 18 و 19 من سورة ص.
([128]) الآيات 36 ـ 38 من سورة ص.
([129]) الآيات 15 ـ 19 من سورة النمل.
([130]) البحار ج75 ص359 عن كنز الفوائد للكراجكي، وراجع: دستور معالم الحكم ص170 وغرر الحكم ودرر الكلم ج1 ص437 وج2 ص784.
([131]) راجع بصائر الدرجات ص488 و 489 والكافي ج1 ص179 و 198 والغيبة للنعماني ص139 و 138.
([132]) راجع كتاب بصائر الدرجات ففيه تفاصيل واسعة حول علوم الأئمة "عليهم السلام" في جميع المجالات، وراجع أيضاً: البحار للعلامة المجلسي، والكافي ج1 وغير ذلك كثير.
([133]) راجع في جميع ما ذكرناه، كلاً أو بعضاً: مغازي الواقدي ج1 ص384 وتاريخ الخميس ج1 ص465 والسيرة الحلبية ج2 ص275 وسيرة مغلطاي ص53 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص59 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص204 ونهاية الأرب ج17 ص154.
وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص108 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص229 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وأنساب الأشراف ج1 ص339 والتنبيه والإشراف ص214 وزاد المعاد ج2 ص112 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 و 172 والبداية والنهاية ج4 ص87 و 89 و 93 و 94 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص388.
([134]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص275 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص172 والبداية والنهاية ج4 ص89 والدر المنثور ج2 ص101.
([135]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص172 والبداية والنهاية ج4 ص89.
([136]) راجع: نهاية الأرب ج17 ص154.
([137]) هذا القيل ذكره في السيرة الحلبية ج2 ص275 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 ولم يذكر غيره، وكذا في السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص220 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 والبداية والنهاية ج4 ص87.
([138]) المغازي ج1 ص387.
([139]) الآية 173 من سورة آل عمران.
([140]) السيرة الحلبية ج2 ص276.
([141]) الآية 172 من سورة آل عمران.
([142]) راجع في جميع ما تقدم، كله أو بعضه: تاريخ الخميس ج1 ص465 و 466 والسيرة الحلبية ج2 ص275 ـ 277 وحبيب السير ج1 ص356 وزاد المعاد ج2 ص112 والطبقات الكبرى ج2 ص59 و 60 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص67 وسيرة مغلطاي ص53 وحياة محمد لهيكل ص279 و 280 ومغازي الواقدي ج1 ص484 ـ 490 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص220 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص203 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 والوفاء ص690 والكامل في التاريخ ج2 ص175 ونهاية الأرب ج17 ص154 و 155 والمواهب اللدنية ج1 ص108 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص229 و 230 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وأنساب الأشراف ج1 ص340 والثقات ج1 ص244 و 245 والتنبيه والإشراف ص214 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 والبداية والنهاية ج4 ص87 ـ 89 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص384 ـ 388 والدر المنثور ج2 ص101 و 103 و 104 عن عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر.
([143]) راجع: البدء والتاريخ ج4 ص214 وأنساب الأشراف ج1 ص340 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص221 ومغازي الواقدي ج1 ص389 ونهاية الأرب ج17 ص156 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص170.
([144]) الآية 172 ـ 174 من سورة آل عمران.
([145]) المواهب اللدنية ج1 ص108 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص265.
([146]) تجد هذه الروايات كلها في الدر المنثور ج2 ص101 ـ 103 وقد نقلها بدوره بصورة متنوعة عن المصادر التالية: ابن إسحاق، وابن جرير، والبخاري، ومسلم، وأحمد، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والحاكم، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل، وابن ماجة، والنسائي والطبراني، وعبد بن حميد، والخطيب، وابن مردويه.
([147]) تفسير البرهان ج1 ص326 والدر المنثور ج2 ص103 عن ابن مردويه. وقد يكون ثمة مبرر لاحتمال أن يكون ثمة تعمد لدعوى نزول الآيات في بدر الموعد، من أجل إبعاد هذا الأمر عن أن يكون فيه تكريم لعلي "عليه السلام"، وإشادة بمواقفه الرسالية والجهادية. وقد تعودنا من هؤلاء الشيء الكثير الذي يصب في هذا الاتجاه، كما هو معلوم.
([148]) السيرة الحلبية ج2 ص276 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265.
([149]) المغازي للواقدي ج1 ص384.
([150]) المغازي للواقدي ج1 ص385.
([151]) مغازي الواقدي ج1 ص388 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص169 والبداية والنهاية ج4 ص88 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص229 و 230 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص320 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص203 و 204 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص385 و 387.
([152]) سيرة المصطفى ص455.
([153]) سيرة المصطفى ص455.
([154]) راجع: سيرة المصطفى ص454.
([155]) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص203 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص171 والبداية والنهاية ج4 ص89 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص385.
([156]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص469 عن ابن سعد، والسيرة الحلبية ج2 ص277 وسيرة مغلطاي ص54 ونهاية الأرب ج17 ص163 والمواهب اللدنية ج1 ص108 وزاد المعاد ج2 ص112 وطبقات ابن سعد ج2 ص62 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص23 والتنبيه والإشراف ص214 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص266.
([157]) تاريخ الخميس ج1 ص469.
([158]) التنبيه والإشراف ص215 وحبيب السير ج1 ص357.
([159]) البدء والتاريخ ج4 ص214.
([160]) التنبيه والإشراف ص215.
([161]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص277.
([162]) نقله في تاريخ الخميس ج1 ص469.
([163]) تاريخ مختصر الدول ص95.
([164]) راجع ما يلي: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 و 178 والبداية والنهاية ج4 ص92 ونقل عن الواقدي: أنها في ربيع الآخر. وتاريخ الخميس ج1 ص469 والسيرة الحلبية ج2 ص277 والجامع للقيرواني ص281 وسيرة مغلطاي ص54 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 وشذرات الذهب ج1 ص11 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232 وأنساب الأشراف ج1 ص341 وحبيب السير ج1 ص357 وزاد المعاد ج2 ص112 والمغازي للواقدي ج1 ص402 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص266.
([165]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص62 ونهاية الإب ج17 ص163 والمواهب اللدنية ج1 ص108.
([166]) مغازي الواقدي ج1 ص403 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 والبداية والنهاية ج4 ص92 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص390.
([167]) التنبيه والإشراف ص215.
([168]) راجع ما تقدم كله أو بعضه في المصادر التالية: تاريخ الخميس ج1 ص469 وطبقات ابن سعد ج2 ص62 والسيرة الحلبية ج2 ص277 وأنساب الأشراف ج1 ص341 وسيرة مغلطاي ص54 وحياة محمد لهيكل ص281 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 والوفاء ص691 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232 والثقات ج1 ص260 والتنبيه والإشراف ص215 وحبيب السير ج1 ص357 وزاد المعاد ج2 ص112 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص212 والمغازي للواقدي ج1 ص403 ونهاية الأرب ج17 ص163 والمواهب اللدنية ج1 ص108 والبداية والنهاية ج4 ص92 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص266 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص390 و 391.
([169]) البدء والتاريخ ج4 ص214 وأشار إليه الذهبي في تاريخ الإسلام (المغازي) ص212 (السابلة: عابرو السبيل).
([170]) تقدمت مصادر ذلك في أول هذا الفصل تحت عنوان: إيضاحات.
([171]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص224 وتاريخ الخميس ج1 ص469 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص177 عن ابن إسحاق والبداية والنهاية ج4 ص92 ودلائل النبوة ج3 ص390.
([172]) راجع: الغدير ج7 ص169 عن سيرة ابن هشام ج4 ص53 ـ 57 وعن تاريخ أبي الفداء ج1 ص145 وعن أسد الغابة ج3 ص102 وعن الإصابة ج1 ص318 وج2 ص81 وعن البخاري كتاب المغازي.
([173]) سيرة المصطفى ص457.
([174]) تاريخ الخميس ج1 ص469 وصفين ص535 و 538 و 540 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج2 ص248 وراجع: مروج الذهب ج2 ص352 ومصادر ذلك كثيرة جداً فلتراجع كتب التاريخ، حين الحديث حول قضية صفين، ثم التحكيم.
([175]) تاريخ الخميس ج1 ص469 وذكر هذه القصة أيضاً وإن لم يصرح بأن التحكيم كان وسيكون في دومة الجندل كل من: المسعودي في مروج الذهب ج2 ص392 وشرح نهج البلاغة للمعنزلي ج13 ص315 وراجع ص316 وراجع: قاموس الرجال ج6 ص108 و 109.
([176]) السيرة الحلبية ج2 ص277 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص63 وراجع: نهاية الأرب ج17 ص163 وسيرة مغلطاي ص54 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص232.
([177]) اللقاح: النياق الحلوب الغزيرة اللبن.
([178]) الآية 214 من سورة البقرة.
([179]) الآيات 9 ـ 27 من سورة الأحزاب.
([180]) راجع: جامع البيان ج5 ص86 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص513 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص408 فقد ذكر أبا عمار وحوج بن عمرو.
([181]) ويقال: إن ذلك أيضاً قد كان في مرة سابقة، وذلك حين جاء كعب بن الأشرف ومن معه، يطلبون منهم المسير إلى حرب محمد "صلى الله عليه وآله" والمسلمين. وربما يكون ذلك قد حصل مرة واحدة، لكن الأمر قد اشتبه على الرواة. والله هو العالم بحقيقة الحال.
([182]) الآية 51 من سورة النساء.
([183]) البُدْن: النياق والأبقار التي كانت تُسمَّن لتُنحَر لدى البيت الحرام.
([184]) المغازي للواقدي ج1 ص441 ـ 443، وذكرت هذه النصوص باختصار أو بتفصيل في المصادر التالية: سبل الهدى والرشاد ج4 ص512 و 513 وعيون الأثر ج2 ص55 وحبيب السير ج1 ص359 والكامل في التاريخ ج2 ص178 والثقات ج1 ص264 و 265 والدر المنثور ج2 ص172 عن ابن إسحاق، وابن جرير وجامع البيان ج5 ص86 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص158 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص225 و 226 وإعلام الورى ص90 وتفسير القرآن الكريم ج2 ص513، والوفاء ص692 وأنساب الأشراف ج1 ص343.
وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399 و 398 ففيه نصوص تختلف عن الذي ذكرناه وراجع ص408 و 409 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص233 وتاريخ الإسـلام للذهبي (المغازي) ص233 فما بعدهـا والبداية والنهاية ج4 ص94 و95 وجوامع السيرة النبوية ص148 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص181 و 182 والبـدء والتـاريـخ ج4 ص216 و 217 وتجـارب الأمـم ج1 ص149 = = ونهاية الأرب ج17 ص166 و167 وزاد المعاد ج2 ص117 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص29 والسيرة الحلبية ج2 ص309 و 310 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وتهذيب سيرة ابن هشام ص188 و 189 وتفسير القمي ج2 ص176 ـ 188 والبحار ج20 ص216 ـ 233 و 197 و 250 و 251 وشرح بهجة المحافل ج1 ص262 و 263 وتاريخ الخميس ج1 ص480 والمواهب اللدنية ج1 ص110 وإمتاع الأسماع ج1 ص216 ـ 218 وحدائق الأنوار ج2 ص584 باختصار، والإرشاد للمفيد ص50 و 51 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص201 و 202 ومجمع البيان ج8 ص340.
([185]) الإكتفاء للكلاعي ج2 ص158، لكن ذكرت مصادر أخرى: أنهم جعلوا لهم تمر خيبر سنة، فراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص217 وأنساب الأشراف ج1 ص343 والسيرة الحلبية ج2 ص310. وراجع أيضاً: تاريخ الخميس ج1 ص480 والمغازي للواقدي ج2 ص443 ووفاء الوفاء ج1 ص301 وفتح الباري ج7 ص301 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2.
([186]) تاريخ الخميس ج1 ص480 وراجع: الإكتفاء للكلاعي ج2 ص159 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص398 و 399.
([187]) أنساب الأشراف ج1 ص343.
([188]) أُوعبَ القوم: خرجوا كلهم إلى الغزو.
([189]) المغازي للواقدي ج1 ص444 وذكر ذلك باختصار أو بتفصيل في المصادر التالية: الإكتفاء ج2 ص159 إعلام الورى ص90 وفاء الوفاء ج1 ص301 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وتاريخ الخميس ج1 ص480 و 481 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص233 و 236 والوفاء ص692 و 693 والثقات ج1 ص265، وعيون الأثر ج2 ص55 وتهذيب سيرة ابن هشام ص190 والكامل في التاريخ ج2 ص178 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص230 و 231 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 وتهذيب سيرة ابن هشام ص189 وراجع: جوامع السيرة النبوية ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص233 و234 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص182 والبداية والنهاية ج4 ص95 وراجع ص102 وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص110 والسيرة الحلبية ج2 ص311 والإمتاع ج1 ص218 و219 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص513 و514 والإرشاد للمفيد ص51 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص202 وتفسير القمي ج2 ص177 والبحار ج20 ص217 عنه وص 197 و251 ومجمع البيان ج8 ص340 ونهاية الأرب ج17 ص167 وعيون الأثر ج2 ص56 ومحمد في المدينة ص54 وراجع: فتح الباري ج7 ص301 وشرح الأخبار ج1 ص291.
([190]) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص236 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص262 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 وتاريخ الخميس ج1 ص483 وحدائق الأنوار ج2 ص587 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص197 وغير ذلك.
([191]) المغازي للواقدي ج2 ص444. وراجع إجمال أو تفصيل ذلك في: الكامل في التاريخ ج2 ص180 ووفاء الوفاء ج1 ص301 والثقات ج1 ص266 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 وتهذيب سيرة ابن هشام ص190 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص230 و 231 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص236 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص236 و 237 والسيرة النبوية لابن كثير = = ج3 ص197 و 198 والبداية والنهاية ج4 ص102 و 103 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص525 و 526 وتفسير القمي ج2 ص179 و180 والبحار ج20 ص221 وعيون الأثر ج2 ص58.
([192]) المغازي للواقدي ج2 ص455.
([193]) الإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص236 وفتح الباري ج7 ص307 ووفاء الوفاء ج1 ص301 وتاريخ الخميس ج1 ص483 وفيه: أنه واد بجانب أحد. وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص109 وفيه: نزلوا بنقمين. وجوامع السيرة النبوية ص149.
([194]) تاريخ الخميس ج1 ص483.
([195]) تفسير القمي ج3 ص180 والبحار ج20 ص221 عنه.
([196]) لكي تجد القول بأن هذه الغزوة كانت في السنة الخامسة، إما بصورة قول تبناه المؤلف أو يذكره بلفظ قيل، راجع المصادر التالية: المغازي للواقدي ج2 ص440 و 441 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص224 و241 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص158 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص395 والبدء والتاريخ ج4 ص217 وصححه، وشذرات الذهب ج1 ص11، ومختصر التاريخ ص42 والمختصر في اخبار البشر ج1 ص134 وعيون الأثر ج2 ص55 و64 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50 والكامل في التاريخ ج2 ص178 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص233 وتهذيب سيرة ابن هشام ص188 و195 وتفسير القمي ج2 ص176 والبحار ج20 ص216 و 208 عنه ونقله في ص271 عن إعلام الورى لكن الموجود في إعلام الورى أنها في الرابعة. والمحبر ص113 ومروج الذهب ج2 ص219 والثقات ج1 ص264 ووفاء الوفاء ج1 ص300 وحبيب السير ج1 ص359 وشرح بهجة المحافل ج1 ص262 وبهجة المحافل ج1 ص262 بلفظ: قيل. وإمتاع الأسماع ج1 ص216 والجـامع للقيرواني ص279 و 281 والتنبيه والإشـراف ص115 وأنسـاب = = الأشراف ج1 ص343 ومجمع البيان ج8 ص208 ونهاية الأرب ج17 ص166 وراجع: فتح الباري ج7 ص302 عن ابن إسحاق والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص561 ونسبه إلى الجمهور.
وراجع: البداية والنهاية ج4 ص93 و94 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص180 و 181 وتاريخ الخميس ج1 ص479 و 480 عن ابن إسحاق وفتوح البلدان ج1 ص23 وصفة الصفوة ج1 ص455 ـ 459 والطبقات الكبرى ج2 ق 2 ص47 وج 4 ق 1 ص60 والمصنف للصنعاني ج5 ص367 وسيرة مغلطاي ص56 والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ق 2 ص29 والسيرة الحلبية ج2 ص328 والمواهب اللدنية ج1 ص110 والرصف ج1 ص60 بلفظ قيل. وراجع: جوامع السيرة النبوية ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي والمغازي ص205 وسير أعلام النبلاء ج1 ص289 و 290.
([197]) تاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص50.
([198]) راجع المصادر التالية، فإنها قد ذكرت هذا القول في: عنوان المعارف في ذكر الخلائف ص12 وجوامع السيرة النبوية ص148 وقال: الثابت أنها في الرابعة بلا شك. والمحبر ص113 وصحيح البخاري ج3 ص20 وفتح الباري ج7 ص302 والبداية والنهاية ج4 ص93 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص180 وإعلام الورى ص90 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وشرح صحيح مسلم للنووي بهامش إرشاد الساري ج8 ص64 والعبر وديوان المبتدأ والخبر لابن خلدون ج2 ق2 ص29 و 33 وتاريخ الخميس ج1 ص480 والمواهب اللدنية ج1 ص110 وتاريخ مختصر الدول ص95 ووفاء الوفاء ج1 ص300 وتاريخ الإسلام (المغازي) للذهبي ص205 و 244 عن ابن عقبة عن ابن شهاب، وعروة عن ابن عقبة، والنووي. وشذرات الذهب ج1 ص11 عن النووي.
وراجع: الجامع للقيرواني ص279 و281 عن مالك، وسيرة مغلطاي ص56 وبهجة المحافل ج1 ص262 وعيون الأثر ج2 هامش ص55 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص393 و395 و400 و394 ومجمع الزوائد ج9 ص345 وتهذيب الكمال ج10 ص31 ومناقب آل أبي طالب ج4 ص76 ومرآة الجنان ج1 ص9 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 والسيرة الحلبية ج2 ص328 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص216 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص561 وحدائق الأنوار ج1 ص52 متناً وهامشاً عن الدرر في اختصار المغازي. والسير للقرطبي ص179 وذهب إليه العاقولي في الرصف ج1 ص60.
([199]) تاريخ الخميس ج1 ص480 والمواهب اللدنية ج1 ص110.
([200]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص396.
([201]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص395.
([202]) راجع: صحيح البخاري ج3 ص20 وج 2 ص69 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق 2 ص29 و 33 وجوامع السيرة النبوية ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص205 و244 وفتح الباري ج7 ص302 وشرح صحيح مسلم للنووي (مطبوع بهامش إرشاد الساري) ج8 ص64 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص181 والبداية والنهاية ج4 ص94 وتاريخ الخميس ج1 ص480 و 481 والمواهب اللدنية ج1 ص110 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص105 وأنساب الأشراف ج1 ص343 و 344 بإضافة كلمة: "وأشف منها". والمغازي للواقدي ج2 ص453 والمصنف للصنعاني ج5 ص310 و 311 ومسند أحمد بن حنبل ج2 ص17 وصحيح مسلم ج6 ص30 وسنن ابن ماجة ج2 ص850 والسيرة الحلبية ج2 ص329 و 315 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص561 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص396 والجامع الصحيح للترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة ج3 ص632 و 633 وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص241 و 242 والغدير ج10 ص4 عن البخاري، وفتح الباري، وعن عيون الأثر ج2 ص6 و 7 وعن تاريخ الطبري ج2 ص296.
([203]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص480 وفتح الباري ج7 ص302 والسيرة الحلبية ج2 ص329 والمواهب اللدنية ج1 ص110 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص244 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص181 والبداية والنهاية ج4 ص94 والسيرة الحلبية ج2 ص329 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص561 وراجع دلائل النبوة للبيهقي ج3 هامش ص395.
([204]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص93 و 94 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص180 وفتح الباري ج7 ص302 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ق 1 ص43 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص561.
([205]) المصنف للصنعاني ج5 ص362 و 367 أنساب الأشراف ج1 ص345 والمغازي للذهبي (تاريخ الإسلام) ص244 والسيرة الحلبية ج2 ص148.
([206]) المصنف للصنعاني ج5 ص311 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص181 والبداية والنهاية ج4 ص94.
([207]) جوامع السيرة النبوية ص148.
([208]) تهذيب الكمال ج10 ص30 و 31 ومستدرك الحاكم ج3 ص421 وتذكرة الحفاظ ج1 ص30 وشذرات الذهب ج1 ص54 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449 وراجع: تهذيب التهذيب ج3 ص399 عن الواقدي.
([209]) مجمع الـزوائـد ج9 ص345 عن زيد نفسه، وتهذيب التهذيب ج3 ص399 = = والثقات ج3 ص136 وصفة الصفوة ج1 ص704 وسير أعلام النبلاء ج2 ص427 و 428 وتهذيب الكمال ج10 ص25 و27 وتهذيب الأسماء ج1 ص200 و 201 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج1 ص551 وشذرات الذهب ج1 ص54 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449.
([210]) تهذيب الكمال ج10 ص30 و 31 ومستدرك الحاكم ج3 ص421 وتذكرة الحفاظ ج1 ص30 وشذرات الذهب ج1 ص54 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449 وراجع: تهذيب التهذيب ج3 ص399 عن الواقدي.
([211]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص446 ومجمع الزوائد ج9 ص345 وتهذيب الكمال ج10 ص31 وكنز العمال ج10 ص281 عن الطبراني وص 284 عن ابن عساكر.
([212]) تهذيب الكمال ج10 ص30 و 31 ومستدرك الحاكم ج3 ص421 ومجمع الزوائد ج9 ص345.
([213]) سير أعلام النبلاء ج2 ص432 وفي هامشه عن الطبراني وتهذيب الكمال ج10 ص29 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449.
([214]) سير أعلام النبلاء ج2 ص433 ومستدرك الحاكم ج3 ص421 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449 وتهذيب الكمال ج10 ص30.
([215]) الإصابة ج1 ص561.
([216]) مجمع الزوائد ج9 ص345 وتهذيب الكمال ج10 ص31.
([217]) صفة الصفوة ج1 ص704 و 705.
([218]) راجع: مرآة الجنان ج1 ص9 والسيرة الحلبية ج2 ص228 و 229.
([219]) راجع: مرآة الجنان ج1 ص9 وراجع السيرة الحلبية ج2 ص229
([220]) السيرة الحلبية ج2 ص314 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4.
([221]) ستأتي الأقوال في ذلك، حينما نتكلم عن مدة حفر الخندق في هذه الغزوة
([222]) السيرة الحلبية ج2 ص228، وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص440.
([223]) محمد رسول الله "صلى الله عليه وآله" تأليف محمد رضا ص227.
([224]) المغازي للواقدي ج2 ص444 والإمتاع ج1 ص219 وسبل الهدى والرشاد وغير ذلك من مصادر تقدمت.
([225]) المغازي للواقدي ج2 ص507.
([226]) المغازي للواقدي ج2 ص514.
([227]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص162.
([228]) الجامع للقيرواني ص281 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص184 والبداية والنهاية ج4 ص95 و 96 عن البخاري.
([229]) تجارب الأمم ج2 ص152.
([230]) راجع الكتاب: تقويم تطبيقي هزار وبانصد ساله هجري قمري وميلادي قسم الجداول ص1 تأليف: فرديننادو وستنفد، وإدوارد ماهلر.
([231]) المغازي للواقدي ج2 ص443 وراجع: الإكتفاء ج2 ص159.
([232]) تاريخ الخميس ج1 ص480 والإكتفاء ج2 ص159.
([233]) السيرة الحلبية ج2 ص311 والإمتاع ج1 ص219.
([234]) المغازي للواقدي ج2 ص444.
([235]) المغازي ج4 ص477 وعيون الأثر ج2 ص57.
([236]) راجع: جامع البيان ج5 ص86 والدر المنثور ج2 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص513.
([237]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص182 والكامل في التاريخ ج2 ص146.
([238]) راجع: الكامل في التاريخ ج2 ص148 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص183.
([239]) تاريخ الخميس ج1 ص480 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 ومجمع البيان ج8 ص340 ونهاية الأرب ج17 ص180 والبحار ج20 ص197 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399 والبدء والتاريخ ج4 ص217 والإكتفاء ج2 ص159.
([240]) راجع المغازي للواقدي ج2 ص444 وإمتاع الأسماع ج1 ص218.
([241]) صفين للمنقري ص449.
([242]) الإصابة في تمييز الصحابة ج2 ص540 وج 4 ص9 وراجع: أسد الغابة ج4 ص109 وج 5 ص138 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص14.
([243]) مختصر تاريخ دمشق ج13 ص218.
([244]) الإصابة ج2 ص540 و 541 ونهاية الأرب ج17 ص167.
([245]) راجع: أسد الغابة ج2 ص138 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص14.
([246]) أسد الغابة ج4 ص109.
([247]) العقد الفريد ج4 ص328.
([248]) صفين للمنقري ص222 و 223.
([249]) صفين ص236.
([250]) صفين ص238.
([251]) صفين ص445 ـ 449.
([252]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص450.
([253]) تذكرة الخواص ص81 و 82 وراجع: المعيار والموازنة ص22 ومستدرك الحاكم ج3 ص104 والغدير ج10 ص163 عن بعض المصادر الأخرى.
([254]) الفتوح لابن أعثم ج4 ص239.
([255]) صفين ص449 وراجع ابتداء من ص445.
([256]) الآيات 51 ـ 54 من سورة النساء.
([257]) الدر المنثور ج2 ص171 ـ 173 عن الطبراني، والبيهقي في الدلائل عن عكرمة عن ابن عباس. وعن سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عكرمة مرسلاً. وعن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس. وعن عبد الرزاق، وابن جرير عن عكرمة. وعن ابن جرير عن مجاهد. وعن عبد بن حميد، وابن جرير عن السدي، عن ابي مالك. وعن البيهقي في الدلائل، وابن عساكر في تاريخه عن جابر عن عبد الله. وعن عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة والجامع لأحكام القرآن ج5 ص249 ومجمع البيان ج3 ص59 والتفسير الكبير ج10 ص128 والتبيان ج3 ص223 و 224 و 225 والبحر المحيط ص271 والنهر الماد من البحر (مطبوع بهامش البحر المحيط) ج3 ص271 والكشاف (ط دار الفكر) ج1 ص532 وجامع البيان ج5 ص85 و 86 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص513 وفتح القدير ج1 ص478 و 479 وتفسير الخازن ج1 ص368 ومدارك التنزيل للنسفي (مطبوع بهامش تفسير الخازن) ج1 ص369.
([258]) مجمع البيان ج3 ص59.
([259]) الآية 51 من سورة النساء.
([260]) شرح الأخبار ج1 ص288 ـ 291.
([261]) الخصال (باب السبعة) ج2 ص368 والبحار ج20 ص244 وشرح الأخبار ج1 ص287 والإختصاص ص166 و 167.
([262]) الآية 82 من سورة المائدة.
([263]) تاريخ الخميس ج1 ص480
([264]) الآية 14 من سورة النمل.
([265]) الآية 30 من سورة الأنفال.
([266]) لا ندري من أين فهموا: أنه كان يرى ذلك، ولو كان حقاً يرى ذلك فلا ندري من أين فهموا أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يهم بالمقام في المدينة؟!.
([267]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص444 والإمتاع ج1 ص219 و 221 والسيرة الحلبية ج2 ص311 وألمح إلى ذلك في: الثقات ج1 ص265 و 266 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص514 و 515.
([268]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص197 والإرشاد ص51 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص202 والبحار ج20 ص251.
([269]) الخصال (باب السبعة) ج2 ص268 والبحار ج20 ص244 عنه.
([270]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص300 وج 4 ص1206 والثقات ج1 ص266 والتنبيه والإشراف ص216 وسيرة مغلطاي ص56 والكامل في التاريخ ج2 ص178 والوفاء ص693 وتاريخ الخميس ج1 ص481 و 479 والروض الأنف ج3 ص276 وشرح النهج للمعتزلي ج18 ص35 وأنساب الأشراف ج1 ص343 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص134 وج 1 ص198 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص234 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50 وفتح الباري ج7 ص301 وعيون الأثر ج2 ص57 والبحار ج20 ص251 و 218 و 197 وج 41 ص8. ومجمع البيان ج8 ص340 ونهاية الأرب ج17 ص168 وتفسير القمي ج2 ص177 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص99 والخرايج والجرايح ج1 ص152 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 وبهجة المحافل ج1 ص263 والسيرة الحلبية ج2 ص311 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص514 وحدائق الأنوار ج2 ص515 والإرشاد للمفيد ص51 وزاد المعاد ج2 ص117 ومختصر التاريخ ص43 وحبيب السير ج1 ص359 وسعد السعود ص138.
([271]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص530 وتفسير القمي ج2 ص182 وبحار الأنوار ج20 ص224 والمغازي للواقدي ج2 ص470 ونهاية الأرب ج17 = = ص173 وراجع: الإرشاد للمفيد ص52 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص202 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص100 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص315. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص484.
([272]) تجارب الأمم ج1 ص149.
([273]) البدء والتاريخ ج4 ص217 وراجع: إعلام الورى ص90.
([274]) راجع: تاريخ ابن الوردي ج1 ص160 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 والبداية والنهاية ج4 ص95 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص134 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص182 و 183 وراجع قول ابن هشام في السيرة النبوية ج3 ص235 وراجع: جوامع السيرة النبوية ص150.
([275]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص226 وجوامع السيرة النبوية ص148 وعيون الأثر ج2 ص55 وتهذيب سيرة ابن هشام ص189 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399 عن ابن عقبة وص 409 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص182 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص234 وشرح الأخبار ج1 ص292.
([276]) الإمتاع ج1 ص240 وخاتم النبيين ج2 ص942.
([277]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص530.
([278]) أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص238 وتحف العقول ص138 و 292 وغرر الحكم ج1 ص394 والبحار ج75 ص34 و 38 و 307 وج 2 ص17 و 96 و 97 ومواضع أخرى منه. وراجع: دستور معالم الحكم ص19 والمجروحون ج1 ص105 والتراتيب الإدارية ج2 ص348.
([279]) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص75 وستأتي إن شاء الله بقية المصادر في غزوة خيبر.
([280]) مسند أحمد بن حنبل ج1 ص247 وتاريخ الخميس ج1 ص395 والسيرة الحلبية ج2 ص193 والروض الأنف ج3 ص84 والطبقات الكبرى ج2 ق1 ص14 والتراتيب الإدارية ج2 ص348 وج 1 ص48 و 49 عن السهيلي، وعن المطالع النصرية في الأصول الخطية، لأبي الوفا نصر الهوريني، وعن الإمتاع للمقريزي ص101.
([281]) تفسير القمي ج2 ص177 والبحار ج20 ص218.
([282]) الآية 13 من سورة الحجرات.
([283]) المغازي للواقدي ج2 ص450 ـ 452 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص312.
([284]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص515 والمغازي للواقدي ج2 ص445 والثقات ج1 ص266.
([285]) تفسير القمي ج2 ص177 وبحار الأنوار ج20 ص218 وقال الطبرسي في مجمع البيان ج8 ص342 وعنه في بحار الأنوار ج20 ص203 "كان اسم الموضع الذي حفر فيه الخندق: المذاد".
([286]) وفاء الوفاء ج4 ص1204 والفقرة الأخيرة ص1206 أيضاً وتاريخ الخميس ج1 ص481 والعبارة الأخيرة في السيرة النبوية لدحلان ج2 ص3.
([287]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص418 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515.
([288]) وفاء الوفاء ج4 ص1205.
([289]) المصدر السابق.
([290]) المغازي للواقدي ج2 ص452 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص312 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50.
([291]) المصادر السابقة، وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515.
([292]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص554 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص267 ووفاء الوفاء ج4 ص1206.
([293]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص266.
([294]) مناقب آل أبي طالب ج4 ص174.
([295]) تفسير القمي ج2 ص179 وعنه في بحار الأنوار ج20 ص220.
([296]) وفاء الوفاء ج4 ص1204 وتاريخ الخميس ج1 ص481.
([297]) الرسول العربي وفن الحرب لمصطفى طلاس ص240 و 241 والسيرة النبوية للندوي ص281.
([298]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1172 و1170 وزاد المعاد ج3 ص10 والتراتيب الإدارية ج2 ص130.
([299]) مصطفى طلاس: الرسول العربي وفن الحرب ص234.
([300]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص315 ومغازي الواقدي ج2 ص450 وراجع ص446 ووفاء الوفاء ج4 ص1205 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524.
([301]) تاريخ الخميس ج1 ص481 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص315 ووفاء الوفاء ج4 ص1206.
([302]) تاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة الحلبية ج2 ص315.
([303]) السيرة الحلبية ج2 ص411. والمغازي للواقدي ج2 ص445 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص178. وراجع البدء والتاريخ ج4 ص217. وفتح الباري ج2 ص302.
([304]) المغازي للواقدي ج2 ص454 وسيرة مغلطاي ص56 والوفا ص693 وتاريخ الخميس ج1 ص482 وحبيب السير ج1 ص360 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 وإمتاع الأسماع ج1 ص224 ونهاية الأرب ج17 ص170 وعيون الأثر ج2 ص57 ووفاء الوفاء ج4 ص1204 و 1208 و 1209 و 1205.
([305]) السيرة الحلبية ج2 ص314 وعيون الأثر ج2 ص57 ووفاء الوفاء ج4 ص1209.
([306]) المصدر السابق ووفاء الوفاء ج4 ص1209 عن الهدى لابن القيم وكذا في المواهب اللدنية ج1 ص111 وفتح الباري ج7 ص302.
([307]) المواهب اللدنية ج1 ص112 وتاريخ الخميس ج1 ص482 وعنه والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص314 ووفاء الوفاء ج4 ص1208 راجع فتح الباري ج7 ص32.
([308]) المصادر السابقة وعيون الأثر ج2 ص57 ووفاء الوفاء ج1 ص1208 و 1209.
([309]) راجع: المصادر السابقة في الهامش ما قبل السابق.
([310]) تفسير القمي ج2 ص179 والبحار ج20 ص221.
([311]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص445 وتاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة الحلبية ج2 ص311 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515 والإمتاع ج1 ص220 وراجع وفاء الوفاء ج4 ص1207.
([312]) المغازي للواقدي ج2 ص446 و 450 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص220 وحدائق الأنوار ج2 ص585 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص313 ووفاء الوفاء ج4 ص1205.
([313]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص450 و 451 ووفاء الوفاء ج4 ص1205.
([314]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 والبحار ج20 ص189 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص215 ومجمع البيان ج2 ص427 و 341 وبهجة المحافل ج1 ص263 وشرحه مطبوع بهامشه، وقال: رواه الطبري والطبراني، والحاكم، وتاريخ الخميس ج1 ص481 والكامل في التاريخ ج2 ص179 والخرائج والجرائح ج1 ص152 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص418 وفتح الباري ج7 ص305 ووفاء الوفاء ج4 ص1205 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص192.
([315]) تفسير القمي ج2 ص177 وعنه في بحار الأنوار ج20 ص218.
([316]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص50.
([317]) الخرائج والجرائح ج1 ص152 والبحار ج18 ص32 عنه.
([318]) راجع ما يلي: المغازي للواقدي ج2 ص445 وتهذيب سيرة ابن هشام ص189 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص226. وراجع: البداية والنهاية ج4 ص95 وإمتاع الأسماع ج1 ص220 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص234 ونهاية الأرب ج17 ص168 وعيون الأثر ج2 ص55 و57 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399 و409 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص183 ووفاء الوفاء ج4 ص1407 والإكتفاء ج2 ص159 وفتح الباري ج7 ص301.
([319]) بهجة المحافل ج1 ص263 وحدائق الأنوار ج2 ص585.
([320]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص50.
([321]) المغازي للواقدي ج2 ص453 والسيرة الحلبية ج2 ص312 وإمتاع الأسماع ج1 ص225 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص518 وراجع المواهب اللدنية ج1 ص111.
([322]) راجع: حدائق الأنوار ج2 ص585 وإمتاع الأسماع ج1 ص221 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص516.
([323]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص515 وفي المغازي للواقدي ج2 ص449 عن أنس: على صدره وبين عكنه. (العكن: ما انطوى وتثنى من لحم البطن).
([324]) وفاء الوفاء ج4 ص1207 عن تفسير الثعلبي.
([325]) فتح الباري ج7 ص308 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص516 وعن أبي يعلى وأحمد برجال الصحيح.
([326]) راجع المصادر التالية في: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص85 والبداية والنهاية ج4 ص96 عن الصحيحين، وصحيح البخاري ج3 ص21 باب غزوة الخندق. وصحيح مسلم ـ الجهاد والسير، باب غزوة الأحزاب. وفتح الباري ج6 ص46 وج 7 ص308 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص245 وبهجة المحافل ج1 ص263 والمواهب اللدنية ج1 ص111 وتاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 والسيرة الحلبية ج2 ص312 وإمتاع الأسماع ج1 ص222 و 223 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص579 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص517 وراجع: حدائق الأنوار ج2 ص585 و 586 ومجمع البيان ج8 ص341 وبحار الأنوار ج20 ص199 ونهاية الأرب ج17 ص169 والمغازي للواقدي ج2 ص449 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص413 و 414 وكنز العمال ج10 ص281 والغدير ج7 ص206 عن ابن كثير وعن طبقات ابن سعد.
([327]) فتح الباري ج7 ص308.
([328]) تفسير القمي ج2 ص177 و 178 وبحار الأنوار ج20 ص218 عنه.
([329]) شرح الأخبار ج1 ص292.
([330]) المغازي للواقدي ج2 ص446 وراجع: الإمتاع ج1 ص220 والسيرة الحلبية ج2 ص312.
([331]) المغازي للواقدي ج2 ص449 و448 والسيرة الحلبية ج2 ص313 والإمتاع ج1 ص222، وسبل الهدى والرشاد ج4 ص516.
([332]) المغازي للوادي ج2 ص452 و453 وراجع كنز العمال ج10 ص290 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 وحدائق الأنوار ج2 ص585 و 586 وصحيح البخاري (المغازي) باب غزوة خيبر وصحيح مسلم، الجهاد والسير ـ باب غزوة الأحزاب ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص410 و 411 و 412 وراجع: فتح الباري ج7 ص392 وعن مسلم باب غزوة الأحزاب وعن البخاري وغير ذلك.
([333]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص516.
([334]) السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص184 والبداية والنهاية ج4 ص95 و 96 وبهجة المحافل ج1 ص263 والمواهب اللدنية ج1 ص111 وتاريخ الخميس ج1 ص482 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص516 و517 وصحيح البخاري ج3 ص20 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص410 و 411 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص245 وعن فتح الباري ج7 ص392.
([335]) راجع ما تقدم كلاً أو بعضاً، في المصادر التالية: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص226 و 227 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص159 و 160 والكامل في تاريخ ج2 ص179 و 178 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص234 والسيرة الحلبية ج2 ص313 و 312 ونهاية الأرب ج17 ص168 وعيون الأثر ج2 ص55 و 56.
وراجع: البداية والنهاية ج4 ص95 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص183 والمواهب اللدنية ج1 ص110 وراجع ص112 و 113 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 والدر المنثور ج5 ص60 عن ابن إسحاق، وابن المنذر، والبيهقي في الدلائل وسبل الهدى والرشاد ج4 ص522 و 523 وتهذيب سيرة ابن هشام ج3 ص189 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص409.
([336]) سيرة المصطفى ص496.
([337]) نهج البلاغة بشرح عبده، آخر وصية الإمام الحسن رقم (31) ج3 ص63.
([338]) السيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 عن البخاري والسيرة الحلبية ج2 ص312 وراجع البداية والنهاية ج4 ص96 عن البخاري ومسلم والحديث في نهاية الأرب أيضاً ج17 ص169 وصحيح البخاري ج3 ص20 وفيه: فاغفر للمهاجرين والأنصار.
([339]) المواهب اللدنية ج1 ص111 وتاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 والسيرة الحلبية ج2 ص312 والإمتاع ج1 ص221 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص517 والبداية والنهاية ج4 ص96 و 97 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص414 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص186 وفتح الباري ج7 ص304.
([340]) اليسرة النبوية لدحلان ج2 ص3.
([341]) الآية 69 من سورة يس.
([342]) الآيات 224 ـ 226 من سورة الشعراء.
([343]) الزهد والرقائق ص256.
([344]) المغازي للواقدي ج2 ص447 وراجع: الإمتاع ج1 ص221 وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399.
([345]) المغازي للواقدي ج2 ص447 وراجع: الإمتاع ج1 ص221 وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399.
([346]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399.
([347]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص16 والمغازي للواقدي ج2 ص447 و 448 متناً وهامشاً، وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص409 و 410 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص227 و 228 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص234 و235 والبداية والنهاية ج4 ص95 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص183 وبهجة المحافل ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج2 ص311 و 312 والإمتاع ص222 وأسد الغابة ج1 ص290 وقال: أخرجه أبو موسى والإصابة ج1 ص240.
([348]) السيرة الحلبية ج2 ص512 وراجع: أسد الغابة ج1 ص290.
([349]) السيرة الحلبية ج2 ص213 والإمتاع ج1 ص222 والإصابة ترجمة زيد بن ثابت والمغازي للواقدي ج2 ص448.
([350]) المغازي للواقدي ج1 ص446 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص179 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 وشرح بهجة المحافل ج1 ص263 وسيرة المصطفى ص495 عن الطبري وتاريخ الخميس ج1 ص482 السيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 والإمتاع ج1 ص221 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515 والبداية والنهاية ج4 ص99 ومجمع البيان ج2 ص427 وج 8 ص341 والبحار ج20 ص189 و 198 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص400 و 418 ومستدرك الحاكم ج3 ص598 ووفاء الوفاء ج4 ص1205 وراجع ص1207 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص192.
([351]) المغازي للواقدي ج1 ص447 والإمتاع ج1 ص221 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515.
([352]) تاريخ الخميس ج1 ص482 والسيرة الحلبية ج2 ص313 و314 وراجع: الإمتاع ج1 ص221 والمغازي للواقدي ج2 ص447.
([353]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 قسم 1 ص59 والبداية والنهاية ج4 ص99 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص192 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص179 والبحار ج2 ص189 عن مجمع البيان ج2 ص427 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 وأسد الغابة ج2 ص331 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص54 وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 ونفس الرحمن ص34 و 35 ومستدرك الحاكم ج3 ص598.
([354]) راجع: المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص85 وقاموس الرجال ج4 ص424 والدرجات الرفيعة ص218 ونفس الرحمن ص43.
([355]) راجع: سلمان الفارسي، للعلامة السبيتي ص40 ونفس الرحمن ص32 كلاهما عن الفتوحات المكية
([356]) الإختصاص ص341 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص29 والبحار ج22 ص348.
([357]) قد تكلمنا حول سياسات عمر تجاه غير العرب ومع سلمان في كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي فراجع.
([358]) تاريخ الخميس ج1 ص481 عن صحيح مسلم وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص312.
([359]) الآية 17 من سورة الحجرات.
([360]) تفسير القمي ج2 ص322 والبحار ج20 ص243.
([361]) راجع: البحار ج47.
([362]) خاتم النبيين ج2 ص944.
([363]) إمتاع الأسماع ج1 ص223 والمغازي للواقدي ج2 ص449 وكنز العمال ج10 ص285 عن ابن النجار.
([364]) راجع المصادر التالية: المغازي للواقدي ج2 ص452 وصحيح البخاري ج3 ص21 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص228 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص160 وإعلام الورى ص90 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص234 و246 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص186 والبداية والنهاية ج4 ص97 و98 عن ابن إسحاق، وأحمد، والبخاري والبيهقي، وإمتاع الأسماع ج1 ص224 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص519 وحدائق الأنوار ج2 ص591 ومجمع البيان ج8 ص341 والبحار ج20 ص198، ونهاية الأرب ج17 ص170 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص415 و416 و423 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص358 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص134 وعيون الأثر ج2 ص57 والمواهب اللدنية ج1 ص111 وجوامع السيرة النبوية ص148.
([365]) ذباب: جبل بجبانة المدينة. وهو الجبل الذي عليه مسجد الراية. واسمه ذوناب أيضاً.
راجع: تاريخ الخميس ج1 ص482.
([366]) الآية 12 من سورة الأحزاب.
([367]) للرواية نصوص مختلفة. فراجعها على اختلافها في المصادر التالية: تاريخ الخميس ج1 ص482 و483 وراجع ص484 وعيون الأثر ج2 ص58 ووفاء الوفاء ج4 ص1207 وفتح الباري ج7 ص350 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص3 و 4 و 5 والأمالي للشيخ الصدوق ص258 وحبيب السير ج1 ص360 والسيرة الحلبية ج2 ص313 و 314 و 318 وبحار الأنوار ج20 ص253 و 219 ص189 و 190 وج18 ص32 ومجمع البيان ج2 ص427 و 328 وج 8 ص341 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص399 و 400 وراجع ص417 و 419 ـ 421 والكامل في التاريخ ج2 ص179 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص235 و 236 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص519 و 520، عن أحمد، والشيخين، وابن سعد وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي نعيم، والطبراني والبيهقي، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص161 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص230 و 228 وحدائق الأنوار ج1 ص53 والخصال ج1 ص162 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 و 160 وإعلام الورى ص90 وكنز العمال ج10 ص281 والروض الأنف ج3 ص277 وصحيح البخاري ج3 ص21 والخصائص الكبرى للسيوطي (ط الهند) ج1 ص228 والوفاء ص693 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص246 و 234 والبداية والنهاية ج4 ص99 و 97 و 98 و 100 و 101 و 102 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص135 ومستدرك الحاكم ج3 ص598 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص191 ـ 195 والمغازي للواقدي ج2 ص452 والمواهب اللدنية ج1 ص111 ـ 112 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص432 وعن سنن النسائي ج2 ص65 وعن ابن إسحاق وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص51 وشرح بهجة المحافل ج1 ص265 وتفسير القمي ج2 ص178 والخرايج والجرايح ج1 ص152 وفيه أن المسلمين هم الذين رأوا تلك البلاد.
([368]) السيرة النبوية لدحلان ج2 ص5.
([369]) السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص192.
([370]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص194 والبداية والنهاية ج4 ص101.
([371]) تفسير القمي ج2 ص178 وبحار الأنوار ج20 ص219 عنه.
([372]) السيرة الحلبية ج2 ص314 والمغازي للواقدي ج2 ص450 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص520.
([373]) بحار الأنوار ج20 ص270 و 271 عن الكافي.
([374]) المغازي للواقدي ج2 ص450 و 449 وإمتاع الأسماع ج1 ص223 واشار إليه في سبل الهدى والرشاد ج4 ص519 و 520 عن الواقدي ووفاء الوفاء ج4 ص1208.
([375]) الخرائج والجرائح ج1 ص66.
([376]) الآية 22 من سورة الأحزاب.
([377]) فتح الباري ج7 ص305.
([378]) الآية 12 من سورة الأحزاب.
([379]) راجع النصوص المختلفة لهذه القضية في: المغازي للواقدي ج2 ص452 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص186 ـ 190 وتفسير القمي ج2 ص178 و 179 وبحار الأنوار ج20 ص219 و 220 و 198 و 199 وج 18 ص26 ج7 وص32 حديث 25 ودلائـل النبوة للبيهقي ج3 ص416 و 415 و 427 ومستدرك الحاكم ج3 = = ص31 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص234 و 235 والسيرة الحلبية ج2 ص329 و 330 وصحيح البخاري ج3 ص21 والبداية والنهاية ج4 ص97 ـ 99 عن البخاري، وأحمد، والبيهقي، وابن أبي شيبة، ومسلم، وابن إسحاق وسبل الهدى والرشاد ج4 ص520 و 521 عمن تقدم، وعن الحاكم والطبراني وحدائق الأنوار ج1 ص212 وج 2 ص592 وشرح الشفاء للقاري (ط سنة 1264) ج1 ص245 و 246 وعيون الأثر ج2 ص57 و 58 ودلائل النبوة لابن نعيم ص358 و 360 والشفاء ج1 ص291 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص36 وصحيح مسلم، كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره والخرايج والجرايح ج1 ص27 و 152 ـ 154 وإثبات الهداة ج2 ص88.
([380]) البداية والنهاية ج4 ص98 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص188 و 189 و 190 عن البخاري وابن أبي شيبة وسبل الهدى والرشاد ج4 ص521 و 564 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص360 والشفاء ج1 ص291 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص424 و 426 وعن فتح الباري ج7 ص395، وراجع: تاريخ ابن الوردي ج1 ص161 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص229 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص161 وإعلام الورى ص90 والسيرة الحلبية ج2 ص233 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص234 و 235 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص134 و 135 وعيون الأثر ج2 ص57 و 58 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 وحدائق الأنوار ج1 ص53 و 212 وج 2 ص592.
([381]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص360 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص188 وراجع: الخرائج والجرائح ج1 ص154 و 155 والبحار ج18 ص32 حديث 25 والمناقب لابن شهراشوب ج1 ص103.
([382]) السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص193 و 194 والبداية والنهاية ج4 ص101 و 100 عن الطبراني، وراجع: فتح الباري ج7 ص305.
([383]) الحيس: طعام متخذ من التمر والسمن، والدقيق والفتيت.
([384]) إمتاع الأسماع ج1 ص235 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص522 عن ابن عساكر، والمغازي للواقدي ج2 ص477 والسيرة الحلبية ج2 ص330.
([385]) حدائق الأنوار ج2 ص592 وسنن الدارمي ج1 ص21 و 22 (المقدمة).
([386]) هي أخت النعمان بن بشير.
([387]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص228 و 229 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص521 و 522 عن أبي نعيم، وابن إسحاق والإكتفاء للكلاعي ج2 ص160 و 161 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 و 161 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص235، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص190 و 191 والبداية = = والنهاية ج4 ص99 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 وإمتاع الأسماع ج1 ص235 وجوامع السيرة النبوية ص148 والسيرة الحلبية ج2 ص329 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص427 ودلائل النبوة لابي نعيم ص433 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص134 وعيون الأثر ج2 ص57 والمغازي للواقدي ج2 ص476 وبحار الأنوار ج20 ص247 والخرائج والجرائح ج1 ص110 و 123 وفيه: أنها أخت عبد الله بن رواحة وكذا في مناقب آل أبي طالب ج1 ص102.
([388]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص522 عن الطبراني، وأبي القاسم البغوي.
([389]) السيرة الحلبية ج2 ص331.
([390]) إمتاع الأسماع ج1 ص235 والمغازي للواقدي ج2 ص476.
([391]) راجع مصادر حديث جابر الذي أوردناه في فقرة: كرم وكرامة. وراجع أيضاً: السيرة الحلبية ج2 ص329 وتاريخ الخميس ج1 ص482.
([392]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص184 والبداية والنهاية ج4 ص96 عن البخاري، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص245 وصحيح البخاري ج3 ص20 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص517 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص412 وعن فتح الباري ج7 ص397.
([393]) السيرة النبوية للندوي ص282 عن الترمذي.
([394]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص529.
([395]) عيون أخبار الرضا ج2 ص40 وذخائر العقبى ص47 وبحار الأنوار ج20 ص245 وصحيفة الإمام الرضا "عليه السلام" ط دار الأضواء ص71 و 72.
([396]) السيرة الحلبية ج2 ص329.
([397]) الأتان الدبرة: التي عقر ظهرها فقل أكلها. مقرة: مرة.
([398]) التقمم: التقاط القمامة.
([399]) تكترش: تملأ كرشها.
([400]) العذي: الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر.
([401]) نهج البلاغة (تحقيق صبحي الصالح، ط سنة 1387 ه. ق) ص417 و 418.
([402]) أنساب الأشراف ج1 ص343.
([403]) راجع: الثقات ج1 ص266 والتنبيه والإشراف ص216 وزاد المعاد ج2 ص117 وجوامع السيرة النبوية ص149 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص231 والعبر ج2 ق 2 ص29 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص197 والبداية والنهاية ج4 ص103 و 102 وتاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 والسيرة الحلبية ج2 ص315 و 314 وإمتاع الأسماع ج1 ص216 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص523 ونهاية الأرب ج17 ص168 والمغازي للواقدي ج2 ص441 وعيون الأثر ج2 ص57.
([404]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص414 و 415.
([405]) راجع: نهاية الأرب ج17 ص170 وغير ذلك من المصادر السابقة واللاحقة
([406]) تاريخ الخميس ج1 ص481 السيرة الحلبية ج2 ص315.
([407]) راجع المصادر المتقدمة في الهوامش السابقة، وفي: البداء والتاريخ ج4 ص217 ووفاء الوفاء ج1 ص301 و300 وج 4 ص1204 والمغازي للواقدي ج2 ص454 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق 2 ص29 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص231 وزاد المعاد ج2 ص117 والكامل في التاريخ ج2 ص180 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 و 163، وأنساب الأشراف ج1 ص343 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص236 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص237 وجوامع السيرة النبوية ص149 وفتح الباري ج7 ص307 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص415 و 514 و 523 وتهذيب سيرة ابن هشام ص190 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص428 وبهجة المحافل ج1 ص264 والمواهب اللدنية ج1 ص112 وإمتاع الأسماع ج1 ص125 والبداية والنهاية ج4 ص102 ومجمع البيان ج8 ص342 وبحار الأنوار ج20 ص200 ونهاية الأرب ج17 ص168 وسعد السعود ص138.
([408]) محمد في المدينة ص56.
([409]) وفاء الوفاء ج4 ص1200.
([410]) وراجع أيضاً: تاريخ الخميس ج1 ص481.
([411]) المغازي للواقدي ج2 ص454 و 457 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص314 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524.
([412]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص453 وأنساب الأشراف ج1 ص343 و344 وراجع تاريخ الخميس ج1 ص481 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص314 و 315 وإمتاع الأسماع ج1 ص224 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص523.
([413]) أنساب الأشراف ج1 ص344 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص315.
([414]) فتح الباري ج7 ص302.
([415]) إمتاع الأسماع ج1 ص223 وراجع أواخر الفصل الثاني، حين الكلام عن تشبيك المدينة بالبنيان.
([416]) قد ذكرت ذلك مختلف المصادر التي تقدمت في هذا الفصل، فمن أرادها فليراجعها.
([417]) المغازي ج1 ص451.
([418]) راجع: مغازي الواقدي ج2 ص452 و 450 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص515 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص50، وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص2 ص312 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص267 ووفاء الوفاء ج4 ص1206.
([419]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص50.
([420]) تفسير القمي ج2 ص179 وبحار الأنوار ج20 ص220.
([421]) السيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص480 والسيرة الحلبية ج2 ص311 والإمتاع ج1 ص218 وعيون الأثر ج2 ص56 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص513.
([422]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص50 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص484 والسيرة الحلبية ج2 ص315 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص530، والمغازي للواقدي ج2 ص470 وتفسير القمي ج2 ص182 وبحار الأنوار ج2 ص224 ونهاية الأرب ج17 ص173 والإرشاد للمفيد ص52 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص202 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص100.
([423]) المواهب اللدنية ج1 ص112 وتاريخ الخميس ج1 ص483 وراجع ص481 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 والسيرة الحلبية ج2 ص315 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص225 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524، ونهاية الأرب ج17 ص170 وعيون الأثر ج2 ص58.
([424]) كفاية الطالب ص336 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص289 والغدير ج10 ص168 عنه وجمهرة الخطب ج2 ص23.
([425]) إعلام الورى (ط دار المعرفة) ص191.
([426]) إمتاع الأسماع ج1 ص230 والمغازي للواقدي ج2 ص466 وتاريخ الخميس ج1 ص485 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج2 ص8 والسيرة الحلبية ج2 ص321.
([427]) تاريخ الخميس ج1 ص483 عن ابن هشام وص 485 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524 والكافي ج5 ص47 ونهاية الأرب ج17 ص178 والمغازي للواقدي ج2 ص474 وعيون الأثر ج2 ص62 عن ابن هشام، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص237 وتهذيب سيرة ابن هشام ص194 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص8 وزاد المعاد ج2 ص118 وبهجة المحافل وشرحه ج1 ص271 و 272 عن الترمذي، وأبي داود والوسائل ج11 ص105 والكافي ج5 ص46 و 47 وكنز العمال ج10 ص291 وجوامع السيرة النبوية ص150 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص169 والسيرة الحلبية ج2 ص321 وقال: "لعل المراد بالمسلمين الأنصار، فلا يخالف ما في الإمتاع، وكان شعار المهاجرين: يا خيل الله".
ونقول: إن هذا التوجيه لا يمكن المساعدة عليه.
([428]) المواهب اللدنية ج1 ص110 وتاريخ الخميس ج1 ص480 عن ابن سعد، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 والمغازي للواقدي ج2 ص457
([429]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص50 والسيرة الحلبية ج2 ص314 عن ابن إسحاق. وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص224 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524 وراجع ص565 وتفسير القمي ج2 ص177 والبحار ج20 ص218 عنه وزاد المعاد ج2 ص117.
([430]) السيرة الحلبية ج2 ص314 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524 وإمتاع الأسماع ج1 ص224 وزاد المعاد ج2 ص117.
([431]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص301 وفتح الباري ج7 ص301 وتاريخ الخميس ج1 ص480 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص565 وحدائق الأنوار ج1 ص212 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص394.
([432]) راجع: العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص225 وجوامع السيرة النبوية ص149.
([433]) إمتاع الأسماع ج1 ص224 و 225 ومجمع البيان ج8 ص342 والبحار ج20 ص200 عنه، وراجع هذا القول في المصادر التالية: سيرة مغلطاي ص56 والتنبيه والإشراف ص216 ووفاء الوفاء ج1 ص301 وج 4 ص1204 عن المطري عن ابن إسحاق والثقات ج1 ص266 والكامل في التاريخ ج2 ص180 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص231 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 والوفاء ص693 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ج2 ص233 و 236 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص236 و 237 والعبر وديوان المبتدا والخبر ج2 قسم 2 ص29 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص197 والبداية والنهاية ج4 ص102 والمواهب اللدنية ج1 ص110 و 112 وتاريخ الخميس ج1 ص480 و 481 و 483 وبهجة المحافل ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج2 ص314 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص524 و565 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص197 وشرح النهج للمعتزلي (منشورات دار مكتبة الحياة) ج4 ص267 والبحار ج20 ص272 عن المناقب ونهاية الأرب ج17 ص168 وعيون الأثر ج2 ص57 و 58 والتهذيب سيرة ابن هشام ص190 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص428 والبدء والتاريخ ج4 ص217 ومختصر التاريخ ص43 وحبيب السير ج1 ص359 وجوامع السيرة النبوية ص149 وفتح الباري ج7 ص301 و 307 وسعد السعود ص138.
([434]) الكافي ج5 ص46 والوسائل ج11 ص105.
([435]) راجع: صحيح البخاري ج2 ص116 وصحيح مسلم ج1 ص91 ومسند أحمد ج5 ص384 وسنن ابن ماجة ج2 ص1337 والتراتيب الإدارية ج1 ص220 و 223 وج 2 ص251 و 252 وعن المصنف لابن أبي شيبة ج15 ص69.
([436]) الرسول العربي وفن الحرب، هامش ص238.
([437]) راجع: حدائق الأنوار ج2 ص587.
([438]) التنبيه والإشراف ص216.
([439]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص197 والبحار ج20 ص272 عنه.
([440]) حدائق الأنوار ج1 ص52 ويفهم ذلك من الزمخشري في الكشاف ج3 ص526 وعنه في سعد السعود ص138.
([441]) تاريخ الخميس ج1 ص480 ووفاء الوفاء ج1 ص301 عن ابن إسحاق والمغازي للواقدي ج2 ص444 و 445 وتفسير القمي ج2 ص177 و 176 وعيون الأثر ج2 ص57 وزاد المعاد ج2 ص117 وبحار الأنوار ج20 ص217 ونهاية الأرب ج17 ص168 والبدء والتاريخ ج4 ص217 وسيرة مغلطاي ص56.
وراجع: الوفاء ص693 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص233 و 236 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص428 وراجع: العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص29 وفتح الباري ج7 ص301 و 307 والمواهب اللدنية ج1 ص110 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 و 4 وبهجة المحافل ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج2 ص311 وحدائق الأنوار ج2 ص587 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص514 ومنهاج السنة ج4 ص170.
([442]) تاريخ الخميس ج1 ص484.
([443]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص161 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص197 والكامل في التاريخ ج2 ص180 والمختصر في أخبار البشر ج1 ص135 وراجع المصادر التالية: الإكتفاء للكلاعي ج2 ص162 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص230 و 231 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص236 و 237 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص197 والبداية والنهاية ج4 ص102 والبدء والتاريخ ج4 ص217 وتاريخ الخميس ج1 ص483 والمواهب اللدنية ج1 ص112 ومختصر التاريخ ص43 وجوامع السيرة النبوية ص149 وفتح الباري ج7 ص307 ومجمع البيان ج8 ص341 و 342 والبحار ج20 ص200 وتهذيب سيرة ابن هشام ص190 ووفاء الوفاء ج1 ص301.
([444]) راجع هذا القيل في: وفاء الوفاء ج1 ص301 وفتح الباري ج7 ص301 والسيرة الحلبية ج2 ص310 و 311 وتاريخ الخميس ج1 ص480 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص394 عن قتادة.
([445]) التنبيه والإشراف ص216.
([446]) السيرة الحلبية ج2 ص310 و 311 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص2 والإمتاع ج1 ص218 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص513 ونهاية الأرب ج17 ص167 وحبيب السير ج1 ص359.
([447]) تاريخ الخميس ج1 ص480 وعيون الأثر ج2 ص56 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص233 ولم يذكر عدد الإبل.
([448]) إمتاع الأسماع ج1 ص218 و 219.
([449]) المغازي للواقدي ج2 ص455.
([450]) نهاية الأرب ج17 ص167.
([451]) الخصال ج2 ص68، باب السبعة، والبحار ج20 ص244.
([452]) خاتم النبيين ج2 ص920 و 921 عن كتاب السيرة لابن جرير الطبري
([453]) خاتم النبيين ص921.
([454]) تفسير القمي ج2 ص177 والبحار ج2 ص217 عنه.
([455]) السيرة الحلبية ج2 ص315 و 316 وإمتاع الأسماع ج1 ص225 والمغازي للواقدي ج2 ص454.
([456]) المغازي للواقدي ج2 ص455.
([457]) الجشيشة هي: البر يطحن غليظاً.
([458]) راجع: تجارب الأمم ج1 ص149 والمغازي للواقدي ج2 ص455 و456 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص161 وبهجة المحافل ج1 ص265 وشرح بهجة المحافل ج1 ص265 والمواهب اللدنية ج1 ص112 وتاريخ الخميس ج1 ص483 و484 وزاد المعاد ج2 ص117 وحبيب السير ج1 ص360 وجوامع السيرة النبوية ص149 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص231 و 232 وتهذيب سيرة ابن هشام ج3 ص190 و 191 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص4 والسيرة الحلبية ج2 ص316 و 315 وإمتاع الأسماع ج1 ص226 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص400 و 401 و 428 و 329 وراجع: وفاء الوفاء ج1 ص303 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص526 و 527 ومجمع البيان ج8 ص342 والبحار ج20 ص200 و 201 و 221 و 223 ونهاية الأرب ج17 ص170 و 171 وعيون الأثر ج2 ص59 والكامل في التاريخ ج2 ص180 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص237 والبداية والنهاية ج4 ص103 وراجع: تفسير القمي ج2 ص179 و 181 والإكتفاء ج2 من 163 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص198 و 199 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص236 و 237.
([459]) السيرة الحلبية ج2 ص316 وإمتاع الأسماع ج1 ص226 وتفسير القمي ج2 ص180 وبحار الأنوار ج20 ص221 و 222 عنه. وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص456 و 457.
([460]) راجع: تفسير القمي ج2 ص180 و 81 وبحار الأنوار ج20 ص222 و 223 عنه.
([461]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص527 والبداية والنهاية ج4 ص103 وراجع ص13 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص401.
([462]) البداية والنهاية ج4 ص103.
([463]) تفسير القمي ج2 ص181 وبحار الأنوار ج20 ص223 عنه.
([464]) السيرة الحلبية ج2 ص316.
وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص227 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص527 والمغازي للواقدي ج2 ص457.
([465]) السيرة الحلبية ج2 ص316 وراجع: إمتاع الأسماع ج1 ص227 والمغازي للواقدي ج2 ص458 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص527 وتفسير القمي ج2 ص181 وبحار الأنوار ج20 ص223 عنه، وفيهما: "فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لسعد بن معاذ، وأسيد بن حصين، وكانا من الأوس. وكانت بنو قريظة حلفاء للأوس"، والظاهر: أن كلمة "حصين" هي تصحيف: حضير. وذلك كثير.
([466]) العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق 2 ص29 و 30 وراجع المصادر التالية: بهجة المحافل ج1 ص265 والمواهب اللدنية ج1 ص112 وتاريخ الخميس ج1 ص484 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 وزاد المعاد ج2 ص117 وجوامع السيرة النبوية ص149 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص164 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص199 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص237 وعيون الأثر ج2 ص59 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص232 و 233 والسيرة الحلبية ج2 ص316 و317 وإمتاع الاسماع ج1 ص227 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص527 وتهذيب سيرة ابن هشام ص191 و 192 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص429 و 430 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص238 والبداية والنهاية ج4 ص103 و 104 وتفسير القمي ج20 ص181 وبحار الأنوار ج20 ص223 و 201 ومجمع البيان ج8 ص342 والمغازي للواقدي ج2 ص458 و 459.
([467]) راجع: شرح بهجة المحافل ج1 ص265 عن البغوي، وتاريخ الخميس ج1 ص484 وعيون الأثر ج2 ص59 والسيرة الحلبية ج2 ص316 و 317 عن الشيخين وسبل الهدى والرشاد ج4 ص527 ومجمع البيان ج8 ص342 وبحار الأنوار ج20 ص201 والمغازي للواقدي ج2 ص458.
ونقل في البداية والنهاية ج4 ص104 عن ابن إسحاق عكس ذلك.
([468]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص227 عن ابن عقبة، والواقدي، وابن عائذ، وابن سعد.
([469]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص527 و 528 والمغازي للواقدي ج2 ص458.
([470]) كلمة يستقبح التصريح بها.
([471]) البداية والنهاية ج4 ص104 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص403.
([472]) تفسير القمي ج2 ص181 والبحار ج20 ص223 عنه.
([473]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص484 والسيرة الحلبية ج2 ص317 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص238 والبداية والنهاية ج4 ص104 ومجمع البيان ج8 ص342 وبحار الأنوار ج20 ص201 وعيون الأثر ج2 ص6 وزاد المعاد ج2 ص118 والإكتفاء للكلاعي ج2 ص164 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص237.
([474]) إمتاع الأسماع ج1 ص227 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص528 والمغازي للواقدي ج2 ص459.
([475]) سبل الهدى والرشاد ج4 ص528.
([476]) السيرة الحلبية ج2 ص317 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص528 والبداية والنهاية ج4 ص104 والمغازي للواقدي ج2 ص459 دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص403 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص199 و 200.
([477]) راجع كتابنا "حديث الإفك" ـ فصل: الفضائل والسياسة.
([478]) المواهب اللدنية ج1 ص112 والسيرة الحلبية ج2 ص217 وراجع ص327 و328 كلاهما عن الشيخين. وقال الترمذي: حديث حسن والتاريخ الكبير للبخاري ج6 ص139.
وقول الزبير الأخير: موجود في السيرة النبوية لدحلان ج2 ص5 و10 وكذا في سبل الهدى والرشاد ج4 ص562 لكنه لم يصرح ببني قريظة وحدائق الأنوار ج2 ص590 عن الصحيحين، وليس فيهما تصريح ببني قريظة أيضاً.
وفيه: أنه لما قال له الزبير: أنا. قال: إن لكل نبي حواري وإن حواريي الزبير، وراجع: صحيح البخاري كتاب أصحاب النبي، باب مناقب الزبير.
([479]) المغازي للواقدي ج2 ص457 وإمتاع الأسماع ج1 ص227.
([480]) اليسرة النبوية لدحلان ج2 ص5.
([481]) السيرة الحلبية ج2 ص317.
([482]) السيرة الحلبية ج2 ص317.
([483]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص231 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص301 و 302 وتهذيب الأسماع ج1 ص266 وسير أعلام النبلاء ج3 ص363 و 365 ومستدرك الحاكم ج3 ص548 وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه) وتاريخ الصحابة ص150 وتهذيب الكمال ج14 ص509 وراجع: أسد الغابة ج3 ص161 ومختصر تاريخ دمشق ج12 ص170 و 171 و 172 والبداية والنهاية ج3 ص230 والسيرة الحلبية ج2 ص89 و 80 والتبيين في أنساب القريشيين ص257 وتهذيب التهذيب ج5 ص213 والإصابة ج2 ص309 و 310.
([484]) الجرح والتعديل ج5 ص56 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص197.
([485]) تاريخ الصحابة لابن حبان ص150 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص301 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص231 والتاريخ الكبير ج5 ص6 وحلية الأولياء ج1 ص333 ومختصر تاريخ دمشق ج12 ص171 والتبيين في أنساب القريشيين 257 والسيرة الحلبية ج2 ص79 والثقات ج3 ص212 والجمع بين رجال الصحيحين ج1 ص240 ونسب قريش لمصعب ص237.
([486]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص230 ووفيات الأعيان ج3 ص71 ومستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي ج3 ص548 والإصابة ج2 ص309، وراجع: سيرة أعلام النبلاء ج3 ص363 وأسد الغابة ج3 ص163 وتهذيب الكمال ج14 ص509 وتهذيب التهذيب ج5 ص213 وتهذيب الأسماء ج1 ص166 وأنساب الأشراف ج5 ص375.
([487]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص551 والإصابة ج2 ص309 عن الواقدي ومن تبعه، وسير أعلام النبلاء ج3 ص363 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص197 وتهذيب الأسماع ج2 ص266 والمحبر ص275 و276 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص231 وأسد الغابة ج3 ص161 ومختصر تاريخ دمشق ج12 ص171 عن الزبير بن بكار والسيرة الحلبية ج2 ص80 عن الواحدي وغيره.
([488]) تهذيب التهذيب ج5 ص214 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص551.
([489]) راجع: الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص301 وتهذيب التهذيب ج5 ص213 وراجع: أسد الغابة ج3 ص161 وتهذيب الكمال ج14 ص509 والبداية والنهاية ج3 ص230 والمحبر ص275 و276 والجمع بين رجال الصحيحين لابن العسقلاني ج1 ص240.
([490]) تهذيب التهذيب ج5 ص213 و 214 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص80.
([491]) تهذيب التهذيب ج5 ص214.
([492]) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص303 ومختصر تاريخ دمشق ج12 ص198 وج 24 ص190 ووفيات الأعيان ج3 ص74 والجمع بين رجال الصحيحين ج1 ص240 والكامل في التاريخ ج2 ص359 وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج5 ص43.
([493]) البداية والنهاية ج3 ص230 والإصابة ج3 ص559 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص151 وتهذيب التهذيب ج10 ص448 و 447 والمحبر ص276 وتهذيب الأسماع ج2 ص129.
([494]) سير أعلام النبلاء ج3 ص411 وتهذيب التهذيب ج10 ص448.
([495]) أسد الغابة ج5 ص22.
([496]) سير أعلام النبلاء ج3 ص476.
([497]) راجع على سبيل المثال: الإصابة ج3 ص477 و 478 وتهذيب الأسماء ج2 ص87 وأسد الغابة ج4 ص348 وتهذيب التهذيب ج10 ص91 و 92 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص425 والبداية والنهاية، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج5 ص611 وطبقات ابن سعد (ط دار صادر) ج5 ص36 وفي مختصر تاريخ دمشق ج24 ص184 و 179: أن عمر مروان حين موت النبي كان ثمانية سنين. وراجع: الكامل في التاريخ ج4 ص192
([498]) راجع: تهذيب الكمال ج14 ص509 وسير أعلام النبلاء ج3 ص364 ومختصر تاريخ دمشق ج12 ص171.
([499]) الإصابة ج2 ص301 وتهذيب التهذيب ج5 ص514.
([500]) الإصابة ج2 ص518 وتهذيب التهذيب ج7 ص456.
([501]) الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص475 وراجع: الثقات ج3 ص263 والجمع بين رجال الصحيحين ج1 ص339 والمحبر ص293 وراجع: تهذيب التهذيب ج7 ص456 وتهذيب الأسماء ج2 ص16
([502]) صحيح البخاري ج3 كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، وسير أعلام النبلاء ج3 ص365.
([503]) عمدة القاري ج17 ص90 وذكر هذا التاريخ في مصادر كثيرة، فراجع على سبيل المثال: تاريخ ابن الوردي ج1 ص191 وإرشاد الساري ج6 ص252 وفتح الباري ج7 ص233.
([504]) فتوح البلدان ص130 والبداية والنهاية ج7 ص21.
([505]) فتح الباري ج7 ص233 وعمدة القاري ج17 ص91 وإرشاد الساري ج6 ص253.
([506]) راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص527 وبقية المصادر تقدمت تحت عنوان: لا بد من التثبت.
([507]) الآية 28 من آل عمران.
([508]) الجامع لأحكام القرآن ج4 ص58 وتفسير الخازن ج1 ص227.
([509]) المغازي للواقدي ج2 ص457.