الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج9
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الرابع:
دلالات وعبر
يكفينيك الله، وابنا قيلة:
قد ذكرت الروايات المتقدمة: أن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" يجيب على تهديدات عامر بن الطفيل بقوله: "يكفينيك الله، وابنا قيلة".
والمقصود بـ "ابني قيلة": الأوس، والخزرج.
وهذه الكلمة تتضمن:
1 ـ إعزازاً لجانب الأوس والخزرج.
2 ـ تحريضاً لهما على إسداء النصر ضد العدو، الذي لا مبرر لعدوانه، إلا الحمية الظالمة الخرقاء، حمية الجاهلية، وإلا الانقياد للهوى، والاستجابة لنزغ الشيطان.
3 ـ إن اعتماده "صلى الله عليه وآله" هو على الله أولاً وبالذات، ولكنه في نفس الوقت يعد العدة، ويعتمد الوسائل المادية في دفع الأخطار المحتملة، وهذا يدلل على واقعية الإسلام، وعلى أنه لا يتعامل مع الأمور بصورة تجريدية وذهنية محضة، كما أنه لا يفرط في الاعتماد على القوة المادية، بل هو يعتمد عليها في صراط اعتماده على الله سبحانه، فالله هو المصدر الأول للقوة.
بل وحتى القوة المادية، إذا لم تنته إلى الله فإنها تتحول إلى ركام وحطام لا أثر له، إن لم نقل: إن له الكثير من الآثار السلبية والهدامة في كثير من الأحيان، وهذا موضوع حساس وخطير، يحتاج إلى توفر أتم، ووقت أوفى.
النبي ' يُحمِّل أبا براء المسؤولية:
وبعد.. فإننا نجد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد اعتبر أبا براء هو المسؤول عما حصل، حينما قال: "هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً متخوفاً".
ونحن نشك في ذلك.
فإن الروايات التي روت لنا ما حصل، لعلها متفقة على أن أبا براء، لم تكن له أية علاقة بما حدث، لا من قريب، ولا من بعيد، وقد صرحت بعضها بأنه كان مستاءً جداً مما حصل.
بل إن بعضها يصرح: بأنه قد مات أسفاً على ما صنع به عامر ابن أخيه. وعليه فيرد هنا سؤال، وهو:
هل إنه لم تبلغ النبي "صلى الله عليه وآله" الأخبار على حقيقتها؟
وإذا كان ذلك، فما بال جبرائيل لا يوقفه على حقيقة ما جرى؟!
أم يعقل أن يكون ما وصل إلينا قد تعمد التعتيم على ما جرى، أو كان محرفاً لسبب أو لآخر؟!
ولعل الإجابة الأقرب إلى الواقع هي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان على علم تام بما حصل، ولكنه أراد تحريض أبي براء ضد مرتكب الجريمة عامر بن الطفيل؛ بالطريقة المشروعة، والمقبولة لدى الناس، فلقد كان أبو براء قد قبل ـ مختاراً ومتبرعاً ـ بأن يكون مسؤولاً عن حياة أولئك النفر، وهو الذي بادر إلى إظهار الرغبة بإرسالهم إلى تلك المنطقة، وحينما عبر النبي "صلى الله عليه وآله" عن مخاوفه من أهل نجد، نجد أبا براء قد قبل أن يجيرهم، ثم يذهب بنفسه، ويخبر أهل نجد بأنه قد أجار أصحاب محمد "صلى الله عليه وآله".
ولعل من نتائج موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هذا، ثم مبادرة حسان بن ثابت لتحريض ربيعة بن أبي براء على عامر، أن سأل ربيعة النبي "صلى الله عليه وآله" أو غيره: إن كانت ضربة أو طعنة لعامر تغسل عن أبيه هذه الغدرة، فقال "صلى الله عليه وآله": نعم.
فطعنه ربيعة في حياة أبيه، فقتله، "كما في معالم التنزيل" أو فأشواه، كما في المصادر الأخرى.
شرف التواضع.. وذل الغطرسة:
وتحدثنا الروايات المتقدمة: أن عامر بن الطفيل لم يستطع أن يميز النبي "صلى الله عليه وآله" من بين أصحابه حيث كان جالساً بينهم كأحدهم حتى يسأل عنه هذا وذاك فيخبرونه.
نعم، وهذه هي أخلاق الإسلام وتعاليمه، وهذه هي تربيته للإنسان، فهو يربي في الإنسان إنسانيته أولاً، ويفهمه أن الحكم ليس امتيازاً وإنما هو مسؤولية وواجب في إطار قاعدة: لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.
فالإسلام يربي في الإنسان روح الرفض والإدانة لكل الامتيازات الظالمة، التي يجعلها المتزعمون، وأصحاب الثروات والوجاهات لأنفسهم، لا لشيء إلا لأنهم أبناء فلان، أو لأنهم يملكون القوة، أو المال، أو ما أشبه ذلك. من دون أن يقدموا لمجتمعهم أدنى ما توجبه عليهم القيم والمثل الإنسانية، ولا حتى أن يعترفوا لغيرهم بأبسط الحقوق، حتى حق الحياة، فضلاً عن حق الحرية، والعيش بكرامة.
الرسل لا تقتل:
ويلاحظ هنا: أن عامر بن الطفيل قد ارتكب عملاً شنيعاً، يرفضه الخلق الإنساني، ويأنف منه حتى أكثر الناس بعداً عن المعاني الإنسانية والاخلاقية. ألا وهو قتل الرسول، (حامل كتاب النبي "صلى الله عليه وآله") وقد جرت عادة العرب قديماً "بأن الرسل لا تُقتَل"([1]) كما أنه يخفر ذمة أبي براء، وما جرت عادة العرب بذلك أيضاً.
وهناك جريمة ثالثة، وهي أن قتله للرسول كان غدراً وغيلة وذلك أمر لا يستسيغه حر يحترم نفسه، ويطمح إلى ما كان يطمح إليه مثل عامر. مع أنه هو نفسه يرسل إلى النبي "صلى الله عليه وآله" يطلب منه دية الرجلين، اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري في طريقه رغم أن عمرواً لم يكن يعلم بالعهد الذي أعطاهما إياه الرسول، ورغم أن ما فعله عامر، من شأنه أن ينسف كل العهود والمواثيق، ويعطي حق المعاملة بالمثل الذي تقره جميع الأعراف، ولا تمنع منه الشرائع.
ولكن سماحة الإسلام.. وحرص النبي "صلى الله عليه وآله" على أن يعامل الناس بأخلاقه هو، لا على حسب أخلاقهم هم، هو الذي جعله لا يتخذ مواقفه من خلال الانفعالات والمشاعر، التي تنشأ عن إثارات يتعمدها الخصوم في كثير من الأحيان، فإن الإنسان المسلم لا تزله الرياح العواصف، ولا يفقد توازنه، ولا يتخلى عن مبادئه ولا يحيد عن هدفه ليصبح أسير مشاعره الثائرة، وانفعالاته الطاغية ويلبي نداءاتها ويستجيب لإثاراتها.
فنجد النبي "صلى الله عليه وآله" يرسل بدية الرجلين، ولا يذكّر بشيء مما فعله قومهما، بل هو يظهر استياءه من قتل عمرو بن أمية لهما، ويصرح بتصميمه على أن يديهما فور علمه بما جرى عليهما، وقبل أن يرسل إليه عامر بطلب ديتهما.
وبذلك يتميز الإنسان المؤمن عن غيره، يسير كل منهما في خطه الذي ينبغي له، هذا دليله عقله وحكمته، ورائده رضى ربه، وسلامة دينه، والفوز بالآخرة، وذاك دليله هواه ورائده شهواته، وهدفه الدنيا، وزخرفها.
وفي مقابل ذلك نجد عامر بن الطفيل ينقاد لهواه فيقتل الرسول، والرسل لا تُقتَل، ويخفر الذمة، ويستعمل طريقة الختر والغدر، وكل ذلك شنيع، وفظيع.
وهو كذلك ينقاد لهواه لأنه يرفض أن يكون موته بغدة كغدة البعير، ويأنف أن يكون ذلك في بيت سلولية.
أما رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فهو ينسجم مع أخلاقه، كما أنه ينطلق من مبادئه السامية في كل مواقفه ولا يخرجه أي شيء عن توازنه ومتانته، لا يزعزع ثباته، ولا تزله الرياح العواصف مهما كانت هوجاء، وعاتية([2]).
ديَّة الرجلين لماذا؟!
ومن جهة ثانية نلاحظ: أن قبيلة عامر قد رفضت الاستجابة لطلب ابن الطفيل بقتل المسلمين، وذلك وفاء لذمة أبي براء وجواره.
ولا بد أن يكون موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هذا مؤثراً في إعطاء صورة حسنة للعامريين، ويفترض البعض أيضاً: أن ذلك يزيد في حالة عدم الانسجام فيما بين هذه القبيلة وبين عامر بن الطفيل، الذي ارتكب تلك الجريمة النكراء، فهو "صلى الله عليه وآله" يريد استمالة بني عامر إلى جانبه، ولهذا قرر التدخل في السياسة الداخلية للقبيلة.
ولكننا نقول: إن بعض النصوص تؤكد أن موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هذا قد كان منطلقاً من قيمة أخلاقية، ورسالية، فرضها عليه واقع أن هذين الرجلين كانا من أهل ذمته "صلى الله عليه وآله"، ولم يقتلا من أجل ذنب أتياه، حسبما أشرنا إليه آنفاً.
ويضيف ذلك البعض: أنه كان معيباً في حق بني عامر، ترك الرجال يقتلون، وهم تحت حمايتهم، ولهذا كان الشاعر المسلم كعب بن مالك واضحاً في هذا الصدد.
إلى أن قال: ولم يكن محمد يستطيع التخلي عن بني عامر قبل التخلي عن كثير من الآمال، ولكن هذا لم يمنعه من أن يصلي ويطلب من الله معاقبة عامر([3]).
ولكننا نقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد دعا على رعل وذكوان وعصية، ولم أجد أنه دعا على بني عامر، بل ذكر الواقدي: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: اللهم اهد بني عامر، واطلب خفرتي من عامر بن الطفيل([4]). ولعل عدم مشاركة بني عامر في الدفاع عمن أجارهم أبو براء، إنما هو من أجل أن لا تحدث انشقاقات خطيرة بينهم وبين غيرهم ممن استجاب لابن الطفيل.
وأما القول بأن تخلي النبي "صلى الله عليه وآله" عن بني عامر، معناه التخلي عن كثير من الآمال، فإنه غير واضح، إذ ماذا يمثل بنو عامر، وما هو الدور الذي قاموا به، أو يمكنهم أن يقوموا به في نصرته "صلى الله عليه وآله"؟!
الأفق الضيق:
وما أقل عقل عامر بن الطفيل، وما أحقر طموحاته وأحطها، وما أضيق الأفق الذي يفكر فيه، حينما نجده يفعل الأفاعيل انطلاقاً من حالة انفعالية أثارها أمر تافه، وتافه جداً، جعله يرتكب أبشع جريمة، ويخالف كل الأعراف والتقاليد، فيغدر، ويخفر الذمم ويقتل الرسول، ويقتل الكثيرين غيره، ويبادر إلى الزحف نحو المدينة، كل ذلك من أجل أي شيء يا ترى، وفي سبيل أية قضية؟!
إن ذلك كله.. كما ورد في الروايات قد كان من أجل أن صبياً عطس، فشمَّته النبي "صلى الله عليه وآله" لأنه حمد الله، ويعطس عامر فلا يحمد الله، فلا يشمِّته رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وما كان أحراه بأن يستفيد من هذه القضية درساً حياتياً مفيداً، فيتوجه نحو الله سبحانه ويعتبر أن العز، والشرف، والسؤدد بالقرب منه تعالى، والعمل بما يرضاه، وأن كل شيء بدون الله فهو حائل زائل، وزخرف باطل، لا قيمة له، فيربي نفسه على ذكر الله، والتقرب إليه لينال كل ما يصبو إليه من عز وشرف وحياة وسعادة.
ولكنه يتخلى عن ذلك كله، ليتبع خطوات الشيطان، ويشمخ بأنفه، وينظر في عطفه، ويصر مستكبراً صادَّاً عن ذكر الله سبحانه، يتخيل أن بإمكانه أن يحصل على شيء بدون الله، وبدون اللجوء إليه سبحانه، فتكون النتيجة هي أنه يجلب لنفسه الوبال، والدمار، ويخسر الدنيا والآخرة وبئس للظالمين بدلاً.
خلافة النبوة:
أما مطالب عامر بن الطفيل التي عرضها على النبي "صلى الله عليه وآله" فهي تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: يجسد طموحاته وأطماعه الدنيوية وحبه للتسلط، والاستئثار، فنجده يساوم النبي "صلى الله عليه وآله" ـ كما فعله مسيلمة الكذاب فيما بعد([5]) ـ ليقاسمه السلطة على الناس، بزعمه، فيقترح عليه أن يكون للنبي "صلى الله عليه وآله" السهل، ويكون لعامر أهل الوبر، من دون أن يكون لديه أي مبرر لذلك، سوى الغطرسة والطغيان، والاعتزاز بألف أشقر وألف شقراء والاعتماد على قوة السيف، الذي يرى فيه المحلل لكل محرم، ويسمح له بارتكاب أي مأثم، ومن دون أن يعطي لأولئك الناس الذين يطمح للتسلط عليهم حق الاختيار، الذي يساوي حق الحياة، وكأن الناس سلع تشرى، وتباع وتوهب.
هذا عدا عن أنه لا يملك هو نفسه أي امتياز يخوله الاستئثار بشيء من الامتيازات دون غيره، فهو لا يملك العلم النافع، ولا يرفع شعار الهداية لسبيل الله والحق، والخير، ولا غير ذلك من مقومات.
الثاني: إنه يرشح نفسه لمنصب خطير وهام، ألا وهو خلافة النبوة، وقيادة الأمة وهدايتها. هذا المنصب الذي لم يكن يملك أي شيء من مقوماته: خلقياً، وإنسانياً، وسلوكياً، فضلاً عن الامتياز العلمي، وسائر القدرات والمؤهلات الذاتية، التي لا بد من توفرها في من يتصدى لمنصب كهذا.
ولا أدل على ذلك من أنه تثور ثائرته، لأن الرسول "صلى الله عليه وآله" يشمِّت غلامه الذي حمد الله، ولم يشمِّته هو، حيث لم يحمد الله تعالى.
وبعد هذا.. فكأنه لم يسمع ما أجاب به النبي "صلى الله عليه وآله" أحد بني عامر بن صعصعة، حينما عرض على النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة نفس ما عرضه هو عليه، فأجابه "صلى الله عليه وآله" بقوله: "إن الأمر لله، يضعه حيث يشاء".
فلا مجال لرأي أحد في أمر الإمامة بعده "صلى الله عليه وآله" ولا يثبت ذلك بالانتخاب، ولا بالشورى، ولا هو من صلاحيات النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه، وإنما هو فقط من صلاحيات رب العزة، وخالق الكون دون سواه؛ فهو الذي يختار ومنه يصدر القرار، وقد قدمنا بعض ما يرتبط بهذه القضية في الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل: حتى بيعة العقبة، فراجع.
المشركون في مواجهة الوجدان:
وبعد.. فقد ذكرت الروايات: أن أبا براء، ملاعب الأسنة، قد أرسل إلى النبي "صلى الله عليه وآله" يستشفيه من دبيلة كانت في بطنه، فتناول رسول الله "صلى الله عليه وآله" جبوبة (وهي المدرة) من تراب، فأمرّها على لسانه ثم دفها بماء، ثم سقاه إياها، فكأنما أنشط من عقال([6]).
وفي نص آخر: فتفل فيها وقال: دفها بماء، ثم أسقاه إياه ففعل؛ فبرئ، ويقال: إنه بعث إليه بعكة عسل؛ فلم يزل يلعقها حتى برئ([7]).
ويذكرنا هذا النص بما قدمناه عن مشركي مكة أيضاً، الذين يعلم كل أحد ما لاقاه النبي "صلى الله عليه وآله" منهم، حتى اضطروه إلى الهجرة، فإنهم مع عدائهم له "صلى الله عليه وآله" يودعون أموالهم عنده "صلى الله عليه وآله"، حتى ليضطر إلى إبقاء علي أمير المؤمنين "عليه السلام" في مكة ثلاثة أيام ـ حين الهجرة ـ ليؤدي الودائع والأمانات إلى أصحابها.
ومعنى ذلك هو: أنهم يرون في هذا النبي "صلى الله عليه وآله": أنه متصل بالغيب، حتى ليرسلون إليه يستشفونه من أمراضهم، كما ويرون فيه أنه في غاية الأمانة والرعاية لحقوق الناس، وأموالهم.
الأمر الذي لا بد أن يكشف لهم عن ملكات وفضائل أخلاقية نادرة لديه "صلى الله عليه وآله" وأنه لا مطمع له بمال، ولا بمتاع دنيا.
إذاً، فإنهم لا بد أن يتلمسوا التناقض الهائل الذي يجدون أنفسهم فيه، فهم يكرهونه، ويكذِّبونه، ويتهمونه، وهم كذلك يرون طهارته، وعفته وصدقه، وأمانته، حتى لقبوه بالصادق الأمين. فيعيشون حالة الصراع الداخلي مع ذاتهم، ومع وجدانهم، وما أشده من صراع، وما أعظم البركات التي يحصلون عليها لو انتصر عقلهم ووجدانهم. وما أخطرها وأشدها دماراً، لو انتصرت المشاعر والأهواء، والمصالح الشخصية الرخيصة.
وليراجع الجزء الثاني من هذا الكتاب في بحث: العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره ففيه مطالب أخرى ترتبط بهذا المقام.
ولعل هذا الإحساس الوجداني الصريح، الذي أدركه أبو براء من خلال مصادقته له "صلى الله عليه وآله" ـ فإنه كان له صديقاً ـ هو الذي جعل هذا الرجل يتحمس لأن يرسل النبي "صلى الله عليه وآله" دعاته إلى نجد، ثم يتعهد بأن يكونوا في جواره، وتحت حمايته.
رفضه ' هدية ملاعب الأسنة منطلقاته ودلالاته:
وتواجهنا في الروايات المتقدمة قضية رفضه "صلى الله عليه وآلـه" هدية أبي براء، ملاعب الأسنة، على اعتبار أنه "صلى الله عليه وآله" لا يقبل هدية مشرك، حتى ولو كان صديقاً له.
وقد تقدم في فصل: أبو طالب مؤمن قريش، موارد أخرى في هذا المجال، وهي تدل على: أن ذلك كان نهجاً له "صلى الله عليه وآله" ويصر على الالتزام به، والتعامل على أساسه.
ونحن في مجال فهم الهدى النبوي في هذا الاتجاه، نشير إلى ما يلي:
ألف: إن من الواضح أن المشركين لا يقيسون الأمور بمقاييس صحيحة، ولا يبنون علاقاتهم مع الآخرين على أساس المثل والقيم والمبادئ عموماً.
وإنما ينطلقون في تقييمهم للأمور من نظرة ضيقة، ومصلحية، قائمة على أساس الأهواء، والطموحات غير المتزنة ولا المسؤولة.
وعلى هذا، فقلما تجدهم يبادرون إلى إتحاف بعضهم بالهدايا ونحوها من منطلق منطقي، أو من شعور إنساني نقي وبريء، أو من مبادئ إنسانية، ومثل عليا.
وإنما غالباً ما يكون ذلك تزلفاً، وتصنعاً؛ بهدف الحصول على ما هو أغلى، وما هو أهم، أو بهدف دفع غائلة من لا يجدون لدفع غائلته وسيلة، ولا عن التصنع والتزلف إليه مهرباً، ومحيصاً.
ولأجل ذلك.. فلو فرض أن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد قبل هديتهم. فعدا عن كون ذلك يدخل في نطاق الموادة لهم، وهو ما ينهى عنه القرآن الكريم صراحة؛ فإنه لو أراد بعد ذلك أن يتخذ من انحرافاتهم وجرائمهم موقفاً رافضاً ومسؤولاً، فلسوف يعتبرون ذلك، ويعتبره كل من هو على شاكلتهم، نكراناً للجميل، وكفراناً للنعمة، الأمر الذي يجعل من هذا الأمر مبرراً لأية سلبية تظهر على مواقفهم منه فيما يأتي من الأيام.
كما أن رفض النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" لهديتهم لا يعتبر مقابلة للإكرام بضده، ولا يعد خلقاً سيئاً، أو تصرف نابياً.
إذ إن النبي "صلى الله عليه وآله" يملك كل الحق في أن يفهمهم أن القضية قضية مصيرية، لا يمكن الإغضاء عنها، ولا التساهل فيها، ولا تخضع للمساومة، ولا للمداهنة، ولا يمكن التنازل عن أي شيء فيها في مقابل المال والنوال.
ولا سيما إذا كان إعطاء المال أو تقديم الهدية يوزن بميزان جاهلي، مصلحي، حسبما ألمحنا إليه.
ب: وبعد فإن إهداء أبي براء ملاعب الأسنة للنبي "صلى الله عليه وآله"، وقول حامل الهدية حينما رد النبي الهدية: "ما كنت أرى أن رجلاً من مضر يرد هدية أبي براء"([8]) يدل على أن أبا براء كان رجلاً ذا أهمية في مجتمعه الذي يعيش فيه، حتى إن أي مضري لا يجرؤ على رد هديته احتراماً وتقديراً له.
فإهداؤه للنبي "صلى الله عليه وآله" يدل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد ذاع صيته، وظهرت هيبته في مختلف أرجاء المنطقة آنئذٍ، وبدأ يتزلف إليه المتزلفون، ويخطب وده الخاطبون.
ج: كما أن الأمر الذي يثير العجب حقاً هو: أننا نجد أبا براء ذلك الرجل المعروف والمبجل في محيطه، والذي لا يرد هديته مضري ليس فقط يتلقى هذه الصدمة الكبيرة، وهي رد هديته من قبل صديقه، بالإذعان والقبول، وإنما هو يطلب من النبي إرسال دعاته إلى بلاد نجد، ويقبل أن يتحمل مسؤولية حمايتهم، وكونهم في جواره.
هذا كله.. عدا عن طلبه الاستشفاء بالنبي "صلى الله عليه وآله" وعمله بما أرسل به إليه.
مع أننا نجد ابن أخيه عامراً على العكس من ذلك تماماً؛ حيث يثيره تشميت النبي لغلام حمد الله، وعدم تشميته له، وهو لم يحمد الله. ثم يتنامى به الأمر، ويتعاظم حتى يرتكب تلك الجريمة النكراء، بأسلوب رخيص ولئيم، أقل ما يقال فيه: إنه مجلبة للعار الدائم، والذل المقيم.. والمخالف حتى لأعراف الجاهلية، فضلاً عن مناقضته لكل القيم والمثل والمبادئ الإنسانية.
فإن كان ما فعله أبو براء عن سياسة ودهاء فنعم السياسة تلك، وحبذا هذا الدهاء، وإن كان عن عقل وحكمة فالمجد والخلود لهذا العقل، وتلكم الحكمة، وإن كان عن قناعة وجدانية ونفحة إيمانية كانت قد بدأت تذكو في نفسه، فما علينا إلا أن نقبل بالرواية القائلة: إنه قد أسلم قبل أن يموت. ونحن نود أن تكون هذه هي عاقبته، وإن كنا لا نملك الدليل القاطع على ذلك.
المنطق القبلي مرفوض في الإسلام:
وبعد.. فقد رأينا النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" ليس فقط لا يؤيد ما فعله عمرو بن أمية الضمري، من قتل الرجلين، وإنما يعبر عن إدانته واستيائه من هذا الأمر.
ثم هو يتعهد بأن يدي الرجلين، ويفعل ذلك.
وإذا أردنا أن لا نقبل بكون الرجلين كانا قد أسلما حقيقة بقرينة: أنهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" أعطى دية حرين مسلمين.
فإننا لا بد أن نستفيد من موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هذا حتى ولو كانا كافرين إدانة صريحة للمنطق الجاهلي القبلي الذي يبيح للإنسان أن يقتل أياً من أفراد القبيلة الأخرى، لو ارتكب واحد منها جريمة تجاه قريب له فرضاً.
فهو "صلى الله عليه وآله" يلوم عمرو بن أمية ويدين عمله، ويقول له: بئس ما صنعت، رغم أنه لم يكن يعلم بالعهد، ورغم أن اللذين قتلهما كانا بزعمه مشركين.
ويوضح: أنه "صلى الله عليه وآله" إنما يدين المنطق القبلي الجاهلي قوله "صلى الله عليه وآله": رجلين من أهل ذمتي قتلتهما لا لأجل دينهما، حسبما روي.
مصير زيد بن قيس، وابن الطفيل:
وتذكر الروايات المتقدمة: أنه بعد أن أراد زيد بن قيس قتل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وحبس الله يده، حتى لم يتمكن من سل سيفه،
كانت النتيجة: أن الله سبحانه وتعالى يرسل على زيد بن قيس صاعقة، فتحرقه، ثم يموت عامر بن الطفيل من غدة كغدة البعير في بيت سلولية.
وما ذلك إلا لأن هذين الرجلين قد رأيا بأم أعينهما الآية الظاهرة، والمعجزة القاهرة له "صلى الله عليه وآله"، ولكنهما يصران على الضلال، والكفر، ولا يعتبران بما رأياه من كرامة إلهية له "صلى الله عليه وآله"، فكانت النتيجة: أن أصبحا عبرة لمن اعتبر، وخسرا الدنيا والآخرة، وبئس للظالمين بدلاً.
فزت والله:
ونجد في الروايات المتقدمة: أن جبار بن سلمى، المشرك، حينما طعن ابن ملحان الأنصاري سمعه يقول: فزت والله، تحير في فهم مغزى كلامه، فقال في نفسه: ما فاز؟ أليس قد قتلت الرجل؟!
ثم يسأل عن هذا الأمر بعد ذلك، فأخبروه: أنه الشهادة، فقال: فاز لعمرو الله. وكان ذلك سبب إسلامه.
ونحن بدورنا ليس لدينا ما يثبت أو ينفي هذه الرواية، ولكننا نعلم: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" حينما ضربه ابن ملجم على رأسه في مسجد الكوفة، قال: فزت ورب الكعبة([9]).
ونقول: إن تحير ذلك المشرك، وقول أمير المؤمنين "عليه السلام" وذلك المسلم لهذه الكلمة طبيعي جداً.
فإن من يفهم الأمور فهماً دنيوياً ومصلحياً بحتاً، يقيس الربح والخسران بمقاييس المادة والماديات وحسب. فلا يمكنه أن يفهم الموت إلا على أنه ضياع وخيبة؛ لأنه يراه عدماً وفناء، وخسارة وجود، ونهاية حياة.
أما الإنسان المسلم القرآني؛ فهو يرى في الموت أمراً آخر، ومعنى يختلف كلياً عن هذا المعنى، وذلك من خلال التعليم القرآني، الذي هو المصدر الأصفى، والأدق والأوفى، ثم التربية النبوية الرائدة، وتوجيهات الأئمة والأوصياء "صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".
ولا نريد أن نفيض في ذكر الآيات والروايات التي تعرضت لحقيقة الموت، وبينت موقعه في مسيرة الإنسان ومصيره، وإنما نكتفي بالإشارة إلى ما يلي:
1 ـ قال تعالى: ?الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ?([10]).
2 ـ عن الإمام الحسين "عليه السلام"؛ في خطبة له في مكة، قبل أن يخرج إلى العراق: خط الموت على ولد آدم، مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف([11]).
3 ـ وفي رواية عن الإمام الصادق "عليه السلام" قال: "ذكر الموت يميت الشهوات في النفس، ويقلع منابت الغفلة، ويقوي القلب بمواعد الله، ويرق الطبع، ويكسر أعلام الهوى، ويطفئ نار الحرص"([12]).
4 ـ عن الصادق "عليه السلام": "إن المؤمن إذا مات لم يكن ميتاً؛ فإن الميت هو الكافر"([13]).
والآيـات والروايـات حـول المـوت والحياة كثيرة، فيهـا الإشـارات والـدلائـل الجمة إلى كثير من الأمور الهامة والخطيرة، ونحن نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:
ألف: بالنسبة للآية الكريمة نقول: إننا نلاحظ أنها قدمت ذكر الموت على ذكر الحياة "الموت والحياة".
كما أنها صرحت: بأن الموت مخلوق لله سبحانه، كما أن الحياة مخلوقة له تعالى.
إذاً فللموت دوره كما هو للحياة، وليس هو مجرد فناء وعدم، يظهر معناه ومغزاه من خلال ظهور المعنى المقابل له.
ثم صرحت الآية: بأن السر في خلق هذين العنصرين هو وضع الإنسان على المحك في سوقه نحو الأفضل والأحسن، والأكمل، الأمر الذي يفيد: أن لهما دوراً في بناء شخصية الإنسان وتكامله.
وذلك يعني: أنهما مرحلتان يتجاوزهما الإنسان، ولا يتوقف عندهما في مسيرته الظافرة نحو الحياة الحقيقية ?وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ?([14])، حيث إن بها يبلغ الإنسان مرحلة كماله، وفيها تتساقط الحجب المادية المانعة من الإحساس بالأمور إحساساً واقعياً وحقيقياً وعميقاً.
ب: إن الكلمة المروية عن الإمام الحسين "عليه السلام" قد اعتبرت أن الموت بمثابة قلادة على جيد الفتاة، ومعنى ذلك هو: أن الموت هو زينة للحياة ويزيد في بهجتها، ويعطيها رونقاً، وبهاء وجمالاً، وبدونه تكون باهتة خافتة تماماً كما هو الحال بالنسبة للقلادة التي تزيد في بهجة وبهاء وجمال الفتاة، وتوجب انشداد الأنظار إليها، وتعلق النفوس بها.
ولأجل هذا المعنى جعلها على جيد "فتاة" وليس "المرأة". فإن الفتاة هي التي تميل إليها نفوس الطالبين، وتكون موضعاً لتنافس المتنافسين.
كما أننا نلاحظ: أنه لم يستعمل كلمة "عنق" هنا وإنما اختار كلمة "جيد" الذي هو من الجودة، وهو تعبير مريح للنفس أيضاً، ومثير لكثير من المعاني اللذيذة في أعماقها.
فالموت زينة الحياة، وبهجتها، حينما يثير في الإنسان طموحه إلى ما هو أبعد وأوسع وأعلى وأغلى، ويشد روحه وعقله إلى الآفاق الرحبة، وملاحقة أسرار الكون وخفاياه، وحقائقه ودقائقه ومزاياه، من أجل أن يسخِّر كل ما في الوجود ويستفيد من كل ما تصل إليه يده في مجال إبعاد الشفاء والعناء، ومساعدته على بلوغه مدارج الكمال، ووصوله إلى أهدافه السامية، وتحقيقه مثله العليا، الأمر الذي يحتم عليه التزام الفضائل، والتعالي عن الموبقات والرذائل.
بالإضافة إلى أن حقيقة الموت، وإدراكها بعمق يمنح هذا الإنسان القدرة على الوقوف في وجه شهواته ويهيمن عليها، لأنه يعطي الحياة الدنيا قيمتها الحقيقية، ويمكِّن الإنسان من أن يفهمها بعمق، ويعرف مدى واقعيتها.
حتى ليرى الإنسان المؤمن: أن الموت في بداية الحياة الحقيقية، وأن الخروج من هذه الدنيا المحفوفة بالمخاطر هو السبيل للسلامة من دواعي وطغيان الشهوات، والراحة من مكافحة النفس الأمارة بالسوء.
فالموت إذاً، هو بداية الراحة، والخير، والفوز.
وبه تتساقط الحجب وتزول الموانع عن الإحساس الحقيقي بالوجود، والوصول إلى كنه الحقائق.
وهو يمكّن الإنسان من أن يملك نفسه، ويستفيد من وجوده وطاقاته بصورة كاملة.
ولأجل ذلك، فقد كان الموت للإنسان المؤمن أحلى من العسل([15]). ووصف الحسين "عليه السلام" أصحابه فقال: "يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمه"([16]).
وقال أمير المؤمنين "عليه السلام": والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه([17]).
كما أن الموت يصبح خروجاً من سجن قاس ومرهق، فإن الدنيا سجن المؤمن، والقبر حصنه والجنة مأواه([18]). وما أحلى أن يحصل الإنسان على حريته، ويكون هو سيد نفسه ويواصل انطلاقته نحو الله، ويسرح في رحاب ملكوته. ?وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?([19]).
أما الكافر فهو يرى الموت فناء وعدماً، وضياعاً، فهو كارثة حقيقية بالنسبة إليه، وخسران لنعيم الدنيا، والدنيا هي جنة الكافر والقبر سجنه، والنار مأواه، حسبما جاء في الحديث الشريف([20]).
وبكلمة.. إن الموت هو سر الحياة، وهو يعطي للحياة معناها وقيمتها، وهو سرُّ الطموح، والحركة والبناء، والعمل الهادف المنتج، وهو سر سعي الإنسان نحو كماله ونحو ربه: ?يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ?([21]).
وبالموت تتساقط الحجب والموانع التي تقلل من قدرة الإنسان على الإحساس بالواقع، لأنه إنما يتصل بالواقع عن طريق الحواس المادية، التي لا تسمح بالإحساس بالواقع إلا في مستوى التخيل والتصوير، ولا توصل إلى كنه الحقائق، والاتصال بأسرار الكون والحياة.
هذا بالإضافة إلى أن المعاصي تزيد من طغيان الجسد، وضعف القدرات الروحية، فيتضاءل إحساسه بالحقائق، ويتقاصر فهمه عنها، ولا يعود قادراً على التعامل معها بعمق ذاته ووجوده، وبكنه مواهبه الإلهية.
وكل ما تقدم يفهمنا بعض ما يرمي إليه الحديث الوارد عن الإمام الصادق "عليه السلام" والمتقدم برقم (3)، ولعل جانباً مما يرمز إليه الحديث رقم (4) اتضح أيضاً.
ج: ولكننا نزيد في توضيح خلق الموت هنا، فنقول: إنه إذا كان الموت انتقالاً من نشأة إلى نشأة، وتصرفاً في الصورة والشكل، مع بقاء المضمون والحقيقة والماهية على ما هي عليه، فإن خضوع الموت لعملية الخلق يصبح بمثابة من الوضوح، لأن الخلق يختزن هذا المعنى أيضاً، ويشهد لذلك قوله تعالى: ?مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ? أي وجدت فيها الأشكال والصور البدائية للإنسان، ?وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ?([22]) أي لم يوجد فيها ذلك.
وقال تعالى: ?يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ?([23]).
د: بقي أن نشير إلى أن الحكم على الكافر بالموت في الآخرة، إنما هو بملاحظة: أن نفسه وروحه لن تكون قادرة على نيل درجات القرب، والسير في رحاب ملكوت الله سبحانه، والإحساس بعظيم جلاله، والقرب من ساحة قدسه بل يكون الكافر في ظلمات الجحيم، يأتيه الموت من كل مكان، وما هو بميت، محجوب عن الله، وعن رحمته، مشغول بنفسه وآلامه، عن كل شيء آخر.
هـ: وبعد.. فإننا بملاحظة بعض ما تقدم نستطيع أن نفهم كيف يكون المؤمنون شهداء على الناس، وأن ندرك بعمق معنى الشهيد والشهادة.
فإنها من الشهود، الذي هو الوصول إلى الواقع وملامسته، مع إدراكٍ ووعي له، وإحساس واقعي ووجداني به، ثم معرفة قيمته وحقيقته على ما هو عليه في نفس الأمر.
ومن هنا نعرف: أن الشهود يزيد عن الحضور، فإن الإنسان قد يكون حاضراً لحدث ما، ولكنه ليس شاهداً له إذا لم يدركه بعمق راسخ، تشارك فيه قوى الإدراك الباطنية الظاهرية في الوصول والحصول.
وبما أن الشهادة هي الوصول إلى الحقيقة، مع إدراك وإحساس واقعي بها، بسبب تساقط الحجب، وزوال الموانع المادية، فيستطيع الإنسان حينئذٍ أن يدرك واقع الحياة وسر الوجود، وحقائقه.
فإنها لا يمكن ـ يعني الشهادة ـ أن ينالها الكافر، لأنه محجوب بذنوبه، وبأعماله، وتكون حياته موتاً، أما موته فلا يؤهله إلا لمواجهة مصيره الأسود، حيث تحف به ملائكة العذاب، وتحتوشه زبانية جهنم، ويبقى محجوباً عن ساحة القدس الإلهية، وعن الانطلاق في رحابها، ونيل بركاتها.
كما أن هذه الشهادة تحتاج إلى تربية إلهية، ورعاية ملكوتية، تمنحه المعرفة الحقيقية، والرؤية الصادقة، وتربية سلوكياً وعاطفياً، وتصفي وتزكي نفسه وروحه، وعمله، وكل وجوده؛ ليكون إنساناً إلهياً بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
نعم، وهذا ما يفسر لنا قوله تعالى: ?وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء?([24]).
فإن الله هو الذي يربيهم، ويزكيهم، ويؤهلهم لتلقي المعارف، ويكشف عن أبصارهم وبصائرهم ليصلوا إلى درجة الشهود والخلود، في مقعد صدق عند مليك مقتدر([25]).
?وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ?([26]).
أما الكفار، فـ : ?لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ?([27]).
و?خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ?([28]).
و?فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ?([29]).
و : وعملية الجهاد الأكبر ما هي إلا بذل الجهد من أجل الوصول إلى حالة الشهود هذه؛ ليكون الجهاد الأصغر انعكاساً طبيعياً لدرجة الشهود التي يصل إليها الإنسان، ولمدى إدراكه لحقيقة الكون، والحياة، وإحساسه بالله سبحانه، وبألطافه، والحصول على بركاته.
ولأجل ذلك، فقد كان الجهاد باباً من أبواب الجنة، لا يستطيع كل أحد ولوجه والدخول فيه، بل فتحه الله لخاصة أوليائه وليس كل أوليائه، فهؤلاء الخاصة وحدهم الذين يمكنهم الجهاد، ويستحقون لقب "مجاهد" ويمكنهم أن ينالوا درجة الشهادة، ويكونوا شهداء.
قال علي "عليه السلام": الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه([30]).
ويلاحظ هنا كلمة: "خاصة أوليائه" أي وليس كلهم.
أما الآخرون، فإنهم لا يستطيعون ذلك، وإن كان يمكن لكل واحد أن يقاتل، وأن يصبح قتيلاً.
وبعد كل ما قدمناه، فإننا نفهم بعمق ما جاء على لسان ذلك الرجل "ما فاز؟! أليس قد قتلت الرجل".
ثم نفهم بعمق أيضاً قول أمير المؤمنين "عليه السلام": فزت ورب الكعبة.
الباب الخامس:
غزوة بني النضير
الفصل الأول: النصوص والآثار
الفصل الثاني: قبل أن تدق الطبول
الفصل الثالث: القرار والحصار
الفصل الرابع: الجزاء الأوفى
الفصل الخامس: كي لا يكون دولة بين الأغنياء
الفصل السادس: أراضي بني النضير والكيد السياسي
الفصل الأول:
النصوص والآثار
تمهيد ضروري:
هناك بعض الأحداث الهامة، والمواقف الحساسة، التي تحمل في طياتها الكثير من العبر والعظات، وتترك لها آثاراً بارزة على منحى وعمق الفكر الإنساني، والرسالي، وعلى الفهم الدقيق للمسار العام في خط الرسالة..
هذا عدا عن التأثير الظاهر لها في البنية العقائدية، وفي اللاشعور، والشعور الوجداني المهيمن على الموقف، والحركة، والسلوك للإنسان في مختلف مراحله وأدواره، وفي كثير من أحواله وأطواره.
ولكن هذه الأحداث والمواقف بالذات، وخصوصاً ما كان منها في العهد النبوي الشريف لم تنل قسطها من البحث والتقصي من قبل العلماء وأهل الفكر بل مروا عليها ـ تقريباً ـ مرور الكرام، فبدت: وكأنها أمور تافهة وحقيرة، ومحدودة وصغيرة، وخُيِّل إلى الكثيرين: أنها ليس فيها ما ينفع ولا ما يجدي.. فكان طبيعياً أن يبقى الكثير من جوانبها، وحقائقها، وظروفها وملابساتها رهن الإبهام، والإهمال، وكأنها ليست حقيقة ثابتة، وإنما هي محض وهم أو خيال.
ولا نبعد كثيراً إذا قلنا: إن غزوة بني النضير كانت واحدة من هذه الأحداث، التي لها هذه الحالة التي أشير إليها، فهي حدث فريد ومتميز، لا يقل في أهميته عن أي من الأحداث الكبرى في العهد النبوي الشريف..
ويتضح ذلك بصورة أجلى وأتم من خلال دراستنا لكثير من النصوص والآثار التي وردت في هذه الواقعة..
ولا أدل على ذلك من أنهم يقولون: إن سورة الحشر ـ بتمامها ـ قد نزلت في هذه المناسبة.. وهذا يبرهن على الأهمية البالغة لهذه الواقعة، وعلى أنها كانت تمثل تحولاً كبيراً وإيجابياً، في مسيرة العمل والعاملين في سبيل الله سبحانه من جهة.. كما أنها تعتبر ـ من الجهة الأخرى ـ ضربة قاسية وقاصمة لأعداء الله، وأعداء دينه من الكافرين..
فقد كان اليهود ـ الذين كان بنو النضير أقواهم شوكة، وأشدهم شكيمة، وأعزهم عزة ـ يعيشون في قلب الدولة الإسلامية، وحيث كان بإمكانهم الاطلاع على أدق دقائقها، وعلى حقائق خفاياها ونواياها، ثم الوقوف على المستوى الحقيقي والدقيق لما تملكه من قدرات وإمكانات مادية ومعنوية.. وعلى كل الـواقـع الـذي كان قائماً في داخل المجتمع الإسلامي، سواء على مستوى العلاقات والارتباطات فيما بين فئات ذلك المجتمع، أو سائر المجالات، ومختلف المواقع.
كما أنهم ـ أعني اليهود ـ كانوا يملكون أذرعة ظاهرة وخفية، ممتدة هنا وهناك، وفي عمق المجتمع الإسلامي الجديد، حتى على مستوى بعض القيادات فيه، والتي كانت تساهم بشكل فعال في صنع القرار، أو في عرقلته وتعطيله. ثم إن لليهود الهيمنة الروحية والثقافية والعلمية على الأكثرية الساحقة، التي يفترض فيها: أن تكون القاعدة الصلبة، والقوية، التي تعتمد عليها تلك القيادة في تنفيذ القرار،، وفي فعاليته، وقوة تأثيره، ثم في الحفاظ عليه وحمايته على المدى القريب أو البعيد على حد سواء..
هذا.. وعلينا أن لا ننسى أن اليهود كانوا يملكون قوة كبيرة في حساب الثروات والأموال..
ويكفي أن نذكر: أنهم كانوا يملكون من (الحلي) الشيء الكثير، قال بعضهم: إنهم كانوا يعيرونه للعرب من أهل مكة وغيرهم. وكان يكون عند آل أبي الحقيق([31]).
وسيأتي في غزوة خيبر: أن آل أبي الحقيق قد قتلوا بسبب ذلك الحلي كما ذكر ذلك غيره أيضاً([32]).
هذا.. بالإضافة إلى ما كان لليهود من ديون على الناس، قد بلغت حداً جعلهم يجدون فيها حائلاً دون تسهيل أمر رحيلهم، لولا أن تصدى النبي "صلى الله عليه وآله" لحل هذا المشكل بالصورة التي لم يبق لهم معها أي خيار، حينما أمرهم بالوضع (أي حذف بعض المال) وبالتعجيل في الآجال([33]).
وعلينا أن لا ننسى: أن هذه الضربة القاسية والقاصمة التي تلقاها اليهود عامة، وبنو النضير بصورة أخص، إنما تمثل إضعافاً لواحد من أهم مصادر القوة والتحدي لدى أعداء الإسلام والمسلمين، ولا سيما بالنسبة إلى المشركين، وكل من يتعاطف معهم من القبائل والطوائف في المنطقة العربية، حيث خسروا واحداً من أهم حلفائهم، وذوي القوة والنفوذ فيهم.
وقد نجد فيما يأتي من فصول إلماحة أو أكثر إلى هذا الأمر، وإلى غيره من أمور فرض علينا البحث التذكير بها، والإلماح إليها.
ولذا.. فإننا سوف نكتفي هنا بهذا القدر، ونبدأ ـ بحول الله وقوته ـ بالحديث عن غزوة بني النضير، حسبما يتهيأ لنا في نطاق مراعاة نسق الكتاب ومستواه، وكثير من الأمور الأخرى التي لا بد لنا من مراعاتها، فيما يرتبط بمقتضيات البحث بصورة عامة..
فنقول.. ومن الله نستمد الحول والقوة، ومنه نطلب التوفيق والتسديد:
إننا نذكر في البداية نصاً لهذه الغزوة، نختاره مما هو بحوزتنا من نصوص، وسوف يكون هذه المرة لابن كثير في سيرته، وفي بدايته ونهايته، مع حذف بعض ما رأينا من المناسب حذفه.. ثم نشير في نهاية النص إلى جانب من المصادر والمراجع، التي يمكن الرجوع إليها للاطلاع على نصوص هذه الغزوة.
فنقول:
نص ابن كثير:
قال ابن كثير: عن سورة الحشر في صحيح البخاري عن ابن عباس أنه كان يسميها سورة بني النضير.
وحكى البخاري عن الزهري، عن عروة أنه قال: كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد.
وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري به.
وهكذا روى حنبل بن إسحاق، عن هلال بن العلاء، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري، فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة اثنتين.
قال: ثم غزا بني النضير، ثم غزا أُحداً في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع.
وقال البيهقي: وقد كان الزهري يقول: هي قبل أُحد.
قال: وذهب آخرون إلى أنها بعدها، وبعد بئر معونة أيضاً.
قلت: هكذا ذكر ابن إسحاق كما تقدم، فإنه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر، ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولهذا قال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": "لقد قتلت رجلين لأدينّهما".
قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية، للعهد الذي كان "صلى الله عليه وآله" أعطاهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف، فلما أتاهم "صلى الله عليه وآله" قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت.
ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه ـ ورسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد ـ فمَن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه.
فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي، فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة.
فلما استلبث النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه قاموا في طلبه، فلقوا رجـلاً مقبـلاً من المدينة، فسألوه عنه فقـال: رأيته داخـلاً المدينة. فأقبل أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.
قال الواقدي: فبعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم، وحمي حيي بن أخطب، وبعثوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": أنهم لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهود. فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم.
قال الواقدي: فحاصروهم خمس عشرة ليلة.
وقال ابن إسحاق: وأمر النبي "صلى الله عليه وآله" بالتهيؤ لحربهم والمسير إليهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وذلك في شهر ربيع الأول.
قال ابن إسحاق: فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر حينئذٍ، وتحصنوا في الحصون، فأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها؟
قال: وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أُبي، ووديعة، ومالك، وسويد، وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم. فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب فسألوا رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة.
وقال العوفي: عن ابن عباس، أعطى كل ثلاثة بعيراً يعتقبونه (و) وسقاً([34]). رواه البيهقي.
وروى: من طريق يعقوب بن محمد، عن الزهري، عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة، أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعثه إلى بني النضير وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.
وروى البيهقي وغيره: أنه كانت لهم ديون مؤجلة، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ضعوا وتعجلوا.
وفي صحته نظر، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف([35]) بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به، فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام، فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر: سلاّم بن أبي الحقيق وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب، فلما نزلوها دان لهم أهلها.
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حُدث: أنهم استقبلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف والمزامير والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر، ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم.
قال: وخلوا الأموال لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، يعني النخيل والمزارع، فكانت له خاصة يضعها حيث شاء، فقسمها على المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما، وأضاف بعضهم إليهما الحارث بن الصمة. حكاه السهيلي.
قال ابن إسحاق: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان وهما يامين بن عمير بن كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب، فأحرزا أموالهما.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما همّ به من شأني؟ فجعل يامين لرجل جُعلاً على أن يقتل عمرو بن جحاش، فقتله لعنه الله.
قال ابن إسحاق: فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكاملها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله، وما عمل به فيهم.
إلى أن قال ابن كثير: فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال، فذهب بهم الرعب كل مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم، على أنهم لا يصحبون شيئاً من السلاح إهانة لهم واحتقاراً، فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار.
إلى أن قال: وقد روى البخاري ومسلم جميعاً عن قتيبة، عن الليث، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ?([36]).
وعند البخاري من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، ولها يقول حسان بن ثابت:
وهــان عـلـى ســراة بـن لــؤي حــريــق بـالـبـويـرة مسـتطيـر
فأجابه أبو سفيان بن الحارث يقول:
أدام الله ذلــك مــن صـنــيـــع وحــرق فـي نـواحـيـهـا السعير
ستـعـلـم أيـنــا مــنــهــا بستر وتـعـلــم أي أرضــيــنــا نضير
قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف فالله أعلم:
لقـد خـزيـت بغـدرتهـا الحبور([37]) كـذاك الـدهـر ذو صـرف يـدور
وذلـك أنـهـم كـفــروا بـــرب عـظـيـم أمــره أمــر كـبـــيـــر
وقـد أوتــوا مـعـاً فـهـماً وعـلماً وجــاءهـم مـن الله الــنــذيـــر
نــذيــر صـادق أدى كـتـابـــاً وآيــات مـبــيــنــة تـــنـــيــر
فـقـالــوا ما أتيت بـأمر صـدقٍ وأنــت بـمــنــكر مـنــا جـدير
فـقـال: بلى لـقـد أديـت حـقـاً يصـدقـنـي بـه الـفـهـم الخــبـير
فـمـن يـتـبعـه يهـد لكـل رشدٍ ومـن يـكـفر بـه يـخـز الـكـفـور
فـلـمـا أشـربـوا غدراً وكفــراً وجـدّ بـهـم عـن الحـق الـنـفـور
أرى الله الــنــبـي بـرأي صدق وكــان الله يــحــكــم لا يـجور
فــأيــده وســلـطـه عـلـيـهـم وكــان نــصــيـره نـعـم النصـير
فـغـودر مـنـهم كـعب صريعـاً فــذلــت بـعـد مصـرعه النضير
عـلـى الـكـفـيـن ثم وقـد علته بــأيــديــنــا مـشـهـرة ذكـــور
بـأمـر مـحـمـد إذ دس لـيــلاً إلـى كــعــب أخــا كعـب يسير
فـمـاكــره فــأنــزلـه بمـكــر ومـحـمـود أخــو ثـقـة جســور
فـتـلـك بـنـو النضير بدار سوء أبـارهم بـمـا اجـتـرمـوا المـبـير([38])
غـداة أتاهم في الـزحف رهـواً ([39]) رســول الله وهـــو بـهــم بـصير
وغسـان الـــحـمـاة مــؤازروه عـلـى الأعــداء وهـو لهـم وزيـر
فـقال السـلـم ويـحكم فصدوا وخـالـف أمـرهم كـــذب وزور
فـذاقـوا غـب أمـرهـم وبــالاً لـكـل ثــلاثــة مـنـهـم بـعــيــر
وأجـلـوا عـامـديـن لـقينقـاع وغــودر مــنــهـم نــخـل ودور
وقد ذكر ابن إسحاق جوابها لسمال اليهودي، فتركناه قصداً.
قال ابن إسحاق: وكان مما قيل في بني النضير قول ابن لقيم العبسي، ويقال: قالها قيس بن بحر بن طريف الأشجعي:
أهـلـي فـداء لامرئ غير هـالك أحـل الـيـهود بالحسي المزنـــم([40])
يـقـيلون في جمـر العضـاة وبدلوا أهـيـضـب عوداً بالودي المكمم([41])
فـإن يك ظني صــادقـاً بمحمد تـروا خـيـله بين الصـلا ويرمرم([42])
يـؤم بهـا عمرو بـن بهثـة إنـهـم عـدو ومـا حي صديـق كمحـرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى يهـرون أطـراف الـوشيج المقوم([43])
وكـل رقـيـق الشفرتين مهـنـد تـوورثن من أزمـال عـاد وجرهم
فـمـن مبلغ عني قـريشاً رسـالة فـهـل بعدهم في المجـد من متكرم
بـأن أخـاهـم فـاعـلـمن محمداً تليـد النـدى بين الحـجون وزمـزم
فدينوا له بالحق تجسم أمـوركم وتسمـو من الـدنـيا إلى كل معظم
نـبـي تـلاقته مـن الله رحــمــة ولا تسـألــوه أمـر غـيـب مرجم
فـقد كان في بدر لعمري عسيرة لـكم يا قريـش والقليب المـلـمـم
غـداة أتـى في الخـزرجية عامداً إلـيـكم مطيعـاً للعـظـيـم المكرم
معـاناً بروح القدس ينكى عدوه رسـولاً من الـرحمـن حقاً لم يتلعم
رسـولاً مـن الـرحمـن يتلو كتابه فـلمـا أنــار الـحـق لـم يتـلعثـم
أرى أمره يـزداد في كـل مـوطن عــلــواً لأمــر حمـه الله محــكـم
قال ابن إسحاق: وقال علي بن أبي طالب، وقال ابن هشام: قالها رجل من المسلمين، ولم أر أحداً يعرفها لعلي:
عـرفـت ومـن يـعتـدل يعـرف وأيـقـنــت حقــاً ولـم أصـدف
عـن الـكـلم المحكـم اللاء من لــدى الله ذي الــرأفــــة الأرأف
رسـائـل تـدرس في المـؤمنـين بـهـن اصطفى أحمـد المـصـطـفى
فـأصبح أحـمـد فـيـنـا عزيزاً عــزيــز الـمـقــامــة والمــوقف
فـيـا أيـهـا الموعـدوه سفـاهـاً ولـم يـأت جــوراً ولـم يـعـنـف
ألستم تـخـافون أدنى العذاب ومـــا آمـــن الله كــالأخـــوف
وأن تـصـرعوا تـحت أسيـافه كــمــصــرع كعب أبي الأشرف
غــداة رأى الله طـغـيـانــــه وأعــرض كــالجـمـل الأجـنف
فــأنـزل جـبـريـل فـي قـتله بـوحـي إلـى عــبــده مـلـطـف
فـدس الـرسـول رسـولاً لــه بـأبــيـض ذي هــبــة مــرهــف
فـبـاتـت عـيـون لـه معولات مــتــى يــنــع كـعـب لها تذرف
وقـلـن لأحـمـد ذرنـا قليــلاً فـإنـا مـن الــنــوح لـم نـشـتـف
فـخـلاهـم ثـم قـال اظـعـنوا دحــوراً عــلــى رغــم الآنــف
وأجـلى الـنـضـيـر إلـى غربة وكــانــوا بـــدار ذوى أخــرف
إلـى أذرعــات ردافــاً وهـم عــلـى كـل ذي ذمـر أعــجـف
وتركنا جوابها أيضاً من سمال اليهودي قصداً.
ثم ذكر تعالى حكم الفيء، وأنه حكم بأموال بني النضير لرسول الله "صلى الله عليه وآله" وملكها له، فوضعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" حيث أراه الله تعالى.
كما ثبت في الصحيحين، عن عمر بن الخطاب أنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" خاصة، فكان يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله.
إلى أن قال:
قال الإمام أحمد: حدثنا عارم وعفان، قالا: حدثنا معتمر: سمعت أبي يقول: حدثنا أنس بن مالك، عن نبي الله "صلى الله عليه وآله": أن الرجل كان يجعل له من ماله النخلات أو كما شاء الله، حتى فتحت عليه قريظة والنضير، قال: فجعل يرد بعد ذلك.
قال: وإن أهلي أمروني أن آتي نبي الله "صلى الله عليه وآله" فأسأله الذي كان أهله أعطوه، أو بعضه، وكان نبي الله "صلى الله عليه وآله" أعطاه أم أيمن أو كما شاء الله.
قال: فسألت النبي "صلى الله عليه وآله" فأعطانيهن، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وجعلت تقول: كلا والله الذي لا إله إلا هو لا أعطيكهن وقد أعطانيهن أو كما قالت.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": لك كذا وكذا.
وتقول: كلا والله.
قال: ويقول لك كذا وكذا، وتقول: كلا والله.
قال: ويقول لك كذا وكذا، حتى أعطاها حسبت أنه قال عشرة أمثاله، أو قال قريباً من عشرة أمثاله أو كما قال. أخرجاه بنحوه من طرق عن معتمر به. ثم ذكر ابن كثير وغيره:
قصة عمرو بن سُعدى القرظي:
حين مر على ديار بني النضير وقد صارت بعدها ليس بها داع ولا مجيب، وقد كانت بنو النضير أشرف من بني قريظة، حتى حداه ذلك على الإسلام وأظهر صفة رسول الله "صلى الله عليه وآله" من التوراة.
قال الواقدي: حدثنا إبراهيم بن جعفر، عن أبيه، قال: لما خرجت بنو النضير من المدينة أقبل عمرو بن سعدى فأطاف بمنازلهم، فرأى خرابها وفكر، ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة، فنفخ في بوقهم، فاجتمعوا.
فقال الزبير بن باطا: يا أبا سعيد أين كنت منذ اليوم لم تزل؟. وكان لا يفارق الكنيسة وكان يتأله في اليهودية.
قال: رأيت اليوم عبراً قد عبرنا بها، رأيت منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد، والشرف الفاضل، والعقل البارع، قد تركوا أموالهم، وملكها غيرهم، وخرجوا خروج ذل، ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة، وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزهم ثم بيّته في بيته آمناً، وأوقع بابن سنينة سيدهم، وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم وهم أهل جد يهود، وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة، فحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم.
وكلم فيهم فتركهم على أن أجلاهم من يثرب. يا قوم قد رأيتم ما رأيتم فأطيعوني وتعالوا نتبع محمداً، والله إنكم لتعلمون أنه نبي قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير وابن حراش، وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه وأمرانا باتباعه، جاءانا من بيت المقدس وأمرانا أن نقرئه منهما السلام، ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا هذه.
فأسكت القوم فلم يتكلم منهم متكلم.
ثم أعاد هذا الكلام ونحوه، وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء، فقال الزبير بن باطا: قد والتوراة قرأت صفته في كتاب باطا، التوراة التي نزلت على موسى، ليس في المثاني الذي أحدثنا.
قال: فقال له كعب بن أسد: ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتّباعه؟
قال: أنت يا كعب.
قال كعب: فلم؟ والتوراة ما حلتُ بينك وبينه قط.
قال الزبير: بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا فإن اتّبعته اتّبعناه وإن أبيتَ أبينا.
فأقبل عمرو بن سعدى على كعب، فذكر ما تقاولا في ذلك، إلى أن قال عمرو: ما عندي في أمره إلا ما قلت، ما تطيب نفسي أن أصير تابعاً! رواه البيهقي([44]).
والنضير اسم جبل نزلوا به، فسموا باسمه([45]).
القتال في بني النضير:
يقول اليعقوبي، بعد أن ذكر إنذار النبي "صلى الله عليه وآله" إياهم بالخروج من ديارهم وأموالهم، فلم يمتثلوا استناداً لوعود ابن أبي والمنافقين: "..فسار إليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعد العصر، فقاتلهم، فقتل منهم جماعة، وخذلهم عبد الله بن أبي وأصحابه، فلما رأوا: أنه لا قوة لهم على حرب رسول الله طلبوا الصلح، فصالحهم على أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل، من خرتي([46]) متاعهم. لا يخرجون معهم بذهب، ولا فضة، ولا سلاح"([47]).
وقال ابن الجوزي: "فقاموا على حصنهم يضربون بالنبل والحجارة"([48]).
وعند البعض: أنه لما جاء يستعينهم: "هموا بالغدر به، وخرجوا يجمعون الرجال والسلاح"([49]).
وسيأتي ـ حين الحديث عن خراب بيوتهم ـ ما يدل على ذلك أيضاً..
وبعد أن ذكر الواقدي قدوم النبي "صلى الله عليه وآله" لحصارهم، قال:
".. وجعلوا يرمون ذلك اليوم بالنبل والحجارة، حتى أظلموا، وجعل أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقدمون من كان تخلف في حاجته، حتى تتاموا عند صلاة العشاء. فلما صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" العشاء رجع إلى بيته في عشرة من أصحابه، عليه الدرع، وهو على فرس، وقد استعمل علياً على العسكر، ويقال: أبا بكر.
وبات المسلمون يحاصرونهم، يكبرون حتى أصبحوا.
ثم أذن بلال بالمدينة، فغدا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأصحابه الذين كانوا معه، فصلى بالناس في فضاء بني خطمة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم"([50]).
وسيأتي عن قريب: أن بعض النصوص تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" حصرهم، وطلب منهم: أن يعطوه عهداً، فأبوا. فقاتلهم يومهم ذاك، ثم غدا على بني قريظة، ودعاهم إلى أن يعاهدوه، ففعلوا، فغدا على بني النضير بالكتائب فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء.
وإنما قاتلهم لأنه كان بينهم وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله" عهد ومدة، فنقضوا عهدهم([51]).
قال السمهودي بعد ذكره رواية ابن إسحاق: "وأصح منه ما رواه ابن مردويه، بسند صحيح: أنهم أجمعوا على الغدر، فبعثوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله": أخرج إلينا في ثلاثة من أصحابك، ويلقاك ثلاثة من علمائنا، فإن آمنوا بك اتبعناك.
فاشتمل اليهود الثلاثه على الخناجر، فأرسلت امرأة من بني النضير إلى أخ لها من الأنصار مسلم، تخبره بأمر بني النضير، فأخبر أخوها النبي "صلى الله عليه وآله" بأمر بني النضير قبل أن يصل إليهم، فرجع وصبحهم بالكتائب. فحصرهم يومه، ثم غدا على بني قريظة، فحاصرهم فعاهدوه. فانصرف عنهم إلى بني النضير، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء الخ.."([52]).
نصوص أخرى حول قضية بني النضير:
وفي بعض النصوص: أنه "صلى الله عليه وآله" أجلهم عشراً ـ أو ثلاث ليال ـ فمن رؤي بعد ذلك ضربت عنقه، فمكثوا أياماً يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهر لهم بذي الجدر، وتكاروا من أشجع إبلاً، فأرسل إليهم ابن أُبي: أن معه ألفين من قومه، وغيرهم من العرب، يدخلون معهم حصنهم، ويموتون عن آخرهم، وتمدهم قريظة، وحلفاؤهم من غطفان، فطمع حيي بن أخطب الخ..([53]).
وتذكر بعض النصوص: أنهم حين حاصرهم "صلى الله عليه وآله" وقطع نخلهم، قالوا: نحن نخرج من بلادك..
فقال "صلى الله عليه وآله": لا أقبله اليوم. ولكن اخرجوا منها، ولكم دماؤكم، وما حملت الإبل، إلا الحلقة، فنزلت يهود على ذلك. وكان حاصرهم خمسة عشر يوماً..
إلى أن قال: وتحملوا على ستمائة بعير([54]).
ونلاحظ هنا: اختلاف النصوص في مدة الحصار، من خمسة عشر يوماً حسبما أشير إليه آنفاً.. إلى: ست ليال([55]).
وقيل: خمساً وعشرين([56]).
أو ثلاثاً وعشرين وفيها نزلت صلاة الخوف([57]).
أو نيفاً وعشرين([58]).
أو قريباً من عشرين([59]).
أو عشرين([60]).
أو إحدى وعشرين([61]).
ومن جهة أخرى روي عن بعض أهل العلم: أن بني النضير قد ألقوا الحجر على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخذه جبرئيل([62]).
وفي نص آخر: أنه لما أشرف حامل الصخرة بها أخبر النبي "صلى الله عليه وآله" جبرائيل بالأمر([63]).
وكان الذين ذهبوا مع النبي "صلى الله عليه وآله" إلى بني النضير، لا يبلغون عشرة، وهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة([64]).
وفي رواية: لما رأوا قلة أصحابه "صلى الله عليه وآله" قالوا: "نقتله، ونأخذ أصحابه أسارى إلى مكة، فنبيعهم من قريش"([65]).
"ولزم رسول الله "صلى الله عليه وآله" الدرع فبات فيه"([66]).
"وكان سعد بن عبادة يحمل التمر إلى المسلمين"([67]).
ولم يغثهم أحد، ولم يقدر ابن أبي أن يصنع شيئاً، فجهدهم الحصار، وضاقت عليهم الأحوال. فأرسلوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بقبولهم الجلاء([68]).
وبعد حصارهم، وقطع نخلهم قالوا: "يا محمد نخرج من بلادك، وأعطنا مالنا، فقال: لا، ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل، فلم يقبلوا ذلك، فبقوا أياماً ثم قالوا: نخرج ولنا ما حملت الإبل، فقال: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئاً، فمن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه. فخرجوا على ذلك"([69]).
وكان منهم جماعة من أولاد الأنصار، لأن المرأة من الأنصار كان إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها: إن عاش لها ولد، تهوده، فلما أجليت بنو النضير، قال آباء أولئك: لا ندع أبناءنا، وأنزل الله: ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?([70])، وهي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام، وإلا.. فإكراه الكفار الحربيين سائغ الخ..([71]).
وقد ذكر البعض: أن ابن يامين قد جعل لرجل عشرة دنانير، ليقتل عمرو بن جحاش([72]).
وذكر البعض: أن المسلمين قد مشوا إلى بني النضير على أرجلهم؛ لأنهم كانوا على ميلين من المدينة، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" على حمار فحسب([73]) أو على جمل([74]).
وكانت منازلهم بناحية الفرع، وما يقربها، بقرية يقال لها: زهرة([75]).
ليخبرن بما هممتم به:
وتذكر النصوص: أنهم حين ائتمروا بإلقاء الصخرة عليه "صلى الله عليه وآله" قال لهم سلام بن مشكم: لا تفعلوا، والله، ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه([76]).
زاد الواقدي: ألا فوالله، لو فعلتم الذي تريدون، ليقومن بهذا الدين منهم قائم إلى يوم القيامة، يستأصل اليهود، ويظهر دينه([77]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" حين قام من بين أصحابه، وأبطأ، ولم يرجع قال كنانة بن صوريا: جاءه والله الخبر الذي هممتم به([78]).
وفي نص آخر: أنه قال لهم: هل تدرون لم قام محمد؟!
قالوا: لا والله، ما ندري، وما تدري أنت!
قال: بلى والتوارة إني لأدري، قد أخبر محمد ما هممتم به من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم، والله، إنه لرسول الله، وما قام إلا لأنه أخبر بما هممتم به، وإنه لآخر الأنبياء، كنتم تطمعون أن يكون من بني هارون، فجعله الله حيث شاء.
وإن كتبنا، الذي درسنا في التوراة التي لم تغيَّر ولم تبدل: أن مولده بمكة، ودار هجرته يثرب، وصفته بعينها لا تخالف حرفاً مما في كتابنا، وما يأتيكم به أولى من محاربته إياكم، ولكأني أنظر إليكم ظاعنين، يتضاغى([79]) صبيانكم، قد تركتم دوركم خلوفاً وأموالكم، وإنما هي شرفكم، فأطيعوني في خصلتين، والثالثة لا خير فيها.
قالوا: ما هما؟
قال: تسلمون وتدخلون مع محمد، فتأمنون على أموالكم، وأولادكم، وتكونون من علية أصحابه، وتبقى بأيديكم أموالكم، ولا تخرجون من دياركم.
قالوا: لا نفارق التوراة، وعهد موسى.
قال: فإنه مرسل إليكم: أخرجوا من بلدي، فقولوا: نعم، فإنه لا يستحل لكم دماً ولا مالاً، وتبقى أموالكم، إن شئتم بعتم، وإن شئتم أمسكتم.
قالوا: أما هذا فنعم.
قال: أما والله إن الأخرى خيرهن لي، قال: أما والله، لولا أني أفضحكم لأسلمت، ولكن والله، لا تعيَّر شعثاء بإسلامي أبداً، حتى يصيبني ما أصابكم، وابنته شعثاء التي كان حسان ينسب بها، فقال: سلام بن مشكم: قد كنت لما صنعتم كارهاً الخ.."([80]).
ثم أرسل إليهم النبي "صلى الله عليه وآله" محمد بن مسلمة وذكرهم بما كانوا ذكروه له من علامات النبي الموعود، والمنطبقة على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وتستمر الرواية إلى أن تذكر رفض حيي بن أخطب مغادرة بلادهم، فقال له سلام بن مشكم:
لا تفعل يا حيي، فوالله، إنك لتعلم ونعلم معك: أنه رسول الله، وأن صفته عندنا، وإن لم نتبعه، حسدناه حين خرجت النبوة من بني هارون. فتعال، فلنقبل ما أعطانا من الأمن، ونخرج من بلاده. فقد عرفت أنك خالفتني في الغدر به، فإذا كان أوان الثمر جئنا، أو جاءه من جاء منا إلى ثمره. فباعها وصنع ما بدا له، ثم انصرف إلينا. فكأنَّا لم نخرج من بلادنا إذا كانت أموالنا بأيدينا الخ..([81]).
وفي نص آخر: "فجاء عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة، ليطرحها عليه، فأمسك الله يده، وجاء فأخبره، فخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" راجعاً إلى المدينة.
ثم دعا علياً، وقال: لا تبرح مقامك. فمن خرج عليك من أصحابي، فسألك عني، فقل: توجه إلى المدينة، ففعل ذلك علي، حتى انصبوا إليه، ثم تبعوه ولحقوا به"([82]).
كانت تلك طائفة من النصوص الواردة حول قضية بني النضير، وقد حان الآن وقت تسجيل ما يفيد ويجدي في الاستفادة منها، أو في التأييد، أو التفنيد لأي منها، فيما سيأتي في الفصل الثاني.
الفصل الثاني:
قبل أن تدق الطبول
بـدايـة:
قد تقدمت في الفصل السابق طائفة من النصوص التي تتحدث عن غزوة بني النضير، أو عن بعض ما يتصل بها، وسنجد فيما يلي من مطالب وفصول كثيراً من النصوص التي اقتضى البحث إيرادها، لسبب أو لآخر..
وحيث إن لنا الكثير من الوقفات والتساؤلات، بل وتراودنا شكوك قوية حول عدد منها، فإننا نشير إلى شيء من ذلك ضمن البحوث التي أوردناها في هذا الفصل وفيما يليه من فصول، فنقول..
ومن الله نستمد العون، ومنه نطلب التوفيق والتسديد:
إن أول ما يطالعنا في نصوص قضية بني النضير هو:
الاختلافات الفاحشة:
إن هناك الكثير من الموارد التي اختلفت فيها النصوص وتناقضت بصورة فاحشة وظاهرة.
وما دام: أن المهم هو الإلماح إلى أن الواقع لا يمكن أن يكون هو كل ما تضمنته تلك الروايات والمنقولات، وإنما هو واحد، وواحد فقط.. فإننا نكل أمر تقصي هذه الاختلافات إلى القارئ نفسه، إن وجد ضرورة إلى ذلك.
ولأجل ذلك، فنحن نصرف عنان الكلام إلى التركيز على مفاصل أساسية، نجد أنها بحاجة لمزيد من البحث، والجهد. وإن كنا قد اكتفينا فيها بما يتناسب في حجمه ومستواه مع سائر بحوث الكتاب وفصوله.
وأول ما نبدأ الحديث عنه هنا هو:
تاريخ غزوة بني النضير:
قالوا: إن غزوة بني النضير كانت سنة أربع، في شهر ربيع الأول منها، خرج إليهم عشية الجمعة لتسع مضين من ربيع الأول، ثم راح إليهم عشية الثلاثاء.
وقد جعلها ابن إسحاق بعد سرية بئر معونة. وهذا مذكور في معظم المصادر فلا حاجة إلى تعداد مصادره..
ولكن قال الزهري، وكذا روي عن عروة وعن عائشة: إنها كانت بعد غزوة بدر بستة أشهر([83]).
وهو ما جرى عليه البخاري، وذهب إليه النووي وغيره([84]).
أما نحن فنقول:
إن هذا هو الصحيح، وذلك للأمور التالية:
1 ـ إنهم يقولون: إن أبا سلمة بن عبد الأسد قد استفاد من أرض بني النضير([85]).
ومن المعلوم: أن أبا سلمة قد مات قبل شهر ربيع الأول سنة أربع، وقبل بئر معونة.
وقال ابن حبان، بعد ذكره غزوة بني النضير مباشرة: "ثم رجع رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، ثم بعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" أبا سلمة بن عبد الأسد إلى ماء لبني أسد الخ.."([86]).
2 ـ إنهم يقولون: إن الحارث بن الصمة قد استفاد هو الآخر من أراضي بني النضير([87]).
مع أنهم يدعون: أن الحارث هذا قد قتل في بئر معونة، فكيف تكون غزوة بني النضير بعدها؟
هذا.. بالإضافة إلى أننا قد قدمنا: أن تاريخ سرية بئر معونة كان قبل السنة الرابعة، فراجع ما ذكرناه هناك.
وجعلُ قتله في بئر معونة دليلاً على ضعف هذا الخبر([88])، ليس بأولى من العكس، أي جعلُ استفادته من أراضي بني النضير دليلاً على عدم صحة قتله في بئر معونة. ولا أقل من أنه يدل على تقدم غزوة بني النضير على تلك الغزوة التي يقال: إنه قد قتل فيها. ويتأكد ذلك إذا عرفنا أن أحدهما ليس ناظراً إلى الآخر، مع ملاحظة: أنه لا داعي للجعل والوضع في أي من الموردين، بالنسبة إلى هذا الرجل بخصوصه.
تذكير بما سبق:
ولنا هنا ملاحظة وهي: أن ابن التين قد قوى أن تكون غزوة بني النضير بعد سرية بئر معونة، وذلك استناداً إلى دليل لا يصح، وقد ذكرناه مع جوابه في سرية بئر معونة في الجزء السابق من هذا الكتاب، فليراجع هناك.
3 ـ إنه لا شك في كون غزوة بني النضير قد كانت قبل حرب الخندق بثمانية أشهر في أقل الأقوال.
وقد قوينا: أن تكون الخندق قد حصلت في السنة الرابعة من الهجرة وليس في السنة الخامسة منها([89])، فتكون غزوة بني النضير قبلها..
بل إن ابن إسحاق ـ الذي ذكر: أن إجلاء بني النضير قد كان بعد أحد أي في السنة الرابعة ـ قد ذكر: أن فتح قريظة كان مرجعه "صلى الله عليه وآله" من الأحزاب (أي الخندق)، وبينهما سنتان([90]).
فإذا كان بينهما سنتان (وإذا كانت قريظة التي هي بعد الخندق مباشرة) في السنة الرابعة فلا شك في كون غزوة بني النضير قد حصلت في السنة الثانية، بعد بدر مباشرة، لا بعد غزوة أحد.
4 ـ إن بعض النصوص تذكر: أن سبب غزوة بني النضير هو: أن كفار قريش كتبوا ـ بعد بدر ـ إلى اليهود يهددونهم، ويأمرونهم بقتال رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأجمع حينئذٍ بنو النضير على الغدر، وأرسلوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله": أن اخرج إلينا في ثلاثين من أصحابك.
ثم تذكر الرواية كيف: أن النبي "صلى الله عليه وآله" غدا عليهم بالكتائب فحصرهم، وطلب منهم العهد، فقاتلهم يومه ذاك ثم تركهم وغدا إلى بني قريظة، ودعاهم إلى أن يعاهدوه ففعلوا. فانصرف عنهم إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء([91]).
وعند العسقلاني: أن هذا أقوى مما ذكره ابن إسحاق من أن سبب غزوة بني النضير هو طلبه "صلى الله عليه وآله" منهم المساعدة في دية العامريين([92]).
5 ـ إن عدداً من النصوص يذكر: أن كعب بن الأشرف كان لا يزال حياً إلى حين غزوة بني النضير، وأنه قد قتل حينها، أو بعدها..
ومن المعلوم: أن قتل كعب بن الأشرف قد كان على رأس خمسة وعشرين شهراً من الهجرة، ومعنى ذلك هو صحة ما ذكر من أن هذه الغزوة قد كانت بعد ستة أشهر من بدر.
ونذكر من الشواهد على دور كعب في هذه الغزوة ما يلي:
ألف: إن بعض النصوص تقول: إنه لما جاء النبي "صلى الله عليه وآله" إلى بني النضير يستسلفهم في دية العامريين قصد أولاً كعب بن الأشرف، فلما دخل عليه قال كعب: مرحباً يا أبا القاسم وأهلاً. وقام كأنه يصف له الطعام، وحدث نفسه بأن يقتل رسول الله، ويتبع أصحابه، فنزل جبرئيل إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فأخبره([93]).
ب: إن كعب بن الأشرف ذهب إلى مكة في أربعين رجلاً، فاجتمع بأبي سفيان، وكان في أربعين رجلاً أيضاً، وتعاهدا بين الأستار والكعبة، فنزل جبرائيل بسورة الحشر. فبعث النبي "صلى الله عليه وآله" محمد بن مسلمة بقتله، فقتله في الليل ثم قصد إليهم، وعمد إلى حصارهم، فضرب قبته في بني خطمة([94]).
ج: ولكن ذكر الشيخ المفيد "رحمه الله" وغيره: أن قتل كعب بن الأشرف قد كان حين قتل أمير المؤمنين "عليه السلام" للعشرة، الذين خرجوا يلتمسون غرة من المسلمين، قال المفيد "رحمه الله":
"وفي تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف واصطفى رسول الله "صلى الله عليه وآله" أموال بني النضير"([95]).
ويفهم من الأربلي وغيره أيضاً: أن قتل ابن الأشرف كان أثناء حصار بني النضير، فراجع([96]).
د: ولكن آخرين يذكرون: أنه "صلى الله عليه وآله" إنما أمر بقتل كعب حين ذهب إلى بني النضير، يستعينهم في دية العامريين، فاطلع على محاولتهم الغدر به، فانصرف راجعاً، وأمر بقتل كعب بن الأشرف ثم أصبح غادياً عليهم بالكتائب، وكانوا بقرية يقال لها زهرة، فوجدهم ينوحون على كعب، فقالوا: يا محمد، واعية إثر واعية، ثم حشدوا للحرب، وفي آخره: قالوا: ذرنا نبكي سويعة، ثم ائتمر أمرك([97]).
وعلى كل حال، فإن عدداً من المؤرخين والمؤلفين قد صرحوا بأن غزوة بني النضير كانت صبيحة قتل ابن الأشرف([98]).
هـ: ويؤيد ذلك الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين "عليه السلام" في هذه المناسبة، فمنها قوله "عليه السلام":
وأن تـصـرعــوا تحــت أسيـافـه كمصـرع كـعـب ابـن الأشــرف
إلى أن قال:
فـدس الـرســول رســولاً لـــه بــأبـيـض ذي هـبـة مــرهـــف
فـبـاتـت عيـون لــه مـعــولات مـتـى يُـنْـعَ كعـب لهـــا تـذرف
وقـلـن لأحـمـد ذرنــا قـليـــلاً فـإنـا مـن الـنـوح لـم نـشـتــف
فـخـلاهـم ثـم قـال اظـعـنــوا دحــور عـلـى رغــم الآنــــف
وأجـلـى الـنـضــير إلى غـربــة الـخ ..([99])
فإن هذه الأبيات إنما تقرر القصة المذكورة فيما تقدم..
و: ويؤيد ذلك أيضاً: أن البعض يقول: إن آية: ?فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا?([100])، يقال: نزلت في كعب بن الأشرف([101]).
وكذا قوله: ?وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ?، قيل: بقتل سيدهم كعب بن الأشرف([102]).
ومعنى ذلك: أن قتل كعب كان سبباً في هزيمتهم، وأن قتله قد كان بعد غدرهم، وإعلانهم للحرب على رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما يفهم من الآيات الشريفة.
ز: وأخيراً، فإن بعض النصوص تقول: ـ وذاك أمر غريب حقاً ـ إن كعب بن الأشرف قد اعتزل قتال بني النضير، وزعم: أنه لم يظاهر على المسلمين، فتركه النبي "صلى الله عليه وآله" ثم انبعث يهجوه والمؤمنين، ثم سار إلى قريش يستعديهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخ..([103]).
ولعل المراد: أنه اعتزل قتال بدر، وإلا.. فإن بقاءه إلى ما بعد غزوة بني النضير مما تضافرت النصوص التاريخية على خلافه فراجع حكاية مقتله في سيرة ابن هشام، والطبري، وتاريخ الخميس، وغير ذلك.
6 ـ وسيأتي أنهم يقولون: إن آية: ?لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ?([104]) قد نزلت في غزوة بني النضير، ومعلوم أن هذه الآية قد وردت في سورة البقرة، التي نزلت في أوائل الهجرة ويبعد: أن يستمر نزولها إلى ما بعد بدر، حيث نزلت سورة الأنفال.
ولم يرد: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لهم: ضعوا هذه الآية في السورة الفلانية، فالظاهر: أنها في جملة الآيات التي نزلت تدريجاً، فراجع في كيفية نزول القرآن ما ذكرناه في كتابنا: "حقائق هامة حول القرآن الكريم"، فصل: الترتيب والنزول.
7 ـ ونشير أخيراً إلى أن الحاكم قد ذكر: أن إجلاء بني النضير وبني قينقاع قد كان في زمان واحد([105]).
تهافت ظاهر:
وبعد ما تقدم، فإن القول: بأن هذه القضية قد حصلت في السنة الرابعة، لا يجتمع مع القول: بأنها كانت متزامنة مع قتل كعب بن الأشرف ـ كما صدر من البعض([106]) ـ لأن ابن الأشرف قد قتل قبل هذا التاريخ بحوالي سنتين، كما يعلم بالمراجعة لكتب التاريخ والرواية.
سبب غزوة بني النضير:
لقد ذكرت معظم المصادر: أن سبب هذه الغزوة هو: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد جاءهم يستعينهم في دية العامريين، اللذين قتلهما بعض أصحابه بعد سرية بئر معونة، فأرادوا الغدر به، فجاءه الخبر من السماء، إلى آخر ما تقدم ذكره.
قال البعض: "وكانوا قد عاهدوا النبي "صلى الله عليه وآله" على ترك القتال، وعلى أن يعينوه في الديات"([107]).
ولكننا نجد في مقابل ذلك أقوالاً أخرى، وهي:
الأول: أن السبب هو أنهم قد طلبوا من النبي "صلى الله عليه وآله": أن يخرج إليهم في ثلاثة نفر، ليناقشوه في أمر الدين، وكانوا قد خبأوا الخناجر، فأرسلت إليه امرأة منهم ـ بواسطة أخيها ـ تعلمه بخيانتهم فلما أخبره بالأمر، رجع قبل أن يصل إليهم([108]).
ويبدو أن هذه هي نفس الرواية القائلة: إنهم طلبوا إليه أن يخرج إليهم في ثلاثين رجلاً، وهم في مثلهم، ثم لما رأوا: أنه لا يمكن التفاهم فيما بين هذا العدد الكبير اقترحوا خروجه "صلى الله عليه وآله" في ثلاثة، ومنهم كذلك.. وقد كان ذلك بسبب تهديد قريش لهم بعد غزوة بدر([109]).
وقد تقدم: أن العسقلاني قد اعتبر هذه الرواية أقوى مما ذكره ابن إسحاق، ووافقه عليه جل أهل المغازي، من أن السبب هو أنه خرج إليهم في دية العامريين([110]).
وقد عرفنا فيما تقدم: أن هناك العديد من الدلائل والشواهد التي تؤكد على أن غزوة بني النضير، قد كانت قبل بئر معونة..
فإن العامريين المشار إليهما هما اللذان قتلا بعد بئر معونة، فلا ينسجم ذلك مع ما تقدم. ولا يصح ما ذكره ابن إسحاق، وإن كانا قد قتلا قبل ذلك، وفي مناسبة وقضية أخرى، فلا إشكال فيه من هذه الناحية.
الثاني: قيل: إنه إنما ذهب إليهم لأخذ دية العامريين لأن بني النضير كانوا حلفاء لبني عامر([111])، فيسهل الدفع منهم؛ لكون المدفوع لهم من حلفائهم([112]).
ولكن لا ندري لماذا يريد أن يأخذ الدية من حلفاء المقتول، فهل جرت عادة العرب على ذلك؟!
أم أنه يريد إذلال بني النضير في ذلك؟!
فإذا كان كذلك، فهل المراد الإيحاء بأن ناقض العهد في الحقيقة هو نفس رسول الله "صلى الله عليه وآله" وذلك بغياً منه وتعدياً في أمر لا حق له به؟ نعوذ بالله من الخطأ والخطل، في القول العمل..
الثالث: إن البعض يقول: إنه "صلى الله عليه وآله" قد ذهب إلى بني النضير، ليسألهم كيف الدية عندهم، وذلك للعهد الذي كان بينهم وبين بني عامر([113]).
ولا ندري لماذا لم يكتف بإرسال بعض أصحابه إليهم ليسألوهم عن ذلك، وهل كان ثمة اتفاق خاص في مقدار الدية فيما بين بني النضير وبني عامر، يختلف عن مقدارها لدى سائر الناس الذين يعيشون في تلك المنطقة؟!
وإذا كان كذلك، فكيف يريد هو أن يدفع خصوص هذا المقدار الذي اتفق عليه هؤلاء، ولماذا لا يدفع المقدار المتعارف عليه فيما بين سائر الناس؟!.
وإذا كان يريد أن يدفع المقدار المتعارف عليه بين عامة الناس، فهل كان "صلى الله عليه وآله" يجهل هذا المقدار؟!. وإذا كان ـ والعياذ بالله ـ يجهل به، فهل لم يكن أحد من أصحابه، من سائر أهل المدينة، وسائر القبائل والأقوام الذين يعيشون فيها وحولها، يعلم بمقدار الدية؟! حتى يحتاج إلى المسير مع جماعة من أصحابه إلى خصوص بني النضير؟!..
أم أن المقصود هو إظهار: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يعرف أحكام الشريعة السابقة ـ شريعة اليهود خاصة ـ دون غيرهم من سائر أهل الملل، فلا بد أن يتفضل عليه اليهود، ويعلموه مما عندهم، ويصبح مديناً لهم، هو وشريعته، وكل أتباعه من بعده؟
ثم ليثبت من خلال ذلك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يعمل بشريعة اليهود وأحكامهم!!
مع أنه "صلى الله عليه وآله" كان يخالفهم في كل شيء حتى لقد عبروا عن استيائهم من أنه يريد أن لا يدع من أمرهم شيئاً إلا خالفهم فيه([114]).
لا ندري.. ولعل الفطن الذكي يدري..
فإنا لله وإنا إليه راجعون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الرابع: قد تقدم أن بني النضير لما هزم المسلمون في أحد ارتابوا ونقضوا العهد، فركب كعب بن الأشرف في أربعين راكباً من اليهود إلى مكة، وحالفوهم وعاقدوهم على أن تكون كلمتهم واحدة على محمد، ثم دخل أبو سفيان في أربعين وكعب بن الأشرف في أربعين المسجد، وأخذ بعضهم على بعض الميثاق بين الأستار والكعبة.
ثم رجع كعب وأصحابه إلى المدينة، ونزل جبرئيل، فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بما تعاقد عليه كعب بن الأشرف وأبو سفيان، وأمره بقتل كعب بن الأشرف، فقتله محمد بن مسلمة الأنصاري، وكان أخاه من الرضاعة([115]).
الخامس: ورد في نص آخر ما ملخصه: أنه ذهب مع أصحابه يستقرض مالاً من كعب بن الأشرف، فحدث كعب نفسه بقتل النبي "صلى الله عليه وآله"، فأخبره جبرائيل، فقام كأنه يقضي حاجة، وعرف: أنهم لا يقتلون أصحابه وهو حي، وأخذ طريق المدينة، فاستقبله بعض أصحاب كعب، فأخبر كعباً بذلك، ورجع المسلمون.
فأخبرهم ابن صوريا بأن رب محمد أطلعه على ما همُّوا به، وأنه سوف يأمرهم بالجلاء إن لم يسلموا، فاختاروا الجلاء([116]).
وقد أسلفنا: أننا نرجح هذه الرواية التي تنص على وجود كعب بن الأشرف، وعلى دور له في قضية بني النضير، وقد استحق بذلك الدور أن يأمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقتله فقتل.
ولكننا لا ندري حقيقة هذا الدور، فلعل كعباً قد عاقد أبا سفيان على حرب النبي "صلى الله عليه وآله" ثم هجا المسلمين، وشبب بنسائهم، ثم حاول نقض العهد حين طلب منه النبي "صلى الله عليه وآله" الوفاء بتعهداته المالية، حيث قد كان ثمة عهد ينص على التعاون في الديات.
وكان ذلك من كعب بالتعاون مع قومه، حين انتدب عمرو بن جحاش لتنفيذ المهمة.
فكان أن تركهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقفل عائداً إلى أصحابه، فأمر بقتل كعب بن الأشرف، ثم غدا على بني النضير بالكتائب.
فإن من الطبيعي أن نجد رسول الإسلام الأكرم "صلى الله عليه وآله" يتحمل منهم نقض العهد أكثر من مرة، من أجل أن يقطع لهم كل عذر وتعلل في ذلك، وليتضح لكل أحد ما بيتوه من مكر وخداع، وما أبطنوه من ختل وغدر، ويحق الله الحق بكلماته، وليخزي الفاسقين، بفضل صبر الرسول "صلى الله عليه وآله" وأناته.
ثم جاء أهل الحديث والرواية فذكروا كل واحدة مما تقدم على أنها سبب مستقل لما جرى على هؤلاء الغدرة الفجرة، مع الذهول عن أن تكرر ذلك منهم قد جعل من مجموع تلك الأسباب والعوامل سبباً واحداً لما حصل..
رواية لا يعتمد عليها:
وتقدم في الفصل الأول من هذا الباب رواية تقول:
إنهم حين جاءهم الرسول "صلى الله عليه وآله" ومعه بعض أصحابه، فكروا في أن يقتلوه، ويأخذوا من جاء معه من أصحابه أسرى، ويبيعوهم من أهل مكة.
ونحن نشك في هذه الرواية أيضاً، فإن أسر من جاء معه وبيعهم إلى أهل مكة، معناه إثارة حرب طاحنة فيما بين بني النضير وبين الأوس والخزرج، ومن معهم من سائر المسلمين، ولن يمكنهم الوصول بهم إلى مكة قبل أن تندر الرؤوس، وتطيح الأيدي، وتخرب البلاد، وتهلك العباد..
وقد جرب اليهود حظهم مع الأوس والخزرج فيما سبق، واستطاع هؤلاء أن يخرجوا أولئك من المدينة ليعيشوا حواليها، وفي أطرافها.
وقد كان هذا وأمر اليهود مجتمع؛ فكيف تكون الحال بعد أن أجلي منهم بنو قينقاع مع كون العلاقات بين بني قريظة والنضير غير متكافئة ولا طبيعية بسبب التمييز الظالم لبني النضير عليهم، حسبما أوضحناه حين الحديث حول كونهم بمنزلة بني المغيرة في قريش كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وبعد أن أصبح بنو النضير أضعف ناصراً وأقل عدداً، فإن التفكير بهذا الأمر يصبح في عداد المحالات والممتنعات..
وذلك أمر ظاهر لا يحتاج إلى بيان، ولا إلى إقامة برهان.
نقض العهد.. والتكبير:
وقد ورد في بعض النصوص: أنهم حين أبلغوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بنقض بني النضير للعهد أظهر التكبير، وقال: الله أكبر، حاربت يهود. وكبر المسلمون بتكبيره([117]).
كما تقدم: أن المسلمين باتوا يحاصرون بني النضير، ويكبرون حتى أصبحوا..
ونقول: إن إظهار المسلمين للتكبير، وتكبير النبي "صلى الله عليه وآله" بالذات أمر له دلالاته الهامة، وآثاره الظاهرة، ويتضح بعض ذلك ضمن النقاط التالية:
1 ـ لقد كان من الطبيعي أن يتوقع اليهود: أن يواجه النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون نقضهم للعهد بكثير من القلق، وعدم الارتياح، بل وحتى بالخوف، وبالوجوم الناجم عن الارتباك، والتزلزل..
ولكن النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين قد قابلوا ذلك ـ وبسرعة غير متوقعة ـ بموقف لا يمكن أن يخطر لليهود على بال، الأمر الذي من شأنه أن يربكهم، ويوقعهم في حيرة، ويثير لديهم أكثر من سؤال، ثم يزعزع ثباتهم، ويذكي مخاوفهم، بصورة كبيرة وخطيرة
2 ـ إنه إذا كان يوجد فيما بين المسلمين من ينظر إلى اليهود نظرة إجلال وإكبار، ويكن لهم في نفسه قدراً من الثقة والاحترام؛ فإن معنى ذلك هو أن نشاطات المنافقين ـ وعلى رأسهم عبد الله بن أُبي ـ في التخذيل عن حربهم، والصد عن مواجهتهم، لسوف تجد مجالاً واسعاً، ولسوف تترك آثارها السلبية على تماسك الصف الإسلامي في مواجهتهم..
ولعل وجود أبناء للمسلمين في بني النضير لسوف يجعل اتخاذ موقف حازم ضدهم على درجة من الصعوبة بالنسبة لكثير من الآباء، ومن يتصل بهم بسبب، أو بآخر.
ولأجل ذلك، فإن توفر جو حماسي جماهيري لسوف يُضعف حالة التردد لدى هؤلاء وأولئك، وينقلهم من أجواء الانسياقات العاطفية، والاندهاش والانبهار بالانتفاخات غير الواقعية، التي تؤثر في نشوء حالة من التقديس غير المنطقي ـ ينقلهم ـ إلى أجواء الشعور بالقوة، ثم التغلب على عوامل الضعف النفسي من خلال مساعدة العامل الداخلي، بعامل خارجي يعطيه القدرة على الصمود والتصدي، كما ويعطيه المناعة والمصونية من التأثر بعامل العاطفة منفصلاً عن الإحساس بالمسؤولية، أو التأثر بعامل التوهمات، والتقديسات، التي لا ترتكز على الدليل المقنع، ولا تقوم على التأمل القاطع لكل الشبهات، ولكل التساؤلات المنطقية التي يثيرها العقل الفطري السليم والراشد.
وهكذا، فإن هذا العامل المساعد للإحساس الواقعي بالمسؤولية، والقادر على المواجهة الحازمة، القائمة على الدراية والعقل، لسوف يضعف من قدرة اليهود والمنافقين على التأثير في درجة التصميم على التصدي، أو التأثير في خلخلة الوضع الداخلي، وتمييع الموقف بالاستفادة من عامل العاطفة أو عامل الانبهار القائم على التخيل والتوهم غير المنطقي ولا المسؤول.
3 ـ وإذا كان القرآن الكريم، والنبي الأمي "صلى الله عليه وآله" وكذا التاريخ الطويل الزاخر بالأحداث قد قدم للمسلمين صورة تكاد تكون واضحة عن الحالة الأخلاقية الذميمة لليهود، وعن طموحاتهم اللامنطقية واللامشروعة والتي كانوا يدعمونها بتعاليم دينية مزيفة، ويعملون على تحقيقها بسياساتهم الخبيثة في مجال الإعلام والسياسة، والاقتصاد، وكل نشاطاتهم الاجتماعية ـ إذا كان كذلك ـ فإن صدق هذه النبوءة، المتمثل في بروز صفة الغدر والخيانة فيهم على صعيد الواقع بصورة ملموسة وظاهرة للعيان، لسوف يمسح عن أعين الكثيرين غبار الخداع والانخداع، ولسوف تكون في ذلك آية أخرى تدل على صدق هذا النبي الأكرم، وعلى حقانية موقفه، وصواب سياساته منهم ويقطع من ثم كل عذر، ويزيل كل شبهة، فقد ?تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ?([118])، ?وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ?([119]).
نقض العهد والمؤامرة:
هذا، ونجد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد اعتبر تآمرهم على حياته، ومحاولتهم اغتياله، وإن لم ينجحوا في مجال تنفيذ ذلك، نقضاً للعهد يبرر مواجهتهم بالموقف الصارم والحازم.
وواضح: أن اغتيال القيادة الإسلامية هو أجلى مظاهر الخيانة، وأخطرها، ولا يجب أن ننتظر من الخائنين إعلانهم للحرب، والتصدي الفعلي والظاهر لها، كما ربما يفترضه البعض.
المعاهدات في الإسلام:
ويحدثنا التاريخ: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد عاهد بني النضير، كما عاهد غيرهم، ولعل أبرز عهد عقده هو عهد الحديبية، حيث أمر بكتابة نسختين للكتاب([120]) لأن بالكتابة يتم الحفاظ على النص، ويمكن الالتزام به، ويكون مرجعاً لا يمكن التشكيك ولا المراء فيه فيما إذا ثار خلاف. وقد اعتبر الإسلام هذه العهود وسيلة لإيقاف الحروب، وللمنع من نشوبها، تتوفر للإنسان المسلم في ظلها حرية التعبير، وحرية العمل والحركة كما سنرى.
وهذا بالذات هو السر في أننا نجد الإسلام قد أولى العهود والاتفاقات أهمية بالغة، ورسم لهـا حدودهـا، وبيَّن بوضوح تـام مختلف الأصـول والأهداف التي لا بد من رعايتها، والحفاظ عليها فيها.
وبديهي: أن دراسة هذا الموضوع بعمق، والإلمام بجميع جوانبه إسلاميـاً وتاريخيـاً، يتطلب بـذل جهد كبير، ويحتاج إلى دارسـة مستقلة ومنفصلة، وإلى وقت يتيح الفرصة للاطلاع على قدر كاف من الآيات الشريفة والنصوص الواردة عن النبي "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام"، ثم دراسة المعاهدات التي عقدت في صدر الإسلام وظروفها، ولا نجد أنفسنا قادرين على توفير ذلك في ظروفنا الراهنة.
إلا أن ذلك لا يمنع من إيراد إلماحة سريعة، ترتكز ـ عموماً ـ على بعض ما ورد في هذا المجال في خصوص نهج البلاغة، فنقول:
من عهد الأشتر:
قال "عليه السلام" في عهده لمالك الأشتر:
"..ولا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضا؛ فإن في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمناً لبلادك، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك، بعد صلحه؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم، واتهم في ذلك حسن الظن.
وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء، وارع ذمتك بالأمانة، واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت؛ فإنه ليس من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعاً، مع تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود.
وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا من عواقب الغدر([121])؛ فلا تغدرن بذمتك، ولا تخيسن بعهدك، ولا تختلن عدوك؛ فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل شقي.
وقد جعل عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره؛ فلا إدغال، ولا مدالسة ولا خداع فيه.
ولا تعقد عقداً يجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة، ولا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق، فإن صبرك على ضيق أمر لزمك ترجو انفراجه، وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله طلبته، فلا تستقيل فيها دنياك وآخرتك"([122]).
الوفاء بالعهد:
أما بالنسبة إلى ضرورة الالتزام بالعهود والوفاء بها، حتى لغير المسلمين، فإن الله تعالى يقول: ?فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ?([123]).
ويقول سبحانه: ?وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً?([124]).
ويقول: ?..وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدتُّمْ?([125]).
وفي آية أخرى: ?وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا?([126]). فقد جعل الله العهد مع الأعداء عهداً لله سبحانه..
الشرط الأساس في كل عهد:
وبعد.. فإن أمير المؤمنين "عليه السلام" قد قرر: أن الشرط الأساس في كل عهد هو أن يكون "لله فيه رضا" كما ورد في عهده "عليه السلام" للأشتر "رحمه الله".
وواضح: أن رضا الله سبحانه إنما هو في حفظ مصلحة الإسلام العليا، وكرامة المسلمين، وحريتهم في الدعوة إلى الله سبحانه بأمن ودعة واطمئنان.
وحين يكون الداعي للصلح الذي فيه رضا الله سبحانه هو العدو فإن معنى ذلك هو أن العدو قد اعترف بك، وبموقعك، وأصبح على استعداد لأن يقبل شروطك العادلة، ومعنى ذلك هو: أنك تكون قد سجلت نصراً من أقرب طريق وأيسره.
وأما إذا دعاك هذا العدو إلى صلح ظالم وفيه ذل للمسلمين، ووهن على الإسلام، فإن من الطبيعي أن ترفض صلحاً كهذا لأنه تسجيل انتصار للعدو من أسهل طريق..
وثمة شرط آخر: لا بد من توفره في أي عهد، وذلك من أجل أن يحتفظ بقيمته، وبفعاليته، في حسم الصراع، ثم من أجل أن لا يوجب عقد العهد ضعفاً في موقف المسلمين، وفتح باب التشكيك في حقهم، أو إعطاء فرصة المناورة للباطل.
وهذا الشرط لا بد للجانب المحق من الاهتمام به، والعمل على توفيره بصورة أجلى وأتم، وهو أن: "لا تعقد عقداً تجوز فيه العلل، ولا تعولن على لحن قول بعد التأكيد والتوثقة".
أي أنه لا بد أن لا تكون في العهد إبهامات يمكن التشبث بها من قبل العدو، كما أنه لا بد أن يكون نفس العهد هو المعيار والمرجع والفيصل في الأمور، فلا يعتمد على مواعيد أو لحن قول، فإن ذلك يوجب وهناً في العهد نفسه، وفيه فتح باب النقض، والخيانة، من دون أن يكون ثمة حرج ظاهر في ذلك.
وذلك يعتمد على نباهة ودقة ذلك الذي يتصدى لعقد العهد، وهو يتحمل مسؤولية أي تقصير في هذا المجال.
العهود لا تنقض، وهي ملزمة للجميع:
1 ـ ونجد في نص المعاهدة التي كتبها علي أمير المؤمنين "عليه السلام" فيما بين ربيعة، اليمن، ما يدل على أن العهد ملزم لكل الآخرين الذين ينتمي إليهم المباشرون لعقد العهد.. وذلك يقطع أي عذر، ويمنع من أي تعلل، أو محاولة خداع.
وهذا مطلب عادل، وسليم، فإن كل الأمور التي تمس حياة المجتمعات، لا يمكن أن يعتمد فيها مبدأ موافقة كل فرد منها ولا سيما مع اختلاف المصالح، وتشتت الآراء، وتباين الأهواء، حسبما ذكر أمير المؤمنين "عليه السلام" في الفقرة المنقولة عنه في عهده للأشتر النخعي "رحمه الله"..
2 ـ إن عتب العاتبين، وغضب الغاضبين، لا يجوز أن يجعل ذريعة لنقض العهد، ما دام أن إرضاء كل أحد غير ممكن، ولا سيما في الأمور المرتبطة بمستقبل الجماعات، وعلاقاتها ومواقفها، حتى ولو كان العاتبون والغاضبون فريقاً ثالثاً، يريد أن يحصل على مكاسب سياسية أو غيرها، ويكون له دور ما في التحرك السياسي، أو تأثير ـ إيجابي أو سلبي ـ على ساحة الصراع.
فإذا كان القانون العام هو عدم نقض العهد بسبب ذلك، فلا بد أن تنقطع أطماع الطامعين، ما دام أن عتبهم لن يجدي نفعاً، ولن يؤثر شيئاً.
3 ـ إن العهد لا ينقض لأجل استذلال قوم قوماً، ولا لمسبة قوم قوماً؛ فإن تعرض فريق للاستذلال من قبل فريق آخر، بسبب عقده للعهد، وكذا اتخاذ عقد العهد من قوم وسيلة لتعييرهم ومسبتهم، لا يبرر للعاقدين له نقض عهدهم..
وإذاً.. فإن من يقدم على عهد، لا بد وأن يعلم مسبقاً: أنه لا بد له من الوفاء بما عقده، حتى في أشق الأحوال، وأصعبها، فهو إذن عالم بما يفعل، ومطلع على نتائجه مسبقاً، وقد أقدم مختاراً على ذلك.. فعليه أن يتحمل نتائج ما أقدم عليه..
وقد أشار علي أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى ذلك كله في العهد الذي كتبه بين اليمن وربيعة، فقد جاء فيه:
"..لا ينقضون عهدهم لمعتبة عاتب، ولا لغضب غاضب، ولا لاستذلال قوم قوماً ولا لمسبة قوم قوماً على ذلك شاهدهم وغائبهم، وسفيههم وعالمهم، وحليمهم وجاهلهم، ثم إن عليهم عهد الله الخ.."([127]).
إحترام أمور المعاهدين:
وحين يكون المعاهدون يتمتعون بحماية دولة الإسلام، فإن أموالهم ـ كأموال المسلمين ـ لا تمس، بل تبقى لهم، ويمارسون حريتهم التجارية بصورة تامة..
قال علي أمير المؤمنين "عليه السلام" في كتاب له إلى عمال الخراج:
"ولا تمسن مال أحد من الناس، مصل، أو معاهد، إلا أن تجدوا فرساً، أو سلاحاً الخ.."([128]).
المعاهدون لا يُجْفَوْن ولا يُقْصَوْن:
وقد كتب علي أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى بعض عماله: "واعزز المسلمين، ولا تظلم المعاهدين"([129]).
وكتب أيضاً إلى عامل آخر له، يقول:
"أما بعد، فإن دهاقين أهل بلدك شكوا منك غلظة وقسوة، واحتقاراً وجفوة، ونظرت فلم أرهم أهلاً لأن يدنوا لشركهم، ولا أن يقصوا ويجفوا لعهدهم، فالبس لهم جلباباً من اللين تشوبه بطرف من الشدة، وداول لهم بين القسوة والرأفة، وأمزج لهم بين التقريب والإدناء والإبعاد والإقصاء"([130]).
من نتائج الصلح والعهد:
وعن نتائج الصلح والعهد، فهي:
1 ـ دعة الجنود.
2 ـ الراحة من الهموم.
3 ـ الأمن لبلاد المسلمين.
وذلك معناه: أنك أصبحت قادراً على التخطيط للمستقبل لأنك قد ارتحت من همومك، وأصبحت قادراً أيضاً على تنفيذ خططك، لأنك تملك الوقت الكافي، والطاقات الفاعلة، المهيأة للعمل الجاد والدائب، دونما مانع أو رادع..
كما أن هذا السلم والأمن لسوف يجنب بلادك التعرض للأزمات الإقتصادية الحادة، ويحفظ مرافقها الإقتصادية والحيوية من التدمير، أو التعطيل، أو صرفها في مواجهة متطلبات الحرب.
هذا، عدا عن حفظ القوى الفاعلة والمؤمنة من أن تتعرض للتدمير، أو للتشويه، ثم ما ينشأ عن ذلك من آثار إجتماعية لا تجهل.
ويجب أن لا ننسى أن حالة عدم الاستقرار، بل والخوف وعدم الأمن في أحيان كثيرة، من شأنها أن تشل حركة المجتمع في المجالات المختلفة، وتمنعه من أن يقوم بدوره على النحو المطلوب والمؤثر.
ثم هناك الحالة الفكرية والنفسية وكثير من السلبيات الأخرى، التي تنشأ عن ظروف الحرب، وتتفاعل بصورة تصاعدية في كثير من المجالات، والقطاعات..
وكل ذلك يمثل هموماً حقيقية لأي حاكم يشعر بمسؤولياته الإلهية، والإنسانية تجاه مجتمعه وأمته.
العهد.. والحذر:
وإذا كان عقد العهد مع العدو لا يعني أن العدو قد تنازل عن كل طموحاته، وصرف النظر عن كل مراداته وخططه، فإنه ربما يكون قد قارب ليجد الفرصة للوثوب، وإيراد الضربة القاصمة..
فقد جاء النهي عن الاطمئنان لهذا العدو، حيث قد تقدم قول أمير المؤمنين "عليه السلام" في عهده للأشتر: "ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه؛ فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن".
وقال تعالى: ?وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ?([131]).
الخيانة في حجمها الكبير:
وبما أن الله سبحانه قد جعل عهده وذمته أمناً أفضاه بين العباد برحمته، وحريماً يسكنون إلى منعته، ويستفيضون إلى جواره، فإن الشرط الأساس فيه هو أنه لا إدغال، ولا مدالسة ولا خداع فيه؛ فإذا رأى أن العدو لا يعمل بشروط الصلح ومقتضيات العهد، وإنما هو يتآمر، ويعد العدة للغدر، فإن نفس هذه الأعمال تكون نقضاً منه للعهد، وتخلياً عن شروطه، فلا معنى حينئذٍ للالتزام بهذا العهد من طرف واحد، وإنما لا بد من نبذ العهد إليه ومعاملته معاملة الخائن المجرم، قال تعالى: ?وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ?([132]).
وعن علي "عليه السلام": الوفاء لأهل الغدر غدر عند الله، والغدر بأهل الغدر وفاء عند الله([133]).
وبالنسبة إلى بني النضير، فإنهم قد مارسوا الخيانة في أبشع صورها وأفظعها، حين تآمروا على القيادة الإسلامية والإلهية، فرد الله كيدهم إلى نحورهم، وحفظ الله نبيه، وأعز دينه، وأدال المسلمين من أعدائهم، من أسهل الطرق، وأيسر السبل.
الوفاء بالعهد ضرورة حياتية:
ونجد أمير المؤمنين "عليه السلام" قد أوجب على واليه الوفاء بالعهد، بل هو قد طلب منه أن يجعل نفسه جُنة دون ما أعطاه.
وقد علل ذلك: بأنه من الأمور التي اتفقت عليها جميع الناس، رغم تفرق أهوائهم، وتشتت آرائهم، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم، وذلك انطلاقاً من إحساسهم بضرورة ذلك، حين رأوا: عواقب الغدر الوخيمة، التي من شأنها أن تدمر حياتهم، وتقضي على كل نبضات الراحة والاستقرار فيها.
ولكنهم قد خالفوا ضميرهم ووجدانهم، وكل المعايير الأخلاقية، والعقلية في تعاملهم مع المسلمين، حيث أجازوا لأنفسهم نقض عهودهم معهم، وتحمل كل ما لذلك من تبعات ونتائج.. وذلك يدلل على عدم انسجامهم مع قناعاتهم ولا مع فطرتهم في مواقفهم تجاه الإسلام والمسلمين.
وقد اعتبر "عليه السلام": من يخيس بعهده، ويغدر بذمته، ويختل عدوه، ويجتري على الله جاهلاً لا يعرف الأمور ومواردها، ولا الصالح من الطالح، وهو شقي أيضاً، لأنه بالإضافة إلى أنه يكون متجرئاً على الله سبحانه في ذلك، فإنه يكون قد جر على نفسه الكثير من المصائب والبلايا نتيجة لسياساته الخاطئة هذه.
وخلاصة الأمر: أن العهد في الإسلام ليس وسيلة للمكر والخداع بهدف الإيقاع بالعدو، وإنما هو أمانة ضميرية، ذات قاعدة إيمانية أساسية؛ فلا بد من رعايتها والوفاء بها ولا يسوغ نقض العهد "بغير حق" حتى ولو كان فيه ما يوجب الضيق كما تقدم في عهد علي "عليه السلام" للأشتر، وروي عن النبي "صلى الله عليه وآله" قوله: "لا دين لمن لا عهد له"([134]).
وقـد مـدح الله من يفي بعهده فقـال: ?وَالمُـوفُـونَ بِعَهْـدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ..?([135]).
وقد ذم علي "عليه السلام" عمرو بن العاص فقال: "ويُسأل فيبخل، ويخون العهد"([136]).
وقد ذم "عليه السلام" أهل البصرة بقوله: "وعهدكم شقاق"([137]).
وقال "عليه السلام": "وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تغضبون وأنتم لنقض ذمم آبائكم تأنفون"([138]).
الغدر عجز وعدم ورع:
وقد قال علي "عليه السلام": "إن الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جنة أوقى منه، ولا يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، ما لهم؟ قاتلهم الله. قد يرى الحُوَّل القُلَّب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه؛ فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين"([139]).
الغادر هو الذي يعاقَب:
وطبيعي أن ينال العقاب خصوص أولئك الذين ينقضون العهد، ويخونون أماناتهم، وقد أوضح ذلك أمير المؤمنين "عليه السلام" حينما قال:
"مع أني عارف لذي الطاعة منكم فضله، ولذي النصيحة حقه، غير متجاوز متهماً إلى بريء، ولا ناكثاً إلى وفيّ"([140]).
السلاح في أيدي المعاهدين:
كما أن من الطبيعي: أن يحتاط الحاكم الإسلامي، فلا يترك في أيدي المعاهدين، الذين يعيشون في ظل حكمه، وتحت حمايته، من السلاح والتجهيزات ما يشكل خطراً على أمن الدولة، مع التأكيد على احترام كل ما يعود إليهم من أموال وممتلكات، وعدم المساس بها في أي حال. قال علي أمير المؤمنين "عليه السلام": "..ولا تمسن مال أحد من الناس، مصل ولا معاهد، إلا أن تجدوا فرساً أو سلاحاً يعدى به على أهل الإسلام؛ فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام؛ فيكون شوكة عليه
الخ.."([141]).
موقف له دلالاته:
ومن المعلوم: أن مواقف علي أمير المؤمنين تعتبر التجسيد الدقيق والحي لمفاهيم الإسلام، وأحكامه، وسياساته. والتاريخ يحدثنا: أنه حين بلغه "عليه السلام" إغارة خيل معاوية على بلاد المسلمين، خطب "عليه السلام" خطبة الجهاد المعروفة، وقد جاء فيها:
"هذا أخو غامد، وقد وردت خيله الأنبار، وقد قتل حسان بن حسان البكري، وأزال خيلكم عن مسالحها.
ولقد بلغني: أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة، والأخرى المعاهدة، فينتزع حجلها، وقلبها، وقلائدها، ورعاثها([142]) ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلاً منهم كلم، ولا أريق لهم دم؛ فلو أن امرءاً مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً، بل كان به عندي جديراً"([143]).
ونحن نسجل هنا ما يلي:
1 ـ إن هذا الموقف منه "عليه السلام" يوضح لنا قيمة الإنسان في الإسلام، واهتمامه البالغ في الحفاظ على موقعه، وعلى كرامته ووجوده. حتى إن الرجل الأول في الدولة الإسلامية ليعاني من الألم والأسى بسبب الاعتداء على كرامة الإنسان ما يجعل الموت أسفاً على ما جرى أمراً مقبولاً، بل يجعله هو الجدير واللائق به. ثم هو "عليه السلام" يقرر: أن هذا الحدث لا بد أن يؤثر بهذا المستوى أيضاً في كل إنسان مسلم، من كان ومهما كان.
2 ـ إنه يعطي: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" ـ وهو الذي يمثل نظرة الإسلام الأصيلة ـ ينظر بعين المساواة إلى كل من هم تحت سلطته، أو تحت حمايته، فهو يتألم للمرأة كما يتألم للرجل، وهو يتألم كذلك للمعاهدة والتي هي على غير دينه، بنفس المستوى الذي يتألم فيه للمسلمة، وهو يطلب موقفاً حازماً تجاه الاعتداء على كرامتهما معاً من كل مسلم، بنفس القوة والفعالية والتأثير في رفع الظلامة وإعادة الحق إلى نصابه.
3 ـ إنه "عليه السلام" قد حاول إثارة الناس وتحريكهم بأسلوب عاطفي يلامس مشاعرهم وأحاسيسهم؛ فتحدث عن سلب المغيرين حلي النساء المسلمات والمعاهدات، وفي ذلك إثارة عاطفية، وتحريك لاشعوري للناس، الذين سوف يسوؤهم الاعتداء على هذا الموجود الذي يمثل جانب الرقة والحنان في المجتمع.
4 ـ إنه "عليه السلام" إنما توقع من المرء "المسلم" أن يموت أسفاً، واعتبره جديراً بذلك، وحرياً به.. ولعل هذا الأمر يشير إلى أن الإسلام هو ذلك الدين الذي يغرس في الإنسان معاني إنسانيته، ويربيه تربية إلهية يحيا بهـا وجـدانـه، وتتنامى فيهـا خصـائصه ومزايـاه الإنسـانية، فيصبح حي الشعور، صافي النفس، سليم الفكر، إلهي المزايا..
5 ـ كما ونجده صلوات الله وسلامه عليه.. قد أهدر دماء المعتدين، واعتبر أن أدنى جزاء لهم هو أن ينالهم كلم وجرح، وتهرق دماؤهم، رغم أن ما ارتكز عليه بيانه، وجعله منطلقاً له في تقريره هذا الجزء القاسي هو أمر لا يزيد على سلب الحجل والقلب والرعاث من امرأة مسلمة وأخرى معاهدة.
وذلك لأن الميزان في العقاب إنما هو درجة الجرأة على الله وعلى المحرمات، ثم ما ينشأ عن ذلك من فساد وإفساد، في البلاد والعباد.
6 ـ إنه "عليه السلام" إنما ركز على الجانب الإنساني؛ فحاول أن يؤكد للناس لزوم نصرة الضعيف، والدفاع عنه والحفاظ عليه، وأن ذلك هو مسؤولية كل فرد قادر بالنسبة إليه.. وقد أثار انتباه الناس إلى جانب الضعف هذا حين قال: "ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام".. وليكن من ثم مبدأ نصرة الضعيف والدفاع عنه من الأوليات التي يفرضها الوجدان الحي، والضمير الإنساني.
7 ـ ثم هناك الجانب التربوي، الذي يستهدف تركيز مفهوم العدالة في التعامل، فلا يفرق بين مسلم ومعاهد، ثم مفهوم عدم التغاضي عن المعتدين والمجرمين، وعدم التواكل في رد العدوان. إلى غير ذلك مما لا مجال لتفصيله هنا.
وفاء اليهودي هو الغريب المستهجن:
وبعد.. فإننا حين نقرأ التاريخ، فما يلفت نظرنا هو تكرر الغدر من اليهود، واستمرارهم في نقض العهود والمواثيق، مرة بعد أخرى، كما كان الحال بالنسبة لبني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة.
ونجد في مقابل ذلك التزاماً تاماً من قبل النبي "صلى الله عليه وآله" بالعهود والمواثيق المعقودة.
ونحن نشير هنا إلى الأمور الثلاثة التالية:
الأول:
بالنسبة لعدم التزام اليهود في عهودهم نقول: إن ذلك طبيعي بالنسبة إلى قوم يَزِنون الأمور بموازين الربح والخسارة في الدنيا؛ فإن من كان كذلك لا يلتزم بالصدق ـ مثلاً ـ لأجل أن له قيمة أخلاقية أو إنسانية، أو لأن فيه رضا الله سبحانه وتعالى وإنما يلتزم به لأنه يجلب له نفعاً دنيوياً ملموساً، أو يدفع عنه ضرراً كذلك.. وبدون ذلك؛ فإنه لا يجد مبرراً ولا دافعاً للالتزام به، بل هو حين يلتزم بصدق لا يشعر بنفعه الدنيوي يجد نفسه متناقضاً مع مبدئه، ومع منطلقاته في التفكير وفي العمل، التي رضيها لنفسه.
وكذلك الحال بالنسبة لسائر الكمالات والفضائل الإنسانية، وبالنسبة لكل الالتزامات، والعهود، والمواثيق، التي يفرضها عليه واقع دنيوي معين؛ فإنه إذا تجاوز ذلك الواقع، فسوف لا يجد ما يبرر التزامه بذلك الكمال، وتلك الفضيلة، أو وفاءه بهذا العهد والميثاق، أو ذاك. بل كل المبررات متضافرة لديه، وكل القناعات حاكمة عليه بلزوم نقضها، والنكث بها، والالتزام بضدها.
الثاني:
بالنسبة لالتزام النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين بعهودهم ومواثيقهم:
فقد اتضح: أنهم لا بد أن يكونوا فيها على العكس من اليهود تماماً، إذ قد أصبح من البديهي: أن العهد، والميثاق وكل شيء آخر يفرضه عليهم الشرع، والعقل، والإنسانية، إنما يمثل لهم قيمة أخلاقية وإنسانية، وحداً شرعياً، لا بد لهم من الالتزام به، والوقوف عنده: إن ذلك يمثل جزءاً من وجودهم، ومن شخصيتهم، وإن الإخلال به سوف يوقعهم في تناقض مع أنفسهم بالدرجة الأولى، ولسوف يجعلهم وجهاً لوجه مع أحكام العقل، ومقتضيات الفطرة.
الثالث:
أما بالنسبة لموقف المسلمين الصارم والحازم من ناقضي العهود والمواثيق، فإن ذلك هو ما تفرضه عليهم المسؤوليات الإنسانية والإسلامية أيضاً، بعد أن رضي أولئك المعتدون والناقضون للعهود بتحمل نتائج عملهم، وأصبحوا وباء يريد أن يغتال فرص الخير من بين أيدي أهلها، وأحق الناس بها.
وذلك لأن نقض العهود معناه: استخدام مناشئ القوة في سبيل ضرب مواقع الخير، ومناشئه، وتكريس الامتيازات لجهة الشر، والانحراف، الذي لا بد أن تنال سلبياته، ويمتد وباؤه إلى كل مواقع الخير، والسلامة ويقضي عليها.
فتصبح الحركة لضرب الشر في مواقعه ومناشئه حالة طبيعية يمارسها الإنسان المسلم، ومسؤولية إلهية وإنسانية، وعقلية، وفطرية، يفرضها واقع الحياة، وحق الدفاع عن الوجود، وعن الإنسانية والفطرة.
الجرأة ومبرراتها:
وبعد كل ما تقدم، فإن السؤال الذي ربما يراود ذهن البعض هو: أنه قد تقدم: أن اليهود، وكل من لا يؤمن بالآخرة، وكذلك كل من يرى: أن الدنيا هي كل شيء بالنسبة إليه.. لا يمكنهم أن يقدموا على الموت وعلى التضحية بالنفس إلا في حالات نادرة، تتدخل فيها عناصر من شأنها أن تلقي ولو في فترات قصيرة وخاطفة تأثيرات تلك الرؤية، وذلك الفهم الخاطئ، لموضوع المعاد والجزاء، وللآخرة، وانعكاسات ذلك الفكر، أو حيث لا يكون لهم ثمة خيار آخر يمكنهم اللجوء إليه، والاعتماد عليه.
ومعنى ذلك هو: أن اليهود، وكذلك المشركين، سوف لا يكونون قادرين على اتخاذ قرار الحرب، وهم يرون أنها سوف تحرق الأخضر واليابس؛ فكيف يمكن فهم غدرهم بعهودهم، ونقضهم لمواثيقهم، ثم سعيهم لإثارة الحروب مع الآخرين، ثم تحالفهم مع المشركين والمنافقين لحرب المسلمين؟! أليس الأنسب بطريقتهم في التفكير، والأحرى والأجدر بهم، في ظل ماديتهم، وعدم إيمان الكثيرين منهم بالآخرة، أن يعيشوا بسلام مع المسلمين، ومع غيرهم، وأن يبتعدوا بأنفسهم عن كل ما يثير، ويوجب تأزماً في العلاقات، مع أي طرف كان؟!
والجواب:
أن ذلك صحيح في حد نفسه لولا أن اليهود كانوا واقعين تحت تأثير التصورات والأمور التالية:
1 ـ إنهم يرون: أن الخطر الذي يتهددهم من جهة المسلمين، أعظم وأشد، وهو حتمي بالنسبة إليهم.. أما الخطر الآتي من قبل نكث العهود، وما ينشأ عنه من حروب، ومشاكل، فليس ـ بنظرهم ـ بهذه الدرجة من الحتمية، ولا هو بهذا المستوى من الخطورة، فقد كانت الحرب نفسها تخضع لاحتمالات إيجابية بالنسبة إليهم سواء على مستوى القرار لديهم ـ لاحتمال مساعدة المشركين والمنافقين لهم، أو على مستوى القرار لدى الفريق الآخر، وهم المسلمون ـ ولا سيما بملاحظة وجود المنافقين فيهم ـ حيث يرون أن الوضع العام للمسلمين لا يسمح لهم باتخاذ قرار الحرب، الأمر الذي يجعل ارتكاب أخطار الحرب أهون عليهم، وأقرب إلى احتمالات السلامة لهم. أو على مستوى النتائج، والآثار، بالنسبة لكلا الفريقين على حد سواء.
2 ـ إن المسلمين، وإن كانوا قد أثبتوا ـ ولا سيما في حرب بدر ـ أنهم مقاتلون من الدرجة الأولى، وأنهم لا يهمهم شيء سوى رضا الله سبحانه.. فإن هذا الامتياز يمكن أن يصبح غير ذي أهمية، حينما تكون ثمة حصون قادرة على جعل كل هذه الكفاءات بدون أثر ولا جدوى، وهو ما أشار إليه سبحانه بقوله: ?.. وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم..?([144]).
ومن الواضح: أن المسلمين لم يثبتوا بعد: أن لديهم قدرات، وكفاءات لمواجهة حصون اليهود، أو غيرهم.
3 ـ إن اليهود يعتقدون: أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم شعب الله المختار، ومعنى ذلك هو: أن دعوة محمد "صلى الله عليه وآله" سوف تصبح خطراً أكيداً على امتيازهم هذا الذي يرون فيه مبرر وجودهم، ورمز كل عزتهم، وخلاصة مجدهم.
فكانوا يجدون أنفسهم ملزمين بإضعاف أمر هذه الدعوة، وإسقاطها، بقدر ما هم مكلفون بالحفاظ على حياتهم ووجودهم، وكل خصائصهم.
وهم معنيون أكثر من أي فريق آخر بذلك؛ لأن خسارتهم هذه الورقة، وفقدانهم هذا الأمر إنما يعني خسارتهم لكل شيء.
وما ذلك إلا لأنهم يَزِنون الأمور بميزان مادي بحت من جهة ولأن الحالة الشعورية الانفعالية قد أصبحت هي المهيمنة على كل تفكيرهم، وعلى كل تصوراتهم، وهي التي تحركهم في هذا الاتجاه تارة، وفي ذاك الاتجاه من جهة أخرى.
التصوير الحاقد، والتزوير الرخيص:
ويحاول البعض أن يقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ذهب إلى بني النضير، ليطلب منهم مساعدة لدفع دية العامريين، ولما كانت النضير حليفة عامر؛ فلا شك أن تعقيدات نتجت عن ذلك، وإن كانت المصادر لا تتحدث عنها.
ولربما فكر محمد بأن على اليهود أن يدفعوا أكثر مما يدفعه متوسط سكان المدينة، فراق لليهود أن يدفعوا أقل([145]).
ونقول:
إن ملاحظة العبارات الآنفة الذكر تعطينا: أن الهدف هو الإيحاء بأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يطلب من بني النضير دفع شيء لم يكونوا ملزمين بدفعه.
وأنه قد أحرجهم بطلبه ذاك، للحلف الذي كان بينهم وبين بني عامر.
وإذاً، فبنو النضير يصبحون ضحية أطماع مالية لا مبرر لها، ولا يصح مطالبتهم بها، لا واقعاً، ولا أخلاقياً.
كما أن إحراجهم بسبب الحلف المشار إليه، يصبح عملاً لا إنسانياً ولا أخلاقياً.
فكيف إذا كانت المساومة فيما بين المستجدي والضحية قد بلغت حداً نتجت عنه تعقيدات نزل الوحي الشيطاني بها على هؤلاء رغم أن المصادر لم تتحدث عنها؟!
وفوق ذلك، فقد بلغ الصلف، والظلم، والابتزاز حداً من الدناءة والسوء جعل محمداً ـ والعياذ بالله ـ يفكر في أن يحملهم القسط الأكبر في ديّة رجلين لم يكن لهم في قتلهما يد، لا من قريب، ولا من بعيد، وينزل الوحي الشيطاني أيضاً على هؤلاء ليقول لهم: إن محمداً قد فكر في ذلك، لكن راق لليهود أن يدفعوا أقل.
ولكن اليهود المظلومين (!!) الذين وقعوا في فخ الأطماع الرخيصة (!!) عادوا فاستسلموا لهذا الظلم المقيت (!!) وأعلنوا أنهم على استعداد لإعطاء جواب مرض.
ثم تعاملوا مع هذا الذي يريد أن يبتزهم بأخلاقية عالية ونبيلة، حين طلبوا منه أن يستريح، بينما كانوا يعدون له الطعام.
مزيد من التجني:
ثم يتابع هذا الحاقد كلامه عن ذكر إرسال النبي "صلى الله عليه وآله" إليهم يأمرهم بمغادرة المدينة، تحت طائلة الموت في مدة عشرة أيام، على أن يبقى نخلهم لهم؛ ويحتفظوا بنصف المحصول، فيقول:
"إن هذا الإنذار لا يتناسب مع الإهانة، أو الادعاءات الغامضة، بصدد خيانة مقصودة..
ومع ذلك، يمكن لهذه الادعاءات: أن لا تبدو غامضة لرجل غربي في أيامنا هذه. فقد كان الفريقان يعلمان كيف عامل بعض المسلمين كعب بن الأشرف. وكان محمد يعلم جيداً ـ حسب الآراء السائدة في الجزيرة العربية آنذاك ـ أنه إذا سنحت الفرصة المناسبة انتهزها أعداؤه، وقتلوه. وكان التأخير في إعطاء الجواب لإتاحة الفرصة لقتله، ولهذا اعتبر عملاً عدائياً.."([146]).
ونقول:
إننا لم نفهم السبب في وضوح هذه الادعاءات، وخروجها عن الغموض لخصوص الرجل الغربي في أيامنا هذه (!!)
كما أن هذا الباحث (!!) لم يقل لنا: ما هو حجم الإنذار الذي يتناسب مع الإهانة والخيانة، إذا كان إنذاره "صلى الله عليه وآله" لا يتناسب معهما (!!).
فهل يقصد هذا الباحث (!!) أن المفروض هو أن يكون قتل بني النضير هو الجزاء العادل لخيانتهم، وتآمرهم، ونقضهم للعهد؟
أم أنه يقصد: أن طلب الجلاء منهم مع احتفاظهم بنخلهم، ويكون لهم نصف المحصول، كان جزاء ظالماً، لا يصح طلبه من الخائن المتآمر، الناقض للعهود، والمواثيق؟!..
وبعد.. فإن هذا الباحث (!!) يريد أن يوحي لقرائه بأن كعب بن الأشرف قد قتل مظلوماً أيضاً، وأن المسلمين قد عاملوه بقسوة لا يستحقها.
ولا ندري إن كان قبل أن يظهر تعاطفه مع هذا الرجل قد اطلع على سلسلة خيانات ابن الأشرف، ومواقفه الظالمة، وسعيه الحثيث للإيقاع بالمسلمين، أم لم يطلع على شيء من ذلك..
وهل يستطيع: أي نظام حكم غربي ـ يدَّعي لنفسه الحضارة والرقي ـ في هذا العصر، أن يحكم على أمثال كعب بن الأشرف ويجازيه بأقل مما حكم عليه به المسلمون، وجازوه به؟!..
وبعد كل ما تقدم، لماذا اعتبر هذا الباحث: أن ما يذكره النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون عن خيانات بني النضير، وتآمرهم، ونقضهم العهد مجرد ادعاءات غامضة؟! وها نحن نراها واضحة وضوح الشمس، وتقدم تفصيلات وافية، مستندها الوحي الإلهي عن خطط اليهود، ومواقفهم.
ولم يستطع اليهود: أن يدفعوا التهمة عن أنفسهم، ولا حاولوا ذلك ولو مرة واحدة.
هذا كله، عدا عما تقدم من أن أخبار المؤامرة والخيانة قد وصلت إلى المسلمين أيضاً عن طريق بعض اليهود أنفسهم([147]).
ونكتفي بهذا القدر من الأسئلة، التي لن تجد لها لدى هؤلاء الحاقدين جواباً مقنعاً ومفيداً.
فإنما هي: "شنشنة أعرفها من أخزم".
الفصل الثالث:
القرار والحصار
القرار الحكيم:
لقد كان من المتوقع ـ بعد نقض بني النضير للعهد، وخيانتهم الظاهرة ـ : أن يكون قرار النبي "صلى الله عليه وآله" هو حربهم وقتالهم، وإبادة خضرائهم؛ فإن ذلك هو الجزاء العادل لكل خائن وغادر، ولا سيما إذا كان يخطط ويتآمر، ثم يعمل على تنفيذ خططه بضرب الإسلام في الصميم، على مستوى ضرب مقام النبوة والقيادة في أعلى مستوياتها، وأخلص تجلياتها.
ولكن الملاحظ هو: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد آثر أن يعامل بني النضير ـ كما عامل بني قينقاع قبلهم ـ بمزيد من الرفق والتسامح، ولعل ذلك يرجع إلى الأمور التالية:
1 ـ إن هؤلاء القوم قد عاشوا دهراً في هذه المنطقة، وأصبحت لديهم الكثير من العلاقات الإقتصادية والتجارية، وغيرها، إلى جانب علاقات الصداقة والمحبة مع سائر أهل البلاد الذين قَبِلَ كثير منهم الإسلام ديناً وهداهم الله للإيمان..
وإذاً.. فقد يعز على الكثيرين ممن لهم معهم علاقات كهذه أن يروهم وقد حاقت بهم المصائب والبلايا، واختطفت الكثيرين منهم أيدي المنايا، فيعتبرون أنهم قد عوملوا بقسوة بالغة، وبلا شفقة ولا رحمة، وقد كان يمكن أن يكون الموقف أكثر مرونة وانعطافاً وملاءمة من ذلك.
2 ـ إن الكثيرين من الناس كانوا مبهورين بأهل الكتاب واليهود بالذات، وينظرون إليهم على أنهم مصدر العلوم والمعارف، وعندهم الكثير من الخفايا والأسرار.. وعلى هذا فقد يفسر ضربهم بقسوة على أنه ناشئ عن حالة من التخوف منهم، أو الحسد والبغي عليهم.
وإذا كان كذلك فلا حرج من أن يتخيلهم المتخيلون شهداء وأبطالاً، لا بد من التأسف عليهم، بل والحنين إليهم..
3 ـ ومن جهة أخرى، فإن رؤية ذلهم وصغارهم، ثم مراقبة ما يصدر منهم خلال ذلك من مواقف ماكرة وغادرة، ومن مخالفات صريحة للأعراف، ولأحكام العقل والفطرة، والضمير، لسوف يساهم في كشف زيفهم وخداعهم وغشهم للإسلام وللمسلمين.
كما أن رؤية الكرامات الإلهية الظاهرة، والتأييدات الربانية الخفية منه تعالى لنبيه وللمسلمين، ونصره تعالى عليهم لسوف يرسخ حقانية موقف الإسلام، ونبي الإسلام منهم.
هذا.. مع تـوفـر المزيـد من الفرص للإنسـان المسلم الواعي للتأمـل والتدبر في ذلك كله، بعيداً عن الانفعالات والتشنجات، وفي منأى عن أعمال التضليل والتزوير، التي ربما يمارسها الكثيرون من المنافقين، وباقي اليهود الذين يتعاطفون معهم.
ومن هنا.. فقد جاء قرار إجلائهم عن المدينة ليكون القرار الحكيم والصائب، وليكون هو الأوفق والأنسب والأقرب لتحقيق الأهداف الإلهية السامية والكبرى.
وقد أبلغهم النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" بقراره هذا، عن طريق رسول أرسله إليهم، ليرى ماذا يكون جوابهم ويعلم الناس حقيقة موقفهم..
4 ـ كما أن في ذلك التفافاً أيضاً على المنافقين، وعلى كل المتربصين بالمسلمين والإسلام سوءاً، من أن يجعلوا ذلك ذريعة للتحريض والتشهير بالإسلام وبنبيه الأكرم "صلى الله عليه وآله"..
لماذا كان الرسول أوسياً؟:
إن النص التاريخي يقول: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين أراد أن ينذر بني النضير، قال: ادعوا لي محمد بن مسلمة، فحين أتى أرسله إليهم ينذرهم بوجوب مغادرتهم مساكنهم([148]). ولا بد لنا من وقفة هنا، لنعلم السر في اختياره "صلى الله عليه وآله" هذا الرجل بالذات ـ محمد بن مسلمة ـ ليكون رسوله إلى يهود بني النضير، فنقول: إن الأوس كانوا حلفاء لبني النضير([149])، ولربما كان يدور بخلدهم أن يكون للأوس دور إيجابي لصالحهم، ولا أقل من أن يكون لهم موقف فيه شيء من العطف، وعدم القسوة تجاههم..
إذا عرفنا ذلك: فإن اختيار رجل من الأوس ليحمل رسالة النبي "صلى الله عليه وآله" إليهم يأمرهم فيها بالجلاء، لسوف يزيد من يأسهم، ويضاعف من تخوفاتهم وهو يمثل ضربة روحية موفقة ساهمت في المزيد من إضعاف معنوياتهم، وجعلتهم يراجعون حساباتهم بجدية، ثم يرضخون للأمر الواقع.
ويكفي أن نذكر شاهداً على ذلك: أنهم حين جاءهم محمد بن مسلمة الأوسي بالخبر، قالوا:
"يا محمد، ما كنا نظن: أن يجيئنا بهذا رجل من الأوس، فقال محمد بن مسلمة: تغيرت القلوب، ومحا الإسلام العهود.
فقالوا: نتحمل.
فأرسل إليهم عبد الله بن أُبي: لا تخرجوا الخ.."([150]).
بل في بعض النصوص: أن محمد بن مسلمة هو الذي تولى إخراجهم من ديارهم([151]).
وقال الواقدي: "كان محمد بن مسلمة الذي ولي قبض الأموال والحلقة، وكشفهم عنها"([152]).
وواضح: أن ذلك أيضاً يضاعف ذلهم وخزيهم، ويزيد من آلامهم، وقد كان يفترض فيهم: أن يأخذوا من ذلك عظة وعبرة، وأن يراجعوا حساباتهم بشأن هذا الرسول ودعوته؛ فقد تبين لهم أن الإسلام قد هيمن على القلوب وغيّرها، ومحا الإسلام العهود.
ومعنى ذلك هو: أن ثمة رعاية إلهية له "صلى الله عليه وآله"، ولدينه، ورسالته الظافرة، وقد تجاوزت هذه الرعاية كل التوقعات، وقلبت جميع الموازين لديهم، ولدى غيرهم من المشركين، الذين كانوا يعيشون في المنطقة، وكانوا يتعاملون مع النبي "صلى الله عليه وآله" ومع الدين الذي جاء به من موقع التحدي، والمكابرة، والجحود..
فما كان أحراهم بعد أن عاينوا ما عاينوا من آيات بينات، ومن كرامات ومعجزات، أن يسلموا ويشهدوا لنبي الإسلام بالرسالة والنبوة، ولكنهم لم يفعلوا.. بل جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً.
حامل اللواء:
وقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام": تقدم إلى بني النضير، فأخذ أمير المؤمنين الراية، وتقدم، وجاء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأحاط بحصنهم([153]).
وحسب نص آخر: وحمل لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" علي بن أبي طالب([154]).
ولكن الواقدي قال: "وقد استعمل علياً "عليه السلام" على العسكر، وقيل: أبا بكر"([155]).
ونقول: لا بد من الإشارة هنا إلى أمرين:
الأول: بالنسبة لاستعمال أبي بكر على العسكر، فإنه قول منسوب إلى مجهول، لم يجرؤ الواقدي على ذكر اسمه، ولا مستنده، ونحن نشك في كونه مختلقاً وموضوعاً على أبي بكر؛ وذلك لما قدمناه من أن علياً كان صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر وفي كل مشهد([156]).
وقد صرحوا: بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يؤمِّر على علي أحداً "عليه السلام"([157])، وقد كان "عليه السلام" في غزاة بني النضير، فكيف يكون قد أمَّر أبا بكر عليه؟!
وعدا عن ذلك كله.. فإن أبا بكر لم يكن معروفاً بالشجاعة والإقدام، إن لم نقل: إن الأمر كان على عكس ذلك تماماً، حسبما أوضحناه في الجزء الثالث من هذا الكتاب، حين الكلام حول حرب بدر، وما يذكر من شجاعة أبي بكر فيها، لبقائه مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" في العريش.
ومن الواضح: أن إمارة الجيوش وراياتها إنما تكون بيد الشجعان وأصحاب النجدة، قال علي "عليه السلام": وهو يحث أصحابه على القتال:
"ورايتكم فلا تميلوها، ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم، والمانعين الذمار منكم؛ فإن الصابرين على نزول الحقائق، هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها؛ حفاً فيها، ووراءها، وأمامها، لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها، فيفردوها"([158]).
ولعل الهدف من تلك الأكذوبة التي نسبها الواقدي إلى القيل: هو التشكيك فيما هو حق وصدق فيما يرتبط بعلي "عليه السلام"، والتخفيف من حدة النقد الموجه إلى أبي بكر، بسبب ما عرف عنه من إحجام عن خوض الغمرات، والفرار في مواطن الخطر، والتحدي الحقيقي، كما جرى له في أُحد وخيبر وغيرهما، مما هو مسطور في كتب الحديث والتاريخ.
الثاني: إن من الواضح: أن حمله "عليه السلام" لراية رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقيادته للعسكر لمما يزيد في رعب اليهود، ويهزمهم نفسياً.
كيف لا.. وقد كانت أخبار مواقفه وبطولاته في بدر ـ وكذا في أحد، لو صح كون غزوة بني النضير بعدها، وقد استبعدناه ـ قد أرهبت وأرعبت القاصي والداني، من أعداء الله وأعداء رسوله ودينه.
فهو قد قتل نصف قتلى المشركين، وشارك في قتل النصف الثاني في حرب بدر، وفي أُحد ـ لو كانت القضية بعدها ـ كان الفتح وحفظ الإسلام على يديه، وقد آثرت قريش الفرار على البقاء والقرار، حينما علمت أنه "عليه السلام" يلاحقها في غزوة حمراء الأسد، رغم ما كانت تشعر به من زهو وخيلاء بالنسبة للنتائج التي تمخضت عنها حرب أُحد.
الفتح على يد علي ×:
لما توجه رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى بني النضير عمد إلى حصارهم، فضرب قبته في أقصى بني خطمة من البطحاء.
فلما أقبل الليل رماه رجل من بني النضير بسهم، فأصاب القبة، فأمر النبي "صلى الله عليه وآله" أن تحول قبته إلى السفح، وأحاط بها المهاجرون والأنصار. (وعند الواقدي: أنها حولت إلى مسجد الفضيخ).
فلما اختلط الظلام فقدوا أمير المؤمنين "عليه السلام"؛ فقال الناس: يا رسول الله، لا نرى علياً.
فقال "صلى الله عليه وآله": أراه([159]) في بعض ما يصلح شأنكم.
فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى النبي "صلى الله عليه وآله" ـ وكان يقال له: عزورا ـ فطرحه بين يدي النبي "صلى الله عليه وآله".
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": كيف صنعت؟
فقال: إني رأيت هذا الخبيث جريَّاً شجاعاً؛ فكمنت له، وقلت: ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الليل، يطلب منا غرة.
فأقبل مصلتاً بسيفه، في تسعة نفر من اليهود؛ فشددت عليه، وقتلته، فأفلت أصحابه، ولم يبرحوا قريباً؛ فابعث معي نفراً فإني أرجو أن أظفر بهم.
فبعث رسول الله "صلى الله عليه وآله" معه عشرة، فيهم أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف؛ فأدركوهم قبل أن يلجوا الحصن؛ فقتلوهم، وجاؤوا برؤوسهم إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فأمر أن تطرح في بعض آبار بني خطمة.
وكان ذلك سبب فتح حصون بني النضير.
وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:
لله أي كــريــهــة أبــلــيـتـهـا بـبـني قـريـظـة والـنـفوس تطلع
أردى رئـيـسـهم وآب بـتـسـعة طـوراً يشـلـهـم([160]) وطـوراً يـدفـع
وحسب نص الواقدي ودحلان: أن القبة كانت من غرب (ضرب من الشجر) عليها مسوح، أرسل بها إليه سعد بن عبادة فأمر بلالاً، فضربها في موضع المسجد الصغير الذي بفضاء بني خطمة وصلى بالناس في ذلك الفضاء، فلما رماها، "عزوك" ـ كما في الواقدي ـ بالسهم حولت إلى مسجد الفضيخ.
إلى أن تقول الرواية: فيئسوا من نصرهم، فقالوا: نحن نخرج من بلادك الخ..([161]).
ونحن نسجل هنا الأمور التالية:
1 ـ الحكمة.. والمعجزة:
إن تحويل النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قبته إلى السفح، حتى لا تنالها يد العدو، يعطينا: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يتحرك من موقع الحكمة والتدبير، وفقاً لأحكام العقل وجرياً على مقتضيات الفطرة.
وأما المعجزة، والتصرف الإلهي الغيبي، فإنما كان في حالات خاصة، حيث تمس الحاجة لذلك، وتفرضه ضرورة حفظ الإسلام، ورمزه الأول، كما كان الحال بالنسبة لإخبار جبرئيل "عليه السلام" للنبي "صلى الله عليه وآله" بتآمر بني النضير على حياته "صلى الله عليه وآله"، حينما ذهب إليهم يستمدهم في ديّة العامريين، حسبما تقدم..
وكما كان الحال بالنسبة إلى الإمداد بالملائكة في حرب بدر، إلى غير ذلك من موارد فرضت التدخل الإلهي، وحدوث المعجزة والكرامة، من أجل حفظ الإسلام في منطلقاته الأساسية، وفي رموزه الأولى والكبيرة.
ولعل تحول النبي "صلى الله عليه وآله" إلى السفح بعد وصول النبل إلى تلك الخيمة كان يهدف إلى تعليم المسلمين هذا الدرس بالذات بالإضافة إلى دروس أخرى تأتي.
2 ـ الشعور بالمسؤولية:
إن تحرك أمير المؤمنين "عليه الصلاة والسلام" لمواجهة الخطر اليهودي إنما جاء من منطلق الإحساس بالمسؤولية، ونتيجة للشعور بالواجب، والثقة بالله سبحانه.. حتى ولو لم يصدر الأمر به من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، تفادياً لبعض السلبيات.
وهذا الإحساس والشعور لم نجده عند سائر الصحابة، الذين كانوا حاضرين مع النبي "صلى الله عليه وآله"، وشهدوا ما شهده علي "عليه السلام"، وعاينوا ما عاينه.
3 ـ الأسرار العسكرية:
إن سرية تحرك أمير المؤمنين "عليه الصلاة والسلام"، وعدم إفصاح النبي "صلى الله عليه وآله" عن طبيعة المهمة التي كان أمير المؤمنين بصدد تحقيقها، حتى إنه "صلى الله على وآله" لم يشر إلى أن طابعها كان عسكرياً أو استطلاعياً، أو تموينياً، أو غير ذلك..
إن هذه السرية مطلوبة في كل عمل عسكري ـ إلا ما كان ذا طبيعة خاصة ـ ليمكن تحقيق الأهداف المتوخاة من ذلك العمل على النحو الأفضل والأكمل.
وقد كان من الطبيعي أن يتسرب الخبر في ظروف كهذه إلى بني النضير ـ لو أفصح به النبي "صلى الله عليه وآله" ـ عن طريق المنافقين، ولعل ذلك يؤدي إلى تفويت الكثير من الفرص، وإلى أن تفقد العملية عناصر هامة من شأنها أن تساعد على إحراز نصر كبير فيها، كأن يتمكن بنو النضير من نجدة سريتهم العاملة، ولا أقل من تمكن المنافقين من مساعدة عناصر السرية اليهودية على الفرار والنجاة، أو الاختفاء في الأمكنة المناسبة لذلك..
4 ـ دراسة شخصية العدو:
إن قول أمير المؤمنين "عليه السلام": "إني رأيت هذا الخبيث جريَّاً شجاعاً؛ فكمنت له، وقلت: ما أجرأه أن يخرج إذا اختلط الليل، فيطلب منا غرة" يعطينا: أنه لا بد من دراسة حالات العدو، وخصائصه النفسية، فإن لذلك أثراً كبيراً في العمل العسكري، وله دور هام في تعيين مستقبل الحرب، وأسلوب حركتها ونتائجها.
5 ـ إستباق مخططات العدو:
إن كلمة أمير المؤمنين "عليه السلام"، الآنفة الذكر، لتعطينا: أنه لا بد من أن تكون لدى الكوادر القيادية القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يخطط له العدو، وطرح الافتراضات والخيارات كافة التي يمكن أن يلجأ إليها، لمواجهتها من موقع الوعي والدراسة والتخطيط، حتى لا تتحول إلى مفاجأة يتعامل معها من موقع العفوية والارتجال، وردة الفعل، والانفعال.
6 ـ العمليات الوقائية:
وبعد.. فلم تكن مبادرة أمير المؤمنين لإفشال المخططات المحتملة للعدو إلا إيذاناً بضرورة القيام بعمليات وقائية، وضرب العدو في مواقعه، وبصورة مفاجئة، وقوية، فإن ذلك من شأنه أن يلحق به هزيمة نفسية، فضلاً عن الهزيمة العسكرية الساحقة.
7 ـ إرهاصات:
إن شعر حسان الآنف الذكر يدل على: أن علياً "عليه الصلاة والسلام" هو الذي آب بالتسعة، وأنه قد قتل بعضهم، وآب بالبعض الآخر أحياء.
ولعل دور العشرة الذين أرسلهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" معه قد اقتصر على أمور ثانوية وهامشية في عملية أسر التسعة، أو قتلهم، وإن الدور المصيري والأهم إنما كان لأمير المؤمنين "عليه السلام".
ولأجل ذلك لا يصغى إلى ما ذكره الحلبي، حينما ذكر إرسال العشرة مع علي "عليه السلام" لقتل التسعة فقتلوهم، وطرحوهم في بعض الآبار، حيث قال الحلبي: "..وفي هذا رد على بعض الرافضة حيث ادَّعى: أن علياً هو القاتل لأولئك العشرة"([162]).
8 ـ الفتح على يد علي ×:
وكان من الطبيعي: أن يكون لهذه الضربة تأثير كبير على معنويات بني النضير، وأن يضج الرعب في قلوبهم. فإن تصدي رجل واحد من المسلمين لعشرة منهم، ثم قتل العشرة جميعاً، يؤذن بأن المسلمين قادرون على إبادتهم، واستئصال شأفتهم بسهولة ويسر.
وإذا كان يمكن اعتبار حرق الأشجار وقطعها تهديداً، وممارسة لمستوى من الضغط، قد يتم التراجع عنه، حين يؤول الأمر إلى سفك الدماء، وإزهاق الأرواح، فإن هذا التراجع قد أصبح غير محتمل على الإطلاق، بعد أن باشر المسلمون عملاً عسكرياً بهذا المستوى، وبهذه الشدة والصلابة والتصميم.
ولقد باشر هذا الأمر رجل هو أقرب الناس إلى رسول الله، وأعرفهم بنواياه وآرائه، وأشدهم اتباعاً له. رجل عرفوا بعض مواقفه المرعبة في بدر وربما في أحد.. وهو علي بن أبي طالب "عليه الصلاة والسلام".
إذاً.. وبعد أن تخلى عنهم حلفاؤهم، ولم يفِ لهم المنافقون بما وعدوهم به، فإنهم لم يبقَ لهم إلا هذه الأحجار التي يختبئوون خلفها كالفئران. ولكن إلى أي حد يمكن لهذه الحجارة أن تدفع عنهم، وكيف وأنى لهم برد هجوم الجيش الإسلامي عنها حين يصمم على تدميرها؟!
فقد جاءهم ما لم يكن بالحسبان، ?فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ?([163]) و"كان ذلك سبب فتح حصون بني النضير" كما تقدم في النص السابق.
ومن جهة أخرى: فإن الضربة الموفقة لا بد أن تقوي من معنويات الجيش الإسلامي. وقد حصنته من أن يصاب بالضعف والوهن لدى المواجهة الأولى مع عدو لا يرى سبيلاً إليه، ما دام بالحصون المنيعة، بالإضافة إلى قدرات قتالية عالية لديه بنظر الكثيرين.
ومما ذكرناه: يتضح معنى العبارة المنقولة عن النبي "صلى الله عليه وآله" هنا، حينما سئل عن علي "عليه السلام" حيث يقول: "أراه في بعض ما يصلح شأنكم".
فإن هذه العملية كان لها أثر كبير في إصلاح شأن المسلمين ـ كل المسلمين ـ وإفساد أمر أعدائهم، ودحرهم وكسر شوكتهم، حيث أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا.
9 ـ قتل قائد المجموعة:
ونلاحظ أيضاً: أن الهدف العسكري الذي وضعه علي "عليه السلام"، هو قتل قائد المجموعة بالذات.
وهذا العمل يعتبر نموذجياً، وناجحاً عسكرياً مائة في المائة، فإن حدوث فراغ على مستوى القيادة يزعزع كل الثوابت، ويفقد المجموعة بأسرها كل فاعليتها وحيويتها، وتتحول إلى ركام خاو ورماد خامد.
10 ـ الإشكال في شعر حسان:
ويلاحظ: أن شعر حسان قد ذكر: أن هذه القضية وقعت في بني قريظة، لكن الرواية تنص على حدوث ذلك في بني النضير. وهذا تناقض ظاهر، ولعل ملاءمة كلمة: "بني قريظة" لوزن الشعر، أكثر من كلمة "بني النضير" يؤيد: أن يكون الشعر صحيحاً وغير محرّف..
ولكن هذا المقدار لا يكفي للحكم على الرواية بالتلاعب والتصرف فيها.
وذلك لأن الرواية قد صرحت: بأنه "صلى الله عليه وآله" في حصار بني النضير قد ضرب قبته في أقصى بني خطمة من البطحاء.
وهذا يعني: أن بني خطمة كانوا يسكنون في مجاورة بني النضير.
وإذاً، فمن المفيد: أن نحدد موقع بني خطمة، وبني النضير، وبني قريظة؛ ليتضح من ثم أن حصول التلاعب في الشعر هو الأقرب والأنسب فنقول:
تحديد المواقع:
أما بالنسبة لبني قريظة، فإنهم يقولون: إنهم نزلوا بالعالية على وادي مهزور([164]) وذلك حيث يقع مسجد بني قريظة، الذي هو شرقي مسجد الشمس (أعني مسجد الفضيخ) الذي يقع هو الآخر شرقي مسجد قباء([165]) في الحرة الشرقية، المعروفة بحرة واقم، وتسمى حرة بني قريظة أيضاً، لأنهم كانوا بطرفها القبلي([166]).
أما بنو النضير، فقد نزلوا بالعالية أيضاً على وادي مذينب، وهو شعبة من سيل بطحان([167]).
وقد نقل ابن عساكر والحموي عن الواقدي: أن منازلهم كانت بناحية الغرس وما والاها مقبرة بني حنظلة([168]) أو خطمة([169]).
قال السمهودي: "الظاهر: أنهم كانوا بالنواعم، وتمتد منازلهم وأموالهم إلى ناحية الغرس، وإلى ناحية الصافية، وما معها من صدقات النبي "صلى الله عليه وآله". وبعض منازلهم كانت بجفاف، لأن فاضجة (أطم لبني النضير، معجم البلدان ج4 ص231) به، ورأيت بالحرة في شرقي النواعم آثار حصون وقرية بقرب مذينب، يظهر أنها من جملة منازلهم"([170]).
وأما منازل بني خطمة، فإن المطري يقول: إنها قرب مسجد الشمس بالعوالي([171]).
لكن السمهودي قد رد على ذلك بقوله: "والأظهر عندنا: أنهم بقرب الماجشونية، لقول ابن شبة في سيل بطحان: إنه يصب في جفاف، ويمر فيه، حتى يفضي إلى فضاء بني خطمة، والأغرس، وقوله في مذينب: إنه يلتقي هو وسيل بني قريظة بالمشارف، فضاء بني خطمة.
وسيأتي: أن ذلك عند تنور النورة، الذي في شامي الماجشونية، وقد رأيت آثار القرية والآطام هناك"([172]).
إذا عرفت هذا فإننا نقول:
إن الرواية هي الصحيحة، وإن شعر حسان هو الذي تعرض للتلاعب العفوي أو المتعمد؛ وذلك لأن الرواية قد صرحت ـ كما صرح غيرها ـ: بأن فضاء بني خطمة ملاصق للمواقع المحاصرة، لأن السهام كانت قد نالت القبة التي ضربها النبي "صلى الله عليه وآله" في أقصى بني خطمة.
وقد كان بنو خطمة قرب بني النضير لا قرب بني قريظة.. وكان الفاصل بين قريظة والنضير شاسعاً جداً. فقد كان بنو قريظة جنوبي المدينة شرقي مسجد قباء، ومسجد الشمس، في الطرف القبلي للحرة الشرقية.
أما بنو النضير، فقد كانوا شرقي المدينة المتمايل إلى جهة الشام شمالاً..
ونحن في مقام التدليل على هذين الأمرين: أعني بُعد قريظة عن النضير، وقرب بني خطمة من هؤلاء لا أولئك نقسم الكلام إلى قسمين؛ فنقول:
1 ـ بنو النضير شرقي المدينة:
أما بالنسبة لكون بني النضير شرقي المدينة؛ فيدل على ذلك:
أولاً: قال ابن كثير: "كانت منازل بني النضير ظاهر المدينة على أميال منها، شرقيها"([173]).
ثانياً: إن الصافية، وبرقة، والدلال والميثب متجاورات بأعلى الصورين، من خلف قصر مروان بن الحكم([174]).
وهذه المواضع المشار إليها هي من أموال مخيريق، التي أوصى بها إلى النبي "صلى الله عليه وآله". وكان هذا الرجل من بني النضير، وكانت حوائطه سبعة، وهي الأربعة المتقدمة بالإضافة إلى: حسنى، والأعواف، ومشربة أم إبراهيم.
وقيل: بل هو من يهود بني قينقاع، كان نازلاً ببني النضير، وكانت أمواله فيهم، وهي عامة صدقات رسول الله "صلى الله عليه وآله"([175]).
وعليه.. فإذا كانت تلك المواضع الأربعة متجاورات بأعلى الصورين، وكانت من أموال بني النضير، فنقول: إنهم يقولون: إن الصورين يقعان في أدنى الغابة، والغابة في عوالي المدينة من جهة الشام([176]).
وحسب نص آخر: أنها كانت على بريد من المدينة على طريق الشام([177]). (والصوران أيضاً موقع في البقيع([178])، والبقيع يقع داخل المدينة)، وليس هذا الموضع قرب قصر مروان، فلا يتوهم ذلك.
ثالثاً: قد صرحوا: بأن مشربة أم إبراهيم، وهي من أموال بني النضير، من مخيريق، قد كانت في "القف"، كما أن سائر أموال مخيريق قد كانت بقرب القف أيضاً([179]).
ومعلوم: أن القف يقع في شرقي المدينة، لأن زهرة مما يليه، كما سنرى([180]).
رابعاً: قد صرحوا: بأن بني النضير كانوا يسكنون في قرية يقال لها: زهرة([181]).
وزهرة تقع في شرقي المدينة، وبها تقع الصافية([182])، التي كانت من أموال مخيريق، وصارت إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
كما أنهم قد ذكروا: أن زهرة هي الأرض السهلة بين الحرة والسافلة مما يلي القف([183]).
ولعل التعبير الأدق، أن يقال: إن زهرة مما يلي طرف العالية، وما نزل عنها، فهو السافلة وأدنى العالية ميل من المسجد([184]).
خامساً: إن سهم عثمان الذي أعطاه إياه رسول الله "صلى الله عليه عليه وآله" من بني النضير أيضاً([185]).
وغافر والبرزتان أيضاً، وهما من طعم أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" من بني النضير([186])، وفي بئر أريس أيضاً([187]).
ولعل كيدمة هي نفس الجزع الذي بقرب مشربة أم إبراهيم، والمعروف بالحسينيات، (وهو قرية في زهرة) ويعرف بلفظ (كيادم) بصيغة الجمع([188]).
ثم إن السمهودي بعد أن ذكر: أن المعروف اليوم هو بئر أريس غربي مسجد قباء، وأنها ليهودي من بني محمم،
قد رد ذلك: بأن ما تقدم من كون سهم عثمان وعبد الرحمن بن عوف من بني النضير موجوداً فيها يدل على خلاف ذلك؛ لأن بني النضير وبني محمم لم يكونوا بقباء، لا سيما وأن ابن زبالة يذكر: أن مهزوراً يشق في أموال عثمان، يأتي على أريس، وأسفل منه، حتى يتبطن الصورين، فصرفه عثمان مخافة على المسجد الذي في بئر أريس.
ومن الواضح: أن الموضع المعروف بقباء لا يمكن وصول شيء من مهزور إليه([189]).
سادساً: روي عن جعفر: أن سلمان كان لناس من بني النضير؛ فكاتبوه على أن يغرس لهم نخلاً، ثم أفاءها الله على نبيه، فهي الميثب صدقة النبي "صلى الله عليه وآله" بالمدينة([190]).
وفي رواية أخرى: أن امرأة من بني النضير قد كاتبت سلمان على أن يحيي لها موضعاً اسمه "الدلال"، فأعلم النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك، فجاء، فجلس على "فقير"، ثم جعل يحمل إليه الودي؛ فيضعها "صلى الله عليه وآله" بيده، فقال: "والذي تظاهر عندنا: أنها (أي الدلال) من أموال بني النضير، ومما يدل على ذلك: أن مهزوراً يسقيها، ولم يزل يسمع أنه لا يسقي إلا أموال بني النضير"([191]).
قال السمهودي: "الذي يتحصل من مجموع ما تقدم: أن نخل سلمان الذي غرسه هو "الدلال" وقيل: برقة، والميثب "وقيل: الميثب"([192]).
مناقشة للسمهودي لا تصح:
وقد ذكر السمهودي هنا: أن "الفقير" الذي جلس عليه النبي اسم الحديقة بالعالية، قرب بني قريظة، ثم أورد على ذلك: بأن "الفقير" ليس من صدقات النبي "صلى الله عليه وآله"، وإنما هو من صدقات علي "عليه السلام"([193]).
ونقول: إننا نلاحظ هنا: أن التعبير الوارد هو: "جلس على فقير"، فإذا كان هذا اللفظ اسماً لحديقة، لم يصح قوله: جلس عليه، بل يقال: ذهب إليه، وجلس فيه، أو في بعض جوانبه ونواحيه.
والصحيح هو: أن "الفقير" هو الحفرة التي توضع فيها النخلة حين غرسها، فالنبي "صلى الله عليه وآله" قد جلس فوقها بانتظار أن يأتيه سلمان بالودي ليضعه فيها؛ فصح أن يقال حينئذٍ: جلس على فقير..
مناقشة أخرى وردها:
ولكن يبقى إيراد آخر، وهو: أن رواية رواها أحمد والطبراني وغيرهما تفيد: أن الذي اشترى سلمان هو رجل من بني قريظة([194]).
ويدل على ذلك أيضاً: نفس كتاب المفاداة الذي صرح باسم ذلك الرجل، وأنه قرظي([195]).
ونقول: إنه يمكن أن يكون ذلك القرظي زوجاً لمالكة سلمان، التي كانت نضيرية، وكانت أموالها في منطقة قبيلتها، وقد تولى زوجها كتب الكتاب عنها، وذلك ليس بالأمر الغريب، ولا البعيد عن المألوف.
2 ـ قرب بني خطمة إلى بني النضير:
ألف: وأما بالنسبة للقسم الثاني، أعني قرب بني خطمة من منازل بني النضير، وبعدهم عن منازل بني قريظة، فيدل على ذلك بالإضافة إلى صراحة نفس الرواية التي هي موضع البحث في ذلك:
أولاً: قول المسعودي: "كانت منازل بني النضير، بناحية الغرس، وما والاها ومقبرة بني خطمة"([196]).
ثانياً: تصريحهم بأن بئر غرس، حيث منازل بني النضير، إنما تقع في جهة بني خطمة([197])، فبنو خطمة إذاً هم في منطقة زهرة منازل بني النضير..
ثالثاً: إن فضاء بني خطمة يقع شامي الماجشونية ـ كما ذكره السمهودي([198]) ـ والماجشونية تقع قرب تربة صعيب وبلحارث، كما أن منازل بني النضير تقع بناحية الغرس، وهي قرب تربة صعيب أيضاً([199]).
وذلك يعني: أن بني خطمة كانوا قرب بني النضير، لا قرب بني قريظة.
رابعاً: إن ما يدل على بعد بني خطمة عن بني قريظة: أن البويرة التي وقع الحريق فيها قد كانت قرب تربة صعيب ودار بلحارث بن الخزرج، وليست هي البويرة المعروفة في قبلة مسجد قباء.
ويدل على ذلك ما رواه ابن زبالة: من أنه "صلى الله عليه وآله" قد وقف على السيرة التي على الطريق، حذو البويرة؛ فقال: إن خير نساء ورجال في هذه الدور، وأشار إلى دار بني سالم، ودار بلحبلى، ودار بلحارث بن الخزرج.
وهـذا الوصف لا يطابق المـوضع الذي في قبلة مسجد قباء؛ لبعده جداً([200]).
وقد أكد السمهودي: في غير موضع من كتابه على هذا الأمر، ورد القول بأن البويرة هي في قبلة مسجد قباء، فراجع([201]).
بل لقد ذكر البعض: أن البويرة موضع بين المدينة وتيماء([202]) ولكن العسقلاني قد زاد على ذلك قوله: "وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى الغرب"([203]).
ومعلوم: أن تيماء موضع بين المدينة والشام، ومنازل بني قريظة إنما هي قبلي المدينة شرقي مسجد قباء أي في الجهة المقابلة لجهة الشام، فكيف يتلاءم قول العسقلاني هذا مع قوله بأنها إلى جهة تيماء؟!
ومما يؤكد قول السمهودي المتقدم: أنهم يقولون في قصة إجلاء بني النضير: "فخرجوا على بلحارث بن الخزرج، ثم على الجبلية، ثم على الجسر، حتى مروا بالمصلى، ثم شقوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج"([204]).
وحين هم اليهود بالغدر برسول الله "صلى الله عليه وآله" ورجع إلى المدينة، وتبعه أصحابه لقوا رجلاً خارجاً من المدينة، فسألوه: هل لقيت رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
قال: لقيته بالجسر داخلاً([205]).
خامساً: ومما يدل على ذلك أيضاً: أن وادي مهزور يأتي من شرقي الحرة، ومن هكر، وحرة صفة، حتى يأتي على حلاة بني قريظة.
ثم يسلك منه شعيب؛ فيأخذ على بني أمية بن زيد بين البيوت في واد يقال له مذينب، ثم يلتقي وسيل بني قريظة بفضاء بني خطمة، ثم يجتمع الواديان: مهزور، ومذينب، فيفترقان بالأموال([206])، ويدخلان في صدقات رسول الله كلها إلا مشربة أم إبراهيم، ثم يفضي إلى الصورين على قصر مروان بن الحكم([207]).
ونص آخر يقول: إن دار بني أمية بن زيد شرقي دار الحارث بن الخزرج، أي أنهم كانوا قرب النواعم، ويمر سيل مذينب بين بيوتهم ثم يسقي الأموال.
ويشهد لذلك: أن ابن إسحاق ذكر في مقتل كعب بن الأشرف ـ وكان من بني النضير ـ أن محمد بن مسلمة ومن معه بعد أن قتلوه سلكوا حسب قول ابن مسلمة على بني أمية بن زيد، ثم على بني قريظة ثم على بعاث إلى آخره([208]).
فقد اتضح من هذا النص: أن فضاء بني خطمة متصل بالأموال والصدقات (التي هي في زهرة، ومن أموال بني النضير) وأن قريظة منفصلة عن فضاء بني خطمة ببني أمية بن زيد.
خلاصة أخيرة:
وأخيراً: فإن المتحصل مما تقدم هو: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد نصب قبته في أقصى بني خطمة، وكانت نبال المحاصرين تناله، فانتقل إلى السفح، وهناك صلى بأصحابه.
وأن بني النضير كانوا أقرب إلى بني خطمة من بني قريظة..
وكان بنو قريظة قبلي المدينة شرقي مسجد قباء. أما بنو النضير فكانوا شرقي المدينة إلى جهة الشام وشتان ما بينهما.. وكل ذلك يؤيد أن يكون الشعر هو المحرف، والرواية هي الصحيحة..
مناقشة مع الواقدي:
ويبقى أن نشير هنا: إلى أن ما ذكره الواقدي، ودحلان، من أن المسلمين قد جعلوا القبة أولاً عند مسجد بني خطمة، فلما رماها (عزوك) ـ كما في الواقدي وغيره ـ اليهودي بالسهم، حولت إلى مسجد الفضيخ:
إن هذا لا يصح، وذلك:
أولاً: لأن مسجد الفضيخ يقع شرقي مسجد قباء، على شفير الوادي، على نشز من الأرض([209]).
وقد عرفنا: أن منازل بني النضير بعيدة عن هذا الموضع جداً، كما أن فضاء بني خطمة كان بعيداً أيضاً.
إلا أن يقال: إن كون مسجد الفضيخ في قباء موضع شك، ولا يصح، وإنما هو في بني خطمة، وسيأتي ما يدل على هذا حين الكلام عن تحريم الخمر.
ثانياً: إن النصوص تصرح: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد ضرب قبته في أقصى بني خطمة، على مرمى سهم من بني النضير..
ويبعد أن يختط بنو خطمة مسجدهم في أقصى ديارهم، إلى جانب بني النضير.
قطع النخل، أو حرقه:
وتذكر الروايات: أن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد أمر المسلمين بقطع نخل بني النضير، والتحريق فيه، وكان ذلك في موضع يقال له: البويرة؛ فناداه اليهود: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها، فأنزل الله: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ?([210]).
زاد البعض: أن أهل التأويل قالوا: "وقع في نفوس المسلمين من هذا الكلام شيء، حتى أنزل الله: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ..?([211]).
عدد النخلات المقطوعة؟!
قال ابن شهرآشوب: "أمر بقطع نخلات..
إلى أن قال: ثم أمسك عن قطعها بمقالهم، واصطلحوا أن يخرجوا"([212]).
وقيل: أحرقوا نخلة، وقطعوا نخلة، وقيل: كان جميع ما قطعوا وأحرقوا ست نخلات"([213]).
ونحن نشك في أن يكونوا قد قطعوا هذا العدد القليل من النخل، أو أحرقوه، فإن قطع نخلة واحدة، وحتى ست نخلات، لا يوجب خضوع بني النضير، وقبولهم بالجلاء، وخزي الفاسقين بصورة عامة، كما نصت عليه الآية الكريمة.
كما أنه لا يوجب نزول آية قرآنية تتحدث عن هذا الأمر، وتخلده كأسلوب ناجح في إرعاب العدو وإرهابه..
فإنه لا بد أن يكون القطع قد بلغ حداً جعلهم يجنحون إلى الاستسلام، والقبول بما يريده الرسول، ثم نزلت آية كريمة تتحدث عن هذا الموضوع، وتفصل الأمر فيه، وتحسم فيه النزاع.
تفاصيل أخرى في حرق وقطع النخيل:
وجزعوا على قطع العجوة، فجعل سلام بن مشكم يقول: يا حيي العذق خير من العجوة، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة، يقطع.
فأرسل حيي إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا محمد، إنك كنت تنهى عن الفساد، لم تقطع النخل؟ نحن نخرج من بلادك.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لا أقبله اليوم الخ..([214])، "وكانت النخلة ثمن وصيف، وأحب إليهم من وصيف"([215]).
وجاء في نص آخر: أن الذي حرق نخلهم وقطعها عبد الله بن سلام، وعبد الرحمن بن كعب، أبو ليلى الحراني، من أهل بدر، فقطع أبو ليلى العجوة، وقطع ابن سلام اللون، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لم قطعتم العجوة؟!
قال أبو ليلى: يا رسول الله، كانت العجوة أحرق لهم وأغيظ، فنزل: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا..?([216]) الآية..
فاللينة: ألوان النخل.
والقائمة على أصولها: العجوة.
فنادوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد الخ..([217]).
وصرحت بعض النصوص: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استعمل ابن سلام، وأبا ليلى المازني على قطع النخل([218])، أو أمرهما([219])، أو أشار إليهما بذلك([220]).
وأضاف الدياربكري قوله: "أما أبو ليلى فكان يقطع أجود أنواع التمر، وهي العجوة، ويقول: قطع العجوة أشد عليهم.
وأما عبد الله بن سلام، فكان يقطع أردأ أنواع التمر، وهو تمر يقال له: اللون، ويقول: إني أعلم: أن الله سيجعلها للمسلمين الخ.."([221]).
فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل؛ فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما لهن؟!
فقيل: يجزعن على قطع العجوة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إن مثل العجوة جزع عليه.
إلى أن قال: فلما صحن صاح بهن أبو رافع: إن قطعت العجوة ههنا، فإن لنا بخيبر عجوة.
قالت عجوز منهن: خيبر يصنع بها مثل هذا.
فقال أبو رافع: فض الله فاك، إن حلفائي بخيبر عشرة آلاف مقاتل؛ فبلغ رسول الله "صلى الله عليه وآله" فتبسم.
ونحن نسجل هنا الأمور التالية:
1 ـ لماذا ابن سلام؟!
إننا نجد: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استعمل ابن سلام ـ وهو كان من اليهود، من علمائهم ـ مع ذلك الرجل البدري على قطع نخل يهود بني النضير.. ومن الطبيعي أن يكون لذلك أثر ظاهر في بث اليأس في نفوسهم، وفي إذلالهم وخزيهم، ويساهم في كسر شوكتهم، ويثير فيهم المزيد من الحنق، والغيظ والألم، وهم ذوو الغطرسة، والعنجهية والخيلاء، كما سيأتي توضيحه في موضعه إن شاء الله تعالى.
2 ـ شكوك تصل إلى حد التهمة:
ونلاحظ هنا: كيف أن ابن سلام قد اختار أردأ أنواع التمر، على الرغم من أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر بقطع النخل بصورة مطلقة، ولم يقيد بشيء، ورغم أنه قد كان من الواضح: أن الهدف من هذا الإجراء هو الضغط على هؤلاء القوم، وإغاظتهم، وإذلالهم، وذلك إنما يتحقق بقطع ما له أثر ظاهر في ذلك، كما فهمه وعمل به ذلك الرجل البدري، الذي جعله الرسول إلى جانب ابن سلام.
ولا نريد أن نسترسل في شكوكنا حول ابن سلام هذا ونواياه؛ فنتهمه بالتعاطف مع اليهود الذين كان في وقت ما أحد علمائهم وكبرائهم، حسبما يذكره التاريخ عنه.
ولعل هذه الشكوك تجد لها أكثر من مؤيد وشاهد فيما ينقل عن هذا الرجل من مواقف، وأقوال، واتجاهات، وأحوال، ولا سيما بعد وفاة الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله".
ولسنا هنا في صدد عرض ذلك واستقصائه، فلنكف عنان القلم ـ إذاً ـ إلى ما هو أهم، ونفعه أعم وأتم.
البعض لم يفهم الآية:
ومن العجيب هنا قول البعض: "لما أمر النبي "صلى الله عليه وآله" بقطع النخيل، وإحراقها ترددوا في ذلك، فمنهم الفاعل، ومنهم الناهي، ورأوه من الفساد وعيّرهم اليهود بذلك، فنزل القرآن العظيم بتصديق من نهى، وتحليل من فعل، فقال تعالى: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ?([222]).
مع أن الآية ظاهرة الدلالة في تأييد أولئك الذين امتثلوا أمر النبي "صلى الله عليه وآله"، وأن أمره إنما كان بإذن الله، وليس من عند نفسه. فالآية في الحقيقة قد جاءت لتقريع وتأنيب المخالفين لأمر الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله". لكن هذا الرجل قد عكس الآية في مفادها ومدلولها، ولم يلتفت إلى المراد منها.
3 ـ الحرق أم القطع؟!
وبعد.. فإننا نجد النصوص التاريخية تكاد تكون مجمعة على أنه "صلى الله على وآله" قد حرق النخيل. ولكن الآية الكريمة التي نزلت في هذه المناسبة لم تشر إلى ذلك أصلاً، وإنما سجلت القطع فقط. فلربما يكون الأمر منه "صلى الله عليه وآله" قد صدر بالقطع دون الحرق، فكان الحرق من بعض المسلمين، اجتهاداً منهم، ولعله لم يكن ثمة حرق أصلاً، والله أعلم.
الحكم الفقهي في قطع الأشجار وحرقها:
لقد أفتى عدد من الفقهاء بحرمة قطع الأشجار في الحرب، إلا في حال الضرورة([223]). وحكم كثير من الفقهاء بالكراهة([224]).
وقيد البعض بصورة ما لو رجي صيرورته للمسلمين، وكان مما يقتات به([225]).
حرق النخيل، والفساد في الأرض:
وقد عرفنا في ما تقدم: أن التاريخ يؤكد على أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو الذي أمر بحرق نخل بني النضير، أو قطعه. وقد تحدث القرآن عن القطع هذا بأسلوب الرضا والقبول، حسبما تقدم.
وروي أيضاً: أنهم قد قطعوا الشجر والنخل بالطائف، بالإضافة إلى قطع النخل بخيبر، وروي أيضاً قطع شجر بني المصطلق وإحراقه([226]).
وعن أسامة بن زيد قال: بعثني رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى قرية يقال لها: "أُبنى".
فقال: "ائت أُبنى صباحاً ثم حرق". أي بيوتهم وزروعهم، ولم يُرد تحريق أهلها([227]).
وفي مجال آخر: فإنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر بحرق مسجد الضرار وهدمه([228]).
وأمر "صلى الله عليه وآله" بتحريق متاع الغال([229]).
وروي أنه "صلى الله عليه وآله" هم بحرق بيوت تاركي صلاة الجماعة([230]).
وقد بلغه "صلى الله عليه وآله": أن ناساً من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي يثبطون الناس عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" في غزوة تبوك فبعث إليهم نفراً، وأمرهم أن يحرقوا عليهم بيت سويلم([231]).
وبعد ما تقدم.. فإن السؤال الذي يتطلب منا الإجابة هنا هو: أنه إذا كان رسول الله قد أمر بذلك كله، أو همّ به؛ فكيف نوفق بين أمره هذا وبين فتوى الفقهاء بالحرمة، أو بالكراهة، حسبما تقدم؟!!.
بل لقد ورد: أنه "صلى الله عليه وآله" كان حين يرسل سرية، يوصيهم بأن لا يقطعوا شجراً إلا أن يضطروا إليها([232]).
وعن ثوبان: أنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: "من قتل صغيراً، أو كبيراً، أو أحرق نخلاً، أو قطع شجرة مثمرة، أو ذبح شاة لإهابها، لم يرجع كفافاً"([233]).
أضف إلى ذلك كله: أن اليهود أنفسهم قد اعترضوا على النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه ينهى عن الفساد، فلم يقطع النخل؟! وقد تقدم ذلك..
جواب السهيلي لا يصح:
فقد يقال: في مقام الإجابة على ذلك استناداً إلى رواية ثوبان المتقدمة: أن المنهي عنه هو قطع الشجر المثمر، وعلى حد تعبير السهيلي: أنه "صلى الله عليه وآله" إنما أحرق ما ليس بقوت للناس.
قال السهيلي: "لينة: ألوان التمر، ما عدا العجوة، والبرني؛ ففي هذه الآية: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يحرق من نخلهم إلا ما ليس بقوت للناس، وكانوا يقتاتون العجوة.. (ثم ذكر أهمية العجوة والبرني، ثم قال): في قوله تعالى: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ..?([234]) (ولم يقل: من نخلة، على العموم) تنبيه على كراهة قطع ما يقتات، ويغذو من شجر العدو. إذا رجى أن يصير إلى المسلمين.
وقد كان الصديق (رض) يوصي الجيوش ألا يقطعوا شجراً مثمراً. وأخذ بذلك الأوزاعي؛ فإما تأولوا حديث بني النضير، وإما رأوه خالصاً للنبي "عليه السلام"([235]).
ولكننا لا نوافق السهيلي على ما قاله، وذلك لما يلي:
ألف: بالنسبة لما ذكره في معنى اللينة، نجد كثيراً من أهل اللغة لا يوافقونه على ما ذكره في معناها، فقد:
قال الراغب وغيره: "?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ..?: أي من نخلة ناعمة، ومخرجه مخرج فعلة، نحو حنطة، ولا يختص بنوع منه دون نوع.
وكذا نقل عن ابن زيد، وعمرو بن ميمون، ومجاهد"([236]).
وقال: "سعيد بن جبير، ومالك، والخليل، ويزيد بن رومان، ورجحه النووي، وكذا قال الفراء والزهري، وعكرمة، وقتادة، وابن عباس، ونسب إلى أهل المدينة: اللينة كل شيء من النخل سوى العجوة؛ فهو من اللين، واحدته لينة"([237]).
وقال الزبيدي: كذا عن ابن عباس ومقاتل، وعن الحسن، ومجاهد وعطية: "اللينة ـ بالكسر ـ: النخل"([238]).
وقيل: هي كل الأشجار([239]).
وقال سفيان: هي كرام النخل وكذا عن مجاهد، وابن زيد([240]).
وقال آخر، ونسب ذلك إلى مجاهد، وعطية: ?مَا قَطَعْتُم مِن لِينَةٍ?([241]): أي من نخل، والنخل كله، ما عدا البرني([242]).
وعن مقاتل، هي: "ضرب من النخل يقال لتمرها: اللون، وهي شديدة الصفرة، يرى نواها من خارج، تغيب فيها الأضراس، وكانت من أجود تمرهم، وأحبها إليهم، وكانت النخلة الواحدة ثمن وصيف، وأحب إليهم من وصيف؛ فلما رأوهم يقطعونها شق عليهم"([243]).
وقيل: هي الدقل([244])، إلى غير ذلك من أقوال.
ب: قولهم: إنه قطع اللين وترك العجوة، لا تؤيده النصوص التاريخية.
فقد قال دحلان: "..فقطع لهم نخل يسمى: "العجوة"، وآخر يسمى: "اللين"، وكان ذلك أحرق لقلوبهم؛ لأن ذلك خير أموالهم؛ فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب، وضربن الخدود، ودعون بالويل".
وكذا قال غيره([245]).
زاد الحلبي قوله: وكانت العجوة خير أموال بني النضير لأنهم كانوا يقتاتونه([246]).
وعن الماوردي: وكانت العجوة أصل الإناث كلها، فلذلك شق على اليهود قطعها([247]).
وعن الإمام الصادق "عليه السلام" في تفسير اللين: أنها العجوة خاصة([248]).
وتقدم: أن أبا ليلى قطع العجوة، وأن ابن سلام قطع اللون، وتقدم أنهم جزعوا على قطع العجوة، فراجع ما جاء تحت عنوان "تفاصيل أخرى في حرق وقطع النخيل".
ج: ولو قبلنا تفسير السهيلي لكلمة "لينة" فإن ما ذكره لا يحل الإشكال؛ ما دام أنه كان ينهى سراياه عن قطع مطلق الشجر، فكان يقول لهم: "ولا تقطعوا شجراً"، ولا يختص ذلك بالشجر الذي يقتات منه، ولا بالشجر المثمر..
د: ولو قبلنا أيضاً أن المراد هو خصوص ما يقتات منه، فإن ما عدا العجوة والبرني كان أيضاً مما يقتات به، ويؤكل.. غاية الأمر أن جودة ثمره لم تكن في مستواهما وإنما هو رديء بالنسبة إليهما.
هـ: ولو قبلنا كل ما ذكره السهيلي فإننا نقول: إن قوله بكراهة قطع الشجر في صورة ما لو رجي أن يصير للمسلمين، في غير محله؛ فإن النهي عن قطع الشجر مطلق، ولم يقيد بصورة الرجاء المذكور.
نعم، هو قد جاء على لسان الحبر اليهودي عبد الله بن سلام، ولم يعلم من النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قبله ورضيه.
و: وأما قوله، إن الأوزاعي وأبا بكر: قد تأوّلا حديث بني النضير، أو أنهما رأيا أنه مختص برسول الله "صلى الله عليه وآله" حيث منعا من قطع الشجر المثمر مطلقاً. فليس في محله أيضاً؛ فإنهما قد فهما ذلك من كلامه "صلى الله عليه وآله" في نهيه عن قطع الشجر، فحكما بمقتضاه، ولم يخصصا حكمهما هذا بشخص ولا بشيء، وإنما هما قد وجدا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد اضطر إلى قطع شجر بني النضير، فأجازا ذلك للضرورة؛ فإن قطع الشجر لأجل الضرورة مما رخص به النبي "صلى الله عليه وآله" في نفس وصاياه لسراياه، حسبما ألمحنا إليه([249]).
وإذاً.. فهما لم يريا أن ذلك من الأحكام المختصة به "صلى الله عليه وآله".
ضرورة قطع الأشجار وحرقها:
لقد نزل القرآن ليرد على الذين عابوا قطع الأشجار، وليؤكد على أن ذلك كان بإذن من الله سبحانه، تماماً كما كان ترك ما ترك منها بإذن الله تعالى..
إذاً، فلا بد لنا من التعرف على السر الكامن وراء تجويز هذا العمل، وصيرورته مقبولاً، بعد أن كان مرفوضاً، ومأذوناً به بعد أن كان ممنوعاً عنه.
فنقول:
إن الذي يبدو لنا هو: أن بني النضير أهل الزهو والخيلاء، والعزة([250]) كانوا يحسون في أنفسهم شيئاً من القوة، والمنعة في قبال المسلمين، ويجدون: أن بإمكانهم مواجهة التحدي، فيما لو أتيح لهم إطالة أمد المواجهة، حيث يمكنهم أن يجدوا الفرصة لإقناع حلفائهم بمعونتهم، ولا سيما إذا تحرك أهل خيبر الذين كان لديهم العدة والعدد الكثير، حسبما تقدم في كلمات سلام بن مشكم. كما أن ابن أُبي ومن معه قد يراجعون حساباتهم، ويفون لهم بما وعدوهم به من النصرة والعون.
ولا أقل من أن يتمكن ابن أُبي وأتباعه من إحداث بلبلة داخلية، من شأنها إرباك المسلمين وزعزعة ثباتهم من الداخل.
وقد يمكن لقريش، ولمن يحالفها من قبائل العرب، أن يتحركوا أيضاً لحسم الموقف لصالح بني النضير، وصالحهم بصورة عامة.
ولا أقل من أن يتمكن يهود بني النضير من الاحتفاظ بمواقعهم، وبأرضهم وديارهم، حين يجد المسلمون: أن مواصلة التحدي لهم لن تجدي نفعاً، ما داموا قادرين على الاحتماء بحصونهم، والدفاع عنها مدة طويلة، فيتراجعون عن حربهم، ويتركونهم وشأنهم، من أجل التفرغ إلى ما هو أهم، وأولى.
وإذا كانت قضية بني النضير قد حصلت بعد وقعة أحد ـ وإن كنا لم نرتض ذلك ـ فلا بد أن يكون اليهود قد فكروا: أن محمداً "صلى الله عليه وآله" وأصحابه قد أصبحوا الآن في موقف الضعف والتراجع. ولعل في تسويف الوقت معهم، في الوقت الذي يحس فيه المسلمون بالفشل وبالكارثة، نتيجة لما نزل بهم في أحد، لسوف يجعلهم يفكرون في انتهاج سبيل السلامة، والانسحاب من موقع التحدي إلى موقع المساومة، ومن سبيل الحرب إلى سبيل السلم، وتوفير الأمن، ومراعاة جانب هؤلاء وأولئك، وعدم إثارة العداوات الكبيرة داخل بلادهم، وفي قلب مواضعهم ومواقعهم.
وأما إذا كانت قضية بني النضير قد حصلت قبل ذلك، وبعد ستة أشهر من حرب بدر، حسبما قويناه، استناداً إلى العديد من الدلائل والشواهد:
فلعل يهود بني النضير قد فكروا: أن المسلمين لسوف لا يفرطون بهذا النصر الكبير الذي حققوه، ولعلهم على استعداد لمداراة هؤلاء وأولئك في سبيل الحفاظ على صلابة الموقف وثباته، ولسوف لا يقدمون على أي عمل من شأنه إحداث خلخلة في بنية مجتمعهم. ولعل اليهود يعتقدون: أن حرب بدر كانت أمراً اتفاقياً صنعته الصدفة، والحظ السيء للمشركين، وليس نتيجة قدرات حقيقية كانت لدى المسلمين. وإذاً فليس ثمة ما يخيف، وليس هنالك ما يثير قلقاً.
أما هم ـ أعني بني النضير ـ فيجدون في أنفسهم القوة والمنعة، ولهم حلفاء كثيرون، وكثيرون جداً.
وبعد كل ما تقدم، فقد جاء موقف الإسلام، المتمثل في موقف رسوله الأعظم "صلى الله عليه وآله"، في دقته، وفي ثاقب بصيرته ـ قد جاء ـ على خلاف ما يتوقعون، وبغير ما يريدون ويشتهون.
فقد رأى المسلمون، من خلال الموقف النبوي الحازم والقوي: أن النصر في بدر، وكذلك الضربة القاسية التي نزلت في أحد، لا بد أن تعمق فيهم إيمانهم، وارتباطهم بالله سبحانه، وتقوي من صمودهم، وتشد من عزائمهم. وقد جعلهم هذا النصر، وتلك المأساة يشعرون بمسؤولية أكبر تجاه الرسالة، حيث أصبحوا في موقع التحدي السافر لكل مظاهر الظلم والجبروت والطغيان ومصادره.
وعليهم من الآن فصاعداً أن يطردوا من آفاقهم كل مظاهر الضعف، وأن ينقوا أجواءهم من جميع عوامل التشرذم والتشتت، وأن يبعدوا عن واقعهم وعن علاقاتهم، جميع مصادر الخلل، وعدم الانسجام.
فالتحدي كبير، والمسؤوليات جليلة وخطيرة، فلا بد من الاستعداد ولا بد من التصدي، بصورة أعمق، وأوثق وأوفق، ما دام أنهم قد وصلوا إلى نقطة اللارجوع، وأصبح الثمن غالياً، وهو دماء زكية، وأرواح طاهرة، ونقية، فالحفاظ على القضية، وعلى منجزاتها، التي دفعوا ثمنها جزء من وجودهم ومن ذواتهم وأرواحهم أمر حتمي، إذ إن التخلي عنها يساوق التخلي عن الحياة وعن الوجود، وعن كل شيء.
وقد اتضح لديهم: أن أي تراجع أمام التحديات الكبيرة الراهنة، لسوف تلحقه تراجعات أعظم، ويستتبع انحساراً أكبر عن كثير من المواضع والمواقع الحساسة، لصالح كل الأعداء والطامعين، في منطقة العمل والكفاح الإسلامي المقدس.
كما أن هذا التراجع والانحسار لسوف يزيد من اشتهاء الآخرين للحصول على المزيد من المكاسب، ويضاعف من تصلبهم وشدتهم في مواجهة المد الإسلامي العارم. ولسوف تنتعش الآمال، وتحيا الأماني، بإضعاف هذا المد تدريجاً، ثم القضاء عليه قضاء مبرماً ونهائياً في الوقت المناسب. وأما بالنسبة إلى أولئك الذين يميلون إلى الدخول في هذا الدين الجديـد، فإنهم حين يرون ضعفه، وتراجعه، وقوة خصومـه وشوكتهم، لسـوف يجـدون في أنفسهم المـبررات الكـافية للتأني والتريث بانتظـار المستجدات، وما ستؤول إليه الأمور.
ولربما يتشجع الكثيرون أيضاً على نقض تحالفاتهم، التي كانوا قد عقدوهـا مع المسلمين ما دام أن ذلـك لن يستتبع خطـراً، ولا يصطـدم بصعوبات ذات بال.
كما أن الآخرين الذين يعيشون حالة الترقب سوف لا يجدون في أنفسهم حاجة لعقد تحالفات ومعاهدات مع المسلمين في هذه الظروف المستجدة.
وأخيراً.. فإننا نضيف إلى كل ما تقدم: أن من الطبيعي أن يكون خوض معركة كبيرة مع اليهود ـ وربما مع كثير من حلفائهم، الذين قد يتشجعون لمسـاعـدة اليهـود بعـد طـول المـدة، وبعـد إحساسهم بقوتهم وصلابتهم في وجه الحصار، وبضعف في موقف المسلمين ـ سوف يوجب أن تلحق بالمسلمين خسائر كبيرة، مادية وبشرية، لو أمكن توفيرها لما هو أهم لكان أجدر وأولى.
فإذا استطاع النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون كسر عنجهية بني النضير وغزوهم قبل أن يستفحل الأمر، وإفهامهم ـ ومن هو على مثل رأيهم ـ مدى التصميم على المواجهة والتحدي، حتى يفقدوا الأمل بجدوى المقاومة، وليفهموا ـ بصورة عملية ـ أنهم إذا كانوا يطمعون بالبقاء في أرضهم، فإن عليهم أن يقبلوا بها أرضاً محروقة، جرداء، ليس فيها أي أثر للحياة، ولا تستطيع أن توفر لهم حتى لقمة العيش التي لا بد منها ـ هذا فيما لو قدر لهم أن يحتفظوا بالحياة، ويخرجوا أو بعضهم سالمين من هذه الحرب التي جروها على أنفسهم ـ.
نعم.. إنه "صلى الله عليه وآله" إذا استطاع ذلك، فإنه يكون قد وفر على نفسه، وعلى الإسلام والمسلمين الكثير من المتاعب، والمصاعب، والمصائب، التي ألمحنا إليها.
وهذا هو ما اختاره رسول الله "صلى الله عليه وآله" فعلاً، وبادر إليه عملاً. فكان قطع النخيل وحرقه يمثل قطع آخر آمالهم، وتدمير كل أمانيهم، وغاية ذلهم وخزيهم.
ورأوا حينئذٍ: أن لا فائدة من الاستمرار في اللجاج والتحدي إلا تكبد المزيد من الخسائر، ومواجهة الكثير من النكسات.
وهذا بالذات، هو ما يفسر لنا قوله تعالى في تعليل إذن الله سبحانه بقطع النخل: ?..وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ?.
فقد كان قطع النخل ضرورياً ولازماً، من أجل قطع آمال بني النضير، وكل آمال غيرهم أيضاً، وخزيهم وخزي سائر حلفائهم، وعلى رأسهم ابن أُبي، ومن معهم من المنافقين، ثم كل من يرقب الساحة، ويطمع في أن يستفيد من تحولاتها في تحقيق مآربه ضد الإسلام، والمسلمين.
ومن هنا نعرف السر في قوله تعالى: ?..وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ? بدل: "الكافرين"، من أجل أن يشمل الخزي كل من يسوءه ما جرى لبني النضير، حتى أولئك الذين يتظاهرون بالإسلام، أو بالمودة الكاذبة للمسلمين.
وهذه ما يفسر لنا: الاهتمام الكبير الذي أولاه سبحانه لموضوع قطع النخل، حتى لقد خلده في آية قرآنية كريمة، فإن القضية كانت أكبر من بني النضير، وأخطر، حسبما أوضحناه.
المهاجرون!! وقطع النخل:
بقي علينا أن نشير هنا إلى أن البعض يذكر: أن المهاجرين هم الذين اختلفوا فيما بينهم حول قطع النخل.
فعن مجاهد، قال: نهى بعض المهاجرين بعضاً عن قطع النخل، قالوا: إنما هي مغانم للمسلمين([251]).
ونلاحظ: أن هذا بالذات كان رأي عبد الله بن سلام، الذي كان يهودياً فأسلم، رغم أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان قد أمره بقطع النخل، فعلل اختياره للرديء بذلك كما ذكرنا.
ولنا أن نتساءل هنا:
لماذا المهاجرون هم الذين ينهون عن ذلك؟!
ولماذا لم يكن فيهم أحد من الأنصار؟
سوى ابن سلام!!
وربما رجل آخر أيضاً!!
فهل أدرك المهاجرون أمراً عجز الأنصار عن إدراكه؟! أم أنهم قد اتخذوا هذا الموقف انطلاقاً من مصالح رأوا أنها لربما تفوتهم، لو استمر الأمر على النحو الذي خطط له رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
أم أنه قد كانت ثمة خلفيات أخرى، لم يستطع التاريخ أن يفصح لنا عنها، لسبب، أو لآخر؟!
وإذا كانت النصوص كلها تقريباً تؤكد على: أن الرسول الأعظم نفسه هو الذي أمر بقطع نخلهم([252]).. فإن معنى ذلك هو: أن اعتراض هذا الفريق من المهاجرين قد كان متوجهاً إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالذات. وأن الفريق الآخر منهم إنما كان ينفذ أمره "صلى الله عليه وآله".
ولا نملك هنا إلا التذكير بأنه قد سبق لبعض المهاجرين: أن اعترضوا على رسول الله، حينما أراد قتل أسرى بدر، وأصروا عليه في ترك ذلك، حتى نزل القرآن مُصوّباً رأيه "صلى الله عليه وآله".
ولكنهم لم يقنعهم ذلك، رغم أنه "صلى الله عليه وآله" قد أخبرهم: أنه سيقتل بعدتهم فيما بعد، لو تم إطلاق سراحهم.. وهكذا كان.
وقد سجلنا بعض الشكوك والتساؤلات حول موقف بعض المهاجرين في حرب أحد([253]) فلا نعيد.
ومهما يكن من أمر، فإننا لا نستطيع أن نفهم موقف هذا الفريق من المهاجرين هنا، وكذلك موقف بعضهم في بدر، وأُحد، بصورة ساذجة ولا أن نفسره بطريقة سطحية، ما دام أن الدلائل تشير إلى خلفيات، ودوافع غير معلنة، ولا ظاهرة، يؤثر الوقوف عليها في استجلاء كثير من الحقائق، والوقوف على بواطن وكوامن كثيرة، ولربما على مبهمات خطيرة، تؤثر على فهمنا العام لكثير من المواقف في حياة العديد من الشخصيات التي كان لها دور مرموق في كثير من الأحداث الخطيرة في التأريخ الإسلامي.
وخلاصة الأمر: أن البحث الموضوعي يقضي بتقصي النصوص والمواقف واستنطاقها، لمعرفة مدى تعاطف بعض المهاجرين مع قومهم المكيين، ومع يهود المدينة، ليمكن لنا تقييم مواقفهم، وفهم معاني كلماتهم، وإشاراتها ومراميها، بصورة أدق وأعمق، وليكون تصورنا أقرب إلى الواقع، وأكثر شمولية، وأتم وأوفى.
وفي إشارة خاطفة نذكّر: بأننا قد تحدثنا عن أن المهاجرين كانوا يشكلون تكتلاً مستقلاً، له تطلعاته وطموحاته، وله فكره المتميز في آفاقه وفي خصائصه، ولا سيما في ما يرتبط بالسياسة والحكم والتخطيط له.
أما الأنصار، فلم يكونوا كذلك، بل كانوا فريقاً آخر، يحرم من اهتمامات الحكام، ويستثنى من مختلف الامتيازات، إلا حيث يحرج الحاكم، ولا يجد من ذلك بداً ولا مناصاً.
وقد روي عن الخليفة الثاني، عمر بن الخطاب قوله:
"أوصي الخليفة بعدي بالمهاجرين الأولين: أن يعرف لهم حقهم، ويحفظ لهم حرمتهم. وأوصيه بالأنصار، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم: أن يقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم"([254]).
فيلاحظ: الفرق النوعي فيما يطلبه ثاني الخلفاء ممن يلي الأمر بعده بالنسبة لهؤلاء، وبالنسبة لأولئك.
وعلى هذا الأساس، ومن منطلق هذه الفوارق، جاء قول ابن أبي ليلى: الناس على ثلاثة منازل: المهاجرون، والذين تبوؤوا الدار والإيمان، والذين جاؤوا من بعدهم: فاجهد: ألا تخرج من هذه المنازل.
وقال بعضهم: كن شمساً، فإن لم تستطع، فكن قمراً فإن لم تستطع فكن كوكباً مضيئاً؛ فإن لم تستطع فكن كوكباً صغيراً، ومن جهة النور لا تنقطع.
ومعنى هذا: كن مهاجرياً، فإن قلت: لا أجد، فكن أنصارياً، فإن لم تجد فاعمل كأعمالهم الخ..([255]).
ولا ندري من أين جاءت هذه الطبقية، وكيف قبل الناس هذا التمييز الذي لا يقوم على تقوى الله، وإنما على عناوين وخصوصيات فرضتها طبيعة التحرك في مجال نشر الدعوة وتركيزها؟ ويوضح ذلك أن عمر بن الخطاب حين خطب بالجابية قال: "ومن أراد أن يسأل عن المال فليأتني، فإن الله تعالى جعل له خازناً وقاسماً.
ألا وإني بادئ بأزواج النبي "صلى الله عليه وآله" فمعطيهن، ثم المهاجرين الأولين، أنا وأصحابي، أخرجنا من مكة من ديارنا وأموالنا"([256]).
ومهما يكن من أمر، فإنك تجد في كتابنا هذا إشارات ونصوصاً كثيرة في مواضع مختلفة توضح ما عانى منه الأنصار، واختص به المهاجرون. واستيفاء البحث في هذا يحتاج إلى توفر تام، وتأليف مستقل.
التصويب في الاجتهاد:
لقد استدل البعض بقوله تعالى: ?مَا قَطَعْتُم مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ?([257]) على جواز الاجتهاد، وعلى تصويب المجتهدين([258]).
كما واستدلوا على جواز الاجتهاد بحضرة الرسول، وعلى أن كل مجتهد مصيب، بالرواية التي تقول:
إن رجلين، أحدهما كان يقطع العجوة، والآخر اللون، فسألهما "صلى الله عليه وآله" فقال هذا: تركتها لرسول الله.
وقال هذا: قطعتها غيظاً للكفار([259]).
ونقول:
إن الاستدلال بما ذكر لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ بالنسبة للاستدلال بالرواية على التصويب فقد قال ابن العربي: "وهذا باطل، لأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان معهم، ولا اجتهاد مع حضور رسول الله "صلى الله عليه وآله"([260]).
2 ـ إن الرواية المذكورة لم تصرح بأن النبي "صلى الله عليه وآله" أمضى اجتهادهما أم لا. حيث إنها ذكرت اعتذارهما للنبي "صلى الله عليه وآله" بهذا الشأن، فهل أيد هذا الفريق؟ أو ذاك؟ أو لم يؤيد أياً منهما؟ كل ذلك لا دليل عليه، ولا شيء يشير إليه.
3 ـ إنه ـ لو فرض أن هذا اجتهاد ـ فإنما هو اجتهاد بالتطبيق، فواحد يرى: أن هذا جائز، لأن فيه نكاية في العدو، والنكاية في العدو، وإغاظته مطلوبة منه وواجب عليه.
وذاك يرى: أن تقوية المسلمين مطلوبة، وأن في الاحتفاظ بالنخل تقوية لهم، وعملاً بالحكم الشرعي.
فليس ثمة اجتهاد في حكم شرعي كلي من الأحكام الخمسة، وإنما هم مختلفون في تشخيص موضوع الحكم الشرعي أي فيما هو المصلحة لهم، وما فيه نكاية في العدو.
4 ـ من الذي قال: إن هؤلاء الذين اختلفوا في قطع النخل وعدمه، كانوا قد بلغوا رتبة الاجتهاد؟ فلعل أحداً منهم لم يكن قد بلغ هذه المرتبة الشريفة، ولعل أحد الفريقين قد بلغها دون الآخر، ولعل، ولعل.
5 ـ إنه إذا كان الرسول "صلى الله عليه وآله" هو الذي أمر بقطع النخل، كما صرحت به النصوص المتقدمة عن مصادر كثيرة جداً، فإن الاستدلال على جواز الاجتهاد والتصويب فيه بالآية الكريمة يصبح في غير محله، وذلك لأن عدم القطع يصير اجتهاداً في مقابل النص، بل هو عصيان لأمر الرسول، وشك في صواب ما يصدر منه "صلى الله عليه وآله".
ولعله "صلى الله عليه وآله" قد أمرهم بقطع نوع من النخيل، فلم يعجبهم ذلك، فعصوا الأمر.
6 ـ إن التصويب باطل، ولا يصح، لا عقلاً، ولا شرعاً، وقد تكلم الأصوليون على هذا الأمر بالتفصيل، فمن أراد الوقوف على ذلك فليراجع المطولات([261]).
هذا الشعر لمن؟!
قال السمهودي ـ كما قال غيره ـ: "ولما حرق رسول الله "صلى الله عليه وآله" نخلهم، قال حسان رضي الله عنه يعير قريشاً من أبيات:
وهـان عـلـى سـراة بـنـي لــؤي حـريـق بـالـبـويـرة مـسـتـطــير
فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ولم يكن أسلم حينئذٍ:
أدام الله ذلــك مـــن صــنـيــع وحــرق فـي نـواحـيـهـا السعـير
سـتـعـلـم أيـنـا مـنهـا بـــنــزه وتـعـلـم أي أرضـيـنــا تــضـير
أي ستعلم أينا منها ببعد، وأي الأرضين أرضنا أو أرضكم يحصل لها الضير، أي الضرر، لأن بني النضير إذا خربت أضرت بما جاورها، وهو أرض الأنصار، لا أرض قريش.
ونقل ابن سيد الناس، عن أبي عمرو الشيباني: أن الذي قال البيت المتقدم، المنسوب لحسان هو: أبو سفيان بن الحارث، وأنه لما قال: وعز على سراة بني لؤي، بدل: هان قال: ويروى (بالبويلة) بدل (بالبويرة) وأن المجيب له بالبيتين المتقدمين هو حسان.
وما قدمناه هو رواية البخاري.
قال ابن سيد الناس: وما ذكره الشيباني أشبه.
قلت: كأنه استبعد أن يدعو أبو سفيان في حالة كفره على أرض بني النضير، وقد قدمنا وجهه([262]). انتهى كلام السمهودي.
ولكننا بدورنا نؤيد ما ذكره ابن سيد الناس، وذلك لأن تفسير السمهودي للبيت الثاني غير مفهوم، فإن حريق النخل لا يلزم منه لحوق الضرر بأراضي الأنصار.
كما أن تفسيره، الذي ذكره لا يدفع كلام ابن سيد الناس، وذلك لأن البيت الأول من بيتي الجواب، فيه الدعاء والطلب من الله أن يديم هذا الصنيع.
وظاهره: أن ذلك الدعاء يصدر من رجل محب وموال وموافق على هذا الحريق.
كما أن من البعيد أن يكون قد وصل خبر حرق النخل إلى مكة، ثم وصل شعر حسان إليهم، وأجابوا عليه بالطلب من الله إدامة هذا الأمر من أجل أن تحترق أراضي الأنصار، فإن أمر بني النضير قد فرغ منه خلال أيام.
ومن جهة أخرى: فإن البيت الأول يناسبه كلمة وعز؛ لأن سراة بني لؤي ـ وهم مشركو مكة ـ يعز عليهم حدوث هذا الحريق في بني النضير، ولا يهون عليهم.. إلا إذا كان يقصد بسراة بني لؤي النبي "صلى الله عليه وآله" ومن معه.
أو كان يقصد: أن هذا الحريق لا تهتم له قريش ولا يضرها بشيء، فأجابه حسان بأن ذلك سوف يضيرهم قطعاً، ولن تتضرر أرض الأنصار منه.
ومهما يكن من أمر، فإنه لم يتضح لنا وجه تقويته لأن يكون البيت الأول لحسان.. والبيتان الآخران لأبي سفيان بن الحارث..
ولعل كلام ابن سيد الناس أولى بالقبول، وأقرب إلى اعتبارات العقول.
وأخيراً.. فقد قال العيني: في ترجيح قول ابن سيد الناس: "يصلح للترجيح قول أبي عمرو الشيباني، لأنه أدرى بذلك من غيره على ما لا يخفى على أحد"([263]).
الفصل الرابع:
تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى:
قال تعالى: ?لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعأً إِلا فِي قُرىً مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعأً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ?([264]).
قد أعطت هذه الآية الشريفة تصوراً متكاملاً عن حالة أولئك الذين لا يملكون صفة الإيمان، حيث أرجعت هذه الحالة إلى عللها وأسبابها، وربطتها بمناشئها الحقيقية، بصورة واضحة ودقيقة.
ولا نريد أن نستعرض هنا كل ما تعرضت له الآية تصريحاً، أو تلويحاً، فإن ذلك يحتاج إلى توفر تام، وتأمل ودقة وجهد، لا نجد لدينا القدرة على توفيره فعلاً، وإنما نريد أن نسجل هنا حقيقة واحدة، نحسب أن الإلفات إليها يناسب ما نحن بصدده، وهي:
أن النظرة المادية للحياة، وعدم الإيمان بالآخرة، أو عدم تعمق الإيمان بها يجعل الإنسان يقيس الأمور بمقياس الربح والخسارة في الدنيا. وهذا ـ بنظره ـ هو الذي يعطيها القيمة، أو يفقدها إياها، ولتصبح الحياة الدنيا ـ من ثم ـ هي الغاية، وهي النهاية، وهي كل شيء بالنسبة إلى هذا النوع من الناس، فإذا فقدها، فلا شيء له بعد ذلك على الإطلاق. ويصبح شخصه كفرد هو المعيار والميزان للصلاح والفساد، وللحسن والقبيح، وللواجب والحرام. فهو لا يمارس شيئاً ولا يرتبط بشيء إلا بمقدار ما يجر إليه نفعاً، أو يدفع عنه شراً وضراً. وتفقد الحياة الاجتماعية معناها ومغزاها، إلا في الحدود التي تخدم وجود الفرد، ومصالحه،. فهو مع الناس، وإنما لأجل نفسه، وهو وحده لا شريك له، وكل ما في الوجود يجب أن يكون من أجله وفي خدمته. ويجب أن يضحى بكل غال ونفيس في سبيله، فهو القيمة لكل شيء، وليس لأي شيء آخر أية قيمة تذكر.
وعلى هذا، فإن جميع القيم تسقط، ويبقى هو. فلا معنى للتضحية إلا إذا كانت من الآخرين من أجله، ولا معنى للإيثار إلا إيثار الآخرين له على أنفسهم. ولا معنى للشهادة في سبيل الله إلا إذا نالت الآخرين دونه، ولا معنى للحق وللباطل، وللغدر والوفاء، وللصدق والكذب و.. و.. الخ.. إلا من خلال ما يجلب له نفعاً، أو يدفع عنه ضراً وشراً.
وإذا كان مع الجماعة فإنه لا يشاركهم في شيء، ولا يهمه من أمرهم شيء، بل هو يريد منهم أن يدفعوا عنه، ويموتوا من أجله وفي سبيله.
وهذا بالذات ما يفسر لنا قوله تعالى: ?تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى?([265]).
نعم.. إن قلوبهم (شتى) بكل ما لهذه الكلمة من معنى لأنهم لا يفكرون في شيء واحد، وإنما هم يفكرون بأشياء متباينة، ومتعددة، بعددهم جميعاً. فنفس كل فرد منهم تخضع لفكرين متناقضين فصاحبها يفكر في حفظها، وبقائها، وكل من معه يفكرون في إتلاف هذه النفس من أجل حفظ وجودهم هم دونه.
وهكذا الحال بالنسبة لنفس كل فرد منهم، وإذا فكر أحد منهم بحفظ نفوس الآخرين، فإنما ذلك حين يرى فيه ضمانة لبقائه، وحفظ نفسه هو أولاً.
وذلك يوضح لنا أيضاً: السر في أن هؤلاء لا يقاتلون المؤمنين إلا من وراء جدر، أو في قرى محصنة، حسبما أوضحته الآية الشريفة.
وما ذلك إلا لأن هؤلاء لا يعقلون معنى الحياة وأسرارها، ولا حكمة الخلق وأهداف الوجود. فإن ذلك إنما جاء وفق المعايير والأحكام العقلية والفطرية، فهو لا يشذ عنها، ولا يختلف ولا يتخلف عن أحكامها ومقتضياتها.
ولو أنهم فكروا وأطلقوا عقولهم من عقال الهوى، لأدركوا ذلك كله، ولتغيرت نظرتهم للكون وللحياة، ولعرفوا بعضاً من أسرار الخلق والوجود، ولتبدلت المعايير والقيم التي كانت تستند إلى أوهام وخيالات، وتؤكدها وتفرضها الفطرة الخالصة عن الشوائب، والبعيدة عن تجاذب الأهواء.
إذاً.. فعدم التزامهم بهدى العقل، ورفضهم الانصياع لأحكامه، هو أصل البلاء، وسبب العناء، وهو ما أكدته الآية الكريمة، التي أرجعت حالتهم التي هي غاية خزيهم وذلهم إلى ذلك، فهي تقول: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ?([266]).
اليهود والمنافقون لا ينصرون حلفاءهم:
ونلاحظ هنا: أن المعاهدات التي كان النبي "صلى الله عيله وآله" يبرمها مع اليهود، لم يظهر اليهود فيها وحدة متكاملة، بل كانوا شيعاً وأحزاباً. فقد عاهد "صلى الله عليه وآله" كل قبيلة منهم على حدة: النضير، وقينقاع، وقريظة، وكذلك الحال بالنسبة لخيبر وفدك وغير ذلك، ومعنى ذلك هو أنهم كانوا فيما بينهم شيعاً وأحزاباً.
ويلاحظ أيضاً: أن أياً من قبائلهم لم تنهض للدفاع عن القبيلة الأخرى. كما أن أحلافهم من غطفان، ومن المنافقين، لم يهبوا لنصر أي من القبائل والجماعات التي حالفوها ووعدوها النصر، وهو ما نص عليه الله تعالى حين قال عنهم: ?أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَدأً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ?([267])..
?لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِنَ اللهَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ?([268]). وقد علم معنى الآيات مما قدمناه.
وعن علي "عليه السلام" أنه قال: المؤمنون بعضهم لبعض نصحاء، وإن افترقت منازلهم، والفجرة بعضهم لبعض غششة خونة، وإن اجتمعت أبدانهم([269]).
وكان مما قاله سلام بن مشكم لحيي بن أخطب حول وعد ابن أبي لهم بالنصر:
"ليس قول ابن أبي بشيء، إنما يريد ابن أبي: أن يورطك في الهلكة، حتى نحارب محمداً، ثم يجلس في بيته ويتركك. قد أراد من كعب بن أسد النصر، فأبى كعب، وقال: لا ينقضن العهد رجل من بني قريظة وأنا حي، وإلا فإن ابن أبي قد وعد حلفاءه من بني قينقاع مثل ما وعدك حتى حاربوا ونقضوا العهد، وحصروا أنفسهم في صياصيهم، وانتظروا نصرة ابن أبي، فجلس في بيته، وسار محمد إليهم، فحصرهم حتى نزلوا على حكمه.
فابن أبي لا ينصر حلفاءه، ومن كان يمنعه من الناس كلهم، ونحن لم نزل نضربه بسيوفنا مع الأوس في حربهم كلها، إلى أن تقطعت حربهم، فقدم محمد فحجز بينهم. وابن أبي لا يهودي على دين يهود، ولا على دين محمد، ولا على دين قومه، فكيف تقبل منه قولاً قاله؟
قال حيي: تأبى نفسي إلا عداوة محمد وإلا قتاله..
قال سلام: "فهو والله جلاؤنا من أرضنا الخ.."([270]).
ويلاحظ من كلام سلام: أنه كان يشك في نوايا عبد الله بن أبي تجاههم.
ومما يؤكد هذه التهمة قول الواقدي بعد ذكره إرسال ابن أبي إلى قريظة يطلب منهم نصر إخوانهم من بني النضير، ورفضهم لذلك: "فيئس ابن أبي من قريظة، وأراد أن يلحم الأمر فيما بين بني النضير، ورسول الله، فلم يزل يرسل إلى حيي، حتى قال حيي: أنا أرسل إلى محمد أعلمه: أنا لا نخرج من دارنا ومن أموالنا الخ.."([271]). فصدق الله العظيم، وصدق رسوله الكريم "صلى الله عليه وآله"، وصدق أمير المؤمنين علي "عليه الصلاة والسلام" وصدق الأئمة من ولده صلوات الله عليهم أجمعين.
يخربون بيوتهم بأيديهم:
هناك أقوال كثيرة في بيان المراد من قوله تعالى عن بني النضير: ?يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ?([272]).
ونحن نشير هنا إلى بعضها، فنقول:
قال البعض: "يخربونها من داخل (أي ليهربوا) ويخربها المؤمنون من خارج (أي ليصلوا إليهم).
وقيل: معنى بأيديهم: بما كسبت أيديهم من نقض العهد، وأيدي المؤمنين، أي بجهادهم"([273]).
ولعل هذا القول هو الذي أشار إليه الزجاج، حين قال: معنى تخريبها بأيدي المؤمنين: أنهم عرضوها لذلك([274]).
وكان المسلمون يخربون ما يليهم ويحرقون حتى وقع الصلح([275]).
وقال البعض: "كانوا ينظرون إلى منازلهم فيهدمونها، وينزعون منها الخشب، ما يستحسنونها، فيحملونها على إبلهم، ويخرب المؤمنون بواقيها..
إلى أن قال: قال ابن زيد: كانوا يقلعون العمد، وينقضون السقف، وينقبون الجدر، وينزعون الخشب حتى الأوتاد، ويخربونها، حتى لا يسكنها المؤمنون، حسداً وبغضاً"([276]).
وقيل: إن سبب خرابهم لبيوتهم حاجتهم إلى الخشب والحجارة، ليسدوا بها أفواه الأزقة، وأن لا يتحسروا بعد جلائهم على بقائها للمسلمين، وأن ينقلوا معهم ما كان في أبنيتهم من جيد الخشب، والساج المليح. أما المؤمنون فداعيهم إزالة متحصنهم وممتنعهم، وأن يتسع لهم مجال الحرب([277]).
وقال القمي: "وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" إذا ظهر بمقدم بيوتهم، حصنوا ما يليهم، وخربوا ما يليه، وكان الرجل ممن كان له بيت حسن خربه.."([278]).
وثمة أقوال أخرى في المقام، وبعضها يرجع إلى ما تقدم.
منها: قول عكرمة: إن منازلهم كانت مزخرفة، فحسدوا المسلمين أن يسكنوها، فخربوها من داخل، وخربها المسلمون من خارج([279]).
وقول آخر: إنه كلما هدم المسلمون شيئاً من حصونهم، جعلوا ينقضون بيوتهم، ويخربونها ليبنوا ما هدم المسلمون([280]).
وقول ثالث: إنهم كانوا كلما ظهر المسلمون على دار من دورهم هدموها، لتتسع لهم المقاتل، وجعل اليهود ينقبون دورهم من أدبارها فيخرجون إلى التي بعدها، فيتحصنون فيها، ويكسرون ما يليهم، ويرمون بالتي خرجوا منها أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلما كادت اليهود أن تبلغ آخر دورها، وهم ينتظرون المنافقين، حتى يئسوا منهم طلبوا الصلح([281]).
وثمة قول رابع: إنهم دربوا الأزقة وحصونها، فنقضوا بيوتهم، وجعلوها كالحصون على أبواب الأزقة، وكان المسلمون يخربون سائر الجوانب([282]). إلى غير ذلك من أقوال لا مجال لتتبعها واستقصائها.
نجاف الباب ووصية موسى:
تنص الروايات: على أن الرجل من بني النضير كان يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على ظهر بعيره، فينطلق به([283]).
وقد فسر البعض هذه الظاهرة، فكتب يقول: "هدم نجاف([284]) البيوت يتعلق بعقيدة تلمودية معروفة، هي: أن كل يهودي يعلق على نجاف داره صحيفة تشتمل على وصية موسى لبني إسرائيل: أن يحتفظوا بالإيمان بإله واحد، ولا يبدلوه ولو عذبوا وقتلوا.
فاليهود حين ينزحون عن منازلهم يأخذونها معهم، وهي عادة متبعة عند اليهود إلى يومنا هذا.
ويظهر: أن يهود بلاد العرب كانوا يضعون تلك الصحيفة داخل النجاف، خوفاً من إتلاف الهواء، أو مس الأيدي فلما رحلوا عن ديارهم هدموا نجاف البيوت، وأخذوها.."([285]).
روايات غير موثوق بصحتها:
ونحن نشك كثيراً في عدد من الروايات التي تقدمت في الفصل الأول من هذا الباب، وفي غيره من الفصول، والتي تحاول أن تعطي لغزوة بني النضير طابعاً حربياً عنيفاً، حتى ليذكر البعض منها: أن المسلمين كانوا يخربون بيوت بني النضير من الخارج ليتسع لهم ميدان القتال، وكان بنو النضير يخربون بيوتهم من الداخل لأجل التحصين بها، وأنهم قد بلغوا أقصى دورهم، وهم على هذه الصفة، إلى غير ذلك من نصوص وروايات تصب في هذا الاتجاه.
فإننا وإن كنا نقول: إنه قد كان ثمة حصار، وقطع للأشجار، ورشق بالنبل من قبل بني النضير، وخراب للبيوت بأيدي بني النضير، وبأيدي المؤمنين، ثم قتل أمير المؤمنين "عليه السلام" عشرة منهم، فدب الرعب في قلوبهم، واقتنعوا: أن لا طاقة لهم بالحرب، فآثروا الاستسلام والقبول بالجلاء.
وأفاء الله على رسوله أراضيهم، وسوغه أموالهم.
ولكن الإصرار على إظهار جانب العنف والقتال والحرب القوية والضارية من البعض، إنما هو لأجل الإيحاء بأن أرض بني النضير قد فتحت عنوة، وأن المسلمين قد أخذوها عن استحقاق، ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" متفضلاً عليهم في إعطائهم إياها!!
ومعنى ذلك هو: أن المطالبة بها من قبل الورثة الحقيقيين للرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" بعد وفاته تصبح بلا معنى، وبلا مبرر ظاهر.. رغم أن القرآن قد صرح: بأن أرضهم كانت فيئاً، وأنها خاصة برسول الله "صلى الله عليه وآله". ولكن تبرير موقف السلطة، والتعتيم على مظالمها أهم وأولى من الحفاظ على القرآن، وأحكامه، بنظر هؤلاء المتحذلقين، الذين يستخدمون كل وسائل التزوير والتحوير والإبهام في خدمة أهوائهم ومصالحهم واتجاهاتهم.
ضـيـعـوا حقهـا المبين بـتـزويــر وهـل عنـدهم سـوى الـتـزوير؟!
لأول الحشر:
قد ذكرت سورة الحشر ـ التي يرى المؤرخون والمفسرون: أنها تتحدث عن حادثة بني النضير، الذين أخرجهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ أن هذا هو أول الحشر لهم..
وقد اختلفوا في المراد من ذلك.
فروى موسى بن عقبة: أنهم قالوا: إلى أين نخرج يا محمد؟
قال: إلى الحشر.
يعني: أرض المحشر، وهي الشام..
هذا في الدنيا، والحشر الثاني يوم القيامة إلى الشام أيضاً([286]).
وقيل: إن أول الحشر هو إخراجهم من حصونهم إلى خيبر، وآخر الحشر إخراجهم من خيبر إلى الشام([287]).
وقيل: إنما قال لأول الحشر؛ لأن الله فتح على نبيه "صلى الله عليه وآله" في أول ما قاتلهم([288]).
وقيل: المراد بالحشر؛ الجلاء، وقد كان بنو النضير من سبط من بني إسرائيل لم يصبهم جلاء.
زاد الطبرسي، وغيره: أن الحشر الثاني هو إخراج إخوانهم من جزيرة العرب (أي على يد عمر بن الخطاب) لئلا يجتمع في جزيرة العرب دينان([289]).
وقيل: إن الحشر الثـاني، هو حشر النـار التي تخـرج من قعـر عـدن؛ فتحشر الناس إلى الموقف، تبيت معهم حيث باتوا؛ وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل من تخلف([290]).
وقال العيني: "إن بني النضير أول من أخرج من ديارهم"([291]).
ونقول: بل أجلي بنو قينقاع قبلهم.
وقال الكلبي: كانوا أول من أجلي من أهل الذمة من جزيرة العرب ثم أجلي آخرهم في زمن عمر بن الخطاب؛ فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة، وآخر حشر إجلاء عمر لهم([292]).
قال السهيلي، بعد ذكره ما تقدم:
".. والآية متضمنة لهذه الأقوال كلها، ولزائد عليها؛ فإن قوله: ?لأَوَّلِ الحَشْرِ? يؤذن: أن ثمة حشراً آخر؛ فكان هذا الحشر والجلاء إلى خيبر، ثم أجلاهم عمر من خيبر إلى تيماء، وأريحا، وذلك حين بلغه التثبت عن النبي "صلى الله عليه وآله" أنه قال: لا يبقين دينان بأرض العرب"([293]).
كما أن عبد الرزاق الصنعاني، بعد أن ذكر: أن النبي: "صلى الله عليه وآله" قد دفع خيبر إلى اليهود، على أن يعملوا بها، ولهم شطرها قال:
"فمضى على ذلك رسول الله "صلى الله عليه وآله" وأبو بكر، وصدر من خلافة عمر، ثم أخبر عمر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال في وجعه الذي مات فيه: لا يجتمع بأرض الحجاز ـ أو بأرض العرب ـ دينان؛ ففحص عن ذلك حتى وجد عليه الثبت، فقال:
من كان عنده عهد من رسول الله "صلى الله عليه وآله" فليأت به، وإلا فإني مجليكم.
قال: فأجلاهم". وكذا ذكر غير عبد الرزاق أيضاً([294]).
وقد نص المؤرخون: على أن عمر أجلى من يهود من لم يكن معه عهد من رسول الله([295]).
ونقول:
إن حديث إجلاء عمر لليهود، حين بلغه الثبت عن رسول الله "صلى الله عليه وآله": لا يجتمع بأرض العرب دينان، يحتاج إلى شيء من البسط والتوضيح..
وقد كنا نود إرجاء الحديث عن هذا الأمر إلى وقعة خيبر، ولكن ما ذكره السهيلي وغيره هنا قد جعلنا نتعجل الإشارة إلى بعض من ذلك. ولكننا قبل أن ندخل في مناقشة هذا الأمر نشير إلى أمرين:
الأول:
إن تصريح الرواية المتقدمة بأن الخليفة قد نفذ ما كان قد سمعه من النبي "صلى الله عليه وآله" في وجعه الذي مات فيه، يحتاج إلى مزيد من التأمل، بعد أن كان هو نفسه قد قال عن النبي "صلى الله عليه وآله" في نفس ذلك المرض: إنه يهجر، أو غلبه الوجع أو نحو ذلك..([296]).
وصرحت المصادر: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأنه لا يجتمع فيها دينان، بعد قول عمر الآنف الذكر، وتنازعهم عنده([297]).
فمن غلبه الوجع: ومن كان يهجر ـ والعياذ بالله ـ لا يوثق بما يقوله، ولا ينبغي الالتزام به، حتى ولو ورد بالطرق الصحيحة والصريحة. نعوذ بالله من الزلل والخطل في القول والعمل.. وعصمنا الله من نسبة ذلك لرسوله الأكرم "صلى الله عليه وآله".
الثاني:
إنا لا نريد أن نسجل إدانة صريحة للخليفة الثاني، حول ما تذكره الرواية من جهله بآخر أمر صدر من النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، حول وجود الأديان في جزيرة العرب.. بأن نقول: إن ذلك لا يتناسب مع مقام خلافة رسول الله "صلى عليه وآله".
لا.. لا نريد ذلك، لأننا نشك في أن يكون الخليفة قد استند في موقفه من اليهود إلى قول رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
ونحن نوضح ذلك فيما يلي:
سبب إخراج عمر لليهود:
إن من المسلَّم به: أن النبي "صلى الله عليه وآله" حين افتتح خيبر قد أبقى اليهود في شطر منها، يعملون فيه، ولهم شطر ثماره، ولكن عمر قد أخرجهم منها إلى تيماء وأريحا([298]).
ولكن ما ذكروه في سبب ذلك، من أنه قد فعل امتثالاً لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" وتديناً منه، والتزاماً بالحكم الشرعي، لا يمكن المساعدة عليه، ولا الالتزام به، حيث إننا نشك في ذلك، وذلك لما يلي:
ألف: لماذا لم يفعل ذلك أبو بكر، فهل لم يبلغه ذلك؟!
والذين أبلغوا عمر بن الخطاب لماذا لم يبلغوا سلفه أبا بكر؟!
ب: قولهم: إن عمر لم يكن يعلم بلزوم إجلاء اليهود، حتى بلغه الثبت عن رسول الله ينافيه ما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله قال:
أخبرني عمر بن الخطاب: أنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب، حتى لا أدع إلا مسلماً([299]).
فلماذا توقف عن إخراجهم، حتى بلغه الثبت عن رسول الله؟ ألم يكن هو قد سمع ذلك من النبي "صلى الله عليه وآله" مباشرة، فلماذا لم ينفذ ما سمعه؟!
ولماذا أيضاً لم يخبر عمر نفسه رفيقه وصديقه الحميم أبا بكر بهذا القول منه "صلى الله عليه وآله"؟!
إلا أن يقال: إن هذا لا يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر الخليفة بعده بذلك.
ج: إن ثمة حديثاً يفيد: أن سبب إخراج عمر ليهود خيبر هو أنهم اعتدوا على ولده، فقد روى البخاري وغيره:
عن ابن عمر، قال: لما فدع([300]) أهل خيبر عبد الله بن عمر، قام عمر خطيباً، فقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال: نقركم ما أقركم الله، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه، ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا، وقد رأيت إجلاءهم.
فلما أجمع عمر على ذلك أتاه أحد بني الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين، أتخرجنا، وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال، وشرط ذلك لنا؟!
فقال عمر: أظننت أني نسيت قول رسول الله: كيف بك إذا أخرجت من خيبر، تعدو بك قلوصك ليلة بعد ليلة؟!
فقال: كانت هذه هزيلة (أي فرحة) من أبي القاسم.
فقال: كذبت يا عدو الله.
فأجلاهم عمر الخ..([301]).
ونشير في هذه الرواية إلى أمرين:
الأول: إنها تصرح بأن إجلاء اليهود كان رأياً من عمر، وليس امتثالاً لأمر رسول الله "صلى الله عليه آله"، وأن الدافع له هو ما فعلوه بولده.
ومن الواضح: أن ذلك ليس مبرراً كافياً لذلك، فقد سبق لليهود أن قتلوا عبد الله بن سهل بخيبر، فاتهمهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" والمسلمون بقتله، فأنكروا ذلك، فوداه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم يخرجهم بسبب ذلك([302]).
الثاني: إن ما نقله عمر لأحد بني الحقيق، لم يكن هو المستند لإخراجهم، بل صرح عمر بأن ذلك كان لرأي رآه بسبب ما فعلوه بولده.. كما أن إخبار النبي هذا ليس فيه ما يدل على أنهم يخرجون بحق أو بغير حق، ولا يفيد تأييد هذا الإخراج ولا تفنيده، ولعل لأجل ذلك لم يستطع أن يستند إليه الخليفة في تبرير ما يقدم عليه.
د: وفي بعض المصادر: أضاف إلى ما صنعوه بابن عمر، أنهم غشوا المسلمين([303]).
ولا ندري إن كان يقصد: أن غشهم هذا كان بفعل مستقل منهم، أم أن ما فعلوه بابن عمر هو الدليل لهذا الغش؟!
قال دحلان: "استمروا على ذلك إلى خلافة عمر (رض)، ووقعت منهم خيانة وغدر لبعض المسلمين، فأجلاهم إلى الشام، بعد أن استشار الصحابة (رض) في ذلك"([304]).
وعبارة دحلان هذه، ظاهرة في أن المقصود بخيانتهم وغدرهم: هو نفس ما صدر منهم في حق بعض المسلمين، وهو ابن عمر بالذات، ولا ندري لماذا لم يصرح باسمه ونسبه هنا؟!.
هـ: ومما يدل على أن إجلاءهم كان رأياً من الخليفة الثاني، ما رواه أبو داود وغيره، عن ابن عمر، عن عمر، أنه قال:
أيها الناس، إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان عامل يهود خيبر على أنّا نخرجهم إذا شئنا، فمن كان له مال فليلحق به، فإني مخرج يهود. فأخرجهم([305]).
ومعنى ذلك: هو أنه لم يكن يرى إخراجهم واجباً شرعياً. كما أنه قد احتج لما يفعله بشرط النبي "صلى الله عليه وآله" إبقاءهم بالمشيئة ـ إذا شئنا ـ ولا يحتج لذلك بما ثبت له عنه "صلى الله عليه وآله"، من عدم بقاء دينين في أرض العرب.
مع أنه لو كان هذا هو السبب والداعي، لكان الاحتجاج به أولى وأنسب.
ومما يؤيد ذلك ويعضده: أن اليهود حين اعترضوا عليه بقولهم: لم يصالحنا النبي "صلى الله عليه وآله" على كذا وكذا؟!
قال: بلى، على أن نقركم ما بدا لله ولرسوله، فهذا حين بدا لي إخراجكم. فأخرجهم([306]).
و: إنه قد أخرج نصارى نجران، وأنزلهم ناحية الكوفة([307]).
ز: قد ذكرت بعض الروايات: أن السبب في إجلائهم هو استغناء المسلمين عنهم، وليس هو وصية النبي "صلى الله عليه وآله" بإخراجهم.
يقول ابن سعد وغيره: إنه لما صارت خيبر في أيدي المسلمين، لم يكن لهم من العمال ما يكفون عمل الأرض، فدفعها النبي "صلى الله عليه وآله" إلى اليهود، يعملونها على نصف ما يخرج منها.
فلم يزالوا على ذلك، حتى كان عمر بن الخطاب، وكثر في أيدي المسلمين العمال، وقووا على عمل الأرض، فأجلى عمر اليهود إلى الشام، وقسم الأموال بين المسلمين إلى اليوم([308]). وقريب من ذلك ذكره ابن سلام أيضاً، فراجع([309]).
وبعد أن ذكر العسقلاني هذه الرواية، وذكر رواية عدم اجتماع دينين في جزيرة العرب، ثم رواية البخاري عن فدع اليهود لعبد الله بن عمر، قال:
"..ويحتمل أن يكون كل هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم"([310]).
ولكنه احتمال غير وارد، فإن ظاهر الروايات: أن السبب في إخراجهم هو خصوص ما تذكره دون غيره، ولا سيما حين يكون الحديث والتعليل في مقام الاحتجاج والاستدلال ودفع الشبهة، من نفس ذلك الرجل الذي تصدى لذلك.
ح: قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر بإجلاء اليهود والنصارى من بلاد العرب، وأنه قال: لا يجتمع ببلاد العرب دينان، أو نحو ذلك، ينافيه:
1 ـ قولهم: ـ حسبما روي عن سالم بن أبي الجعد ـ: "كان أهل نجران بلغوا أربعين ألفاً، وكان عمر يخافهم أن يميلوا على المسلمين، فتحاسدوا بينهم، فأتوا عمر، فقالوا: إنا قد تحاسدنا بيننا، فأجلنا.
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد كتب لهم كتاباً: أن لا يجلوا، فاغتنمها عمر، فأجلاهم الخ.."([311]).
2 ـ وفي نص آخر: إنما أخرج عمر أهل نجران، لأنهم أصابوا الربا في زمانه([312]).
3 ـ وعن علي "عليه السلام": أنه نسب إجلاء أهل نجران إلى عمر أيضاً فراجع([313]).
إلا أن يقال: إن نسبة ذلك إليه لا يدل على عدم الأمر به من النبي "صلى الله عليه وآله".
ط: عن ابن عمر: أن عمر أجلى اليهود من المدينة، فقالوا: أقرنا النبي "صلى الله عليه وآله" وأنت تخرجنا؟!
قال: أقركم النبي "صلى الله عليه وآله"، وأنا أرى أن أخرجكم، فأخرجهم من المدينة([314]).
فلو أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد أمر بإخراجهم لم ينسب عمر إخراجهم إلى رأيه الشخصي.
ي: إنه يرد هنا سؤال، وهو: لماذا يخرجهم من بلاد العرب، ولا يخرجهم من بلاد المسلمين كلها؟ فهل لبلاد العرب خصوصية هنا؟! وما هي هذه الخصوصية سوى التعصب القومي، والتمييز العنصري، والشعور بالتفوق على الآخرين، بلا مبرر ظاهر؟.
ك: عن يحيى بن سهل بن أبي حثمة، قال: أقبل مظهر بن رافع الحارثي إلى أبي بأعلاج من الشام، عشرة، ليعملوا في أرضه، فلما نزل خيبر أقام بها ثلاثاً، فدخلت يهود للأعلاج، وحرضوهم على قتل مظهر، ودسوا لهم سكينين أو ثلاثاً!
فلما خرجوا من خيبر، وكانوا بثبار، وثبوا عليه، فبعجوا بطنه، فقتلوه، ثم انصرفوا إلى خيبر، فزودتهم يهود وقوّتهم حتى لحقوا بالشام.
وجاء عمر بن الخطاب الخبر بذلك، فقال: إني خارج إلى خيبر، فقاسم ما كان بها من الأموال، وحاد حدودها، ومورف أرفها([315])، ومجل يهود عنها، فإن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال لهم: أقركم ما أقركم الله، وقد أذن الله في إجلائهم، ففعل ذلك بهم([316]).
وفي الواقدي: أن عمر خطب الناس، فقال: أيها الناس إن اليهود فعلوا بعبد الله ما فعلوا، وفعلوا بمظهر بن رافع، مع عدوتهم على عبد الله بن سهل في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا أشك أنهم أصحابه، ليس لنا عدو هناك غيرهم؛ فمن كان له هناك مال؛ فليخرج؛ فأنا خارج فقاسم.
إلى أن قال: إلا أن يأتي رجل منهم بعهد، أو بينة من النبي "صلى الله عليه وآله" أنه أقره، فأقره.
ثم ذكر تأييد طلحة لكلام عمر، ثم قول عمر له: من معك على مثل رأيك؟!
قال: المهاجرون جميعاً، والأنصار. فسُرَّ بذلك عمر([317]).
ل: قال الحلبي الشافعي بعد ذكره رواية مصالحة النبي "صلى الله عليه وآله" لهم، وأنه "صلى الله عليه وآله" قال لهم: على أنَّا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم:
"أي وهذا يخالف ما عليه أئمتنا من أنه لا يجوز في عقد الجزية أن يقول الإمام، أو نائبه: أقركم ما شئنا، بخلاف ما شئتم، لأنه تصريح بمقتضى العقد؛ لأن لهم نبذ العقد ما شاؤوا.
وذكر أئمتنا: أنه يجوز منه "صلى الله عليه وآله" ـ لا منا ـ أن يقول: أقررتكم ما شاء الله؛ لأنه يعلم مشيئة الله دوننا"([318]).
ونقول: إن ذلك محل نظر؛ إذ:
1 ـ من الذي قال: إنه "صلى الله عليه وآله" يعلم ـ في هذا المورد بخصوصه ـ مشيئة الله سبحانه؟!.
2 ـ لماذا لا يصح للنبي، ولغيره أيضاً، أن يقول ذلك؟! أليس حكمهم الجلاء، وقد عادت الأرض إلى الرسول "صلى الله عليه وآله"، لتكون خالصة له؟ فهو يزارعهم في ملكه، وله أن يمنعهم من العمل والسكنى فيها متى شاء. لا أن الأرض لهم، وهو "صلى الله عليه وآله" ينتظر نقضهم للعهد، حتى تكون المشيئة إليهم في النقض وعدمه، كما يريد هؤلاء أن يفهموا.
م: إن عمر إنما أجلاهم إلى أريحا وتيماء من جزيرة العرب([319]). وقد حاول الحلبي الشافعي دعوى: أن المقصود بجزيرة العرب خصوص الحجاز، وأريحا وتيماء ليستا من الحجاز، ولعله استند في ذلك إلى بعض النصوص التي عبرت بكلمة "الحجاز" بدل "جزيرة العرب" كما يفهم من كلامه ضمناً([320]).
ونقول:
أولاً: إن الروايات متناقضة، فبعضها قال: اليهود والنصارى.
وبعضها قال: المشركين.
وفي بعضها: لا يبقى دينان في جزيرة العرب.
وفي بعضها: اليهود.
ومن جهة أخرى: فإن بعضها ذكر الحجاز، وبعضها ذكر جزيرة العرب.
وفي بعضها أنه قال: أخرجوا اليهود من الحجاز، وأخرجوا أهل نجران من جزيرة العرب([321]). وهذا الاختلاف يوجب ضعف الرواية إلى حد كبير.
ثانياً: قال السمهودي: "لم ينقل أن أحداً من الخلفاء أجلاهم من اليمن، مع أنها من الجزيرة"([322])، ثم قال: فدل على أن المراد الحجاز فقط.
ونقول: بل دل ذلك على ضعف الرواية من الأساس لا سيما وأن عدداً من الروايات يصرح بأن النبي قال: لا يبقين دينان بأرض العرب، وأرض العرب لا تختص بالحجاز كما هو معلوم.
ثالثاً: إن تيماء من الحجاز أيضاً، قال ابن حوقل: بينها وبين أول الشام ثلاثة أيام([323]).
وهي تقع على ثمان مراحل من المدينة بينها وبين الشام، وهي تعد من توابع المدينة([324]).
ومدين التي هي من أعراض المدينة تقع في محاذاة تبوك([325]). وتبوك أبعد من تيماء كما هو ظاهر.
وآخر عمل المدينة "سرغ"، بوادي تبوك، على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة([326]).
وقالوا عن سرغ: إنها أول الحجاز، وآخر الشام([327]).
بل لقد قال الحرقي: تبوك وفلسطين من الحجاز([328]).
ولكن قال السمهودي: إن عمر "لم يخرج أهل تيماء ووادي القرى، لأنهما داخلتان في أرض الشام.
ويرون: أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز، وأن ما وراء ذلك من الشام"([329]).
ولكن السمهودي نفسه ينقل عن صاحب المسالك والممالك وعن ابن قرقول: أنهما قد عدا وادي القرى من المدينة([330]).
كما أن ابن الفقيه قد عد دومة الجندل من أعمال المدينة، ووادي القرى تقع فيها([331]).
وقال ياقوت وغيره: إن وادي القرى من أعمال المدينة، أيضاً([332]).
وعدها ابن حوقل وغيره من الحجاز([333]).
وبعد هذا: فإن كلام السمهودي يصبح متناقضاً وغير واضح، وإن كان يمكن الاعتذار عنه بأنه ينسب بعض ما يقوله لغيره، وذلك لا يدل على رضاه وقبوله به.
ولكن هذا الاعتذار إنما يصح في بعض الموارد دون بعض، مع ملاحظة: أننا لم نجده يعترض على ما ينقله عن الآخرين، بل ظاهره أنه مصدق ومعترف به.
دعاوى لا تصح:
وقد حاول الحلبي هنا: أن يجعل من أسباب كثيرة سبباً واحداً، فوقع في التناقض والاختلاف، فإنه بعد أن ذكر: عزم عمر على إجلاء اليهود، بسبب ما فعلوه بولده وبعبد الله بن سهل، وبمظهر بن رافع، قال:
"فلما أجمع الصحابة على ذلك، أي على ما أراده سيدنا عمر، جاءه أحد بني الحقيق فقال له: يا أمير المؤمنين الخ.." فذكر القصة المتقدمة وأن عمر لم ينس قول النبي لابن أبي الحقيق حول خروجه.
ثم قال: "ثم بلغه (رض): أنه "صلى الله عليه وآله" قال: لا يبقى دينان في جزيرة العرب ونصوصاً أخرى تقدمت". ثم ذكر أن المراد بالجزيرة خصوص الحجاز.
إلى أن قال: "ففحص عمر عن ذلك حتى تيقنه وثلج صدره فأجلى يهود خيبر، أي وأعطاهم قيمة ما كان لهم من ثمر وغيره وأجلى يهود فدك، ونصارى نجران، فلا يجوز إقامتهم أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج، ولم يخرج يهود وادي القرى وتيماء، لأنهما من أرض الشام لا من الحجاز"([334]).
فهو يقول: إن عمر هو الذي عزم على إجلاء اليهود ثم يقول: إن الصحابة قد أجمعوا. ثم يذكر أنه عرف بأوامر النبي "صلى الله عليه وآله" حول اليهود بعد هذا العزم وبعد ذلك الإجماع، فلما تيقنه وثلج صدره أجلاهم.
كما أنه يذكر العبارات المتناقضة حول جزيرة العرب والحجاز، ويدَّعي أن المقصود بالجزيرة هو خصوص الحجاز، ولكنه يدَّعي أن تيماء ووادي القرى ليستا من الحجاز، مع أن النصوص الجغرافية على خلاف ذلك، حسبما أوضحناه.
ثم يذكر: أنه أعطاهم ثمن أموالهم.. ولا ندري السبب في ذلك إن كان إخراجهم بسبب نقضهم للعهد، فإن ناقض العهد لا يعطى ذلك..
وأخيراً.. فإنه ادَّعى عدم جواز اقامتهم أكثر من ثلاثة أيام غير يومي الدخول والخروج، فهل هذا الحكم مأخوذ من النبي "صلى الله عليه وآله"، أم أنه حكم سلطاني متأخر عن زمنه "صلى الله عليه وآله"؟
ولا ندري كيف أُجيز لهم ذلك بعد منعه "صلى الله عليه وآله" لهم من البقاء في أرض العرب.
كما أننا لا نعرف: من أين جاء استثناء يومي الخروج والدخول؟ إلى غير ذلك من الأسئلة، التي يمكن استخلاصها من مجموع ما ذكرناه.
الرواية الأقرب إلى القبول:
ولعلنا لا نبعد كثيراً إذا قلنا: إن حديث "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" هو من قول عمر، وقد نسب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من أجل تصحيح ما أقدم عليه عمر من نقض عهد اليهود لأجل ابنه، أو لغير ذلك من أسباب، لم ير فيها النبي "صلى الله عليه وآله" ما يوجب ذلك حسبما ألمحنا إليه؛ فقد قال أبو عبيد الله القاسم بن سلام:
"حدثنا يحيي بن زكريا بن أبي زائدة، ومحمد بن عبيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، قال: أجلى عمر المشركين من جزيرة العرب، وقال: "لا يجتمع في جزيرة العرب دينان" وضرب لمن قدم منهم أجلاً، قدر ما يبيعون سلعهم"([335]) انتهى.
فترى في هذا الحديث: أنه قد نسب القول بعدم اجتماع دينين في جزيرة العرب إلى عمر نفسه من دون إشارة إلى رسول الله، ولعله الأوفق والأولى، وقد تقدم ما يشير إلى أن ذلك كان رأياً من عمر، فلا نعيد.
لا إكراه في الدين:
قد تقدم: أن آية لا إكراه في الدين قد نزلت في مناسبة غزوة بني النضير، حيث كان معهم أولاد للأنصار أراد آباؤهم أن يمنعوهم من الخروج معهم فنزلت هذه الآية.
ونقول:
إن ذلك موضع مناقشة وغير مسلَّم؛ وإن أصر عليه القرطبي([336]).
فأولاً: قد روي في سبب نزول الآية:
1 ـ إن سبب نزولها هو وجود أبناء للأنصار في بني النضير، عن طريق الاسترضاع فثبتوا على دينهم، فلما جاء الإسلام أرادهم أهلوهم على الإسلام فنزلت([337]).
2 ـ عن السدي: أنها نزلت في أبي حصين الأنصاري، الذي تنصر ابناه، ومضيا إلى الشام، فطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يبعث من يردهما، فنزلت([338]).
ثانياً: إن منع الأنصار أولادهم من الخروج مع اليهود لا يعني إجبارهم على الدخول في الإسلام، ولم يرد الآباء ذلك من أولادهم، وإنما أرادوا منعهم من الخروج فقط..
إلى خيبر أم إلى الشام؟
وتقول بعض المصادر: إن بني النضير "تحملوا إلى الشام" كما هو مذكور في بعض الروايات.. أي إلى أذرعات منها([339]).
وتذكر مصادر أخرى: أنهم أجلوا إلى خيبر([340]).
وتذكر مصادر أخرى: أنهم أجلوا إلى فدك([341]).
فقد يتخيل وجود تناقض فيما بين هذه النصوص..
فإذا ضممنا ذلك إلى نصوص أخرى، فإن هذا التناقض يتأكد، حيث نجد بعضها يقول:
"تحملوا إلى خيبر، وإلى الشام، وممن سار منهم إلى خيبر، أكابرهم، كحيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع، فدانت لهم خيبر"([342]).
وقال آخر: "ومضى من بني النضير إلى خيبر ناس، وإلى الشام ناس"([343]).
وآخر يقول: "خرجوا إلى أذرعات، وأريحا، وخيبر، وحيرة"([344]).
وبعض آخر يذكر ذلك، من دون ذكر الحيرة([345]).
ونص آخر يذكر: أنهم لحقوا بأذرعات بالشام وأريحا، إلا أهل بيتين منهم: آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة([346]).
وجاء في بعض النصوص قوله: "وطاروا كل مطير، وذهبوا كل مذهب، ولحق بنو أبي الحقيق بخيبر، ومعهم آنية كثيرة من فضة، فرآها النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون، وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش، فاستغواهم على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([347]).
وآخر نص نذكره هو ما قاله البعض: "وقع قوم منهم إلى فدك، ووادي القرى، وخرج قوم منهم إلى الشام"([348]).
السلاح للمؤمنين فقط:
ونلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أجلاهم، وسمح لهم بأن يأخذوا ما أقلته الإبل، إلا الحلقة.
وتذكر بعض النصوص إحصائية لما حصل عليه المسلمون من سلاح، فتقول: "فوجد من الحلقة خمسين درعاً وخمسين بيضة، وثلاثمائة سيف، وأربعين سيفاً"([349]).
ومن الواضح: أن في ذلك قوة للمسلمين الذين يواجهون العدو المتربص بهم ليل نهار وفي كل اتجاه.
ثم هو إضعاف لعدوهم، مادياً ومعنوياً، وله تأثيرات سلبية على معنويات كل أولئك الذين يتعاطفون معهم، ويميلون إليهم.
ومن وجهة نظر مبدئية، وعقيدية، فإن السلاح لا يكون إلا للمؤمنين، وهم وحدهم الذين يملكون الحق في السلاح، لأنهم إنما ينصرون به الحق، ويدمرون به الباطل.
أما الآخرون فعلى العكس من ذلك، ولا أقل من أن السلاح ـ إذا كان بأيدي غير المؤمنين ـ فإنه تصبح له حالة ردع تلقائية، وتخوف في قلوب المؤمنين الذين لا بد لهم أن يعملوا على نشر الدين، وإعزازه، واستئصال الباطل وإذلاله.
حزن المنافقين:
وإن ما جرى لبني النضير، وهم أعز يهود منطقة الحجاز، قد جعل المنافقين، الذين كانوا يلتقون معهم في العداء للإسلام، والخلاف له وعليه، وقد ثقل عليهم إقامة شعائره، والالتزام بأحكامه، وأن يربوا أنفسهم تربية صالحة، وفقاً لأهدافه ومراميه ـ قد جعلهم ـ يحسون بالضعف، ويشعرون بأنهم قد خسروا واحداً من أهم حلفائهم ومن هم على رأيهم، ولهم نفس أهدافهم وطموحاتهم بالنسبة إلى مستقبل الإسلام والمسلمين..
فخابت آمالهم، وتبخرت أحلامهم، التي كانوا قد نسجوها، وخدعوا أنفسهم بها..
إذ إن من الواضح: أن مجاراة المنافقين للمسلمين، إنما كانت ـ في الأكثر ـ تهدف إلى الحصول على بعض الامتيازات والمنافع، ثم يديرون ظهورهم إليهم ويواصلون مسيرتهم بالطريقة التي تروق لهم، وبالأسلوب الذي يعجبهم ويحلو لهم. فليس الإسلام والمسلمون سوى وسائل توصلهم إلى تلك المآرب، وتحقق لهم هاتيكم الأهداف..
وأما أولئك الذين أظهروا الإسلام، لأن ظروفهم وعلاقاتهم قد فرضت عليهم ذلك، وكانوا بانتظار زوال ذلك الكابوس، فإنهم أيضاً قد تلقوا ضربة هائلة ومخيفة، وهم يرون الإسلام تقوى شوكته، ويتعمق ويتجذر، ويستقطب ويجتاح كل خصومهم، ويدمرهم، أو يقضي على مصادر القوة فيهم.
فكان من الطبيعي أن نجد المنافقين من أولئك وهؤلاء يشتد حزنهم، ويتضاعف كمدهم، ويكبر خوفهم، ولم يخف حالهم على أحد، وسجلهم التاريخ على صفحاته، ليخلد خزيهم، وذلهم، فذكر المؤرخون: أنه حين أجلي بنو النضير: "حزن المنافقون عليهم حزناً شديداً"([350]).
نماذج مثيرة:
ونجد فيما حفظه لنا التاريخ من تأوهات، وصرخات مكتومة وظاهرة لبعض هؤلاء الذين كانوا يتعاطفون مع اليهود، رغم ما يرونه من غدرهم ومجانبتهم للحق ـ نجد ـ بعض ما يثير فينا عجباً لا حد له..
فإن بعض الناس الذين كنا وما زلنا نرى ونسمع لهم الكثير من المدح والثناء، والتعظيم والتبجيل، قد عبروا عن عميق احترامهم، وعن تعاطفهم مع أولئك الغدرة الفجرة، أعداء الله، وأعداء رسوله، فاقرأ النص التالي، واعجب ما بدا لك:
حسان بن ثابت يتعاطف مع اليهود:
حينما أجلى النبي "صلى الله عليه وآله" بني النضير..
"قال حسان بن ثابت، وهو يراهم وسراة الرجال على الرحال: أما والله، أن لقد كان عندكم لَنائلٌ للمجتدي، وقرى حاضرٌ للضيف، وسقياً للمدام، وحلم على من سفه عليكم، ونجدة إذا استنجدتم.
فقال الضحاك بن خليفة: وا صباحاه، نفسي فداؤكم؛ ماذا تحملتم به من السؤدد والبهاء، والنجدة والسخاء؟
قال: يقول نعيم بن مسعود الأشجعي: فدى لهذه الوجوه التي كأنها المصابيح، ظاعنين من يثرب. من للمجتدي الملهوف؟ ومن للطارق السغبان؟ ومن يسقي العقار؟ ومن يطعم الشحم فوق اللحم؟ ما لنا بيثرب بعدكم مقام.
يقول أبو عبس بن جبر، وهو يسمع كلامه: نعم، فالحقهم حتى تدخل معهم النار.
قال نعيم: ما هذا جزاؤهم منكم، لقد استنصرتموهم فنصروكم على الخزرج، ولقد استنصرتم سائر العرب؛ فأبوا ذلك عليكم.
قال أبو عبس: قطع الإسلام العهود.
قال: ومرّوا وهم يضربون الدفوف والمزامير الخ..([351]).
ونلاحظ هنا:
ألف: إن حسان بن ثابت يمدح بني النضير بأنهم كانوا يسقون المدام!! وكذلك نعيم بن مسعود الأشجعي..
ومعنى ذلك: هو أن إسلام هؤلاء لم يكن معمقاً، ولا راسخاً في نفوسهم. وأنهم لا يزالون يهتمون بالمدام (أو العقار) ويتعشقونها، رغم نهي النبي عنها، ونزول القرآن بتحريمها..
ب: إننا نلاحظ: أن حسان بن ثابت كان مقرباً من الهيئة التي حكمت الناس بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، كما أنه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام"، ولم يبايعه، بل يقال: إنه سب علياً "عليه السلام" وهجاه([352]).
ج: إن الأمور التي تمدح بها هؤلاء الأشخاص اليهود، لا تنطلق ـ في أكثرها ـ من قيم إنسانية سامية، وإنما هي الحالات والأوضاع التي يتطلبها واقع حياتهم، وخصوصيات معيشية في مجتمع لا يملك نظرة بعيدة، ولا تقييماً سليماً للكون والوجود، وللحياة وللإنسان.. فلتراجع الفقرات بدقة ليتضح ذلك..
د: إن هذا التعاطف الذي نراه لا ينطلق من الإحساس الإنساني، ولا من مثل أعلى، وإنما هو ينطلق من حالة هلع وأسف على فوات منافع دنيوية ومادية للمتأسفين بالدرجة الأولى..
هـ: إن تأسف حسان بن ثابت وغيره على بني النضير، رغم أنهم قد رأوا بأم أعينهم ظلمهم وبغيهم، وغدرهم، ومجانبتهم للحق، لأمر يثير العجب حقاً.
ولا ندري إن كان ذلك يكفي لعد هؤلاء في جملة الذين عنتهم الآية القرآنية التي تقول: ?أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ?([353]).
فهي لا تشمل الذين يفدون اليهود بأنفسهم، ويتأسفون عليهم لما نالهم، ويرون: أنهم لم يعاملوا بما يليق بهم، بل كانوا مظلومين فيما أصابهم.
أم أن الآية لا يجوز أن تتجاوز عبد الله بن أبي وأصحابه المجهولين! على اعتبار أن حساناً وسواه من حواريي الحكام بعد النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، لا يفسقون بما يفسق به الآخرون ـ كما جاء في السيرة الحلبية([354]) ـ ولا تشملهم الآيات التي تشمل غيرهم ممن هم على شاكلتهم وطريقتهم، ما دام أن نفس رضا الحكام عنهم يعطيهم مناعة وصلابة تجعلهم في مأمن من كل العوادي، وترفعهم عن مستوى هذا البشر العادي..
إن المراجع لتأريخ التزوير والتحوير لسوف يدرك الحقيقة، ويعرف الغثاء ويميزه عن ذلك الذي يمكث في الأرض مما ينفع الناس.
رواية شاذة لابن عمر:
وقد جاء في رواية عن ابن عمر:
"..إن يهود بني النضير وقريظة، قتل رجالهم، وقُسم نساؤهم، وأموالهم، وأولادهم بين المسلمين، إلا أن بعضهم لحق برسول الله "صلى الله عليه وآله" فآمنهم، وأسلموا. وأجلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" يهود المدينة من بني قينقاع، وهم قوم عبد الله بن سلام الخ.."([355]).
وواضح: أن ذلك لا يصح بالنسبة إلى بني النضير؛ لأنه "صلى الله عليه وآله" لم يقتل رجالهم، ولا سبى نساءهم وأولادهم، ليقسمها فيما بين المسلمين. وإنما أجلاهم عن أرضهم، وقسم أرضهم بين المسلمين..
وعليه.. فلا يصح ما ذكره إلا بالنسبة لبني قريظة؛ فإنهم هم الذين جرى لهم ذلك..
هذا.. وقد ذكرت هذه الرواية نفسها عن ابن عمر في ذلك المصدر بالذات، وقد فصل فيها ما جرى لبني قريظة، ولبني النضير على نحو أصح. فذكر جلاء بني النضير وقتل بني قريظة، وسبي نسائهم وأولادهم، فليراجعها من أراد([356]).
رواية أخرى تحتاج إلى إصلاح:
قال الهيثمي:
"باب غزوة بني النضير: عن عبد الله بن أبي أوفى، قال: جاء جبريل إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد كلّ أصحابه، وهو يغسل رأسه، فقال: يا محمد، قد وضعتم أسلحتكم، وما وضعت الملائكة بعد أوزارها. فكف رسول الله "صلى الله عليه وآله" شعره قبل أن يفرغ من غسله؛ فأتوا النضير؛ ففتح الله له.
رواه الطبراني، وفيه نعيم بن حيان، وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ"([357]).
وسياق الحديث يدل دلالة بينة على أن المقصود هو بنو قريظة؛ فإن هذه القصة إنما حدثت معهم؛ لا مع بني النضير، ولعل هذا من أخطاء نعيم الذي ذكر ابن حبان: أنه يخطئ، وإن كان ثقة..
بنو النضير بمنزلة بني المغيرة:
وقد جاء في بعض النصوص: "وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش"([358]).
وكلمة النبي "صلى الله عليه وآله" هذه تشير إلى أنه "صلى الله عليه وآله" كان يعرف بدقة وبعمق خصائص الفئات ومزاياها، سواء في ذلك أولئك الذين عاش معهم منذ نعومة أظفاره، وهم مشركو مكة، وقبائلها، أو أولئك الذين فرضت عليه الظروف أن يكون له منهم موقف سلبي أو إيجابي.
وإذا رجعنا إلى التاريخ، ونصوصه، فإننا نستطيع أن نعرف وجه الشبه بين بني المغيرة في قريش، وبني النضير في اليهود..
فقد ذكرت بعض النصوص: أن بني النضير: كانوا من بني هارون([359])، وذلك مما يزيد في شرفهم وعزهم بالنسبة إلى سائر اليهود، كبني حارثة، وغيرهم، أما بنو قريظة، فإنهم، وإن كانوا من بني هارون أيضاً، إلا أن بني النضير كانوا أكثر منهم مالاً، وأحسن حالاً، وكانوا ألف رجل، وبنو قريظة سبعمائة، وكانوا إذا قتل نضيري قريظياً، فإنه يدفع نصف الدية ويجبه ويحمم (أي يسود وجهه، ويحمل على جمل، ويكون وجهه إلى ناحية ذنبه، ويطاف به) وإذا قتل قريظي نضيرياً، فإنه يدفع الدية كاملة، ويقتل به.
وللنضير القوة والسلاح والكراع([360]).
ومن جهة ثانية: فإن من الطبيعي أن ينعكس ذلك على نفسيات بني النضير، وأن يشعروا بالزهو والخيلاء، حتى إننا لا نجد مبرراً لتكذيب النص الذي يقول: "إنهم استقبلوا بالنساء والأبناء والأموال، معهم الدفوف، والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر، ما رؤي مثله من حي من الناس في زمانهم"([361]).
وعند الدياربكري: "فعبروا من سوق المدينة"([362]).
وقال ابن الوردي: "فخرجوا ومعهم الدفوف والمزامير تجلداً"([363]).
وقال الواقدي: "..ثم شقوا سوق المدينة، والنساء في الهوادج، عليهن الحرير والديباج، وقطف الخز الخضر، والحمر، قد صف لهم الناس.
فجعلوا يمرون قطاراً في إثر قطار، فحملوا على ستمائة بعير.
إلى أن قال: ومروا يضربون بالدفوف، ويزمرون بالمزامير، وعلى النساء المعصفرات وحلي الذهب، قال: يقول جبار بن صخر:
ما رأيت زهاءهم لقوم زالوا من دار إلى دار.
ونادى أبو رافع، سلام بن أبي الحقيق ـ ورفع مسك الجمل ـ (في الحلبية: أن هذا المسك كان مملوءاً من الحلي) وقال: هذا مما نعده لخفض الأرض ورفعها، فإن يكن النخل قد تركناه، فإنا نقدم على نخل بخيبر"([364]).
وحسب نص المسعودي: "..فخرجوا يريدون خيبر، وهم يضربون بالدفوف، ويزمرون بالمزامير، وعلى النساء المصبغات، والمعصفرات، وحلي الذهب، مظهرين بذلك تجلداً"([365]).
ولقد كان هذا أمراً متوقعاً من فئة لم تزل موضع احترام وتبجيل من اليهود، ولا تريد أن تعترف بالهزيمة، وبكسر شوكتها، وذهاب عزها، وأفول نجمها.
وقد بلغ هذا العز والمنعة: أن المسلمين ما ظنوا أن يخرجوا من ديارهم، كما صرحت به الآية الكريمة.
وعدا عن ذلك، فقد كان بنو النضير أهل جبروت وقسوة وبغي، وعنجهية، واعتداد بالنفس، حتى إنهم ليظلمون إخوانهم من بني قريظة، وهم أيضاً من بني هارون، ظلماً فاحشاً ومخالفاً لأحكام التوراة الصريحة، وحتى لأحكام أهل الجاهلية أيضاً.
ثم لا يوجد بينهم من يأنف من هذا الظلم ويمنع منه، أو يندد به، ويرفضه، لا من رؤسائهم، ولا ممن هم دونهم، من عقلائهم وأهل الدين منهم.
هذا باختصار حال بني النضير في قومهم.
أما حال بني المغيرة في قريش، فإنها أيضاً تشبه حالة هؤلاء إلى حد كبير.
فقد كان بنو المغيرة، من بني مخزوم، وكان العدد والشرف والبيت فيهم([366])، وكانت قريش ـ فيما زعموا ـ تؤرخ بموت هشام بن المغيرة([367])، الذي أثنى عليه الكثيرون، وكذا الحارث بن هشام فإنه منهم، وهو موضع الثناء والتعظيم أيضاً([368]).
ومنهم كذلك الوليد بن المغيرة، الذي هو أحد العظيمين اللذين أشار إليهما الله تعالى في الآية الكريمة:
?وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ?([369]).
وقد رثى أبو طالب "رحمه الله" أبا أمية بن المغيرة فقال:
وقد أيقن الركب الذي أنت فيهم إذا رحـلــوا يـومـاً بـأنـك عـاقـر
فسمي زاد الراكب، واسمه حذيفة، وكانت عنه عاتكة بنت عبد المطلب([370]).
وقد ذكر المعتزلي طائفة كبيرة من رجالهم وأمجادهم في الجاهلية، وشطراً ممن تقلد منهم مناصب جليلة في حكم الأمويين، وغيرهم، فليراجعه من أراد([371]).
وإن المتتبع لسيرة رجال بني المغيرة من أمثال خالد بن الوليد، وأبي جهل، والوليد بن المغيرة وغيرهم ليجد فيهم الكثير من الزهو والخيلاء، حتى إن خالد بن الوليد حين قتل مالك بن نويرة وزنى بامرأته في ليلة قتله، قد عاد إلى أبي بكر، وقد غرز في عمامته أسهماً، فانتزعها عمر، فحطمها، ثم قال له: أرئاء قتلت امرءاً مسلماً، ثم نزوت على امرأته؟! والله، لأرجمنك بأحجارك. والقصة معروفة([372]).
كما أن شدتهم وقسوتهم وجبروتهم تعتبر من الأمور الظاهرة، وقد عبر أمير المؤمنين "عليه السلام" عنهم بالفراعنة، حين قال:
".. وقد علمت من قتلت به من صناديد بني عبد شمس، وفراعنة بني سهم، وجمح، ومخزوم"([373]).
فإن فراعنة بني مخزوم كانوا من بني المغيرة، لأنهم هم الذين كان العدد والشرف والبيت فيهم، كما ألمحنا إليه فيما سبق.
إذاً، فلا يجرؤ أحد على مناوأتهم والرد عليهم، إلا إن كان من بني عبد مناف، الذين لا يدانيهم أحد في الشرف والسؤدد.
هذا كله.. بالإضافه إلى وضعهم المادي المتميز، كما يظهر من ملاحظة حياة الكثيرين منهم.
وهم بالإضافة إلى ذلك كله، أهل سياسة وكياسة، يأنس الإنسان إلى حديثهم، ويستلذ الجلوس إليهم، حيث قد روي أن أمير المؤمنين "عليه السلام" قال:
"أما بنو مخزوم، فريحانة قريش، تحب حديث رجالهم، والنكاح في نسائهم"([374]).
وبعد ذلك كله: فقد أصبح واضحاً إلى حدٍ ما، سر جعل بني النضير في اليهود بمنزلة بني المغيرة في قريش.
ملاحظة:
وأخيراً.. فإن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" هو الأسوة والقدوة في كل شيء، وإن معرفته الدقيقة بواقع المجتمع الذي يعيش فيه، ويتعامل معه.. لتعطينا: أن هذه المعرفة لازمة وضرورية لكل إنسان يصل إلى موقع القيادة، ويفترض فيه أن يتعامل مع الناس، ويسجل موقفاً تجاههم؛ فإن العارف بزمانه لا تهجم عليه اللوابس([375]).
نزول آية سورة المائدة في بني النضير:
ويقول البعض: إن قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ..?([376]). قد نزلت في قضية بني النضير، ومحاولتهم الغدر بالنبي "صلى الله عليه وآله"([377]).
ونقول: إننا نشك في ذلك، لما يلي:
أولاً: إن نفس هذا القائل قد عاد فذكر بعد بضعة أسطر: أن هذه الآية قد نزلت في قضية غورث بن الحارث([378]).
وذكرت حوادث أخرى في شأن نزول الآية، فلتراجع في مظانها([379]).
ودعوى البعض: جواز تكرار النزول([380])، تحتاج إلى إثبات.
ثانياً: إن سورة المائدة كانت من آخر ما نزل على النبي "صلى الله عليه وآله"، فلا يعقل أن يحتفظ بهذه الآية عدة سنوات، معلقة في الهواء، حتى تنزل سورة المائدة، فيجعلها فيها([381]).
ثالثاً: إنهم يقولون: إن سورة المائدة قد نزلت دفعة واحدة([382]).
التربية القرآنية:
إن من الأمور الظاهرة لكل أحد: أن القرآن الكريم، وفي نطاق اهتمامه الكبير بتربية الإنسان، وصقل فكره، وعقله، ومشاعره، وكل مناحي وجهات شخصيته، ليجعله إنساناً واعياً، وقوياً وغنياً في كل مواهبه، وطاقاته، قد اختار في أسلوبه التربوي المنحى والأسلوب الواقعي ليتصل به، ويدخل إلى حياته، وينفذ إلى شخصيته، وإلى عمق وجوده، عن هذا الطريق، فإن هذا الأسلوب هو الذي يتصل بالعقل، فيعطيه وضوحاً ووعياً وأصالة، ويتفاعل مع الشعور ليمده بالحيوية والفاعلية، وينقله إلى رحاب الضمير، ليتربى ويتكامل في ظل الوجدان، وتحت حمايته، ليصبح في حالة متوازنة، مرضية ومقبولة..
وهذا بالذات هو ما يفسر لنا اهتمام الإسلام بالتركيز على الحدث، ثم ربطه بالحقائق الكلية، بما لها من عموم وشمول، ليصبح ذلك الحدث هو الوسيلة الواقعية لربط هذا الإنسان بتلك الحقائق، وتفاعله معها.
وهكذا.. يتضح: أن القرآن حين يتحدث عن الوقائع والأحداث، فإنه يفهمنا: أنه لا يريد أن يلقي على الإنسان حقائق مجردة، ومنفصلة عن الواقع، ولا تلامسه ولا تلتقي معه، وذلك حينما تبقى مجرد صورة ذهنية، وتخيلات مثالية باردة، لا تؤثر في المشاعر، ولا تتصل بالعقل، ولا تتفاعل مع الوجدان.
وإنما هو يريدها حركة في الفكر، وثورة في الشعور، وحالة متوازنة في الوجدان، وتجسيداً واقعياً لكل ذلك على صعيد السلوك والموقف.
الله هو الذي أخرجهم:
قال تعالى في سورة الحشر: ?هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِنَ الله فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي المُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أولِي الأَبْصَارِ?([383]).
فنجده تعالى ينسب ما جرى لبني النضير إلى نفسه، ويؤكد على ذلك بصور مختلفة.. حتى كأن ما فعله المسلمون ليس بشيء يعتد به في موضوع إلحاق الهزيمة بهذا العدو.
بل إن المسلمين أنفسهم ما كانوا يظنون خروجهم، ولا يتصورونه. كما أن اليهود أنفسهم كانوا مطمئنين إلى أن حصونهم ستمنعهم. ولكن الله فتح حصونهم من الداخل، فقذف الرعب في قلوبهم، فلم تنفعهم الحصون المادية شيئاً.
ومن الواضح: أن الهزيمة من الداخل هي الأساس للهزيمة المادية، فإذا سقطت القلوب، وتهاوت، وقذف فيها الرعب، فلسوف لن تنتفع بأي شيء آخر بعد ذلك، مهما كان قوياً وكبيراً.
ونفهم من الآية بالإضافة إلى ما تقدم، ما يلي:
1 ـ إن الحرب النفسية لها دور كبير، بل لها الدور الأكبر في تحقيق النصر الكبير عسكرياً، فليلاحظ قوله: وقذف في قلوبهم الرعب.
2 ـ إن العمل العسكري الناجح، لا بد أن يعتمد على مبدأ المباغتة، من النواحي التي لا يحسب العدو لها حساباً.
3 ـ إن الاعتماد على الله في تحقيق النصر، إنما يعني إمكانية مواجهة العدو حتى في حالة تفوقه العسكري، ومعنى ذلك.. أننا يجب أن لا ننتظر حتى يتحقق التوازن عسكرياً وتسليحياً فيما بين قوى الإيمان وقوى الكفر، بل يمكن المبادرة لمواجهته، حتى في صورة عدم التكافؤ في الإمكانات المادية.
4 ـ إن العامل المادي ليس هو القوة الوحيدة، فإن العامل الروحي والمعنوي له قسط منها، فلا بد من أخذه بنظر الاعتبار.
العز والذل.. بماذا؟
ويذكر النص التاريخي: أن سلام بن مشكم قد نصح حيي بن أخطب بقبول الجلاء من أول الأمر، حيث تبقى لهم أموالهم ونخلهم، فكان مما قاله له:
"إنا إنما شرفنا على قومنا بأموالنا وفعالنا، فإذا ذهبت أموالنا من أيدينا كنا كغيرنا من اليهود في الذلة والإعدام"([384]).
ونقول:
إن هؤلاء يرون: أن أموالهم هي مصدر عزتهم وعنوان شرفهم..
ولكن الإسلام يقول: إن مصدر العزة والشرف والكرامة هو الله سبحانه، فعن الإمام الصادق "عليه السلام": "من أراد عزاً بلا عشيرة، وغنى بلا مال، وهيبة بلا سلطان، فلينتقل عن ذل معصية الله إلى عز طاعته"([385]).
و "من أراد أن يكون أعز الناس، فليتق الله عز وجل"([386])، فإنه "لا عز أعز من التقوى"([387])، و "من برئ من الشر نال العز"([388]).
إلى غير ذلك من النصوص، التي تجعل من العز وسيلة لتكامل الإنسان في مدارج إنسانيته، وتهذيب نفسه، وتنزيهها عن كل النقائص، وإبعادها عن كل ما يشين أو يزري بها.
ثم هي تربط العز بالمنشأ لكل الكمالات، والمصدر لكل فيوضات الخير، ونزول البركات، ألا وهو الله سبحانه وتعالى، تقدست أسماؤه، وتباركت ذاته، وتعالت صفاته..
مبالغات لا مبرر لها:
"..وفي الحديث: يخرج في الكاهنين رجل يدرس القرآن درساً، لم يدرسه أحد قبله، ولا يدرسه أحد بعده، فكانوا يرونه محمد بن كعب القرظي الخ.."([389]).
ونحن بدورنا لا نستطيع قبول هذه الرواية، ولا نرى صحة انطباقها على الشخص المذكور.
فأولاً: قد اشتهر كثير من الصحابة بدراسة القرآن، وذكرت في الروايات أقوال منسوبة إلى النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" في حقهم، وأقوال أخرى منسوبة لغيره أيضاً تشير إلى تفوقهم على محمد بن كعب في دراسة القرآن، فراجع ما يروونه في حق أبي بن كعب مثلاً([390])، وكذا ما يروونه في حق ابن مسعود([391])، أو علي أمير المؤمنين "عليه الصلاة والسلام"([392]). هذا عدا عما يروونه ويقولونه في حق غير هؤلاء أيضاً.. ومن مثل علي أمير المؤمنين "عليه الصلاة والسلام"؟ وهو الذي يقول:
"لو أردت أن أوقر على الفاتحة سبعين بعيراً لفعلت"([393]).
ثانياً: إننا لم نفهم المقصود من دارسي القرآن ممن سبقوا محمد بن كعب!! فهل كان القرآن موجوداً قبل الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، وقد درسه الناس، وعرفوه؟!
فإن محمد بن كعب القرظي، قد أسلم على يدي النبي "صلى الله عليه وآله" وعاش معه!!
ثالثاً: إن ما ذكروه عن محمد بن كعب يلغي دور عبد الله بن سلام الذي كان من نفس هؤلاء اليهود، والذي يروون في حقه ـ وإن كان ذلك كذباً أيضاً ـ: أنه هو الذي عنده أم الكتاب([394]).
مع أن الصحيح: هو أنه علي بن أبي طالب "عليه السلام"([395]). وقد تقدم تحقيق ذلك([396]).
ولعل سر تعظيم محمد بن كعب يرجع إلى أنه لا بد أن يصبح الخبراء في القرآن، والدارسون له، والواقفون على أسراره وحقائقه هم أهل الكتاب، وخصوصاً اليهود، الذين لا بد أن تبقى لهم هيمنتهم العلمية على الناس، ويستمرون في نفث سمومهم، ونشر أضاليلهم، وتتاح لهم الفرص كلها لتحريف هذا الدين، والتلاعب بمفاهيمه وأحكامه، وليستهدف ذلك التلاعب والتحريف نفس القرآن، الذي هو المنشأ والأساس لكل حقائق الإسلام وتشريعاته.
صلاة الخوف في بني النضير:
وقد ذكر البعض: أن صلاة الخوف قد شرعت في بني النضير، وقيل: في ذات الرقاع([397]).
وحيث إننا سوف نتحدث إن شاء الله عن هذا الأمر في غزوة ذات الرقاع، حيث يذكرون: أن هذه الصلاة قد شرعت حينها، أو في غزوة الحديبية، كما سنرى، فإننا نرجئ الحديث عنها إلى هناك.
تحريم الخمر في غزوة بني النضير:
قال اليعقوبي وغيره: "..وفي هذه الغزوة شرب المسلمون الخمر، فسكروا؛ فنزل تحريم الخمر"([398]).
وقال ابن الوردي: "نزل تحريم الخمر وهو محاصرهم (قلت): قال في الروضة: إن غزوة بني النضير سنة ثلاث: وإن تحريم الخمر بعد غزوة أحد والله أعلم"([399]).
عن جابر بن عبد الله (رض) قال: حاصر النبي "صلى الله عليه وآله" بني النضير، فضرب قبته قريباً من مسجد الفضيخ، وكان يصلي في موضع الفضيخ ست ليال، فلما حرمت الخمر خرج الخبر إلى أبي أيوب، ونفر من الأنصار، وهم يشربون فيه فضيخاً، فحلوا وقاء السقاء، فهراقوه فيه، فبذلك سمي مسجد الفضيخ([400]).
وروى القمي: أنه لما نزل تحريم الخمر خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المسجد فقعد فيه، ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينتبذون فيها، فأكفأها كلها، وقال: هذه كلها خمر، وقد حرمها الله، وكان أكثر شيء أكفئ يومئذ من الأشربة الفضيخ، فلذلك سمي المسجد ب‍ "مسجد الفضيخ"([401]).
وأكثر من ذلك كله جرأة على الله ورسوله "صلى الله عليه وآله" ما رووه عن ابن عمر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أُتي بجرة فضيخ بسر، وهو في مسجد الفضيخ فشربه، فلذلك سمي مسجد الفضيخ([402]).
والفضيخ: عصير العنب، وشراب يتخذ من بسر مفضوخ، ومسجد الفضيخ هو المعروف بمسجد الشمس.
هذا كله عدا عن روايتهم: أن هناك من كان يهدي لرسول الله خمراً عدة سنوات إلى أن حرمت الخمر([403]).
ونقول:
أولاً: إن تحريم الخمر ـ كما تقدم في كتابنا هذا ـ قد كان في مكة.. فإن كان لهذه الرواية حظ من الصحة فلا بد أن يكون الأصحاب قد خالفوا حكم الله فيها، وارتكبوا الحرام، فنهاهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن ذلك، وما ذكر آنفاً عن أبي أيوب ونفر من الأنصار دليل على صحة ذلك.
ثانياً: إن منازل بني النضير لم تكن في جهة قباء، ولا مسجد الفضيخ، وذلك لأنهم يقولون: إن مسجد الفضيخ يقع في شرقي مسجد قباء، على شفير الوادي، على نشز من الأرض([404]).
وقد تقدم: أن منازلهم كانت بعيدة جداً عن هذا الموضع. فراجع ما ذكرناه في هذا الجزء حين الكلام حول شعر حسان بن ثابت في الرواية التي تبين أن فتح بني النضير كان على يد علي حين قتل عشرة منهم وجاء برؤوسهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثالثاً: قد روى أحمد في مسنده، عن ابن عمر: أن النبي "صلى الله عليه وآلـه" أتي لـه بفضيخ في مسجد الفضيخ فشربه، فلذلك سمي مسجد الفضيخ([405]).
ونحن.. وإن كنا نكذب بصورة قاطعة شربه "صلى الله عليه وآله" للفضيخ ـ كيف، وقد كانت الخمر وكل مسكر قد حرم في مكة، كما أن الخمر مما قد تسالمت الشرائع على تحريمه([406]) وقد رفض شربها عدد من الناس في الجاهلية كما ذكرناه في الجزء السادس من هذا الكتاب، تحت عنوان: أقوال في تحريم الخمر.. ـ وإن كنا نكذب ذلك
إلا أننا نقول:
لا مانع من أن يؤتى إليه "صلى الله عليه وآله" بذلك، فيرفضه وينهى عنه، وقد يسمى المكان بما يشير إلى ذلك، لأجل استغراب الناس عمل ذلك الرجل الذي أتى إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بشيء قد حرمه منذ بُعث، ولا يزال يؤكد تحريمه، ويمنع عنه.
الفصل الخامس:
كي لا يكون دولة بين الأغنياء
الخيانة والفداء:
قد علمنا فيما سبق: أنه قد كان فيما بين بني النضير، وبين المسلمين عهد وعقد.. وقد نقض بنو النضير عهدهم هذا، وخانوا وغدروا، فكان من الطبيعي أن يهب المسلمون للدفاع عن أنفسهم، وأن يقاتلوا عدوهم، وأن يلقى هذا العدو جزاء غدره وخيانته..
وحين رأى بنو النضير: أن الأمور تسير في غير صالحهم، وأنهم قد أخطأوا في حساباتهم خطأ فاحشاً، وأن لا أحد يستطيع أن يمنع المسلمين من إنزال العقاب العادل بهم، فإنهم قد رضوا بأن يقدموا أموالهم وأرضهم لرسول الله "صلى الله عليه وآله" في مقابل الإبقاء عليهم، وعدم قتلهم جزاء غدرهم وخيانتهم وصالحوا النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" على ذلك؛ فكانت جميع أموالهم وأراضيهم خالصة له "صلى الله عليه وآله" يتصرف فيها كما يشاء.
أموال بني النضير في النصوص والآثار:
قال السهيلي: "ولم يختلفوا: أن سورة الحشر نزلت في بني النضير، ولا اختلفوا في أموالهم؛ لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنما قذف الرعب في قلوبهم، وجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم؛ فقسمها النبي "صلى الله عليه وآله" بين المهاجرين، ليرفع بذلك مؤونتهم عن الأنصار؛ إذ كانوا قد ساهموهم في الأموال والديار. غير أنه أعطى أبا دجانة، وسهل بن حنيف لحاجتهما.
وقال غير ابن إسحاق: وأعطى ثلاثة من الأنصار، وذكر الحارث بن الصمة فيهم"([407]).
وعن عمر بن الخطاب، قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله "صلى الله عليه وآله" لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" خالصة.
وكان ينفق على أهله منها نفقة سنة، وقال مرة: قوت سنة، وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل([408]).
ونقول: لو صح ذلك من فعل النبي "صلى الله عليه وآله"، فإنه يكون تبرعاً منه "صلى الله عليه وآله" بما هو له، كسائر الأموال التي يملكها الإنسان ويرغب في إنفاقها في مورد خاص.
وقد جاء عن عمر بن الخطاب أيضاً قوله: مال بني النضير، كان فيئاً لرسول الله "صلى الله عليه وآله" خاصة([409]).
وكان عمر أيضاً يقول: "كانت لرسول الله "صلى الله عليه وآله" ثلاث صفايا([410])، فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه.."، ثم ذكر بقية الصفايا([411]).
وعبارة بعض المصادر: أنها كانت حبساً لنوائبه([412]).
وفي نص آخر: حبساً لمواليه([413]). ولعله تصحيف.
وقال الزهري: "..وكانت أرض بنو النضير للنبي "صلى الله عليه وآله" خالصاً، لم يفتحوها عنوة، افتتحوها على صلح الخ.."([414]).
وكان أول أرض افتتحها رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرض بني النضير([415]).
"وبقي منها صدقة رسول الله "صلى الله عليه وآله" التي كانت في أيدي بني فاطمة"([416]).
"واصطفى منها رسول الله "صلى الله عليه وآله" أموال بني النضير، وكانت أول صافية قسمها رسول الله بين المهاجرين الأولين (والأنصار). وأمر علياً؛ فحاز ما لرسول الله "صلى الله عليه وآله" فجعله صدقة، وكانت في يده مدة حياته، ثم في يد أمير المؤمنين "عليه السلام" بعده، وهو في ولد فاطمة "عليها السلام" حتى اليوم"([417]).
وأرجع "صلى الله عليه وآله" ـ بعد فتح بني النضير ـ الأراضي والأشجار، التي كانت قد وهبت له إلى أصحابها من الأنصار.
وقيل: بل كان ذلك حين فرغ "صلى الله عليه وآله" من خيبر([418]).
أموال بني النضير لم تخمس:
قالوا: "كانت بنو النضير صفياً لرسول الله "صلى الله عليه وآله" خالصة له حبساً لنوائبه، ولم يخمسها، ولم يسهم فيها لأحد. وقد أعطى ناساً من أصحابه، ووسع في الناس منها، فكان ممن أعطى الخ.."([419]).
ولكننا نجد بعض الروايات تقول: "إنه "صلى الله عليه وآله" خمسها، وذهب إليه الشافعي، وأعطى منها ما أراد لمن أراد، ووهب العقار للناس، وكان يعطي من محصول البعض أهله وعياله نفقة سنة، ويجعل ما بقي مجعل مال الله"([420]).
ولكن دعوى تخميسها لا تصح: فإن الثابت هو أنها لم تفتح عنوة، وأنها مما أفاءه الله على رسوله، والفيء لا يخمس، وإنما تخمس الغنيمة المأخوذة عنوة في الحرب.
إلا أن يكون المراد: أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد خمس بعض ما أخذ من متاع القوم قبل وقوع الصلح.. فعممه هؤلاء لحاجة في النفس قضيت.
ولعل دعوى التخميس لها تهدف إلى إلقاء الشبهة على مطالبة علي "عليه السلام" وفاطمة "عليها السلام" والعباس بها. مع أن عمر بن الخطاب نفسه يصرح في رواية المطالبة هذه([421]) بتركة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حينما انفرد أبو بكر برواية: نحن معاشر الأنبياء لا نورث وفيما سبق بأن أموال بني النضير كانت من الفيء.
بل لقد ورد: أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله ألا تخمس ما أصبت من بني النضير؟ كما خمست ما أصبت من بدر؟!
فقال: لا أجعل شيئاً جعله الله لي دون المؤمنين بقوله: ?مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى..?([422]) الآية.. كهيئة ما وقع فيه السهمان([423]).
توضيحات للواقدي:
قال الواقدي: "إنما كان ينفق على أهله من بني النضير، كانت له خالصة، فأعطى من أعطى منها، وحبس ما حبس، وكان يزرع تحت النخل زرعاً كثيراً. وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يُدخل منها قوت أهله سنة، من الشعير والتمر لأزواجه، وبني عبد المطلب، وما فضل جعله في الكراع والسلاح، وأنه كان عند أبي بكر وعمر من ذلك السلاح، الذي اشتري على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد استعمل على أموال بني النضير أبا رافع مولاه، وربما جاء رسول الله بالباكورة منها. وكانت صدقاته منها، ومن أموال مخيريق، وهي سبعة حوائط الخ..([424]).
ونقول: إن لنا على ما تقدم ما يلي:
ألف: التعبير بـ "صدقات" و "صوافي":
فإن التعبير عن أموال بني النضير، وعن أموال مخيريق بـ "صدقات رسول الله" نجده لدى معظم المؤرخين والمؤلفين من إخواننا أهل السنة.
وهو تعبير فني مدروس، قد جاء ليؤكد اتجاهاً سياسياً فرضه موقف السلطة مما حدث، من أجل تأكيد الحديث المزعوم الذي يقول:
نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
هذا الحديث الذي أنكره علي وفاطمة "عليهما السلام" والعباس وغيرهم.
فما كان من الفريق الآخر إلا أن أطلق على ما تركه الرسول "صلى الله عليه وآله" من أموال، وعقار اسم: "صدقة"([425])، أو "صدقات".
وقالوا: "كل ما ترك رسول الله "صلى الله عليه وآله" تصدق به"([426])، ليركزوا ذلك الأمر الذي انفرد به أبو بكر، وأنكره أهل البيت "عليهم السلام" في أذهان الناس بصورة تلقائية ولا شعورية.
أما بالنسبة لقول عمر: إن بني النضير كانت من صوافي رسول الله "صلى الله عليه وآله" حبساً لنوائبه، فإن ذلك بهدف الإيحاء بأنها لا بد أن تعود إلى بيت المال بعده، أو للخليفة لتكون حبساً لنوائبه أيضاً.
ولنا أن نعتبر هذا النحو من التعامل من لطائف الكيد السياسي، ومن جملة حبائله.. ولكن ذلك لم يُجدهم شيئاً في تغيير الحقيقة، فقد عبر الآخرون عن آرائهم بصراحة، وأبطلوا كيد هؤلاء ولم يمكن لأهل المكر والخداع والكيد: أن يحققوا من مكرهم هذا شيئاً.
ب: حبائل ماكرة أخرى:
كما أننا نلاحظ: أن ثمة تعمداً وإصراراً على أمر آخر، يراد للناس أن يقبلوه ويصدقوه، وهو: أن رسول الله الأكرم "صلى الله عليه وآله" يطعم أهله من أراضي بني النضير، وخيبر، وحوائط مخيريق قوت سنة، ثم يجعل الباقي في الكراع والسلاح.
وقد تقدم ذلك عن عمر بن الخطاب نفسه.
وليس من البعيد أن يكون سبب ذلك هو إرادة الإيحاء بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يرى نفسه مالكاً، بل هو يتعامل مع هذه الأراضي كما لو كانت ترجع إلى بيت مال المسلمين، الأمر الذي يؤكد صدق الحكام بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في دعواهم: أنه "صلى الله عليه وآله" لا يورث، وحتى لو كان يورث، فإن تعامله هذا يدل على أنه لم يكن مالكاً.
وإذاً.. فما وعد به أبو بكر، من أنه يطعم آل رسول الله قوت سنة، ويجعل الباقي في الكراع والسلاح، لا يعتبر خروجاً عما رسمه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بل يكون متبعاً له، ومقتدياً به؛ فرفض أهل البيت "عليهم السلام" لهذا العرض يصبح بلا مبرر ظاهر، وتكون الزهراء "عليها السلام" هي المخالفة للرسول الكريم "صلى الله عليه وآله"، ولأحكام الشرع والدين الحنيف، وتطلب ما ليس لها بحق، وتصر على طلبها هذا، رغم توضيح الأمر لها!.
ولكننا مع ذلك نقول:
إنه حتى لو صح أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يفعل ذلك، وصح أيضاً: أن هذا السلاح قد بقي عند أبي بكر وعمر؛ فإنه لا يدل على عدم ملكية الرسول "صلى الله عليه وآله" لتلك الأراضي، بعد أن نص القرآن العظيم على ملكيته "صلى الله عليه وآله" لها. حيث يمكن أن يكون إنما يفعل ذلك تبرعاً، وإيثاراً لرضا الله سبحانه، وطلباً لمثوبته التي يرغب بها كل مؤمن.
لا سيما وأن القرآن قد حث الناس على أن يجاهدوا في الله بأموالهم وبأنفسهم. ومن أولى من الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" بالمسارعة إلى امتثال أمر الله هذا؟!.
أموال بني النضير فيء أم غنيمة؟
قال النيسابوري:
"اعترض بعضهم: بأن أموال بني النضير أخذت بعد القتال؛ لأنهم حوصروا أياماً، وقاتلوا وقتلوا، ثم صالحوا على الجلاء؛ فوجب أن تكون تلك الأموال من الغنيمة، لا من الفيء.
وأجاب المفسرون من وجهين:
الأول: إنها لم تنزل في بني النضير، وإنما نزلت في فدك، ولهذا كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" ينفق على نفسه، وعلى عياله من غلة فدك، ويجعل الباقي في السلاح والكراع.
الثاني: تسليم أنها نزلت فيهم، ولكن لم يكن للمسلمين يومئذ كثير خيل، ولا ركاب، ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة، وإنما كانوا على ميلين من المدينة؛ فمشوا على أرجلهم، ولم يركب إلا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان راكب جمل؛ فلما كانت العاملة قليلة، ولم يكن خيل، ولا ركاب، أجراه الله مجرى ما لم يكن قتال ثمة"([427]).
ونقول:
1 ـ إن ما ذكره من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يجعل باقي غلة فدك في السلاح والكراع، بعد أن ينفق على نفسه وعياله "صلى الله عليه وآله" منها.. محل مناقشة وبحث، فإن من المقطوع به: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعطى فدكاً لابنته فاطمة "عليها السلام"، وقد استولت عليها السلطة بعد ثمانية، أو عشرة أيام من وفاته "صلى الله عليه وآله".
وقد جرىت بين الزهراء "عليها السلام" وبين أبي بكر مناقشات ومحاورات انتهت بإصرار الخليفة على ما أقدم عليه، فغضبت الزهراء عليه حتى ماتت، وهي مهاجرة له ولنصيره عمر، وأوصت بأن تدفن ليلاً ولا يحضرا جنازتها([428]).
ففدك لم تكن في يد رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولسوف نتحدث عن هذا الأمر بشيء من التفصيل بعد غزوة خيبر إن شاء الله تعالى.
2 ـ إنه إذا كانت فدك خالصة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" وإذا كان قد أنفق غلتها في الكراع والسلاح؛ فإنما فعل ذلك تكرماً، وطلباً للأجر والثواب، وإيثاراً منه "صلى الله عليه وآله" على نفسه، حسبما ألمحنا إليه، وليس لأجل أن حكم الفيء هو ذلك ـ وإن كنا نحتمل قوياً أن تكون دعوى ذلك من موضوعات خصوم أهل البيت "عليهم السلام" بهدف التشكيك في أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد نحلها لفاطمة الزهراء "عليها صلوات ربي وسلامه".
3 ـ ولربما يؤيد القول بأن سورة الحشر قد نزلت بعد واقعة بني النضير، التعبير بقوله: ?مِنْ أَهْلِ الْقُرَى? حيث إن وادي القرى قد افتتحت بعد ذلك.
ولكنه تأييد غير تام: فإن الحكم في الفيء عام، ولا يختص بأهل وادي القرى، كما أنه لم يثبت كون المراد بأهل القرى هو وادي القرى، إذ يمكن أن يكون المراد: أهل البلاد مطلقاً.
أضف إلى ذلك: أن الآية التالية، المشيرة إلى إعطاء المهاجرين، وعدم تغيظ الأنصار من إعطاء إخوانهم، بل هم يؤثرونهم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة ـ إن هذه الآية ـ تؤيد كون المراد هو بنو النضير، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يعط الأنصار من أموالهم شيئاً، سوى رجلين أو ثلاثة، كما أوضحناه حين الكلام حول تقسيم أراضي بني النضير، فليراجعه من أراد.
4 ـ إن ما ذكر في الجواب الثاني غير تام، فإن كثرة الخيل والركاب، وقلتها، وبعد المسافة وقربها لا يؤثر شيئاً في حكم الفيء، ما دام أن الملاك هو الأخذ عنوة وعدمه، كما أن كثرة القتال وقلته لا يؤثر في ذلك شيئاً.
الجواب الأمثل:
وعليه.. فالأولى في الجواب: أن يقال: إن القتال الذي كان ـ إن صح أنه قد كان ثمة قتال ـ لم يكن به الفتح، وإنما فتحت صلحاً، وهذا هو الميزان في الفيء والغنيمة، فإن كان الفتح صلحاً كان فيئاً، وإن كان بقتال كان غنيمة، فالحكم تابع للنتيجة، مهما كانت مقدماتها.
هذا.. بالإضافة إلى أن ما أرعب اليهود وجعلهم ييأسون، وحملهم على الصلح لم يكن هو القتال المشار إليه، وإنما كان قطع النخيل، وإحراقه.
ثم كان قتل أمير المؤمنين "عليه السلام" للعشرة هو السبب في استجابتهم للصلح، كما تقدم..
وأما بالنسبة لما يذكرونه من قتال، فنحن لا نستطيع أن نؤكد صحته، بل القرآن والتاريخ يدلان على عدمه، وإن كنا لا نمانع من أن تكون قد جرت بعض المناوشات اليسيرة، ولكنها لم تكن سبب الفتح قطعاً.
المهاجرون.. وأموال بني النضير:
لقد هاجر من مكة عدد كبير من الذين أسلموا، وتركوا ما كانوا يملكونه وراءهم، وقد قدم الأنصار لهم كل ما أمكنهم تقديمه من العون والرعاية، حتى لقد أرادوا أن يقاسموهم أموالهم؛ فمنعهم النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، وأمرهم أن يعملوا في مزارعهم وبساتينهم وفقاً لقواعد المساقاة والمزارعة، وهكذا كان([429]).
وحين أفاء الله على رسوله أموال وأراضي بني النضير، كانت خالصة له "صلى الله عليه وآله"، بمقتضى قوله تعالى: ?.. مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ?([430]).
وقد روى القرشي عن الكلبي أنه قال: "قسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" أموال بني النضير، إلا سبعة حوائط منها، أمسكها ولم يقسمها"([431]).
حكاية قسمة الأراضي:
ثم إنه "صلى الله عليه وآله" قد خيَّر الأنصار، بين أن يقسم ما أفاءه الله عليه، عليهم وعلى المهاجرين، ويكون المهاجرون مع الأنصار كما كانوا، وبين أن يخص المهاجرين بها، فيستقلون عن الأنصار، ويرجعون إليهم أراضيهم.
فقال السعدان ـ سعد بن معاذ، وابن عبادة ـ: بل نقسم أموالنا وديارنا على المهاجرين، ويؤثرونهم بالقسمة أيضاً، ولا يشاركونهم فيها، فاقتدى بهما سائر الأنصار، فأنزل الله: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ?([432]).
فقسمها النبي "صلى الله عليه وآله" بين المهاجرين، وأمرهم برد ما كان للأنصار حسب تعبير الحلبي([433]).
فكانت أول صافية قسمها "صلى الله عليه وآله" بين المهاجرين الأولين([434]).
وفي بعض المصادر: أن المهاجرين إنما ردوا ما كان للأنصار بعد الفراغ من خيبر([435]).
محاسبات دقيقة:
إننا رغم أننا نشك في إرجاع المهاجرين أموال الأنصار، ونحتمل قوياً: أن يكون الهدف من هذا الزعم هو تقوية موقف المهاجرين، حيث لا يكون للأنصار ـ والحالة هذه ـ فضل يذكر، إلا أننا نغض النظر عن ذلك فنقول:
يرد هنا سؤال، وهو: أنه إذا كانت أموال بني النضير خالصة لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، بنص القرآن الكريم، فلماذا يطلب "صلى الله عليه وآله" موافقة الأنصار على أن يخص المهاجرين بها؟
أليس هو "صلى الله عليه وآله" حر التصرف فيما ملَّكه الله إياه، يضعه حيث يشاء، ويعطيه لمن يشاء!.
ونحن في مقام الإجابة على هذا السؤال نشير إلى ما يلي:
1 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن لا يسيء أحد من الأنصار تفسير تصرفه ذاك، فيتوهم: أن ذلك منه "صلى الله عليه وآله" بسبب حبه لقومه دونهم، أو لغير ذلك من أسباب.
كما أنه "صلى الله عليه وآله" لا يريد أن يثير في الأنصار حسداً لا مبرر له، أو ما هو أكثر من الحسد، وهم يرون إخوانهم يحصلون على الأموال والأراضي دونهم، حتى ولو كانوا يعلمون: أن هذا المال ملك لرسول الله "صلى الله عليه وآله" يضعه حيث يشاء، ويعطيه لمن أراد، ويعلمون أيضاً: أنه لا ينطلق في إعطائه ذاك من سلبيات يخشون وجودها.
2 ـ إنه يريد للمسلمين جميعاً: أن لا يفهموا هذا التصرف على أنه امتياز لهم دون غيرهم، وليتخذ ذلك أصحاب الأهواء منهم ذريعة للابتزاز، أو لإعمال سياسات ظالمة تجاه إخوانهم من الأنصار، حينما تسنح لهم الفرصة لذلك.
3 ـ إنه يريد للمسلمين جميعاً أن يفهموا: أن على القيادة أن لا تستبد بالرأي وبالتصرف، فإن التفاهم، والمشاركة في الرأي، وعدم التفرد فيه، يجب أن يكون هو السمة المميزة للإنسان المسلم.
4 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يعلم الأنصار، ويستفيد من ذلك المهاجرون درساً في الإيثار على النفس ما دام أن ذلك من شأنه أن يوثق عرى المودة، ويثير كوامن الحب في مجتمع يشعر أعضاؤه بآلام ومشاكل بعضهم البعض، ويعملون على حلها، ويبذلون جهدهم في هذا السبيل.
5 ـ كما أننا نستفيد بالإضافة إلى ما تقدم الأمور التالية:
ألف: أنه كما أن من مسؤوليات قائد الأمة تصريف أمور الرعية، ورعاية شؤونها، وإدارتها، وهدايتها إلى أفضل السبل وأجداها في دفع الأخطار الكبرى عنها، وحل المعضلات التي ربما تواجهها..
كذلك فإن من مسؤولياته تربية الأمة تربية صالحة، ورعاية شؤونها الروحية وتزكيتها، وبعث الفضائل والسجايا الكريمة في نفوس أبنائها جماعات وآحاداً، ثم إبعاد كل ريب ورين عنها؛ لتكون خالصة خلوص الجوهر، نقية صافية صفاء النور..
هذا بالإضافة إلى رعاية العلاقات الروحية فيما بين أفراد وجماعات الأمة، لتبقى سليمة وحميمة، وقائمة على أسس قوية وثابتة من تلك السجايا والسمات والصفات الراسخة في أعماق الذات الإنسانية..
فلا يجوز أن يصدر منه أي عمل ـ حتى ولو كان بملاحظة خصوصيته الفردية، والعادية حلالاً ومباحاً له ـ من شأنه أن يلحق أدنى ضرر في البنية الاجتماعية، سواء على المستوى النفسي أو الفكري، أو المادي، أو غير ذلك.
كما أن عليه أن يتكهن بآثار أي عمل يصدر منه، ويقدر ما له من سلبيات وإيجابيات مستقبلية، وعلى جميع المستويات.
ب: إن ما تقدم يوضح لنا مدى حساسية موقع هذه القيادة، وخطورة مسؤولياتها، ويوضح كذلك: أنه ليس باستطاعة كل أحد؛ أن يتسلم أزمة الحكم، ويتولى مسؤوليات قيادية، إلا إذا اجتمعت فيه خصال ومواصفات ذات طابع معين، من شأنها أن تساعد على تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من الأهداف التي تتوخاها الأمة من قياداتها.
ج: إن ما فعله الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد أفهمنا أنه يفترض في القائد: أن يرعى الشؤون المادية للأمة، ولو من ماله الخاص، حينما لا يكون ثمة مصادر أخرى قادرة على سد حاجاتهم في هذا المجال.
د: ودرس آخر نتعلمه من موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هنا، وهو: أن الإنسان، وإن كان له الحق في أن يتصرف في ماله كيف يشاء، ولكن حينما تنشأ عن هذا التصرف سلبيات من نوع ما، فإن عليه أن يعمل على معالجة تلك السلبيات، وأن يعطي تصرفه مناعات كافية، تحصن الواقع من أن تنشأ فيه تلك السلبيات، أو أن تؤثر أثرها البغيض المقيت، حتى ولو كانت تلك السلبيات ناشئة عن تقصير الآخرين، أو عن سوء تصرفهم، أو عن عدم التزامهم الأكيد بالحدود والقيود التي يفترض التزامهم بها، أو غفلتهم عن ذلك، بل وحتى لو كان ذلك من قبيل الطموحات الباطلة واللامشروعة، أو التي تستتبع حسداً لا مبرر له لدى الآخرين، أو حقداً كذلك.
هـ: إننا نلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" قد كانت معالجته لسلبيات لا مبرر لها بطريقة بناءة ورائدة، ثم هي زاخرة بالمعاني الإيجابية الكبيرة، التي من شأنها ليس فقط أن تؤثر في الصيانة والحصانة بدرجة كافية، وإنما هي تسـاهم بدرجة كبيرة في تكـامل الأمـة، وفي حصولهـا على المعاني والسجايا الإنسـانية، ثـم تعميقهـا وترسيخهـا بصورة عملية، لا بمجرد التنظـير، وإطلاق الشعارات في الهواء.
وهذا هو الأسلوب الأمثل والأجدى في بناء الأمة، وتأكيد خصائصها الإنسانية، وسجاياها الكريمة الفضلى.
المستفيدون من أراضي بني النضير:
ويذكر المؤرخون أسماء طائفة من الناس أعطاهم الرسول "صلى الله عليه وآله" من أراضي بني النضير، بل يرى البعض: أنه لم يعط سوى الأشخاص التالية أسماؤهم وهم:
1 ـ أبو بكر بن أبي قحافة؛ فقد حصل على موضع يقال له: "بئر حجر"([436]).
2 ـ عمر بن الخطاب، الذي حصل على موضع يقال له: "جرم"([437]).
3 ـ عبد الرحمن بن عوف، الذي حصل على موضع يقال له: "سوالة"، أو "كيدمة"، وهو الذي يقال له: "مال سليم"([438]).
4 ـ الزبير بن العوام، الذي حصل على أرض يقال لها: "بويّلة"([439]).
5 ـ صهيب بن سنان، حصل على أرض يقال لها "ضراطة"([440]).
6 ـ أبو سلمة بن عبد الأسد، حصل على أرض من بني النضير، عند الواقدي أن اسمها: "بويلة" شاركه الزبير فيها أيضاً، كما أشرنا إليه([441]).
7 ـ أبو دجانة.
8 ـ وسهل بن حنيف، حصلا على أرض يقال لها: "مال ابن خرشة"([442]).
9 ـ الحارث بن الصمة، استفاد هو الآخر من ذلك حسبما ذكروه([443]).
وعند البعض: الحرث بن أبرهة([444]).
والظاهر: أنه تصحيف.
10 ـ وأعطى ـ كما زعموا ـ سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق([445]).
11 ـ وأعطى عثمان بن عفان أيضاً بعض أراضي بني النضير، في مكان يقال له: الدومة([446]).
نصان غير متوافقين:
ونشير هنا إلى نصين غير متوافقين، وهما:
1 ـ ما قاله العيني: "..ولم يخمس، ولم يسهم منها لأحد، إلا لأبي بكر، وعمر، وابن عوف، وصهيب بن سنان، والزبير بن العوام، وأبي سلمة بن عبد الأسد، وأبي دجانة"([447]).
فالعيني إذاً يرى: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يعط أحداً غير هؤلاء. ولكن التعبير بـ "يسهم" فيه شيء من المسامحة؛ لإشعاره بأنها مفتوحة عنوة، وليس الأمر كذلك.
2 ـ قال ابن شبة: "..عن محمد بن إسحاق، قال: قسمها رسول الله "صلى الله عليه وآله" في المهاجرين إلا سهل بن حنيف، وأبي دجانة، وكذا نفراً، فأعطاهما منها"([448]).
وقال النسفي: قد أعطى ثلاثة من الأنصار([449]). لكنه لم يذكر لنا أسماءهم بالتحديد.
فنجد العيني لا يذكر سهل بن حنيف، ونجد آخرين يذكرون سهلاً وأبا دجانة، ونجد عدداً آخر يصر على أنهم ثلاثة من الأنصار، ولعله يقصد الحارث بن الصمة؛ فإنه أنصاري أيضاً.
ولكن ابن شبة ذكر سهلاً وأبا دجانة، وكذا نفراً من الأنصار.
ومعنى ذلك: هو أنه قد أعطى الثلاثة الآنفة أسماؤهم.
مع أن ظاهر النصوص: الحصر بهم، أو بواحد، أو باثنين منهم. فالأولى الاقتصار على ذلك، إلى أن يرد ما يؤيد كلام ابن شبة.
كي لا يكون دولة بين الأغنياء.
وقد علل الله سبحانه عطاء بعض الفئات دون بعض، من الفيء بقوله: ?وَمَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللُه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ?([450]).
ونستفيد من هذه الآية الأمور التالية:
الأول: إنه سبحانه قد علل إعطاء الفيء للفقراء اليتامى، والمساكين، وابن السبيل بأن لا يكون المال محصوراً بين الأغنياء، يتداولونه فيما بينهم.
وهذا يعطي: أن الإسلام يريد أن يمكن الجميع من الحصول على المال، ولا يكون حكراً على جماعة دون غيرها.
أي أنه يريد للمال أن يتحرك، وأن ترتفع الموانع والحواجز من طريقه وينطلق من خلال الالتزام بالحكم الإلهي، والوقوف عند الحدود الشرعية، لتتداوله جميع الأيدي فلا بغي من أحد على أحد، ولا استئثار بشيء دون الآخرين وإنما الإيثار على النفس، ولو مع شدة الحاجة والخصاصة.
كما أنه يريد للفقير: أن يحصل على المال بصورة مشروعة، ومن دون منة من أحد عليه، ما دام أن المال قد أعطاه الله إياه، وليس لأحد من الخلق فيه أي دور.
الثاني: إن الإسلام حين قبل بالملكية الفردية، وجعل القوانين والنظم لحمايتها، وقبل أيضاً بملكية الدولة والجهة، وأعطى المجال لطموحات الإنسان، وقدراته الخلاقة للتعبير عن نفسها، وتأكيد وجودها، فإنه قد قرر إلى جانب ذلك قاعدته، وأعطى ضابطته التي لا مجال لتخطيها في شأن المال بقوله: ?كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ?([451])؛ فإنه يكون بذلك قد قرر الحد الذي يفصل نظام الإسلام الإقتصادي عن النظام الرأسمالي الفاسد، والذي ينتهي بالمال إلى أن يصبح دولة بين الأغنياء.
وذلك لأن الإسلام، وإن كان قد قبل بالملكية الفردية، إلا أنه قد حدد مصادر الحصول عليها في جهات معينة، لا يجوز تعديها إلى غيرها..
كما أنه قد وضع من الأحكام والضوابط في مختلف شؤون الحياة وجهاتها، ما يمنع من تكدس المال بصورة فاحشة لدى أفراد بخصوصهم.
وقد بين الله سبحانه هذا الأصل الأصيل بعبارة واضحة وموجزة حينما قال: ?لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء?.
ثم هو قد حرم وأدان، وعاقب على كل عمل من شأنه أن يهدم هذا الأصل، ويضر في مسيرة تحقيقه، أي ما يوجب صيرورة المال ?دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء?، فحرم الربا، ومنع من الاحتكار، ومن أكل المال بالباطل، و.. و.. الخ..
وبما تقدم يتضح أيضاً: البون الشاسع فيما بين المذاهب الإقتصادية الأخرى ـ كالإشتراكية ـ وبين نظام الإسلام الإقتصادي، كما هو ظاهر لا يخفى.
الثالث: إن ما أفاءه الله على رسوله، ليس لأحد أن يدَّعي أن له فيه أدنى أثر أو أي دور في تحصيله. فإن المسلمين لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، وإنما عاد إلى رسول الله بسبب تسليط الله رسله على من يشاء، كاليهود الناقضين للعهود والمواثيق.
ومعنى ذلك هو أنه ليس لأحد الحق في أن يدَّعي: أنه قد تنازل للنبي "صلى الله عليه وآله" عن شيء هو له، أو ساهم فيه، وجاء الحكم الإلهي ليأخذه منه، ويعطيه للنبي لمصلحة كامنة في ذلك، كما ربما يتوهم في الزكاة والخمس، وذلك لأن الله قد صرح بأن تسليط الله سبحانه للرسول على أولئك الناس قد كان سبباً في حصول ما يسمى بالفيء؛ فالفيء إذاً هو نتيجة عمل إلهي، وتصرف رباني في واقع سلطة الرسول وبسطها على أولئك المعاندين.
وأما مناشئ هذه السلطة، ومقوماتها، فيجب أن لا تكون منحصرة في العدة والعدد والحشود لدى المسلمين، فإن ذلك يتحقق بتأييدات إلهية غيبية، تساهم فيها معرفة اليهود بنبوَّته "صلى الله عليه وآله"، ورؤيتهم لمعجزاته وكراماته، وحبهم للدنيا، وخوفهم من الموت وغير ذلك من أمور.
الرابع: بقي أن نشير إلى أن الآيات قد نصت على أن الفيء لله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل؛ فكيف نوفق بين ذلك وبين ما هو معلوم من أن الفيء خالص لرسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
ونقول في الجواب: إن الآيات لم تتعرض لتشريع حكم الفيء، وبيان تقسيماته اللازمة شرعاً، من حيث مالكية هؤلاء الأصناف له، وإنما هي تبين قضية في واقعة، يراد توضيح المراد فيها، وإزالة الشبهة عن موقف النبي "صلى الله عليه وآله" منها. ذلك لأن الآيات التالية لتلك الآية، قد بينت: أن المراد بهؤلاء الأصناف هو خصوص المهاجرين منهم، أما الأنصار؛ فإنهم لا يجدون في أنفسهم حرجاً في أن يأخذ إخوانهم المهاجرون من الفيء دونهم، رغم ما كان يعاني منه الأنصار من حاجة وخصاصة، بل هم يؤثرونهم على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
كما أن الآية الآنفة الذكر قد بينت: أن المراد هو الفيء الحاصل من أهل القرى، لا كل فيء، وذلك يؤيد أنها في صدد الحديث عن قضية في واقعة، من أجل إبراز ما بها من خصوصيات، ومن معان إنسانية هامة، ومن دقائق أخرى لا بد من الإلفات إليها، والتنبيه عليها، وليست في صدد إعطاء الضابطة والقاعدة العامة.
ومعنى ذلك هو: أن المراد بيان أن ما فعله النبي "صلى الله عليه وآله" في الفيء الحاصل له من أهل القرى، حيث قسمه على المهاجرين دون الأنصار، رغم وجود الخصاصة في الأنصار، إنما كان لمصالح اقتضت التخصيص منه "صلى الله عليه وآله". ولا حرج على النبي أو الإمام في أن يلاحظ المصالح، ويقدم قوماً على قوم، ويعطي هؤلاء، ويحرم أولئك، لأجل تلك المصالح المقتضية لذلك، ولا يجب عليه أن يساوي بين الناس دائماً، فإن المساواة ليست مطلوبة على كل حال، وإنما هي مطلوبة حيث لا مصلحة في الترجيح، وحيث لا توجب تعميق الهوة بين الفئات التي يراد المساواة بينها.
إذاً، فلا معنى لاستغلال هذا الأمر للدعاية ضد نبي الإسلام، واتهامه بالتحيُّز والتجني، ولا سيما إذا علمنا أن ما يقسمه إنما هو حقه الشخصي، وهو حر في أن يجعل ما يختص به لمن يشاء، كيف يشاء.
الخامس: لا بد من التذكير أخيراً بأن آية الفيء هنا كآية الخمس في سورة الأنفال، قد ذكرت أصنافاً ستة: ثلاثة منهم من قسم الواجب، وهم: سهم الله، وسهم الرسول، وسهم ذوي القربى، وثلاثة لا يجب ذلك فيهم، وهم اليتامى، والمساكين، وابن السبيل..
لماذا اختص ذوو القربى بالخمس والفيء؟
ومن الغريب العجيب أن البعض بعد أن ذكر: أن المراد بذوي القربى في الآية التي في سورة الحشر، وفي آية الخمس هم قرابة رسول الله، قد علل البعض اختصاصهم بالفيء والخمس بقوله: "إن كانت الصدقات لا تحل لهم فليس لهم في الزكاة نصيب، وإن كان النبي لا يورث فليس لذوي قرابته من ماله شيء، وفيهم الفقراء الذين لا مورد لهم، فجعل لهم من خمس الغنائم نصيباً، كما جعل لهم من هذا الفيء وأمثاله نصيباً"([452]).
إذاً فهذا البعض يرى: أن فقر الفقراء منهم، وحرمانهم من الإرث والزكاة كان هو السبب في ذلك!!
ونقول: إن كلامه غير صحيح، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد علق هو نفسه في هامش كتابه على كلمة "الفقراء" بقوله: "هناك خلاف فقهي، هل الفقراء من قرابة الرسول هم المستحقون؟! أم جميعهم، والراجح جميعهم"([453]).
ومعنى ذلك هو: أن فقرهم ليس هو سبب إعطائهم، إذ ليس ثمة خصوصية للفقراء منهم تقتضي ترجيحهم على سائر الفقراء، وإنما السبب في الترجيح هو ـ فقط ـ قرابتهم من رسول الله "صلى الله عليه وآله".
2 ـ لا ندري كيف حرمهم الله هذا المقدار القليل من إرث النبي "صلى الله عليه وآله" ثم عوَّضهم هذه الأموال الهائلة والطائلة، التي تحصل من الفيء والغنائم!!..
3 ـ ثم إننا لا ندري كيف يحرم شخص واحد وهو الزهراء صلوات الله عليها، ثم يعوض جميع قرابة رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى من لم يكن في طبقتها في الإرث، بل وحتى جميع بني هاشم، ولو لم يكونوا من أولاده "صلى الله عليه وآله" ولا من وراثه!!
بل لقد نال هذا التعويض جميع بني هاشم إلى يوم القيامة.
وما كان أحراه أن يكون لو أنه كان ذلك قد جاء على سبيل الإهتمام بأمور الفقراء والضعفاء من سائر الناس، فيورّث فاطمة "عليها السلام"، ثم يتعامل مع جميع بني هاشم على أنهم بعض من غيرهم، فلا يحرمهم من ذاك ليعطيهم من هذا أكثر مما يستحقون، وأضعاف ما به كانوا يطالبون.
أليس في ذلك تضييع لحقوق الكثيرين من الفقراء من غيرهم؟!
حاشاه أن يصدر ذلك منه، أو أن يفكر فيه.
4 ـ هذا كله عدا عن أن حديث: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، والذي تفرد بروايته الخليفة الأول أبو بكر!! قد أثبت العلماء بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة عدم صحته. وقد رد علي وفاطمة "عليهما السلام" وكثير غيرهما روايته كما ذكرته الروايات الكثيرة وليس ههنا محل بحث هذا الأمر فمن أراد ذلك، فليراجع كتب العقائد.
الفصل السادس:
أراضي بني النضير والكيد السياسي
الغاصبون:
وتذكر المصادر: أن السلطة قد استولت على باقي أموال بني النضير، التي احتفظ بها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم يقسمها بين أصحابه، وقد طالب بها أهل البيت "عليهم السلام" فمنعوا منها ثم إن عمر بن الخطاب قد ردها إليهم، بعد سنين من توليه الحكم.
ولكن حكاية مطالبة أهل بيت النبوة "عليهم السلام" للخليفة الثاني بإرجاعها إليهم، قد تعرضت للدس والتشويه بصورة بشعة ومخجلة.
ونحن نذكر نص الرواية هنا أولاً، ثم نشير إلى بعض وجوه التشويه فيها، وإن كانت واضحة وظاهرة لكل أحد.
نص الرواية:
يقول النص التاريخي، وهو الذي ذكره مسلم بن الحجاج في صحيحه: "حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي، حدثنا جويرية: عن مالك، عن الزهري: أن مالك بن أوس حدثه قال: أرسل إليَّ عمر بن الخطاب؛ فجئته حين تعالى النهار، قال: فوجدته في بيته جالساً على سرير، مفضياً إلى رماله، متكئاً على وسادة من أدم، فقال لي: يا مالك، إنه قد دف أهل أبيات من قومك، وقد أمرت فيهم برضخٍ فَخُذْه فاقسمه بينهم.
قال: قلت: لو أمرت بهذا غيري.
قال: خذه يا مالك.
قال: فجاء يرفأ، فقال: هل لك ـ يا أمير المؤمنين ـ في عثمان وعبد الرحمن بن عوف، والزبير، وسعد؟
فقال عمر: نعم، فأذن لهم؛ فدخلوا.
ثم جاء فقال: هل لك في عباس، وعلي؟
قال: نعم، فأذن لهما.
فقال عباس: يا أمير المؤمنين، اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم، الغادر الخائن!
فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين، فاقض بينهم وأرحهم.
(فقال مالك بن أوس: يخيل إلي: أنهم قد كانوا قدموهم لذلك).
فقال عمر: اتّئدا، أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآلـه" قـال: لا نـورث، مـا تركنـا صدقة؟
قالوا: نعم، ثم أقبل على العباس، وعلي، فقال: أنشدكما بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: لا نورث، ما تركناه صدقة؟
قالا: نعم.
فقال عمر: إن الله جل وعز كان خص رسوله "صلى الله عليه وآله" بخاصة لم يخصص بها أحداً غيره، قال: ?مَا أَفَاء اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ..?([454]) (ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا)، قال: فقسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بينكم أموال بني النضير فوالله، ما استأثر عليكم، ولا أخذها دونكم، حتى بقي هذا المال؛ فكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسوة المال.
ثم قال: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، أتعلمون ذلك؟
قالوا: نعم. ثم نشد عباساً وعلياً بمثل ما نشد به القوم: أتعلمان ذلك؟
قالا: نعم.
قال: فلما توفي رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال أبو بكر: أنا ولي رسول الله "صلى الله عليه وآله" فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها، فقال أبو بكر: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما نورث ما تركنا صدقة؛ فرأيتماه كاذباً آثماً، غادراً، خائناً، والله يعلم: إنه لصادق بار، راشد، تابع للحق.
ثم توفي أبو بكر، وأنا ولي رسول الله "صلى الله عليه وآله" وولي أبي بكر، فرأيتماني كاذباً، آثماً، غادراً، خائناً، والله يعلم: إني لصادق بار، راشد، تابع للحق، فوليتها، ثم جئتني أنت وهذا، وأنتما جميع، وأمركما واحد، فقلتما: ادفعها إلينا.
فقلت: إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله: أن تعملا فيها بالذي كان يعمل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأخذتماها بذلك.
قال: أكذلك؟!
قالا: نعم.
قال: ثم جئتماني لأقضي بينكما؛ فوالله، لا أقضي بينكما بغير ذلك، حتى تقوم الساعة؛ فإن عجزتما عنها؛ فرداها إلي([455]).
زاد في نص آخر قوله: فغلب علي عباساً عليها، منعه إياها، فكانت بيد علي، ثم كانت بيد الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم الحسن بن الحسن، ثم زيد بن الحسن.
زاد في نص آخر: ثم عبد الله بن الحسن بن الحسن([456]).
قال الزهري: حدثني مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه، قال: فذكرت ذلك لعروة، فقال: صدق مالك بن أوس، أنا سمعت عائشة تقول: أرسل أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان بن عفان إلى أبي بكر، يسأل لهن ميراثهن من رسول الله "صلى الله عليه وآله" مما أفاء الله عليه، حتى كنت أردهن عن ذلك.
فقلت: ألا تتقين الله، ألم تعلمن: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يقول: "لا نورث ما تركناه صدقة ـ يريد بذلك نفسه ـ إنما يأكل آل محمد من هذا المال".
فانتهى أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" إلى ما أمرتهن به([457]).
قال ابن كثير: "ثم إن علياً والعباس استمرا على ما كانا عليه، ينظران فيها جميعاً إلى زمان عثمان بن عفان؛ فغلبه عليها علي، وتركها له العباس؛ بإشارة ابنه عبد الله (رض) بين يدي عثمان ـ كما رواه أحمد في مسنده ـ فاستمرت في أيدي العلويين"([458]).
ونقول:
إننا وإن كنا لا نستبعد أن يكون علي "عليه السلام" والعباس "رحمه الله" قد طالبا عمر بن الخطاب بأراضي بني النضير، ولكننا نرى: أن حكاية هذه القضية بالشكل الآنف الذكر، لا ريب في كونها مكذوبة ومصنوعة، بهدف تبرئة ساحة الهيئة الحاكمة فيما أقدمت عليه من مصادرة أموال رسول الله "صلى الله عليه وآله" فور وفاته، وحرمان ابنته "عليها السلام" من إرثه.
ولكن مخترعها، أو فقل الذي حرفها، وصاغها بهذا الشكل، لم يكن ذكياً بالقدر الكافي، ولا له معرفة تؤهله للاحتراس من المؤاخذات الظاهرة والواضحة؛ تاريخية كانت، أو تفسيرية، أو شرعية، أو غيرها كما سنرى.
والأبدع من ذلك!!: أننا نجد الرواية قد ذكرت في كتب الصحاح، التي هي أصح الكتب ـ عند أصحابها ـ بعد القرآن.. فكيف خفي أمرها على مؤلفي هذه الكتب، وهم الأئمة الكبار والعارفون، والضليعون في فنِّهم، حسبما يصفهم به أتباعهم ومحبوهم، والآخذون عنهم؟
وقبل أن نشير إلى نقاط الضعف التي في هذه الرواية نذكر القارئ الكريم بأن ما سوف نذكره من نقاط ـ وإن كان أكثره قد خطر في بالنا ـ ولكنه أيضاً مما قد تنبه له الآخرون، ولذا فإننا سوف نشير إلى هؤلاء الذين سبقونا إلى ذلك، ناسبين الكلام إليهم، بل ومعتمدين في أحيان كثيرة في صياغة العبارة عليهم.. فنقول:
المؤاخذات التي لا محيص عنها:
وبعد.. فإنه يرد على الرواية المتقدمة:
أولاً: أن رواية مسلم تذكر: أن العباس، قال لعمر: "اقض بيني وبين هذا الآثم الغادر الخائن". وهذا مما لا يتصور صدوره من العباس؛ إذ كيف ينسب هذه الأوصاف إلى من اعتبرته آيه المباهلة نفس النبي الأمين "صلى الله عليه وآله"، ولمن شهد الله سبحانه له بالطهارة، وكيف يسبه، وقد علم أن من سبه سب الله ورسوله؟
فلا بد أن يكون هذا القول مكذوباً على العباس من المنافقين الذين يريدون سب الإمام الحق، على لسان غيرهم([459]).
ونشير هنا إلى ما يلي:
ألف: "استصوب المازري صنيع من حذف هذه الألفاظ من هذا الحديث وقال: لعل بعض الرواة وهم فيها"([460]).
فالمازري إذاً يؤيد ويستصوب تحريف النصوص، وذلك من أجل الحفاظ على ماء الوجه، أمام الحقائق التاريخية الدامغة؛ فإنهم حينما رأوا: أن كذبها صريح إلى درجة الفضيحة، ورأوا: أنها موجودة في صحاحهم، وتلك فضيحة أخرى أدهى وأمر ـ نعم حينما رأوا ذلك ـ التجأوا إلى هذا الأسلوب الساقط والرذل، ألا وهو التحريف والإسقاط، كما اعترف به المازري واستصوبه..
وهذا الأسلوب لا يزال متبعاً عند خلف هؤلاء القوم، فنجد الوهابيين يحرفون كتب علمائهم، وغيرها، وكذلك غيرهم من أولئك الذين يخونون دينهم وأمتهم، بخيانتهم أماناتهم([461]).
ب: قال العسقلاني: إن المازري قال: "أجود ما تحمل عليه: أن العباس قالها دلالاً على علي؛ لأنه كان عنده بمنزلة الولد؛ فأراد ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه، وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل ما يفعله عن عمد.
قال: ولا بد من هذا التأويل، لوقوع ذلك بمحضر الخليفة، ومن ذكر معه، ولم يصدر منهم إنكار لذلك، مع ما علم من تشددهم في إنكار المنكر"([462]).
ونقول للمازري: مرحباً وأهلاً بهذا الدلال الوقح والمشين! فهل كل من كان بمنزلة الوالد يحق له أن يسب الناس، ويتهمهم بالغدر، والخيانة، والإثم؟!.
وأيضاً.. فإن رواية البخاري تقول: إنهما قد استبا([463])، فهل سب علي "عليه السلام" للعباس كان دلالاً أيضاً؟ وهل كان علي بمنزلة الوالد بالنسبة للعباس؟!.
وهل كان هذا الدلال مما جرت عليه عادة العرب؟!.
وهل يصح الردع عن الخطأ بهذا الأسلوب الفاحش والبذيء؟!.
ثم إننا لم نعلم ما الذي فعله علي "عليه السلام" بأرض بني النضير حتى استحق الوصف بالغدر والخيانة؟!
فهل فعل فيها غير ما كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يفعله؟!
ولو أنه تعدى في فعله، فهل يكون غادراً، وخائناً؟! ولمن يا ترى؟! وهل يمكن أن يظن العباس بعلي أو العكس: أنه يرتكب الخطأ الفاحش الذي هو على حد الخيانة والغدر عن عمد وقصد؟!.
أسئلة ننتظر الجواب عنها بصورة منصفة ومقنعة، وهيهات.
وثانياً: قال العلامة المظفر: "إنه يصرح بأن عمر ناشد القوم ومن جملتهم عثمان؛ فشهدوا بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: لا نورث.
وهو مناف لما رواه البخاري([464]) عن عائشة، أنها قالت: أرسل أزواج النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان إلى أبي بكر، يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله، فكنت أنا أردهن، الحديث.. فإنه يقتضي أن يكون عثمان جاهلاً بذلك، وإلا لامتنع أن يكون رسولاً لهن، إلا أن يظن القوم فيه السوء".
وهذا أيضاً قد أورده المعتزلي الحنفي([465]).
وقد حـاول المعتزلي الاعتذار عن ذلك، فقـال: "اللهم إلا أن يكـون عثمان وسعد، وعبد الرحمن، والزبير، صدقوا عمر على سبيل التقليد لأبي بكر فيما رواه، وحسن الظن. وسموا ذلك علماً لأنه قد يطلق على الظن اسم العلم".
ثم ذكر: أنه يجوز أن يكون عثمان في مبدأ الأمر شاكاً في رواية أبي بكر، ثم يغلب على ظنه صدقه لأمارات اقتضت تصديقه. وكل الناس يقع لهم مثل ذلك([466]).
ونقول:
ألف: إن نفس المعتزلي يقول: إن أكثر الروايات: أنه لم يرو خبر "لا نورث" غير أبي بكر، ذكر ذلك أعظم المحدثين([467]).
فمن أين جاءت هذه الإمارات على الصدق. لا سيما مع تكذيب فاطمة له، وهي المطهرة بنص الكتاب العزيز، وكذلك مع إنكار علي والعباس، وغيرهما من خيار الأصحاب وأكابرهم؟!
ولو كان لديهم أدنى احتمال بصدق الحديث ـ ولو بأن يحتملوا أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد أسر به إلى أبي بكر ـ لما بادروا إلى إنكاره، واستمروا على ذلك، حتى لقد توفيت الصديقة الزهراء "عليها السلام" مهاجرة له لأجل ذلك.
إن المعتزلي وغيره ـ والحالة هذه ـ حين يصدقون حديث لا نورث، فإنهم يكونون قد طعنوا بالقرآن الذي نزه الزهراء، وعلياً، وأهل البيت عليهم صلوات ربي وسلامه..
ب: إن ما ذكر، يبقى مجرد احتمال. ويبقى احتمال أن يكون قد جارى عمر، وشهد بما لا يعلم، قائماً وقوياً، بعد أن كانت السلطة، التي كان عثمان أحد مؤيديها ومعاضديها، تتجه نحو تثبيت دعوى أبي بكر، وزعزعة موقف آل رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثالثاً: قال العلامة الشيخ محمد حسن المظفر "رحمه الله": "لو كان الذين ناشدهم عمر عالمين بما رواه أبو بكر لما تفرد أبو بكر بروايته عند منازعته فاطمة "عليها السلام". فهل تراهم ذخروا شهادتهم لعمر، وأخفوها عن أبي بكر، وهو إليها أحوج"؟!([468]).
وحول تفرد أبي بكر برواية الحديث، قال ابن أبي الحديد المعتزلي الشافعي:
"..إن أكثر الروايات: أنه لم يرو هذا الخبر إلا أبو بكر وحده، ذكر ذلك أعظم المحدثين. حتى إن الفقهاء في أصول الفقه أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر برواية الصحابي الواحد.
وقال شيخنا أبو علي: لا تقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة. فخالفه المتكلمون والفقهاء كلهم، واحتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده: نحن معاشر الأنبياء لا نورث الخ.."([469]).
رابعاً: قال العسقلاني ـ وذكر ذلك غيره أيضاً ـ: "وفي ذلك إشكال شديد، وهو: أن أصل القصة صريح في أن العباس وعلياً "عليه السلام"، قد علما: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: لا نورث؛ فإن كانا سمعاه من النبي "صلى الله عليه وآله" فكيف يطلبانه من أبي بكر؟!([470]) وإن كان إنما سمعاه من أبي بكر، أو في زمنه؛ بحيث أفادهما العلم بذلك، فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر"؟!([471]).
وقال العيني: "..هذه القصة مشكلة؛ فإنهما أخذاها من عمر (رض) على الشريطة، واعترفا بأنه "صلى الله عليه وآله" قال: ما تركناه صدقة؛ فما الذي بدا لهما بعد ذلك حتى تخاصما"؟!([472]).
وبعد أن ذكر العلامة المظفر "رحمه الله" تعالى، ما يقرب مما ذكره العسقـلاني، وأن صريح أحاديـث البخـاري: أن العبـاس، وعلياً "عليه السلام" قد طلبا الميراث من عمر، مع علمهما بأنه "صلى الله عليه وآله" قال: لا نورث.. قال:
"..وهو من الكذب الفظيع؛ لمنافاته لدينهما وشأنهما، وكونه من طلب المستحيل عادة؛ لأن أبا بكر قد حسم أمره، وكان أكبر أعوانه عليه عمر، فكيف يطلبان منه الميراث؟!
ومع ذلك، فكيف دفع لهما عمر مال بني النضير؛ ليعملا به عمله، وعمل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأبي بكر؟. وهما قد جاءاه يطلبان الميراث، مخالفين لعلمهما، غير مبالين بحكم الله ورسوله، حاشاهما؛ فيكون قدحاً في عمر"([473]).
واحتمال: أن يظنا بأن عمر لسوف ينقض قضاء أبي بكر..
قد دفعه المعتزلي بقوله: "وهذا بعيد؛ لأن علياً والعباس ـ في هذه المسألة ـ يتهمان عمر بممالأة أبي بكر على ذلك، ألا تراه يقول: نسبتماني ونسبتما أبا بكر إلى الظلم والخيانة؟.
فكيف يظنان: أنه ينقض قضاء أبي بكر، ويورثهما"؟!([474]).
وأجابوا عن ذلك كله بجوابين:
الأول: "كأن المراد: تسألني التصرف فيما كان نصيبك، لو كان هناك إرث"([475]).
وعلى حد تعبير ابن كثير: "..كأن الذي سألوه، بعد تفويض النظر إليهما ـ والله أعلم ـ: هو أن يقسم بينهما النظر، فيجعل لكل واحد منهما نظر ما يستحقه بالأرض، لو قدر أنه كان وارثاً..
إلى أن قال: وكان قد وقع بينهما خصومة شديدة؛ بسبب إشاعة النظر بينهما.
إلى أن قال: فكأن عمر تحرج من قسمة النظر بينهما بما يشبه قسمة الميراث، ولو في الصورة الظاهرة، محافظة على امتثال قوله: لا نورث، ما تركناه صدقة".
زاد العيني قوله: "فمنعهما عمر القسم؛ لئلا يجري عليها اسم الملك؛ لأن القسم يقع في الأملاك، ويتطاول الزمان؛ فيظن به الملكية"([476]).
أما الهيثمي، فقد ذهب إلى أبعد من ذلك، حين قال: "إستباب علي والعباس صريح في أنهما متفقان على أنها غير إرث، وإلا.. لكان للعباس سهم، ولعلي سهم زوجته، ولم يكن للخصام بينهما وجه؛ فخصامهما إنما هو لأجل كونها صدقة، وكل منهما يريد أن يتولاها؛ فأصلح بينهما عمر (رض)، وأعطاها لهما الخ.."([477]).
وقال إسماعيل القاضي: إنما تنازعا ـ يعني عند عمر ـ في ولاية الصدقة، وفي صرفها كيف تصرف([478]).
الثاني: ما أجاب به العسقلاني بقوله: "إن كلاً من علي وفاطمة والعباس اعتقد: أن عموم قوله لا نورث، مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض، ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس: أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما في ذلك"([479]).
ونقول:
إن ذلك لا يصح، أما بالنسبة لما عدا الجواب الأخير، فلما يلي:
ألف: إننا نقول: لو صح ما ذكروه لكان عمر اقتصر على ذكر هذا المعنى ولم يكن بحاجة إلى المناشدة المذكورة، والاستدلال على عدم كونها إرثاً بحديث لا نورث.
ب: قال العسقلاني: "لكن في رواية النسائي، وعمر بن شبة([480])، من طريق أبي البخترى، ما يدل على أنهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث، ولفظه في آخره: ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا: أريد نصيبي من ابن أخي، ويقول هذا: أريد نصيبي من امرأتي، والله، لا أقضي بينكما إلا بذلك، أي إلا بما تقدم من تسليمها لهما على سبيل الولاية. وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد، عن مالك بن أوس نحوه".
ثم ذكر دعوى أبي داود: أنهما أرادا من عمر أن يقسمها بينهما للانفراد بالنظر فيما يتوليان، وأن أكثر الشراح اقتصروا عليه واستحسنوه ثم تنظر فيه بما تقدم.
ثم إنه بعد ذلك تعجب من ابن الجوزي ومن الشيخ محيي الدين، لجزمهما بأن علياً والعباس لم يطلبا إلا قسمة النظر والولاية.. مع أن السياق صريح في أنهما جاءاه مرتين في طلب شيء واحد، ثم اعتذر بأنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري([481]).
ج: إن العم لا يرث مع وجود البنت لبطلان التعصيب، كما سيأتي.
د: قول ابن كثير: إنه كان قد وقع بين علي والعباس خصومة شديدة، بسبب إشاعة النظر بينهما محض رجم بالغيب، إذ ليس في الرواية ما يدل على أن سبب الخصومة هو ذلك، ولا حدثنا التاريخ بشيء عن السبب المذكور. بل الأمر على العكس كما تقدم عن العسقلاني.
هـ: لم نفهم معنى لهذا التحرج المدعى من قبل عمر، فإنه إذا كان الأنبياء لا يورثون، فإن قسمة النظر بينهما لا تخالف حديث لا نورث ـ إن صح ـ لا في الظاهر ولا في الباطن، وإذا كان حديث لا نورث باطلاً، وكانوا يورثون، فمخالفة الحديث لا ضير فيها ولا حرج.
و: لم نفهم لماذا لا تصح القسمة إلا في الأملاك ـ كما ذكره العيني ـ وكيف غفل علي والعباس عن ذلك، وكيف لم يقل لهما عمر، ولا أحد ممن حضر الخصومة: إن القسمة لا تقع في الأملاك؟!.
ز: لم نفهم كيف أصبح استباب علي والعباس دليلاً على كون أرض بني النضير ليست إرثاً؟ أليس الإرث يحتاج إلى القسمة، وقد يقع الخلاف في هذا القسم أو ذاك؟! فلعل أحدهما يريد هذه القطعة، وذاك يريدها أيضاً، فيقع الخصام، ويحتاج إلى الفصل بينهما، وإراحة كل منهما من الآخر.
وأما بالنسبة لجواب العسقلاني، فإننا نقول:
ألف: قد صرح المعتزلي الشافعي: بأن خبر أبي بكر يمنع من الإرث مطلقاً، قليلاً كان أو كثيراً، ولا سيما مع إضافة كلمة: "ما تركناه صدقة".
وأضاف: " فإن قال قائل: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً، ولا فضة، ولا أرضاً، ولا عقاراً، ولا داراً..
قيل: هذا الكلام يفهم من مضمونه: أنهم لا يورثون شيئاً أصلاً، لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك. وليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس المعدودة دون غيرها، بل يجعلون ذلك كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئاً ما على الإطلاق"([482]).
وإن كان لنا تحفظ على إضافته المذكورة، فإن ظاهر قوله: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهباً ولا فضة الخ.. أنهم ما جاؤوا لأجل جمع حطام الدنيا لأنفسهم، وليورثوه أبناءهم، وإنما هم زهاد تاركون للدنيا، ولا يجمعون ذهباً ولا فضة ليقع في ميراثهم لمن بعدهم.
ب: قول العسقلاني: إن اعتقاد علي والعباس ظلم من خالفهما يدل على اعتقادهما باختصاص حديث لا نورث ببعض الأموال دون بعض.. لا يصح، إذ كما يمكن أن يكون ذلك لأجل اعتقادهما بما ذكر، كذلك يمكن أن يكون لأجل اعتقادهما بعدم صحة أصل الحديث، وأنه مجعول ومختلق.
وهذا الثاني هو الصحيح؛ لإنكار علي "عليه السلام"، وفاطمة "عليها السلام"، والعباس "رحمه الله" هذا الحديث من الأساس، ومطالبتهم بتركة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، كما هو ظاهر لا يخفى.
خامساً: إن العم لا يرث مع وجود البنت، كما هو الحق الذي لا محيص عنه، وإنما ترث البنت الواحدة نصف التركة بالفرض، والنصف الباقي بالرد عليها، والتعصيب يعني توريث العصبة النصف ـ كالعم ـ مع البنت، باطل ولا يصح، وقد استدل العلماء على بطلانه بما لا مزيد عليه؛ فليراجع في مظانه([483]).
ويبدو: أن توريث العم ـ مع البنت الذي هو من التعصيب الباطل ـ قد نشأ عن إرادة تقوية موقف أبي بكر، وإضعاف موقف فاطمة وعلي "عليهما الصلاة والسلام".
سؤال.. وجوابه:
ويرد هنا سؤال، وهو: أنه إذا كان العباس لا يرث؛ فلماذا شارك في المطالبة بإرث النبي "صلى الله عليه وآله" من أبي بكر، ثم من عمر؟!.
وأجاب السيد ابن طاووس: بأن هذه المطالبة، بل وحتى إظهار الخصومة مع علي في ذلك عند عمر، قد كان لأجل مساعدة علي وفاطمة "عليهما السلام"، وقطع حجة أبي بكر، وإقامة الحجة على عمر في ذلك. ثم ذكر ابن طاووس هنا قصة الجارية التي قالت للرشيد العباسي: إن علياً "عليه السلام" والعباس كانا في هذه القضية كالملكين، اللذين تحاكما إلى داود في الغنم، حيث أرادا تعريفه وجه الحكم؛ فكذلك أراد علي والعباس تعريف أبي بكر وعمر: أنهما ظالمان لهما بمنع ميراث نبيهما([484]).
وقد يجاب عن ذلك: بأن العباس كان يظن في ظاهر الحال أنه يرث النبي "صلى الله عليه وآله" لعمومته له، وكان علي "عليه السلام" يرفض ذلك، على اعتبار أن العم لا يرث، فترافعا إلى عمر على هذا النحو ليقيما الحجة عليه.
سادساً: قال الشيخ المظفر "رحمه الله": "إن أمير المؤمنين لو سمع ذلك؛ أي حديث: لا نورث الخ.. فلم ترك بضعة الرسول أن تطالب بما لا حق لها فيه؟! أأخفى ذلك عنها راضياً بأن تغصب مال المسلمين؟! أو أعلمها فلم تبال؟! وعدت على ما ليس لها فيه حق! فيكون الكتاب كاذباً، أو غالطاً بشهادته لهما بالطهارة، فلا مندوحة لمن صدق الله، وكتابه، ورسوله "صلى الله عليه وآله" أن يقول بكذب هذه الأحاديث"([485]).
وقال المعتزلي: "..وهل يجوز أن يقال: إن علياً كان يعلم ذلك، ويمكّن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه؟! خرجت من دارها، ونازعت أبا بكر، وكلمته بما كلمته إلا بقوله، وإذنه ورأيه"!([486]).
سابعاً: قال المظفر والمعتزلي: "إن أمير المؤمنين "عليه السلام" والعباس، لو كانا سمعا من النبي "صلى الله عليه وآله" ما رواه أبو بكر، حتى أقرا به لعمر؛ فكيف يقول لهما عمر: ـ كما في حديث مسلم ـ: رأيتما أبا بكر كاذباً، آثماً، غادراً، خائناً، ورأيتماني آثماً، غادراً، خائناً"([487]).
ثامناً: قال العلامة الحلي ما حاصله: إن عمر بن الخطاب قد أخبر: أن علياً والعباس يعتقدان فيه وفي أبي بكر بأنهما: كاذبان آثمان غادران خائنان، فإن كان ذلك حقاً، فهما لا يصلحان للخلافة، وإن كان كذباً، لزمه تطرق الذم إلى علي والعباس، لاعتقادهما في أبي بكر، وعمر ما ليس فيهما؛ فكيف استصلحوا علياً "عليه السلام" للخلافة؟ مع أن الله قد نزهه عن الكذب والزور وطهره.
وإن كان عمر قد نسب إلى العباس وعلي "عليه السلام" شيئاً لا يعلمانه، لزمه تطرق الذم إلى عمر نفسه، لأنه يفتري عليهما، وينسب إليهما ما لا يعتقدانه.
مع أن البخاري ومسلماً ذكرا في صحيحيهما: أن قول عمر هذا لعلي والعباس، قد كان بمحضر مالك بن أوس، وعثمان وعبد الرحمن بن عوف، والزبير وسعد. ولم يعتذر أمير المؤمنين عن هذا الاعتقاد الذي نسب إليهما، ولا أحد من الحاضرين اعتذر لأبي بكر وعمر([488]).
وأجاب البعض عن ذلك: بأنه قد جاء على لسان عمر على سبيل الفرض والتقدير، والزعم؛ فإن الحاكم إذا حكم بخلاف ما يرضي الخصم، يقول له: تحسبني ظالماً ولست كذلك، ولذلك لم يعتذر علي "عليه السلام" ولا العباس ولا غيرهما ممن حضر([489]).
ورد عليه العلامة المظفر "رحمه الله": بأن هذا مضحك، إذ كيف لا يكون على سبيل الحقيقة، وهما إنما يتنازعان عند عمر في ميراث النبي "صلى الله عليه وآله" بعد سبق رواية أبي بكر وحكمه؟ فإن هذا النزاع بينهما لا يتم إلا بتكذيبهما لأبي بكر في حديثه، وحكمهما عليه بأنه آثم غادر خائن على وجه يعلمان: أن عمر عالم بكذب حديث أبي بكر، وأن موافقته له في السابق كان لسياسة دعته إلى الموافقة، ولو لم يكونا عالمين بأن عمر عالم بكذب حديث أبي بكر، لم يصح ترافعهما إلى عمر من جديد([490]).
تاسعاً: إن من المعلوم: أن الحكام بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد دفعوا الحجر إلى زوجاته "صلى الله عليه وآله"([491]). كما أن خلفاء بني العباس قد تداولوا البردة والقضيب([492]).
وقد قال ابن المعتز مخاطباً العلويين:
ونـحـن ورثـنـا ثيـاب الـنـبــي فـلـم تـجـذبــون بــأهــدابه
لـكـم رحـم يـا بـنـي بــنــتــه ولـكـن بنـو الـعــم أولى بهـــا([493])
فأجابه الصفي الحلي بقوله:
وقـلـت ورثنــا ثيــاب الـنـبـي فـكـم تــجــذبــون بـأهـدابه
وعـنـدك لا يــورث الأنـبـيــاء فـكـيـف حـظـيـتـم بـأثـوابهـا([494])
وقال الشريف الرضي "رحمه الله":
ردوا تـــراث مــحـمـــد ردوا ليس الـقـضـيب لكم ولا البـرد([495])
كما أنهم دفعوا آلته وبغلته وحذاءه وخاتمه وقضيبه إلى علي "عليه الصلاة والسلام"([496]).
وعليه فيرد ما أورده المعتزلي الشافعي هنا حيث قال: "إذا كان "صلى الله عليه وآله" لا يورث؛ فقد أشكل دفع آلته ودابته، وحذائه إلى علي "عليه السلام"، لأنه غير وارث في الأصل، وإن كان إعطاؤه ذلك لأن زوجته بعرضة أن ترث لولا الخبر، فهو أيضاً غير جائز؛ لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئاً، قليلا كان أو كثيراً".
(ثم ذكر ما تقدم عنه آنفاً حين الجواب على ما ذكره العسقلاني، الذي ادَّعى: أن علياً "عليه السلام" والعباس توهما: أن "لا نورث" ليست عامة).
ثم قال: "..فإنه جاء في خبر الدابة والآلة، والحذاء: أنه روي عن النبي "صلى الله عليه وآله": "لا نورث، ما تركناه صدقة"، ولم يقل: "لا نورث كذا وكذا" وذلك يقضي عموم انتفاء الإرث عن كل شيء"([497]).
عاشراً: لقد قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل قال: لما قبض رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أأنت ورثت رسول الله أم أهله؟!.
فقال: لا بل أهله.
فقالت: فأين سهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
فقال أبو بكر: إني سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول:
"إن الله إذا أطعم نبياً طعمة، ثم قبضه جعله للذي يقوم من بعده".
فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: فأنت وما سمعت عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"([498]).
فنلاحظ: أن الخليفة يعترف بأن أهل النبي "صلى الله عليه وآله" يرثونه.
وذلك يكذب دعوى: أن الأنبياء لا يورثون([499]). ولكنه عاد فادَّعى أنه يعود إليه لأنه قام بعد الرسول.
ولعل قول فاطمة "عليها السلام" أخيراً: فأنت وما سمعت من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ظاهر في أنها تشك في صحة الحديث، وأرجعت الأمر إلى الله سبحانه ليحكم في هذا الأمر.
ولنا أن نحتمل: أن السلطة قد سارت في موضوع إرث النبي "صلى الله عليه وآله" بخطوات تراتبية تصعيدية، وربما تكون هذه القضية للزهراء "عليها السلام" مع أبي بكر من الخطوات في هذا الاتجاه، ثم تلاها غيرها إلى أن انتهوا إلى إنكار إرثها "عليها السلام" من الأساس.
حادي عشر: قد اعترض ابن طاووس على دعوى: أن علياً "عليه السلام" قد غلب العباس على أرض بني النضير، وقال: إن ذلك غير صحيح.
"لاستمرار يد علي "عليه السلام" وولده على صدقات نبيهم، وترك منازعة بني العباس لهم، مع أن العباس ما كان ضعيفاً عن منازعة علي، ولا كان أولاد العباس ضعفاء عن المنازعة لأولاد علي في الصدقات المذكورة".
ثم ذكر "رحمه الله" روايتين عن قثم وعن عبد الله ابني عباس، يقرَّان فيها: أن الحق في إرث رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"([500]).
ويجب أن لا ننسى مدى حرص الحكام على كسر شوكة علي "عليه السلام"، وإبطال قوله وقول أهل بيته "عليهم السلام"، سواء في ذلك أولئك الذين استولوا على تركة النبي "صلى الله عليه وآله"، أو الذين أتوا بعدهم من الأمويين أو العباسيين.
ثاني عشر: قال العلامة: "كيف يجوز لأبي بكر أن يقول: أنا ولي رسول الله، وكذا لعمر، مع أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" مات وقد جعلهما من جملة رعايا أسامة بن زيد"([501]).
وأجاب البعض: أن المراد بالولي: من تولى الخلافة، فإنه يصبح المتصرف في أمور رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعده، وتأمير أسامة عليهما لا يجعلهما من رعاياه، بل هم جميعاً من رعايا النبي "صلى الله عليه وآله"([502]).
وهو جواب لا يصح: فقد قال الشيخ محمد حسن المظفر "رحمه الله"، ما حاصله: إن الولي للشخص هو المتصرف في أموره؛ لسلطانه عليه ولو في الجملة، كالمتصرف في أمور الطفل والغائب. ولا يصدق على الوكيل أنه ولي، مع أنه متصرف في أموره. فلا أقل من أن ذلك إساءة أدب معه "صلى الله عليه وآله" ولو سلم اعتبار السلطنة في معنى الولي فدعواهما أنها وليا رسول الله "صلى الله عليه وآله" غير صحيحة، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يستصلحهما حين وفاته إلا لأن يكونا في جملة رعايا أسامة، فكيف صلحا بعده للإمامة على الناس عامة ومنهم أسامة؟
على أن إضافة الولي إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، من دون اعتبار السلطنة في معنى الولي، تقتضي ظاهراً: أن تكون الولاية مجعولة من النبي "صلى الله عليه وآله"، لأنها من إضافة الصفة إلى الفاعل، لا إلى المفعول، وذلك باطل بالاتفاق، وإنكار إطلاق الرعية على مثل تأمير أسامة في غير محله([503]).
ثالث عشر: قال العلامة الحلي ما حاصله: كيف استجاز عمر أن يعبر عن النبي "صلى الله عليه وآله" للعباس: تطلب ميراثك من ابن أخيك، مع أن الله تعالى يخاطبه بصفاته، مثل يا أيها الرسول، يا أيها النبي، ولم يذكره باسمه إلا في أربعة مواضع شهد له فيها بالرسالة لضرورة تخصيصه وتعيينه..
وقد قال الله تعالى: ?لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً..?([504]).
ثم عبر عمر عن ابنته مع عظم شأنها وشرف منزلتها بقوله: يطلب ميراث امرأته([505]).
أضف إلى ذلك: أنه عبر عن أمير المؤمنين "عليه السلام" باسم الإشارة، فقال: "هذا".
وأجاب البعض:
بأنه: "إنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم أن لو كان هناك ميراث، لا أنه أراد الغض منهما بهذا الكلام"([506]).
وقال آخر: هذا القول من عمر قد جاء على طريق محاورات العرب، وهو يتضمن ذكر علة طلب الميراث، وهو كونه ابن أخيه، وليس فيه إساءة أدب، وعمر لم يذكر النبي باسمه..
وبالنسبة للزهراء، فإن الأولى ترك ذكر النساء بأسمائهن في محضر الرجال، فهو متأدب في ترك ذكر اسمها، لا مسيء للأدب بذلك([507]).
ولكنها أجوبة لا تصح: فقد قال العلامة المظفر "رحمه الله" تعالى، ما حاصله: إن محاورات العرب إذا اقتضت التوهين برسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلا بد من تركها، فإنه لا يصح ترك أدب القرآن، والعمل بآداب الأعراب، وأهل الجاهلية..
وبالنسبة إلى علة الميراث، فإنه لا حاجة إلى ذكرها، وترك الأدب مع الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله". فهل لم يكن علي "عليه السلام" والعباس "رحمه الله" أو أحد من الحضور يعلم هذه العلة؟!.
هذا.. بالإضافة إلى أنه كان يمكنه ذكر علة الميراث، ومراعاة الأدب معه "صلى الله عليه وآله" في آن واحد.
وبالنسبة إلى أن عمر لم يذكر النبي "صلى الله عليه وآله" باسمه الشريف، فإن المقصود: أن تكريمه "صلى الله عليه وآله" مطلوب، وليس في عبارته ذلك، وقد قال تعالى: ?لا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً..?.
كما أن تعبيره بـ "امرأته" ليس فيه علة الميراث التي هي بنوَّتها لرسول الله "صلى الله عليه وآله". وقد كان يمكنه احترام الزهراء "عليها السلام" بذكر بعض ألقابها. وعدم ذكر النساء بأسمائهن لا يحل المشكلة، فقد كان يمكنه تجنب اسمها "عليها السلام"، وذكرها ببعض ألقابها المادحة لها([508]).
الانتصار لرسول الله '، أم لعمر الفاروق؟!
قال العقيلي: "سمعت علي بن عبد الله بن المبارك الصنعاني يقول: كان زيد بن المبارك لزم عبد الرزاق، فأكثر عنه، ثم خرق كتبه، ولزم محمد بن ثور، فقيل له في ذلك، فقال: كنا عند عبد الرزاق، فحدثنا بحديث معمر، عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان الحديث الطويل؛ فلما قرأ قول عمر لعلي والعباس: "فجئت أنت تطلب ميراثك من ابن أخيك، وجاء هذا يطلب ميراث امرأته من أبيها".
قال عبد الرزاق: انظروا إلى الأنوك يقول: تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ألا يقول: رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!.
قال زيد بن المبارك: فقمت، فلم أعد إليه، ولا أروي عنه.
قال الذهبي: "لا اعتراض على الفاروق (رض) فيها، فإنه تكلم بلسان قسمة التركات"([509]).
وقال: "إن عمر إنما كان في مقام تبيين العمومة والبنوة، وإلا.. فعمر (رض) أعلم بحق المصطفى وبتوقيره "صلى الله عليه وآله" وتعظيمه من كل متحذلق متنطع.
بل الصواب أن نقول عنك: انظروا إلى هذا الأنوك الفاعل ـ عفا الله عنه ـ كيف يقول عن عمر هذا، ولا يقول: قال أمير المؤمنين الفاروق"؟!([510]).
ونقول:
1 ـ إن بيان العمومة والبنوة ليس ضرورياً هنا، وذلك لوضوحهما لكل أحد.
2 ـ إن بيانهما والتكلم بلسان قسمة التركات لا يمنع من الإتيان بعبارة تفيد توقير رسول الله "صلى الله عليه وآله" واحترامه.
3 ـ إن التكلم بلسان قسمة التركات في غير محله، لأن العباس لا يرث؛ لبطلان التعصيب..
4 ـ إذا صح: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يورث، فلا حاجة إلى التحدث بلسان قسمة التركات، لا سيما وأن المطلوب ـ حسب ما يدَّعون ـ هو قسمة النظر، كما تقدم، وتقدم بطلانه..
5 ـ إن زيد بن المبارك لا يعود إلى عبد الرزاق، لأنه رآه ينتصر لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وينتقد عمر على عدم توقيره للنبي "صلى الله عليه وآله". وهذا من ابن المبارك عجيب!! وعجيب جداً!!
6 ـ إن الذهبي، وغيره يغضبون لعمر، ويشتمون عبد الرزاق لتوهينه عمر، ولا يغضبون لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا يقبلون حتى بانتقاد من يتصدى لإهانته "صلى الله عليه وآله".
7 ـ إنهم يطلبون من عبد الرزاق أن يذكر عمر بألقابه، ولا يطلبون من عمر أن يذكر النبي بألقابه التي شرَّفه الله تعالى بها.. فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
يحسبهم الجاهل أغنياء:
وبعد.. فإن إلقاء نظرة فاحصة على حياة فاطمة الزهراء "عليها السلام"، تعطينا: أنها "صلوات الله وسلامه عليها"، لم تتغير حياتها ـ بعد فتح بني النضير وخيبر، وملكها فدكاً وغيرها ـ عما كانت عليه قبل ذلك، رغم غلتها الكثيرة والوافرة، فهي لم تعمر الدور، ولم تبن القصور، ولا لبست الحرير والديباج، ولا اقتنت النفائس، ولا احتفظت لنفسها بشيء. وهكذا كانت حال زوجها علي "عليه الصلاة والسلام" رغم توفر الأموال له.
بينما نجد: أن بعض أولئك الذين استفادوا من أموال بني النضير وغيرها قد خلفوا من الذهب والفضة ما يكسر بالفؤوس، ويكفي أن نذكر هنا:
1 ـ أن الزبير بن العوام بنى داره المشهورة بالبصرة، وفيها الأسواق، والتجارات، وبنى دوراً في الكوفة، ومصر، والإسكندرية، وبلغ ثُمن ماله خمسين ألـف دينـار، وتـرك ألـف فـرس، وألف مملـوك، وخططاً بمصر والإسكندرية، والكوفة والبصرة([511]).
وقالوا: كان للزبير خمسون مليوناً ومئتا ألف.
وقيل: بل مجموع ماله سبعة وخمسون مليوناً وست مئة ألف([512]).
2 ـ أما عبد الرحمن بن عوف: فقد كان له ألف بعير، وعشرة آلاف شاة، ومائة فرس، وصولحت إحدى نسائه على ربع ثمن ماله بأربعة وثمانين ألف دينار([513]).
وعن أم سلمة: أن عبد الرحمن بن عوف دخل عليها، فقال: يا أمه، قد خفت أن تهلكني كثرة مالي، وأنا أكثر قريش مالاً الخ..([514]).
وحينما مات ابن عوف جيء بتركته إلى مجلس عثمان؛ فحالت البدر بين عثمان وبين الرجل القائم في الجهة الأخرى. وفي هذه المناسبة ضرب أبو ذر كعب الأحبار بالعصا على رأسه فكانت النتيجة هي نفي أبي ذر([515]).
وبعد إخراج وصاياه كلها، فإنه قد ترك مالاً جزيلاً، من ذلك ذهب قطع بالفؤوس، حتى مجلت أيدي الرجال([516]).
3 ـ إن عمر بن الخطاب الذي استفاد هو الآخر من أموال بني النضير وغيرها، كان أيضاً يملك ثروة هائلة في أيام خلافته، بل هو يدَّعي: أنه كان في مكة من أكثر قريش مالاً كما ذكره ابن هشام، حين الحديث عن هجرته هو وعياش بن أبي ربيعة، فقد أصدق إحدى زوجاته أربعين ألف دينار أو درهم([517]).
وقيل: عشرة آلاف. وأعطى صهراً له قدم عليه من مكة عشرة آلاف درهم من صلب ماله([518]).
كما أن: "ابناً لعمر باع ميراثه من ابن عمر([519]) بمائة ألف درهم"([520]).
وفي نص آخر: أن ثلث مال عمر كان أربعين ألفاً، أوصى بها. وإن كان الحسن البصري قد استبعد ذلك، واحتمل أن يكون قد أوصى بأربعين ألفاً فأجازوها([521]).
لقد كان هذا في وقت كان يعيش الناس فيه أقسى حياة تمر على إنسان، حتى إن بعضهم لم يكن يملك سوى رقعتين، يستر بإحداهما فرجه، وبالأخرى دبره([522]).
فهؤلاء يجمعون الأمـوال، ويتنعمون بهـا، ثـم يـرثهـا عنهم أبنـاؤهم وزوجاتهم، ليكون لها نفس المصير أيضاً.
وفي المقابل، فإن علياً أمير المؤمنين "عليه الصلاة والسلام"، الذي وقف على الحجاج مائة عين استنبطها في ينبع([523])،
يروى عنه: أن صدقات أمواله قد بلغت في السنة أربعين ألف دينار([524]). وكانت صدقاته هذه كافية لبني هاشم جميعاً([525])، إن لم نقل إنها تكفي أمة كبيرة من الناس من غيرهم، إذا لاحظنا أن ثلاثين درهماً كانت كافية لشراء جارية للخدمة، كما قاله معاوية لعقيل. وكان الدرهم يكفي لشراء حاجات كثيرة بسبب قلة الأموال حينئذٍ، ولغير ذلك من أسباب..
نعم.. إننا نجد علياً "عليه السلام" لم يلبس ثوباً جديداً، ولم يتخذ ضيعة، ولم يعقد على مال، إلا ما كان بينبع، والبغيبغة، مما يتصدق به"([526]).
كما أنه لم يترك حين وفاته سوى سبع مائة درهم أراد أن يشتري بها خادماً لأهله([527]). وقد أمر برد هذه السبع مائة درهم إلى بيت المال بعد وفاته، كما ذكره الإمام الحسن "عليه السلام" في خطبته([528]) آنئذٍ، وعاش ومات، وما بنى لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة([529]).
وباع سيفه وقال: "لو كان عندي ثمن عشاء ـ أو إزار ـ ما بعته"([530]).
ويقول عنه معاوية: "والله، لو كان له بيتان، بيت تبن وبيت تبر لأنفذ تبره قبل تبنه"([531]).
وكان مصير تلك الأراضي والأموال والأملاك، أنه "عليه السلام" تصدق بها، ووقفها على المسلمين، ولم يبق منها شيء حين وفاته "صلوات الله وسلامه عليه"([532])، كما هو صريح خطبة ولده السبط حين توفي والده.
وقد قال "عليه السلام": أنا الذي أهنت الدنيا([533]). وقد كان من أهم أسباب انصراف العرب عن علي "عليه السلام" سيرته في المال، حيث لم يكن يحابي أحداً في هذا الأمر([534]).
وكذلك كان حال زوجته الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء "عليها صلوات ربي وسلامه"؛ فإنها لم تزل تتصدق بغلة فدك وغيرها، وتنفق الأموال في سبيل الله سبحانه، لتعيش هي "عليها السلام" حياة الزهد، والعزوف عن الدنيا، وعن زبارجها وبهارجها.
وحتى هذه الموقوفات والصدقات؛ فإنها لم تسلم من الظلم والظالمين، فقد استولى الحكام عليها، ومنعوا من استمرار إنفاقها في سبيل الله، ومن انتفاع الفقراء والمحتاجين بها، ولتصبح بأيدي خصماء أهل البيت من بني أمية، الذين كانوا يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، على حد تعبير علي "عليه السلام" في خطبته الشقشقية المذكورة في نهج البلاغة.
الزهد.. الحرية:
وكلمة أخيرة نود تسجيلها هنا، وهي: أن بعض الناس يرى في الزهد معنى غير واقعي، ولا سليم.
فيرى: أن الزهد هو: أن يلبس الإنسان الخشن، ويأكل من فضول طعام الناس، ويتخلى عن كل شؤون الحياة، فلا يعمل، ولا يسعى، ولا يكد على عياله، ولا يملك شيئاً من حطام الدنيا.. وذلك لأن عمله، وحصوله على المال إنما يعني: أنه يحب الدنيا، وليس ذلك من الزهد في شيء.
وإذا كان لا مال لديه، فلا يكون مكلفاً بشيء، ولا يتحمل أية مسؤولية مالية، لا تجاه نفسه، ولا تجاه غيره.
ونقول:
إن هذا الفهم للزهد، غير مقبول في الإسلام، بل هو خطأ كبير وخطير، فإن الحصول على المال لا ينافي الزهد ما دام يضعه في مواضعه التي يريدها الله، فقد روي عن النبي "صلى الله عليه وآله" قوله: نعم المال الصالح للرجل الصالح([535]).
فالإسلام يقول: إنك إذا استطعت أن تحصل على المال لتوظفه في قضاء حاجات المؤمنين، وليكون وسيلة لإحياء الدين، ونشر تعاليمه، ويكون قوة على الأعداء، وسبباً في دفع البلاء، فإن ذلك لازم إن لم يكن واجباً شرعياً، يعاقب الله على تركه، وعلى عدم التقيد به..
غاية الأمر: أنه يقول: لا يجوز أن يتحول هذا المال إلى إله يعبد، وإلى سيد يطاع، وإلى مالك لرقبة صاحبه، فإنه:
"ليس الزهد أن لا تملك شيئاً، ولكن الزهد أن لا يملكك شيء".
والتعبير عن الزهد بأنه حرية وانعتاق قد ورد عنهم "عليهم الصلاة والسلام" فلتراجع كتب الحديث والرواية([536]).
وهذا بالذات هو المنهج الذي سار عليه النبي "صلى الله عليه وآله" الذي ملك الفيء والخمس وغير ذلك، ولكنه لم يصبح مملوكاً لما ملكه.. وكذلك الحال بالنسبة إلى بضعته الصديقة الطاهرة، وعلي أمير المؤمنين "عليه السلام"، والأئمة الطاهرين من ولده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين..
الزهراء ÷.. في مواجهة التحدي:
إن مطالبة علي "عليه السلام" بأموال بني النضير، ومطالبة الزهراء "عليها السلام" بفدك، وبسهمها بخيبر، وبسهمها من الخمس، وبإرثها أيضاً من أبيها الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله".. وإصرارها على تحدي السلطة في إجراءاتها الظالمة ثم مغاضبتها للغاصبين حتى توفيت، حيث أوصت أن تدفن ليلاً ـ إن ذلك كله ـ لا يمكن تفسيره على أنه رغبة في حطام الدنيا، وحب للحصول على المال.. فإن حياتها وهي الصديقة الطاهرة، والزاهدة، والفانية في الله، حتى إنها كانت تقوم الليل حتى تورمت قدماها..
وكذلك ما شاع وذاع حول كيفية تعاملها مع الأموال التي كانت تحصل عليها من فدك وغيرها، وكيف كانت تصرفها ـ إن ذلك ـ لخير دليل على ما نقول، وأوضح شاهد عليه.
وهذا بالذات هو ما يجعلنا نتساءل عن السر الكامن وراء تلك المطالبة، وذلك الإصرار. ولعلنا نستطيع أن نفسر ذلك بما يلي:
1 ـ إن نفس الانتصار للحق، وتأكيده، ورفض الباطل وإدانته أمر مهم ومطلوب ومحبوب، وهو من القيم والمثل التي لا بد من الالتزام بها والتأكيد عليها، في مختلف الظروف والأحوال.
2 ـ إن في موقف فاطمة الزهراء "عليها السلام" في وقت لا يزال فيه الإسلام طري العود، ويمكن أن يصبح فيه السكوت على الانحراف سبباً في قبول الناس له على أنه أمر لا يتنافى مع أحكام الشرع والدين ـ إن في هذا الموقف ـ حفاظاً على مبادئ الإسلام، وعلى قوانينه وأحكامه، وصيانة له عن الفهم الخاطئ وعن التحريف..
3 ـ إن فاطمة "عليها السلام" بموقفها هذا قد أفهمت كل أحد: أنه لا بد من قول الحق، وإطلاق كلمة "لا" في وجه الحاكم، وأنه ليس في منأى عن الحساب والعتاب والعقاب، وأن الانحراف مرفوض من كل أحد حتى من الحاكم، وليس هو فوق القانون، بل هو حام للقانون، ومدافع عنه، وأن سلطته وحكمه ليس امتيازاً له يصول به على الآخرين، ويستطيل به عليهم، وإنما هو مسؤولية، لا بد أن يطالب هو قبل كل أحد بالقيام بها، وبالالتزام بما يفرض الشرع عليه الالتزام به في نطاقها..
4 ـ إن الاعتراض حيث لا بد منه حتى على الحاكم، مهما كان قوياً وعاتياً، هو مسؤولية كل أحد حتى النساء بالمقدار الذي يمكن، ولا يختص ذلك بالرجال.
5 ـ إن التصدي للمطالبة بالحق وتسجيل الموقف، لا يجب أن ينحصر في صورة العلم بإمكان الحصول على ذلك الحق، أو احتمال ذلك. بل إن ذلك قد يجب حتى مع العلم بعدم إمكان الحصول على شيء. فإن فاطمة "عليها السلام" كانت تعلم بأن مطالبتها لن تجدي شيئاً في إرجاع ما اغتصب منها إليها، ولكنها مع ذلك قد سجلت موقفاً حاسماً وأدانت الانحراف، وتصدت له، وماتت وهي مهاجرة وغاضبة على أولئك الذين أخذوا حقها، واستأثروا به دونها.
وحتى حين طلب منها أمير المؤمنين أن تستقبلهما، فإنها لم تجب بالقبول، بل قالت له "عليه السلام": البيت بيتك، والحرة زوجتك، افعل ما تشاء.
فدخـلا عليهـا، وحـاولا استرضاءها وبكيا لديهـا، ولكنهـا فضحت خطتهما، وأوضحت لهـما، من خـلال حملهـا إيـاهما على الإقرار بأنهما قد أغضباها، وبأن الله يغضب لغضبها، ويرضى لرضاها ـ أوضحت لهما: أنها لا تزال غاضبة ساخطة عليهما([537])، لا سيما وأنهما ما زالا يصران على غصبها حقها، ومنعها إرثها، وسائر أموالها.
وذلك لأنها عرفت أن بكاءهما وخضوعهما لها إنما يرمي إلى التأثير عليها عاطفياً، من دون تقديم أي تراجع عن موقفهما السابق، أو تقديم أي اعتذار مقبول عنه.
ومعنى ذلك هو: أنهما قد أرادا من وراء استرضائهما إياها "عليها السلام"، هو أن يصبح بإمكانهما دعوى: أن فاطمة قد رضيت، وطابت نفسها، بل وأقرتهما على ما فعلاه وسلمت لهما بما ادعياه.
ولكن وصيتها بأن تدفن ليلاً، ثم تنفيذ هذه الوصية من قبل أمير المؤمنين علي "عليه السلام" قد فوت الفرصة على كل دعوى، وسد السبيل أمام أي تزوير.
فلم يبقَ أمام أولئك الذين يقدسون هؤلاء الغاصبين ويؤيدونهم إلا الإعلان بالخلاف، والإصرار على الباطل. بل إن بعضهم لم يستطع إخفاء ما يجنه من حقد وضغينة، فجاهر بالطعن، والانتقاص، والنيل من مقامها، وحاول ـ ما أمكنه ـ تصغير عظيم منزلتها..
فأنكر بعضهم كونها واجبة العصمة([538]) لأجل ذلك، رغم أن الكتاب العزيز قد نص على طهارتها، وعلى أنها بريئة من أي رجس أو رين.. كما أن الحديث المتواتر عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" حول أن الله يغضب لغضبها([539]) يدل على عصمتها كذلك.
لماذا لم يسترجع علي × ما اغتصب؟!
وأما لماذا لم يسترجع علي "عليه الصلاة والسلام" فدكاً وغيرها مما اغتصب منهم "عليهم السلام"، مع أنه كان قادراً على ذلك أيام خلافته..
فقد ذكرت الروايات الواردة عن الأئمة "عليهم السلام" الأسباب التالية:
1 ـ إن الظالم والمظلوم كانا قد قدما على الله عز وجل، وأثاب الله المظلوم، وعاقب الظالم؛ فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب الله عليه غاصبه، وأثاب عليه المغصوب (عن الإمام الصادق "عليه السلام")([540]).
2 ـ للاقتداء برسول الله "صلى الله عليه وآله" لما فتح مكة وقد باع عقيل بن أبي طالب داره؛ فقيل له: يا رسول الله، ألا ترجع إلى دارك؟.. فقال "صلى الله عليه وآله": وهل ترك عقيل لنا داراً، إنَّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منا ظلماً؛ فلذلك لم يسترجع فدكاً لما ولي (عن الإمام الصادق "عليه السلام")([541]).
3 ـ لأنَّا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممن ظلمنا إلا هو (يعني: إلا الله)، ونحن أولياء المؤمنين، إنما نحكم لهم، ونأخذ حقوقهم ممن ظلمهم، ولا نأخذ لأنفسنا (عن الإمام الكاظم "عليه السلام")([542]).
الباب السادس:
حتى الخندق
الفصل الأول: غزوة ذات الرقاع.. تاريخ وأحداث
الفصل الثاني: حدث وتشريع
الفصل الثالث: عظات وكرامات أو سياسات إلهية
الفصل الرابع: بدر الموعد
الفصل الأول:
غزوة ذات الرقاع.. تاريخ وأحداث
بـدايـة:
قد اتضح من كل ما ذكرناه في كتابنا هذا: أن جل إن لم يكن كل ما يذكره المؤرخون والمحدثون من نصوص وآثار يحتاج إلى تمحيص وتحقيق وفق المعايير الصحيحة التي تستطيع أن تقرب إلى ما هو الواقع والصحيح.
وليست النصوص التي نقلت لنا أحداث غزوة ذات الرقاع مستثناة من هذه الظاهرة. ولأجل ذلك، فنحن نورد منها بعض نصوصها، ثم نختار بعضه لنركز الأضواء عليه، بهدف إعطاء صورة متقاربة الملامح عن الواقع والحقيقة، حسبما يتيسر لنا في هذا الظرف، فنقول:
الرصد الدقيق:
إن من الأمور الواضحة: أن ليقظة القائد الفذ، وتنبهه للأمور، ورصدها بدقة ووعي، ثم قدرته على استشفاف المستقبل واستشرافه، دوراً كبيراً في إحكام الأمور، وفي ترسيخ قواعد الحكم والحاكمية، ثم في إبعاد الأخطار عن المجتمع الذي يرعاه، وحسن تدبير شؤونه؛ وسلامة التحرك في نطاق تصريف الأمور على النحو الأفضل والأمثل.
وعلى هذا الأساس نستطيع أن نتفهم بعمق ما نشهده من مبادرات متكررة للرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" لضرب أي تجمع أو تحرك ضد المسلمين، قبل أن يشتد عوده، ولا يعطيه أية فرصة ليتماسك، ويقوى؛ ويستفحل أمره.
وذلك لأن الانتظار إلى أن تحتشد جموع الأعداء معناه أن يواجه المسلمون صعوبات كبيرة وربما خطيرة للتخلص من شرهم، وتفويت الفرصة عليهم.
وهذا ما يفسر لنا ما نجده من رصد دقيق من قبل المسلمين لكل القوى المعادية التي كانت معنية بالوجود الإسلامي في بلاد الحجاز..
ثم نعرف سر السرعة التي كان يظهرها المسلمون في ردة الفعل، والمبادرة إلى حسم الموقف بقوة وحزم، بمجرد تلقيهم أي نبأ يشير إلى وجود حشود، أو استعدادات أو حتى تآمر وتخطيط يستهدفهم.
فيبادرون إلى إرسال السرايا، وتنظيم الغزوات ضد أعدائهم من مجرمين ومتآمرين، ثم تكون النتيجة في أغلب الأحيان هي فرار القوى المعادية، وتفرقهم قبل الإشتباك معهم، أو إثر مناوشات يسيرة، تكون الخسائر فيها معدومة أو تكاد، بل واتفق أن ظفر المسلمون بجميع أعدائهم فقتل من قتل منهم، وأسر الباقون..
نتائج وآثار:
وقد نتج عن ذلك:
1 ـ إن أولئك الأعراب الجفاة، الذين مردوا على شن الغارات، وقطع الطرق، قد أصبحوا يعيشون حالة الرعب والخوف من المسلمين إلى درجة كبيرة. وكانوا إذا تناهى إليهم ما يشير إلى تحرك المسلمين باتجاهم، فإنهم لا يجرؤون على الظهور بمظهر التحدي، ولا يتخذون قراراً بالهجوم، أو التصدي للدفاع، وإنما يقررون الفرار إلى رؤوس الجبال، والتمنع فيها، أو التخفي في أي من المسارب والمهارب، حتى ولو أدى ذلك إلى استيلاء المسلمين على أموالهم، ومواشيهم، وحتى على نسائهم وأولادهم أحياناً.
2 ـ أضف إلى ذلك: أن ذلك قد هيأ الجو للنبي "صلى الله عليه وآله" ليعقد تحالفات كثيرة مع كثير من القبائل في ذلك المحيط. وقد نتج عن ذلك، وعن الجهد الذي بذله "صلى الله عليه وآله" لرد كيد أعدائهم وإفشال مخططاتهم، بواسطة ما أرسله من سرايا وغزوات. أن تأكدت قوة المسلمين، وظهرت شوكتهم، وعرف الناس كلهم مدى تصميمهم على تحقيق أهدافهم، ومواصلة طريقهم الرامي إلى نشر هذا الدين، والدفاع عنه، وبذل كل غال ونفيس في سبيله.
وقد كان من الطبيعي أن ينزعج المكيون لذلك، وأن يضايقهم، ويفقدهم كثيراً من الامتيازات السياسية والعسكرية وغيرها. كما أنه يحد إلى حد بعيد من حريتهم في التحرك لعقد تحالفات واسعة ومؤثرة ضد المسلمين، ما دام أن الكثيرين من سكان المنطقة لن يجرؤوا على عمل من هذا القبيل بسبب هزيمتهم النفسية حسبما تقدم.
3 ـ كما أن ذلك قد هيأ للمسلمين أجواء ومناخات مريحة إلى حد ما استطاعوا فيها مضاعفة نشاطهم الإعلامي، وكان ذلك سبباً في انتشار دعوتهم، وبعد صيتها، حتى أصبحت الحديث اليومي للصغير والكبير في مختلف البلاد، والعباد. وترسخت هذه الدعوة وامتدت جذورها باطراد، واطمأن كثير من الناس إليها، وعولوا عليها. وتلمسوا فيها كل المعاني الخيرة والنبيلة، الموافقة لما تحكم به عقولهم، وتقضي به فطرتهم. وقد ساعد على ذلك ما ظهر لهم من قوة المسلمين، بعد أن بسطوا هيبتهم على المنطقة بأسرها.
غزوة ذات الرقاع:
يذكر المؤرخون: أن قادماً قدم المدينة بجلب له، فأخبر أن أنماراً، وثعلبة، وغطفان قد جمعوا جموعاً بقصد غزو المسلمين. فلما بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك استخلف على المدينة عثمان بن عفان، أو أبا ذر الغفاري، وخرج ليلة السبت لعشر خلون من المحرم في أربع مئة رجل. (وقيل: في سبع مئة([543]) وقيل في ثمان مئة)([544])، حتى أتى وادي الشقرة. فأقام بها يوماً، وبث السرايا، فرجعوا إليه مع الليل؛ وأخبروه: أنهم لم يروا أحداً.
ثم سار "صلى الله عليه وآله" بأصحابه حتى أتى محالهم؛ فلما عاينوا عسكره، ولوا عن المسلمين، وكرهوا لقاءهم، فتسنموا الجبل، وتعلقوا في قلته، ولحق بعضهم ببطون الأودية.
ولم يبق إلا نسوة، فجاء "صلى الله عليه وآله"، فأخذهن، وفيهن جارية وضيئة.
ولم يكن قتال([545]).
ثم قفل "صلى الله عليه وآله" نحو المدينة، وبعث جعال بن سراقة إلى المدينة مبشراً بسلامته، وسلامة المسلمين([546]).
وقدم "صلى الله عليه وآله" صراراً يوم الأحد لخمس ليال بقين من المحرم.
وصرار موضع على ثلاثة أميال من المدينة، وهي بئر جاهلية على طريق العراق([547]).
وكانت هذه الغزوة بأرض غطفان من نجد.
وكانت غيبته "صلى الله عليه وآله" في تلك الغزوة خمس عشرة ليلة([548]).
نقاط لا بد من بحثها:
أما النقاط التي لا بد من بحثها في هذا الفصل، فهي التالية:
1 ـ سبب تسمية هذه الغزوة بذات الرقاع.
2 ـ تاريخ هذه الغزوة، ولسوف نثبت: أن الصحيح هو أنها قد كانت بعد غزوة الحديبية.
3 ـ ثم نشير بعد ذلك إلى ما يحاول أن يدعيه البعض من أن غزوة ذات الرقاع لم تكن واحدة بل هناك غزوتان كل منهما تحمل هذا الاسم.
4 ـ وبعد ذلك يأتي كلام حول أن النبي "صلى الله عليه وآله" حينما خرج إلى ذات الرقاع قد جعل أبا ذر والياً على المدينة.
5 ـ ثم نذكر قصة يقال: إنها جرت لعباد بن بشر وعمار بن ياسر، حينما كانا يحرسان المسلمين في موضع نزلوه وهم راجعون. مع تعليق تحليلي على الحدث.
6 ـ ولا ننسى أن نذكر قصة غورث بن الحارث، وشكوكنا حولها ومبررات هذه الشكوك، ثم نورد القصة الأقرب إلى القبول في هذا المجال، مع تعليق تحليلي حولها.
ونرجئ الحديث عن بقية النقاط المرتبطة بهذه الغزوة إلى فصل لاحق.
فنحن وفقاً لهذا الذي ذكرناه نقول:
التسمية بذات الرقاع:
قد اختلفت كلمات المؤرخين في سبب تسمية هذه الغزوة بذات الرقاع. ونحن نجمل الأقوال في ذلك على النحو التالي:
1 ـ سميت بذات الرقاع: لأنه لم يكن في تلك الغزوة ما يكفي لركوبهم في سيرهم إليها، فنقبت أقدامهم من الحفاء، فلفوا عليها الخرق، وهي الرقاع، كما في البخاري وغيره.
2 ـ سميت بذلك لأن المسلمين رقعوا راياتهم فيها.
3 ـ أو لأن الصلاة قد رقعت فيها، لوقوع صلاة الخوف فيها، قاله الداودي.
4 ـ أو لأجل شجرة كانت هناك يقال لها ذات الرقاع.
5 ـ أو لأجل جبل هناك اسمه الرقاع؛ لأن فيه بياضاً، وسواداً، وحمرة، ويقع قريباً من النخيل، بين السعد والشقرة.
6 ـ أو لأجل أن الخيل كان فيها سواد وبياض، كما قاله ابن حبان، مع احتمال أن يكون ابن حبان قد صحف كلمة "جبل" فقرأها "خيل" كما ذكره البعض([549]).
7 ـ أو لأجل كل الأمور السابقة([550]).
وتحقيق ذلك ليس بذي أهمية، وإن كنا نستبعد بعض ما ذكر كالقول الثالث لما سيأتي من أن صلاة الخوف قد صليت في غزوات أخرى قبل أو بعد هذه الغزوة، فلا وجه لاختصاص هذه الغزوة بهذه التسمية لأجل ذلك.
كما ونستبعد القول الثاني أيضاً بالإضافة إلى أقوال أخرى. وتسمى هذه الغزوة أيضاً بـ "غزوة الأعاجيب" لما وقع فيها من أمور عجيبة. وتسمى أيضاً بـ "غزوة محارب" و "غزوة بني ثعلبة" و "غزوة بني أنمار"([551]).
تاريخ هذه الغزوة:
وقد اختلفوا في تاريخ غزوة ذات الرقاع.
فقال فريق: هي بعد غزوة بني النضير في السنة الرابعة: في شهر ربيع الآخر، وبعض جمادى الأولى([552]).
وحسب قول البعض: إنها بعد غزوة بني النضير بشهرين وعشرين يوماً([553]).
وقال القيرواني: خرج لخمس من جمادى الأولى، وانصرف يوم الأربعاء لثمان بقين منه([554]).
وقال آخرون: إنها كانت في شهر محرم([555]).
وقيل: كانت بعد غزوة بدر الصغرى([556]).
وتردد ابن عقبة في كونها قبل بدر أو بعدها، أو قبل غزوة أحد أو بعدها([557]).
وقيل: كانت في سنة خمس([558]).
وجعلها أبو معشر في سنتين حينما قال: إنها كانت بعد بني قريظة في ذي القعدة، سنة خمس، فتكون ذات الرقاع في آخر هذه السنة، وأول التي تليها([559]).
وقال بعضهم: إنها كانت بعد خيبر سنة سبع([560]). وهو ما ذهب إليه البخاري، وهو ما نذهب إليه أيضاً.
وقال الغزالي: إن غزوة ذات الرقاع آخر الغزوات، قالوا: "وهو غلط واضح، وقد بالغ ابن الصلاح في إنكاره" وقد ذكر ذلك زيني دحلان فراجع([561]).
الصحيح والمعقول:
وبعد ما تقدم نقول: إن تشريع صلاة الخوف، ونزول الآية قد كان في الحديبية، ثم بعد ذلك كانت غزوة ذات الرقاع فصلى النبي فيها صلاة الخوف أيضاً.
ومستندنا في ذلك ما يلي:
1 ـ سيأتي في هذا الفصل: أن صلاة الخوف قد شرعت في غزوة الحديبية([562]).
وأن الصدوق يروي في الفقيه بسند صحيح: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صلى بأصحابه صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع([563]). فتكون متأخرة عن الحديبية.
2 ـ روى أحمد عن جابر قال: "غزا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ست غزوات قبل صلاة الخوف، وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة"([564]).
ومن المعلوم: أن صلاة الخوف قد صليت في غزوة ذات الرقاع، فتكون هذه الغزوة في السنة السابعة بعدها.
لكن عبارة البخاري هكذا: "عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: إن النبي "صلى الله عليه وآله" صلى بأصحابه في الخوف في غزوة السابعة، غزوة ذات الرقاع"([565]).
فإن كان المراد: الغزوة السابعة التي حضرها رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولم يكن فيها جميعها قتال، كانت هذه الغزوة قبل أحد، وهو غير مقبول، للاتفاق على أن ذات الرقاع لم تكن قبل أحد، وإن كان موسى بن عقبة قد تردد في ذلك. لكن تردده في ذلك لا معنى له، للاتفاق على تأخر صلاة الخوف عن هذا التاريخ، بالإضافة إلى الأدلة التي تقدمت وستأتي.
وإن كان المراد: الغزوة السابعة من الغزوات التي حضرها الرسول، مما كان فيه قتال، فإنها تكون والحال هذه بعد خيبر، وهو المطلوب.
وإن كان المراد: السنة السابعة، فهو المطلوب أيضاً، ويؤيد إرادة هذا الأخير رواية مسند أحمد المتقدمة([566]).
ونحن نرجح هذا الشق الأخير، لما ذكرناه وما سيأتي.
وأما الاحتمال الثاني، فيرد عليه: أن غزوة ذات الرقاع لم يقع فيها قتال؛ فما معنى جعلها سابعة للغزوات التي وقع فيها قتال.
والأنسب بالعبارة المنقولة، هو إرادة السنة السابعة، وذلك بملاحظة عدم وجود لام التعريف في المضاف، حيث قال: "غزوة السابعة" ولم يقل: "الغزوة السابعة".
وادعى العسقلاني: أنه لو كان المحذوف هو كلمة سنة لم يحتج البخاري إلى الاستدلال على تأخرها برواية أبي موسى وغيره.
ولعل المراد: غزوة السفرة السابعة.
ونقول:
إن نسبة الغزوة إلى السفرة مما لا يحسن هنا، ونسبتها إلى السنة أنسب وأوضح في التقدير لا سيما مع رواية أحمد المتقدمة، فكلام العسقلاني في غير محله.
ولكن يبقى هنا سؤال، وهو: لماذا يعبر في الرواية عن ذات الرقاع بأنها "غزوة السابعة" مع أن ثمة ما هو أهم منها قد وقع في سنة سبع مثل غزوة خيبر؟!.
إلا أن يجاب عن ذلك: بأن ما وقع فيها من أعاجيب وقضايا قد جعلت لها أهمية خاصة بالنسبة لغيرها من الغزوات. لا سيما وأن غيرها قد عرف باسمه الخاص به، وشاع وذاع أمره بذلك الاسم بالذات. أما بالنسبة لذات الرقاع، فلم يكن الأمر كذلك.
أو فقل: إن من الممكن أن تكون غزوة ذات الرقاع قد حصلت قبل سائر غزوات سنة سبع، فأطلق عليها اسم غزوة السابعة، ثم جاءت سائر الغزوات، فأطلقوا عليها أسماءها الخاصة بها بعد ذلك، فلم يوجب ذلك تغييراً في اسم هذه الغزوة.
أو فقل: لم يوجب ذلك خللاً في فهم المراد من هذه العبارة حين إطلاقها.
3 ـ ما احتج به البخاري من أن أبا موسى الأشعري ذكر أنه قد حضر غزوة ذات الرقاع، فقال: "خرجنا مع النبي "صلى الله عليه وآله" في غزاة، ونحن في ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفـاري، فكنـا نلف على أرجلنا الخـرق، فسميت غـزوة ذات الرقاع"([567]).
وأبو موسى إنما جاء من الحبشة بعد خيبر، فتكون ذات الرقاع بعد خيبر أيضاً.
مؤيدات:
1 ـ ويؤيد ذلك: أن عدداً من المؤرخين يقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد استخلف أبا ذر الغفاري على المدينة حين غزا ذات الرقاع، وأبو ذر إنما قدم المدينة بعد أن مضت بدر، وأحد، والخندق.
وسيأتي توضيح ذلك مع ذكر المصادر إن شاء الله تعالى حين الحديث عن الذي ولاه النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة في هذه الغزاة.
2 ـ ويؤيد ذلك أيضاً: ما روي عن ابن عمر الذي أجازه النبي بالخروج إلى الغزو في وقعة الخندق أنه قال: غزوت مع رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل نجد، فذكر صلاة الخوف([568]).
3 ـ ويؤيد ذلك أيضاً، قول أبي هريرة: "صليت مع النبي "صلى الله عليه وآله" في غزوة نجد صلاة الخوف"، وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" أيام خيبر([569]).
لماذا مؤيدات؟!
ألف: إنما جعلنا تولية أبي ذر على المدينة مؤيداً لا دليلاً، لأنه سيأتي: أنه قد حضر إلى المدينة حينما أسلم سلمان، بسبب ما رآه من علامات النبوة في الرسول "صلى الله عليه وآله"، وقد شهد على كتاب عتق سلمان. كما أن ذلك لا يدل إلا على تأخر غزوة ذات الرقاع عن الخندق، ولا يدل على كونها في السنة السابعة، أو غيرها.
ب: بالنسبة لرواية ابن عمر نقول: إنها لا تدل إلا على أن ذات الرقاع قد كانت بعد الخندق، ولا تدل على أكثر من ذلك.
أضف إلى ذلك: أنه لم ينص على اسم الغزوة، بل ذكر أن ذلك قد حصل في غزوة نجد، فلعل هناك غزوات أخرى قد كانت قبل نجد، وقد صلى فيها النبي "صلى الله عليه وآله" صلاة الخوف أيضاً.
إلا أن يقال: إن غزوة نجد المعهودة في كلماتهم منحصرة بذات الرقاع.
ج: ورواية أبي هريرة، يرد عليها نفس ما يرد على رواية ابن عمر.
كلام الدمياطي:
وقد اتضح من جميع ما تقدم: أنه لا يصغى لقول الدمياطي: إن ما ورد عن أبي موسى في حضوره غزوة ذات الرقاع غلط، لأن جميع أهل السير على خلافه([570]).
وذلك لأن كلام أهل السير لا عبرة به إذا قام الدليل على خطئهم فيه، وقد ثبت عن أهل البيت، وكذلك سائر ما قدمناه من أدلة: أن ذات الرقاع قد كانت في الحديبية، فلا مجال للشك في ذلك، أو التشكيك فيه.
دليل الرأي الآخر:
وبعد ما تقدم نقول:
قد يقال: إن الراجح هو أن تكون غزوة ذات الرقاع قبل الخندق. ومستند ترجيح ذلك ما يلي:
1 ـ ما روي من أن جابراً قد دعا النبي "صلى الله عليه وآله" يوم الخندق إلى طعام في بيته، صنعته زوجته لهم في قصة مفصلة ظهرت فيها كرامة لرسول الله "صلى الله عليه وآله" في ذلك الطعام([571]).
وفي غزوة ذات الرقاع لم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" يعلم شيئاً عن تزوج جابر بأي من النساء منذ استشهد أبوه في أحد، حيث سأله، إن كان قد تزوج أم لا، ثم لما أجابه بالإيجاب، عاد فسأله، إن كانت التي تزوجها بكراً أو ثيباً في محاورة جرت بينهما ستأتي إن شاء الله.
وقد صرح له فيها: بأنه إنما اختارها ثيباً لأجل أن أباه مات وترك له أخوات يحتجن إلى من يجمعهن ويمشطهن، ويقوم عليهن([572]).
ونقول:
إن هذا النص لا يكفي لمعارضة الأدلة المتقدمة، وذلك لإمكان المناقشة في دلالته على المطلوب من حيث أنه يمكن أن يكون جابر قد انفصل عن زوجته الأولى بموت لها أو طلاق، أو تكون قد أصبحت لسبب أو لآخر عاجزة عن القيام بمسؤولياتها تجاه أخواته، وكان "صلى الله عليه وآله" يعلم بذلك، ويعلم أن جابراً قد كان بصدد الزواج من جديد، فجرت المحاورة بينه وبين جابر على النحو المذكور، وكان اعتذار جابر عن اختيار الثيب هو ذلك، ولا يجب أن يكون "صلى الله عليه وآله" عارفاً بما تركه أبو جابر من بنات، أو كان "صلى الله عليه وآله" عارفاً، ولا يمنع ذلك جابراً من جعل ذلك هو العذر لاختياره الثيب للزواج.
غزوتان أم غزوة واحدة:
قد أشار البيهقي إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسماً لغزوتين، إحداهما قبل خيبر، والأخرى بعدها([573]).
وقال الذهبي: "والظاهر أنهما غزوتان"([574]).
ونقول:
إن منشأ هذا الاحتمال هو رواية أبي موسى الأشعري السابقة، وقد تقدم: أن أبا موسى قال: "ونحن في ستة نفر بيننا بعير" وهذا يقرب أن يكون أبو موسى يتحدث عن غزوة ثانية أطلق عليها اسم غزوة ذات الرقاع أيضاً.
ولكننا في قرارة أنفسنا نشك في وجود غزوة من هذا القبيل؛ فإنه يبعد أن يقوم بغزوة يكون قوامها ستة نفر فقط لا غير!!.
ولعل المراد: أن الذين كانوا يعتقبون الجمل مع أبي موسى كانوا ستة أشخاص، في ضمن جيش كثيف يقوده النبي "صلى الله عليه وآله" في غزوة ذات الرقاع.
من استخلف النبي ' على المدينة؟!
يظهر من عدد من المؤرخين: أنهم يرجحون أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد استخلف على المدينة في حال غيابه عنها إلى غزوة ذات الرقاع أبا ذر الغفاري، وليس عثمان بن عفان. لأنهم ذكروا الأول بصورة طبيعية، ثم عقبوا ذلك بالإشارة إلى تولية عثمان بلفظ قيل([575])، وإن ادعى ابن عبد البر: أن عليه الأكثر.
وقد ناقش في أن يكون أبو ذر هو المتولي لها بأن أبا ذر لما أسلم رجع إلى بلاد قومه، فلم يجئ حتى مضت بدر وأُحد، والخندق([576]).
ولكن هذه المناقشة موضع نظر:
أولاً: لأن ثمة ما يدل على قدوم أبي ذر إلى المدينة قبل الخندق، حيث إنه قد شهد على كتاب عتق سلمان وهو مؤرخ في السنة الأولى للهجرة([577]).
ثانياً: هناك حديث آخر يذكر فيه أن أبا ذر كان حين قضية سلمان في المدينة، وذلك حين كان في حائط لمولاته، فجاء النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي "عليه السلام"، وأبو ذر، والمقداد، وعقيل، وحمزة وزيد بن حارثة، ولم يكن سلمان يعرفهم.
ثم ذكر قصته معهم والعلامات التي وجدها في النبي "صلى الله عليه وآله"، وبعض أسانيد هذه الرواية صحيح فراجع المصادر([578]).
ثالثاً: يؤيد ذلك مؤاخاة النبي "صلى الله عليه وآله" فيما بين سلمان وأبي ذر([579]).
إلا أن يدَّعى: أنه إنما آخى بينهما بعد غزوة الخندق فلاحظ!.
رابعاً: إن ما ذكروه إنما يتم بناء على ما قيل من أن غزوة ذات الرقاع قد كانت قبل غزوة الخندق، وأما بناء على ما هو الصحيح من أنها إنما كانت بعد خيبر، فلا يبقى محذور في أن يكون أبو ذر هو الذي ولي المدينة، بعد قدومه إليها بعد الخندق.
تضحيات عباد بن بشر:
وفي غزوة ذات الرقاع نزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليلاً، وكانت ليلة ذات ريح، وكان نزوله في شعب استقبله.
فقال: من رجل يكلؤنا هذه الليلة؟ فقام عبَّاد بن بشر أو عمارة بن حزم، وقام أيضاً عمار بن ياسر، فقالا: نحن يا رسول الله نكلؤكم.
وعبارة البعض: انتدب رجل مهاجري، وآخر أنصاري فجلسا على فم الشعب، فقال عبَّاد لعمار: أنا أكفيك أول الليل، وتكفيني آخره، فنام عمار، وقام عباد يصلي.
وكان زوج بعض النسوة اللاتي أصابهن رسول الله "صلى الله عليه وآله" غائباً، فلما جاء وعرف ما جرى، تتبع الجيش، وحلف لا ينثني حتى يصيب محمداً، أو يهريق في أصحاب محمد دماً.
فلما رأى سواد عباد قال: هذا ربيئة القوم، ففوّق سهماً فوضعه فيه، فانتزعه عباد، فرماه بآخر، فانتزعه، فرماه بثالث فانتزعه كذلك. فلما غلبه الدم أيقظ عماراً، فلما رأى ذلك الرجل عماراً جلس علم أنه قد نذر به فهرب.
فقال عمار لعباد: ما منعك أن توقظني له في أول سهم يرمي به؟
فقال: كنت أقرأ في سورة الكهف فكرهت أن أقطعها. أضاف في نص آخر: فلما تابع علي الرمي أعلمتك.
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" جعلهما بإزاء العدو فرمي أحدهما بسهم وهو يصلي، فأصابه، ونزفه الدم ولم يقطع صلاته، ثم رماه بثان وثالث وهو يصيبه ولم يقطع صلاته.
ويقال: إن عبَّاداً قال معتذراً عن إيقاظ صاحبه: لولا أني خشيت أن أضيع ثغراً أمرني به رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما انصرفت ولو أتى على نفسي([580]).
ويقال: إن الأنصاري هو عمارة بن حزم([581]).
قال الحلبي الشافعي: "وبهذه الواقعة استدل أئمتنا على أن النجاسة الحادثة من غير السبيلين لا تنقض الوضوء؛ لأنه "صلى الله عليه وآله" علم ذلك ولم ينكره. وأما كونه صلى مع الدم، فلعل ما أصاب ثوبه وبدنه منه قليل. ولا ينافي ذلك ما تقدم في الرواية قبل هذه: فلما غلبه الدم. إذ يجوز مع كونه كثيراً أنه لم يصب ثوبه ولا بدنه إلا القليل منه"([582]).
تسجيل تحفظ:
ونحن وإن كنا لا نملك معطيات كثيرة في مجال البحث حول هذه القضية، إلا أننا نرتاب في أن يكون الذي تعرض للسهام هو خصوص عباد بن بشر، لأننا نشعر من خلال مراجعة ما لدينا من نصوص حول هذا الرجل: أنه كان موضع اهتمام فريق خاص يعنى بتسجيل الكرامات له، فراجع ترجمته([583]).
كما أن ما ذكر آنفاً لتصحيح صلاة عبَّاد بالدماء ليس كافياً في ذلك كما هو ظاهر.
مع الحدث في مراميه ودلالاته:
إن من الواضح: أن حرب بدر بكل ظروفها، وأحداثها وملابساتها قد أقنعت أهل الإيمان بأن الجهاد ليس مجرد إنجاز عسكري يتجلى ويتجسد من خلال جهد يبذل في ساحة القتال، تتجلى فيه فاعلية السلاح المتفاعل مع عنصري الشجاعة الذاتية من جهة، والطموح من جهة أخرى، حيث يرسم معالمهما جهد تربوي، وتعليمي، وشحن روحي ونفسي، بالإضافة إلى تأثير النواحي التنظيمية، وما يتبع ذلك من تخطيط عسكري مستند إلى الخبرات الواسعة، والدراسات المعمقة، إلى أن ينتهي الأمر بحسن الأداء، والدقة في التنفيذ والالتزام.
إن حرب بدر ثم ما تلاها من حروب وأحداث، وكذلك ما سبقها من ذلك أيضاً قد أقنعت أهل الإيمان: بأن الحرب ليست هي مجرد ما ذكرناه آنفاً.
وإنما الحرب والجهاد عبادة وفناء في ذات الله، وباب قد فتحه الله ولكن ليس لكل أحد، وإنما لخاصة أوليائه، حيث يخرج من عالم ويدخل من ذلك الباب إلى عالم جديد بكل ما لهذه الكلمة من معنى. يعبر الإنسان فيه بوابة الموت ليصل إلى الحياة، وهي الحياة الحقيقية التي يصبح فيها هؤلاء الأموات الأحياء شهداء على الناس؛ لأنهم أصبحوا قادرين على فهم الواقع بعمق، ومن دون أية حواجز وموانع تقلل من درجة الإدراك، سواء كانت تلك الحواجز مادية ـ ولو كانت هي نفس الوسائل التي يستخدمها الإنسان للحصول على العلم بما يحيط به من حوله ـ أو كانت من نوع الشهوات والأهواء، وغيرهما مما يمنع من إدراك الأشياء على حقيقتها.
فالصلاة والجهاد من سنخ واحد. فإذا كانت الصلاة تساعد الإنسان على ممارسة الجهاد الأكبر الذي هو جهاد النفس، فإن القتال والحرب جهاد أصغر يمكّن من دحر العدو الذي يهدف إلى تسديد الضربة إلى الإسلام والمسلمين، أو يهدف إلى سلب الإنسان المسلم حرية الرأي وحرية الاعتقاد، وحرية التفكير، وحرية الممارسة.
ولأجل هذه السنخية بين الصلاة وبين الجهاد، فإننا لا نستغرب بعد هذا أن يكون أولئك المجاهدون، الذين يقفون في موقع متقدم لحمايته من الأعداء، تنصرف همتهم في هذه المواقع بالذات إلى ممارسة الجهاد الأصغر، والتربية النفسية عن طريق ترويض النفس، وتربيتها بالصلاة التي هي عمود الدين.
فتكون الصلاة والعبادات هي الشغل الشاغل لهم في هذه المواقع بالذات، حيث يرون أنفسهم فيها فيما بين الدنيا والآخرة، فتلين قلوبهم، وتصبح نفوسهم أكثر شفافية وصفاء، ويصبحون أكثر شجاعة وصبراً وتحملاً للمكاره.. وما قصة عبَّاد وعمار المذكورة إلا شاهد صدق على ما نقول.
2 ـ إننا نلاحظ: أن الرجل الذي استهدفه ذلك المشرك بسهامه لم يوقظ رفيقه لانهزامه أمام سهام ذلك العدو الغادر، وإنما من إحساسه بالمسؤولية تجاه ما كلفه به النبي "صلى الله عليه وآله". فهو يوقظه لأنه يريد مواصلة الصمود بذلك، لكي لا يضيع ثغراً من ثغور المسلمين. أي أنه لم يوقظه ليستعين به على الدفع عن نفسه، وليجد فيه قوة له كفرد، وإنما أراده ليحفظ الإسلام وثغوره.
قصة غورث بن الحارث:
ويذكر المؤرخون والمحدثون هنا قصة مفادها:
أنه حين تحصن بنو محارب في رأس جبل في غزوة ذات الرقاع قال لهم غورث بن الحارث: ألا أقتل لكم محمداً؟!
قالوا: بلى، وكيف تقتله؟!
قال: أفتك به. أي يقتله على حين غفلة.
فجاء إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وسيفه "صلى الله عليه وآله" في حجره، فقال: يا محمد، أرني أنظر إلى سيفك هذا (وكان محلى بفضة)([584])، فأخذه من حجره؛ فاستله، ثم جعل يهزه، ويهم به، فيكبته الله (أي يخزيه) ثم قال: يا محمد، أما تخافني؟!
قال: لا، بل يمنعني الله تعالى منك.
ثم دفع السيف إليه "صلى الله عليه وآله" فأخذه النبي "صلى الله عليه وآله" وقال: من يمنعك مني؟!
قال: كن خير آخذ.
قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله..
قال: أعاهدك على أني لا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك.
قال: فخلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" سبيله؛ فجاء قومه، فقال: جئتكم من عند خير الناس!!.
زاد في بعض المصادر قوله: وأسلم هذا بعد، وكانت له صحبة([585]).
زاد في نص آخر قوله: فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلاة الخوف فكانت للنبي "صلى الله عليه وآله" أربع ركعات، وللناس ركعتين([586]).
وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما هم غورث برسول الله "صلى الله عليه وآله" "منعه الله عز وجل لذلك، وانكب على وجهه، فنزلت: ?يَا أَيُّهَآ الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ?([587]) الآية.
ولهذه الرواية نص آخر: لا يختلف كثيراً عما ذكرناه فراجع([588]).
قال القسطلاني وغيره: "وذكر الواقدي في نحو هذه القصة: أنه أسلم، ورجع إلى أهله، فاهتدى به خلق كثير"([589]).
قصة أخرى تشبه قصة غورث:
وهناك قصة أخرى يقال: إنها قد حصلت في هذه الغزوة أيضاً، وهي تشبه قصة غورث. وقد استبعد البعض اتحاد القصتين، لاختلاف سياقهما.
وملخصها: أنه "صلى الله عليه وآله" لما قفل راجعاً إلى المدينة أدركته القائلة يوماً بواد كثير العظاه، أي الأشجار العظيمة، التي لها شوك، وتفرق الناس في العظاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" تحت ظل شجرة ظليلة.
قال جابر: تركناها للنبي "صلى الله عليه وآله"؛ فعلق "صلى الله عليه وآله" سيفه فيها؛ فنمنا نومة فإذا رسول الله "صلى الله عليه وآله" يدعونا؛ فجئنا إليه؛ فوجدنا عنده أعرابياً جالساً، فقال:
"إن هذا اخترط سيفي، وأنا نائم، فاستيقظت، وهو في يده مصلتاً، فقال لي: من يمنعك مني؟!
قلت: الله.
قال ذلك ثلاث مرات، فشام السيف، وجلس، فلم يعاقبه رسول الله".
وعند مسلم والبخاري، وفي فتح الباري: فهدده أصحاب رسول الله، فأغمد السيف وعلقه([590]).
وفي رواية أخرى: "أنه جعل يضرب برأسه الشجرة، حتى انتثر دماغه"([591]).
زاد في نص آخر قوله: "فأغمد السيف وعلقه، فنودي بالصلاة، فصلى بطائفة ركعتين ثم تأخروا" وذكر صلاة الخوف([592]).
ونص آخر يقول: "كان قتادة يذكر نحو هذا ويقول: إن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي "صلى الله عليه وآله"؛ فأرسلوا هذا الأعرابي، ويتلو: ?اذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ..?([593]).
ونقول:
إننا نشك في صحة هذه القصة وتلك، على حد سواء.
ونذكر القارئ: بأن هذه القصة تشبه قصة دعثور، التي يقال: إنها كانت في غزوة ذي أمر، بل لقد قال البعض إنهما قضية واحدة([594]).
كما أنها تشبه قصة عمرو بن جحاش، التي يقال: إنها قد حصلت في غزوة بني النضير([595]).
وقد تحدثنا عن القصة الأولى في الجزء الرابع من هذا الكتاب.
وأشرنا إلى الإشكال في الثانية في فصل: الجزاء الأوفى، تحت عنوان: نزول آية سورة المائدة في بني النضير.
وفي الشفاء: "وقد حكيت مثل هذه الحكاية: أنها جرت له يوم بدر، وقد انفرد عن أصحابه لقضاء حاجته، فتبعه رجل من المنافقين، وذكر مثله"([596]).
ونكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:
أولاً: إن هذه القضايا لا يمكن قبولها؛ لأنها تصور لنا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بصورة إنسان بسيط وساذج، لا يفكر بعواقب الأمور، بل يخدعه أعرابي، دون أن يستعمل أي أسلوب متميز، بل هو لا يزيد على أن طلب منه أن يعطيه سيفه، لينظر إليه.
ومعنى ذلك هو أن هذا النبي، الذي يطلب من أي مؤمن عادي أن يكون كيِّساً وفطناً، وحذراً([597])، لم يلتزم هو بأبسط قواعد الحذر أو الكياسة والفطانة، وقد أمر الله المؤمنين بالحذر في صلاة الخوف، وأمرهم بذلك أيضاً في قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً?([598]).
ثانياً: إن هذا النبي الكريم والعظيم "صلى الله عليه وآله" هو الذي أمر باتخـاذ الحرس للجيش يطـوفـون به، وكان مواظباً على الاستعـانة بهم، والاعتماد عليهم في غزواته([599]).
وأين كان عنه علي "عليه السلام" الذي كان يتولى حراسته بنفسه، في الحضر، وفي السفر، وكان في حرب بدر والحرب قائمة لا يزال يتفقد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في موضعه([600])؟
وكان هو المدافع عنه والحامي له في حرب أحد، وفي غيرها. وكان له في مسجد النبي "صلى الله عليه وآله" أسطوانة أمام الحجرة، يجلس إليها لحراسته "صلى الله عليه وآله"([601]).
وزعموا: أن غير علي "عليه السلام" أيضاً كان يحرس النبي "صلى الله عليه وآله"([602]).
ثالثاً: كيف يترك جيش بأكمله قائدهم، ونبيهم وحيداً فريداً في غابة، تكثر فيها المفاجئات، ولا يلتفت ولو واحد منهم إلى رجل يتسلل إلى موضعه "صلى الله عليه وآله"، حتى يهدد حياته بخطر أكيد؟ ثم ينجيه الله منه.
وهل نام الجيش بأكمله في آن واحد؟!
رابعاً: قد ذكرت بعض النصوص ما يفيد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قـد صلى بأصحـابـه صـلاة الخوف في هـذه المناسبة، مـع أنـه لم يكن ـ حسبما يستظهر من تلك النصوص ـ يواجه عدواً يخشاه، بل كان ذلك في طريق عودته إلى المدينة.
وإن كان يظهر من بعض الروايات الأخرى: أن ذلك كان حينما كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يواجه أعداءه في غزوة ذات الرقاع.
خامساً: قد ذكرنا فيما سبق أن آية: ?اذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ?([603])، قد وردت في سورة المائدة. وهي قد نزلت قبل وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" بشهرين أو ثلاثة دفعة واحدة على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([604]).
إلا أن يدَّعى: تكرر نزول الآية، وهو يحتاج إلى إثبات، ما دام أنه لا يمكن إبقاء آية معلقة بالهواء عدة سنوات والقرآن ينزل، ثم تنزل سورة، فيأتي بها ويضعها فيها.
سادساً: الآية ذكرت: أن قوماً قد هموا أن يبسطوا أيديهم لضرب المسلمين، وهي لا تناسب شخصاً واحداً كما هو مورد البحث هنا. ومن يدري، فقد تكون هذه الآية قد نزلت في الذين تآمروا على النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة العقبة، لينفروا به ناقته، ويقتلوه.
سابعاً([605]): يلاحظ مدى التناقض فيما يرتبط بمصير هذا الرجل الذي تقول رواية: إنه ضرب رأسه بالشجرة حتى انتثر دماغه، وأخرى تقول: إنه أسلم واهتدى به خلق كثير.
وتناقض آخر: وهو أنه لما دعا رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه، وجدوا رجلاً جالساً عنده، فأخبرهم النبي "صلى الله عليه وآله" بما جرى له معه.
وفي رواية أخرى: أنهم تهددوه حتى أغمد السيف.
وفي النص الأول المتقدم: أنه رد السيف إلى النبي "صلى الله عليه وآله".
وفي نص رابع: أن جبريل دفع في صدره فوقع السيف من يده([606]).
إلى تناقضات أخرى: يستطيع من يقارن بين نصوص الروايات أن يقف عليها، ويلتفت إليها.
ثامناً: لماذا يعيد غورث بن الحارث السيف إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حسبما ذكرته الرواية الأولى؟!
هذا كله: عدا عن عدم معقوليته أن يضرب رأسه حتى ينتثر دماغه، سوف يغمى عليه من أول ضربة شديدة يتعرض لها رأسه.
نقول ذلك كله: مع أننا على يقين من أن من الممكن أن يتسلل بعض الناس إلى جهة النبي "صلى الله عليه وآله"، في ظروف معينة. ولكن بغير هذه الطريقة وليس على حساب كرامة النبي "صلى الله عليه وآله"، حين يكون الهدف هو النيل من شخصيته بصورة أو بأخرى.
القصة الأقرب إلى القبول:
ونعتقد: أن القصة الأقرب إلى القبول هي ما رواه أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله "عليه السلام"، قال:
"نزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" في غزوة ذات الرقاع تحت شجرة، على شفير واد، فأقبل سيل، فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل من المشركين، والمسلمون قيام على شفير الوادي ينتظرون متى ينقطع السيل، فقال رجل من المشركين لقومه: أنا أقتل محمداً.
فجاء وشد على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالسيف، ثم قال: من ينجيك مني يا محمد؟.
فقال: ربي وربك، فنسفه جبرئيل "عليه السلام" عن فرسه فسقط على ظهره، فقام رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأخذ السيف وجلس على صدره وقال: من ينجيك مني يا غورث؟!
فقال: جودك وكرمك يا محمد. فتركه، فقام، وهو يقول: والله، لأنت خير مني وأكرم"([607]).
كيف نفهم هذه القصة؟!
وبعد.. فإنه إذا كان لهذه القصة أصل، وقبلنا منها ما يتوافق مع الضوابط العامة، ومع النظرة الواقعية لشخصية رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومع الظروف التي كانت قائمة آنذاك،
وبعد أن تصبح عناصر القصة في حدود المعقول والمقبول، فإننا إذا أردنا أن نستفيد منها في مجال التقييم والتقويم، فإن ما يمكن أن نقوله هو:
إن الله لم يزل يرعى نبيَّه، ويُظهر له المزيد من الكرامة، ويحوطه بألطافه، ويكلؤه، ويحفظه، ويصونه.
ويلفت نظرنا هنا: تأثير جواب النبي "صلى الله عليه وآله" لذلك الرجل بأن الله هو الذي يمنعه منه، في ظرف لم يكن ذلك الرجل يفكر بالله سبحانه، ولا يخطر في باله أن يتدخل الله في موقف كهذا لنصرة أي من الفريقين، ورأى من ثقة النبي "صلى الله عليه وآله" بالله واعتماده عليه حتى إنه لم تتطرق ذرة من الخوف إلى قلبه الشريف حتى في موقف كهذا ـ رأى من ذلك ما أرعبه، وهز كيانه، وأثار أمامه أكثر من سؤال، فتزعزعت الثوابت التي كانت تتحكم في كيانه وتهيمن على وجوده. فلم يعد ثمة ما يحمي له قراره بقتل محمد، وأصبحت اليد الممدودة ليس لها مدد من إرادة، ولا رافد من عزيمة، فكان من الطبيعي أن تسقط، ويسقط السيف الذي كانت تحمله.
ثم لما رأى السيف في يد النبي "صلى الله عليه وآله"، ورجع إلى كيانه ووجوده، فرآه موزعاً وخاوياً، وراجع حساباته كلها، فرأى أنه لا يملك أي رصيد يخوله أن يعتمد عليه، ويستند إليه، كان لا بد له من الاعتراف بأن لا أحد يمنع أو يدفع عنه، فما دام الله ليس معه، فإنه لا أحد معه، وهذه حقيقة لا بد من الاعتراف بها والانصياع لها قبل فوات الأوان، وهكذا كان.
الفهارس
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الرابع: دلالات وعبر ........................................... 5 ـ 30
الباب الخامس: غزوة بني النضير
الفصل الأول: النصوص والآثار .................................... 33 ـ 62
الفصل الثاني: قبل أن تدق الطبول ................................ 63 ـ 110
الفصل الثالث: القرار والحصار ................................. 111 ـ 170
الفصل الرابع: الجزاء الأوفى .................................... 171 ـ 232
الفصل الخامس: كي لا يكون دولة بين الأغنياء ............. 233 ـ 264
الفصل السادس: أراضي بني النضير والكيد السياسي ...... 265 ـ 308
الباب السادس: حتى الخندق
الفصل الأول: غزوة ذات الرقاع.. تاريخ وأحداث .......... 311 ـ 348
الفهارس .............................................................. 349 ـ 360
2 ـ الفهرس التفصيلي
الفصل الرابع: دلالات وعبر
يكفينيك الله، وابنا قيلة:........................................................... PAGEREF _Toc104169651 \h 7
النبي ' يُحمِّل أبا براء المسؤولية:............................................. PAGEREF _Toc104169652 \h 8
شرف التواضع.. وذل الغطرسة:.............................................. PAGEREF _Toc104169653 \h 9
الرسل لا تقتل:.................................................................. PAGEREF _Toc104169654 \h 10
ديَّة الرجلين، لماذا؟!........................................................... PAGEREF _Toc104169655 \h 12
الأفق الضيق:.................................................................... PAGEREF _Toc104169656 \h 13
خلافة النبوة:..................................................................... PAGEREF _Toc104169657 \h 14
المشركون في مواجهة الوجدان:............................................. PAGEREF _Toc104169658 \h 16
رفضه ' هدية ملاعب الأسنة، منطلقاته، ودلالاته:.................... PAGEREF _Toc104169659 \h 17
المنطق القبلي مرفوض في الإسلام:........................................ PAGEREF _Toc104169660 \h 20
مصير زيد بن قيس، وابن الطفيل:.......................................... PAGEREF _Toc104169661 \h 21
فزت والله:........................................................................ PAGEREF _Toc104169662 \h 21
الباب الخامس: غزوة بني النضير
الفصل الأول: النصوص والآثار
تمهيد ضروري:................................................................ PAGEREF _Toc104169672 \h 35
نص ابن كثير:................................................................... PAGEREF _Toc104169673 \h 38
قصة عمرو بن سُعدى القرظي:............................................. PAGEREF _Toc104169674 \h 48
القتال.. في بني النضير:....................................................... PAGEREF _Toc104169675 \h 51
نصوص أخرى حول قضية بني النضير:................................. PAGEREF _Toc104169676 \h 53
ليخبرن بما هممتم به:.......................................................... PAGEREF _Toc104169677 \h 58
الفصل الثاني: قبل أن تدق الطبول
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc104169680 \h 65
الاختلافات الفاحشة:........................................................... PAGEREF _Toc104169681 \h 65
تاريخ غزوة بني النضير:..................................................... PAGEREF _Toc104169682 \h 66
تذكير بما سبق:.................................................................. PAGEREF _Toc104169683 \h 69
تهافت ظاهر:.................................................................... PAGEREF _Toc104169684 \h 76
سبب غزوة بني النضير:...................................................... PAGEREF _Toc104169685 \h 76
رواية لا يعتمد عليها:.......................................................... PAGEREF _Toc104169686 \h 82
نقض العهد.. والتكبير:......................................................... PAGEREF _Toc104169687 \h 83
نقض العهد والمؤامرة:......................................................... PAGEREF _Toc104169688 \h 85
المعاهدات في الإسلام:........................................................ PAGEREF _Toc104169689 \h 86
من عهد الأشتر:................................................................. PAGEREF _Toc104169690 \h 87
الوفاء بالعهد:.................................................................... PAGEREF _Toc104169691 \h 90
الشرط الأساس في كل عهد:.................................................. PAGEREF _Toc104169692 \h 90
العهود لا تنقض، وهي ملزمة للجميع:...................................... PAGEREF _Toc104169693 \h 91
إحترام أمور المعاهدين:....................................................... PAGEREF _Toc104169694 \h 93
المعاهدون لا يُجْفَوْن ولا يُقْصَوْن:........................................... PAGEREF _Toc104169695 \h 93
من نتائج الصلح والعهد:....................................................... PAGEREF _Toc104169696 \h 94
العهد.. والحذر:.................................................................. PAGEREF _Toc104169697 \h 95
الخيانة في حجمها الكبير:..................................................... PAGEREF _Toc104169698 \h 96
الوفاء بالعهد ضرورة حياتية:................................................ PAGEREF _Toc104169699 \h 97
الغدر عجز، وعدم ورع:...................................................... PAGEREF _Toc104169700 \h 98
الغادر هو الذي يعاقب:........................................................ PAGEREF _Toc104169701 \h 99
السلاح في أيدي المعاهدين:................................................... PAGEREF _Toc104169702 \h 99
موقف له دلالاته:............................................................. PAGEREF _Toc104169703 \h 100
وفاء اليهودي هو الغريب المستهجن:..................................... PAGEREF _Toc104169704 \h 102
الجرأة ومبرراتها:............................................................ PAGEREF _Toc104169705 \h 104
التصوير الحاقد، والتزوير الرخيص:.................................... PAGEREF _Toc104169706 \h 107
مزيد من التجني:.............................................................. PAGEREF _Toc104169707 \h 108
الفصل الثالث: القرار والحصار
القرار الحكيم:................................................................. PAGEREF _Toc104169710 \h 113
لماذا كان الرسول ' أوسياً؟:............................................... PAGEREF _Toc104169711 \h 115
حامل اللواء:................................................................... PAGEREF _Toc104169712 \h 117
الفتح على يد علي ×:....................................................... PAGEREF _Toc104169713 \h 120
1 ـ الحكمة.. والمعجزة:........................................... PAGEREF _Toc104169714 \h 122
2 ـ الشعور بالمسؤولية:........................................... PAGEREF _Toc104169715 \h 123
3 ـ الأسرار العسكرية:............................................ PAGEREF _Toc104169716 \h 123
4 ـ دراسة شخصية العدو:........................................ PAGEREF _Toc104169717 \h 124
5 ـ إستباق مخططات العدو:..................................... PAGEREF _Toc104169718 \h 124
6 ـ العمليات الوقائية:.............................................. PAGEREF _Toc104169719 \h 125
7 ـ إرهاصات:...................................................... PAGEREF _Toc104169720 \h 125
8 ـ الفتح على يد علي ×:........................................ PAGEREF _Toc104169721 \h 126
9 ـ قتل قائد المجموعة:........................................... PAGEREF _Toc104169722 \h 127
10 ـ الإشكال في شعر حسان:................................... PAGEREF _Toc104169723 \h 127
تحديد المواقع:................................................................. PAGEREF _Toc104169724 \h 128
1 ـ بنو النضير شرقي المدينة:................................... PAGEREF _Toc104169725 \h 130
مناقشة للسمهودي لا تصح:............................ PAGEREF _Toc104169726 \h 134
مناقشة أخرى وردها:.................................... PAGEREF _Toc104169727 \h 135
2 ـ قرب بني خطمة إلى بني النضير:.......................... PAGEREF _Toc104169728 \h 135
خلاصة أخيرة:................................................................ PAGEREF _Toc104169729 \h 139
مناقشة مع الواقدي:.......................................................... PAGEREF _Toc104169730 \h 139
قطع النخل، أو حرقه:....................................................... PAGEREF _Toc104169731 \h 140
عدد النخلات المقطوعة؟!.................................................. PAGEREF _Toc104169732 \h 142
تفاصيل أخرى في حرق وقطع النخيل:.................................. PAGEREF _Toc104169733 \h 143
1 ـ لماذا ابن سلام؟!............................................... PAGEREF _Toc104169734 \h 145
2 ـ شكوك تصل إلى حد التهمة:................................. PAGEREF _Toc104169735 \h 145
البعض لم يفهم الآية:..................................... PAGEREF _Toc104169736 \h 146
3 ـ الحرق أم القطع؟!.............................................. PAGEREF _Toc104169737 \h 147
الحكم الفقهي في قطع الأشجار وحرقها:............. PAGEREF _Toc104169738 \h 147
حرق النخيل، والفساد في الأرض:................... PAGEREF _Toc104169739 \h 148
جواب السهيلي، لا يصح:............................... PAGEREF _Toc104169740 \h 150
ضرورة قطع الأشجار، وحرقها:..................... PAGEREF _Toc104169741 \h 156
المهاجرون!! وقطع النخل:............................. PAGEREF _Toc104169742 \h 161
التصويب في الاجتهاد:...................................................... PAGEREF _Toc104169743 \h 165
هذا الشعر لمن؟!.............................................................. PAGEREF _Toc104169744 \h 167
الفصل الرابع: الجزاء الأوفى
تحسبهم جميعاً، وقلوبهم شتى:............................................. PAGEREF _Toc104169747 \h 173
اليهود والمنافقون لا ينصرون حلفاءهم:................................. PAGEREF _Toc104169748 \h 176
يخربون بيوتهم بأيديهم:..................................................... PAGEREF _Toc104169749 \h 178
نجاف الباب ووصية موسى:............................................... PAGEREF _Toc104169750 \h 181
روايات غير موثوق بصحتها:............................................. PAGEREF _Toc104169751 \h 182
لأول الحشر:................................................................... PAGEREF _Toc104169752 \h 183
سبب إخراج عمر لليهود:................................................... PAGEREF _Toc104169753 \h 189
دعاوى لا تصح:.............................................................. PAGEREF _Toc104169754 \h 201
الرواية الأقرب إلى القبول:................................................. PAGEREF _Toc104169755 \h 203
لا إكراه في الدين:............................................................ PAGEREF _Toc104169756 \h 203
إلى خيبر، أم إلى الشام؟..................................................... PAGEREF _Toc104169757 \h 205
السلاح للمؤمنين فقط:....................................................... PAGEREF _Toc104169758 \h 207
حزن المنافقين:................................................................ PAGEREF _Toc104169759 \h 208
نماذج مثيرة:................................................................... PAGEREF _Toc104169760 \h 210
حسان بن ثابت يتعاطف مع اليهود:....................................... PAGEREF _Toc104169761 \h 210
رواية شاذة لابن عمر:....................................................... PAGEREF _Toc104169762 \h 213
رواية أخرى تحتاج إلى إصلاح:.......................................... PAGEREF _Toc104169763 \h 214
بنو النضير بمنزلة بني المغيرة:........................................... PAGEREF _Toc104169764 \h 215
ملاحظة:....................................................................... PAGEREF _Toc104169765 \h 221
نزول آية سورة المائدة في بني النضير:................................. PAGEREF _Toc104169766 \h 221
التربية القرآنية:............................................................... PAGEREF _Toc104169767 \h 222
الله هو الذي أخرجهم:........................................................ PAGEREF _Toc104169768 \h 223
العز، والذل.. بماذا؟.......................................................... PAGEREF _Toc104169769 \h 225
مبالغات لا مبرر لها:......................................................... PAGEREF _Toc104169770 \h 226
صلاة الخوف في بني النضير:............................................ PAGEREF _Toc104169771 \h 229
تحريم الخمر في غزوة بني النضير:..................................... PAGEREF _Toc104169772 \h 229
الفصل الخامس: كي لا يكون دولة بين الأغنياء
الخيانة والفداء:................................................................ PAGEREF _Toc104169775 \h 235
أموال بني النضير في النصوص والآثار:............................... PAGEREF _Toc104169776 \h 235
أموال بني النضير لم تخمس:............................................... PAGEREF _Toc104169777 \h 239
توضيحات للواقدي:.......................................................... PAGEREF _Toc104169778 \h 241
ألف: التعبير بـ "صدقات" و "صوافي":.................... PAGEREF _Toc104169779 \h 241
ب: حبائل ماكرة أخرى:.......................................... PAGEREF _Toc104169780 \h 242
أموال بني النضير فيء أم غنيمة؟......................................... PAGEREF _Toc104169781 \h 244
الجواب الأمثل:................................................................ PAGEREF _Toc104169782 \h 246
المهاجرون.. وأموال بني النضير:........................................ PAGEREF _Toc104169783 \h 247
حكاية قسمة الأراضي:...................................................... PAGEREF _Toc104169784 \h 248
محاسبات دقيقة:.............................................................. PAGEREF _Toc104169785 \h 249
المستفيدون من أراضي بني النضير:..................................... PAGEREF _Toc104169786 \h 253
نصان غير متوافقين:........................................................ PAGEREF _Toc104169787 \h 256
كي لا يكون دولة بين الأغنياء............................................. PAGEREF _Toc104169788 \h 257
لماذا اختص ذوو القربى بالخمس والفيء؟.............................. PAGEREF _Toc104169789 \h 261
الفصل السادس: أراضي بني النضير والكيد السياسي
الغاصبون:..................................................................... PAGEREF _Toc104169792 \h 267
نص الرواية:.................................................................. PAGEREF _Toc104169793 \h 267
المؤاخذات التي لا محيص عنها:.......................................... PAGEREF _Toc104169794 \h 273
سؤال.. وجوابه:............................................................... PAGEREF _Toc104169795 \h 285
الانتصار لرسول الله '، أم لعمر الفاروق؟!............................ PAGEREF _Toc104169796 \h 294
يحسبهم الجاهل أغنياء:...................................................... PAGEREF _Toc104169797 \h 296
الزهد.. الحرية:................................................................ PAGEREF _Toc104169798 \h 303
الزهراء ÷.. في مواجهة التحدي:......................................... PAGEREF _Toc104169799 \h 304
لماذا لم يسترجع علي × ما اغتصب؟!................................... PAGEREF _Toc104169800 \h 308
الباب السادس: حتى الخندق
الفصل الأول: غزوة ذات الرقاع.. تاريخ وأحداث
بداية:............................................................................ PAGEREF _Toc104169809 \h 313
الرصد الدقيق:................................................................. PAGEREF _Toc104169810 \h 313
نتائج وآثار:.................................................................... PAGEREF _Toc104169811 \h 314
غزوة ذات الرقاع:........................................................... PAGEREF _Toc104169812 \h 316
نقاط لابد من بحثها:.......................................................... PAGEREF _Toc104169813 \h 318
التسمية بذات الرقاع:......................................................... PAGEREF _Toc104169814 \h 319
تاريخ هذه الغزوة:............................................................ PAGEREF _Toc104169815 \h 321
الصحيح والمعقول:.......................................................... PAGEREF _Toc104169816 \h 323
مؤيدات:........................................................................ PAGEREF _Toc104169817 \h 327
لماذا مؤيدات؟!................................................................ PAGEREF _Toc104169818 \h 327
كلام الدمياطي:................................................................ PAGEREF _Toc104169819 \h 328
دليل الرأي الآخر:............................................................ PAGEREF _Toc104169820 \h 329
غزوتان أم غزوة واحدة:.................................................... PAGEREF _Toc104169821 \h 330
من استخلف النبي ' على المدينة:........................................ PAGEREF _Toc104169822 \h 331
تضحيات عباد بن بشر:..................................................... PAGEREF _Toc104169823 \h 333
تسجيل تحفظ:................................................................. PAGEREF _Toc104169824 \h 335
مع الحدث في مراميه ودلالاته:............................................ PAGEREF _Toc104169825 \h 335
قصة غورث بن الحارث:.................................................. PAGEREF _Toc104169826 \h 337
قصة أخرى تشبه قصة غورث:........................................... PAGEREF _Toc104169827 \h 340
القصة الأقرب إلى القبول:.................................................. PAGEREF _Toc104169828 \h 346
كيف نفهم هذه القصة؟!..................................................... PAGEREF _Toc104169829 \h 347
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي............................................. PAGEREF _Toc104169833 \h 351
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc104169834 \h 353
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص260.
([2]) راجع كتاب: محمد في المدينة ص49.
([3]) المصدر السابق.
([4]) المغازي للواقدي ج1 ص351.
([5]) فقد كتب النبي "صلى الله عليه وآله": أما بعد فإن الأرض لي ولك نصفان.
([6]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص72.
([7]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص350 والإصابة ج3 ص124 والسيرة الحلبية ج3 ص171.
([8]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص72.
([9]) ترجمة الإمام علي "عليه السلام" من تاريخ دمشق ج3 ص303 تحقيق المحمودي ومقتل أمير المؤمنين "عليه السلام" لابن أبي الدنيا، مطبوع في مجلة تراثنا السنة الثالثة عدد 3 ص96.
([10]) الآية 3 من سورة الملك.
([11]) اللهوف ص25 ومقتل الحسين للمقرم ص190 عنه وعن ابن نما ص20.
([12]) البحار ج6 ص133 ومصباح الشريعة ص171 وميزان الحكمة ج9 ص245.
([13]) معاني الأخبار ص276 وميزان الحكمة ج9 ص237.
([14]) الآية 64 من سورة العنكبوت.
([15]) وسيلة الدارين في أنصار الحسين ص253.
([16]) مقتل الحسين للمقرم ص262.
([17]) نهج البلاغة (شرح عبده) ص36.
([18]) البحار ج70 ص91 والخصال ج1 ص108.
([19]) الآية 64 من سورة العنكبوت.
([20]) البحار ج70 ص91 والخصال ج1 ص108.
([21]) الآية 6 من سورة الإنشقاق.
([22]) الآية 5 من سورة الحج.
([23]) الآية 6 من سورة الزمر.
([24]) الآية 140 من سورة آل عمران.
([25]) الآية 55 من سورة القمر.
([26]) الآية 17 من سورة محمد.
([27]) الآية 179 من سورة الأعراف.
([28]) الآية 7 من سورة البقرة.
([29]) الآية 5 من سورة الصف.
([30]) نهج البلاغة (بشرح عبده)، الخطبة رقم 26 أولها: ج1 ص63.
([31]) السيرة الحلبية ج2 ص267.
([32]) الأموال ص242 وزاد المعاد ج2 ص136.
([33]) المغازي للواقدي ج1 ص374.
([34]) الوسق: حمل البعير.
([35]) النجاف: أسكفة الباب.
([36]) الآية 5 من سورة الحشر.
([37]) الحبور: جمع حبر، وهم علماء اليهود.
([38]) أبارهم: أهلكهم.
([39]) رهواً: يسيراً سهلاً.
([40]) الحسي: ما يحسى من الطعام.
والمزنم: الرجل يكون في القوم ليس منهم، يريد: أحلهم بأرض غربة في غير عشائرهم، وانظر الروض الأنف ج2 ص177.
([41]) جمر: الأصل خمر. وما أثبته من ابن هشام، والعضاة: شجر، وأهيضب: مكان مرتفع، والودي: صغار النخل، والمكمم: الذي خرج كمامه.
([42]) الصلا: موضع، ويرمرم: جبل.
([43]) الوشيج: شجر الرِّماح.
([44]) السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص145 ـ 156 والبداية والنهاية ج4 ص74 ـ 81 والنصوص المتقدمة موجودة ـ كلاً أو بعضاً ـ في المصادر التـالية: الثقات ج1 = = ص240 ـ 243 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص49 والطبقات الكبرى ج2 ص57 وفتوح البلدان قسم 1 ص18 ـ 22 والوفاء ص689 ـ 213 والتنبيه والإشراف ص213 والبدء والتاريخ ج4 ص212 و 213 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص422 ـ 431 وتاريخ الخميس ج1 ص460 ـ 463 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص196 و 197 ومجمع البيان ج9 ص257 ـ 262 والبحار ج20 ص157 ـ 173 وتفسير القمي ج2 ص359 و 360 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص197 و 198 و 119 ـ 123 والكامل لابن الأثير ج3 ص173 و 174 وحياة الصحابة ج2 ص397 و 398 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص199 ـ 212 وبهجة المحافل ج1 ص213 وشرحه بهامشه، نفس الصفحات والمصنف للصنعاني ج5 ص357 ـ 361 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 ـ 263 وأنساب الأشراف قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله" ج1 ص339 وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص550 ـ 555 ولباب التأويل ج4 ص244 فما بعدها، ومدارك التنزيل بهامشه، نفس الجزء والصفحة، وتفسير جامع البيان ج28 ص19 فما بعدها، وغرائب القرآن بهامشه ج28 ص29 فما بعدها والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 فما بعدها وفتح القدير ج5 ص195 فما بعدها وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص428 فما بعدها وأسباب النزول ص236 ـ 239 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1764 فما بعدها والتفسير الكبير ج29 ص278 فما بعدها وزاد المعاد ج2 ص110 و 71 و 72 وكذلك في ج4 ص498 فما بعدها والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وجوامع الجامع ص486 ـ 488 وتفسير الصافي ج5 ص153 فما بعدها وتفسير البرهان ج4 ص313 والدر المنثور ج6 ص187 ـ 202 وحبيب السير ج1 ص355 ـ 356 ومغازي الواقدي ج1 ص365 ـ 383 والسيرة الحلبية ج2 ص263 ـ 270 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج4 ص330 ـ 344 وعمدة القـاري ج12 ص43 وج17 ص125 فما بعدها.
([45]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص49.
([46]) الخرتي: أردأ المتاع، راجع: لسان العرب ج2 ص145.
([47]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص49.
([48]) الوفاء ص689 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص461 وسيرة مغلطاي ص53 والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره وزاد المعاد ج2 ص71 ومغازي الواقدي ج1 ص371 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([49]) البدء والتاريخ ج4 ص212.
([50]) مغازي الواقدي ج1 ص371 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص265.
([51]) تفسير القمي ج2 ص359. ومصادر كثيرة أخرى ستأتي في الفصل الثاني حين الكلام حول تاريخ غزوة بني النضير.
([52]) وفاء الوفاء ج1 ص398 وحياة الصحابة ج1 ص296 و 297 وفتح الباري ج7 ص255 وقال الكاندهلوي: وأخرجه أيضاً أبو داود من طريق عبد الرازق عن معمر بطوله مع زيادة، وعبد الرزاق، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل كما في بذل المجهود ج4 ص124 عن الدر المنثور. وعن عبد بن حميد في تفسيره وراجع: شرح بهجة المحافل ج1 ص214 والمصنف ج5 ص359 وتفسير لباب التأويل ج4 ص244 وأسباب النزول ص237 والدر المنثور ج6 ص189 عن عبد الرازق، وعبد بن حميد، وأبي داود، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل والسيرة الحلبية ج2 ص264 و 263 وتفسير القمي ج2 ص359.
([53]) راجع على سبيل المثال: طبقات ابن سعد ج2 ص57.
([54]) الطبقات الكبرى ج2 ص58 وعمدة القاري ج17 ص126 وحول حصرهم خمسة عشر يوماً، راجع: الوفاء ص690 والتنبيه والإشراف ص213 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص429 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وسيرة مغلطاي ص53 والبحار ج20 ص165 و 166 عن الكازروني وغيره، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص553 وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله") ص339.
([55]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص59 والبدء والتاريخ ج4 ص213 وتاريخ الخميس ج1 ص461 عن سيرة ابن هشام، وعن الوفاء، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص198 ووفاء الوفاء ج1 ص297 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 = = ص220 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وزاد المعاد ج2 ص110 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وحبيب السير ج1 ص355 والمغازي للواقدي ج1 ص394 والسيرة الحلبية ج2 ص265 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332.
([56]) عمدة القاري ج17 ص126 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([57]) عمدة القاري ج17 ص126 والجامع للقيرواني ص278 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([58]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([59]) السيرة النبوية لدحلان ج2 ص261.
([60]) السيرة الحلبية ج2 ص265.
([61]) البحار ج20 ص166 عن الكازروني وغيره وتاريخ الخميس ج1 ص462 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 وبهجة المحافل ج1 ص214 والكشاف ج4 ص498 ولباب التأويل ج4 ص244 ومدارك التنزيل بهامش لباب التأويل ج4 ص244.
([62]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص423.
([63]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص425 وراجع: مغازي الواقدي ج1 ص365.
([64]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص425 والمغازي ج1 ص364 وعمدة القاري ج17 ص125 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260.
([65]) السيرة الحلبية ج2 ص263.
([66]) مغازي الواقدي ج1 ص372.
([67]) مغازي الواقدي ج1 ص372 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([68]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص461.
([69]) تفسير القمي ج2 ص359 والبحار ج2 ص169 و 170 عنه وراجع حول عدم قبول النبي "صلى الله عليه وآله" منهم: لباب التأويل ج4 ص244 ـ 245 ومدارك التنزيل بهامشه نفس الجلد والصفحة. وغرائب القرآن، مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص33 ـ 38 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وتفسير الصافي ج5 ص155.
([70]) الآية 256 من سورة البقرة.
([71]) السيرة الحلبية ج2 ص267 والجامع لأحكام القرآن ج3 ص280 عن أبي داود ولباب التأويل ج1 ص185 وفتح القدير ج5 ص275 عن أبي داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه والبيهقي في السنن والضياء في المختارة والدر المنثور ج1 ص328 عنهم وعن ابن مندة في غرائب شعبة وعن النحاس في ناسخه وعبد بن حميد وسعيد بن منصور.
([72]) مغازي الواقدي ج1 ص374.
([73]) تاريخ الخميس ج1 ص461 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 وراجع: ص261 وذكر المسافة في فتح القدير ج5 ص197. وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص11.
([74]) غرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص38 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص11.
([75]) وسيأتي توضيح ذلك مع مصادر أخرى إن شاء الله تعالى..
([76]) الطبقات الكبرى ج2 ص57 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص425 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 وزاد المعاد ج2 ص71 والسيرة الحلبية ج2 ص263 وعمدة القاري ج17 ص125.
([77]) مغازي الواقدي ج1 ص365.
([78]) الثقات ج1 ص241 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص552 والمغازي للواقدي ج1 ص365 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وزاد: من الغدر، فلا تخدعوا أنفسكم والله، إنه لرسول الله، فأبوا أن يقبلوا.
([79]) تضاغى: تضور من الجوع وصاح.
([80]) مغازي الواقدي ج1 ص365 و 366 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص426 ـ 427 ويوجد ملخص عنه في إعلام الورى ص88 و 89 والبحار ج20 ص163 ـ 169 وتفسير القمي ج2 ص359 وتفسير الصافي ج5 ص153.
([81]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص428 و 429.
([82]) تاريخ الخميس ج1 ص460 وراجع البحار ج20 ص164 عن الكازروني وغيره وشرح بهجة المحافل ج1 ص214.
([83]) راجع: دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص442 ـ 444 وليراجع في قول الزهري وحده، أو منضماً إلى غيره المصادر التالية: الروض الأنف ج3 ص350 والمواهب اللدنية ج1 ص104 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1765 وسيرة مغلطاي ص53 وتاريخ الخميس ج1 ص460 والجامع للقيرواني ص278 و 279 والطبقات الكبرى ج2 ص57 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 و 334 والأموال ص15 ووفاء الوفاء ج1 ص297 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص36 وصحيح البخاري ج3 ص10 وتاريخ الإسـلام للذهبي (المغـازي) ص119 و 197 والـدر المنثور ج6 ص187 عن = = البيهقي في الدلائل، وعن ابن مردويه، وعن الحاكم وصححه. وفتح الباري ج7 ص253 و 255 و 256 ومجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص160 و 162 عنه وزاد المعاد ج2 ص71 و 110 والبداية والنهاية ج4 ص74 وعمدة القاري ج17 ص126 وبهجة الحافل ج1 ص213 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص145 كلاهما عن: البخاري، والبيهقي، وتفسير ابن حبان، والمصنف ج5 ص357 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 وفتح القدير ج5 ص198 وفتوح البلدان قسم 1 ص18 ومرآة الجنان ج1 ص9.
([84]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص223 ـ 213 وفتح القدير ج5 ص205 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص263 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وراجع: مرآة الجنان ج1 ص9 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص36 وجوامع الجامع ص448. وفتح الباري ج7 ص255 حيث استغرب من السهيلي ترجيحه قول الزهري وراجع أيضاً: وفاء الوفاء ج1 ص297 وصحيح البخاري ج3 ص10 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص122 ـ 197.
([85]) الطبقات الكبرى ج1 ص58 والمغازي للواقدي ج1 ص380. وقالا: إنه "صلى الله عليه وآله" أعطاه أرضاً تسمى "ويلة". ووفاء الوفاء ج4 ص1157 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([86]) الثقات ج1 ص243.
([87]) مجمع البيان ج9 ص260 وتاريخ الخميس ج1 ص251 عن المدارك، وعن معالم التنزيل والسيرة الحلبية ج2 ص269 ولباب التأويل ج4 ص246 وجوامع الجامع ص487 والتفسير الكبير ج29 ص285 والكشاف ج4 ص505 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وراجع ص14 و 24 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1771 و 1772 وتاريخ الخميس ج1 ص462 والروض الأنف ج3 ص251 عن غير ابن إسحاق، وبهجة المحافل ج1 ص216 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([88]) السيرة الحلبية ج2 ص269.
([89]) راجع كتابنا: حديث الإفك ص96 ـ 106 والجزء الثامن من هذا الكتاب حين الحديث عن تحرر سلمان المحمدي (الفارسي) من الرق.
([90]) مجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص160 عنه وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص462 ولباب التأويل ج4 ص245 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص36 وراجع أيضاً: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص121.
([91]) راجع: الدر المنثور ج6 ص189 عن عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر والبيهقي: وأبي داود وتاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص263، والمصنف للصنعاني ج5 ص360 وسنن أبي داود ج3 ص156 و 157 ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص445 و 446 وفتح الباري ج7 ص255 عن ابن مردويه، وعبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص120 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص331 ووفاء الوفاء ج1 ص298 وحياة الصحابة ج1 ص397 ولباب التأويل ج4 ص244 ومدارك التنزيل بهامشه نفس الصفحة وأسباب النزول ص236.
([92]) فتح الباري ج7 ص255.
([93]) تفسير القمي ج2 ص359 وإعلام الورى ص89 والبحار ج2 ص163 و 169 وتفسير البرهان ج4 ص313 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص49 وتفسير الصافي ج5 ص153. وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص196.
([94]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص169 وراجع: بهجة المحافل ج1 ص214 وشرحه بهامش نفس الصفحة ولباب التأويل ج4 ص244. والبحار ج20 ص158 ومجمع البيان ج9 ص257 وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص33.
([95]) الإرشاد للمفيد ص50 وكذا في مناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([96]) راجع: كشف الغمة ج1 ص201 وفتح الباري ج7 ص256 وراجع المصادر المتقدمة.
([97]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص214 عن البخاري وشرح بهجة المحافل ج1 ص215 عن مسلم وأبي داود والترمذي، ولباب التأويل ج4 ص244 وتاريخ الخميس ج1 ص461.
([98]) تاريخ الخميس ج1 ص461 عن معالم التنزيل، وفتح الباري ج7 ص256 عن عبد بن حميد في تفسيره وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 والتفسير الكبير ج29 ص278 والكشاف ج4 ص498 وجوامع الجامع ص486، والسيرة الحلبية ج2 ص263 والمصادر المتقدمة في الهامش السابق وراجع: مجمع البيان ج9 ص257 والبحار ج20 ص158 و 159 ووفاء الوفاء ج1 ص298 عن عبد بن حميد في تفسيره.
([99]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص207 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص152 ـ 153 والبداية والنهاية ج4 ص79.
([100]) الآية 2 من سورة الحشر.
([101]) الروض الأنف ج3 ص251 وراجع: مجمع البيان ج9 ص158 والبحار ج20 ص160 عنه وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج28 ص34 ومدارك التنزيل المطبوع بهامش لباب التأويل ج4 ص245.
وراجع: والجامع لأحكام القرآن ج18 ص3 عن أبي صالح، والسدي، وأبن جريج والتفسير الكبير ج29 ص279 وراجع: الكشاف ج4 ص499 وجوامع الجامع ص484 وفتح القدير ج5 ص195.
([102]) فتح القدير ج5 ص196.
([103]) تاريخ المدينة ج2 ص461 و 462 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص9 والبداية والنهاية ج4 ص5 كلاهما عن البخاري والبيهقي.
([104]) الآية 256 من سورة البقرة.
([105]) فتح الباري ج7 ص256.
([106]) راجع على سبيل المثال: ما قاله اليعقوبي في تاريخه ج2 ص49.
([107]) تاريخ الخميس ج1 ص460 وراجع: بهجة المحافل ج1 ص213، وشرحه للأشخر اليمني، مطبوع بهامشه، نفس الجلد والصفحة.
([108]) السيرة الحلبية ج2 ص263 و 264 ووفاء الوفاء ج1 ص298 وتاريخ الخميس ج1 ص462.
([109]) راجع هذه القضية في: دلائل النبوة للبيهقي ج2 ص445 و446 والمصنف ج5 ص359 و 361 ولباب التأويل ج4 ص244 ومدارك التنزيل مطبوع بهامشه نفس الصفحة وتفسير القرآن العظيم ج4 ص331 وحياة الصحابة ج1 ص397 عن فتح الباري، وعن بذل المجهود ج4 ص142 عن الدر المنثور وفتح الباري ج7 ص255 عن ابن مردويه، وعبد بن حميد في تفسيره عن عبد الرزاق، وأسباب النزول ص236 وسنن أبي داود ج3 ص156 و 157 وتاريخ الخميس ج1 ص462 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص120 والسيرة الحلبية ج2 ص263 والدر المنثور ج6 ص189 عن عبد الرزاق، وابن المنذر، وأبي داود، وعبد بن حميد، والبيهقي في الدلائل، ووفاء الوفاء ج2 ص298.
([110]) فتح الباري ج7 ص255.
([111]) السيرة الحلبية ج2 ص263 و264.
([112]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص260.
([113]) المصدر السابق.
([114]) راجع حول إصرار النبي "صلى الله عليه وآله" على مخالفة اليهود: الجزء الخامس من هذا الكتاب ص196.
([115]) راجع: البحار ج20 ص158 ومجمع البيان ج9 ص257 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص196 وتاريخ الخميس ج1 ص460 وقد تقدمت بقية المصادر حين الحديث عن تاريخ غزوة بني النضير، فلتراجع هناك.
([116]) راجع: إعلام الورى ص88 و 89 والبحار ج20 ص163 و 169 وتفسير الصافي ج5 ص153 وتفسير القمي ج2 ص359 وتفسير البرهان ج4 ص313 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص49 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص196.
([117]) راجع في ذلك ما يلي: الثقات ج1 ص242 والطبقات الكبرى ج2 ص57 و 58 وتاريخ الخميس ج1 ص460 وتفسير القمي ج2 ص359 والبحار ج20 ص169 عنه والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص553 وزاد المعاد ج2 ص71 وتفسير الصافي ج5 ص154 وتفسير البرهان ج4 ص313 والمغازي للواقدي ج1 ص370 والسيرة الحلبية ج2 ص264 وعمدة القاري ج17 ص126.
([118]) الآية 256 من سورة البقرة.
([119]) الآية 29 من سورة الكهف.
([120]) آثار الحرب في الفقه الإسلامي ص659 عن السياسة الشرعية، للبنَّا.
([121]) هذا يؤيد بما قدمناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب من أن العرب كانوا أوفياء بعهودهم، وقد فرض عليهم هذا الأمر طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها حيث رأوا: أنه لا يمكنهم العيش بدون ذلك.
([122]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص117 و 118 ومعادن الحكمة ج1 ص109 وتحف العقول ص126 ودعائم الإسلام ج1 ص350 والبحار ج8 ص609 ثم شرحه، وج77 ص240 عن النهج والتحف، ومستدرك الوسائل ج3 ص195 وأضاف العلامة المحقق الأحمدي: أن بعضه قد نقل في كنز العمال ج15 ص165 و 166 عن الدينوري، وابن عساكر، ومآثر الإنافة ج3 ص6 عن صبح الأعشى، ومفتاح الأفكار. وأشار إليه النجاشي في رجاله ص7 وذكر سنده أيضاً الشيخ في الفهرست. وقال في معجم رجال الحديث ج3 ص222: طريق الشيخ إلى عهد مالك الأشتر صحيح. وذكره في نهج السعادة ج5 ص58 عن جمع ممن تقدم، وقال: روى قطعة منه مسنداً في تاريخ الشام ج38 ص87 وفي النسخة المرسلة ص193. وذكر في خاتمة المستدرك ص218 عن مجلة المقتطف عدد 42 ص248: أنه نقله عن نسخة السلطان بايزيد الثاني، وفي دستور معالم الحكم ص149 شواهد لهذا العهد، ونقله في مصادر نهج البلاغة عن جمع ممن تقدم، وعن نهاية الإرب للنويري ج6 ص19. ثم ذكر في مصادر نهج البلاغة بعضاً من شرح هذا العهد، مثل: آداب الملوك لرفيع الدين التبريزي، وأساس السياسة في = = تأسيس الرئاسة للكجوري الطهراني، والتحفة السليمانية للبحراني، والراعي والرعية لتوفيق الفكيكي، والسياسة العلوية لآل مظفر (خطية). وشرح عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" للمجلسي، وشرح عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" للمولى محمد باقر القزويني، وشرح عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" للميرزا حسن القزويني، وشرح عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" للميرزا محمد التنكابني. وشرح عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" للشيخ هادي القائيني البيرجندي، وشرح الفاضل بدايع نكار المثبت في المآثر والآثار، ونصايح الملوك لأبي الحسن العاملي. ومقتبس السياسة وسياج الرئاسة للشيخ محمد عبده، انتزع من شرحه وطبع على حدة، والقانون الأكبر في شرح عهد الأشتر للسيد مهدي السويج (مخطوط) ومع الإمام في عهده لمالك الأشتر للشيخ محمد باقر الناصري. ونزيد هنا في ما يرتبط بشروحه، ما أورده السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمته لكتاب الراعي والرعية ص8 و 9 والشيخ آقا بزرك الطهراني في كتابه الذريعة ص373 و 375 وج15 ص353، حيث أضافا إلى شروح العهد: شرح الحسين الهمداني الموسوم بهدية الحسام لهداية الحكام.
وشرح محمد صالح الروغني القزويني، من علماء القرن الحادي عشر، ودستور حكمت. وترجمه الوصال الشيرازي المتوفى سنة 1274 ونظمه شعراً بالفارسية. وترجم محمد جلال هذا العهد إلى التركية، ونظمه شعراً بالتركية. فرمان مبارك لجواد فاضل. وعنوان رياست (ترجمة لهذا العهد أيضاً للسيد علي أكبر بن سلطان العلماء السيد محمد النقوي اللكنهوي). هذا كله عدا عن شرح شراح النهج له في ضمنه كالمعتزلي وابن ميثم وغيرهما.
بقي أن نشير إلى أن صاحب الذريعة قد قال في ج15 ص262: (نسخة العهد بخط ياقوت المستعصمي موجودة في المكتبة الخديوية بمصر تاريخ فراغها سنة ثمانين وستمائة كما في فهرسها).
([123]) الآية 4 من سورة التوبة.
([124]) الآية 34 من سورة الإسراء.
([125]) الآية 91 من سورة النحل.
([126]) الآية 61 من سورة الأنفال.
([127]) نهج البلاغة ج3 ص148 الرسالة رقم 74.
([128]) نهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص90 الرسالة رقم 51.
([129]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص200 و 201.
([130]) نهج البلاغة ج3 ص21 الرسالة رقم 19، وأنساب الأشراف ج2 ص161 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص203.
([131]) الآية 102 من سورة النساء.
([132]) الآية 58 من سورة الأنفال.
([133]) نهج البلاغة ج3 ص210 الحكمة رقم 259 وغرر الحكم ج1 ص60 وروض الأخيار ص111 وربيع الأبرارج 3 ص375 ومستدرك الوسائل ج2 ص249. وغرر الخصائص الواضحة ص59 ومصادر نهج البلاغة ج4 ص4 وص401 عن بعض من تقدم وعن شرح النهج للمعتزلي ج1 ص216.
([134]) السنن الكبرى ج9 ص231 وغرر الخصائص الواضحة ص60.
([135]) الآية 177 من سورة البقرة.
([136]) نهج البلاغة ج1 ص145 الخطبة رقم 80.
([137]) نهج البلاغة الخطبة رقم 12 ج1 ص40 والأخبار الطوال ص151 وربيع الأبرار ج1 ص308.
([138]) نهج البلاغة الخطبة رقم 102 ج1 ص204.
([139]) نهج البلاغة بشرح عبده ج1 ص188 الخطبة رقم 40.
([140]) نهج البلاغة، بشرح عبده ج3 ص41 الرسالة رقم 29.
([141]) نهج البلاغة ج3 ص90 الرسالة رقم 51.
([142]) الرعاث: جمع رعثة: القرط، والحجل: الخلخال، والقلب: السوار.
([143]) نهج البلاغة، بشرح عبده ج1 ص64 و 65 خطبة رقم 26 والأخبار الطوال ص211 و 212 والغارات ج2 ص475 و 476 والمبرد في الكامل ج1 ص20 والعقد الفريد ج4 ص70 ومعاني الأخبار ص310 وأنساب الأشراف (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص442.
([144]) الآية 2 من سورة الحشر.
([145]) محمد في المدينة ص322.
([146]) محمد في المدينة ص322 و323.
([147]) تقدم ذلك مع مصادره حين الكلام عن إخبار المرأة أخاها المسلم عن تآمر اليهود على حياة النبي "صلى الله عليه وآله".
([148]) الثقات ج1 ص241 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص552، والمغازي للواقدي ج1 ص367 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص427. وإرسال محمد بن مسلمة إليهم موجود في مختلف المصادر، فراجع على سبيل المثال: السيرة الحلبية ج2 ص264 وتفسير القمي ج2 ص359 وإعلام الورى ص89 وتاريخ الخميس ج1 ص460 ومجمع البيان ج9 ص258 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص147 والبحار ج20 ص160 و 164 و 169 عن بعض من تقدم، وعن الكازروني وغيره. وراجع سائر المصادر التي سلفت وستأتي.
([149]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص425 وراجع: مغازي الواقدي ج1 ص364.
([150]) الثقات ج1 ص241 والمغازي للواقدي ج1 ص367.
([151]) تاريخ الخميس ج1 ص460 والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 والمغازي للواقدي ج1 ص374.
([152]) المغازي للواقدي ج1 ص377.
([153]) تفسير القمي ج2 ص359 وعنه في البحار ج20 ص169 والصافي ج5 ص154.
([154]) الثقات ج1 ص242 والطبقات الكبرى ج2 ص58 والوفاء ص689 وتاريخ الخميس ج1 ص461 والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره، وراجع: الكامل في التاريخ ج2 ص74 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 وزاد المعاد ج1 ص71 وحبيب السير ج1 ص355 والسيرة الحلبية ج2 ص264 و 265 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261.
([155]) المغازي للواقدي ج1 ص371 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([156]) راجع: ترجمة الإمام علي أمير المؤمنين، من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص154. وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب، والطبقات الكبرى ج3 قسم 1 ص14 وكفاية الطالب ص336 وفي هامشه عن كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، وراجع: هامش ص180 من احتجاج الطبرسي عن الرياض النضرة ج2 ص267 و202 عن نظام الملك في أماليه. وراجع أيضا: مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200 والمناقب للخوارزمي ص258 و 259 وعمدة القاري ج16 ص216 ومستدرك الحاكم ج3 ص500 وتلخيصه = = بهامش نفس الصفحة للذهبي وصححاه على شرط الشيخين والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص288 وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515 وتاريخ الخميس ج1 ص434 وفتح الباري ج6 ص89 عن أحمد وأسد الغابة ج4 ص20 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص106 وشرح النهج للمعتزلي الشافعي ج6 ص289، والغدير للعلامة الأميني ج10 ص168 عنه.
([157]) المناقب لابن شهرآشوب ج4 ص223 والبحار ج47 ص127 عنه.
([158]) نهج البلاغة ج2 ص5 وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص17 والفتوح لابن أعثم ج3 ص73 وصفين ص235 والكافي ج5 ص39.
([159]) في مغازي الواقدي والسيرة الحلبية: دعوه فإنه في بعض شأنكم.
([160]) يشلهم بالسيف: يضربهم ويطردهم.
([161]) راجع ما تقدم في المصادر التالية: الإرشاد للمفيد ص49 ـ50 والبحار ج20 ص172 و 173 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص196 و 197 والمغازي للواقدي ج1 ص371 و 372 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص201 و255 والسيرة الحلبية ج2 ص265 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262.
([162]) السيرة الحلبية ج2 ص265.
([163]) الآية 2 من سورة الحشر.
([164]) وفاء الوفاء ج1 ص161 وج3 ص1076 وراجع: معجم البلدان ج1 ص346 وج5 ص234.
([165]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص823 و 821 وراجع: مرآة الحرمين ج1 ص419.
([166]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1188.
([167]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص161 وج3 ص1076 وراجع: معجم البلدان ج1 ص446 وج5 ص290 و 234.
([168]) وفاء الوفاء ج3 ص1075 و 1076 وج1 ص161 ومعجم البلدان ج4 ص193.
([169]) التنبيه والأشراف ص213.
([170]) وفاء الوفاء ج1 ص163.
([171]) وفاء الوفاء ج1 ص198 وج3 ص873 .
([172]) وفاء الوفاء ج3 ص873 وراجع ص1075 و 1077.
([173]) تفسير القرآن العظيم ج4 ص331.
([174]) راجع: تاريخ المدينة ج1 ص173 ووفاء الوفاء ج3 ص993.
([175]) راجع: فتح الباري ج6 ص148 ومعجم البلدان ج5 ص290 و 291 وتاريخ المدينة ج1 ص175 ووفاء الوفاء ج3 ص989 و 990 عنه وعن ابن زبالة.
([176]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1275.
([177]) معجم البلدان ج4 ص182.
([178]) معجم البلدان ج3 ص432.
([179]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1229 و 1230 وفي ج3 ص826 عن الإستيعاب.
([180]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص978.
([181]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص460 والبحار ج20 ص164 عن الكازروني وغيره، وفي هامشه عن: المنتقى في مولود المصطفى ص125. وراجع أيضاً: بهجة المحافل ج1 ص214 ولباب التأويل ج4 ص244.
([182]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص993.
([183]) وفاء الوفاء ج4 ص1229.
([184]) وفاء والوفاء ج4 ص1230.
([185]) راجع: وفاء والوفاء ج3 ص944 وستأتي بعض المصادر لكيدمة وكونها سهم ابن عوف من بني النضير في فصل: كي لا يكون دولة بين الأغنياء.
([186]) وفاء الوفاء ج3 ص992 عن ابن زبالة وراجع ص993.
([187]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص992 وج4 ص1139.
([188]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص945 و 946.
([189]) المصدر السابق.
([190]) وفاء الوفاء ج3 ص991.
([191]) تاريخ المدينة ج1 ص174.
([192]) وفاء الوفاء ج3 ص991.
([193]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص992 وج4 ص1282 وتاريخ المدينة ج1 ص222.
([194]) الثقات ج1 ص254 ووفاء الوفاء ج3 ص991.
([195]) راجع كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي، الفصل الثاني.
([196]) التنبيه والأشراف ص213.
([197]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص978.
([198]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص873 وراجع ص1075 و 1077.
([199]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص197 و 198 وج4 ص1157 و 1298.
([200]) وفاء الوفاء ج3 ص1157.
([201]) المصدر السابق.
([202]) شرح بهجة المحافل ج1 ص214 وفتح الباري ج7 ص256.
([203]) فتح الباري ج7 ص256.
([204]) المغازي للواقدي ج1 ص374.
([205]) المغازي للواقدي ج1 ص366.
([206]) هي أموال مخيريق التي أوصى بها إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ويعبرون عنها بالصدقات لما سيأتي في فصل: كي لا يكون دولة بين الأغنياء.
([207]) راجع وفاء الوفاء ج3 ص1077.
([208]) راجع: وفاء الوفاء ج3 ص874 وج4 ص1150.
([209]) وفاء الوفاء ج3 ص821 ومرآة الحرمين ج1 ص418.
([210]) الآية 5 من سورة الحشر.
وأمر الرسول "صلى الله عليه وآله" بحرق وقطع النخيل موجود في المصادر التالية: جامع البيان ج28 ص23 وأسباب النزول للواحدي ص237 و238 ومسند الحميدي ج2 ص301 ومسند أبي عوانة ج4 ص97 والطبقات الكبرى ج2 ص58 وفتوح البلدان قسم 1 ص19 و 20 والجامع الصحيح ج4 ص122 وج5 ص408 ومسند أحمد ج2 ص8 و 52 و 80 و 86 و 123 و 140 ومسند الطيالسي ص251 والمبسوط للسرخسي ج10 ص31 و 32 وسنن الـدارمي = = ج2 ص22 والمحلى ج7 ص294 ووفاء الوفاء ج1 ص290 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص429 وسيرة مغلطاي ص53 ومعجم البلدان ج1 ص512 وصحيح البخاري ج3 ص11 و 128 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص50 و 147 و 149 و 150 والبداية والنهاية ج4 ص79 و 77 والثقات ج1 ص242 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197، والأحكام السلطانية ص64 وفتح الباري ج7 ص254 و 256 والروض الأنف ج3 ص250 وسنن ابن ماجة ج2 ص948 وجوامع الجامع ص486 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 والمغازي للواقدي ج1 ص381 و 372 وحبيب السير ج1 ص355 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1768 وسنن أبي داود ج3 ص38 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص8 و 6 و7 عن مسلم ولباب التأويل ج4 ص246 والتفسير الكبير ج29 ص283 وزاد المعاد ج2 ص71 والكشاف ج4 ص501 وتفسير الصافي ج5 ص154 وتفسير البرهان ج4 ص313 والسيرة الحلبية ج2 ص265 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص331 و 333 و 334 والإكتفاء ج1 ص147 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص122 وصحيح مسلم ج5 ص145 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وفتح القدير ج5 ص199 ووفاء الوفاء ج1 ص298 وبهجة المحافل ج1 ص214 و 215 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 ومنهاج السنة ج4 ص173 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص552 والأموال ص15 ومجمع البيان ج9 ص257 وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص36 والبحار ج2 ص159 و 165 و 169 وتفسير القمي ج2 ص359 والكامل في التاريخ ج2 ص173 والدر المنثور ج6 ص188 عن بعض من تقدم، وعن سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن مردويه والنسائي وابن أبي حاتم، وابن إسحاق، والتراتيب الإدارية ج1 ص310 ومسند أبي يعلى ج10 ص207.
([211]) راجع: الروض الأنف ج3 ص250 وفتح القدير ج5 ص196 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وتعليقات محمد فؤاد عبد الباقي على سنن ابن ماجة ج2 ص949.
([212]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([213]) تاريخ الخميس ج1 ص461 والبحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره، وفتح القدير ج5 ص196 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص6 والسيرة الحلبية ج2 ص266 والقول الأول ذكره في الأحكام السلطانية ص64.
([214]) المغازي للواقدي ج1 ص373.
([215]) البحار ج20 ص165 عن الكازروني وغيره، ولباب التأويل ج4 ص246 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص461 وإرشاد الساري ج7 ص375.
([216]) الآية 5 من سورة الحشر.
([217]) الثقات ج1 ص242 وراجع التفسير الكبير ج29 ص283 وحبيب السير ج1 ص355 والمغازي للواقدي ج1 ص381 والسيرة الحلبية ج2 ص265.
([218]) المغازي للواقدي ج1 ص381 والسيرة الحلبية ج1 ص265 والإصابة ج2 ص420.
([219]) تاريخ الخميس ج1 ص461 عن روضة الأحباب وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص372.
([220]) حبيب السير ج1 ص355.
([221]) تاريخ الخميس ج1 ص461 وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص372 وليراجع: الكشاف ج4 ص501 و 502 والتفسير الكبير ج29 ص283 لكنهما لم يسميا الرجلين.
([222]) بهجة المحافل ج1 ص215.
([223]) راجع: المهذب لابن البراج (مطبوع ضمن الينابيع الفقهية) كتاب الجهاد ص88 مقيداً للأشجار بـ "المثمرة" وفي منتهى المطلب ج2 ص909 عن أحمد، وقد حكي القول بعدم الجواز عن الليث بن سعد، وأبي ثور، والأوزاعي فراجع: فتح الباري ج5 ص7 والجامع الصحيح ج4 ص122 وفقه السيرة ص280 وعن شرح النووي على صحيح مسلم ج12 ص50.
([224]) تذكرة الفقهاء ج1 ص412 و413 وراجع: السرائر ص157 وتحرير الأحكام ج1 ص135 وشرائع الإسلام ج1 ص312 والقواعد (المطبوع مع الإيضاح) ج1 ص357 والجامع لأحكام الشرائع ص236 ومنتهى المطلب ج2 ص909 = = والوسيلة (المطبوع ضمن الجوامع الفقهية) ص696 والخراج لأبي يوسف ص210 والمبسوط للسرخسي ج10 ص31 عن الأوزاعي والمبسوط للشيخ الطوسي رحمه الله ج2 ص11 وعون المعبود ج7 ص275 ومجمع الأنهر ج1 ص590.
([225]) الروض الأنف ج3 ص350.
([226]) راجع: تذكرة الفقهاء ج1 ص412 وراجع أيضاً: السرائر ص157 والجواهر ج21 ص67 ومنتهى المطلب ج2 ص909 والمبسوط للشيخ الطوسي ج2 ص11 والمبسوط للسرخسي ج10 ص32.
([227]) سنن ابن ماجة ج2 ص948 وهامشه لمحمد فؤاد عبد الباقي، والمبسوط للسرخسي ج10 ص31 وسنن أبي داود ج3 ص38 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 ومسند أحمد ج5 ص205 و 209.
([228]) راجع: زاد المعاد ج3 ص17 والتنبيه والإشراف ص237 والتراتيب الإدارية ج1 ص309.
([229]) زاد المعاد ج2 ص66 وسنن الدارمي ج2 ص231 والجامع الصحيح ج4 ص61 وسنن أبي داود ج3 ص69 ومسند أحمد ج1 ص22.
([230]) زاد المعاد ج3 ص17 والسنن الكبرى ج3 ص55 و56 وسنن أبي داود ج1 ص150 وسنن الدارمي ج1 ص292 ومسند أحمد ج1 ص292 و 402 و 422 و 449 و 450 وج2 ص224 و 292 و 214 و 319 و 367 و 376 و 377 و 416 و 424 و 472 و 479 و 531 و 539 وج5 ص206 وصحيح مسلم ج2 ص123 و 124 وفيض الباري ج2 ص191 وصحيح البخاري ج1 ص78 و 79 وج2 ص40 وج4 ص159 والتراتيب الإدارية ج1 ص89 و 90 والمعجم الصغير ج2 ص57 وج1 ص172. والجامع الصحيح ج1 ص422 وسنن النسائي ج2 ص107 وسنن ابن ماجة ج1 ص296 والموطأ (مطبوع مع تنوير الحوالك) ج1 ص150.
([231]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص160 والتراتيب الإدارية ج1 ص309.
([232]) الكافي ج5 ص30 والبحار ج19 ص177 و 199 وتذكرة الفقهاء ج1 ص412 و413 ومنتهى المطلب ج2 ص908 و 909 وجواهر الكلام ج21 ص66 والوسائل ج11 ص43 و 44 والمحاسن للبرقي ص355 وفي هامشه عن الوسائل، وعن التهذيب ج2 ص46.
([233]) مسند أحمد ج5 ص276.
([234]) الآية 5 من سورة الحشر.
([235]) الروض الأنف ج3 ص250 وراجع: فتح الباري ج7 ص256 و 257 وأشار إلى أن العجوة كانت قوت بني النضير في السيرة الحلبية ج2 ص266.
([236]) المفردات للراغب ص257 وراجع: التبيان ج9 ص559.
([237]) راجع: لسان العرب ج13 ص393 و395، وفتح الباري ج7 ص257 وعمدة القاري ج17 ص128 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص202 وشرح المحافل ج1 ص215 والتبيان ج9 ص559 ولباب التأويل ج4 ص246 وجامع البيان ج28 ص22 وفتح القدير ج5 ص197، ومجمع البيان ج9 ص259 والبحار ج20 ص161 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص333 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص8 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1768 ويلاحظ: أن المذكورين في المتن قد ذكرت أسماؤهم في بعض المصادر دون بعض.
([238]) راجع: تاج العروس ج9 ص338 وفتح الباري ج7 ص257 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1768 وعمدة القاري ج17 ص126 وإرشاد الساري ج7 ص375 وجامع البيان ج28 ص22 و 23 وفتح القدير ج5 ص199 و 197 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص9 والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص408 وتاريخ الخميس ج1 ص461 ولباب التأويل ج4 ص246 وجوامع الجامع ص486 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص333 والأحكام السلطانية ص65.
([239]) شرح بهجة المحافل ج1 ص215 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وعمدة القاري ج17 ص128 والأحكام السلطانية ص65.
([240]) عمدة القاري ج17 ص128 وتاريخ الخميس ج1 ص461 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 ومجمع البيان ج9 ص259 والبحار ج20 ص161 عنه وشرح بهجة المحافل ج1 ص215 ولباب التأويل ج4 ص246 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص9 والأحكام السلطانية ص65 والتبيان ج9 ص559 ومدارك التنزيل بهامش لباب التأويل ج4 ص246 وجامع البيان ج28 ص23 وغرائب القرآن مطبوع بهامشه ج28 ص37 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1768 والتفسير الكبير ج29 ص283 والكشاف ج4 ص500.
([241]) الآية 5 من سورة الحشر.
([242]) الدر النظيم في لغات القرآن الكريم ص207 وراجع تاريخ الخميس ج1 ص461 عن مجاهد وعطية.
([243]) تاريخ الخميس ج1 ص461 وإرشاد الساري ج7 ص375 وراجع: الأحكام السلطانية ص64.
([244]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص1769 والدقل: نوع من التمر، قيل: هو أردأ أنواعه. راجع: لسان العرب ج11 ص246.
([245]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص261. والسيرة الحلبية ج2 ص266.
([246]) السيرة الحلبية ج2 ص266.
([247]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص9.
([248]) فتح القدير ج5 ص197 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص9 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1768 وتفسير البرهان ج4 ص313.
([249]) قد تقدم ما يفيد في ذلك وراجع أيضاً: ج3 من هذا الكتاب.
([250]) سيتضح ذلك حين الكلام عن كونهم في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش، فانتظر.
([251]) جامع البيان ج28 ص23 و22 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص333 وفتح القدير ج5 ص196 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 والدر المنثور ج6 ص188 عن عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن المنذر، والبيهقي في الدلائل.
([252]) قد تقدمت المصادر لذلك.
([253]) راجع هذا الكتاب ج 8 عنوان: من مشاهد الحرب.
([254]) فتح القدير ج5 ص202 وصحيح البخاري ج3 ص128 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص337 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1775 والدر المنثور ج6 ص195 عن البخاري، وابن أبي شيبة، وابن مردويه.
([255]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص31.
([256]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص20 وحول مصادر تمييز عمر بين الناس في العطاء، وتفضيل بعضهم على بعض راجع كتابنا: "سلمان الفارسي في مواجهة التحدي".
([257]) الآية 5 من سورة الحشر.
([258]) فتح القدير ج5 ص197 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص8 عن الماوردي، وعن الكيا الطبري وراجع: غرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج28 ص37 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1769.
([259]) التفسير الكبير ج29 ص283 والكشاف ج4 ص501 و502 وقد تقدم اسم هذين الرجلين، ومصادر موقفهما هذا فليراجعه من أراد.
([260]) أحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1769 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص8.
([261]) فوائد الأصول، للشيخ الأنصاري ص25.
([262]) وفاء الوفاء ج1 ص298 و 299 وراجع: شرح بهجة المحافل ج1 ص215، عن ابن سيد الناس، والجواب عن ابن حجر وعمدة القاري ج17 ص129 وراجع: فتح الباري ج7 ص257 و 258 ومعجم البلدان ج1 ص512 و 513.
([263]) عمدة القاري ج17 ص129.
([264]) الآية 14 من سورة الحشر.
([265]) الآية 14 من سورة الحشر.
([266]) الآية 14 من سورة الحشر.
([267]) الآيتان 11 و 12 من سورة الحشر.
([268]) الآية 13 من سورة الحشر.
([269]) الدر المنثور ج6 ص199 عن الديلمي.
([270]) مغازي الواقدي ج1 ص369 والسيرة الحلبية ج2 ص264.
([271]) مغازي الواقدي ج1 ص368.
([272]) الآية 2 من سورة الحشر.
([273]) راجع: الروض الأنف ج3 ص251 ومجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص160 و 161 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 و 5 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1766 وراجع: الكشاف ج4 ص499 والقول الأول موجود في: التبيان ج9 ص558 وكذا في جامع البيان ج28 ص20 وراجع: غرائب القرآن بهامشه ج28 ص35 ولباب التأويل ج4 ص245 ومدارك التنزيل بهامش نفس الصفحة.
([274]) مجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص161 عنه، وجوامع الجامع ص486 وراجع: مدارك التنزيل (بهامش لباب التأويل) ج4 ص245 وفتح القدير ج5 ص196 والتفسير الكبير ج29 ص281 والكشاف ج4 ص500.
([275]) مغازي الواقدي ج1 ص374.
([276]) تاريخ الخميس ج1 ص462 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص266 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 ولباب التأويل ج4 ص245 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 عن الزهري وعروة بن الزبير، وابن زيد والتفسير الكبير ج29 ص281 و 280 وقول ابن زيد في: غرائب القرآن المطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص35 وكذا في فتح القدير ج5 ص196.
([277]) الكشاف ج4 ص499 و 500 ومدارك التنزيل، مطبوع بهامش لباب التأويل ج4 ص245 وراجع: غرائب القرآن بهامش جامع البيان ج28 ص35.
([278]) تفسير القمي ج2 ص359 والبحار ج20 ص169 وتفسير الصافي ج5 ص154 وتفسير البرهان ج4 ص313.
([279]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص5 وراجع: التفسير الكبير ج29 ص280.
([280]) فتح القدير ج5 ص196 وجامع البيان ج28 ص21 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4.
([281]) راجع المصادر التالية: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص122 والإكتفاء ج2 ص147 والدر المنثور ج6 ص187 عن البيهقي في الدلائل، والتفسير الكبير ج29 ص280 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 ولباب التأويل ج4 ص245 ومدارك التنزيل بهامشه، نفس الصفحة، والجامع لأحكام القرآن ج18 ص4 و5 وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج28 ص35.
([282]) التفسير الكبير ج29 ص280.
([283]) راجع على سبيل المثال: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص554 والإكتفاء ج2 ص148 وجامع البيان ج28 ص21 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص147 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 ومنهاج السنة ج4 ص173 وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص380 و374 والسيرة الحلبية ج2 ص266.
([284]) النجاف: ما بني ناتئاً فوق الباب، مشرفاً عليه.
([285]) اليهود في القرآن ص78 عن كتاب: اليهود في بلاد العرب ص138 تأليف: ولفنسون.
([286]) راجع: مجمع البيان ج9 ص258 وإرشاد الساري ج7 ص375 وراجع: فتح الباري ج7 ص254 والبحار ج20 ص160 عنه والتبيان ج9 ص557 ولباب التأويل ج4 ص245 ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة، وراجع: الروض الأنف ج3 ص351 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 و 3 وجوامع الجامع ص486 وراجع أيضاً: فتح القدير ج5 ص195 والتفسير الكبير ج29 ص278 و 279 وبعض من تقدم قد ذكر بعض ذلك دون بعض.
([287]) فتح القدير ج5 ص195 وراجع: التفسير الكبير ج29 ص278 و 279.
([288]) مجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص160 عنه.
([289]) راجع: الدر المنثور ج6 ص189 عن عبد الرزاق، وعبد بن حميد، والبيهقي في الدلائل، وأبي داود، وابن المنذر، ومجمع البيان ج9 ص258 والبحار ج20 ص160 والروض الأنف ج3 ص251 وبهجة المحافل ج1 ص215 و 216 وغرائـب القرآن بهـامش جـامع البيان ج28 ص34 والكشاف ج4 ص499 = = وجوامع الجامع ص486 والمصنف ج5 ص358 و 359 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 والتبيان ج9 ص557 عن البلخي، ولباب التأويل ج4 ص245 ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة وجامع البيان ج28 ص19 و 22 وراجع: فتح القدير ج5 ص199 والسيرة الحلبية ج2 ص268.
([290]) الروض الأنف ج3 ص251 وشرح بهجة المحافل ج1 ص216 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 ولباب التأويل ج4 ص245 ومدارك التنزيل بهامشه في نفس الصفحة وراجع: جامع البيان ج28 ص20 وغرائب القرآن بهامشه ج28 ص34 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص20 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1764 والتفسير الكبير ج29 ص279 والسيرة الحلبية ج2 ص268.
([291]) عمدة القاري ج17 ص126.
([292]) فتح القدير ج5 ص195 والكشاف ج4 ص499 وراجع: التفسير الكبير ج29 ص278 و 279 وجوامع الجامع ص286.
([293]) الروض الأنف ج3 ص251 وستأتي مصادر أخرى.
([294]) المصنف للصنعاني ج4 ص126 وراجع ج10 ص359 و 360 وراجع: مغازي الواقدي ج2 ص717 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص371 والبداية والنهاية ج4 ص219 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص415 وعمدة القاري ج13 ص306 وفتح الباري ج5 ص240 عن ابن أبي شيبة وغيره، والموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج3 ص88 وغريب الحديث لابن سلام ج2 ص67 وراجع وفاء الوفاء ج1 ص320.
([295]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج3 ص21 والكامل في التاريخ ج3 ص224 والإكتفاء ج2 ص271 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص415 والبداية والنهاية ج4 ص219.
([296]) الإيضاح ص359 وتذكرة الخواص ص62 وسر العالمين ص20 وصحيح البخاري ج3 ص60 وج4 ص5 و 173 وج1 ص21 و 22 وج2 ص115 والملل والنحل ج1 ص22 وصحيح مسلم ج5 ص75 والبدء والتاريخ ج5 ص59 والبداية والنهاية ج5 ص227 والطبقات الكبرى ج2 ص244 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص192 و 193 والكامل في التاريخ ج2 ص320 وأنساب = = الأشراف ج1 ص562 وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص51 وتاريخ الخميس ج2 ص164 ومسند أحمد ج1 ص355 و 324 و 325 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص62 والسيرة الحلبية ج3 ص344.
وراجع المصادر التالية: نهج الحق ص273 والصراط المستقيم ج3 ص6 و 3 وحق اليقين ج1 ص181 و 182 والمراجعات ص353 والنص والإجتهاد ص149 و 163 ودلائل الصدق ج3 قسم 1 ص63 ـ 70.
([297]) راجع المصادر المتقدمة، فقد ذكر عدد منها ذلك، مثل صحيح البخاري ووفاء الوفاء ج1 ص319 و 321.
([298]) راجع: صحيح البخاري ج2 ص32 و 129 وصحيح مسلم ج5 ص27 ومسند أحمد ج2 ص149 ووفاء الوفاء ج1 ص320 والسيرة الحلبية ج3 ص58 والروض الأنف ج3 ص251.
([299]) صحيح مسلم ج5 ص160 والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص156 وفيـه: لإن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب. وكنز العمال ج4 = = ص323 عن ابن جرير في تهذيبه ومسند أحمد ج3 ص345 وج1 ص29 و32 والمصنف للصنعاني ج10 ص359.
([300]) فدعَ: شدخ وشقّ شقاً يسيراً.
([301]) صحيح البخاري ج2 ص77 و 78 وراجع المصادر التالية: كنز العمال ج4 ص324 وعنه وعن البيهقي، ووفاء الوفاء ج1 ص320 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص352 و 353 والبداية والنهاية ج4 ص200 و 220 والإكتفاء ج2 ص271 والمغازي للواقدي ج2 ص716 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص416 والسيرة الحلبية ج3 ص57 و58 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص378 ومسند أحمد ج1 ص15 بنص أكثر تفصيلاً، كما هو الحال في بعض المصادر الآنفة الذكر وراجع أيضاً: زاد المعاد لابن القيم ج2 ص79.
([302]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص369 و 370 وعمدة القاري ج13 ص306 والإصابة ج2 ص322 وفيه: أن هذا الحديث موجود في الموطأ وأخرجه الشيخان في باب القسامة، وأسد الغابة ج3 ص179 و 180 والإكتفاء ج2 ص270 والمغازي للواقدي ج2 ص714 و 715 والسيرة الحلبية ج3 ص57 و 58.
([303]) البداية والنهاية ج4 ص200 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص352 وفتح الباري ج5 ص240 وعمدة القاري ج13 ص305 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص379.
([304]) السيرة النبوية ج3 ص61.
([305]) سنن أبي داود ج3 ص158 والبداية والنهاية ج4 ص200 وأشار إليه في فتح الباري ج5 ص241 عن أبي يعلى، والبغوي. والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص380 وكنز العمال ج4 ص325 عن أبي داود، والبيهقي، وأحمد وراجع: المصنف للصنعاني ج10 ص359.
([306]) المصنف للصنعاني ج4 ص125 وسيأتي الحديث بلفظ آخر بعد قليل تحت حرف: ط.
([307]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص283.
([308]) طبقات ابن سعد ج2 ص114 وفتح الباري ج5 ص240 وتاريخ المدينة ج1 ص188.
([309]) الأموال ص142 و 162 و 163.
([310]) فتح الباري ج5 ص240.
([311]) كنز العمال ج4 ص322 و 323 عن الأموال، وعن البيهقي، وابن أبي شيبة وراجع هامش ص144 من كتاب الأموال.
([312]) الأموال ص274.
([313]) راجع: كتاب الخراج، للقرشي ص23.
([314]) كنز العمال ج4 ص323 عن ابن جرير في التهذيب، وتقدم نحوه عن المصنف للصنعاني ج4 ص125.
([315]) الأرف: جمع أرفة، وهي الحدود والمعالم. راجع: النهاية لابن الأثير ج1 ص26.
([316]) كنز العمال: ج4 ص324 و 325 عن ابن سعد، والمغازي للواقدي: ج2 ص716 و 717 وفي السيرة الحلبية: ج3 ص57، كما في الواقدي.
([317]) راجع: المغازي للواقدي ج2 ص716 و 717.
([318]) السيرة الحلبية ج3 ص57.
([319]) السيرة الحلبية ج3 ص58 ووفاء الوفاء ج1 ص320.
([320]) المصدر السابق.
([321]) المصدر السابق، والأموال ص142 و 143 و 144 ووفاء الوفاء ج1 ص320 و 321 وراجع مصادر الحديث ونصوصه في المصادر في الصفحات المتقدمة.
([322]) وفاء الوفاء ج1 ص321.
([323]) صورة الأرض ص41.
([324]) وفاء الوفاء ج4 ص1160 و 1164.
([325]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1160 و 1302 ومعجم البلدان ج3 ص211.
([326]) راجع: وفاء الوفاء ج4 ص1160 و 1233.
([327]) معجم البلدان ج3 ص211 ومراصد الاطلاع ج2 ص707.
([328]) وفاء الوفاء ج4 ص1184.
([329]) وفاء الوفاء ج4 ص1329.
([330]) وفاء الوفاء ج4 ص1328.
([331]) وفاء الوفاء ج4 ص1212 وراجع ص1328.
([332]) راجع: مراصد الإطلاع ج3 ص1417 ومعجم البلدان ج5 ص345.
([333]) صورة الأرض ص38 ومسالك الممالك ص19.
([334]) راجع كلامه بطوله في السيرة الحلبية ج3 ص58.
([335]) الأموال ص143.
([336]) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج3 ص280.
([337]) راجع: فتح القدير ج1 ص276 عن سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد، وعن الحسن، والدر المنثور ج1 ص329 عنهم وعن ابن عقدة في غرائب شعبة والنحاس في ناسخه وعبد بن حميد وسعيد بن منصور، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج3 ص280 والسيرة الحلبية ج2 ص267 ولباب التأويل ص185.
([338]) راجع: الجامع لأحكام القرآن ج3 ص280 ولباب التأويل ج1 ص186 ومدارك التنزيل بهامشه ج1 ص185 وفتح القدير ج1 ص276 عن ابن إسحاق، وابن جرير عن ابن عباس، وكذا أخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن عبيدة نحوه، وكذا أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن السدي نحوه والدر المنثور ج1 ص329 عنهم جميعاً أيضاً.
([339]) راجع: فتح القدير ج5 ص199 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص49 والبدء والتاريخ ج4 ص213 وتفسير الصافي ج5 ص153 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 والمغازي للواقدي ج1 ص380 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص232 والمصنف للصنعاني ج5 ص358 و 359 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص553 و 554 والتبيان ج9 ص557 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص428 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص119 وحياة الصحابة ج1 ص398 ومدارك التنزيل المطبوع بهامش لباب التأويل ج4 ص244 وجامع البيان ج28 ص19 و 20 و 22 والدر المنثور ج6 ص188 و 189 و 187 عن بعض من تقدم وعن: ابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وعبد بن حميد، وأبي داود، وابن المنذر، والحاكم وصححه. وراجع شعر أمير المؤمنين "عليه السلام" المذكور في الفصل الأول من هذا الباب وفي السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص208.
([340]) الثقات ج1 ص243 ومرآة الجنان ج1 ص9 والتنبيه والإشراف ص213 وسيرة مغلطاي ص53 والدر المنثور ج6 ص188 عن عبد بن حميد، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص233 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 وفيه: أن إجلاءهم إلى أذرعات ونجد، وقيل: إلى تيماء وأريحا، كان على يد عمر.
([341]) التنبيه والإشراف ص213. وقد يظهر منه: أنه "صلى الله عليه وآله" قد سمح لهم بالذهاب إلى فدك أيضاً، فاختاروا خيبراً.
([342]) الجامع لأحكام القرآن ج18 ص8.
([343]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وراجع: أحكام القرآن للجصاص ج3 ص428 وجوامع الجامع ص486 ومجمع البيان ج9 ص255 والبحار ج20 ص157 عنه عن مجاهد، وقتادة والدر المنثور ج6 ص99 عن ابن المنذر، وابن إسحاق، وأبي نعيم في الدلائل، والسيرة الحلبية ج2 ص267 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص330 و 333 ووفاء الوفاء ج1 ص297 والكامل في التاريخ ج2 ص173 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص201 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص554 والإكتفاء ج2 ص148 وجامع البيان ج28 ص19 وزاد المعاد ج2 ص110 وعمدة القارئ ج17 ص126 وفتح الباري ج7 ص254 ومنهاج السنة ج4 ص173.
([344]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([345]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص262.
([346]) راجع: غرائب القرآن مطبوع بهامش البيان ج28 ص33 والتفسير الكبير ج29 ص278 والكشاف ج4 ص498 ص499 ومجمع البيان ج9 ص257 والبحار ج20 ص209 عنه وبهجة المحافل ج1 ص215 ولباب التأويل ج4 ص245.
([347]) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص122.
([348]) تفسير القمي ج2 ص359 والبحار ج20 ص170 وتفسير الصافي ج5 ص154 وتفسير البرهان ج4 ص313.
([349]) الطبقات الكبرى ج2 ص58 والوفاء ص690 والبحار ج20 ص166 عن الكازروني وغيره، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 وزاد المعاد ج2 ص72 ومغازي الواقدي ج1 ص377 والسيرة الحلبية ج2 ص268.
([350]) الطبقات الكبرى ج2 ص57 ومغازي الواقدي ج1 ص376 والسيرة الحلبية ج2 ص267.
([351]) مغازي الواقدي ج1 ص375.
([352]) راجع: قاموس الرجال ج3 ص118 فما بعدها.
([353]) الآية 11 من سورة الحشر.
([354]) السيرة الحلبية: ج2 ص204.
([355]) مسند أبي عوانة: ج4 ص163.
([356]) مسند أبي عوانة ج4 ص164.
([357]) مجمع الزوائد: ج6 ص125.
([358]) الطبقات الكبرى ج2 ص258 وزاد المعاد ج2 ص72 ومغازي الواقدي ج1 ص375.
([359]) التنبيه والإشراف ص213 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص260 وفتح القدير ج5 ص195 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص2 وتفسير القمي ج1 ص168 والبحار ج20 ص166 و 168 وراجع المصادر الآتية في الهامش التالي: وذكر في السيرة النبوية ج3 ص212 ذلك في شعر لعباس بن مرداس. وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1764 وعمدة القاري ج17 ص125.
([360]) تفسير البرهان ج1 ص472، وراجع: ص473 و 478 وتفسير القمي ج1 ص168 و 169 والبحار ج20 ص166 و 168 وتفسير نور الثقلين ج1 ص523 و524 وجامع البيان ج6 ص154 و 157 و 164 و 165 و 167 وغرائب القرآن للنيسابوري بهامش جامع البيان ج6 ص145 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص60 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص176 و 187 و 191 والتبيان ج3 ص521 وراجع: ص524 و 525 والتفسير الحديث ج11 ص107 ومجمع البيان ج3 ص194 وفتح القدير ج2 ص43 و 44 والتفسير الكبير ج11 ص325 و 12 و 6 وعون المعبود ج12 ص136 ولباب التأويل ج1 ص468 وفي ظلال القرآن ج2 ص894 والدر المنثور ج2 ص381 و 283 و 284 و 285 و 278 و 288 عن أحمد، وأبي داود، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، وعبد بن حميد، وابن إسحاق، وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم والحاكم، وصححه، والبيهقي في سننه.
([361]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص201 والبداية والنهاية ج4 ص76 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص148 وتاريخ الخميس ج1 ص462 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص554 ومنهاج السنة ج4 ص173.
([362]) تاريخ الخميس ج1 ص462.
([363]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص159.
([364]) المغازي للواقدي ج1 ص374 و375 والسيرة الحلبية ج2 ص267.
([365]) التنبيه والإشراف ص213.
([366]) نسب قريش لمصعب ص299.
([367]) نسب قريش ص301 وراجع: شرح النهج للمعتزلي الشافعي ج18 ص300 و 286.
([368]) راجع: شرح النهج للمعتزلي الشافعي ج18 ص287 و 290 و 293 و 294.
([369]) شرح النهج للمعتزلي الشافعي ج18 ص291.
([370]) نسب قريش ص300 وراجع: شرح النهج ج18 ص291.
([371]) راجع: شرح النهج للمعتزلي الشافعي ج18 ص285 و 309.
([372]) تاريخ الأمم والملوك ج3 ص280 وقاموس الرجال ج3 ص491 عنه.
([373]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص84.
([374]) نهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص178 الحكمة رقم 120 وراجع مصادر نهج البلاغة وأسانيده ج4 ص109.
([375]) تحف العقول ص356 والبحار ج75 ص269.
([376]) الآية 11 من سورة المائدة.
([377]) البدء والتاريخ ج4 ص212 وتاريخ الإسلام للذهبي ص221 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 وفتح الباري ج7 ص255 والسيرة الحلبية ج1 ص264.
([378]) البدء والتاريخ ج4 ص213 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص422 و 424 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص261 والدر المنثور ج2 ص266 عن ابن إسحاق، وأبي نعيم في الدلائل، وابن المنذر، وابن جرير وعبد بن حميد.
([379]) راجع: الدر المنثور ج2 ص265 و267 والسيرة الحلبية ج2 ص264.
([380]) السيرة الحلبية ج2 ص264.
([381]) راجع: الدر المنثور ج2 ص252 عن أحمد، وأبي عبيد في فضائله والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في سننه، والترمذي وحسنه، وسعيد بن منصور، وابن جرير.
([382]) الدر المنثور ج2 ص252، فإنهم قد صرحوا بتاريخ نزول سورة المائدة، وصرح بأنها قد نزلت دفعة واحدة كل من: أحمد، وعبد بن حميد، والطبراني، وابن جرير، ومحمد بن نصر في الصلاة، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان.
([383]) الآية 2 من سورة الحشر.
([384]) مغازي الواقدي ج1 ص369.
([385]) ميزان الحكمة ج6 ص290 و 291.
([386]) ميزان الحكمة ج6 ص290 و 291.
([387]) ميزان الحكمة ج6 ص290 و 291.
([388]) ميزان الحكمة ج6 ص294.
([389]) الروض الأنف ج3 ص251. لكن بعض المصادر الأخرى قد ذكرت هذا الحديث، ولم تذكر فيه عبارة: "لم يدرسه أحد قبله" فراجع: سير أعلام النبلاء ج5 ص68 وتهذيب التهذيب ج9 ص421 والطبقات الكبرى ج7 ص501.
([390]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص49 وراجع ص50 وتهذيب الأسماء ج1 ص109 وأسد الغابة ج1 ص49 وتهذيب التهذيب ج1 ص188 وراجع: الإيضـاح لابن شـاذان ص323 و 330 و 231 وفي هـامشـه عن طائفـة مـن = = المصادر، والجامع الصحيح ج5 ص664 و 665 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص82 ومشكل الآثار ج1 ص350 و 351 وصحيح البخاري ج3 ص147 ومستدرك الحاكم ج3 ص305 وج2 ص224 وتلخيص مستدرك الحاكم للذهبي بهامشه، والطبقات الكبرى ج2 ص339 ومسند أحمد ج5 ص131 وحلية الأولياء ج1 ص251، وج4 ص187 ومجمع الزوائد ج9 ص312 والدر المنثور ج6 ص378 والبداية والنهاية ج7 ص340.
([391]) راجع: كشف الأستار ج3 ص250 و 249 ومستدرك الحاكم ج3 ص318 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه، والإيضاح ص223 و 232 ومجمع الزوائد ج9 ص287 و 288 عن أحمد، وأبي يعلى، والبزار، والطبراني، وصفة الصفوة ج1 ص399 والنهاية في اللغة ج3 ص371 ومسند أحمد ج1 ص445 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص82 وتذكرة الحفاظ ج1 ص14 وتفسير القرآن العظيم ج4 (الذيل) ص28 والإصابة ج2 ص369 والإستيعاب بهامشه ج2 ص320.
([392]) راجع: تذكرة الحفاظ ج1 ص16 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص42 والغدير ج6 ص308 عن: طبقات القراء ج1 ص546 وعن مفتاح السعادة ج1 ص351.
راجع: كشف الأستار ج3 ص250 و 249 ومستدرك الحاكم ج3 ص318 وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه، والإيضاح ص223 و 232 ومجمع الزوائد ج9 ص287 و 288 عن أحمد، وأبي يعلى، والبزار، والطبراني، وصفة الصفوة ج1 ص399 والنهاية في اللغة ج3 ص371 ومسند أحمد ج1 ص445 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص82 وتذكرة الحفاظ ج1 ص14 وتفسير القرآن العظيم ج4 (الذيل) ص28 والإصابة ج2 ص369 والإستيعاب بهامشه ج2 ص320.
([393]) التراتيب الإدارية ج2 ص183، وتفسير البرهان ص16 عن بشارة المصطفى.
([394]) الإصابة ج2 ص321 والإستيعاب بهامشه ج2 ص383 والدر المنثور ج4 ص69 عن: ابن مردويه، وابن جرير، وابن أبي شيبة، وابن سعد، وابن المنذر.
([395]) راجع: شواهد التنزيل ج1 ص310 وراجع ص308 و 307 وراجع: مناقب الإمام علي "عليه السلام" لابن المغازلي ودلائل الصدق ج2 ص135 ونقل عن: العمدة لابن البطريق ص61 وعن غاية المرام ص357 و 360 و 104 عن تفسير الثعلبي، والحبري "مخطوط" وعن الخصائص ص26.
([396]) تقدم ذلك في هذا الكتاب فراجع.
([397]) الجامع للقيرواني ص279 وتاريخ الخميس ج1 ص464 عن شرح صحيح مسلم للنووي، وعن أسد الغابة.
([398]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص49 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص198 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص200 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص7 وزاد المعاد ج2 ص110 ومنهاج السنة ج4 ص173.
([399]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وراجع: أيضاً التنبيه والإشراف ص213.
([400]) تاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص69 ووفاء الوفاء ج3 ص821 عنه وعن ابن زبالة ومرآة الحرمين ج1 ص418.
([401]) البحار ج63 ص387 و 388 وج76 ص132 و 131 ط مؤسسة الوفاء.
([402]) مسند أبي يعلى ج10 ص101 ومسند أحمد ج2 ص106 ومجمع الزوائد ج4 ص12 وج2 ص21.
([403]) راجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص93 عن أبي يعلى، وعن أحمد في عدة مواضع.
([404]) وفاء الوفاء ج3 ص821 ومرآة الحرمين ج1 ص418.
([405]) مسند أحمد ج2 ص106 ووفاء الوفاء ج3 ص822 عنه، وعن أبي يعلى.
([406]) راجع الكافي ج6 ص395 والوسائل ج17 ص237 باب تحريم شرب الخمر، والتهذيب ج9 ص102 وراجع: التنقيح الرائع ج1 ص15 وراجع أيضاً: مفتاح الكرامة ج4 ص2.
([407]) مسند أحمد ج2 ص106 ووفاء الوفاء ج3 ص822 عنه، وعن أبي يعلى.
([408]) الروض الأنف ج3 ص251. وحكاية الإجماع حول أموالهم في فتح الباري ج7 ص254.
([409]) مسند أحمد ج1 ص25 وفتح القدير ج5 ص199 عن الصحيحين وغيرهما، ومسند أبي عوانة ج4 ص132 و 140 وصحيح البخاري ج3 ص128 وصحيح مسلم ج5 ص151 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص335، والجـامع لأحكـام = = القرآن ج18 ص11 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص429 وفتوح البلدان قسم 1 ص20 و 34 والجامع الصحيح ج4 ص216 وسنن النسائي ج7 ص132 والتراتيب الإدارية ج1 ص393 وسنن أبي داود ج3 ص141 والخراج للقرشي ص34 والمغني لابن قدامة ج7 ص308 و 309 والتبيان ج9 ص561 و 562 وراجع: أحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1772 والدر المنثور ج6 ص192 عن بعض من تقدم، وعن ابن المنذر، والأموال ص14 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص123 وتاريخ المدينة ج1 ص208 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص262 و 263 والإكتفاء ج2 ص148 ومعجم البلدان ج5 ص290 ومدارك التنزيل مطبوع بهامش لباب التأويل ج4 ص247 لكن ليس في المصادر الثلاثة الأخيرة: أن القائل هو عمر.
([410]) الصفايا: الغنائم التي يختاره الرئيس لنفسه.
([411]) التبيان ج9 ص561 وأنساب الأشراف قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله" ص519 و 518 وراجع المصادر التالية: (ولكنها لم تصرح باسم عمر) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص120 والكامل في التاريخ ج2 ص174 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص201 وراجع ص203 والمصنف للصنعاني ج5 ص360 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص13 والسيرة الحلبية ج2 ص268 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 ونسب هذا القول إلى الزهري ومحمد بن إسحاق في كتاب الخراج للقرشي ص32.
([412]) المغازي ج1 ص377 وفتح القدير ج5 ص199.
([413]) فتوح البلدان قسم 1 ص20 والسيرة الحلبية ج2 ص269 عن الإمتاع وفتح الباري ج6 ص143 والمغازي للواقدي ج1 ص378 وسنن أبي داود ج3 ص141 والدر المنثور ج6 ص192 عنه وعن ابن مردويه والخراج للقرشي ص34.
([414]) مسند أبي عوانة ج4 ص142.
([415]) فتوح البلدان قسم 1 ص17.
([416]) سنن أبي داود ج3 ص157 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص121 ووفاء الوفاء ج3 ص998 والمصنف للصنعاني ج5 ص361 والدر المنثور ج6 ص189 عن عدة مصادر وفتح الباري ج6 ص140 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص331 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص197 والإرشاد للمفيد ص50 وتاريخ الخميس ج1 ص463.
([417]) راجع: البحار ج20 ص173 والإرشاد للمفيد ص50 والمناقب لابن شهرآشوب ج1 ص197 وكشف الغمة ج1 ص201 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463.
([418]) راجع: مسند أبي عوانة ج4 ص174 ـ 176 وصحيح مسلم ج5 ص162 و 163 وصحيح البخاري ج3 ص11 وج2 ص125 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص368 و 369 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص25 و 26 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1777 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص336 وفتح الباري ج7 ص256 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص270.
([419]) الطبقات الكبرى ج2 ص58 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص462 والبحار ج20 ص166 عن الكازروني، وراجع: تاريخ المدينة ج1 ص176 وزاد المعاد ج2 ص71.
([420]) تاريخ الخميس ج1 ص462.
([421]) ستأتي هذه الرواية مع مصادرها في الفصل السادس إن شاء الله تعالى.
([422]) الآية 6 من سورة الحشر.
([423]) المغازي ج1 ص377 والسيرة الحلبية ج2 ص268.
([424]) المغازي للواقدي ج1 ص378.
([425]) في الطرائف ص283: "لعل أبا بكر وأتباعه هم الذين سموها صدقات".
([426]) التراتيب الإدارية ج1 ص401 عن السهيلي.
([427]) راجع: التفسير الكبير ج29 ص284 و285، وغرائب القرآن (مطبوع) بهامش جامع البيان ج28 ص37 و38 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 و12 فإنه ذكر ذلك ضمناً وأجاب عنه كذلك، حيث قال: ولم يكن ثمة قتال على التحقيق؛ بل جرى مبادئ القتال، وجرى الحصار الخ..
([428]) ستأتي مصادر ذلك كله إن شاء الله، حين الحديث حول فدك بعد غزوة خيبر إن شاء الله تعالى. وبالإمكان مراجعة كتاب: أصول مالكيت (فارسي) للأحمدي، وفدك للقزويني، ودلائل الصدق، وغير ذلك.
([429]) مسند أبي عوانة: ج4 ص174 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص116 والسيرة الحلبية ج2 ص269 وصحيح مسلم ج5 ص162.
([430]) الآية 7 من سورة الحشر. وليراجع هنا: مجمع البيان ج9 ص260 والتبيان ج9 ص562 والإكتفاء ج2 ص148 و 149.
([431]) الخراج للقرشي: ص36.
([432]) الآية 9 من سورة الحشر.
([433]) راجع: فيما تقدم، كلاً، أو بعضاً المصادر التالية: البحار ج20 ص171 و 172 وفي هامشه عن الإمتاع للمقريزي ص182 وتفسير القمي ج2 ص360 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص368 و 369 ومجمع البيان ج9 ص260 ومسند أبي عوانة ج4 ص175 والسنن الكبرى ج6 ص116 وفتح الباري ج7 ص256 ووفاء الوفاء ج1 ص299 وتاريخ المدينة ج2 ص489 وتاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص263 والسيرة الحلبية ج2 ص268 و 269 وصحيح مسلم ج5 ص163 ولباب التأويل ج4 ص249 وغرائب القرآن مطبوع بهـامش جـامع البيـان ج28 ص41 و42 وفتح القـديـر ج5 ص201 = = والجامع لأحكام القرآن ج18 ص25 و 23 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1776 والتفسير الكبير ج29 ص287 والكشاف ج4 ص505 وجوامع الجامع ص487 وتفسير البرهان ج4 ص313 والمغازي للواقدي ج1 ص379 والخراج للقرشي ص33 وراجع: الروض الأنف ج3 ص250 وعمدة القاري ج15 ص47 وإرشاد الساري ج5 ص210.
([434]) فتوح البلدان: قسم 1 ص21 والبحار ج20 ص173 وفي هامشه عن المناقب ج1 ص169 و 170 وعن الإرشاد ص49 و48.
([435]) صحيح مسلم ج5 ص162 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص368 والسيرة الحلبية ج2 ص270.
([436]) طبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص379 وراجع: فتوح البلدان قسم 1 ص18 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص269 ومعجم البلدان ج5 ص290.
([437]) راجع: المصادر المتقدمة باستثناء فتوح البلدان.
([438]) وفاء الوفاء ج4 ص1296 وج3 ص945 ومعجم البلدان ج4 ص497 وراجع ج5 ص290 وطبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص379 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 وراجع: فتوح البلدان قسم 1 ص18 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص269.
([439]) طبقات ابن سعد ج2 ص58، لكنه ذكر بويلة له ولأبي سلمة بن عبد الأسد، وفتوح البلدان قسم 1 ص21 و 22 ووفاء الوفاء ج4 ص1157 وإرشاد الساري ج4 ص210 والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج7 ص147 عن صبح الأعشى ج13 ص105 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص269 ونيل الأوطار ج6 ص57.
([440]) الطبقات الكبرى ج2 ص58 وراجع ج3 ص104 ومغازي الواقدي ج1 ص379 و380، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([441]) طبقات ابن سعد ج2 ص58 ومغازي الواقدي ج1 ص380 وذكرا أنه "صلى الله عليه وآله" أعطاه (بويلة) ووفاء الوفاء ج4 ص1157 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة الحلبية ج2 ص269.
([442]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص380 و 379 والسيرة النبوية ج3 ص201 و202 وتاريخ الخميس ج1 ص462 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص555 والتبيان ج9 ص563 والإكتفاء ج2 ص148 وغرائب القرآن بهامش جامع البيان ج28 ص38 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وراجع ص14 و24 وراجع: البحار ج20 ص171 وتفسير القمي ج2 ص360 وفي هامش البحار عن الإمتاع ص182 ومجمع البيان ج9 ص260 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1771 و1772 والتفسير الكبير ج28 ص285 وزاد المعاد ج2 ص110 ومنهاج السنة ج4 ص173 والخراج للقرشي ص32 وتفسير البرهان ج4 ص313 وجوامع الجامع ص487 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص159 وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص49 وطبقات ابن سعـد ج2 ص58 وفتوح البلـدان قسـم 1 ص18 و 19 و 21 = = والمصنف ج6 ص361 لكنه لم يسم الرجلين، ولباب التأويل ج4 ص246 وجامع البيان ج28 ص28 وأشار إليه في سنن أبي داود ج3 ص143 و 157 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص122 ووفاء الوفاء ج1 ص299 وتاريخ المدينة ج2 ص490 والكامل في التأريخ ج2 ص174 والدر المنثور ج6 ص192 عن ابن مردويه والسيرة الحلبية ج2 ص269 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص332 وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله") ص518 ومعجم البلدان ج5 ص290.
([443]) مجمع البيان ج9 ص260 وتاريخ الخميس ج1 ص251 و462 عن المدارك، ومعالم التنزيل والسيرة الحلبية ج2 ص269، وقال: "نظر فيه بعضهم: بأنه قتل في بئر معونة"، ولباب التأويل ج4 ص246 وجوامع الجامع ص487 والتفسير الكبير ج29 ص285 والكشاف للزمخشري ج4 ص505 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وراجع ص14 و24 وأحكام القرآن لابن العربي ج4 ص1771 و 1772 والروض الأنف ج3 ص251 عن غير ابن إسحاق، وبهجة المحافل ج1 ص216 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص197.
([444]) غرائب القرآن، مطبوع بهامش جامع البيان ج28 ص38.
([445]) تاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ص112 وتاريخ الخميس ج1 ص463 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج18 ص11، والمغازي للواقدي ج1 ص379، والسيرة الحلبية للحلبي الشافعي ج2 ص269.
([446]) وفاء الوفاء ج3 ص944 عن ابن شبة.
([447]) عمدة القاري ج18 ص126.
([448]) تاريخ المدينة ج2 ص490.
([449]) مدارك التنزيل (مطبوع بهامش لباب التأويل) ج4 ص246.
([450]) الآيتان 6 و7 من سورة الحشر.
([451]) الآية 7 من سورة الحشر.
([452]) في ظلال القرآن ج6 ص3524.
([453]) المصدر السابق.
([454]) الآية 7 من سورة الحشر.
([455]) صحيح مسلم ج5 ص151 ـ 153 وشرح النهج للمعتزلي الحنفي ج16 ص221 ـ 223 وراجع ص229 وراجع: جامع البيان ج28 ص26 و 27 وتاريخ المدينة ج1 ص202 ـ 204 وراجع ص205 و 206 و 208 و 209 والصواعق المحرقة ص35 و 36 وصحيح البخاري ج3 ص11 وراجع: ج2 ص121 ووفاء الوفاء ج3 ص996 ـ 998 والمصنف للصنعاني ج5 ص469 ـ 471 وسنن أبي داود ج3 ص139 و 140. وراجع ص144 والبداية والنهاية ج4 ص203 وج5 ص287 و 288 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص386 وعمدة القاري ج14 ص185 ومسند أبي عوانة ج4 ص136 ـ 140 و 132 و 134 والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص158. والأموال ص17 و 18 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص335 و 336 ولباب التأويل ج4 ص246 و 247 والجامع لأحكام القرآن ج18 ص11 وسنن النسائي ج7 ص136 ومسند أحمد ج1 ص208 و 209 و 60 وأشار إلى ذلك في الصفحات التالية: 25 و 48 و 49 و 162 و 164 و 179 و 191 وكنز العمال ج7 ص167 و 168 عن بعض من تقدم وعن: البيهقي وعبد بن حميد، وابن حبان، وابن مردويه والدر المنثور ج6 ص193 عمن تقدم وراجع: تلخيص الشافي ج3 ص138 والتراتيب الإدارية ج1 ص403.
([456]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج16 ص229 والطرائف ص283 والمصنف للصنعاني ج5 ص471 وراجع: صحيح مسلم ج5 ص155 ووفاء الوفاء ج3 ص998 والصواعق المحرقة ص36 وصحيح البخاري ج3 ص11 وتاريخ المدينة ج1 ص202 و 205 وراجع ص207 وراجع: البداية والنهاية ج4 ص203 و 204 وج5 ص288 وفتح الباري ج6 ص145 والتراتب الإدارية ج1 ص402.
([457]) شرح النهج للمعتزلي ج16 ص223 وصحيح البخاري ج3 ص12 وأنساب الأشراف ج1 (قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله") ص520 وراجع: صحيح مسلم ج5 ص153 لكن فيه: أنهن أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر، فيسألنه ميراثهن الخ.. ومسند أبي عوانة ج4 ص145 وراجع ص143 وطبقات ابن = = سعد ج2 ص315 وتاريخ المدينة ج1 ص201 و 205 و 207 والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص471 و 472 والصواعق المحرقة ص36 وراجع: تلخيص الشافي ج3 ص150 والموطأ مطبوع بهامش تنوير الحوالك ج3 ص154 والبداية والنهاية ج4 ص203 وج5 ص288 وفتوح البلدان ج4 ص34 ومعجم البلدان ج4 ص239 والإيضاح لابن شاذان ص257 ـ 262 وراجع هوامشه.
([458]) السيرة النبوية ج4 ص573 والبداية ج5 ص288.
([459]) دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص33.
([460]) فتح الباري ج6 ص143.
([461]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التأريخ والإسلام ج1، البحث الأول، ففيه بعض النماذج من ذلك.
([462]) فتح الباري ج6 ص143.
([463]) صحيح البخاري ج3 ص11 وغيره.
([464]) تقدمت مصادر الرواية عن قريب، فقد رواها البخاري ومسلم وعبد الرزاق وغيرهم، فراجع.
([465]) دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص32 وشرح نهج البلاغة ج16 ص223.
([466]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص223 و 324.
([467]) سيأتي كلام المعتزلي هذا بعد أسطر.
([468]) دلائل الصدق: ج3 قسم 1 ص33.
([469]) شرح نهج البلاغة ج16 ص227 وراجع ص245.
([470]) وقد طالب العباس وفاطمة أبا بكر بالميراث أيضاً؛ فراجع في ذلك: صحيح البخاري ج3 ص12 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص24 وراجع: الصواعق المحرقة ص37 ووفاء الوفاء ج3 ص996 وتاريخ المدينة ج1 ص197 والبداية والنهاية ج5 ص285 وج4 ص203 والمصنف للصنعاني ج5 ص472 ومسند أبي عوانة ج4 ص145 ومسند أحمد ج1 ص10 و4 وتلخيص الشافي ج3 ص131 و132 ونهج الحق ص360.
([471]) فتح الباري ج6 ص145 وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص33 وراجع: حاشية السندي على صحيح البخاري، وهي مطبوعة بهامشه ج2 ص121 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص224.
([472]) عمدة القاري ج21 ص17.
([473]) دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص33 وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج16 ص229 و330.
([474]) شرح نهج البلاغة ج16 ص230.
([475]) حاشية السندي على صحيح البخاري، مطبوعة بهامشه ج2 ص121.
([476]) راجع: البداية والنهاية ج5 ص288 وعمدة القاري ج21 ص17 وراجع فتح الباري ج6 ص145، عن إسماعيل القاضي، وعن أبي داود في السنن، قال العسقلاني: وبه جزم ابن الجوزي، والشيخ محيي الدين، وتعجب العسقلاني من جزمهما هذا، فراجع.
([477]) الصواعق المحرقة ص37.
([478]) فتح الباري ج6 ص145.
([479]) المصدر السابق.
([480]) سنن النسائي ج7 ص136 وتاريخ المدينة ج1 ص204 وشرح النهج ج16 ص222 وراجع سائر المصادر التي تقدمت للرواية في أوائل هذا الفصل.
([481]) فتح الباري ج6 ص145.
([482]) شرح النهج للمعتزلي ج16 ص224.
([483]) راجع: جواهر الكلام ج39 ص99 ـ 105، وتلخيص الشافي ج1 هامش ص254 ـ 259 ونهج الحق ص515 واللمعة الدمشقية ج8 ص79 و 80 والحدائق الناضرة (كتاب المواريث) ص49 ـ 55 وأي كتاب فقهي للشيعة الإمامية تعرض فيه لمسائل الإرث.
([484]) راجع: الطرائف ص283 ـ 285.
([485]) دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص33.
([486]) شرح النهج ج16 ص224.
([487]) دلائل الصدق ج3 قسم 1 ص33 وشرح النهج للمعتزلي الشافعي ج16 ص226.
([488]) نهج الحق ص365 و 366 وراجع دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص124 و 125.
([489]) دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص126.
([490]) دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص128 و 129.
([491]) راجع: تلخيص الشافي ج3 ص129 و 130 ودلائل الصدق ج3 قسم 2 ص129 ونهج الحق ص366.
([492]) تلخيص الشافي ج3 ص147 و 148.
([493]) ديوان ابن المعتز ص29 وراجع: تلخيص الشافي ج3 ص148 هامش والغدير ج6 ص52.
([494]) راجع: ديوان الصفي الحلي وراجع تلخيص الشافي ج3 ص148 هامش والغدير ج6 ص53.
([495]) ديوان الشريف الرضي ج1 ص407 وتلخيص الشافي ج3 ص148 هامش.
([496]) راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج1 ص262 وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج16 ص224 و 214 وتلخيص الشافي ج3 ص147 وفي هامشه أيضاً عن: الرياض النضرة.
([497]) شرح النهج للمعتزلي ج16 ص224.
([498]) مسند أحمد ج1 ص4 والبداية والنهاية ج5 ص289 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص218 و 219 ودلائل الصدق ج3 قسم 1 ص44 عن كنز العمال ج3 ص130 عن أحمد وابن جرير، والبيهقي وغيرهم وراجع: سنن أبي داود ج3 ص144.
([499]) شرح النهج للمعتزلي ج16 ص219.
([500]) راجع: الطرائف لابن طاووس ص284 و 285.
([501]) نهج الحق ص364 وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص124.
([502]) هذا كلام ابن روزبهان في كتابه المسمى: "إبطال نهج الباطل" فراجع دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص125.
([503]) دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص126.
([504]) الآية 63 من سورة النور.
([505]) نهج الحق ص365 وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص124 وراجع: ميزان الإعتدال ج2 ص611 وسير أعلام النبلاء ج9 ص572 وفي هامشه عن الضعفاء للعقيلي ص265 و 266.
([506]) فتح الباري ج6 ص144 و 145.
([507]) هذا كلام الفضل بن روزبهان، راجع: دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص125.
([508]) دلائل الصدق ج3 قسم 2 ص127.
([509]) راجع: الضعفاء الكبير ج3 ص110 وميزان الإعتدال ج2 ص611 وسير أعلام النبلاء ج9 ص572 وفي هامشه عن الضعفاء للعقيلي ص265 و 266 ودلائل الصدق ج3 قسم 2 ص127.
([510]) سير أعلام النبلاء ج2 ص572.
([511]) مشاكلة الناس لزمانهم ص13 وحديث الألف مملوك موجود أيضاً في: ربيع الأبرار ج1 ص830 وراجع: حياة الصحابة ج2 ص242 وحلية الأولياء ج1 ص90 وجامع بيان العلم ج2 ص17 وراجع: البداية والنهاية ج5 ص345 وراجع: التراتب الإدارية ج2 ص397 ـ 404 و 24 ـ 29.
([512]) راجع: حياة الصحابة ج2 ص244 والبداية والنهاية ج7 ص249.
([513]) راجع: البداية والنهاية ج7 ص164 ومشاكلة الناس لزمانهم ص14 وحديث ربع الثمن هذا موجود في جامع بيان العلم ج2 ص16 و17.
([514]) كشف الأستار ج3 ص172 وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص72 وقال: رجاله رجال الصحيح.
([515]) راجع: مروج الذهب ج2 ص340 ومسند أحمد ج1 ص63 وحلية الأولياء ج1 ص160.
([516]) البداية والنهاية ج7 ص164 وراجع في مقدار تركته مآثر الإنافة ج1 ص96 وهناك تفاصيل عجيبة ذكرها في التراتيب الإدارية ج2 ص397 حتى ص405 و24 ـ 29.
([517]) راجع: الفتوحات الإسلامية ج2 ص55، والبحر الزخار ج4 ص100 والتراتيب الإدارية ج2 ص405.
([518]) طبقات ابن سعد ج3 ص219 والفتوحات الإسلامية ج2 ص390، وحياة الصحابة ج2 ص256 عن ابن سعد، وعن كنز العمال ج2 ص317، وعن ابن جرير، وابن عساكر.
([519]) لعل الصحيح: من عمر؛ وذلك لأن المفروض: أن الوارث هو ابن عمر، فالمورث لا بد أن يكون هو عمر نفسه. واحتمال أن يكون المراد بابن عمر هو عبد الله، ويكون أحد أبناء عمر قد باع ميراثه من أبيه إلى أخيه عبد الله بمائة الف، هذا الاحتمال بعيد عن مساق الكلام وقد كان ينبغي إلفات النظر إلى ذلك مع العلم بأن هذا الاحتمال، لا يضر بما نريد أن نستفيده من هذا النص، وذلك ظاهر.
([520]) جامع بيان العلم ج2 ص17.
([521]) المصدر السابق.
([522]) المصنف لعبد الرزاق ج6 ص367 وراجع: ص268 والسنن الكبرى ج7 ص209.
([523]) أصول مالكيت ج2 ص79 عن المناقب ج2 ص123 وراجع: البحار ج41 ص32 وراجع حول ثورته "عليه السلام" أيضاً ج41 ص125 ففيه قصة طريفة حول هذا الموضوع وراجع: الوسائل ج12 ص225.
([524]) راجع: كشف المحجة ص134 والبحار ج41 ص26 و 43 وأنساب الأشراف ج2 ص117 ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص560 ومسند أحمد ج1 ص159 وينابيع المودة ص372 عن فصل الخطاب لخواجة پارسا وأسد الغابة ج4 ص23 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص199 ومجمع الزوائد ج9 ص123 والتراتيب الإدارية، ج1 ص407 وتهذيب الأسماء ج1 ص346 وصيد الخاطر ص26 وملحقات إحقاق الحق ج8 ص574 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص72 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ج2 ص450 و 451 وحلية الأولياء ج1 ص86 وكنز العمال ج15 ص159 عن أحمد وأبي نعيم والدورقي، والضياء في المختارة، والسيرة الحلبية ج2 ص207. والرياض النضرة ج4 ص208 وعن أرجح المطالب ص166 وعن ربيع الأبرار وراجع: أصول مالكيت (فارسي) للأحمدي ج2 ص74.
([525]) كشف المحجة ص124 والبحار ج41 ص26.
([526]) مشاكلة الناس لزمانهم ص15.
([527]) البحار ج40 ص340 وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص46 وينابيع المودة ص208 والإمامة والسياسة ج1 ص162 والفتوح لابن أعثم ج4 ص146 والإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص48 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص207.
([528]) الفتوح لابن أعثم ج4 ص146.
([529]) تهذيب الأسماء ج2 ص346 وأسد الغابة ج4 ص24 والمناقب للخوارزمي ص70 والبداية والنهاية ج8 ص55 والبحار ج40 ص322.
([530]) كشف المحجة ص124 وراجع: أصول مالكيت ج2 ص78 ـ 98 عن مصادر كثيرة والبحار ج41 ص324.
([531]) كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين للحلي ص475 وكشف الغمة ج2 ص47 وترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج3 ص58 و60.
([532]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج15 ص46 وكشف المحجة ص126 والبحار ج4 ص340.
([533]) ترجمة الإمام علي (لابن عساكر) بتحقيق المحمودي ج3 ص202 وحياة الصحابة ج2 ص310 والبداية والنهاية ج8 ص5.
([534]) البحار ج41 ص133 عن المعتزلي في شرح نهج البلاغة.
([535]) جامع بيان العلم ج2 ص16 ومسند أحمد ج4 ص197 و202.
([536]) راجع: ميزان الحكمة ج4 ص263 عن غرر الحكم.
([537]) البحار ج43 ص198 و 199 وكتاب سليم بن قيس ص211 و 212 وراجع: كنز العمال ج5 ص351 و 352 والغدير ج7 ص228 و229 والإمامة والسياسة ج1 ص14 وأعلام النساء ج4 ص124 وعن رسائل الجاحظ ص300.
([538]) راجع: البداية والنهاية ج5 ص289 وراجع: ج4 ص203.
([539]) تقدمت مصـادر كثيرة لهـذا النص في الجزء الخامس من هذا الكتاب، في فصل: = = سرايا وغزوات قبل بدر، حين الحديث حول تكنية علي بأبي تراب، والافتراء عليه بإغضابه لفاطمة "عليها السلام".
([540]) الطرائف: ص251 وعلل الشرائع ص154 و 155.
([541]) الطرائف: ص251 وعلل الشرائع ص155 والمناقب لابن شهراشوب ج1 ص270.
([542]) الطرائف: ص251 و252 وعلل الشرائع ص155.
([543]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة الحلبية ج2 ص270 وسيرة مغلطاي ص54 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص201 والطبقات الكبرى ج2 ص61 والمغازي للواقدي ج1 ص396 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص161 والبداية والنهاية ج4 ص83 ونهاية الأرب ج17 ص158 والمواهب اللدنية ج1 ص106 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص271.
([544]) السيرة الحلبية ج2 ص270 والمغازي للواقدي ج1 ص396 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264.
([545]) راجع تفصيل غزوة ذات الرقاع أو إجماله في المصادر التالية: تاريخ الخميس ج1 ص464 وأنساب الأشراف ج1 ص340 والسيرة النبوية لزيني دحلان ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج2 ص271 وسيرة مغلطاي ص54 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص271 وحياة محمد لهيكل ص281 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 والوفاء ص691 والكامل في التاريخ ج2 ص174 والثقات ج1 ص257 و258 والتنبيه والإشراف ص214 وحبيب السير ج1 ص356 وطبقات ابن سعد ج2 ص61 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214 و 215 والمغازي للذهبي ص201 والمغازي للواقدي ج1 ص395 و 396 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص160 و 161 والبداية والنهاية ج4 ص83 ونهاية الإرب ج17 ص158 والمواهب اللدنية ج1 ص106 و 107.
([546]) راجع: طبقات ابن سعد ج2 ص61 ونهاية الإرب ج17 ص162 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 والسيرة الحلبية ج2 ص273 قال: "وهو الـذي تمثل به إبليس لعنه الله يوم أحد، حين نادى: إن محمداً قد قتل".
([547]) راجع: طبقات ابن سعد ج2 ص61 والمغازي للواقدي ج1 ص395 ونهاية الإرب ج17 ص162 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص371.
([548]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص464 والسيرة الحلبية ج2 ص273 وسيرة مغلطاي ص54. والتنبيه والأشراف ص214 ونهاية الإرب ج17 ص162 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص371 وحبيب السير ج1 ص357 والمغازي للواقدي ج1 ص395 والطبقات الكبرى ج2 ص61.
([549]) راجع: فتح الباري ج7 ص323 والمواهب اللدنية ج1 ص106.
([550]) راجع هذه الأقوال أو بعضها في المصادر التالية: سيرة مغلطاي ص53 وتاريخ الخميس ج1 ص464 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 و 201 والمواهب اللدنية ج1 ص106 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 والروض الأنف ج3 ص253، والمغازي للواقدي ج1 ص395. والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص160 والبداية والنهاية ج4 ص83 وبهجة المحافل ج1 ص232 وشرح بهجة المحافل ج1 ص232 وفتح الباري ج7 ص323 ونهاية الأرب ج17 ص158 وشرح النووي على صحيح مسلم ج12 ص197 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص371 و372. والسيرة الحلبية ج2 ص274 والبدء والتاريخ ج4 ص213 وحبيب السير ج1 ص356 و 357 وزاد المعاد ج2 ص111 والطبقات الكبرى ج2 ص61، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 و 29 والوفا ص691 والكامل في التاريخ ج2 ص174 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص227 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وأنساب الأشراف ج1 ص334 والثقات ج1 ص258 والتنبيه والإشراف ص214 وإعلام الورى ص89 والبحار ج20 ص176.
([551]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص270 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264..
([552]) تاريخ الخميس ج1 ص463 وسيرة مغلطاي ص54 والسيرة الحلبية ج2 ص270 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص369 و 370 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وزاد المعاد ج2 ص110 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص213 و 214 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 ونهاية الأرب ج17 ص158 وكتاب الجامع ص279 وفتح الباري ج7 ص321.
([553]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 عن خلاصة الوفاء وإعلام الورى ص89 والبحار ج20 ص176 و 178 و 177 عن ابن الأثير في الكامل وعن المناقب، وعن إعلام الورى.
([554]) الجامع ص279.
([555]) راجع: مرآة الجنان ج1 ص9 وسيرة مغلطاي ص54 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص29. وشذرات الذهب ج1 ص11 والتنبيه والإشراف ص214 وراجع: زاد المعاد ج2 ص110 وطبقات ابن سعد ج2 ص61 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 ومغازي الواقدي ج1 ص395 ونهاية الإرب ج17 ص158 والمواهب اللدنية ج1 ص106 عن ابن سعد، وابن حبان ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص270 وفتح الباري ج7 ص332.
([556]) تاريخ الخميس ج1 ص363 و 464 وسيرة مغلطاي ص54.
([557]) تاريخ الخميس ج1 ص464 عن المواهب اللدنية وفتح الباري ج7 ص321.
([558]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 عن ابن سعد، وابن حبان والمواهب اللدنية ج1 ص106 عنهما وعن أبي معشر، وأنساب الأشراف ج1 ص334 والجامع للقيرواني ص281 و 279 وسيرة مغلطاي ص54 وراجع: شذرات الذهب ج1 ص11 والكامل في التاريخ ج2 ص175 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص227 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 والثقات ج1 ص257 و 259 وحبيب السير ج1 ص356 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 ونصب الراية ج2 ص249.
([559]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والمواهب اللدنية ج1 ص106.
([560]) راجع: صحيح البخاري ج3 ص23 وتاريخ الخميس ج1 ص463 عن فتح الباري والبخاري والسيرة الحلبية ج2 ص270 عن البخاري وعن الشمس الشامي، والمواهب اللدنية ج1 ص106 و109 وغير ذلك.
([561]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 وفتح الباري ج7 ص327 والمواهب اللدنية ج1 ص106.
([562]) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص411.
([563]) من لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج1 ص260 رقم الحديث 1334 وتفسير البرهان ج1 ص411.
([564]) الدر المنثور ج2 ص214 ومسند أحمد ج3 ص348.
([565]) صحيح البخاري ج3 ص23 وفتح الباري ج7 ص323 و 324 وتاريخ الخميس ج1 ص464 وراجع البدء والتاريخ ج4 ص213.
([566]) فتح الباري ج7 ص323 و 324.
([567]) صحيح البخاري ج3 ص23 وفتح الباري ج7 ص321 وراجع ص322 وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص372 و 369 وبهجة المحافل ج1 ص232 والسيرة الحلبية ج2 ص270 وسيرة مغلطاي ص54 وحبيب السير ج1 ص356 و357.
وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص200 والروض الأنف ج3 ص253 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص161 والبداية والنهاية ج4 ص83 والمواهب اللدنية ج1 ص106 والسيرة النبوية لزيني دحلان ج1 ص264 وصحيح مسلم ج5 ص200 وزاد المعاد ج2 ص111. لكنه جعل الحديث مؤيداً لا دليلاً. ولعله تخيل وجود احتمال أن يكون أبو موسى لا يتحدث عن حضوره هو، بل ينقل ذلك عن بعض الصحابة، مع أن الرواية صريحة بأنه قد نقبت قدماه، وسقطت أظفاره.
([568]) راجع: المصادر التالية: صحيح البخاري ج3 ص23 وج1 ص110 وفتح الباري ج7 ص323 و 321 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص369 وراجع ص379 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص161 والبداية والنهاية ج4 ص83 وزاد المعاد ج2 ص111 واستدل به. والمواهب اللدنية ج1 ص106 ونصب الراية ج2 ص244.
([569]) راجع المصادر المتقدمة.
([570]) فتح الباري ج7 ص322 وراجع: المواهب اللدنية ج1 ص106.
([571]) صحيح البخاري ج3 ص21 وستأتي سائر المصادر في غزوة الخندق إن شاء الله.
([572]) راجع هذه المحاورة في: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص217 و 218 وصحيح مسلم ج4 ص176 وبهجة المحافل ج1 ص238 وراجع: صحيح البخاري ج2 ص8 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص381 و 383 والمغازي للواقدي ج1 ص399 ـ 401 ونهاية الأرب ج17 ص161 و 162 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص166 والبداية والنهاية ج4 ص86 و 87 والثقات ج1 ص258.
([573]) تاريخ الخميس ج1 ص463 وفتح الباري ج7 ص321 و 331 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص271 وراجع ص270 وحبيب السير ج1 ص357 وراجع: زاد المعاد ج2 ص111 والمواهب اللدنية ج1 ص106.
([574]) تاريخ الإسلام (المغازي) ص201 وراجع: فتح الباري ج7 ص322 و 323 ووفاء الوفاء ج1 ص300.
([575]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214 والسيرة الحلبية ج2 ص271 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 قسم 2 ص28 وزاد المعاد ج2 ص110 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص160 والبداية والنهاية ج4 ص83 ونهاية الأرب ج17 ص158 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264.
([576]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص271 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص214.
([577]) ذكر أخبار أصبهان ج1 ص52 وتاريخ بغداد ج1 ص170 وراجع كتاب العتق أيضا في: تهذيب تاريخ دمشق ج6 ص199 ومجموعة الوثائق السياسية ص328 عن الأولين وعن جامع الآثار في مولد المختار محمد بن ناصر الدين الدمشقي، وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص226 و227 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص20 و 21 عن تاريخ كزيده، ومكاتيب الرسول ج2 ص409 عن أكثر من تقدم وقال: "وأوعز إليه في البحار عن الخرائج".
([578]) راجع: البحار ج22 ص358 وإكمال الدين ج1 ص164 و 165 وروضة الواعظين ص276 ـ 278، والدرجات الرفيعة ص203 عن إكمال الدين ونفس الرحمن ص5 و 6 و 22 عن إكمال الدين، والراوندي في قصص الأنبياء، وروضة الواعظين، والحسين بن حمدان، والدر النظيم.
([579]) راجع: بصائر الدرجات ص25 والكافي ج1 ص331 وج8 ص162 والغدير ج7 ص35 عنهما. وإختيار معرفة الرجال ص17 والبحار ج22 ص343 و245 ومصابيح الأنوار ج1 ص348 وقاموس الرجال ج4 ص418 ونفس الرحمن ص91.
([580]) السيرة الحلبية ج2 ص271 و 272 والكامل في التاريخ ج2 ص175 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص228 و 229 وزاد المعاد ج2 ص111 و 112 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص218 و 219 والمغازي للواقدي ج1 ص397 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص164 و 165 والبداية والنهاية ج4 ص85 و 86 وراجع السنن الكبرى ج9 ص150 والتراتيب الإدارية ج1 ص358 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص378.
([581]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص379.
([582]) السيرة الحلبية ج2 ص272.
([583]) الإصابة ج2 ص263 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج2 ص452 ـ 456 وأسد الغابة ج3 ص100 و101 وسير أعلام النبلاء ج1 ص337 ـ 340 وفي هامشه عن المصادر التالية: طبقات ابن سعد ج3 قسم 2 ص16 وطبقات خليفة ص58 وتاريخ خليفة ص113 والتاريخ الصغير ص36 والجرح والتعديل ج6 ص77 ومشاهير علماء الأمصار ص113 والإستبصار ص220 ـ 222 وتاريخ الإسلام ج1 ص370 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص15.
([584]) راجع: البدء والتاريخ ج4 ص213 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص216.
([585]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص272 والكامل في التاريخ ج2 ص174 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص228 وبهجة المحافل ج1 ص237 وشرحه مطبوع معه بهامشه وتاريخ ابن الوردي ج1 ص160 وأشار إلى ذلك أيضاً في: الوفاء ص691 وزاد المعاد ج2 ص111 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص376 وفتح = = الباري ج7 ص331 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص316 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص202 ومسند أحمد ج3 ص390 والمواهب اللدنية ج1 ص107 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص162 والبداية والنهاية ج4 ص84 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص264.
([586]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص376.
([587]) نهاية الأرب ج17 ص160 والبدء والتاريخ ج4 ص213 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص163 و 161 و 162 والبداية والنهاية ج4 ص84 و 85 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص228 وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص216 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص422 ـ 424 والدر المنثور ج2 ص266 عن ابن جرير، وابن إسحاق، وأبي نعيم في الدلائل، وابن المنذر، وعبد بن حميد والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص261.
([588]) الطبقات الكبرى ج2 ص61 و 62 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص272 ونهاية الإرب ج17 ص160.
([589]) المواهب اللدنية ج1 ص107 وفتح الباري ج7 ص331.
([590]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص272 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص201 و 202 وصحيح البخاري ج2 ص100 و 101 وج3 ص24 و 25 وصحيح = = مسلم ج7 ص62 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص162 و 163 والبداية والنهاية ج4 ص84 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص373 ـ 375 وبهجة المحافل ج1 ص237 وفتح الباري ج7 ص330. وراجع: إعلام الورى ص78 و 79 والبحار ج20 ص175 و 176 عن مجمع البيان ج3 ص103.
ولكنهما ذكرا: أن ذلك كان في غزوة محارب وبني أنمار. وأنه "صلى الله عليه وآله" انصرف لأجل قضاء حاجته، وكان المطر يرش وجاء السيل قبل أن يفرغ من حاجته، فحال الوادي بينه وبين أصحابه. وكان العدو يرونهم، ولا يراهم المسلمون فأرسلوا غورث أو دعثور لقتل رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكان ما كان من دفع جبرئيل في صدره، فراجع.
([591]) شرح بهجة المحافل ج1 ص237 عن البغوي في التفسير.
([592]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص375 عن صحيح مسلم.
([593]) دلائل النبوة للبيهقي ج3 ص374.
([594]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص272 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص265 وفتح الباري ج7 ص331 وبهجة المحافل ج1 ص237.
([595]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص216 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص162 والبداية والنهاية ج4 ص84 وراجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص264 و 261 والبدء والتاريخ ج4 ص212 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص121 وفتح الباري ج7 ص255 والسيرة الحلبية ج2 ص264.
([596]) شرح بهجة المحافل ج1 ص237.
([597]) راجع: الخصال ج1 ص99 و 100 وعيون أخبار الرضا ج1 ص257 والبحار ج68 ص339 وج64 ص307.
([598]) الآية 72 من سورة النساء.
([599]) راجع في جعل النبي الحرس أفراداً، وجماعات: المغازي للواقدي ج2 ص602 والمواهب اللدنية ج1 ص93 وتاريخ الخميس ج1 ص422 والسيرة الحلبية ج2 ص221 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص228 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص151 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص280 وج3 ص249 والتراتيب الإدارية ج1 ص356 و 358.
([600]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص275 و 276 عن البيهقي، وعن النسائي في اليوم والليلة وحياة الصحابة ج1 ص502 عنه وعن كنز العمال ج5 ص267 عن الحاكم والبزار، وأبي يعلى، والفريابي.
([601]) وفاء الوفاء ج2 ص448.
([602]) الإصابة ج2 ص428 والتراتيب الإدارية ج1 ص357 وصحيح مسلم ج7 ص124 والجامع الصحيح ج5 ص650 و 651 و 251 ومسند أحمد ج1 ص391 و 450 وج4 ص134 والتراتيب الإدارية ج1 ص356 و 392 و 393.
([603]) الآية 11 من سورة المائدة.
([604]) البرهان في تفسير القرآن ج1 ص430 والدر المنثور ج2 ص252 عن أحمد، وأبي عبيد في فضائله، والنحاس في ناسخه، والنسائي، وابن المنذر، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في سننه، والترمذي، وحسنه، وسعيد بن منصور، وابن جرير. وممن صرح أنها نزلت دفعة واحدة كما في المصدر المتقدم: أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، والطبراني، ومحمد بن نصر في الصلاة، وأبو نعيم في الدلائل والبيهقي في شعب الإيمان.
([605]) راجع ما تقدم في السيرة الحلبية ج2 ص273 و 274.
([606]) فتح الباري ج7 ص330.
([607]) الكافي ج8 ص127 والبحار ج20 ص179 عنه، وإعلام الورى ص89.