الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج7
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل السادس:
جـزاء الـغـادر
1 ـ قتل أبي عفك:
كان الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد عاهد اليهود على الموادعة، وعدم تعرض أي من الفريقين للآخر. ولكن ازدياد سرايا المسلمين في المنطقة، وما تبع ذلك من إجراءات على صعيد بناء المجتمع الجديد وتقويته، قد زاد من قوة المسلمين، ورفع من معنوياتهم، وجعل منهم قوة لها خطرها؛ مع أنه لم يمض بعد عامان على قدومهم كلاجئين، يبحثون عن مأوى وملجأ وملاذ.
إذاً، فلا بد ـ برأي اليهود ـ من تطويق هذا الخطر، والحد من هذا النفوذ قبل فوات الأوان؛ حتى يتسنى لهم الاستمرار في الاحتفاظ بالتفوق السياسي والاقتصادي في المنطقة.
وقد بدأت محاولات اليهود في هذا السبيل من أوائل الهجرة، وقبل حرب بدر، ثم كانت حرب بدر ونتائجها المذهلة، فزاد ذلك من مخاوف اليهود، والمشركين، والمنافقين على حد سواء، فصعدوا من نشاطاتهم، وتحدياتهم بشكل ملحوظ كما سنرى.
وقد بدأ اليهود قبل بدر بالتحريض على الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" والمسلمين، والتعرض لهم بمختلف أنواع الأذى، فكان (أبو عفك) اليهودي يحرض على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويقول فيه الشعر؛ فنذر سالم بن عمير أن يقتله، أو يموت دونه؛ فذهب إليه فقتله([1]). ويبدو أن قتله كان قبل حرب بدر، كما سيظهر من العبارات التالية:
2 ـ قتل العصماء بنت مروان:
فلما قتل أبو عفك، تأففت العصماء بنت مروان (وهي من بني أمية بن زيد، وزوجة يزيد الخطمي) من قتله، فصارت تعيب الإسلام وأهله، وتؤنب الأنصار على اتباعهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وتقول الشعر في هجوه "صلى الله عليه وآله"، وتحرض عليه، واستمرت على ذلك إلى ما بعد بدر. فجاءها عمير بن عوف ليلاً لخمس بقين من شهر رمضان المبارك، فوجدها نائمة بين ولدها، وهي ترضع ولدها ـ وعمير ضعيف البصر ـ فجسها بيده؛ فوجد الصبي على ثديها يرضع، فنحاه عنها، ثم وضع سيفه في صدرها حتى أخرجه من ظهرها، ثم ذهب إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال له "صلى الله عليه وآله": أقتلت ابنة مروان؟
قال: نعم.
قال "صلى الله عليه وآله": لا ينتطح فيها عنزان. أي لا يعارض فيها معارض([2]).
هكذا زعم المؤرخون: وإن كنا نشك في صحة ذلك، إذ لا يعقل أن ينحي ولدها عنها ولا تلتفت إليه، وتبقى ساكنة ساكتة، حتى يضع سيفه في صدرها.
هذا، وقد جاء في شواهد النبوة: أن عمير بن عدي الخطمي سمع أبياتها التي قالتها حين كان النبي "صلى الله عليه وآله" في بدر، والتي قالتها في ذم الإسلام والمسلمين، وكان ضريراً، فنذر: لئن رد الله رسوله سالماً من بدر ليقتلنها.
ففي ليلة قدومه "صلى الله عليه وآله" ذهب إليها عمير فقتلها؛ فلما رآه النبي "صلى الله عليه وآله" قال له: أقتلت ابنة مروان؟
قال: نعم.
فأقبل "صلى الله عليه وآله" على الناس، وقال: "من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله؛ فلينظر إلى عمير بن عدي".
فقال عمر: إلى هذا الأعمى؟ بات في طاعة الله ورسوله!!.
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": مه يا عمر، فإنه بصير، أو كما قال([3]).
ورجع عمير إلى قومه من بني خطمة؛ فقال لهم: يا بني خطمة، أنا قتلت ابنة مروان، فكيدوني جميعاً، ولا تنظرون.
فذلك أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة، وكان من أسلم منهم يستخفي بإسلامه، ويومئذٍ أسلم رجال منهم بما رأوا من عز الإسلام([4]).
ولعل ما في شواهد النبوة من أن عميراً كان أعمى، وقد جاء هذا على لسان عمر أيضاً، قد جاء على سبيل المبالغة؛ لأنه كان ضعيف البصر بالفعل، فإن من الصعب على الضرير أن يقوم بعملية كهذه، وهي نائمة ليلاً بين ولدها.
إلا أن يقال: إنه إذا عرف مكانها الذي تنام فيه، فإن بإمكانه تمييز الطفل عن غيره بواسطة تلمس أبدانهم، كما هو صريح الرواية. ولكنها ـ كما قلنا ـ تبقى عملية صعبة على الرجل الضرير.
ولذلك فنحن نرجح طريقة المبالغة كما قلنا.
3 ـ قتل كعب بن الأشرف:
قال الواقدي: إن قتل كعب بن الأشرف كان في ربيع الأول في سنة ثلاث.
وخلاصة ما جرى: أن اليهود كانوا يتوقعون: أن يستأصل المشركون شأفة المسلمين والإسلام، وكان لانتصار المسلمين في بدر وقع الصاعقة عليهم، وثارت ثائرتهم، وطاشت عقولهم.
قال ابن اسحاق: لما أصيب المشركون في بدر؛ بلغ ذلك كعب بن الأشرف، وكبر عليه قتل من قتل في بدر، وبكاهم، وهجا النبي "صلى الله عليه وآله" وأصحابه في شعره، وكان يشبب بنساء المسلمين (وأضاف البعض([5]): نساء النبي "صلى الله عليه وآله" أيضاً) حتى آذاهم([6]).
فسار إلى مكة، وحرض على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولم يخرج من مكة حتى أجمع أمرهم على حرب رسول الله.
وسأله أبو سفيان: أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدى في رأيك، وأقرب إلى الحق: إنّا لنطعم الجزور الكوماء، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت الشمال؟!
فقال له: أنتم أهدى منهم سبيلاً([7]).
فلما عاد إلى المدينة، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": من لي بابن الأشرف؟
فانتدب له محمد بن مسلمة، وقال: يا رسول الله، لا بد لنا أن نقول.
قال: قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل من ذلك.
فذهب إليه هو وأبو نائلة، أخو كعب من الرضاعة، وآخرون. فاجتمع به أبو نائلة، وأظهر له تبرمه من الوضع المعيشي الذي نجم عن قدوم النبي "صلى الله عليه وآله" إليهم، وطلب منه: أن يبيعه طعاماً في مقابل رهن، فطلب ابن الأشرف أن يرهنوه نساءهم، فرفض أبو نائلة، ثم طلب أبناءهم، فرفض أيضاً، وعرض عليه رهن السلاح، حتى لا ينكر كعب السلاح إذا جاء مع أصحابه؛ فقبل كعب. ورجع المفاوض إلى جماعته، فجاء بهم، ومعهم السلاح، وشيعهم "صلى الله عليه وآله" إلى بقيع الغرقد؛ ودعا لهم، فلما انتهوا إلى الحصن صاحوا به، فقالت له زوجته ـ وكان حديث عهد بعرس ـ : أسمع صوتاً يقطر منه الدم.
فقال لها كعب: إن أبا نائلة لو رآه نائماً ما أيقظه. ونزل إليهم، فأخذ أبو نائلة رأسه فشمه، وتعجب من طيبه، وكرر ذلك حتى اطمأن كعب.
ثم أخذ بفوديه، وقال: اضربوا عدو الله، فخبطوه بأسيافهم، وقتلوه، وجرح منهم بأسيافهم الحارث بن أوس بن معاذ، فتفل "صلى الله عليه وآله" على جرحه. فأصبحوا وقد خافت يهود مما جرى لكعب "فليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه"([8])، وذهبوا إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فقالوا: قتل صاحبنا غيلة.
فذكرهم النبي "صلى الله عليه وآله" بما كان يهجوه في أشعاره ويؤذيه.
قال: ثم دعاهم النبي "صلى الله عليه وآله" إلى أن يكتب بينه وبينهم صلحاً، قال: أحسبه قال: فذلك الكتاب مع علي([9]).
وقال كعب بن مالك بهذه المناسبة أبياتا منها:
فـغـودر مـنـهم كعب صـريـعـاً فـذلـت بعـد مصـرعــه النضير([10])
قال العلامة الحسني: "ومع ذلك فلم يتراجعوا عن الدس والتحريض على المسلمين والتصدي لهم، والنيل من النبي "صلى الله عليه وآله"، وطلب منهم النبي أن يكفوا عما هم عليه، وأن يلتزموا بالعهد الذي أعطوه على أنفسهم، حين دخوله المدينة، فلم يزدهم ذلك إلا عتوَّاً وتمادياً في إيذاء المسلمين، ونشر الفساد، والنبي "صلى الله عليه وآله" من جانبه يوصي المسلمين بالهدوء وضبط الأعصاب"([11]).
ولا بد أن يكون ذلك ـ لو صح ـ باستثناء ناقضي العهد من الشخصيات الخطرة، التي كانت تحرض على الإسلام والمسلمين، وتشكل خطراً جدياً عليهم، كما يظهر مما يأتي:
ملاحظة: قد تقدم أن الكتاب الذي كتبه النبي "صلى الله عليه وآله" بينه وبين اليهود قد كان مع علي "عليه السلام".
ونحن نستثير القارئ ليطرح سؤاله حول السر في أن يكون ذلك الكتاب عند علي "عليه السلام" دون غيره، فهل ذلك يشير إلى خصوصية لعلي "عليه السلام" بالنسبة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" في المجال السياسي، أو حتى فيما يرتبط بالإمامة من بعده "صلى الله عليه وآله"؟!.
4 ـ قتل ابن سنينة:
ويذكر المؤرخون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة اليهودي، فقتله، فقال له أخوه حويصة ـ ولم يكن قد أسلم بعد ـ: يا عدو الله قتلته؟! أما والله لرب شحم في بطنك من ماله.
فقال محيصة: لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك.
قال: فوالله، إن كان لأول إسلام حويصة. فاستحلفه على ذلك؛ فحلف له فقال: إن ديناً بلغ بك ما أرى لعجب! ثم أسلم([12]).
5 ـ قتل أبي رافع:
وفي جمادى الآخرة من السنة الثالثة([13])، وقيل: سنة أربع([14]).
وعند البعض: بعد أحد من دون تعيين.
كان قتل أبي رافع بن الحقيق بخيبر، الذي كان يظاهر ابن الأشرف في معاداته للنبي "صلى الله عليه وآله"، ويؤذي النبي "صلى الله عليه وآله"، ويبغي عليه.
وذلك أنه: بعد قتل الأوس لابن الأشرف قالت الخزرج: والله لا يذهبون بها علينا عند رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فوقع اختيارهم على ابن الحقيق هذا، المعروف ببغيه وأذاه، والمظاهر لابن الأشرف؛ فاستأذنوا رسول الله "صلى الله عليه وآله" في قتله فأذن لهم. فخرج إليه خمسة نفر أو ثمانية، عليهم عبد الله بن عتيك، فأتوا داره ليلاً، فأغلقوا أبوابه على أهله، وكان هو في علية، فاستأذنوا عليه؛ بحجة: أنهم جاؤا يطلبون الميرة([15])، فدخلوا عليه، وأغلقوا باب العلية، فوجودوه على فراشه؛ فابتدروه، فصاحت المرأة؛ فأرادوا قتلها، ثم ذكروا نهي النبي "صلى الله عليه وآله" عن قتل النساء والصبيان، فقتلوه، وخرجوا. ولكنهم لم يطمئنوا إلى أنه قد مات؛ فأرسلوا أحدهم، فدخل بين الناس، وعرف الخبر منهم، ورجع إليهم فأخبرهم بهلاكه.
ثم رجعوا إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، واختلفوا فيمن قتله، فأخذ النبي "صلى الله عليه وآله" أسيافهم، فرأى على سيف ابن أنيس أثر الطعام؛ فقال: هذا قتله([16]).
وأضاف ابن الأثير في روايته المفصلة: أن ابن عتيك وصل إلى غرفة أبي رافع المظلمة، فناداه، فأجابه، فضرب جهة الصوت، فصاح؛ فهرب ابن عتيك، ثم عاد إليه، فقال: ما هذا الصوت؟!
فأجابه: إن رجلاً في البيت، فضرب نحو الصوت، فأثخنه، ثم وضع السيف في بطنه، حتى خرج من ظهره، ونزل من درج فوقع، فانكسرت ساقه؛ فعصبها بعمامة؛ ثم جلس عند الباب، ليعرف إن كان قد قتل حقاً، فسمع أول الفجر نعيه، فانطلق إلى أصحابه، ثم جاء إلى النبي، فمسح "صلى الله عليه وآله" رجله، فكأنه لم يشتكها قط([17]).
وقبل المضي في الحديث لا بد من تسجيل النقاط التالية:
ألف: الإسلام قيد الفتك:
إنه ربما يتخيل: أن الاغتيالات التي تحدثنا عنها لا تناسب ما ورد من أن الإسلام قيد الفتك، فلا يفتك مؤمن، حتى ليقال: إن هذا كان هو المانع لمسلم بن عقيل من قتل عبيد الله بن زياد في بيت هاني بن عروة([18]).
ولكن الحقيقة هي: إن المقصود بالفتك هو القتل غدراً لمن يكون في أمن من ناحيتك. والغدر أعم من الفتك.
وثمة رواية تفيد: أن الفتك لا يجوز إلا بإذن الإمام "عليه السلام"، وقد حكم على من فتك بشاتمي أمير المؤمنين "عليه السلام" أن يذبح كبشاً. ولو أنه قتلهم بإذن الإمام "عليه السلام" لم يكن عليه شيء([19]).
وذلك لأن الفتك لو شاع لانعدم الأمن، وسلبت الراحة من كل أحد.
وقد كان عبيد الله بن زياد في بيت هاني بن عروة يرى نفسه في أمن من ناحيتهم، ولم يكن ثمة إعلان حرب فيما بينه وبينهم، إنما كان ثمة إرهاصات بالحرب فيما بينه وبين الحسين "عليه السلام"، ولم يكن ذلك قد اتضح بصورة تامة في ذلك الحين.
وليس الأمر بالنسبة لليهود كذلك، لأنهم كانوا قد عاهدوا النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله": أن لا يحاربوه ولا يظاهروا عليه عدوه.
وهؤلاء هم الذين آذوا المسلمين، وهجوهم، وحرضوا المشركين عليهم، وناحوا على قتلى بدر، بل ذهب ابن الأشرف إلى مكة للتحريض عليهم، وشبب بالنساء المسلمات، وحتى بنساء رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى آخر ما تقدم.
إذاً، فقد صار هؤلاء من أظهر مصاديق (المحاربين)، وناقضي العهود، ولا بأس بالخدعة على المحارب لقتله؛ فإن (الحرب خدعة)([20]).
وقد كان "صلى الله عليه وآله" إذا أراد غزوة ورى بغيرها([21])، كما أنه "صلى الله عليه وآله" قد أجاز لهم أن يقولوا ما شاؤوا حينما ذهبوا إلى قتل ابن الأشرف، وذلك لأن شر هذا المحارب وفساده في الأرض، ووقوفه في وجه كلمة الله، وإقامة العدل والحق، أعظم من أي قول يقولونه، وأي أسلوب يتبعونه.
وأخيراً: فهل يشك أحد في أن من يكون في ساحة الحرب، فإن لعدوه أن يختله من خلفه، ويتخلص منه؟!.
ومن كان محارباً، فليس له أن يأمن عدوه، وينام قرير العين، فارغ البال!
ويدل على ما قلناه: أن نفس امرأة كعب بن الأشرف قد حذرته، وقالت له: "إنك امرؤ محارب، إن صاحب الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة"!!
ومما يدل على ذلك أيضاً: أنهم قد احتاجوا إلى تجديد العهد الذي نقضوه، وكتابة عهد آخر كان عند علي أمير المؤمنين، وصي النبي ووارثه، صلوات الله وسلامه عليه([22]).
جريمة معاوية:
وبعدما تقدم، فإننا نجد معاوية يحاول ـ كعادته ـ أن ينتقص رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويظهر ابن الأشرف على أنه قد قتل مظلوماً؛ فعن عباية، قال: ذكر قتل كعب بن الأشرف عند معاوية، فقال: كان قتل غدراً.
فقال محمد بن مسلمة: يا معاوية أيغدر عندك رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟ لا يظلني وإياك سقف بيت أبداً([23]).
وحسبنا هنا أن نقول عن معاوية، ومواقفه، ومخزياته: وكل إناء بالذي فيه ينضح.
ب: رعب اليهود:
إن عمليات قتل هؤلاء الأفراد، التي نظمت ونفذت ببراعة فائقة، وذكاء وعبقرية، قد أرعبت اليهود، وأخافتهم، ولا سيما بعد قتل ابن الأشرف الغادر، حتى إنه (ليس بها يهودي إلا وهو خائف على نفسه). وحتى قال كعب بن مالك:
فـغـودر مـنـهم كعب صـريـعـاً فـذلـت بعـد مـصـرعــه النضـير
وقد كان يهود بني النضير أعز من بني قريظة، وغيرهم، ممن كان لا يزال في تلك المنطقة. وكان لهذه الضربة فيهم أثر هام في رعب سائر اليهود آنئذٍ. وأصبح القضاء على من يغدر من اليهود أسهل وأيسر، فالمسلمون يملكون الجرأة الكافية، واليهود أصبحوا خائفين على أنفسهم، والقضاء على الخائف المرعوب أسهل وأيسر من القضاء على غيره، وكان ذلك واحداً من مصاديق قوله "صلى الله عليه وآله": (نصرت بالرعب).
وذلك أمر طبيعي بالنسبة لمن لا يؤمن بالمعاد، ويعتقد أن جنته هي هذه الدنيا، وأنه إذا فقد حياته، فقد كل شيء، حسبما ألمحنا إليه من قبل.
ج: مع موقف عمير في أصالته ونبله:
1 ـ يلاحظ: أن عمير بن وهب ينحي ولد العصماء عن صدرها، ثم يقتلها.
وهذا يؤكد: على أن الإسلام قد ربى أتباعه على أنه ليس ضد الإنسان، وإنما هو ضد مواقفه وتصرفاته المنحرفة عن الحق، والعدل، والفطرة.
فهو يريد فقط: أن يقضي على مصدر الخطر على الحق والفطرة.
وحينما لا يبقى ثمة سبيل إلا القضاء على مصدر الفتنة؛ وحيث يكون آخر الدواء الكي؛ فإنه لا بد أن يكتفى بالحد الأدنى، الذي يتحقق فيه الهدف الأقصى، وهو إقامة الدين والحق.
2 ـ ثم إننا لنكبر هذا التعقل النادر لعمير في موقف حرج وخطير كهذا، حتى إنه ليملك في هذه اللحظات الحساسة جداً أن يتخذ القرار الحاسم والمبدئي، وكما يريده الإسلام، بعيداً عن كل اضطراب وانفعال، لا سيما وهو ضرير، كما قيل، أو ضعيف البصر.
نعم، إنه يتصرف بهدوء واطمئنان، ووعي، حتى في أحرج اللحظات، وأكثرها إثارة للأعصاب، وتشويشاً للحواس.
ومثل ذلك يقال بالنسبة لامتناعهم عن قتل المرأة التي كادت تفضحهم بصياحها في قضية أبي رافع، حين تذكروا نهي النبي "صلى الله عليه وآله" عن قتل النساء والصبيان.
وهذه هي الشخصية الإسلامية التي يريدها الإسلام، واستطاع أن يصدر للعالم الكثير من النماذج الحية لها، من أمثال سلمان، وعمار، وأبي ذر، والمقداد، والأشتر، وفوق هؤلاء جميعاً سيدهم، وإمامهم، وأميرهم، أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، والأئمة من ولده صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ويكفي أن نذكر مثالاً وقدوة لكل الأحرار، والذين يعيشون المبدأ بكل وجودهم: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" حينما أراد أن يقتل عمرو بن عبد ود، فشتمه عمرو، وتفل في وجهه، قام عنه، حتى ذهب عنه غضبه، ثم عاد إليه فقتله، فعل ذلك ليكون قتله له خالصاً لله، لا يتدخل فيه عنصر حب الانتقام لنفسه، وغضبه لها، ولو بشكل لا شعوري.
هـذه مـن عـلاه إحـدى المـعـالي وعـلى هـذه فـقـس مــا سـواه
3 ـ ثم هناك رواية شواهد النبوة، التي تضيف: أن بعض الصحابة قد نفس على عمير هذا الوسام النبوي الذي ناله عن جدارة واستحقاق، ولم يستطع أن يخفي ذلك في نفسه، بل ظهر في فلتات لسانه بتعبير فيه شيء من الجفاء الجارح، دعا الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" إلى محاولة حسم الموقف، ثم التلطيف والتخفيف من وقع تلك العبارة، ثم معاودة التأكيد على جدارة عمير، واستحقاقه للثناء، وعرفان حقه، بقوله "صلى الله عليه وآله": "مه يا عمر، فإنه بصير".
4 ـ وهناك أيضاً موقف آخر لعمير في قومه، الذي أدى إلى أن يعز الإسـلام فيهم، ويسلم منهم رجـال. فإن في ثقـة عمير بنفسه وبدينه، وصلابته في التعبير عن هذه الثقة، حتى لقد صرح لهم: أنه لم يعد يخشى أحداً على الإطلاق ـ إن في ذلك ـ ما يجعل كل من يتردد في قبول الإسلام، بسبب خوفه، وضعف نفسه، يشعر بأن بإمكانه أن يجد في الإسلام نصيراً ومعيناً وحامياً له، ولم يعد ثمة ما يبرر موقفه السلبي منه.
ولأجل هذا نجد: أن عدداً منهم يدخل في الإسلام، حينما شعر بعزة الإسلام وبقوته في تلك القبيلة.
د: ابن الأشرف وأبو سفيان:
وفي قضية ابن الأشرف يواجهنا سؤال أبي سفيان لكعب عن الدين الحق، ثم محاولة أبي سفيان الاستدلال على أحقية دينه بما تقدم، من أنهم يطعمون الجزور الكوماء، ويسقون اللبن على الماء الخ.
ونحن هنا نسجل ما يلي:
1 ـ إن ذلك يؤيد ما قدمناه، من أن العرب كانوا يرون في اليهود مصدراً للمعرفة والثقافة.
وقد استقر ذلك في نفس عمر بن الخطاب، حتى إنه كان يأتي بترجمة التوراة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" حتى أظهر النبي "صلى الله عليه وآله" انزعاجه من ذلك، حسبما قدمناه في مدخل هذه الدراسة، حين الكلام حول المرسوم العام، حيث قال النبي "صلى الله عليه وآله" لعمر بن الخطاب: أمتهوكون أنتم؟!
هذا بالإضافة إلى أننا وإن كنا نكاد نطمئن إلى أن أبا سفيان لم يكن يجهل بأحقية دين الإسلام، وأنه من أجلى مصاديق قوله تعالى: ?وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ?([24]) وإنما هو يحارب الإسلام من أجل الحفاظ على مصالحه الشخصية، وامتيازاته غير المشروعة ولا المعقولة، التي كرسها له ولأمثاله العرف الجاهلي الظالم والمنحرف.
الا أننا نعتقد: أن أبا سفيان كان يهدف من سؤاله هذا لابن الأشرف اليهودي إلى خداع البسطاء والسذج من قومه وأتباعه، من أجل ضمان استمرارهم معه في حرب الإسلام والمسلمين، وجديتهم في ذلك.
2 ـ إننا نلاحظ: أن كرم العرب هو أقصى ما استطاع أن يأتي به أبو سفيان كدليل على أحقية دينه.
وقد تقدم في أوائل هذا الكتاب ما يرتبط بقيمة ما عرف عن العرب من ميزات وخصائص فلا نعيد.
ه‍: تساؤل حائر:
إنهم يذكرون: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعلن بشكل عام رغبته في قتل ابن الأشرف، فقال: من لي بابن الأشرف؟
فانتدب له محمد بن مسلمة. ثم يذكرون كيفية احتيالهم عليه، وقتلهم إياه.
ولكن السؤال هنا هو: كيف يعلن النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك، ثم لا يصل الخبر إلى مسامع ابن الأشرف عن طريق مشركي المدينة أو يهودها، أو على الأقل منافقيها؟!. وكيف جازت عليه حيلتهم بهذه السهولة، وهو يعلم: أنه محارب؟!.
وعن محمد بن مسلمة ودوره في قتل ابن الأشرف، تساورنا شكوك وشكوك، فإن من يراجع كتب السيرة يلاحظ: أن ثمة كثيراً من التركيز على دوره في هذه القضية، مع أن من يتأمل في وقائعها لا يجد له كبير أثر فيها، بل الدور الأكبر هو لأبي نائلة. وابن مسلمة لو كان معهم، فإنما كان كغيره ممن حضر.
كما ويلاحظ: أن ثمة اهتماماً في إعطائه بعض الأدوار الهامة في الدفاع عن الإسلام، والدين. ونحن نشك في ذلك، ولا نستبعد أن يكون للسياسة يد في هذا الأمر، لإظهاره على أنه رجل شجاع، مناضل، مخلص الخ..
في مقابل الآخرين ممن تهتم السلطة بإيجاد بدائل لهم وعنهم، فإن محمد بن مسلمة كان ممن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين "عليه السلام"([25]).
وروي: أن علياً "عليه السلام" قال لعمار رحمه الله: "ذنبي إلى محمد بن مسلمة: أني قتلت أخاه يوم خيبر، مرحب اليهود"([26]) ولعله كان أخاً له من الرضاعة.
وفي شرح المعتزلي: أنه كان من المهاجمين لبيت فاطمة "عليها السلام"، وأنه هو الذي كسر سيف الزبير([27]) وكان أيضاً أحد ثقات الخليفة الثاني ومعتمديه، كما نص عليه البلاذري وغيره([28]).
كما أن عمر قد بعثه إلى الشام في مهمة قتل سعد بن عبادة كما يقول البعض([29]).
وقد عينه عمر لاقتصاص أخبار العمال، وتحقيق الشكايات التي تصل إلى الخليفة من عماله([30]).
و: التنافس القبلي:
ولقد رأينا: أن التنافس القبلي بين الأوس والخزرج، حينما وظف في خدمة الإسلام والمسلمين آتى ثماراً خيرة. فكان قتل الخزرج لأبي رافع واحدة من تلك الثمار، وكان هو النتيجة البناءة الطبيعية لهذا التنافس، الذي سعى النبي "صلى الله عليه وآله" إلى تغيير منطلقاته، وأهدافه، لتكون في خدمة الدين والحق والخير للإنسان، الفرد والجماعة على حد سواء.
ز: جهل وغرور ابن الأشرف:
إن غرور كعب بن الأشرف، واعتداده الزائد بنفسه، حتى ليقول لزوجته عن أبي نائلة: إنه لو وجده نائماً لما أيقظه، والأهم من ذلك جهله بالتغيير الجذري الذي يحدثه الإسلام في نفس وفي شخصية الإنسان، هو الذي أوقعه في الفخ الذي نصبه له أولئك المجاهدون البواسل، الذين نذروا أنفسهم لخدمة دينهم الحق.
ولو أنه كان قد أدرك ما كان حويصة قد أدركه في أخيه محيصة، وعاش الواقع الحي الذي يواجهه، وحاول أن يتفاعل معه، وتخلى عن عنجهيته وغروره، لما كان ينبغي أن يسبقه حويصة إلى التشرف بالإسلام.
ح: الإسلام والإنسان:
وقد سبق: أن حويصة حينما عرف أن هذا الدين قد بلغ بأخيه: أنه لو أمره الرسول "صلى الله عليه وآله" بقتل أخيه لقتله، أدرك أحقية هذا الدين، وتشرف بالدخول فيه.
وسبق كذلك: أن أحد الإخوة يبارز أخاه في صفين، ويلقيه على الأرض، ويجلس على صدره ليذبحه، فلما رأى وجهه عرف أنه أخاه، ولكنه بقي مصراً على قتله، رغم تدخل الآخرين لمنعه، ولم يقبل أن يتركه إلا إذا أذن له أمير المؤمنين "عليه السلام"، فأذن له، فتركه حينئذٍ([31]).
وهذه الدرجة من اليقين، هي التي دعت عبد الله بن عبد الله بن أبي إلى: أن يستأذن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" في قتل أبيه المنافق، إلى غير ذلك من الأمثلة التي لا مجال لاستقصائها([32]).
كما أن هذا اليقين هو الذي أشار إليه عمار بن ياسر رضوان الله تعالى عليه، حينما قال عن الجيش الذي جاء لمحاربة أمير المؤمنين "عليه السلام": "والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر، لعرفت أنَّا على حق وهم على باطل"([33]).
فعمار لم ير النصر العسكري، والقوة العسكرية مقياساً للحق والباطل، كما هو شأن ضعاف النفوس. بل هو يجعل النصر والهزيمة رهن الحق والباطل. فالمحق منتصر دائماً، حتى حينما يكون منهزماً عسكرياً وسياسياً، والمبطل هو المنهزم، وإن كان منتصراً على الصعيد العسكري والسياسي وغير ذلك في ظاهر الأمر.
نعم، إن قضية "حويصة ومحيصة" تمثل لنا الشخصية التي يريد الإسلام، واستطاع الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام" من بعده: أن يصنعوا منها نماذج متفوقة، تَعتَبر حب الله متفوقاً على كل حب، ورابطة العقيدة تسمو على كل رابطة([34]).
ولكن لم تستطع سائر الأجهزة التي حكمت باسم الإسلام، وتحت شعار خلافة النبوة، أن تصنع ولو نموذجاً واحداً من هذا القبيل، حتى ولو في المستوى الأدنى، إلا إذا كان ذلك عن طريق خداع بعض السذج ببعض الشعارات البراقة، والأساليب الشيطانية، فينقادون لهم، ويؤخذون بسحرهم.
وهذا ليس هو محط كلامنا، فنحن نتكلم عن الإيمان العميق المدعوم بالعقيدة الراسخة، والمنطلق من الوعي والفكر، والرؤية الصحيحة. فإذا لوحظ وجود فرد يتجه في هذا السبيل، فإنك ستجده ـ حتماً ـ يرتبط بأهل بيت النبوة ومعدن الرسالة بنحو من الارتباط والاتصال.
وبعد ما تقدم، فإننا لا بد أن نفسح المجال أمام الحديث عن المرحلة الثانية، وهي مرحلة الحرب العلنية، فإلى الصفحات التالية..
الفصل السابع:
حروب علنية بين المسلمين واليهود
قريش تحرض اليهود على نقض العهد:
قال عبد الرزاق: وكتب كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: "إنكم أهل الحلقة والحصون، وإنكم لتقاتلن صاحبنا، أو لنفعلن كذا وكذا. ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم، وهو الخلاخل ـ (شيء) ـ فلما بلغ كتابهم اليهود أجمعت بنو النضير [على] الغدر الخ..".
ثم يذكر قضية غدر بني النضير، وما جرى بينهم وبين المسلمين([35]).
ونحن نستقرب أن يكون بنو قينقاع هم أول من استجاب لطلب قريش هذا، لا سيما وأن قريشاً قد كتبت لهم بعد بدر، وكان نقض بني قينقاع للعهد بعد بدر أيضاً. أما قضية بني النضير فقد كانت في السنة الرابعة بعد أحد، كما يقولون. وسيأتي الكلام حول ذلك في جزء آخر من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
كما أن المؤرخين يقولون: إن بني قينقاع لما كانت وقعة بدر، أظهروا البغي والحسد، ونبذوا العهد الذي كان بينهم وبين النبي "صلى الله عليه وآله": أن لا يحاربوه، ولا يظاهروا عليه عدوه، نبذوه إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكانوا أول من غدر من اليهود([36]).
تصعيد التحدي:
قالوا: وكان بنو قينقاع أشجع وأشهر قوم من اليهود، وأكثر اليهود أموالاً وأشدهم بغياً، وكانوا صاغة، وكانوا حلفاء لعبد الله بن أُبي، وعبادة بن الصامت. فبينما هم على مجاهرتهم وكفرهم، إذ جاءت امرأة مسلمة إلى سوقهم([37])؛ فجلست عند صائغ منهم، لأجل حلي لها؛ فأرادوها على كشف وجهها، فأبت. فعمد الصائغ، أو رجل آخر إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، وهي لا تشعر.
فلما قامت انكشفت سوأتها؛ فضحكوا منها؛ فصاحت، فوثب مسلم على من فعل ذلك، فقتله، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستنصر أهل المسلم بالمسلمين، فغضب المسلمون.
وقال "صلى الله عليه وآله": "ما على هذا قررناهم"؛ فتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم، وقال: يا رسول الله، أتولى الله ورسوله، وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار.
وتمسك ابن أُبي بالحلف، وأصر على الرسول "صلى الله عليه وآله" بتركهم، وقال: "إنه امرؤ يخشى الدوائر، فنزل فيه قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ?([38]) إلى قوله تعالى: ?فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ?([39])"([40]).
فجمعهم النبي "صلى الله عليه وآله" في سوقهم، وقال لهم: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا؛ فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم.
قالوا: يا محمد، إنك ترى أنَّا قومك؟! ولا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب، فأصبت لهم فرصة. إنّا والله، لو حاربناك، لتعلمن أنا نحن الناس.
فأنزل الله تعالى: ?قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ، قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَار?([41]).
وقوله: ?وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء?([42]). كذا يقول المؤرخون.
فتحصن بنو قينقاع في حصونهم، فاستخلف "صلى الله عليه وآله" على المدينة أبا لبابة، وسار إليهم، ولواؤه الأبيض (أو راية العقاب السوداء) يحمله أمير المؤمنين "عليه السلام".
(وقولهم: بيد حمزة ينافيه ما تقدم وسيأتي من الأدلة الكثيرة على أن علياً "عليه السلام" كان صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كل مشهد).
وحاصرهم النبي "صلى الله عليه وآله" خمس عشرة ليلة، ابتداء من النصف من شوال السنة الثانية، أو في صفر السنة الثالثة، (وهو بعيد بملاحظة: أنهم إنما غضبوا من انتصار المسلمين في غزوة بدر).
وقذف الله في قلوبهم الرعب، وكانوا أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع؛ فسألوا رسول الله "صلى الله عليه وآله": أن يخلي سبيلهم، ويجليهم عن المدينة، وأن لهم نساءهم والذرية، وله الأموال والسلاح.
فقبل "صلى الله عليه وآله" منهم، وفعل بهم ذلك، وأخذ أموالهم وأسلحتهم، وفرقها بين المسلمين، بعد أن أخرج منها الخمس، وأجلاهم عن المدينة إلى أذرعات (بلد بالشام).
فيقال: إنه لم يدر عليهم الحول حتى هلكوا.
وفي نص آخر: أنهم أنزلوا من حصونهم وكتفوا، وأراد "صلى الله عليه وآله" قتلهم، فأصر ابن أبي عليه "صلى الله عليه وآله": أن يتركهم له بحجة أنه امرؤ يخشى الدوائر فلا يستطيع أن يتركهم، وهم أربعمائة حاسر، وثلاثمائة دارع، قد منعوه من الأحمر والأسود، على حد تعبيره؛ فاستجاب النبي "صلى الله عليه وآله" إلى طلبه وإصراره، وأجلاهم.
ونزل في ابن أبي قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ?([43]) إلى قوله تعالى: ?فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ?([44]).
وقبل أن نمضي في الحديث لا بد من تسجيل النقاط التالية:
ألف: نزول الآية في ابن أبي:
إن نزول قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء? في ابن أبي محل شك، وذلك لما يلي:
1 ـ إن ابن أبي لم يكن مؤمناً، والآية تخاطب الذين آمنوا.
هذا بالإضافة إلى ذكر النصارى في الآية، ولم يكن للنصارى دور في قضية بني قينقاع.
الا أن يقال: إن الخطاب للمؤمنين، وذكر النصارى إنما هو لإعطاء قاعدة كلية، وتحذير المؤمنين من موقف يشبه موقف ابن أبي، فما فعله ابن أبي كان سبب نزول الآية في تحذير المؤمنين من موقف كهذا.
2 ـ إن الظاهر بل المصرح به هو أن سورة المائدة قد نزلت جملة واحدة في حجة الوداع سنة وفاته "صلى الله عليه وآله"([45])، وقضية بني قينقاع إنما كانت قبل أحد.
فهل تأخر نزول الآية عن مناسبتها ما يقرب من ثماني سنين؟!!.
حقيقة القضية:
ولعل السر في دعوى نزول مجموع الآيات في هذه المناسبة، هو الخداع والتضليل للسذج والبسطاء، وتشكيكهم في قضية الغدير، التي كانت ولا تزال الشوكة الجارحة في أعين شانئي علي "عليه السلام" ومبغضيه.
فالظاهر هو: أن هذه الآيات قد نزلت لتحذير المسلمين من الاتجاه الذي كانت بوادره تظهر وتختفي بين الحين والآخر، من الاندفاع نحو أهل الكتاب بصورة عامة.
حتى لقد كان الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" نفسه يواجه بعض ما يعبر عن هذا الاندفاع نحو الثقافة اليهودية، والخضوع لهيمنة فكر أهل الكتاب عموماً!!
وقد رأى النبي "صلى الله عليه وآله" في يد عمر (رض) ورقة من التوراة، فغضب، حتى تبين الغضب في وجهه، ثم قال: ألم آتكم بها بيضاء نقية؟! والله، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي.
وفي رواية: أمهوكون فيها يا بن الخطاب؟ الخ..
وفي أخرى: أن عمر نسخ كتاباً من التوراة بالعبرية، وجاء به، فجعل يقرؤه على رسول الله "صلى الله عليه وآله"([46]).
وقد قدمنا هذا الحديث مع مصادره في المدخل لدراسة هذه السيرة، فراجع.
وقد ازداد هذا الاتجاه نحو ثقافة أهل الكتاب، عنفاً وقوة بعد وفاة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله". وهذا موضوع هام جداً، ومتشعب الأطراف؛ حيث إن علامات التأثر بأهل الكتاب قد ظهرت بشكل أو بآخر في كثير من المجالات: العقائدية، والفكرية، والفقهية، وغير ذلك.
وقد بحثنا فيما سبق هذا الموضوع، وتوصلنا فيه إلى العديد من النتائج المذهلة على صعيد الفكر، والسياسة، والعقيدة، والتشريع. فليراجع.
ب: حول الراية:
إن ما يبدو: هو أن الراية في هذه الحرب كانت سوداء، لأن هذه هي راية حرب، وغضب رسول الله "صلى الله عليه وآله" على أهل الكفر والشرك والضلال، يقول الكميت مشيراً إلى ذلك:
وإلا فـارفـعـوا الـرايـات ســوداً عـلى أهـل الـضـلالــة والـتـعدي
وقد كانت رايته "صلى الله عليه وآله" يوم فتح مكة سوداء، وكانت راية أمير المؤمنين "عليه السلام" في حربه لأعدائه سوداء أيضاً، ولعل في هذا إلماماً إلى أن من يحاربهم "عليه السلام" لا يفترقون عمن حاربهم الرسول "صلى الله عليه وآله" فيما سبق.
وسنشير في أوائل غزوة أحد إلى أن حامل لواء النبي "صلى الله عليه وآله" في جميع حروبه هو أمير المؤمنين "عليه السلام"، فكل ما يذكر خلاف ذلك ما هو إلا عربدة وتضليل.
وأما أن راية العُقاب كانت قطعة من برد لعائشة، كما ذكره الحلبي([47])، فنحن نشك في ذلك، لأنه هو نفسه قد ذكر في وقعة خيبر: أن "المقريزي لما ذكر رتب الرياسة في الجاهلية، ذكر: أن العُقاب كان في الجاهلية راية تكون لرئيس الحرب. وجاء الإسلام وهي عند أبي سفيان، وجاء الإسلام والسدانة واللواء عند عثمان بن أبي طلحة، من بني عبدالدار"([48]).
والعبارة مشوشة كما ترى، ولكنها تدل على أي حال على أن العقاب لم تكن من مرط عائشة. ثم إننا لا ندري لماذا اختار برد عائشة ليكون راية له!!.
ج: الخمس:
1 ـ وقد تقدم: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد فرق السلاح والأموال التي غنمها من بني قينقاع على المسلمين، مع أنها كانت مما أفاء الله عليه، فهي له دون غيره.
ولكنه "صلى الله عليه وآله" آثر أن يفرقها بين المسلمين بعد إخراج الخمس منها، إعانة لهم، ولطفاً بهم، وعطفاً عليهم.
2 ـ وقالوا: إن خمس بني قينقاع كان أول خمس قبضه رسول الله "صلى الله عليه وآله"([49]).
وهذا محل شك أيضاً، فقد تقدم قولهم: إنه قد خمس ما غنمه المسلمون من المشركين في غزوة "قرقرة الكدر". وكذا قيل في غزوة بدر، وفي سرية ابن جحش.
وتوجيه ذلك بأن المراد هنا: أنه أول خمس قبضه، وفيما تقدم كان "صلى الله عليه وآله" لا يقبض الخمس، وإنما يرده على المسلمين، خلاف الظاهر، خصوصاً إذا أثبت البحث العلمي: أنه "صلى الله عليه وآله" قد بقي يقسم الخمس على المسلمين، كما فعل في غزوة حنين، فلعل الرواة قد رووا هذه الأوليات بحسب حضورهم. فالذي حضر هذه الغزوة ورأى النبي "صلى الله عليه وآله" قد خمس غنائمها، لعله لم يحضر التي قبلها، وكذا الحال بالنسبة للراوي الآخر في الغزوة الأخرى، فلا بد من التحقيق حول هذا الموضوع.
د: بعض أهداف ونتائج حرب بني قينقاع:
إن حرب المسلمين لبني قينقاع، وهم أشجع اليهود، وأكثرهم مالاً، والقضاء عليهم معناه:
1 ـ أنه "صلى الله عليه وآله" لا يريد أن يفسح المجال لهم ـ كما يقول العلامة الحسني ـ لأن (يطمعوا به، ويكتلوا حولهم من يشاركهم الرأي من المنافقين والأعراب)، لأن صبر النبي "صلى الله عليه وآله" عليهم، وأمره للمسلمين بالتحمل مهما أمكن، جعل اليهود يظنون: أن هذا ناتج عن ضعف وخور؛ فاستمروا في تحرشاتهم([50]).
2 ـ أن يسهل القضاء على الآخرين من الأعداء، ممن هم أقل منهم قوة وعدداً، وعدة ومالاً، لأنهم إذا رأوا أن أصحاب الشوكة لم يستطيعوا أن يأتوا بشيء، فإنهم سوف يقتنعون بأنهم ـ وهم الأضعف ـ أولى أن لا يأتوا بشيء أيضاً.
3 ـ إن ما غنمه المسلمون من بني قينقاع، من شأنه أن يزيد من طموح عدد من الناس من المسلمين للقضاء على أعدائهم، ويسهل عليهم الوقوف في وجههم؛ حيث يرتاح بالهم من جهة معاشهم، ولا يبقى ما من شأنه أن يثير مخاوفهم، ويستبد بتفكيرهم.
4 ـ كما أن ذلك: إنما يعني التخلص من عدو داخلي، يعرف مواضع الضعف والقوة، وربما يكون أخطر من العدو الخارجي بكثير.
5 ـ ثم إن القضاء على اليهود كان يتم على مراحل، وذلك بطبيعة الحال أسهل وأيسر من القضاء عليهم فيما لو كانوا مجتمعين دفعة واحدة، وفي صعيد واحد، يعين بعضهم بعضاً، ويشد بعضهم أزر بعض.
6 ـ والمسلمون أيضاً، إذا رأوا أنفسهم قد استطاعوا القضاء على أشجع اليهود، وأكثرهم قوة ونفوذاً، فإنهم سوف يتشجعون للقضاء على من سواهم، ولا يبقى مجال للخوف ولا للتردد.
ه‍: الحجاب:
إن قضية المرأة التي أرادوها على كشف وجهها، قد يقال: إنها تدل على أن الحجاب كان مفروضاً حينئذٍ، أي في السنة الثانية للهجرة، مع أن المعروف هو: أن الحجاب قد فرض بعد ذلك بعدة سنين.
إلا أن يقال: إن الحجاب قد كان موجوداً في الجاهلية.
أو يقال: صحيح إن فرض الحجاب وإيجابه قد كان في سنة خمس، أو بعدها، لكن الالتزام بالحجاب، على اعتبار أنه محبوب ومطلوب لله، وأمر راجح وحسن قد كان قبل ذلك بسنين. وذلك اتباعاً لتوجيهات النبي "صلى الله عليه وآله"، وترغيباته، ودعواته إلى ذلك، إذ لا يبعد أن يكون تشريع الحجاب قد جاء تدريجاً؛ لتتقبله النفوس، وتألفه العادة.
ولا سيما إذا لاحظنا: أنه ربما كان أمراً صعباً على نساء الجزيرة العربية، اللواتي يعشن في جو حار جداً، كما هو معلوم.
وعلى كل حال، فإن هذا الأمر يحتاج إلى تحقيق، ولسوف نتحدث عنه بشيء من التفصيل فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
و: الغرور والإيمان:
إننا نلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" حتى حينما انتصر على المشركين في بدر ذلك الانتصار الباهر والساحق، وكذلك حينما انتصر عليهم في غيرها من المواقف الصعبة، فإنه لا ينسب انتصاراته إلى نفسه، أو إلى جيشه.
ولا يسمح لنفسه بأن تتوهم: أنها هي التي انتصرت بالقوة، والعدة، والعدد، أو بالعبقرية الحربية؛ لأنه يعلم أن الانتصار الذي سجل في بدر مثلاً، لم يكن في المقاييس المادية انتصاراً.
وإنما هو معجزة إلهية، لا يمكن لأحد أن يحترم نفسه إلا أن يذعن إلى هذه الحقيقة، ويسلم بها. وهذا هو ما قرره الله تعالى بقوله: ?وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ?([51]).
كما أنه تعالى قد تعرض لحالة العجب بالنفس في حنين، فقال: ?لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً?([52]).
بينما نجد بني قينقاع مغرورين بقوتهم وشوكتهم، حتى قالوا له: لو حاربناك لتعلمن: أنا نحن الناس. فأوعدهم الله بالهزيمة والخذلان. وصدق الله وعده، فزاد ذلك من يقين المؤمنين وتصميمهم، ومن ذل الكافرين وخزيهم.
ز: الاستجابة لابن أُبي:
وإن استجابة النبي "صلى الله عليه وآله" لابن أُبي في بني قينقاع، كانت تهدف إلى الحفاظ على الجبهة الداخلية من التصدع. ولولا ذلك فلربما كان ينتهي الأمر إلى النزاعات المكشوفة، والمواجهات العلنية، الأمر الذي لم يكن في صالح الإسلام والمسلمين في تلك الفترة؛ فإن الإبقاء على العلاقات الحسنة مع المنافقين في تلك الظروف كان أمراً ضرورياً؛ لكسب أكبر عدد منهم في المستقبل، عن طريق التأليف والترغيب، وكذلك من أبنائهم، ثم توفير الطاقات لعدو أشد وأعتى.
كما أن إجلاء بني قينقاع، كما يعتبر ضربة روحية ونفسية لغيرهم من اليهود، كذلك هو يعتبر إضعافاً لابن أبي ومن معه من المنافقين. فخسران الأعداء متحقق على كل تقدير.
ح: بنو قينقاع تحت الأضواء:
وأما لماذا تجرأ بنو قينقاع على نقض العهد، فالظاهر:
أن ذلك يرجع: إلى غرورهم واعتدادهم بشجاعتهم، وبكثرتهم، ولعلهم كانوا يتوقعون نصر حلفائهم من الخزرج لهم، كما يظهر من قولهم له "صلى الله عليه وآله": لتعلمن أنا نحن الناس.
ثم هناك اعتمادهم على ما يملكونه من خبرة عسكرية، ومعرفة بالحرب، وقد عبروا عن ذلك أيضاً بقولهم له "صلى الله عليه وآله": لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب. وإلا، فإننا لا نرى مبرراً لأن تعلن قبيلة واحدة الحرب على كثير من القبائل في المدينة، إن كانت لا تملك شيئاً من مقومات النصر المحتمل. ولكن كثرتهم وخبرتهم الحربية لم تغن عنهم شيئاً، كما أن حلفاءهم من الخزرج لم يفعلوا لهم شيئاً، لأن المؤمنين منهم تخلوا عنهم، لأن الوفاء لهم خيانة لعقيدتهم ومبدئهم وإيمانهم، الذي يبذلون أرواحهم في سبيل الحفاظ عليه.
وأما المنافقون منهم فلم يتمكنوا من نصرهم، بسبب ما قذف الله في قلوبهم من الرعب، وكون ذلك سوف يتسبب لهم بانشقاقات وخلافات داخلية.
وأقصى ما استطاع ابن أُبي أن يقدمه لهم، هو أن يمنع من استئصالهم، مع الاكتفاء بإجلائهم إلى مناطق بعيدة لن يمكنهم الصمود فيها أكثر من سنة، وليواجهوا من ثم الفناء والهلاك.
وأما لماذا لم يهب اليهود لنصرة بني قينقاع، فإن ذلك يرجع إلى أنه قد كان بينهم وبين سائر اليهود عداوة، وذلك لأن اليهود كما قال ابن اسحاق:
"كانوا فريقين، منهم بنو قينقاع ولفهم([53])، حلفاء الخزرج، والنضير وقريظة ولفهم حلفاء الأوس، فكانوا إذا كانت بين الأوس والخزرج حرب، خرجت بنو قينقاع مع الخزرج، وخرجت النضير وقريظة مع الأوس يظاهر كل من الفريقين حلفاءه على إخوانه، حتى يتسافكوا دماءهم بينهم. وبأيديهم التوراة يعرفون فيها ما عليهم وما لهم، والأوس والخزرج أهل شرك يعبدون الأوثان: لا يعرفون جنة، ولا ناراً، ولا بعثاً، ولا قيامة، ولا كتاباً، ولا حلالاً، ولا حراماً.
فإذا وضعت الحرب أوزارها افتدوا أساراهم، تصديقاً لما في التوراة، وأخذ به بعضهم من بعض، يفتدي بنو قينقاع من كان من أسراهم من أيدي الأوس، وتفتدي النضير وقريظة ما في أيدي الخزرج منهم، ويطلون ما أصابوه من الدماء وقتلى من قتلوا منهم فيما بينهم، مظاهرة لأهل الشرك عليهم"([54]).
وكانوا بذلك مصداقاً لقوله تعالى وهو يخاطب اليهود: ?وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ، ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ?([55]) صدق الله العلي العظيم.
القسم السادس:
حتى الخندق
الباب الأول: غزوة اُحد.. آثار ونتائج
الباب الثاني: أحداث وقضايا
الباب الثالث: حتى بئر معونة
الباب الرابع: سرية بئر معونة
الباب الخامس: غزوة بني النضير
الباب الأول:
غزوة أحد .. آثار ونتائج
الفصل الأول: قبل نشوب الحرب
الفصل الثاني: نصر وهزيمة
الفصل الثالث: في موقع الحسم
الفصل الرابع: بعد ما هبت الرياح
الفصل الخامس: غزوة حمراء الأسد، وإلى السنة الرابعة
الفصل الأول:
قبل نشوب الحرب
أجواء ومواقف:
وفي سنة ثلاث ـ وشذ من قال في سنة أربع([56]) في شهر شوال، يوم السبت على الأشهر ـ كانت غزوة أحد([57])، وهو جبل يبعد عن المدينة حوالي فرسخ. وذلك أن نتائج حرب بدر كانت قاسية على مشركي مكة، ومفاجأة لليهود والمنافقين في المدينة.
فقريش لا يمكن أن تهدأ بعد الآن حتى تثأر لكرامتها، ولمن قتل من أشرافها. حتى لقد أعلنوا المنع عن بكاء قتلاهم؛ لأن ذلك يذهب الحزن، ويطفئ لهيب الأسى من جهة. ولأنه يدخل السرور على قلوب المسلمين من الجهة الأخرى.
ولكنهم عادوا فتراجعوا عن هذا القرار؛ فسمحوا للنساء بالبكاء، لأن ذلك ـ بزعمهم ـ يثير المشاعر، ويذكر الرجال بالعار الذي لحق بهم.
ومضت قريش تستعد لقتال النبي محمد "صلى الله عليه وآله"، وتعبئ النفوس، وتجهز القوى الحربية لأخذ الثأر، ومحو العار. ومضى اليهود الذين أصبحوا يخافون على مركزهم السياسي، والاقتصادي في المنطقة، وعلى هيمنتهم الثقافية أيضاً يحرضون المشركين على الثأر ممن وترهم، وأعلنوا بالحقد، ونقض العهد، حتى كال لهم المسلمون ضربات صاعقة، هدت كيانهم، وجرحت وأذلت كبرياءهم وغرورهم.
ومن جهة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، ومن معه من المسلمين؛ فإنهم لن يتخلوا عن قبلتهم، الكعبة، ولن يتركوا قريشاً وغطرستها وغرورها، لا سيما بعد تعدِّيها عليهم، وظلمها القبيح لهم، حتى اضطرهم ظلمها وتعدِّيها إلى الهجرة من ديارهم، تاركين لها أوطانهم، وكل ما يملكون.
وكذلك، فإن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" قد حاصر قريشاً بمعاهداته للقبائل التي في المنطقة، وموادعاته لها، وأصبح يسيطر على طريق تجارتها، ولم يعد هذا الطريق آمناً لها، وأصبحت ترى نفسها بين فكي (كماشة)، فلا بد لها إذاً من كسر هذا الطوق، وتجاوز هذا المأزق.
وهذا ما عبَّر عنه ذلك الزعيم القرشي ـ كما تقدم في سرية القردة ـ بقوله لقريش:
"إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا، فما ندري كيف نصنع بأصحابه؟ لا يبرحون الساحل.
وأهل الساحل قد وادعهم، ودخل عامتهم معه، فما ندري أين نسلك، وإن أقمنا نأكل رؤوس أموالنا، ونحن في دارنا هذه فلم يكن لنا بقاء. إنما نزلناها على التجارة إلى الشام في الصيف، وفي الشتاء إلى أرض الحبشة"([58]).
جيش المشركين إلى أحد:
وكانت العير التي كانت وقعة بدر من أجلها ـ وهي ألف بعير كما قالوا ـ قد بقيت سالمة ومحتبسة في دار الندوة. واتفقوا مع أصحابها على أن يعطوهم رؤوس أموالهم، وهي خمسة وعشرون أو خمسون ألف دينار ـ على اختلاف النقل ـ على أن يصرف الربح في قتال المسلمين. وكان كل دينار يربح ديناراً، وهو مبلغ هائل في وقت كانت للمال فيه قيمة كبيرة، والقليل منه يكفي للشيء الكثير.
وبعثوا الرسل إلى القبائل يستنصرونهم، وحركوا من أطاعهم من قبائل كنانة، وأهل تهامة، واشترك الشاعر أبو عزة الجمحي في تحريض القبائل على المسلمين، وكان قد أسر في بدر، ومنّ عليه النبي "صلى الله عليه وآله" بشرط أن لا يظاهر عليه.
وقد شارك في ذلك بعد أن ألح عليه صفوان بن أمية، وضمن له إن رجع من أحد أن يغنيه، وإن أصابه شيء أن يكفل بناته.
وخرجت قريش بحدها وجدها، وأحابيشها ومن تابعها.
وأخرجوا معهم بالظعن خمس عشرة امرأة، فيهن هند بنت عتبة، لئلا يفروا، وليذكرنهم قتلى بدر. يغنين ويضربن بالدفوف، ليكون أجد لهم في القتال.
وخرج معهم الفتيان بالمعازف، والغلمان بالخمور، وكان جيش المشركين ثلاثة آلاف مقاتل.
وقيل: خمسة آلاف.
ونحن نرجح الأول؛ لقول كعب بن مالك:
ثـلاثــة آلاف ونـحـن نـصـيـبـه ثـلاث مـئـين إن كـثـرنا وأربـع([59])
أي: وأربع مئين.
وكان في جيش المشركين سبعمائة دارع، ومئتا فارس على المشهور.
وقيل: مئة، ومئة رام، ومعهم ألف ـ وقيل ثلاثة آلاف ـ بعير.
ولا يبعد صحته([60]) كلهم بقيادة أبي سفيان الذي صار زعيم قريش بعد قتل أشرافها في بدر.
وكان معهم أبو عامر الفاسق، الذي كان قد ترك المدينة إلى مكة مع خمسين رجلاً من أتباعه من الأوس كراهية لمحمد، خرج إلى مكة يحرض على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويقول لهم: إنهم على الحق، وما جاء به محمد باطل.
فسارت قريش إلى بدر، ولم يسر معهم، وسار معهم إلى أحد.
وكان يزعم لهم: أنه لو قدم على قومه لم يختلف عليه اثنان منهم، فصدقوه، وطمعوا في نصره، ولكن الأمر كان على عكس ذلك كما سنرى.
وكان مع المشركين أيضاً: وحشي غلام جبير بن مطعم، الذي وعده سيده بالحرية، إن هو قتل محمداً، أو علياً، أو حمزة بعمه طعيمة بن عدي؛ فإنه لا يدري في القوم كفؤاً له غيرهم([61]).
فقال وحشي له ـ أو لهند ـ : أما محمد؛ فلن يسلمه أصحابه، وأما حمزة فلـو وجـده نائماً لمـا أيقظه من هيبته، وأما علي فـإنه حـذر مرس، كـثير الالتفات([62]).
وسيأتي: أنه تمكن من الغدر بحمزة، أسد الله وأسد رسوله.
سؤال وجوابه:
ويرد هنا سؤال: وهو أنهم إذا كانوا قد أخرجوا معهم النساء لئلا يفروا، فلماذا فروا حين حميت الحرب، وتركوا النساء؟!.
والجواب عن ذلك سيأتي حين الكلام عن هذا الموضوع، إن شاء الله تعالى.
وصول الخبر إلى المدينة:
ويقولون: إن العباس بن عبد المطلب كتب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" يخبره بمسير قريش، وبكيفية أحوالهم، وبعددهم، مع رجل غفاري، على أن يصل إلى المدينة في ثلاثة أيام، فقدم الغفاري المدينة، وسلم الكتاب إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو على باب مسجد قباء، فقرأه له أبي بن كعب، فأمره "صلى الله عليه وآله" بالكتمان([63]).
ووقعت الأراجيف بالمدينة، وقال اليهود: إن الغفاري ما جاء بخبر يسر محمداً. وفشا الخبر بخروج المشركين قاصدين المدينة بعدتهم وعددهم، هكذا قالوا.
ولكننا في مقابل ذلك: نجد الواقدي يذكر: أن نفراً من خزاعة فيهم عمرو بن سالم سروا من مكة أربعاً، فوافوا قريشاً، وقد عسكروا بذي طوى، فلما وصلوا المدينة أخبروا رسول الله "صلى الله عليه وآله" الخبر، ثم انصرفوا، فلقوا قريشاً ببطن رابغ على أربع ليال من المدينة.
فقال أبو سفيان: أحلف بالله، إنهم جاؤوا محمداً فخبروه بمسيرنا، وعددنا، وحذروه منا، فهم الآن يلزمون صياصيهم، فما أرانا نصيب منهم شيئاً في وجهنا.
فقال صفوان بن أمية: إن لم يصحروا لنا عمدنا إلى نخل الأوس والخزرج فقطعناه، فتركناهم ولا أموال لهم؛ فلا يختارونها أبداً. وإن أصحروا لنا فعددنا أكثر من عددهم وسلاحنا أكثر من سلاحهم، ولنا خيل، ولا خيل معهم، ونحن نقاتل على وتر لنا عندهم، ولا وتر لهم عندنا([64]).
وقد يقال: لا مانع من أن يكون الخبر قد وصل إلى النبي "صلى الله عليه وآله" من قبل الغفاري، ومن قبل هـؤلاء معـاً. وقبل أن نمضي في الحديث نشير في ما يلي إلى بعض النقاط، وهي التالية:
سؤال يحتاج إلى جواب:
ويرد هنا سؤال وهو: كيف قبلت قريش بـإقامـة العباس في مكة مسلماً ـ إذا صح أنه أسلم في بدر ـ وقريش لم تكن لترحم أحباءها وأبناءها إذا علمت بإسلامهم، ولا سيما بعد تلك النكبة الكبرى التي أصابتها على يد ابن أخيه في بدر، حيث قتل أبناءها وآباءها وأشرافها؟
إلا أن يقال: إنه كان مسلماً سراً، وقد أمره "صلى الله عليه وآله" بالبقاء في مكة؛ ليكون عيناً له، ولازم ذلك هو أن يتظاهر بالشرك، وأنه معهم، وعلى دينهم.
وقد تقدمت بعض تساؤلات حول وضع العباس في مكة في غزوة بدر، فلا نعيد.
المشركون وأزمة الثقة:
ويلاحظ هنا: أن أبا سفيان لم يكن يثق بمن هم على دينه، ولا يستطيع أن يعتمد عليهم، ولذلك نراه يبادر إلى اتهامهم بأنهم قد أخبروا محمداً بمسيرهم، وعددهم، وحذروه منهم.
وقد أشير إلى هذه الحالة في حديث سدير، قال: قلت لأبي عبد الله: إني لألقى الرجل لم أره ولم يرني فيما مضى قبل يومه ذلك؛ فأحبه حباً شديداً، فإذا كلمته وجدته لي مثلما أنا عليه له، ويخبرني: أنه يجد لي مثل الذي أجد له.
فقال: صدقت يا سدير، إن ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا ـ وإن لم يظهروا التودد بألسنتهم ـ كسرعة اختلاط قطر السماء مع مياه الأنهار، وإن بُعد ائتلاف قلوب الفجار إذا التقوا ـ وإن أظهروا التودد بألسنتهم ـ كبُعد البهائم عن التعاطف، وإن طال اعتلافها على مذود واحد([65]).
ويمكن أن يستفاد هذا المعنى أيضاً من بعض الآيات القرآنية، قال تعالى: ?وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ?([66]).
وقال تعالى: ?وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?([67]).
وقال: ?وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً?([68]).
وموجز القول في سر ذلك: وهو ما أشار إليه الطباطبائي أيضاً، الذي سنكتفي بتلخيص كلامه لما فيه من الخصوصيات، وإن كان أصل الكلام قد كان محط نظرنا أيضاً: أن الكفار إنما يلتقون على مصالحهم الدنيوية الشخصية، ويتفقون ويختلفون على أساسها؛ وذلك لأن الإنسان يحب بطبعه أن يخص نفسه باللذائذ والنعم، وعلى هذا الأساس يحب هذا ويبغض ذاك.
وحيث إنه لا يستطيع أن يلبي كل ما يحتاج إليه من ضروريات حياته؛ فإنه لا بد له من حياة اجتماعية تعينه على ذلك، ويتبادل مع الآخرين ثمرات الأتعاب، حيث إن كل شخص له مؤهلات تجعله يختص ببعض الامتيازات لنفسه: من مال، أو جمال، أو طاقات فكرية، أو نفسية، أو غريزية، أو غير ذلك.
هذه الامتيازات التي تطمح إليها النفوس، ويتنافس فيها البشر عموماً. وبسبب الاحتكاكات المتوالية، وما يصاحبها من وجوه الحرمان، والبغي، والظلم، والشح، والكرم في هذه الأمور التي يتنافسون فيها، فإن العداوات والصداقات تنتج عن ذلك.
وأما محاولات بذل النعم لفاقديها، فإنهـا لا ترفع هذه النزاعـات والعداوات وغيرها إلا في موارد جزئية. أما الحالة العامة فتبقى على حالها؛ لأن هذا البذل لا يبطل غريزة الاستزادة، والشح الملتهب، على أن بعض النعم لا تقبل إلا الاختصاص والانفراد، كالملك، والرئاسة، فالشرور والأحقاد التي تتولد عن ذلك باقية على حالها. هذه حالة المجتمع الكافر بالله، الذي لا يؤمن إلا بالمصلحة الدنيوية الشخصية، واللذات الحاضرة. ولكن الله قد منَّ على المسلمين، وأزال الشحَّ من نفوسهم: ?وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ?([69]) وألَّف بين قلوبهم، وذلك لأنه عرَّفهم: أن الحياة الإنسانية حياة خالدة، وأن الحياة الدنيا زائلة لا قيمة لها، وأن اللذة المادية لا قيمة لها، واللذة الواقعية هي أن يعيش الإنسان في كرامة عبودية الله سبحانه، ورضوانه، والقرب والزلفى منه تعالى، مع النبيين والصديقين، وهناك اللذة الحقيقية الدائمة، قال تعالى: ?وَمَا هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ?([70]).
كما أنه لا يملك أحد لنفسه نفعاً ولاضرراً، ولا موتاً ولا حياة، بل هو في تصرف الله الذي بيده الخير والشر، والنفع والضر، والغنى والفقر. وكل نعمة هي هبة من ربه، وما حرم منه احتسب عند ربه أجره، وما عند الله خير وأبقى. وإذ لم يعد للمادة قيمة عند المؤمنين؛ فإن أسباب الضغن والحقد تزول، ويصبحون بنعمته إخواناً، ولا يبقى في نفوسهم غل، وحسد، ورين([71]).
وهكذا يتضح: أن موقف الخزاعيين، وعدم التزامهم بنصر قومهم، والحفاظ على أسرارهم أمر طبيعي.
كما أن سوء ظن أبي سفيان، وعدم ثقته بهم هو أيضاً نتيجة طبيعية للشرك، وعدم الإيمان.
ومن كل ذلك نعرف أيضاً سر عدم تأثير تشجيع النساء في ثبات المشركين، ولم يمنعهم عار أسر نسائهم من الهزيمة، وتركوهن في معرض السبي، مع أنهم أخرجوهن لهدف هو عكس ذلك تماماً.
ولكن الأمر بالنسبة للمسلمين (الحقيقيين) كان على عكس ذلك تماماً كما سنرى.
عنصر السرية لتلافي الأخطار المحتملة:
قد رأينا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يأمر أُبياً بكتمان خبر مسير قريش، ويستفيد من عنصر السرية، كي لا يفسح المجال أمام الحرب النفسية، التي لا بد أن يمارسها اليهود والمنافقون ضد المسلمين؛ وليفوت الفرصة عليهم، ويحبط مؤامراتهم المحتملة؛ لأنهم في الحقيقة ـ وهم العدو الواقعي ـ هم العدو الأخطر، والمطلع على مواطن الضعف والقوة لدى المسلمين. أي أن إعلان الأمر في وقت مبكر لسوف يستدعي إصراراً على معرفة خطة المواجهة مع العدو، وهذا يسهل على المتآمرين والخونة وضع الخطط اللازمة لإفشال خطة المسلمين في الدفاع عن أنفسهم.
كـما أنـه يعطي أعداءهـم الفـرصة لإعـلام قـريـش بـالأمـر، وبكـل الخصوصيات اللازمة لمواجهة خطة المسلمين وإفشالها، أو على الأقل تكبيد المسلمين أكبر عدد ممكن من الخسائر. وعنصر السرية هذا قد اعتمده النبي "صلى الله عليه وآله" في أكثر من موقف في معركة أحد هذه وفي غيرها، كما سنرى.
المشركون في طريق المدينة:
ولما انتهت قريش إلى الأبواء، ائتمروا في أن ينبشوا قبر أم محمد "صلى الله عليه وآله"، وقالوا: "فإن النساء عورة؛ فإن يصب من نسائكم أحداً، قلتم: هذه رمة أمك. فإن كان براً بأمه ـ كما يزعم ـ فلعمري لنفادينهم برمة أمه، وإن لم يظفر بأحد من نسائكم، فلعمري ليفدين رمة أمه بمال كثير، إن كان بها براً"([72]).
وكانت زعيمة هذا الرأي هند زوجة أبي سفيان، فاستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش، فقالوا: لا تذكر من هذا شيئاً؛ فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا.
وسارت قريش حتى نزلت بذي الحليفة، وسرَّحوا إبلهم في زروع المدينة، التي كان المسلمون قد أخلوها من آلة الزرع قبل ذلك، وأرسل النبي "صلى الله عليه وآله" بعض العيون لمراقبتهم، وأرسل أيضاً الحباب بن المنذر سرَّاً لمعرفة عددهم وعدتهم، وقال له: إذا رجعت فلا تخبرني بين أحد من المسلمين، إلا أن ترى في القوم قلة، فرجع إليه فأخبره خالياً، وأمره الرسول "صلى الله عليه وآله" بالكتمان([73]).
ونشير نحن هنا إلى أمرين:
الأول: معرفة النبي ' بواقع أصحابه:
إن سبب أمره "صلى الله عليه وآله" عينه الذي أرسله إليهم بذلك واضح، فإن معرفة المسلمين بعددهم وعدتهم سوف يثبط من عزائم بعضهم، ممن اعتادوا أن يقيسوا الأمـور بالمقاييس المـادية، ولم يتفاعلـوا بعد مع دينهـم وعقيدتهم، بشكل كامل، ولا اطلعوا على تعاليم الإسلام وأهدافه، وارتبطوا بها عقلياً، ووجدانياً، وعاطفياً، وسلوكياً، بنحو أعمق وأقوى، وإنما دخلوا في الإسلام، إما عن طريق الإعجاب، أو القناعة العقلية. ولم تمض على دخولهم فيه إلا فترة قصيرة جداً.
الثاني: الإفلاس على كل صعيد:
إن ما فكر به القرشيون من نبش قبر أمه "صلى الله عليه وآله"، إنما يعبر عن مدى الإسفاف الفكري لدى قريش، حتى إنها لتفكر باتباع أبشع أسلوب وأدناه في حربها مع المسلمين. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أمور:
أحدها: إفلاسهم على صعيد المنطق والفكر، وحتى على صعيد الخلق الإنساني، بل والعلاقات والضوابط المعقولة، في المواجهة مع المسلمين الذين هم القمة في كل ذلك.
الثاني: مدى حقدهم الدفين على الإسلام والمسلمين.
الثالث: مدى عمق الجرح، وعنف الصدمة الساحقة التي تلقتها قريش في بدر، ولا تزال تتلقاها على صعيد طرق قوافل تجارتها إلى الشام، ويحتمل إلى الحبشة أيضاً.
النبي ' يستشير أصحابه:
ويقول المؤرخون: إنه لما نزل المشركون قرب المدينة، وبثَّ المسلمون الحرس عليها، وخصوصاً على مسجد الرسول، وأراد "صلى الله عليه وآله" الشخوص، فجمع أصحابه للتشاور في أمر جيش لم يواجه المسلمون مثله من قبل، عدة وعدداً.
ويذكرون أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" أخبرهم برؤيا رآها، رأى بقراً يُذبح، وأن في سيفه ثلمة، وأنه في درع حصينة، فأول البقر: بناس من أصحابه يقتلون.
والثلمة: برجل من أهل بيته يقتل.
والدرع: بالمدينة.
وللرواية نصوص أخرى لا مجال لها.
وإذا كانت رؤيا النبي "صلى الله عليه وآله" من الوحي، وكانت هذه الرواية صحيحة؛ فإن ذلك يكون توطئة لإعلامهم بالموقف الصحيح، وأن عليهم أن يلتزموا بتوجيهات رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيما يرتبط بالتخطيط والتنفيذ في المواجهة مع العدو.
ولكنهم اتجهوا في مواقفهم وقراراتهم نحو العكس من ذلك، حيث يقولون: إن ابن أبي قد أشار بالبقاء في المدينة، فإذا أقبل العدو رماه الأطفال والنسوة بالحجارة، وقاتله الرجال بالسكك. وإن أقام في خارج المدينة أقام في شر موضع.
وكان "صلى الله عليه وآله" ـ كما يقولون ـ كارهاً للخروج من المدينة أيضاً. ولكن من لم يشهد بدراً، وطائفة من الشباب المتحمسين الذين ذاقوا حلاوة النصر في بدر، ومعهم حمزة بن عبد المطلب، وأهل السن، قد رغبوا بالخروج وأصروا عليه، لأنهم ـ كما يقول البعض ـ يرون خيل قريش وإبلها ترعى زروعهم، وتعيث فيها فساداً.
واحتجوا لذلك: بأن إقامتهم في المدينة ستجعل عدوهم يظن فيهم الجبن، فيجرؤ عليهم.
وقالوا: (وقد كنت يوم بدر في ثلاثمائة رجل؛ فأظفرك الله بهم، ونحن اليوم بشر كثير).
بعد أن ذكروا: أن هذا أمر قد ساقه الله إليهم في ساحتهم.
قال نعيم بن مالك: يا نبي الله، لا تحرمنا الجنة؛ فوالذي نفسي بيده لأدخلنها.
فقال له "صلى الله عليه وآله": بم؟
قال: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر من الزحف.
فقال له "صلى الله عليه وآله": صدقت.
وقال له أنصاري: متى نقاتلهم يا رسول الله، إن لم نقاتلهم عند شعبنا؟
وقال آخر: إني لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها لتقول: حصرنا محمداً في صياصي يثرب وآطامها؛ فتكون هذه جرأة لقريش، وها هم قد وطأوا سعفنا، فإذا لم نذبَّ عن عرضنا فلم ندرع؟!.
وقال آخر: إن قريشاً مكثت حولاً تجمع الجموع، وتستجلب العرب في بواديها، ومن اتبعها من أحابيشها، ثم جاؤونا قد قادوا الخيل، واعتلوا الإبل، حتى نزلوا ساحتنا؛ فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا؟ ثم يرجعون وافرين لم يكلموا؟! فيجرؤهم ذلك علينا، حتى يشنوا الغارات علينا، ويصيبوا أطلالنا، ويضعوا العيون والأرصاد علينا. مع ما قد صنعوا بحروثنا، ويجترئ علينا العرب حولنا الخ..
وثمة كلام آخر هنا يروى عن حمزة وغيره لا مجال له هنا، فمن أراد المزيد فعليه بمراجعة المصادر.
وأبى كثير من الناس إلا الخروج، فنزل "صلى الله عليه وآله" على رأي غالبية الناس، ثم دخل بيته ليلبس لامة الحرب. ففي هذه الأثناء أدركهم الندم على إصرارهم على النبي "صلى الله عليه وآله" واستكراههم له، وهو أعلم بالله وما يريد، ويأتيه الوحي من السماء.
فلما خرج النبي "صلى الله عليه وآله" عليهم وقد لبس لامته، ليتوجه مع أصحابه إلى حرب قريش، قالوا: يا رسول الله، امكث كما أمرتنا.
فقال "صلى الله عليه وآله": ما ينبغي لنبي إذا أخذ لامة الحرب أن يرجع حتى يقاتل([74]).
ثم وعظهم وعقد الألوية، وخرج بجيشه لحرب قريش وجمعها.
وفي رواية: أنهم لما صاروا على الطريق قالوا: نرجع.
قال "صلى الله عليه وآله": ما كان ينبغي لنبي إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم.
وههنا أمور هامة لا بد من التنبيه عليها:
ألف: هل النبي ' يحتاج إلى رأي أحد؟!
قد تقدم في أوائل هذا الكتاب في فصل "سرايا وغزوات قبل بدر"، وفي نفس موقعة بدر بعض الكلام حول استشارة الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" لأصحابه في أمر الحرب.
ونعود هنا للإشارة إلى هذا الأمر من جديد، على أمل أن يضم القارئ ما كتبناه هنا وهناك، وهنالك، بعضه إلى بعض، ويستخلص النتيجة المتوخاة من طرح هذا الموضوع، والإشارة إلى جوانبه المختلفة فنقول: إنه لا ريب في حسن المشاورة وصلاحها.
وقد ورد الحث عليها في الأخبار الكثيرة.
ويقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد شاور أصحابه في أكثر من مرة ومناسبة، حتى نزل في مناسبة حرب أحد قوله تعالى: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ، إِن يَنصُرْكُمُ الله فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ..?([75]).
وعن ابن عباس بسند حسن: لما نزلت: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ?، قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أما إن الله ورسوله لغنيان عنها، ولكن جعلها الله رحمة لأمتي؛ فمن استشار منهم لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غياً([76]).
والسؤال هنا هو: إنه إذا كان الله ورسوله غنيين عنها، فلماذا يأمر الله تعالى نبيه بأن يشاور أصحابه في الأمر؟!.
وسؤال آخر، وهو: هل يمكن بضم الآية التي في سورة الشورى: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ?([77])، وبضم سـائر الروايـات التي تحث على الاستشارة ـ هل يمكن ـ أن نفهم من ذلك: ضرورة اتخاذ الشورى كمبدأ في الحكم والسياسة، وفي الإدارة، وفي سائر الموارد والمواقف، حسبما تريد بعض الفئات أن تتبناه، وتوحي به على أنه أصل إسلامي أصيل ومطرد؟!.
الجواب عن السؤال الأول:
أما الجواب عن السؤال الأول: فنحسب أن ما تقدم في الجزء السابق من هذا الكتاب في فصل سرايا وغزوات قبل بدر، وكذا ما تقدم من الكلام حول الشورى في بدر([78]) كاف فيه، ونزيد هنا تأييداً لما ذكرناه هناك ما يلي:
1 ـ قد يقال: إن بعض الروايات تفيد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يستشير أصحابه إلا في أمر الحرب.
فقد روي بسند رجاله ثقات، عن عبد الله بن عمرو، قال: كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص: إن رسول الله شاور في الحرب، فعليك به([79]).
وإن كنا نرى: أن هذا لا يفيد نفي استشارته "صلى الله عليه وآله" في غير الحرب.
2 ـ إن قوله تعالى في سورة آل عمران: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? خاص بالمشاورة في الحرب، لأن اللام في الآية ليست للجنس بحيث تشمل كل أمر، بل هي للعهد، أي شاورهم في هذا الأمر الذي يجري الحديث عنه، وهو أمر الحرب، كما هو واضح من الآيات السابقة واللاحقة؛ فالتعدي إلى غير الحرب يحتاج إلى دليل.
3 ـ إن الآية تنص على أن استشارة النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه لا تعني أن يأخذ برأيهم حتى ولو اجتمعوا عليه؛ لأنها تنص على أن اتخاذ القرار النهائي يرجع إلى النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه، حيث قال تعالى: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله?.
4 ـ لقد ذكر العلامة السيد عبد المحسن فضل الله "رحمه الله": أن الأمر في الآية ليس للوجوب؛ وإلا لكانت بقية الأوامر في الآية كذلك، ويلزم منه وجوب العفو عن كبائرهم حتى الشرك. وإذا كان الضمير في الآية يرجع إلى الفارين فهو يعني: أن الشورى تكون لأهل الكبائر من أمته، مع أن الله قد نهى رسوله عن إطاعة الآثم، والكفور، ومن أغفل الله قلبه([80]).
فالحق: أن الأمر وارد عقيب توهم الحظر عن مشاورة هؤلاء، ليبيح مشاورتهم، ومعاملتهم معاملة طبيعية ([81]).
5 ـ إن رواية ابن عباس المتقدمة تفيد: أن استشارته "صلى الله عليه وآله" أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار؛ لأن الله ورسوله غنيان عنها، لأنهما يعرفان صواب الآراء من خطئها، فلا تزيدهما الاستشارة علماً، ولا ترفع جهلاً، وإنما هي أمر تعليمي أخلاقي للأمة؛ بملاحظة فوائد المشورة لهم؛ لأنها تهدف إلى الإمعان في استخراج صواب الرأي بمراجعة العقول المختلفة. فعن علي أمير المؤمنين "عليه السلام": من استبد برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها([82]).
وعنه أيضاً: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه([83]).
وعن أنس عن النبي "صلى الله عليه وآله": ما خاب من استخار، وما ندم من استشار([84]).
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.
وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً، فلا محذور على الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" فيها.
ب: من أهداف استشارته ' لأصحابه:
يقول الشهيد السعيد، الشيخ مرتضى مطهري، قدس الله نفسه الزكية: إن النبي "صلى الله عليه وآله" وهو في مقام النبوة، وفي حين كان أصحابه يتفانون في سبيله، حتى ليقولون له: إنه لو أمرهم بأن يلقوا أنفسهم في البحر لفعلوا، فإنه لا يريد أن ينفرد في اتخاذ القرار، لأن أقل مضار ذلك هو أن لا يشعر أتباعه بأن لهم شخصيتهم وفكرهم المتميز، فهو حين يتجاهلهم كأنه يقول لهم: إنهم لا يملكون الفكر والفهم والشعور الكافي، وإنما هم مجرد آلة تنفيذ لا أكثر ولا أقل، وهو فقط يملك حرية إصدار القرار، والتفكير فيه دونهم.
وطبيعي أن ينعكس ذلك على الأجيال بعده "صلى الله عليه وآله"، فكل حاكم يأتي سوف يستبد بالقرار، وسيقهر الناس على الانصياع لإرادته، مهما كانت، وذلك بحجة أن له في رسول الله "صلى الله عليه وآله" أسوة حسنة. مع أنه ليس من لوازم الحكم، الاستبداد بالرأي، فقد استشار النبي "صلى الله عليه وآله" ـ وهو معصوم ـ أصحابه في بدر وأحد([85]) انتهى.
ونزيد نحن هنا: أن ظروف وأجواء آية: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ? تشعر بأنه قد كان ثمة حاجة لتأليف الناس حينئذٍ، وجلب محبتهم وثقتهم، وإظهار العطف والليونة معهم، وأن لا يفرض الرأي عليهم فرضاً، رحمة لهم، وحفاظاً على وحدتهم واجتماعهم، ولمّ شعثهم، وجمع كلمتهم، وكبح جماحهم؟!
فالآية تقول: ?فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ?([86]).
فكأنه كان قد بدر من أصحابه أمر سيء يستدعي العفو عنهم واللين معهم، وإرجاع الاعتبار إليهم، ليطمئنوا إلى أن ما بدر منهم لم يؤثر على مكانتهم عنده، فلا داعي لنفورهم منه.
يضاف إلى ذلك: أنه حين يكون الأمر مرتبطاً بالحرب، فإن الأمر يحتاج إلى قناعة تامة بهـا، واستعداد لتحمل نتائجها، وإقـدام عليها بمحض الإدارة والإختبار من دون ممارسة أي إكراه أو إجبار في ذلك..
هذا كله، عدا عما قدمناه حين الكلام على بدر، وعلى السرايا التي سبقتها، في الجزء السابق من هذا الكتاب، فليراجع.
الجواب عن السؤال الثاني:
نشير إلى ما يلي:
1 ـ ما قدمناه: من أن قوله تعالى: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ?([87]) ليس إلا أمراً تعليمياً أخلاقياً، وليس إلزامياً يوجب التخلف عنه العقاب، وإنما يمكن أن يوجب وقوع الإنسان في بعض الأخطاء، فيكون عليه أن يتحمل آثارها، ويعاني من نتائجها.
2 ـ إن الضمير في ?أَمْرُهُمْ? يرجع إلى المؤمنين، والمراد به الأمر الذي يرتبط بهم؛ فالشورى إنما هي في الأمور التي ترجع إلى المؤمنين وشؤونهم الخاصة بهم، وليس للشرع فيها إلزام أو مدخلية، كما في أمور معاشهم ونحوها، مما يفترض في الإنسان أن يقوم به. أما إذا كان ثمة الزام شرعي ف‍ـ ?مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ?([88]) ?وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ?([89]). فمورد الحكم، والسياسة، والإدارة، وغير ذلك، لا يمكن أن يكون شورائياً إلا إذا ثبت أن الشارع ليس له فيه حكم، ونظر خاص.
وقد قال العلامة الطباطبائي "رحمه الله": "والروايات في المشاورة كثيرة جداً، وموردها ما يجوز للمستشير فعله وتركه بحسب المرجحات.
وأما الأحكام الإلهية الثابتة، فلا مورد للاستشارة فيها، كما لا رخصة فيها لأحد، وإلا كان اختلاف الحوادث الجارية ناسخاً لكلام الله تعالى"([90]).
3 ـ قوله تعالى: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر?([91]) ظاهر في كون ذلك في ظرف كونه حاكماً ووالياً عليهم؛ فإن عليه أن يستشيرهم في هذا الظرف. وهذا لا يعني أبداً أن يكون نفس الحكم شورائياً وانتخابياً، بأي وجه.
هذا كله، عدا عن احتمال أن يكون هذا الأمر وارداً في مقام توهم الحظر، فلا يدل على أكثر من إباحة المشاورة، ولا يدل على الإلزام بها. وهو احتمال قوي كما أوضحناه في ما سبق.
4 ـ إن القرار النهائي يتخذه المستشير نفسه، ولربما وافق رأي الأكثر، ولربما خالفهم.
ويدل على ذلك قوله تعالى: ?فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله?([92]).
وليس في الآية إلزام برأي الأكثرية، بل ولا برأي الكل لو حصل إجماعهم على رأي واحد.
5 ـ إن هذه الشورى التي دل عليها قوله تعالى: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ?([93]) ليست لكل أحد، وإنما هي خاصة بأولئك المؤمنين الذين لهم تلك الصفات المذكورة في الآيات قبل وبعد هذه العبارة، وليس ثمة ما يدل على تعميمها لغيرهم، بل ربما يقال بعدم التعميم قطعاً، فقد قال تعالى: ?فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللهَ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ?([94]).
فهؤلاء الذين صرحت الآيات بإيمانهم وبحيازتهم لهذه الصفات، هم أهل الشورى دون أحد سواهم([95])، وليس لغيرهم الحق في أن يشاركهم فيها، لأن ذلك الغير، لا يؤمن على نفسه، فكيف يؤمن على مصالح العباد، ودمائهم، وأموالهم، وأعراضهم؟!.
واللافت: أننا لا نجد لعلي "عليه السلام" أي حضور في مواقع الاعتراض أو الاقتراح على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لأنه كان دائماً في موقع التسليم لرسول الله، والرضا بما يرضاه صلوات الله وسلامه عليهما.
ج: نظرية: خلافة الإنسان، وشهادة الأنبياء:
ويقول الشهيد السعيد، السيد محمد باقر الصدر، قدس الله نفسه الزكية، ما ملخصه: إن الله عز وجل قد جعل الخلافة لآدم "عليه السلام"، لا بما أنه آدم، بل بما أنه ممثل لكل البشرية، فخلافة الله في الحقيقة هي للأمة وللبشر أنفسهم، فقد قال تعالى: ?وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ?([96]).
كما أن المراد بالأمانة في قوله تعالى: ?إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً?([97])هذه الخلافة بالذات، وهي التي تعني الإدارة والحكم في الكون.
واستشهد على ذلك أيضاً بقوله تعالى: ?يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ?([98]).
وبقوله تعالى: ?إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ?([99]).
وبقوله تعالى: ?ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ?([100]).
ورتب على ذلك: أنه بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، وفقد الإمام، وتحرر الأمة من الطاغوت، تمارس الأمة دورها في الخلافة الزمنية، ويكون دور المجتهد المرجع هو الشهادة والرقابة على الأمة.
وقال ما ملخصه: إن الله هو رب الأرض وخيراتها، ورب الإنسان والحيوان، فالإنسان مستخلف على كل ذلك. ومن هنا كانت الخلافة في القرآن أساساً للحكم.
وقد فرع الله الحكم بين النـاس على جعل داود خليفة. ولمـا كـانت الجماعة البشرية هي التي منحت ـ ممثلة بآدم ـ هذه الخلافة، فهي إذاً المكلفة برعاية الكون، وتدبير أمر الإنسان، والسير بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية.
وهذا يعطي مفهوم الإسلام الأساسي عن الخلافة، وهو أن الله تعالى قد أناب الجماعة البشرية في الحكم، وقيادة الكون وإعماره، اجتماعياً وطبيعياً.
وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم، وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله. وفي عملية إعداد وتربية الأمة يتولى النبي والإمام مسؤولية الرقابة والشهادة على الأمة، ومسؤولية الخلافة؛ ليهيئ الأمة لتحمل مسؤولياتها في الوقت المناسب.
وبعد أن فقد الإمام "عليه السلام"، بسبب ظروف معينة عرضت لها الأمة؛ فإن المرجع ـ غير المعصوم ـ لا بد أن يتولى أمر الخلافة والشهادة ما دامت الأمة محكومة للطاغوت، ومقصاة عن حقها في الخلافة العامة.
"وأما إذا حررت الأمة نفسها، فخط الخلافة ينتقل إليها؛ فهي التي تمارس الخلافة السياسية والاجتماعية في الأمة، بتطبيق أحكام الله، وعلى أساس الركائز المتقدمة للاستخلاف الرباني.
وتمارس الأمة دورها في الخلافة في الإطار التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ?، ?وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ?([101]).
فإن النص الأول: يعطي للأمة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشورى، ما لم يرد نص خاص على خلاف ذلك.
والنص الثاني: يتحدث عن الولاية، وأن كل مؤمن ولي الآخرين. ويريد بالولاية تولي أموره، بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه.
والنص ظـاهر في سريان الولايـة بين كـل المؤمنين والمؤمنـات بصورة متساوية.
وينتج عن ذلك: الأخذ بمبدأ الشورى، وبرأي الأكثرية عند الاختلاف.
وهكذا، وزع الإسلام في عصر الغيبة مسؤوليات الخطين بين المرجع والأمة، وبين الاجتهاد الشرعي والخلافة الزمنية"([102]) إلى آخر كلامه قدس الله نفسه الزكية.
مناقشة ما تقدم:
ونحن نسجل هنا النقاط التالية:
أولاً: إن الآية القرآنية التي استدل بها رحمه الله تقول: ?وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ?([103]).
فإذا كان تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليلاً على أن المراد بالولاية هو تولي أمور بعضهم البعض، كما ذكره قدس الله نفسه الزكية، فما هو وجه تفريع إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على ذلك؟!.
ولم لا يُفهم من الآية: أنها ـ فقط ـ في مقام إعطاء حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للمؤمنين جميعاً؛ فهي تجعل لهم الولاية بهذا المقدار، لا أكثر؟!.
بل لم لا يُفهم منها: أنها في مقام إعطائهم حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بسبب محبة بعضهم بعضاً، أو بسبب كون بعضهم تابعاً لبعض، ومطيعاً له، أو بسبب نصرته له، ونحو ذلك.
فقد وردت للولي معان كثيرة، ومنها: المحب، والصديق، والنصير، والولي: فعيل، بمعنى فاعل، من وليه إذا قام به، قال تعالى: ?الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ?([104]).
بل إن من يلاحظ آيات إعطاء الولاية للمؤمنين وسواها من الآيات، يخرج بحقيقة: أن الله سبحانه يريد للناس المؤمنين أن يكونوا أمة واحدة، وبمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء.
وكل هذه الأعضاء للجسد الواحد إنما تحافظ على ذلك الواحد بكل ما تقدر عليه، وذلك بالدفاع عنه؛ وبالنصيحة لجماعة ولأئمة المسلمين.
فالله ولي الذين آمنوا بالتشريع، وحفظ المصالح والحكم، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وللنبي "صلى الله عليه وآله" وللإمام "عليه السلام" الولاية أيضاً بجعل من الله، بهدف تدبير أمورهم وقيادتهم.
والمؤمنون المرؤوسون للنبي "صلى الله عليه وآله" وللإمام "عليه السلام" بعضهم أولياء بعض في النصيحة وحفظ الغيب، والاهتمام بأمور بعضهم بعضاً، والنصرة، والمعونة، فليس معنى الولاية هو الحكومة لكل واحد منهم على الآخر أو على المجتمع، بل ولي المجتمع والحاكم فيه هو الله سبحانه.
وكخلاصة لما تقدم نقول:
إن كل هذه المعاني محتملة في الآية المشار إليها ـ إن لم يكن من بينها (وهو الأخير) ما هو الأظهر ـ وليس فيها ما يوجب تعين كون الولي فيها بمعنى الحاكم، والمتولي للأمر.
ثانياً: لو كانت هذه الآية تعطي حقاً للمؤمنين في أن يحكم بعضهم بعضاً؛ فاللازم أن تعطي الآيات الأخرى هذا الحق بالذات للكفار، وتصير حكومتهم على بعضهم البعض شرعية!!
فقد قال تعالى: ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ?([105]).
فبقرينة المقابلة في الآية هنا بين ولاية المؤمنين التي نشأت عنها مسؤوليات النصر وغير ذلك من أمور، تدل على أن المراد بالولاية تولي الأمور، وبين الآية الدالة على ولاية الكفار بعضهم لبعض، تكون النتيجة هي: جعل الحاكمية للكفار أيضاً بالنسبة لبعضهم فيما بينهم، لو كان المراد بالولاية هو تولي الأمور كما يريد المستدل أن يقول.
ويؤيد ذلك أيضاً قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ?([106]).
وقوله تعالى: ?إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ?([107]).
وقوله تعالى: ?إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالله وَلِيُّ المُتَّقِينَ?([108]). إلى غير ذلك من الآيات التي بهذا المضمون.
حيث إن المقصود هو النهي عن إطاعة الشياطين، وعن الانصياع لأوامر اليهود والنصارى.
بل إن الآية الأخيرة تنفي الولاية عن المؤمنين، وتخصها بالله تعالى مع أنها إنما تتحدث عن طبيعة الأمور في الواقع الخارجي والعملي من حيث إن الظالم يهتم بشؤون الظالم، ولا تريد أن تعطي شرعية لولاية الكافر على الكافر..
كما أنها تريد أن تسلب شرعية ولاية كافر على مؤمن. فلو كان المراد بالولاية الحكم، لكانت ولاية الكفار شرعية كما قلنا.
وهذا مما لا يمكن القول به ولا المساعدة عليه، فلا بد من القول بأن الولاية التي يترتب عليها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ليست بهذا المعنى، بل هي بمعنى النصيحة، وحفظ الغيب، وأنها ولاية بهذا المقدار لا أكثر.
والقول: بأن هذه الآيات ونظائرها ناظرة إلى أن من طبيعة الكفار أن يتولى بعضهم بعضاً، وليس في مقام جعل ولاية شرعية لهم.
يقابله القول: بإنه لم لا تكون الآيات التي تتعرض للولاية بين المؤمنين ناظرة إلى نفس هذا المعنى أيضاً؟!.
وإذا كانت آيات ولاية الكفار يراد منها الولاية بمعنى النصرة، والمحبة، ونحو ذلك، فلتكن تلك الآيات لها نفس هذا المعنى أيضاً، فإنها كلها لها سياق واحد، وتريد أن تنفي وتثبت أمراً واحداً.
ثالثاً: لو سلمنا أن معنى الآية هو: أن كل مؤمن ولي للآخرين.
وسلمنا أن المراد بالولاية: ليس هو حفظ مصالح الأمة الإسلامية بالنصيحة، والمعونة، وحفظ الغيب، وغير ذلك، مع أن ذلك هو الظاهر، وقبلنا بأن المراد بالولاية ولاية الحكومة، فحينئذٍ لنا أن نسأل: هل يعني ذلك: أن الآية تجعل كل مؤمن حاكماً على الآخرين، ومحكوماً لهم في آن واحد؟
أم أن الآية تريد فقط: أن تعطي للبعض الحق في أن يحكم ويتسلط على البعض الآخر؟!. من دون أن يكون للمحكوم حق في ذلك. وبماذا ترجح هذا على ذاك، دون العكس يا ترى؟!.
ولو سلمنا: أن الظاهر هو الثاني، فما هي شرائط هذه الحكومة؟ وما هي ظروفها؟ وما الذي يجب توفره في هذا الحاكم؟!: العلم؟ الاجتهاد؟ العدالة؟ الخ..
ومن الذي يعين هذا الحاكم، ومن يختاره؟ هل هو المعصوم؟ أم غيره؟.
فإن كل ذلك محتمل، ويحتاج الالتزام به إلى دليل غير هذه الآية المباركة.
رابعاً: بالنسبة لآيات الاستخلاف في الأرض والشهادة على الناس نشير إلى:
1 ـ إنه ليس في آية سورة الأحزاب: أن المراد بالأمانة: الخلافة.
وقد قيل: إنها التكاليف.
وقيل: هي العقل.
وقيل: هي الولاية الإلهية.
وقيل: هي معرفة الله. إلى غير ذلك من الأقوال([109]).
والجزم بأن المراد هو الخلافة، ثم ترتيب أحكام واستنتاجات معينة على ذلك، ليس بأولى من الجزم بغيره، فلا بد من ترجيح أحد هذه الوجوه بالقرائن. وليس ثمة ما يوجب الالتزام بخصوص هذا المعنى دون سواه مما ذكر.
بل إن في الآية التي تلي تلك الآية ما يؤيد أن المراد بالآية أمر اعتقادي، أو نحو ذلك، وليس الخلافة، فقد قال تعالى: ?إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً، لِيُعَذِّبَ الله المُنَافِقِينَ وَالمُنَافِقَاتِ وَالمُشْرِكِينَ وَالمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ الله عَلَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً?([110]).
2 ـ بالنسبة لآية استخلاف آدم، نقول: إنه ليس فيها ما يشير إلى أن المراد هو استخلاف النوع البشري، إلا قول الملائكة: ?أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء?([111])؟!.
وهذا لا يدل على أكثر من أن الملائكة قد فهموا: أن هذا المخلوق الجديد (الخليفة) له طبيعة فيها مقتضيات الشر، وتقتضي ما ذكروه، ولا تدل على أن الخلافة قد منحت لكل من له هذه الطبيعة.
3 ـ بل إن هناك من يرى: أن الآية ناظرة إلى ولاية المعصومين، فإن الملائكة قد رأوا: أن من يسفك الدماء ويفسد ليس أهلاً للخلافة كما أن الله قد قرر هذه الخلافة لآدم النبي المعصوم الذي علمه الله الأسماء كلها.
4 ـ ثم، ما المراد بهذا الاستخلاف؟ هل هو الحكم والإمارة؟ أم هو التسليط على الكون وما فيه في حدود قدراته، وإعطاؤه حق التصرف في ما خلقه الله، على قاعدة قوله تعالى: ?هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا?([112]) ولذلك هو يطلب منهم شكر هذه النعمة، والإيمان بالله تعالى؟
الظاهر هو الثاني:
ويؤيد ذلك: أن من يطالع آيات الاستخلاف يجد: أن أكثرها ناظر إلى البشر جميعاً، مؤمنهم وكافرهم، ثم هي تهدد الكافرين، وتتوعدهم.
ومما يؤيد أن يكون المراد بالخلافة في أكثر الآيات، هو إعمار الكون: أنه إذا كان البشر خلفاء؛ فهم خلفاء على أي شيء؟!
إنهم خلفاء ووكلاء على غير أنفسهم؛ إذ لا يعقل أن يكون الشيء خليفة على نفسه.
فالبشرية لها خلافة على غيرها مما في الكون. وهذا يؤيد أن يكون معنى الخلافة ليس هو الإمارة.
5 ـ وفي مقابل ذلك نجد: أنه تعالى لم يستخلف المؤمنين فعلا، وإنما وعدهم بالاستخلاف حيث قال: ?وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ?([113]).
فالجمع بين هذه الآية، والآيات الأخرى، يحتم علينا أن نقول: إن المراد بآيات (خلائف) ونحوها، هو النيابة في إعمار الكون، والتمكين من التصرف في الطبيعة.
والمراد من هذه الآية الأخيرة هو الحكم والسلطان، فهذه الآية أدل دليل على أن الخلافة بمعنى الحكم والسلطان لم تمنح للبشر عامة، وإنما وعد الله المؤمنين بها في الوقت المناسب.
والظاهر: أن ذلك سيكون في زمن ظهور المهدي عليه الصلاة والسلام.
6 ـ إن آية استخلاف داود، وتفريع الحكم بين الناس بالحق على هذه الخلافة، التي لا بد أن يكون معناها الحكم والسلطان، لا تدل على جعل الخلافة لكل البشر؛ فلعل كونه نبياً لم يتلبس بشيء من الظلم أبداً ـ كما قال تعالى: ?لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?([114]) ـ له مدخلية في استحقاق هذا المنصب الخطـير؛ لأن نيله درجـة النبوة، إنما هـو لأجـل أنه يحمل خصـائص معينة ـ كـالعصمة ونحوهـا ـ أهلته لـذلـك الأمـر الخطير الـذي يتفرع عـلـيـه الحكم بالحق.
7 ـ إننا نلاحظ: أنه ليس في جميع الآيات التي استعملت لفظ: (خليفة)، ومشتقاته ما يدل على أن هذا المستخلف هو خليفة لله لا لغيره.
بل ذكرت الآيات: أن الله تعالى قد جعل خلفاء، ولم تبين: أنهم خلفاء لمن.
فلعل المراد: أن آدم "عليه السلام" قد جاء لإعمار الأرض، وقد خلف من كان عليها من المخلوقات قبله "عليه السلام". وعلى هذا فلا مجال للاستدلال بتلك الآيات على ما أراده رحمه الله.
ملاحظة:
إن الاستخلاف في الأرض، ليس معناه جعل جميع المناصب الإلهية لهذا المستخلف. وليس في هذا اللفظ ما يفيد عموم المنزلة؛ بل هو ينصرف إلى نوع معين من الأمور.
فمثلاً لو قيل: فلان استخلف فلاناً على أهله؛ أو على الناس فإنه ينصرف إلى الاستخلاف في أمور معينة يمكن الاستخلاف فيها.
ولا يمكن أن يعني ذلك ثبوت كل حق كان لذاك لهذا، فإن الاستخلاف حكم يجري في كل مورد قابل لذلك، أو في الموارد التي ينصرف إليها الكلام بحسب خصوصيات المورد، وبحسب حالات الخطاب.
ولا يمكن أن يتمسك بإطلاق الاستخلاف لإثبات قابلية ما يشك في قابليته.
خامساً: إن قوله تعالى: ?وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ?([115])، يدل على أن الأمور الراجعة لهم هي التي يمكن أن يمارسوا فيها حق الشورى؛ فلا بد أولاً من إثبات:
أن مسألة الحكم، والتصرف في أمور الغير حق لهم، ليمكنهم أن يفصلوا فيها عن طريق مبدأ الشورى، ولا يمكن للحكم أن يثبت موضوعه ويوجده، كما أشرنا إليه آنفاً.
بل إن لدينا ما يدل على أن الحكومة ليست حقاً للناس، ولا يرجع البت فيها إليهم. وهو ما تقدم حين الكلام عن عرض النبي "صلى الله عليه وآله" دعوته على القبائل، حيث قال لبني عامر: الأمر لله يضعه حيث يشاء.
وسيأتي في غزوة بئر معونة: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال ذلك لعامر بن الطفيل أيضاً.
ثم هناك مقبولة ـ بل صحيحة ـ عمر بن حنظلة التي تقول: "ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً"([116]).
وكذا قوله: العلماء حكام على الناس، وروايات كثيرة أخرى. ولم يعين في الروايات: أن يكون ذلك في زمن الطاغوت، أو في ما بعد الإطاحة به، ولا صورة رقي الأمة إيمانياً وفكرياً، ولا عدمها.
وسادساً: إن هذه الشورى لا يفهم منها إلا مبدأ كلي مجمل. ولا تدل على أنه لو خالف بعض الأمة فيما يراد إجراء مبدأ الشورى فيه: فهل ينفذ حكم الأكثرية على تلك الأقلية؟ أم لا بد من إرضاء الجميع في أي تصرف، وأية قضية؟ وأنه لو تساوت الآراء فماذا يكون مصير الشورى؟ إلى غير ذلك مما يرتبط بشرائط الشورى وحدودها، ومواردها.
وأخيراً: فلو أنه رحمه الله استدل على ولاية الفقيه بقول أمير المؤمنين "عليه السلام": "إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، وأعلمهم بأمر الله فيه". وبصحيحة عمر بن حنظلة المشار إليها آنفاً لكان أولى.
فإنها تقرر: أن الحكم حق للفقيه الجامع للشرائط فقط، ولا يحق لغيره أن يتصدى له، حيث قال "عليه السلام": "فإني قد جعلته عليكم حاكماً".
د: ماذا يريد النبي ' في أحد؟
غالب الروايات، بل كلها متفقة على أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يرجح البقاء في المدينة، ولكن إصرار أصحابه هو الذي دعاه إلى العدول عن هذا الرأي.
ولكن العلامة السيد الحسني "رحمه الله" يرى: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يرى الخروج إلى العدو، عكس رأي عبد الله بن أبي بن سلول، وإنما استشارهم "صلى الله عليه وآله" ليختبر نواياهم، ويستدل على ذلك بما ملخصه:
أن ملاقاة جيش مكة داخل المدينة سيمكنهم من احتلالها خلال ساعات معدودة؛ لأن المنافقين، والمرتابين من سكان المدينة ـ وعددهم كثير، وكانوا على اتصال دائم معهم ـ سيعاونونهم على النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين.
ولا يعقل أن يخلص ابن أبي ومن معه من المنافقين والمرتابين من المهاجرين والأنصار في الدفاع عن محمد "صلى الله عليه وآله" ورسالته، وهم يلتقون مع الغزاة التقاء كاملاً.
وكان ابن أبي هو المشير على الرسول "صلى الله عليه وآله" بالبقاء في المدينة، ووافقه على ذلك شيوخ المهاجرين. وأدرك النبي "صلى الله عليه وآله" الغاية، ولكنه بقي يتظاهر بالموافقة على رأي ابن أبي؛ ليختبر بقية المسلمين، وإن كان فيمن وافق ابن أبي من لا يشك في حسن نيته، كما أنه لا شك في أن فيهم المتآمرين.
ولما اختبرهم "صلى الله عليه وآله"، وعرف نواياهم، أعلن عن رأيه الذي كان قد انطوى عليه من أول الأمر.
ويرجح ذلك: أنه لما خرج المسلمون إلى أحد رجع ابن أبي في ثلاثمائة وخمسين من أتباعه المنافقين، وبعض اليهود إلى المدينة بلا سبب.
وفي رواية: أنه هو نفسه "صلى الله عليه وآله" أمرهم بالرجوع، وقال: لا نحارب المشركين بالمشركين.
وذلك دليل قاطع على سوء نواياهم، وأنه "صلى الله عليه وآله" كان يتخوف منهم أن ينضموا إلى المشركين حين احتدام الحرب، وإذا كان في ريب من أمرهم، وهم خارج المدينة؛ فكيف يوافقهم على مقابلة الغزاة في داخلها، ويطمئن إليهم في الدفاع عنها؟!.
وإذا كان ابن سلول صادقاً في قوله: إنه سيدافع عن المدينة في الداخل، فلماذا رجع من الطريق وهو يعلم: أن جيش النبي "صلى الله عليه وآله" بأمس الحاجة إلى المساعدة؟!.
إذاً، فالخروج من المدينة هو الأصوب، ولو أنه بقي فيها لأصبح خلال ساعات معدودات تحت رحمة المشركين. إنتهى ملخصاً([117]).
ويؤيد رأي العلامة الحسني أيضاً: المبدأ الحربي الذي أطلقه علي "عليه السلام" حينما قال: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا([118]).
ونحن هنا نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن أبا سفيان ـ كما تقدم ـ كان يخشى أن يلزم أهل يثرب صياصيهم، ولا يخرجوا منها([119]).
وهذا يعني: أنهم يعتبرون بقاء المسلمين في المدينة معناه: تضييع الفرصة على قريش، وعدم تمكينها من تحقيق أهدافها. وغاية ما استطاع صفوان بن أمية أن يقدمه لأبي سفيان، كبديل مرض ومقنع، هو أنهم حينئذٍ سوف يلحقون بأهل المدينة خسائر مادية كبيرة؛ فإنهم إن لم يصحروا لهم عمدوا إلى نخلهم فقطعوه؛ فتركوهم ولا أموال لهم.
إذاً، فالموقف الصحيح كان هو البقاء في المدينة، فإن الخسائر المادية يمكن الصبر عليها وتحملها، أما الخسائر في الأرواح، فإنها تكون أصعب وأنكى، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليعدل عن الموقف الصحيح هذا.
2 ـ إن ضرار بن الخطاب كان يخشى مثل ذلك أيضاً، لأن الأنصار قتلوا قومه يوم بدر، فخرج إلى أحد، وهو يقول:
"إن قاموا في صياصيهم فهي منيعة، لا سبيل لنا إليهم، نقيم أياماً، ثم ننصرف. وإن خرجوا إلينا من صياصيهم أصبنا منهم؛ فإن معنا عدداً أكثر من عددهم، ونحن قوم موتورون، خرجنا بالظعن يذكرننا قتلى بدر، ومعنا كراع ولا كراع معهم، وسلاحنا أكثر من سلاحهم، فقضي لهم إن خرجوا الخ.."([120]).
3 ـ لقد رأينا: أن صفوان بن أمية لم يذكر لأبي سفيان شيئاً عن احتمال تعاون المنافقين معهم، وتمكينهم من القضاء على الإسلام والمسلمين بسهولة، أو على الأقل كان على أبي سفيان أن يدرك ذلك، ويبتهج له.
4 ـ إن من الواضح: أن ابن أبي، ومن معه لم يكن باستطاعتهم الإقدام على مثل تلك الخيانة في تلك الظروف؛ لأن معنى ذلك: أن يذبح من قومه من الخزرج ومن المهاجرين أعداد هائلة، ولم يكن بإمكانه أن يسمح بذلك، ولا يوافقه عليه من معه؛ لأنهم قومهم وأبناؤهم، وإخوانهم، وآباؤهم. ولم يكن التخلي عنهم سهلاً وميسوراً إلى هذا الحد.
وإذا أرادوا أن يتخلوا عن مثل هؤلاء، ويسلموهم إلى القتل، بعد أن يقدموا هم أيضاً العديد من القتلى، فمن يبقى لابن أبي ـ بعد استئصال هؤلاء ـ لا سيما بملاحظة قلة سكان المدينة آنئذٍ؟!.
وهل تبقى المدينة مدينة؟!.
وهل يمكن لابن أبي أن ينصب نفسه ملكاً على من يتبقى له في ظروف كهذه؟!
وهل سوف ينال هذا المنصب حقاً؟!
وهل يستطيع بعد هذا أن يعتمد على إخلاص من معه له؟!
وهل باستطاعته أن يحتفظ لهم بمكانتهم وبموقعهم في قبال اليهود، الذين كانت العداوة بينهم وبين أهل يثرب متأصلة على مر السنين؟!.
وهل يستطيع أيضاً أن يقاوم أطماع من حوله من قبائل الغزو والغارة؟! أو حتى أن يستقل في اتخاذ القرار عن قريش؟!
وهل باستطاعته أن يأمن قريشاً، ويطمئن إلى التعامل معها على المدى البعيد، بعد أن أدركت مدى خطر المدينة على مصالحها الحيوية؟!.
وهل؟ وهل؟ إلى آخر ما هنالك.
أم أن ذلك ليس في الحقيقة إلا انتحاراً سياسياً، لا مبرر له، ولا يقدم عليه أحد، ولا تساعد عليه أي من الموازين والمقاييس حتى الجاهلية منها، فضلاً عن العقلائية والاجتماعية؟!.
ولقد كان باستطاعة ابن أبي: أن ينحاز إلى المشركين في المعركة في خارج المدينة، وذلك ـ وإن كان أيضاً يحمل في طياته أخطاراً جمة له ولأصحابه ـ أقرب إلى تحقيق أهدافه، وأسلم له في الوصول إليها، بملاحظة ما سبق.
ولكن الظاهر: هو أن دوافعه للإشارة بالبقاء هي حب السلامة، وعدم التعرض للأخطار المحتملة ما أمكنه، وحتى لا يتكرر انتصار النبي "صلى الله عليه وآله" في بدر مرة أخرى.
ولا سيما مع ملاحظة زيادة عدد المسلمين، وحسن عدتهم بالنسبة إلى السابق، كما يفهم من الكلام المتقدم لبعض المشيرين.
يضاف إلى ذلك: أنهم الآن يدافعون عن شرفهم وعرضهم، وبلدهم، وعن وجودهم، فلا بد أن يكونوا أكثر تصميماً وإقداماً.
كما أن من الممكن أن يكون التزلف إلى النبي "صلى الله عليه وآله" داخلاً أيضاً في حسابات ابن أبي في بادئ الأمر.
ونلاحظ: أن التزلف، والتظاهر الكلامي بالتدين، وبالغيرة على الإسلام ومصالح المسلمين، يكون لدى المنافقين أكثر من غيرهم.
هذا بالإضافة: إلى أنه لو كان ثمة احتمال من هذا النوع لأشار إليه أبو سفيان، أو صفوان بن أمية، أو ضرار بن الخطاب، أو غيرهم، كما قلنا.
5 ـ بل إن العلامة الحسني نفسه يقول: إن الذين أصروا على البقاء كان من بينهم المخلص والمنافق.
وهذا ينافي قوله الآخر: إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يريد أن يختبر أصحابه، ويكتشف نواياهم.
وإذاً، فقد فشل النبي "صلى الله عليه وآله" في محاولاته تلك، فكيف يقول الحسني بعد ذلك: إنه "صلى الله عليه وآله" وقف على نوايا الجميع، ومحصها تمحيصاً دقيقاً؟!.
والحقيقة هي: أن إصرارهم على الخروج كان ناشئاً عن الأسباب التي ذكروها أنفسهم في كلامهم.
6 ـ ثم إننا لا نوافق العلامة الحسني: على أن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" كان يتعامل مع أصحابه بهذه الطريقة الماكرة ـ والعياذ بالله ـ فيظهر لهم خلاف ما يبطن؟! نعوذ بالله من الزلل والخطل في القول والعمل.
إلا أن يكون مقصوده "رحمه الله": أنه "صلى الله عليه وآله" لم يظهر لهم رأيه، بل تركهم يظهرون له ما في نفوسهم من دون أي تحفظ أو حياء، وليتحملوا هم المسؤولية، ثم ليتألفهم بذلك، حتى إذا اختلفوا كان هو الحاسم للخلاف برأيه الصائب، وموقفه الحكيم.
وأخيراً؛ فـإن لنا تحفظاً على ما ذكره من أن ابن أبي قد رجع بمن معه من المنافقين، وبعض اليهود.
فإن ذكر اليهود هنا في غير محله، لأنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يحبذ الاستعانة باليهود، كما أنهم هم أنفسهم ما كانوا ليعينوه على قتال عدوه، ولا يرضى قومهم بذلك منهم، إلا إذا كانوا يريدون أن يكونوا في جيش المسلمين عيوناً للمشركين.
ولم يكن ذلك ليخفى على النبي "صلى الله عليه وآله" ولا المسلمين، ولعله لأجل ذلك نجده "صلى الله عليه وآله" قد رفض قبولهم في هذه الغزوة بالذات، وأرجعهم كما سنرى.
ه‍ : لبس لامة الحرب يعني القتال:
وقد رأينا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" بعد أن لبس لامة حربه استجابة لرأي الأكثرية، يرفض الرجوع إلى الرأي الأول، لأن ذلك معناه: أن ينتزع عنه مفهوم خاطئ، يضر بالمصلحة العليا للإسلام والمسلمين، ولا ينسجم مع مركزه كقائد، بل ربما تكون له آثار سيئة وخطيرة على المدى البعيد.
وهذا المفهوم هو أنه رجل ضعيف، تتقاذفه الأهواء والآراء، ولا يملك اتخاذ القرار؛ بل هو ألعوبة بأيدي أصحابه، والمنتسبين إليه!
كما أن ذلك من شأنه أن يجعل قراراته في المستقبل عرضة للصراعات الفكرية بين أصحابه، الذين تختلف مستوياتهم فكرياً، واجتماعياً، وسياسياً، وإيمانياً، وغير ذلك.
ويفسح المجال أمام أهل الأطماع، وظهور الاختلاف، ثم التمزق، والفشل الذريع. ولا يعود يملك مجتمعاً منضبطاً، قوياً متماسكاً، وقادراً على مواجهة الأخطار والمعضلات الجسام التي تنتظره، والمهمات التي لا بد أن يضطلع بها؛ فضلاً عن أن يتحمل هذا المجتمع مسؤولية نشر الإسلام والدفاع عنه في العالم أجمع.
هذا كله، عدا عن أن هذا التردد سوف يقلل من قيمة الوحي في نفوسهم، ويضعف ـ من ثم ـ ارتباطهم بالغيب، وإيمانهم به، مع أن هذا ركن أساسي في الدعوة الإسلامية، وفي نجاحها، واطِّراد تقدمها.
فليكن هذا الموقف منه "صلى الله عليه وآله" درساً لهم، يعلمهم: أنه لا ينبغي لهم أن يعارضوا الوحي الإلهي بعقولهم القاصرة عن إدراك عواقب الأمور.
ومن الجهة الأخرى، فإن العدو سوف يرى في هذا التردد ضعفاً، وفشلاً، ويزيد ذلك في طمعه بالمسلمين، وجرأته عليهم.
ولسوف يجعله ذلك يعتمد أسلوب الضغط على النبي "صلى الله عليه وآله" من خلال أصحابه، ويحاول تشويش مواقفه وتمييعها، إن لم يمكن توجيهها إلى ما يوافق مصالحه وأهدافه عن هذا السبيل.
وأخيراً، فإن المعتزلي يرى: أن تردد المسلمين دليل على فشلهم في الحرب، فإن النصر معروف بالعزم والجد، والبصيرة في الحرب. وأحوالهم هنا كانت ضد أحوالهم في بدر، وأحوال المشركين في بدر كانت ضد أحوالهم هنا، ولذلك انكسرت قريش في بدر([121]).
ونقول:
إن المسلمين لم ينكسروا في أحد، ولم تنتصر قريش. بل هزمت هزيمة نكراء، كما سنرى والذي حصل للمسلمين إنما كان سببه أفراد معدودون كانوا على فتحة جبل أحد.
و : من الأكاذيب:
ومن الأكاذيب التي رأينا أن نذكر القارئ بها:
أولاً: ما ورد في رواية نادرة من أن ابن أبي قد أشار بالخروج([122]).
وذلك لا يصح إذ:
1 ـ لا يبقى معنى حينئذٍ لاحتجاج ابن أبي لرجوعه من وسط الطريق بأنه "صلى الله عليه وآله": خالفه وأطاعهم.
2 ـ إن القرآن يلمح إلى أن المنافقين كانوا يصرون على البقاء في المدينة، فإنه بعد رجوع المسلمين من أحد، وقد قتل منهم من قتل، قال المنافقون: ?لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا?([123]).
وهؤلاء هم الذين احتجوا لرجوعهم بقولهم: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم.
ثانياً: يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" خرج إلى أحد من بيت عائشة([124]).
مع أن من الثابت: أنه "صلى الله عليه وآله" كان إذا سافر كان آخر عهده بفاطمة، وإذا رجع بدأ ببيت فاطمة أيضاً([125]).
إلا أن يكون مقصودهم بيت عائشة الذي كان لفاطمة، واستولت عليه عائشة بعد وفاة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"([126]).
ثالثاً: قولهم: إنه بعد أن استشار النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه، دخل بيته، ودخل معه أبو بكر وعمر، فعمماه ولبساه، لا يُعبأ به، لضعف مستنده من جهة، ولأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يحتاج إلى من يعممه ويلبسه، بل كان باستطاعته أن يمارس ذلك بنفسه من جهة ثانية.
عقد الألوية:
وبعد أن استشار رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه، وخرج عليهم لابساً لامة حربه، استخلف على المدينة ابن أم مكتوم وعقد الألوية.
فأعطى اللواء أمير المؤمنين "عليه السلام"، كما نص عليه البعض([127]).
ويقول البعض: إن لواء المهاجرين كان مع علي.
وقيل: مع مصعب بن عمير([128]).
ويقال: إنه اللواء الأعظم([129]).
وقيل: إنه "صلى الله عليه وآله" سأل عمن يحمل لواء المشركين، فقيل له: طلحة بن أبي طلحة، فأخذ اللواء من علي ودفعه إلى مصعب بن عمير، لأنه من بني عبد الدار، وهم أصحاب اللواء في الجاهلية([130]).
وكان لواء الأوس مع أسيد بن حضير، ولواء الخزرج مع حباب بن المنذر.
وقيل: مع سعد بن عبادة، كذا يقولون.
اللواء مع علي × فقط:
ونقول: لا يصح ما ادعوه من أن اللواء كان مع مصعب بن عمير، أو أنه أخذه من علي، وأعطاه لمصعب.
والصحيح هو: أنه كان مع علي "عليه السلام" في أحد، وبدر، وفي كل مشهد.
ويدل على ذلك:
1 ـ ما تقدم في غزوة بدر: من أن علياً "عليه السلام" كان صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر، وفي كل مشهد.
2 ـ عن ابن عباس، قال: لعلي بن أبي طالب "عليه السلام" أربع ما هن لأحد: هو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله "صلى الله عليه وآله". وهو صاحب لوائه في كل زحف، وهو الذي ثبت معه يوم المهراس؛ وفر الناس، وهو الذي أدخله قبره([131]).
3 ـ عن ابن عباس: كان علي أخذ راية رسول الله يوم بدر.
قال [الحكم] الحاكم: وفي المشاهد كلها([132]).
4 ـ وعن مالك بن دينار: سألت سعيد بن جبير وإخوانه من القراء: من كان حامل راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
قالوا: كان حاملها علي (رض).
وفي نص آخر: أنه لما سأل مالك سعيد بن جبير عن ذلك غضب سعيد، فشكاه مالك إلى إخوانه من القراء، فعرفوه: أنه خائف من الحجاج.
فعاد وسأله، فقال: كان حاملها علي (رض).
هكذا سمعت من عبد الله بن عباس([133]).
وفي نص آخر عن مالك بن دينار قال: قلت لسعيد بن جبير: من كان صاحب راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
قال: إنك لرخو اللبب.
فقال لي معبد الجهني: أنا أخبرك: كان يحملها في المسير ابن ميسرة العبسي، فإذا كان القتال؛ أخذها علي بن أبي طالب رضي الله عنه([134]).
5 ـ عن جابر: قالوا: يا رسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟
قال: من عسى أن يحملها يوم القيامة، إلا من كان يحملها في الدنيا، علي بن أبي طالب؟!
وفي نص آخر: عبر باللواء بدل الراية([135]).
6 ـ وحينما مر سعد بن أبي وقاص برجل يشتم علياً "عليه السلام"، والناس حوله في المدينة، وقف عليه، وقال: يا هذا، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟
ألم يكن أول من أسلم؟
ألم يكن أول من صلى مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
ألم يكن أزهد الناس؟
ألم يكن أعلم الناس؟
وذكر حتى قال: ألم يكن صاحب راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" في غزواته؟([136]).
وظاهر كلامه هذا: أن ذلك كان من مختصاته صلوات الله وسلامه عليه.
7 ـ عن مقسم: أن راية النبي "صلى الله عليه وآله" كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، وكان إذا استعر القتال كان النبي "صلى الله عليه وآله" مما يكون تحت راية الأنصار([137]).
8 ـ عن عامر: أن راية النبي "صلى الله عليه وآله" كانت تكون مع علي بن أبي طالب، وكانت في الأنصار حيثما تولوا([138]).
وقد يقال: إن هذين النصين الواردين تحت رقم 7 و 8 لا يدلان على أن الراية كانت دائماً مع علي "عليه السلام" بصورة أكيدة وصريحة، وإن كان يمكن أن يقال: إن ظاهرهما هو ذلك.
9 ـ عن ثعلبة بن أبي مالك، قال: كان سعد بن عبادة صاحب راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" في المواطن كلها؛ فإذا كان وقت القتال أخذها علي بن أبي طالب([139]).
10 ـ قال ابن حمزة: وهل نقل أحد من أهل العلم: أن علياً كان في جيش إلا وهو أميره؟([140]).
11 ـ وفي حديث المناشدة: أن علياً "عليه السلام" قال: نشدتكم الله، هل فيكم أحد صاحب راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" منذ يوم بعثه الله إلى يوم قبضه، غيري؟!.
قالوا: اللهم لا([141]).
وبالنسبة لخصوص واقعة أحد نقول:
1 ـ عن علي قال: كسرت يده يوم أحد، فسقط اللواء من يده؛ فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": دعوه في يده اليسرى، فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة([142]).
2 ـ قد ورد، في احتجاج الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه بفضائل أمير المؤمنين "عليه السلام" على معاوية، وعمرو بن العاص، والوليد الفاسق، ورد قوله: "وأنشدكم الله، ألستم تعلمون: أنه كان صاحب راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم بدر، وأن راية المشركين كانت مع معاوية، ومع أبيه، ثم لقيكم يوم أحد، ويوم الأحزاب، ومعه راية رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومعك ومع أبيك راية الشرك الخ.."؟!([143]).
3 ـ قال ابن هشام: "لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله "صلى الله عليه وآله" تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي: أن قدم الراية.
فتقدم علي؛ فقال: أنا أبو القصم. فطلب أبو سعيد بن أبي طلحة، وهو صاحب لواء المشركين منه البراز، فبرز إليه علي، فضربه علي فصرعه([144]).
وهذا معناه: أنه "عليه السلام" كان صاحب الراية العظمى، فأمره "صلى الله عليه وآله" بالتقدم، ثم طلب منه صاحب لواء المشركين البراز، لأنه إذا قطت الراية العظمى انكسر الجيش وانهزم.
4 ـ وقال القوشجي: في غزاة أحد جمع له الرسول "صلى الله عليه وآله" بين اللواء والراية([145]).
5 ـ عن أبي رافع قال: كانت راية رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم أحد مع علي، وراية المشركين مع طلحة بن أبي طلحة([146]).
6 ـ ويظهر من بعض الروايات الفرق بين اللواء والراية، وقد قالوا: إن الراية كانت في يد قصي، ثم انتقلت في ولده حتى انتهت إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فأعطاها رسول الله "صلى الله عليه وآله" لعلي في غزاة ودان، وهي أول غزاة حمل فيها راية مع النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم لم تزل مع علي في المشاهد، في بدر وأحد.
وكان اللواء يومئذٍ في بني عبد الدار، فأعطاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" لمصعب بن عمير، فاستشهد، ووقع اللواء من يده، فتشوقته القبائل؛ فأخذه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فدفعه إلى علي، فجمع له يومئذٍ الراية واللواء، فهما إلى اليوم في بني هاشم([147]).
ويظهر أن هذا هو مراد القوشجي من كلامه الآنف.
لا فرق بين اللواء والراية:
ونقول: إن هذه الروايات تنافي ما تقدم عن ابن عباس، وجابر، وقتادة، من أنه "عليه السلام" كان صاحب لوائه "صلى الله عليه وآله" في كل زحف.
وقد دلت النصوص المتقدمة على أن علياً "عليه السلام" هو صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وهو أيضاً صاحب راية رسول الله، لو كان ثمة فرق بينهما.
ونحن نشك في ذلك، لأن بعض أهل اللغة ينصون على عدم الفرق([148])، فإن كلاً منهما عبارة عما يجعله القائد من الأقمشة في طرف رمح أو نحوه.
ونجد وصف اللواء بالأعظم تارة([149])، ووصف الراية بالعظمى أيضاً([150]).
إلا أن يقال: إن مصعب بن عمير كان صاحب لواء المهاجرين، فلما استشهد في أحد صار لواؤهم إلى علي، فعلي "عليه السلام" صاحب راية ولواء رسول الله، وهو أيضاً صاحب لواء المهاجرين. ولعل هذا هو الأظهر.
وقد تقدم بعض الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر أيضاً، فلا نعيد.
عدة وعدد المسلمين:
ثم توجه رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أحد ومعه: ألف رجل، ويقال: تسعمائة، وزاد بعضهم خمسين. منهم مئة دارع. ليس معهم فرس([151]).
وقيل: مع النبي "صلى الله عليه وآله" فرسه، وفرس لأبي بردة بن نيار([152]).
وقيل: كان معهم فرس واحد([153]).
رجوع المنافقين:
ويظهر مما يأتي: أنه "صلى الله عليه وآله" خرج نحو أحد من ثنية الوداع، شامي المدينة.
ورجع ابن أُبي مما بين المدينة وأحد بمن معه من المنافقين، وأهل الريب. وكانوا ثلاثمائة رجل، وقال: محمد عصاني وأطاع الولدان؟ سيعلم!!
ما ندري علام نقتل أنفسنا وأولادنا ههنا أيها الناس؟
فرجعوا. وتبعهم جابر بن عبد الله الأنصاري يناشدهم الله في أنفسهم، وفي نبيهم، فقال ابن أُبي: لو نعلم قتالاً لاتبعناكم، ولو أطعتنا لرجعت معنا.
وقيل: إن النبي "صلى الله عليه وآله" أمرهم بالانصراف، لكفرهم([154]).
فبقي "صلى الله عليه وآله" في سبعمائة من أصحابه، أو ستمائة.
وبرجوع ابن أبي سقط في أيدي بني حارثة وبني سلمة، ثم عادوا إلى الموقف الحق، قال تعالى: ?إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ?([155]) الآية.
وروي بسند رجاله ثقات: أنه بعد أن جاوز النبي "صلى الله عليه وآله" ثنية الوداع، إذا هو بكتيبة خشناء، فقال "صلى الله عليه وآله": من هؤلاء؟
قالوا: عبد الله بن أبي بن سلول في ستمائة من مواليه اليهود.
فقال: وقد أسلموا؟
قالوا: لا يا رسول الله، قال: مروهم فليرجعوا، فإننا لا ننتصر بأهل الكفر على أهل الشرك.
أو: فإننا لا نستعين بالمشركين على المشركين([156]).
الخيانة وآثارها:
إن من الطبيعي: أن يكون لانخذال ابن أبي ورجوعه بمن معه من المنافقين أثر سيء على نفوس المسلمين ومعنوياتهم، فإن حدوث الخيانة هذه قد كانت أحد الأسباب الرئيسية لتهيؤ بعض المسلمين نفسياً للهزيمة في المعركة، وهم بنو حارثة، وبنو سلمة.
وقد حكى الله ذلك بقوله: ?إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ?([157]).
وقد جاءت هذه الخيانة في لحظات حرجة وحساسة، قد مهدت الطريق، ومنحت العذر لمن تبقى من المنافقين للفرار في أحرج اللحظات وأخطرها على الإسلام والمسلمين بصورة عامة.
وهذا يؤيد، ويؤكد سلامة موقفه "صلى الله عليه وآله" في إرجاعه في غزوة بدر من لم يكن مسلماً، وعدم قبوله باشتراك بعض اليهود في حرب أحد، حيث أرجع كتيبتهم كما سلف.
ولذلك شواهد كثيرة في حياته "صلى الله عليه وآله" يجدها المتتبع في السيرة النبوية.
وقد أشار الله تعالى إلى الأثر السيئ لمواقف المنافقين في العديد من الآيات، فهو تعالى يقول: ?لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً?([158]).
ويعطي قاعدة عامة في التعامل مع غير المؤمنين، فيقول: ?وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ?([159]) إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.
وبعد هذا، فإننا نعرف عدم صحة ما روي عن الزهري، قال: "كان يهود يغزون مع النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فيسهم لهم كسهام المسلمين"([160]).
وما ذلك إلا لأنه قد ?زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ?([161])، ولأن: ?الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ?([162]).
ومن هذا المنطلق، قال ابن أُبي هنا: ما ندري علام نقتل أنفسنا وأولادنا؟.
ومن جهة ثانية، فإن المنافقين واليهود كانوا يلتقون مع المشركين في الهدف مرحلياً؛ لأنهم جميعاً لا يستطيعون أن يروا انتصار الإسلام والمسلمين في المنطقة، لأنهم ـ وهم الذين لا همّ لهم إلا الدنيا ـ يرون ذلك يضر بمصالحهم، وبموقعهم السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي في المنطقة.
وإذا حارب اليهود والمنافقون إلى جانب المسلمين، فإنما يفعلون ذلك إما تمهيداً للخيانة بهم، وإسلامهم إلى أعدائهم، وإما طمعاً في المال والغنائم. ومن يقاتل من أجل ذلك، فلا يستطيع أن يقدم على الأخطار، ولا أن يضحي بنفسه، بل إنما يكون مع المسلمين ما دام النصر حليفهم، حتى إذا رأى أنهم في خطر، فإنه لا بد أن يخذلهم في أحرج اللحظـات، وهذا ما سوف يؤثر تأثيراً سلبياً على معنوياتهم، ومن ثم على مستقبلهم ومصيرهم أيضاً.
سؤال وجوابه:
ويبقى سؤال، وهو: أنه إذا كان الحال كذلك، فلماذا يقبل النبي "صلى الله عليه وآله" المنافقين في جيش المسلمين مع أن ذلك يشكل خطراً عليهم؟!
ولماذا لا يفضحهم ويكشفهم للناس؟!
وإذا كان يمنع اليهود وغيرهم من الكفار من المشاركة، فلماذا لا يتخذ تدبيراً معيناً يمنع به المنافقين من الحضور في ساحة الحرب؟!
والجواب يتلخص في النقاط التالية:
1 ـ لقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" واقعاً بين محذورين، كل منهما صعب وخطير.
أحدهما: سلبية خروج المنافقين إلى الحرب، وقد حددها الله سبحانه، حينما قال: ?لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ?([163]).
وكان "صلى الله عليه وآله" يستر ذلك عليهم ما داموا لم يظهروا هم أنفسهم ذلك، من خلال أفعالهم ومواقفهم، وأقوالهم.
الثاني: سلبية إبقاء المنافقين في المدينة، يسرحون ويمرحون، وربما يكـون الخطر في ذلك أعظم مما لو اصطحبهم معه في الحرب، لأن ذلك يفسح المجال لهم للتآمر، من دون أن يكون ثمة من يستطيع دفع كيدهم، ورد بغيهم.
وما قضية تبوك إلا الدليل القاطع على ما نقول، حيث اضطر الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" إلى إبقاء خليفته ووصيه، ومن هو منه بمنزلة هارون من موسى في المدينة، حينما شعر أن تخلف المنافقين عن الخروج إلى تبوك يحمل في طياته أخطاراً جساماً، لا يمكن لأحد مواجهتها إلا النبي "صلى الله عليه وآله"، أو أخوه علي "عليه السلام".
وقد رجح "صلى الله عليه وآله" هذا على ذاك ليرد كيدهم، ويفشل مؤامراتهم، ولأجل ذلك كان يخرجهم معه إلى الحرب.
2 ـ ثم إن النفاق قد لا يتخذ صفة العنف، بل يظهر المنافق الإسلام حفاظاً على مصالحه، أو لأسباب خاصة أخرى، مع عدم إبائه عن الدخول فيه، وتقبله طبيعياً له، فهو لا يهتم بهدم الإسلام والكيد له. فتبرز الحاجة ـ والحالة هذه ـ إلى إعطائهم الفرصة للتعرف أكثر فأكثر على تعاليم الإسلام وأهدافه، ولكي يعيشوا أجواءه من الداخل، وليكتشفوا ما أمكنهم من أسرار عظمته وأصالته، فتلين له قلوبهم، وتخضع له عقولهم. ولا أقل من أن أبناءهم، ومن يرتبط بهم، يصبح أقدر على ملامسة واقع المسلمين، والتفاعل مع تعاليم الإسلام ما دام أنه يعيشها بنفسه، وتقع تحت سمعه وبصره.
وهذا بالذات ما كان يهدف إليه الإسلام من التألف على الإسلام، وإعطاء الأمـوال والأقطـاع، وحتى المنـاصب والقيـادات لمـن عرفـوا ب‍ـ ?المُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ?([164])، بالإضافة إلى ما كان يهدف إليه من دفع كيدهم وشرهم.
وما تقدم يفسر لنا السبب الذي جعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم، يتألفهم بذلك، حتى إن عمرو بن العاص ظن بنفسه أنه خير القوم.
ثم صار يسأل النبي "صلى الله عليه وآله" عن المفاضلة بين نفسه وغيره، فلما عرف: أنهم أفضل منه، قال: "فلوددت أني لم أكن سألته"([165]).
3 ـ إن سكوته "صلى الله عليه وآله" عن المنافقين، وقبولهم كأعضاء في المجتمع الإسلامي، إنما يريد به المحافظة على من أسلم من أبنائهم، وإخوانهم، وآبائهم، وأقاربهم، حتى لا تنشأ المشاكل العائلية الحادة فيما بينهم؛ ولا يتعرض المسلمون منهم للعقد النفسية، والمشكلات الاجتماعية، التي ربما تؤثر على صمودهم واستمرارهم.
4 ـ وكذلك، فإن اتخاذ أي إجراء ضد المنافقين، لربما يكون سبباً في تقليل إقبال الناس على الإسلام، وعدم وثوقهم بمصيرهم، وما سوف يؤول إليه أمرهم معه فيه، ولا سيما إذا لم يستطيعوا أن يتفهموا سر ذلك الإجراء، ولا أن يطلعوا على أبعاده وخلفياته.
ولسوف يأتي: أن سبب إظهار وحشي للإسلام، هو أنه كان معروفاً عن النبي "صلى الله عليه وآله": أنه كان لا يتعرض لمن يظهر الإسلام بشيء يسوءه.
5 ـ إن اتخاذ أي إجراء ضد المنافقين، معناه: فتح جبهة جديدة، كان بالإمكان تجنبها، واضطرار هؤلاء الساكتين ظاهراً، انصياعاً لظروفهم، إلى المجاهرة بالعداء، والإعلان بالتحدي، وهم عدو داخلي كثير العدد، وخطير جداً، يعرف مواضع الضعف، ومواضع القوة، ويكون بذلك قد أعطاهم المبرر للانضمام إلى الأعداء، العاملين ضد الإسلام والمسلمين.
وواضح أن تصرفاً كهذا ليس من الحكمة ولا من الحنكة في شيء، لأنه يأتي في ظرف يحتاج فيه الإسلام إلى تمزيق أعدائه وتفريقهم؛ حيث لا يستطيع مواجهتهم جميعاً في آن واحد.
وإذا كان المنافقون قد تمكنوا من توجيه ضربة قاسية للمسيرة الإيمانية بعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فإنهم لم يتمكنوا من إطفاء نور الله سبحـانه.. وبقي الإسـلام حيـاً متوهجـاً وسيبقى كذلـك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها..
بقي أمران:
أحدهما: لقد نزلت آيات قرآنية كثيرة تفضح المنافقين، وتظهر أفاعيلهم، وتنقل أقاويلهم، وتبين أوصافهم بدقة وبتفصيل.
كما أن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" نفسه قد حاول أن يحد من فعالية المنافقين ما أمكنه، وذلك بتنبيه الصحابة إلى خططهم ومؤامراتهم، والكشف عن حقيقتهم ووجودهم، وتحـذير الناس منهم، وذكر أفعـالهم وأوصافهم باستمرار، حتى حينما كان النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة. بل لقد اتخذ "صلى الله عليه وآله" أحياناً إجراءات عملية ضدهم، كهدم مسجد الضرار، وغير ذلك مما يظهر جلياً في الآيات القرآنية الكثيرة، والمواقف النبوية المختلفة.
وهذا بطبيعته يمثل حصانة ومناعة للمسلمين ضد النفاق والمنافقين ومكائدهم.
الثاني: إنه يظهر مما تقدم: أنه كان ثمة كتيبة لليهود بقيادة ابن أبي، وقد أرجعها رسول الله "صلى الله عليه وآله" من الطريق. ثم رجع ابن أبي مع طائفة من المنافقين.
بل يظهر من بعض النصوص: أن المنافقين قد رجعوا من نفس أحد([166]).
والذي نخشاه هو أن تكون هذه الرواية مكذوبة بهدف التغطية على فساد ابن أبي ورجوعه بالمنافقين من وسط الطريق.
إرجاع الصغار:
وقد رد رسول الله "صلى الله عليه وآله" من استصغرهم، ومنعهم من الخروج إلى الحرب، مثل: ابن عمرو بن ثابت، وسمرة بن جندب، ورافع بن خديج ثم سمح "صلى الله عليه وآله" لرافع؛ لأنه رام. وكان يتطاول من الشغف على الخروج.
فيقال: إن سمرة قال لزوج أمه: أُذِنَ لرافع وردَّني، وأنا أصرعه؟!
فأمرهما "صلى الله عليه وآله" بالمصارعة؛ فصرعه سمرة بن جندب؛ فأذن له أيضاً([167]).
الريب فيما ينقل عن سمرة: ونحن نرتاب فيما نقل عن سمرة بن جندب، وذلك لما يلي:
1 ـ إن ابن الأثير يذكر: أن صاحب هذه القضية هو جابر بن سمرة حليف بني زهرة([168]) وليس سمرة بن جندب.
2 ـ إن سمرة لم يكن مستقيماً ولا مراعياً للشرع في تصرفاته ومواقفه. فحياة سمرة، وتاريخه، ونفسيته، وروحيته، سواء في حياة النبي "صلى الله عليه وآله"، أو بعد وفاته، كل ذلك يأبى عن نسبة مثل ذلك إليه.
أما في حياة النبي "صلى الله عليه وآله"، فإننا نجد: أنه هو صاحب العذق الذي كان في حائط الأنصاري، وبيت الأنصاري في ذلك الحائط أيضاً؛ فكان سمرة يمر إلى نخلته، ولا يستأذن، فكلمه الأنصاري، فأبى، فشكاه إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فكلمه النبي "صلى الله عليه وآله" فأبى أن يستأذن. فساومه النبي "صلى الله عليه وآله"، وبذل له ما شاء من الثمن فأبى أيضاً. فبذل له نخلة في الجنة في مقابلها، فأبى أيضاً.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ للأنصاري: إذهب فاقلعها، وارم بها إليه؛ فإنه لاضرر ولا ضرار([169]).
كما أنه هو نفسه ـ كما في الروضة ـ الذي ضرب رأس ناقة النبي "صلى الله عليه وآله" فشجها، فشكته إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"([170]).
وأما بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، فإنه قتل من المسلمين ما لا يحصى، حتى إن زياد بن أبيه استخلفه على البصرة، وأتى الكوفة مدة وجيزة، فقتل ثمانية آلاف([171])، كما عن الطبري. وقتل سبعة وأربعين رجلاً من بني عدي في غداة واحدة، كلهم قد جمع القرآن([172]). وكان يقتل من يتشهد الشهادتين، ويبرأ من الحرورية([173]).
وبعد موت زياد أقره معاوية على البصرة ستة أشهر ثم عزله؛ فقال: لعن الله معاوية، لو أطعت الله كما أطعت معاوية لما عذبني أبداً([174]) وكان يخرج من داره مع خاصته ركباناً فلا يمر بطفل، ولا عاجز، ولا حيوان إلا سحقه هو وأصحابه، وهكذا إذا رجع. فلم يكن يمر عليه يوم إلا وله قتيل أو أكثر([175]).
وبذل معاوية له مئة ألف، ليروي: أن آية: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا? إلى قوله: ?وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ?([176]) نزلت في علي "عليه السلام"، وأن آية: ?وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ?([177])، نزلت في ابن ملجم؛ فلم يقبل، فبذل له مئتي ألف، ثم ثلاثمائة. فلما بذل له أربعمائة ألف، قبل، وروى ذلك([178]).
كما أن سمرة هذا قد حضر مقتل الحسين، وكان من شرطة ابن زياد، وكان يحرض الناس على الخروج إلى قتال الإمام الحسين "عليه السلام"([179]).
هذا هو سمرة، وهذه هي نفسيته، وأفاعيله، فإن كان حقاً هو صاحب القضية المتقدمة، وهو بعيد في الغاية، فلا بد أن يكون هدفه هو الحرب من أجل المال أو الجاه، وغيره من المكاسب الدنيوية، مهما كانت تافهة وحقيرة.
3 ـ وإن من الأمور التي شاعت وذاعت، ورواها المحدثون والمؤرخون بشكل واسع قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" في سمرة، وأبي هريرة، وأبي محذورة: آخركم موتاً في النار. فكان سمرة آخرهم موتاً([180]).
وتأويل ذلك: بأن سمرة قد مات في قدر مملوءة ماءً حاراً([181]) لا يصح، لأنه خلاف الظاهر، فإن ظاهر الكلام: أن المراد هو النار الأخروية، كما هو المتبادر، لا أن موتـه بسبب أن النار تجعل الماء حاراً، ثم يقع فيه؛ فإن ذلـك ـ بالإضافة إلى أنه مجاز لا مبرر له إلا إرادة تبرئة ساحة رجل له أمثال تلك الجنايات والعظائم ـ لا يصح، إذ لو كان هو المراد لكان الأصح هو التعبير بقوله: (بالنار)، لا (في النار)، أو يقول: في الماء الحار، ونحو ذلك.
فهذه الكرامة له، والتي تقول: إنه كان يتشوق للمشاركة في الحرب، رغم صغر سنه، ثم مصارعته لرافع، لا تناسب كل ما أشرنا إليه آنفاً، ولا تنسجم مع واقع سمرة ونفسيته.
ولعل سر تكرم محبيه عليه بهذه الفضيلة، هو طاعته الخارقة لمعاوية، ومعاونته لابن زياد، وتحريضه على قتل الحسين "عليه السلام"، وغير ذلك.
ولو أننا قبلنا صدور ذلك منه؛ فإنه ـ ولا شك ـ قد انقلب على عقبيه بعد ذلك، ولا تنفعه أمثال هذه الأمور، بعد أن كانت عاقبته هي النار.
ملاحظة: ولا يخفى: أن هذا الكلام منه "صلى الله عليه وآله" في حق هؤلاء الثلاثة من شأنه أن يسقطهم عن الاعتبار جميعاً، إذ لو كان واحد منهم مستقيم الطريقة لم يجز وضعه في دائرة من يحتمل في حقه ذلك.
وهذا أسلوب فذ في إسقاط خطط الذين يريدون تكريس رموز، وأشخاص يريدون أن يقوموا بدور غير مسؤول ويمس مستقبل الأمة، ويؤثر على دينها، وعلى كل وجودها ولو عن طريق تزوير نصوص الدين وأحكامه، والعبث برسومه وأعلامه.
الحراسة وقصة ذكوان:
ونزل "صلى الله عليه وآله" في مكان في الطريق، وعين محمد بن مسلمة في خمسين آخرين لحراسة الجيش.
ويقولون: ثم قال: من يحرسنا الليلة؟
فقام رجل، فقال: أنا.
فسأله عن اسمه، فقال: ذكوان. فأجلسه.
ثم سأل الثانية: فقام رجل، فقال: أنا.
فسأله عن اسمه فقال: أبو سبع. فأجلسه.
وفي الثالثة: قام رجل وتسمى بابن عبد القيس، فأجلسه.
ثم أمر بقيام الثلاثة. فقام ذكوان وحده. فسأله عن الباقين.
فأخبره أنه هو صاحب الأسماء الثلاثة، فكان هو الذي حرسه([182]).
قال المعتزلي: قلت: قد تقدم هذا الحديث في غزوة بدر، وظاهر الحال أنه مكرر، وأنه إنما كان في غزاة واحدة.
ويجوز أن يكون قد وقع الغزاتين، ولكن على بعد([183]).
الشك في قصة ذكوان:
ونحن نستبعد قصة ذكوان هذه وذلك لما يلي:
1 ـ إننا لا نستطيع أن نصدق: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان ساذجاً إلى حد أنه لا يستطيع أن يدرك: أن الذي أجابه في المرات الثلاث، بل الأربع، هو شخص واحد، حتى سأله عن الباقين!!.
2 ـ ثم إننا لم نفهم المبرر لعدم إجابة غير ذكوان من المسلمين الذين يبلغ عددهم حوالي سبعمائة رجل، وفيهم أعظم المؤمنين، وكثيرون من الغيارى على حياة الرسول "صلى الله عليه وآله" وأصحابه، ويفدونه بأرواحهم، وبكل غال ونفيس.
ولم تكن الحراسة تشكل خطراً عظيماً وحاسماً كما كان الحال بالنسبة لمنازلة عمرو بن ود، بل هي أخفُّ مؤونة من ذلك، لأن الخطر فيها يبقى في حدود الإحتمال. وأين كان علي "عليه السلام" عنه في تلك الليلة، مع أنه هو الذي كان يتولى حراسته عادة.
3 ـ إننا لا نفهم المبرر لأمره "صلى الله عليه وآله" إياه بالجلوس في المرات الثلاث!! ولم لم يوافق على طلبه من المرة الأولى؟! فإن الخطر منها ليس في مستوى خطر مواجهة عمرو بن عبد ود العامري..
4 ـ إن النزول في الطريق، وبيات ليلة فيه موضع شك أيضاً إذ لم تكن المسافة بين المدينة وبين جبل أحد كبيرة إلى حد يحتاج معها إلى أن يبيت في الطريق إليه.
الفصل الثاني:
نصر وهزيمة
التعبئة للقتال:
ويقولون: إنه لما وصل النبي "صلى الله عليه وآله" إلى منطقة القتال، اختار أن ينزل إلى جانب جبل أحد، بحيث يكون ظهرهم إلى الجبل.
ثم عبأ أصحابه، وصار يسوي صفوفهم؛ حتى إنه ليرى منكب الرجل خارجاً، فيؤخره.
وأمرهم أن لا يقاتلوا أحداً حتى يأمرهم.
وكان على يسار المسلمين جبل اسمه جبل عينين، وهو جبل على شفير قناة، قبلي مشهد حمزة، عن يساره([184]).
وكانت فيه ثغرة؛ فأقام عليها خمسين رجلاً من الرماة، عليهم عبد الله بن جبير، وأوصاه: أن يردوا الخيل عنهم، لا يأتوهم من خلفهم.
وفي رواية قال: إن رأيتمونا تختطفنا الطير، فلا تبرحوا من مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم، وأوطأناهم؛ فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم([185]).
وحسب نص آخر: احموا ظهورنا؛ فإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا([186]).
وكان شعاره يوم أحد: أمت. أمت.
ويقولون أيضاً: إنه "صلى الله عليه وآله" قد ظاهر بين درعين، كما نص عليه الحاكم، وطائفة من المؤرخين.
ويقول الواقدي: إنه كان قد لبس قبل وصوله إلى أحد درعاً، فلما وصل إلى ساحة الحرب لبس درعاً أخرى، ومغفراً وبيضة([187]) فوق المغفر([188]).
ومن جهة أخرى: فقد عبأ المشركون قواهم، استعداداً للحرب، وأرسل أبو سفيان إلى الأنصار:
خلوا بيننا وبين ابن عمنا؛ فننصرف عنكم؛ فلا حاجة بنا إلى قتالكم، فردوا عليه بما يكره([189]).
ونذكر هنا ما يلي:
ألف: المظاهرة بين درعين:
إننا نشك في أنه "صلى الله عليه وآله" قد ظاهر بين درعين في الوقت الذي يرى فيه أن غالب أصحابه لا درع لهم يحميهم من سيوف المشركين، فضلاً عن أن يكون لهم درعان.
ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" ليميز نفسه عنهم، بل كان من عادته أن يجعل نفسه كأحدهم.
مع أنه يعلم: أنه هو المستهدف بالدرجة الأولى. وهذه هي أخلاق النبوة. وتلك هي سيماء الأفذاذ من الرجال، وعباد الله الصالحين.
إلا أن يقال: إن المسلمين أنفسهم قد أصروا عليه بأن يظاهر بين درعين، من أجل الحفاظ عليه "صلى الله عليه وآله"، كما كانوا يقومون بحراسته "صلى الله عليه وآله" ليلاً من أجل ذلك أيضاً..
ويكون "صلى الله عليه وآله" قد قبل منهم ذلك لتطمئن قلوبهم، ويهدأ روعهم.
ونقول:
إن ذلك لا يصح أيضاً، لأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان ملاذاً للناس حين الحرب، وكانوا يلجأون إليه في الشدائد والأهوال.
ولم يكن أحد أقرب منه إلى العدو، وكان يقدم أحباءه وأهل بيته في الحرب، ولا نجد مبرراً بعد هذا للمظاهرة بين درعين، لا سيما مع وجود المنافقين، ومن في قلوبهم مرض، ومع وجود اليهود وغيرهم من الأعداء، الذين سوف لا يسكتون عن أمر كهذا، بل سوف يستفيدون منه لتضليل الناس، وخداع ضعاف النفوس، والسذج والبسطاء.
ولم يكن النبي "صلى الله عليه وآله" ليسجل على نفسه سابقة كهذه أصلاً.
ب: المنطق القبلي لدى أبي سفيان:
إن محاولة أبي سفيان استعمال المنطق القبلي حين قال: خلوا بيننا وبين ابن عمنا إنما كانت لتفريق الناس عن النبي "صلى الله عليه وآله"؛ ليتمكن من القضاء على حركته من أسهل طريق؛ فلا يتعرض للعداوات الحادة بينه وبين المدنيين، ولا للخسائر الكثيرة في الأرواح، ولا لتغيير المعادلات السياسية في المنطقة. إلى غير ذلك من الاعتبارات الكثيرة في جو كهذا.
ولكن فأله قد خاب، فقد وجد: أن الإسلام والمسلمين لا يأبهون لمنطق كهذا، وأصبح المسلم أخاً للمسلم أياً كان، ومن أي قبيلة كانت.
أما أبو سفيان وأصحابه فعدو محارب، حتى ولو كانوا آباءهم، أو أبناءهم، أو إخوانهم، أو عشيرتهم، أو غيرهم.
أبو دجانة والسيف:
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" أخذ سيفاً، وقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فطلبه جماعة، منهم الزبير.
وفي نصوص أخرى: أبو بكر، وعمر، وتضيف رواية الينابيع علياً "عليه السلام" أيضاً، فلم يعطهم إياه.
فسأله أبو دجانة: ما حقه؟
فقال: أن تضرب به العدو حتى ينحني.
فطلبه أبو دجانة؛ فأعطاه إياه، فجعل يتبختر بين الصفين، فقال "صلى الله عليه وآله": إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن.
فقاتل أبو دجانة قتالاً عظيماً، حتى حمل على مفرق رأس هند ـ التي كانت تحوش المسلمين بهجماتها ـ ثم عدل السيف عنها؛ لأنها صرخت، فلم يجبها أحد؛ فكره أن يضرب بسيف رسول الله امرأة لا ناصر لها([190]).
ملاحظات على هذه الرواية:
ونقول:
1 ـ إن قضية عرضه السيف على أصحابه، ومنعه من البعض، وإعطائه لأبي دجانة قد تكون صحيحة.
ولكن ما تقدم عن الينابيع، من ذكر علي "عليه السلام" فيمن لم يعطه "صلى الله عليه وآله" السيف في غير محله.
إذ سيأتي: أنه لم يثبت أمام ذلك الجيش الهائل سوى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.
وهذا يقرب: أنه "عليه السلام" كان يدرك: أنه لم يكن هو المقصود للنبي "صلى الله عليه وآله" في دعوته للمسلمين لأخذ السيف بحقه؛ لأنه كان يعرف موقعه ودوره في المعركة.
ولنا أن نحتمل هنا ـ بسبب ما عرفناه وما ألفناه من هؤلاء الرواة والمحدثين ـ :
أن إضافة اسم علي في الرواية، قد كانت من أجل الحفاظ على كرامة وشخصية الطالبين والممنوعين الحقيقيين عن السيف في هذا الموقف. فإنهم لم تكن مواقفهم الحربية تأبى عن مثل هذا، حيث لم تؤثر عنهم مواقف حربية شجاعة في ساحات الجهاد، بل أثر عنهم العكس من ذلك تماماً.
2 ـ إننا لا نفهم: لماذا يرفض رسول الله "صلى الله عليه وآله" إعطاء السيف للزبير، ولأبي بكر، وعمر، بعد طلبهم إياه، قبل أبي دجانة، ولماذا لا يجربهم، ليظهر مواهبهم ومواقفهم؟!
ولماذا يواجههم أمام الناس بهذا الرفض الفاضح والقاسي، حتى لقد وجدوا في أنفسهم من منعه لهم؟
ولربما يقال: إنه أراد أن يعطيه أنصارياً؛ ليقتدي به الأنصار.
وجوابه: أنه قد كان اللازم حينئذٍ: أن يوضح ذلك لهم بكلمة، أو بإشارة، حتى لا يتعرض الممنوعون لسوء ظن الناس بهم، أو حتى لا ينسبوا للفشل والعجز، وتصير كرامتهم في معرض الامتهان.
وإن كنا سنرى: أن هؤلاء الممنوعين لم يكونوا في المستوى المطلوب، وكان أبو دجانة أولى منهم بهذا التكريم، لأن هذه القضية قد جرت لو صحت بعد عودة المسلمين من الهزيمة.
وسيأتي بعض الكلام في ذلك إن شاء الله.
3 ـ إن ما ذكروه: من أن هنداً كانت تقاتل المسلمين وتحوشهم قد كذبته أم عمارة رحمها الله؛ فراجع([191]).
ولا ندري من أين حصلت هند على هذه البسالة النادرة، التي تجعلها في عداد أعظم فرسان التاريخ؟
ولماذا لم يعدها المؤرخون من فرسان الدهر، وشجعان ذلك العصر؟!
كما أن من المعلوم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد كان يوصي سراياه وبعوثه وصايا عديدة، منها: أن لا يقتلوا امرأة، ولا ولا الخ.
4 ـ إن من الواضح مدى التشابه بين ما تذكره هذه القضية عن تبختر أبي دجانة بين الصفين، وقول النبي "صلى الله عليه وآله" له، وبين ما كان من تبختر علي "عليه السلام" يوم الخندق، فاعترض عمر على ذلك، ونبه النبي "صلى الله عليه وآله" إلى مشيته "عليه السلام".
فأجابه النبي "صلى الله عليه وآله" بهذا الجواب بعينه.
وستأتي مصادر هذه القضية هناك، وأنها ثابتة بلا ريب.
ويبعد أن تتعدد الواقعة بكل خصوصياتها، كما أنه بعد قضية أبي دجانة في أحد لا يبقى مورد لاعتراض عمر في الخندق، إذ نستبعد عدم اطلاعه على ما جرى في أحد، إن لم يكن هو نفسه الذي اعترض آنئذٍ كما تعودنا منه في المواقف المختلفة، حتى ليندر أن تجد في التاريخ اعتراضاً على النبي لغيره!! ولا أقل من حضوره وشهوده الأحداث عن قرب، فإنه ممن طلب السيف، ورفض طلبه؛ فإذا كان ما جرى يوم الخندق هو الصحيح، وإذا كان ثمة تبديل وتغيير في الأسماء والأشخاص فقط؛ فلا عجب، فإنما هي شنشنة نعرفها من أخزم.
وعلى كل حال، فإن مشية علي "عليه السلام" يوم الخندق، كان الهدف منها هو الافتخار بعظمة وبعزة الإسلام، وذل أعدائه حتى في حال انتصارهم من جهة، ثم الحرب النفسية لأعدائه، والتأثير على معنوياتهم من جهة أخرى.
نشوب الحرب، وقتل أصحاب اللواء:
وكان أول من رمى بسهم في وجوه المسلمين أبو عامر الفاسق في خمسين ممن معه، بعد أن حاول استمالة قومه من الأوس؛ فردوا عليه بما يكره، فتراموا مع المسلمين، ثم ولوا مدبرين.
وحرض أبو سفيان بني عبد الدار، حاملي لواء المشركين على الحرب، وجعل النساء يضربن بالدفوف، ويحرضنهم بالأشعار.
وطلب طلحة بن أبي طلحة، حامل لواء المشركين البراز، فبرز إليه علي "عليه السلام" فقتله. فسر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بذلك، وكبر تكبيراً عالياً.
ويقال: إن طلحة سأل علياً "عليه السلام": من هو؟. فأخبره .
فقال: قد علمت يا قضم: أنه لا يجسر علي أحد غيرك([192]).
وقد ضربه علي "عليه السلام" على رأسه، ففلق هامته إلى موضع لحيته، وانصرف علي "عليه السلام" عنه، فقيل له: هلا ذففت عليه؟!
قال: إنه لما صرع استقبلني بعورته؛ فعطفتني عليه الرحم. وقد علمت أن الله سيقتله، وهو كبش الكتيبة([193]).
وفي رواية أخرى: أنه صلوات الله وسلامه عليه قال: إنه ناشدني الله والرحم؛ فاستحييت. وعرفت أن الله قد قتله([194]).
وقيل: إن ذلك كان حينما قتل "عليه السلام" أبا سعيد بن أبي طلحة. وثمة كلام آخر في المقام لا أهمية له.
قال ابن هشام: "لما اشتد القتال يوم أحد، جلس رسول الله "صلى الله عليه وآله" تحت راية الأنصار، وأرسل إلى علي "عليه السلام": أن قدم الراية، فتقدم علي، وقال: أنا أبو القصم (والصحيح: أبو القضم)؛ فطلب أبو سعيد بن أبي طلحة ـ وكان صاحب لواء المشركين ـ منه البراز، فبرز إليه علي "عليه السلام"، فضربه، فصرعه". ثم ذكر قصة انكشاف عورته حسبما تقدم([195]).
واقتتل الناس، وحميت الحرب. وحارب المسلمون دفاعاً عن دينهم، وعن وطنهم، الذي فيه كل مصالحهم، ويتوقف على حفظه مستقبلهم ووجودهم. حاربوا فئة حاقدة، تريد الثأر لقتلاها في بدر، وهي أكثر منهم عدداً، وأحسن عدة.
ثم شد أصحاب رسول الله([196]) "صلى الله عليه وآله" على كتائب المشركين، فجعلوا يضربون وجوههم، حتى انتقضت صفوفهم، ثم حمل اللواء عثمان بن أبي طلحة، أخو طلحة السابق، فقتل، ثم أبو سعيد أخوهما، ثم مسافع؛ ثم كلاب بن طلحة بن أبي طلحة، ثم أخوه الجلاس، ثم أرطأة بن شرحبيل، ثم شريح بن قانط، ثم صواب، فقتلوا جميعاً؛ وبقي لواؤهم مطروحاً على الأرض، وهزموا، حتى أخذته إحدى نسائهم، وهي عمرة بنت علقمة الحارثية، فرفعته، فتراجعت قريش إلى لوائها، وفيها يقول حسان:
ولـولا لـواء الحـارثـيـة أصبحـوا يباعون في الأسواق بالثمن البخس
ويقال: إن أصحاب اللواء بلغوا أحد عشر رجلاً([197]).
قـال الصادق "عليه السلام"، بعد ذكـره قتل أمير المؤمنين "علـيـه السلام" لأصحاب اللواء: "وانهزم القوم، وطارت مخزوم، فضحها علي "عليه السلام" يومئذٍ"([198]).
كما أن رماة المسلمين الذين كانوا في الشعب قد ردوا حملات عديدة لخيل المشركين، حيث رشقوا خيلهم بالنبل، حتى ردوها على أعقابها.
وقبل المضي في الحديث نسجل هنا ما يلي:
ألف: بنو مخزوم، وأهل البيت ^:
ولعل ما تقدم هو سر حقد خالد بن الوليد المخزومي ـ الذي كان على ميمنة المشركين في أحد ـ على أمير المؤمنين "عليه السلام"، الذي قتل عدداً من فراعنتهم([199]).
وقد تقدم في الجزء السابق حين الكلام عن خطبة علي "عليه السلام" لبنت أبي جهل بعض ما يشير إلى حقد خالد هذا، فلا نعيد.
وقد روى الحاكم، عن النبي "صلى الله عليه وآله" قوله:
"إن أهل بيتي سيلقون من بعدي من أمتي قتلاً وتشريداً، وإن أشد قومنا لنا بغضاً: بنو أمية، وبنو المغيرة، وبنو مخزوم"([200]).
ب: الزبير والمقداد على الخيل:
وثمة رواية تفيد: أن الزبير والمقداد كانا على الخيل، وحمزة بالجيش بين يديه "صلى الله عليه وآله"، وأقبل خالد الذي كان على ميمنة المشركين، وعكرمة بن أبي جهل على الميسرة، فهزمهم الزبير والمقداد، وحمل النبي "صلى الله عليه وآله"، فهزم أبا سفيان([201]).
ونحن لا نصدق هذه الرواية؛ فقد تقدم: أنه لم يكن مع النبي "صلى الله عليه وآله" خيل.
وجاء في بعض الروايات: أنه كان ثمة فرس واحد، أو فرسان: فرس للنبي "صلى الله عليه وآله"، والآخر لأبي بردة بن نيار كما تقدم.
إلا أن يقال: إن المراد: أنه كان في مقابل خيل المشركين: الزبير والمقداد. ولكن ذلك بعيد عن سياق الكلام، ولا سيما إذا لم يكن معهما خيل. أما العشرة أفراس التي غنمها المسلمون يوم بدر، فلعلها قد بيعت، أو نفقت، أو كان بعضها في حوزة من لم يشاركوا في حرب أحد، ممن رجع مع ابن أبي أو غيرهم.
ثم إننا لا ندري أين كان علي "عليه السلام"، الذي قتل نصف قتلى المشركين أو أكثر كما سيأتي؟!.
ولماذا لا تتعرض له هذه الرواية، ولا تدلنا على دوره في هذه الحرب؟!.
ج: إخلاص علي × وعطفه على كبش الكتيبة:
وأما أن علياً "عليه السلام" انصرف عن قتل حامل لواء المشركين، لأنه قد عطفته عليه الرحم، فلا يمكن أن يصح؛ لأن علياً "عليه السلام" لم يكن ليرحم من حاد الله، ورسوله، وكان كبش كتيبة المشركين، الذين جاؤوا لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين.
ونحن نعلم: أن علياً "عليه السلام" كان في كل أعماله مخلصاً لله تعالى كل الإخلاص.
وقد قدمنا الإشارة إلى موقفه حينما قتل عمرو بن عبد ود فلا نعيد.
فالظاهر أن الصحيح: هو أنه ناشده الله والرحم، واستقبله بعورته فانصرف عنه. وهو بلاء تعرض له أمير المؤمنين "عليه السلام" مع غيره أيضاً، كعمرو بن العاص، وبسر بن أبي أرطأة في وقعة صفين، كما هو معلوم.
نعم، لقد انصرف عنهم جميعاً، بدافع من كرم النفس، وطاعة الله.
فهو حين يقتل قومه يقتلهم طاعة لله، وحين ينصرف عنهم ينصرف لكرم النفس والنبل والشرف، وطاعة لله أيضاً. حيث لم يكن ثمة حاجة للتذفيف عليه، مع مشاهدة ما لا يحسن مشاهدته منه ـ عورته ـ وقد علم أن الله سيقتله من ضربته تلك، التي فلقت هامته إلى موضع لحيته.
ولا ننسى أن نشير هنا إلى أنه إذا بلغ السيف إلى موضع لحيته، فإنه لن يكون قادراً على مناشدة أحد.
د: من قتل أصحاب اللواء:
إن من الثابت: أن علياً أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، هو الذي قتل جميع أصحاب اللواء وكانوا أحد عشر رجلاً، ولا يعتنى بتفصيلات طائفة من المؤرخين في من قتل هذا، ومن قتل ذاك، ونستند في ذلك إلى ما يلي:
1 ـ قال الطبري، وابن الزبير، وغيرهما: "وكان الذي قتل أصحاب اللواء علي، قال أبو رافع: قال: فلما قتلهم أبصر النبي "صلى الله عليه وآله" جماعة من المشركين الخ..".
وستأتي المصادر الكثيرة جداً لهذا النص حين الكلام عن مناداة جبرئيل:
لا سـيـف إلا ذو الـفـقـار ولا فــتـــى إلا عــــلي
وقد نص على أنه "عليه السلام" هو الذي قتل أصحاب اللواء عدد جم من المؤرخين وغيرهم ([202])، وبعضهم ـ كالإسكافي ـ ذكر ذلك في مقام الحجاج والاحتجاج. ولو كان ثمة مجال لإنكار ذلك، لم يجرؤ على إيراده في مقام كهذا.
3 ـ وعن أبي عبد الله، عن أبيه "عليهما السلام"، قال: كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة، قتلهم علي بن أبي طالب عن آخرهم الخ..([203]).
ويمكن تأييد ذلك بما سيأتي إن شاء الله، من أن أمير المؤمنين "عليه السلام" قد قتل نصف بل أكثر قتلى المشركين في معركة أحد. لماذا التزوير؟!.
فإذا كان هذا هو الصحيح في هذه القضية، وإذا كنا نلاحظ كثيراً: أنهم في مقام تفصيلاتهم الأخرى في هذا المقام، وفي غيره أيضاً، يحاولون إعطاء كثير من الامتيازات لأولئك الذين لم تكن لهم علاقات حسنة بأهل البيت "عليهم السلام". بل كان لغالبهم عداوات كبيرة مع علي وأهل بيته، وعلاقات وثيقة بأعدائهم ومناوئيهم.
إذا كان كذلك، فإننا نستطيع أن نعرف سر محاولة صرف الأنظار هنا عن رجل الجهاد الحقيقي، الذي كان ولا يزال شوكة جارحة في أعين أعداء الدين الحق، الـذين يحـاربون الله ورسولـه بالسـلاح تارة، وبالكذب والدعـايـات المسمومة أخرى، وبالتحريف والتزوير ثالثة، وهكذا.
ومن الممكن أن يكون بعض ما ذكروه عن غير علي "عليه السلام" صحيحاً أيضاً، وأنهم قد قتلوا بعض المشركين.
ولكن من المؤكد: أنه لم يكن لهم دور بهذا المستوى المعروض فعلاً، ولا هم قتلوا أصحاب اللواء. ولكن مناوئي أهل البيت "عليهم السلام" قد بدلوا الأسماء كيداً منهم وحقداً.
ومن هنا فلا مانع من أن يكون أحدهم، وهو حمزة، قد قتل بطلاً من غير أصحاب اللواء من المشركين بأن ضربه بالسيف فقطع يده وكتفه، حتى بلغ مؤتزره، فبدا سحره (أي رئته)، ثم رجع، وقال: أنا ابن ساقي الحجيج([204]).
ولسوف يأتي إن شاء الله المزيد من الكلام فيما يرتبط بهذا الموضوع.
ه‍: مبارزة أبي بكر لولده:
ويقولون: إن أبا بكر دعا ابنه عبد الرحمن للبراز يوم أحد، وكان عبد الرحمن من أشجع قريش، وأشدهم رماية!!([205]).
فقال له النبي "صلى الله عليه وآله": "متعنا بنفسك، أما علمت أنك مني بمنزلة سمعي من بصري، فأنزل الله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لله وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ?([206])" ([207]).
وقد ذكرت قصة شبيهة بهذه لأبي بكر وابنه في يوم بدر أيضاً.
لكن فيها: أن عبد الرحمن هو الذي دعا أباه للبراز، ولكن لم يذكر فيها نزول الآية بهذه المناسبة([208]).
كما أن أكثر المصادر لم تذكر قوله: أما علمت أنك مني بمنزلة الخ..
وفي بعض السير: أن أبا بكر قال لولده يوم بدر وهو مع المشركين: أين مالي يا خبيث؟.
فقال له عبد الرحمن كلاماً معناه: أنه لم يبق إلا عدة الحرب، التي هي السلاح، وفرس سريعة الجري، وجنان يقاتل عليه شيوخ الضلال([209]).
ولنا على ما ذكر ملاحظات:
1 ـ أما بالنسبة لمال أبي بكر الذي طالب به ولده، فيرده قولهم: إن أبا بكر حمل ماله كله حين هاجر من مكة إلى المدينة، حتى إن أباه أبا قحافة لما جاء وسأل: إن كان أبقى لأهله شيئاً، اضطرت أسماء لأن تضع الحصى في كيس وتلمسه إياه على أنه نقود([210]) وقد تقدم بعض الحديث حول ثروة أبي بكر حين الكلام على قضية الغار، فليراجع ما ذكرناه هناك.
2 ـ وأما نزول الآية في أبي بكر في هذه المناسبة فلا ندري: هل نصدق هذا؟! أم نصدق قولهم: إن أبا بكر سمع والده أبا قحافة يذكر النبي "صلى الله عليه وآله" بشر؛ فلطمه لطمة سقط منها، فنهاه النبي "صلى الله عليه وآله" عن أن يعود لمثلها؟!.
فقال: والله، لو حضرني سيف لقتلته به فنزلت الآية([211]).
وهذا يعني أن الآية مكية وليست مدنية قد نزلت في أحد، لأن أبا قحافة قد بقي في مكة إلى حين الفتح.
كما أن هذا ينافي ما قيل في تفسير هذه الآية، من أن المراد: الدعوة إلى الحرب، أو إلى القرآن([212]).
ومقتضى ما ذكر في قصته: أنه دعاه لترك الحرب، وليبقى حياً ويمتعهم بنفسه.
3 ـ قال ابن ظفر في الينبوع: "لم يثبت أن أبا بكر دعا ابنه للمبارزة، وإنما هو شيء ذكر في كتب التفسير"([213]).
4 ـ ولما ذكر الجاحظ في عثمانيته هذه الحادثة متبجحاً بها، أجابه الإسكافي بقوله: "ما كان أغناك يا أبا عثمان عن ذكر هذا المقام المشهور لأبي بكر، فإنه لو تسمعه الإمامية لأضافته إلى ما عندها من المثالب، لأن قول النبي "صلى الله عليه وآله": (إرجع) دليل على أنه لا يحتمل مبارزة أحد، لأنه إذا لم يحتمل مبارزة ابنه، وأنت تعلم حنو الابن على الأب، وتبجيله له، وإشفاقه عليه، وكفه عنه، لم يحتمل مبارزة الغريب الأجنبي.
وقوله: (ومتعنا بنفسك) إيذان بأنه كان يقتل لو خرج، ورسول الله كان أعرف به من الجاحظ. فأين حال هذا الرجل من حال الرجل الذي صلي بالحرب، ومشى إلى السيف بالسيف، فقتل السادة والقادة، والفرسان والرجالة"؟!([214]).
5 ـ وأخيراً.. فإن عائشة تقول: ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، غير أن الله أنزل عذري([215]).
وحتى عذرها هذا لا يمكن أن يكون قد نزل فيها كما أثبتناه في كتابنا حديث الإفك، وفي الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب. فكيف تكون الآية قد نزلت بهذه المناسبة؟!.
هزيمة المشركين:
ويقولون: إنه لما قتل أصحاب اللواء، وانتكست راية المشركين، صاروا كتائب متفرقة، وصار أصحاب الثغرة يرمون المشركين، و "اقتتل الناس قتالاً شديداً، وأمعن في الناس حمزة، وعلي، وأبو دجانة في رجال من المسلمين، وأنزل الله نصره على المسلمين، وكانت الهزيمة"([216]).
وعلى حد تعبير الديار بكري: "وقاتل علي في رجال من المسلمين"([217]). وانهزم المشركون، واتبعهم المسلمون، يضعون السيف منهم حيث شاؤوا، حتى أجهضوهم، ووقعوا ينتهبون العسكر، ويأخذون ما فيه من الغنائم.
وقد روى كثير من الصحابة ممن شهد أُحداً، قال كل واحد منهم: والله، إني لأنظر إلى هند وصواحبها منهزمات، وما دون أخذهن شيء لمن أراده، ولكن لا مرد لقضاء الله([218]).
ويذكرون هنا أيضاً: أن سعد بن أبي وقاص قتل بطلاً آخر، رماه بسهم، ثم أخذ يسلبه درعه، فنهض إليه نفر، فمنعوه سلبه، وكان أجود سلب لمشرك درع فضفاضة، ومغفر، وسيف جيد، يقول سعد: "ولكن حيل بيني وبينه".
ويذكرون كذلك: أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، قد قتل أحد فرسان المشركين؛ فنذرت أم المقتول: أن تشرب في قحف رأس عاصم الخمر، وجعلت لمن جاءها به مئة من الإبل؛ فلما قتل يوم الرجيع، وأرادوا أن يأخـذوا لهـا رأسه حمته الدبـر ـ أي جمـاعة النحل والزنـابير ـ وثمـة تفصيلات أخرى تقال هنا لا مجال لتتبعها.
وسنتكلم عن قضية حماية الزنابير لرأس عاصم في الجزء التالي من هذا الكتاب إن شاء الله.
ونحن نشير هنا إلى ما يلي:
ألف: لماذا لم يُسْبَ من نساء قريش أحد؟!
ومع أن الفرصة كانت متاحة لسبي نساء قريش في أُحد، ولكن لم يسب أحد منهن.
بل نجد: أنه لم يسب لقريش أحد طيلة حروبها مع المسلمين في مدة عشر سنين. وهذا في الحقيقة لطف إلهي، ونعمة عظيمة على الإسلام وعلى المسلمين، وذلك:
أولاً: لأن سبي نساء قريش لسوف يوقع بعض المسلمين من المهاجرين في حرج نفسي واجتماعي، ربما تكون له آثار سيئة على موقعه في الإسلام والمسلمين. بل ربما يوجب ذلك حرجاً لبعض المسلمين من الأنصار من أهل المدينة أنفسهم، لأن العلاقات النسبية عن طريق التزويج كانت موجودة بين مكة والمدينة.
حتى إن بعض قتلى اللواء في أحد كانت أمهم أوسية.
ثم إن ذلك سوف يؤثر على موقف كثير من المكيين من الإسلام، رفضاً أو قبولاً؛ فإن دخولهم على مجتمع قد عاملهم هذه المعاملة القاسية، في أكثر القضايا حساسية، عاطفياً، واجتماعياً، "بل ربما توجب لهم ـ على حد فهمهم وزعمهم ـ عار الدهر" سوف يكون صعباً جداً، ولا سيما إذا كان لا بد أن يطلب منهم: التعامل مع هذا المجتمع بروح الصفاء، والمحبة والأخوة. وأنى يمكنهم ذلك بعد الذي كان؟
ثانياً: إنه إذا كان لم يسب لقريش أحد، ولم تستطع أن تنسى ثارات بدر، وأحد، وسائر المعارك. حتى إن حرب صفين ـ كما قالت أم الخير بنت الحريش ـ كانت لإحن بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية، وثب بها معاوية حين الغفلة؛ ليدرك ثارات بني عبد شمس([219]).
بل إن مجزرة كربلاء، وفاجعة قتل الإمام الحسين "عليه السلام" وأهل بيته وأصحابه، كانت لها دوافع بدرية، وإحن أحدية أيضاً، فقد قال اللعين يزيد بن معاوية:
لـيـت أشـيـاخـي بـبـدر شهـدوا جـزع الخـزرج مـن وقـع الأسـل
لأهـلـوا واسـتـهــلــوا فــرحــاً ثـم قــالوا: يــا يــزيـد لا تـشـل
قـد قـتـلـنـا الـقـرم من أشياخهم وعـدلـنـا مـيـل بــدر فـاعـتـدل
ولما وصل رأس الحسين "عليه السلام" إلى المدينة رمى مروان بالرأس نحو قبر النبي "صلى الله عليه وآله"، وقال: يا محمد يوم بيوم بدر([220]).
وقيل: إن الذي قال هذا هو الأشدق، كما في مثالب أبي عبيدة([221]).
هذا كله.. عدا عن واقعة الحرة، وسائر المواقف العدائية لقريش تجاه أهل البيت "عليهم السلام"، وأصحابهم، وشيعتهم. فلو أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان قد سبى أحداً من قريش؛ فما هي الحالة التي يمكن تصورها لزينب، وسبايا كربلاء؟! اللواتي تجرعن الغصص، وواجهن أفظع المصائب والبلايا، على يد يزيد الغادر الأثيم، وأعوانه، أعوان الشيطان؟!
ومع ذلك نجدهم يقولون: إنه إمام مجتهد، أو إنه كان مجتهداً متأولاً مخطئاً([222]).
مع أنهم يقولون بالتصويب في الاجتهاد. وهل ليزيد حظ من العلم، فضلاً عن نيل شرف الاجتهاد؟! فإنا لله وإنا إليه راجعون!!.
ب: مقارنة:
قال المعتزلي: "قلت: شتان بين علي وسعد، هذا يجاحش([223]) على السلب، ويتأسف على فواته، وذاك يقتل عمرو بن عبد ود يوم الخندق، وهو فارس قريش، وصنديدها، ومبارزه؛ فيعرض عن سلبه؛ فيقال له: كيف تركت سلبه، وهو أنفس سلب؟!
فيقول: كرهت أن أبز السبي ثيابه.
فكأن حبيباً [يعني أبا تمام الطائي رحمه الله] عناه بقوله:
إن الأسـود أسـود الـغـاب همتهـا يوم الكريهة في المسلوب لا السلب([224])
الهزيمة بعد النصر:
ويقولون: لما رأى أصحاب الثغرة المشركين قد انهزموا، وأن المسلمين يغنمون، اختلفوا، فبعضهم ترك الثغرة للغنيمة.
وفي معالم التنزيل: إنهم قالوا: نخشى أن يقول رسول الله "صلى الله عليه وآله": من أخذ شيئاً فهو له، ولا يقسم الغنائم ـ كما لم يقسمها يوم بدر([225]).
وقال بعضهم: وكانوا فوق العشرة، أو دونها ـ: لا نخالف أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله". ولما سأل رسول الله "صلى الله عليه وآله" التاركين لمراكزهم عن سبب ذلك، قالوا: تركنا بقية إخواننا وقوفاً، قال "صلى الله عليه وآله": بل ظننتم: أنا نغل؛ فلا نقسم لكم. فأنزل الله تعالى: ?وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ?([226]) الآية.
وقال بعضهم: وأنزل الله: ?مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ?([227]).
فلما رأى خالد قلة من على الثغرة، وخلاء الجبل، واشتغال المسلمين بالغنيمة، ورأى ظهورهم خالية، صاح في خيله، فمر بهم، وتبعه عكرمة في جماعة؛ فحملوا على من بقي في الثغرة؛ فقتلوهم جميعاً، ثم حملوا على المسلمين من خلفهم. ورأت قريش المنهزمة عودة رجالها للحرب، ورفعت الحارثية لواءهم الذي كان ملقى على الأرض؛ فعادوا إلى الحرب من جديد.
وإذا كان المسلمون قد تفرقوا، وانتقضت صفوفهم، ولم يعودوا صفاً واحداً كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضاً، وفقدوا الارتباط بقيادتهم الحكيمة، وهم في طلب المغنم، فمن الطبيعي أن لا يتمكنوا من مقاومة هذه الحملة الضارية، وأن يضيعوا بين أعدائهم، فكان هم كل واحد منهم أن ينجو بنفسه فقد "أهمتهم أنفسهم" على حد تعبير القرآن الكريم. لا سيما وأن أحد المشركين قد قصد مصعب بن عمير وهو يذب عن رسول الله، فظن أنه الرسول فقتله، فيقال: إن اللواء كان معه، فأخذه أبو الروم.
ويقال: بل أخذه ملك في صورة مصعب.
والذي عليه المحققون: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أعطاه علياً "عليه السلام"، وقد قدمنا أن الظاهر: هو أن هذا اللواء خاص، وليس هو لواء الجيش، الذي كان مع علي "عليه السلام".
ونادى قاتل مصعب ـ أو غيره ـ: أن محمداً قد قتل؛ فازداد المشركون جرأة، وهُزم المسلمون الذين لم يستطيعوا جمع شملهم، ولم شعثهم. وثبت علي "عليه السلام" وحده معه "صلى الله عليه وآله"، يدافع عنه.
وخلص العدو إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكلمت شفته، وشج في وجهه، ونشبت حلقتان من الدرع في وجهه الشريف، ودث بالحجارة، حتى وقع لشقه. كذا يقولون.
ويقولون أيضاً: إن أبا عبيدة هو الذي انتزع حلقتي الدرع من وجهه الشريف فسقطت ثنيتاه، فكان أحسن الناس هتماً.
وقيل: بل انتزعهما أبو بكر.
وقيل: طلحة.
وقيل: عقبة بن وهب([228]).
ولا بد أن يكون انتزاعهما بعد عودة المسلمين من هزيمتهم، كما سنرى. كما أن الذي كسر رباعيته "صلى الله عليه وآله" لم يولد له ولد، إلا وابتلي بالهتم، كما يقال.
تصحيح وتوضيح:
وقد تصدى الإمام الصادق "عليه السلام" لتصحيح بعض ما كان يشاع حول أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ترك موضعه وتراجع حتى بلغ الغار الذي في جبل أحد، فأوضح "عليه السلام" أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يتزحزح من موقفه ولم يتراجع قيد شعرة.
كما أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن قد نقص من خلقته شيء، ولم تكسر رباعيته، فقد روي عن الإمام الصادق "عليه السلام": أنه قد رد ذلك، فقد قال له الصباح بن سيابة: "كسرت رباعيته كما يقول هؤلاء؟!.
قال: لا والله، ما قبضه الله إلا سليماً، ولكنه شج في وجهه.
قلت: فالغار في أحد الذي يزعمون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" صار إليه؟!.
قال: والله، ما برح مكانه.
وقيل له: ألا تدعو عليهم؟
قال: اللهم اهد قومي الخ.."([229]).
ولعلهم أرادوا بذلك أن يثبتوا الهزيمة للنبي ليخف العار عن المنهزمين الذين يحبونهم.
الرسول ' يدعوهم في أخراهم:
وحين هزم المسلمون، جعل الرسول "صلى الله عليه وآله" يدعوهم في أخراهم: إلي عباد الله، إلي عباد الله، إلي يا فلان، إلي يا فلان ، وهم يصعدون ولا يلوون، ولا يعرج عليه أحد، والنبل يأتي إليه من كل ناحية.
واستمروا في هزيمتهم حتى الجبل، وفيهم: أبو بكر، وعمر، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهم. أما عثمان فقد استمر في هزيمته ثلاثة أيام، وستأتي نصوص ذلك كله بعد صفحات إن شاء الله تعالى.
علي × وكتائب المشركين:
وحين انهزم الناس غضب "صلى الله عليه وآله"، ونظر إلى جنبه، فإذا علي "عليه السلام"؛ فقال: ما لك لم تلحق ببني أبيك؟!
فقال "عليه السلام": يا رسول الله، أكفر بعد إيمان؟! إن لي بك أسوة([230]).
ويقول النص التاريخي: كان الذي قتل أصحاب اللواء علي، قاله أبو رافع. وصارت تحمل كتائب المشركين على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فيقول: يا علي، اكفني هذه؛ فيحمل عليهم، فيفرقهم، ويقتل فيهم.
حتى قصدته كتيبة من بني كنانة، فيها بنو سفيان بن عويف الأربعة فقال له "صلى الله عليه وآله": اكفني هذه الكتيبة، فيحمل عليها، وإنها لتقارب خمسين فارساً، وهو "عليه السلام" راجل، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه هكذا مراراً حتى قتل بني سفيان بن عويف الأربعة وتمام العشرة منها، ممن لا يعرف بأسمائهم فقال جبريل "عليه السلام": يا محمد، إن هذه المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى!
فقال "صلى الله عليه وآله": وما يمنعه، وهو مني وأنا منه؟!
فقال جبريل: وأنا منكما. ثم سمع مناد من السماء:
لا ســيــف إلا ذو الــفــقـــــار ولا فــــتـــى إلا عـــــــــــلي
فسئل "صلى الله عليه وآله" عنه؛ فقال: هذا جبريل([231]).
قال المعتزلي: "..قلت: وقد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين، وهو من الأخبار المشهورة، ووقفت عليه في بعض نسخ مغازي محمد بن إسحاق، ورأيت بعضها خالياً منها، وسألت شيخي عبد الوهـاب بن سكينة رحمه الله عن هذا الخبر، فقال: هذا الخبر صحيح الخ.."([232]).
وبعد أن صد أمير المؤمنين "عليه السلام" تلك الكتائب لم يعد منهم أحد([233]).
وأصيب أمير المؤمنين بجراح كثيرة، قال أنس بن مالك: أتي رسول الله "صلى الله عليه وآله" بعلي "عليه السلام" يومئذٍ وفيه نيف وستون جراحة، من طعنة، وضربة، ورمية. فجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يمسحها وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن([234]).
وقبل أن نتابع حديثنا نسجل ما يلي:
ألف: استشهاد حمزة رضوان الله عليه:
وبعد قتل أصحاب الألوية، واشتداد الحرب، قال وحشي: والله، إني لأنظر إلى حمزة يهد الناس هداً، بسيف ما يبقي شيئاً، مثل الجمل الأورق. فاختبأ وحشي خلف شجرة، أو حجر، ورصد حمزة حتى مر عليه، بعد قتله سباع بن عرفطة بن عبد العزى، وقبله أبا نيار، فأتاه من ورائه([235]) فدفع عليه حربته، فأصابت ثنته.. فأقبل حمزة نحوه، فغلب، فوقع؛ فلما مات جاءه وحشي، وأخذ حربته، وشغل المسلمون عن وحشي بهزيمتهم([236]).
ورجع وحشي إلى العسكر، ومكث فيه، ولم يكن له بغيره حاجة. وأعطته هند ثوبها وحليها، ووعدته عشرة دنانير بمكة.
نعم، عشرة دنانير لقاتل أسد الله وأسد رسوله!!.
استطراد حول وحشي:
ولما عاد وحشي إلى مكة أعتق.
ويقال: إنه ندم على ما فعل، لأنه لم يعتق([237]).
فلما كان فتح مكة هرب إلى الطائف؛ فقيل له: "ويحك، إنه والله لا يقتل أحداً من الناس دخل دينه" فذهب مع الوفد إلى المدينة. وقبل أن يقع نظر النبي "صلى الله عليه وآله" عليه شهد شهادة الحق.
فلما رآه النبي "يقال: إنه طلب منه: أن يحدثه كيف قتل حمزة، ففعل" وقال له "صلى الله عليه وآله": غيب وجهك عني، فكان يتنكبه حيث كان؛ لئلا يراه حتى قبضه الله([238]).
قال ابن اسحاق: فبلغني: أن وحشياً لم يزل يحد في الخمر حتى خلع من الديوان.
فكان عمر بن الخطاب يقول: قد علمت: أن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة. ثم مات غريقاً في الخمر([239]).
ونعلق على ما تقدم بأمور:
الأول: قد يقال: إن كلمة عمر في حق وحشي تشير إلى أن الله تعالى سوف يخذل قاتل حمزة، ولا يمده بالتوفيقات والعنايات والألطاف؛ بل يطبع على قلبه بما عصى واعتدى.
ولكن الحقيقة هي خلاف هذا التوجيه، فإن عمر ـ على ما يظهر ـ كان يذهب إلى أبعد من ذلك، فهو يقول: إن الله سوف لا يدع قاتل حمزة، بل سوف يلاحقه في كل مكان لينتقم منه بصورة مباشرة، وسوف لا يدعه وشأنه، ولن يفسح له المجال لإصلاح نفسه، ولعمل الخير، وملازمة التقوى.
إذاً، فشرب وحشي للخمر هو نتيجة لهذا التصميم الإلهي على الانتقام من هذا الرجل.
ومعنى ذلك: هو أن شربه للخمر كان من فعل الله سبحانه، ووحشي كان مجبوراً على ذلك.
نقول هذا: لأن لدينا الكثير من الدلائل والشواهد على أن عمر كان لا يزال يعتقد بالجبر الإلهي، وأن جهود النبي "صلى الله عليه وآله" لم تفلح في قلع هذه الرواسب من نفسه، ونفوس الكثيرين ممن كانوا قد عاشوا في الجاهلية، وتربوا على مفاهيمها وأفكارها.
وقد ذكرنا طائفة من النصوص والمصادر لهذا الموضوع في كتابنا: "أهل البيت في آية التطهير"، أواخر الفصل الخامس من القسم الأول.
والذي نعتقده وهدانا إليه القرآن والإسلام والعقل، هو أن الله تعالى لم يكن ليجبر عباده على شيء، وإنما هم يعصون ويطيعون بملء اختيارهم. ولسنا هنا بصدد تحقيق ذلك.
الثاني: إن وحشياً قد أسلم، لأن من عادة النبي "صلى الله عليه وآله" أن لا يقتل أصحابه، كما أنه لما طلب عمر من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يقتل ابن أبي المنافق، أجابه "صلى الله عليه وآله": دعه، لا يتحدث الناس: أن محمداً يقتل أصحابه([240]).
ولما رجعوا من أحد إلى المدينة، وأرجف بهم المنافقون، وأظهروا الشماتة، طلب عمر بن الخطاب من النبي "صلى الله عليه وآله": أن يأمره بقتلهم، فرفض "صلى الله عليه وآله" ذلك؛ لأنه مأمور أن لا يقتل من يتشهد الشهادتين([241]).
وحين كان "صلى الله عليه وآله" يقسم مالاً، اعترض عليه أحدهم بأنه لا يعدل، فغضب "صلى الله عليه وآله" حتى احمرت وجنتاه، فقال: ويحك فمن يعدل إذا لم أعدل؟!.
فقال أصحابه: ألا تضرب عنقه؟.
فقال: لا أريد أن يسمع المشركون أني أقتل أصحابي([242]).
وقد قال "صلى الله عليه وآله" ذلك أيضاً حين أراد عبد الله بن عبد الله بن أبي أن يقتل أباه فراجع([243]).
نعم، وهذه هي الخطة الحكيمة والصحيحة، لأن قتله لأصحابه، معناه:
1 ـ أن لا يرغب أحد بعد في الدخول في الإسلام لأنه لا يرى فيه عصمة لنفسه، ولا يطمئن لمستقبله ووجوده. كما أن من دخل فيه يجد نفسه مضطراً للتخلي عنه، واختيار طريق الردة، فيما لو صدر منهم أي عمل سيئ أحياناً له مساس بالحالة العامة، أو بشخص النبي "صلى الله عليه وآله" دون ما يقع في نطاق التعدي على حقوق الآخرين وحرماتهم.
2 ـ أن يفسح المجال أمام أعداء الإسلام للقيام بحملة دعائية ضده، ومنع الناس من التعرف عليه والاهتداء بهديه، حيث يطعن أعداؤه عليه بأنه "صلى الله عليه وآله" كسائر الملوك الذين يستفيدون من الناس حتى يحققوا أهدافهم، ثم يقتلون من ناصرهم على الظن والتهمة.
3 ـ إن ذلك ربما يدفع ضعفاء النفوس ممن أظهروا الإسلام إلى التخلي عنه، ابتعاداً بأنفسهم عن مواطن الخطر بزعمهم.
4 ـ أضف إلى ما تقدم: أن ذلك منه "صلى الله عليه وآله" لربما يتخذ من قبل حكام الجور والانحراف ذريعة لقتل الأبرياء، والتخلص من خصومهم السياسيين، ثم يحتجون بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد فعل ذلك.
5 ـ كما أنه لا يبقى مجال للتعصبات القبلية، التي ربما تؤدي إلى خروج قبيلة بكاملها من الإسلام. ولعله لأجل ذلك نجد أبا سفيان لا يثأر لأبي أزيهر الدوسي، وكان في جواره، ومنع ولده من ذلك أيضاً، وقال له: "أتريد أن تفرق بين قريش؛ فيقوى علينا محمد؟ لعمري ما بدوس عجز عن طلب ثأرهم"([244]).
6 ـ هذا كله، عدا عن أنه "صلى الله عليه وآله" لو فعل ذلك، لخسر أبناء المقتولين، وإخوانهم، وكثيراً من عشائرهم، وأصبحت علاقاتهم به لا تقوم على أساس الحب، بل على أساس الخوف من سلطانه، الأمر الذي سوف يدفع الكثيرين منهم للبحث عن منافذ للفرار، والتخلص من هيمنة رجل قتل أحباءهم بالأمس، ولربما تصل النوبة إليهم اليوم أو غداً.
الثالث: إن موقف الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" من وحشي، وقوله له: غيب وجهك عني، إن دل على شيء؛ فإنما يدل على أن وحشياً لم يكن مسلماً حقاً؛ إذ لا يمكن أن يقول النبي "صلى الله عليه وآله" ذلك لمسلم مؤمن؛ بسبب ما كان قد ارتكبه حين كفره، فإن الإسلام يجب ما قبله. وعليه فإن التشهد بالشهادتين، وإن حقن دم وحشي، إلا أنه إنما أسلم حينما رأى البأس، بعد أن أهدر النبي "صلى الله عليه وآله" دمه. فإسلامه وإيمانه لا ينفعه؛ لأنه في الحقيقة لم يكن مستنداً إلى الاختيار، ولا إلى القناعة الوجدانية والعقلية بهذا الدين.
وأعتقد: أنه لولا شبهة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" إنما قتل مسلماً، وما سوف يوجب ذلك من تبلبل في الأفكار ، ومن ضرر على الإسلام؛ لكان للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يقتله. وإن أعماله الشنيعة والقبيحة، وسيرته الخبيثة بعد ذلك لتدل دلالة واضحة على أنه لم يسلم، وإنما استسلم، تماماً كما كان الحال بالنسبة لطلقاء مكة، أبي سفيان وأصحابه.
ب: هل يدعو النبي ' على قومه؟!:
وقد رووا عن أنس: أن النبي "صلى الله عليه وآله" جعل يمسح الدم عن وجهه، ويقول: "كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم، وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله تعالى: ?لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ?([245])"([246]).
وقيل: إنه "صلى الله عليه وآله" جعل يلعن أبا سفيان، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحرث بن هشام ـ وأضافت بعض الروايات: عمرو بن العاص ـ فنزلت الآية، فتيب عليهم كلهم([247]).
وقيل: إنه "صلى الله عليه وآله" همّ أن يدعو عليهم، فنهاه الله تعالى بهذه الآية؛ لعلمه بأن فيهم من يؤمن، فكف عن الدعاء عليهم([248]).
ونحن نشك في صحة ما تقدم، وذلك لما يلي:
1 ـ تناقض الروايات المتقدمة.
2 ـ إنهم يقولون: "إن سبب نزول الآية هو: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يقنت في صلاته بعد الركوع، ويدعو على مضر، وفي صلاة الفجر يدعو على بعض الأحياء العربية، فنزل قوله تعالى: ?لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ?([249])"([250]).
وسيأتي ذلك في الجزء الآتي صفحة 329 من هذا الكتاب في فصل القنوت والدعاء على القبائل.
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يلعن فلاناً وفلاناً من المنافقين، فأنزل الله سبحانه الآية([251]).
وفي أخرى: أن الآية قد نزلت، حينما أساء رجل من قريش الأدب مع النبي "صلى الله عليه وآله"، حيث كشف عن أسته بحضرته، فدعا عليه "صلى الله عليه وآله" ثم أسلم، فحسن إسلامه([252]).
3 ـ إنهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد قال حين شج في وجهه: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون([253]).
4 ـ وأخيراً لو كانت الآية المباركة المذكورة نازلة رداً على النبي "صلى الله عليه وآله"، لم يبق ثمة مناسبة بينها وبين الآية التي قبلها.
ولم يمكن تفسير هذه الآية تفسيراً معقولاً ومقبولاً، وخصوصاً قوله تعالى: ?أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ?، فإنه عطف على الآية قبلها، والآيتان هما:
?لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ، لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ، وَلله مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء?([254]).
والمعنى: أن نصر الله لكم ببدر، وإمداده لكم بالملائكة، وغير ذلك من أمور، إنما هو ليقطع الله منهم طرفاً، ويقلل عدتهم بالقتل والأسر، أو ليخزيهم ويغيظهم، أو ليتوب عليهم، أو ليعذبهم.
فأما القطع والكبت؛ فلأن الأمر إليه (أي إلى الله) لا لك يا محمد، لتمدح أو تذم، وقد ذكر هذا بنحو الجملة الاعتراضية بين الأقسام المتقدمة.
وأما التوبة والعذاب؛ فلأن الله هو المالك لكل شيء؛ فيغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء([255]).
فلا ربط للآية إذاً بالكلام المنسوب إلى النبي "صلى الله عليه وآله". ولو كان الكلام منفصلاً عما قبله كما تقتضيه الروايات المتقدمة، لورد سؤال: إن قوله: ?أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ? معطوف على ماذا؟!([256]).
هذا، ويجب أن لا ننسى أن ثمة يداً تحاول أن تثبت الإيمان للأربعة المتقدم ذكرهم، وهم: أبو سفيان، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو، والحرث بن هشام ـ ولغيرهم من أعوانهم ـ ممن صارت السلطة فيما بعد إلى قومهم وأبنائهم. مع أنهم من الطلقاء والمنافقين المؤلفة قلوبهم، ومع أنه قد صدرت منهم أمور تدل على أنهم لم يسلموا، وإنما استسلموا كما سنذكره عن خصوص أبي سفيان في أواخر غزوة أحد إن شاء الله تعالى.
استطراد هام:
ومما يلفت النظر هنا قولهم المتقدم: إنه "صلى الله عليه وآله" جعل يلعن صفوان وأبا سفيان الخ.. فنزلت الآية، فتيب عليهم كلهم.
وأعجب من ذلك: أن نجد ابن كثير يدَّعي، بالنسبة لدعاء النبي "صلى الله عليه وآله" على معاوية بقوله: "لا أشبع الله بطنه، قال: فما شبع بعدها"([257]): ـ يدَّعي ـ أن معاوية قد انتفع بهذا الحديث دنياً وآخرة: أما في الدنيا فكان بعدما يأكل الكثير يقول: والله ما أشبع وإنما إعياء، وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.
وأما في الآخرة، فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري، وغيرهما من غير وجه، عن جماعة من الصحابة:
أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: اللهم إنما أنا بشر، وفي رواية: اللهم إنما محمد بشر يغضب كما يغضب البشر فأيما عبد سببته، أو جلدته، أو دعوت عليه، وليس لذلك أهلاً، فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة.
وفي نص: سببته أو لعنته أو جلدته، فاجعلها له زكاة ورحمة.
أو: فاجعل ذلك له قربة إليك([258]).
قال ابن كثير: فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية، ولم يورد له غير ذلك([259]).
وثمة نصوص منقولة عن مصادر كثيرة حول شبع بطن معاوية لا مجال لإيرادها هنا. وقد علق عليها العلامة الأميني بما هو مفيد فليراجع([260]).
أما نحن فنكتفي هنا بالإشارة إلى الحديث الآخر، فنسجل ما يلي:
1 ـ روي عنه "صلى الله عليه وآله" أنه قال: المؤمن لا يكون لعاناً([261]) وقال، وقد أبى الدعاء على المشركين: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة([262])، فلم يلعنهم ولا دعا عليهم.
وقال "صلى الله عليه وآله" لما لعنت جارية ناقتها: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة([263])، وروي عنه "صلى الله عليه وآله" ما هو قريب من ذلك حينما سمع رجلاً لعن ناقته([264]).
وقال سلمة بن الأكوع: كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه، رأينا أن قد أتى باباً من الكبائر([265]).
وجاء في اللعنة أحاديث كثيرة لا مجال لتتبعها([266]).
2 ـ وقد ذكر في الرواية: السباب. مع أنه "صلى الله عليه وآله" قال: سباب المؤمن فسوق.
وقال "صلى الله عليه وآله": المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان. وغير ذلك([267]).
3 ـ وأما أن النبي بشر يرضى ويغضب، فإنه "صلى الله عليه وآله" هو نفسه قال لعبد الله بن عمرو: أكتب عني في الغضب والرضا، فوالذي بعثني بالحق نبياً، ما يخرج منه إلا حق، وأشار إلى لسانه([268]).
4 ـ وكان "صلى الله عليه وآله" كما وصفه أمير المؤمنين لا يغضب للدنيا؛ فإذا أغضبه الحق، لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له([269]).
5 ـ وعنه "صلى الله عليه وآله": المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده([270]).
6 ـ وروى البخاري في كتاب الأدب: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن سبَّاباً، ولا فحَّاشاً، ولا لعَّاناً([271]).
7 ـ وقد قال تعالى: ?وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً?([272]).
وبعد هذا فإننا نعرف: أنه لا قيمة لقولهم: إن من خصائصه "صلى الله عليه وآله" جواز لعن من شاء بغير سبب([273]).
قال المظفر "رحمه الله": نعم ربما يلعن بعض المنافقين وفراعنة الأمة، الذين ينزون على منبره نزو القردة، لكشف حقائقهم؛ إذ يعلم بابتلاء الأمة بهم، كبني أمية الشجرة الملعونة في القرآن. لكن أتباعهم وضعوا الحديث الذي صيروا فيه اللعنة زكاة، ليعموا على الناس أمرهم، ويجعلوا لعن النبي "صلى الله عليه وآله" لهم لغواً، ودعاءه على معاوية بأن لا يشبع الله بطنه باطلاً، فجزاهم الله تعالى عن نبيهم ما يحق بشأنهم([274]).
ولا تذهب نفسك عليهم حسرات:
ومما يلفت النظر هنا: أننا نجد النبي "صلى الله عليه وآله"، مع ما نالته به قريش، كان يقول ـ وفي تلك اللحظات بالذات ـ: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون. وما ذلك إلا لأنه رجل هادف، وطبيب دوار بطبه، لا يكرههم، ولا يعاديهم، لأنهم عدو، وإنما هو يكره كفرهم، وانحرافهم، وأعمالهم الشاذة، التي تعود أولاً وأخيراً بالدمار عليهم وعلى إخوانهم من بني الإنسان. ولقد كان يذوب حسرة وشفقة عليهم، حتى عاتبه الله تعالى بقوله: ?فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ?([275]).
نعم، إن النبي "صلى الله عليه وآله" يرأف بعدوه، وتذهب نفسه حسرات عليه، ويهتم ويبذل كل غال ونفيس في سبيل إنقاذه.
وليس أشد على الإنسان من أن يعيش قضية شخص، ويعيش مشكلته، ويبذل كل ما في وسعه من أجل إنقاذه، وإذا به يرى ذلك الغير يعاديه ويعلن الحرب عليه، ويعمل على قتله، من أجل أن يحتفظ بذلك الانحراف بالذات، وفي سبيل الإبقاء على تلك المشاكل نفسها.
ومن أجل ذلك احتاج الأنبياء إلى أعظم مراتب الصبر، كما يظهر من الآيات القرآنية.
وقد أشرنا من قبل إلى أنه في حرب الجمل، حينما حارب علي "عليه السلام" البغاة، خرج صائح يحذر جيش عائشة من سيف الأشتر، وجندب بن زهير([276]).
ونرى: أن هذا الصائح إنما فعل ذلك عن رأي علي "عليه السلام" ورضاه، لأنه يريد إعلاء كلمة الله تعالى بأقل قدر ممكن من الخسائر؛ لأنه يحب لهم الهداية، ولا يريد أبداً لهم الضلالة والغواية.
وكان "عليه السلام" ـ كأخيه ـ تذهب نفسه حسرات عليهم، كما يظهر من كلماته المرة المعبرة عن غصته وآلامه. هذا، عدا عن أن ذلك من أساليب الحرب النفسية، التي تعجل في كسر شوكتهم، وتحطيم كبريائهم.
لم يثبت في أحد غير علي ×:
وأما عن الذين ثبتوا يوم أُحد، فنجد الروايات مختلفة جداً، وتذكر أرقاماً متعددة من واحد إلى ثلاثين.
والصحيح هو أن علياً "عليه السلام" وحده هو الذي ثبت يوم أحد، وفر الباقون. ويدل على ذلك:
1 ـ قال القوشجي، بعد أن ذكر قتل علي "عليه السلام" لأصحاب اللواء: فحمل خالد بن الوليد بأصحابه على النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فضربوه بالسيوف، والرماح، والحجر، حتى غشي عليه، فانهزم الناس عنه سوى علي "عليه السلام"، فنظر النبي "صلى الله عليه وآله" بعد إفاقته، وقال: اكفني هؤلاء، فهزمهم علي عنه، وكان أكثر المقتولين منه([277]).
2 ـ وقد قالوا: كان الفتح يوم أحد بصبر علي (رض)([278]).
وقد يقال: إن هذا النص لا يدل على فرارهم، وإنما هو يدل على عظيم جهاد علي "عليه السلام" وصبره..
3 ـ عن ابن عباس، قال: لعلي أربع خصال، هو أول عربي وعجمي صلى مع النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو الذي كان لواؤه معه في كل زحف، وهو الذي صبر معه يوم المهراس (أي يوم أُحد)، انهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غسله وأدخله قبره([279]).
4 ـ ما سنذكره ـ بعد الحديث عن موقف علي ـ من أن من يذكرونهم: أنهم ثبتوا؛ لا ريب في فرارهم، كما تدل عليه النصوص.
وقبل أن نشير إلى هذه الناحية لا بد من إلماحة موجزة إلى ما يمكن أن يقال حول ثبات علي "عليه السلام" في هذا الموقف.
إنه مني وأنا منه:
إن قول النبي "صلى الله عليه وآله" عن علي "عليه السلام": إنه مني وأنا منه، لا بد أن نتدبر معناه ومغزاه.
وهو قريب من قوله "صلى الله عليه وآله": حسين مني وأنا من حسين.
ولعل المراد: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" هو من شجرة النبي، وسائر الناس من شجر شتى، هذه الشجرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء. وهو "عليه السلام" من طينة رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لحمه لحمه، ودمه دمه. وهو من النبي "صلى الله عليه وآله" سلوكاً، وعقيدة، ومبدأ، ونضالاً، وأدباً، وخلوصاً، وصفاء، الخ..
كما أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي صنع علياً، وعلمه، وثقّفه، وأدّبه. ومن الجهة الأخرى، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" أيضاً من علي، حيث إن الوجود الحقيقي للنبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" إنما هو بوجود دينه، ومبدئه، وفكره، وعقيدته، وسلوكه، ومواقفه؛ فهذا النبي هو من علي، وعلي "عليه السلام" هو الذي سوف يبعثه من جديد من خلال إحيائه لمبادئه، وفضائله، وآدابه، وعلومه، وغير ذلك.
وهكذا كان؛ فلولا علي "عليه السلام" لم يبق الإسلام، ولا حفظ الدين.
حتى إننا نجد أحدهم يصلي خلف علي "عليه السلام" مرة؛ فيقول: إنه ذكره بصلاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"([280]).
هذه الصلاة التي لم يبق منها إلا الأذان، وحتى الأذان فإنهم قد غيروه([281]).
ويلاحظ هنا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قدم قوله: (إنه مني)، تماماً كما قدم قوله: "حسين مني"، لأن صناعة النبي "صلى الله عليه وآله" لهم سابقة على إحيائهم لدينه. فثقافة، وفكر، ونفسية، ودين، وخصائص، وآداب النبي "صلى الله عليه وآله"، لسوف يبعثها علي والحسين "عليهما السلام"؛ وهكذا العكس.
ومن هنا صح للنبي "صلى الله عليه وآله" أن يقول: أنا وأنت يا علي أبوا هذه الأمة([282]).
كما أنه ليس من البعيد أن يكون جبرئيل قد كان يستفيد ويتعلم من النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي "عليه السلام"، ولأجل ذلك قال: وأنا منكما. وقد ناشدهم أمير المؤمنين بهذه القضية بالذات في قضية الشورى([283])، وذلك يؤكد مغزاها العميق، ومدلولها الهام.
لا سيف إلا ذو الفقار:
وإن مناداة جبرئيل بـ "لا سيف إلا ذو الفقار الخ.." لها مغزى عميق أيضاً، فإنها تأتي تماماً في مقابل ما فعله الذين فروا وجلسوا يتآمرون ـ هل يرسلون ابن أبي لأبي سفيان ليتوسط لهم عنده؟
أم أن كونهم من قومهم، وبني عمهم يجعلهم لا شيء عليهم، أم يرجعون إلى دينهم الأول؟ ـ كما سيأتي ـ فإن كل ذلك يدل على أن الذي كان سيفه خالصاً لله حقاً هو أمير المؤمنين "عليه السلام" فإنه لا سيف خالصاً لله، وفي سبيل الله، إلا سيفه ذو الفقار.
وهذا السيف هو الذي قال عنه أمير المؤمنين "عليه السلام" في رسالته إلى بعض عماله، يتهدده على تلاعبه بأموال الأمة، مشيراً إلى هذا: "ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحداً إلا دخل النار"([284]). لأنه لا يقتل به إلا مستحقها، ولأجل هذا صار لهذا السيف شرف ومجد، وتفرد بين سائر السيوف بأنه في يد علي الذي هو نفس النبي "صلى الله عليه وآله".
كما أن أمير المؤمنين "عليه السلام" هو الذي كان الله ورسوله، وجهاد في سبيله، أحب إليه من كل شيء حتى من نفسه؛ وجراحه الكثيرة جداً شاهد صدق على ذلك.
أما غير علي "عليه السلام"، فقد كانت نفسه ـ بدرجات متفاوتة طبعاً ـ أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله. ولأجل ذلك تخلى عن كل ذلك، حينما رأى نفسه تلك في خطر. بل لقد هم بعضهم بأن يتخلى حتى عن دينه، حيث قال: "إرجعوا إلى دينكم الأول"!.
بل نجد البعض يرى: أن عشيرته الكافرة أحب إليه من الله ورسوله، وجهاد في سبيله، ومن دينه؛ فنراه يقول: "نلقي إليهم بأيدينا، فإنهم قومنا وبنو عمنا"([285]).
ويلاحظ: أن أكثر ذلك الكلام قد كان من المهاجرين على وجه العموم!!. كما أن أولئك كلهم لا فتوة لهم، ولا رجولة عندهم.
وعلي "عليه السلام" وحده هو الفتى، لأنه يملك نفسه، ولا تملكه نفسه، أما هم، فإن نفوسهم تملكهم؛ فتهلكهم.
ولعل مما يشير إلى ما ذكرنا: أننا نجد الله تعالى يؤكد في الآيات النازلة في أحد على أنه قد كان ثمة اتجاه إلى امتحان أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله" هؤلاء، وتمحيصهم. ثم هو يبين لهم مدى ارتباطهم بنبيهم الأعظم "صلى الله عليه وآله" ويبين لهم: أن أمر هذا النبي "صلى الله عليه وآله" لا يهمهم، بل هو إن مات أو قتل انقلبوا على أعقابهم.
ونحن نكتفي هنا بذكر الآيات التالية:
?إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ، أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ، وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ..?([286]).
وخلاصة الأمر: أننا نجد هؤلاء يفرون هنا، ولا يثبت إلا علي "عليه السلام"، ويتركون النبي "صلى الله عليه وآله" عرضة للشدائد والبلايا، وعلي "عليه السلام" وحده هو الذي يثبت، ويدفع عن هذا الرسول "صلى الله عليه وآله"، ويرد عنه، تماماً كما كان "عليه السلام" في بدر يحارب، ثم يرجع ليتفقد الرسول "صلى الله عليه وآله" كما تقدم.
والدليل على أنهم قد أهمتهم أنفسهم، ولم يهتموا بحفظ نفس الرسول: أننا نجدهم ـ بعد سنوات ـ لا يعنيهم موت الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" في قليل ولا كثير، حتى لقد أخرج ابن سعد، عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع، قال: جاء علي بن أبي طالب يوماً متقنعاً متحازناً، فقال له أبو بكر: أراك متحازناً.
فقال علي: إنه عناني ما لم يعنك!!.
قال أبو بكر: اسمعوا ما يقول، أنشدكم الله، أترون أحداً كان أحزن على رسول الله "صلى الله عليه وآله" مني؟!([287]).
فإن علياً لم يكن يراهم محزونين على النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا مهتمين بأمره، ولا حتى حين وفاته، بل لم يكن يعنيهم أمره أصلاً، حتى اضطر أبو بكر إلى هذا الاستشهاد لإنقاذ موقفه. ولا بد أن يكون قد استشهد من هم على رأيه، وعلى مثل موقفه، من المقربين إليه.
بل نجد النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه يلمح للصحابة: أن غيرهم يحبه أكثر منهم.
فقد روي أنه قال: إن قوماً يأتون من بعدي، يود أحدهم أن يفتدي رؤيتي بأهله وماله([288]).
بل إننا نجده "صلى الله عليه وآله" يفضل الذين يأتون بعده ولم يروه على أصحابه، كما يظهر من عدد من الروايات([289]).
الفارون في أحد:
ومما يدل على أنه لم يثبت غير علي "عليه السلام": أن من تحاول بعض الروايات التأكيد على ثباتهم لا ريب في فرارهم، فيلاحظ التعمد والإصرار على ثبات طلحة، وسعد بن أبي وقاص، وغيرهما. ونكتفي هنا بذكر عبارة الشيخ الطوسي رحمه الله، حيث قال:
"ذكر البلخي: أن الذين بقوا مع النبي "صلى الله عليه وآله" يوم أحد، فلم ينهزموا ثلاثة عشر رجلاً، خمسة من المهاجرين: علي "عليه السلام"، وأبو بكر، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والباقون من الأنصار. فعلي وطلحة لا خلاف فيهما، والباقون فيهم خلاف"([290]).
وفي نص آخر: "أفرد النبي "صلى الله عليه وآله" في تسعة، سبعة من الأنصار ورجلين من قريش".
ثم ذكر أن السبعة من الأنصار قد قتلوا أيضاً([291]).
ورغم ذلك كله نقول: لا ينبغي الريب في أن علياً "عليه السلام" وحده هو الذي ثبت وفر الباقون جميعاً؛ حتى طلحة وغيره. ولبيان ذلك، نقول:
فرار سعد:
إن مما يدل على فرار سعد:
1 ـ ما تقدم من أنه لم يثبت سوى علي "عليه السلام".
2 ـ عن السدي: لم يقف إلا طلحة، وسهل بن حنيف([292]).
ولعل عدم ذكر علي "عليه السلام" بسبب أن ثباته إجماعي، لم يرتب فيه أحد.
3 ـ وعند الواقدي: أنه لم يثبت سوى ثمانية، وعدهم، وليس فيهم سعد. أما الباقون ففروا والرسول يدعوهم في أخراهم([293]).
4 ـ ويعد الإسكافي، وابن عباس، وغيرهما من ثبت يوم أحد، وليس فيهم سعد([294]).
5 ـ وسلمة بن كهيل يقول: لم يثبت غير اثنين، علي، وأبو دجانة([295]).
6 ـ عن سعد، قال: لما جال الناس عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" تلك الجولة تنحيت، فقلت: أذود عن نفسي، فإما أن أستشهد، وإما أن أنجو.
إلى أن قال: فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": أين كنت اليوم يا سعد؟!
فقلت: حيث رأيت([296]).
فرار طلحة:
ويدل على فراره:
1 ـ جميع ما تقدم في أنه لم يثبت سوى علي "عليه السلام".
2 ـ ويدل على ذلك أيضاً قول سلمة بن كهيل المتقدم.
3 ـ إنتهى أنس بن النضر إلى عمر بن الخطاب، وطلحة بن عبيد الله، في رجال من المهاجرين والأنصار، وقد ألقوا بأيديهم، فقال: ما يحبسكم؟
قالوا: قتل رسول الله.
فقال: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا، فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ثم استقبل القوم، فقاتل حتى قتل([297]).
ويروي السدي: أنـه خـاف هـو وعثـمان أن يـدال عليهم اليهـود والنصارى، فاستأذنا رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالخروج إلى الشام ليأخذ أحدهما العهد لنفسه من اليهود، ويأخذه الآخر من النصارى، فرفض "صلى الله عليه وآله" طلبهما([298]).
فرار أبي بكر:
ويدل على فراره:
1 ـ جميع ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين "عليه السلام". وما تقدم في فرار سعد، ما عدا الحديث الأخير المختص بسعد.
2 ـ عن عائشة: كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد بكى، ثم قال: ذاك كان يوم طلحة.
ثم أنشأ يحدث، قال: كنت أول من فاء يوم أحد؛ فرأيت رجلاً يقاتل مع رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فقلت: كن طلحة، حيث فاتني ما فاتني، يكون رجلاً من قومي([299]).
وحسب نص آخر، عن عائشة، عن أبيها: لما جال الناس عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم أحد كنت أول من فاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فبصرت به من بعد، فإذا برجل قد اعتنقني من خلفي مثل الطير، يريد رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فإذا هو أبو عبيدة.
قال الحاكم: صحيح الإسناد([300]).
ولكن ما أراده أبو بكر لم يصل إليه، فإن طلحة كان قد فر أيضاً كما فر هو، ولكنه فاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبله.
ثم إننا لا نستطيع أن نوافق أبا بكر على هذه الروح القبلية التي كانت تستبد به، وتهيمن على فكره وعقله وروحه، حتى في هذه اللحظات الحرجة والخطيرة، حيث يتمنى أن يكون رجلاً من قومه!!.
3 ـ قال الأمير أسامة بن منقذ: لما دون عمر الدواوين، جاء طلحة بنفر من بني تميم يستفرض لهم. وجاء أنصاري بغلام مصفر سقيم، فسأل عنه عمر؛ فأخبر أنه البراء بن أنس بن النضر، ففرض له في أربعة آلاف، وفرض لأصحاب طلحة في ستمائة؛ فاعترض طلحة.
فأجابه عمر: "إني رأيت أبا هذا جاء يوم أحد، وأنا وأبو بكر قد تحدثنا: أن رسول الله قتل؛ فقال: يا أبا بكر، ويا عمر، ما لي أراكما جالسين؟!
إن كان رسول الله قتل؛ فإن الله حي لا يموت الخ.."([301]).
4 ـ قال زيد بن وهب لابن مسعود: وأين كان أبو بكر وعمر؟
قال: كانا ممن تنحى([302]).
5 ـ قال المظفر رحمه الله ما معناه: إنه كيف يتصور ثبات أبي بكر في ذلك اليوم الهائل، وحومة الحرب الطاحنة التي لم يسلم فيها حتى النبي "صلى الله عليه وآله"، فضلاً عن علي "عليه السلام" كيف يتصور ثباته في ظروف كهذه، وما أصاب وما أصيب، وكيف يسلم، وهو قد ثبت ليدفع عن النبي "صلى الله عليه وآله" السيوف، والرماح والحجارة؟
ولا سيما مع ما يزعمه أولياؤه من أنه قرين النبي "صلى الله عليه وآله" في طلب قريش له، حتى بذلوا في قتله ما بذلوه في قتل النبي "صلى الله عليه وآله" ثم أتراهم ينعون إصبع طلحة، ولا ينعون جراحة أبي بكر؟! ([303]).
6 ـ روى مسلم: أن رسول الله قد أفرد في أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش([304]).
قال الشيخ المظفر: "إن أحد الرجلين علي، والآخر ليس أبا بكر؛ إذ لا رواية، ولا قائل في ثباته، وفرار سعد أو طلحة"([305]).
هذا وقد ذكر في سحِّ السحابة: أن الأنصار قد قتلوا جميعاً واحداً بعد واحد([306]).
ولكن رواية أخرى تقول: إنهم سبعة من الأنصار، ورجل من قريش، وستأتي الرواية حين الحديث عن عدم ثبات أحد من المهاجرين سوى علي "عليه السلام".
7 ـ ويرد الإسكافي على الجاحظ بقوله: أما ثباته يوم أحد؛ فأكثر المؤرخين وأرباب السير ينكرونه([307]).
8 ـ لقد رووا بسند صحيح، عن ابن عباس؛ في قوله: ?وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ?: أبو بكر وعمر([308]).
قـال الـرازي: "وعنـدي فيـه إشكـال؛ لأن الـذيـن أمـر الله رسـولـه بمشاورتهم، هم الذين أمره بالعفو عنهم، ويستغفر لهم، وهم المنهزمون؛ فهب أن عمر كان من المنهزمين؛ فدخل تحت الآية، إلا أن أبا بكر ما كان منهم؛ فكيف يدخل تحت هذه الآية"([309]).
وأجابه المظفر بقوله: "إن الإشكال موقوف على تقدير ثبات أبي بكر، وهو خلاف الحقيقة. هذا، والآية ظاهرة في الأمر بمشاورتهم للتأليف، كما يظهر من كثير من أخبارهم، ومثله الأمر بالعفو عنهم، والاستغفار لهم"([310]).
فرار عمر:
ويدل على فراره:
1 ـ ما تقدم في ثبات أمير المؤمنين فقط.
2 ـ ما تقدم في فرار طلحة ، وما جرى بينهم وبين أنس بن النضر.
3 ـ ما تقدم في فرار أبي بكر، في حديث فرض عمر لابن أنس بن النضر.
وكذلك ما ذكره ابن مسعود. ثم ما قاله المظفر. ثم ما قاله مسلم، وعلق عليه المظفر. ثم ما ذكره ابن عباس، وعلق عليه الرازي، وأجابه المظفر.
4 ـ ما تقدم في فرار سعد.
5 ـ عن كليب قال: خطبنا عمر، فكان يقرأ على المنبر آل عمران، ويقول: إنها أُحُدِية.
ثم قال: تفرقنا عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم أحد؛ فصعدت الجبل، فسمعت يهودياً يقول: قتل محمد.
فقلت: لا أسمع أحداً يقول: قتل محمد، إلا ضربت عنقه. فنظرت، فإذا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والناس يتراجعون إليه، فنزلت: "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل"([311]).
وفي نص آخر: لما كان يوم أحد هزمناهم([312])، ففررت حتى صعدت الجبل، فلقد رأيتني: أنزو كأنني أروى([313]).
وفي لفظ الواقدي: إن عمر كان يحدث، فيقول: لما صاح الشيطان: قتل محمد، قلت: أرقى الجبل كأنني أروية([314]).
ونحن هنا لا ندري من أين جاء ذلك اليهودي الملعون، الذي نقل عنه عمر قوله: قتل محمد!! مع أنه "صلى الله عليه وآله" قد رفض مشاركة اليهود في هذه الحرب، كما رفض ذلك في غيرها. كما أننا لا ندري كيف نفسر تهديد عمر لهذا اليهودي بالقتل، مع أنه هو نفسه قد فر عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأسلمه لأعدائه، فأين كانت حماسة عمر عنه في الدفاع عن النبي "صلى الله عليه وآله" ضد المشركين؟! ولم لم يقتل أحداً منهم؟ ولا حتى طيلة السنوات العشر، في عشرات الغزوات والسرايا التي اشترك فيها؟!. إن ذلك لعجيب حقاً، وأي عجيب!!.
6 ـ قال المعتزلي: قال الواقدي: لما صاح إبليس: إن محمداً قد قتل، تفرق الناس.
إلى أن قال: وممن فر عمر وعثمان([315]).
لكن يلاحظ: أن اسم عمر قد حذف من المطبوع من مغازي الواقدي، وأثبته المعلق في هامش الصفحة على أنه قد ورد في بعض نسخ المغازي دون بعض([316]).
فليراجع ذلك بدقة، فقد تعودنا منهم مثل هذا الشيء الكثير!!
7 ـ وبعد أن ذكر الواقدي اعتراض عمر على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، في قضية الحديبية، قال عن النبي "صلى الله عليه وآله":
"ثم أقبل على عمر، فقال: أنسيتم يوم أحد؛ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد، وأنا أدعوكم في أخراكم"؟!([317]).
8 ـ ما سيأتي من عدم قتل خالد لعمر، حينما كان عمر منهزماً.
9 ـ وجاءته امرأة أيام خلافته، تطلب برداً من بُردَ كانت بين يديه، وجاءت معها بنت له، فأعطى المرأة، ورد ابنته.
فقيل له في ذلك، فقال: إن أب هذه ثبت يوم أحد، وأب هذه فر يوم أحد، ولم يثبت([318]).
10 ـ وقد اعترف عمر برعبه من علي "عليه السلام" حينما تبع الفارين وهو يقول لهم: شاهت الوجوه، وقطت، وبطت، ولطت، إلى أين تفرون؟ إلى النار؟
ويقول: بايعتم ثم نكثتم؟ فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل الخ..([319]).
وقد اعترف الجاحظ بفرار عمر في عثمانيته أيضاً فراجع([320]).
11 ـ وعلى كل حال، فإن فرار عمر من الزحف يوم أحد، وحنين، وخيبر، معروف، ويعده العلماء من جملة المطاعن عليه؛ لأن الفرار من الزحف من جملة الكبائر الموبقة، ولم يستطع المعتزلي أن يجيب على ذلك، بل اعترف به، واكتفى بالقول: "وأما الفرار من الزحف، فإنه لم يفر إلا متحيزاً إلى فئة، وقد استثنى الله تعالى ذلك؛ فخرج به عن الإثم"([321]).
ولكن قد فات المعتزلي: أن ما جرى يوم أحد، لا يمكن الاعتذار عنه بما ذكر، لعدم وجود فئة لهم إلا الرسول "صلى الله عليه وآله" نفسه، وقد تركوه، وفروا عنه، ولأن الله تعالى قد ذمهم على هذا الفرار، وعلله بأن الشيطان قد استزلهم ببعض ما كسبوا، ثم عفا عنهم، ولو كان لا إثم في هذا الفرار؛ فلا حاجة إلى هذا العفو.
هذا، وقد حقق العـلامة الطباطبائي "رحمه الله": أن المراد بالعفو هنا معنى عام، يشمل العفو عن المنافقين أيضاً، فراجع([322]).
وقد كان ثمة حاجة إلى التسامح في هذا الفرار، لأنه الأول من نوعه، ويأتي في وقت يواجه الإسلام فيه أعظم الأخطار داخلياً وخارجياً، مع عدم وجود إمكانات كافية لمواجهتها، ومواجهة آثار مؤاخذتهم بما اقترفوا. واستمع أخيراً إلى ترقيع الرازي الذي يقول: ومن المنهزمين عمر، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يُبعِد، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبي "صلى الله عليه وآله"([323]). بارك الله في هذا الثبات، لكن لا في ساحة المعركة، بل فوق الجبل(!!).
ثم إننا لا ندري ما الفرق بين أن يكون المنهزم في أول الناس أو في وسطهم، أو في آخرهم؟!
وما الفرق بين أن يُبعِد في هزيمته وبين أن لا يُبعِد!!.
فرار الزبير:
وبعد هذا فلا نرى حاجة لإثبات فرار الزبير في أحد، بعد أن عرفنا أنه لم يثبت سوى أمير المؤمنين "عليه السلام". أو علي وأبو دجانة، وغير ذلك من نصوص تقدمت مع مصادرها. وإن كان ثمة محاولات لإظهار الزبير على أنه فارس الإسلام، ورجل الحرب الذي لا يبارى ولا يجارى، حتى إننا لنجد عمر بن الخطاب يعتبره يعدل ألف فارس.
وعند مصعب الزبيري!!: أنه أشجع الفرسان، وعلي أشجع الرجالة. بل ويدعون: أنه قد افتتح إفريقية وحده([324]).
مع أن مما لا شك فيه: أن إفريقية قد فتحت على عهد عثمان في سنة سبع أو ثمان وعشرين على يد عبد الله بن سعد بن أبي سرح!!([325]).
ونحن نعرف: أن الهدف هو إيجاد شخصيات بديلة، أو في قبال الإمام علي "عليه السلام" الذي هو أشجع البشر بعد ابن عمه محمد "صلى الله عليه وآله". ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ويرد كيد الخائنين للحقيقة والتاريخ.
فرار عثمان:
وأما عثمان، فلا يختلف في فراره في أحد اثنان. وهو موضع إجماع المؤرخين، وكان يعير به. وقد رجع بعد ثلاثة أيام، فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": لقد ذهبتم فيها عريضة!!([326]).
وعن ابن عباس وغيره: إن آية: ?إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ?([327]) نزلت بعثمان([328]).
بل في بعض النصوص: أن طلحة أراد أن يتنصّر، وعثمان أراد أن يتهود([329]).
لم يثبت من المهاجرين سوى علي ×:
يقول حسان بن ثابت عن الأنصار، مشيراً إلى فرار المهاجرين:
سـماهــم الله أنصـاراً لـنـصرهـم دين الهدى، وعوان الحرب يسـتعر
وجـاهـدوا في سبيل الله واعترفـوا للنائبات فمـا خـافوا ولا ضجرو
والـنـاس إلـب علينـا ثـم ليس لنا إلا السيوف وأطـراف القــنا وزر
ولا يهـرّ جـنـاب الحرب مجـلسنــا ونحن حين تـلظى نـارهـا سـعـر
وكـم رددنـا بـبـدر دونما طـلـبـوا أهـل النـفـاق وفيـنا أنـزل الظـفر
ونـحـن جندك يوم النعف من أحد إذ حـزبـت بـطراً أشيـاعها مـضر
فما ونينـا ومـا خمـنـا، ومـا خـبروا منا عثاراً وجل الـقوم قد عثـروا([330])
وأخيراً فقد تقدم: أن أبا بكر، وسعداً، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير كلهم من المهاجرين.
وهناك نص يقول: إنه لم يثبت أحد من المهاجرين إلا رجل واحد، وسبعة من الأنصار قتلوا كلهم. ولا ريب في أن هذا المهاجري هو علي "عليه السلام"، للإجماع.
والنص هو: أخرج الإمام أحمد، عن أنس: أن المشركين لما رهقوا النبي "صلى الله عليه وآله" يوم أحد ـ وهو في سبعة من الأنصار، ورجل من قريش ـ قال: من يردهم عنا، وهو رفيقي في الجنة؟
فجاء رجل من الأنصار؛ فقاتل حتى قتل.
فلما رهقوه أيضاً قال: من يردهم عنا، وهو رفيقي في الجنة؟..
فأجابه أنصاري آخر، وهكذا، حتى قتل السبعة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما أنصفنا أصحابنا([331]).
سر الاختلاف في من ثبت:
وبعد، فإننا يمكن أن نفهم: أن رجعة المسلمين إلى المعركة بعد هزيمتهم لم تكن دفعة واحدة، وإنما رجع الأول فرأى علياً، ثم يرجع آخر؛ فيرى علياً وأبا دجانة مثلاً، ثم يرجع آخر فيرى خمسة، وهكذا؛ فكل منهم ينقل ما رآه. حتى وصل العدد لدى بعض الناقلين إلى ثلاثين.
كما أن ما يؤثر عن بعض الصحابة من مواقف نضالية؛ لعله قد كان بعد عودتهم إلى ساحة القتال.
ثبات أبي دجانة:
ولعل ذكر أبي دجانة في بعض الأخبار، مرجعه ذلك. وإلا، فإننا نجد ابن مسعود ينكر ثباته، فقد قال: انهزم الناس إلا علي وحده. وثاب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" نفر، وكان أولهم: عاصم بن ثابت، وأبو دجانة([332]).
ولكن يعكر على هذه الرواية: أنه قد جاء في المطبوع من كتاب الإرشاد للمفيد: أن أبا دجانة قد ثبت هو وسهل بن حنيف، كانا قائمين على رأسه، بيد كل واحد منهما سيف ليذب عنه([333]).
وثاب إليه من أصحابه المنهزمين أربعة عشر رجلاً([334]).
ونحن لا نستبعد: أن يكون أبو دجانة قد ثبت، ولكن لا كثبات علي "عليه السلام". وإنما حارب أولاً بسيفه، ثم لما فر المسلمون صار يقي النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه، ويترّس عليه([335])، كما تقدم عن سلمة بن كهيل أيضاً؛ حيث كان علي "عليه السلام" يصد الكتائب، ويجندل الأبطال، حتى نزل في حقه:
لا ســيـــف إلا ذو الـفـــقــــار ولا فـــتــــى إلا عـــــــلــــي
أو أن أول عائد إليه "صلى الله عليه وآله" هو عاصم بن ثابت كما تقدم، فصار هو وسهل بن حنيف يذبان عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى أن كثر المسلمون.
وبعد عودة المسلمين من فرارهم أعطاه "صلى الله عليه وآله" السيف بحقه، ومنعه عمر، والزبير، وأبا بكر، عقاباً لهم، وتقديراً واهتماماً في عودة أبي دجانة إلى ساحة الحرب، ومجال الطعن والضرب معززاً ومكرماً.
إلا أن يقال: إن أبا بكر وعمر لم يعودا إلى الحرب بعد فرارهما أصلا، فلا بد أن يكون عرض السيف على أبي دجانة وعليهم قد كان في المواجهة الأولى.
نظرة في شعر حسان المتقدم
وأمام تصريحات المؤرخين الكثيرة جداً، والمقطوع بصحتها وتواترها، لا يسعنا قبول قول حسان المتقدم، الذي يقول فيه: إن الأنصار قد ثبتوا، وينسب الفرار إلى خصوص المهاجرين.
إلا أن يكون مراده: أن المهاجرين أو أكثرهم لم يرجعوا إلى ساحة القتال، واستمروا فوق الجبل، والذين ثابوا إلى الحرب هم خصوص الأنصار.
ولعل كرَّة العدو عليهم قد ضعضعتهم، فانهزموا، ثم لما علموا بحياة الرسول "صلى الله عليه وآله" كروا على عدوهم من دون أن يصعدوا الجبل، ولعل هذا هو الأقرب والأظهر.
تأويلات سقيمة للفرار:
ويقول البعض هنا ما ملخصه: إن فرقة استمروا في الهزيمة حتى المدينة، فما رجعوا حتى انقضى القتال.
وفرقة صاروا حيارى حينما سمعوا بقتل النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فصار همّ الواحد منهم: أن يذب عن نفسه، ويستمر في القتال إلى أن يقتل.
وفرقة بقيت مع النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم تراجعت إليهم الفرقة الثانية شيئاً فشيئاً لما عرفوا أنه حي.
وما ورد في الاختلاف في العدد، فمحمول على تعدد المواطن في القصة؛ فقولهم: (فروا) أي بعضهم، أو أطلق ذلك باعتبار تفرقهم([336]).
ونحن لا نريد أن نطيل في الرد على ذلك؛ فإن ما تقدم مما دل على أنه لم يثبت إلا فلان، أو فلان وفلان، وأن هذا قد فر، وذاك كذلك، وهكذا، يدفعه. وإلا لكان الفرار منحصراً في الثلاثة بعثمان وصاحبيه.
كما أنه لو صح ما ذكره فلا يبقى لعتاب الله لهم جميعاً بقوله: ?إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ?([337]) معنى ولا فائدة.
لماذا كانت الهزيمة؟!
1 ـ إن من الواضح: أن السبب الأول لما لحق بالنبي "صلى الله عليه وآله" وللهزيمة التي لحقت بالمسلمين، وما جرى عليهم من النكبات، والقتل الذريع، حتى لقد قتل منهم سبعون، وجُرحت أعداد هائلة ـ أيضاً ـ هو: أنهم عصوا، وتنازعوا، ففشلوا.
قال تعالى: ?وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ الله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم([338]) بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ?([339]).
وتصريح القرآن بأنهم قد عصوا وتنازعوا من بعد ما كان النصر منهم قاب قوسين أو أدنى، يكذب ما يدَّعيه البعض: من أنهم قد تخيلوا انتهاء أمد أمر النبي "صلى الله عليه وآله"، وإن هذا اجتهاد منهم([340]).
فإنه لو كان اجتهاداً لما كان معصية، مع أن القرآن يصرح بالمعصية. والقول بأن المراد بالمعصية: المخالفة مطلقاً، ولو عن اجتهاد؛ خلاف ظاهر كلمة: (عصيتم). فالنصر كان معهم، وحليفهم حتى تنازع الرماة، لأن بعضهم كان يريد الدنيا، وبعضهم يريد الآخرة.
أضف إلى ذلك: أن أمر الرسول كان صريحاً لهم في أن لا يتركوا مراكزهم، حتى يرسل إليهم، حتى ولو رأوهم مهزومين، أو حتى لو رأوهم يغنمون، ولذا قال رفقاؤهم: لا نخالف أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فكيف يصح بعد هذا أن يقال: إنهم تخيلوا انتهاء أمد أمره "صلى الله عليه وآله"؟!.
وهكذا، فقد كانت معصية بعض الرماة، وتنازعهم سبباً في كل ما نال المسلمين من كوارث ونكبات آنئذٍ، قد أشرنا ولسوف نشير إن شاء الله الى شطر منها.
2 ـ وأيضاً، فقد كان لاغترارهم بأنفسهم، وبكثرتهم، أثر كبير في حلول الهزيمة بهم، فقد قالوا للنبي "صلى الله عليه وآله": قد كنت في بدر في ثلاثمئة رجل؛ فأظفرك الله بهم، ونحن اليوم بشر كثير، نتمنى هذا اليوم، وندعو الله له، وقد ساقه الله إلى ساحتنا هذه([341]).
وقد أشار الله تعالى في سورة آل عمران إلى هذا التمني للموت. فراجع الآيات([342]).
وواضح: أن الاغترار بالكثرة يُفقد العناصر المشاركة شعور الاعتماد على النفس، ويجعلهم يعيشون روح التواكل، واللامسؤولية.
3 ـ ثم إن الله تعالى ما زال يؤيد المسلمين بنصره، حتى عصوا الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، طمعاً في الدنيا، وإيثاراً لها على الآخرة. فكان لا بد في هذه الحالة من إعادة التمحيص لهم، وابتلائهم؛ ليرجعوا إلى الله تعالى، وليميز الله المؤمن من المنافق؛ وليزداد الذين آمنوا إيماناً؛ لأن الإنسان ربما يغفل عن حقيقة العنايات الإلهية، والإمدادات الغيبية، حين يرى الانتصارات تتوالى، فينسب ذلك إلى قدرته الشخصية.
ولأجل ذلك نجد: أنهم حين غُلبوا شكوا في هذا الأمر، وقالوا: ?هَلْ لَنَا مِنَ الأمْرِ مِنْ شَيْءٍ?؟
فجاءهم الجواب القاطع: ?قُلْ إِنَّ الأمْرَ كُلَّهُ للهِ?.
نعم، لا بد إذاً من إعادتهم إلى الله تعالى، وتعريفهم بحقيقة إمكاناتهم، وقدراتهم. ولسوف نعود عن قريب لبحث هذه النقطة إن شاء الله تعالى.
ومن جهة ثانية، فقد تقدم في غزوة بدر كلام هام للعلامة الطباطبائي "رحمه الله"، وفيه مقارنة بين بدر وأحد وغيرها، وبيان لسر الانتصار أولاً، ثم ما ظهر من أمارات الضعف أخيراً، فليراجع.
4 ـ وإن الانضباطية ـ خصوصاً حين يكون القائد حكيماً، فكيف إذا كان نبياً ـ هي أساس النجاح. ولربما تكون مخالفة أفراد معدودين سبباً في دمار جيش بكامله، كما كان الحال في قضية أحد.
5 ـ كما أن عناية الله تعالى بهم، وتسديده لهم، لا يعني إلغاء جميع الأسباب الطبيعية كلية، كما لا يعني أن هذه العناية، وذلك الإمداد مطلق غير مشروط؛ بل هو مشروط قطعاً بالسعي من قبلهم نحو الهدف الأسمى، والبذل والتضحيات التي تؤهلهم لأن يكونوا موضعاً لعنايات الله وألطافه، ?إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?([343]). أو على الأقل لا بد لاستمرار هذه العناية الإلهية من حفظ الحد الأدنى من الارتباط بالقيادة، وتنفيذ أوامرها. وإلا لم يكن لهذه المواقف والحرب أثرها النفسي، والاجتماعي، والتربوي المطلوب.
6 ـ قد ظهر مما تقدم: أن الذين تركوا مراكزهم قد ظنوا ـ أو ظن بعضهم ـ: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيغُلّ، أي يخونهم، فلا يقسم لهم.
وهذا يدل: على أن من بين هؤلاء من لم يكن على درجة حسنة من المعرفة والوعي، ولربما الإيمان أيضاً. ولو كان كذلك، فلا أقل من أن أخلاقياته وروحياته، بما في ذلك الإعراض عن الدنيا والإيثار، لم تكن بالمستوى المطلوب، إن لم نقل: إنه منافق يظهر الإيمان لأجل مصالح يراها، ويبطن الكفر.
ولعل الآية تشير إلى ظنهم السيء هذا، وتقرعهم عليه بأنه: ?مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ?([344]).
الفصل الثالث:
في موقع الحسم
الرعب القاتل:
قد تقدم معنا: أن عمر بن الخطاب قد كان وهو فار مرعوباً من أمير المؤمنين "عليه السلام"، الذي تبع الفارين، وهو يقول لهم: شاهت الوجوه، وقطت، ولطت، وبطت. إلى أين تفرون؟ إلى النار؟
ويقول: بايعتم، ثم نكثتم؛ فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن أقتل الخ..
ولكنهم قد استمروا في هزيمتهم لا يلوون على شيء، والرسول يدعوهم في أخراهم. حتى بلغوا الجبل، وبلغوا صخرة فيه.
وفشا في الناس: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قتل؛ فقال بعض المسلمين، من أصحاب الصخرة في الجبل: ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي؛ فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان قبل أن يقتلونا. وقال أناس من المنافقين: لو كان نبياً ما قتل، ارجعوا إلى دينكم الأول.
وفي النهر: أن فرقة قالوا: نلقي إليهم بأيدينا، فإنهم قومنا، وبنو عمنا([345]).
وهذه الكلمة تدل دلالة واضحة على أن هذه الفرقة كانت من المهاجرين، لا من الأنصار. فجاءهم أنس بن النضر، فقال لهم: إن كان محمد قد قتل؛ فما تصنعون بالحياة بعده؟! فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه.
ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، يعني المسلمين. وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، يعني المنافقين. ثم قاتل حتى قتل.
وقد تقدمت بعض مصادر هذه القضية حين الكلام عن فرار طلحة.
وقيل: إن حمزة هو الذي قال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء النفر، أبو سفيان وأصحابه. وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء بانهزامهم([346]).
وهذا يعني: أن حمزة قد قتل بعد فرار الصحابة عن الرسول "صلى الله عليه وآله".
وقد تقدم: أنه قد قتل بعد أصحاب اللواء؛ فلا مانع من أن يكون الناس قد انهزموا، فقتله وحشي وهو عائد من بعض حملاته. ثم صار علي "عليه السلام" يدفع كتائب المشركين عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما تقدم.
عودة المسلمين إلى القتال:
ثم إن كعب بن مالك كان أول من عرف النبي "صلى الله عليه وآله"، رأى عينيه تزهران من تحت المغفر، فصاح: يا معشر المسلمين، أبشروا؛ فهذا رسول الله. فأمره النبي بالسكوت؛ لحراجة الموقف وخطورته. ثم صار المسلمون يفيئون إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" زرافات ووحداناً، وجعل "صلى الله عليه وآله" يذرهم ويحضهم على القتال؛ فقاتلوا على قلتهم خير قتال.
ولكن الذين كانوا على الجبل فوق الصخرة لم يعودوا ـ أو أكثرهم ـ إلى القتال، ولا تركوا مركزهم. وقبل أن نستمر في الحديث عن المعركة الحاسمة، لا بأس بالإلماح إلى بعض المواقف البطولية التي سجلها بعض المسلمين، مع محاولة التركيز على بعض الجوانب الإيجابية فيها، ثم نشير إلى بعض المختلقات في هذا المجال، ولا سيما حول طلحة، وسعد بن أبي وقاص، فنقول:
مواقف وبطولات:
1 ـ مع أنس بن النضر، وابن السكن وأصحابه:
إن موقف أنس بن النضر ليدل على فهمه العميق للإسلام، وإدراكه أن الإسلام لا يرتبط بالشخص والفرد، حتى ولا بالنبي نفسه، الذي جاء به من عند الله من حيث هو شخص وفرد([347]).
تماماً على عكس الرؤية التي كانت لدى الذين فروا، حتى انتهوا إلى الصخرة. فالحق ـ عند أنس هذا ـ لا يعرف بالرجال، وإنما تعرف الرجال بالحق.
قال أمير المؤمنين: "إنك لم تعرف الحق، فتعرف من أتاه، ولم تعرف الباطل، فتعرف من أتاه"([348]).
وهذه النظرة على درجة من البعد والعمق، فإنه إذا تجسد الدين بالشخص، فإن القضاء على ذلك الشخص يكون كافياً في القضاء على ذلك الدين. وهذه هي إحدى السياسات التي ينتهجها أعداء الله والإنسان في حربهم لله ورسوله، على مدى الأجيال.
هذا، ولا يقل موقف ابن السكن والرجال الخمسة الأنصاريين عن موقف أنس؛ فإنه لما تفرق القوم عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهاجمه المشركون، قال "صلى الله عليه وآله": من رجل يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله؟
فقام زياد بن السكن ـ أو ولده عمارة ـ في خمسة من الأنصار، فقاتلوا حتى قتلوا، ثم جاءت فئة؛ ففرقوا القوم عن رسول الله "صلى الله عليه وآله".
2 ـ أبو دجانة:
وقد تقدم: أن أبا دجانة كان أول عائد مع عاصم بن ثابت، وقد ترس على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وصار يقيه بنفسه من وقع السهام، وهو منحن عليه لا يتحرك، حتى كثر في ظهره النبل، حتى استحق أن يعطيه رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيفاً، ويمنعه غيره ممن فر، إهانة لهم، وتكريماً له.
وما ذلك إلا لأن الإسلام ونبي الإسلام، لا يضيعان عمل عامل، أياً كان، ومهما كان. ولا يهتم هذا الدين، وهذا النبي "صلى الله عليه وآله" للدعاوى الفارغة التي يطلقها هذا أو ذاك، وإنما يهتمان بتقييم الإنسان على أساس ما يقدمه على صعيد الواقع، ونفس الأمر.
وأبو دجانة قد تعرض للامتحان ونجح فيه. أما غيره؛ فقد أثبت الامتحان عدم جدارته، أو استحقاقه لما يعد نفسه له ممن يتستر خلف دعاوى فارغة لا أكثر ولا أقل، حتى إذا جد الجد رأيته يتعجل الهزيمة، ويكون أبطأ من غيره في العودة، أو لا يعود أصلاً إلا بعد حسم الموقف.
فكان لا بد من إعطاء الضابطة للمسلمين جميعاً، وإفهامهم: أن الإسلام واقعي بالدرجة الأولى، وأن مصب اهتماماته هو المضمون والمحتوى.
وأنه يقيم الإنسان على أساس أعماله، لا على أساس دعاواه وأقواله، ولا على أسس أخرى، ربما لا يكون له خيار فيها في كثير من الأحيان. فطلحة، وسعد، وأبو بكر، وعمر، والزبير، وعثمان الخ.. وإن كانوا من المهاجرين الذين ربما يعطون أو يعطيهم الناس امتيازاً لذلك؛ وإن كانوا قرشيين؛ وكان لهم بالنبي "صلى الله عليه وآله" صلة من نوع ما بسبب أو نسب. إلا أن كل ذلك إذا لم يكن معه الإخلاص، وإذا لم يكن الله ورسوله، وجهاد في سبيله أحب إليهم من كل شيء حتى من أنفسهم، فإنه يبقى منحصراً في نطاقه الخاص، ولا ينبغي أن يتعداه إلى غيره، بحيث يخولهم الحصول على امتيازات لا يستحقونها.
وأخيراً: فقد ذكر المؤرخون: أن سلمان الفارسي أيضاً قد كان يقوم بنفس دور أبي دجانة في حماية الرسول "صلى الله عليه وآله"، حيث جعل نفسه وقاية لرسول الله "صلى الله عليه وآله" من وراء ظهره، من سهام الكفار، وأذاهم، ويقول: نفسي فداء لرسول الله "صلى الله عليه وآله"([349]).
3 ـ أم عمارة: ومقام فلان!! وفلان!!
وقاتلت أم عمارة، نسيبة بنت كعب. وكان معها سقاء فيه ماء، فلما رأت قلة من كان مع الرسول، قامت تذب عنه مع هؤلاء القلة، وجرحها ابن قميئة في عاتقها، حينما اعترضته مع آخرين، ممن كان يذب عن رسول الله "صلى الله عليه وآله".
بل لقد روى غير واحد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نظر في أحد إلى رجل من المهاجرين يفر، قد ألقى ترسه خلف ظهره، فناداه: "يا صاحب الترس، ألق ترسك، وفر إلى النار"؛ فرمى بترسه.
فقال "صلى الله عليه وآله": "لمقام نسيبة أفضل من مقام فلان، وفلان". وأراد ولدها عمارة الفرار، فردته، وأخذت سيفه؛ فقتلت به رجلاً؛ فقال "صلى الله عليه وآله": "بارك الله عليك يا نسيبة".
وكانت تقي النبي "صلى الله عليه وآله" بيديها، وصدرها، وثدييها([350]).
قال المعتزلي: "ليت الراوي لم يُكنّ هذه الكناية، وكان يذكرهما باسمهما، حتى لا تترامى الظنون إلى أمور مشتبهة. ومن أمانة المحدث أن يذكر الحديث على وجهه، ولا يكتم منه شيئاً؛ فما باله كتم اسم هذين الرجلين"؟!([351]).
ويرى المجلسي: أن المراد بهما هنا: أبو بكر وعمر، إذ لا تقية في غيرهما؛ لأن خلفاء سائر بني أمية وغيرهم من الخلفاء، ما كانوا حاضرين في هذا المشهد؛ ليكني بذكرهم تقية من أولادهم وأتباعهم([352]).
وهذا أيضاً هو رأي محمد بن معد العلوي([353]).
ونزيد نحن: أن عثمان لما كان قد فر بإجماع المؤرخين؛ فقد اضطروا إلى التصريح باسمه، ثم حاولوا تبرير هذا الفرار بالتوبة عليه، وغفران ذنبه.
ومع ذلك، ومع أننا نجد روايات عديدة تصرح بأن آية: ?إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهـُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ?([354]) قد نزلت في عثمان، وخارجة بن زيد، ورفاعة بن المعلى، أو في عثمان، وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان الأنصاريين([355]).
فإننا نجد رواية ذكرها ابن اسحاق تقول: ?إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعَانِ? فلان!! وسعد بن عثمان، وعقبة بن عثمان([356]).
ورواية أخرى عن عكرمة تقول: نزلت في رافع بن المعلى، وغيره من الأنصار، وأبي حذيفة بن عتبة، ورجل آخر([357]).
كما أن الواقدي نفسه قد كنى عن عثمان في فراره بـ "فلان"([358]).
فترى أنهم يهتمون في التكنية حتى عن عثمان المجمع على فراره، دون غيره ممن تذكرهم الرواية.
وبعد هذا، فكيف لا يكنون عمن هم أعظم من عثمان، وأجل عندهم؟
ويذكر أخيراً: أن لفلان وفلان!! فراراً آخر في عرض الجبل، حينما جاءهم المشركون، وندب الرسول المسلمين إلى قتالهم([359])، وقد ردهم الله عنهم من دون حاجة إلى ذلك، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
كما أن الظاهر: أن ابن عباس قد كنى عنهما، حينما ذكر: أن الناس قد تركوا ثلاث آيات محكمات، وأبوا إلا فلان بن فلان، وفلان بن فلان([360]).
جهاد المرأة:
وفي إلماحة موجزة هنا نقول: إن من المعلوم: أنه ليس في الإسلام على المرأة جهاد، إلا حينما يكون كيان الإسلام في خطر أكيد.
ولقد أدركت أم عمارة مدى الخطر الذي يتهدد الإسلام، من خلال الخطر الذي يتعرض له النبي "صلى الله عليه وآله"([361]).
ولذلك فقد اندفعت للدفاع عن النبي "صلى الله عليه وآله"، بنفسها وولدها، وكل وجودها. وليت شعري، كيف لم يدرك هذه الحقيقة كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار؟! وكيف سمحوا للأنفسهم بالفرار في هذا الظرف الحرج والخطر جداً على مستقبل الإسلام، الدين الحق؟!.
وقد كان المهاجرون يرون لأنفسهم، ويرى لهم الناس امتيازاً على غيرهم، وأنهم في موقع المعلم والمرشد. وهم الذين عاشوا مع النبي "صلى الله عليه وآله"، واستفادوا من تعاليمه، ورأوا من معجزاته أكثر من غيرهم. وإذا كانت هذه الأنصارية التي لا جهاد عليها، والتي لم تعاشر النبي "صلى الله عليه وآله"، ولم تر من معجزاته وكراماته ما رآه هؤلاء، قد وقفت هذا الموقف الرسالي الرائد دونهم، فمن الطبيعي أن يكون مقامها أفضل من مقام فلان وفلان من كبارهم.
كما أن من الطبيعي أيضاً: أن يفر ذلك المهاجري إلى النار، ويكون جهادها طريقها إلى الجنة. كما أننا سوف لا نصدق بعد هذا ما يقال، من أن الفضل إنما هو بطول الصحبة للرسول، أو بغير ذلك من عناوين، بل سوف نصر على أن الفضل ـ كما قرره القرآن ـ إنما هو بالتقوى، والعمل الصالح، عن علم ووعي، وعن قناعة وجدانية راسخة.
ملاحظة: ونشير أخيراً: إلى أن خروج أم عمارة إلى أحد لعله كان استثنائياً، ولضرورة خاصة.
ومما يوضح لنا ذلك: أننا نجد امرأة من عُذرة استأذنت الرسول في أن تخرج في جيش كذا وكذا، فلم يأذن لها "صلى الله عليه وآله"؛ فقالت: يا رسول الله، إنه ليس أريد أن أقاتل، إنما أريد أن أداوي الجرحى والمرضى، أو أسقي المرضى.
قال: لولا أن تكون سنة، ويقال: فلانة خرجت، لأذنت لك، ولكن اجلسي([362]).
وقد تكلمنا حول هذا الموضوع في غير هذا الكتاب. فليراجع([363]).
4 ـ أم سليط:
وممن شارك في حرب أحد أيضاً أم سليط، فإنها كانت تزفر القرب، أي تحملها على ظهرها، تسقي الناس منها([364]).
5 ـ حنظلة الغسيل:
واستشهد في أحد حنظلة بن أبي عامر الفاسق، وكان قد دخل بزوجته جميلة بنت عبد الله بن أبي ليلة أحد، وخرج وهو جنب، حين سمع الهائعة([365])؛ فأعجله ذلك عن الغسل.
بل يقال: إنه كان قد غسل أحد شقيه، فسمع الهائعة؛ فترك غسله، وخرج.
ويقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أخبرهم: أن صاحبهم (حنظلة) لتغسله الملائكة.
كما ويقال: إنه استأذن النبي "صلى الله عليه وآله" في أن يقتل أباه أبا عامر الفاسق، فلم يأذن له([366]).
ونقول:
1 ـ إن النبي كما منع حنظلة الغسيل من قتل أبيه، كذلك هو قد منع ابن عبد الله بن أبي من قتل أبيه أيضاً([367]).
ونقول: إنه إذا كان هدف الإسلام هو الحفاظ على إنسانية الإنسان، وتكامله في مدارج الإنسانية، فلا بد أن تكون مواقفه ووسائله منسجمة مع ذلك الهدف الأسمى؛ لأن الوسيلة في نظر الإسلام لا تنفصل عن الهدف، وإنما هي جزء منه.
إذاً، فلا بد أن يتعامل مع كل أحد حتى مع أبيه، وولده، وعشيرته، وماله، وكل ما يحيط به، تعاملاً إنسانياً صحيحاً، ومنسجماً مع أهدافه تلك. فإذا كانت علاقته بماله، أو بأبيه، أو بولده سوف تفصله عن هدفه، أو تفرض عليه موقفاً يتناقض معه، أو يعيق عن الوصول إليه، فلا بد من رفض تلك العلاقة وتدميرها؛ لأن الإبقاء عليها إنما يعني تدمير الإنسانية، والخروج عنها إلى ما هو أحط من الحيوان.
وهذا هو ما أشار إليه تعالى في قوله عمن اتخذ إلهه هواه([368]): ?أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً?([369]).
إذاً، فلا جامع ولا قدر مشترك بين الإنسان المسلم الذي يعتبر نفسه إنساناً، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ويتصرف على هذا الأساس؛ وبين غيره ممن رضي لنفسه أن يكون أضل من الأنعام، ويتصرف على هذا الأساس، ومجرد وجود علاقة نسبية بينهما لا يبرر تخلي هذا عن إنسانيته في سبيل إرضاء ذاك.
وأما إذا كانت مواقف ذلك الإنسان المنحرف وتصرفاته تساهم في تدمير الإنسانية أينما كانت، وحيثما وجدت، والقضاء على خصائصها ومنجزاتها، سواء على صعيد الفرد أو المجتمع، أو حتى الأجيال القادمة.
فإن من الطبيعي أن نرى ذلك الولد الإنسان: يهتم بالقضاء على هذا الوالد، ويعمل في هذا السبيل بصدق، وبجدية، وإلا فإنه سيتضح لنا: أن إنسانيته لم تكتمل بعد، أو على الأقل: إن وعيه الإنساني يحتاج إلى تعميق وتركيز. كما أن العاطفة التي تعتبر الوقود الذي يفجر طاقات الإنسان في هذا السبيل، تحتاج إلى شحن وإثارة من جديد.
فلا عجب إذاً، أن يستأذن بعض المسلمين في قتل آبائهم المنحرفين، الذين يحاربون دين الله تعالى، وإنما العجب من أن لا يفعلوا ذلك؛ لأنهم حينئذٍ يكونون قد خالفوا مقتضى فطرتهم، وما يحكم به عقلهم السليم.
هذا الحكم الذي أيده وأكده الإسلام، دين الفطرة([370])؛ حين قال في القرآن الكريم: ?قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهَ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ?([371]).
2 ـ وأما سر أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يأذن لهم بقتل آبائهم، فقد قدمنا بعض ما يفيد في ذلك حين الكلام عن وحشي، قاتل حمزة، حيث أخبروه: أن محمداً لا يقتل أصحابه.
ونزيد هنا: أن نفس قتل الولد لوالده ليس أمراً طبيعياً، ولا ينسجم مع مشاعر ونفسية الإنسان العادي، الذي لم يترب تربية إلهية، ولم ينصهر في حب الله تعالى.
نعم، إذا أخلص ذلك الإنسان لله، وانقطعت كل علائقه المادية الأرضية؛ فإنه حينئذٍ يرى ذلك أمراً ضرورياً، وينساق إليه بعقله، وبفطرته، وبعاطفته أيضاً. وقليل ما هم.
ولربما يثور الإنسان العادي عاطفياً إذا رأى من قريبه وحبيبه موقفاً سيئاً يتنافى مع الفطرة والدين والعقل، ولكن سرعان ما تشده العوامل الأرضية إليها، ويعود ليزن الأمور بالموازين الأرضية المادية من جديد.
ولذلك رأينا: المسلمين ينهزمون جميعاً في أحد، وفي مواطن أخرى باستثناء أمير المؤمنين "عليه السلام"، ويتركون نبيهم، الذي هو في الحقيقة رمز وجودهم.
وهذا يدل: على أن الروابط الأرضية قد شدتهم إليها، ولم يتمكنوا من التخلص منها، ولا التغلب عليها. اللهم إلا من كان في مستوى رفيع من التربية الإلهية؛ ووصل إلى حد: أن أصبح الله ورسوله، وجهاد في سبيله، أحب إليه من كل شيء، وليس هو إلا أمير المؤمنين "عليه السلام"، كما قلنا.
ولكي لا يعرِّض النبي "صلى الله عليه وآله" والإسلام الذي هو واقعي بالدرجة الأولى هذا الإنسان إلى تجربة قاسية ومريرة، ربما تكون أكبر منه، وقد يخفق في الخروج منها بسلامة ومعافاة، فقد أعفاه من هذه الأمور، لطفاً به ورفقاً. والله هو اللطيف الخبير.
6 ـ بين عبد الله بن جحش وابن أبي وقاص:
وقد دعا عبد الله بن جحش ربه: أن يقتل، ويجدع أنفه، وتقطع أذنه حتى إذا لقي الله، وسأله: فيم جُدع أنفك وأذنك؟ فيقول: فيك، وفي رسولك؛ فأمّن له سعد بن أبي وقاص. وهكذا جرى له.
ودعا سعد بن أبي وقاص ربه: أن يقتل أحد المشركين، ويأخذ سلبه؛ فأمّن عبد الله على دعاء سعد.
فشتان ما بين سعد وعبد الله، فإن عبد الله قد جاء يطلب الموت، وجاء سعد يطلب ما يرى أنه يفيد في استمرار تمتعه بمباهج الحياة، وزبارجها وبهارجها.
ونعود فنذكّر هنا بما قاله المعتزلي ـ وهو يتحدث عن علي "عليه السلام" ـ : هذا يجاحش على السلب، ويأسف على فواته، وذاك لا يلتفت إلى سلب عمرو بن عبد ود، وهو أنفس سلب، ويكره أن يبز السبي ثيابه، فكأن حبيباً ـ يعني أبا تمام ـ عناه بقوله:
إن الأسـود أسـود الـغـاب همتـها يوم الكرية في المسلوب لا السلب([372])
ونزيد هنا: أن الذي يجاحش على السلب، ويدعو الله أن يقتل مشركاً من أجل سلبه، ويأتي إلى الحرب بهذه النفسية، لا يتورع ـ حين يفوته ذلك، ويواجه خطر الموت ـ من أن يفر من الحرب، ويترك الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" لسيوف المشركين تنوشه من كل جانب ومكان!!
كما أن من تكون الدنيا عنده أهون من عفطة عنز، ولا تساوي الخلافة عنده شسع نعله، ويكون من الرسول والرسول منه، ولا سيف إلا سيفه، كيف، ولماذا يفر يا ترى؟!
فلا عجب إذاً إذا رأينا هذا يثبت، ويتلقى السيوف بنحره وجسده، وذاك يفر طلباً للسلامة، ولأجل الاحتفاظ بالحياة.
مواقف وبطولات سعد الموهومة:
ويذكرون لسعد بن أبي وقاص في حرب أحد فضائل وكرامات، ومواقف وبطولات، نعتقد أن يد السياسة قد ساهمت في صنعها، ونذكر على سبيل المثال:
أنهم يقولون: إنه بعد أن عاد المسلمون إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" دافع سعد عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ورمى بين يديه بالسهام، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يناوله النبل، ويقول([373]): إرم فداك أبي وأمي؛ فرمى دون رسول الله حتى اندقت سية قوسه.
وفي المشكاة عن علي "عليه السلام": ما سمعت النبي "صلى الله عليه وآله" جمع أبويه لأحد إلا لسعد([374]).
بل يروي البعض: أنه قال له ذلك ألف مرة، لأنه رمى ألف سهم([375]).
كما أن ابن عرقة رمى بسهم، فأصاب ذيل أم أيمن، فانكشف، فضحك، فأمر النبي "صلى الله عليه وآله" سعداً بأن يرمي، ودعا له بأن يسدد الله رميته، ويجيب الله دعوته؛ فرمى ابن عرقة في ثُغرة نحره؛ فانقلب لظهره، وبدت عورته، فضحك "صلى الله عليه وآله"([376]).
ولكننا نشك فيما ذكر آنفاً، وذلك بملاحظة النقاط التالية:
1 ـ يقولون: سئل سعد عن سر استجابة دعائه دون الصحابة، فقال: ما رفعت إلى فمي لقمة إلا وأنا أعلم من أين جاءت، ومن أين خرجت([377]).
أي لأنه قد جاء في الحديث: أن سر عدم استجابة الدعاء، هو أن من كان مأكله وملبسه حراماً فأنى يستجاب له([378]).
فأي ذلك نصدق؟!
هل نصدق أن استجابة دعائه كانت لدعائه "صلى الله عليه وآله" له؟!
أم نصدق أنها من أجل أنه لم يكن يأكل حراماً؟!.
وحاول الحلبي أن يجيب: بأن دعاء النبي "صلى الله عليه وآله" يرجع: إلى أنه دعا له أن يستجاب له بسبب عدم أكله للحرام، وتمييزه للحرام عن غيره!!([379]).
وهو تأويل بارد، كما ترى، ولا نرى حاجة للتعليق عليه.
2 ـ لا ندري إذا كان الوقت يتسع لرمي ألف سهم، ولقول النبي "صلى الله عليه وآله" له ذلك، وهو يناوله السهام في ذلك الوقت الحرج جداً؟!.
ولا ندري أيضاً من أين حصل سعد على تلك السهام الألف التي رمى بها؟!، وهل كانت تتسع كنانته، وكنانة النبي "صلى الله عليه وآله" ـ لو كانت ـ لهذه الكمية؟!.
ولا نعرف أيضاً إن كانت تلك السهام تصيب المشركين؛ فيستجاب دعاء الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" له أم لا؟!
وإذا كانت تصيبهم، فكم قتل سعد؟ وكم جرح؟! ولماذا لم ينهزم المشركون لهذه النكبة التي حلت بهم؟!.
3 ـ إذا كان سعد مستجاب الدعوة، فلماذا لم يدع الله ليفرج عن عثمان حين الحصار؟ أو ليهدي معاوية إلى الحق والتسليم لعلي "عليه السلام"؛ ليحقن دماء عشرات الألوف من المسلمين، ويجنب الأمة تلك الكوارث العظيمة التي تعرضت لها؟!.
وعندما عرض عليه أمير المؤمنين "عليه السلام": أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، طلب منه أن يعطيه سيفاً يميز بين الكافر والمؤمن([380])؛ فلم لم يدع الله أن يعطيه سيفاً كهذا؛ فيستجيب الله له، ما دام أنه كان مستجاب الدعوة؟!.
4 ـ عن ابن الزبير: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" قال للزبير ـ يوم الخندق، حينما أتاه بخبر بني قريظة ـ: فداك أبي وأمي([381])، فأي الروايتين نصدق؟! أم نصدقهما معاً؟! أم ننظر إليهما معاً بعين الشك والريب، لما نعلمه من تعمد الوضع والاختلاق لصالح هؤلاء؟! أعتقد أن هذا الأخير هو الأمر المنطقي، والطبيعي، والمعقول.
واحتمال أنه "صلى الله عليه وآله" وإن كان قد قال ذلك للزبير يوم الخندق، لكن علياً "عليه السلام" لم يسمعه، فنقل ما سمعه فقط بالنسبة لسعد، أو أنه "صلى الله عليه وآله" قد أراد تفدية خاصة لا يجدي؛ إذ قد جاء في رواية أخرى قوله: فما جمع "صلى الله عليه وآله" أبويه لأحد إلا لسعد([382]).
وهذا يدل على أنه يخبر عن علم، وإلا لكان عليه أن يقول: إنه لم يسمع ذلك إلا بالنسبة لسعد، كما أنه لو كان أراد تفدية خاصة لكان عليه البيان.
5 ـ كيف يكون سعد قد قتل حبان بن العرقة في حرب أحد، كما يقول الواقدي، مع أن الواقدي نفسه وغيره يقولون: إن حبان بن العرقة قد رمى سعد بن معاذ في أكحله في غزوة الخندق، فقال "صلى الله عليه وآله": عرق الله وجهك في النار؟!([383]) فإن حرب الخندق كانت بعد أحد بالاتفاق.
إشارة هامة:
وأما لماذا حشد هذه الفضائل لسعد، فذلك أمر واضح، فإن سعداً قد كان من الفئة المناوئة لأمير المؤمنين "عليه السلام"، وأهل بيته، حتى لقد كتب "عليه السلام" لوالي المدينة: أن لا يعطي سعداً من الفيء شيئاً([384]). وحينما دخل عليه سعد يطالبه بعطائه رده مع صاحبيه، بعد كلام طويل، ولم يعطه شيئاً([385]).
وحينما دعاه عمار إلى بيعة سيد الوصيين، أظهر سعد الكلام القبيح([386]).
وأيضا فقد صارمه عمار المعروف بجلالة مقامه وعلو شأنه([387]).
كما أنه قد أخذ من بيت المال مالاً ولم يؤده، وعزله عمر عن العراق، وقاسمه ماله([388]).
وكان ممن قعد عن علي "عليه السلام" وأبى أن يبايعه، فأعرض عنه "عليه السلام"، وقال([389]): ?وَلَوْ عَلِمَ الله فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ?([390]). وسعد هو أحد الستة الذين جعل عمر الأمر شورى بينهم، فوهب حقه لابن عمه عبد الرحمن بن عوف([391]).
وشكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر بأنه لا يحسن يصلي([392]).
إذاً، فانحراف سعد عن علي "عليه السلام"، وممالأته لأعدائه هو الذي جعل لسعد هذه الشخصية، ورزقه هذه الفضائل والكرامات. وهذا هو بعينه السر أيضاً بما رزقه الكرماء طلحة بن عبيد الله من كرامات ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله.
ولعل أبا طلحة أيضاً قد ارتزق فضائله وكراماته عن نفس هذا الطريق، طريق العداء لعلي "عليه السلام"، والانحراف عنه، كما هو معلوم بالمراجعة([393]).
كرامات طلحة:
ويذكرون لطلحة بن عبيد الله أيضاً في أحد كرامات كثيرة، نذكر منها:
1 ـ أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد سماه في أحد ب‍ (طلحة الخير)؛ لأنه أنفق سبعمائة ألف درهم([394]).
ولا ندري كيف وعلام أنفق طلحة سبعمائة ألف درهم، التي كانت تكفي لتجهيز جيش بكامله، يكون أضعاف أضعاف جيش المسلمين في أحد؟! أوليس قد جهزت قريش جيشاً مؤلفاً من ثلاثة أو خمسة آلاف مقاتل معهم ثلاثة آلاف بعير، ومئة فرس، وسبعمائة دارع بخمسة وعشرين ألف دينار؟!([395]). أي بما يساوي ثلث المبلغ الذي يُدَّعى أن طلحة قد أنفقه؟
وعلى أبعد الأقوال: إنها أنفقت خمس مئة ألف درهم.
ومن الواضح: أن سبعمائة ألف درهم في تلك الأيام تعدل ميزانية دولة بكاملها.
وكيف نصدق ذلك، ونحن نرى ابن سعد يروي في الطبقات عن أنس: أن أبا بكر استعمله على الصدقة، فقدم وقد مات أبو بكر، فقال عمر (رض): يا أنس، أجئتنا بالظهر؟
قلت: نعم.
قال: جئتنا بالظهر، والمال لك.
قلت: هو أكثر من ذلك.
قال: وإن كان هو لك. وكان المال أربعة آلاف فكنت أكثر أهل المدينة مالاً([396]).
فإذا كان أنس أغنى أهل المدينة بالأربعة آلاف، وذلك في زمان عمر، الذي اتسع فيه الأمر على الناس، وحصلوا على الأموال الكثيرة.
فهل يمكن أن نصدق أن مهاجرياً قدم المدينة بلا مال، يصير من الثراء بحيث يبذل سبعمائة ألف درهم بعد فترة وجيزة جداً من قدومه؟!. ولا سيما في وقت كان يعاني فيه المسلمون صعوبات جمة، حتى إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يربط الحجر على بطنه من الجوع (راجع حديث الغار، حين البحث في ثروة أبي بكر).
ولماذا لم تنزل في طلحة آية تشيد بهذه الفضيلة له، كما نزلت في علي "عليه السلام" حينما تصدق بالخاتم في الصلاة([397]) وحينما تصدق بأربعة دراهم؟! إلى آخر ما تقدمت الإشارة إليه([398]).
وبذلك يعلم أيضاً: مدى صحة الأرقام الخيالية التي تذكر عن تجهيز عثمان لجيش العسرة، وغير ذلك مما لا مجال لتتبعه. وسنتعرض لذلك كله في مواضعه إن شاء الله تعالى.
2 ـ وأما روايات شلل إصبع طلحة، وما أصابه في أحد، فهي متناقضة؛ فلا ندري هل شلت إصبعه؟ أو إصبعاه؟ أو يده؟ أو قطعت إصبعه؟! ثم هنالك الخلاف في عدد الجراح التي أصابته.
ونحن لا ننكر أن يكون طلحة قد أصيب ببعض الجراح. لكن ذلك لا يلزم منه عدم فراره.
بل يستظهر المظفر: أن شلل يده قد كان حين الفرار، أو بسبب آخر.
وقد يستظهر ذلك من تعبير الشعبي ب‍ـ (زُعِم) في قوله: (وزُعِم: أن طلحة وقى رسول الله بيده؛ فضرب، فشلت)([399]) فيظهر أن الشعبي يشك في ما زُعم. وأما ما زعمه البعض من أنه "صلى الله عليه وآله" قد مسح على جسد طلحة، ودعا له بالشفاء، والقوة([400])، فلا ندري ما نقول فيه، ونحن نرى أن يده لم تشف، ولم يستجب الله ذلك الدعاء.
ولكن الذي شفي بدعاء النبي "صلى الله عليه وآله" حقاً هو أمير المؤمنين "عليه السلام" كما تقدم.
3 ـ ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد وقع في إحدى الحفر التي حفرها أبو عامر الفاسق مكيدة؛ فرفعه طلحة، وأخذ بيده علي "عليه السلام".
وزاد في الاكتفاء: فقال "صلى الله عليه وآله": من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة([401]).
ولا ندري لماذا اختص طلحة الفار من الزحف بهذا الوسام، دون علي "عليه السلام"، الذي لم يثبت أحد سواه، مع أنهما شريكان في مساعدته "صلى الله عليه وآله" على النهوض؟!. ثم إن كل من يعثر ويقع، فإن من معه يبادرون إلى مساعدته، ومعاونته على النهوض؛ ولا يعتبرون ذلك عملاً عظيماً يستحق وساماً كهذا.
4 ـ ويقولون: ولما أصاب النبي "صلى الله عليه وآله" ما أصابه، جعل طلحة يحمله، ويرجع القهقهرى. وكلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه، حتى أسنده إلى الشعب. أخرجه الفضائلي([402]).
ونحن لا نصدق أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تقهقر وفر كما تقهقر غيره، وأخلى ساحة القتال.
وقد تقدم تكذيب الإمام الصادق "عليه السلام" لذلك.
كما أننا لا نرى أن ما جرى للنبي "صلى الله عليه وآله" قد أفقده القدرة على المشي؛ ولذا فنحن لا نفهم وجه الحاجة لأن يحمله طلحة ثم يضعه ليدافع عنه.
كما أننا لا نعرف أين ذهب عنه "صلى الله عليه وآله" أصحابه الثلاثون الذين فاؤوا إليه، ثم لحقهم من لحقهم؟!
وأين كان عنه سلمان، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، وعمار، وأخوه ووصيه علي بن أبي طالب "عليه السلام"؟!
ولم لا يدافعون عنه، ويحمونه من ملاحقة المشركين، حتى يضطر طلحة لأن يرجع القهقرى، وهو حامل رسول الله "صلى الله عليه وآله". ثم يدافع عنه كلما أدركه أحد من المشركين؟!
كما أنه لم يثبت تاريخياً عودة من كانوا في أعلى الجبل إلى ساحة الحرب ـ وطلحة منهم ـ بل الثابت خلافه، كما سنرى إن شاء الله.
إشارة هامة:
ويقولون: "إنه لما كانت وقعة أحد اشتد الأمر على طائفة من الناس، تخوفوا أن يدال عليهم الكفار، فقال رجل لصاحبه: أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي، فآوي إليه، وأتهود معه، لعله ينفعني إذا وقع أمر، أو حدث حادث.
وقال الآخر: أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني في الشام، وأتنصر معـه، فأنزل الله: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء?([403])" ([404]).
وقد روى ابن طاووس في الطرائف، والعلامة في نهج الحق هذه الرواية عن السدي، الذي روى عنه ابن جرير، وابن أبي حاتم وغيرهما. وقد صرح السدي بأن الرجلين هما عثمان وطلحة. وأنهما استأذنا النبي "صلى الله عليه وآله"، وألحا عليه في ذلك.
كما أن رواية أخرى عن عكرمة تقول: "كان طلحة والزبير يكاتبان النصارى وأهل الشام"([405])، فقد صرحت الرواية باسم طلحة في تفسير نفس هذه الآية.
والرجل الآخر قد اختلف فيه، فقال عكرمة هو الزبير، وقال السدي هو عثمان.
ثم إن لطلحة هذا هنات وهنات، ومواقف عجيبة وغريبة، ويكفي أن نذكر: أن عمر بن الخطاب قد أخبر حين حضرته الوفاة بأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" مات وهو عليه ساخط، لأنه قال: "إنه سيتزوج نساء النبي من بعده، فنزلت فيه: ?وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهَ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً?([406])"([407]).
ومن أراد المزيد، فليراجع قاموس الرجال وغيره؛ ليقف على بعض مواقف طلحة وأفاعيله. وحسبنا ما ذكرناه هنا، وقد يأتي المزيد مما يتعلق بهذا الموضوع إن شاء الله.
تجميع القوى، وإعادتها إلى مراكزها:
قد ذكرنا فيما تقدم: أنه بعد أن صار الرسول يدعو المسلمين إليه، صاروا يرجعون إليه زرافات ووحداناً، وجاهدوا في الله حق جهاده، وحرص النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" على أن يرجع بهم إلى مراكزهم الأولى؛ لأن ذلك سوف يجعل الجبل من خلفهم؛ فيخلصون الحرب إلى جهة واحدة([408]). تماماً كما هي الخطة الأولى. وكانت الجراح قد أرهقت علياً ـ كما تقدم ـ حتى بلغت نيفاً وستين جراحة ـ كما عن أنس بن مالك ـ بين طعنة، ورمية، وضربة.
وفي رواية: نيفاً وأربعين أو نيفاً وسبعين. وفي رواية: تسعين([409]).
ويحتمل أن تكون: كلمتا تسعين وسبعين: إحداهما تصحيف للأخرى لتقارب الرسم فيما بينهما، مع عدم وجود النقط للكتابة في السابق. ويبدو أنه في هذه اللحظات الحرجة، وبعد أن رجع إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بعض من انهزم من أصحابه وبقاء أصحاب الصخرة في موقعهم، خائفين أن تصل إليهم قريش.
نعم، في هذه اللحظات يبدو أن الله قد أنزل على القادمين الراجعين إلى النبي"صلى الله عليه وآله"، التائبين، أمَنَة نعاساً، لكي يطمئنوا إلى نصر الله ولطفه.
أما أصحاب الصخرة، أو كثير منهم، فقد أهمتهم أنفسهم، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية. وهؤلاء كانوا ـ في الأكثر ـ من المنافقين.
والخلاصة: أن النعاس في الحرب يكون من الإيمان والاعتقاد بالله، وفي الصلاة يكون من الشيطان. وهكذا كان؛ فقد بلغ الرسول وتلك الثلة من المسلمين المجاهدين، سفح جبل أحد، واستقروا فيه، ولم يجاوزوه. فأرعب ذلك المشركين، لما رأوه من عودة المسلمين إلى مراكزهم الأولى، وتجميع صفوفهم، وارتفاع معنوياتهم من جديد. وإن كان لا تزال ثلة منهم فوق الجبل، وهم أصحاب الصخرة، ومنهم أبو بكر، وعمر، وطلحة، وغيرهم؛ فخاف المشركون أن يدال المسلمون منهم من جديد، ويفعلوا بهم كما فعلوا في ابتداء الحرب، ففضلوا إنهاء الحرب، والانسحاب بسلام، وهكذا كان. وحينئذٍ أعلن أبو سفيان انتهاء الحرب، وأشرف على الجبل، ونادى بأعلى صوته: أُعْلُ هُبَل.
وحيث إن المسألة لم تعد مسألة شخصية، وإنما يريد أبو سفيان أن يعتبر هذا النصر الظاهري وإن كان ينطوي على الرعب القاتل، مؤيداً لدينه ولإلهه هبل، فقد أجابه النبي "صلى الله عليه وآله"([410]) ـ وقيل عمر ـ: "وقد صرحت بعض الروايات بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد علّم عمر ما يقول"([411]).
وفي رواية: أن النبي "صلى الله عليه وآله" علّم علياً "عليه السلام"، فأجابه([412]): الله أعلى وأجل.
فقال أبو سفيان: أُنعِمَت فعال، إن الحرب سجال، يوم بيوم بدر.
فقال: لا سواء قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.
وفي نص لأبي هلال العسكري: نادى أبو سفيان: أعل هبل.
فقال عمر: الله أعلى وأجل.
فقال: إنها قد أُنعِمَت يا ابن الخطاب فقال: إنها ([413]).
فجواب عمر هذا، وتصديقه لأبي سفيان لا ندري ما يعني به؟ وكيف نفسره؟!.
ثم سأل أبو سفيان: إن كان النبي "صلى الله عليه وآله" حياً، فأمرهم النبي "صلى الله عليه وآله": أن لا يجيبوه.
ثم سأل ـ كما قيل ـ عن أبي بكر، وعن عمر، فكذلك([414]).
فيقال: إن أبا سفيان قال حينئذٍ: أما إن هؤلاء قد قتلوا، وقد كفيتموهم، ولو كانوا أحياء لأجابوا. فعند ذلك ـ كما يقولون ـ لم يملك عمر نفسه، وأخبرهم: أنهم أحياء، فطلب أبو سفيان من عمر أن يأتيه، فقال "صلى الله عليه وآله" لعمر: إئته، فانظر ما شأنه. فجاءه، فسأله: إن كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد قتل.
فقال عمر: اللهم لا، وإنه ليسمع كلامك الآن.
قال: أنت أصدق عندي من ابن قميئة، وأبر([415]).
ثم واعدهم أبو سفيان بدراً في العام القادم، وانصرف.
ولكن إذا كان عمر بن الخطاب قد أجاب أبا سفيان على قوله: أعل هبل.
وكان ذلك قبل هذا الكلام، فإن أبا سفيان الذي خاطب عمر، وسمع صوته، ورأى مكانه، لا يمكن أن يدّعي: أن عمر قد مات بعد ذلك بدقائق، إلا إذا فرض أنه سمع صوته، ولم يعرفه ولم يره، بسبب وجود موانع من رؤيته له.
ولكنه فرض لا يصح، لأن أبا سفيان قد صرح في كلامه بأنه إنما يخاطب ابن الخطاب بالذات.
ومهما يكن من أمر، فقد جاء علي "عليه السلام" إلى النبي "صلى الله عليه وآله" بعد أن انتهت الحرب، فغسل وجهه، وضمدت جراحه فاطمة "عليها السلام".
ومَثَّل نساء المشركين في قتلى المسلمين فجدعن الأنوف والآذان، إلا أنهن لم يمثلن بحنظلة ابن أبي عامر، لأن أباه طلب منهن تركه، فتركنه له. وتشاوروا في نهب المدينة؛ فأشار صفوان بن أمية بالعدم؛ لأنهم لا يدرون ما يغشاهم([416]).
وأرسل النبي "صلى الله عليه وآله" علياً أمير المؤمنين "عليه السلام" في آثارهم؛ لينظر؛ فإن كانوا قد ركبوا الإبل، وجنبوا الخيل؛ فهم يريدون مكة، وإن كان العكس، فهم يريدون المدينة، فلا بد من مناجزتهم فيها؛ فذهب "عليه السلام"، وعاد، فأخبره بأنهم جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل([417]).
ولكن البعض يقول: إن سعد بن أبي وقاص هو المرسل في هذه المهمة، وإنه لما رجع رفع صوته بأنهم قد جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل .
فجعل النبي "صلى الله عليه وآله" يشير إليه: خفِّض صوتك، فإن الحرب خدعة. فلا تُرِ الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم؛ فإنما ردهم الله تعالى.
ويقول الواقدي: إنه "صلى الله عليه وآله" أوصى سعداً بأنه إن رأى القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني وبينك، ولا تفت في أعضاد المسلمين([418]).
ونسب مثل ذلك إلى علي "عليه السلام"، وأنه رفع صوته بالخبر، مع أنه "صلى الله عليه وآله" كان قد أوصاه بخلاف ذلك([419]).
ونحن نُجِلُّ علياً "عليه السلام" عن أن يكون قد ارتكب مثل هذه المخالفة، فقد تعودنا منه الوعي الكامل، والطاعة المطلقة للرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، وقد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام" في خيبر: إذهب ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فمشى هنيئة ثم قام ولم يلتفت للعزمة، ثم قال: على ما أقاتل؟! الخ..
ولعله لأجل هذه الانضباطية المطلقة منه "عليه السلام" في تنفيذ أوامر الرسول نجده "صلى الله عليه وآله" ينهى ذلك الذي أرسله في رسالة إلى علي "عليه السلام"، الذي سار في مهمة عسكرية ـ ينهاه ـ عن أن ينادي علياً من خلفه([420]).
فهذه القضية بسعد أشبه منها بعلي، وإن كان يمكن أن يكون قد أرسلهما معاً.
فمقصود المحرفين هو أن يقولوا: إن المخالفة تصدر من علي "عليه السلام" كما تصدر من غيره، وأنه لا كبير فرق فيما بينهم. ولكن الله يأبى إلا أن يظهر الحق، ويتم نوره.
ومن جهة أخرى نلاحظ: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد صرح بمعرفته بنوايا جيش الأعداء، وأعطى دلائل تشير إلى تلك النوايا وهي دلائل دقيقة وعميقة، لا يدركها الناس العاديون، حيث جعل ركوبهم الإبل دليلاً على أمر آخر..
وقد استعد لمواجهة كلا الاحتمالين بالقرار المناسب، فكيف ينسبون إليه ـ والعياذ بالله ـ أنه يجهل بأمور بديهية، مثل قصة تأبير النخل ونحوها، مما هو مختلق ومكذوب؟
ونلاحظ أيضاً: أن تفرق جيشه من حوله حتى لم يبق معه سوى علي "عليه السلام" لم يضعفه، ولم يفقده القدرة على اتخاذ القرار الصحيح في مواضع الشدة، فيعلن لعلي بهذا القرار الذي يشير إلى أنه لم يكن في تلك اللحظات الصعبة يفكر بنفسه، بل بما هو أهم وأولى وأكثر حساسية بالنسبة لحفظ الكيان العام ألا وهو حفظ حرمة المدينة من أن ينتهكها الجيش الغازي.
ومهما يكن من أمر، فإنه بعد انتهاء المعركة خرج علي "عليه السلام" حتى ملأ درقته ماء من المهراس، فجاء به رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليشرب؛ فوجد له ريحاً، فعافه ولم يشرب. وغسل الدم عن وجهه.
ويقال: إن فاطمة "عليها السلام" كانت تغسل جراحاته وتضمدها، وهو "صلى الله عليه وآله" يقول: إشتد غضب الله على من أدمى وجه نبيه([421]).
وبعد انتهاء الحرب أرسل علياً "عليه السلام" إلى المدينة ليبشر أهلها: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" حي سالم([422]).
وهنا أمور لا بأس بالإلماح إليها للتتميم، والتوضيح، والتصحيح، وهي:
ألف: فاطمة أم أبيها:
إننا حينما نقرأ هذه الفقرات حول تضميد فاطمة "عليها السلام" جراحات رسول الله "صلى الله عليه وآله" نتذكر أنها ـ كما رواه الإمام الصادق "عليه السلام" ـ كانت تلقب: بأم أبيها([423]).
وما ذلك إلا لأنها كانت بمنزلة الأم في حنانها، وعطفها، ورعايتها له "صلى الله عليه وآله"، وسهرها على راحته وسعادته، وكانت تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه.
ومن الواضح: أن الأم إنما تتحمل المتاعب، وتصبر على الصعاب في سبيل ولدها، وهي تتمنى حياته. (أما الولد، فإنه إذا رعى شؤون والديه، وتحمل بعض المتاعب في سبيلهما، فإنما يفعل ذلك وهو يتوقع، أو يتمنى وينتظر موتهما).
لقد كانت فاطمة "عليها السلام"، بمنزلة الأم، لأنها كانت تريد حياته "صلى الله عليه وآله"، وتريد أن تبقى معه ولا تفارقه، حتى إنها حينما أخبرها، وهو على فراش الموت: أنها أول أهل بيته لحوقاً به ضحكت واستبشرت، فراجع كتب الحديث والتاريخ([424]).
وقد تحدثنا عن معنى هذه الكلمة: "أم أبيها" في كتابنا "مأساة الزهراء عليها السلام"([425]) فراجع.
ب: النبي ' والمسلمون في الجبل!
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" لما صعد الجبل علت عالية من قريش الجبل؛ فقاتلهم عمر، ورهط من المهاجرين، حتى أهبطوهم من الجبل، ونهض "صلى الله عليه وآله" إلى صخرة في الجبل ليعلوها؛ فلم يستطع، فجلس تحته طلحة، ونهض به حتى استوى عليها، وكان بطلحة عرج، فتكلف الإستقامة؛ لئلا يشق على النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فذهب عرجه([426]).
ونقول:
أولاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" ومن معه لم يبلغوا الصخرة، ولا الغار، ولا المهراس، ولا الدرجة المبنية من الشعب، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد صرح الواقدي بأن المسلمين ـ ولا بد أن يكون المراد المقاتلين منهم ـ لم يصعدوا الجبل. وكانوا في سفحه، لم يجاوزوه إلى غيره، وكان فيه النبي "صلى الله عليه وآله"([427]).
2 ـ وفي رواية لأحمد: "وجال المسلمون جولة نحو الجبل، ولم يبلغوا حيث يقول الناس: الغار، إنما كان تحت المهراس"([428]).
3 ـ إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يبلغ الدرجة المبنية من الشعب([429]).
4 ـ قال ابن اسحاق: "فلما انتهى النبي "صلى الله عليه وآله" إلى فم الشعب، خرج علي بن أبي طالب (رض) حتى ملأ درقته من المهراس"([430]).
وجاء بالماء، فغسل وجهه كما سيأتي.
5 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يبرح ذلك اليوم شبراً واحداً، حتى تحاجزت الفئتان([431]).
فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليفر من وجه عدوه، ويصعد إلى الجبل ويعتصم به، ويترك عدوه يصول ويجول كيفما يشاء.
وقد أنزل الله في الفارين قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، وينعى عليهم عملهم ذاك، ويؤنبهم عليه.
كما أننا لا نصدق أن يرتكب الرسول "صلى الله عليه وآله" هذا الأمر في الوقت الذي كان يدعو فيه الفارين في أخراهم إلى العودة إلى مراكزهم. ولا يمكن أن تحدثه نفسه بالفرار من الزحف في أي من الظروف والأحوال.
6 ـ قد تقدم أن الصباح بن سيابة قد سأل الإمام الصادق "عليه السلام" عما يذكرونه من هذا، فهو يقول له "عليه السلام": "فالغار في أحد الذي يزعمون أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" صار إليه؟
قال: والله ما برح مكانه"([432]).
ثانياً: قولهم إن عمر ورهطاً من المهاجرين قد قاتلوا المشركين حتى أهبطوهم من الجبل، لا ندري أنصدقه؟!
أم نصدق قول الواقدي: "وصل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى الشعب مع أصحابه، فلم يكن هناك قتال"؟([433]).
أم نصدق قولهم: إن سعداً وحده قد ردهم بسهم، قُتل به أربعة منهم؟([434]) عجيب!! أربعة!!.
وثالثاً: إنهم يقولون: إنه لما رأى أصحاب الصخرة النبي "صلى الله عليه وآله"، وضع أحدهم سهماً في قوسه، وأراد أن يرميه "صلى الله عليه وآله".
فقال: أنا رسول الله، ففرحوا، وفرح بهم؛ لأنه رأى من يمتنع به، واجتمعوا حوله([435]).
وفي رواية: لما نادى كعب بن مالك، يبشر الناس بحياة الرسول "صلى الله عليه وآله" نهضوا إليه (أي أصحاب الصخرة) فيهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، والحارث بن الصمة([436]).
ونسجل هنا ما يلي:
1 ـ إن ذكر علي هنا غلط عفوي أو عمدي بلا ريب؛ لأنه "عليه السلام" لم يفر مع هؤلاء إلى الجبل، ولا أصعد فيه حتى بلغ الصخرة؛ بل كان مع النبي "صلى الله عليه وآله"، يدافع عنه، ويكافح وينافح. بإجماع المؤرخين.
2 ـ لا ندري ما معنى قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" فرح بهم؛ لأنه رأى من يمتنع به؟! فهل منعوه قبل الآن ؟! ولو كانوا قد منعوه، فما هو المبرر لكونهم على الصخرة فوق الجبل؟!. وهل يمتنع بهم.
وبعضهم قال لهم ـ وهم على الصخرة ـ: يا قوم، إن محمداً قد قتل، فارجعوا إلى قومكم، قبل أن يأتوا إليكم؛ فيقتلوكم([437]). وبعضهم قال غير ذلك حسبما تقدم!!.
3 ـ إنه يظهر: أن طلحة لم يكن مع النبي "صلى الله عليه وآله"، ولا عاد إليه، لا هو ولا سعد، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا الزبير، ولا الحارث بن الصمة بعد فرارهم في الجولة الأولى. وإنما عاد إليه أولئك الثلاثون فقط على الظاهر، أو معهم غيرهم ممن هو غير معروف ولا مشهور.
4 ـ إنه يظهر مما تقدم، ومن قول ذلك القائل: ارجعوا إلى قومكم الخ.. ومن قولهم: إن عمر مع رهط من المهاجرين!! قد قاتلوا الذين علوا الجبل، وغير ذلك ـ يظهر من ذلك ـ: أن أكثر الذين كانوا على الصخرة فوق الجبل كانوا من المهاجرين، وفيهم بعض الأنصار، ولم يرد ذكر لأنصاري باسمه إلا للحارث بن الصمة، كما تقدم.
5 ـ ولا نريد أن نسمح لأنفسنا بالاسترسال في هذا المجال، حتى لا تتقاذفنا الظنون حول صحة وسلامة نية ذلك الذي أراد أن يرمي النبي "صلى الله عليه وآله" بسهمه، بزعم أنه لم يكن عارفاً له.
وقد سماه الواقدي: ب‍ـ (أبي بردة بن نيار). فلعله كان عن غفلة حقيقية منه. ولعله كان من المنافقين ـ في بادئ الأمر ـ فأراد انتهاز هذه الفرصة للتخلص من النبي "صلى الله عليه وآله"، بحجة أنه لم يعرفه؛ إذ لا ندري إن كان فيهم بعد من يملك الجرأة على رمي سهم على رجل يحتمل أنه من المشركين بعد أن جرى ما جرى!!
وقد بذل المنافقون محاولات مشابهة، فقد نفّروا برسول الله "صلى الله عليه وآله" ناقته ليلة العقبة؛ بهدف قتله.
ولأجل هذا فنحن لا نستطيع أن نوافق عمر بن الخطاب على إخباره أبا سفيان والمشركين بحياة النبي، مع أنه "صلى الله عليه وآله" قد نهاه عن ذلك، وفي موقع حساس وخطير كهذا!!.
ج: روايات لم تثبت:
إنهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد رمى بالنبل، حتى اندقت سية قوسه([438]).
وأنكر ذلك البعض على اعتبار أنه "صلى الله عليه وآله" لو كان رمى لكان "صلى الله عليه وآله" أصاب، ولنقل ذلك إلينا؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله([439]).
ويقولون أيضاً: إنه "صلى الله عليه وآله" قد قتل أبي بن خلف بحربة طعنه بها.
ونحن نستبعد ذلك أيضاً؛ لأنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يباشر القتل بيده؛ لعلمه بأن أهل بيت المقتول لا تصفو نفوسهم للقاتل عادة، ولا يتبعونه بإخلاص.
ومع أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يباشر ذلك، فإننا نجد هنداً وغيرها يذكرون: أنه قاتل الأحبة، فكيف لو كان باشر قتلهم بيده؟!
ولكن علياً "عليه السلام" قد تحمل هذه المسؤولية، لأن عدم اتباعهم ومحبتهم له، لا يبرر خروجهم من الإسلام، فلو أرادوا أن يحقدوا على الإسلام بسبب ما فعله علي "عليه السلام" لوجدوا أنفسهم أمام تأنيب الضمير، ومحاسبة الوجدان، ولكن كرههم للنبي "صلى الله عليه وآله" يوجب خروجهم عن دائرة الإسلام بالكلية، والله هو العالم بواقع الحال.
د: عمر في قفص الاتهام:
إن لنا هنا أسئلة لا بد أن نوجهها إلى عمر بن الخطاب، ونطلب منه الإجابة عليها بصراحة، وهي التالية:
1 ـ لماذا أخبر أبا سفيان والمشركين بوجود النبي "صلى الله عليه وآله" في ظرف حرج وحساس كهذا، مع أنه "صلى الله عليه وآله" قد نهاه عن ذلك؟
2 ـ قد جاء عن ابن واقد: أن ضرار بن الخطاب الفهري قد ضرب عمر بن الخطاب بالقناة يوم أحد، حينما جال المسلمون تلك الجولة، وقال له: يا بن الخطاب، إنها نعمة مشكورة، والله ما كنت لأقتلك([440]).
لماذا ما كان ليقتله؟ أليس هو الذي أذل قريشاً كما يدَّعون، وعز به الإسلام كما يزعمون وإن كنا قد أثبتنا عدم صحة ذلك.
أوليس ضرار هذا كان يطلب الأكابر من الأوس والخزرج ليشفي بقتلهم غليل صدره؟!([441]).
ألم يكن أكثر قتلى المشركين في بدر قد قتلوا بيد المهاجرين؟! فلم لا يشفي غليله من أكابر المهاجرين، ولا سيما ممن هم مثل عمر بن الخطاب؟!.
3 ـ وخالد بن الوليد يحدث وهو بالشام فيقول: لقد رأيتني، ورأيت عمر بن الخطاب رحمه الله حين جالوا، وانهزموا يوم أحد، وما معه أحد، وإني لفي كتيبة خشناء؛ فما عرفه منهم أحد غيري؛ فنكبت عنه، وخشيت إن أغريت به من معي أن يصمدوا له، فنظرت إليه موجهاً إلى الشعب([442]).
لماذا هذه المراعاة من خالد لعمر، ومحافظته عليه، ثم هو يوجهه إلى الشعب؟! وما هو السر الذي جعل خالداً يهتم في أن لا يلتفت إلى عمر أحد، وهو الذي كان شديداً على المسلمين حسبما تقدم؟!
ودعوى ابن أبي الحديد: أن سر ذلك هو النسب الذي بينهما، يرده أن رابطة الدين هي الأقوى، أوليس ابن أبي بكر قد برز لقتال أبيه كما يدَّعون؟
4 ـ لماذا يهنئ أبو سفيان عمر بالنصر الذي أحرزوه على المسلمين، ويقول له: "أنعمت عيناً، قتلى بقتلى بدر"؟!([443]).
وما معنى قول أبي سفيان له: إنها قد أنعمت يا ابن الخطاب، فأجابه عمر بقوله: إنها. فما هو الذي أيده فيه؛ ووافقه عليه يا ترى؟
وكيف يمكن الربط بين هذه الكلمات وبين قوله: "قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار"؟!
هل خشي عمر أن يكون قد سمعه أحد من المسلمين يهنئ أبا سفيان فأراد التعمية عليهم بهذه الكلمات؟!
أم أنه أراد السخرية بالحقيقة القرآنية الثابتة ليزيد من فرحة أبي سفيان؟! أم أنه قصد معنى يخالف ما قصده أبو سفيان؟!.. إن سائر القرائن التي بأيدينا لا تؤيد هذا الاحتمال الأخير كما رأينا وسنرى.
5 ـ لماذا كان عمر أبرَّ لأبي سفيان من ابن قميئة كما تقدم؟ أوليس ابن قميئة يقاتل أعداء أبي سفيان ويفنيهم، ويقتحم الغمرات، ويواجه السيوف، والنبال، والرماح في الدفاع عن المشركين بزعامته، ويدافع عن مصالحهم، ويعمل من أجل قهر عدوهم؟! وعمر أليس عدواً لأبي سفيان، ونصيراً لعدوه؟ ومقوياً له عليه؟! .
وقد حاول البعض توجيه ذلك، بأن من الممكن أن يكون أبر بلحاظ صدقه؛ وإخباره بالواقع.
ونقول: إن هذا غير معقول، فإن عبارة أبي سفيان قد صرحت بصدق عمر، كما صرحت ببره، فلو كان المراد بالبر الصدق لم يصح منه التصريح بهما معاً.
أو فقل: لم يحسن منه ذلك على الأقل.
فالمراد به: ما يعود بالفائدة عليه، وعلى جيشه، وهو هنا: تمكنه من الظفر بالنبي "صلى الله عليه وآله" وقتله، أما قول ابن قميئة فإنه يؤدي إلى نجاة الرسول "صلى الله عليه وآله" وهذا ما يرى فيه أبو سفيان أعظم الضرر عليه.
6 ـ لماذا لم يعترض هو، ولا أبو بكر، ولا طلحة، ولا غيرهم من كبار المهاجرين، الذين فروا وكانوا على الصخرة، على من قال: إنه يريد أن يوسط ابن أُبي لدى أبي سفيان؛ وطلب منهم الرجوع إلى دينهم الأول؟! أو نحو ذلك من كلام، يدل على رغبتهم في الارتداد عن الإسلام، وممالأة المشركين، والاتفاق معهم؟.
أسئلة لا تزال ولسوف تبقى تنتظر الجواب المقنع والمفيد.
العباس في أحد:
في قضية أحد رواية تفيد: أن العبـاس كـان ممسكاً بعنان فرس النبي "صلى الله عليه وآله" يقوده. ثم إن النبي "صلى الله عليه وآله" لما صعد الجبل، أو أراد أن يصعده نزل عن الفرس، وصعد. وكان يلتفت إلى الجوانب؛ فسألوه عن سبب ذلك؛ فأقبل على علي، فقال: هل عندك خبر من عمك؟ فأخبره علي بما وقع، فبكى "صلى الله عليه وآله" هو والأصحاب([444]).
ولكن هذا لا يمكن أن يصح؛ لأن العباس لم يحضر حرب أحد. وتعلل على قريش بما جرى عليه في بدر.
فمن أين جاء وأمسك بعنان فرس النبي "صلى الله عليه وآله"؟!
ولو كان ذلك صحيحاً، كيف قبلت قريش منه أن يعود ليسكن مكة عدة سنوات بعد ذلك؟!.
فنظن ـ لو كان لهذه القضية أصل ـ أن المقصود: هو العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري، فإنه قد استشهد يوم أحد رحمه الله.
وبكاء الصحابة إنما كان على حمزة عم النبي رحمه الله أو على العباس بن نضلة. ولعله هو الذي كان جهوري الصوت؛ فنادى كما يقولون: يا أصحاب سورة البقرة أين تفرون؟ إلى النار تهربون([445]).
ويكون الراوي قد حرَّف في الرواية اعتماداً على ما هو مرتكز في ذهنه، أو لحاجة في نفسه قضاها!!. هذا بالإضافة إلى وجود الشك في وجود فرس لدى المسلمين من الأساس، حسبما تقدم.
من مشاهد الحرب:
1 ـ لما كان يوم أحد قال مخيريق الحبر اليهودي: يا معشر يهود، والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق.
قالوا: إن اليوم يوم السبت.
قال: لا سبت.
فأخذ سيفه وعدته.
وقال: إن أصبت فمالي لمحمد، يصنع فيه ما شاء، ثم غدا إلى رسول الله، فقاتل معه حتى قتل، فيقال: إنه "صلى الله عليه وآله" قال: مخيريق خير يهود.
2 ـ وأصر عمرو بن الجموح على الخروج إلى الحرب مع عرجه، ودعا الله: أن يرزقه الشهادة، ولا يرده خائباً إلى أهله. فاستشهد رحمه الله.
3 ـ وأصيبت عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته، فردها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بيده، فكانت أحسن عينيه، وأحدّهما.
ويقال: إنه هو الذي طلب ذلك من النبي "صلى الله عليه وآله"؛ لأنه رجل يحب النساء، ويخاف أن تعافه امرأته إذا رأته كذلك.
وقد افتخر بذلك ابن لقتادة، عند عمر بن عبد العزيز، فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون، ثم قال:
تـلـك المكـارم لا قعبـان مـن لـبن شـيـبـاً بـماء، فـعـادا بـعـد أبـوال
ويقال: إن كلثوم بن الحصين رمي في نحره بسهم؛ فبصق عليه "صلى الله عليه وآله" فبرئ.
وفي رواية أخرى: إن عين أبي ذر أصيبت يوم أحد؛ فبصق فيها النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فكانت أصح عينيه([446]).
4 ـ وقتل الحارث بن سويد المجدر بن زياد غيلة في أحد؛ لثأر جاهلي له عليه، وكلاهما كان في جيش المسلمين؛ فنزل الوحي على الرسول، وأخبره حبيب بن يساف؛ لأنه كان قد رآه قتله، بخبره؛ فقتله "صلى الله عليه وآله" به بعد رجوعه إلى المدينة، ولم يستمع لطلبه بالعفو، ووعده بالتكفير والدية، كذا يقولون.
5 ـ وقتل سعد بن الربيع. وكان آخر ما قاله في وصية مطولة منه للمسلمين: إنه لا عذر لكم عند رسول الله: أن يخلص إلى نبيكم، وفيكم عين تطرف، ثم مات.
ودخل عمر على أبي بكر ـ وعنده بنت لسعد هذا ـ وقد طرح لها ثوباً لتجلس عليه، فسأل عمر عنها.
فقال أبو بكر: هذه ابنة من هو خير مني ومنك.
قال: ومن هو يا خليفة رسول الله؟
قال: رجل تبوأ مقعده من الجنة، وبقيت أنا وأنت، هذه ابنة سعد بن الربيع الخ..([447]).
6 ـ ويقولون أيضاً: انقطع سيف عبد الله بن جحش، فناوله "صلى الله عليه وآله" عرجوناً فعاد سيفاً، ولم يزل أهله يتوارثونه، ويسمى (العرجون)، حتى بيع لبغا التركي بمائتي دينار.
ويذكر مثل هذا لعكاشة بن محصن في واقعة بدر.
ولكن قد ذكر البعض: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" ولي تركة عبد الله بن جحش، وأخذ منها سيفه العرجون، فاشترى لأمه مالاً بخيبر([448]).
ولكن ثمة قصة شبيهة بقصة العرجون بين النبي "صلى الله عليه وآله" وعلي "عليه السلام"([449]). فليتأمل فيما هو الحق من ذلك.
فإننا نكاد نطمئن إلى صحة هذه الأخيرة، وذلك لما تعودناه من أعداء علي "عليه السلام"، من إغارات على فضائله وكراماته.
7 ـ ويقولون: إن هنداً قد اعتلت صخرة مشرفة، فصرخت:
نـحـن جـزيـنـاكـم بـيـوم بــــدر والحرب بـعـد الحرب ذات سـعـر
مـا كـان لي عـن عـتـبـة مـن صــبر ولا أخــي، وعـــمــــه وبــكـر
شـفـيـت نفسي، وقضيت نـــذري شـفـيـت وحشيّ غليـل صــدري
فـشـكـر وحشيّ عـلى عــمــــري حـتـى تــرم أعـظـمـي في قبــري
فأجابتها هند بنت أبان بن عباد بن المطلب بن عبد مناف:
خـزيـت في بـــدر، وغــيـر بـــدر يـا بـنـت وقـاع عـظــيم الكــفر
صـبـحـك الله غــداة الــــفــجـر بـالهـاشميين الــطـوال الــزهــر
بـكـل قـطـاع حـســـام يــفـــري حمــزة لـيـثـي، وعــلي صــقـري
إذ رام شــيــب وأبــوك غــــدري فــخـضـبـا مـنه ضــواحي النحر
ونــذرك الـــشـر فــشــر نــــذر ... الخ ... ([450]).
8 ـ كما أن الجليس بن زيان، سيد الأحابيش، قد مر بأبي سفيان، وهو يضرب بشدق حمزة بزج الرمح، ويقول: ذق عقق([451]).
فقال الجليس: يا بني كنانة، هذا سيد قريش، يصنع بابن عمه ما ترون لحماً!!
فقال: ويحك، أكتمها عليَّ؛ فإنها كانت زلة([452]).
9 ـ وقد تقدم تمثيل قريش بالشهداء من المسلمين أقبح تمثيل.
10 ـ ويقال: إن قزمان الذي كان "صلى الله عليه وآله" إذا ذكره يقول: إنه لمن أهل النار([453])، قد حارب في أحد، وقتل سبعة أو ثمانية من المشركين، فجرح، فبشره البعض، فقال: بماذا أبشر؟ فوالله ما قاتلت إلا عن الأحساب.
ويقال: إنه لما اشتدت جراحته قتل نفسه([454])، ويقال: لم يفعل ذلك.
ويقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ قال ما معناه: إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر([455]).
ملاحظات:
ونحن نسجل على ما تقدم باختصار شديد الإشارات التالية:
ألف : إن أموال مخيريق، وهي سبعة حوائط([456])، قد أصبحت للنبي "صلى الله عليه وآله" بعد أن استشهد مخيريق، بمقتضى وصيته نفسه. ولم يكن لليهود أن يأخذوا منها شيئاً؛ حيث إنه ليس للكافر أن يرث المسلم. وحيث لم يكن لمخيريق وارث؛ فإن النبي "صلى الله عليه وآله" يكون وارثه.
ولسوف يأتي بعض الكلام عن مصير أمواله "صلى الله عليه وآله" عند الكلام عن فدك إن شاء الله تعالى.
ب : إن موقف مخيريق هذا في أحد يذكرني بموقف الحر الرياحي في كربلاء. فكل منهما قد اتخذ القرار الحاسم في أحرج اللحظات، وأكثرها حساسية. فإن مخيريق قد استطاع أن يتخلى عن كل ما يحيط به من روابط تشده إلى الأرض، وتهيمن عليه، وتمنعه من اتخاذ القرار طيلة تلك المدة الطويلة، وكذلك فعل الحر أيضاً. وإن تحكيم العقل، والتخلي عن كل تلك الروابط، وإبعاد سائر تلك المؤثرات، يحتاج إلى جهد نفسي كبير. وبهذا تعرف الرجال، وما تحمله من فضائل نفسية، وملكات إنسانية. لأن حالات كهذه تكون الأعصاب فيها عادة في أقصى حالات التوتر، والمشاعر والعواطف في منتهى تأججها. وكل الروابط والمؤثرات الأرضية تكون واضعة كل ثقلها في تصوراته، ونظراته المستقبلية.
ولهذا كان (مخيريق) خير يهود. ولعل الذي سهل على مخيريق اتخاذه قراره الحاسم ذاك، هو قناعاته المترسخة في عمق وجدانه، والتي تستمد عمقها هذا من الإخبارات الصريحة والقاطعة التي يجدها عنده في التوراة والإنجيل، حتى إن اليهود كانوا يعرفون النبي "صلى الله عليه وآله" كما يعرفون أبناءهم.
ج : إن إصرار عمرو بن الجموح على الخروج إلى الحرب، وإذن النبي "صلى الله عليه وآله" له، إنما يعني أن عدم الخروج للجهاد رخصة للأعرج لا عزيمة. فإذا بلغ المسلم من النضج الروحي بحيث يعتبر عدم الشهادة له خيبة، والشهادة فوزاً ونجاحاً، ثم هو يندفع إليها بهذا الإصرار، ويعتبرها غاية له، وتتويجاً لحياته، فلماذا يحرم منها؟!
ويجب أن لا ننسى وصية سعد بن الربيع رضوان الله عليه "وهو شيخ الأنصار. وقد جعل بيوته للنبي "صلى الله عليه وآله" ولزوجاته، وقد عرس علي بفاطمة الزهراء "عليهما السلام" في أحد بيوته" التي تعبر عن مدى وعيه وسمو روحه، وهو لا يرى موته نهاية له، إذا كان دين محمد "صلى الله عليه وآله" محفوظاً؛ فإنه يعتبر نفسه قد فاز بشهادته من جهة، كما أنه يعتبر نصر محمد "صلى الله عليه وآله"، ودين محمد بعد موته نصراً له حتى وهو في قبره أيضاً، لأنه يرى نفسه فانياً في هدفه، وجزءاً منه؛ فإذا انتصر الهدف، فهو أيضاً يكون المنتصر.
د : وإن ما فعله أبو سفيان بجثة حمزة رضوان الله عليه، ثم طلبه من الجليس: أن يستر عليه هذه الزلة ليس بعجيب، فإن تصرفات ومواقف أبي سفيان لم تكن تحكمها فضائل نفسية، ولا قناعات عقلية وجدانية، ولا تخضع لقوة إلهية غيبية، ولكنها كانت تخضع للمفاهيم الجاهلية والقبلية، والمصالح الشخصية بالدرجة الأولى، ولـذلـك هو يعتبرها زلة إذ كان الجاهليون يقبحونها ويرفضونها، ولكنه لا يرى مانعاً منها بحسب ما لديه من خصائص نفسية، ومصلحة شخصية.
كما أن عمل أبي سفيان هذا يكذب ما اعتذر به عن المثلة التي لحقت شهداء المسلمين، حيث ادَّعى أنه لم يرض، ولم يغضب، ولم يعلم بالتمثيل بالشهداء على أيدي المشركين!!.
ويكذبه أيضاً: أن أبا عامر الفاسق طلب أن لا يمثل بولده حنظلة، ويترك لأجله فكان له ذلك. وهذا يدل: على أن التمثيل بالشهداء قد كان معلوماً لدى الملأ من قريش، وكانوا راضين به.
ولعل أبا سفيان قد كذب هذه الكذبة ليتفادى التمثيل بأصحابه، أو أنها كذبت عن لسانه من محبيه، ومن يهمهم أمره.
ه‍ : هذا وثمة نقاط أخرى فيما تقدم تحتاج إلى إلقاء الأضواء عليها، كقضية قزمان، فإننا نشك في أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد أخبر قبل موته أنه من أهل النار، ولعله ـ لو صحت الرواية ـ لما علم أنه قتل نفسه، قال: (هو من أهل النار) كما ورد في ذيل رواية الواقدي والمعتزلي([457]) فذيل الرواية مقبول، دون صدرها. وكقضية العرجون، فإنها إن لم تكن مع علي "عليه السلام"، فإننا نظن أنها قد جعلت في مقابل ذي الفقار لعلي "عليه السلام".
وحسبنا ما ذكرنا هنا، فإن الكلام حول كل ما تقدم يطول.
الصبر في الجهاد:
لقد رأينا في واقعة أحد أن الله تعالى قد أنزل آيات في سورة آل عمران ترتبط بالصبر في هذا المقام. ونحن نختار منها الآيات التالية: قال تعالى: ?أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ?([458]).
وقال: ?وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَالله يُحِبُّ الصَّابِرِينَ?([459]).
ثم هناك آيات أخرى في سورة آل عمران تؤنب المؤمنين على عدم صبرهم في أحد، وفيها إشارات لحقائق مهمة في حرب أحد لا مجال لبحثها الآن، غير أننا نكتفي هنا بإشارة موجزة جداً للصبر في الجهاد، فنقول:
الصبر في عرف الاستعمار، وفي عرف الحكام الظالمين، والجبابرة المتكبرين، هو تحمل الذل، والاستسلام لكل المخططات الهدامة التي تهدم حياة الإنسان، ومستقبله، وقيمه، وأخلاقه، ودينه، تهدمها لتبني على أشلائها عروش الظلم والخيانة، وملك الجبارين والمستكبرين. ولقد تسرب هذا المعنى للصبر إلى عقائد بعض المسلمين، عن طريق العلماء المزيفين، الذين جعلوا أنفسهم أداة للاستعمار ولأذنابه، وآلة في يد أولئك الحكام الظالمين، فحوروا دين الله على وفق أهداف أسيـادهم، وحسبـما يخـدم مصالحهم، ويؤيد ويسدد سلطانهم.
ولكننا إذا رجعنا ـ خلوا عن هذه السوابق الذهنية ـ إلى المنبع الأصفى للإسلام والقرآن العظيم، وإلى مواقف وتعاليم النبي الكريم، وأهل بيته الأطيبين الأطهرين، فإننا نجد: أن للصبر مفهوماً يختلف تماماً عن هذا المفهوم، بل هو يناقضه ويباينه.
إن الصبر في مفهوم هؤلاء هو تحمل كل المشاق في سبيل الوصول إلى الأهداف النهائية النبيلة لهذا الإنسان، وينسب لعيسى "عليه السلام": قوله: إنكم لا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون([460]).
وعن علي "عليه السلام": الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد([461]).
وقد قال أمير المؤمنين "عليه السلام": لا يعدم الصبور الظفر وإن طال الزمان([462]).
ونسب إليه أيضاً قوله: الصبر سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو([463]).
وقال "عليه السلام": لنا حق فإن أعطيناه، وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السرى([464]).
فالصبر في الإسلام هو الصبر على تحمل الأذى في محاربة الظلم، والقضاء عليه (الذي هو أحد هذه الأهداف).
ولذلك نجدهم في مقام الثبات في الحرب المدمرة، يقولون: ?وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ?([465]).
ويقولون في مواجهة فرعون: ?رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ?([466]).
وهذا هو الصبر الذي أراده الحسين "عليه السلام" حينما كانت السيوف والرماح تأكل أصحابه، وأهل بيته، وهو يقول لهم: صبراً على الموت يا بني عمومتي([467]).
نعم، إن الصبر هو تحمل الآلام والمتاعب في سبيل الوصول إلى الهدف الأسمى كما قلنا، تماماً كما فعل نوح وغيره من الأنبياء "عليهم السلام"، ولا سيما نبينا الأعظم "صلى الله عليه وآله".
والهدف الأسمى هو العبودية المطلقة لله تعالى، ورفض كل عبودية لسواه. وهو أمر صعب؛ لأنه لا ينسجم مع هوى النفس، التي تنفر من العبودية، وتميل إلى التحلل من كل القيود. ولذلك كان الصبر عن المعصية، والصبر على الطاعة، من عزم الأمور، يحتاج إلى جهد، وإلى تعب ومشقة، وقدرة على التحمل.
بل إن كل حق لا بقاء له بدون الصبر، وقد كان صبر الأنبياء والأوصياء من أهم أسباب بقاء الحق.
كما أن الصبر يدرب على التقوى، ويرفع من مستوى قدرته على قيادة نفسه، لأن الصبر لا يتحقق إلا بأن يقود هو نفسه، لا أن تقوده نفسه؛ وإذا استطاع أن يقود نفسه، وإذا كانت هي أقوى وأعتى من يواجه؛ فإن قدرته على أن يقوم بمهمة قيادة الآخرين، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وإلى هدى رب العالمين، تكون أعظم وأشد، وأكثر فعالية؛ ولذا قال الصادق "عليه السلام": الصبر صبران:
صبر على البلاء حسن جميل، وأفضل منه الصبر على المحارم([468]).
وقال أمير المؤمنين "عليه السلام": من ساس نفسه بالصبر على جهل الناس صلح أن يكون سائساً([469]).
ومن الأمور الجديرة بالتسجيل بالنسبة للصبر في الحرب، قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ، وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ?([470]).
فإننا نجد أنه في حين هو يأمرهم بالثبات في الحرب، يأمرهم بأن يذكروا الله كثيراً، وذلك من أجل أن يبقوا محتفظين بالهدف الأسمى الذي يفترض فيهم السعي إليه، وأن يجعلوه نصب أعينهم، ولا يصرفهم الدفاع عن نفوسهم عن ذكر الله تعالى.
وطبيعي: أن كثرة ذكر الله منهم سوف تذكرهم بأن الله بيده كل شيء، وأنه هو الذي ينصرهم على عدوهم، وهو مصدر عزتهم وسعادتهم، فذكرهم لله سوف يقويهم على الثبات، ويدعوهم إلى طاعته، وطاعة رسوله، وأن لا يتنازعوا، وأن يصبروا؛ فذكر الله هو مفتاح النصر في جميع المجالات، ثم الوصول إلى الهدف الأقصى، وهو إقامة دين الحق، ونصر الله: ?إِن تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ?([471]).
الفصل الرابع:
بعدما هبت الرياح
ما جرى على حمزة والشهداء:
قد تقدم بعض الكلام في كيفية استشهاد حمزة بن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه. وأن أبا سفيان كان يضرب شدق حمزة بزج الرمح، وهو ما ورثه عنه حفيده يزيد لعنه الله حيث صار ينكث ثنايا الحسين "عليه السلام" بقضيب وينشد:
لـيـت أشـيـاخـي بـبـدر شـهـدوا جـزع الخـزرج مـن وقـع الأسـل
ثم طلب من رفيقه أن يستر عليه هذه الزلة. وعلقنا عليها بما سمح لنا به المجال.
بقي أن نشير هنا: إلى أمور وممارسات أخرى ظهرت بالنسبة إلى الشهداء وهي التالية:
1 ـ إن هنداً زوجة أبي سفيان، قد أتت مصرع حمزة؛ فمثلت به، وجدعت أنفه، وقطعت أذنيه ومذاكيره، ثم جعلت ذلك كالسوار في يديها، وقلائد في عنقها، واستمرت كذلك حتى قدمت مكة. وكذلك فعل النساء بسائر الشهداء الأبرار.
وزادت هي عليهم: أنها بقرت بطن حمزة، واستخرجت كبده فلاكتها، فلم تستطع أن تسيغها([472]).
ويقال: إنها كانت قد نذرت ذلك([473]).
فيقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لما بلغه إخراجها كبد حمزة قال: هل أكلت منه شيئاً؟
قالوا: لا.
قال: إن الله قد حرم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئا أبداً([474])، أو: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة إلى النار([475]).
وليتأمل بعد فيما يقال حول إسلامها، وإيمانها، ثم الحكم لها بالجنة، كغيرها ممن هم على شاكلتها!!.
2 ـ وأقبلت صفية لتنظر أخاها، فالتقت بعلي "عليه السلام"؛ فقال: ارجعي يا عمة؛ فإن في الناس تكشفاً، فسألته عن الرسول "صلى الله عليه وآله"، فقال: صالح.
قالت: ادللني عليه حتى أراه؛ فأشـار إليه إشـارة خفية مـن المشركين، ـ لعلهم كانوا لا يزالون قريبين من هناك، ويخشى كرتهم فيما لو علموا: أن علياً بعيد([476]) عن النبي "صلى الله عليه وآله" ـ فأقبلت إليه، فأمر "صلى الله عليه وآله" الزبير بإرجاعها، حتى لا ترى ما بأخيها.
فقالت للزبير: ولم؟
وقد بلغني: أنه قد مثل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله. فسمح لها النبي "صلى الله عليه وآله" برؤيته، فنظرت إليه، فصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له. كذا في الإكتفاء([477]).
ويقال: إن الأنصار هم الذين حالوا بينها وبين رسول الله "صلى الله عليه وآله"([478]).
3 ـ وفي الصفوة: أنها جاءت بثوبين لتكفين حمزة، فإذا إلى جنبه أنصاري قتيل، قد مثل به، فوجدوا غضاضة وحياء أن يكفنوا هذا، ويتركوا ذاك، فأقرعوا بين الثوبين؛ فأصاب الأنصاري أكبر الثوبين، فكفن حمزة بالآخر، فلف على قدمي حمزة ليف وأذخر([479]).
4 ـ وكان لحمزة يوم قتل تسع وخمسون سنة، وصلى النبي "صلى الله عليه وآله" عليه، وكبر سبع تكبيرات. ثم صاروا يأتون بالقتلى، ويضعونهم إلى جانبه، فيصلي عليه وعليهم حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة. كذا في الطيبي([480]).
ولكننا نشك فيما ذكر عن مقدار عمره بملاحظة ما تقدم في حديث إرادة عبد المطلب ذبح ولده عبد الله، حين ولد له أولاده العشرة.
كما أننا نجد علياً "عليه السلام" يذكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قد خص حمزة بسبعين تكبيرة([481]). فلعله كبر عليه سبعين، ثم صلى عليه سبعين صلاة أخرى.
5 ـ قال ابن إسحاق: ومر رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ حين رجع إلى المدينة ـ بدور من الأنصار؛ فسمع بكاء النوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله "صلى الله عليه وآله" ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له.
فأمر سعد بن معاذ، ويقال: وأسيد بن حضير نساء بني عبد الأشهل: أن يذهبن ويبكين حمزة أولاً، ثم يبكين قتلاهن. فلما سمع "صلى الله عليه وآله" بكاءهن، وهن على باب مسجده أمرهن بالرجوع، ونهى "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ عن النوح، فبكرت إليه نساء الأنصار، وقلن: بلغنا يا رسول الله، أنك نهيت عن النوح، وإنما هو شيء نندب به موتانا، ونجد بعض الراحة؛ فأذن لنا فيه.
فقال: إن فعلتن فلا تلطمن، ولا تخمشن، ولا تحلقن شعراً، ولا تشققن جيباً([482]).
قالت أم سعد بن معاذ: فما بكت منا امرأة قط إلا بدأت بحمزة إلى يومنا هذا.
ولعل نهيه "صلى الله عليه وآله" لهن عن شق الجيوب وخمش الوجوه، هو لأجل أن لا يوجب ذلك شماتة أعدائهم بهم.
6 ـ ولما أراد معاوية أن يجري عينه التي بأحد، كتب إلى عامله بالمدينة بذلك، فكتبوا إليه: إنا لا نستطيع أن نخرجها إلا على قبور الشهداء.
فكتب: انبشوهم.
قال جابر: فلقد رأيتهم يحملون على أعناق الرجال، كأنهم قوم نيام. وأصابت المسحاة طرف رجل حمزة، فانبعثت دماً.
قال أبو سعيد: لا ينكر بعد هذا منكر أبداً([483]).
7 ـ ومر أبو سفيان بعد إسلامه بأحد، فقيل له: أي يوم لك ههنا.
فقال: والآن لو وجدت رجالاً([484]).
8 ـ مر أبو سفيان في أيام عثمان بقبر حمزة، وضربه برجله، وقال: يا أبا عمارة، إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمس في يد غلماننا اليوم يتلاعبون به([485]).
وكل ذلك يوضح حقيقة ما يقال عن إيمان أبي سفيان، وولده معاوية، وزوجته هند!!!
9 ـ وأما عن شرب حمزة للخمر حين خروجه إلى أحد، فقد أثبتنا أنه كذب، فراجع ما قدمناه حين الكلام حول تحريم الخمر وذلك في سياق الحديث عن زواج علي "عليه السلام".
أما نحن فنشير إلى الأمور التالية:
ألف: موقف الرسول ' من المثلة بحمزة:
إنهم يقولون: إنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها في واقعة أحد، سأل "صلى الله عليه وآله" عن عمه حمزة بن عبد المطلب، فالتمسوه، فوجدوه على تلك الحالة المؤلمة، حيث كانت هند أم معاوية، وزوجة أبي سفيان قد مثلت به؛ فجدعت أنفه، وقطعت أذنيه، وبقرت بطنه، واستخرجت كبده، فلاكتها، ولم تستطع أن تسيغها، إلى غير ذلك من ممارسات وحشية تجاه تلك الجثة الطاهرة. ـ تقدمت الإشارة إليها ـ فجاء "صلى الله عليه وآله"، فوقف عليه، فيقال: إنه "صلى الله عليه وآله" لما رآه في تلك الحالة قال:
"لولا أن تحزن صفية، وتكون سنة من بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع، وحواصل الطير([486]).
أو قال: لسرني أن أدعك حتى تحشر من أفواه شتى([487])، ولئن أظهرني الله على قريش يوماً من الدهر في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلاً منهم"([488]).
والمسلمون أيضاً قالوا: "والله، لئن أظفرنا الله بهم يوماً من الدهر، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب"([489]).
ويقال: إنه "صلى الله عليه وآله" بكى وشهق، وقال: رحمة الله عليك، لقد كنت فعولاً للخير، وصولاً للرحم، أم والله لأمثلن بسبعين منهم مكانك.
فنزل جبريل بقوله تعالى: ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ?([490]). فعفا رسول الله "صلى الله عليه وآله" وصبر.
وفي رواية، قال: أصبر، ونهى عن المثلة.
وفي أخرى: كفر عن يمينه([491]).
ونقول: إن بكاءه "صلى الله عليه وآله" على حمزة لا مانع منه، وأما ما سوى ذلك مما ذكر آنفاً، فنحن نشك في صحته. ونعتقد أنه كقضية ممارسة عمل المثلة الشنيع المنسوب له "صلى الله عليه وآله" زوراً وبهتاناً، قد وضع بهدف إظهار رسول الله "صلى الله عليه وآله" كأحد الناس، الذين يتعاملون مع القضايا من موقع الإنفعال والعصبية للقبيلة والرحم، ولتبرر بذلك جميع المخالفات التي ارتكبها ويرتكبها الحكام الظالمون.
كما أن ذلك يُسقط قول وفعل الرسول "صلى الله عليه وآله" عن الاعتبار والحجية، فلا يبقى لما ورد عنه "صلى الله عليه وآله" من ذم لمن يحبهم بعض الناس تأثير يذكر.
أما ما نستند إليه في حكمنا على هذه الأقاويل بالوضع والاختلاق، فهو الأمور التالية:
1 ـ إن ذلك لا ينسجم مع روحية وأخلاق وإنسانية النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، ولا ينسجم حتى مع روح التدبير للأمور العامة، من قبل أي إنسان حكيم، مدبر للأمور، ولا مع سياسة الأمم بالمعنى الصحيح والسليم للسياسة. وذلك لأنه لا مبرر لإبقاء جثة شهيد في الصحراء، تصهرها أشعة الشمس، عرضة للوحوش والسباع والطير، ولا فائدة في إجراء كهذا.
إذ من الواضح: أن ذلك لا يعتبر انتقاماً من قريش، ولا أداء لحق ذلك الشهيد العظيم، إن لم يكن إساءة وإهانة له، بملاحظة أن إكرام الميت دفنه. ثم، أوليست إنسانيته "صلى الله عليه وآله" وأخلاقه الرفيعة هي التي أملت عليه حتى أن يغيب جثث قتلى المشركين في قليب بدر؛ فكيف بالنسبة لهذا الشهيد العظيم، أسد الله وأسد رسوله؟!!
ويحاول البعض أن يدَّعي: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يقصد مدلول هذا الكلام، وإنما هو يريد فقط أن يظهر مظلوميته ووحشية الطرف الآخر، أبي سفيان وأصحابه. ولكنها محاولة فاشلة، فإننا نجل النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" عن أمر كهذا، ولا يجوز نسبته إليه؛ لأن معناه: إمكانية التشكيك في كثير من أقواله، ومواقفه، وأفعاله "صلى الله عليه وآله".
أضف إلى ذلك: أن ما جرى لحمزة "عليه السلام" قد جرى مثله لغيره من الشهداء، وإن كان ما جرى لحمزة "عليه السلام" أفظع وأبشع. فلماذا اختص غضبه "صلى الله عليه وآله" بما جرى لعمه وحسب؟!.
ثم إن المفروض بهذا النبي العظيم هو أن يظهر الجلد والصبر لا الجزع والحزن، إلا بالنحو المعقول والمقبول، وإلا فما وجه اللوم لغيره ممن فقد الأهل والأحبة، إن تجاوز حده، وظهر منه ما لا ينبغي في مناسبات كهذه؟!
2 ـ قولهم على لسانه "صلى الله عليه وآله": إنه إن ظفر بقريش فسيمثل بثلاثين مرفوض أيضاً؛ إذ هذه جثث قتلى المشركين أمامه، وهي اثنان أو ثمانية وعشرون جثة، بل وأكثر من ذلك، كما يظهر من بعض النصوص، فلماذا لا يمثل بها، ويشفي غليل صدره منها؟!
ولِمَ لم يبادر المسلمون ـ بدورهم ـ إلى التمثيل بتلك الجثث التي تركها أصحابها وفروا خوفاً من أن يدال المسلمون منهم، كما فروا من قبل في بدر؟!
3 ـ أما نزول الآية الكريمة رداً عليه "صلى الله عليه وآله" وهي قوله تعالى: ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ? فلا يصح أيضاً، لأن الآية مكية؛ فإن سورة النحل قد نزلت في مكة، وأحد قد كانت في السنة الثالثة من الهجرة([492]).
والقول: بأن سورة النحل كلها قد نزلت في مكة إلا هذه الآيات إنما يستند إلى هذه الروايات بالذات، فلا حجة فيه.
إن قلت: قد تحدثت السورة عن المهاجرين، وهذا يناسب أن تكون السورة قد نزلت بعد الهجرة.
فالجواب: أنه لم يثبت أن المقصود هو الهجرة إلى المدينة فإن الهجرة إلى الحبشة كانت قد حصلت والمسلمون في مكة، فلعلها هي المقصودة.
والقول: بأن ذلك مما تكرر نزوله ([493]):
أولاً: يحتاج إلى إثبات.
ثانياً: يلزمه أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد خالف الحكم الإلهي الثابت، فاحتاج الله إلى تذكيره بأن موقفه هذا مخالف لنص تلك الآية التي لديه!!.
ثالثاً: قد روي عن ابن عباس في قوله: ?فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ? قال: هذا حين أمر الله نبيه أن يقاتل من قاتله؛ ثم ذكر أنها نسخت ببراءة([494]).
وعن ابن زيد، قال: كانـوا قد أُمِروا بالصفح عن المشركين، فأسلم رجـال ذوو منعة، فقالوا: يا رسول الله لو أذن الله لانتصرنا من هؤلاء الكـلاب؛ فنزلت هذه الآية، ثم نسخ ذلك بالجهاد([495]).
4 ـ إن قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" قد نهى في هذه المناسبة عن المثلة محل نظر؛ وذلك لما ورد عن سعيد، عن قتادة، عن أنس ـ فذكر حديث العرنيين ـ وفي آخره، قال: قال قتادة: وبلغنا أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان بعد ذلك يحث على الصدقة، وينهى عن المثلة([496]).
ويقول العسقلاني، عن ابن عقبة في المغازي: "وذكروا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" نهى بعد ذلك عن المثلة بالآية التي في سورة المائدة، وإلى هذا مال البخاري، وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي"([497]).
فكلام قتادة السابق صريح في أنه "صلى الله عليه وآله" قد نهى عن المثلة بعد قضية العرنيين، وكانت بعد قصة أحد؛ لأنها كانت في حدود السنة السادسة([498]).
أضف إلى ذلك: ما ذكره سعيد بن جبير، الذي أضاف في قصة العرنيين قوله: "فما مثل رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل ولا بعد، ونهى عن المثلة"([499]).
فمعنى ذلك هو أن رسول الله لم يمارس هذا الفعل الشنيع أصلاً، كما أنه قد نهى من كان بصدد ممارسته.
ونحن بدورنا لنا كلام في قصة العرنيين هذه، حيث إننا نرفض أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد مثل بهم، ولا سيما بملاحظة ما قدمناه آنفاً، عن سعيد بن جبير. وقد أنكر أبو زهرة ذلك أيضاً([500]).
وكان علي بن حسين ينكر حديث أنس في أصحاب اللقاح: أخبرنا ابن أبي يحيى، عن جعفر، عن أبيه، عن علي بن حسين قال: لا والله، ما سمل رسول الله عيناً ولا زاد أهل اللقاح على قطع أيديهم وأرجلهم([501]).
ولكن ما يهمنا هنا: هو أن ما ذكروه في قصة العرنيين يتنافى بشكل ظاهر مع كونه "صلى الله عليه وآله" نهى عن المثلة في أحد. ولو أغمضنا النظر عن ذلك ؛ فإن ما نقلناه عن العسقلاني آنفاً يدل على أن نهيه "صلى الله عليه وآله" عن المثلة ، إنما كان في أواخر أيام حياته؛ لأن سورة المائدة قد كانت من أواخر ما نزل عليه "صلى الله عليه وآله".
نعم، يمكن أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد قطع أيدي وأرجل العرنيين من خلاف، لأنهم مفسدون في الأرض. وذلك هو الحكم الثابت لمن يكون كذلك. ثم زاد الرواة وأصحاب الأغراض على ذلك ما شاؤوا.
5 ـ إنهم يقولون: إن أبا قتادة جعل يريد التمثيل بقريش لما رأى من المثلة؛ فمنعه "صلى الله عليه وآله"([502]).
وهذا هو المناسب لأخلاقه وسجاياه "صلى الله عليه وآله". أما أبو قتادة فإنه إن صح ما نقل عنه يكون قد تصرف هنا بوحي من انفعاله وتأثره، الناجم عن ثورته النفسية بسبب ذلك المشهد المؤلم.
كما أننا نشك في ما جاء في ذيل هذه الرواية، الذي يذكر: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قرّظ قريشاً في هذه المناسبة، حتى قال: إنه عسى إن طالت بأبي قتادة المدة أن يحقر أعماله مع أعمالهم([503]).
فإننـا نعتقد أن هـذه التقريظـات من زيـادات الـرواة تزلفـاً للحكـام الأمويين ـ كما عودونا في مناسبات كثيرة ـ في مقابل علي "عليه السلام"، وأهل بيته، لفسح المجال أمام تنقصهم والطعن بهم، ويكفي أن نتذكر هنا موقف قريش من علي "عليه السلام" وأهل البيت؛ حيث نجده "عليه السلام" يصفها بأسوأ ما يمكن، بسبب موقفها السيئ هذا.
يقول أمير المؤمنين "عليه السلام": "فدع عنك قريشاً، وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبلي؛ فجزت قريشاً عني الجوازي؛ فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن عمي"([504]).
هذا ولا بد أن لا ننسى هنا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قال لعلي "عليه السلام": حربك حربي، وسلمك سلمي([505]).
وقال علي "عليه السلام": "اللهم إني أستعديك على قريش [ومن أعانهم]؛ فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري"([506]).
وقال "عليه السلام": "ما لي ولقريش، والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس، كما أنا صاحبهم اليوم"([507]).
ولأبي الهيثم بن التيهان كلام جيد حول موقف قريش من علي، من أراده فليراجعه([508]).
وفيه يحلل أبو الهيثم سر عداء قريش لأمير المؤمنين "عليه السلام"، وأنه إنما كان بسبب بغيها وحسدها له، وعدم قدرتها على اللحاق به.
وقد ذكرنا شطراً كبيراً من النصوص الدالة على ذلك مع مصادرها في كتاب لنا بعنوان "الغدير والمعارضون".
هذا كله.. عدا عما كان في صدور قريش من حقد على بني هاشم عموماً، وعلى الأنصار أيضاً. وقد مر في جزء سابق من هذا الكتاب في فصل سرايا وغزوات قبل بدر إلماحة عن موقف قريش من الأنصار فليراجع ذلك هناك.
وأخيراً، قول: إن هذه كانت حالة قريش بعد طول المدة، فكيف يحقر أبو قتادة أعماله مع أعمالها؟! وكيف يكون لها ذلك المقام المحمود عند الله تعالى؟!.
ما هو الصحيح في القضية؟!
ولعل الصحيح هنا: هو قضية أبي قتادة المتقدمة، وإن كان قد تزيد الرواة فيها تزلفاً للحكام، كما أشرنا.
يضاف إلى ذلك: ما رواه غير واحد عن أبي بن كعب (رض)، قال:
لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً، ومن المهاجرين ستة، منهم حمزة. فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا، لنربينّ عليهم.
فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله: ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ?([509]) فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": نصبر، ولا نعاقب، كفوا عن القوم إلا أربعة.
وحسب نص ابن كثير: عن عبد الله بن أحمد: فلما كان يوم الفتح، قال رجل: لا تعرف قريش بعد اليوم؛ فنادى مناد: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أمن الأسود والأبيض إلا فلاناً وفلاناً، ناساً سماهم، فأنزل الله الخ..([510]).
وعن الشعبي، وابن جريج ما يقرب من هذا أيضاً باختصار([511]).
وفي رواية: أن المسلمين لما رأوا المثلة بقتلاهم قالوا: لئن أنالنا الله منهم لنفعلن، ولنفعلن، فأنزل الله: ?وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ? الآية، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": بل نصبر([512]).
لكن ما تذكره هذه الروايات من أن الآية قد نزلت في هذه المناسبة محل نظر، وذلك لما قدمناه من كونها مكية، ويمكن أن يكون الرسول "صلى الله عليه وآله" عاد فذكرهم بالآية، مبالغة منه "صلى الله عليه وآله" في زجرهم عن ذلك، فتوهم الراوي: أن الآية قد نزلت في هذه المناسبة.
وأما القول بأن الآية قد شرعت المثلة، ولكنها رجحت الصبر عليها.. فهو غير صحيح؛ لأن المراد بالعقوبة هو ما بينته الآية الشريفة الأخرى التي تقول: ?وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ..?([513]) ثم جاءت الروايات التي تنهى عن المثلة لتؤكد هذا المعنى.
ب: هند وكبد حمزة:
قد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" لما بلغه محاولة هند أكل كبد حمزة فلم تستطع أن تسيغها، قال: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار، أو نحو ذلك.
قال الحلبي: "أي ولو أكلت منه، أي استقر في جوفها لم تمسها النار"([514]).
وهو تفسير غريب وعجيب حقاً!! فإن ظاهر كلامه "صلى الله عليه وآله": أن هنداً من أهل النار، وقد أبى الله أن يدخل شيئاً من حمزة النار.
ولو صح تفسير الحلبي مع حكمهم بأن هنداً قد أسلمت وستدخل الجنة، لكان اللازم أن تسيغ ما أكلته من كبده، ويستقر في جوفها، لأن هنداً ستدخل الجنة!! فلتكن تلك القطعة معها، لتدخل الجنة كذلك!!.
نعم وهذا ما يرمي إليه الحلبي، فإن له كلاماً طويلاً في المقام يدخل فيه هنداً الجنة. وقد دفعه هواه إلى تفسير كلام النبي "صلى الله عليه وآله" بصورة جعلته يصبح بلا معنى ولا مدلول.
ج: المنع من البكاء على الميت:
لقد بكى النبي "صلى الله عليه وآله" على حمزة، وقال: أما حمزة فلا بواكي له.
وبعد ذلك بكى على جعفر، وقال: على مثل جعفر فلتبك البواكي.
وبكى على ولده إبراهيم، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب. وبكى كذلك على عثمان بن مظعون، وسعد بن معاذ، وزيد بن حارثة، وبكى الصحابة، وبكى جابر على أبيه، وبشير بن عفراء على أبيه أيضاً، إلى غير ذلك مما هو كثير في الحديث والتأريخ([515]).
فكل ذلك فضلاً عن أنه يدل على عدم المنع من البكاء، فإنه يدل على مطلوبية البكاء، وعلى رغبته "صلى الله عليه وآله" في صدوره منهم.
ولكننا نجد في المقابل: أن عمر بن الخطاب يمنع من البكاء على الميت ويضرب عليه؛ ويفعل ما شاءت له قريحته في سبيل المنع عنه، ويروي حديثاً عن النبي "صلى الله عليه وآله" مفاده: أن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه([516]).
مع أننا نجد أنه هو نفسه قد أمر بالبكاء على خالد بن الوليد([517]).
وقد بكت عائشة على إبراهيم([518]) وبكى أبو هريرة على عثمان، والحجاج على ولده([519]) وبكى صهيب على عمر([520]) وهم يحتجون بما يفعله هؤلاء.
وبكى عمر نفسه على النعمان بن مقرن، وعلى غيره([521]) وقد نهاه النبي "صلى الله عليه وآله" عن التعرض للذين يبكون موتاهم([522]).
كما أن عائشة قد أنكرت عليه وعلى ولده عبد الله هذا الحديث الذي تمسك به، ونسبته إلى النسيان، وقالت: "يرحم الله عمر، والله، ما حدث رسول الله: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، لكن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
قالت: حسبكم القرآن: ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?([523])"([524]).
وفي نص آخر، أنها قالت: "إنما مر رسول الله "صلى الله عليه وآله" على يهودية يبكي عليها أهلها، فقال: إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها"([525]).
وأنكر ذلك أيضاً: ابن عباس، وأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن أراد المزيد، فعليه بمراجعة المصادر([526]).
السياسة وما أدراك ما السياسة؟!:
ونشير هنا إلى ما قاله الإمام شرف الدين رحمه الله تعالى قال: "وهنا نلفت أولي الألباب إلى البحث عن السبب في تنحي الزهراء عن البلد في نياحتها على أبيها "صلى الله عليه وآله"، وخروجها بولديها في لمة من نسائها إلى البقيع يندبن رسول الله، في ظل أراكة([527]) كانت هناك، فلما قُطعت بنى لها علي بيتاً في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة، يدعى: بيت الأحزان. وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة"([528]).
وأقول: إن من القريب جداً: أن يكون حديث: "إن الميت ليعذب ببكاء الحي" قد حرف عن حديث (البكاء على اليهودية المتقدم)؛ لدوافع سياسية لا تخفى؛ فإن السلطة كانت تهتم بمنع فاطمة "عليها السلام" من البكاء على أبيها.
فيظهر: أن هذا المنع قد استمر إلى حين استقر الأمر لصالح الهيئة الحاكمة، ولذلك لم يعتن عمر بغضب عائشة، ومنعها إياه من دخول بيتها حين وفاة أبي بكر، فضرب أم فروة أخت أبي بكر بدرته، وقد فعل هذا رغم أن البكاء والنوح كان على صديقه أبي بكر، وكان هجومه على بيت عائشة، وكان ضربه لأخت أبي بكر. وهو الذي كان يهتم بعائشة ويحترمها، وهي المعززة المكرمة عنده، ويقدر أبا بكر ومن يلوذ به، ويحترم بيته بما لا مزيد عليه.
نعم، لقد فعل كل هذا لأن الناس لم ينسوا بعد منع السلطة لفاطمة "عليها السلام" من النوح والبكاء على أبيها.
وناهيك بهذا الإجراء جفاء وقسوة: أن يُمنع الإنسان من البكاء على أبيه، فكيف إذا كان هذا الأب هو النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" أعظم، وأكمل، وأفضل إنسان على وجه الأرض. ثم لما ارتفع المانع، ومضت مدة طويلة، وسنين عديدة على وفاة سيدة النساء "عليها السلام"، ونسي الناس أو كادوا، أو بالأحرى ما عادوا يهتمون بهذا الأمر، ارتفع هذا المنع على يد عمر نفسه، وبكى على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة 21 ه‍ وعلى شيخ آخر، وسمح بالبكاء على خالد بن الوليد، الذي توفي سنة 21 أو 22 حسبما تقدم.
وهذا غير ما تقدم قبل صفحات عن مصادر كثيرة: من النهي عن خمش الوجوه، وشق الثياب، واللطم، والنوح بالباطل. فإنه غير البكاء وهياج العواطف الإنسانية الطبيعية. وذلك لأن الأول ينافي التواضع لله عز وجل والتسليم لقضائه؛ أما الثاني فهو من مقتضيات الجبلة الإنسانية، ودليل اعتدال سجية الإنسان. وشتان ما بينهما.
التوراة والمنع من البكاء على الميت:
ويبدو لنا أن المنع من البكاء على الميت مأخود من أهل الكتاب؛ فإن عمر كان يحاول هذا المنع في زمن النبي "صلى الله عليه وآله" بالذات؛ ولم يرتدع بردع النبي له إلا ظاهراً.
فلما توفي "صلى الله عليه وآله" ولم يبق ما يحذر منه، صار الموقف السياسي يتطلب الرجوع إلى ما عند أهل الكتاب، فكان منع الزهراء "عليها السلام" عن ذلك، كما قدمنا.
وقد جاء هذا موافقاً للهوى والدافع الديني والسياسي على حد سواء.
ومما يدل على أن ذلك مأخوذ من أهل الكتاب: أنه قد جاء في التوراة:
"يا ابن، ها أنذا آخذ عنك شهوة عينيك بضربة؛ فلا تنح ولا تبك، ولا تنزل دموعك، تنهد ساكتاً، لا تعمل مناحة على أموات"([529]).
د: حزن النبي ' على حمزة:
1 ـ إن من الثابت حسبما تقدم، أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد حزن على حمزة وبكى عليه، وأحب أن يكون ثمة بواكي له، كما لغيره.
وواضح: أن حزن الرسول "صلى الله عليه وآله" هذا ورغبته تلك ليسا إلا من أجل تعريف أصحابه، والأمة أيضاً بما كان لحمزة من خدمات جلى لهذا الدين، ومن قدم ثابتة له فيه، وبأثره الكبير في إعلاء كلمة الله تعالى.
ويدلنا على ذلك: أنه "صلى الله عليه وآله" قد وصفه ـ كما يروى ـ بأنه كان فعولاً للخيرات، وصولاً للرحم الخ..([530]).
ولأن حزنه "صلى الله عليه وآله" عليه كان في الحقيقة حزناً على ما أصاب الإسلام بفقده، وهو المجاهد الفذ، الذي لم يكن يدخر وسعاً في الدفاع عن هذا الدين، وإعلاء كلمة الله.
وما ذلك إلا لأن النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليهتم بالبكاء على حمزة، ولا ليبكي هو "صلى الله عليه وآله" عليه لمجرد دوافع عاطفية شخصية، أو لعلاقة رحمية ونسبية، وإنما هو "صلى الله عليه وآله" يحب في الله وفي الله فقط، تماماً كما كان يبغض في الله، وفي الله فقط.
فهو "صلى الله عليه وآله" يحزن على حمزة بمقدار ما كان حمزة مرتبطاً بالله تعالى، وخسارته خسارة للإسلام. وإلا فكما كان حمزة عمه، فقد كان أبو لهب عمه أيضاً، وعداوة أبي لهب للرسول "صلى الله عليه وآله" لا تدانيها عداوة، فقد كان أبو لهب من أشد الناس عداوة للنبي "صلى الله عليه وآله"، وأعظمهم إيذاء له.
وموقفه "صلى الله عليه وآله" من أبي لهب معروف ومشهور. ولكننا نجد في المقابل موقفه "صلى الله عليه وآله" من (سلمان) الذي كان "صلى الله عليه وآله" يحب أن يقال له: "سلمان المحمدي" بدلاً من: "الفارسي"([531]).
وقد قال "صلى الله عليه وآله" في حقه: "سلمان منا أهل البيت"([532]).
قال أبو فراس الحمداني:
كـانـت مـودة سـلمان لهـم رحمــاً ولم يـكـن بـين نـوح وابنـه رحم
2 ـ كما أن نفس كونه "صلى الله عليه وآله" شريكاً في المصيبة، من شأنه أن يخفف المصاب على الآخرين، الذين فقدوا أحباءهم في أحد، ولا سيما إذا كان مصابه "صلى الله عليه وآله" بمن هو مثل حمزة أسد الله وأسد رسوله.
حمزة الذي لم يكن ليخفى على أحد موقعه في المسلمين ونكايته في المشركين، ولم يكن ما فعلته هند وأبو سفيان بجثته الشريفة، وأيضاً موقف أبي سفيان من قبره الشريف في خلافة عثمان؛ ثم ما فعله معاوية في قبره وقبور الشهداء، بعد عشرات السنين من ذلك التاريخ ـ لم يكن كل ذلك ـ إلا دليلاً قاطعاً على ذلك الأثر البعيد، الذي تركه حمزة في إذلال المشركين، وإعلاء كلمة الحق والدين. حتى إن أبا سفيان وولده معاوية لم يستطيعا أن ينسيا له ذلك الأثر، وبقي ـ حتى قبره ـ الذي كان يتحداهم بأنفة وشموخ، كالشجا المعترض في حلقي الأب والابن على حد سواء.
لقد استطاع حمزة أن يحقق أهدافه حتى وهو يستشهد، لأن شهادته جزء من هدفه كما قلنا.
أما أعداء الإسلام فقد باؤوا بالفشل الذريع، والخيبة القاتلة، وانتهى بهم الأمر إلى أن يكونوا طلقاء هذه الأمة، وزعماء منافقيها، المشهور نفاقهم، والمعروف كفرهم.
ه‍: موقف أبي سفيان من قبر حمزة:
وإن موقف أبي سفيان من قبر حمزة، ليعتبر دليلاً واضحاً على كفره، وأنه لا يزال يعتبر حربه مع النبي "صلى الله عليه وآله" حرباً على الملك والسلطان، والمكاسب الدنيوية.
وقد دخل أبو سفيان على عثمان، فقال له: قد صارت إليك بعد تيم وعدي، فأدرها كالكرة، واجعل أوتادها بني أمية، فإنما هو الملك، ولا أدري ما جنة ولا نار([533]).
وكان أبو سفيان كهفاً للمنافقين، وكان يوم اليرموك يفرح إذا انتصر الكفار على المسلمين، ويحزن حين يرى كرة المسلمين عليهم([534]).
وكفريات أبي سفيان معروفة ومشهورة، ولا مجال لاستقصائها، فمن أرادها فليراجع مظانها([535]).
و: مواساة الأنصار للنبي ':
وإن مواساة الأنصار للنبي "صلى الله عليه وآله" حتى في البكاء على حمزة، لهي في الحقيقة من أروع المواساة للنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" فهم يواسونه بأموالهم وأنفسهم، وحتى في عواطفهم الصادقة، ومشاعرهم النبيلة.
وقد استمروا على صدقهم، ووفائهم، وإخلاصهم له ولرسالته، ولوصيه علي "عليه السلام"، وأهل بيته "عليهم السلام" إلى آخر لحظة، ولذلك نكبهم الأمويون، والحكام بعد النبي "صلى الله عليه وآله"، وأذلوهم، وحرموهم، كما تقدمت الإشارة إليه.
ز: صبر صفية:
وإن صبر صفية، واعتبارها: أن ما جرى لحمزة قليل في ذات الله تعالى، إنما هو نتيجة للوعي الرسالي الرائد للإسلام، الذي لا يمكن اعتباره محدوداً ومقوقعاً ضمن طقوس وحركات، أو جذبات صوفية ونحوها.
فالإسلام حياة. ولا يطلب فيه الموت والشهادة إلا من أجل هذه الحياة.
والإسلام هو السلام حتى في حال الحرب، وهو الحياة فيما يراه الناس الموت، والراحة في ما يراه الناس التعب، والسعادة في ما يراه الناس الشقاء والآلام.
إنه سلام شامل وكامل؛ فإذا بلغ الإنسان هذا السلام الشامل، فهو المسلم الحق.
وهكذا كانت صفية رضوان الله تعالى عليها، حتى أصبح ما جرى لأخيها قليلاً في ذات الله، وصار سلاماً لها وعليها.
التعصب:
ولما قتل حمزة رضوان الله عليه، بعث النبي "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" فأتاه ببنت حمزة؛ فسوغها "صلى الله عليه وآله" الميراث كله([536]).
وهذا يدل: على أنه لا ميراث للعصبة على تقدير زيادة الفريضة عن السهام إلا مع عدم القريب، فيرد باقي المال على البنت، والبنات، والأخت والأخوات، وعلى الأم، وعلى كلالة الأم، مع عدم وارث في درجتهم، وعلى هذا إجماع أهل البيت "عليهم السلام"، وأخبارهم به متواترة.
ويدل على ذلك أيضاً، قوله تعالى: ?وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ?([537]) فعن الإمام الباقر "عليه السلام" في هذه الآية: "إن بعضهم أولى بالميراث من بعض؛ لأن أقربهم إليه رحماً أولى به.
ثم قال أبو جعفر "عليه السلام": أيهم أولى بالميت، وأقربهم إليه؟ أمه، أو أخوه؟ أليس الأم أقرب إلى الميت من إخوته وأخواته"؟!([538]).
وللتوسع في هذا البحث مجال آخر.
الاختصام في ابنة حمزة:
ويقولون: إن علياً وجعفراً ابني أبي طالب، وزيد بن حارثة، اختصموا في ابنة حمزة، فقال "صلى الله عليه وآله" لكل واحد منهم ما أرضاه([539]).
ونحن نشك في الحديث من أصله، لأن جعفر كان في واقعة أحد في الحبشة، وقد جاء إلى المدينة في سنة ست من الهجرة.
ودعوى أن الاختصام قد حصل بعد رجوعه تطرح أمامنا سؤالاً عن السبب في سكوت زيد بن حارثة عن المطالبة ببنت حمزة كل هذه المدة.
الصلاة على الشهداء وتغسيلهم ودفنهم:
لقد روى بعضهم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يصلِّ على شهداء (أحد). وبه أخذ الأئمة الشافعية.
ولكن ذلك غير صحيح؛ فقد صرحت الروايات الكثيرة: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد صلى عليهم. وروي ذلك عن بعض أئمة الحديث، وبه أخذ الأئمة الحنفية([540]).
والصحيح: أنه "صلى الله عليه وآله" قد صلى عليهم، ولم يغسلهم، وهو الثابت عن أئمة أهل البيت "عليهم السلام"، الذين هم سفينة نوح، وباب حطة. ولذا فلا يُعبأ بما رواه غيرهم؛ ولذا فنحن لا نطيل الكلام في ذلك.
ولا سيما بعد أن قال (مغلطاي): "..وصلى على حمزة والشهداء من غير غسل. وهذا إجماع؛ إلا ما شذ به بعض التابعين.
إلى أن قال: قال السهيلي: ولم يرو عنه "صلى الله عليه وآله": أنه صلى على شهيد في شيء من مغازيه إلا في هذه.
وفيه (نظر)؛ لما ذكره النسائي من أنه صلى على أعرابي في غزوة أخرى"([541]).
وعن عدد التكبير عليهم، وعلى غيرهم، فقد تقدم في أول هذا الفصل: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد كبر على حمزة سبعاً أو سبعين ـ كما هو الأصح ـ.
وأما ما يقال: من أن عدد التكبيرات على الميت أربع، فقد أثبتنا بما لا يقبل الشك أنه لا يصح، وأن التكبير على الميت (خمس) لا أربع([542]).
وبالنسبة للغسل، فقد قال الدياربكري وغيره: "أجمع العلماء على أن شهداء أحد لم يغسلوا"([543]).
وتقدم: أن حنظلة خرج وهو جنب، فأخبر "صلى الله عليه وآله" أن الملائكة تغسله.
ويقال أيضاً: إن حمزة قد قتل جنباً؛ فرأى النبي "صلى الله عليه وآله" الملائكة تغسله([544]).
ولكن هذا ينافي ما جاء في بعض النصوص من أنه قتل يوم أحد صائماً. والله هو العالم.
ومهما يكن من أمر؛ فإن الشهداء لم يغسلوا، وإخباره "صلى الله عليه وآله" بتغسيل الملائكة لمن مات جنباً، بالإضافة إلى أنه إخبار عن واقع؛ فإنه أيضاً ليس لأجل موته بل هو لأجل جنابته؛ لرفع الحزازة التي ربما تحدث في نفس أهله، الذين يعرفون بأنه لم يغتسل من جنابته.
وأما بالنسبة للتكفين؛ فإن الشهيد يدفن في ثيابه، ولكن النبي "صلى الله عليه وآله" قد كفن حمزة وحنّطه؛ لأنه كان قد جرد، كما روي([545]).
وأما عن دفنهم؛ فيقال: إنه قد احتمل ناس من المسلمين قتلاهم إلى المدينة، فدفنوهم بها، ثم نهى "صلى الله عليه وآله" عن ذلك.
وقال "صلى الله عليه وآله": ادفنوهم حيث صرعوا([546]).
ويقال: إنه "صلى الله عليه وآله" قال: ادفنوا الإثنين والثلاثة في قبر واحد، وقدموا أكثرهم قرآناً([547]).
لماذا تقديم الأقرأ؟
وتقديم أكثرهم قرآناً حتى في هذا المقام، له دلالة هامة هنا، فإن أكثرهم قرآناً يفترض به أن يكون هو الأكثر وعياً وبصيرة في أمره، ومن ثم يكون إخلاصه للقضية التي يقاتل من أجلها أشد، وارتباطه بها أعمق. وكلما كان العمل أكثر إخلاصاً لله، كلما كانت قيمته أغلى؛ وثمنه أغلى، لأنه يستمد قيمته هذه من مدى اتحاده بذلك الهدف، وفنائه فيه.
بل نجد أنه "صلى الله عليه وآله" يتجاوز ذلك، إلى أنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن يبعث بعثاً وهم ذوو عدد، فاستقرأهم؛ ليعرف ما معهم من القرآن؛ فوجد: أن أحدثهم سناً ، أكثرهم قرآناً، فأمّره عليهم([548]).
فهو "صلى الله عليه وآله" يعطي بذلك نظرة الإسلام الصحيحة للعلم والمعرفة الذين يتركان أثرهما الإيجابي حتى بالنسبة لما بعد الموت، وحتى بالنسبة لهؤلاء المتساوين من حيث بذل أغلى ما لديهم في سبيله، وإن لم يكونوا متساوين في درجات معرفتهم، وثقافتهم، ووعيهم.
ولقد رأينا أنه "صلى الله عليه وآله" يقول ـ كما يروي لنا أبو سلمة ـ : إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمهم أقرؤهم وإن كان أصغرهم؛ فإذا أمهم فهو أميرهم([549]).
وفي هذا دلالة واضحة على أن الملاك في التقديم هو المعرفة الخالصة، التي تؤهل الإنسان لأن يكون أكثر خشية لله: ?إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء?([550]). وليس هو الجمال، أو الجاه، أو المال، أو النسب، أو غير ذلك؛ فإن ذلك قد رفضه الإسلام والقرآن رفضاً قاطعاً ونهائياً.
أنا شهيد على هؤلاء:
وكان طلحة بن عبيد الله، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، يقولون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" صلى على قتلى أحد، وقال: "أنا شهيد على هؤلاء.
فقال أبو بكر: ألسنا إخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟
قال: بلى، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئاً، ولا أدري ما تحدثون بعدي.
فبكى أبو بكر، وقال: إنا لكائنون بعدك"؟([551]).
وهذا يدل: على أن الرسول "صلى الله عليه وآله" لم يكن مطمئناً لما ينتهي إليه أمر أصحابه بعده. ولم يكن يعتقد أن مجرد صحبتهم له تدخلهم الجنان، وتجعلهم معصومين، أو أنها تكون أماناً لهم من كل حساب وعقاب، عملوا ما عملوا، وفعلوا ما فعلوا؛ فإن ذلك خلاف ما قرره القرآن الذي يقول: ?فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ?([552]) وقد بحثنا موضوع عدالة الصحابة في موضع آخر([553]).
وما ذكرناه هناك ما هو إلا رشحة من نهر، وقطرة من بحر. والأدلة على ما نقول، من أن كل صحابي محاسب على ما عمل، وأن فيهم المؤمن، والمنافق، والعادل، والفاسق كثيرة جداً، لا مجال لحصرها.
عدد شهداء أحد:
وأما عن عدد الشهداء في أحد، فقد كانوا سبعين: من المهاجرين أربعة، والباقون من الأنصار([554]).
وقيل: أربعة وستون من الأنصار، وستة من المهاجرين، وجرح سبعون.
وهذا ما وعدهم به النبي "صلى الله عليه وآله" في بدر حسبما تقدم.
وأما ما يقال: من أن عدتهم خمس وستون، فيهم أربعة من المهاجرين، أو أنهم ستة وتسعون.
أو أنهم ثمانون: أربعة وسبعون من الأنصار، وستة من المهاجرين([555]).
فليس بمسموع بعد أن أخبرهم النبي "صلى الله عليه وآله" ـ كما هو المشهور ـ بأنه سيقتل من المسلمين بعدة أسرى بدر إن قبلوا بالفداء. وعدة أسرى بدر كانت سبعين كما يقولون([556]).
أما ما عن أنس، من أنه قتل من الأنصار في أحد سبعون، وفي بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر سبعون، رواه البخاري([557]):
فلا يمكن المساعدة عليه؛ لأن قتلى أحد كانوا سبعين من الأنصار والمهاجرين معاً، لا من الأنصار وحدهم. ولأنه سيأتي في سرية بئر معونة الاختلاف الشديد في عدد أفرادها، وهي تتراوح ما بين العشرة إلى السبعين رجلاً([558]).
أكثر القتلى من الأنصار:
ويلاحظ هنا: أن أكثر القتلى كانوا من الأنصار، وقد جاء ذلك بصورة لا تتناسب مع عدد المشاركين منهم في الحرب إذا قورن بمن قتل من المهاجرين، إذا أضيف إلى عدد المشاركين منهم أيضاً.
وقد أشرنا فيما تقدم: إلى أن قريشاً ظلت تحقد على الأنصار، وعلى أهل البيت "عليهم السلام" عشرات السنين والأعوام.
وكان يهمها: أن تجزرهم جزراً، ولا يبقى منهم نافخ نار.
ولربما نفهم: أن الأنصار كانوا أكثر اندفاعاً إلى الحرب، وأشد تصدياً لمخاطرها، لأنهم يدافعون عن وطنهم، وعن عقيدتهم معاً.
وقد كان الإسلام فيهم أعرق وأعمق من كثير من المهاجرين، فلا يقاس بهم مسلمو الفتح، فإنهم إنما أسلموا خوفاً أو طمعاً؛ ولذا فقد كثر فيهم المنافقون والمناوؤون لأهل البيت "عليهم السلام".
ولعل كثيراً من المهاجرين كانوا مطمئنين إلى قبول قومهم لهم، كما يظهر مما تقدم.
كما أن بعض المشاركين في الحرب من هؤلاء وأولئك، لم تكن لديه دوافع عقيدية أيضاً، كما هو الحال بالنسبة لمن يقاتلون من أجل السلب، والغنائم، وغير ذلك.
زيارة القبور:
ويذكرون: أن المسلمين كانوا يتبركون بقبر حمزة، ويستشفون بتربته، وقد صنعوا السبحة منها([559]).
ويذكر الواقدي هنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يزور قبور شهداء أحد في كل حول، فإذا لقوه رفع صوته يقول: السلام عليكم بما صبرتم؛ فنعم عقبى الدار. وكان أبو بكر يفعل مثل ذلك، وكذلك عمر، ثم عثمان، ثم معاوية.
ونقول:
كيف يذكر معاوية هنا، وهو الذي نبش قبور الشهداء من أجل العين التي أجراها؟!.
وكانت فاطمة تأتيهم بين اليومين والثلاثة؛ فتبكي عندهم، وتدعو.
وكان "صلى الله عليه وآله" يأمر بزيارتهم، والتسليم عليهم.
وكذا كان يزورهم سعد بن أبي وقاص، وأبو سعيد الخدري كان يزور قبر حمزة، وأم سلمة أيضاً كانت تزورهم كل شهر؛ وقد أنّبت غلامها لأنه لم يسلم عليهم. وكذا أبو هريرة، وابن عمر، وفاطمة الخزاعية([560]).
وعن السجاد "عليه السلام": أن فاطمة "عليها السلام" كانت تزور قبر عمها حمزة في الأيام تصلي وتبكي عنده([561]).
وقد أمر النبي "صلى الله عليه وآله" أيضاً بزيارة القبور. وشواهد هذا البحث كثيرة جداً لا تكاد تحصر، وقد ألفت الكتب، ونظمت البحوث في هذا الموضوع([562]).
فليراجعها من أراد التوسع؛ فلا يصغى لمنع بعض الفرق من زيارة القبور، فإن ذلك لا يستند إلى أي دليل معقول أو مقبول.
عدد قتلى المشركين:
ويقال: إنه قد قتل من المشركين في معركة أحد ثمانية عشر رجلاً([563]).
وقيل: اثنان، أو ثلاثة وعشرون([564]).
وقيل: ثمانية وعشرون([565]).
وقيل: أكثر من ذلك. لأن حمزة قد قتل وحده منهم واحداً وثلاثين رجلاً كما يقولون([566]).
أكثر القتلى من علي ×:
1 ـ ويروي البعض: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" قد قتل في أحد اثني عشر رجلاً([567]).
2 ـ ونعتقد أنه "عليه السلام" قد قتل أكثر من ذلك، لأنه قد قتل أصحاب اللواء بلا شك كما تقدم بيانه، وهم تسعة أو أحد عشر، كما أن المعتزلي يذكر: أن كتائب المشركين صارت تحمل على النبي "صلى الله عليه وآله".
وقد قتل من كتيبة بني كنانة أبناء سفيان بن عويف الأربعة. وتمام العشرة منها، ممن لا يعرف بأسمائهم.
وقال: إن ذلك قد رواه جماعة من المحدثين، ويوجد في بعض نسخ ابن إسحاق، وأنه خبر صحيح فراجع كلامه([568]).
3 ـ قال القوشجي: وكان أكثر المقتولين منه([569]) (أي من أمير المؤمنين "عليه السلام").
4 ـ وقال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى: وقد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين، وكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين "عليه السلام".
ثم ذكر أسماء اثني عشر من الأبطال المعروفين ممن قتلهم "عليه السلام"([570]).
5 ـ ولسوف يأتي: أن قريشاً قد عجلت بالمسير عن حمراء الأسد حينما علمت أن علياً "عليه السلام" قادم إليها.
6 ـ ويقول الحجاج بن علاط في وصف قتله "عليه السلام" لكبش الكتيبة، طلحة بن أبي طلحة، وحملاته "عليه السلام" في أحد:
لله أي مـذبـب عـن حــــزبــــه أعني ابـن فـاطـمـة المعـم المخول
جـادت يـداك لـه بـعـاجـل طعنة تركت طـليحـة للجبين مـجـدل
وشـددت شـدة بـاسل فكشفتهم بالسفح إذ يهوون أسـفـل أسفـل
وعللت سيفك بـالـدمـاء ولم تكن لـــترده حــران حـتـى يـنـهـلا([571])
ومما يدل على مدى ما فعله أمير المؤمنين "عليه السلام" بقريش في أحد: أن النص التأريخي يؤكد على أن قريشاً كانت ـ بعد ذلك ـ وإلى عشرات السنين تحقد على علي "عليه السلام"، وعلى أهل بيته لذلك.
وقد ذكر النبي "صلى الله عليه وآله" هذه الأحقاد لعلي "عليه السلام"([572]) ثم ظهرت آثارها في المجازر التي ارتكبها الأمويون في كربلاء وغيرها.
وقد صرحت الزهراء "عليها السلام" بأن ما جرى عليهم بعد شهادة النبي "صلى الله عليه وآله"، قد كان بسبب الأحقاد البدرية والترات الأحدية([573]).
أويس القرني في أحد:
ويقولون: إن أويس القرني قد حضر أُحداً، وجرى عليه كل ما جرى على النبي "صلى الله عليه وآله" من كسر رباعيته، وشج وجهه، ووطء ظهره!! ويدل على أنه قد وطئ ظهر النبي "صلى الله عليه وآله" من قبل المشركين قول عمر: فلقد وطئ ظهرك، وأدمي وجهك([574]).
والمراد بالوطء: الدوس بالأقدام.
ونحن لا نصدق ذلك أصلاً، لأنهم يقولون: إن أويساً لم يرَ النبي "صلى الله عليه وآله" أصلاً، لأنه ـ كما يقولون ـ كان مشغولاً بخدمة أمه([575]).
وروي عن النبي "صلى الله عليه وآله" قوله: خير التابعين رجل يقال له: أويس بن عامر([576]).
وفي مسند أحمد: نادى في صفين رجل شامي: أفيكم أويس القرني؟
قالوا: نعم.
قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: من خير التابعين أويس القرني([577]).
فوصفه بالتابعي يشير إلى أنه لم يكن من الصحابة.
بل لقد كان الإمام مالك ينكر وجود أويس القرني من الأساس([578]).
ولكنه كلام لا يصح: فقد تواتر أنه شخصية حقيقية، وقد ذكر العلماء والمصنفون أخباره وفضائله في كتبهم ومنقولاتهم.
ولعل سبب إنكار وجوده ودعوى: أنه توفي في خلافة عمر([579]) هو حضوره مع علي "عليه السلام" في صفين، واستشهاده معه([580]).
ولعل أكذوبة: أن المشركين قد وطِئوا ظهر النبي "صلى الله عليه وآله" قد جاءت بهدف الحط من كرامته "صلى الله عليه وآله"، أو إظهار خطورة الموقف، ليخف النقد الموجه للفارين عنه "صلى الله عليه وآله".
مع أن ذلك آكد في ذمهم، وأشد في قبح ما صدر منهم.
صفية واليهودي:
ويذكر البعض في غزوة أحد([581]) قضية قتل صفية لليهودي، وعدم جرأة حسان على قتله، ولا على سلبه.
ولكن الظاهر هو: أن ذلك كان في غزوة الخندق، ولذا فنحن نرجئ الحديث عنه إلى هناك.
بعض الحِكَم في معركة أحد:
قال السمهودي: قال العلماء: وكان في قصة أحد من الحكم والفوائد أشياء عظيمة:
منها: تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية، وشؤم ارتكاب النهي، لما وقع من الرماة.
ومنها: أن عادة الرسل أن تبتلى، وتكون لها العاقبة.
ومنها: إظهار أهل النفاق، حتى عرف المسلمون: أن لهم عدواً بين أظهرهم.
ومنها: تأخير النصر هضماً للنفس، وكسراً لشماختها([582]).
ثم ذكر كلاماً يشتم منه رائحة الجبر، وهو ما لا نوافقه عليه، ولذلك أهملناه.
من مشاهد العودة إلى المدينة:
1 ـ وعاد النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون إلى المدينة، واستقبلته أم سعد بن معاذ تعدو، فجاءت حتى نظرت في وجهه، وقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هانت علي كل مصيبة إن سلمت. فعزاها رسول الله "صلى الله عليه وآله" بولدها عمرو.
وفي رواية: أنه لما بشرها النبي "صلى الله عليه وآله" بما للقتلى في الجنة، قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!([583]).
2 ـ مر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بامرأة من الأنصار، وقد أصيب زوجها، وأخوها، وأبوها مع الرسول "صلى الله عليه وآله" في أحد؛ فلما نعوهم إليها قالت: ما فعل رسول الله؟
قالوا: خيراً يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين.
قالت: أرونيه حتى أنظر إليه.
فأشير لها إليه، فلما رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل. يعني هينة.
وفي رواية: أنهم استقبلوها بجنائز: ابنها، وأخيها، وأبيها، وزوجها، أو دُلَّت على مصارعهم؛ فلم تكترث. وسألت عن الرسول "صلى الله عليه وآله" فدلَّت عليه؛ فذهبت حتى أخذت بناحية ثوبه.
ثم جعلت تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذا سَلِمْتَ من عطب([584]).
ونقول: إن هؤلاء النسوة قد بلغن من المعرفة والوعي حداً صرن معه يعتبرن وجود النبي "صلى الله عليه وآله" كل شيء بالنسبة إليهن، وكل مصيبة بعد النبي "صلى الله عليه وآله" هينة، ولا يبالين إن سَلِمَ من عطب. فالرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" هو مصدر الطمأنينة، وعنوان الحياة، والوجود لهن. وبدونه لا طعم للحياة، ولا معنى للبقاء.
وقد بلغ من يقينهن بما يخبر به الرسول "صلى الله عليه وآله": أنهن صرن كأنهن يرينه رأي العين، حتى لتقول أم سعد بن معاذ حينما أخبرها بما للشهيد في الجنة: ومن يبكي عليهم بعد هذا؟!.
ولا يمكن أن نرجع ذلك كله لشخصية النبي "صلى الله عليه وآله"، وقوة تأثيرها، وإنما يرجع ذلك ـ ولا شك ـ إلى فطرية تعاليم الإسلام ومبادئه، وانسيابها مع المشاعر والعواطف، حتى لتمتزج بوجود الإنسان، وفي كل كيانه، وتسري فيه كما يسري الدم في العروق.
علي × يناول فاطمة ÷ سيفه:
ويقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" قد ناول فاطمة "عليها السلام" سيفه، وقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية، فوالله، لقد صدقني اليوم. فجاء علي "عليه السلام" فناولها سيفه، وقال مثل ذلك.
فقال "صلى الله عليه وآله": لئن كنت صدقت القتال، لقد صدق معك سهل بن حنيف، وأبو دجانة([585]).
ولكن ذلك غير صحيح، وذلك:
1 ـ لأن الذي قتل معظم المشركين، وقتل أصحاب الألوية، وثبت في أحد، ونادى جبرئيل باسمه، وقتل أبناء سفيان بن عويف الأربعة إلى تمام العشرة، هو علي "عليه السلام" وليس أبا دجانة، ولا سهل بن حنيف، ولا غيرهما.
2 ـ ثم إن هذه الرواية متناقضة النصوص؛ فعن ابن عقبة لما رأى رسول الله "صلى الله عليه وآله" سيف علي "عليه السلام" مخضباً دماً قال: إن تكن أحسنت القتال، فقد أحسنه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحرث بن الصمة، وسهل بن حنيف([586]). فأي الروايتين هو الصحيح؟
3 ـ لقد رد ابن تيمية قولهم: بأنه "صلى الله عليه وآله" قد أعطى فاطمة "عليها السلام" سيفه، بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يقاتل في أُحد بسيف([587]).
والصحيح في القضية هو ما ذكره المفيد رحمه الله: من أنه بعد أن ناول علي فاطمة سيفه وقال لها: خذي هذا السيف؛ فلقد صدقني اليوم، وأنشد:
أفــاطـم هـاك الــسـيـف غير ذميم فلـست بـرعـديـد، ولا بـلـئـيم
لـعـمـري لـقد أعذرت في نصر أحمد وطــاعـة رب بــالـعـبـاد عـليـم
أمـيـطـي دمــاء الــقـوم عـنـه فـإنه سـقـى آل عـبـد الدار كأس حميم
قال "صلى الله عليه وآله": خذيه يا فاطمة؛ فقد أدى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش([588]).
فهذه الرواية هي الأنسب والأوفق بمساق الأحداث، وبأخلاق وسجايا النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".
شماتة المنافقين وسرورهم بنتائج أحد:
ولما عاد النبي "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، وبكى المسلمون قتلاهم، سر بذلك المنافقون، واليهود، وأظهروا الشماتة، وصاروا يظهرون أقبح القول.
ومنه قولهم: ما محمد إلا طالب ملك، وما أصيب بمثل هذا نبي قط، أصيب في بدنه، وأصيب في أصحابه. وعرف المسلمون عدوهم الذي في دارهم، وتحرزوا منه.
وقالوا أيضاً: لو كان من قتل عندنا ما قتل. وجعلوا يخذلون عن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أصحابه، ويأمرونهم بالتفرق عنه. واستأذنه عمر في قتل هؤلاء القائلين من المنافقين واليهود، فقال "صلى الله عليه وآله": أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟
قال عمر: بلى، ولكن تعوذوا من السيف، وقد بان أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم.
فقال "صلى الله عليه وآله": نهيت عن قتل من أظهر ذلك. وأما اليهود فلهم ذمة فلا أقتلهم([589]).
ونحن نشير هنا إلى ما يلي:
ألف: التمحيص:
إن المحن التي أصابت المسلمين في حرب أحد قد ميزت الخبيث من الطيب منهم، وامتاز أدعياء الإيمان والمنافقون عن المؤمنين.
كما وعرفت درجات المؤمنين أنفسهم، ومدى ثبات قدم كل منهم في الإيمان.
قال تعالى في مناسبة غزوة أحد: ?إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ?([590]).
وفي ذلك أيضاً: تعريف للمؤمنين أنفسهم بقدراتهم الإيمانية، وملكاتهم النفسية تلك.
فلا بد إذاً، أن يسعى المقصرون لجبر ما فيهم من نقص، وتكميل يقينهم، وزيادة وعيهم الرسالي؛ قال تعالى في آيات نزلت بمناسبة أحد: ?وَلِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ?([591]).
ويقول: ?قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ الله مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَالله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ?([592]).
وخلاصة الأمر: أن ما جرى في أحد قد عرف المسلمين بحقيقة تركيبة مجتمعهم، وأن فيه المؤمن والمنافق، وعرفهم أيضاً بطاقاتهم وقدراتهم، ودرجاتهم الإيمانية.
وهذا أمر مهم جداً بالنسبة لخططهم المستقبلية، ومهم أيضاً بالنسبة لتعاملهم على الصعيد الداخلي مع بعضهم البعض؛ لأن ذلك يجعلهم أكثر دقة، وأشد حيطة، حيث يحسبون لكل شيء حسابه، فلا يأتيهم ما لا يتوقعون، ولا يواجهون المفاجآت المحيرة. الأمر الذي لا بد أن يؤثر في نتائج مواقفهم، وجعلها لصالحهم بنحو أدق وأحكم.
ب: أجواء النفاق ودوافعه:
إن النفاق لا يستدعي دائماً: أن يكون المنافق يرغب في هدم هذا الدين الجديد، ويترصد الفرصة لذلك.
بل ربما يكون ذلك خوفاً من هذه الدعوة حينما يكون لها قوة وطول.
أو طمعاً بنفع عاجل، مادي، أو معنوي.
أو عصبية وحمية لبلد، أو قبيلة.
أو طمعاً في أن تنجح الدعوة في التغلب على المصاعب التي تواجهها، ويكون لهذا الشخص المنافق شأن فيها.
أو التزاماً بتقليد اجتماعي، ذي طابع معين.
أو حفاظاً على مصالح لا يمكن الحفاظ عليها مع مناهضة الدعوة.
إلى غير ذلك مما لا مجال له هنا.
إذن، فيمكن أن يكون نفاق ابن أبي، وكثير من أصحابه، إنما كان من أجل الحصول على ما في الإسلام من مغانم؛ والابتعاد عما يواجهونه من متاعب ومغارم.
وقد يكون نفاقهم هذا يتخذ اتجاهاً لا ينسجم مع تسليط المشركين على المدينة، لأن ذلك ولا شك لسوف يلحق الضرر بأولئك المنافقين أنفسهم. ولسوف يلحق الضرر بالتزاماتهم القبلية والاجتماعية، وبمصالحهم بشكل عام. كما أن تسليط المشركين على بلدهم لا ينسجم مع التقليد الاجتماعي القائم آنذاك، ولا مع غيرتهم وحميتهم، وعصبيتهم.
نعم، ربما تتغير هذه النظرة للمنافق، ويتجاوز كل هذه الموانع، إذا رأى: أن وجوده ومصالحه في خطر في المستقبل.
وإذا رأى أنه لا يمكنه الحفاظ على الحد الأدنى من مصالحه إلا بالتعامل مع أعداء هذه الدعوة؛ فيندفع إلى القيام بأي عمل يحفظ له الحد الأدنى مما تطمح نفسه إليه، ويسعى من أجل الحصول عليه.
دعني أقتله يا رسول الله!!
ثم إننا نجد: أن عمر يستأذن النبي "صلى الله عليه وآله" في قتل هؤلاء المنافقين؛ فلا يأذن له النبي "صلى الله عليه وآله" (وقد تقدم حين الكلام عن وحشي، وفي موضع آخر بعض ما يرتبط بذلك).
ونجد مثل ذلك من عمر في خلال حياته مع النبي "صلى الله عليه وآله" الشيء الكثير، وكأمثلة على ذلك نشير إلى:
1 ـ قصته مع الحكم بن كيسان([593]).
2 ـ قصته مع أبي سفيان([594]) حين فتح مكة.
3 ـ ومع عبد الله بن أبي([595]).
4 ـ ومع ذي الخويصرة([596]).
5 ـ ومع حاطب بن أبي بلتعة([597]).
6 ـ ومع ذي الثدية([598]) وقيل باتحاده مع ذي الخويصرة، وقيل: لا.
7 ـ ومع شيبة بن عثمان([599]).
8 ـ ومع الأعرابي الذي من بني سليم([600]).
9 ـ ونجده يطلب في الحديبية أن يمكنه النبي "صلى الله عليه وآله" من نزع ثنيتي سهيل بن عمرو، حتى يدلع لسانه.
وفي كل ذلك يمنعه النبي "صلى الله عليه وآله" ويردعه، ويخبره: بأنه لا يرغب في ذلك.
وبالنسبة للحادثة الأخيرة مع سهيل بن عمرو قال له: فعسى أن يقوم مقاماً تحمده. فكان مقامه هو ما ستأتي الإشارة إليه([601]).
فقد كان له موقف جيد في مكة حين وفاة النبي "صلى الله عليه وآله"، حيث منع أهل مكة من الارتداد وسكّنهم، وعظم الإسلام([602]).
ولا ندري كيف خفيت على عمر خطورة تصرف كهذا؟!
وأن ذلك معناه: نقض الصلح، وإعطاء نظرة سلبية عن النبي "صلى الله عليه وآله" وعن المسلمين، وفسح المجال للدعاية المغرضة ضدهم، وأنهم لا عهد لهم ولا ذمار. فحتى مع الرسل والمفاوضين يفعلون ذلك الأمر المهين والمشين، الأمر الذي يرفضه حتى العرف الجاهلي، فضلاً عن الخلق السامي والنبيل.
كما أننا لا ندري ـ لو أنه فعل ذلك بسهيل بن عمرو ـ ماذا سوف يكون شعور ابنه عبد الله بن سهيل، الذي هرب من أبيه إلى النبي "صلى الله عليه وآله" في بدر، وكان يكتم أباه إسلامه؟!.
ثم ماذا سوف يكون شعور ابنه الآخر أبي جندل بن سهيل، الذي جاء يرسف في الحديد إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الحديبية؟! أي في نفس الوقت الذي يريد فيه عمر: أن يفعل ما يفعل بأبيه سهيل.
وقد كان سهيل يضرب أبا جندل بغصن شوك. ولكنه مع ذلك قد ضن بهذا الأب أن يصيبه سوء، كما ذكره مصعب الزبيري([603]).
نعم، إننا لا ندري لماذا يصر عمر على النبي "صلى الله عليه وآله" في هذا الأمر، الذي كرر النبي "صلى الله عليه وآله" له رأيه فيه مرات عديدة؟!
وأوضح له: أنه لا يريد أن يتحدث الناس: أن محمداً يقتل أصحابه. بل لقد قال له في قصة ابن أُبي: لو قتلته يوم قلت لي لأرعدت لها آنُف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته([604]).
وإذا كان عمر يغار على مصلحة الإسلام إلى هذا الحد، حتى إنه لينسى كلام النبي "صلى الله عليه وآله" له في ذلك مرات عديدة، فلماذا فر في أحد قبل ذلك بقليل، وترك الإسلام والنبي "صلى الله عليه وآله" في معرض الأخطار الجسام، والأهوال العظام؟!
ولماذا فر في خيبر، وحنين الخ؟!.
ولماذا لم يطع النبي "صلى الله عليه وآله" حينما أمره بأن يقتل ذا الثدية؟!([605]).
ولعل هذا هو سر قول النبي "صلى الله عليه وآله" له في قصة ابن أبي: أوقاتله أنت إن أمرتك بقتله؟ مما يوحي بأنه "صلى الله عليه وآله" كان يشك في صحة عزمه على هذا الأمر كثيراً، وقد أثبت الواقع صحة شكه "صلى الله عليه وآله" هذا.
ولماذا كان "صلى الله عليه وآله" يسند هذه المهمة إلى غير عمر، إلا في قصة ذي الثدية، وكانت النتيجة فيها ما هو معلوم؟!.
ولماذا لا نجد غير عمر من سائر الصحابة يهتم بهذا الأمر بالخصوص؟!.
أسئلة تبقى حائرة، تنتظر الجواب المقنع والمفيد. وأين؟! وأنى؟!
الفصل الخامس:
غزوة حمراء الأسد، وإلى السنة الرابعة
قريش تفكر في المدينة، ثم تعدل عنها:
لقد كان من الطبيعي: أن يفكر المشركون في المدينة ونهبها، وسلب نسائها، بعد انتهائهم من معركة أحد.
وكان من الطبيعي أيضاً أن يحسبوا: أن في المدينة خلقاً كثيراً من الأوس والخزرج لم يحضروا الحرب، وهم مسلمون.
وحتى اليهود، والمنافقون، مثل: ابن أبي وأصحابه، فإن لهم في المدينة أهلاً ونساءً وعيالاً وأطفالاً. كما أن لهم بعيال، وأطفال، ونساء، وحتى رجال المسلمين علاقات نسبية، ومصالح مشتركة، لا يمكن التخلي عنها، أو تجاهلها بسهولة.
إذن، فقد كان من الطبيعي أن يجد المشركون مقاومة شديدة في داخل المدينة لو هاجموها.
وأما الذين في خارجها.. فإنهم لن يسكتوا على هذا الأمر، فالرسول "صلى الله عليه وآلـه"، وأصحـابه من ورائهم. وإن تحملـوا خسـائر كبـيرة ـ سبعين قتيلاً، وسبعين جريحاً ـ إلا أن من بقي منهم، وهم أكثر من خمسمائة مقاتل، إذا كانت القضية قضية شرف وعرض ومال، ومستقبل؛ فضلاً عن كونها قضية دين فلسوف ـ يستميتون في الدفاع عند ذلك كله..
ولم تنس قريش بعد: أنها قد هزمت في ابتداء المعركة، وطار بها الرعب في آخرها من هؤلاء بالذات، مع أنها تزيدهم عدداً أضعافاً كثيرة.
كما لا مجال لمقايسة ما كان عندهم من السلاح والعدة بما كانت تملكه هي من عدة وسلاح.
ولم تنس بعد أيضاً: أنها لم تتغلب عليهم إلا بسبب تكتيك حربي، يعتمد على عنصر المفاجأة استطاعت أن تستفيد منه حينما خالف الرماة صريح أوامر قائدهم، مع اشتغال الباقين في الغنائم، الأمر الذي جعلهم آمنين مطمئنين إلى أنه لا عدو بعد يواجههم.
هذا كله، عدا أن قريشاً قد كلت في هذه الحرب، وتعبت، وأصبحت قدراتها الآن أقل بكثير مما كانت عليه في بداية الحرب، حيث واجهت الهزيمة أيضاً. كما أنها ترغب في الاحتفاظ بهذا الانتصار الشكلي، ولا تريد أن تخاطر به، وتعرضه لاحتمالات الانتكاس والفشل الفاضح؛ لأن هذا الانتصار الشكلي يتيح لها: أن تبذل محاولات جديدة في تضعيف تأثير مواقف المسلمين الشجاعة السابقة على القبائل في المنطقة، وبالذات على مشركي مكة أنفسهم.
وأخيراً، فلم لا تفكر في أن تتبع الخطة التي اتبعها المسلمون في بدر، حيث لم يتبعوا المشركين حينما هزموهم؟ فلعل ذلك كان لأهداف بعيدة، وحكم غابت عنها، أدركها الآخرون، ولم تستطع هي أن تدركها.
غزوة حمراء الأسد:
وفي اليوم الثاني من أحد: "خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأمر من الوحي ـ كما في الرواية ـ إلى حمراء الأسد، موضع على ثمانية أو عشرة أميال من المدينة، حيث ندب أصحابه، قائلاً: "ألا عصابة تشد لأمر الله، تطلب عدوها؟ فإنها أنكأ للعدو، وأبعد للسمع"([606]).
فاشتد ذلك على المسلمين فأنزل الله: ?وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ?([607])"([608]).
المجروحون فقط:
فخرج "صلى الله عليه وآله" في ستين راكباً([609])، أو سبعين([610]).
ويدل على أن عدتهم سبعون: أن عائشة قالت لعروة بن الزبير: كان أبوك الزبير، وأبو بكر. لما أصاب نبي الله ما أصاب، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يرجعوا فقال: من يرجع في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً([611]).
ولكن الظاهر هو أن ذكر أبي بكر هنا قد جاء في غير محله، لأن الذين خرجوا في هذه الغزوة كانوا خصوص المجروحين، وكانوا سبعين رجلاً كما تقدم.
فقد روى القمي "رحمه الله": أن جبرئيل "عليه السلام" نزل على النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تخرج في أثر القوم، ولا يخرج معك إلا من به جراحة؛ فأمر "صلى الله عليه وآله" مناديه أن ينادي بذلك([612]).
ويؤيد ـ أن هؤلاء السبعين هم المجروحون ـ: قوله تعالى في هذه المناسبة: ?الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لله وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ?([613]).
وقد قلنا: إنه إذا كان الذين خرجوا هم المجروحون فقط، فلا معنى لذكر أبي بكر وعمر وغيرهما، ممن لم يكن به جراح في الخارجين إلى حمراء الأسد. وعلى كل حال، فقد خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالمجروحين من أصحابه، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وكان حامل لوائه علي "عليه السلام"، وكانت قريش في الروحاء، على بعد خمسة وثلاثين أو اثنين أو ثلاث وأربعين ميلاً من المدينة حيث تلاوموا هناك فيما بينهم، وقالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم. قتلتموهم حتى إذا لم يبق إلا الشريد تركتموهم، ارجعوا فاستأصلوهم قبل أن يجدوا شوكة.
فقال صفوان بن أمية: لا تفعلوا، فإن القوم قد حربوا([614])، وقد خشينا أن يكون لهم قتال غير الذي كان.
أو قال لهم: إن محمداً وأصحابه الآن في حنق شديد مما أصابهم، فوالله ما أمنت إن رجعتم أن يجتمع جميع من كان قد تخلف عن أحد من الأوس والخزرج، ويطؤوكم ويغلبوا عليكم، والآن لكم الغلبة الخ..
فبلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله"، فأراد أن يريهم من نفسه وأصحابه قوة، وأن يرعبهم.
ولكن من أين بلغه ذلك ومتى وصل إليه الخبر في خلال ليلة واحدة عن بعد أكثر من أربعين ميلاً، إلا أن يكون ذلك عن طريق الوحي؟!
وقد نصت رواية القمي المتقدمة على أن جبرئيل قد جاء بأمر من الله سبحانه إليه يأمره بالمسير إليهم.
وقدّم "صلى الله عليه وآله" ثلاثة نفر من أسلم، فلحق اثنان منهم القوم بحمراء الأسد وهم يأتمرون بالرجوع، فبصروا بهما، فرجعوا إليهما فقتلوهما.
ومضى "صلى الله عليه وآله" حتى نزل حمراء الأسد فدفن الرجلين، وأقام هناك ثلاثة أيام. وأوقد المسلمون ناراً عظيمة ـ خمسمائة نار ـ فذهب صيت عسكرهم ونارهم إلى كل جانب، فكبت عدوهم بذلك.
ومر معبد الخزاعي ـ وهو مشرك ـ بعسكر المسلمين، وهو في طريقه إلى مكة. وكانت خزاعة عيبة نصح لرسول الله، مسلمهم وكافرهم، فأظهر تألمه مما أصاب المسلمين في أحد.
فلما بلغ أبا سفيان وأصحابه أخبرهم: أن محمداً يطلبهم في جمع لم ير مثله، وأن هذا علي بن أبي طالب، قد أقبل على مقدمته في الناس([615]).
وقد اجتمع معه من كان تخلف عنه، وقد ندموا على ما صنعوا، وأنهم يتحرقون عليهم. وأن نواصي الخيل قد تدركهم قبل أن يرتحلوا.
فدب الرعب في قلوب المشركين، وأسرعوا بالرحيل. والتقوا بركب من بني عبد القيس قاصداً المدينة، فوعدهم أبو سفيان أن يعطيهم ما يرضيهم إذا هم أبلغوا رسول الله أن قريشاً آتية لحربه.
وأرسل معبد يخبر رسول الله بحقيقة الأمر.
وبعد إقامة النبي "صلى الله عليه وآله" ثلاثة أيام عاد إلى المدينة.
أسيران يقعان في أيدي المسلمين:
وأخذ النبي "صلى الله عليه وآله" في طريقه ذاك رجلين من قريش، هما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، وأبو عزة الجمحي.
أما أبو عزة فقد كان أسر في بدر، ثم منّ عليه "صلى الله عليه وآله" لبناته الخمس، وأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى حرب المسلمين، وأن لا يظاهر عليه أحداً. فنقض العهد، وألَّب القبائل، وشارك في معركة أحد.
فلما عادت قريش، ونزلت في حمراء الأسد، ساروا وتركوه نائماً، فأدركه المسلمون هناك، وأخذوه إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فطلب الإقالة، فرفض "صلى الله عليه وآله" ذلك حتى لا يمسح عارضيه بمكة، ويقول: سخرت من محمد مرتين. ثم أمر "صلى الله عليه وآله" علياً ـ وقيل غيره ـ أن يضرب عنقه، ففعل.
ولكن ابن جعدبة قال: ما أسر يوم أحد هو ولا غيره. ولقد كان المسلمون في شغل من الأسر. ولم ينكر قتله.
وقال ابن سلام: "قد قيل: إن النبي لم يقتل أحداً صبراً إلا عقبة بن أبي معيط يوم بدر"([616]).
ولكن المشهور هو خلاف ذلك، فهو المعتمد حتى يثبت خلافه.
أما ما ذكره بعضهم من: أن أبا عزة قد أسر يوم أحد.
فالظاهر: أن مقصوده منه ما ذكرناه، لأن حمراء الأسد من تتمة معركة أحد. فلا مجال لإشكال المعتزلي بأن حال المسلمين في أحد لم يكن يساعد على أسر أحد([617]).
وأما معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، فإنه انهزم في أحد، ودخل المدينة، فأتى منزل عثمان بن عفان، ابن عمه.
فقال عثمان له: أهلكتني وأهلكت نفسك. ثم خبأه في بيته، وذهب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ليأخذ له أماناً.
وكان "صلى الله عليه وآله" قد علم به من طريق الوحي، فأرسل علياً "عليه السلام" ليأتي به من دار عثمان، فأشارت أم كلثوم زوجة عثمان إلى الموضع الذي صيره عثمان فيه، فاستخرجوه من تحت حمّارة لهم، وانطلقوا به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فشفع فيه عثمان، فقبل منه "صلى الله عليه وآله"، وأجله ثلاثاً، وأقسم إن وجده بعدها في أرض المدينة وما حولها ليقتلنه، فجهزه عثمان، واشترى له بعيراً.
وسار "صلى الله عليه وآله" إلى حمراء الأسد، وأقام معاوية هذا إلى اليوم الثالث، ليعرف أخبار النبي "صلى الله عليه وآله"، ويأتي بها قريشاً، فلما كان في اليوم الرابع أخبرهم "صلى الله عليه وآله": أن معاوية بات قريباً، وأرسل زيداً وعماراً، فقتلاه.
والصحيح علياً وعماراً، كما في رواية الكافي.
وقال البلاذري عن ابن الكلبي: ويقال: إن علياً "عليه السلام" هو الذي قتل معاوية بن المغيرة([618]).
ويذكر هنا: أن عثمان قد انتقم من أم كلثوم، لدلالتها على ابن عمه.
بل يقال: إن ما فعله بها كان سبباً في موتها في اليوم الرابع، وبات ملتحفاً بجاريتها([619]).
دوافع حمراء الأسد ونتائجها:
لقد اتضح مما تقدم بعض دوافع غزوة حمراء الأسد، ونتائجها، وللتذكير بذلك نعود فنقول:
لقد عرف الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله": أن نتائج حرب أحد، لولا خروجه إلى حمراء الأسد سوف تكون:
1 ـ أن تستعيد قريش ثقتها بنفسها، ويزيد ذلك من إصرارها على حرب المسلمين، وتصلبها في موقفها تجاههم.
2 ـ أن تستغل ذلك إعلامياً، بحيث تضعف من مكانة محمد "صلى الله عليه وآله" في نفوس القبائل، ويزيدون جرأة على مناجزته ومقاومته؛ ويسهل عليهم الاستجابة لدعوة حربه.
3 ـ أن يصبح سلطان النبي "صلى الله عليه وآله" في المدينة في معرض التزلزل والضعف، بعد أن كان قد استقر وأدخل الرعب في نفوس كل مناوئيه في داخلها، سواء من المنافقين أو من اليهود. وقد دل على ذلك شماتة المنافقين، واليهود، وإظهارهم السرور بما جرى.
4 ـ أن يوجب ذلك تزلزل إيمان ذوي النفوس الضعيفة، ويجعلهم عرضة لاصطياد الآخرين لهم.
5 ـ توقف من كان مهيئاً نفسياً للدخول في الدين الجديد عن الدخول فيه، حتى تتضح له الأمور، وينجلي الموقف. ولا سيما إذا كان إسلامه صورياً من أجل ضمان مصالحه، أو للحصول على مكاسب من نوع ما، حيث لا تبقى ثمة ضمانات للحصول على ذلك، إن لم يكن أصبح يخشى العكس.
وعلى ضوء ما تقدم:
فقد جاءت حمراء الأسد ـ التي ربما تبدو للوهلة الأولى غير معقولة ـ فغيرت الكثير من النتائج المتقدمة، وحولتها لصالح المسلمين، لأن خروج هؤلاء الجرحى في أثر قريش، وهم لا يزيدون على سبعين رجلاً على ما يظهر، في حين لم يكن في هذه الغزوة طمع في مال ولا في غنائم، قد أوضح لكل أحد: أن هؤلاء مستميتون في الدفاع عن دينهم وعقيدتهم؛ وأن جراحهم تلك لم تحل دون إقدامهم على ملاحقة عدوهم؛ فهم يطلبون الموت ويسعون إليه، فالوقوف في وجه هؤلاء إنما يعني الوقوف أمام خيارين:
إما موت هؤلاء، ولا يموتون إلا بعد أن يموت معهم كل من يقدرون عليه، وإما موت عدوهم.
وإذا كان جرحاهم على استعداد لمثل هذا، فما حال غيرهم ممن وراءهم، ممن سوف لن يسكتوا عن إمدادهم ومساعدتهم؟!.
وإذاً فخروج الجرحى كان هو الأصوب، لأن رهبة العدو تكون أعظم، وخوفه يكون أشد، لأنه يعلم أن وراءهم من لا يحب الحياة أكثر منهم.
ولسوف يدرك عدوهم: أن ما جرى في أحد ليس إلا نتيجة نزوة عارضة ألمت، ويصعب تكررها منهم، بعد الذي أصابهم بسببها.
كما وتصير حجة من يريد التشكيك بقدرتهم الطبيعية على المواجهة ـ من المنافقين أو اليهود ـ ضعيفة وواهية، يصعب تقبلها.
إذاً، فمواجهة المسلمين وهم في قدرتهم الطبيعية، وحين لا يكون ثمة حالة استثنائية ـ كما جرى في أحد ـ سوف يكون عملاً انتحارياً، لا مبرر له، ولا منطق يساعده.
ولا سيما بعد أن تعلم المسلمون هذا الدرس الصعب، الذي كلفهم غالياً، فإن احتمال حدوث حالة استثنائية بعده يكاد يلحق بالممتنعات.
ولذلك فقد أوقد المسلمون خمسمائة نار، فكبت الله بذلك عدوهم، وأرجع كل القبائل المحيطة بالمدينة إلى صوابها، وأفهمها: أن عليها أن لا تغتر بما جرى في أُحد.
كما أن عليها: أن تعرف: أنه لو كان ما جرى في أحد طبيعياً، لما آثرت قريش الفرار من وجه سبعين من الجرحى. وهي التي ينبغي أن تكون أشد طغياناً وتجبراً، وأكثر إقداماً على المسلمين من ذي قبل.
وكان ينبغي ـ لو كان يمكنها ـ أن تغتنمها فرصة للقضاء على هذه القلة القليلة، المنهكة، والمثخنة بالجراح. وتقتل مصدر متاعبها وآلامها، وأعني به رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما دام أنه في جماعة لا تستطيع أن تدفع عنه، ولا عن نفسها شيئاً.
ففي حمراء الأسد هزيمة نفسية وإعلامية لقريش، كما أن في ذلك إعطاء الفرصة لسائر القبائل لتقييم معركة أحد تقييماً صحيحاً وسليماً، بعيداً عن الغرور والتضليل.
وهي أيضاً إبطال لكيد المنافقين واليهود، وتأييد لسلطان المسلمين في المدينة، وربط على قلوبهم، ورفع لمعنوياتهم.
وهذا معنى قوله "صلى الله عليه وآله": "فإنها أنكاء للعدو، وأبعد للسمع".
ويلاحظ أخيراً: أن معبد الخزاعي قد ذكر لقريش: أن علياً قد يدركهم قبل أن يرتحلوا، فدعاهم ذلك إلى التعجيل بالرحيل، قبل أن يدركهم أسد الله الغالب الإمام علي بن أبي طالب.
وهذا يؤكد على دوره الفريد والمتميز في إلحاق الهزيمة النكراء بجيش المشركين في أحد؛ حتى صار يطلبه المشركون بثارات أحدية([620]) أضيفت إلى ثاراتهم البدرية، كما ورد التصريح به في أكثر من مورد في تأريخ الصدام فيما بين الحق والباطل بعد ذلك.
قتل الأسيرين:
وقصة قتل الأسيرين، وملاحظة موقفه "صلى الله عليه وآله" منهما تعطينا: أنه "صلى الله عليه وآله" كان يعامل كل أحد ـ بالدرجة الأولى ـ على أنه إنسان. ثم يقاوم فيه شركه وانحرافه بالأساليب الإنسانية أولاً أيضاً.
أي أنه يعتبره يحوي سائر الخصائص الإنسانية؛ فيتعامل معه على أساس الصدق، والوفاء، والأمانة وغير ذلك من خصائص إنسانية. وذلك من أجل تشجيع هذه الخصائص، وإعطائها الفرصة للنمو والتكامل، على أمل أن يكون ذلك موجباً لتسهيل مهمته التبليغية والإقناعية في المستقبل، ومن ثم لتلافي الكثير من المشكلات التي لا مبرر لها، وإنما تخلقها النزوات غير الإنسانية، في طريق الدعوة إلى الله تعالى، والإقناع بالحق والخير.
ولكنه حين يثبت له "صلى الله عليه وآله": أن الطرف الآخر لا ينطلق في مجمل مواقفه من خصائص إنسانية، وإنما من نزوات غير إنسانية، ومن شيطنة، ومكر؛ فإنه "صلى الله عليه وآله" حينئذٍ يقف منه الموقف الحازم الذي لا بد منه. وهو يحسن إليه وإلى مجتمعه حينما يقضي على تلك الروح البهيمية، والنزوات الشيطانية فيه؛ لأن الله قد خلقه ليكون إنساناً، لا ليكون حيواناً، يحمل إنسانيته كل مشقات ومتاعب النزوات الحيوانية تلك.
كما أنه يكون قد أحسن لبناته اللواتي لن يكون في صالحهن: أن يكون المشرف على قضاياهن وشؤونهن مخلوقاً لا يحمل ـ أو فقل ـ: لا أثر في حياته للخصائص والمزايا الأولية للإنسان.
وعليه، فإذا قبل النبي "صلى الله عليه وآله" أن يمن على أبي عزة الجمحي في بدر من أجل بناته، ثم رفض ذلك هنا؛ فإنه لا يكون بين كلا موقفيه أي تناقض أو اختلاف؛ بل هو مصيب في الحالتين، وهو قد أحسن لبناته أول مرة، وكان إحسانه لهن في هذه المرة أعم وأعظم.
هذا كله عدا عن أنه "صلى الله عليه وآله" يكون قد أعطى المثل الأعلى للمؤمن الواعي واليقظ، الذي لا يخدع ولا يستغل فإنه: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.
(راجع ما تقدم بعد بدر حول خصائص الشيعة).
وفاة أم كلثوم وملابساتها:
ويقولون: إن أم كلثوم بنت النبي ـ بل ربيبته([621]) ـ قد توفيت في سنة تسع. ولكن ما يذكر في سبب وفاتها يؤكد: أنها قد توفيت في سنة ثلاث.
فقد جاء في نوادر جنائز الكافي خبر طويل، تقدم شطر منه قبل صفحات قليلة، ونعود فنلخصه هنا على النحو التالي:
إن عثمان قد آوى الذي جدع أنف حمزة [وهو معاوية بن المغيرة بن أبي العاص كما تقدم] وخبأه في مكان من داره، وأمر أم كلثوم: أن لا تخبر أباها فقالت: ما كنت لأكتم النبي "صلى الله عليه وآله" عدوه.
وخرج عثمان إلى النبي "صلى الله عليه وآله". وعرف النبي ذلك بواسطة الوحي؛ فأرسل علياً "عليه السلام" ليأتي به؛ فلم يجده؛ فجاء عثمان، وطلب الأمان له بإلحاح، فقال له "صلى الله عليه وآله": إن قدرت عليه بعد ثالثة قتلته؛ فأخذه عثمان، فجهزه، وانطلق.
وبعد ثلاث أرسل النبي "صلى الله عليه وآله" علياً وعماراً، وثالثاً؛ ليقتلوه؛ لأنه بات قريب المدينة؛ فأتاه علي "عليه السلام" فقتله.
فضرب عثمان بنت النبي "صلى الله عليه وآله"، وقال: أنت أخبرت أباك بمكانه، فبعثت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" ثلاث مرات تشكو ما لقيت والنبي "صلى الله عليه وآله" لا يستجيب.
وفي الرابعة: أرسل علياً "عليه السلام" ليأتي بها؛ فإن حال بينه وبينها أحد؛ فليحطمه بالسيف، وأقبل النبي "صلى الله عليه وآله" كالواله إلى دار عثمان، فأخرجها علي؛ فلما نظرت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" رفعت صوتها بالبكاء، وبكى النبي "صلى الله عليه وآله"، وأخذها إلى منزله، وأرتهم ما بظهرها. وبات عثمان ملتحفاً بجاريتها. وماتت في اليوم الرابع.
فأمر النبي "صلى الله عليه وآله" فاطمة؛ فخرجت، ونساء المؤمنين معها، وخرج عثمان يشيع جنازتها؛ فلما نظر إليه "صلى الله عليه وآله"، قال ثلاث مرات: من أطاف البارحة بأهله، أو بفتاته، فلا يتبعن جنازتها، فلم ينصرف.
فلما كان في الرابعة، قال: لينصرفن أو لأسمين باسمه.
فأقبل عثمان متوكئاً على مولى له، فقال: إني أشتكي بطني.
قال: انصرف الخ..([622]).
ونفس هذه القضية ذكرها الواقدي، والبلاذري، وغيرهما، إلى أن انتهى إلى أنهم أصابوه قد أخطأ الطريق، فقتله عمار وزيد.
وذكروا: أنهم لما جاؤوا ليأخذوه من منزل عثمان، أشارت أم كلثوم إلى الموضع الذي صيره عثمان فيه؛ فاستخرجوه([623]).
ولكنهم لا يذكرون القسم الأخير من القضية، لأسباب لا تخفى.
وجزم البلاذري بأن علياً "عليه السلام" هو الذي قتله([624]).
ولعل عائشة تشير إلى هذه القضية بالذات، حينما قالت لعثمان عن رقية وأم كلثوم: "ولكن قد كان منك فيهما ما قد علمت".
فراجع ما ذكرناه: في ما تقدم حينما تحدثنا حول وفاة رقية رحمها الله. وإلى ذلك أيضاً يشير ما ورد في دعاء شهر رمضان: "اللهم صل على أم كلثوم بنت نبيك، والعن من آذى نبيك فيها"([625]).
ويلاحظ هنا: أن التعبير ب‍ـ "بنت نبيك" لا يدل على البنوة الحقيقية، إذ قد يكون المقصود بالبنت: الربيبة، فراجع ما ذكرناه في كتابنا: "بنات النبي أم ربائبه"، وكتابنا الآخر: "القول الصائب في إثبات الربائب".
وبعد ما تقدم، فإن كل الأصابع لا بد أن تمتد لتشير إلى عثمان، حينما نقرأ رواية عبد الرزاق التي تقول: إن بعض بناته "صلى الله عليه وآله" جاءت تشكو زوجها؛ فأمرها "صلى الله عليه وآله" بالرجوع([626])؛ لكن علياً "عليه السلام" ـ حسبما تقدم حين الكلام على تكنيته بأبي تراب ـ قد أقسم على أنه لم يغضب فاطمة الزهراء "عليها السلام" ولا أكرهها على أمر حتى قبضها الله تعالى. وهي أيضاً كذلك.
فكل القرائن تشير إذاً، إلى صحة رواية جنائز الكافي؛ وتقوي من مضمونها، الأمر الذي يجعلنا نطمئن إلى أنها رضوان الله تعالى عليها قد توفيت بعد واقعة أحد، وبالذات في قضية الذي جدع أنف حمزة سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه؛ وأنها لم تقم مع عثمان إلا قليلاً.
ثم إننا لا نستبعد صحة ما نقله في قرب الإسناد عن الصادق "عليه السلام":
من أن عثمان لم يدخل بأم كلثوم([627])، ويكون ذلك قرينة على أنها لم تعش معه مدة طويلة، ويقرب ذلك أنها ماتت بعد أحد حسبما تقدم. ولعلها قد تزوجته لأيام قليلة فقط.
وأما أن أسماء بنت عميس قد غسلتها، وهي قد عادت من الحبشة عام خيبر؛ أي في سنة سبع؛ فلعله اشتباه من الراوي.
ويكون المراد: أسماء بنت يزيد الأنصارية؛ لكن الراوي زاد كلمة بنت عميس من عند نفسه جرياً على ما استقر في نفسه، بسبب شهرة بنت عميس، وقد تقدم قبل وقعة أحد نظير ذلك في ولادة الإمام الحسن "عليه السلام"، فليراجعه من أراد.
الباب الثاني:
شخصيات وأحداث
الفصل الأول: أوسمة وهمية لزيد بن ثابت
الفصل الثاني: سلمان الفارسي حر
الفصل الثالث: ولادة الإمام الحسين × وبعض ما قيل حوله
الفصل الرابع: عبرة ومناسبة
الفصل الخامس: رجم اليهوديين ، حقيقة أم خيال
الفصل السادس: من متفرقات الأحداث
الفصل الأول:
أوسمة وهمية لزيد بن ثابت
بــدايــة:
إننا حين نتحدث عن بعض الشخصيات، وما ينسب إليها من مواقف ويرتبط بها من أحداث، فإن سبب ذلك يعود إما إلى أهمية ذلك الحدث بالذات، أو لأن مناسبة البحث قد اقتضت ذلك أحياناً، أو من أجل معرفة الدور الذي قامت به تلك الشخصية أو الذي أريد لها: أن تنال شرف انتسابه إليها، لسبب سياسي، أو غيره.
وليس هدفنا من حديثنا ذاك مجرد مجاراة المؤرخين، ولا تكميل نقص لربما يجد البعض فيه مستمسكاً للتقليل من أهمية الكتاب بصورة عامة، ولا غير ذلك مما يدخل في نطاق الشكليات والهامشيات التي تستند إلى بواعث غير مسؤولة، ولا هي ذات أهمية أو قيمة تذكر.
كما أن ذكرنا للحدث، قد يكون مرده بالإضافة إلى ذلك: الرغبة في تسجيل تحفظ على ما أوردوه على أنه حقيقة وواقع، أو تصحيح خطأ، أو إبراز الجانب السياسي، الذي هيمن على ذلك الحدث، وأثر فيه. أو تسجيل عبرة نجدها جديرة بالتسجيل للاستفادة منها في الموقع المناسب.
هذا بالإضافة إلى أن جمع أطراف البحث، وملاحقة عناصر متفرقة ووضعها في موضعها يساهم إلى حد كبير في تسهيل التعرف على ملامح الصورة التي تمس الحاجة للتعرف عليها، وتتشوق النفوس إليها.
هذا، إلى أمور أخرى لا تبتعد كثيراً عن هذا المنحى في مسارها العام.
وعلى هذا الأساس: فإننا قد أولينا قسطاً من الأهمية لمتابعة الأحداث التي ترتبط ببعض الشخصيات التي عاشت في العصر النبوي وبعده وكان لها دور رئيس في صنع الأحداث، وفي تهيئة الأجواء والظروف لها. على أمل أن نكون قد أسهمنا بدورنا في حصحصة الحق، وكشف الزيف، وإزالة الشبهات.
ونبدأ هنا بالحديث عن أمر ذكر: أنه يرتبط بزيد بن ثابت، فعسى أن نجد فيه، وفيما يأتي من فصول ما ينفع ويجدي، فنقول:
الحدث المشكوك:
إن المطالع للتاريخ الإسلامي، ولكتب التراث بصورة عامة، يجد الكثير من الأمور التي أصبح لها من الشيوع والذيوع بحيث تبدو من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل، ولا يجوز أن تخضع للمناقشة.
وأصبح الكتَّاب والمؤلفون يرسلونها إرسال المسلمات ويوردونها مستدلين بها على ما يرونها قادرة على إثباته، أو الدلالة عليه. مع أن نفس هذه القضايا لو أخضعها الباحثون للبحث، وللتحقيق والتمحيص، لخرجوا بحقيقة: أنها من الأمور الزائفة والمجعولة، التي صنعتها الأهواء السياسية، والتعصبات المذهبية، أو العرقية، أو غيرها.
أو على الأقل لوجدوا الكثير مما يوجب الشك والريب فيها، ومن ثم ضعفها، ووهنها، أو لوقفوا على كثير من موارد التحريف والتلاعب فيها.
وقد يجوز لنا القول: إن ما يروى، من أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة العبرانية أو السريانية، يصلح مثالاً لهذا الأمر؛ ولأجل ذلك فقد رأينا من المناسب أن نشير إلى بعض ما تلزم الإشارة إليه في هذه القضية وغيرها، تاركين الحكم في ذلك، نفياً أو إثباتاً، إلى القارئ الكريم، الذي يملك كامل الحرية في أن يقبل، وفي أن يرد، إذا اقتضى الأمر أياً من الرد، أو القبول، فنقول:
روايات تعلم زيد العبرانية أو السريانية:
تؤرخ بعض المصادر: أنه في السنة الرابعة للهجرة أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" زيد بن ثابت بتعلم السريانية أو العبرانية، معللاً ذلك: بأنه لا يأمن اليهود على كتابه([628]) فقد روى الترمذي، عن زيد بن ثابت، قال: أمرني رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن أتعلم كتاب يهود، قال: ما آمن يهود على كتاب.
قال: فما مر بي نصف شهر، حتى تعلمته له.
قال: فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأت له كتابهم.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح([629]).
وفي نص آخر: لما قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، قال لي: تعلم كتاب اليهود؛ فإني والله ما آمن اليهود على كتابي([630]) ولم يذكر قوله: فلما تعلمته الخ..
قال الترمذي: وقد روي من غير هذا الوجه، عن زيد بن ثابت، قال: أمرني رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن أتعلم السريانية([631]).
وفي نص آخر: عن زيد بن ثابت، قال: قال لي رسول الله "صلى الله عليه وآله": إنه يأتيني كتب من ناس، لا أحب أن يقرأها أحد؛ فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية، أو قال: السريانية؟
فقلت: نعم.
قال: فتعلمتها في سبع عشرة ليلة([632]).
ومثله في نص آخر، عن زيد بن ثابت، لكنه جزم بأنه أمره بتعلم السريانية ولم يتردد في ذلك([633]).
وفي رواية أخرى: عن زيد بن ثابت أيضاً، قال: أتي بي إلى النبي "صلى الله عليه وآله" عند مقدمه المدينة، فعجب بي، فقيل له: هذا الغلام من بني النجار، قد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة، فاستقرأني، فقرأت (ق) فقال لي: تعلَّم كتاب يهود، فإني ما آمن يهود على كتابي، فتعلمته في نصف شهر([634])، إلى آخر ما تقدم في الرواية الأولى.
وعن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: كان زيد بن ثابت يتعلم في مدارس ماسكة، فتعلم كتابهم في خمس عشرة ليلة، حتى كان يعلم ما حرفوا وبدلوا([635]).
وقال الكتاني: قلت في بهجة المحافل لابن عبد البر: إنه تعلمها في ثمانية عشر يوماً([636]).
وقالوا عن زيد بن ثابت: "وكان يكتب بالعربية والعبرانية"([637])، أو "السريانية"([638]).
وقال ابن الأثير الجزري: "كانت ترد على النبي "صلى الله عليه وآله" كتب بالسريانية، فأمر زيداً، فتعلمها"([639]).
وقال الذهبي: "قدم النبي "صلى الله عليه وآله"، وزيد صبي ذكي نجيب، عمره إحدى عشرة سنة، فأسلم، وأمره النبي "صلى الله عليه وآله": أن يتعلم خط اليهود؛ فجوَّد الكتابة، إلى آخره"([640]).
المناقشة:
وبعد، فإن لنا على تلكم الروايات ملاحظات عدة، توجب لنا الشك والريب في سلامتها وصحتها، ونذكر من هذه الملاحظات ما يلي:
ألف: إننا نجدها مختلفة فيما بينها بصورة واضحة، الأمر الذي يشير إلى أنه لا يمكن أن تصح جميعها، فواحدة تقول: إنه أمره بتعلم السريانية، وأخرى: العبرانية، بل لقد وقع الترديد بينهما حتى في الرواية الواحدة.
ورواية تذكر: أنه قد تعلمها في أقل من نصف شهر، وأخرى: أنه تعلمها في خمسة عشر يوماً، وثالثة في سبعة عشر يوماً، ورابعة: في ثمانية عشر يوماً.
ورواية تقول: إنه أمره بتعلمها لأنه لا يأمن يهود على كتابه، وأخرى تقول: إنه أمره بذلك، لأنه تأتيه كتب لا يحب أن يطلع عليها كل أحد.
ورواية تفيد: أنه قد أمره بذلك حين مقدمه المدينة.
بينما تذكر أخرى: أنه إنما أمره بذلك في السنة الرابعة، وتعلمها حينئذٍ. هذا كله، مع أن الراوي لذلك كله رجل واحد، وهو المصدر الوحيد لما قاله ويقوله الكتَّاب والمؤرخون على الظاهر، في هذا المجال.
ب: إننا نلاحظ: أن الراوي لهذه القضية هو خصوص زيد بن ثابت بطل القصة نفسه، ولم نجدهم نقلوا ذلك عن غيره، رغم أهمية هذا الأمر وكونه ملفتاً للنظر، ورغم أننا نجدهم يسجلون لنا حتى أبسط الحركات التي تصدر عن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله".
وواضح: أن هذه القضية ترمي إلى إثبات فضيلة لنفس ناقلها، فليلاحظ ذلك.
ج: إننا ـ رغم تفحصنا ـ لم نعثر ولو على نص واحد لرسالة واحدة أرسلها النبي "صلى الله عليه وآله"، أو وصلت إليه من غيره تكون مكتوبة بغير العربية.
كما أننا لم نجد حتى ولو إشارة واحدة إلى أية رسالة وصلت إليه من أحد أو أرسلها إلى أحد قيل إنها ترجمت له "صلى الله عليه وآله" من أي لغة أخرى إلى اللغة العربية، أو بالعكس.
بل قد وجد عدد من الرسائل المنسوبة إليه "صلى الله عليه وآله" في بعض المتاحف والمكتبات الخاصة؛ كان قد أرسلها إلى كسرى، وإلى النجاشي، وإلى المقوقس. ويميل العلماء والمحققون إلى الجزم بأنها هي بعينها، التي كان "صلى الله عليه وآله" قد أرسلها إليهم.
نعم، لقد وجدت هذه الرسائل وكانت كلها مكتوبة باللغة العربية خاصة، وبالخط العربي، فراجع مجموعة الوثائق السياسية للبروفيسور حميد الله لتطلع على صور هذه الرسائل، وراجع أيضاً مكاتيب الرسول للعلامة البحاثة الشيخ علي الأحمدي الميانجي "رحمه الله". وغيرهما من الكتب والمصادر.
ومما يدل على ذلك: أن الرواية تنص على أن قيصر قد طلب ترجماناً ليقرأ له كتاب رسول الله "صلى الله عليه وآله"([641]).
نعم، هناك رسالة واحدة مكتوبة باللغة العبرية، حكم العلماء والباحثون عليها بصورة قاطعة بالوضع والاختلاق، فراجع الكتابين آنفي الذكر. فأين ذهبت تلكم الرسائل التي كتبها زيد بن ثابت باللغة العبرية أو السريانية، أو ترجمها منها إلى العربية؟! ولماذا لم يشر التاريخ ولو إلى واحدة منها؟ إن ذلك لعجيب حقاً؟! وأي عجيب!!!
د: والأعجب من ذلك: أن بعض المصادر تذكر: أن زيد بن ثابت كان من أكثر كتَّاب النبي "صلى الله عليه وآله" كتابة له([642]).
وعبارة ابن عبد البر: "كان كاتبه المواظب له في الرسائل والأجوبة"([643]).
ويذكرون أيضاً: أنه كان مختصاً بالكتابة إلى الملوك([644])، وأنه كان يكتب له "صلى الله عليه وآله" إذا كتب إلى اليهود، ويقرأ له كتبهم.
فإذا كان كذلك فما بالنا نجد اسم كثير من الكتَّاب في أسفل الكتب التي كتبوها، فيقول في آخر الكتاب: وكتب فلان، أو: وكتب فلان وشهد، أو نحو ذلك ـ وهي طائفة كثيرة ـ ولا نجد اسماً لزيد بن ثابت في أي من الكتب التي وصلتنا، إلا على صفة الشاهد على بعض الكتب النادرة جداً.
نعم، إننا لم نجد له اسماً لا على الكتب إلى الملوك، ولا على الكتب إلى اليهود، مع وجود أسماء كثيرين من الكتاب الآخرين على طائفة كبيرة منها. بل لقد وجدنا أسماء آخرين كانوا قد كتبوا إلى الملوك، وإلى اليهود أيضاً فليلاحظ: كتاب مفاداة سلمان من عثمان بن الأشهل اليهودي القرظي، فقد كتبه أمير المؤمنين علي "عليه السلام".
وكتابه "صلى الله عليه وآله" إلى جيفر، وعبد، ابني الجلندي، وهما من الملوك، وهو بخط أُبي بن كعب.
وكتابه إلى المنذر بن ساوى وهو من ملوك البحرين، بخط أُبي. ومعاهدة يهود مقنا، هي أيضاً بخط أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام. وكتابه "صلى الله عليه وآله" ليهود بني عاديا من تيماء، كتبه خالد بن سعيد.
وكذا كتابه ليهود بني عريض، كتبه خالد بن سعيد أيضاً.
ويقال: إن معاوية أيضاً قد كتب إلى المهاجر بن أبي أمية، وربيعة بن ذي الرحب من حضرموت([645]).
كما أن كتابه "صلى الله عليه وآله" الذي أجاب به النجاشي الأول، قد كتبه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه الصلاة والسلام"([646]).
ولعل المتتبع يجد أمثلة كثيرة سوى ما تقدم، فأين كان زيد بن ثابت عن ذلك، وعن سواه ياترى؟!
هـ : إننا نجد أن بعض الروايات المتقدمة تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد علل طلبه من زيد تعلم اللغة العبرانية، أو السريانية، بأنه تأتيه كتب، ولا يحب أن يطَّلع عليها كل أحد، فاحتاج إلى أن يأمر زيداً بذلك، مع أنه قد كان آخرون غير زيد بن ثابت يعرفون العبرانية أو السريانية، وفيهم من هو من فضلاء الصحابة وثقاتهم، ومن مثل سلمان الفارسي! الذي هو من أهل البيت، فإنه كان قد قرأ الكتابين([647])، فلماذا لا يعطيه النبي "صلى الله عليه وآله" كتبه التي لا يحب أن يطَّلع عليها كل أحد، ليقرأها له، فإنه لا ريب في أمانته ودينه، وكونه عبداً لذلك القرظي لا يمنعه من ذلك، كما لم يمنعه من حضور حرب بدر وأحد. (كما سيأتي).
مع أن مراسلاته "صلى الله عليه وآله" للملوك قد بدأت بعد ذلك كما هو معلوم من التاريخ.
أضف إلى ذلك: أنه قد تحرر قبل غزوة الخندق، وهي في الرابعة كما هو الظاهر أو في الخامسة على أبعد تقدير كما تحدثنا عن ذلك في كتابنا (حديث الإفك).
وستأتي الإشارة إلى ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
وقد تقدم أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر زيداً بتعلم تلك اللغة في السنة الرابعة.
أضف إلى ذلك: أنهم يقولون: إن الحبر اليهودي عبد الله بن سلام قد أسلم في أول قدوم النبي "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، وقد ادعوا نزول الآيات في تقريضه ومدحه، فلماذا لا يقرأ للنبي "صلى الله عليه وآله" ما سوف يأتيه من رسائل؟!
كما أنهم يقولون: إن عبد الله بن عمرو بن العاص، كان يقرأ بالسريانية([648]).
ويقول الدكتور جواد علي: "ومنهم مثل زيد بن ثابت من كتب له بالعربية، وبالعبرانية، أو بالسريانية، وذكر أن بعضهم كان مثل زيد بن ثابت يكتب بغير العربية أيضاً"([649]).
فلماذا ذُكر اسم زيد بن ثابت ولم تُذكر أسماء أولئك؟.
و : قد ذكروا: أن حنظلة بن الربيع كان يقوم مقام جميع كتابه "صلى الله عليه وآله" بما فيهم زيد بن ثابت، إذا غاب أحد منهم حتى سمي حنظلة الكاتب([650])، الأمر الذي يشعر بأنه كان أيضاً يحسن الكتابة بغير العربية، كزيد.
كما أنه يدل: على أنه كان ينوب عن زيد في الكتابة إلى اليهود، وإلى الملوك. (راجع الهامش)([651]).
فإذا كان كذلك، فلماذا لم يعتمد النبي "صلى الله عليه وآله" على حنظلة، أو على غيره ممن أشار إليهم الدكتور جواد علي، فإن الحاجة ترتفع بهم، ولا يبقى "صلى الله عليه وآله" بحاجة إلى اليهود "الذين كانوا غير مأمونين" لا في الترجمة، ولا في الكتابة.
ويلاحظ هنا: أنهم لم يبخلوا على زيد في هذا المجال، فقد أتخموه بالأوسمة، وأغرقوه بآيات الثناء، ويكفي أن نذكر: أنهم جعلوه عالماً، ليس فقط بالعربية قراءة وكتابة، وكذلك بالعبرانية، أو السريانية، وإنما أضافوا إلى ذلك: أنه كان يترجم للنبي "صلى الله عليه وآله" بالفارسية والرومية والقبطية والحبشية([652]).
وأنه قد تعلم الفارسية من رسول كسرى، والرومية من حاجب النبي، والحبشية من خادم النبي "صلى الله عليه وآله" والقبطية من خادم النبي أو خادمته "صلى الله عليه وآله"([653]).
ولا ندري لماذا لم يتعلم الفارسية من سلمان، والرومية من صهيب والحبشية من بلال، فإن كلاً منهم كان يجيد هذه اللغات بما لا مزيد عليه؟!
كما لا ندري لماذا لم نجد أية إشارة لكتاب مترجم من هذه اللغات إلى العربية أو من العربية إليها، أو غير ذلك، مما يحتاج إلى الترجمة؟!
ز : لقد روي عن أبي جعفر "عليه السلام": قال: كان غلام من اليهود يأتي النبي "صلى الله عليه وآله" كثيراً حتى استخفه (استحقه) وربما أرسله في حاجة، وربما كتب له الكتاب إلى قوم؛ فافتقده أياماً فسأل عنه، فقال له قائل: تركته في آخر يوم من أيام الدنيا، فأتاه النبي "صلى الله عليه وآله" الخ..([654]).
ح: وأخيراً، فلا ندري ما حاجة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الترجمة، مع أن جمعاً من المحققين قد أثبتوا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يعرف جميع اللغات، فلا يحتاج إلى مترجم ولا إلى غيره، وقد كلم سلمان بالفارسية، وتكلم بغيرها من اللغات أيضاً الخ..([655]).
ط: وأما قوله في الرواية: إنه "صلى الله عليه وآله" أمره بذلك حين قدومه المدينة، ثم روايتهم: أنه كان يكتب في الجاهلية([656])، فينافيه قولهم: إنه تعلم الكتابة من أسرى بدر([657]).
ملاحظتان:
الأولى: قال العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي الميانجي، بعد أن تكلم حول معرفته "صلى الله عليه وآله" باللغات، عربيها، وعجميها، وأيد ذلك بنقل المؤرخين والمحدثين أنه "صلى الله عليه وآله" كان يتكلم مع كل قوم بلسانهم، قال "رحمه الله": "ولكنه "صلى الله عليه وآله" كتب إلى ملوك العجم كقيصر، وكسرى، والنجاشي بلغة العرب، مع أن الجدير أن يكتب إلى كل قوم بلسانهم؛ إظهاراً للمعجزة، واستحداثاً للألفة؛ فما الوجه في ذلك؟! وأي فائدة في الكتابة بالعربية؟ وأي وازع في الترقيم بالعجمية؟!
والذي يقضي به التدبر، وينتهي إليه الفكر: أن الفائدة في ذلك هو حفظ شؤون الملة الإسلامية، وصوناً لجانب الاستقلال والعظمة، ألا ترى أن الأمم الراقية المتمدنة يسعون في انتشار لسانهم في العالم، حتى تصير لغتهم لغة عالمية، إعمالاً للسيادة، وتثبيتاً للعظمة؟
فكأنه "صلى الله عليه وآله" يلاحظ جانب الإسلام، وأنه يعلو ولا يعلى عليه، وأن لغة القرآن لا بد أن تنتشر، وتعم العالم، لأن القرآن كتاب للعالم؛ فعظمة القرآن، وعموم دعوته، وعظمة النبي الأقدس "صلى الله عليه وآله"، ورسالته العالمية، تقضي أن يكتب إليهم بلغة القرآن.
فعلى ملوك العالم، والعالم البشري أن يتعلموا لسانه المقدس، ولغته السامية، لغة القرآن المجيد، تثبيتاً لهذا المرمى العظيم، والغرض العالي"([658]).
الثانية: وبعد، فإننا لا ننكر أن يكون زيد بن ثابت قد تعلم شيئاً من العبرانية أو السريانية، قليلاً كان ذلك أو كثيراً، ولكننا نشك في أن يكون النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي طلب منه ذلك، ونشك كذلك في أن يكون قد كتب له "صلى الله عليه وآله" بهذه اللغات، أو ترجم له شيئاً من الكتب التي أتته، فإن الروايات المتقدمة لا تكفي لإثبات ذلك على الإطلاق بل قدمنا ما يوجب ضعفها ووهنها ولا بد لإثبات ذلك من اعتماد أدلة وشواهد أخرى، لا نراها متوفرة بين أيدينا، من نصوص ومصادر، بل إن ما بأيدينا يؤيد إن لم يكن يدل على خلاف ذلك، كما ألمحنا إليه.
والظاهر: أن الهدف هو إثبات فضيلة لزيد بن ثابت، وإن كانت كل الدلائل والشواهد تشير إلى خلافها، ما دام لا يخطر ببال أحد: أن يبحث حول ثبوت ذلك وصحته بنظرهم.
وسنتكلم عن سر تكرمهم بالفضائل لهذا الرجل في آخر هذا الفصل إن شاء الله تعالى.
ونذكر من الفضائل التي أضيفت إلى زيد بن ثابت أيضاً ما يلي:
علم زيد بالفرائض:
سيأتي: أن عمر وعثمان ما كانا يقدمان على زيد في الفرائض أحداً. وقد خطب عمر الناس، فكان مما قال: "ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت"([659]).
وادَّعوا: أنه كان أعلم أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالفرائض (أي فرائض الإرث)([660]).
ولكننا نقول: إننا نجد في مقابل ذلك:
1 ـ أن مسروقاً ـ وإن كنا نعتقد أن ذلك لدوافع سياسية ـ يقول عن عائشة: إنه رأى: "أكابر أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يسألونها عن الفرائض"([661]).
2 ـ إن أئمة أهل البيت "عليهم السلام" قد رفضوا دعوى أعلمية زيد بالفرائض، فقد روي عن الإمام الباقر "عليه السلام"، قال: الحكم حكمان: حكم الله، وحكم الجاهلية، وأشهد على زيد بن ثابت لقد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية([662]).
3 ـ وقد ألف سعد بن عبد الله القمي كتاب: إحتجاج الشيعة على زيد بن ثابت في الفرائض([663]).
وقد ذكر ابن شاذان في الإيضاح طائفة من مسائل الإرث لم يوفق زيد للصواب فيها، فليراجعه من أراده([664]).
وقال: "..وأما فرائض زيد، فلم يبق أحد من الصحابة إلا وقد اعترض عليه فيما فرض".
4 ـ عن سعيد بن وهب، قال: قال عبد الله: أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب "عليه السلام"([665]).
وهذا هو الحق الذي لا محيص عنه، فإنه "عليه السلام" باب مدينة العلم، ولكن قاتل الله السياسة وألاعيبها.
ملاحظة:
بالنسبة لشهادة الإمام الباقر "عليه السلام" بأن زيد بن ثابت قد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية، لعله لأن زيد بن ثابت كان يفتي برأيه، حسب اعترافه فيما سيأتي، ولعل عامة ما كان يفتي به كان خطأ، على حد قوله نفسه، وكذلك وجود بعض الرواسب في نفسه وفي فكره وكون دين الله لا يصاب بالعقول ـ لعل كل ذلك ـ هو السبب في أن زيداً قد حكم في الفرائض بحكم الجاهلية.
وقـد جـرت بين زيـد وبين أمير المـؤمنين "عليه السـلام" بعض المساجلات في مجال الفرائض لم يستطع زيد أن يقدم الجواب الكافي في مقابل ما بينه له أمير المؤمنين "عليه السلام" في تلك المسألة، فإن مكاتبة([666]) زَنَت، وقد عتق منها ثلاثة أرباعها.
فقال "عليه السلام": يجلد منه بحساب الحرية ويجلد منها بحساب الرق.
وقال زيد بن ثابت: تجلد بحساب الرق.
فاعترض عليه أمير المؤمنين "عليه السلام" بأنه هلا جلدها بحساب الحرية، فإنها فيها أكثر.
فقال زيد: لو كان كذلك لوجب توريثها بحساب الحرية.
فقال "عليه السلام": أجل ذلك واجب، فأفحم زيد([667]).
ولكن عثمان خالف علياً، وصار إلى قول زيد رغم ظهور الحجة عليه.
ولعل هذه الإرهاصات في علم زيد بالفرائض قد أريد منها أن يعوض عن فشله ذاك بمنحه أوسمة الجدارة مضادة لعلي "عليه السلام" وتنكراً له.
أبو عمر والراية لزيد في تبوك:
قال أبو عمر: "..وكانت راية بني مالك بن النجار في تبوك مع عمارة بن حزم، فأخذها رسول الله "صلى الله عليه وآله" ودفعها إلى زيد بن ثابت.
فقال عمارة: يا رسول الله، أبلغك عني شيء؟!
قال: لا ولكن القرآن مقدم، وزيد أكثر منك أخذاً للقرآن. وهذا عندي خبر لا يصح، والله أعلم"([668]).
ونزيد نحن هنا: أنه لو كان الأمر كذلك للزم أن يعطي الراية إلى أُبي بن كعب، سيد القراء؛ فلماذا خص بها زيداً دونه؟! فإن كلاً منهما من أبناء مالك بن النجار، فهل كان زيد أقرأ من أُبي؟! الذي وصفه رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما في بعض الروايات بأنه أقرأ الأمة([669])، أم أن أُبياً تخلف عن غزوة تبوك ، فلماذا لم يعامل معاملة المتخلفين، مع أنهم يقولون: إنه شهد بدراً، والمشاهد كلها؟!([670]).
ولماذا لا يجري النبي "صلى الله عليه وآله" هذه القاعدة في سائر الموارد، وذلك بالنسبة لابن مسعود في المهاجرين، وكذا غيره ممن نص التاريخ على أنهم قد حفظوا القرآن، وجمعوه في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!.
زيد وجمع القرآن:
وقد أشارت رواية أخذه الراية في تبوك، إلى كثرة أخذ زيد للقرآن، كما أنهم يذكرون لزيد مقاماً فريداً بالنسبة لجمع القرآن في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ إذ يقال: "إن زيد بن ثابت شهد العرضة الأخيرة، التي بين فيها ما نسخ، وما بقي، وكتبها الرسول، وقرأها عليه، وكان يُقْرِئُ الناس بها حتى مات، ولذلك اعتمده أبو بكر وعمر، وجمعه، وولاه عثمان كتب المصاحف"([671]).
وقال ابن قتيبة: "وكان آخر عرض رسول الله "صلى الله عليه وآله" القرآن على مصحفه"([672]).
وصحح أبو عمر حديث أنس: أن زيد بن ثابت أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"([673]).
ونقول:
لقد تحدثنا عن دور زيد في جمع القرآن على عهد الخلفاء بعد رسول الله "صلى الله عليه وآله" في كتابنا "حقائق هامة حول القرآن" وقلنا هناك: إن جمع القرآن قد حصل في زمن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه، وأثبتنا ذلك بالأدلة الكثيرة.
وقلنا أيضاً: إن محمد بن كعب القرظي لم يذكر زيد بن ثابت في عداد من جمع القرآن في عهد النبي "صلى الله عليه وآله".
وقلنا كذلك: إن رواية جمع زيد للقرآن في عهد أبي بكر تعاني من إشكالات أساسية لا مجال لتجاهلها، وأن الصحيح: هو أنه قد جمع مصحفاً شخصياً للخليفة، الذي لم يكن يملك مصحفاً تاماً.
وقال أبو عمر: عن حديث جمع زيد للقرآن في عهد الرسول "صلى الله عليه وآله": "..وقد عارضه قوم، بحديث ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت: أن أبا بكر أمره في حين مقتل القراء باليمامة، بجمع القرآن، قال: فجعلت أجمع القرآن من العسب، والرقاع، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر آية من التوبة مع رجل يقال له: خزيمة، أو أبو خزيمة.
قالوا: فلو كان قد جمع القرآن على عهد رسول الله لأملاه من صدره، وما احتاج إلى ما ذكر".
قالوا: "وأما خبر جمع عثمان للمصحف؛ فإنما جمعه من الصحف التي كانت عند حفصة من جمع أبي بكر.."([674]) إنتهى كلام أبي عمر.
وأما بالنسبة لشهود زيد للعرضة الأخيرة؛ فإننا نجد في المقابل مصادر كثيرة تذكر: أن ابن مسعود هو الذي شهد العرضة الأخيرة([675]).
وعلى كل حال، فإن تفصيل الكلام في هذا الأمر موجود في كتابنا: "حقائق هامة حول القرآن الكريم"، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
الفضائل والسياسة:
وبعد، فإننا قد تعودنا من المخالفين لأهل البيت "عليهم السلام"، ابتداءاً من الأمويين ثم العباسيين، محاولاتهم الدائبة للحط من علي "عليه السلام"، وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم والتستر على فضائله ومزاياه، وإظهار العيب له.
وقد قال المغيرة بن شعبة لصعصعة: "وإياك أن يبلغني عنك: أنك تظهر شيئاً من فضل علي، فأنا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس"([676]).
والنصوص الدالة على هذه السياسة كثيرة جداً، بل هي فوق حد الإحصاء.
ومن جهة أخرى فإنهم يعملون على إظهار التعظيم الشديد لكل من كان على رأيهم، ويذهب مذهبهم، ويصنعون لهم الفضائل، ويختلقون لهم الكرامات، وذلك أمر مشهود وواضح، وقد أشرنا إليه غير مرة.
والمراجع لحياة زيد بن ثابت، ولمواقفه السياسية يجد: أنه كان منحرفاً عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام. كما ويجد أنه ممن تهتم السلطة برفع شأنهم، وتأكيد فضلهم ونسبة الكرامات إليهم.
الخط السياسي لزيد بن ثابت:
وبعد، فإن الذي يراجع حياة زيد بن ثابت ومواقفه، يجد: أنه كان عثمانياً، ومنحرفاً عن أمير المؤمنين علي "عليه السلام". فعدا عن أنه كان له موقف في السقيفة، يؤيد فيه صرف الأمر عن الأنصار إلى المهاجرين، وقد أثنى عليه أبو بكر، ومدحه لأجله([677]) فإنه: كان أحد الذين لم يبايعوا علياً أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والسلام([678]).
بل لقد كان زيد بن ثابت مع عمر حينما ذهب للإتيان بعلي "عليه السلام" من بيته لأجل البيعة([679]).
و "كان زيد عثمانياً، ولم يشهد مع علي شيئاً من حروبه"([680]).
وقد قطع أمير المؤمنين "عليه السلام" العطاء عمن لم يشهد معه، وأقامهم مقام أعراب المسلمين([681]).
وكان زيد عثمانياً، يحرض الناس على سب أمير المؤمنين "عليه السلام"([682]).
و "كان عثمان يحب زيد بن ثابت"([683]).
"والذين نصروا عثمان، كانوا أربعة، كان زيد بن ثابت أحدهم، ولم ينصره أحد من الصحابة غيرهم"([684]).
وكان على قضاء عثمان([685])، وعلى بيت المال والديوان له([686]).
وكان عثمان يستخلفه على المدينة([687]).
وكان يذبُّ عن عثمان حتى رجع لقوله جماعة من الأنصار([688]).
وقد قال للأنصار: إنكم نصرتم رسول الله "صلى الله عليه وآله" فكنتم أنصار الله، فانصروا خليفته تكونوا أنصاراً لله مرتين؛ فقال الحجاج بن غزية: والله إن تدري هذه البقرة الصيحاء ما تقول، إلى آخره.
وفي نص آخر: أن سهل بن حنيف أجابه؛ فقال: يا زيد، أشبعك عثمان من عضدان المدينة؟! والعضيدة: نخلة قصيرة، ينال حملها([689]).
وكان بنو عمرو بن عوف قد أجلبوا على عثمان، وكان زيد يذب عنه، فقال له قائل منهم:
وما يمنعك؟! ما أقل والله من الخزرج من له من عضدان العجوة ما لك!
فقال زيد: اشتريت بمالي، وقطع لي إمامي عمر، وقطع لي إمامي عثمان.
فقال له ذلك الرجل: أعطاك عمر عشرين ألف دينار؟
قال: لا، ولكن كان عمر يستخلفني على المدينة، فوالله، ما رجع من مغيب قط إلا قطع لي حديقة من نخل([690]).
واستخلاف عمر له في أسفاره معروف ومشهور([691]).
هذا، وقد أعطاه عثمان يوماً مائة ألف مرة واحدة([692]).
وقد بلغ من ثراء زيد أن خلف من الذهب والفضة ما كان يكسر بالفؤوس غير ما خلف من الأموال والضياع بقيمة مائة ألف دينار([693]).
وكان محل العناية التامة من قبل عمر، فعدا عن استخلافه له في كل سفر يسافره وإقطاعه الحدائق، فإنه كان كاتب عمر([694])، وكان على قضائه وفرض له رزقاً([695]).
ويكفي أن نذكر هنا عبارة ابن سعد، وابن عساكر، وهي: "كان عمر ـ يستخلف زيداً في كل سفر، وقل سفر يسافره ولم يستخلفه، وكان يفرق الناس في البلدان وينهاهم أن يفتوا برأيهم، ويحبس زيداً عنده ـ إلى أن قال: وكان عمر يقول: أهل البلد ـ يعني المدينة ـ محتاجون إليه، فيما يجدون إليه، وفيما يحدث لهم مما لا يجدونه عند غيره"([696]).
"وما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحداً، في القضاء والفتوى، والفرائض والقراءة"([697]).
ثم كان زيد في زمن معاوية على ديوان المدينة، فقد قال ابن قتيبة، عن عبد الملك بن مروان، الذي ولد سنة أربع وعشرين هجرية: "كان معاوية جعله مكان زيد بن ثابت على ديوان المدينة، وهو ابن ست عشرة سنة"([698]).
ثم كان عبد الملك بن مروان من الذين يقولون بقول زيد([699]).
أما أبوه مروان، فكان قد بلغ من اهتمامه بزيد: أن دعاه، وأجلس له قوماً خلف ستر، فأخذ يسأله، وهم يكتبون ففطن لهم زيد، فقال: يا مروان اعذر، إنما أقول برأيي([700]).
وأتاه أناس يسألونه، وجعلوا يكتبون كل شيء قاله، فلما أطلعوه على ذلك قال لهم: "لعل كل الذي قلته لكم خطأ، إنما قلت لكم بجهد رأي"([701]).
ومع أنه يعترف بأنه إنما يفتي لهم برأيه، فقد بلغ من عمل الناس بفتواه المدعومة من قبل الحكام: أن سعيد بن المسيب يقول: "لا أعلم له قولاً لا يعمل به، فهو مجمع عليه في المشرق والمغرب"([702]).
فانظر ماذا ترى؟!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل السادس: جزاء الغادر ................................... 5 ـ 28
الفصل السابع: حروب علنية بين المسلمين واليهود ............. 29 ـ 44
القسم السادس: حتى الخندق
الباب الأول: غزوة أُحد.. آثار ونتائج
الفصل الأول: قبل نشوب الحرب ............................ 49 ـ 120
الفصل الثاني: نصر وهزيمة ................................. 121 ـ 194
الفصل الثالث: في موقع الحسم ............................. 195 ـ 252
الفصل الرابع: بعدما هبت الرياح ........................... 253 ـ 310
الفصل الخامس: غزوة حمراء الأسد، وإلى السنة الرابعة ...... 311 ـ 330
الباب الثاني: شخصيات وأحداث
الفصل الأول: أوسمة وهمية لزيد بن ثابت .................. 333 ـ 362
الفهارس .................................................. 363 ـ 375
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1;عنوان7 Char Char Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char Char Char;1;عنوان4 Char Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char;1;عنوان6;1;عنوان6 Char Char;1;عنوان7 Char Char Char;1;عنوان4 Char Char;1"
الفصل السادس: جزاء الغادر
1 ـ قتل أبي عفك:................................................................. PAGEREF _Toc100735433 \h 7
2 ـ قتل العصماء بنت مروان:................................................. PAGEREF _Toc100735434 \h 8
3 ـ قتل كعب بن الأشرف:.................................................... PAGEREF _Toc100735435 \h 10
4 ـ قتل ابن سنينة:.............................................................. PAGEREF _Toc100735436 \h 13
5 ـ قتل أبي رافع:............................................................... PAGEREF _Toc100735437 \h 14
ألف: الإسلام قيد الفتك:.............................................. PAGEREF _Toc100735438 \h 16
جريمة معاوية:.............................................. PAGEREF _Toc100735439 \h 19
ب: رعب اليهود:..................................................... PAGEREF _Toc100735440 \h 20
ج: مع موقف عمير في أصالته ونبله:............................ PAGEREF _Toc100735441 \h 21
د: ابن الأشرف وأبو سفيان:........................................ PAGEREF _Toc100735442 \h 23
ه‍: تساؤل حائر:....................................................... PAGEREF _Toc100735443 \h 24
و: التنافس القبلي:..................................................... PAGEREF _Toc100735444 \h 26
ز: جهل وغرور ابن الأشرف:.................................... PAGEREF _Toc100735445 \h 26
ح: الإسلام والإنسان:................................................ PAGEREF _Toc100735446 \h 27
الفصل السابع: حروب علنية بين المسلمين واليهود
قريش تحرض اليهود على نقض العهد:.................................... PAGEREF _Toc100735448 \h 31
تصعيد التحدي:.................................................................. PAGEREF _Toc100735449 \h 32
ألف: نزول الآية في ابن أبي:...................................... PAGEREF _Toc100735450 \h 35
حقيقة القضية:............................................... PAGEREF _Toc100735451 \h 36
ب: حول الراية:....................................................... PAGEREF _Toc100735452 \h 37
ج: الخمس:............................................................. PAGEREF _Toc100735453 \h 38
د: بعض أهداف ونتائج حرب بني قينقاع:....................... PAGEREF _Toc100735454 \h 39
ه‍: الحجاب:............................................................ PAGEREF _Toc100735455 \h 40
و: الغرور والإيمان:................................................. PAGEREF _Toc100735456 \h 41
ز: الاستجابة لابن أبي:.............................................. PAGEREF _Toc100735457 \h 42
ح: بنو قينقاع تحت الأضواء:...................................... PAGEREF _Toc100735458 \h 43
القسم السادس: حتى الخندق
الباب الأول: غزوة اُحد.. آثار ونتائج
الفصل الأول: قبل نشوب الحرب
أجواء ومواقف:................................................................. PAGEREF _Toc100735472 \h 51
جيش المشركين إلى أحد:...................................................... PAGEREF _Toc100735473 \h 53
سؤال وجوابه:................................................................... PAGEREF _Toc100735474 \h 55
وصول الخبر إلى المدينة:..................................................... PAGEREF _Toc100735475 \h 56
سؤال يحتاج إلى جواب:....................................................... PAGEREF _Toc100735476 \h 57
المشركون وأزمة الثقة:........................................................ PAGEREF _Toc100735477 \h 57
عنصر السرية لتلافي الأخطار المحتملة:.................................. PAGEREF _Toc100735478 \h 61
المشركون في طريق المدينة:................................................ PAGEREF _Toc100735479 \h 61
الأول: معرفة النبي ' بواقع أصحابه:........................... PAGEREF _Toc100735480 \h 62
الثاني: الإفلاس على كل صعيد:................................... PAGEREF _Toc100735481 \h 63
النبي ' يستشير أصحابه:..................................................... PAGEREF _Toc100735482 \h 63
ألف: هل النبي ' يحتاج إلى رأي أحد؟!......................... PAGEREF _Toc100735483 \h 67
الجواب عن السؤال الأول:................................ PAGEREF _Toc100735484 \h 68
ب: من أهداف استشارته ' لأصحابه:........................... PAGEREF _Toc100735485 \h 70
الجواب عن السؤال الثاني:................................ PAGEREF _Toc100735486 \h 72
ج: نظرية: خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء:..................... PAGEREF _Toc100735487 \h 75
مناقشة ما تقدم:.............................................. PAGEREF _Toc100735488 \h 78
د: ماذا يريد النبي ' في أحد؟...................................... PAGEREF _Toc100735489 \h 88
ه‍ : لبس لامة الحرب يعني القتال:................................. PAGEREF _Toc100735490 \h 94
و : من الأكاذيب:..................................................... PAGEREF _Toc100735491 \h 96
عقد الألوية:...................................................................... PAGEREF _Toc100735492 \h 97
اللواء مع علي × فقط:......................................................... PAGEREF _Toc100735493 \h 98
لا فرق بين اللواء والراية:.................................................. PAGEREF _Toc100735494 \h 104
عدة وعدد المسلمين:......................................................... PAGEREF _Toc100735495 \h 105
رجوع المنافقين:.............................................................. PAGEREF _Toc100735496 \h 106
الخيانة وآثارها:............................................................... PAGEREF _Toc100735497 \h 107
سؤال وجوابه:................................................................. PAGEREF _Toc100735498 \h 109
إرجاع الصغار:............................................................... PAGEREF _Toc100735499 \h 114
الحراسة وقصة ذكوان:..................................................... PAGEREF _Toc100735500 \h 118
الشك في قصة ذكوان:....................................................... PAGEREF _Toc100735501 \h 119
الفصل الثاني: نصر وهزيمة
التعبئة للقتال:.................................................................. PAGEREF _Toc100735503 \h 123
ألف: المظاهرة بين درعين:...................................... PAGEREF _Toc100735504 \h 124
ب: المنطق القبلي لدى أبي سفيان:.............................. PAGEREF _Toc100735505 \h 125
أبو دجانة والسيف:........................................................... PAGEREF _Toc100735506 \h 126
ملاحظات على هذه الرواية:............................................... PAGEREF _Toc100735507 \h 127
نشوب الحرب وقتل أصحاب اللواء:..................................... PAGEREF _Toc100735508 \h 130
ألف: بنو مخزوم وأهل البيت ^:................................ PAGEREF _Toc100735509 \h 133
ب: الزبير والمقداد على الخيل:.................................. PAGEREF _Toc100735510 \h 133
ج: إخلاص علي × وعطفه على كبش الكتيبة:............... PAGEREF _Toc100735511 \h 134
د: من قتل أصحاب اللواء:........................................ PAGEREF _Toc100735512 \h 135
ه‍: مبارزة أبي بكر لولده:......................................... PAGEREF _Toc100735513 \h 137
ولنا على ما ذكر ملاحظات:............................................... PAGEREF _Toc100735514 \h 138
هزيمة المشركين:............................................................. PAGEREF _Toc100735515 \h 141
ألف: لماذا لم يُسْبَ من نساء قريش أحد؟!..................... PAGEREF _Toc100735516 \h 142
ب: مقارنة:.......................................................... PAGEREF _Toc100735517 \h 144
الهزيمة بعد النصر:.......................................................... PAGEREF _Toc100735518 \h 145
تصحيح وتوضيح:........................................................... PAGEREF _Toc100735519 \h 147
الرسول ' يدعوهم في أخراهم:........................................... PAGEREF _Toc100735520 \h 148
علي × وكتائب المشركين:................................................. PAGEREF _Toc100735521 \h 149
ألف: استشهاد حمزة رضوان الله عليه:........................ PAGEREF _Toc100735522 \h 151
استطراد حول وحشي:.................................. PAGEREF _Toc100735523 \h 152
ب: هل يدعو النبي ' على قومه؟!:............................ PAGEREF _Toc100735524 \h 157
استطراد هام:.............................................. PAGEREF _Toc100735525 \h 161
ولا تذهب نفسك عليهم حسرات:.......................................... PAGEREF _Toc100735526 \h 165
لم يثبت في أحد غير علي ×:.............................................. PAGEREF _Toc100735527 \h 166
إنه مني وأنا منه:.............................................................. PAGEREF _Toc100735528 \h 168
لا سيف إلا ذو الفقار:........................................................ PAGEREF _Toc100735529 \h 170
الفارون في أحد:.............................................................. PAGEREF _Toc100735530 \h 173
فرار سعد:............................................................ PAGEREF _Toc100735531 \h 174
فرار طلحة:.......................................................... PAGEREF _Toc100735532 \h 175
فرار أبي بكر:....................................................... PAGEREF _Toc100735533 \h 176
فرار عمر:........................................................... PAGEREF _Toc100735534 \h 180
فرار الزبير:......................................................... PAGEREF _Toc100735535 \h 185
فرار عثمان:......................................................... PAGEREF _Toc100735536 \h 185
لم يثبت من المهاجرين سوى علي ×:.................................... PAGEREF _Toc100735537 \h 187
سر الاختلاف في من ثبت:................................................. PAGEREF _Toc100735538 \h 188
ثبات أبي دجانة:.............................................................. PAGEREF _Toc100735539 \h 188
نظرة في شعر حسان المتقدم............................................... PAGEREF _Toc100735540 \h 190
تأويلات سقيمة للفرار:...................................................... PAGEREF _Toc100735541 \h 190
لماذا كانت الهزيمة؟!........................................................ PAGEREF _Toc100735542 \h 191
الفصل الثالث: في موقع الحسم
الرعب القاتل:................................................................. PAGEREF _Toc100735544 \h 197
عودة المسلمين إلى القتال:.................................................. PAGEREF _Toc100735545 \h 198
مواقف وبطولات:............................................................ PAGEREF _Toc100735546 \h 199
1 ـ مع أنس بن النضر، وابن السكن وأصحابه:.............. PAGEREF _Toc100735547 \h 199
2 ـ أبو دجانة:....................................................... PAGEREF _Toc100735548 \h 200
3 ـ أم عمارة: ومقام فلان!! وفلان!!.......................... PAGEREF _Toc100735549 \h 202
جهاد المرأة:............................................... PAGEREF _Toc100735550 \h 204
4 ـ أم سليط:......................................................... PAGEREF _Toc100735551 \h 206
5 ـ حنظلة الغسيل:................................................. PAGEREF _Toc100735552 \h 206
6 ـ بين عبد الله بن جحش وابن أبي وقاص:.................. PAGEREF _Toc100735553 \h 210
مواقف وبطولات سعد الموهومة:......................................... PAGEREF _Toc100735554 \h 212
إشارة هامة:.................................................................... PAGEREF _Toc100735555 \h 215
كرامات طلحة:................................................................ PAGEREF _Toc100735556 \h 217
إشارة هامة:.................................................................... PAGEREF _Toc100735557 \h 221
تجميع القوى وإعادتها إلى مراكزها:..................................... PAGEREF _Toc100735558 \h 223
ألف: فاطمة أم أبيها:............................................... PAGEREF _Toc100735559 \h 230
ب: النبي ' والمسلمون في الجبل!.............................. PAGEREF _Toc100735560 \h 231
ج: روايات لم تثبت:............................................... PAGEREF _Toc100735561 \h 236
د: عمر في قفص الاتهام:......................................... PAGEREF _Toc100735562 \h 237
العباس في أحد:............................................................... PAGEREF _Toc100735563 \h 240
من مشاهد الحرب:........................................................... PAGEREF _Toc100735564 \h 241
ملاحظات:..................................................................... PAGEREF _Toc100735565 \h 245
الصبر في الجهاد:............................................................ PAGEREF _Toc100735566 \h 248
الفصل الرابع: بعدما هبت الرياح
ما جرى على حمزة والشهداء:............................................. PAGEREF _Toc100735568 \h 255
ألف: موقف الرسول ' من المثلة بحمزة:..................... PAGEREF _Toc100735569 \h 261
ما هو الصحيح في القضية؟!........................... PAGEREF _Toc100735570 \h 271
ب: هند وكبد حمزة:................................................ PAGEREF _Toc100735571 \h 272
ج: المنع من البكاء على الميت:.................................. PAGEREF _Toc100735572 \h 273
السياسة وما أدراك ما السياسة؟!:..................... PAGEREF _Toc100735573 \h 276
التوراة والمنع من البكاء على الميت:................. PAGEREF _Toc100735574 \h 278
د: حزن النبي ' على حمزة:..................................... PAGEREF _Toc100735575 \h 279
ه‍: موقف أبي سفيان من قبر حمزة:............................ PAGEREF _Toc100735576 \h 281
و: مواساة الأنصار للنبي ':..................................... PAGEREF _Toc100735577 \h 282
ز: صبر صفية:..................................................... PAGEREF _Toc100735578 \h 283
التعصب:....................................................................... PAGEREF _Toc100735579 \h 284
الاختصام في ابنة حمزة:.................................................... PAGEREF _Toc100735580 \h 284
الصلاة على الشهداء وتغسيلهم ودفنهم:.................................. PAGEREF _Toc100735581 \h 285
لماذا تقديم الأقرأ؟............................................................. PAGEREF _Toc100735582 \h 287
أنا شهيد على هؤلاء:......................................................... PAGEREF _Toc100735583 \h 289
عدد شهداء أحد:............................................................... PAGEREF _Toc100735584 \h 290
أكثر القتلى من الأنصار:.................................................... PAGEREF _Toc100735585 \h 291
زيارة القبور:.................................................................. PAGEREF _Toc100735586 \h 292
عدد قتلى المشركين:......................................................... PAGEREF _Toc100735587 \h 293
أكثر القتلى من علي ×:...................................................... PAGEREF _Toc100735588 \h 294
أويس القرني في أحد:........................................................ PAGEREF _Toc100735589 \h 296
صفية واليهودي:.............................................................. PAGEREF _Toc100735590 \h 298
بعض الحِكَم في معركة أحد:............................................... PAGEREF _Toc100735591 \h 298
من مشاهد العودة إلى المدينة:.............................................. PAGEREF _Toc100735592 \h 299
علي × يناول فاطمة ÷ سيفه:............................................. PAGEREF _Toc100735593 \h 301
شماتة المنافقين وسرورهم بنتائج أحد:................................... PAGEREF _Toc100735594 \h 302
ألف: التمحيص:..................................................... PAGEREF _Toc100735595 \h 303
ب: أجواء النفاق ودوافعه:........................................ PAGEREF _Toc100735596 \h 304
دعني أقتله يا رسول الله!!.................................................. PAGEREF _Toc100735597 \h 306
الفصل الخامس: غزوة حمراء الأسد وإلى السنة الرابعة
قريش تفكر في المدينة ثم تعدل عنها:.................................... PAGEREF _Toc100735599 \h 313
غزوة حمراء الأسد:.......................................................... PAGEREF _Toc100735600 \h 314
المجروحون فقط:............................................................. PAGEREF _Toc100735601 \h 315
أسيران يقعان في أيدي المسلمين:......................................... PAGEREF _Toc100735602 \h 318
دوافع حمراء الأسد ونتائجها:.............................................. PAGEREF _Toc100735603 \h 320
وعلى ضوء ما تقدم:......................................................... PAGEREF _Toc100735604 \h 321
قتل الأسيرين:................................................................. PAGEREF _Toc100735605 \h 324
وفاة أم كلثوم وملابساتها:................................................... PAGEREF _Toc100735606 \h 325
الباب الثاني: شخصيات وأحداث
الفصل الأول: أوسمة وهمية لزيد بن ثابت
بداية:............................................................................ PAGEREF _Toc100735615 \h 335
الحدث المشكوك:............................................................. PAGEREF _Toc100735616 \h 336
روايات تعلم زيد العبرانية أو السريانية:................................. PAGEREF _Toc100735617 \h 337
المناقشة:........................................................................ PAGEREF _Toc100735618 \h 341
ملاحظتان:..................................................................... PAGEREF _Toc100735619 \h 348
علم زيد بالفرائض:........................................................... PAGEREF _Toc100735620 \h 350
ملاحظة:....................................................................... PAGEREF _Toc100735621 \h 352
أبو عمر والراية لزيد في تبوك:........................................... PAGEREF _Toc100735622 \h 353
زيد وجمع القرآن:............................................................ PAGEREF _Toc100735623 \h 354
الفضائل والسياسة:........................................................... PAGEREF _Toc100735624 \h 356
الخط السياسي لزيد بن ثابت:............................................... PAGEREF _Toc100735625 \h 357
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc100735629 \h 365
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc100735630 \h 367
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص408، والمغازي للواقدي ج1 ص174 و 175.
([2]) راجع ما تقدم في: تاريخ الخميس ج1 ص406 و 407، والمغازي للواقدي ج1 ص172 و 173.
([3]) تاريخ الخميس ج1 ص407 و 406 عن شواهد النبوة، والمغازي للواقدي ج1 ص172 و 173.
([4]) راجع ما تقدم في المغازي للواقدي ج1 ص173 و 174.
([5]) هو ابن سلام الجمحي في طبقات الشعراء ص71.
([6]) راجع فيما تقدم: سيرة ابن اسحاق ص317، والبداية والنهاية ج4 ص6، والمغازي ج1 ص185، ودلائل النبوة للبيهقي طبعة دار الكتب العلمية ج3 = = ص188 و 190، وتاريخ الخميس ج1 ص413، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص178، والبحار ج20 ص10، وطبقات الشعراء لابن سلام ص71.
([7]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص6، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص11، دلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص191.
([8]) راجع جميع ما تقدم في المصادر التالية: سيرة ابن اسحاق ص317 ـ 319، والبداية والنهاية ج4 ص5 ـ 8، والمغازي للواقدي ج1 ص188 ـ 191، ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص192 ـ 200، وتاريخ الخميس ج1 ص413 ـ 414، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص179 و 180، والكامل في التاريخ ج2 ص143 و 144.
([9]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص204، وطبقات ابن سعد ج2 ص23، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص198، وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص192، وتاريخ الخميس ج1 ص414.
([10]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص8.
([11]) سيرة المصطفى ص378.
([12]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص8، وسيرة ابن اسحاق ص319 و 320، ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص200، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص180 و 181.
([13]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص182، والكامل في التاريخ ج2 ص146.
([14]) تاريخ الأمم والملوك ج2 ص183، والكامل في التاريخ ج2 ص148.
([15]) الميرة: الطعام.
([16]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص287 و 288، والكامل في التاريخ ج2 ص146 و 147، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص184 و 185، والبحار ج20 ص13.
([17]) راجع: صحيح البخاري ج3 ص12، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص77، والطبقات الكبرى (ط دار صادر) ج2 ص91، ومجمع الزوائد ج6 ص197 و 198، والبحار ج20 ص302 و 303، وبهجة المحافل ج1 ص193، والمواهب اللدنية ج1 ص122 و 123، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص183، والكامل في التاريخ ج2 ص147 و 148.
([18]) الجامع الصغير ج1 ص124 عن البخاري في التاريخ، وأبي داود ومستدرك الحاكم ومسند أحمد ومسلم وكنوز الحقائق بهامش الجامع الصغير ج1 ص96، ومستدرك الحاكم ج4 ص352، ومسند أحمد ج1 ص166 و 167، ومنتخب كنز العمال بهامش المسند ج1 ص57، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص202 فصل 10، ومناقب ابن شهرآشوب ج2 ص318، ومقتل الحسين للمقرم ص171، والكامل لابن الاثير ج4 ص27، وتاريخ الطبري ج4 ص271، والبحار ج44 ص344، وعن وقايع الايام عن الشهاب في الحكم والآداب ولا بأس بمراجعة مشكل الآثار ج1 ص78.
([19]) التهذيب للشيخ الطوسي ج10 ص213 و 214، والكافي ج7 ص376.
([20]) المنتقى ج2 ص765، والتهذيب ج6 ص162 و 163، والمعجم الصغير ج1 ص30 و 17، والوسائل ج11 ص102 و 103، والكافي ج7 ص460، والبحار (ط بيروت) ج97 ص27 وج20 ص207، وصحيح البخاري ج4 ص126 وج2 ص112، ومسند أحمد ج1 ص81 و 90 و 113 و 131 = = و 134 و 126 وج2 ص214 و 312 وج3 ص244 و 297 و 308 وج6 ص387، ومستدرك الوسائل ج11 ص103، وتفسير القمي ج2 ص60، ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص378 منشورات جماعة المدرسين، وسنن ابن ماجة ج2 ص945 و 946 وص 950، وصحيح مسلم ج5 ص143، وسنن أبي داود ج3 ص43 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص400، والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص193 و 194، وسنن سعيد بن منصور، القسم الثاني من المجلد الثالث ص317، ومسند أبي يعلى ج13 ص482 وج4 ص91 و 384 وج3 ص359 و 464 وج1 ص382 و 423 وج12 ص130 وج8 ص44، ومواضع أخرى أشار إليها في الهامش وإلى مصادر كثيرة أيضاً.
([21]) راجع سنن الدارمي ج2 ص219، ومعاني الأخبار للصدوق ص365 و 366، والبحار (ط بيروت) ج72 ص369 وج21 ص240 و 241، والتفسير المنسوب للعسكري "عليه السلام" ص232، وصحيح البخاري ج2 ص105، والسنن الكبرى ج9 ص150، ونيل الاوطار ج8 ص56، والمغازي للواقدي ج3 ص990، وصحيح مسلم ج8 ص106، وسنن أبي داود ج3 ص43، والطبقات الكبرى2 لابن سعد ج2 ص167 ط صادر، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص542، ومسند أحمد ج3 ص456 و 457 وج6 ص387، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص159، وتاريخ الخميس ج2 ص123، وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص110.
([22]) المصنف للصنعاني ج5 ص204، والطبقات الكبرى ج2 ص23، ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص198، وراجع: المغازي للواقدي ج1 ص192، وتاريخ الخميس ج1 ص414.
([23]) مشكل الآثار ج1 ص77.
([24]) الآية 14 من سورة النمل.
([25]) الإمامة والسياسة ج1 ص53، وقاموس الرجال ج8 ص388، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص9.
([26]) الإمامة والسياسة ج1 ص54، وقاموس الرجال ج8 ص388.
([27]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص48، وقاموس الرجال ج8 ص388.
([28]) الزهد والرقائق لابن المبارك ص179، وراجع: التراتيب الإدارية ج1 ص267.
([29]) راجع في كل ذلك: قاموس الرجال ج8 ص388.
([30]) التراتيب الإدارية ج1 ص267 عن سيرة عمر.
([31]) صفين للمنقري ص271 و 272.
([32]) تفسير الصافي ج5 ص180، والدر المنثور ج6 ص224 عن عبد بن حميد وابن المنذر، والسيرة الحلبية ج2 ص64.
([33]) صفين للمنقري ص322، وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص27، وقاموس الرجال ج7 ص113.
([34]) راجع مقال: الحب في التشريع الإسلامي في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([35]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص359.
([36]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص408، والسيرة الحلبية ج2 ص208، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص2، والمغازي للواقدي ج1 ص176 و 177.
([37]) راجع هذه القضية في: الكامل لابن الأثير ج2 ص137 و 138، والبداية والنهاية ج4 ص3 و 4، والسيرة الحلبية ج2 ص208.
([38]) الآية 51 من سورة المائدة.
([39]) الآية 56 من سورة المائدة.
([40]) راجع: الدر المنثور ج2 ص290 و 291 عن: ابن اسحاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر، وابن أبي شيبة.
([41]) الآيتان 12 و 13 من سورة آل عمران.
([42]) الآية 58 من سورة الأنفال.
([43]) الآية 51 من سورة المائدة.
([44]) الآية 56 من سورة المائدة.
([45]) راجع: الدر المنثور ج2 ص252 عن أحمد، وعبد بن حميد، وابن جرير، ومحمد بن نصر في الصلاة، والطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن أبي شيبة، والبغوي في معجمه، وابن مردويه، وأبي عبيدة وغيرهم.
([46]) راجع مقدمة ابن خلدون ص436، وأضواء على السنة المحمدية ص162، والإسرائيليات في التفسير والحديث ص86، وفتح الباري ج13 ص281 = = عن ابن أبي شيبة وأحمد، والبزار، ومسند أحمد ج3 ص387، وغير ذلك من المصادر الكثيرة التي أشرنا إلى طائفة منها في تمهيد الكتاب.
([47]) السيرة الحلبية ج2 ص209 وج3 ص35.
([48]) السيرة الحلبية ج3 ص35 و 36.
([49]) تاريخ الطبري ج2 ص174.
([50]) راجع: سيرة المصطفى ص379.
([51]) الآية 123 من سورة آل عمران.
([52]) الآية 25 من سورة التوبة.
([53]) لفهم: أي من يعد فيهم.
([54]) السيرة النبوية، لابن هشام ج2 ص188 و 189.
([55]) الآيتان 84 و 85 من سورة البقرة.
([56]) السيرة الحلبية ج2 ص216، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص419.
([57]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص9، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص201، وأنساب الأشراف ج1 ص311، والمغازي للواقدي ج1 ص199، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص18، والكامل في التاريخ ج2 ص148، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص186، والسيرة الحلبية ج2 ص216، والسيرة النبوية لدحلان (المطبوع بهامش الحلبية) ج2 ص19 وتاريخ الخميس ج1 ص419.
([58]) المغازي للواقدي ج1 ص197، وسيرة المصطفى ص385.
([59]) البدء والتاريخ ج4 ص207. نعم يمكن أن يكون عمدة الجيش ثلاثة آلاف، ومعهم من العبيد والخدم ـ وهم مقاتلون أيضاً ـ ألفان بل في البحار ج20 ص117: أن أبا سفيان قد استأجر ألفين من الأحابيش.
([60]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص419 ـ 422، والسيرة الحلبية ج2 ص217 و 218، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج2 ص19 ـ 21 و 26، وراجع: الوفاء بأحوال المصطفى ص684، والمغازي للواقدي ج1 ص200 ـ 204 و 206، وأنساب الاشراف ج1 ص312 و 313، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص187 ـ 190 و 197، والبداية والنهاية ج4 ص10 ـ 16، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص20 و 25 و 26 و 30 و 32، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص64 و 65 و 70 و 71، والكامل في التاريخ ج2 ص149 ـ 151، ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص221 و 209، و البحار ج2 ص48، وحياة محمد لهيكل ص254، وسيرة المصطفى ص391.
([61]) السيرة الحلبية ج2 ص217، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج2 ص20.
([62]) المغازي للواقدي ج2 ص285.
([63]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص430، والمغازي للواقدي ج1 ص204، وأنساب الاشراف ج1 ص314، والسيرة الحلبية ج2 ص172، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص20، وسيرة المصطفى ص393، وحياة محمد لهيكل ص255.
([64]) مغازي الواقدي ج1 ص205، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص218 و 219.
([65]) سفينة البحار ج1 ص204.
([66]) الآيتان 118 و 119 من سورة هود.
([67]) الآية 63 من سورة الأنفال.
([68]) الآية 103 من سورة آل عمران.
([69]) الآية 9 من سورة الحشر.
([70]) الآية 64 من سورة العنكبوت.
([71]) راجع: تفسير الميزان ج9 ص119 ـ 121.
([72]) المغازي للواقدي ج1 ص206.
([73]) المغازي للواقدي ج1 ص207 و 208.
([74]) راجع جميع ما تقدم في: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص67 و 68، وتاريخ الخميس ج1 ص421 و 422، والسيرة الحلبية ج2 ص218 و 219، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص188 ـ 190 ، والمواهب اللدنية ج1 ص92 و 93، ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص208 و 226.
وراجع أيضاً: السيرة النبوية لابن اسحاق ص324، والكامل في التاريخ ج2 ص150، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص25 و 26، والبداية والنهاية ج4 ص12 و 13، وراجع ص11 والمغازي للواقدي ج1 ص208 ـ 211 و 214، والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص21 ـ 23، وسيرة المصطفى ص395 و 396، ومجمع الزوائد ج6 ص107.
([75]) الآيتان 159 و 160 من سورة آل عمران.
([76]) الدر المنثور ج2 ص80 عن ابن عدي، والبيهقي في شعب الايمان.
([77]) الآية 38 من سورة الشورى.
([78]) راجع غزوة بدر.
([79]) مجمع الزوائد ج5 ص319 عن الطبراني، وحياة الصحابة ج2 ص48 عن كنز العمال ج2 ص163 عن البزار والعقيلي وسنده حسن، والدر المنثور ج2 ص90 عن الطبراني بسند جيد عن ابن عمرو.
([80]) راجع: سورة الكهف آية 29، والأحزاب آية 56، والدهر آية 34، وأقول: وتنافي أيضاً الآية التي في سورة الشورى التي خصت الشورى بالمؤمنين الذين لهم صفات معينة.
([81]) راجع: الإسلام وأسس التشريع ص111 ـ 113 للعلامة السيد عبد المحسن فضل الله.
([82]) نهج البلاغة ج3 ص192 الحكمة رقم 161.
([83]) نهج البلاغة ج3 ص201 الحكمة رقم 211.
([84]) الدر المنثور ج2 ص90 عن الطبراني في الأوسط، وأمالي الطوسي ص84.
([85]) جريدة (جمهوري إسلامي) الفارسية عدد 30 ربيع الأول 1400 ه‍.
([86]) الآية 159 من سورة آل عمران.
([87]) الآية 38 من سورة الشورى.
([88]) الآية 36 من سورة الأحزاب.
([89]) الآية 132 من سورة آل عمران.
([90]) تفسير الميزان ج4 ص70.
([91]) الآية 159 من سورة آل عمران.
([92]) الآية 159 من سورة آل عمران.
([93]) الآية 38 من سورة الشورى.
([94]) الآيات من 36 إلى 39 من سورة الشورى.
([95]) واحتمال: أن يكون المعنى: ما عند الله خير وأبقى لجماعات مختلفة وهم:
أ ـ الذين آمنوا.
ب ـ الذين يجتنبون كبائر الإثم الخ..
هذا الاحتمال خلاف الظاهر هنا، فإن المراد أن الذين يجمعون هذه الصفات هم الذين يكون ما عند الله خير وأبقى لهم. وإلا فلو كان أحد ينتصر على من بغى عليه ولكنه غير مؤمن مثلاً، فلا شك في أن ما عند الله ليس خيراً وأبقى له. وكذا لو كان أمرهم شورى بينهم وهم غير مؤمنين.
([96]) الآية 30 من سورة البقرة.
([97]) الآية 72 من سورة الأحزاب.
([98]) الآية 26 من سورة ص.
([99]) الآية 69 من سورة الأعراف.
([100]) الآية 14 من سورة يونس.
([101]) الآية 71 من سورة التوبة.
([102]) هذا محصل ما جاء في كتاب: خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء للشهيد الصدر، والفقرات الأخيرة هي في ص53 و 54.
([103]) الآية 71 من سورة التوبة.
([104]) الآية 257 من سورة البقرة.
([105]) الآيتان 72 و 73 من سورة الأنفال.
([106]) الآية 51 من سورة المائدة.
([107]) الآية 27 من سورة الأعراف.
([108]) الآية 19 من سورة الجاثية.
([109]) راجع: تفسير الميزان ج16 ص348 ـ 352 في تفسير الآية.
([110]) الآيتان 72 و 73 من سورة الأحزاب.
([111]) الآية 30 من سورة البقرة.
([112]) الآية 61 من سورة هود.
([113]) الآية 55 من سورة النور.
([114]) الآية 124 من سورة البقرة.
([115]) الآية 38 من سورة الشورى.
([116]) الوسائل ج18 باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث1.
والرواية معتبرة جدا؛ فإن عمر بن حنظلة شيخ كبير روى عنه عدد كبير من الثقات الكبار والأعيان، بل لم يرو عنه ضعيف إلا رجل واحد.
ومن بين من روى عنه ـ وهم كثير ـ من لا يروي إلا عن ثقة ـ كما قيل ـ كابن بكير وصفوان الجمال.
([117]) سيرة المصطفى ص396 ـ 399 .
([118]) نهج البلاغة بشرح عبده ج1 ص64.
([119]) مغازي الواقدي ج1 ص205، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص218.
([120]) مغازي الواقدي ج1 ص282، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274.
([121]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص226.
([122]) السيرة الحلبية ج2 ص219.
([123]) الآية 168 من سورة آل عمران.
([124]) مغازي الواقدي ج1 ص213، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص225، ووفاء الوفاء ج1 ص284، وتاريخ الخميس ج1 ص423 عن ابن الكلبي، ومجاهد، والواقدي.
([125]) مسند أحمد ج5 ص275، وذخائر العقبى ص37 عن أحمد، وأبي عمر، وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص170 عن أحمد، والبيهقي، وغير ذلك كثير، فإنه لا مجال لتتبعه.
([126]) قد أوضحنا ذلك في مقال لنا بعنوان: (أين دفن النبي "صلى الله عليه وآله" في بيت عائشة أم في بيت فاطمة؟) فراجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([127]) الأوائل لأبي هلال ج1 ص183. والثقات لابن حبان ج1 ص224 و 225، وراجع: البحار ج20 ص49، وتفسير القمي ج1 ص112.
([128]) مغازي الواقدي ج1 ص215، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص227، وتاريخ الخميس ج1 ص422.
([129]) تاريخ الخميس ج1 ص426 عن المنتقى.
([130]) أنساب الاشراف ج1 ص317، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص232، والسيرة الحلبية ج2 ص220.
([131]) مناقب الخوارزمي ص21 و 22، وإرشاد المفيد ص48، وتيسير المطالب ص49 وراجع: مستدرك الحاكم ج3 ص111، وتلخيصه للذهبي بهامشه.
([132]) ذخائر العقبى ص75، والرياض النضرة المجلد الثاني، جزء 4 ص156.
([133]) راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص137 وصححه وقال: له شاهد من حديث زنفل العرفي، وفيه طول فلم يخرجه الحاكم، ومناقب الخوارزمي ص258 و 259، وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب.
([134]) الطبقات الكبرى لابن سعد ط ليدن ج3 قسم 1 ص15.
([135]) هامش ص180 من احتجاج الطبرسي، والرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص172 عن نظام الملك في أماليه، وكفاية الطالب ص336 وقال: ذكره محدث الشام ـ أي ابن عساكر ـ في ترجمة علي "عليه السلام" من كتابه بطرق شتى عن جابر، وعن أنس، وكنز العمال ج15 ص119، وراجع ص135 عن الطبراني، ومناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200، وعمدة القاري ج16 ص216، ومناقب الخوارزمي ص358.
([136]) مستدرك الحاكم ج3 ص500، وصححه على شرط الشيخين هو والذهبي في تلخيص المستدرك، وحياة الصحابة ج2 ص514 و 515. وأظن أن القضية كانت مع سعد بن مالك أبي سعيد الخدري، لأن سعد بن أبي وقاص كان منحرفا عن أمير المؤمنين. ويشير إلى ذلك ما ذكره الحاكم في مستدركه ج3 ص499 من أن أبا سعيد قد دعا على من كان ينتقص علياً فاستجاب الله له.
([137]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288، وراجع: فتح الباري ج6 ص89 عن أحمد عن ابن عباس بإسناد قوي.
([138]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص288.
([139]) أسد الغابة ج4 ص20، وأنساب الاشراف ج2 ص106 لكن فيه: ميسرة العبسي بدل سعد بن عبادة.
([140]) الشافي لابن حمزة ج4 ص164.
([141]) المسترشد في إمامة علي "عليه السلام" ص57.
([142]) تاريخ الخميس ج1 ص434، والرياض النضرة المجلد الثاني ج4 ص156 عن ابن الحضرمي، وذخائر العقبى ص75 بلفظ (ضعوه).
([143]) كفاية الطالب ص336، وشرح النهج للمعتزلي ج6 ص289، والغدير ج10 ص168 عنه.
([144]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص78، وتاريخ الخميس ج1 ص427..
([145]) شرح التجرية للقوشجي ض 486.
([146]) اللآلي المصنوعة ج1 ص365.
([147]) الإرشاد للشيخ المفيد ص48.
([148]) السيرة الحلبية ج2 ص147.
([149]) راجع حياة الصحابة ج1 ص431، وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي "عليه السلام" بتحقيق المحمودي ج1 ص110 والمنتقى.
([150]) كما في قول ابن أبي الحديد عن هزيمة الشيخين في خيبر:
وللـرايـة العظمى وقـد ذهبــا بهــا مـلابس ذل فـوقـهـا وجـلابـيـب
([151]) وفاء الوفاء ج1 ص284 و 285 عن ابن عقبة، والسيرة الحلبية ج2 ص221، وفتح الباري.
([152]) تاريخ الطبري ج2 ص190، والسيرة الحلبية ج2 ص221.
([153]) مجمع الزوائد ج6 ص117 عن الطبراني، وحياة الصحابة ج3 ص769 عن كنز العمال ج3 ص135 عن الطيالسي.
([154]) سيرة مغلطاي ص49.
([155]) الآية 122 من سورة آل عمران.
([156]) وفاء الوفاء ج1 ص283، وتاريخ الخميس ج1 ص422 عن الوفاء، والطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات، وذكر مثل ذلك عن الكشاف ومعالم التنزيل والسيرة الحلبية ج2 ص220، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص227، ومغازي الواقدي ج1 ص215.
([157]) الآية 122 من سورة آل عمران.
([158]) الآية 47 من سورة التوبة.
([159]) الآية 113 من سورة هود.
([160]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص188، وسنن البيهقي ج9 ص53، ونقل عن ابن أبي شيبة.
([161]) الآية 212 من سورة البقرة.
([162]) الآية 76 من سورة النساء.
([163]) الآية 47 من سورة التوبة.
([164]) الآية 60 من سورة التوبة.
([165]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص15 عن الطبراني بإسناد حسن، وفي الصحيح بعضه بغير سياقه. وحياة الصحابة ج2 ص706 عن الترمذي في الشمائل ص25 .
([166]) مغازي الواقدي ج1 ص219، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص230.
([167]) تاريخ الطبري ج2 ص191، والسيرة الحلبية ج2 ص220، وتاريخ الخميس ج1 ص422، ومغازي الواقدي ج1 ص216، وشرح النهج ج4 ص227.
([168]) الكامل ج2 ص151.
([169]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص78، والكافي ج5 ص292 و 294، ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص233 و 103، والتهذيب ج7 ص147، والوسائل ج17 ص340 و 341، والبحار (ط جديد) ج100 ص127 و (ط قديم) ج8 ص675، ومصابيح السنة للبغوي ج2 ص14، والسنن الكبرى ج6 ص157، وسنن أبي داود ج3 ص315، والدر المنثور ج6 ص357 عن ابن أبي حاتم وراجع: قاموس الرجال ج5 ص8.
([170]) قاموس الرجال ج5 ص8 عن الروضة.
([171]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف بمصر) ج5 ص237.
([172]) قاموس الرجال ج5 ص8.
([173]) قاموس الرجال ج5 ص9.
([174]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج5 ص291.
([175]) قاموس الرجال ج5 ص9 عن الطبري.
([176]) الآيتان 204 و 205 من سورة البقرة.
([177]) الآية 207 من سورة البقرة.
([178]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص73.
([179]) راجع: قاموس الرجال ج5 ص8 ـ 10 وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص77 و 78 و 79.
([180]) راجع: قاموس الرجال، والاصابة ج2 ص79، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص78.
([181]) راجع: الاصابة ج2 ص79، والإستيعاب بهامشها ج2 ص78.
([182]) تاريخ الخميس ج1 ص422 و 423، والسيرة الحلبية ج2 ص221، ومغازي الواقدي ج1 ص217، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص228.
([183]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص228 و 229.
([184]) تاريخ الخميس ج1 ص423.
([185]) تاريخ الخميس ج1 ص423 عن البخاري.
([186]) تاريخ الخميس ج1 ص424، عن الطبراني والحاكم، والسيرة الحلبية ج2 ص222.
([187]) المغفر: زرد ينسج من الدروع على قدر الرأس. والبيضة: الحذوة.
([188]) مغازي الواقدي ج1 ص219، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص230.
([189]) الكامل لابن الاثير ج2 ص151.
([190]) راجع نصوص هذه الرواية المختلفة في: لباب الآداب ص176، وتاريخ الخميس ج1 ص424 و 425، والسيرة الحلبية ج2 ص222 و 223 و 225، وشرح = = النهج للمعتزلي ج14 ص257، والبداية والنهاية ج4 ص16 و 17، وفيهما ذكر عمر والزبير، ومغازي الواقدي ج1 ص259، وحياة الصحابة ج1 ص575 ـ 577 عن غير واحد، وينابيع المودة، إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتعدادها.
([191]) مغازي الواقدي ج1 ص272، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص268.
([192]) فعن أبي عبد الله "عليه السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان بمكة لم يجسر عليه أحد؛ لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" يرمونه بالحجارة والتراب، وشكا ذلك إلى علي "عليه السلام"، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله "صلى الله عليه وآله"، إذا خرجت فأخرجني معك، فخرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" ومعه أمير المؤمنين "عليه السلام"، فتعرض الصبيان لرسول الله "صلى الله عليه وآله" كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين "عليه السـلام"، وكـان يقضمهم في وجوههم، وآنـافهم، وآذانهم، فكـان الصبيان يرجعون باكين إلى آبائهم، ويقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمي لذلك: (القُضَم). راجع: البحار ج20 ص52، وتفسير القمي ج1 ص114، وأشار إلى ذلك أيضاً في نهاية ابن الاثير.
([193]) مغازي الواقدي ج1 ص226، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص236 وغير ذلك.
([194]) تاريخ الطبري ج2 ص194، والكامل لابن الأثير ج1 ص152، ووفاء الوفاء ج1 ص293، والأغاني ج14 ص16.
([195]) تاريخ الخميس ج1 ص427.
([196]) تاريخ الخميس ج1 ص427.
([197]) تاريخ الخميس ج1 ص427.
([198]) الإرشاد للمفيد ص52، والبحار ج20 ص87 عنه.
([199]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص84.
([200]) مستدرك الحاكم ج4 ص487.
([201]) الكامل لابن الاثير ج2 ص152.
([202]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج13 ص293 عن الاسكافي، وليراجع: آخر العثمانية للجاحظ ص340، وشرح التجريد للقوشجي ص486، ومجمع البيان ج2 ص513، والبحار ج20 ص26 و 49 و 69 و 87، وتفسير القمي ج1 ص113، والإرشاد للشيخ المفيد ص52، وعن الخصال ج2 ص121 و 124.
([203]) الإرشاد للشيخ المفيد ص52، والبحار ج20 ص87 عنه.
([204]) السيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص28، وأنساب الاشراف ج1 ص54.
([205]) السيرة الحلبية ج2 ص168.
([206]) الآية 24 من سورة الأنفال.
([207]) السيرة الحلبية ج2 ص169 و 224 وفيها عن علي ما يؤيد هذا، والعثمانية للجاحظ ص62 ولم يذكر نزول الآية وكذا في الكامل لابن الاثير ج2 ص156، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص256 مثله، ومغازي الواقدي ج1 ص257، وملحق العثمانية ص330 و 340، والبحار ج20 هامش ص103 عن كشف الغمة، وعن المقريزي في الامتاع.
([208]) السيرة الحلبية ج2 ص168، والإستيعاب هامش الاصابة ج2 ص399 و 400 وراجع: غزوة بدر، فقد أشرنا إلى هذه الرواية هناك أيضاً.
([209]) السيرة الحلبية ج2 ص169، وسيرة ابن هشام ج2 ص291 .
([210]) تقدمت مصادر ذلك في هذا الكتاب في فصل هجرة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" حين الحديث حول شراء أبي بكر للموالي ونفقاته.
([211]) السيرة الحلبية ج2 ص169.
([212]) راجع الدر المنثور ج3 ص176 عن ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن اسحاق.
([213]) السيرة الحلبية ج2 ص169.
([214]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص294 وص 281، وليراجع آخر كتاب العثمانية ص340 وليراجع ص230.
([215]) صحيح البخاري ط سنة 1309 ج3 ص121، وتفسير ابن كثير ج4 ص159، والدر المنثور ج6 ص41، وفتح القدير ج4 ص21. وراجع: الغدير ج8 ص247.
([216]) الكامل لابن الاثير ج1 ص153.
([217]) تاريخ الخميس ج1 ص427.
([218]) مغازي الواقدي ج1 ص229، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص239 عنه، ومجمع البيان ج2 ص513، وغير ذلك كثير.
([219]) العقد الفريد (ط دار الكتاب) ج2 ص115، وصبح الأعشى ج1 ص297، وبـلاغـات النساء ص57، وفي الغدير ج9 ص371، ونهـاية الأرب ج7 ص241.
([220]) شرح النهج للمعتزلي تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم ج4 ص71، 72 عن الاسكافي.
([221]) راجع: الغدير ج10 ص264.
([222]) الفصل لابن حزم ج4 ص89، وتاريخ ابن كثير 7 و 279 و 8 و 223 وج13 ص9، والغدير 9 و 93 و 394 عنهم. والعواصم من القواصم. وكذا قالوا في ابن ملجم أيضاً كما ذكره في الغدير عنهم أيضاً، فراجع الصفحات المشار إليها.
([223]) جاحش: دافعَ وقاتل.
([224]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص237.
([225]) الظاهر: أن هذه جملة اعتراضية، زادها الرواة تبرعاً، وإلا فقد تقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد قسم الغنائم في بدر، بل لقد ادعوا ـ وإن كان ذلك كذباً ـ: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أسهم لمن لم يكن قد حضرها، فكيف بغيره؟ فراجع.
([226]) الآية 161 من سورة آل عمران.
([227]) الآية 152 من سورة آل عمران.
([228]) السيرة الحلبية ج2 ص235، ومغازي الواقدي ج1 ص247، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص33، وتاريخ الخميس ج1 ص431. وليلاحظ مدى الاختلاف في هذا!!.
([229]) البحار ج20 ص96، وإعلام الورى ص83.
([230]) البحار ج20 ص95 و 107 عن إعلام الورى، وروضة الكافي ص110.
([231]) النص المتقدم في أكثره للمعتزلي في شرح النهج ج14 ص250 و 251 عن الزاهد اللغوي غلام ثعلب، وعن محمد بن حبيب في أماليه، وراجع ج13 ص293، وراجع الرواية في الأغاني (ط ساسي) ج14 ص18، وتاريخ الطبري ج2 ص197، والكامل لابن الاثير ج2 ص154، وفرائد السمطين، الباب الخمسون ج1 ص257، ومجمع الزوائد ج6 ص114 و 122 عن البزار وعن الطبراني، وكنز العمال ج15 ص126، والبداية والنهاية ج6 ص5، واللآلي المصنوعة ج1 ص365، وتفسير القمي ج1 ص116، والبحار ج20 ص54 و 95 و 105 و 107 و 102 عن القمي، وعلل الشرايع ص7 باب 7، والإرشاد ص46، واعلام الورى وتفسير فرات ص24 و 26، وروضة الكافي ص110، وعيون أخبار الرضا ج1، وحياة الصحابة ج1 ص559، وربيع الأبرار ج1 ص833، ومناقب الخوارزمي ص103، إلا أن فيه: أن ذلك كان في بدر. والغدير ج2 ص59 ـ 61 عن العديد من المصادر، وسيرة ابن هشام ج2 ص106، وتاريخ ابن عساكر ترجمة علي "عليه السلام" بتحقيق المحمودي ج1 ص148 و 149 و 150، وفي هامشه عن الفضائل لاحمد بن حنبل، الحديث رقم 241، والمعجم الكبير للطبراني ج1 ص318، وغاية المرام ص457، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص343، والرياض النضرة المجلد الثاني ج3 ص131، وعن علي بن سلطان في مرقاته ج5 ص568 عن أحمد في المناقب.
([232]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص251.
([233]) الإرشاد للشيخ المفيد ص53، والبحار ج20 ص88.
([234]) البحار ج20 ص23، ومجمع البيان ج2 ص509.
([235]) البدء والتاريخ ج4 ص201.
([236]) إرشاد المفيد ص50، والبحار ج20 ص84.
([237]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص244، والطبري ج2 ص195.
([238]) راجع في ذلك: تاريخ الخميس ج1 ص426، والسيرة الحلبية ج2 ص249، وحياة الصحابة ج1 ص572، والبداية والنهاية ج4 ص18 عن ابن اسحاق. وقال في آخره: وأخرجه البخاري، عن جعفر بن عمر.
([239]) السيرة الحلبية ج2 ص249، وتاريخ الخميس ج1 ص426، واسعاف الراغبين، بهامش نور الابصار ص86.
([240]) المصنف ج9 ص469 عن ابن المديني، والحميدي عن ابن عيينة، وأخرجه مسلم. وصحيح البخاري (ط سنة 1309) ج3 ص132، ومجمع الزوائد ج6 ص231.
([241]) السيرة الحلبية ج2 ص256 ولهذا نظائر أيضاً لا مجال لتتبعها ستأتي في أواخر هذا الجزء، أو آخر فصل بعدما هبت الرياح.
([242]) كنز العمال ج11 ص295 عن ابن جرير، والبداية والنهاية ج7 ص297 و 298 عن أحمد، ومسلم، والنسائي.
([243]) الدر المنثور ج6 ص225 عن عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وسعيد بن منصور، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن المنذر، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل.
([244]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص323.
([245]) الآية 127 من سورة آل عمران.
([246]) راجع الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص227، وفتح الباري ج8 ص171 وج7 ص281، وصحيح البخاري ج3 ص16، وتاريخ الخميس ج1 ص429 عن ابن اسحاق، والترمذي، والنسائي، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص4، ومغازي الواقدي ج1 ص245، ومجمع البيان ج2 ص501، والبحار ج20 ص21، والسيرة الحلبية ج2 ص234، والدر المنثور ج2 ص70 و 71 عن: ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، والنسائي، وابن المنذر، والنحاس في ناسخه، وابن أبي حاتم، وعبد الرزاق، والبيهقي في الدلائل، ونصب الراية ج2 ص129.
([247]) السيرة الحلبية ج2 ص234، والدر المنثور ج2 ص71 عن: أحمد، والبخاري، والترمذي، والبيهقي في الدلائل، وابن جرير، والنسائي، وابن أبي حاتم، وصحيح البخاري ج3 ص16، وراجع ج4 ص171 و 74 وج2 ص73، وفتح الباري ج8 ص170، ونصب الراية ج2 ص127 و 129، ونيل الاوطار ج2 ص398، وراجع: سنن البيهقي ج2 ص207 و 208، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص227 و 228، ومسند أحمد ج2 ص93.
([248]) السيرة الحلبية ج2 ص234 و 241، وتاريخ الخميس ج1 ص429، والدر المنثور ج2 ص71 عن ابن جرير.
([249]) الآية 128 من سورة آل عمران.
([250]) الدر المنثور ج2 ص71 عن البخاري ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، والبيهقي في سننه، ومجمع البيان ج2 ص501، والبحار ج20 ص21 عنه.
([251]) الدر المنثور ج2 ص71 عن النحاس في ناسخه، وعبد بن حميد والمحلى ج4 ص144، وسنن البيهقي ج2 ص98 و 207، والمنتقى ج1 ص503، وليس فيه عبارة: (ناساً من المنافقين) وراجع: سنن النسائي ج2 ص203، وصحيح البخاري ج3 ص74 وج4 ص171، والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان ج5 ص325 و 326، ومسند أحمد ج2 ص147 و 93، وعن شرح معاني الآثار ج1 ص242.
([252]) الدر المنثور ج2 ص71 عن ابن اسحاق، والنحاس في ناسخه.
([253]) تاريخ الخميس ج1 ص432 عن ابن عائذ، والسيرة الحلبية ج2 ص256، ومجمع البيان ج2 ص501، والبحار ج20 ص21 و 96 عنه، وعن إعلام الورى.
([254]) الآيات 127 ـ 129 من سورة آل عمران.
([255]) راجع تفسير الميزان ج4 ص9.
([256]) راجع توضيح هذه الآية في الجزء الثامن صفحة 329 من هذا الكتاب، في فصل القنوت والدعاء على القبائل.
([257]) صحيح مسلم ج8 ص27، والبداية والنهاية ج8 ص119.
([258]) راجع هذه النصوص في: صحيح مسلم ج8 ص27، وج2 ص391 كتاب البر والصلة، والغدير ج11 ص89، وج8 ص252 عنه، ومسند أحمد ج5 ص437 و 439، وج6 ص45، وج2 ص390 و 488 و 493 و 496، وج3 ص33 و 391 و 400، وصحيح البخاري ج4 ص78، ودلائل الصدق ج1 ص416، وراجع: نسب قريش لمصعب ص219، وأسد الغابة ج5 ص485، والمصنف ج5 ص214، وج11 ص189، وج9 ص469.
([259]) البداية والنهاية ج8 ص119 والغدير عنه.
([260]) راجع: الغدير ج11 ص89 و 90.
([261]) مستدرك الحاكم ج1 ص12 و 47، والغدير ج11 ص90 عنه. وبقية المصادر ستأتي في الجزء السادس في فصل القنوت والدعاء على القبائل.
([262]) الغدير ج11 ص91 وج8 ص252، وصحيح مسلم ج8 ص24، وصحيح البخاري ج4.
([263]) الغدير ج11 ص92، وصحيح مسلم ج8 ص23، وراجع: الترغيب والترهيب ج3 ص474، ومسند أحمد ج6 ص72 و 258 و 138 وج4 ص429 و 420 و 423، وسنن الدارمي ج2 ص288، وسنن أبي داود ج3 ص26، ودلائل الصدق ج1 ص416 و 417.
([264]) الترغيب والترهيب ج3 ص474، والغدير ج11 ص92.
([265]) الغدير ج11 ص92، والترغيب والترهيب ج3 ص472.
([266]) راجع هذه الأحاديث في الغدير للعلامة الأميني ج11 ص89 ـ 93 وج8 ص252 عن كثير من المصادر، ودلائل الصدق ج1 ص416.
([267]) الغدير ج11 ص91 وج8 ص252 عن البخاري ج1، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والطبراني، والحاكم والدارقطني، وأحمد، والطيالسي، والهيثمي، والسيوطي، والمناوي.
([268]) الغدير ج11 ص91 وج6 ص308 و 309، وسنن الدارمي ج1 ص125، وإحياء العلوم ج3 ص171 عن أبي داود، ومستدرك الحاكم ج1 ص104 و 105، وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه)، وجامع بيان العلم ج1 ص85 وراجع: ج2 ص62 و 63، وليراجع أيضاً: سنن أبي داود ج3 ص318، والزهد والرقائق ص315، والمصنف للصنعاني ج7 ص34 و 35 وج11 ص237.
([269]) الغدير ج11 ص92 عن الترمذي في الشمائل.
([270]) صحيح البخاري ج1 ص6.
([271]) صحيح البخاري ج4 ص37 و 38، ودلائل الصدق ج1 ص417 و 416، وصحيح مسلم ج8 ص24، والغدير ج11 ص91 وج8 ص252.
([272]) الآية 58 من سورة الأحزاب.
([273]) الغدير ج11 ص93 عن الخصائص الكبرى ج2 ص244، والمواهب اللدنية ج1 ص395.
([274]) دلائل الصدق ج1 ص417، وراجع الغدير ج11 ص89 ـ 94.
([275]) الآية 8 من سورة فاطر.
([276]) لباب الآداب ص187، والإصابة ج1 ص248، والجمل ص194.
([277]) شرح التجريد ص486، ودلائل الصدق ج2 ص357 عنه.
([278]) نور الابصار ص87، والإرشاد للمفيد ص51 و 52، والبحار ج20 ص69 و 86 و 87 و 113، والاحتجاج ج1 ص199 و 200.
([279]) مستدرك الحاكم ج3 ص111، ومناقب الخوارزمي ص21 و 22، وراجع: إرشاد المفيد ص48، وتيسير المطالب ص49.
([280]) راجع مصادر ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.
([281]) راجع مصادر ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب.
([282]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج2 بحث: الحب في التشريع الإسلامي وبحث آخر في نفس الكتاب حول: الوحدة الإسلامية أسسها ومنطلقاتها.
([283]) البحار ج2 ص69، عن الخصال ج2 ص121 و 124.
([284]) نهج البلاغة ج3 ص74 بشرح عبده الكتاب رقم 41.
([285]) راجع: السيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص33، وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص227، والمغازي للواقدي ج1 ص280، وراجع: البحار ج20 ص27 وغير ذلك.
([286]) الآيات 140 ـ 145 من سورة آل عمران.
([287]) حياة الصحابة ج2 ص84، وكنز العمال ج7 ص159 عن ابن سعد.
([288]) مجمع الزوائد ج10 ص66 عن البزار، وحياة الصحابة ج2 ص417 عنه.
([289]) مجمع الزوائد ج10 ص66 و 67 عن أبي يعلى والبزار، وأحمد، وحياة الصحابة ج2 ص416 و 417.
([290]) التبيان ج3 ص25.
([291]) تفسير القرآن العظيم ج1 ص412 عن أحمد، وراجع ص415 عن دلائل النبوة للبيهقي بنحو آخر.
([292]) تاريخ الطبري ج2 ص201، ودلائل الصدق ج3 ص356 عنه.
([293]) مغازي الواقدي ج1 وشرح النهج عنه، ودلائل الصدق ج2 ص356 عن الأول.
([294]) راجع شرح النهج ج13 ص293، وآخر العثمانية ص239.
([295]) المصدر المتقدم.
([296]) مستدرك الحاكم ج3 ص26، ودلائل الصدق ج2 ص356.
([297]) تاريخ الطبري ج2 ص199، والكامل لابن الأثير ج2 ص156، والثقات لابن حبان ج1 ص228، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص68، وتاريخ الخميس ج1 ص434 عن ابن اسحاق، وسيرة ابن هشام ج3 ص88، والدر المنثور ج2 ص81 عن ابن جرير، وقاموس الرجال ج2 ص125، ودلائل الصدق ج2 ص356 عن الدر المنثور.
وراجع: البداية والنهاية ج4 ص34، وحياة الصحابة ج1 ص531 عنه. ولكن قد اقتصر في مغازي الواقدي ج1 ص280، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص286 على ذكر عمر فقط، وتفسير القرآن العظيم ج1 ص314، وسيرة ابن اسحاق ص330، والأغاني ج14 ص19.
([298]) نهج الحق ص306 و 307، وتفسير الخازن ج1 ص471، وتفسير ابن كثير ج2 ص68 من دون تصريح بالاسم.
([299]) منحة المعبود في تهذيب مسند الطيالسي ج2 ص99، وطبقات ابن سعد ج3 ص155، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص58، وتاريخ الخميس ج1 ص431، عن الصفوة، وابن أبي حاتم، والبداية والنهاية ج4 ص29 عن الطيالسي، وكنز العمال ج10 ص268 و 269 عن الطيالسي، وابن سعد، وابن السني، والشاشي، والبزار، والدارقطني في الأفراد، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، والطبراني في الكبير والأوسط، وابن عساكر، والضياء في المختارة. وقد صرح في مقدمة الكنز بصحة ما يعزوه لبعض هؤلاء، وحياة الصحابة ج1 ص272 عن ابن سعد وعن الكنز عمن تقدم بإضافة ابن حبان، ودلائل الصدق ج2 ص359 عن الكنز أيضاً.
([300]) مستدرك الحاكم ج3 ص27، وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة، ودلائل الصدق ج2 ص359 عن المستدرك، ومجمع الزوائد ج6 ص112 عن البزار.
([301]) لباب الآداب ص179، وليراجع: حياة محمد لهيكل ص265.
([302]) الإرشاد للشيخ المفيد ص50، والبحار ج20 ص84 عنه.
([303]) راجع: دلائل الصدق للشيخ المظفر ج2 ص360.
([304]) صحيح مسلم ج5 ص178 في أول غزوة أحد، ودلائل الصدق ج2 ص359، وتاريخ الخميس ج1 ص346 عن سح السحابة.
([305]) دلائل الصدق ج2 ص359.
([306]) تاريخ الخميس ج1 ص436.
([307]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص293، وليراجع آخر العثمانية ص339.
([308]) مستدرك الحاكم ج3 ص70، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وصححاه على شرط الشيخين، والدر المنثور ج2 ص90 عن الحاكم، والبيهقي في سننه، وابن الكلبي، والتفسير الكبير للرازي ج9 ص67 عن الواحدي في الوسيط عن عمرو بن دينار، ودلائل الصدق ج2 ص359 عمن تقدم.
([309]) تفسير الرازي ج9 ص67.
([310]) دلائل الصدق ج2 ص359.
([311]) الدر المنثور ج2 ص80، ودلائل الصدق ج2 ص358، وكنز العمال ج2 ص242 عن ابن المنذر، وحياة الصحابة ج3 ص497 عن الكنز ج1 ص238، وفتح القدير ج1 ص388.
([312]) لعل الصحيح: هزمنا ففررت. كما يقتضيه سياق الكلام.
([313]) الدر المنثور ج2 ص88 عن ابن جرير، وكنز العمال ج2 ص242، ودلائل الصدق ج2 ص358، وحياة الصحابة ج3 ص497، وكنز العمال ج2 ص242، وجامع البيان ج4 ص95، والتبيان ج3 ص25 و 26.
([314]) شرح النهج ج15 ص22.
([315]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص24، ودلائل الصدق ج2 ص358، وراجع: غرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج4 ص113.
([316]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص277.
([317]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص24، ودلائل الصدق ج2 ص358، ومغازي الواقدي ج2 ص609.
([318]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص22.
([319]) البحار ج20 ص53، وتفسير القمي ج1 ص114 و 115.
([320]) العثمانية ص169.
([321]) شرح النهج للمعتزلي ج12 ص179 و 180.
([322]) راجع تفسير الميزان ج4 ص51.
([323]) التفسير الكبير ج9 ص51.
([324]) راجع لباب الآداب لأسامة بن منقذ ص173 ـ 175.
([325]) راجع: تاريخ الطبري وفتوح البلدان.
([326]) راجع: تفسير المنار ج4 ص191، والجامع لأحكام القرآن ج4 ص244، وفتح القدير ج1 ص392، وتفسير القرآن العظيم ج1 ص414، وتفسير التبيان ج3 ص26، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص203، والإرشاد للشيخ المفيد ص50، والبحار ج20 ص84، والبداية والنهاية ج4 ص28، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص21 عن الواقدي لكن مغازي الواقدي المطبوع لم يصرح بالأسماء بل كنى عنها في ج1 ص277 لكن في الهامش قال: في (نسخة عمر وعثمان)، والكامل لابن الاثير ج2 ص158، والسيرة الحلبية ج2 ص227، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص55، والدر المنثور ج2 ص88 و 89 عن ابن جرير وابن المنذر، وابن اسحاق وراجع: سيرة ابن اسحاق ص332، وجامع البيان ج4 ص96، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج4 ص113، والتفسير الكبير للرازي ج9 ص50 و 51، وأنساب الاشراف ج1 ص326. وراجع عن فراره يوم أحد وتخلفه يوم بدر: محاضرات الراغب ج3 ص184، ومسند أحمد ج2 ص101 وج1 ص68، والصراط المستقيم للبياضي ج1 ص91.
([327]) الآية 155 من سورة آل عمران.
([328]) الدر المنثور ج2 ص88، وفتح القدير ج1 ص392، وراجع: جامع البيان ج4 ص96.
([329]) قاموس الرجال ج5 ص169.
([330]) ديوان حسان بن ثابت ص57.
([331]) البداية والنهاية ج4 ص26، وحياة الصحابة ج1 ص533، وتقدمت الرواية عن صحيح مسلم ج5 ص178 إلا أن فيه: رجلين من قريش. وكذا في تاريخ الخميس أيضاً.
([332]) قاموس الرجال ج5 ص7. ولكن يبدو أن في الإرشاد تحريفاً، فراجع ص50 منه، وقارنها مع ما نقله عنه في البحار ج20، وقاموس الرجال.
([333]) وفي ربيع الأبرار ص833 و 834: أن عماراً كان بين يدي النبي "صلى الله عليه وآله" يذب عنه، والمقداد كان عن يمينه "صلى الله عليه وآله".
([334]) البحار ج20 ص83، والإرشاد للمفيد ص50.
([335]) تفسير فرات ص24 و 25، والبحار ج20 ص104 و 105 .
([336]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص292، وتاريخ الخميس ج1 ص430.
([337]) الآية 153 من سورة آل عمران.
([338]) الحس: القتل على وجه الاستيصال.
([339]) الآية 152 من سورة آل عمران.
([340]) البوطي في: فقه السيرة ص261.
([341]) المغازي للواقدي ج1 ص211، وسيرة المصطفى ص396.
([342]) الآيات 143 و 152 و 153 من سورة آل عمران.
([343]) الآية 7 من سورة محمد.
([344]) الآية 161 من سورة آل عمران.
([345]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص227، وراجع: البحار ج20 ص27، وغرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج4 ص96.
([346]) السيرة الحلبية ج2 ص246.
([347]) وإن كان الارتباط به من حيث هو رسول وقائد حرب، ومعلم، أمر ضروري ولا بد منه.
([348]) نهج البلاغة الحكمة رقم 262.
([349]) تاريخ الخميس ج1 ص436.
([350]) قاموس الرجال ج11 ص38 عن القمي، وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص226 و 269، ومغازي الواقدي ج1 ص269 و 273، وتفسير القمي ج1 ص116، والبحار ج20 ص134 و 54.
([351]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص226، والبحار ج2 ص133 عنه.
([352]) البحار ج20 ص134.
([353]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج15 ص23 و 24.
([354]) الآية 155 من سورة آل عمران.
([355]) الدر المنثور ج2 ص88 و 89 عن مصادر كثيرة.
([356]) الدر المنثور ج2 ص89 عن ابن جرير، وابن المنذر.
([357]) الدر المنثور ج2 ص88 عن ابن جرير.
([358]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص277 مع هامشه.
([359]) نفس المصدر ص295.
([360]) راجع: المصنف ج1 ص379 و 380. وثمة تعبيرات أخرى عنهما بفلان وفلان . ذكرها في البحار، وروضة الكافي، لا مجال لذكرها هنا.
([361]) إذ لم يكن كل المسلمين ولا جلّهم ـ كما أظهرته حرب أحد ـ في مستوى وعي أمير المؤمنين "عليه السلام" وأنس بن النضر، وأبي دجانة وأمثالهم.
([362]) حياة الصحابة ج1 ص618، ومجمع الزوائد ج5 ص323 وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، ورجالهما رجال الصحيح (إنتهى).
وراجع: الاصابة ج4 ص487 و 505، والإستيعاب بهامشها نفس المكان، والتراتيب الإدارية ج2 ص115.
([363]) راجع: الآداب الطبية في الإسلام فصل التمريض والمستشفى.
([364]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص103.
([365]) الهائعة: الصوت المفزع.
([366]) الإصابة ج1 ص361، وتاريخ الخميس ج1 ص427 و 428، والسيرة الحلبية ج2 ص240 و 241. وغير ذلك من المصادر الكثيرة.
([367]) الإصابة ج1 ص361.
([368]) راجع بحث العصمة في فصل بحوث تسبق السيرة بعد غزوة بدر.
([369]) الآية 44 من سورة الفرقان.
([370]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج2 بحث: الحب في التشريع الإسلامي.
([371]) الآية 24 من سورة التوبة.
([372]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص237 ملخصاً.
([373]) راجع: المغازي للواقدي ج1 ص241، والسيرة الحلبية ج2 ص229، وتاريخ الخميس ج1 ص433.
([374]) السيرة الحلبية ج2 ص229.
([375]) مجمع الزوائد ج6 ص113، ومغازي الواقدي ج1 ص241، وشرح النهج للمعتزلي ج14، والكامل لابن الأثير ج2 ص160، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والسيرة الحلبية ج2 ص229، وغير ذلك كثير.
([376]) السيرة الحلبية ج3 ص229.
([377]) المصدر السابق.
([378]) المصدر السابق.
([379]) المصدر السابق.
([380]) قاموس الرجال ج4 ص315 عن صفين لنصر بن مزاحم.
([381]) السيرة الحلبية ج2 ص229.
([382]) نفس المصدر.
([383]) مغازي الواقدي ج2 ص269 و 525، وتاريخ الخميس ج1 ص433، والإصابة ج2 ص37 و 38.
([384]) إختيار معرفة الرجال ص39، وقاموس الرجال ج4 ص412 و 413 عنه.
([385]) صفين ص551 و 552، وقاموس الرجال ج4 ص313 عنه.
([386]) الإمامة والسياسة ج1 ص53.
([387]) عيون الأخبار لابن قتيبة ج3 ص111، وقاموس الرجال ج4 ص313 و 314 عنه.
([388]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص414 عن الأغاني، وعن أنساب السمعاني.
([389]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص315 و 316. وراجع: شرح النهج للمعتزلي ج4 ص9.
([390]) الآية 23 من سورة الأنفال.
([391]) راجع على سبيل المثال: شرح النهج للمعتزلي ج1 ص188.
([392]) الاوائل ج1 ص310، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص360، وفي هامشه عن البخاري عن أبي عوانة والعقد الفريد ج6 ص249، والكامل في التاريخ ج2 ص596، والثقات ج2 ص220.
([393]) راجع: قاموس الرجال للعلامة التستري، وغيره من كتب التراجم.
([394]) تاريخ الخميس ج1 ص432، والسيرة الحلبية ج2 ص238.
([395]) تقدم ذلك في فصل: قبل نشوب الحرب، فراجع.
([396]) حياة الصحابة ج2 ص235، وكنز العمال ج5 ص405.
([397]) تقدمت المصادر لذلك في أواخر الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل: هجرة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" حين الحديث عن ثروة أبي بكر.
([398]) تقدمت المصادر لذلك في أواخر الجزء الثالث من هذا الكتاب في فصل: هجرة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" حين الحديث عن ثروة أبي بكر.
([399]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص431.
([400]) دلائل الصدق ج3ص 259 بتصرف.
([401]) تاريخ الخميس ج1 ص430.
([402]) تاريخ الخميس ج1 ص437.
([403]) الآية 51 من سورة المائدة.
([404]) تفسير ابن كثير ج2 ص68، وتفسير الخازن ج1 ص503، والدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي.
وراجع: ودلائل الصدق ج3 ص204، وطرائف ابن طاووس ص494، وقاموس الرجال ج5 ص169 عنه.
([405]) راجع: الدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن المنذر.
([406]) الآية 53 من سورة الأحزاب.
([407]) الغدير ج10 ص127، وتفسير القرطبي ج14 ص228، وعن فيض القدير ج4 ص290، وتفسير ابن كثير ج3 ص506، وتفسير البغوي ج5 ص225، وتفسير الخازن ج5 ص225، وتفسير الآلوسي ج22 ص74، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص60 وج3 ص170. وليراجع الدر المنثور ج5 ص214 عن ابن أبي حاتم عن السدي وعن عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن سعد.
([408]) تفسير القمي ج1 ص116، والبحار ج2 ص54.
([409]) مجمع البيان ج2 ص509، والبحار ج20 ص23 عنه وص54 و 70 و 78، وتفسير القمي ج1 ص116، وعن الخصال ج1 ص368، وعن الخرائج.
([410]) الثقات ج1 ص231، ومجمع البيان ج2 ص509، والبحار ج20 ص23 عنه.
([411]) راجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص413 عن البخاري.
([412]) تفسير القمي ج1 ص117، والبحار ج56 عنه وص 97 عن اعلام الورى وفيه: أن أبا سفيان سأل علياً "عليه السلام" عن حياة النبي "صلى الله عليه وآله".
([413]) الأوائل ج1 ص184 و 185، وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص412.
([414]) وإن كنا نشك في ذكرهما هنا: فقد تعودنا أن نجد هذا التعاقب في كثير من الروايات، ولعله بهدف الإيحاء بأن الزعامة بعد النبي "صلى الله عليه وآله" كانت لأبي بكر، ثم لعمر، ثم لعثمان، ولكن عثمان لم يذكر هنا لغيابه وفراره.
([415]) تاريخ الخميس ج1 ص440، ووفاء الوفاء ج1 ص294، والسيرة الحلبية ج1 ص244 و 245، وتاريخ الطبري ج2 ص205، والكامل ج2 ص160، والثقات ج1 ص232، وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص414 و 415.
([416]) السيرة الحلبية ج2 ص245.
([417]) راجع: الثقات لابن حبان ج1 ص232، وتاريخ الطبري ج2 ص205 و 206، والكامل لابن الاثير ج2 ص161، والسيرة الحلبية ج2 ص244 و 245، وتاريخ الخميس ج1 ص440.
([418]) مغازي الواقدي ج1 ص298 و 299، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص32.
([419]) تاريخ الطبري ج2 ص206 و 207، والكامل لابن الاثير ج2 ص160 و 161.
([420]) البحار ج73 ص223 و 325 ط مؤسسة الوفاء عن قرب الإسناد ص76، والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص217.
وراجع: حياة الصحابة ج1 ص97، ومجمع الزوائد ج5 ص305، وعن كنز العمال ج2 ص297.
([421]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص441 و 437 عن المواهب اللدنية، والسيرة الحلبية ج2 ص237 و 236، والكامل لابن الأثير ج2 ص157 و 158، وتاريخ الطبري ج2 ص200 و 201، ومغازي الواقدي ج1 ص290، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص17، وفي السيرة الحلبية ج2 ص236 و 237: أن سعداً هو الذي أتاه بالماء، فشرب منه ودعا له. ولكن الصحيح هو أنه علي (عليه السلام) لتضافر الروايات عليه.
([422]) تاريخ الخميس ج1 ص440.
([423]) راجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج4 ص380، وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص357، والبحار ج43 ص19، وكفاية الطالب ص369، والبداية والنهاية ج6 ص332، وسير أعلام النبلاء ج2 ص119، والاصابة ج4 ص377، وأسد الغابة ج5 ص520، ومقاتل الطالبيين ص46، وتهذيب التهذيب ج12 ص440 لكنه صحف كلمة (أبيها) ب‍ـ (ابنها) فراجع.
([424]) راجع: حلية الأولياء ج2 ص39، وصفة الصفوة ج2 ص12، وخصائص أمير المؤمنين "عليه السلام" للنسائي ص119، وفي هامشه عن مصادر كثيرة، وراجع: ينابيع المودة ص173، والصواعق المحرقة ص188، وكنز العمال ج13 ص92 و 93، والاصابة ج4 ص378، وسير أعلام النبلاء ج2 ص120 وراجع: البداية والنهاية ج6 ص332، وصحيح البخاري ج3 ص60، وعن مسلم في فضائل الصحابة وعن أبي داود أيضاً، ومناقب آل أبي طالب ج3 ص361 و 362، وشرح النهج للمعتزلي ج10 ص266، وإحقاق الحق ج10 ص439 حتى ص452 عن مصادر كثيرة.
([425]) مأساة الزهراء عليها السلام ج1 ص59 ـ 60.
([426]) الكامل لابن الاثير ج2 ص158، ووفاء الوفاء ج1 ص297، والسيرة الحلبية ج2 ص236 و 237 و 238، والترمذي وصححه، والرياض النضرة، وأحمد، وأبو حاتم، وراجع: الثقات لابن حبان ج1 ص229.
([427]) مغازي الواقدي ج2 ص278.
([428]) وفاء الوفاء ج4 ص315 وج3 ص930.
([429]) سيرة ابن هشام ج3 ص92.
([430]) سيرة ابن هشام ج3 ص90، ووفاء الوفاء ج4 ص1243.
([431]) مغازي الواقدي ج1 ص240، وشرح النهج للمعتزلي، والبحار ج20 ص96 عن إعلام الورى.
([432]) إعلام الورى ص83، والبحار ج20 ص96.
([433]) مغازي الواقدي ج1 ص281.
([434]) السيرة الحلبية ص238.
([435]) تاريخ الطبري ج2 ص201 و 202، وتاريخ الخميس ج1 ص437.
([436]) الثقات لابن حبان ج1 ص229.
([437]) البداية والنهاية ج4 ص23، وتاريخ الطبري ج2 ص201.
([438]) الكامل لابن الأثير ج2 ص157.
([439]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص228.
([440]) مغازي الواقدي ج1 ص282، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص274 وج15 ص20 عن الواقدي والبلاذري وابن اسحاق، وراجع: طبقات الشعراء لابن سلام ص63، وفيه أن هذه يد له عند عمر، كان عمر يكافئه عليها حين استخلف. وراجع البداية والنهاية ج3 ص107 عن ابن هشام.
([441]) مغازي الواقدي ج1 ص237.
([442]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص297، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص23.
([443]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص366.
([444]) تاريخ الخميس ج1 ص436 و 437 عن الينابيع.
([445]) البحار ج20 ص118.
([446]) حياة الصحابة ج3 ص617، ومجمع الزوائد ج8 ص298 عن أبي يعلى.
([447]) السيرة الحلبية ج2 ص246، وسيرة ابن هشام ج3 ص101.
([448]) تاريخ الخميس ج1 ص424، والمغازي ج1 ص291، وشرح المعتزلي ج15 ص18.
([449]) البحار ج2 ص78.
([450]) تاريخ الخميس ج1 ص439، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص97، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص50.
([451]) العقق: الولد العاق. والعُقق: البُعَداء من الأعداء أو قاطعوا الأرحام.
([452]) الكامل في التاريخ ج2 ص160، والسيرة الحلبية ج2 ص244، وتاريخ الخميس ج1 ص239 عن ابن إسحاق، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص196، والبحار ج20 ص97 عن إعلام الورى.
([453]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص531، وتاريخ الخميس ج1 ص438، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص93، والمغازي للواقدي ج1 ص224 و 263، والكامل في التاريخ ج2 ص162، والسيرة الحلبية ج2 ص239.
([454]) تاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص531، وتاريخ الخميس ج1 ص438، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص94، والمغازي للواقدي ج1 ص224 و 264، والكامل في التاريخ ج2 ص162، والسيرة الحلبية ج2 ص239.
([455]) المغازي للواقدي ج1 ص224، والسيرة الحلبية ج2 ص239.
([456]) الحائط: البستان.
([457]) راجع: المغازي ج1 ص263 و 264، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص161.
([458]) الآية 142 من سورة آل عمران.
([459]) الآية 146 من سورة آل عمران.
([460]) البحار ج79 ص137 ط بيروت.
([461]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص168.
([462]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3 ص191.
([463]) نهج البلاغة (شرح عبده) ج3 ص155.
([464]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج3.
([465]) الآية 250 من سورة البقرة.
([466]) الآية 126 من سورة الأعراف.
([467]) مقتل الحسين للمقرم ص318 و 322.
([468]) البحار (ط بيروت) ج68 ص95.
([469]) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص318.
([470]) الآيتان 45 و 46 من سورة الأنفال.
([471]) الآية 7 من سورة محمد.
([472]) راجع ما تقدم في: المغازي للواقدي ج1 ص286، والسيرة الحلبية ج2 ص243 و 244، وتاريخ الخميس ج1 ص439، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص97، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص204، والمواهب اللدنية ج1 ص97.
([473]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص97، والسيرة الحلبية ج2 ص243.
([474]) السيرة الحلبية ج2 ص244، وتفسير القرآن العظيم ج1 ص413 عن أحمد.
([475]) مسند الإمام أحمد ج1 ص463، وتفسير القمي ج1 ص117، ومجمع الزوائد ج6 ص110 عن أحمد، والبداية والنهاية ج4 ص41، والبحار ج20 ص55 عن القمي.
([476]) وليقارن بين الإشارة الخفية من علي "عليه السلام" هنا، وإخبار عمر لأبي سفيان صراحة بأن النبي "صلى الله عليه وآله" حي.
فإن علياً "عليه السلام" يهدف بلا شك إلى الحفاظ على حياة رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ولا نريد أن نتهم غيره ممن يدل على النبي "صلى الله عليه وآله" بما يخالف هذا.. فإن الله هو العالم بالحقائق.
([477]) راجع ما تقدم في: مغازي الواقدي ج1 ص289، وتاريخ الخميس ج1 ص441 و 442، وحياة الصحابة ج1 ص570 و 571، ومستدرك الحاكم ج3 ص198 و 199، وليراجع تاريخ الطبري ج2 ص208 و 207، والكامل لابن الأثير ج2 ص161 و 162، والسيرة الحلبية ج2 ص247 و 248، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص101 و 103، وحياة الصحابة ج2 ص650 و 651، ومجمع الزوائد ج6 ص119 و 120 عن البزار والطبراني، وكنز العمال ج15 ص302.
([478]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص17، ومغازي الواقدي ج1 ص290، ومجمع الزوائد ج6 ص119 و 120.
([479]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص441 و 442.
([480]) تاريخ الخميس ج1 ص242.
([481]) نهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص35.
([482]) السيرة الحلبية ج2 ص254، وتاريخ الخميس ج1 ص444 عن المنتقى، وليراجع كامل ابن الاثير ج2 ص167، وتاريخ الطبري ج2 ص210، وليراجع: العقد الفريد، والبداية والنهاية ج4 ص48، ومسند أحمد ج2 ص40 و 84 و 92، والإستيعاب ترجمة حمزة. ومسند أبي يعلى ج6 ص272 و 293 و 294، وفي هامشه عن المصادر التالية: مجمع الزوائد ج6 ص120، وعن الطبقات الكبرى ج3 قسم 1 ص10، وعن سنن ابن ماجة ج3 ص95 في السيرة وفي الجنائز الحديث رقم 1591، ومستدرك الحاكم ج3 ص195، وعن سيرة ابن هشام ج2 ص95 و 99.
([483]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص443 عن الصفوة والمنتقى، والمصنف ج3 ص547 وج5 ص277، والسيرة الحلبية ج2 ص250، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص264، ومغازي الواقدي ج1 ص267 و 268، وطبقات ابن سعد ج3 ص5 قسم 1 وقسم 2 ص78، وليراجع حياة الصحابة ج3 ص659 ـ 661، والبداية والنهاية ج4 ص43، ودلائل أبي نعيم ص499، وكنز العمال ج10 ص270 وج8 ص270، وعن ابن سعد وراجع: فتح الباري ج3 ص142، ووفاء الوفاء ج3 المجلد الثاني ص938 عن أحمد بسند صحيح، والدارمي كما في الأوجز ج4 ص108، ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص291.
([484]) ربيع الأبرار ج1 ص559.
([485]) قاموس الرجال ج10 ص89 وج5 ص116، والغدير ج10 ص83 كلاهما عن شرح النهج للمعتزلي ج4 ص51 ط قديم.
([486]) السيرة الحلبية ج2 ص248، وتاريخ الخميس ج1 ص441، ومغازي الواقدي ج1 ص289، ومجمع الزوائد ج6 ص119، ومستدرك الحاكم ج3 ص196.
([487]) دلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص288.
([488]) السيرة الحلبية ج2 ص246، وتاريخ الخميس ج1 ص441.
([489]) راجع: الدر المنثور ج4 ص135، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية والسيرة الحلبية ج2 ص246، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص53، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص101، والكامل في التاريخ ج2 ص161، وسيرة ابن اسحاق ص335.
([490]) الآية 126 من سورة النحل.
([491]) راجع: الدر المنثور ج4 ص135 عن مصادر كثيرة وراجع: التفسير الكبير ج20 ص141، والجامع لأحكام القرآن ج10 ص201، وجامع البيان ج14 ص131، وغرائب القرآن (بهامش جامع البيان) ج14 ص132، والتبيان ج6= = ص440، ومجمع البيان ج6 ص393، ولباب التأويل للخازن، ومدارك التنزيل (بهامشه) ج3 ص143، ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص388، ومجمع الزوائد ج6 ص119، ومستدرك الحاكم ج3 ص197، والسيرة الحلبية ج2 ص246، والسيرة النبوية لدحلان بهامش الحلبية ج2 ص53، والمواهب اللدنية ج1 ص97، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص102، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج2 ص529، والكامل في التاريخ ج2 ص161، وسيرة ابن اسحاق ص335، ومسند أحمد ج5 ص135، وتاريخ الخميس ج1 ص441، والروايات بهذه المعاني تجدها في مختلف كتب الحديث والتاريخ التي تتعرض لغزوة أحد، ولا يكاد يخلو منها كتاب كلاً أو بعضاً، فراجع.
([492]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص246 عن ابن كثير، والقول بأن الآية مدنية لا عبرة به لأنه يستند إلى هذه الرواية.
([493]) السيرة الحلبية ج2 ص246.
([494]) الدر المنثور ج4 ص135 عن ابن جرير، وابن مردويه.
([495]) الدر المنثور ج4 ص135 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([496]) راجع: صحيح البخاري (ط سنة 1309 هـ) ج3 ص31، ونصب الراية للزيلعي ج3 ص118 عن البخاري ومسلم وسنن البيهقي ج9 ص69، ونيل الأوطار ج7 ص151.
([497]) فتح الباري ج1 ص294.
([498]) راجع: المصنف ج9 ص259، والبخاري، ومسلم، وغير ذلك.
([499]) الإعتبار في الناسخ والمنسوخ ص208 ـ 211، وفتح الباري ج7 ص369.
([500]) أبو حنيفة لمحمد أبي زهرة ص250.
([501]) الأم ج4 ص162.
([502]) السيرة الحلبية ج2 ص241، وراجع: مغازي الواقدي ج1 ص290 و 291، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص17.
([503]) راجع المصادر المتقدمة.
([504]) راجع: نهج البلاغة، شرح عبده، باب الرسائل رقم 36، وباب الخطب رقم 212 و 32، وليراجع ص167 وغير ذلك.
([505]) راجع: مناقب الإمام علي "عليه السلام" لابن المغازلي ص50، وشرح النهج للمعتزلي ج18 ص24، وينابيع المودة ص85 و 71، وكنز الفوائد ج2 ص179 ط دار الأضواء، والبحار ج37 ص72 وج40 ص43 و 177 و 190 ط مؤسسة الوفاء، وروضة الواعظين ج1 ص113، وتلخيص الشافي ج2 ص135، وراجع ميزان الإعتدال ج2 ص75، وراجع لسان الميزان ج2 ص483 ففيهما حديث معناه ذلك أيضاً، وأمالي الطوسي ج1 ص374 وج2 ص100، وأمالي الصدوق ص343، وراجع إحقاق الحق (الملحقات) للمرعشي النجفي ج6 ص440 وج4 ص258 وج7 ص296 وج13 ص70 عن مصادر كثيرة.
([506]) راجع: الهامش ما قبل الأخير.
([507]) راجع: الهامش ما قبل الأخير.
([508]) الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص316 و 317.
([509]) الآية 126 من سورة النحل.
([510]) الدر المنثور ج4 ص135 عن: الترمذي، وحسّنه، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والنسائي وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والحاكم وصححه، والبيهقي في الدلائل، وتفسير ابن كثير ج2 ص592.
([511]) تفسير ابن كثير ج2 ص592.
([512]) الدر المنثور ج4 ص135 عن ابن جرير، ومصنف ابن أبي شيبة، وراجع: البحار ج20 ص21 عن مجمع البيان.
([513]) الآية 45 من سورة المائدة.
([514]) السيرة الحلبية ج2 ص244.
([515]) راجع: النص والإجتهاد ص230 ـ 234، والغدير ج6 ص159 ـ 167، ودلائل الصدق ج3 قسم 1 ص134 و 136 عن عشرات المصادر الموثوقة، = = والإستيعاب (بهامش الاصابة) ترجمة جعفر ج1 ص211، ومنحة المعبود ج1 ص159، وكشف الأستـار ج1 ص381 و 383 و 382، والاصــابة ج2 ص464، والمجروحون ج2 ص92، والسيرة الحلبية ج2 ص89 وراجع ص251، ووفاء الوفاء ج3 ص894 و 895 وراجع ص932 و 933، وحياة الصحابة ج1 ص571، وطبقات ابن سعد ج3 ص396 وج2 ص313.
([516]) راجع المصادر المتقدمة والغدير وغيره عن عشرات المصادر الموثوقة، وكذا منحة المعبود ج1 ص158، وفي ذكر أخبار أصبهان ج1 ص61 عن أبي موسى، والطبقات لابن سعد ج3 ص209 و 346 و 362. وراجع: تأويل مختلف الحديث ص245 .
([517]) التراتيب الإدارية ج2 ص375، والاصابة ج1 ص415، وصفة الصفوة ج1 ص655، وأسد الغابة ج2 ص96، وحياة الصحابة ج1 ص465 عن الاصابة، والمصنف ج3 ص559، وفي هامشه عن البخاري وابن سعد وابن أبي شيبة، وتاريخ الخميس ج2 ص247، وفتح الباري ج7 ص79، والفائق ج4 ص19، وربيع الأبرار ج3 ص330، وراجع: تاريخ الخلفاء ص88، وراجع: لسان العرب ج8 ص363.
([518]) منحة المعبود ج1 ص159.
([519]) راجع: طبقات ابن سعد ج3 ط صادر ص81، وفي الثاني ربيع الأبرار ج2 ص586.
([520]) طبقات ابن سعد ج3 ص362، ومنحة المعبود ج1 ص159.
([521]) الغدير ج1 ص164 و 54 و 155، عن الإستيعاب ترجمة النعمان بن مقرن والرياض النضرة المجلد الثاني جزء 2ص 328 و 329 حول بكاء عمر على ابن ذلك الأعرابي حتى بل لحيته.
([522]) راجع الغدير عن المصادر التالية: مسند أحمد ج1 ص237 و 235 وج2 ص333 و 408، ومستدرك الحاكم ج3 ص190 و 381، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، ومجمع الزوائد ج3 ص17، والإستيعاب ترجمة عثمان بن مظعون، ومسند الطيالسي ص351.
وراجع: سنن البيهقي ج4 ص70، وعمدة القاري ج4 ص87 عن النسائي، وابن ماجة، وسنن ابن ماجة ج1 ص481، وكنز العمال ج1 ص117، وأنساب الاشراف ج1 ص157، وطبقات ابن سعد ج3 ص399 و 429، ومنحة المعبود ج1 ص159.
([523]) الآية 164 من سورة الأنعام.
([524]) راجع صحيح البخاري (ط سنة 1039) ج1 ص146، ومستدرك الحاكم ج3 ص381، وإختلاف الحديث للشافعي هامش الأم ج7 ص266، وجامع بيان العلم ج2 ص105، ومنحة المعبود ج1 ص158، وطبقات ابن سعد ج3 ص346، ومختصر المزني هامش الأم ج1 ص187، والغدير ج6 ص163 عمن تقدم، وعن صحيح مسلم ج1 ص342 و 344 و 343، ومسند أحمد ج1 ص41، وسنن النسائي ج4 ص17 و 18، وسنن البيهقي ج4 ص73 و 72، وسنن أبي داود ج2 ص59، وموطأ مالك ج1 ص96.
([525]) صحيح البخاري ج1 ص147.
([526]) راجع الغدير، ودلائل الصدق، والنص والإجتهاد، وغير ذلك.
([527]) الأراك: نوع شجر.
([528]) النص والإجتهاد ص234.
([529]) حزقيال. الإصحاح 24 الفقرة 16 ـ 18.
([530]) راجع: المواهب اللدنية ج1 ص97، والسيرة الحلبية ج2 ص246، والسيرة النبوية لدحلان، بهامش الحلبية ج2 ص53، والاصابة ج1 ص354، وأسد الغابة ج2 ص48، والدر المنثور ج4 ص135، ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص288 ط دار الكتب العلمية، ومجمع الزوائد ج6 ص119، ومستدرك الحاكم ج3 ص197.
([531]) راجع: البحار ج22 ص327 و 349، وسفينة البحار ج1 ص646، وقاموس الرجال ج4 ص415.
([532]) مستدرك الحاكم ج3 ص598، وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص200 و 204، وذكر أخبار أصبهان ج1 ص54 ، والإختصاص ص341، وبصائر الدرجات ص17، والبحار ج22 ص326 و 330 و 331 و 348 و 349 و 374، وسفينة البحار ج1 ص646 و 647، والطبقات لابن سعد ج1 ص59، وأسد الغابة ج2 ص331، والسيرة الحلبية ج2 ص313، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص102، وتاريخ الخميس ج1 ص482، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص51، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص568، والمغازي للواقدي ج2 ص446، والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص235، وقاموس الرجال ج4 ص415 و 424، ونفس الرحمن ص34 و 35 و 29 و 43 عن مجمع البيان، والدرجات الرفيعة ص218.
([533]) الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص87، والكنى والألقاب ج1 ص86، وقاموس الرجال ج10 ترجمة أبي سفيان وج5 ص116 و 117، والغدير ج8 ص278 عن الإستيعاب، وتاريخ الأمم والملوك (ط دار المعارف) ج10 ص58، ومروج الذهب ج2 ص343.
([534]) النزاع والتخاصم للمقريزي ص18.
([535]) راجع الغدير، ولا سيما ج8 ص278 و 279 وج10 ص79 ـ 84 لمعرفة رأي علي في معاوية، وفي أبيه، وقاموس الرجال ترجمة أبي سفيان، والإستيعاب وغير ذلك.
([536]) التهذيب ج6 ص311، والوسائل ج17 ص432.
([537]) الآية 75 من سورة الأنفال.
([538]) الوسائل ج17 ص434.
([539]) التراتيب الإدارية ج2 ص149 وغير ذلك.
([540]) تاريخ الخميس ج1 ص442، وليراجع أيضاً: السيرة الحلبية ج2 ص248 و 249.
([541]) سيرة مغلطاي ص50 و 51.
([542]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([543]) تاريخ الخميس ج1 ص442، والسيرة الحلبية ج2 ص248، وتقدم ذلك عن مغلطاي أيضاً.
([544]) السيرة الحلبية ج2 ص248، ومغازي الواقدي ج1 ص309، وشرح النهج ج15 ص37.
([545]) راجع: الدر المنثور للعاملي ج1 ص135 عن من لا يحضره الفقيه.
([546]) تاريخ الخميس ج1 ص442 عن الإكتفاء، وابن اسحاق، وأحمد، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، والدارمي، والكامل لابن الاثير ج2 ص162 و 163، وفي شرح النهج ج4 ص262 رواية ناقشها المعتزلي بما لا مجال له.
([547]) تاريخ الخميس ج1 ص442 عن أحمد، والترمذي، وأبي داود، والنسائي، وشرح النهج ج15 ص38، ومغازي الواقدي ج1 ص310، والثقات ج1 ص33، ومجمع الزوائد ج6، والمصنف ج3 ص541 وج5 ص272.
([548]) حياة الصحابة ج2 ص54، والترغيب والترهيب ج2 ص352، وراجع: المصنف ج5 ص165 ففيه ما يشير إلى ذلك.
([549]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص165.
([550]) الآية 28 من سورة فاطر.
([551]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص38، ومغازي الواقدي ج1 ص310، والمصنف ج3 ص541، وليراجع ص575 وج5 ص273.
([552]) الآيتان 7 و 8 من سورة الزلزلة.
([553]) راجع الجزء الثاني من كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([554]) مغازي الواقدي ج1 ص300، والسيرة الحلبية ج2 ص255، وتاريخ الخميس ج1 ص446.
([555]) راجع: سيرة مغلطاي ص49 و 50، وتاريخ الخميس ج1 ص446، والسيرة الحلبية ج2 ص255، وغير ذلك كثير وليراجع شرح النهج ج15 ص51 و 52.
([556]) مغازي الواقدي ج1 ص144.
([557]) تاريخ الخميس ج1 ص146 عن المشكاة..
([558]) راجع: الجزء الثامن من هذا الكتاب، الباب الرابع: سرية بئر معونة.
([559]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص69 و 116.
([560]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص313 و 314، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص40.
([561]) المستدرك للحاكم ج3 ص28.
([562]) راجع: شفاء السقام للسبكي، والغدير ج5 من ص166 حتى ص208، ومستدرك الحاكم ج3 ص28، ووفاء الوفاء ج3 ص83 فما بعدها و 931 ـ 933، وتأويل مختلف الحديث ص197، وغير ذلك.
([563]) مجمع البيان ج2 ص500، والبحار ج20 ص22 عنه.
([564]) سيرة مغلطاي ص50، وتاريخ الخميس ج1 ص447، والسيرة الحلبية، وغير ذلك.
([565]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص54.
([566]) السيرة الحلبية ج2 ص226 و 255، والإصابة ج1 ص354.
([567]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص54.
([568]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص250 و 251 وفي ج15 ص54: أن في بعض كتب المدائني أن علياً "عليه السلام" قتل بني سفيان بن عوف، وروى له شعراً في ذلك، فراجع.
([569]) شرح التجريد للقوشجي ص486.
([570]) الإرشاد ص54، والبحار ج20 ص88 و 89 عنه.
([571]) الإرشاد للمفيد ص54، والبحار ج20 ص90 عنه، وهامش ص50 عن الإمتاع.
([572]) راجع: البحار ج26 ص54 و 55، وراجع الطبعة الحجرية من البحار ج8 ص151.
([573]) راجع: المناقب لابن شهراشوب ج2 ص203 وفي ط أخرى ج1 ص381، والبحار ج43 ص156.
([574]) السيرة الحلبية ج2 ص255 و 256، والطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص27.
([575]) الطبقات الكبرى للشعراني ج1 ص27، والإصابة ج1 ص115، والسيرة الحلبية ج2 ص256، وراجع القصة في الزهد والرقائق قسم ما رواه نعيم بن حماد ص60.
([576]) الإصابة ج1 ص115 عن مسلم، ولسان الميزان ج1 ص472 و 474 و 475، والسيرة الحلبية ج2 ص256 بعدة ألفاظ، ومختصر تاريخ دمشق ج3 ص162 و 163، وراجع: تيسير الوصول ج2 ص167.
([577]) الإصابة ج1 ص116، ولسان الميزان ج1 ص475 وراجع ص474، وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص175، وراجع ص162.
([578]) الاصابة ج1 ص115، وراجع تهذيب تاريخ دمشق ج3 ص162، وراجع ص165 و 166 و 172، ولسان الميزان ج1 ص475.
([579]) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج3 ص162 عن ابن سعد، وراجع ص173 و 174.
([580]) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج3 ص171، ولسان الميزان ج1 ص474 و 475.
([581]) مغازي الواقدي ج1 ص288، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص16.
([582]) وفاء الوفاء ج1 ص295، وتاريخ الخميس ج1 ص445.
([583]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص254، ومغازي الواقدي ج1 ص315 و 316، وتاريخ الخميس ج1 ص444.
([584]) السيرة الحلبية ج2 ص243 و 251 و 252 و 254، وتاريخ الخميس ج1 ص444، وتاريخ الطبري ج2 ص210، والكامل لابن الاثير ج2 ص163، والبحار ج20 ص98، واعلام الورى ص85، ومجمع الزوائد ج6 ص115، وحياة الصحابة ج2 ص356 عنه، والبداية والنهاية ج4 ص47.
([585]) تاريخ الخميس ج1 ص444 عن ابن اسحاق، والسيرة الحلبية ج2 ص255، وراجع: الثقات لابن حبان ج1 ص235، ووفاء الوفاء ج1 ص293 عن الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، ومستدرك الحاكم ج3 ص24، وتلخيصه للذهبي بهامشه، وصححاه على شرط البخاري، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص35.
([586]) السيرة الحلبية ج2 ص255.
([587]) السيرة الحلبية ج2 ص255.
([588]) الإرشاد للشيخ المفيد ص54، والبحار ج20 ص88 عنه.
([589]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص254، ومغازي الواقدي ج1 ص317 و 318، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص43.
([590]) الآية 140 من سورة آل عمران.
([591]) الآية 141 من سورة آل عمران.
([592]) الآية 154 من سورة آل عمران.
([593]) حياة الصحابة ج1 ص41، وطبقات ابن سعد ج4 ص137.
([594]) حياة الصحابة ج1 ص154، ومجمع الزوائد ج6 ص166 عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
([595]) المصنف لعبد الرزاق ج9 ص469، وحياة الصحابة ج1 ص484 عن البخاري، ومسلم، وأحمد، والبيهقي، والبداية والنهاية ج4 ص370، وتفسير ابن كثير ج4 ص372 عن ابن أبي حاتم، وفي فتح الباري ج8 ص458: هو مرسل جيد، وصحيح البخاري (ط سنة 1309) ج3 ص132.
([596]) حياة الصحابة ج2 ص601، والبداية والنهاية ج4 ص362 عن الصحيحين، ومناقب الخوارزمي ص182.
([597]) مجمع الزوائد ج8 ص303 عن أحمد، وأبي يعلى والبزار، وحياة الصحابة ج2 ص463 و 464.
وراجع أيضاً: والبداية والنهاية ج4 ص284 عن أحمد، والبخاري، والترمذي، وبقية الجماعة ما عدا ابن ماجة، ومناقب الخوارزمي الحنفي ص74.
([598]) المصنف لعبد الرزاق ج10 ص155، ومجمع الزوائد ج6 ص226 عن أبي يعلى. وقد روي هذا الحديث من وجوه كما في مجمع الزوائد.
([599]) الرياض النضرة المجلد الأول ج2 ص353.
([600]) المعجم الصغير ج2 ص64.
([601]) الإصابة ج2 ص93، والإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج2 ص109 و 110، وتفصيل القضية فيه.
([602]) الإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج2 ص110، وراجع سير أعلام النبلاء ج1 ص194.
([603]) نسب قريش لمصعب ص319 و 320.
([604]) البداية والنهاية ج4 ص158.
([605]) راجع القضية في الاصابة ج1 ص484 و 485، وقال: إن لقصة ذي الثدية طرقاً كثيرة صحيحة.
([606]) مجمع البيان ج2 ص539، والبحار ج20 ص39.
([607]) الآية 139 من سورة آل عمران.
([608]) راجع: مجمع البيان ج2 ص509، والبحار ج20 ص22.
([609]) البدء والتاريخ ج4 ص205.
([610]) مجمع البيان ج2 ص539.
([611]) البداية والنهاية ج4 ص50 و 51، والسيرة الحلبية ج2 ص257، والدر المنثور ج2 ص102 عن سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وأحمد، والبخاري، ومسلم، وابن ماجة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي في الدلائل.
([612]) تفسير القمي ج1 ص125، والبحار ج20 ص64 عنه.
([613]) الآية 172 من سورة آل عمران.
([614]) حَرِب: اشتد غضبه.
([615]) البحار ج20 ص99، وإعلام الورى ص86.
([616]) طبقات الشعراء لابن سلام ص64 و 65.
([617]) شرح النهج للمعتزلي ج15 ص46.
([618]) مغازي الواقدي ج1 ص333، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص46 و 47 عن البلاذري، والسيرة الحلبية ج2 ص261، وليراجع الكامل لابن الاثير ج2 ص165 ط صادر، وقاموس الرجال ج10 ص407 و 408، والبحار ج20 ص145، عن الكامل والمعتزلي، وأشار إلى ذلك ابن هشام، وتاريخ الخميس، والسيرة النبوية لابن كثير، والبداية والنهاية ج4 ص51 وغير ذلك.
([619]) الكافي ج3 ص251 و 253.
([620]) البحار ج36 ص54 و 55 وج43 ص156، والمناقب لابن شهرآشوب ج2 ص203، وفي (ط أخرى) ج1 ص381، والعوالم ص250.
([621]) كما بيناه في كتابنا: "بنات النبي "صلى الله عليه وآله" أم ربائبه"، ثم في كتابنا الآخر: "القول الصائب في إثبات الربائب".
([622]) راجع: الكافي ج3 ص251 ـ 253، وقاموس الرجال ج10 ص408 و 409 عنه. وراجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الاصابة) ج4 ص301، والإصابة ج4 ص304.
([623]) راجع: قاموس الرجال ج10 ص407 ـ 408، ومغازي الواقدي ج1 ص333، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص46 و 47 عن البلاذري، وليراجع: الكامل لابن الأثير (ط دار صادر) ج2 ص165، وبقية المصادر تقدمت قبل حوالي خمس صفحات.
([624]) أنساب الاشراف ج5 ص164، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص47 و 239 و 199 عن الجاحظ.
([625]) رجال المامقاني ج3 ص74، وقاموس الرجال ج6 ص406 و 407 وقال: (أقول: أما الدعاء، فذكره الشيخان في المقنعة، والتهذيب، عقيب تسبيح شهر رمضان، ونسبه الأول إلى مجيء الآثار به، لكن ليس في نسخته الفقرة، نعم هي في الثاني).
([626]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج11 ص300، وهامش ص301 عن سعيد بن منصور.
([627]) رجال المامقاني ج3 ص73 و 74، وقاموس الرجال ج10 ص406 و 407 عن قرب الإسناد والخصال.
([628]) تاريخ الخميس ج1 ص464، والبداية والنهاية ج4 ص91، والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص176، وراجع: الكامل لابن الاثير ج2 ص176، وراجع: بهجة المحافل ج1 ص230.
([629]) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص67، 68، ومشكل الآثار ج2 ص421، والسنن الكـبرى للبيهقي ج6 ص211، وفتوح البلـدان للبـلاذري ص583 = = والتراتيب الإدارية ج1 ص203 و 204، عن البخاري، وعن الطحاوي في مختصره ومسند أحمد ج5 ص186.
([630]) طبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص115، ومنتخب كنز العمال ـ بهامش مسند أحمد ج5 ص185، وحياة الصحابة ج3 ص216 عن أبي يعلى، وابن عساكر، وسنن أبي داود ج3 ص318 ومستدرك الحاكم ج1 ص75 وتلخيصه للذهبي بهامشه، وصحيح البخاري ج4 ص156 وليس فيه ذكر لمدة تعلمه.
([631]) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص68.
([632]) طبقات ابن سعد ج2 ص115، وكنز العمال ج16 ص9 عن ابن عساكر، وابن أبي داود في المصاحف، وتذكرة الحفاظ ج1 ص31، وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص446 عن أحمد، وأبي يعلى، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص185 وحياة الصحابة ج3 ص216، والتراتيب الإدارية ج1 ص120 و 204 وراجع: مستدرك الحاكم ج3 ص422 وتهذيب الكمال ج10 ص28.
([633]) راجع: كنز العمال ج16 ص9 عن ابن عساكر وابن أبي داود، وغيرهما وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص446 و 447 عن أحمد، وأبي يعلى، ومسند أحمد ج5 ص182، والاصابة ج1 ص561، ومشكل الآثار ج2 ص421، ومستدرك الحاكم ج3 ص422، وتلخيصه للذهبي ـ بهامشه، والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص211، ومنتخب كنز العمال ـ بهامش مسند أحمد ج5 ص185، وحياة الصحابة ج3 ص350، والإستيعاب ـ بهامش الاصابة ج1 ص552، والتراتيب الإدارية ج1 ص203 و 204 عن بعض من تقدم، عن ابن أبي داود في المصاحف، والأحكام الصغرى لأبي بكر ابن شيبة وسير أعلام النبلاء ج2 ص429 وبهجة المجالس ج1 ص356.
([634]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص464، 465، وقال: كذا رواه ابن أبي الزناد، وأحمد، ويونس، عن أبي داود وداود بن عمرو الضبي، وسعيد بن سليمان الواسطي، وسليمان بن داود الهاشمي، وعبد الله بن وهب، وعلي بن حجر، وحديثه عند الترمذي كذا ذكره السخاوي في الأصل الأصيل. وكنز العمال ج16 ص8 عن ابن عساكر، وغيره، ومسند أحمد ج5 ص186 والإصابة ج1 ص561 عن البخاري والبغوي وأبي يعلى، والتراتيب الإدارية ج1 ص203، 204، عن = = البخاري. وتذكرة الحفاظ ج1 ص31 وسير أعلام النبلاء ج2 ص428، و 429 وتهذيب الكمال ج10 ص28 وراجع الثقات ج1 ص246.
([635]) كنز العمال ج16 ص9،8 عن ابن عساكر، وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص176، والتراتيب الإدارية ج1 ص204 عن ابن عساكر. وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص446 عن ابن سعد والبداية والنهاية ج4 ص91.
([636]) التراتيب الإدارية ج1 ص203 وراجع: سير أعلام النبلاء ج2 ص429 وبهجة المجالس ج1 ص356.
([637]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449، ومستدرك الحاكم ج3 ص421، وتلخيصه للذهبي بهامش ص422 منه، وفتوح البلدان للبلاذري ص583.
([638]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص160.
([639]) أسد الغابة ج2 ص222، وعنه في قاموس الرجال ج4 ص239، وتنقيح المقال ج1 ص462، ومكاتيب الرسول ج1 ص21 عنه أيضاً.
([640]) تذكرة الحفاظ ج1 ص30 وسير أعلام النبلاء ج2 ص427، 428.
([641]) راجع: مكاتيب الرسول ج1 ص109.
([642]) تهذيب الأسماء ج1 ص29، والرصف ج1 ص148.
([643]) بهجة المجالس ج1 ص356.
([644]) راجع: التنبييه والإشراف ص246، والوزراء والكتاب ص12، والعقد الفريد ج4 ص161، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص134، والتراتيب الإدارية ج1 ص202.
([645]) راجع فيما تقدم: مجموعة الوثائق السياسية، ومكاتيب الرسول.
([646]) راجع مكاتيب الرسول ج1 ص31.
([647]) راجع ذكر أخبار إصبهان ج1 ص48، وتاريخ بغداد ج1 ص164، والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 قسم 1 ص61، وحلية الأولياء ج1 ص187، وقاموس الرجال ج4 ص424 و 233 عن الجزري.
([648]) طبقات ابن سعد ج4 قسم 2 ص11.
([649]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص120.
([650]) التنبيه والإشراف ص245، والوزراء والكتاب ص12 ـ 13، والعقد الفريد ج4 ص161، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص126 و 309 و 131.
([651]) ولكننا لم نعثر حتى على رسالة واحدة، أو على أي شيء ذكر فيه اسم حنظلة هذا على أنه قد كتبه، وهذا أمر يثير العجب حقاً!! فلعل خصوم أهل البيت "عليهم السلام" قد منحوه هذا الوسام لأنه اعتزل علياً "عليه السلام" ولم يشترك في حروبه.
([652]) راجع: التنبييه والإشراف ص246، والتراتيب الإدارية ج1 ص202 عن: (العمدة) للتلمساني، وعن ابن هشام في (البهجة) وعن كتاب: (التعريف برجال مختصر ابن الحاجب) لابن عبد السلام، وعن الإعلام بسيرة النبي "صلى الله عليه وآله"، والمفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص133.
([653]) العقد الفريد ج4 ص161، والتراتيب الإدارية ج1 ص202.
([654]) الأمالي للصدوق ص356 والبحار ج78 ص234 وج6 ص26.
([655]) راجع التراتيب الإدارية ج1 ص208 و 209، ولعل أحسن من تكلم في هذا الموضوع: العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي "رحمه الله" في كتابه: مكاتيب الرسول ج1 ص15 و 16 فليراجع.
([656]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص120.
([657]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص133 و 292.
([658]) مكاتيب الرسول ج1 ص16 و 17.
([659]) راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص272 و 273 وسنن البيهقي ج6 ص210، وطبقات ابن سعد ج2 ص115، ومجمع الزوائد ج1 ص135، والغدير ج6 ص191 و 192، وراجع ج5 ص361 وج8 ص64 ففيهما مصادر أخرى.
([660]) تهذيب الأسماء ج1 ص201 وراجع المصادر المتقدمة، وترجمة زيد بن ثابت في مختلف المصادر.
([661]) الزهد والرقائق ص382.
([662]) التهذيب للشيخ الطوسي ج6 ص218، والكافي ج7 ص407، والوسائل ج18 ص11، وقاموس الرجال ج4 ص239، وتنقيح المقال ج1 ص461 وبحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص118.
([663]) رجال النجاشي ص178 وقاموس الرجال ج4 ص240.
([664]) الإيضاح ص315 فما بعدها.
([665]) أنساب الأشراف ج2 ص105، وفي هامشه عن: الفضائل لأحمد بن حنبل حديث رقم 11 من فضائل علي، وعن أخبار القضاة ج1 ص89 بثلاثة طرق.
([666]) المكاتبة: الأمة التي يشارطها مولاها ويكاتبها على أن تؤدي له مقداراً معيناً من المال، وتنال الحرية عن هذا الطريق.
([667]) راجع قاموس الرجال ج4 ص240 عن إرشاد المفيد.
([668]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص552، والخبر في مستدرك الحاكم ج3 ص421، ومغازي الواقدي ج3 ص1003، والإصابة ج1 ص561، وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449، وتهذيب الأسماء ج1 ص201، وأسد الغابة ج2 ص222.
([669]) راجع: كتابنا حقائق هامة حول القرآن فصل: ماذا عن جمع القرآن في عهد الخلفاء؟
([670]) الإصابة ج1 ص19.
([671]) الإتقان ج1 ص50 عن البغوي في شرح السنة وراجع تاريخ القرآن للزنجاني ص39 و 40.
([672]) المعارف ص260 وعنه في المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج8 ص134، وراجع: البرهان للزركشي ج1 ص237.
([673]) الإستيعاب بهامش الاصابة ج1 ص552.
([674]) الإستيعاب بهامش الاصابة ج1 ص552.
([675]) راجع: طبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص104 وص 4، وكنز العمال ج2 ص224 و 225 عن ابن عساكر، وكشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص251 ومجمع الزوائد ج9 ص288 عن أحمد، والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، وفتح الباري ج9 ص40 و 41 والإستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص322، ومشكل الآثار ج1 ص115 وج4 ص196.
([676]) راجع الكامل لابن الأثير ج3 ص430 وتاريخ الأمم والملوك طبع الإستقامة ج4 ص144.
([677]) راجع: سير أعلام النبلاء ج2 ص433 ومسند أحمد ج5 ص186 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص449 والتمهيد في علوم القرآن ج1 ص244 عنه.
([678]) راجع: تاريخ الأمم والملوك (طبع دار المعارف) ج4 ص430 و 431 والكامل في التاريخ ج3 ص191.
([679]) أنساب الاشراف ج1 ص585. (قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله").
([680]) أسد الغابة ج2 ص222 والإستيعاب بهامش الاصابة ج1 ص554 وقاموس الرجال ج4 ص239 وتنقيح المقال ج1 ص462 وراجع الكامل لابن الأثير ج3 ص191.
([681]) دعائم الإسلام ج1 ص391 ـ 392.
([682]) سفينة البحار ج1 ص575.
([683]) الإستيعاب بهامش الاصابة ج1 ص554.
([684]) الكامل لابن الأثير ج3 ص151 وراجع: ص161، وأنساب الأشراف ج5: ص60، والغدير ج9 ص159 و 160 عن المصادر التالية: تاريخ الطبري ج5 ص97 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ص391 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص168.
([685]) الكامل لابن الأثير ج3 ص187.
([686]) راجع: الكامل لابن الأثير ج3 ص191، وأسد الغابة ج2 ص222، وأنساب الاشراف ج5 ص58 و 88 والإستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص553 و 554 والتراتيب الإدارية ج1 ص120، وتهذيب الأسماء ج1 ص201 وتاريخ الأمم والملوك (طبع دار المعارف) ج4 ص430.
([687]) راجع: المصادر المتقدمة باستثناء الأول منها. والبداية والنهاية ج7 ص347 وشذرات الذهب ج1 ص54، وأسد الغابة ج2 ص222.
([688]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص451.
([689]) أنساب الأشراف ج5 ص90 و 78، وراجع: الكامل لابن الأثير ج3 ص191، وتاريخ الأمم والملوك (طبع دار المعارف) ج4 ص430.
([690]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص451 وراجع ص550 وراجع: الإصابة ج1 ص562، وسير أعلام النبلاء ج2 ص434، وأخبار القضاة ج1 ص108.
([691]) راجع في ذلك عدا عما تقدم وسيأتي: تذكرة الحفاظ ج1 ص31 والإصابة ج1 ص562، والإستيعاب بهامشها ج1 ص553 و 552 والبداية والنهاية ج7 ص347، وشذرات الذهب ج1 ص54، وسير أعلام النبلاء ج2 ص427 و 43 وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص450، وتهذيب الأسماء ج1 ص201، وأسد الغابة ج2 ص222.
([692]) أنساب الاشراف ج5 ص38 و 52، والغدير ج8 ص292 و 286.
([693]) الغدير ج8 ص284 عن مروج الذهب ج1 ص434.
([694]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص448، وأشار إلى كتابته في المعارف ص260.
([695]) طبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص115 و 116، وتهذيب تاريخ دمشق ج5 ص451، وتذكرة الحفاظ ج1 ص32، وسير أعلام النبلاء ج2 ص435.
([696]) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص450، وطبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص116 و 117، وكنز العمال ج16 ص7، وحياة الصحابة ج3 ص218 وراجع: سير أعلام النبلاء ج2 ص434.
([697]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص450، وطبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص115، وراجع: تذكرة الحفاظ ج1 ص32، وكنز العمال ج16 ص6 وسير أعلام النبلاء ج2 ص434.
([698]) المعارف ص355.
([699]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص452.
([700]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص452، وطبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص116 وسير أعلام النبلاء ج2 ص438 وفي هامشه عن الطبراني.
([701]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص452.
([702]) تهذيب تاريخ دمشق ج5 ص451، وطبقات ابن سعد ج2 قسم 2 ص116