الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج6
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات

بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثالث:
الغنائم والأسرى
قسمة الغنائم:
وغنم المسلمون من المشركين مئة وخمسين من الإبل، وعشرة أفراس، و عند ابن الأثير: ثلاثين فرساً، ومتاعاً، وسلاحاً، وأنطاعاً، وأدماً كثيراً([1]).
واختلف المسلمون في هذه الغنائم: هل تختص بالمهاجرين، أو تتعداهم إلى من كان خلفهم من الجيش يقوم بمهمات أخرى. فأرجأ النبي "صلى الله عليه وآله" تقسيم الغنائم بسبب هذا الخلاف، وجمع الغنائم، وسلمها لعبد الله بن كعب، وأمرهم بمعاونته في حملها وحفظها، ونزل قوله تعالى ـ كما يقال ـ :
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}([2]).
ولم يقسم رسول الله "صلى الله عليه وآله" الغنائم إلا وهو في طريقه إلى المدينة، وذلك من أجل أن تخف حدة الخلاف فيما بين أصحابه، وتعود إليهم حالتهم الطبيعية، بعيداً عن نزوات آمالهم الدنيوية.
فقسمها بينهم آنئذٍ، ولم يخرج منها الخمس.
النبي ' لم يأخذ الخمس في بدر:
وأما لماذا لم يأخذ النبي "صلى الله عليه وآله" الخمس من غنائم بدر؟
فلعله لأنه أراد ـ بإذن من الله، وسماحة من نفسه، ومن أولي القربى ـ : أن يعطي المحاربين سهاماً أوفر، تأليفاً لهم وترغيباً، خصوصاً وأنها أول حرب يخوضونها ضد المشركين، ولا سيما بعد أن رأى حرصهم على الحصول على المال في هذه المناسبة بالذات، كما أشرنا إليه، وسيأتي توضيح ذلك أكثر حين الحديث عن الأسرى.
ونظير ذلك ما ورد من أن الحسنين "عليهما السلام" قد طالبا أباهما أيام خلافته بالخمس، فقال لهما "عليه السلام": هو لكم حق، ولكنني محارب معاوية، فإن شئتم تركتم حقكم منه([3]).
كما أن من الممكن أن يكون عدم أخذه للخمس لأجل أن آية الخمس لم تكن قد نزلت بعد، مما يعني: أن تشريع الخمس قد تأخر عن غزوة بدر، حتى إننا نجد من يقول: إن أول خمس خمسه كان في غزوة بني قينقاع([4]).
ولكننا لا نطمئن إلى صحة ذلك، لأن بعض النصوص تفيد: أن أول خمس أخذه "صلى الله عليه وآله" كان في سرية عبد الله بن جحش أي قبل بدر بأشهر.
بل نجد أن ابن عساكر يذكر في حديث مناشدة علي "عليه السلام" لأصحاب الشورى قوله:
"نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي "صلى الله عليه وآله" قبل أن يؤمن أحد من قرابته غيري وغير فاطمة؟
قالوا: اللهم لا"([5]).
فهذا النص يدل على أن تشريع الخمس كان في مكة في بدء الدعوة، وحتى قبل أن يسلم أحد من أهل بيته "صلى الله عليه وآله".
ولكنْ في هذا النص إشكال، وهو أن جعفر "رحمه الله" قد أسلم في بدء الدعوة أيضاً، وحمزة قد أسلم في حدود السنة الرابعة أو الخامسة، وكذلك أبو طالب، أي قبل ولادة فاطمة صلوت الله وسلامه عليها. ويمكن أن يجاب عن ذلك:
أولاً: إن أبا طالب لم يكن ثمة بحاجة للمال، وكذلك النبي "صلى الله عليه وآله" وخديجة. وقد كانوا في الشعب ينفقون من أموال خديجة، وأبي طالب، كما تقدم.
وأما جعفر، فلم يعلم: أنه كان يستحق من الخمس، فلعله كان ملياً من المال؛ كما أنه كان يعيش في بلاد الحبشة وكذا حمزة فلعله كان ملياً أيضاً.
وثانياً: يمكن أن يكون الخمس قد شرع في بدء البعثة، وقبل أن يسلم أحد من أهل بيته "صلى الله عليه وآله"، فخمست خديجة أموالها؛ فنال علياً من ذلك ما ناله، وبعد أن ولدت فاطمة صارت تشاطر علياً في الخمس.
ولا يلزم من ذلك النص أن تكون فاطمة قد ولدت في أول البعثة، أو قبلها، كما ربما يتوهم.
النبي ' يرد الخمس على أصحابه أيضاً:
وكما أنه لم يأخذ الخمس في بدر، فإنه لم يأخذه في غيرها أيضاً. فقد ورد أنه "صلى الله عليه وآله" قد رد الخمس على أصحابه في قصة حنين، حيث: "تناول (أي النبي "صلى الله عليه وآله") من الأرض وبرة من بعير، أو شيئاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما لي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس، وهو مردود عليكم"([6]).
فهذا كان حال النبي "صلى الله عليه وآله" معهم، ولكن غير النبي "صلى الله عليه وآله" قد استأثر بالفيء ومنعه أهله، بل حرم ورثة النبي "صلى الله عليه وآله" من ميراثه، كما هو معلوم. ولسوف نتكلم حول تشريع الخمس في الأرباح والأموال، في فصل مستقل يأتي إن شاء الله، بعنوان: "بحوث ليست غريبة عن السيرة".
إكتفاء الناس في عهد علي ×:
أخرج أبو عبيد، وغيره: "أن أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" أعطى العطاء في سنة ثلاث مرات. ثم أتاه مال من أصبهان.
فقال: اغدوا إلى عطاء رابع، إني لست بخازنكم، فقسم الحبال، فأخذها قوم، وردها قوم، فأكرههم على أخذها"([7]).
وهذا يعني: أن الناس قد وصلوا في عهد أمير المؤمنين "عليه السلام" إلى درجة من الكفاية، حتى إنهم ليردون بعض العطاء.
وكيف لا يصلون إلى هذه الدرجة، وأمير المؤمنين "عليه السلام" هو الذي يقول: "أنا أهنت الدنيا"؟([8]).
وسيرته في بيت مال المسلمين أشهر من أن تحتاج إلى بيان؟!.
بينما نجد في عهد غيره: أن البعض ربما لا يجد ما يستر به نفسه، سوى رقعتين، يجمع إحداهما على فرجه، والأخرى على دبره، فكان يُدعى: ذا الرقعتين([9]).
ملاحظة هامة: الخمس، والطبقية:
وقد يطرح هنا سؤال، وهو: هل صحيح أن تشريع الخمس لآل الرسول معناه تبني مبدأ الطبقية، والالتزام به؟! بل هو قبول بمبدأ التمييز العنصري، كما يحلو للبعض أن يقول؟.
والجواب: أن المستفاد من الروايات أن الخمس ملك لله ولرسوله، وللإمام "عليه السلام"، والباقون من الأصناف المذكورة في الآية إنما هم موارد صرفه.
وفي الحقيقة، فقد اعتبر الله فقراء العترة من عائلة الإمام "عليه السلام"، فإن لم تكفهم سهامهم أتمها من عنده، وإن بقي من سهامهم شيء كان الباقي للإمام "عليه السلام"، ويصرف الإمام الخمس فيما ينوبه مما فيه حفظ كيان الدين وحفظ شؤون المسلمين.
والمال الذي يعطى لهؤلاء لا يعني سوى سد حاجتهم المادية، بعد أن حرمت عليهم الزكاة، كما كانت الزكاة لسد الحاجة المادية لغيرهم، من دون أن تعطي لذلك الغير أي إمتياز.
غير أن في إعطاء هذا الخمس لهؤلاء تكريماً للنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، وتأكيداً على قدسيته ومكانته في نفوس الناس، مع عدم الانتقاص من حق ولا من مكانة أحد، الأمر الذي يعطي للناس زخماً عقيدياً، ومن ثم سلوكياً تحتاج إليه الأمة.
ويلاحظ اهتمام القرآن في هذا الأمر في غير مورد، كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}([10]).
ثم إنه تعالى قد أمر الناس بالصلاة والتسليم على رسوله الأكرم "صلى الله عليه وآله" وليس ذلك إلا لأجل أنه تعالى يريد أن يستفيد من ذلك في خدمة الدين والإنسان والإنسانية.
أضف إلى ما تقدم: أن هذا الإعطاء ليس بلا حدود ولا قيود، بحيث يوجب أن تتكدس الأموال عند طائفة معينة، مع حاجة الآخرين إليها. فلا يعطى لكل إلا بمقدار مؤونة سنته، وما يرفع حاجته، كما في الروايات والفتاوى. كما أن أمر سهم الإمام بيد الإمام أو المجتهد، وكذا سهم السادة على بعض الفتاوى.
أما بالنسبة إلى الزكاة فليس الأمر كذلك، إذ يمكن إعطاء مبالغ ضخمة منها لمستحقها، بحيث ينتقلون من الفقر إلى الغنى دفعة واحدة.
ومن جهة ثانية، فإن الخمس ـ إلى جانب أمور أخرى ـ قد ساهم مساهمة فعالة في حفظ الدين على مدى التاريخ، فهو الذي حفظ ارتباط الناس بالمرجعية الدينية، وساهم في بعث الثقة المتبادلة فيما بينهم وبينها، وساعد الناس على التغلب على آثار إهمال، واضطهاد الحكام لهم، وسد الكثير من حاجاتهم، وساهم في إنشاء المؤسسات التي تخدم المجتمع، وترفع من مستواه روحياً، ومادياً وفكرياً، وجعل بإمكان القيادة الدينية، وكذلك القاعدة الشعبية: أن تعيش حرة في تفكيرها، وفي مواقفها، من دون ارتباط بالحاكم الجائر، أو خضوع له، ولم يعد بإمكانه أن يمارس ضدهم أي ضغط يرونه في غير صالح الدين، ولا أن يستعملهم أداة لتحقيق مآربه، والوصول إلى غاياته. فهم لا يستمدون مكانتهم واعتبارهم، ولا لقمة عيشهم منه، ولا يفرض عليهم أي ارتباط به، إلا في حدود الروابط العقيدية والدينية.
ومن هنا نعرف مدى تأثير الخمس في نجاح الثورة الإسلامية الإيرانية، بقيادة زعيمها آية الله العظمى، والقائد الديني السيد روح الله الموسوي الخميني (قده)، بالإضافة إلى العوامل الأخرى، التي ساهمت أيضاً في هذا النجاح.
ومن جهة ثالثة، فإن حفظ هذا الدين يتطلب ذلك، إذ إنه يساهم في إيجاد الشعور بالمسؤولية المباشرة عن حفظ هذا الدين والدفاع عنه لدى فئة بعينها.
ومن الطبيعي أن تكون أقرب الفئات إلى الشعور بهذه المسؤولية الكبرى هم أهل بيت النبي "صلى الله عليه وآله"؛ بدافع من الشعور الطبيعي. ويزيد هذا الشعور ويذكيه، ويجعلهم أكثر اندفاعاً إلى التضحية في سبيله جعل هذا الخمس بمثابة ضمانة لهم، ولعوائلهم، ووسيلة لتلبية حاجاتهم، التي تفرضها مسؤولياتهم تلك.
ومن هنا فإننا نجد حتى العقائد الفاسدة، والدعوات المريبة، كالوهابية التي هي من أسخف العقائد، قد استطاعت بالاستفادة من هذا النوع من العصبية أن تفرض وجودها، وتحتفظ ببقائها؛ حيث وجدت من يعتبرون أن وجودهم مرهون بوجودها، ورأوا أن العصبية لها والحفاظ عليها مما لا بد منه في بقاء ملكهم وسلطانهم.
ومن ذلك كله يتضح أن العقيدة الحقة أولى بالاستفادة من ذلك، ولكن في سبيل الخير والحق، فجاء هذا التدبير الإلهي ليحفظ لها وجودها، ويساعد على بقائها، ويخفف من الأخطار الجسام التي سوف تواجهها.
وقد رأينا: أن المذاهب التي لم يرض عنها الحكام، حينما ووجهت بأدنى مقاومة أو معارضة، كان مصيرها التلاشي والاندثار، لعدم وجود ضمانات بقاء لها. أما مذهب أهل البيت، الذي هو رسالة الله الصافية، فإن فيه الكثير من الضمانات التشريعية والعملية التي تساعد على استمراره وبقائه في وجه أعتى القوى الظالمة، والحاقدة، حتى ولو استمر الاضطهاد له ولأتباعه القرون والقرون، كما قد كان ذلك بالفعل.
وليكن ذلك هو أحد الأدلة على عظمة هذا الدين، وعلى شمولية وصفاء الإسلام الحنيف.
بعض المتخلفين، وغنائم بدر:
ألف: طلحة، وسعيد بن زيد:
ويقولون هنا: إن طلحة وسعيد بن زيد لم يحضرا بدراً، وذلك لأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أرسلهما ليتجسسا له خبر العير؛ فرجعا إلى المدينة بعد خروجه "صلى الله عليه وآله" إلى بدر، فخرجا إليها، فوجداه قد عاد منها؛ فضرب لهما النبي "صلى الله عليه وآله" بسهميهما من الغنائم([11]).
ولكن ذلك لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ إننا نجد نصاً آخر يقول: إنهما كانا في تجارة إلى الشام، فقدما بعد رجوعه "صلى الله عليه وآله" من غزوة بدر، فضرب لهما "صلى الله عليه وآله" بسهميهما بعد رجوعهما([12]).
ولكن الشق الأخير من النص لا يصح، إذ لماذا يضرب لهما بسهميهما دون سائر من تخلف؟!
وهل لمن لا يحضر غزاة حق في غنائم تلك الغزاة شرعاً؟!
وكيف رضي المسلمون إعطاء هذين الرجلين، دون غيرهما ممن تخلف عن الحرب لعذر، أو لغيره؟!.
وإذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" يتسامح مع المسلمين في الأموال؛ فإنما كان يتسامح معهم بأمواله هو، لا بأموال غيره. كما أنه كان يتسامح مع من حضر الحرب، دون من لم يحضر.
2 ـ إن السيوطي ـ تبعاً لغيره ـ لا يقر بهذه الفضيلة لهما، بل ينكرها على كل من عدا عثمان، فهو يقول: وضرب لعثمان يوم بدر، ولم يضرب لأحد غاب غيره، رواه أبو داود عن ابن عمر، قال الخطابي: هذا خاص بعثمان، لأنه كان يمرض ابنة رسول الله "صلى الله عليه وآله" ([13]).
وحتى بالنسبة لعثمان فسنرى أن ذلك أيضاً لا يصح.
3 ـ لقد جاء في حديث مناشدة علي "عليه السلام" لأصحاب الشورى وفيهم طلحة وعثمان قوله: "أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر، وسهم في الغائب؟
قالوا: لا"([14]).
ويمكن أن يكون إعطاؤه سهماً في الغائب من جهة أنه يكون في مهمة قتالية حينئذٍٍ؛ أو أنه أعطاه "صلى الله عليه وآله" من سهمه الذي كان يرده على المقاتلين. هذا بالإضافة إلى أنه لم يتخلف إلا في غزوة تبوك.
فقد نص الزمخشري في فضائل العشرة على أنه "صلى الله عليه وآله" جلس في المسجد يقسم غنائم تبوك، فدفع لكل واحد منهم سهماً ودفع لعلي كرم الله وجهه سهمين، ثم ذكر اعتراض زائدة بن الأكوع، وجواب النبي "صلى الله عليه وآله" له بأن جبرائيل كان يقاتل في تبوك، وأنه قد أمره بأن يعطي علياً "عليه السلام" سهمين([15]).
ونلاحظ هنا: أن جعفر بن أبي طالب كان له أيضاً سهم في الحاضر، وسهم في الغائب، فقد روي عن الإمام الباقر "عليه السلام" أنه قال: ضرب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه، وأجره([16]). وذلك لا ينافي ما تقدم بالنسبة لعلي "عليه السلام"، فإن الذين ناشدهم علي "عليه السلام" لم يكن فيهم غير علي له هذه الخصوصية، فلا يمنع أن يكون جعفر أيضاً ـ الذي لم يكن معهم آنئذٍ، لأنه قد استشهد في مؤتة ـ قد كانت له هذه الخصوصية أيضاً..
ب: عثمان بن عفان:
ويقولون: إن الرسول "صلى الله عليه وآله" قد أسهم لعثمان بن عفان في غنائم بدر، لأن الرسول "صلى الله عليه وآله" قد أمره بالتخلف ليُمرِّضَ زوجته رقية بنت رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فضرب له "صلى الله عليه وآله" بسهمه وأجره، وعدوه من جملة البدريين([17]).
ونحن لا نصدق ذلك لما يلي:
1 ـ ما تقدم من مناشدة علي "عليه السلام" لأصحاب الشورى، وفيهم عثمان.
2 ـ إن ثمة رواية أخرى تقول: إنه تخلف عن بدر، لأنه كان مريضاً بالجدري([18])، فأي الروايتين نصدق؟!
3 ـ لماذا يضرب له بسهمه، دون سائر من تخلف لعذر، وكيف لم يعترض المسلمون المتخلفون على هذا الأمر، ويطالبونه بحقوقهم؛ وكيف رضي المسلمون المحاربون بذلك أيضاً؟ وهل كل من تخلف على مريض يحق له أن يأخذ من الغنائم التي تحصل في الحرب التي لم يحضرها؟
4 ـ إن بعض نصوص رواية عثمان تذكر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد خلف أسامة بن زيد مع عثمان لأجل رقية. وأنه ـ يعني أسامة ـ قد كان له دور من نوع ما حينما جاء الخبر بانتصار المسلمين في بدر، مع أن أسامة لم يكن له من العمر حينئذٍ أكثر من عشر سنين!!. ولم يضرب له النبي "صلى الله عليه وآله" بسهمه كعثمان!.
5 ـ إننا نجد: أن عبد الرحمن بن عوف يعيرِّ عثمان بتخلفه عن بدر، فقد لقي الوليد بن عقبة؛ فقال له الوليد: ما لي أراك قد جفوت أمير المؤمنين عثمان؟
فقال له عبد الرحمن: أبلغه: أني لم أفر يوم عينين ـ قال عاصم: يقول: يوم أحد ـ ولم أتخلف يوم بدر. ولم أترك سنة عمر.
فخبر الوليد عثمان.
فيقولون: إنه اعتذر عن تخلفه يوم بدر بتمريضه رقية([19]).
وبمثل ذلك اعتذر ابن عمر ـ كما يقولون ـ لرجل كان يعترض على عثمان بمثل ذلك([20]).
ولكن ما ذكر من الاعتذار لا يجدي؛ إذ كيف خفي هذا العذر على صحابي كبير، كعبد الرحمن بن عوف، ثم على ذلك الرجل الطاعن على عثمان؟!.
وإذ كان قد ضرب له بسهمه وأجره؛ فهذه فضيلة كبرى، لا يمكن أن تخفى على ابن عوف الذي كان حاضراً في بدر وأحد، لا سيما وأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يوم المؤاخاة قد آخى بين عبد الرحمن وعثمان، فكيف يعيره عبد الرحمن بما هو فضيلة له، وهو الذي زف له الخلافة، وآثره بها على سيد وخير الأمة بعد نبيها علي أمير المؤمنين "عليه السلام"؟!.
أم أنهم قد افتروا عليه في ذلك، وطعنوا عليه بما كان الأجدر بهم أن يمتدحوه عليه؟!.
6 ـ وحينما أشخص عثمان ابن مسعود من الكوفة، وقدم المدينة، وعثمان يخطب على منبر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فلما رآه عثمان قال: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء، من يمشي على طعامه، يقيء، ويسلح.
فقال ابن مسعود: لست كذلك، ولكن صاحب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم بدر، ويوم بيعة الرضوان([21]) فهو يعرض بعثمان الذي تغيب عن هذين الموطنين معاً.
7 ـ وكذلك فقد دخل على سالم بن عبد الله رجل، فطعن على عثمان بمثل ما تقدم من عبد الرحمن بن عوف، ومن ذلك الرجل مع ابن عمر([22]).
فكيف خفيت هذه الفضيلة المزعومة لعثمان على هؤلاء جميعاً يا ترى؟!
8 ـ وأخيراً، فإننا نستبعد أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد خلفه على ابنته ليمرضها؛ فإن الظاهر: أن عثمان لم يكن مهتما كثيراً لحال رقية، ولا لمرضها ـ وهو الذي قارف([23]) ليلة وفاتها ـ ومنعه رسول الله "صلى الله عليه وآله" من النزول في قبرها كما سيأتي في بحث وفاة رقية إن شاء الله تعالى.
ونرجح: أنه قد تخلف عن بدر في جملة من كرهوا الخروج مع النبي "صلى الله عليه وآله". كما تقدم في أول الحديث عن بدر.
الغارات على الفضائل:
ثم إن ثمة رواية تقول:
إن أبا أمامة بن ثعلبة كان قد أجمع الخروج إلى بدر، وكانت أمه مريضة، فأمره النبي "صلى الله عليه وآله" بالمقام على أمه، وضرب له بأجره وسهمه، فرجع "صلى الله عليه وآله" من بدر، وقد توفيت، فصلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" على قبرها([24]).
فنلاحظ أنه لا فرق بين هذه الرواية، وبين ما روي بالنسبة لعثمان. فأي الروايتين قد حرفت وغيرت لصالح الرواية الأخرى، وأبدلت الشخصيات فيها لصالح الآخرين؟!
وإننا بعد أن قدمنا ما في رواية عثمان من الإشكال؛ وبعد أن كان ثمة جهاز يهتم بوضع الفضائل لشيخ بني أمية، حتى ليكتب معاوية إلى الآفاق في ذلك، فإننا نرجح أن رواية أبي أمامة هي التي أغار محترفو التحريف والتزوير عليها، ليعوضوا عثمان عما فاته من شرف حضور حرب بدر، وليذهبوا بالسمعة السيئة التي أثارها موقفه من رقية، التي ماتت من جراء ما صنعه بها. ثم قارف ليلة وفاتها، ولم يرع لها، ولا لمن رباها ولا لولي نعمتها حرمة، ولا إلاً ولا ذمة.
ولكن يبقى إشكال إعطاء النبي "صلى الله عليه وآله" سهماً من الغنائم لغير علي "عليه السلام" كما في حديث المناشدة السابق.
إلا أن يقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أعطاه من الخمس الذي كان رده "صلى الله عليه وآله" عليهم، كما قدمنا.
أو أنه "عليه السلام" قد ناشد الحاضرين ومنهم عثمان بذلك، فكلامه صحيح بالنسبة إليهم، أما غيرهم، كجعفر رحمه الله، فليس في كلامه "عليه السلام" ما يثبت ذلك أو ينفيه عنه، كما تقدم.
قتل أسيرين:
وقد أُسر من المشركين سبعون رجلاً كما تقدم، وقيل: واحد وسبعون رجلاً([25]) وتحرك "صلى الله عليه وآله" نحو المدينة، فلما بلغ الصفراء أمر أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" بأن يضرب عنق أسيرين هما: عقبة بن أبي معيط، ذو السوابق السيئة المعروفة مع المسلمين والنبي "صلى الله عليه وآله" في مكة، والنضر بن الحارث([26])، الذي يعذب المسلمين في مكة.
وقيل: بل قتل "صلى الله عليه وآله" ثلاثة أسرى: هم عقبة، والنضر، والمطعم بن عدي([27]).
فقال عقبة: يا محمد، ناشدتك بالله والرحم.
فقال له "صلى الله عليه وآله": وهل أنت إلا علج من أهل صفورية؟
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال له: وأنت من قريش؟ ما أنت إلا علج ـ أو يهودي ـ من أهل صفورية، لأنت في الميلاد أكبر من أبيك الذي تدعى له، حن قدح ليس منها، قدمه يا علي، فاضرب عنقه. فقدمه علي؛ فضرب عنقه([28]).
وفي رواية: أن عقبة قال أيضاً: يا محمد، من للصبية؟
قال: النار([29]).
وعند السهيلي: أن الذي قال: حن قدح ليس منها، هو عمر بن الخطاب([30]).
وقد كان لعقبة هذا موقف سيئ تجاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل الهجرة؛ فأوعده رسول الله "صلى الله عليه وآله" إن هو وجده خارجاً من جبال مكة، أن يضرب عنقه صبراً([31]). وهكذا كان.
ويلاحظ هنا:
ألف: نسب عقبة:
إن سر قول النبي "صلى الله عليه وآله" له: إنه علج من أهل صفورية، هو أنهم يقولون: إن أمية جد أبيه كان في صفورية، فوقع على أمة يهودية لها زوج، فولدت أبا عمرو ـ وهو ذكوان ـ على فراش اليهودي، لكن أمية استلحقه بنفسه بحكم الجاهلية.
وقيل: كان ذكوان عبداً لأمية، فتبناه؛ فلما مات أمية خلف ذكوان على زوجته.
وعند السهيلي: يقال: كان أمية قد ساعى أمة، أو بغت له أمة؛ فحملت بأبي عمرو؛ فاستلحقه بحكم الجاهلية([32]).
وقد قال الفضل بن العباس، مجيباً الوليد بن عقبة بن أبي معيط على أبيات له:
أتطلب ثـاراً لـست منه ولا لـه وأين ابن ذكوان الصفوري من عمرو؟
كـما اتصلت بنت الحمار بـأمهـا وتنسى أباهـا إذ تســامى أولي الفخر([33])
وسأل معاوية دغفلاً النسابة ـ وكان كبير السن ـ عن أمية جده، فقال: نعم، رأيته أخفش أزرق دميماً، يقوده عبده ذكوان.
فقال: ويحك، كف؛ فقد جاء غير ما ذكرت، ذاك ابنه.
فقال: أنتم تقولون ذلك([34]).
ولكن ما جاء في تفسير القمي، من قوله "صلى الله عليه وآله" له: لأنت في الميلاد أكبر من أبيك، يدل على أن عقبة كان من نطفة رجل آخر، وذلك الرجل من أهل صفورية؛ وأنه كان ينسب إلى أبي معيط زوراً وكذباً.
وقد قال الإمام الحسن "عليه السلام" للوليد بن عقبة، مثل كلمة الرسول "صلى الله عليه وآله" لأبيه عقبة؛ فراجع([35]).
ويقول الزمخشري: "إن أبا معيط نفسه كان علجاً من أهل صفورية، ومن الأردن، قدم به أبو عمرو بن أمية بن عبد شمس؛ فادعاه"([36]).
وحين أراد علي "عليه السلام" جلد الوليد في الخمر في عهد عثمان، فسبه الوليد، فقال له عقيل بن أبي طالب: "يا فاسق، ما تعلم من أنت؟ ألست علجاً من أهل صفورية؟ قرية بين عكا واللجون أعمال الأردن، كان أبوك يهودياً منها"([37]).
ب: النار للصبية:
ونجد أنه "صلى الله عليه وآله" قد حكم بالنار للصبية، الذين منهم الوليد الفاسق، الذي كان والياً لعثمان على الكوفة؛ فشرب الخمر، وزادهم في الصلاة وهو سكران!! وهو من الصحابة!!. فليتأمل إذاً في دعوى البعض عدالة كل صحابي، وقد تكلمنا عن هذا الموضوع بصورة موجزة في بعض بحوثنا([38]).
ويعتبر قول النبي "صلى الله عليه وآله" هذا عن الصبية بمثابة إخبار عن الغيب الذي أطلعه الله عليه، حيث عرفه تعالى أنه ليس في أولئك الصبية أحد يستحق الكرامة والنعمة. ولكن قد شاءت السياسة والعصبية تحكيم هؤلاء الصبية في أموال الناس وأعراضهم ودمائهم، وجعلهم الحكام، والمخططين للسياسة في الخلافة المغتصبة من أصحابها الشرعيين. ثم احتلوا مكاناً عظيماً في عقائد الناس؛ حيث فرضوا على الناس لزوم الاعتقاد بعدالة هؤلاء؛ مهما اجترحوا من السيئات وكانوا من الآثمين!!.
ج: الطعن في نسب عقبة!:
تقدم أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد قال لعقبة بن أبي معيط: إنما أنت علج من أهل صفورية، أو نحو ذلك ـ مع أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن سباباً ولا فاحشاً، ولا متفحشاً ـ ، ولعل السبب في ذلك هو من أجل أن يعلم الناس بعدم صوابية ما يدَّعيه، وعدم صحة تقريب الهيئة الحاكمة لأبنائه، وقد ولتهم جلائل الأعمال، على أساس هذه القربى المدعاة، وليجعلوا من ثم مال الله دولاً، وعباده خولاً، وليكونوا مصدراً للفتن والمؤامرات، كما كان الحال بالنسبة للوليد الفاسق، وغيره من الولاة والمقربين للهيئة الحاكمة باسم الدين والإسلام. على أن حكمها لم يكن إلا حكم القبيلة والعشيرة، وحكم الجاهلية بالتعبير الأدق والأوفى.
د: إنكار قتل النضر بن الحارث في بدر:
ويذكر ابن سلام: أن ابن جعدبة الذي كان ينكر قتل أبي عزة الجمحي صبراً: "كان ينكر قتل النضر بن الحارث في يوم بدر صبراً، فقال: أصابته جراحة؛ فارتث منها، وكان شديد المداوة، فقال: لا أطعم طعاماً، ولا أشرب شراباً ما دمت في أيديهم، فمات.
فأخبرت أبي سلاماً بقول ابن جعدبة في أبي عزة، فقال: قد قيل: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يقتل أحداً صبراً إلا عقبة بن أبي معيط يوم بدر"([39])، ولكن هذا يخالف ما هو ثابت عن المؤرخين، ولا نرى داعياً للوضع والاختلاق فيه.
ولذا فلا نرى للعدول عن النصوص التاريخية الثابتة مبرراً ولا مجالاً.
وأما بالنسبة لأبيات قتيلة أخت النضر بن الحارث التي قالتها بهذه المناسبة، والتي فيها قولها مخاطبة للنبي "صلى الله عليه وآله":
مـا كـان ضـرك لـو مننت وربــما مـن الـفـتـى وهـو المغيـظ المحنق
وأن رسول الله "صلى الله عليه وآله" رق لها لما أنشدته إياها ودمعت عيناه، وقال لأبي بكر: لو كنت سمعت شعرها ما قتلته.
أما هذا فقد قال الزبير بن بكار: سمعت بعض أهل العلم يغمز في أبيات قتيلة بنت الحارث، ويقول: إنها مصنوعة([40]).
أضف إلى ذلك: أن ما نقل عن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يعقل أن يصدر منه، فإن هذه الأبيات لم تكن لتغير من تصميمه، وهو يمتثل أمر الله، ولا يعمل إلا حسب ما يقتضيه التكليف الواجب.
ولعل المقصود هو تلطيف الجو بالنسبة للمنتسبين إلى عقبة، وإعادة شيء من الاعتبار إليهم عن هذا الطريق.
مصير الباقين من الأسرى:
قالوا: ولما رأى الأنصار ما جرى للنضر ولعقبة، خافوا أن يقتل "صلى الله عليه وآله" جميع الأسارى، فقالوا: يا رسول الله، قتلنا سبعين، وهم قومك وأسرتك أتجذ أصلهم؟ هبهم لنا يا رسول الله، وخذ منهم الفداء وأطلقهم.
وكان أبو بكر يرجح أخذ الفداء أيضاً، وقال: أهلك، وقومك، استأن بهم، واستبقهم، وخذ فدية تكون لنا قوة على الكفار.
أو قال: هؤلاء بنو العم، والعشيرة، والإخوان.
فكره النبي "صلى الله عليه وآله" أخذ الفداء حتى رأى ذلك سعد بن معاذ في وجهه، فقال: يا رسول الله، هذه أول حرب لقينا فيها المشركين، والإثخان في القتل أحب إلينا من استبقاء الرجال.
وقال عمر: يا رسول الله، كذبوك، وأخرجوك؛ فقدمهم واضرب أعناقهم، ومكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، ومكني من فلان أضرب عنقه، ومكن حمزة من العباس فيضرب عنقه، فإن هؤلاء أئمة الكفر.
ونزل في هذه المناسبة قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ، لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}([41]).
ولما رأى النبي "صلى الله عليه وآله" إصرارهم على أخذ الفداء أخبرهم: أن أخذ الفداء سوف تكون عاقبته هو أن يقتل من المسلمين بعدد الأسرى، فقبلوا ذلك وتحقق ما أوعدهم به "صلى الله عليه وآله" في واقعة أحد، كما سنرى([42]).
وتقرر الأمر على الفداء، وجعل فداء كل أسير من ألف إلى أربعة آلاف، وصارت قريش تبعث بالفداء أولاً بأول. وأعطى "صلى الله عليه وآله" كل رجل من أصحابه الأسير الذى أسر، فكان هو يفاديه بنفسه([43]).
وفي بعض النصوص: أن سهيل بن عمرو جاء بفداء أسرى بدر، فطلب منه "صلى الله عليه وآله" أن يخبره بما تريد قريش في غزوه([44]).
هذا بعض ما نطمئن إلى صحته من النصوص التاريخية هنا.
لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب:
ولكننا نجد روايات أخرى تقرر عكس ما ذكر آنفاً، وتقول: إنه "صلى الله عليه وآله" مال إلى رأي أبي بكر، بل وانزعج من مشورة عمر، فنزل القرآن بمخالفته وموافقة عمر، فلما كان من الغد، غدا عمر على رسول الله، فإذا هو وأبو بكر يبكيان؛ فسأل عن سبب ذلك، فقال الرسول "صلى الله عليه وآله": إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم، لو نزل عذاب ما أفلت منه إلا ابن الخطاب.
وعن ابن عباس، عن ابن عمر؛ أنه "صلى الله عليه وآله" قال: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، وأنزل الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ..}([45]).
ونحن لا نصدق ما ذكر آنفاً، ولدينا من الأدلة ما يكفي لإثبات بطلانها. ولعل هذه الروايات هي التي جرأت بعض الجهلة الأفاكين ممن ينتحل الإسلام، ليكتب ويقول: قد أخطأ الرسول في موقفه من أسرى بدر، ونزل الوحي مصححاً خطأه.
قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}([46]).
ومستندنا في تكذيب ذلك كله ما يلي:
أولاً: لماذا ما نجا من العذاب إلا عمر؟
وما ذنب سعد بن معاذ ليعذب؟
أليس هو من الموافقين لعمر، كما نص عليه غير واحد، بل كان هو المبتدئ بهذا الرأي على حد تعبير المعتزلي؟([47])
وما ذنب ابن رواحة؟ أليس هو من الموافقين لعمر أيضاً؟([48]).
ولا يعقل أن يكون قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}([49]).
وقوله: {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}([50]) خطاباً للنبي "صلى الله عليه وآله"؛ إذ لم يكن "صلى الله عليه وآله" طالباً لعرض الدنيا، ولا مستحقاً لذلك العذاب العظيم؛ لأن معنى ذلك هو أن الله تعالى قد أمره بأمر، وبينه له، ثم خالفه، والعياذ بالله، فإن الالتزام بهذا هو من أعظم العظائم، وجريمة من أكبر الجرائم([51]).
ومما يدل على أن الله تعالى قد أبلغ نبيه أن اللازم هو قتل الأسرى: "أن حل الفداء كان قد علم من واقعة عبد الله بن جحش، التي قتل فيها ابن الحضرمي؛ فإنه أسر فيها عثمان بن المغيرة، والحكم بن كيسان، ولم ينكره الله تعالى. وذلك قبل بدر بأزيد من عام"([52]).
ومعنى ذلك أنه قد كانت ثمة أوامر خاصة بالنسبة لأسرى بدر بينها النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه، ولكنهم قد أصروا على مخالفتها، فاستحقوا العذاب العظيم، ثم عفا الله عنهم، رحمة بهم، وتألفاً لهم.
ويدل على ذلك أيضاً: أنه قد جاء في بعض النصوص: "أن جبرائيل نزل على النبي "صلى الله عليه وآله" يوم بدر، فقال: إن الله قد كره ما صنع قومك، من أخذ الفداء من الأسارى.
وقد أمرك أن تخيرهم: بين أن يقدموهم ويضربوا أعناقهم، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم.
فذكر ذلك "صلى الله عليه وآله" لأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، عشائرنا وإخواننا([53]). بل نأخذ فداءهم، فنتقوى به على عدونا، ويستشهد منا عدتهم"([54]).
فما تقدم يدل على أن تخييرهم هذا إنما كان بعد تأكيدهم على رغبتهم في أخذ الفداء، وظهور إصرارهم عليه، فأباح لهم ذلك.
وبعد ما تقدم نقول: لقد نص البعض على أن النبي "صلى الله عليه وآله" مال إلى القتل([55]).
وذكر الواقدي أن الأسرى قالوا: لو بعثنا لأبي بكر، فإنه أوصل قريش لأرحامنا، ولا نعلم أحداً آثر عند محمد منه؛ فبعثوا إليه فجاءهم فكلموه، فوعدهم أن لا يألوهم خيراً، ثم ذهب إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فجعل يفثؤه ويلينه، وعاوده بالأمر ثلاث مرات، كل ذلك والنبي "صلى الله عليه وآله" لا يجيب([56]).
وبعد ما قدمناه فهل يصح قولهم: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد جلس يبكي على نفسه مع أبي بكر، وأنه لو نزل العذاب لم ينج منه سوى عمر بن الخطاب؟!.
ثانياً: لو سلمنا أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يميل إلى رأي أبي بكر من أول الأمر، وأنه جلس يبكي مع صاحبه ـ كما ذكروه في مصادرهم ـ فلماذا يقول لعمر: لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة. إذ كيف لا يكون هو مع من استحق العذاب، وهو الذي وافقهم، وهوي ما هويته نفوسهم؟!
وثالثاً: إن الالتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}([57]).
كما أنه لا يبقى معنى ـ والحالة هذه ـ لأمر الله تعالى للناس بإطاعة الرسول "صلى الله عليه وآله"، حيث قال: {أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ}([58]) حتى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنبهم، ثم يتهددهم. لقد كان يجب أن يتوجه التأنيب والتهديد للرسول "صلى الله عليه وآله"، والمدح والثناء لهم، لأنهم عملوا بوظيفتهم.
ورابعاً: إن مجرد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقاباً، إذ غاية ما هناك: أنهم قد اختاروا غير الأصلح. وإذاً، فلا بد أن يكون ثمة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته، وهو أنهم حين أصروا على أخذ الفداء قد أصروا على مخالفة الرسول، والتعلق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة الله للآخرة ـ كما قال تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}([59]) ـ بعد بيان النبي "صلى الله عليه وآله" لهم بصورة صريحة، إذ لا عقاب قبل البيان، ثم المخالفة.
ولكن الله تكرم وتفضل عليهم، وغفر لهم هذه المخالفة، وأباح لهم أخذ الفداء تأليفاً لهم، على ما فيه من عواقب وخيمة. وقد بلغ من حبهم لعرض الدنيا أنهم قبلوا بهذه العواقب أيضاً.
بل يمكن أن يكون إصرار بعض المهاجرين على أخذ الفداء يرجع إلى أنهم قد صعب عليهم قتل صناديد قريش، حيث كانت تربطهم بهم صداقات ومصالح ووشائج رحم، وقد استهوى موقفهم هذا جماعة من البسطاء والسذج من سائر المسلمين الحاضرين.
فهذا التعاطف مع المشركين من قبل البعض، ثم حب الحصول على المال، قد جعلهم يستحقون العذاب العظيم، الذي إنما يترتب على سوء النيات، وعلى الإصرار على مخالفة الرسول، والنفاق في المواقف والأقوال والحركات، لا سيما مع وجود رأي يطالب بقتل بني هاشم الذين أخرجهم المشركون كرهاً ونهى الرسول "صلى الله عليه وآله" عن قتلهم.
مع ملاحظة: أنه لم يشترك من قوم صاحب ذلك الرأي أحد في حرب بدر.
وأما الخطأ في الرأي مجرداً عما ذكرناه فلا يوجب عقاباً.
وثمة كلام آخر في تفسير آخر([60]) قد أضربنا عن ذكره لعدم استقامته.
وخامساً: إنه قد جاء: أنه لما كان يوم بدر تعجل الناس من المسلمين؛ فأصابوا من الغنائم، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لم تحل الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلكم، كان النبي ـ يعني من السابقين ـ إذا غنم هو وأصحابه جمعوا غنائمهم، فتنزل نار من السماء على كلها. فأنزل الله عز وجل: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ، فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً}([61]) وقد قوى الطحاوي هذه الرواية في شأن نزول الآية فراجع([62]).
الرسول ' يخطئ في الاجتهاد.
وبعد بطلان ما ذكروه ونسبوه إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، وبطلان أن تكون الآية عتاباً له "صلى الله عليه وآله"، يعلم عدم صحة استدلالهم بهذه الآية على جواز الاجتهاد والخطأ فيه على النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. وما نسبوه إلى النبي "صلى الله عليه وآله" باطل ولا يصح. هذا عدا عن الأدلة القاطعة الدالة على أن كل ما يصدر منه "صلى الله عليه وآله" حق، وموافق للحق والشرع، ووفق أوامر إلهية قاطعة.
بين رأي عمر، ورأي ابن معاذ:
لقد روى الطبري عن محمد بن إسحاق، قال: لما نزلت هذه الآية: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى}([63]).
قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": لو نزل عذاب من السماء لم ينج إلا سعد بن معاذ، لقوله: يا رسول الله، الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال([64]).
ولعل هذا هو الصحيح؛ ولكن قد حرف لصالح الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، لأهداف لا تخفى.
وإنما قلنا: إنه هو الصحيح؛ لأنه أسد الآراء، وهو الموافق لمراد النبي "صلى الله عليه وآله"، أما رأي عمر، فقد كانت تعوزه الدقة والموضوعية، كما سنرى إن شاء الله، وكذلك سائر الآراء، فإنها لم تكن صادرة عن نوايا سليمة، ولعلها أو بعضها كانت بإيحاء وطلب من المشركين أنفسهم، كما تقدم عن الواقدي.
وأما أبو بكر وغيره من الأنصار، فقد تقدم أنهم أصروا على أخذ الفداء، طمعاً بالمال، وطمعاً في أن يخففوا من حدة عداء قريش لهم. وأيضاً لأن فيهم الإخوان والأهل والعشيرة ـ على حد تعبير أبي بكر ـ ولأن هذا الأخير قد وعد الأسرى بأن يبذل جهده لصالحهم، كما تقدم عن الواقدي.
وقد حاولوا أن يقنعوا النبي "صلى الله عليه وآله" بوجهة نظرهم، ولو بالأساليب العاطفية، كقولهم له: "أهلك، وقومك، وأسرتك، أتجذ أصلهم". كما أن أبا بكر قد أقام دليلاً مصلحياً على ذلك، وهو أن يتقوى المسلمون بما يأخذونه من الفداء.
ولكن النبي "صلى الله عليه وآله" ظل يكره ذلك، ولا تقنعه أقوالهم؛ فإن رأي ابن معاذ هو الصحيح، مضافاً إلى اعتبارات أخرى، لم تكن لتخفى على النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله".
ونزلت الآية الشريفة لتصوب موقف الرسول "صلى الله عليه وآله"، ثم ترخص لهم في أخذ الفداء، بعد أن قبلوا بالعواقب الوخيمة لذلك، حتى بأن يقتل منهم بعدد من يفدى من المشركين.
قتل الأسرى هو الأصوب:
لا شك في أن الأصوب كان قتل أسرى المشركين، وذلك للأمور التالية:
1 ـ إن المأسورين كان فيهم عدد من سادات قريش، ومن هم رأس الأفعى، وقد حاربوا الرسول "صلى الله عليه وآله" والمسلمين، وأخرجوهم من ديارهم، وواجهوهم بشتى أنواع الإهانات والأذى، وهؤلاء الناس هم المستكبرون الذين لا يرتدعون ولا يرجعون إلى دين، بل يصرون على استئصال شأفة الإسلام ولا يقبلون بأي خيار منطقي يعرض عليهم.
وبعد الذي نالهم من ذل الهزيمة، وذل الأسر، قد أصبحوا أكثر حقداً على الإسلام والمسلمين. ولسوف يعاني المسلمون منهم ـ لو بقوا أحياء ـ الأمرين حسبما أشار إليه "صلى الله عليه وآله"، حيث أوعد المسلمين إن هم فادوهم: أن يقتل منهم بعددهم.
2 ـ وقد ظهر صحة ذلك، من الدور الهام الذي كان لهم بعد ذلك في وقعة أحد وغيرها، الأثر البارز في إلحاق الأذى بالمسلمين باستمرار في المراحل المختلفة. وما أحسن قول سعد بن معاذ: "إنها أول حرب لقينا فيها المشركين، والإثخان في القتل أحب إليَّ من استبقاء الرجال".
ويرى البعض: أن الله تعالى يريد بالتأكيد على قتل الأسرى: "أن يفهم المسلمين: أن النظرة إلى المال مرفوضة، مهما كانت الظروف، إلا إذا كانت في خدمة الهدف الأعظم وهو الدين".
3 ـ إن قتلهم جزاء أعمالهم إن لم يقبلوا الإسلام يكون أيضاً ضربة عسكرية وروحية موفقة لقريش، وإضعافاً لشوكة المشركين بصورة عامة، وتشريداً لمن خلفهم من اليهود ومن مشركي العرب، من غطفان، وهوازن، وثقيف، وغيرهم.
وقد اتضح للجميع أنه إذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" لا يحابي قومه على حساب دينه وعقيدته، وقد قتلهم؛ لأنهم أرادوا أن يمنعوه من أداء رسالته، ويطفئوا نور الله؛ فإنه سوف لا يحابي غيرهم، إذا أرادوا أن يطفئوا نور الله، وأن يقفوا في وجه دعوته ودينه.
وهذا سوف يؤثر في بث اليأس في قلوب اليهود، وقريش والمشركين في جزيرة العرب كافة، ولسوف يسهل على النبي "صلى الله عليه وآله": أن يقنعهم بأن من الأفضل لهم أن يتركوا محاولاتهم العدوانية جانباً؛ فإن الوقوف في وجه الدعوة سوف لا يكون حصاده إلا الدمار والفناء لهم.
4 ـ ثم إن قتلهم سوف يطمئن الأنصار إلى أن النبي "صلى الله عليه وآله" سوف لن يصالح قومه، ولن يعود إليهم ما داموا مصرين على شركهم. وبالتالي فهو لن يترك الأنصار ولن يتخلى عنهم، لأنه يعتبر ـ انطلاقاً من تعاليم دينه ـ أن رابطة الدين هي الأقوى، ولا قرابة فوق قرابة العقيدة، ولا نسب ولا رحم فوق نسب الإسلام والإيمان.
ولذلك فلا مجال لأن تساور الوساوس والمخاوف نفوس الأنصار، وهي ما عبروا عنه في بيعة العقبة، وبعد ذلك في فتح مكة، من أنه ربما يصالح قومه، أو ربما أدركته رغبة في قومه.
مع موقف عمر من الأسرى:
إننا نلاحظ:
1 ـ أن عمر بن الخطاب يطلب من النبي "صلى الله عليه وآله": أن يضرب علي "عليه السلام" عنق أخيه عقيل، ويضرب حمزة عنق أخيه العباس، ويعتبرهم أئمة الكفر.
وهو طلب غريب حقاً: كما أن سكوته عن فراعنة وزعماء قريش أغرب وأعجب!! ولا سيما وهو يسمع الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" يأمر الجيش ـ وعمر من ومع الجيش ـ بعدم قتل بني هاشم وهؤلاء بالذات، وبعض من غيرهم، لأنهم خرجوا مكرهين. هذا عدا عن أنه كان يعرف دفاعهم عن النبي "صلى الله عليه وآله" في مكة، ودخولهم معه الشعب، وتحملهم المشاق والمتاعب في سبيله.
2 ـ قد تقدم: أنه لم يشهد معركة بدر أحد من بني عدي([65]) وهم قبيلة عمر، إذاً فلسوف تكون الضربة في جلد غيره؟. وماذا يهم لو قتل الناس كلهم ما دام هذا الرجل لا يخاف على قومه وأهله.
ومن هنا نعرف: أن ما أضافه بعضهم، حين ذكره لقول عمر: ومكني من فلان، فأضاف كلمة: "قريب لعمر"، كما يظهر من مراجعة الروايات التي تذكر كلام عمر هذا.
لا يصح، إذ لم يكن أحد من أقارب عمر في بدر، إلا إذا كانت قرابة من ناحية النساء، وهي ليست بذات أهمية لديهم آنئذٍ لو كانت.
وعلى كل حال، فقد سبقنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه إلى إساءة الظن بعمر من هذه الناحية، وذلك حين فتح مكة، حتى إنه ليقول له ـ حين أكثر في شأن أبي سفيان، وأصر على قتله ـ: "لا، مهلاً يا عمر، أما والله، أن لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت: أنه من رجال بني عبد مناف"([66]).
3 ـ إن من الواضح: أن قتل الأقارب أمر مستبشع، تنفر منه النفوس، ولربما يوجب ذلك ابتعاد الناس عن الإسلام، ومنعهم حتى من التفكير في الدخول في دين يكلفهم بمباشرة قتل إخوانهم. بل وقد يدفع ضعفاء النفوس من المسلمين إلى الارتداد، إذا رأوا أنفسهم مكلفين بقتل أحبائهم وآبائهم بأيديهم، مع إمكان أن يقوم غيرهم بهذا الأمر.
النبي ' لا يقتل أسيراً هرب:
قال الواقدي: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما أقبل من بدر ومعه أسارى المشركين، كان من بينهم سهيل بن عمرو مقروناً إلى ناقة النبي "صلى الله عليه وآله"، فلما صار من المدينة على أميال اجتذب نفسه فأفلت، وهرب، فقال "صلى الله عليه وآله": من وجد سهيل بن عمرو فليقتله، وافترق القوم في طلبه، فوجده النبي "صلى الله عليه وآله" فأعاده إلى الوثاق ولم يقتله.
وقد علل الشريف الرضي رحمه الله ذلك، بأن الآمر لا يدخل تحت أمر نفسه، لأن الآمر فوق المأمور في الرتبة أو يستحيل أن يكون فوق نفسه([67]).
ونقول: إن كلام الرضي صحيح بالنسبة إلى شمول الإنشاء لنفس الآمر، ولكن يبقى: أن ملاك الأمر بقتل سهيل إذا كان موجوداً، فلماذا لم يبادر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى قتله، ولو بأن يأمر بعض أصحابه بذلك؟ إذ إن الرسول "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليقتل أحداً بيده الشريفة، حسبما ستأتي الإشارة إليه.
فلا بد من القول بأن وجدان الرسول "صلى الله عليه وآله" له دونهم، قد جعل من غير المصلحة أن يقتل ذلك الرجل.
أنين العباس في الوثاق:
وعلى كل حال، فقد كان من جملة الأسرى عباس وعقيل. وقد سهر النبي "صلى الله عليه وآله" ليلة، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبي الله؟
قال: أنين العباس.
فقام رجل من القوم؛ فأرخى من وثاقه، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": ما بالي ما أسمع أنين العباس؟
فقال رجل من القوم: إني أرخيت من وثاقه شيئاً.
فقال: "فافعل ذلك بالأسارى كلهم"([68]).
وهذه هي الرواية القريبة والمعقولة، التي تمثل عدل النبي "صلى الله عليه وآله" ودقته في مراعاة الأحكام الإلهية، وصلابته في الدين. وهي المناسبة لمقامه الأسمى، وما عرف عنه من كونه لا تأخذه في الله لومة لائم. لا تلك الروايات التي تمثل النبي "صلى الله عليه وآله" متحيزاً إلى أقاربه، وأنه هو الذي طلب منهم أن يرخوا من وثاق العباس فقط؛ فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن ليرفق بأقاربه، ويعنف بغيرهم. والرواية التي تقول هذا لم ترد على الوجه الصحيح والكامل.
إلا أن يقال: إن علم النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه قد خرج مكرهاً، فكان ذنبه أخف من ذنب غيره، يبرر أن يتصرف تجاهه بهذا النحو.
ونقول: إن الأمر وإن كان كذلك إلا أن النبي "صلى الله عليه وآله" وعدله إنما يقتضيان أن يعامل العباس كغيره من الأسرى ولا يفسح أي مجال للإيراد والإشكال. ولذلك نرى أنه لما قال له العباس إنه خرج مستكرهاً، قال له النبي"صلى الله عليه وآله" : "أما ظاهر أمرك فقد كنت علينا" كما سيأتي عن قريب.
والظاهر: أن مكان العباس كان قريباً من النبي "صلى الله عليه وآله"، فمنعه أنينه من الراحة، لا أنه كان يعطف عليه خاصة دون غيره من الأسرى.
فداء العباس وإسلامه:
وغنم المسلمون من العباس عشرين أو أربعين أوقية ذهباً ـ والأوقية أربعون مثقالاً ـ فطلب أن تحسب من فدائه. فقال "صلى الله عليه وآله": فأما بشيء خرجت تستعين به علينا؛ فلا نتركه لك.
قالوا: وذلك لأنه خرج بها ليطعم بها المشركين([69]).
وأمره "صلى الله عليه وآله" بمفاداة نفسه، وعقيلاً، ونوفل ابني أخيه؛ فأنكر أن يكون له مال.
فقال له "صلى الله عليه وآله": أعط ما خلفته عند أم الفضل، فقلت لها: إن أصابني شيء، فأنفقيه على نفسك وولدك. فسأله من أخبره بهذا، فلما عرف أنه جبرائيل قال: محلوفة([70])، ما علم بهذا أحد إلا أنا وهي، أشهد أنك رسول الله.
فرجع الأسارى كلهم مشركين، إلا العباس وعقيلاً ونوفل كرم الله وجوههم، وفيهم نزلت هذه الآية. {قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([71]).
وفي نص آخر: أنه "صلى الله عليه وآله" قال للعباس: يا عباس، إنكم خاصمتم الله فخصمكم([72]).
وفي رواية أخرى: أنه لما طلب منه الفداء ادعى: أنه كان قد أسلم، لكن القوم استكرهوه.
فقال له "صلى الله عليه وآله": الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تقول حقاً؛ فإن الله يجزيك عليه، فأما ظاهر أمرك فقد كنت علينا([73]).
وهذا يدل على أنه لا مجال لدعوى: أن العباس كان قد أسلم قبل بدر سراً، كما عن البعض([74]). إلا إذا أراد أن يستند في ذلك إلى دعوى العباس نفسه، وهي دعوى لم يقبلها منه رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ومما يدل على أنه لم يكن في بدر مسلماً عدا ما تقدم: أنه لما أسر يوم بدر أقبل المسلمون عليه، يعيرونه بكفره بالله، وقطيعة الرحم، وأغلظ له علي القول: فقال العباس: ما لكم تذكرون مساوينا، ولا تذكرون محاسننا؟
فقال له علي: ألكم محاسن؟
قال: نعم، إنا لنعمر المسجد الحرام، ونحيي الكعبة، ونسقي الحاج، ونفك العاني.
فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}([75]).
وفي رواية أخرى: أنه قال: لئن سبقتمونا بالإسلام والجهاد والهجرة، لقد كنا نعمر المسجد الحرام، ونسقي الحاج؛ فأنزل الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ} الآية([76]).
ولكن هذه الآية، والآية السابقة، في الرواية المتقدمة هما في سورة التوبة، التي نزلت في أواخر سني حياته "صلى الله عليه وآله" أي بعد بدر بعدة سنوات.
فلعل ما ذكرته الروايتان لم يكن في بدر، بل كان يوم فتح مكة، ويكون تصريح الرواية السابقة ببدر من اشتباه الرواة.
لكن يرد على ذلك: أن العباس لم يؤسر يوم الفتح، فلماذا يغلظ له علي "عليه السلام"؟
إلا أن يقال: لعل ذلك قد كان قبل إعلان النبي "صلى الله عليه وآله" بالكف، وإعطاء الأمان لهم.
وفي نص آخر: أن الأنصار كانوا يريدون قتل العباس؛ فأخذه الرسول منهم، "فلما صار في يده: قال له عمر: لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك"([77]).
بل لقد جاء أنه لم يظهر للعباس إسلام إلا عام الفتح([78]).
وهذا التعبير هو الأقرب إلى الصواب؛ فإنه إن كان قد أسلم في بدر: كما يدل عليه ما تقدم، ولا سيما رواية تفسير البرهان المعتبرة سنداً. فإنما أسلم سراً، وكان يتظاهر للمشركين بما يرضيهم، حفاظاً على مصالحه، وأمواله، وعلاقاته، فإن قريشاً لم تكن تتحمل وجود مسلم بينها هذه السنوات الطويلة، وحروبها مع محمد قائمة على قدم وساق، يقتل أبناءها وإخوانها، ويعور عليها طريق متجرها، ويذلها بين العرب، ولا سيما إذا كان ذلك المسلم هو عم ذلك الرجل وقريبه.
وصداقته مع أبي سفيان لم تكن لتسمح له بالبقاء في مكة، فإن القرشيين قد نكلوا بأحبائهم فكيف يسكتون عن أصدقائهم؟ وشروط قريش على النبي "صلى الله عليه وآله" في الحديبية أدل دليل على شدتها في هذا الأمر، وعدم تسامحها فيه على الإطلاق.
نعم، ربما يقال: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمره بالمقام بين أظهرهم ليكون عيناً له.
ويقال: إنه كان يكتب للنبي "صلى الله عليه وآله" بأخبارهم، وقد أخبره بحرب أحد على ما يظن. ولكن ذلك لا يدل على إسلام العباس، نعم، هو يدل على نصحه لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولو بدافع الرحم والحمية، فلا بد أن يعرف الرسول "صلى الله عليه وآله" ذلك له، ويكافئه عليه.
إشـارة:
وما دمنا في الحديث عن العباس، فلا بأس بالإشارة إلى أن من الملاحظ: أنه كان يهتم في المال، ويحب الحصول عليه.
ولقد رأيناه يطالب النبي "صلى الله عليه وآله" بالمال، لأنه أعطى فداءه وفداء عقيل في بدر. فقد جاء: أنه جاء النبي "صلى الله عليه وآله" مال من البحرين، وصار يقسمه، فجاء العباس، فقال: "يا رسول الله، إني أعطيت فدائي، وفداء عقيل (رض) يوم بدر، ولم يكن لعقيل مال، أعطني هذا المال". فأعطاه "صلى الله عليه وآله"([79]).
وتضيف بعض الروايات: أنه "صلى الله عليه وآله" ما زال يتبعه بصره "حتى خفي علينا عجباً من حرصه"([80]).
وليلاحظ أسلوبه للحصول على بقية من المال، بقيت بعد القسم بين الناس في الرواية التالية:
أخرج ابن سعد: أنه بقي في بيت مال عمر شيء، بعدما قسم بين الناس، فقال العباس لعمر وللناس: أرأيتم، لو كان فيكم عم موسى "عليه السلام" أكنتم تكرمونه؟
قالوا: نعم.
قال: فأنا أحق به، أنا عم نبيكم "صلى الله عليه وآله".
فكلم عمر الناس؛ فأعطوه تلك البقية التي بقيت([81]).
وعلى كل حال، فقد حصل على ما كان يتمناه، حتى لينقلون عنه قوله حينما أعطاه "صلى الله عليه وآله": أما أحد ما وعد الله فقد أنجز لي، ولا أدري الأخرى: {قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ}([82]) هذا خير مما أخذ مني، ولا أدري ما يصنع بالمغفرة([83]).
مؤامرة على حياة النبي ':
وكان قد أسر لعمير بن وهب ولد، فاتفق عمير مع صفوان بن أمية سراً على أن يقدم عمير المدينة، ويغتال النبي "صلى الله عليه وآله" في مقابل أن يقضي صفوان دين عمير.
وتكاتما على هذا الأمر، وشحذ عمير سيفه وسمه، وقدم المدينة؛ فأذن له الرسول بالدخول، فخاف منه عمر؛ فأخذ بحمالة سيفه في عنقه، ثم دخل به على الرسول.
فلما رآه "صلى الله عليه وآله" قال لعمر: أرسله يا عمر. فأرسله، فاستدناه، ثم سأله عما جاء به؛ فقال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم ـ يعني وهباً ـ فأحسنوا فيه.
فقال "صلى الله عليه وآله": فما بال السيف؟
قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت شيئاً؟!
فأخبره "صلى الله عليه وآله" بما جرى بينه وبين صفوان في الحجر؛ فأسلم عمير.
فقال "صلى الله عليه وآله": فقهوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا أسيره، ففعلوا ذلك.
ثم لحق عمير بمكة يدعو إلى الله، ويؤذي المشركين بإذن منه "صلى الله عليه وآله"، وحلف صفوان ألا يكلمه، ولا ينفعه بنافعة([84]).
موقف النبي ' من قلائد زينب:
وبعثت زينب بنت الرسول "صلى الله عليه وآله" ـ بل ربيبته ـ بفداء زوجها أبي العاص بن الربيع، وكان من جملة ما بعثت به قلائد كانت خديجة جهزتها بها.
فترحم الرسول "صلى الله عليه وآله" على خديجة، ورق لزينب رقة شديدة، وطلب من المسلمين أن يطلقوا لها أسيرها؛ ففعلوا. وأطلقه "صلى الله عليه وآله" مقابل أن يرسل إليه زينب بسرعة. فوفى بما وعد وأرسلها([85])، وجرى لها حين هجرتها ما سوف نشير إليه فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
سؤال يحتاج إلى جواب:
ويرد هنا سؤال: هل كان النبي "صلى الله عليه وآله" عاطفياً حقاً إلى حد تدفعه رقته إلى إطلاق أسير كان يمكن للمسلمين أن يساوموا عليه، ويحصلوا على ما يقويهم ضد عدوهم؟!
وهل مجرد تربيته لزينب تكفي لهذا الموقف المتميز له منها؟
وهل كان يرغب في مراعاة جانب من يمت إليه بصلة أكثر من الآخرين؟
وهل هذا ينسجم مع رسالته وسجاياه وأخلاقه؟!
الجواب: لا، فإن ثمة مصلحة في هذا الموقف، تعود على الإسلام والمسلمين بالنفع وبالخير العميم. وإلا لكان موقفه "صلى الله عليه وآله" من هؤلاء لا يختلف عن موقفه من غيرهم، ممن على شاكلتهم. وموقفه من عمه أبي لهب لعنه الله ليس بعيداً عن أذهاننا. وكذا موقفه من عمه العباس.
ونرى: أن في موقف النبي "صلى الله عليه وآله" هنا تأكيداً على أن الإسلام يحترم ويقدر مواقف الآخرين وخدماتهم. وخديجة من هؤلاء الذين استحقوا منه هذا التقدير، فكان منه "صلى الله عليه وآله" هذا الموقف ممن تحبهم خديجة.
وكان "صلى الله عليه وآله" يهتم بإكرام صديقات خديجة، فكان "صلى الله عليه وآله" يرسل لهن ما يهدى إليه باستمرار، حتى إن عائشة أم المؤمنين أسمعته ما يكره في حقها رحمها الله([86]) لأجل ذلك.
ولو أن هذه الخدمات كانت من غير خديجة، لكان للنبي "صلى الله عليه وآله" نفس هذا الموقف، أي إنه سوف يشجع كل ما يكون في هذا الاتجاه، من أي كان، وعلى أي مستوى كان.
أضف إلى ذلك: أن هذه مناسبة يستطيع فيها "صلى الله عليه وآله" إنقاذ نفس من مقاساة العناء والآلام وتخليصها من بين المشركين، ألا وهي زينب رحمها الله، فلم لا يفعل؟!
هذا كله عدا عن أنه لم يطلق أبا العاص من غير فداء، فقد أرسلت زينب بالفداء، فما هو المبرر لإمساكه؟
أستاذ المعتزلي وقضية زينب:
ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي عن رقته "صلى الله عليه وآله" في هذا الموقف: "قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري ـ (وقد قرظه المعتزلي في موضع آخر) ـ([87]) رحمه الله هذا الخبر؛ فقال: أترى أبا بكر وعمر لم يشهدا هذا المشهد؟
أما كان يقتضي الكرم والإحسان أن يطيب قلب فاطمة بفدك، ويستوهب لها من المسلمين؟!
أتقصر منزلتها عند رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن منزلة زينب أختها، وهي سيدة نساء العالمين؟!!
هذا إن لم يثبت لها حق، لا بالنحلة، ولا بالإرث"([88]).
فداء الأسير تعليم الكتابة:
قال المقريزي: "وكان في الأسرى من يكتب، ولم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة، وكان منهم من لا مال له، فيقبل منهم أن يعلم عشرة من الغلمان، ويخلي سبيله؛ فيومئذٍ تعلم زيد بن ثابت الكتابة في جماعة من غلمان الأنصار.
أخرج الإمام أحمد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر، لم يكن لهم فداء؛ فجعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة.
ثم ذكر المقريزي قصة من ضربه معلمه، ثم قال: وقال عامر الشعبي: كان فداء الأسرى من أهل بدر أربعين أوقية؛ فمن لم يكن عنده علم عشرة من المسلمين؛ فكان زيد بن ثابت ممن علم"([89]).
ونقول:
إن جعل فداء الأسرى هو تعليم عشرة من أطفال المسلمين، ليعتبر أول دعوة في التاريخ لمحو الأمية، سبق الإسلام بها جميع الأمم. وقد أتى الحكم بن سعيد بن العاص النبي؛ فسأله عن اسمه؛ فأخبره فغير "صلى الله عليه وآله" اسمه إلى عبد الله، وأمره أن يعلم الكتاب بالمدينة([90]).
وذلك يعبر عن مدى اهتمام الإسلام بالعلم في وقت كانت فيه أعظم الدول كدولة الأكاسرة تمنع بصورة قاطعة من تعليم القراءة والكتابة لأحد من غير الهيئة الحاكمة، حتى إن أحد التجار قد عرض أن يقدم جميع الأموال اللازمة لحرب أنوشيروان مع قيصر الروم على أن يسمح له بتعليم ولده([91]).
بل لقد كانت بعض الفئات العربية تعد المعرفة بالكتابة عيباً كما أشرنا إليه فيما سبق([92]) في المدخل لدراسة السيرة فراجع.
وهذا الإسلام قد جاء ليطلق أعدى أعدائه، في أدق الظروف، وأخطرها في مقابل تعليمهم لعشرة من غلمان المسلمين، مع أنه ربما تكون الاستفادة من فداء هؤلاء الأسرى، أو استخدامهم في مهمات المسلمين، أو جعلهم وسيلة للضغط السياسي على قريش، له أهمية كبيرة بالنسبة لهذا المجتمع الناشئ، الذي يولد في مجتمع يرفضه، ويحاول القضاء عليه، وأمامه طريق طويل وشاق من النضال والكفاح من أجل الحياة والبقاء، وإقامة الدولة الإسلامية، ونشر تعاليم رسالة السماء.
معاملة الأسرى:
ويلاحظ: أن المسلمين الذين ذاقوا الأمرين على أيدي المشركين، يظفرون الآن بعدوهم، ويصير أولئك الذين عذبوهم بالأمس، وأخرجوهم من ديارهم، وسلبوهم أموالهم، وقطعوا أرحامهم ـ يصيرون ـ أذلاء في أيديهم، وتحت رحمتهم.
فماذا تراهم صانعين بهم؟
أو بأي نحو وكيفية سوف يأخذون بثاراتهم منهم؟
التوقعات كثيرة، ولكن ما جرى كان مخالفاً لكل التوقعات؛ فهم لم يحاولوا أن يأخذوا بثاراتهم، ولا اغتنموا الفرصة التي أتيحت لهم؛ بل صدر الأمر لهم من القائد الأعظم بكلمة واحدة: استوصوا بالأسرى خيراً. فأطاعوا الأمر، وشاركوهم في أموالهم حتى كان أحدهم يؤثر أسيره بطعامه([93]).
هــذه مــن عــلاه إحدى المعــالي وعـلى هــذه فــقـس مــا سواه
سودة بنت زمعة تحرض على رسول الله ':
ومما يثير فينا الدهشة والعجب هنا: أن نجد سودة بنت زمعة تحرض المشركين على رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعلى المسلمين. فإنها حين جيء بأسارى بدر ورأت "سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل قالت: فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت:
أي أبا يزيد، أعطيتم بأيديكم؟ ألا متم كراماً؟!
فوالله ما أنبهني إلا قول رسول الله "صلى الله عليه وآله" من البيت: "يا سودة، أعلى الله وعلى رسوله تحرضين؟!
قالت: قلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه: أن قلت ما قلت"([94]).
وتشير بعض النصوص إلى سلبيات في حياتها مع النبي "صلى الله عليه وآله"، حتى إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد بعث إليها بطلاقها، فناشدته أن يراجعها، فجعلت يومها وليلتها لعائشة، التي كانت تثني عليها، حتى قالت: ما من الناس أحد أحب إلي أن أكون في مسلاخه من سودة الخ..([95]).
الفصل الرابع:
نهاية المطاف
أهل بدر مغفور لهم:
ويذكرون: أنه حينما كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يتجهز لفتح مكة، كتب حاطب ابن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة يحذرهم، وأعطاه امرأة لتوصله إليهم.
فأخبر جبرائيل النبي "صلى الله عليه وآله" بالأمر، فأرسل علياً ونفراً معه إلى روضة خاخ (موضع بين مكة والمدينة) ليأخذوا الكتاب منها، فأدركوها في ذلك المكان، وفتشوا متاعها فلم يجدوا شيئاً، فهموا بالرجوع.
فقال علي "عليه السلام": والله ما كَذَبْنَا ولا كُذِّبْنَا، وسل سيفه، وقال لها: أخرجي الكتاب وإلا لأضربن عنقك، فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها.
فرجعوا بالكتاب إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فأرسل إلى حاطب فسأله عنه، فاعترف به، وادَّعى: أنه إنما فعل ذلك لأنه خشيهم على أهله، فأراد أن يتخذ عندهم يداً فصدقه رسول الله "صلى الله عليه وآله" وعذره.
لكن عمر بن الخطاب قد رأى: أن حاطباً قد خان الله ورسوله، فطلب من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يضرب عنق حاطب، فقال له النبي "صلى الله عليه وآله":
أليس من أهل بدر؟ لعل ـ أو إن ـ الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة. أو فقد غفرت لكم([96]).
قال الحلبي: "وهو يفيد: أن ما يقع منهم من الكبائر لا يحتاجون إلى التوبة عنه؛ لأنه إذا وقع يقع مغفوراً. وعبر فيه بالماضي مبالغة في تحققه.
وهذا كما لا يخفى بالنسبة للآخرة، لا بالنسبة لأحكام الدنيا. ومن ثم لما شرب قدامة بن مظعون الخمر في أيام عمر حد، وكان بدرياً".
وقال الحلبي أيضاً: "وفي الخصائص الصغرى، نقلاً عن شرح جمع الجوامع: أن الصحابة كلهم لا يفسقون بارتكاب ما يفسق به غيرهم"([97]).
ورووا عنه "صلى الله عليه وآله" أيضاً قوله: لن يدخل النار أحد شهد بدراً([98]).
ونقول:
إذا كان شرب البدري للخمر لا يضر، ولا يحتاجون للتوبة من الكبائر، فليكن الزنى حتى بالمحارم غير مضر لهم أيضاً، وكذلك تركهم الصلاة، وسائر الواجبات وغيرها!. وليكن أيضاً قتل النفوس كذلك. ولقد قتلوا عشرات الألوف في وقعتي الجمل وصفين، وقتلوا العشرات، سراً وجهراً، غيلة وصبراً. فإن ذلك كله لا يضر، ولا يوجب لهم فسقاً، ولا عقاباً!!
أضف إلى ذلك: أن ابن أُبي مغفور له، لأنه أيضاً قد شهد بدراً حسبما روي([99]).
وإذا صح ما ذكروه عن أهل بدر، فلا يبقى معنى لتكليف البدريين بالشرائع والأحكام، ولماذا يتعبون ويشقون، ما دام أن دخول الجنة حاصل ومضمون لهم، فليتنعموا في حياتهم الدنيا، وليستفيدوا من لذائذها حلالاً أو حراماً!!.
أما دفاع علي "عليه السلام" عن الحق، وإمعانه في قتل الناكثين والقاسطين والمارقين، بعد أن تناسوا أقوال الرسول "صلى الله عليه وآله" وإخباراته الصادقة عن هذه الفئات الضالة، فقد اعتبروه جرأة منه على الدماء، وأن سببه هو ما سمعه من أن الله رخص لأهل بدر في أن يفعلوا ما شاؤوا!!([100]).
ثم إننا لا ندري لماذا يعاقب البدري في الدنيا، إذا كان النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه قد منع عمر من عقاب حاطب الذي خان الله ورسوله، وكتب للمشركين بأسرار المسلمين، واحتج الرسول "صلى الله عليه وآله" لهذا المنع ـ حسبما يدَّعون ـ ببدرية حاطب؟!
وإذا كان الله قد غفر لهذا البدري، فلماذا يعاقب في الدنيا؟!
أليس عقابه حينئذٍ يكون بلا ذنب جناه؟
ولا خطيئة اقترفها؟!
والحقيقة هي أن الحلبي: لما رأى عمر قد أقام الحد على قدامة، اضطر إلى عدم إسقاط العقاب الدنيوي عن أهل بدر، ولولا ذلك لكنا رأيناه يسقطه أيضاً، محتجاً بإسقاط النبي "صلى الله عليه وآله" له عن حاطب. ولكن وبعد أن كان المعني هو عمر بالذات، فلا بد من بناء الفقه والأحكام على أساس فعله، وعدم الالتفات إلى فعل النبي "صلى الله عليه وآله" وقوله وتقريره!!
نعم، لقد استنبط الحلبي كل هذه الأحكام من الحديث الشريف الذي عبر بكلمة: "(لعل) فليت شعري: كم كان سوف يستنبط من الأحكام لو أنه ثبت لديه الجزم بالمغفرة لهم كما ذكرته رواية أخرى"؟!.
ولكن الحقيقة هي أن حديث المغفرة لأهل بدر ـ لو صح ـ فلم يكن فيه كلمة "اعملوا ما شئتم". والمغفرة إنما هي بالنسبة لما سبق لهم من ذنب، وإذا كانت هذه الفقرة ثابتة كان المراد بها: فليستأنفوا العمل، فلسوف يجازون بحسب ما يعملونه فيما يأتي، لا أن المغفرة تكون بالنسبة لما سوف يقترفونه بعد ذلك أيضاً.
ولو كان قوله: "اعملوا ما شئتم" ثابتاً ويراد به المغفرة للذنوب الآتية أيضاً، لاحتج به قدامة على عمر، ليدرأ الحد عن نفسه. ولاحتج أيضاً بموقف النبي "صلى الله عليه وآله" من حاطب، كما أن من الصعب على عمر نفسه أن يقدم على مخالفة أمر نبوي بهذا الوضوح والمعروفية([101]).
هذا كله بالإضافة إلى أن شيوع هذه الفقرة عن النبي "صلى الله عليه وآله" بما لها من هذا المعنى الذي يدعيه هؤلاء، يلائم المصالح السياسية في أحيان كثيرة، الأمر الذي يقوي الظن بأن للسياسة يداً في تأكيد ونشر هذا المعنى.
من هم أفضل من أهل بدر؟!
ونسجل هنا: أننا نجد سعد بن أبي وقاص يكاد يفضل جيشه في حرب المدائن على أهل بدر، فيقول: "والله، إن الجيش لذو أمانة، ولولا ما سبق لأهل بدر لقلت وأيم الله: على فضل أهل بدر، لقد تتبعت من أقوام هنات وهنات فيما أحرزوا، وما أحسبها ولا أسمعها من هؤلاء القوم"([102]).
بل إن كعب بن مالك يفضل ليلة العقبة على بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها([103]).
نعم، هذا هو شأن بدر عندهم، وشأن غيرها. ولكنهم لم يحكموا لغير البدريين بالجنة، لأنه ليس فيهم من يهتمون بالمغفرة له وبإدخاله إلى الجنة. أو تفرض السياسة تبرير أعماله ومواقفه المخالفة للإسلام، والقرآن، والإنسانية! رغم أن سعداً حسب النص المذكور آنفاً يرى أن في أهل بدر من صدرت منهم هنات وهنات أنزلت من مقامهم، وخففت من ميزانهم. وهو على حق في ذلك، فإن لكثير من أهل بدر مواقف وأفاعيل غريبة وعجيبة، لسنا هنا في صدد الحديث عنها.
ابن الجوزي وحديث المغفرة للبدريين:
ويعجبني هنا ما قاله ابن الجوزي، في تعليق له على حديث المغفرة لأهل بدر، فهو يقول: "نعوذ بالله من سوء الفهم، خصوصاً من المتسمين بالعلم.
روى أحمد في مسنده: أنه تنازع أبو عبد الرحمن السلمي، وحيان بن عبد الله، فقال أبو عبد الرحمن لحيان: قد علمت ما الذي حدا صاحبك ـ يعني علياً ـ قال: ما هو؟
قال: قول النبي "صلى الله عليه وآله": لعل الله اطلع إلى أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم.
وهذا سوء فهم من أبي عبد الرحمن، حين ظن أن علياً "عليه السلام" إنما قاتل وقتل اعتماداً على أنه قد غفر له.
وينبغي أن يعلم: أن معنى الحديث: لتكن أعمالكم المتقدمة ما كانت، فقد غفرت لكم.
فأما غفران ما سيأتي فـلا يتضمنه ذلـك، أتـراه لـو وقع من أهـل بـدر ـ وحاشاهم ـ الشرك؛ إذ ليسوا بمعصومين، أما كانوا يؤاخذون به؟ فكذلك المعاصي.
ثم لو قلنا: إنه يتضمن غفران ما سيأتي، فالمعنى: أن مآلكم إلى الغفران.
ثم دعنا من معنى الحديث، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتماداً على أنه سيغفر له؟! حوشي من هذا. وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلى القتال، فكان على الحق.
ولا يختلف العلماء: أن علياً رضي الله عنه لم يقاتل أحداً إلا والحق مع علي.
كيف وقد قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": اللهم أدر الحق معه كيفما دار.
فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبيحاً، حمله عليه أنه كان عثمانياً"([104]) إنتهى.
عودة خيبة:
مهما يكن من أمر، فقد رجع المحاربون المشركون إلى مكة بأسوأ حال من الحنق والغيظ، فنهاهم أبو سفيان عن النوح على قتلاهم، ومنع الشعراء من ندب القتلى؛ لئلا يخفف ذلك من غيظهم، ويقلل من عداوتهم للمسلمين. وحتى لا يبلغ المسلمين حزنهم، فيشمتوا بهم.
وحرم أبو سفيان الطيب والنساء على نفسه، حتى يغزو محمداً. وكذلك كان موقف زوجته هند، التي اعتزلت فراشه وامتنعت عن الطيب.
ولما رجع المشركون طلبوا من أصحاب العير: أن يواسوهم في تلك العير، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً}([105]).
وقيل: نزلت هذه الآية في المطعمين في غزوة بدر، الذين كانوا ينحرون الجزر حسبما تقدم، ولعله هو الأنسب والأوفق بمفاد الآية.
عودة ظفر:
وأرسل النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" يبشر أهل المدينة بالنصر المبين، فلم يصدق البعض ذلك في بادئ الأمر، ثم تأكد لديهم أنه حق، ففرح المؤمنون، واستقبلوا الرسول "صلى الله عليه وآله" فرحين مسرورين.
ويقولون: إن زيد بن حارثة كان هو البشير، فلم يصدقه الناس حتى اختلى بولده أسامة، وأكد له ذلك.
وهذا لا يصح، لأن أسامة كان حينئذٍ طفلاً، لا يتجاوز عمره العشر سنوات.
وفي الطريق إلى المدينة فقد المسلمون رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فوقفوا. فجاء "صلى الله عليه وآله" ومعه علي "عليه السلام".
فقالوا: يا رسول الله، فقدناك؟
فقال: إن أبا الحسن وجد مغصاً في بطنه، فتخلفت عليه([106]).
ويقال: "إنه "صلى الله عليه وآله" قدم المدينة حينما كانوا مشغولين بدفن زوجة عثمان، كما سيأتي الحديث عنه في فصل ما بين بدر وأحد إن شاء الله.
وقدم الأسارى المدينة بعد قدومه "صلى الله عليه وآله" بيوم؛ ففرقهم بين المسلمين، وقال: استوصوا بهم خيراً. إلى أن فداهم أهل مكة.
ثم أرسل "صلى الله عليه وآله" عبد الله بن رواحة مبشراً إلى أهل العالية ـ ما كان من جهة نجد من المدينة. وفي الطبقات العالية هم بنو عمرو بن عوف، وخطمة، ووائل ـ بما فتح الله على رسوله وعلى المسلمين، وبعث زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ـ ما كان في جهة تهامة"([107]).
بعض نتائج حرب بدر:
لقد تقدم الكثير مما يمكن استخلاصه في هذا المقام. فلا نرى حاجة إلى الإطالة فيه، فنحن نكتفي هنا بلمحة خاطفة ضمن النقاط التالية:
1 ـ إن قريشاً التي كانت تحب الحياة قد واجهت في بدر ضربة روحية قاسية جداً؛ وأصابها هلع قاتل، وهي ترى أن حياتها مع هؤلاء المسلمين قد أصبحت في خطر حقيقي. وقد كان لهذا الخوف والهلع أثر لا ينكر على حروبها اللاحقة مع المسلمين؛ فإن الخائف اللجوج بطبيعته، يتخذ الاحتياطات كافة لتأمين النصر لنفسه مع احتفاظه بالحياة.
ولذا، فقد حاولت قريش في حملاتها اللاحقة أن تكون أكثر دقة وتركيزاً، وأوسع حشداً واستعداداً، من أجل القضاء على هذه الحركة التي تراها تهدد مصالحها وامتيازاتها في المنطقة، إجتماعياً، وسياسياً، وإقتصادياً، وغير ذلك.
2 ـ ومن الجهة الأخرى فقد قويت نفوس المسلمين بذلك، وعادت لهم الثقة بأنفسهم بصورة ظاهرة، وشجعهم هذا الانتصار غير المتوقع على مواجهة ما كان إلى الأمس القريب يرعبهم حتى احتماله، فضلاً عن التفكير فيه، أو مواجهته. وقد كان هذا الانتصار في المستوى الذي صعب على بعض أهل المدينة التصديق به.
نعم، لقد زادهم هذا الانتصار إيماناً، ويقيناً، وثقة بدينهم و نبيهم. ولا سيما بملاحظة حجم الخسائر التي مني بها عدوهم.
3 ـ ولقد أعانتهم تلك الغنائم التي حصلوا عليها إلى حد كبير على مواجهة مشاكلهم الإقتصادية الملحة، كما أنها فتحت شهية الطامعين، وجعلتهم على استعداد للمشاركة، بل ويتطلعون إلى نظائرها في المستقبل.
4 ـ ثم إنه قد أصبح ينظر إلى المسلمين في المنطقة على أنهم قوة فعالة، لا بد أن يحسب حسابها، وهابتهم القبائل، وبدأت تخطب ودهم، وتتقرب إليهم، ولم يعد من السهل عليها أن تنقض ما أبرمته معهم من معاهدات.
بل وأصبحت تتوقع لهم انتصارات أخرى أيضاً، حتى ليقول اليعقوبي عن وقعة ذي قار، التي كانت بعد بدر بأربعة أشهر:
"وأعز الله نبيه، وقتل من قريش، فأوفدت العرب وفودها إلى رسول الله، وحاربت ربيعة كسرى. وكانت وقعتهم بذي قار، فقالوا: عليكم بشعار التهامي، فنادوا: يا محمد، يا محمد. فهزموا جيوش كسرى"([108]).
وبعد هذا، فإن من الطبيعي: أن يترك ذلك أثراً على محاولات قريش للتحالف مع القبائل ضد المسلمين، ويخفف من تحمس كثير منها إلى عقد مثل هذه التحالفات معها.
النجاشي يفرح لنتائج بدر:
ولما أوقع الله تعالى بالمشركين يوم بدر، واستأصل وجوههم ورؤساءهم، عرف النجاشي بالأمر من عين له، ففرح فرحاً شديداً، وجلس على التراب، ولبس ثياباً خلقة، لأنه أراد شكر الله لأجل هذه النعمة، وبشر المسلمين بذلك([109]).
كلمة أخيرة:
ونشير هنا أيضاً: إلى أن من إعجاز الإسلام: أنه "صلى الله عليه وآله" قد حارب أعتى القوى بأشواب([110]) من الناس، لا تشدهم ولا تجمعهم أية رابطة سوى رابطة الدين، وأمامهم عدو تشده إلى بعضه البعض عصبيات وأواصر مختلفة، ومصالح مشتركة، وليس من الطبيعي أن يتحقق النصر لقوم هم أشواب من الناس على فئة تكون على عكس ذلك تماماً، ولأجل ذلك قال عروة بن مسعود الثقفي للنبي "صلى الله عليه وآله" يوم الحديبية: "وإن تكن الأخرى (أي الحرب) فإني لأرى وجوهاً، وأرى أشواباً من الناس، خليقاً أن يفروا عنك"([111]).
وهذا النوع من الناس هم الذين اعتبرهم أمير المؤمنين "عليه السلام" الغوغاء، الذين إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا([112]).
وإن حربه لأعتى القوى وأكثرها تلاحماً وتعاضداً بأشواب من الناس، لم يكن في معركة واحدة، ليقال: إنها ربما تكون صدفة، خاضعة لبعض العوامل والظروف الاستثنائية، بل استمر ذلك عدة سنوات. ولعل إلى ذلك يشير قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}([113]).
موقف معاوية من أهل بدر:
وأخيراً.. فإننا نجد لمعاوية موقفاً سياسياً من أهل بدر، وذلك في قضية التحكيم في صفين، حينما رفض أن يحكم رجلاً من أهل بدر، وقال: "لا أحكم رجلاً من أهل بدر"([114]).
ولعل ذلك يرجع إلى أنه كان يعلم: أن كثيراً منهم كان ملتزماً بأحكام الشريعة، صلباً في ذات الله، ويرفض المساومة والمداهنة في الدين.
وقبل الحديث عن أحداث ما بين بدر وأحد، لا بأس بأن نتكلم عن بعض الموضوعات التي ترتبط بما تقدم بنحو من الارتباط والاتصال، وذلك في ضمن الفصل التالي.
الباب الثاني:
بحوث ليست غريبة عن السيرة
الفصل الأول: بعض خصائص الشيعة
الفصل الثاني: أبو بكر في العريش، وشجاعة أبي بكر
الفصل الثالث: ذو الشمالين وسهو النبي '
الفصل الرابع: الخمس بين السياسة والتشريع
الفصل الأول:
بعض خصائص الشيعة
بعض خصائص الشيعة:
تقدم معنا في غزوة بدر: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر أصحابه بأن لا يبدأوا المشركين بقتال.
وقلنا هناك: إن أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" كان يأمر أصحابه أن لا يبدأوا أعداءه بقتال.
فقد جاء أنه "عليه السلام" نادى في الناس يوم الجمل: لا يرمين رجل بسهم، ولا يطعن برمح، ولا يضرب بسيف، ولا تبدأوا القوم بالقتال، وكلموهم بألطف الكلام.
قال سعيد: فلم نزل وقوفاً حتى تعالى النهار؛ حتى نادى القوم بأجمعهم: يا ثارات عثمان إلخ.. وبذلك أيضاً أوصى "عليه السلام" أصحابه في صفين([115]).
وأوصى الإمام الحسين "عليه السلام" أصحابه في كربلاء.
نعم، وقد:
1 ـ صار ذلك شعار الشيعة، فإنهم كانوا لا يبدأون أحداً بقتال أيضاً. قال الجاحظ، وهو يتحدث عن كردويه الأقطع الأيسر (وهو من بطارقة سندان الشجعان) وكان لا يضرب أحداً إلا حطمه، وكان إذا ضرب قتل، قال الجاحظ: "كان كردويه مع فتكه وإقدامه يتشيع؛ فكان لا يبدأ بقتال حتى يبتدأ"([116]).
2 ـ كان النبي "صلى الله عليه وآله" قد أسر أبا عزة الجمحي في بدر، ثم من عليه لأجل بناته الخمس، وأخذ عليه العهد أن لا يعود إلى حرب المسلمين، وأن لا يظاهر عليه أحداً. لكنه عاد فنقض العهد، وألب القبائل، وشارك في معركة أحد، فأسر، وطلب العفو، فرفض النبي "صلى الله عليه وآله" طلبه؛ حتى لا يمسح عارضيه في مكة ويقول: إنه سخر من محمد مرتين.
ولسوف نتعرض لهذه القضية في آخر غزوة حمراء الأسد إن شاء الله.
وبذلك يكون النبي "صلى الله عليه وآله" قد ضرب المثل الأعلى للمؤمن اليقظ، الذي لا يخدع، ولا يستغل، ولا مجال لأن يسخر منه أحد؛ فهناك الكلمة المروية عن الرسول "صلى الله عليه وآله"، والتي لا يجهلها أحد: "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"([117]).
وقد شهد معاوية للحسين وأبيه أنهما لا يخدعان، وذلك حينما قال لعبيد الله بن عمر: "إن الحسين بن علي لا يخدع، وهو ابن أبيه"([118]).
ولقد ورث شيعة أمير المؤمنين "عليه السلام" هذه الخصيصة عن إمامهم الذي ورثها عن مؤدبه ومربيه النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، فقد عرفوا على مر الزمن باليقظة المتناهية، والنباهة العالية، بالإضافة إلى صفات نادرة أخرى.
وكشاهد على ذلك نشير إلى ما ذكره التنوخي من أن الحسن بن لؤلؤ قد قال لمن أراد أن يحتال عليه: "أتعاطي علي، وأنا بغدادي، باب طاقي، وراق، صاحب حديث، شيعي، أزرق، كوسج؟"([119]).
3 ـ واشتهر الشيعة أيضاً: بالدقة والتحري في أمور دينهم، فقد كان أسد بن عمرو على قضاء واسط، فقال: "رأيت قبلة واسط رديئة جداً، وتبين لي ذلك، فتحرفت فيها.
فقال قوم من أهل واسط: هذا رافضي.
فقيل لهم: ويلكم، هذا من أصحاب أبي حنيفة، كيف يكون رافضياً"([120]).
وقد تقدم في الجزء الأول من هذا الكتاب: أن الجاحظ يذكر: "أن بني أمية قد حولوا قبلة واسط".
ويقول: "فأحسب أن تحويل القبلة كان غلطاً"([121]).
وقلنا: إن الظاهر هو أنها قد حولت إلى بيت المقدس؛ لأن عبد الملك قد بنى القبة على الصخرة، وأمر الناس بالحج إليها، والطواف حولها، والسعي، والنحر، وغير ذلك من أمور الحج.
وقلنا: إننا نستقرب جداً أن يكون استحباب التياسر في القبلة لخصوص أهل العراق، مرده ذلك، وأنه حكم وقتي من دون إلزام فيه، لئلا يقع المؤمنون في حرج في مقابل السلطة الغاشمة.
4 ـ لقد كان الشيعة معروفين بشدة الغيرة على نسائهم، ولذلك نجد زكريا القزويني يقول عن أهل المدائن: "أهلها فلاحون، شيعة، إمامية، ومن عاداتهم: أن نساءهم لا يخرجون نهاراً أصلاً"([122]).
وهذا الأمر موجود حتى الآن في بعض مدن الشيعة في إيران، كما في قصبة خسروشاه من توابع تبريز، فإنك لا تكاد تجد امرأة في شوارع المدينة نهاراً أصلاً. كما ذكره لي بعض أهل العلم.
وليس هذا إلا اقتداء منهم بسيدتهم الزهراء "صلوات الله وسلامه عليها"، التي كانت لا تخرج إلا ليلاً، إلا إذا اضطرت إلى ذلك لخصومة سياسية أو إثبات حق، أو نحو ذلك.
5 ـ لقد كان حجر بن عدي وأصحابه معروفين بأنهم: "ينتقدون على الأمراء، ويسارعون في الإنكار عليهم، ويبالغون في ذلك"([123]). وهذا هو مذهب الشيعة، وهذه هي عقيدتهم. على عكس غيرهم ممن يوجب السكوت والتسليم.
6 ـ ومن خصائصهم ـ يعني حجر بن عدي وأصحابه ـ: أنهم "يتشددون في الدين"([124]) حتى لقد جعل ذلك من أسباب الطعن عليهم.
7 ـ ورغم اضطهاد الحكام للشيعة، فإنهم كانوا في بغداد أهل يسار([125]).
والظاهر: أن مرد ذلك إلى أنهم كانوا يبر بعضهم بعضاً، في مقابل حرمان الحكام لهم، واضطهادهم إياهم. فكانوا يهتمون بقضاء حاجات بعضهم البعض، وحل مشاكلهم، وتيسير أمورهم.
8 ـ ومن خصائصهم كذلك بعد صيتهم([126])، أي شيوع ذكرهم الحسن، وهذا يعني أنهم كانوا مستقيمين في سلوكهم، ومواقفهم، وعلاقاتهم، وغير ذلك.
9 ـ ومن ذلك أيضاً: محافظتهم على الصلاة في أول وقتها، ويدل على ذلك قصة المأمون مع يحيى بن أكثم، وفي آخرها قال له المأمون: "إن الشيعة أشد رعاية لأوقات الصلاة من المرجئة"([127]).
وأما غيرهم، فقد روى مالك عن القاسم بن محمد، أنه قال: ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي([128]).
وقال الجاحظ: "وتفخر هاشم عليهم (أي على بني أمية) بأنهم: لم يهدموا الكعبة، ولم يحولوا القبلة، ولم يجعلوا الرسول دون الخليفة، ولم يختموا في أعناق الصحابة، ولم يغيروا أوقات الصلاة"([129]).
وهذا يدل على مدى تأثر الناس بسيرة وروحية حكامهم الأمويين.
10 ـ ومن خصائص الشيعة العلم والفقه.
11 ـ الجود والكرم. ويدل على هذا، وعلى سابقه: ما روي من أنه دخل عبد الله بن صفوان على عبد الله بن الزبير، وهو يومئذٍ بمكة فقال: أصبحت كما قال الشاعر:
فــإن تصبـك مـن الأيــام جائحـة لا أبـك منـك عـلى دنيــاً ولا دين
فقال: وما ذاك يا أعرج؟
فقال: هذا عبد الله بن عباس يفقه الناس، وعبيد الله أخوه يطعم الناس، فما أبقيا لك؟
فأحفظه ذلك، فأرسل صاحب شرطته، عبد الله بن مطيع، وقال له: انطلق إلى ابني عباس، فقل لهما: أعمدتما إلى راية ترابية قد وضعها الله، فنصبتماها؟ بددا عني جمعكما، ومن ضوى إليكما من أهل الدنيا، وإلا فعلت وفعلت.
فقال ابن عباس: ثكلتك أمك، والله ما يأتينا من الناس غير رجلين: طالب فقه، أو طالب فضل. فأي هذين تمنع؟! فقال أبو الطفيل:
لا در در الليـالي كـيـف تضحكنـا منها خطـوب أعـاجيب وتبكين
ومثـل مـا تحـدث الأيـام مـن غـير يـا ابـن الـزبـير عـن الدنيا تسلين
كنـا نـجـيء ابن عباس فيقبـسنـا عـلمـاً، ويـكسبنا أجراً ويهـدين
ولا يــــزال عـبـيـد الله متــرعــة جفـانه، مطعـماً ضـيـفاً ومسكين
فـالـبر، والـديـن، والدنيا بدارهمـا ننــال منهــا الـذي نبغي إذا شين
إن الـنـبـي هو النور الذي كشـفت بـه عـمايــات بـاقينــا ومـاضين
ورهطـه عصمـة في ديننـا ولــهــم فضـل علينـا وحـق واجـب فين
ولست فـاعلمه أولى مـنـهم رحمــاً يـا بـن الــزبــير ولا أولى بـه دين
فـفـيـم تـمـنـعهم عنــا وتمـنـعـنـا عنهـم وتـؤذيهـم فـينــا وتـؤذين
لـن يـؤتي الله مـن أخـزى ببغضهـم في الدين عزاً ولا في الأرض تمكيناً([130])
فابن الزبير يعتبر راية العلم، وراية الجود من الرايات الترابية التي اكتسبها أتباع أبي تراب منه "صلوات الله وسلامه عليه".
12 ـ ومن خصائص الشيعة ابتعادهم عن العصبية، فقد قال كثير عزة، حينما قتل آل المهلب بالعقر: ما أجل الخطب!، ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف، وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر، ثم انتضحت عيناه باكياً.
فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك، فدعا به، فلما دخل عليه قال: "عليك بهلة الله، أترابية وعصبية"؟!([131]).
وموقف أهل البيت "عليهم السلام" من العصبيات، ومن التمييز القبلي والعنصري، معروف وواضح. والموقف المغاير من غيرهم واضح أيضاً.
وهذا موضوع طويل الذيل، لا مناص لنا من إرجاء الإفاضة فيه إلى فرصة أخرى([132]).
13 ـ وكذلك، فإن من خصائص الشيعة "رضوان الله تعالى عليهم"، الابتعاد عن الشراب، فقد ذكروا أن جماعة من الشعراء اجتمعوا ببغداد على نبيذ لهم، وفيهم منصور النمري؛ فأبى منصور أن يشرب معهم، فقالوا: إنما تعاف الشراب لأنك رافضي([133]).
وقال الجاحظ: "لكل صنف من الناس نسك، فنسك الخصي غزو الروم ونسك الخراساني الحج إلى أن قال: ونسك الرافضي ترك النبيذ وزيارة المشهد"([134]).
14 ـ قال الزمخشري: "ليلة الغدير معظمة عند الشيعة، محياة فيهم بالتهجد؛ وهي الليلة التي خطب فيها رسول الله بغدير خم على أقتاب الإبل، وقال في خطبته: من كنت مولاه فعلي مولاه"([135]).
15 ـ ومن خصائص الشيعة براعتهم في الأدب والشعر.
16 ـ ومن خصائصهم أيضاً الفاعلية والحيوية، والنشاط في مجال العمل على مستوى التغيير في الأمة.
ويدل على هذا الأمر وسابقه قول ابن هاني الأندلسي في مدحه لأبي الفرج الشيباني:
شيـعي أمـلاك بكر إن هـم انتسبـوا ولست تـلـقى أديبــاً غيــر شيعي
مـن أنهـض المغرب الأقصى بلا أدب سوى التشيـع والـدين الحنيفـي([136])
17 ـ ومما يمتاز به شيعة أهل البيت الفصاحة الظاهرة، وسلامة المنطق، حتى إن نطقهم بالضاد العربية كان معروفاً ومتميزاً([137]).
18 ـ والإكثار من العبادة والصلاة أمر عرف به الشيعة أيضاً، ونذكر هنا: أنه لما أرسل عبيد الله بن زياد معقلاً، ليكشف له خبر مسلم بن عقيل انطلق الرجل حتى دخل المسجد الأعظم. وجعل لا يدري كيف يتأتى الأمر. ثم إنه نظر إلى رجل يكثر الصلاة إلى سارية من سواري المسجد، فقال في نفسه: "إن هؤلاء الشيعة يكثرون الصلاة، وأحسب هذا منهم".
ثم ذكر كيف احتال حتى كشف الأمر([138]).
19 ـ ومن ميزاتهم أيضاً: الجمع بين الصلاتين، بحيث تكون صلاة العصر بعد الزوال بقليل([139]).
20 ـ وقال إبراهيم بن هاني: "من تمام آلة الشيعي: أن يكون وافر الجمة صاحب بازيكند"([140]).
بازيكند: بفتح الزاي والكاف، وضم الياء: نوع من الثياب.
21 ـ عن الإمام الصادق "عليه السلام"، أنه قال: "إن أبي حدثني: أن شيعتنا أهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم؛ إن كان فقيه كان منهم، وإن كان مؤذن كان منهم، وإن كان إمام كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم؛ وإن كان صاحب وديعة كان منهم. وكذلك كونوا، حببونا إلى الناس، ولا تبغضونا إليهم"([141]).
22 ـ قال المعتزلي، وهو يتحدث عن سجاحة خلق أمير المؤمنين علي "عليه السلام"، وبشر وجهه، وطلاقة المحيا، والتبسم، ولين الجانب والتواضع: "وقد بقي هذا الخلق متناقلاً في محبيه وأوليائه إلى الآن. كما بقي الجفاء، والخشونة، والوعورة في الجانب الآخر. ومن له أدنى معرفة بأخلاق الناس وعوائدهم يعرف ذلك"([142]).
23 ـ وعن الإمام الصادق "عليه السلام" قال: "إن الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي، فيكون زينها، أداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه؛ فتقول: من مثل فلان، إنه لأدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث"([143]).
24 ـ وقال الإمام الصادق "عليه السلام" لشيعته ـ فيما روي عنه ـ: "دعوا رفع أيديكم في الصلاة، إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة، فإن الناس قد شهروكم بذلك"([144]).
25 ـ وعن أبي عبد الله "عليه السلام"، قال: "إن أصحاب علي "عليه السلام" كانوا المنظور إليهم في القبائل، وكانوا أصحاب الودايع، مرضيين عند الناس، سهار الليل، مصابيح النهار"([145]).
26 ـ وقال المنصور بن أبي عامر صاحب الأندلس لأبي مروان الجزيري مرة يثني عليه وعلى أدبه: "لله درك، قسناك بأهل العراق ففضلتهم، فبمن نقيسك بعد"([146]).
27 ـ ومن الأمور التي يعرف بها الشيعة هو أنهم يتختمون باليمين فقد ذكر إسماعيل البروسوي في عقد الدرر: "أن السنة في الأصل التختم في اليمين لكن لما كان ذلك شعار أهل البدعة (أي الشيعة) والظلمة، صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا"([147]).
وبعد أن ذكر الراغب: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يتختم بيمينه قال: وأول من تختم في يساره معاوية، وقيل:
قــالــوا: تختـم في اليمــين وإنما مــارسـت ذاك تشبهـاً بـالصـادق
وتقــربــاً مـنـي لآل مــحـمـد وتـبــاعــداً مـنـي لكــل منـافـق
المــاسحـين فروجهم بـخـواتـم اسـم الـنـبـي بهـن واسم الخالق([148])
28 ـ وقالوا: السنة تسطيح القبور، ولكن لما صار شعار الرافضة كان الأولى مخالفتهم إلى التسنيم([149]).
29 ـ وعن الزرقاني: كان بعض أهل العلم يرخي العذبة من قدام، من الجانب الأيسر. ولم أر ما يدل على تعيين الأيمن إلا في حديث ضعيف عند الطبراني، ولما صار شعاراً للإمامية ينبغي تجنبه لترك التشبه بهم([150]).
30 ـ قد حكم الزمخشري بكراهة الصلاة على أهل البيت مستقلاً لأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض([151]).
31 ـ وقال العسقلاني: "اختلف في السلام على غير الأنبياء "عليهم السلام" بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل يشرع مطلقاً وقيل تبعاً، ولا يفرد لواحد، لكونه صار شعاراً للرافضة"([152]).
32 ـ ومسك الختام نقول: قال الراغب: "إذا قيل أمير المؤمنين مطلقاً فهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"([153]).
هذا ما حضرنا الآن مما يرتبط بهذا الموضوع، ونأمل التوفيق لإتحاف القارئ بالمزيد من خصائصهم الحميدة، وخصالهم الفريدة، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.
الفصل الثاني:
أبو بكر في العريش، وشجاعة أبي بكر
أبو بكر في العريش، وشجاعة أبي بكر:
لقد رووا: أن أمير المؤمنين "عليه السلام" سأل عن أشجع الناس، فقالوا له: أنت، فرفض ذلك، وقرر هو نفسه: أنه لما كان يوم بدر جعلوا للنبي "صلى الله عليه وآله" عريشاً، فقالوا: من يكون مع رسول الله لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟.
"فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، شاهراً بالسيف على رأس رسول الله، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه، فهو أشجع الناس"([154]).
قال الحلبي الشافعي: "وبه يرد قول الشيعة والرافضة: أن الخلافة لا يستحقها إلا علي، لأنه أشجع الناس". ثم استدل هو ودحلان على أشجعية أبي بكر: بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أخبر علياً بأنه يقتل على يد ابن ملجم، فكان إذا دخل الحرب، ولاقى الخصم، علم أنه لا قدرة له على قتله، فهو معه كالنائم على فراشه. أما أبو بكر؛ فلم يخبر بقاتله، فكان إذا دخل الحرب لا يدرون هل يقتل أو لا، ومن هذه حالته يقاسي من التعب ما لا يقاسيه غيره.
ومما يدل على شجاعته تصميمه على حرب مانعي الزكاة، مع تثبيط عمر له عن ذلك.
وأنه حين توفي الرسول "صلى الله عليه وآله" طاشت العقول، وأقعد علي، وأخرس عثمان، وكان أبو بكر أثبتهم.
وأما كونه لم يشتهر عنه في الحروب ما اشتهر عن علي؛ فلأن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يمنعه عن مبارزة الشجعان([155]).
ويقول دحلان: "إن الشجاعة والثبات في الأمر هما الأهمان في أمر الإمامة، لا سيما في ذلك الوقت المحتاج فيه إلى قتال أهل الردة وغيرهم"([156]).
وقالوا أيضاً: "أبو بكر كان مع النبي "صلى الله عليه وآله" على العريش يوم بدر، مقامه مقام الرئيس، والرئيس ينهزم به الجيش، وعلي مقامه مقام مبارز، والمبارز لا ينهزم به الجيش"([157]).
هذا كل ما عند القوم من الأدلة على أشجعية أبي بكر من سائر الصحابة، حتى علي "عليه السلام".
عدم صحة ما تقدم:
ونحن نقطع بعدم صحة كل ما تقدم، أو عدم دلالته، وبيان ذلك عدا عما تقدم من عدم صحة قضية العريش من أساسها ما يلي:
ألف: فرار أبي بكر في المواقف:
لقد أقر دحلان بأن الشجاعة والثبات هما الأهمان في أمر الإمامة. ونحن نجد أبا بكر يفر في غير مشهد. وفراره في خيبر وحنين وأحد معروف، ولسوف يأتي ذكر مصادره في تلك الغزوات، وعن فراره في غزوة خيبر([158]) قال ابن أبي الحديد المعتزلي المعترف بخلافة أبي بكر يذكر فراره هو وعمر:
ومــا أنـس لا أنـس اللـذين تقدما وفـرهمـا والفـر قـد علـما حـوب
وللـرايــة الـعظـمى وقــد ذهبا بها مــلابـس ذل فــوقها وجـلابيب
إلى أن قال:
أحضرهما أم حضر أخرج خاضـب وذان همـا أم نـاعـم الخد مخضوب
عـذرتكمــا إن الحمــام لمـبـغـض وإن بقـاء النفـس للنفس مطلوب
ليكـره طعـم الموت والموت طالب فكيف يلذ الموت والموت مطلوب
وقال أيضاً:
وليـس بنـكــر في حنـيـن فـــراره فـفـي أحــد قـد فـر قدماً وخيبر
ونقول لابن أبي الحديد: بل يلذ الموت لمن بلغ الدرجات العالية من اليقين والمعرفة بجلال وعظمة الله، وما أعده لعباده الصالحين والمجاهدين في سبيله، والناصرين لدينه. وكلمات أمير المؤمنين "عليه السلام" حول الموت في سوح الجهاد خير شاهد على ذلك.
وفر أبو بكر أيضاً في أحد.
ويقول الإسكافي: إنه لم يبق معه حينئذٍ سوى أربعة بايعوه على الموت، وليس أبو بكر من بينهم([159]) وسيأتي ذكر ذلك في غزوة أحد مع مصادره الكثيرة إن شاء الله تعالى.
وجبن أيضاً في الخندق عن مبارزة عمرو بن عبد ودٍ، وفر أيضاً في حنين؛ حيث لم يبق معه "صلى الله عليه وآله" سوى علي "عليه السلام"، والعباس، وأبي سفيان بن الحارث، وابن مسعود([160]).
والخلاصة: أن أبا بكر قد شهد المشاهد كلها، وليس فقط لم تؤثر عنه أية بادرة تدل على شجاعة وإقدام، ولم يبارز، ولم يقتل، ولا جرح أحداً، بل ثبت عنه ما يدل على عكس ذلك تماماً وهو الفرار في أكثر من موقف.
وكان يجبن الناس باستمرار، ويشير بترك الحرب وبعد هذا، فهل يعقل أن يكون رجل له هذه المواصفات شجاعاً؟.
وإذ كان له عذر في بدر، حيث جعلوه مع النبي "صلى الله عليه وآله" في العريش ـ المكذوب! ـ لا يفارقه؛ فأين كان عنه في أحد، وحنين، وخيبر، وغيرها؟ حينما كان النبي "صلى الله عليه وآله" يجد نفسه محاطاً بالمشركين، الذين يريدون إطفاء نور الله عز وجل. فهل كان أبو بكر في تلك الوقائع في عريش رئاسته، وكان النبي "صلى الله عليه وآله" هو الجندي المحارب بين يدي رئيسه أبي بكر، الذي ينهزم الجيش بانهزامه؟!.
وأين كان في خيبر حينما كشف ياسر اليهودي المسلمين، حتى انتهى إلى موقف النبي "صلى الله عليه وآله"، وقاتل "صلى الله عليه وآله" بنفسه. وأرسل إلى علي "عليه السلام" الذي كان في المدينة لرمد عينيه؛ فجاءه.
وقتل مرحباً، وفتح الله على يديه خيبراً، وكان ما كان مما هو معروف ومشهور.
وفي أحد خلص العدو إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فَدُثَّ([161]) بالحجارة حتى وقع لشقه، وشج في وجهه، إلى آخر ما جرى. إلى غير ذلك من أمور.
وأما قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" كان يمنعه من القتال، فهل منعه في أحد وحنين، وخيبر، وسائر المشاهد؟ وهل كان يمنعه، ثم يباشر هو بنفسه القتال، حتى يتعرض للإصابة بجسده الشريف؟!. كل ذلك دفاعاً عن الرئيس، أبي بكر ابن أبي قحافة؟!.
وأخيراً، فقد قال الإسكافي عن أبي بكر: إنه "لم يرم بسهم قط، ولا سل سيفاً، ولا أراق دماً، وهو أحد الأتباع غير مشهور ولا معروف، ولا طالب ولا مطلوب".
وخلاصة كلام الإسكافي الطويل: أنه لا يمكن قياس أبي بكر برسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولا جعله رئيساً يهلك الجيش بهلاكه؛ لأن النبي "صلى الله عليه وآله" هو صاحب الجيش، والدين الجديد.
وهو الذي يراه عدوه وصديقه: أنه السيد والرئيس، وهو الذي أحنق قريشاً والعرب بدينه الجديد، ثم وترهم بقتل رؤسائهم وأكابرهم. وهو الذي يرتبط به مصير الأمة ومصير المحاربين..
أما أبو بكر، فلا أثر له هنا، ولا كان أعداء الإسلام يقصدونه بالقتل، وإنما هو كأي مهاجري آخر، مثل عبد الرحمن بن عوف، وعثمان، وغيرهما. بل كان عثمان أبعد منه صيتاً، وأشرف مركباً، فلم يكن قتله في إحدى تلك المعارك ليضعف الإسلام، ولا تعفى آثاره؛ فكيف يجعل كرسول الله "صلى الله عليه وآله"، الذي كان وقوفه وقوف رعاية وتدبير، وظهر وسند، يحرس أصحابه، ويدبر أمورهم، ويعين مواقفهم، وتوجب سلامته الطمأنينة لهم؟
ولو كان في أول المحاربين، لانشغلت نفوسهم بمصيره، وشغلهم الاهتمام به عن عدوهم، ولا يكون لهم فئة يلجأون إليها، ومن يكون قوة وعدة لهم، يعرف مواضع خللهم، وإذا رأى مصلحة في إقدامه بنفسه أقدم.
ولو كان أبو بكر شريكاً للنبي "صلى الله عليه وآله" بالنبوة وكانت العرب تطلبه مثله لصح قولهم. وأما وهو أضعف المسلمين جناناً، وأقلهم عند العرب ترة، ولا حارب أبداً، بل هو أحد الأتباع، فكيف يجوز أن يجعل بمقام ومنزلة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
ثم ذكر الإسكافي قصة مبارزته لولده عبد الرحمن في أحد، واعتبر أن قول الرسول "صلى الله عليه وآله" له: أمتعنا بنفسك، كان لعلمه بأنه ليس أهلاً للحرب وملاقاة الرجال، وأنه لو بارز لقتل. ثم ذكر قوله تعالى: {وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً}([162])، وآيات أخرى، وأضاف أنه لو كان الجبان والضعيف يستحقان الرئاسة لتركهما الحرب، لكان حسان بن ثابت أحق بها.
ولقد كانت قريش تريد قتل النبي "صلى الله عليه وآله" أولاً وعلي "عليه السلام" ثانياً، لأنه أشبه الناس به، وأقربهم إليه، وأشدهم دفعاً عنه، لأن قتل علي "عليه السلام" يضعف النبي "صلى الله عليه وآله"، ويكسر شوكته. وقد وعد جبير بن مطعم غلامه وحيشياً بالحرية إن هو قتل محمداً، أو علياً، أو حمزة، ولم يذكر أبا بكر، ولمقاربة حال علي "عليه السلام" لحال النبي "صلى الله عليه وآله" وجدنا النبي "صلى الله عليه وآله" يخاف ويحذر عليه، ويدعو له بالسلامة والحفظ. إنتهى كلام الإسكافي باختصار([163]).
وقد فات الإسكافي أن يذكر بحال أبي بكر حين رأى سراقة مقبلاً يجر رمحه، وسراقة رجل واحد لم تذكر عنه شجاعة([164]).
وفاته أن يشير أيضاً: إلى أنه لو صحت هذه المكرمة العظيمة لذكرها أبو بكر، أو أحد مناصريه في السقيفة، حيث كان في أشد الحاجة إلى ذلك آنئذٍ..
ب: حراسة أبي بكر للنبي ':
وأما حديث أنه وقف بالسيف على رأس رسول الله "صلى الله عليه وآله" لا يهوي أحد من المشركين بسيفه إلا أهوى إليه؛ فلا يمكن أن يصح أيضاً وذلك للأمور التالية:
1 ـ إنه رغم ضعف إسناد هذه الرواية([165]) يكذبها قولهم المشهور: إن سعد بن معاذ كان مع جماعة من الأنصار يحرسون الرسول "صلى الله عليه وآله" في العريش، ويضيف البعض إليهم علياً أيضاً([166]).
ولعلهم ذكروا علياً "عليه السلام" لما تقدم، من أنه كان لا يغفل عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكان يقاتل قليلاً ثم يأتي إليه ليفتقده.
وإذا كان النبي وأبو بكر في داخل العريش، وهؤلاء مع ابن معاذ يحرسونهما في خارجه، فكيف وصل إليه المشركون، وكان إذا أهوى أحدهم إليه أهوى إليه أبو بكر بالسيف؟.
ثم أليس حال هؤلاء الحراس أشد من حال أبي بكر، الذي يوجد من يدافع عنه في الخارج، وهو مطمئن البال في الداخل؟!.
2 ـ يقول الأميني: أضف إلى ذلك: أن حراسة النبي لا تختص بأبي بكر، ولا بابن معاذ، فقد حرسه غيره في مواقع وغزوات أخرى، كبلال، وذكوان، وسعد بن أبي وقاص بوادي القرى؛ وابن أبي مرثد ليلة وقعة حنين، والزبير يوم الخندق، ومحمد بن مسلمة يوم أحد، والمغيرة يوم الحديبية، وأبي أيوب الأنصاري ببعض طريق خيبر. وقد استمرت هذه الحراسة إلى أن نزل قوله تعالى في حجة الوداع: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}([167])، فترك الحرس. هذا كله على فرض تسليم حراسة أبي بكر له([168]).
وما تقدم وإن كان ربما يكون للنقاش في بعضه مجال، إلا أن السمهودي قال وهو يتحدث عن "أسطوان المحرس":
"قال يحيى: حدثنا موسى بن سلمة، قال: سألت جعفر بن عبد الله بن الحسين عن أسطوان علي بن أبي طالب، فقال: إن هذه المحرس، كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلي القبر، مما يلي باب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، يحرس النبي صلى الله عليه وآله"([169]).
3 ـ ويقول الأميني أيضاً: إنه لو كان حديث سيف أبي بكر في حراسته للنبي "صلى الله عليه وآله" صحيحاً، لكان أبو بكر أولى وأحق بنزول القرآن في حقه من علي، وحمزة، وعبيدة، الذين نزل فيهم: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ}([170]) الآية.
وقوله تعالى: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْه}([171]).
ولكان أحق من علي بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ}([172])، وغير ذلك من الآيات.
وكان حقاً على رضوان الذي نادى يوم بدر:
لا سـيـف إلا ذو الـفـــقــار ولا فـــتـــى إلا عــلـــي
أن ينوه باسم أبي بكر وسيفه المشهور على رأس رسول الله، حيث لم يجرؤ أحد سواه على القيام بذلك، وبه حفظ رسول الله والدين([173]).
ج: أبو بكر في ساحة الحرب:
قولهم: إنه كان في العريش ينافيه:
1 ـ قولهم الآخر: إنه كان على الميمنة، أو في الميمنة، يوم بدر([174]).
2 ـ وينافيه قولهم إن ولده عبد الرحمن قال له: يا أبت لقد أهدفت لي يوم بدر مراراً فصدفت عنك([175]).
3 ـ وينافيه أيضاً قولهم: إن عبد الرحمن دعا يوم بدر إلى البراز، فقام إليه والده أبو بكر ليبارزه، فقال له الرسول: متعنا بنفسك([176]). وقد تقدم تعليق الإسكافي على هذه القضية. وستأتي أيضاً في واقعة أحد إن شاء الله تعالى.
د: حرب الناكثين والقاسطين:
وأما عن إخبار النبي "صلى الله عليه وآله" لأمير المؤمنين "عليه السلام" بمحاربته للناكثين والقاسطين، وبقتل ابن ملجم له؛ فهو مع خصمه كالنائم على فراشه كما يدعون، فلا يفيدهم شيئاً، ونكتفي هنا بتسجيل النقاط التالية:
1 ـ إن الإسكافي يقول: إن إخباره "صلى الله عليه وآله" إياه بقتال الناكثين والقاسطين إنما كان بعد أن وضعت الحرب أوزارها، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ووضعت الجزية، ودان العرب قاطبة له([177]).
2 ـ وأما إخباره "صلى الله عليه وآله" بأنه سوف يستشهد على يد ابن ملجم، فإنما قال له ذلك في غزوة العشيرة، حينما كناه بأبي تراب: إن أشقى الأولين والآخرين يخضب لحيته من رأسه، لكنه لم يعين له وقت ذلك، فلعله بعد شهر، ولعله بعد سنوات.
3 ـ إن من الممكن أن يحصل البداء في هذا الأمر، على اعتبار: أن الإخبار إنما كان عن تحقق المقتضي، من دون تعرض للموانع.
4 ـ ولو سلمنا ذلك، فكيف يكون كالنائم على فراشه، مع أنه يمكن أن يتعرض بل تعرض بالفعل للجراح الكثيرة في أحد وغيرها بالإضافة إلى إمكانية تعرضه "عليه السلام" لكسر، أو لقطع بعض أعضائه؟
فهل تأكد لدى هؤلاء: أنه كان في مأمن من كل ذلك، حتى أصبح عندهم مع خصمه كالنائم على فراشه؟!. ولماذا كان المسلمون يتمدحون شجاعته، ويقرضها الله ورسوله في غير مقام، كما في خيبر وأحد وبدر وغيرها. ولماذا يعتبرونها امتيازاً له، ومن أسباب فضله وعظمته عندهم؟ فلو كان ذلك صحيحاً لكان الكل أشجع من علي حتى النساء.
5 ـ إنهم يروون: أنه "صلى الله عليه وآله" قال للزبير: إنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، ونزل في حق طلحة قوله تعالى:
{وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهَ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ}([178]).
ويروون أيضاً قصة أحجار الخلافة التي يدَّعون: أن أبا بكر كان في المقدمة فيها، وغير ذلك من الروايات الكثيرة جداً في حق كثير من الصحابة.
كما أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه كان يعلم: بأن هذا الدين سيظهر؛ ولسوف يدخل "صلى الله عليه وآله" مكة ظافراً، وسيحصل المسلمون على كنوز كسرى وقيصر. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه. فهل بطل بذلك جهادهم؟! وذهب فضلهم، وتقلصت شجاعتهم؟!
ه‍: حرب مانعي الزكاة:
وأما حرب أبي بكر لمانعي الزكاة، فلم يكن بنفسه، وإنما بغيره، ومن أجل الحفاظ على مكانته وموقعه في الحكم. وذلك لأنهم أنكروا عليه تصديه للخلافة، وأخذه ما ليس له بحق، وكذلك كان الحال في قتال من أطلقوا عليهم كلمة "أهل الردة".
وواضح: أن العناد في الرأي لا يدل على الشجاعة في القتال. فربما تجد الجبان يصر على رأيه الذي سوف ينفذه غيره أكثر من الشجاع.
و: ثباته حين وفاة الرسول ':
وأما عن ثباته حين وفاته "صلى الله عليه وآله"، فنشير إلى ما يلي:
1 ـ يقول العلامة الأميني رحمه الله تعالى: إنه إذا كان الميزان في الشجاعة هو ما ذكر من ثباته عند موته "صلى الله عليه وآله"، فإن أبا بكر يكون أشجع من النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه، فإنه لم يثبت عند موت جماعة عاديين، كعثمان بن مظعون، حين قبله وهو يبكي، وله شهيق، والدموع تتحادر على خديه([179]).
وعثمان أيضاً كان أشجع من النبي "صلى الله عليه وآله"؛ لأن موت زوجته، ابنة رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يمنعه عن مقارفة النساء ليلة وفاتها، وكان "صلى الله عليه وآله" يبكي على ابنته([180]).
2 ـ إن ما ذكروه من تخبيل عمر، وإخراس عثمان، وإقعاد علي الخ.. إن صح، كان مانعاً عن خلافتهم ـ على حد قول دحلان ـ لأنهم ما كان لهم تلك الشجاعة والثبات في الأمران، اللذان هما الأهمان في أمر الإمامة، فكيف قبلوا بخلافتهم، وهم فاقدون لأهم أمر يحتاج إليه في الإمامة؟. وعن إقعاد علي "عليه السلام" نقول:
كيف؟ وقد قضى النبي "صلى الله عليه وآله" في حجره، وهو الذي تولى غسله، وكفنه، ودفنه دونهم، فنراه ما قعد عن ذلك، ولا تقاعس عنه.
3 ـ إن ما ذكر من ثبات أبي بكر حين موته "صلى الله عليه وآله"، إنما يكون دليلاً لو كان لموت النبي "صلى الله عليه وآله" أثر عليه، وهو قد تحمل ذلك الأثر، وقاوم تلك الصدمة.
مع أننا نجد أمير المؤمنين "عليه السلام" يواجهه بحقيقة: أن موت النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن يعنيه، حتى اضطر أبو بكر إلى الاستشهاد بالناس على حزنه على النبي "صلى الله عليه وآله"([181]).
وعلى كل حال؛ فإن ما ذكروه لإثبات أشجعية أبي بكر لا يفيد شيئاً في إثباتها، ولا يسمن ولا يغني من جوع.
الفصل الثالث:
ذو الشمالين، وسهو النبي '
ذو الشمالين:
قد تقدم أن ذا الشمالين قد استشهد في بدر.
ولكن ثمة رواية تنافي ذلك، وملخصها: أن أبا هريرة ادعى؛ أنه حضر مع النبي "صلى الله عليه وآله" يصلي الظهر أو العصر؛ فسلم الرسول "صلى الله عليه وآله" في ركعتين، فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو، وكان حليفاً لبني زهرة: أخففت ـ أو أقصرت ـ الصلاة أم نسيت؟
فقال "صلى الله عليه وآله": ما يقول ذو اليدين؟.
قالوا: صدق يا نبي الله.
فأتم بهم الركعتين اللتين نقص.
وللرواية نصوص أخرى مختلفة، ففي بعضها: أنه "صلى الله عليه وآله" أجاب ذا اليدين بقوله: كل ذلك لم يكن.
وفي بعضها: أنه "صلى الله عليه وآله" وقف متكئاً على خشبة المسجد مغضباً، وخرج سرعان من الناس يخبرون بقصر الصلاة.
وفي بعضها: أنـه "صلى الله عليه وآله" قام يمشي، فلحقه أبو بكر وعمر
وذو اليدين([182]).
وفي بعض الروايات: صلى بهم الصبح ركعة، فلما أخبره ذو الشمالين بذلك أخذ بيده يطوف به بين الصفوف، يسألهم. ثم صلى "صلى الله عليه وآله" بالناس ركعة واحدة وسجد سجدتي السهو، ثم سلم.
وفي الصحيحين: أنه لما اعترض الخرباق عليه "صلى الله عليه وآله" بذلك، وشهد بعض الصحابة بصحة الاعتراض، قام "صلى الله عليه وآله" غضبان يجر رداءه، فدخل الحجرة، ثم خرج عليهم، ثم صلى ركعتين فسلم، وسجد سجدتين. وكان ذلك في صلاة الظهر أو العصر.
وعند البزار: أنه بعد أن أتم النبي "صلى الله عليه وآله" صلاته، دخل على بعض نسائه، فلحقه ذو اليدين، فسأله إن كانت الصلاة قصرت أم لا، فأخذ بيده، فخرج إلى القوم الذين كانوا صلوا معه، فسألهم، فأجابوه حسبما تقدم.
وقد وردت هذه الرواية في كتب الشيعة بأسانيد صحاح أيضاً.
وقد رواها سماعة بن مهران، والحسن بن صدقة، وسعيد الأعرج، وجميل بن دراج، وأبو بصير، وزيد الشحام، وأبو سعيد القماط، وأبو بكر الحضرمي، والحرث بن المغيرة.
ونقول:
أولاً: الروايات مضطربة، وغير متوافقة، كما يعلم بالمراجعة إلى مصادرها والمقارنة فيما بينها. ومعنى ذلك هو أنها لا يمكن أن تكون كلها صحيحة.
وثانياً: قال النووي بعد أن ذكر بعض نصوص الرواية: "وأشباه هذه الألفاظ المصرحة بأن أبا هريرة حضر القصة، وهو مسلم. وقد اجتمعوا على أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، سنة سبع من الهجرة، بعد بدر بسبع سنين.
وكان الزهري يقول: إن ذا اليدين هو ذو الشمالين، وإنه قتل ببدر، وإن قصته في الصلاة كانت قبل بدر الخ.."([183]).
أضف إلى ذلك: أن شعيب بن مطير قد أخبر عن أبيه: أنه التقى بذي اليدين وحدثه بما جرى في صلاة النبي "صلى الله عليه وآله"، مع أن مطيراً متأخر جداً ولم يدرك زمن النبي "صلى الله عليه وآله"([184]).
وقد صرح بأن ذا اليدين هو ذو الشمالين في رواية وردت عن الإمام الصادق "عليه السلام"([185]).
وكذا ورد في مصادر أخرى([186]). كما أن بعض الروايات الأخرى قد جمعت بين اللقبين([187]) فراجع.
وعليه، فحكم صاحب الإستيعاب وغيره على القول باتحادهما أنه غلط؛ إستناداً إلى رواية أبي هريرة المتقدمة([188]).
في غير محله، بل العكس هو الصحيح: أي أن الظاهر: هو أن أبا هريرة هو الذي تصرف في الرواية، وجعل نفسه مع الحاضرين لتلك الصلاة.
وأما رواية عمران بن الحصين، الدالة على أن ذا اليدين هو الخرباق، فلا تنافي ما ذكرناه، إذ يجوز أن يكون الخرباق لقباً لذي الشمالين.
ووصفهم: الخرباق بالسلمي لا يضر؛ لأن سليماً كان أحد أجداد ذي اليدين أو ذي الشمالين([189]).
وقد صرح ابن قتيبة باتحادهما، وقال: وقد يقال: إن اسمه الخرباق.
في القاموس: "ذو اليدين الخرباق"([190]).
وثالثاً: إن الروايات التي بين أيدينا تذكر أحداثاً وتصرفات للنبي "صلى الله عليه وآله" تؤدي إلى أن تنمحي صورة الصلاة؛ ومن المقطوع به: أن محو صورة الصلاة يوجب بطلانها؛ لا سيما إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد استقبل الناس بوجهه ـ كما في بعض الروايات ـ فإن استدبار القبلة، ولو ساهياً مبطل للصلاة.
لكن رواية الكليني قد صرحت: بأنه "صلى الله عليه وآله" ما برح من مجلسه([191]).
هذا كله لو قلنا: إن الكلام الاختياري لمصلحة الصلاة لا يبطل الصلاة أيضاً.
ورابعاً: كيف قال "صلى الله عليه وآله": كل ذلك لم يكن؟! فإنه إذا كان يجوز على نفسه السهو، كان الأنسب أن يقول: ظني أن ذلك لم يكن.
إلا أن يقال: إنه إنما أخبر عن اعتقاده، حيث إنه كان جازماً بعدم وقوع السهو. وخطاب ذي اليدين له لم يوجب أي شبهة لديه، بل بقي جازماً مصراً على موقفه، إلا أنه لما رأى إصرار ذي اليدين عاد وشك في الأمر.
وخامساً: لماذا قام غضبان يجر رداءه؟
فهل غضب من قول ذي اليدين؟
فإن كان لأجل أنهم واجهوه بالحقيقة فهو لا يليق بشأنه "صلى الله عليه وآله"، وإن كان لأجل أنه رآهم قد افتروا عليه، واتفقوا على تكذيبه، ونسبة ما لا يليق به إليه، فلماذا عاد وأتم الصلاة بهم، وسجد سجدتي السهو؟!
سادساً: لم نفهم كيف صحت الصلاة التي دخل في أثنائها إلى الحجرة ثم عاد، ونحو ذلك.
روايات السهو عند الشيعة:
وأخيراً، فإن الروايات عن أهل البيت في هذا الموضوع عديدة، ومنها خمس معتبرات من حيث السند، لكن ليس فيها ما يوجب الإشكال بما تقدم، وقد كتب التستري رسالة في هذا الموضوع طبعت في أواخر ج11 من كتاب قاموس الرجال، فليراجعها من أراد.
ولكن قد روى الشيخ في التهذيب عن زرارة قال: سألت أبا جعفر "عليه السلام": هل سجد رسول الله "صلى الله عليه وآله" سجدتي السهو قط؟
فقال: لا، ولا يسجدهما فقيه.
ثم روى أحاديث تضمنت سهو رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم قال: الذي أفتي به ما تضمنه هذا الخبر؛ فإن الأخبار التي قدمناها من أن النبي "صلى الله عليه وآله" سها، فسجد، فإنها موافقة للعامة([192]).
وقد أورد على هذه الروايات، بأنها من أخبار الآحاد روتها الناصبة والمقلدة من الشيعة؛ فلا يصح الاعتماد عليها للاعتقاد؛ لأنه يكون من أتباع الظن([193]).
لمـاذا كـان مـا كـان؟!
وقد يمكن للبعض أن يقول: إن ما حصل كان إسهاءً من الله، بمعنى أن الله تعالى قد تصرف بنفس نبيه، لا أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد سها فعلاً، بسبب طبيعته البشرية، ويمكنه أن يوجه هذا الإسهاء بأن من الممكن أن يسهي الله نبيه الأعظم "صلى الله عليه وآله" لمصلحة تقتضي ذلك، وحاله حاله من الجلالة والرسالة بما يلي:
1 ـ أن لا يغلو الناس فيه فيؤلهونه، أو يثبتون له بعض الصفات التي ليست له.
أو فقل: إنه تعالى يريد أن يعرفهم: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" ما هو إلا بشر مثلهم. فكل صفة تخرج به عن هذا تصبح في غير محلها، ولا يمكن قبولها.
2 ـ إن الله تعالى أراد أن يفقههم، كما في رواية الحسن بن صدقة، التي رواها الكليني([194]).
3 ـ إن الله تعالى هو الذي أنساه رحمة للأمه؛ ألا ترى لو أن رجلاً صنع هذا لعير؟!
وقيل له: ما تقبل صلاتك. فمن دخل عليه اليوم ذاك، قال: قد نسي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وصارت أسوة إلخ([195]).
وقد ورد شبيه ذلك في نومه "صلى الله عليه وآله" عن صلاة الصبح في السفر، إن صحت الرواية.
ونحن نرى أنها غير صحيحة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
قصور هذه التوجيهات:
ولكنها توجيهات لا تكفي، فإن التعيير بذلك إنما يصح ممن لا يقع منه سهو أصلاً، أما من حاله في ذلك حال الآخرين فلا يقبل ذلك منه.
وأما بالنسبة للغلو في الرسول فمن الممكن أن يدفع ذلك بطرق أخرى لا يلزم منها محذور.
فقد كان يمرض ويصح، ويحزن، ويبكي، ويبتسم، ويأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويموت أو يقتل.. الخ.
وكذلك الحال بالنسبة إلى تعلم أحكام الإسهاء فإن ذلك ممكن بدون أن يبتلى به النبي ككثير من الأحكام الأخرى.
هذا بالإضافة إلى وجود مفسدة في هذا السهو، وهو فقدان الثقة بتعليم النبي "صلى الله عليه وآله"، وبكل ما جاء به.
إيراد وجوابه:
وتوضيح هذا الإيراد الأخير كما يلي:
لربما يقال: إن فعل النبي "صلى الله عليه وآله" وقوله، وتقريره، حجة. وقضية الإسهاء تنافي ما اتفق عليه المسلمون من حجية فعله، بل وتنافي حجية قوله أيضاً. وهذا يبطل الوثوق به، والاعتماد عليه؛ وهو مناف لحكمة النبوة والرسالة([196]).
ويمكن أن يجاب عن ذلك، بأنه إنما ينافي حجية فعله وقوله لو أقر على سهوه وأخذ الناس الحكم الخطأ عنه، وأما إذا لم يقره الله عليه، بل بينه له وللناس بنحو ما، فإنه لا مانع منه، لا عقلاً ولا شرعاً([197]).
أما نحن فنقول: إن أحداً لا ينكر قدرة الله تعالى على التصرف بنبيه، ولكننا نقول: إن حصول هذا الأمر أعني: إنساء الله تعالى لنبيه الأكرم "صلى الله عليه وآله" لمصلحة يراها، يصطدم بمقولة: إن هذا ما هو إلا إحالة على مجهول، وما ادعي من عدم إقرار الله تعالى له على السهو لا يكفي في حفظ كرامة النبي "صلى الله عليه وآله"، والاطمئنان إلى ما يصدر عنه "صلى الله عليه وآله"، بما يكون له طابع الفورية وعدم المهلة، حيث لا تبقى فرصة لظهور الخلاف. كما أن ذلك يسيء إلى قداسة النبي "صلى الله عليه وآله" بنظر الناس، وذلك ظاهر لا يخفى.
هذا ولا بأس بالتعرض هنا إلى العصمة عن السهو والنسيان والخطأ، ثم العصمة عن الذنوب، وأنها جميعاً هل هي اختيارية أم لا؟!
فالبحث يقع في ناحيتين:
إحداهما: العصمة عن النسيان، والسهو، والخطأ.
والأخرى: العصمة عن الذنب.
فنقول:
العصمة عن السهو والخطأ والنسيان اختيارية:
أما العصمة عن السهو والخطأ والنسيان، فهي اختيارية على ما يظهر، وما جرى في قضية الصلاة ـ لو صح ـ فإنما هو إنساء من الله له "صلى الله عليه وآله"؛ لمصلحة اقتضت ذلك لا نسيان منه "صلى الله عليه وآله".
ويمكن تقريب ذلك بما يلي:
1 ـ إن من يمرن نفسه على ألا ينسى، أو على الضبط والتدقيق، يصير أقدر على الحفظ، وعدم النسيان، وتقل نسبة خطئه بالمقايسة مع غيره ممن لا يبالي بالشيء حفظه أو نسيه، زاد فيه، أو نقص منه. فإذا كان ذلك الأمر من اختصاصه، كان احتمال النسيان أو الخطأ فيه أقل. وكلما كان اهتمامه فيه أكثر، كلما كان نسيانه له وخطؤه فيه أقل أيضاً. وهذا الأمر يدرك بالوجدان، ويعلم بالتجربة.
وهذا صادق بالنسبة إلى الإنسان العادي، الذي نعرفه ونألفه. كما أنه كلما كانت الملكات والمدارك، والقوى النفسية، والفكرية وغيرها قوية لدى الشخص، فإنه يكون أيضاً أكثر سيطرة على ذاكرته، وتصرفاته؛ ويقل احتمال الخطأ، والسهو، والنسيان عنده. كالأم المرضعة، فإن ذهولها عما أرضعت من الأمور التي لا يمكن أن تحصل في العادة.
ونبينا الأعظم "صلى الله عليه وآله" هو القمة في كل شيء. فهو الإنسان الأول الذي يمثل خلافة الله الحقيقية على وجه الأرض. وهو الإنسان الذي كان فانياً في الله، وليس له هم، ولا هدف إلا رضى الله سبحانه، وتحقيق أهدافه تعالى على وجه الأرض، فمن الطبيعي أن لا يصل إليه أحد، ولا يدانيه مخلوق في الضبط والحفظ، ولا سيما فيما يتعلق بهدفه الأسمى، وفي عبادته لربه، وطاعته له لا سيما وهو يراه حاضراً وناظراً. وذلك أمر واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.
هذا بالإضافة إلى أن ما يبذله النبي "صلى الله عليه وآله" من جهد في سبيل حفظ الدين وأحكامه، يصبح سبباً في أن يفيض الله تعالى عليه من ألطافه ويمده بالتسديد والتأييد، وفقاً للوعد الصادر عنه حيث يقول تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}([198])، وقوله تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ}([199]) وقوله تعالى: {إَن تَتَّقُواْ اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}([200]).
2 ـ هناك بعض الأمور التي توجب النسيان، وبمقدور كل أحد أن يتجنبها، ومن ثم يجنب نفسه ولا يعرضها لآثارها. وقد ذكرت بعض الروايات طائفة منها.
فمثلاً: ذكر مما يوجب النسيان أكل الجبن، وقراءة كتابة القبور وأكل الكزبرة، وكثرة شرب الماء، والعبث ببعض الأعضاء، وكثرة الهم الناشئ في الأكثر من كثرة الذنوب، ونحو ذلك.
وهناك أمور تزيد في الذاكرة، كعملية التذكر، وكأكل الزبيب، وأمور أخرى لا مجال لذكرها. وواضح أن القدرة على السبب تعبير قدرة على مسببه؛ فيمكن أن يكلف الإنسان بأن لا ينسى الشيء الفلاني؛ أو أن يزيد من نسبة حفظه وضبطه، باعتبار قدرته على سبب ذلك. والتكليف بالمسبب الذي لا يقدر عليه الإنسان إلا بقدرته على سببه كثير في الشرع.
3 ـ إن ثمة آيات كثيرة تلوم على النسيان، بل في بعضها وعيد بالعقاب عليه، أو جعل العقاب في الآخرة في مقابل النسيان الحاصل في الدنيا. ونذكر على سبيل المثال الآيات التالية:
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ}([201]) فإن سياق الآية، والتعبير بـ "ذكر" لا يناسب إرادة التجاهل من كلمة "نسي"، كما يريد أن يدعيه البعض، وكذلك الحال في الآيات التالية.
فالمراد هو الغياب عن الذاكرة، بسبب التساهل والإعراض، وعدم الاهتمام.
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}([202]).
{فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا}([203]).
{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}([204]).
{نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ}([205]).
{أَتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}([206]).
{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا}([207]).
وكذا قوله تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}([208]).
فإن هذا الطلب إنما يصح بعد فرض صحة المؤاخذة على النسيان والآيات في هذا المجال كثيرة، ولا مجال لنقلها كلها.
كما أننا نجد بعض الآيات تنهى عن النسيان، والنهي لا بد أن يكون عن أمر مقدور.
قال تعالى: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}([209]).
وقال تعالى: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ}([210]).
وإرادة الترك في الآيتين لا ينافي ما ذكرناه، فإن المقصود به هو الترك عن نسيان ناشئ عن التساهل، وعدم الاهتمام، مع العلم بأن بإمكان المكلف أن لا ينسى، فإن القدرة على السبب قدرة على المسبب، وحينئذٍ فالعقاب على نسيانٍ من هذا القبيل ليس قبيحاً عقلاً([211]).
ويقول البعض عن السهو: إنه "يمكن التحرز منه"([212]).
ولم نجد له عزماً:
وقد نرى أن الله قد أشار إلى اختيارية النسيان حين قال: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}([213]).
فإن هذه الآية التي تتحدث عن نسيان آدم للميثاق الذي أخذ عليه قبل نشأته "عليه السلام" من الطين، بالإقرار بالنبي "صلى الله عليه وآله" وأهل بيته "عليهم السلام" والمراد بالنسيان الترك أي أن النسيان ناشئ عن عدم القدرة على الإحتفاظ بالأمر، بسبب عدم العلم به، فإن من يعلم شيئاً لا تصح عزيمته على الاحتفاظ به، فوقع في النسيان بمقتضى هذه الآية الكريمة.
ودليل آخر على اختيارية النسيان وهو قوله "صلى الله عليه وآله": رفع عن أمتي النسيان، حيث إنه رفع امتنان وتسهيل. والرفع إنما يكون لما يقبل الجعل والوضع وهو المؤاخذة، والمؤاخذة إنما تكون على أمر اختياري ومقدور ولو بواسطة القدرة على سببه، فإن القدرة على السبب قدرة على المسبب كما قلنا.
العصمة في التبليغ وفي غيره:
وبعدما تقدم نشير إلى أنه إذا ثبتت صفة العصمة له، وتحققت فيه، فلا يختص ذلك في مورد دون مورد، لأن الملكة لا تتبعض ولا تتجزأ، ولا يصح ما قالوه من أنه "صلى الله عليه وآله" معصوم في التبليغ فقط. وذلك ظاهر لا يخفى.
العصمة عن الذنب اختيارية أيضاً:
سؤال يحتاج إلى جواب:
يعتقد المسلمون عموماً([214]) بعصمة جميع الأنبياء "صلوات الله عليهم"، ويزيد شيعة أهل البيت "عليهم السلام" على ذلك: إعتقادهم بعصمة الأئمة الاثني عشر "عليهم السلام". وذلك لأنه يجب اتباعهم، والاقتداء بهم؛ ولا يعقل تجويز ذلك فضلاً عن إيجابه، إذا كانت المعاصي تصدر منهم؛ لأن معنى ذلك هو تجويز ارتكاب المعاصي نفسها، وهو غير معقول، لأنها تخرج حينئذٍ عن كونها معاصي من جهة، ولأن ذلك ينافي حكمة وسر إرسال الأنبياء "عليهم السلام" من الجهة الأخرى.
ولسنا هنا بصدد بيان التفاصيل الكاملة، والبحث الشامل للأقوال المختلفة حول هذه القضية. وإنما نريد هنا ـ فقط ـ أن نجيب على السؤال التالي:
هل عصمة الأنبياء والأئمة "عليهم السلام" تعني: ـ كما يرى البعض ـ أنهم لا يستطيعون أن يفعلوا الذنب، ولا يقدرون على غير الطاعة، فهم مجبرون على الطاعة، مقهورون على الابتعاد عن المعاصي؟!.
وإذا كانوا مجبرين على ذلك، فما هو وجه الفضل لهم؟!
ولماذا لم نجبر نحن على مثله؟!
ولماذا يعرضنا الله تعالى للوقوع فيما لا يرضى، ثم يعاقبنا على ذلك بالعذاب في النار، وحرماننا من الجنة؟!.
ثم إن من يكون مجبراً على الطاعة، وعلى الابتعاد عن الذنب، هل يحسن إثابته بالجنان، وإبعاده عن العقاب والعذاب بالنيران؟!.
الجواب:
إن العصمة عن الوقوع في الذنوب والمعاصي اختيارية، والكلام حول هذا يحتاج إلى شيء من التفصيل، فنقول:
الإسلام والفطرة:
إن من يدرس تشريعات الإسلام ويتدبر تعاليم السماء، يخرج بحقيقة قاطعة؛ وهي: أن تلك التعاليم والتشريعات منسجمة كل الانسجام مع طبيعة الإنسان وفطرته، لو لم تطغ على تلك الفطرة عوامل غريبة عنها وافدة عليها. حتى إنك لتجد بعض من عاش في الجاهلية ـ كجعفر بن أبي طالب، على ما رواه عنه في الأمالي([215]) وآخرين غيره ـ قد حرم على نفسه الكذب، وشرب الخمر، والزنى، وعبادة الأوثان.
كما أن قيس بن الأسلت قد فارق الأوثان، واغتسل من الجنابة، وأمر بتطهر الحائض من النساء، وأمر بصلة الرحم إلخ([216]). وعبد المطلب أيضاً كان يأمر أولاده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيئات الأمور؛ وكان يعتقد بالآخرة، ويوحد الله سبحانه، وتُؤثَر عنه سنن جاء القرآن بأكثرها، وجاءت بها السنة، منها الوفاء بالنذر، والمنع من نكاح المحارم، وقطع يد السارق، والنهي عن قتل الموؤودة، وتحريم الخمر، والزنى، وأن لا يطوف بالبيت عريان([217]).
ولقد صرح القرآن، وتعهد والتزم بأن يكون هذا الدين هو دين الفطرة، بحيث لو ثبت منافاة أي من تشريعاته وتعاليمه لفطرة الإنسان لأمكن رفضه، والحكم عليه بأنه غريب ودخيل، وليس من تعاليم السماء في شيء. قال تعالى:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهَ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهَ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}([218]).
وما ذلك إلا لأن الإنسان ـ على حد تعبير العلامة الطباطبائي رحمه الله تعالى ـ : "..مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه، ورفع حوائجه، وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته.
قال تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}"([219]).
فالدين الإسلامي هو ذلك النظام الذي يهدي الإنسان ويدله على ما فيه خيره وسعادته، ويجنبه ما فيه شقاؤه وبلاؤه؛ وهو يوافق ما ألهمه الله لنفس الإنسان، وعرفها إياه، وينسجم معه؛ ويحتضن العقل، ويحفظه، ويسدده من أن يزل أو أن يميل في إدراكاته وأحكامه، نتيجة لطغيان الهوى، أو تزيينات النفس لشهواتها حتى لقد قيل: العقل شرع من داخل، والشرع عقل من خارج.
ولأجل ذلك نرى القرآن يعبر عمن لا يتبع الهدى، ولا يسير على المنهاج القويم بقوله:
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً}([220]).
وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}([221]) صدق الله العلي العظيم.
فهو يعتبر أن من أطاع هواه، واتبعه، ولم يهتد بهدى العقل، ولم يسمع الأوامر والزواجر الإلهية الموافقة لهدى العقل ـ يعتبره ـ كالأنعام، التي تسيرها غريزتها وشهواتها، ولا عقل لها تستنير بنوره، وتهتدي بهديه؛ ولا تنساق وراء شرع يرشدها إلى أحكام العقل.
بل لقد اعتبره أضل من الأنعام، لأن الأنعام إذا تصرفت على خلاف مقتضيات العقل البشري، كما لو افترست، أو خربت، أو أتلفت، فإنها لا تلام ولا تحاسب، لأنها إنما تصرفت بما يتوافق مع جبلتها وغريزتها وفطرتها، وشهوتها؛ لأن ذلك هو الذي يسيرها، ويهيمن على سلوكها؛ ولا عقل لها لتهتدي بهديه، وتسترشد برشده. أما إذا تصرفت تصرفاً عقلانياً أحياناً، كما لو رأينا الذئب لا يعتدي على الشاة، والسنور لا يلاحق الفأرة مثلاً، فلسوف نتعجب من ذلك، ونتناقله في مجالسنا، لأن ذلك على خلاف ما عهدناه من فطرته وجبلته، وغريزته، وإن لم يكن بدافع من عقله، لأنه لا عقل له، وإنما بسبب الدربة، والعادة، والإلف.
أما الإنسان، فإنه لو ظلم، أو كذب، أو اغتاب، أو أتلف؛ أو فعل غير ذلك مما هو في غير مصلحته، وعلى خلاف الدين، والعقل، فإنه يكون قد تصرف على خلاف مقتضيات فطرته وجبلته، وانحرف عن مساره، وخرج عن إنسانيته، فهو إذن أضل من الأنعام.
أضف إلى ذلك: أننا حين نرى الأنعام لا تقتحم ما يضرها، ونرى الإنسان لا يتورع عن اقتحام ما يضره، ويهدم سعادته،، استجابة لشهوته وهواه، وغريزته، فلا بد أن نقول: إن الأنعام ـ ولا شك ـ أهدى منه وأرشد.
فاتضح مما تقدم: أن الإنسان مجبول على السعي إلى ما ينفعه، والابتعاد عما يضره، وأن أحكام الإسلام موافقة للفطرة وللطبيعة الإنسانية، وأن ابتعاد الإنسان عما يضره ويشقيه، وسعيه إلى ما فيه سعادته وراحته أمر فطري فيه، لا يمكنه التخلف عنه، ولا التخلص منه.
ولأجل ذلك نجد: أن الإنسان العاقل وإن لم يكن مؤمناً ـ نجده ـ بحكم فطرته لا يقدم على الأمور التي يقطع بضررها وفسادها؛ فهو لا يقدم ـ مختاراً ـ على شرب السم مثلاً؛ بل هو لا يتواجد في أمكنة يعلم أن تواجده فيها سوف يلحق به ضرراً بالغاً من نوع ما؛ ولا يقدم على قتل ولده، أو ما شاكل، إلا إذا قهر على ذلك وغلب عليه جسدياً، أو كان ثمة ما يهيمن على عقله، كنوم أو غضب، أو غير ذلك، مما يمنع عقله من التأثير والفعالية، ومن السيطرة على الموقف.
بل وحتى الطفل فإننا نراه يتجرأ على النار، ولكنه بعد أن تؤلمه، ويتيقن ذلك، لا يقترب منها باختياره، ألا أن تغلبه قدرة قاهرة، أو يسيطر على عقله سلطان النوم، أو أي سلطان قاهر آخر.
إذن فالبشر العقلاء، حتى من لا يؤمن بالله منهم، وحتى الأطفال، معصومون عن شرب السم، وعن الإلقاء بالنفس بالنار، وعن كل ما يدركون إدراكاً قاطعاً ضرره، وسوءه؛ إلا إذا كان ثمة قوة قاهرة تغلب إرادتهم أو تزين لهم، وتخدعهم، أو تهيمن على عقولهم وتمنع من فعاليتها، وتفقدها سيطرتها على الموقف.
عناصر لا بد منها في العصمة:
وبالتأمل فيما تقدم يتضح: أن امتناع الطفل عن النار، والعقلاء عن تناول السم، يرتبط بالأمور التالية:
الأول: أن الإنسان مفطور على انتقاء ما يكرس راحته وسعادته وتكامله، والابتعاد عما يوجب ضرره وبلاءه وشقاءه.
الثاني: إدراك واقع معين، ثم تقييمه على ذلك الأساس بشكل قاطع ونهائي.
الثالث: قوة العقل، وسيطرته على الموقف، وتحكمه بكل القوى والدواعي النفسية والشهوية، وقاهريته لها، وتوجيهها إلى ما فيه خير الإنسان وصلاحه وراحته وسعادته.
الرابع: الاختيار والإرادة، وعدم التعرض للقهر الجسدي، الذي ينتهي إلى سلب الاختيار منه، وتعطيل إرادته.
فإذا تحققت هذه الأمور، فإن الإنسان يكون معصوماً عن الوقوع في ذلك الشيء الذي أدرك بشكل قاطع ضرره وبلاءه، ويرى نفسه ملزماً بالسعي نحو ما يوجب تكامله ورقيه وتأكيد إنسانيته.
ولا يمكن أن نتصوره بعد تكامل تلك العناصر المتقدمة فيه، إلا أن يسير على النهج القويم، والطريق المستقيم، فاعلاً لما أدرك خيره وصلاحه، تاركاً لما أدرك ضرره وبلاءه، من كان، ومهما كان.
وإذا كان الناس مختلفين في درجات إدراكهم، سعة وعمقاً، وفي مستويات تفكيرهم، وقوة وضعف سيطرة عقولهم على سائر القوى الباطنية الكامنة فيهم، من الشهوات والغرائز، ومختلفين من حيث نوعية المدركات أيضاً ـ إذا كانوا كذلك ـ فإن من الطبيعي أن تكون درجات عصمتهم متفاوتة، ومواردها مختلفة، كل بحسب مدركاته، وقناعاته، وكفاءاته، وقواه الكامنة فيه. ولذلك تجد العلماء في الأكثر أكثر التزاماً من غيرهم، بل ربما تجد من بينهم من لا تكاد تصدر منه أيه مخالفة طول حياته، وذلك لكثرة مدركاتهم، ولاختلاف نوعية، وكيفية، وعمق الإدراك لديهم، بالنسبة إلى غيرهم.
بل إن الله قد أوجب على كل إنسان أن يكون معصوماً، وذلك لأنه قد كلف كل البشر بالطاعات كلها، والاجتناب عن كل المعاصي، وهذا التكليف يدل على أن بوسع كل مكلف أن لا يرتكب أية معصية أبداً، لأن القدرة شرط في صحة التكليف وإلا لكان عليه أن يستثني، ويقول: اجتنبوا عن كل المعاصي إلا واحدة أو اثنتين مثلاً، لأنكم لا تقدرون عليها.
وهذا الاستثناء يخرج ذلك المورد عن أن يكون معصية من الأساس. وقد يكون أمثال سلمان الفارسي، وأبي ذر، والمقداد، وعمار، والشيخ المفيد، والصدوق مثلاً معصومين عن ارتكاب أية معصية أو مخالفة عن عمد وقصد.
نعم، ربما يكون الفرق بين هؤلاء، وبين النبي والإمام: أن النبي والإمام عليهم أفضل الصلاة والسلام لا تخطر في باله المعصية أصلاً، ولا يشتاق إليها، لانكشاف الواقع له، ورؤيته مفسدته ومصلحته رأي العين، هذا بالإضافة إلى أنه أوسع وأعمق معرفة بجلال وعظمة الله تعالى وملكوته وأشد إحساساً بحضور الله معه، بخلاف سائر المكلفين؛ فإنهم قد لا يعرفون علل كثير من الأحكام، ولا اطلاع لهم على عظمة وجلال وملكوت الله بنسبة اطلاع الأئمة والأنبياء >عليهم السلام<، فقد يشتاقون إلى بعض المعاصي، ولكنهم يمتنعون عنها تعبداً وطاعة لله ليس إلا.
وخلاصة الأمر: أن مستويات الناس مختلفة؛ فتختلف درجات التزامهم، والعلماء عادة يكونون أكثر التزاماً؛ وإن كان ربما يوجد من بينهم من يضعف عقله أمام شهواته وغرائزه، فيضعف التزامه، وتقل نسبة معصوميته عنها في غيره، وهؤلاء قليلون جداً بل ربما لا يوجدون في العلماء الحقيقيين، ولذا نجد الله تعالى يتمدحهم بذلك فيقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}([222]).
التوضيح والتطبيق:
إن الأنبياء، ثم الأئمة >عليهم السلام<، بسبب التوفيقات والعنايات الإلهية وفوق كل ذلك بسبب الوحي والاتصال بالسماء، وبسبب أنهم إنما انتقلوا من الأصلاب الشامخة إلى الأرحام المطهرة، فلم يرثوا إلا الصفات الحميدة والكمالات الفريدة. نعم بسبب ذلك صاروا هم القمة في سعة إدراكهم لآثار ومناحي السلوك الإنساني، والقمة أيضاً في إدراك الواقع الذي يواجهونه، وما يترتب عليه من آثار ونتائج، إن سلباً وإن إيجاباً على المدى البعيد والقريب على حد سواء، إدراكاً حقيقياً لا يقبل الشك ولا الترديد.
وهم القمة في الملكات والقوى الفكرية والنفسية الفاضلة، وهم أحكم الناس حكمة، وأعقلهم عقلاً، وأشجعهم شجاعة، وأكمل الخلق، وأفضلهم في كل الصفات الكريمة، والأخلاق النبيلة العالية، ولأنهم أيضاً لا يمكن أن يشذوا عن مقتضيات الفطرة، وسنن الجبلة الإنسانية. وحين يكون عقلهم من القوة بحيث لا تستطيع سائر القوى الباطنية من الشهوات والغرائز أن تخدعه، وتسيطر عليه، بل هو الأقوى دائماً، وهو الذي يتحكم بها، وينظمها، ويسيرها، ويهيمن عليها.
فإذا كان الأنبياء والأئمة >عليهم السلام< كذلك، فإنهم ـ ولا شك ـ سوف يكونون معصومين بحسب فطرتهم وجبلتهم عن الإقدام على أي ذنب أو عمل مشين، كما لا يقدم الطفل على النار، والعقلاء على تناول السم، وعلى أي شيء يرونه مضراً بشخصيتهم، وبوجودهم، وبمصيرهم، ومستقبلهم.
فكمال العقل إدراكه لما يضر وينفع، وللحسن والقبح، ومعرفته بالله سبحانه، وعظمته وجلاله، وإحاطته وقدرته، وحكمته وتدبيره، ثم معرفته بصدور الأمر والنهي، مع عمق الإيمان لديه بالمعاد، وبالعقاب والثواب.
نعم، إن ذلك كله، بالإضافة إلى ما قدمناه، يجعل من الإقدام على فعل المعصية والقبيح أمراً غير متصور ولا مقبول لحصول المنافرة والمضادة بينه وبينها، ولأجل ذلك فإننا إذا عرفنا شخصاً ووقفنا على كل حالاته، وملكاته، وقدراته، وأفكاره، وطموحاته، فإننا لا نصدق عليه ما ينسب إليه من أفعال لا تتناسب مع ما عرفناه عنه. وكلما تأكد لدينا رسوخ ذلك في نفسه، وفي فكره، واطلعنا على مستوى قدراته؛ فإن تصديقنا بصدور ما لا ينسجم مع ذلك يصبح أبعد وأصعب.
وبعدما تقدم، فإنه إذا كان الإنسان في صدد الابتعاد عن القبيح، والالتزام بالحسن؛ فإن التوفيقات الإلهية، والعنايات الربانية سوف تشمله. {وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ}([223])، {إَن تَتَّقُواْ اللهُ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}([224])، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ}([225]).
ولسوف يختار الله من هؤلاء الثلة أكملهم عقلاً، وأفضلهم نفساً، وأجمعهم لخصال الخير والكمال، ولكن علمه تعالى بهم، واختياره لهم ليس فيه جبر لهم على أي شيء من فعل أو قول كما هو واضح.
وعليه؛ فلا يلزم من العصمة الجبر والقهر، بحيث يكون المعصوم غير قادر على فعل المعصية تكويناً، بل هي بمعنى أنها لا تصدر منه، وعلى حسب التعبير العلمي: إنه لا يكون فيه مقتضي للمعصية، ولا توجد فيه علتها المؤثرة، بل لا يخطر في باله ارتكابها أصلاً، فيستحيل صدورها منه بهذا المعنى ليس إلا.
وهذا كما نقول: يستحيل أن يرمي الطفل نفسه في النار فإنه ليس بمعنى أنه لا يمكنه ذلك، لأن ذلك مقدور له بالبداهة؛ ولكن بمعنى أنه لا يفعل ذلك ولا يقدم عليه أصلاً.
وكما نقول: يستحيل أن يصدر الظلم من الله، ولا نقصد: أنه لا يقدر عليه، إذ لا شك في أن الله تعالى يقدر على تعذيب أطوع الناس له.
وإنما نقصد أنه لا يفعله؛ لأنه ينافي حكمته، ولا ينسجم ولا يليق بشأنه وذاته تعالى شأنه.
وبعد كل ما تقدم، فإن اختيار الله لبعض عباده، وإظهار المعجزة على يده، يكشف لنا عن أكمليته وعن عصمته، إذ لا يعقل أن يختار الله لقيادة الأمة وهدايتها من تصدر منه الذنوب والمعاصي، حسبما أشرنا إليه.
أفضل الخلق محمد ':
ومما قدمناه نستطيع أن نفهم لماذا كان نبينا "صلوات الله وسلامه عليه" أفضل الخلق أجمعين، حتى الأنبياء والمرسلين؛ فإنه، وإن كان الكل معصومين عن الذنوب، وكلهم كان يدرك آثار الذنوب وعواقبها وآثارها، ولهم معرفة واطلاع على جلال وعظمة وملكوت الله تعالى أكثر من غيرهم، ولكن نبينا الأكرم "صلى الله عليه وآله" كان أكثر عمقاً وأصالةً في إدراكه لتلك الآثار، وأبعادها، وانعكاساتها على كل الأجيال، في مختلف الآجال، وعلى ذلك الجلال اللامتناهي، والعظمة التي لا تقاس.
وما ذلك إلا لأنه كان الرجل الأكمل والأفضل والأول في كل شيء: في عقله، في حكمته، في عمق إدراكه، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في كل صفاته الحميدة التي هي صفات الإنسان الأول والمثال والقدوة.
إذاً، فيكون هو الأفضل من الكل، لأن عصمته أكثر عمقاًَ وأصالةً، وأبعد أثراً، وأوسع أفقاً. وعلى ذلك فهو أكثر تفاعلاً وانسجاماً مع الله في عباداته، وأشد خشية له تعالى.
علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل:
كما أننا حين نواجه الحديث القائل: علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل([226])، لا نستطيع أن نعتبره ناظراً إلى هؤلاء العلماء الذين نعرفهم ونعيش معهم، والذين لا يمتنع أو فقل: يحتمل أن تصدر منهم بعض الهفوات، ويرتكبوا بعض الصغائر، إذ من غير المعقول أن يكون هذا الرجل الذي يحتمل في حقه أن يذنب، مثل ذلك المعصوم، الذي لا يحتمل في حقه ذلك ولا يصدر منه، أو لا يخطر بباله الذنب أصلاً.
وتوجيه ذلك بأن المراد: أنهم مثلهم من حيث المعرفة والعلم وسعة الأفق، لأنهم اطلعوا على ما لم يطلع عليه أولئك الأنبياء من أنواع المعارف الدينية، والتاريخية وغيرها.
هذا التوجيه لا ينسجم مع منطق القرآن، الذي يجعل ملاك الموازنة، ثم التفاضل هو التقوى والعمل الصالح: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}([227]).
وفي الحديث القدسي ما معناه: "لأدخلن الجنة من أطاعني ولو كان عبداً حبشياً، ولأدخلن النار من عصاني ولو كان سيداً قرشياً".
فلا بد أن يكون المقصود بالعلماء الذين هم مثل أنبياء بني إسرائيل أو أفضل منهم، أناساً معصومين كأولئك الأنبياء، ويزيدون عليهم بإدراكهم ورؤيتهم رأي العين أثر كل حركة، وكل تصرف على الأجيال وعلى الأمة. هذا مع كونهم قد عاصروا، وعرفوا، واطلعوا على تواريخ وعقائد وتحولات عصور وأمم، وواجهوا ظروفاً ومشاكل مختلفة، تزيد على ما واجهه، وعرفه أنبياء بني إسرائيل. بالإضافة إلى أنهم يملكون الطاقات والقدرات الهائلة التي تؤهلهم لاستيعاب كل المعارف، وكل الأحداث وإدراكها، والتفاعل معها، ومعرفة أبعادها وآثارها، مهما دقت أو جلت، قربت أو بعدت، ولتصير عصمتهم أكثر عمقاً وأصالة، وأكثر دقة، وأبعد أثراً، حسبما فصلناه.
ولم نجد في التاريخ أناساً من هذا القبيل ألا أولئك الذين جعلهم الرسول "صلى الله عليه وآله" أحد الثقلين، وعدلاً للكتاب العزيز؛ وأوجب على الأمة التمسك بهم، والاهتداء بهديهم، والائتمار بأوامرهم، والانزجار بزواجرهم. الأمر الذي كشف لنا عن عصمتهم، وهم الأئمة الاثنا عشر، الذين أولهم أمير المؤمنين علي، وآخرهم المهدي "صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين".
وأما حديث "علماء أمتي كأنبياء بني اسرائيل"، فلعل المقصود به: أنهم مثلهم في حفظ الشريعة، والوحي والدين، فإنهم أمناء الله تعالى في أرضه، وحجته في بلاده على عباده([228]).
الفصل الرابع:
الخمس بين السياسة والتشريع
الخمس:
كنت قد وعدت القارئ الكريم بإيراد بعض التوضيحات حول تشريع الخمس في عهد الرسول "صلى الله عليه وآله"، وحيث إن العلامة البحاثة الشيخ علي الأحمدي دام تأييده قد تصدى لبحث هذا الموضوع، فنحن سوف نستفيد قدر الإمكان مما أورده ومع زيادات، وإضافات في المتون والمصادر، والمراجع بحسب ما رأينا أنه يناسب المقام، فنقول:
قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}([229]).
معنى الغنيمة:
يرى علماء بعض فرق المسلمين: أن الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار في ميدان الحرب والقتال.
ويرى الشيعة تبعاً لأئمتهم >عليهم السلام<: أنها ـ كما فسرها اللغويون ـ هي مطلق المال المأخوذ بلا بدل.
قال اللغويون: الغنم: الفوز بالشيء من دون مشقة. وغنم الشيء، فاز به. والاغتنام: إنتهاز الفرصة. وغنم الشيء غنماً: فاز به بلا مشقة، وناله بلا بدل.
وعند الراغب: أن الغنم إصابة الشيء والظفر به؛ ثم استعمل في كل مظفور به([230]). هذا ما ذكره اللغويون في المقام.
وإذا راجعنا استعمالات كلمة "غنم" في الأحاديث، والخطب، فسوف نجد: أنها تستعمل في مطلق الحصول على الشيء. وحسبك شاهداً على ذلك قول علي "عليه السلام": "من أخذ بها لحق وغَنِم"([231]). و "يرى الغُنم مَغْرَماً والغُرم مَغْنَمَاً"([232]) و "اغْتَنِم مَن استَقْرَضَكَ"([233]) و "الطاعة غَنِيمَة الأكياس"([234]).
وفي الحديث: "الرهن لمن رهنه له غُنمه وعليه غُرمه"([235]) و"الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة"([236]).
وقال تعالى: {فَعِندَ الله مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ}([237]).
وفي الدعاء عند إعطاء الزكاة عنه "صلى الله عليه وآله": "اللهم اجعلها مَغْنَمَاً ولا تجعلها مَغْرَمَاً"([238]) و "غنيمة مجالس الذكر الجنة"([239]) وفي وصف الصوم: "هو غُنْمُ المؤمن"([240]).
إلى كثير مما لا يمكن حصره واستقصاؤه.
وعليه فالغُنم في اللغة: هو مطلق الحصول على الشيء.
وأما قيد "بلا مشقة"، الذي أضافه البعض؛ فهو يخالف موارد الاستعمال السابقة وغيرها. والتزام المجاز فيها يلزم منه أن تكون أكثر استعمالات هذه الكلمة في الموارد المجازية.
بل إن نفس آية الخمس في القرآن الكريم قد أطلقت على كل ما يُغْنَم، ومن جملته ما يحصل في الحرب بعد مشقة.
وأما ما ذكره البعض([241]) من أن هذه الكلمة كانت في الأصل لمطلق الغنيمة، ثم اختصت بغنائم الحرب. فلا يصح أيضاً؛ لأننا نجد أن استعمالات هذه الكلمة في الحديث الشريف لا تختص في ذلك، بل هي في غيره أكثر، وعليه أدل. ومع فرض الشك فلا بد من الحمل على المعنى اللغوي.
إذاً فالآية الشريفة تدل على وجوب الخمس في مطلق ما يحصل عليه الإنسان، ويظفر به، ولو لم يكن من ميدان الحرب مع الكفار. وقد اعترف القرطبي: بأن اللغة لا تقتضي تخصيص الآية بغنائم الحرب. ولكنه قال: إن العلماء قد اتفقوا على هذا التخصيص([242]).
ومعنى كلامه: أنهم قد اتفقوا على خلاف ظاهر الآية، وخلاف المتبادر منها.
الخمس في كتب النبي ' ورسائله:
كما أن كتب النبي "صلى الله عليه وآله" ورسائله إلى القبائل لتؤكد وتؤيد: أن الخمس كما يجب في غنائم الحرب يجب في غيرها، وأن المراد من الغنيمة هو المعنى الأعم ؛ فلاحظ ما يلي:
1 ـ وصية النبي "صلى الله عليه وآله" لبني عبد القيس، الذين قالوا له "صلى الله عليه وآله": "إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في أشهر حرم وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة.
فأمرهم "صلى الله عليه وآله" بأربع، ونهاهم عن أربع: أمرهم بالإيمان بالله وحده.
قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟
قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس، ونهاهم إلخ"([243]).
وواضح: أن عبد القيس كانت قبيلة ضعيفة لا تجرؤ على الخروج من ديارها إلا في الشهر الحرام؛ ولا تستطيع حرباً ولا قتالاً.
ويؤيد ذلك أيضاً: أن المغنم إنما يكون تحت اختيار القائد والأمير، وهو المسؤول عنه؛ فيأخذ منه الخمس ويرسله، ويقسم الباقي على الأفراد، وليس له ارتباط بالأفراد أنفسهم. وظاهر كلامه "صلى الله عليه وآله" المتقدم: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمرهم بأوامر تختص بالفرد وتكون من وظائفه التي لا بد أن يمارسها باستمرار أو بكثرة، كالإيمان، والصلاة، والزكاة. وكذلك الخمس؛ فإنه أيضاً على حدها، ولا يختلف عنها.
2 ـ وكتب "صلى الله عليه وآله" لعمرو بن حزم، حينما أرسله إلى اليمن، كتاباً مطولاً جاء فيه: "وأمره أن يأخذ من المَغَانِمِ خمس الله"([244]) والكلام في هذه الفقره لا يختلف عن الكلام في سابقتها.
3 ـ وكتب "صلى الله عليه وآله" لبني عبد كلال اليمانيين، مع عمرو بن حزم، يشكرهم على امتثالهم ما أمرهم به فيما سبق بواسطة عمرو بن حزم نفسه، ويقول: "فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من الغنائم خمس الله عز وجل"([245]).
وواضح: أننا لم نجد في التاريخ: أن حروباً قد جرت بينهم وبين غيرهم بعد إسلامهم، وأنهم قد غنموا من تلك الحروب غنائم، وخمسوها، وأرسلوها مع عمرو بن حزم.
4 ـ وكتب "صلى الله عليه وآله" لقبيلتي سعد هذيم من قضاعة، وجذام: "وأمرهم: أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: أبيّ، وعنبسة، أو من أرسلاه"([246]).
مع أن هذه القبيلة قد أسلمت جديداً ولم تخض حرباً بعد، ليكون المراد خمس المغانم.
5 ـ وقد أوجب "صلى الله عليه وآله" الخمس في ست عشرة رسالة أخرى، بل أكثر، كان قد أرسلها إلى القبائل ورؤسائها، وهي: قبيلة بكاء، وقبيلة بني زهير، وحدس، ولخم، وبني جديس، وللأسبذيين، وبني معاوية، وبني حرقة، وبني قيل، وبني قيس، وبني جرمز، ولأجنادة وقومه، وقيس وقومه، ولمالك بن أحمر، ولصيفي بن عامر شيخ بني ثعلبة، والفجيع ومن تبعه، ونهشل بن مالك رئيس بني عامر، ولجهينة بن زيد، وذكر أيضاً في رسالة لليمن، ولملوك حمير، ولملوك عمان([247]).
نظرة في تلك الرسائل:
وربما يقال: إن المراد بكلمة: "مغنم وغنائم، ومغانم" الواردة في تلك الرسائل هو خصوص غنائم الحرب. ولكن ذلك لا يصح؛ وذلك لما يلي:
1 ـ إن إعلان الحرب وقيادتها وتدبيرها كان آنئذٍ من شؤون الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، أو من نصبه. ثم من تولى الأمر بعده من الخلفاء، أو من نصبوه؛ ولم يكن لأي من القبائل أن تتخذ قرار الحرب من عند نفسها؛ ولا يحدثنا التاريخ عن نشاط حربي مستقل لهم؛ ولو كان، فالمناسب أن يكتب "صلى الله عليه وآله" بذلك إلى أمرائهم وقوادهم، الذين يتولون إخراج خمس الغنيمة، وإرساله إليه، ثم تقسيم الباقي على أهله.
2 ـ لقد كانت تلك القبائل تعيش في الحجاز، والشام، والبحرين، وعمان، وأكثرها كان من القبائل الصغيرة، التي لا تقوى على حرب أحد، ليطلب منها إعطاء خمس غنائم حروبها.
3 ـ لو كان المراد خمس غنائم الحرب، لكان معنى ذلك هو السماح لكل أحد بأن يشن حرباً على العدو، في أي زمان أو مكان شاء، وهذا من شأنه أن يحدث الفوضى، ويتسبب بمشاكل كبيرة وخطيرة على الدولة الإسلامية. ولا يصدر مثل هذا التشريع عن عاقل، مدبر وحكيم. مضافاً إلى أننا لا نجد في التاريخ شيئاً من هذه الفوضى الناشئة عن ممارسة تشريع كهذا.
4 ـ قد تقدم: أن هذه الرسائل تتعرض لجملة من الأحكام التي ترتبط بالأفراد، كالإيمان بالله، وبالنبي، وإعطاء الزكاة، والخمس، الأمر الذي يجعلنا نكاد نطمئن إلى أن الخمس لا يختلف عن تلك الأحكام في ماهيته؛ وأنه مما تعم البلوى به للأفراد؛ لا أنه حكم نادر، لا يرتبط بهم فعلاً، ولا يتفق لهم ربما في عقود بل قرون كثيرة من الزمن.
في السيوب الخمس:
وكتب "صلى الله عليه وآله" رسالة لوائل بن حجر، وفيها: "في السيوب الخمس"([248]).
قال الزيلعي: "السيب العطاء، والسيوب الركاز"([249]).
وتجد تفسير السيوب بالعطاء في مختلف كتب اللغة.
ولنا أن نتساءل: لماذا خصوا السيوب بالركاز الذي هو أحد أفراد السيب، والسيب عام ومطلق؟! وهل ذلك سوى الاجتهاد في اللغة، والتحوير والتزوير الباطل؟!. من أجل أن يتحاشوا تشريع الخمس في مطلق المغانم!.
كما أنهم قد خصوه بالمال المدفون بالجاهلية. ولا ندري سر ذلك أيضاً، فإن لفظ سيوب لا اختصاص له في ذلك قطعاً. كما أنه قد كان مستعملاً في الجاهلية أيضاً، ولا يعقل أن يعتبره أهل الجاهلية: أنه المال المدفون في الجاهلية!!.
والظاهر: أنهم أرادوا أن يوهمونا بأنه بذلك يصير غنيمة من الكفار، الذين يجب حربهم، ليوافق مذهبهم في الخمس.
ونحن نقول: إن كتب اللغة تنص على أن السيب هو المهمل، والسائبة هي الحيوان بلا صاحب ومراقب. وقد كانت الناقة تسيب في الجاهلية أي تهمل.
وفي الحديث: كل عتيق سائبة.
وهذا يقرب: أن يكون المراد بالسيوب: كل متروك ومهمل، لا يدخل في حاجة الإنسان فيجب فيه الخمس.
وثمة دليل آخر أيضاً:
وكتب "صلى الله عليه وآله" إلى بعض قبائل العرب: "إن لكم بطون الأرض وسهولها، وتلاع الأودية، وظهورها، على أن ترعوا نباتها، وتشربوا ماءها، على أن تؤدوا الخمس"([250]).
وسياق الكلام ظاهر ظهوراً تاماً في أن المراد ليس خمس غنائم الحرب، إذ لا مناسبة بين ذلك وبين جعل بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها لهم، ثم بين رعي نباتها، وشرب مائها، وبين الخمس، إلا أن يكون خمس ما يحصلون عليه من ذلك الذي جعله لهم.
ويؤيد ذلك ويؤكده: أنه قد ذكر بعد الخمس هنا زكاة الغنم أيضاً، وأنهم إذا زرعوا فلسوف يعفون من زكاة الغنم. والظاهر أن ذلك ترغيب لهم بالزراعة.
الخمس في المعدن والركاز:
ثم إن من الثابت عندهم: أن "في الركاز الخمس" وكذا في المعادن([251]).
ويذكر الأصطخري: أنهم كانوا يأخذون خمس المعادن([252]).
وقد عد غير مالك وأهل المدينة المعدن من الركاز الذي يجب فيه الخمس، واعتبروه كالغنيمة([253]).
ويقول أبو عبيد: إنه بالركاز أشبه([254]).
وقد كتب عمر بن العزيز لعروة، يسأله عن رأي السابقين في الخمس، فأجابه عروة: بأن العنبر بمنزلة الغنيمة، يجب أن يؤخذ منه الخمس([255]).
ويقول الشيباني: إن الركاز والمعدن يجب فيهما الخمس، وهما من المغنم([256]).
وقد خمس علي "عليه السلام" الركاز في اليمن كما سنرى.
وعن جابر: "ما وجد من غنيمة ففيها الخمس" ويقرب منه ما عن ابن جريج([257]).
وأخيراً، فقد جاء: أن من أخذ شيئاً من أرض العدو، فباعه بذهب أو فضة أو غيره، فإنه يخمس([258]).
وكل ما تقدم ليس من غنائم الحرب كما هو معلوم، وقد حكم بثبوت الخمس فيه، فما معنى تخصيص الآية بغنائم الحرب؟!!
وحسبنا ما ذكرناه هنا، فإن فيه مقنعاً وكفاية لمن أراد الرشد والهداية.
لطيفة:
ومن الطريف أن نذكر هنا: أن أبا بكر قد أوصى بخمس ماله، وقال: "أوصي بما رضي الله به لنفسه، ثم تلا: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}"([259]).
جباة الخمس:
ويظهر: أنه كان للنبي "صلى الله عليه وآله" جباة للخمس، كما كان له جباة للصدقات، وقد أرسل عمرو بن حزم إلى اليمن، وقدم عليه بأخماس بني عبد كلال اليمنيين، وأرسل إليهم يشكرهم على ذلك.
وأرسل علياً "عليه السلام" ليأخذ خمس غنائم الحرب من خالد بن الوليد([260]).
بل ويقول ابن القيم إنه "صلى الله عليه وآله": "ولى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن، والقضاء بها"([261]).
ومعلوم: أن أهل اليمن قد أسلموا طوعاً، ولم يكن بينهم وبين غيرهم حرب.
وقد خمس علي "عليه السلام" الركاز في اليمن([262]).
وكان محمية بن جزء رجلاً من بني زبيد استعمله رسول الله "صلى الله عليه وآله" على الأخماس([263]).
والقول بأن المراد: أنه أرسل علياً "عليه السلام" على الصدقات إلى اليمن.
يدفعه: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يولي بني هاشم الصدقات. وقصة عبد المطلب بن ربيعة، والفضل بن العباس مشهورة([264]).
بل كان يمنع حتى مواليه من تولي ذلك، فقد منع أبا رافع من ذلك، وقال له: "مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة"([265]).
مواضع الخمس في الكتاب والسنة:
لقد نصت آية الخمس في الكتاب العزيز على أن الخمس لله ولرسوله، ولذوي قرباه، ولليتامى، وللمساكين، وأبناء السبيل. وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعطي ذوي قرباه من الخمس إلى أن قبض([266]).
وأما اليتامى والمساكين في الرواية؛ فقد روي عن علي بن الحسين "عليه السلام" أنه قيل له: إن الله تعالى قال: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ}؟([267]).
فقال: أيتامنا ومساكيننا([268]).
وفي روايات أئمة أهل البيت "عليهم السلام": أن سهم الله ورسوله وسهم ذي القربى للإمام "عليه السلام"، وسهم اليتامى لبني هاشم، والمساكين وأبناء السبيل منهم([269])، وبنو هاشم هم بنو عبد المطلب([270]).
ويشترك في الخمس الذكر منهم والأنثى؛ فيقسم نصف الخمس على الطوائف الثلاث إذا كانوا فقراء، لقرابتهم من رسول الله، ولافتقارهم إلى ذلك في مؤنتهم.
ولا يكفي انتسابهم إلى عبد المطلب بالأمومة ويكفي الانتساب بالأبوة.
ومن طريق غير أهل البيت ^ نذكر:
هناك رواية واردة في الصحاح، تبين موضع الخمس في عصر الرسول "صلى الله عليه وآله"، وهي:
عن جبير بن مطعم، قال: لما كان يوم خيبر ـ وفي رواية: حنين ـ وضع الرسول "صلى الله عليه وآله" سهم ذي القربى في بني هاشم، وبني المطلب، وترك بني نوفل، وبني عبد شمس. فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي "صلى الله عليه وآله" فقلنا: يا رسول الله، هؤلاء بنو هاشم، لا ننكر فضلهم؛ للموضع الذي وضعك الله به منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا، وقرابتنا واحدة؟
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إنا وبني المطلب لا نفترق ـ وفي رواية النسائي: إن بني المطلب لم يفارقوني ـ في جاهلية ولا إسلام، وإنما نحن وهم شيء واحد، وشبك بين أصابعه([271]).
وبعدما تقدم، فإننا نذكر هنا ملخصاً لما ذكره بعض الباحثين([272]) مع بعض التقليم والتطعيم، فنقول:
الخمس في عهد أبي بكر:
إذا لاحظنا طبيعة العصر الذي عاش فيه أبو بكر، فإننا نجد: أن السياسة قد اتجهت نحو إرسال جيوش لإخضاع الفئات المعارضة للحكم الجديد، والتي لم تقبل بيعة أبي بكر. فوضع الخمس حينئذٍ وسهم ذوي القربى في السلاح والكراع.
فقد ذكر المؤلفون: أن الصحابة بعد وفاته "صلى الله عليه وآله" قد اختلفوا؛ فقالت طائفة سهم الرسول للخليفة بعده، وقالت طائفة: سهم ذوي القربى، لقرابة الرسول، وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة. فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح.
وفي سنن النسائي، والأموال لأبي عبيد: فكانا في ذلك خلافة أبي بكر وعمر.
وفي رواية: فلما قبض الله رسوله رد أبو بكر نصيب القرابة في المسلمين فجعل في سبيل الله.
وقريب منه رواية أخرى تضيف عمر إلى أبي بكر. إلى غير ذلك من الروايات([273]).
ويوضح ذلك ما روي عن جبير بن مطعم: "أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم يقسم لبني عبد شمس ولا لبني نوفل من الخمس شيئاً كما كان يقسم لبني هاشم وبني المطلب. وأن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله "صلى الله عليه وآله" كما كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعطيهم" الخ..([274]).
الخمس في عهد عمر:
وفي زمن عمر اتسعت الفتوح، فازدادت الثروات، ووزعوا الخمس على المسلمين، وأراد عمر أن يعطي بني هاشم شيئاً من الخمس، فأبوا أن يأخذوا إلا كل سهمهم؛ فأبوا عليهم ذلك، وحرموهم منه؛ فقد جاء في جواب ابن عباس لنجدة الحروري حين سأله عن سهم ذوي القربى لمن هو؟.
قوله: "هو لنا أهل البيت، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا، ويخدم منه عائلنا، ويقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلا أن يسلمه لنا. وأبى ذلك فتركناه عليه".
ومثل ذلك روي عن علي أيضاً، وأن عمر عرض عليهم البعض، وقال: إنه لم يبلغ علمه: أنه إذا كثر يكون كله لهم، فأبوا إلا الكل([275]).
الخمس في عهد عثمان:
وأعطى عثمان خمس فتوح أفريقيا مرة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح([276]) وفي الغزوة الثانية أعطاه لمروان بن الحكم. وقال في ذلك أسلم بن أوس الساعدي، الذي منع من دفن عثمان في البقيع.
وأعــطـيـت مـروان خمس العبـاد ظـلـمــاً لهم وحمـيـت الحـمـى([277])
وقد نقم الناس عليه لأمرين:
أولهما: أن الخليفتين قبله وإن كانا قد أخذا ذلك من مستحقيه، إلا أنهما كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامة، وقد خصصها عثمان لأقربائه.
الثاني: أن سيرة هؤلاء الذين كان يعطيهم هذه العطايا الهائلة من مال لا يستحقونه كانت سيئة جداً، وكانوا معروفين بالانحراف، وعدم الاستقامة.
سيرة علي × في الخمس:
وقد سئل أبو جعفر الباقر "عليه السلام" عن علي "عليه السلام": كيف صنع في سهم ذوي القربى حين ولي أمر الناس؟!
قال: سلك به سبيل أبي بكر وعمر.
قلت: وكيف، وأنتم تقولون ما تقولون؟
فقال: ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه.
قلت: فما منعه؟
قال: كره والله أن يدعى عليه خلاف أبي بكر وعمر([278]).
وفي سنن البيهقي: أن حسناً، وحسيناً، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر (رض) سألوا علياً (رض) نصيبهم من الخمس، فقال: هو لكم حق، ولكني محارب معاوية، فإن شئتم تركتم حقكم منه([279]).
فعلي "عليه السلام" إذاً لم يغير شيئاً مما فعله أبو بكر وعمر في الخمس، لأن ذلك يؤلب الناس عليه، ويدعون عليه خلاف أبي بكر وعمر. وإذا كان يريد حرب معاوية؛ فإن الأمر يستوجب هذا الأمر الأهم، وتأجيل المهم إلى وقت لا يكون فيه العمل به ذا مضاعفات خطيرة.
الخمس في عهد معاوية:
لقد حرم بنو هاشم من الخمس منذ زمن معاوية، الذي صار يصطفي لنفسه الصفراء والبيضاء، ولا يقسم بين المسلمين منه ذهباً ولا فضة.
فعن علي بن عبد الله بن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي "عليهما السلام"، قالا: "ما قسم علينا خمس منذ زمن معاوية إلى اليوم"([280]).
ولما أمر عمر بن عبد العزيز بدفع شيء من الخمس إلى بني هاشم، اجتمع نفر منهم، وكتبوا إليه يشكره، لصلته رحمه وفيه: إنهم لم يزالوا مجفوين منذ كان معاوية([281]).
كما أن زياداً كتب إلى والي خراسان من قبله، الحكم بن عمرو الغفاري، يقول له عن الغنائم الكثيرة التي أصابوها: "أما بعد، فإن أمير المؤمنين كتب أن يصطفى له الصفراء والبيضاء، ولا تقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة".
وزاد الطبري: "الروائع"([282]) على الصفراء والبيضاء.
ولكن الحكم رفض ذلك، وقسم الغنائم، فأرسل إليه معاوية من قيده، وحبسه، فمات في قيوده، ودفن فيها، وقال: إني مخاصم([283]).
حتى عهد عمر بن عبد العزيز:
وبقي الخمس في أيدي الأمويين يتصرفون فيه تصرف المالك، حتى كان عهد عمر بن عبد العزيز، فحاول أن يعيد للهاشميين بعض حقوقهم لمصلحة يراها، فقسم فيهم بعض ذلك، ووعدهم: أنه إن بقي لهم أعطاهم جميع حقوقهم([284]).
لكن هذه المحاولة ـ كعهد عمر بن عبد العزيز نفسه ـ سرعان ما انتهت وبطل مفعولها، وعادت الأمور لتسير في نفس الاتجاه الذي رسمه لها أعداء علي "عليه السلام" وأعداء أهل بيته، كما يعلم بأدنى مراجعة لكتب السير والتاريخ.
آراء فقهاء أهل السنة في الخمس:
ولقد تضاربت آراء فقهاء أهل السنة تبعاً لما فعله الخلفاء:
قال ابن رشد: واختلفوا في الخمس على أربعة مذاهب مشهورة.
إحداها: أن الخمس يقسم على خمسة أقسام على نص الآية، وبه قال الشافعي.
والقول الثاني: إنه يقسم على أربعة أقسام.
والقول الثالث: إنه يقسم اليوم ثلاثة أقسام، وإن سهم النبي "صلى الله عليه وآله"، وذي القربى سقط بموت النبي "صلى الله عليه وآله".
والقول الرابع: إن الخمس بمنزلة الفيء يعطى منه الغني والفقير.
والذين قالوا يقسم أربعة أقسام أو خمسة اختلفوا في ما يفعل بسهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" وسهم القرابة بعد موته، فقال قوم: يرد على سائر الأصناف الذين لهم الخمس.
وقال قوم: بل يرد على باقي الجيش.
وقال قوم: بل سهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" للإمام، وسهم ذي القربى لقرابة الإمام.
وقال قوم: بل يجعلان في السلاح والعدة، واختلفوا في القرابة من هم([285]).
أما ابن قدامة فقد ذكر: أن أبا بكر قسم الخمس على ثلاثة أسهم، وذكر أن هذا هو قول أصحاب الرأي، أبي حنيفة وجماعته، فإنهم قالوا: يقسم الخمس على ثلاثة أقسام: اليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل وأسقطوا سهم رسول الله "صلى الله عليه وآله" بموته، وسهم قرابته أيضاً.
وقال مالك: الخمس والفيء واحد، يجعلان في بيت المال.
ثم قال ابن قدامة: "وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية؛ فإن الله تعالى سمى لرسوله وقرابته شيئاً، وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمى الثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب. وأما حمل أبي بكر وعمر (رض) على سهم ذي القربى في سبيل الله، فقد ذكر لأحمد فسكت، وحرك رأسه، ولم يذهب إليه. ورأى أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى؛ لموافقته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله"([286]).
ورأى أبو يعلى، والماوردي: أن تعيين مصرف الخمس منوط باجتهاد الخلفاء([287]).
أهل البيت ^ وشيعتهم وقضية الخمس:
يقسم الخمس عند أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم إلى ستة أقسام، ثلاثة منها لله ولرسوله، ولذوي قرباه، يقبض النبي "صلى الله عليه وآله" هذه الأسهم في حياته، ويعود أمرها إلى الأئمة الاثني عشر من أهل بيته بعد وفاته "صلى الله عليه وآله". والأسهم الأخرى هي لفقراء بني هاشم، وأبناء سبيلهم، ويتاماهم، مع وصف الفقر.
وقالوا أيضاً: يجب إخراج الخمس من كل مال فاز به المسلم من جهة العدى أو غيرهم. ولا يتوقف شيعة أهل البيت عند هذا، بل يستدلون أيضاً بالأحاديث الكثيرة الدالة على ذلك، الواردة عن أئمة أهل البيت "عليهم السلام"، الذين هم أحد الثقلين الذين أمرنا بالتمسك بهم، وهم سفينة نوح، وباب حطة، هدانا الله جميعاً إلى المزيد من محبتهم والتمسك بهم ومتابعتهم في أقوالهم وأفعالهم وما ذلك على الله بعزيز.
الباب الثالث:
ما بين بدر وأحد
الفصل الأول: شخصيات وأحداث
الفصل الثاني: فاطمة وعلي ' ومناوؤوهم
الفصل الثالث: قضايا وأحداث في المجال العام
الفصل الرابع: غزوات وسراي
الفصل الخامس: غدر اليهود والإغتيالات الهادفة
الفصل السادس: جزاء الغادر
الفصل السابع: حروب علنية بين المسلمين واليهود
الفصل الأول:
شخصيات وأحداث
تمهيد:
لقد لاحظنا الأحـداث التي بين بـدر وأحد، فوجدنـاهـا تنقسم إلى قسمين:
أحدهما: يسير في الاتجاه الشخصي بحسب الظاهر، بمعنى أنه يدور حول أحداث مرتبطة بشخصيات معينة، ولكنها في نهاية المطاف لا بد أن تؤثر على الجو العام، أو استفيد منها للتأثير فيه بنحو، أو بآخر.
الثاني: الأحداث التي تصب في سير الاتجاه العام مباشرة، كالحروب، والاغتيالات، ونقض العهود، وما شاكل.
ونحن نتحدث عن كلا القسمين، ونقدم الحديث عن القسم الأول فنقول: إن الحديث سوف يشمل البحوث التالية:
1 ـ وفاة رقية زوجة عثمان، والملابسات التي اكتنفت ذلك.
2 ـ زواج عثمان بأم كلثوم، ربيبة النبي "صلى الله عليه وآله".
3 ـ هجرة زينب، ربيبة النبي "صلى الله عليه وآله"، وما يرتبط بذلك.
4 ـ زواج أمير المؤمنين بالزهراء "عليهما السلام": ظروفه وملابساته، ومناقشة بعض ما يذكر في ذلك. ويدخل في ذلك:
ألف: البحث حول أسطورة زواجه "عليه السلام" ببنت أبي جهل.
باء: البحث حول تأريخ تحريم الخمر.
والبحث في موضوع زواج علي "عليه السلام" وتوابعه نفرده في فصل مستقل سيأتي إن شاء الله تعالى.
5 ـ أم سلمة في بيت النبي "صلى الله عليه وآله".
6 ـ زواجه "صلى الله عليه وآله" بحفصة.
7 ـ زواجه "صلى الله عليه وآله" بزينب بنت خزيمة.
8 ـ سر تعدد زوجاته "صلى الله عليه وآله".
9 ـ ولادة الإمام الحسن "عليه السلام".
وتمر في خلال ذلك مناقشات لا بد منها لما قيل أو يقال، مما لا مجال لتجاهله والتجاوز عنه، فنقول:
1 ـ وفاة رقية:
قيل: إن رقية ربيبة النبي "صلى الله عليه وآله" قد توفيت في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة في شهر رمضان، يوم النصر ببدر.
وقيل: بل إن زيد بن حارثة جاء بشيراً بالنصر في حين كان عثمان واقفاً على قبرها يدفنها.
وقال النووي: إنها توفيت في ذي الحجة([288]).
ونحن نرجح: أنها توفيت بعد رجوعه "صلى الله عليه وآله" من بدر، وذلك استناداً إلى ما يلي:
1 ـ إن رواية: أن عثمان تخلف عن بدر ليمرضها محل شك، وذلك لما تقدم من تعيير عبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود وغيرهما له بتخلفه عن بدر، فكيف خفي عليهم عذره، بل وفضله إذا كان "صلى الله عليه وآله" قد ضرب له بسهمه وأجره كما يقولون.
هذا عدا عن الرواية التي تقول: إنه تخلف لأنه كان مريضاً بالجدري. وقد تقدم كل ذلك وسواه في وقعة بدر، فلا نعيد.
2 ـ لقد ذكر النووي: أنها توفيت في شهر ذي الحجة بعد بدر([289]).
وذكر ابن قتيبة: أنها توفيت لسنة وعشرة أشهر وعشرين يوماً من مقدمه "صلى الله عليه وآله" المدينة([290]).
وهذا معناه: أنها توفيت في شهر محرم. وهو يعضد ما ذكره النووي آنفاً، وإن كان هذا أكثر دقة وتحديداً.
3 ـ لقد روى ابن سعد، وغيره: أنه "صلى الله عليه وآله" قال حينما توفيت رقية: الحقي بسلفنا عثمان بن مظعون، فبكت النساء على رقية، فجاء عمر بن الخطاب، فجعل يضربهن إلى أن قال: فقعدت فاطمة على شفير القبر تبكي، فجعل يمسح عن عينها بطرف ثوبه([291]).
وردَّ الواقدي هذه الرواية: بأن رقية قد توفيت، والنبي "صلى الله عليه وآله" غائب في بدر، فلعل المراد غير رقية، أو أنه "صلى الله عليه وآله" أتى قبرها بعد قدومه، وبكاء النساء عليها بعد ذلك([292]).
ولكن هذا لا يمكن قبوله، فإن الرواية الآنفة صحيحة السند، ويعضدها ما تقدم وما سيأتي.
وردها استناداً إلى ما شاع من تمريض عثمان لها، لأجل تأكيد ما استقر في نفوسهم من أنه "صلى الله عليه وآله" قد ضرب لعثمان بسهمه وأجره، ليس بأولى من العكس، مع وجود التهمة في مستندهم هذا، كما تقدمت الإشارة إليه في وقعة بدر.
4 ـ وقد جاء بسند صحيح على شرط مسلم، عن أنس: لما ماتت رقية بنت رسول الله "صلى الله عليه وآله"، قال "صلى الله عليه وآله": لا يدخل القبر رجل قارف أهله الليلة. فلم يدخل عثمان القبر([293]).
وفي لفظ آخر ذكره البخاري، عن أنس، قال: شهدنا دفن بنت رسول الله "صلى الله عليه وآله" ورسول الله "صلى الله عليه وآله" جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، فقال: هل منكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا، فنزل في قبرها([294]).
وحكم جمع بأن ذكر رقية في الرواية وهم، أو خطأ، استناداً إلى ما تقدم من كون رقية قد توفيت، والنبي "صلى الله عليه وآله" في بدر([295]).
وجوابه كجواب سابقه. وليس هذا بأولى من العكس، بل العكس هو المتيقن، حسبما قدمنا آنفاً، وفي وقعة بدر.
والمراد بالمقارفة هنا: المجامعة، كما جزم به ابن حزم وغيره.
كلام ابن بطال وغيره:
وقد علق ابن بطال على حديث المقارفة هذا بقوله: "أراد النبي "صلى الله عليه وآله" أن يحرم عثمان النزول في قبرها.
وقد كان أحق بها؛ لأنه كان بعلها. وفقد منهم علقاً لا عوض منه؛ لأنه حين قال "عليه السلام": "أيكم لم يقارف الليلة أهله" سكت عثمان، ولم يقل: أنا؛ لأنه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه، ولم يشغله الهم بالمصيبة، وانقطاع صهره من النبي "صلى الله عليه وآله" عن المقارفة؛ فحرم بذلك ما كان حقاً له، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره، وهذا بين في معنى الحديث.
ولعل النبي "صلى الله عليه وآله" قد كان علم ذلك بالوحي؛ فلم يقل له شيئاً؛ لأنه فعل فعلاً حلالاً، غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله، حتى حرم ما حرم من ذلك، بتعريض دون تصريح"([296]).
وقال ابن حبيب: "إن السر في إيثار أبي طلحة على عثمان: أن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة؛ فتلطف "صلى الله عليه وآله" في منعه النزول في قبر زوجته بغير تصريح"([297]).
وللعلامة الأميني ههنا كلام جيد ذكر فيه: أن النبي الداعي للستر على المؤمنين، والداعي للإغضاء عن العيوب، والناهي عن التجسس بنص القرآن العظيم عما يقع في الخلوات، يخرج هنا عن سجيته، ويخالف طريقته([298])، ويعرض بعثمان هذا التعريض الذي فضحه وحرمه مما هو حق له. الأمر الذي يدل على أن ما اقترفه عثمان كان أمراً عظيماً، لا مجرد كونه فعل أمراً حلالاً، ربما يكون قد اضطر إليه بسبب طول مرض زوجته، كما قد يحلو للبعض([299]) أن يعتذر؛ فإن ذلك لا يستدعي من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يقف هذا الموقف الحازم([300]). انتهى ملخصاً.
ونقول:
لعل عثمان قد ارتكب في حق رقية ذنباً عظيماً جداً لم يستطع التاريخ أن يفصح لنا عنه، بل نجد نصاً في الكافي يقول: إن رقية لما قتلها عثمان، وقف النبي "صلى الله عليه وآله" على قبرها؛ فرفع رأسه إلى السماء، فدمعت عيناه، وقال للناس: إني ذكرت هذه وما لقيت؛ فرققت لها، واستوهبتها من ضمة القبر([301]).
ولعل مما يشير إلى ذلك، ما رواه في تقريب أبي الصلاح، عن تاريخ الثقفي: أن عثمان لما خطب، وقال: ألست ختن النبي على ابنتيه؟
أجابته عائشة: بأنك كنت ختنه عليهما، ولكن كان منك فيهما ما قد علمت([302]).
وبعد كل ما تقدم، فهل يمكن أن نصدق: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: إنه لو كان عنده ثالثة، أو عشرة، أو أربعون أو.. لكان زوجها لعثمان؟!([303]).
أكاذيب وأباطيل:
والأكاذيب والأباطيل ههنا كثيرة، نشير منها إلى ما يلي:
1 ـ هناك رواية تقول: إنه بعد موت رقية، رأى النبي "صلى الله عليه وآله" عثمان مهموماً لهفان (أو أنه يبكي بكاء شديداً)؛ فسأله "صلى الله عليه وآله"؛ فقال: وهل دخل على أحد ما دخل عليَّ؟.
ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي، وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك، فبينما هو يحاوره إذ قال النبي "صلى الله عليه وآله": يا عثمان، هذا جبريل "عليه السلام" يأمرني عن الله أن أزوجك أختها أم كلثوم، على مثل صداقها، وعلى مثل عشرتها؛ فزوجه إياها([304]).
عجيب!! أوليس هذا النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه هو الذي حرم عثمان من الدخول في قبر رقية؛ لأنه رفث إلى جارية في نفس ليلة وفاتها؟!
أوليس عثمان هو الذي عيرته عائشة بأنه كان منه في رقية وأختها ما قد علم؟!.
أوليس هو الذي قتل رقية، حسبما جاء في رواية الكافي؟!.
2 ـ ورواية أخرى مفادها: أن أبا هريرة دخل على رقية، فأخبرته: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان عندها آنفاً، وسألها "صلى الله عليه وآله" كيف تجد عثمان، فقالت: بخير.
قال: أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خلقاً([305]).
ونحن لا نزيد هنا على ما قاله الحاكم، وأيده الذهبي في تلخيصه: "هذا حديث صحيح الإسناد، واهي المتن، فإن رقية ماتت سنة ثلاث([306]) من الهجرة عند فتح بدر، وأبو هريرة إنما أسلم بعد فتح خيبر"([307]).
هذا مع غض النظر عن المناقشة الكبيرة في أن يكون عثمان من أشبه أصحابه به خلقاً؛ فإن المراجعة لسيرة عثمان وأخلاقه وسلوكه، لا يمكن أن تؤيد هذا بوجه من الوجوه، ونحيل القارئ إلى مورد واحد يكشف عن خلق عثمان، وهو قضيته مع عمار بن ياسر حين بناء المسجد..
هذا كله مع غض النظر عما ظهر منه أيام خلافته من أمور نقمها الصحابة عليه، حتى انتهى بهم الأمر إلى أن قتلوه من أجلها.
وثمة روايات أخرى حول عثمان وزواجه برقية وأم كلثوم، تعرض لها العلامة الأميني في الغدير، فمن أرادها فليراجعها([308]). فإنه رحمه الله قد جاء بما هو كاف وشاف، فجزاه الله خير جزاء وأوفاه.
كلمة أخيرة حول رقية وعثمان:
ويذكرون أخيراً: أن رقية كانت قبل عثمان متزوجة بابن أبي لهب، وقد فارقته بالطلاق.
وثمة رواية تقول: إن المبادرة للطلاق كانت من جانب آل أبي لهب، انتقاماً منها ومن أبيها، لأنها صبت إلى دينه. وهذه الرواية هي المعروفة.
ولكننا نجد في مقابل ذلك، رواية حسنة الإسناد تقول: إن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي طلب من عتبة طلاق رقية؛ وسألته رقية ذلك، فطلقها([309]).
ونحن وإن كنا لا نستغرب خبث نفوس آل أبي لهب، ولا يبعد أن تكون قد تعرضت عندهم للأذى، ولربما يستفاد ذلك من طلبها هي الطلاق، إلا أننا ربما نجد في هذه الرواية الثانية: دلالة على أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يسعى إلى أن لا يقر مسلمة مع مشرك، إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ومهما يكن من أمر، فإن عثمان قد تزوجها بعد طلاق ابن أبي لهب لها.. ويظهر أن ذلك كان في الإسلام؛ كما تدل عليه الروايات المتقدمة([310]).
وإن كان البعض يحاول أن يدَّعي أنه تزوجها في الجاهلية([311]) ولكن ما تقدم يدفعه.
ويدفعه أيضاً أن ابن شهراشوب يذكر: أن عثمان قد عاهد أبا بكر أن يسلم إذا زوجه النبي "صلى الله عليه وآله" رقية([312])، وكانت رقية ذات جمال رائع([313])، ومن أحسن البشر([314]).
فلعل النبي "صلى الله عليه وآله" زوجه إياها تألفاً له على الإسلام، فأسلم.
ويكون معنى قولهم ـ وإن كان ذلك بعيداً ـ إنه كان قد تزوجها في الجاهلية: أنه تزوجها في جاهليته هو، ثم أسلم، وفاء بعهده لأبي بكر.
ولسوف يأتي بعض الكلام حول هذا أيضاً، حين الكلام عن زواج علي "عليه السلام" بفاطمة إن شاء الله.
2 ـ زواج عثمان بأم كلثوم:
قال البعض: إن عثمان قد تزوج بأم كلثوم في ربيع الأول من سنة ثلاث، وبنى بها في جمادى الآخرة([315]).
ولكن روي عن الصادق "عليه السلام": أن أم كلثوم ماتت ولم يدخل بها عثمان([316]).
وكان أبو بكر وعمر قد خطبا أم كلثوم، فلم يزوجهما رسول الله "صلى الله عليه وآله"([317])، فلما ماتت رقية خطب عثمان حفصة بنت عمر، فأبى عمر أن يزوجه، فبلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فتزوج هو حفصة، وزوج عثمان أم كلثوم([318]).
وعن عائشة: أنه "صلى الله عليه وآله" جاء أم كلثوم بعد ثلاث، فسألها عن زوجها، فقالت: خير رجل.
فقال: أما إنه أشبه الناس بجدك إبراهيم، وأبيك محمد.
ونقول: إنه عدا عن الرواية المتقدمة المروية عن الإمام الصادق "عليه السلام"، التي ترفض أن يكون عثمان قد دخل بأم كلثوم؛ فإنهم أيضاً قد حكموا على خبر عائشة هذا بأنه: موضوع([319]).
هذا كله مع غض النظر عما تقدم، من أن أخلاق عثمان لم تكن توافق أخلاق رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن الصحابة إنما قتلوه لأجل ذلك.
وأما سؤال: إنه كيف يزوجه أم كلثوم وهو قد عرف سوء معاملته لرقية؟
فسيأتي جوابه حين الكلام على تعدد زوجاته "صلى الله عليه وآله". ولسوف يأتي إن شاء الله في أواخر غزوة أحد بعض ما يتعلق بمعاملة عثمان لأم كلثوم، حين الكلام عن سبب وفاتها رحمها الله تعالى.
3 ـ هجرة زينب ربيبة النبي ':
إنه بعد شهر من وقعة بدر كانت هجرة زينب ربيبة النبي "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة. حيث أرسل "صلى الله عليه وآله" زيد بن حارثة، وأنصارياً آخر ليأتيا بها. كما أن زوجها كان قد أمرها بأن تهاجر إلى أبيها، وفاء بالشرط الذي شرطه لها حينما أسر في بدر.
وخرج بها جهاراً ليسلمها إلى زيد؛ فأنف القرشيون خروجها من بينهم على هذه الحالة؛ فخرجوا في طلبها؛ فأدركوها بذي طوى؛ فسبق إليها هبار بن الأسود، فروعها بالرمح، وكانت حاملاً، فأهراقت الدم، ولما رجعت طرحت ذا بطنها.
وفي نص آخر: أنه دفعها، فسقطت على صخرة، فأسقطت، وأهراقت الدماء؛ فلم يزل بها مرضها حتى ماتت([320])؛ فبرك حموها كنانة بن الربيع، ونثل كنانته؛ وتهددهم، فتكركر الناس عنه، ففاوضه أبو سفيان؛ فكان مما قاله له:
"قد عرفت مصيبتنا ونكبتنا، وما دخل علينا من محمد أبيها؛ فيظن الناس إذا أنت خرجت بابنته جهاراً: أن ذلك عن ذل أصابنا، وأن ذلك منا وهن وضعف".
ثم طلب منه أن يرجعها إلى مكة، ثم يسلها سراً؛ فقبل منه ذلك، وعاد بها، ثم أخرجها ليلاً، وسلمها إلى زيد، فقدم بها على رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وفي نص آخر: أنه لما أرجعها بقيت عند هند بنت عتبة؛ فكانت تقول لها: هذا بسبب أبيك. فأرسل الرسول "صلى الله عليه وآله" زيد بن حارثة، ومعه خاتمه علامة لها، فأعطاه إلى راعي أبي العاص؛ فأوصله إليها، فسألته عن مكانه، ثم خرجت إليه ليلاً، فقدم بها على الرسول "صلى الله عليه وآله"([321]).
وفي عام الفتح أرجع الرسول "صلى الله عليه وآله" زينب إلى زوجها، كما سيأتي إن شاء الله.
وقد أهدر الرسول "صلى الله عليه وآله" دم هبار بن الأسود ورفيقه، بسبب ما جرى لزينب، كما ورد في رواية صحيحة على شرط السنن([322]). وكما هو معروف ومشهور.
وقبل أن نمضي في الحديث، لا بد من تسجيل النقاط التالية:
ألف: ما جرى لزينب، وما جرى لفاطمة ÷:
قال ابن أبي الحديد المعتزلي: "قلت: وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب([323]) أبي جعفر رحمه الله؛ فقال: إذا كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" وسلم أباح دم هبار بن الأسود، لأنه روع زينب؛ فألقت ذا بطنها؛ فظهر الحال: أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها.
فقلت: أروي عنك ما يقوله قوم: إن فاطمة روعت؛ فألقت المحسن؟!.
فقال: لا تروه عني، ولا ترو عني بطلانه؛ فإني متوقف في هذا الموضع؛ لتعارض الأخبار عندي فيه"([324]).
وهكذا، فلقد خاف أبو جعفر: من أن يتعرض لما تعرض له غيره ممن يروي فضائل أمير المؤمنين، وأهل البيت "عليهم السلام" لقد خاف على نفسه، أو لا أقل على مكانته واعتباره ومستقبله العلمي. ولا سيما إذا كانت هذه الرواية تتضمن إباحة دم عدد من كبار الصحابة؟! الذين لبعض الناس فيهم حسن ظن وتعلق عاطفي، ومحبة ظاهرة.
ب: أين روايات إسقاط المحسن؟!:
وليت شعري، أين هي تلك الأخبار في إسقاط المحسن، التي قال عنها أبو جعفر: إنها موجودة ومتعارضة؟! فها نحن لا نجد لها عيناً ولا أثراً في كتبهم ومؤلفاتهم اليوم، إلا القليل مما هو من قبيل هذا التعبير الذي نحن بصدد الحديث عنه.
أليس ذلك يعني: أن هذه الأخبار قد أسقطت، وقضي عليها، كغيرها من الكثير مما رأوه يضر بمصالحهم وبعقائدهم؟! وإن كان قد بقي حتى الآن الكثير النافع، والقاطع لكل عذر، ولا مجال لأحد أن ينكره، أو أن يشكك فيه مما ليس فيه حرج بالغ، أو خزي فاضح.
ولأجل قضية إسقاط المحسن حرفوا كتاب: "المعارف" لابن قتيبة، فقد قال ابن شهراشوب المتوفى سنة 588 هـ :
"وفي معارف القتيبي: "أن محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي"([325]).
وقال الكنجي الشافعي، المتوفى سنة 685 هـ‍: وزاد على الجمهور، وقال: إن فاطمة "عليها السلام" أسقطت بعد النبي ذكراً، كان سماه رسول الله "صلى الله عليه وآله" محسناً، وهذا شيء لم يوجد عند أحد من أهل النقل، إلا عند ابن قتيبة"([326]).
ولكن الموجود في كتاب المعارف لابن قتيبة، المطبوع سنة 1353 ه‍. صفحة 92 هكذا: "وأما محسن بن علي؛ فهلك وهو صغير". وهكذا في سائر الطبعات المتداولة الآن، فلماذا هذا التحريف، وهذه الخيانة للحقيقة وللتاريخ يا ترى؟!([327]).
ونسب المقدسي: إسقاط فاطمة لمحسن بسبب ضرب عمر لها إلى الشيعة([328]). وهو الذي يظهر من الذهبي والعسقلاني أيضاً([329]).
ولكن النظَّام قد أعلن رأيه في هذه القضية بشكل جعل من الصعب على الشهرستاني تجاهله، فقال عن النظام، إنه قال: "إن عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة، حتى ألقت الجنين من بطنها، وكان يصيح: أحرقوا دارها بمن فيها"([330]).
وذكر البغدادي قول النظام بضرب عمر لفاطمة، وترك التصريح بأنها أسقطت جنينها([331]).
ج: عروة يتنقص فاطمة ÷، وموقف السجاد × منه:
وقد روى عروة بن الزبير ما جرى لزينب، عن عائشة، وفي آخر كلامها العبارة التالية: "فكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: هي أفضل بناتي، أصيبت فيَّ.
قال: فبلغ ذلك علي بن الحسين زين العابدين؛ فأتى عروة، فقال: ما حديث بلغني عنك أنك تحدثه، تتنقص فيه حق فاطمة؟!
فقال عروة: ما أحب أن لي ما بين المشرق والمغرب: أن أتنقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد، فلك أن لا أحدث به أبداً"([332]).
لقد كان لا بد لعروة من إنكار: أنه كان يتنقص فاطمة، ولو بأن يجعل المسؤولية تتوجه إلى عائشة نفسها؛ لأن تنقص فاطمة "عليها السلام" علناً، معناه الكفر الصريح، وتكذيب القرآن ولم يكن ذلك مقبولاً، ولا مستساغاً عند عامة المسلمين، رغم الدعايات الواسعة التي حاولت الحط من كرامة وشأن أهل البيت، وتعظيم ورفع أعدائهم ومناوئيهم.
ولا نريد أن نزيد هنا شيئاً على موقف السجاد "عليه السلام"، فإنه قد أوضح لنا بما لا مجال معه للشك المرمى والهدف من روايتهم تلك. وقام "عليه السلام" ليؤدي رسالته في نصرة الحق وأهله.
مع الطحاوي في تمحلاته:
ولكن ما يلفت نظرنا هنا هو: أن الطحاوي يحاول أن يؤكد على صحة ما كذبه الإمام السجاد "عليه السلام"، وأن يجد له التأويل والمخرج، حتى لقد حكم بأن تفضيل زينب على سائر بناته "صلى الله عليه وآله" إنما هو حينما كانت فاطمة "عليها السلام" صغيرة، ولم تكن بهذه المنزلة، ثم وفقت فاطمة إلى الأعمال الصالحة، وما وهب لها من الذرية؛ فصارت أفضل([333]).
ونقول:
إن ما نعرفه: هو أن فاطمة إنما فضلت على نساء العالمين بنفسها، وبعملها، وجهادها هي، لا بما وهب لها من الذرية؛ فإن مجرد أن يكون للإنسان ذرية صالحة لا يجعل له امتيازاً، ما لم يكن هو بنفسه شريفاً وكريماً وفاضلاً، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم.
كما أننا نعرف: أن الطحاوي نفسه يذكر: أن فاطمة لم تكن حينئذٍ صغيرة، لأنه يقول: إنها توفيت وعمرها 25 سنة([334])،مما يعني أن عمرها كان حين هجرة زينب 17 سنة.
والغريب هنا أنه يقول: إن كون فضل عائشة على النساء، كفضل الثريد على سائر الطعام، لا ينافي فضل فاطمة، لأنه يجوز أن يكون ذلك قبل بلوغ فاطمة([335])، مع أنه هو نفسه يقول: إن فاطمة كانت أكبر من عائشة بسبع سنين، لأن النبي توفي وعمر عائشة 18 سنة عنده، وكان عمر فاطمة 25 سنة عنده (وقد قدمنا نحن أن العكس هو الصحيح، فراجع مباحث أول من أسلم، حول سبق عائشة إلى الإسلام، ومباحث العقد على عائشة، وانتقالها إلى بيت النبي "صلى الله عليه وآله"..).
ثم أليس البلوغ هو بلوغ تسع سنين؟
وقد كان عمر فاطمة يزيد حينئذٍٍ على تسع سنين على جميع الأقوال؟!.
كما أن آية التطهير قد نزلت بعد هجرة زينب بحوالي سنتين فقط، وقد شملت فاطمة دون زينب وعائشة.
وعلى كل حال، فإننا لا نستغرب على الطحاوي ولا على غيره هذه التناقضات والغرائب، فإنما هي "شنشنة أعرفها من أخزم".
مصاب فاطمة ÷:
وبعد، فإن ما أصاب فاطمة بعد وفاة أبيها "صلى الله عليه وآله" قد زاد على كل مصائب من سواها من النساء، فقد ضربت "عليها السلام"، وأسقط جنينها، وهجموا على بيتها ليحرقوه، وقد بقي أثر الضرب في كتفها كمثل الدملج إلى أن توفيت.
ويذكر ابن سعد أنها أوصت أن لا يكشف كتفها([336]).
وقد روي قول الإمام الحسن "عليه السلام" للمغيرة بن شعبة: أنت ضربت أمي فاطمة حتى أدميتها، وألقت ما في بطنها استذلالاً منك لرسول الله "صلى الله عليه وآله"([337]).
ثم منعوها من البكاء على أبيها "صلى الله عليه وآله"، إلى الكثير الكثير من الظلم الذي حاق بها بشتى أنواعه.
وهكـذا يتضح: أنهم قـد انتقموا لأنفسهم شـر انتقـام، ولعـل رده لهما ـ حين خطباها ـ قد ترك هو الآخر آثاره على نفسية هؤلاء الناس، ورحم الله الذي يقول:
تـلـك كـانت حـزازة لـيس تـبـرا حـين رُدَّا عنـهــا وقــد خطبـاه
4 ـ أم سلمة في بيت النبي ':
وفي شوال السنة الثانية بعد بدر([338]) وقيل: قبل بدر([339])، وقيل: في شوال السنة الرابعة([340]) تزوج الرسول "صلى الله عليه وآله" بأم سلمة، أفضل نساء النبي "صلى الله عليه وآله" بعد خديجة، وأول مهاجرة إلى الحبشة مع زوجها أبي سلمة، وعادت إلى مكة ثم كانت أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أيضاً([341]).
ونحن نرجح: أنها دخلت بيت النبي "صلى الله عليه وآله" كزوجة له في السنة الثانية، وقد حضرت زفاف علي بفاطمة "عليهما السلام" الذي جرى في ذي الحجة من السنة الثانية، وذلك لما ذكرناه فيما يأتي، حين الكلام حول حضور أم سلمة زواج فاطمة "عليها السلام"، فليراجع ما ذكرناه هناك.
وعلى كل حال، فقد خطب أم سلمة أولاً أبو بكر، فردته، ثم خطبها عمر فردته؛ ثم خطبها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقالت: مرحباً برسول الله الخ..([342]) وذكرت له أنها غيرى، وأنها مصبية([343])، فرد النبي "صلى الله عليه وآله" كلا عذريها، وتزوجها.
عمر أم سلمة حين الزواج:
والظاهر أنها حين تزوجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" لم تكن قد بلغت الخامسة والعشرين من عمرها، لأنهم يقولون: إنها توفيت في أوائل خلافة يزيد لعنه الله، سنة اثنين وستين، ولها أربع وثمانون سنة([344]) فيكون عمرها حينما هاجرت إلى الحبشة حوالي 15 سنة.
الكمال والجمال:
وعذر أم سلمة المتقدم لرسول الله "صلى الله عليه وآله" بأنها تغار، وبأنها مصبية، يدل على كمال عقلها، وحسن أدبها، وعلى أنها كانت تحسب للعواقب حسابها، فإن غيرتها لربما توقعها فيما لا تحب، وتكون سبباً في أذى النبي، أو عدم راحته. وكونها مصبية لربما يعيقها عن القيام بواجباتها تجاه رسول الله "صلى الله عليه وآله" على النحو الأكمل والأفضل.
وقد كانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع، والعقل الراجح، والرأي الصائب([345]).
وكانت من أجمل الناس([346]).
ولأجل ذلك نجد عائشة تقول: لما تزوج رسول الله "صلى الله عليه وآله" أم سلمة حزنت حزناً شديداً؛ لما علمت من جمالها، فتلطفت حتى رأيتها؛ فرأيت والله أضعاف ما وصفت من الحسن والجمال، فذكرت ذلك لحفصة، وكانتا يداً واحدة إلخ([347]).
ثم ذكرت أن حفصة قد حاولت التخفيف من هموم رفيقتها في هذا المجال.
ولكن الظاهر: أن ذكر حفصة هنا كان في غير محله، لأن الظاهر أنه "صلى الله عليه وآله" قد تزوجها بعد أم سلمة كما سيأتي. فلا بد أن تكون قد ذكرت لها ذلك، حين لم تكن حفصة زوجة له "صلى الله عليه وآله"، أو أن غير حفصة هي صاحبة القضية مع عائشة.
وثمة موارد أخرى تدخل في هذا المجال، ذكرها ابن سعد في طبقاته وغيره لا مجال لإيرادها.
أم سلمة على العهد:
لقد كانت أم سلمة خير زوج لرسول الله "صلى الله عليه وآله"، وبقيت بعده على العهد، لم تغير ولم تبدل، وقرت في بيتها كما أمرها الله، وناصرت وصي رسول الله، وعادت أعداءه ومحاربيه، حتى ليذكر البيهقي: أن عائشة دخلت على أم سلمة بعد رجوعها من وقعة الجمل، وقد كانت أم سلمة حلفت ألا تكلمها أبداً، من أجل مسيرها إلى محاربة علي بن أبي طالب.
فقالت عائشة: السلام عليك يا أم المؤمنين.
فقالت: يا حائط، ألم أنهك؟ ألم أقل لك؟!
قالت عائشة: فإني أستغفر الله وأتوب إليه، (كيف تتوب إليه، وهي عندما جاءها نعي علي أعتقت غلامها، وأظهرت الشماتة، وتكلمت بالكلام السيء في حقه "عليه السلام")([348]) كلميني يا أم المؤمنين.
قالت: يا حائط، ألم أقل لك؟! ألم أنهك؟!
فلم تكلمها حتى ماتت إلخ([349]).
ولأم سلمة كلام قوي واجهت به عائشة بعد حرب الجمل وقبلها. ولها كتاب إلى علي "عليه السلام" حول خروج عائشة وإرسال ابنها سلمة إلى علي ليحارب معه عدوه، فليراجع ذلك من أراده([350]).
وبالمناسبة فإن ابن أم سلمة الذي أرسلته إليه اسمه "عمر"، وقد كان والياً لأمير المؤمنين "عليه السلام" على فارس والبحرين؛ وكان معه يوم الجمل([351]).
وفاة أم سلمة:
وقد كانت أم سلمة رحمها الله آخر نسائه "صلى الله عليه وآله" وفاة. فقد توفيت في خلافة يزيد لعنه الله تعالى.
ولا يصح قول البعض كالواقدي وغيره([352]): إنها توفيت سنة تسع وخمسين، وصلى عليها سعيد بن زيد، أو أبو هريرة([353]).
نعم، لا يصح؛ وذلك للأمور التالية:
أولاً: إن سعيد بن زيد قد توفي في سنة خمسين، أو إحدى وخمسين([354]) فكيف يكون قد صلى على أم سلمة التي توفيت بعد ذلك ـ كما صرح به هو نفسه ـ بسنوات؟
وأما أبو هريرة، فإنه توفي سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين، فبالنسبة للقولين الأولين لا ريب في أنه قد توفي قبلها، وأما بالنسبة للأخير، فيبقى الأمر محتملاً؛ ولسوف يندفع هذا الاحتمال من خلال الأدلة التالية.
وثانياً: إننا لا نرتاب في أن أم سلمة قد توفيت في خلافة يزيد، وذلك استناداً إلى ما يلي:
1 ـ إن من المعروف والثابت، أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أودع عند أم سلمة قارورة فيها من تراب كربلاء، فإذا رأتها فاضت دماً؛ فقد قتل الحسين "عليه الصلاة والسلام".
وهكذا كان، فقد عرفت استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام"، حينما فاضت هذه القارورة دماً([355]).
قال ابن كثير: "والأحاديث المتقدمة في مقتل الحسين تدل على أنها عاشت إلى ما بعد مقتله"([356]).
2 ـ روى الطبراني بسند رجاله ثقات: أنها رحمها الله توفيت زمن يزيد بن معاوية سنة اثنتين وستين([357]).
3 ـ وقال الذهبي: إنها عمرت حتى بلغها مقتل الحسين الشهيد؛ فوجمت لذلك، وغشي عليها، وحزنت عليه كثيراً، ولم تلبث بعده إلا يسيراً، وانتقلت إلى الله تعالى([358]).
4 ـ عن شهر بن حوشب، قال: أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين([359]).
5 ـ رأت أم سلمة النبي "صلى الله عليه وآله" في المنام، وأخبرها بأن الحسين "عليه السلام" قد قتل([360]).
6 ـ قالوا: وقد روي بسند رجاله رجال الصحيح: أنها سمعت الجن
تنوح على الحسين "عليه السلام"([361]).
7 ـ عن شهر بن حوشب، قال: سمعت أم سلمة [تقول] حين جاء نعي الحسين بن علي، لعنت أهل العراق؛ فقالت: قتلوه، قتلهم الله إلخ.. ثم تذكر حديث الكساء([362]).
8 ـ وروى مسلم في صحيحه: أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعبد الله بن صفوان، دخلا على أم سلمة في خلافة يزيد بن معاوية؛ فسألا عن الجيش الذي يخسف به. وكان ذلك حين جهز يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة بعسكر الشام إلى المدينة، فكانت وقعة الحرة سنة ثلاث وستين([363]).
وأخيراً، فإن من الذين قالوا بوفاتها في خلافة يزيد: الذهبي ـ كما تقدم ـ ورجحه ابن كثير كما تقدم أيضاً، وابن أبي خيثمة، وابن حبان، وأبو نعيم، واليافعي، وابن عساكر، وصححه([364])، وغيرهم.
ولعل الهدف من الإصرار على أنها قد توفيت سنة تسع وخمسين، هو تكذيب تلك الفضيلة التي ثبتت للإمام الحسين "عليه السلام"، والتي تظهر بشاعة وفظاعة تلك الجريمة التي ارتكبها يزيد، ومن معه من الأمويين وأذنابهم.
5 ـ حفصة في بيت النبي ':
وفي السنة الثالثة، وقال أبو عبيدة في الثانية، في شهر شعبان، عقد النبي "صلى الله عليه وآله" على حفصة بعد انقضاء عدتها، بعد وفاة زوجها السابق خنيس بن حذافة، المقتول في بدر، أو أحد، أو بعدها.
والأرجح الأول؛ أي أنه "صلى الله عليه وآله" قد عقد عليها في السنة الثالثة، لأن بعض الروايات تصرح بأن عمر قد عرض حفصة على عثمان "متوفى رقية بنت النبي"([365]).
ورقية إنما توفيت بعد بدر، أو في ذي الحجة ـ كما تقدم وهو الذي رجحناه.
وتقول بعض الروايات: إن عمر عرض حفصة على عثمان وأبي بكر، فلم يجيباه إلى ما طلب، فشكا ذلك إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال له: إن الله عز وجل قد زوج عثمان خيراً من ابنتك، وزوج ابنتك خيراً من عثمان.
وهذه الرواية وإن كانت صريحة في أن أم كلثوم أفضل من حفصة، وتلقي ظلالاً من الشك حول ما ينسب إلى حفصة من الفضل، بالإضافة إلى أن سيرة حياتها وسلوكها مع النبي "صلى الله عليه وآله" وبعده، تجعل الباحث يميل إلى ضد ذلك الذي ينسبه محبوها إليها.
إلا أننا نجد: أن عرض عمر ابنته على أبي بكر، وعثمان، غير مألوف، ولا معروف من الآباء، ولا ينسجم مع طبيعة العربي، وغروره، وحساسيته تجاه قضايا المرأة بشكل خاص، وبالأخص من قبل عمر، الذي أظهر حساسية متميزة في هذا المجال، حتى لقد حرم زواج المتعة، الذي لم يكن معروفـاً ولا مألوفـاً في الجاهلية، ولـذا فنحن نـرى أن الروايـة الأصوب والأقرب هي التي تقول:
"لما توفيت رقية خطب عثمان ابنة عمر حفصة؛ فرده، فبلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: يا عمر، أولا أدلك على خير من عثمان؟، وأدل عثمان على خير له منك؟!
قال: نعم يا نبي الله.
قال: تزوجني ابنتك، وأزوج عثمان ابنتي، خرجه الخجندي"([366]).
ويلاحظ: أنه لم يذكر في هذه الرواية: أن الله قد زوجه حفصة، وزوج عثمان أم كلثوم.
وعدم ذكره هو الأقرب للصحة؛ فإن زينب بنت جحش كانت تفتخر على نساء النبي بأن الله هو الذي زوجها، أما هن فزوجهن أولياؤهن.
ولو كان الله قد زوج حفصة حقاً لم يكن لكلام زينب هذا مجال، ولاعترض عليها نساء النبي "صلى الله عليه وآله" في ذلك.
وهكذا، فإن الشواهد تتضافر على تأييد هذه الرواية الأخيرة. ولسوف يأتي أيضاً كلام مهم آخر عن زواجه "صلى الله عليه وآله" من حفصة، حين الكلام عن سر تعدد زوجاته "صلى الله عليه وآله".
6 ـ زينب بنت خزيمة في بيت النبي ':
وفي شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة، وبعد تزوجه "صلى الله عليه وآله" بحفصة، تزوج "صلى الله عليه وآله" بزينب بنت خزيمة وماتت بعد شهرين، أو ثلاثة من اقترانها به، فهي أول زوجاته "صلى الله عليه وآله" موتاً بعد خديجة "صلوات الله وسلامه عليها".
وقبل أن نمضي في الحديث لا بأس بأن نتوقف قليلاً لنلقي نظرة، ولنتأمل في الدوافع التي دعت النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" إلى تكثير زوجاته؛ فنقول:
سر تعدد زوجاته:
الاتهام الباطل:
قد يحلو لبعض المغرضين والحاقدين: أن يسجل على رسول الإسلام الأعظم "صلى الله عليه وآله" ملاحظة غير واقعية، تتلخص في أنه "صلى الله عليه وآله" إنما تزوج عدة نساء استجابة لرغبة جنسية جامحة، كان يعاني منها.
ولكننا، إذا درسنا هذه الناحية بعمق ووعي، فإننا نخرج بنتيجة حاسمة تعطينا: أن هذا الكلام محض خيال زائف، ليس له منطق يساعده، ولا دليل يعتمد عليه، وذلك بملاحظة ما يلي:
1 ـ إن حب الرجل للمرأة أمر طبيعي، ولقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" رجلاً إنساناً؛ فطبيعي أن يميل إلى المرأة، ويشعر بالمتعة معها. ولكن أول ما يطالعنا في هذا المجال في حياته "صلى الله عليه وآله"، هو أننا نلاحظ: أن أكثر زوجاته "صلى الله عليه وآله" كن ثيبات: إما مطلقات، أو ترملن من أزواجهن قبله "صلى الله عليه وآله".
فلو كان "صلى الله عليه وآله" يهتم بأمور الجنس؛ لكان باستطاعته أن يتزوج خيرة الفتيات الأبكار؛ ولوجد أولياءهن يفتخرون بمصاهرته لهم. وهو الذي حث وحبذ وأثنى على الزواج بالأبكار، ورغب فيه بشكل واضح وملموس.
2 ـ إنه "صلى الله عليه وآله" وهو في مكة بقي 25 سنة مع زوجته خديجة، المرأة الوفية، التي كانت تكبره سناً، كما يقولون.
ولم يتزوج عليها في حياتها أحداً، مع أن تعدد الزوجات كان مألوفاً لدى الناس آنئذٍ.
3 ـ إننا نجده يرفض عرض قريش عليه التزويج بأي النساء شاء، في مقابل أن يلين في موقفه، ويخفف من مواجهته لآلهتهم وعقائدهم.
4 ـ وملاحظة رابعة نضيفها وهي: أن نساءه "صلى الله عليه وآله" كن على كثرتهن من قبائل شتى، لا تكاد تجد منهن اثنتين من قبيلة واحدة، إلا من اللواتي لم يدخل بهن.
5 ـ ثم إن جميع زوجاته باستثناء خديجة، إنما دخلن بيت الزوجية عنده حينما كان في المدينة المنورة، أي بعد أن تجاوز سن الخمسين، وبعضهن تزوجهن "صلى الله عليه وآله" قبل وفاته بمدة قليلة.
6 ـ وأيضاً، فإن هذا التعدد لم يشغل النبي "صلى الله عليه وآله" عن واجباته، ولا أخرجه عن اتزانه، ولا طغى على وقته ونشاطه، وتاريخ حياته "صلى الله عليه وآله" يشهد: بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يهتم بهذه الأمور، بل كان مثال العفاف والطهر البالغ، ولم يلوث نفسه بأي مما كانت الجاهلية تبيحه، وتشيع في مجتمعه ممارسته، ولم يستطع أحد من أعدائه أن يصمه بشيء من ذلك.
7 ـ وأخيراً، فإن ما يجب الالتفات إليه هو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد خيّر زوجاته بين الرضا بحياة التقشف معه، وبين الطلاق والفراق، فلو كان زواجه بهن بسبب طغيان الغريزة الجنسية لديه، لكان يجب أن يحتفظ بهن في جميع الأحوال، ولا يفرط بهن لمجرد حبه لحياة التقشف والزهد.
فهل استيقظ فيه "صلى الله عليه وآله" الشعور الجنسي في المدينة بالذات، وبعد شيخوخته، وفي أواخر عمره؟!
وهل استيقظ هذا الشعور على خصوص النساء اللواتي ترملن؟ أو طلقهن أزواجهن؟!.
أو هل أراد حقاً أن يتذوق نساء القبائل المختلفة في الجزيرة العربية؟!.
ولماذا اختص ذلك بالعربية دون غيرها؟!.
الدوافع الحقيقية:
وبعدما تقدم، فإننا إذا أردنا أن نجيب على التساؤل حول السبب في كل ذلك، ودوافعه، وآثاره، فإننا نقول:
إن زواجه "صلى الله عليه وآله" المتعدد هذا، قد كان لدوافع سياسية، وأحكامية، وإنسانية؛ وانطلاقاًَ من مصلحة الإسلام العليا.
وتوضيح ذلك قدر الإمكان يكون في ضمن النقاط التالية:
1 ـ إن بعض موارد ذلك الزواج كانت دوافعه إنسانية بحتة، لكون تلك المرأة قد أسلمت وهاجرت، ثم توفي أو قتل عنها زوجها، ولا سبيل لها إلى الرجوع إلى أهلها المشركين؛ لأنها لا تستطيع أن تقاوم ضغوطهم النفسية والمادية عليها.
هذا إن لم تتعرض للتعذيب الجسدي الوحشي، فيما لو أرادت أن تحتفظ بدينها وعقيدتها فيما بينهم، ولا معيل ولا كفيل لها في هذا المجتمع الجديد، كما كان الحال بالنسبة لسودة بنت زمعة التي كانت مسنة، ويزيد عمرها على الخمسين عاماً، وكذا الحال بالنسبة لزينب بنت خزيمة.
هذا بالإضافة إلى أن تأيمها سيطلق الألسنة والأهواء في حقها وفي اتهامها، ويجعلها تتعرض لضغوط، وحتى إلى إغراءات، ربما لا تناسبها ولا تناسب موقعها ومصيرها في هذا المجتمع الغريب عنها. هذا إن لم يؤد ذلك إلى أزمات نفسية، وحتى قبلية لا مبرر لها.
فخير كافل، وخير معين، وحافظ وولي لها، هو النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"، إلا إذا وفق الله وتزوجها بعض خيار أصحابه "صلى الله عليه وآله"، حين يكون ثمة من يقدم على ذلك.
2 ـ إن زواجـه "صلى الله عليه وآله" بجويريـة قد نشأ عنه: ـ كما يقولون ـ أن يطلق المسلمون مئة أهل بيت، وعند دحلان مئتين من الأسرى من قبيلتها، فأسلم من قومها خلق كثير، على حد تعبير المؤلفين في السيرة النبوية([367]).
وسيأتي ذلك إن شاء الله مع مصادره في جزء آت من هذا الكتاب. فهذا نوع من التأليف للناس على الإسلام، والترغيب فيه، كما كان "صلى الله عليه وآله" يتألفهم بطرق أخرى كبذل المال لهم، وتزويجهم، وتوليتهم بعض الأمور، وغير ذلك.
بل نجد عمرو بن العاص يذكر لنا نوعاً من التأليف لم يكن يخطر على بالنا ؛ يقول عمرو: "كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم، يتألفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي، حتى ظننت أني خير القوم..".
ثم ذكر أنه سأل النبي "صلى الله عليه وآله" عن نفسه، وفلان، وفلان، فأخبره: أنهم أفضل منه، فيقول عمرو: "فلوددت أني لم أكن سألته"([368]).
3 ـ إن زواجه بزينب بنت جحش قد كان لضرورة اقتضاها التشريع، حيث إنه "صلى الله عليه وآله" كان قد تبنى زوجها زيد بن حارثة، وكان العرب يعتقدون: أن آثار التبني هي نفس آثار البنوة الحقيقية، فيحل له، ويحرم عليه، ويرث، ويعامل ـ تماماً ـ كالابن الحقيقي بلا فرق.
ولم يكن مجال لقلع هذا المفهوم الخاطئ إلا بالإقدام على عمل أساسي لا مجال للريب، ولا للتأويل فيه. فكان زواج النبي "صلى الله عليه وآله" من زوجة ابنه بالتبني هو الوسيلة الفضلى لقلع هذا المفهوم الخاطئ من أذهانهم، وهكذا كان.
4 ـ لقد جاء الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" لهداية الناس وإرشادهم، ولا بد لهم من الإيمان به، والتسليم لأمره ونهيه. بل لا بد أن تكون له مكانة ومحبة في نفوسهم تزيد على محبتهم لكل شيء آخر، حتى المال، والولد، والنفس، بنص القرآن الكريم:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}([369]).
ولكن، وبعد أن اضطر "صلى الله عليه وآله" إلى مواجهتهم بالحرب، وقهرهم، وتمكن من السيطرة عليهم، صار بين كثير من القبائل التي كان عدد من زوجاته "صلى الله عليه وآله" ينتمي إليها، وبين المسلمين، والنبي "صلى الله عليه وآله" على رأسهم، حروب وقتلى، وكان لقضية الثار والدم عند العربي أهمية خاصة، كما ألمحنا إليه من قبل.
نعم، بعد ذلك كله، مست الحاجة إلى اتباع أساليب كثيرة من أجل تأليفهم وإيجاد علائق من نوع معين، تفرض عليهم، أو على الأقل على الكثيرين منهم ـ والنبي "صلى الله عليه وآله" يهمه حتى الفراد الواحد ـ: أن يرتبطوا به، ويتعاملوا معه تعاملاً واضحاً، ومن موقع الثقة المتبادلة. ويقطع الطريق عليهم في أي موقف سلبي منه، ومن دعوته.
وبعد أن يتمكن من شحنهم روحياً وعقائدياً، يكون قد مهد الطريق للقضاء على الأحقاد والإحن، ليمكن ـ من ثم ـ العمل يداً واحدة من أجل هدف واحد، وفي سبيل واحد.
ولهذا نجده "صلى الله عليه وآله" يتحمل من بعض تلك النسوة أذى كثيراً، ويواجه صعوبات جمة معها، ولكنه لا يبادر إلى قطع العلاقة معها نهائياً، لأنه يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج، لا من جو بيت الزوجية([370]).
5 ـ وكشاهد على ما تقدم نذكر: أن زواجه "صلى الله عليه وآله" بحفصة مثلاً كان ـ على ما يظهر ـ زواجاً سياسياً؛ ويمكن أن يتضح ذلك من كلام أبيها عمر لها، حين طلقها النبي "صلى الله عليه وآله"، وأراد طلاقها مرة ثانية، حينما تظاهرت هي وعائشة عليه "صلى الله عليه وآله"، واعتزلهما، فقد قال عمر لابنته:
"والله، لقد علمت: أن رسول الله لا يحبك، ولولا أنا لطلقك رسول الله صلى الله عليه وآله"([371]).
كما ويرى البعض: أنه "صلى الله عليه وآله" أراد أن يساوي بين أبي بكر وعمر من جهة المصاهرة لكل منهما([372]).
ومعنى كلامه هذا هو أن الدافع للزواج بحفصة كان سياسياً، وليس هو الرغبة الجنسية الجامحة، كما يدعون.
وكذا الحال بالنسبة لزواجه بعائشة، حيث تزوجها من أجل الاحتفاظ بولاء أبيها وأبنائه إلى جانبه.
وحينما طلق رسول الله "صلى الله عليه وآله" حفصة في المرة الأولى، حثا عمر على رأسه التراب، وقال ما يعبأ الله بعمر، وابنته بعدها، فراجعها النبي، رحمة لعمر([373]).
فهذا الموقف الشديد لعمر من طلاق ابنته، جعل النبي "صلى الله عليه وآله" يضطر إلى مراجعتها من جديد!!
وقد ذكرها عمر بهذا الأمر حينما أراد "صلى الله عليه وآله" طلاقها في المرة الثانية فقال: "إنه قد كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي" أو قال: إن النبي طلقك وراجعك من أجلي، أو نحو ذلك([374]).
وبعدما تقدم يتضح: أنه لا يصح قولهم: إنه "صلى الله عليه وآله" إنما راجعها، لأن جبرائيل أمره بمراجعتها، لأنها صوامة قوامة([375]).
خصوصاً وأن الصوامة القوامة لا تجعل النبي "صلى الله عليه وآله" يضطر إلى طلاقها مرتين، ثم يراجعها من أجل أبيها.
وقد يتضح للبعض: أن تلفيق رواية زواج علي "عليه اليلام" من بنت أبي جهل، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" طلب أن يطلق ابنته إذا أصر على ذلك، قد جاء بهدف حفظ ماء الوجه لعمر فيما جرى له في قصة طلاق النبي "صلى الله عليه وآله" لابنته حفصة.
كذبة مفضوحة:
ومن الكذب الواضح هنا: ما روي أنه لما طلقها النبي "صلى الله عليه وآله" اغتم الناس؛ ودخل عليها خالها عثمان بن مظعون، وأخوه قدامة، فبينما هو عندها، وهم مغتمون إذ دخل النبي "صلى الله عليه وآله" على حفصة، وقال: يا حفصة، أتاني جبريل "عليه السلام" آنفاً، فقال: إن الله يقرؤك السلام، ويقول لك: راجع حفصة؛ فإنها صوامة قوامة، وهي زوجتك في الجنة.
وثمة نص قريب من هذا، ورجاله رجال الصحيح([376]) كما يدَّعون.
وهذا من الكذب الواضح؛ فإن عثمان بن مظعون قد توفي قبل زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بها بمدة، وقضية الطلاق إنما حصلت في قضية لها مع مارية التي قدمت إلى المدينة سنة سبع، أو ثمان.
وقد قلنا: إن الصوامة القوامة لا يعهد منها أن تؤذي النبي إلى حد يضطر معه إلى طلاقها مرتين. والتي تؤذي النبي لا يعقل أن تكون معه في الجنة، والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ الله لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}([377]).
وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً}([378]).
وبعد هذا، فلا يمكن أن نصدق: أن يأتي جبرائيل فيأمره بمراجعة من هذه حالها، ثم يحكم ـ علاوة على ذلك ـ لها بالجنة([379]).
لماذا لم يطلق النبي ' عائشة؟!
وقد يتساءل البعض فيقول: إذا كان الزواج بعائشة وحفصة، و.. و.. سياسياً، فلماذا لم يطلقهن النبي "صلى الله عليه وآله" بعد أن قوي الإسلام، ليرتاح الناس من كثير من البلاءات التي حدثت بسببهن بعده، وبذلك لا يبقى مجال لادِّعائهن الحظوة عنده "صلى الله عليه وآله"، ولا يبقى لهن تلك المكانة التي مكنتهن من خوض حرب الجمل، وغير ذلك؟!
والجواب:
إن قوة الإسلام السياسية والعسكرية، وانتشاره الواسع في آخر حياة النبي "صلى الله عليه وآله" لا يعني قدرته على طلاق هؤلاء النسوة.. ثم مواجهة الكيد الذي سوف ينشأ عن ذلك..
ويدل على ذلك: أن فتح مكة قد أعطى ذلك الفريق قوة وجماهير تتعصب لهم، بحيث تمكنوا من منع الرسول "صلى الله عليه وآله" من تبليغ ولاية علي "عليه السلام" في يوم عرفة..
كما أنهم لم يمتثلوا أوامر الرسول "صلى الله عليه وآله" لهم، بالخروج في جيش أسامة. بل إنهم قد تجرؤوا على الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" في حديث رزية يوم الخميس، حتى قالوا: إن النبي ليهجر. كما أنهم قد حشدوا الألوف من الذين ساعدوهم على الانقلاب المسلح ضد علي "عليه السلام" في نفس يوم دفن رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
إلى غير ذلك مما يظهر: أن عامة من أسلم بعد فتح مكة كان يلتقي مع هذا الفريق في طموحاته وأهدافه وسياساته، وأن هذا الفريق قد أصبح أقوى بكثير مما كان عليه قبل ذلك..
الزواج السياسي احتقار للمرأة:
ربما يقال: إن الزواج السياسي من قبل النبي "صلى الله عليه وآله"، أو من قبل الإمام الحسن "عليه السلام" من جعدة بنت الأشعث، إهانة للمرأة، وتحقير لها، وامتهان لكرامتها كإنسان.
والجواب:
أولاً: إن النساء يختلفن من حيث الكرامة والقيمة باختلاف حالاتهن، وبمقدار التزامهن بخط الإسلام والأحكام، ففاطمة ومريم، "عليهما السلام" وامرأة فرعون وخديجة، وأم سلمة (رحمهن الله) لسن مثل امرأة نوح وامرأة لوط، فالمرأة التي ترضى لنفسها أن تكون في موقع الإهانة لا تكون إهانتها إهانة للجنس.
وثانياً: إنه إذا كان الزواج بامرأة ما سبباً لهداية جماعة من الناس، أو دفع ضرر عن الإسلام، أو عن المسلمين، فإنه يكون تكريماً للمرأة، وتشريفاً لها، لا سيما إذا كان ذلك من نبي أو وصي.
فاعتبار ذلك إهانة للمرأة ليس له ما يبرره.
7 ـ ولادة الإمام الحسن ×:
وولد الإمام الحسن عليه الصلاة والسلام في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثالثة، على ما هو الأقوى؛ وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء؛ فأخذه "صلى الله عليه وآله" وقبله، وأدخل لسانه في فيه، يمصه إياه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، وحلق رأسه، وتصدق بوزن شعره ورقاً (أي فضة)، وطلى رأسه بالخلوق([380]).
ثم قال: يا أسماء، الدم فعل الجاهلية([381]). أي أن طلي رأس المولود بالدم إنما هو من فعل الجاهلية.
وسأل علياً "عليه السلام"، إن كان قد سماه.
فقال "عليه السلام": ما كنت لأسبقك باسمه.
فقال "صلى الله عليه وآله": ما كنت لأسبق ربي باسمه.
فأوحى الله إليه: إن علياً منك بمنزلة هارون من موسى؛ فسمه باسم ابن هارون.
قال: وما كان اسمه؟
قال: شبر.
قال: لساني عربي.
قال: سمه: "الحسن"، فسماه الحسن([382]).
وهذا يدفع قولهم: إنهم سموا الحسن أولاً، حرباً([383])، أو حمزة؛ فإن علياً "عليه السلام" في أدبه وفضله لم يكن ليسبق النبي "صلى الله عليه وآله" في تسميته. وعق "صلى الله عليه وآله" عن الحسن بكبشين.
وقيل: بكبش.
وقيل: إن فاطمة "عليها السلام" هي التي عقت عنه، وهو بعيد، مع وجود أبيها وزوجها عليهما الصلاة والسلام.
بقي أن نشير هنا إلى ما يلي:
ألف: ذكر أسماء بنت عميس هنا:
إنه قد ورد في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس، بمناسبة ولادة الإمام الحسن "عليه السلام"([384]). مع أن أسماء قد كانت حين ولادته "عليه السلام" في الحبشة، وقد أرضعت هناك ابن النجاشي، فعظمت منزلتها لدى أهل تلك البلاد([385]).
ونقول:
إن هذه الزيادة قد حصلت من الرواة، حيث زادوا كلمة: "بنت عميس" تبرعاً من عند أنفسهم، جرياً على عادتهم، لأنها هي الأعرف عندهم.
والمقصود هنا: هو أسماء بنت يزيد الأنصارية، وليس هذا الاشتباه إلا في بعض الروايات، فإن رواية عيون أخبار الرضا([386]) لا تحريف فيها.
وقد اشتبه الأمر على المحقق التستري هنا([387]) بسبب اشتباهه في كيفية قراءة الخبر، فإن السجاد "عليه السلام" يروي عن أسماء بنت عميس، وهي تروي عن فاطمة، عن أسماء بنت يزيد الأنصارية.
والكلام في الرواية تارة يكون للسجاد، فيكون مراده بنت عميس، وأخرى يكون لبنت عميس، فيكون مرادها أسماء الأنصارية.
كما أن قولها في الرواية: "فدفعته" قرأه المحقق التستري بصيغة المتكلم، على اعتبار أن التاء فيه ضمير في محل رفع فاعل، مع أنها ساكنة، وهي تاء التأنيث، فراجع الرواية، وتأمل.
باء: الحسن والحسين 'اسمان جديدان:
لقد ذكر البعض: أن العرب ما كانوا يعرفون اسمي: "الحسن والحسين" إلى حين تسمية النبي "صلى الله عليه وآله" لهما بهما، لا الذين كانوا من ولد نزار، ولا اليمن، مع سعة أفخاذهما، وكثرة ما فيهما من الأسامي، وإنما يعرف فيها "حسن وحسين" على وزن سعد، وسعيد. فهما اسمان قد ادخرهما الله لهما([388]).
جيم: إرضاع أم الفضل للحسن ×:
لقد رووا: أن أم الفضل، زوجة العباس، قالت: قلت: يا رسول الله صلى الله عليك، رأيت في المنام: كأن عضواً من أعضائك في حجري.
فقال "صلى الله عليه وآله": تلد فاطمة غلاماً، فتكفليه؛ فوضعت فاطمة الحسن "عليهما السلام"، فدفعه إليها النبي "صلى الله عليه وآله"، فأرضعته بلبن قثم بن العباس([389]).
ونحن نشك في هذه الرواية:
أولاً: لأن العباس لم يكن قد هاجر حينئذٍ إلى المدينة. وكانت زوجته معه في مكة.
وثانياً: إننا نجد البعض ينكر أن يكون لقثم صحبة أصلاً([390]).
وقد رويت هذه القضية تقريباً مع أم أيمن، وأنها أرضعت الحسين "عليه السلام"، إلا أن فيه بدل في حجري: "في بيتي"([391]) فلعل هذه الرواية هي الصحيحة، ثم نسبت إلى أم الفضل من قبل العباسيين، الذين يهمهم إثبات أمر كهذا لمن ينتسبون إليه.
الفصل الثاني:
فاطمة وعلي "عليهما السلام" ومناوؤوهم
إقتران الزهراء بعلي ':
وتزوج أمير المؤمنين بفاطمة الزهراء بنت رسول الله "صلوات الله عليهم أجمعين" في شهر رمضان من السنة الثانية، وبنى بها في ذي الحجة من نفس السنة([392]). هذا هو المعتمد والمشهور.
وقيل: في السنة الأولى، وقيل: في الثالثة بعد أحد، وقيل غير ذلك. وتبعاً لاختلافهم في ذلك نجدهم يختلفون في تاريخ ولادة الحسنين "عليهما السلام".
و كان عمرها حين زواجها "عليها السلام" تسع سنين، وقال آخرون غير ذلك. وقد تقدم تحقيق تاريخ ولادتها، وأنه بعد البعثة بخمس سنين، فلا حاجة لإطالة الكلام في ذلك.
ومن الطريف هنا: أن البعض ـ كمغلطاي ـ يناقض نفسه، فيذكر أنها تزوجت بأمير المؤمنين "عليه السلام" بعد أحد، وعمرها 15 سنة.
ولكنه يعود فيذكر في نفس الصفحة: أنها توفيت ولها تسع وعشرون سنة.
ويضيف: وقيل ثلاثون، وقيل خمس وثلاثون!!([393]).
وعلى كل حال، فإن كثيراً من المؤرخين يناقضون أنفسهم حينما يذكرون تاريخ ولادتها، ووفاتها، وسنة زواجها، ومقدار عمرها، ومراجعة بسيطة مع مقارنة خير شاهد ودليل على ما نقول.
وهذا يدلنا: على أن ذلك ليس من قبيل الصدفة، فقد كان ثمة تعمد للتلاعب في مقدار عمرها الشريف، ولذلك دوافع وأهداف لا مجال للإفاضة فيها.
والحقيقة ـ وقد أشرنا إلى ذلك غير مرة ـ : أن عائشة هي التي كان لها ذلك السن العالي. أما فاطمة "عليها السلام" فقد توفي النبي "صلى الله عليه وآله" وعمرها 18 سنة، فعكسوا الأمر لحاجة في أنفسهم قضيت.
وقد تقدم تحقيق ذلك.
حديث الزواج:
ولقد خطب أبو بكر وعمر (رض) فاطمة أولاً، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": إنها صغيرة، فخطبها علي؛ فزوجها منه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه([394]).
وثمة نص آخر يفيد: أن أشراف قريش قد خطبوا فاطمة، فردهم النبي "صلى الله عليه وآله"، ومنهم عبد الرحمن بن عوف([395])، بإشارة من أبي بكر وعمر عليه، وكان قد خطبها أبو بكر فرده "صلى الله عليه وآله"، ثم خطبها عمر فرده أيضاً([396]).
وقد قيل لعلي ـ وتصرح طائفة من الروايات أن أبا بكر وعمر، بعد أن ردهما النبي "صلى الله عليه وآله" قصدا علياً "عليه السلام" إلى محل عمله، فقالا له([397]) ـ : لم لا تخطب فاطمة؟.
فخطبها "عليه السلام" إلى النبي؛ فزوجه إياها.
وصرح "صلى الله عليه وآله" غير مرة: بأنه إنما زوجه إياها بأمر من السماء([398])، كما صرحت به المصادر الكثيرة.
وجاء أن سعد بن معاذ، أو أم أيمن، أو جماعة من الأنصار، قد طلبوا منه "عليه السلام" أن يخطب فاطمة([399]).
ولا مانع من أن يكون الكل قد طلبوا منه ذلك لما يرون من مكانته وقرباه من النبي "صلى الله عليه وآله"، بالإضافة إلى أهليته في نفسه.
وقد عاتب الخاطبون النبي "صلى الله عليه وآله" على منعهم، وتزويج علي "عليه السلام"، فقال "صلى الله عليه وآله": والله، ما أنا منعتكم وزوجته، بل الله منعكم وزوَّجه([400])..
وقد ورد عنه "صلى الله عليه وآله" أنه قال: "لو لم يخلق علي ما كان لفاطمة كفؤ"([401]).
وفي كيفية زفافهما "صلوات الله وسلامه عليهما" في الأول، أو في السادس من ذي الحجة تفصيلات تظهر ما لهما "عليهما السلام" من الفضل والمزية([402]). وكذلك هي تعبر عن البساطة التي تميز بها زفاف بنت أعظم إنسان على وجه الأرض، على رجل هو أعظم وأفضل الناس بعد النبي "صلى الله عليه وآله"، حتى لقد جاء: أن فراشهما كان إهاب كبش ينامان عليه ليلاً، ويعلف عليه الناضح نهاراً([403]).
وقبل أن نمضي في الحديث، لا بد من التعرض لبعض ما يرتبط بهذا الموضوع، فنقول:
ألف: ميزات هذا الزواج:
يقول العلامة الشيخ محمد حسن آل ياسين، وهو يتحدث عن ميزات هذا الزواج:
"وكانت أولى هذه الميزات: أنه زواج في السماء، وبأمر من الله تعالى، قبل أن يكون نسباً أرضياً، ومجرد ارتباط عاطفي، ويكفينا في ذلك ما حدثنا به الخليفة عمر بن الخطاب إذ قال: "نزل جبريل فقال: يا محمد، إن الله يأمرك أن تزوج فاطمة ابنتك من علي"([404]).
"وكان ثاني هذه الميزات: أن الله تعالى قد جعل الذرية النبوية الطاهرة محصورة بهذا الزواج المبارك، ومن طريق هذين الزوجين.
وفي ذلك يقول الخليفة عمر بن الخطاب: "سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: كل نسب وسبب ينقطع يوم القيامة ما خلا سببي ونسبي، وكل بني أنثى فعصبتهم لأبيهم، ما خلا ولد فاطمة فإني أبوهم، وأنا عصبتهم"([405]).
"ثم كان ثالث هذه الميزات: أن الزهراء "عليها السلام" وحيدة محمد، التي لم يكن لها أخت في النسب الأبوي. أما زينب، ورقية، وأم كلثوم ـ وقد اشتهرن بكونهن بنات محمد ـ فهن بنات خديجة (رضي الله عنها) من زوجيها الأولين، ولم يؤيد التحقيق التاريخي المتعمق بنوتهن لمحمد"([406]).
ونقول:
إن التحقيق يدل على أنهن ربيبات للنبي "صلى الله عليه وآله" ولخديجة، ولسن بناته ولا بناتها كما تقدم.
وقد حققنا ذلك في كتاب لنا مستقل، بعنوان: "بنات النبي "صلى الله عليه وآله" أم ربائبه"، فراجع.
ب: لست بدجال:
لقد روى غير واحد: أن علياً خطب فاطمة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال "صلى الله عليه وآله": هي لك يا علي، لست بدجال.
وفي نص آخر: خطب أبو بكر فاطمة إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": "هي لك يا علي لست بدجال"([407]).
وبما أن في هذه الكلمة تعريضاً صريحاً بمن خطبها قبل أمير المؤمنين، فقد حاول ابن سعد، والبزار جعل التاء في "لست" للمتكلم، فقال ابن سعد: "وذلك أنه كان قد وعد علياً بها قبل أن يخطب إليه أبو بكر وعمر"([408]).
وقال البزار: "معنى قوله: لست بدجال يدل على أنه كان وعده، فقال: إني لا أخلف الوعد".
وقال الهيثمي: رجاله ثقات إلا أن حجراً (ابن عنبس) لم يسمع من النبي "صلى الله عليه وآله"([409]).
ونحن نقول: إن كلام كل هؤلاء لا يصح، وذلك:
أولاً: لأن العقيلي قد روى هذا الحديث بنص آخر يظهر منه أن التاء للمخاطب لا للمتكلم، فقال: عن حجر بن عنبس قال: لما زوج النبي "صلى الله عليه وآله" فاطمة من علي قال: لقد زوجتك غير دجال([410]).
والظاهر: أن الرواية خطاب لفاطمة "عليها السلام"، فهو "صلى الله عليه وآله" يريد أن ينفي أن يكون قد زوج فاطمة رجلاً دجالاً، وليس يريد أن ينفي عن نفسه كونه دجالاً.
كما أنه لو كان يريد أن ينفي عن نفسه الخلف بالوعد، لكان الأنسب أن يقول: لست بمخلف وعدي أو نحو ذلك لأن كلمة دجال، التي تعني الاختلاق، لا تناسب خلف الوعد.
وحتى لو كان الكلام خطاباً لأمير المؤمنين "عليه السلام"، فإنه يريد به أيضاً نفي كون الخاطب دجالاً. هذا هو الأنسب بالمقام، والأوفق بإجراء الكلام.
وحُكْمُ السيوطي على هذا الحديث بالوضع؛ لمكان موسى بن قيس، لا اعتبار به؛ لأنه استند في ذلك إلى كلام العقيلي فيه، واتهامه له بالرفض ـ والعقيلي هو الذي يوثق عمر بن سعد قاتل الإمام الحسين "عليه السلام"!!.
وموسى بن قيس قد وثقه كل من تعرض له سوى العقيلي، فليراجع كلام ابن معين، وأبي حاتم، وأبي نعيم، وأحمد، وابن شاهين، وابن نمير([411]).
وأما حجر بن العنبس، فقولهم: لم يسمع من النبي "صلى الله عليه وآله"، لا ندري مستنده، ونحن نرى: أنه يروي عن النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد عاصره، بل لقد أدرك الجاهلية، وذكره الطبراني في الصحابة([412])، بل لماذا لا تكون نفس روايته هذه دليلاً على سماعه منه "صلى الله عليه وآله"، كما يجعل نظائر المقام دليلاً على ذلك؟!
ولكن الحقيقة هي: أن ذنب حجر الوحيد هو: أنه حضر مع علي "عليه السلام" الجمل وصفين، ولهؤلاء اهتمام خاص في تقليل عدد الصحابة الذين كانوا مع أمير المؤمنين، وتكثير غيرهم، ولربما نشير إلى هذا الأمر بنوع من التفصيل في موقع آخر إن شاء الله تعالى.
وثانياً: لقد نصت العديد من المصادر المتقدمة: على أنه لم يكن يخطر في بال أمير المؤمنين "عليه السلام" خطبة فاطمة "عليها السلام"، وأنه لما عرض عليه أبو بكر وعمر ذلك قال: لقد نبهتماني لأمر كنت عنه غافلاً، ثم ذهب إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فخطبها، فأجابه. وهذا يدل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن قد وعده بها.
وثالثاً: إن الروايات تنص على أنه "صلى الله عليه وآله" قد أجاب أبا بكر وعمر، بأنه ينتظر بها القضاء. فلو كان قد سبق منه وعد لعلي "عليه السلام"، لكان الأنسب أن يقول لهما: إنها مخطوبة، أو إنني وعدت بها فلاناً.
إذاً، فقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" يعرض بغير علي "عليه السلام" هنا، ممن له علاقة قريبة بهذا الأمر.
والغريب في الأمر: أننا نجد علياً "عليه السلام" نفسه يعرض بغيره في هذا الموضوع بالذات؛ ف‍ "عن أسماء بنت عميس: أنها قالت: قيل لعلي: ألا تتزوج بنت رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟
فقال: ما لي صفراء ولا بيضاء، ولست بمأبور ـ بالباء الموحدة، يعني غير الصحيح في الدين ـ ولا المتهم في الإسلام"([413]).
وهذا يدل على أن تزويج النبي "صلى الله عليه وآله" لربائبه قد كان لمصلحة الدين والدعوة بالدرجة الأولى، كتزوجه "صلى الله عليه وآله" لنسائه كما تقدم توضيحه. وحينما طلب منه سعد بن معاذ: أن يخطب فاطمة، قال له: "ما أنا بأحد الرجلين: ما أنا بصاحب دنياً يلتمس ما عندي، وقد علم ما لي صفراء ولا بيضاء، وما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه ـ يعني يتألفه ـ إني لأول من أسلم"([414]).
وإذا كنا نعلم: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يلتمس الدنيا، فلا بد أن يكون ذلك تعريضاً بعثمان، حيث قد تقدم: أنه كان قد عاهد أبا بكر على أن يسلم إذا زوجه النبي "صلى الله عليه وآله" رقية، التي كانت ذات جمال رائع.
ثم هو تعريض بأولئك الذين كانوا يملكون أموالاً، وكانوا يظنون أن النبي "صلى الله عليه وآله" يزوجهم لأجل ذلك، فكان نصيبهم الرد والخيبة. ثم أشار "عليه السلام" إلى ملاك الشرف والتفضيل بقوله: إني لأول من أسلم. ولأجل ذلك زوجه الله ورسوله "صلى الله عليه وآله".
وقد قدمنا: أن رد النبي "صلى الله عليه وآله" لأولئك المعروفين عن فاطمة، كان له أثر كبير في نفوسهم، حتى لقد قال أحد الأشراف العلويين الحسنيين في قصيدته المشهورة:
تلــك كــانت حــزازة ليس تبـرا حـين رُدا عنهـا وقـــد خطـبـاهـا
ج: ترهات أبي حيان:
ومن الأمور الطريفة هنا: أن أبا حيان التوحيدي ـ الناصبي المعروف ـ يروي عن أبي حامد المرو الروذي رسالة شفهية من أبي بكر لأمير المؤمنين "عليه السلام"، وفيها:
"ولقد شاورني رسول الله "صلى الله عليه وآله" في الصهر؛ فذكر فتياناً من قريش، فقلت له: أين أنت من علي؟
فقال: إني لأكره ميعة شبابه، وحدة سنه.
فقلت: متى كنفته يدك، ورعته عينك حفت بهما البركة، وأسبغت عليهما النعمة، مع كلام كثير خطبت به رغبته فيك، وما كنت عرفت منك في ذلك حوجاء ولا لوجاء، ولكني قلت ما قلت، وأنا أرى مكان غيرك، وأجد رائحة سواك، وكنت إذ ذاك خيراً منك الآن لي"([415]).
عجيب!! وأين كانت هذه الرواية عن أنظار المؤرخين، وكيف أجمعت كلمتهم، وتضافرت وتواترت رواياتهم على مخالفتها وتكذيبها.
وقد كفانا ابن أبي الحديد المعتزلي مؤونة البحث في هذه الرواية، وبين الكثير من إمارات الوضع والاختلاق فيها، فمن أراد فليراجعه([416]).
د: ما يقال عن موقف فاطمة ÷ من الزواج:
وذكر الحلبي: أنه لما استشار الرسول "صلى الله عليه وآله" فاطمة "بكت، ثم قالت: كأنك يا أبت إنما ادخرتني لفقير قريش؟
فقال "صلى الله عليه وآله": والذي بعثني بالحق، ما تكلمت في هذا حتى أذن لي الله فيه من السماء.
فقالت فاطمة (رض): لقد رضيت ما رضي الله ورسوله"([417]).
ثم هناك روايات تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" لما رأى تغيرها خشي أن يكون ذلك من أجل أن علياً "عليه السلام" لا مال له، فراجع المصادر الكثيرة المتقدمة في أول الحديث عن هذا الموضوع.
وعن ابن إسحاق: أن علياً لما تزوج فاطمة، قالت للنبي "صلى الله عليه وآله": زوجتنيه أعيمش، عظيم البطن؟
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": لقد زوجتكه وإنه لأول أصحابي سلماً الخ..([418]).
ونحن لا نصدق كل ذلك. أما:
أولاً: فلأن رواية الحلبي تدل على سوء ظن فاطمة "صلوات الله وسلامه عليها" بأبيها الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، وهي أبر وأتقى، وأجل من أن يحتمل في حقها ذلك. وهي التي لو لم يخلق علي "عليه السلام" لم يكن لها كفؤ على وجه الأرض، وقد أذهب الله عنها الرجس، وطهرها تطهيراً، إلى غير ذلك مما يدل على مقامها السامي، الذي نالته بفضل عمق إدراكها، وحسن معرفتها، وعظيم تقواها.
وثانياً: إن الذي يطالع سيرة فاطمة "عليها السلام" وحياتها، يخرج بحقيقة لا تقبل الشك، وهي: أنها لم تكن تقيم لحطام الدنيا وزنا أبداً، أليست هي التي طحنت حتى مجلت يدها؟ ثم قبلت بالتسبيح عوضاً عن الخادم الذي كانت بأمس الحاجة إليه؛ ليرفع عنها بعض ما تعانيه وتتعرض له؟!.
أليست هي التي بقيت ثلاثة أيام طاوية هي وزوجها، وولداها، وفضة، وآثرت اليتيم، والمسكين، والأسير بالطعام؟!
أليست هي التي رضيت بإهاب كبش تنام عليه هي وزوجها ليلاً، ويعلفان عليه ناضحهما نهاراً؟!.
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
الرواية الصحيحة:
والرواية الصحيحة التي تنسجم مع سيرة وروح ونفسية الزهراء "صلوات الله وسلامه عليها"، وتنسجم مع نفسيات وخطط القرشيين، هي: أنه "صلى الله عليه وآله" قال لابنته في رابع يوم زفافها: "كيف أنت يا بنية، وكيف رأيت زوجك؟!
قالت له: يا أبت خير زوج، إلا أنه دخل علي نساء من قريش، وقلن لي: زوجك رسول الله من فقير لا مال له.
فقال لها: يا بنية، ما أبوك بفقير، ولا بعلك بفقير".
ثم ذكر "صلى الله عليه وآله" لها فضائل علي "عليه السلام" ومناقبه([419]).
وروى ابن أبي الحديد الشافعي المعتزلي: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" سأل فاطمة عن حالها، فقالت: لقد طال أسفي، واشتد حزني، وقال لي النساء: زوجك أبوك فقيراً لا مال له([420]).
فقال لها: أما ترضين أني قد زوجتك أقدم أمتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً؟
قالت: بلى، رضيت يا رسول الله.
وفي رواية أخرى ذكرها المعتزلي، زاد فيها: وما زوجتك إلا بأمر من السماء، أما علمت: أنه أخي في الدنيا والآخرة؟([421]).
وقد ذكر ذلك العبدي الكوفي في شعره فقال:
إذ أتـتـه الـبـتــول فاطـم تبـكـي وتــوالـي شهيقها والـــزفيـــر
اجتمـعـن الـنساء عندي وأقبلن يـطـلـن الـتـقـريـع والـتـعـيير
قلن إن النبي زوجـك اليوم فقيراً عـلـيــاً بـعــلاً مـعـيــلاً فـقـير
إلى آخر الأبيات([422]).
بل إن ثمة ما يدل على أن تعييرهن إياها قد كان بعد سنوات من زواجها، وهذا هو الراجح، لأن نساء قريش الحاقدات إنما كثرن بعد بدر، وأحد، والخندق.
ففي رواية الخوارزمي: أنها "عليها السلام" أقبلت وقد حملت الحسن والحسين "عليهما السلام" على كتفيها وهي تبكي بكاء شديداً، قد شهقت في بكائها.
فقال لها النبي "صلى الله عليه وآله": ما يبكيك يا فاطمة، لا أبكى الله عينيك؟
فقالت: يا رسول الله، وما لي لا أبكي ونساء قريش قد عيرنني، فقلن لي: إن أباك زوجك من رجل معدم لا مال له.
فقال "صلى الله عليه وآله": لا تبكي يا فاطمة؛ فوالله، ما زوجتك أنا، بل الله زوجك به الخ..([423]).
نعم، وإذا عرف السبب بطل العجب.
فإن القرشيين بما فيهم نساؤهم، كانوا ـ في الأكثر ـ أعداء لعلي وآل علي "عليهم الصلاة والسلام"، منذ فجر الإسلام، وحتى قبل ظهور الإسلام؛ فإن العداء كان موجوداً بين الهاشميين، الذين كانوا ـ عموماً ـ ملتزمين إجتماعياً، ويحترمون أنفسهم، ولهم من الفضائل والمزايا ما يجعل غيرهم، ممن لم يكن لديه روادع دينية أو وجدانية، ينظر إليهم بعين الحنق والشنآن، والإحن والأضغان.
ثم جاء الإسلام، فكان بنو هاشم ـ ولا سيما أبو طالب وولده ـ أتباعه وحماته، والمدافعين عنه بكل غال ونفيس، ثم كانت الضربة التي تلقتها قريش في بدر، وكان لعلي "عليه السلام" الحظ الأوفر، والنصيب الأكبر حينئذٍ في إذلال قريش، وتحطيم كبريائها، وكذلك في أحد، والخندق وغيرهما.
إذن، فمن الطبيعي: أن نجد نساء قريش يحاولن إيجاد المتاعب في بيت علي "عليه السلام"، وإثارة الفتنة بين علي وزوجته الطاهرة صلوات الله وسلامه عليها.
وفاطمة هي التي تشكوهن للرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، بعد أن تعلن: أن زوجها خير زوج، ويكون ذلك سبباً في أن يظهر الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" بعض فضائل أمير المؤمنين "عليه السلام".
ثـم إنـه "صلى الله عليه وآله" يبين لهم: أن المقياس ليس هـو المال والحطام، وإنما هو الدين والعلم، والفضائل النفسية والأخلاقية.
وبعد.. فإن أتباع القرشيين والأمويين لا يزالون إلى يومنا هذا يهتمون بتنقص أهل البيت "عليهم السلام"، وحتى فاطمة "عليها السلام"، فانظر على سبيل المثال ما جاء في الموسوعة العربية الميسرة، "مادة فاطمة".
وفيها: أنها "عليها السلام" لم يكن لها أي دور سياسي أو إجتماعي (!!) وأنها كانت ضعيفة! وأن الشيعة قد نسجوا لها الفضائل حتى لقد فضلوها على عائشة!!
وقد سبق لأمثال هؤلاء أن تنقصوها هي وزوجها في شعرهم أيضاً، حتى اضطر الشاعر العظيم الحسين بن الحجاج، المتوفى سنة 391 ه‍ إلى التصدي للرد عليهم، فهو يقول في جوابه لابن سكرة:
فـكــان قـولـك في الزهراء فاطمة قـول امـرئ لهـج بالنصب مفتون
عيرتهــا بـالـرحــا والـزاد تطحنـه لا زال زادك حبـاً غير مـطـحــون
وقلـت: إن رسـول الله زوجــهـــا مسكـيـنـة بـنت مسكـين لمسكين
كذبت يا ابن التي باب أستها سلس الأغـلاق بالليل مفكوك الزرافين
ست النساء غـداً في الحشر يخدمهـا أهـل الجنـان بحـور الخرد العين([424])
فجزاك الله يا ابن الحجاج عن ابنة رسول الله، وعن أبيها، وزوجها خير الجزاء وأوفاه، وبارك الله في هذا الإخلاص لهم ولقضاياهم، وآمنك الله يوم الفزع الأكبر من كل خوف، إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.
مقارنة:
ولا بد لنا أخيراً من أن نلفت النظر إلى أنه لا بأس بالتأمل، وإمعان النظر والمقارنة، بين ما يذكرونه عن مواقف سيئة لفاطمة "عليها السلام" تجاه أمير المؤمنين "عليه السلام"، وأنها قد رفضته أولاً؛ لأنه فقير، وبين ما يذكرونه عن عثمان وزوجته، وأنها لما سئلت عنه قالت: "خير زوج..". مع أن القضية كانت على العكس تماماً؛ فإن عثمان هو الذي كان يعامل زوجته معاملة غير مرضية، كما قدمنا، وفاطمة هي التي قالت عن زوجها: إنه خير زوج، ونساء قريش هن اللواتي حاولن الفتنة كما عرفت.
ولكن السياسة قد اقتضت عكس المواقف، وتزييف الحقائق؛ لحاجات في أنفسهم لا تخفى.
ه‍: أم سلمة وبنت عميس في زواج فاطمة ÷:
قد يقال: إنه يُشك في رواية أسماء هذه من ناحيتين:
1 ـ لقد ورد ذكر أم سلمة في بعض روايات تزويج فاطمة "عليها السلام"، مع أن أم سلمة إنما دخلت بيت النبي "صلى الله عليه وآله" كزوجة له بعد هذا التزويج.
2 ـ وورد أيضاً في عدد من الروايات ذكر لأسماء بنت عميس في هذه المناسبة، مع أن أسماء كانت حينئذٍ مع زوجها جعفر بن أبي طالب ذي الجناحين في الحبشة، ولم تأت إلى المدينة إلا عام خيبر.
ونقول: يمكن الإجابة عن ذلك:
أولاً: بأن المقصود هو أسماء بنت يزيد الأنصارية، ولكن شهرة بنت عميس، وأنس ذهن الرواة باسمها جعلهم يضيفون عمداً من عند أنفسهم للتوضيح ـ بزعمهم ـ أو عن غير عمد تبعاً لسليقتهم، كلمة: "بنت عميس". وبهذا أجاب أيضاً الكنجي الشافعي([425]).
وقد حصل نظير هذا الخلط بين الاسمين في رواية أخرى، تقدم الكلام حولها حين الكلام على ولادة الإمام الحسن "عليه السلام"، فإلى هناك.
ويرى الأربلي: أن التي حضرت زفاف فاطمة "عليها السلام" هي سلمى بنت عميس أخت أسماء، لكن الرواة بدلوا اسمها باسم أختها لشهرتها، أو سها راو فتبعوه([426]).
وثانياً: ومن جهة ثانية، فلو فرضنا أن أم سلمة لم تكن موجودة فإننا نقول: إن أسماء بنت يزيد هذه كانت تكنى بأم سلمة أيضاً، فلعلهم كانوا تارة يعبرون عنها بأسماء، وأخرى يعبرون عنها ب‍ "أم سلمة" فلا يبقى ثمة إشكال.
وثالثاً: إن من الممكن: أن تكون أم سلمة قد حضرت زفاف فاطمة "عليها السلام" في ذي الحجة من السنة الثانية؛ لأن أبا عمر صاحب الإستيعاب يقول: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" تزوجها في السنة الثانية في شوال بعد بدر، بل قيل قبل بدر أيضاً([427]).
ولربما يؤيد ذلك: أن بعض الروايات تصرح بأنه "صلى الله عليه وآله" كان حين تزويج فاطمة في بيت أم سلمة.
وكان "صلى الله عليه وآله" كلما تزوج بامرأة بنى لها بيتاً. ولو كان قد تزوجها في الرابعة لم يكن لها بيت في السنة الثانية.
واحتمال أن يكون المراد: "الذي صار فيما بعد بيتاً لها".
مخالف لظاهر الرواية التي تكاد تكون صريحة في أنه "صلى الله عليه وآله" كان يتعامل معها كزوجة، بل نجد بعض الروايات تصرح بأن أم سلمة كانت حينئذٍ زوجة له "صلى الله عليه وآله"([428]).
ولسوف يأتي الحديث عن تاريخ زواج أم سلمة عن قريب إن شاء الله تعالى.
و: هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان:
ويقولون: إن عثمان رأى درع علي "عليه السلام" تباع في السوق ليلة عرسه؛ فدفع لغلام أربعمائة درهم، وأرسله إليه، وأقسم عليه أن لا يخبره بذلك، ورد الدرع معه.
فلما أصبح عثمان وجد في داره أربعمائة كيس، في كل كيس أربعمائة درهم، مكتوب على كل درهم: "هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان".
فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" بذلك، فقال: هنيئاً لك يا عثمان.
ولا شك في أن هذا كذب محض؛ فقد ذكر الحلبي: أن في فتاوى الجلال السيوطي: أنه سئل: "هل لهذه القصة أصل؟
فأجاب عن ذلك كله: بأنه لم يصح([429]). أي وهي تصدق بأن ذلك لم يرد، فهو من الكذب الموضوع".
وقال ابن درويش الحوت: كذب شنيع([430]).
والعجيب هنا: أننا لم نجد لتلك المئة وستين ألف درهم أثراً في المتاحف العالمية، ولا تداولها الناس، ولا احتفظوا بها تبركاً وتيمناً بأنها من: "ضرب الرحمن لعثمان بن عفان"!!.
مع أنهم قد احتفظوا بشعر نبيهم، وحتى بالخرق التي مست جسده، والمواضع التي صلى فيها؛ فهل كان نبيهم أعز عليهم من ربهم؟! أو حتى من عثمان؟! وهو الذي تؤيده السياسة على مر العصور، أما النبي "صلى الله عليه وآله" فقد كانت ثمة محاولات لطمس اسمه، ومحو آثاره، كما اتضح في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وكم كنت أود لو أنني أرى خط الرحمن، كيف هو؟ وأقارن بينه وبين قواعد الخطوط الموجودة على الأرض؛ لكي أرى إن كان يستطيع أن يضارع ما أنتجه الخطاطون البارعون من مخلوقاته؟!!.
ولست أدري أيضاً: أين كان الأمويون عن هذه الفضيلة العظيمة، لشيخهم وخليفتهم؟!. ولم لم يظهروا تلك الدراهم للمباهاة بها؟ أو على الأقل: لم لم يذكروا الناس بدعوات النبي "صلى الله عليه وآله" له؟
حسب الرواية الأخرى التي تقول: إن عثمان قد اشترى الدرع من علي، فجاء به علي "عليه السلام" وبالمال إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فدعا له بدعوات. مع أنهم كانوا بأمس الحاجة إلى ذلك، في صراعهم ضد علي "عليه السلام"، وضد الصحابة الأخيار، الذين كانوا في المدينة حين قتل عثمان، ولم يحركوا ساكناً، أو أنهم شاركوا في قتله، أو في التأليب عليه.
ولربما نتكلم عن نفقات عثمان في مثل هذا السبيل حين الكلام عن تجهيز جيش العسرة في غزوة تبوك إن شاء الله، كما أننا قد ألمحنا إلى ذلك من قبل، حين الحديث حول وقف بئر رومة.
ز: أخوة علي ×:
وجاء أنه لما تزوج علي فاطمة "عليهما السلام"، أمر "صلى الله عليه وآله" علياً أن لا يحدث حدثاً حتى يأتيه، ثم جاء "صلى الله عليه وآله"، فقال: أثم أخي؟!.
فقالت أم أيمن: يا رسول الله، هذا أخوك وزوجته ابنتك؟!
وكان النبي "صلى الله عليه وآله" آخى بين أصحابه وآخى بين علي ونفسه.
قال: إن ذلك يكون يا أم أيمن([431]).
وهذه الرواية أقرب إلى الاعتبار من تلك الرواية القائلة: إنه لما خطب "صلى الله عليه وآله" ابنة أبي بكر قال له أبو بكر: هل تصلح له؟ إنما هي بنت أخيه.
فأخبره "صلى الله عليه وآله": أنه أخوه في الإسلام، وهو أخوه، وابنته تصلح له، فأنكحه حينئذٍ أبو بكر([432]).
فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يؤاخ أبا بكر ولا أحداً من الناس قبل خطبته عائشة، لأنه إنما آخى بين المهاجرين قبل الهجرة بقليل، وهو إنما خطب عائشة قبل الهجرة بحوالي ثلاث سنوات.
ولو كان أبو بكر يتوهم: أن أخوة الإسلام تمنع من ذلك، فإن ذلك يعني: أن يكون أبو بكر قد بقي عدة سنوات، بل من أول ظهور الإسلام يعتقد حرمة زواج أي مسلم بمسلمة، وهذا لا يتوهمه إلا أبو بكر، ولا يخطر ولم يخطر على بال أي من السذج والبسطاء، فكيف خطر في بال أبي بكر، الذي يعتقد فيه البعض كل حنكة وروية، وتعقل؟!. هذا عدا عن أننا لم نجده يعترض على زواج أي مسلم بمسلمة على الإطلاق.
أضف إلى ذلك: أنه قد تقدم في جزء سابق حين الكلام حول مؤاخاة النبي "صلى الله عليه وآله" بين أصحابه، وبينه وبين علي "عليه السلام": أن علياً "عليه السلام" قال: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يقولها أحد بعدي إلا كذاب مفترٍ.
ح: متى كان تحريم الخمر؟!
ويروون عن علي بن الحسين "عليهما السلام"، عن أبيه، عن علي "عليه السلام": أنه بينما كان يستعد لنقل فاطمة "عليها السلام" وعنده شارفان من الإبل، كان أخذهما من خمس غنائم بدر، قد أناخهما إلى جانب حجرة لبعض الأنصار، وإذا بحمزة بن عبد المطلب قد خرج عليهما من بيت كان يشرب فيه، وعنده قينة تغنيه: "ألا يا حمز للشرف النواء"
خرج عليهما وهو سكران؛ فجب أسنمتهما، وبقر خاصرتيهما، وأخرج كبدهما، ومضى لسبيله.
فشكاه علي "عليه السلام" إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فجاء معه الرسول ورأى ما رأى، فنظر إليه حمزة، وصعد النظر إليه، وقال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي؟
فتركه "صلى الله عليه وآله" وانصرف، وذلك قبل تحريم الخمر([433]).
وفي رواية: أن حمزة قد فعل ذلك في واقعة أحد، حتى إن الرسول إنما رضي عنه في وسط المعركة، وبعد أن حمل عدة حملات صاعقة على العدو([434]).
وذلك لا يصح، أما:
أولاً: فلأن مختلف الروايات الواردة في زواج أمير المؤمنين تقول: إنه "عليه السلام" لم يكن يملك إلا درعه الحطمية، التي باعها وأنفق ثمنها على الزفاف، وتضيف بعض الروايات فرسه أيضاً.
ولو كان عنده شارفان من الإبل، لكان الأولى أن يذكرهما للنبي "صلى الله عليه وآله" حينما سأله عما يملك، مما يريد أن يقدمه مهراً، فلم يذكر له إلا درعه الحطمية؛ فلتراجع الروايات المتقدمة.
وثانياً: إن من المعلوم: أن زفاف فاطمة قد كان قبل أحد بعدة أشهر، فكيف تقول الرواية الثانية: إن ذلك قد كان في أحد؟.
كما أنهم قد قرروا: أن حمزة كان يوم أحد وقبله صائماً([435]).
فكيف يكون قد شرب الخمر، وفعل ما فعل في ذلك اليوم، أو في الذي قبله؟!.
وثالثاً: إن الخمر لم تكن سمعتها حسنة عند العرب، وكانوا يدركون سوءها، وقد حرمها عدد منهم على نفسه قبل مجيء الإسلام، مثل: أبي طالب([436]) وعبد المطلب([437])، وتقدم ذلك عن جعفر بن أبي طالب أيضاً كما رواه في الأمالي.
وذكر ابن الأثير: أن ممن حرمها على نفسه عثمان بن مظعون، وعباس بن مرداس، وعبد المطلب، وجعفر، وقيس بن عاصم، وعفيف بن معد يكرب العبدي، وعامر بن الظرب، وصفوان بن أمية، وأبو بكر، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن جدعان([438]).
وإن كنا نشك في ذلك بالنسبة إلى بعض من ذكرهم، مثل أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، كما سنرى.
وأما ذكر عمر بن الخطاب مع هؤلاء، فلا شك في أنه من إضافات النساخ، جرياً على العادة في ذكر هذه الأسماء، لأنه كان من أشرب الناس للخمر في الجاهلية، بل لقد استمر على ذلك حتى بعد أن أسلم كما أوضحه العلامة الأميني([439]). وسيأتي إن شاء الله بعض من ذلك أيضاً.
ومهما يكن من أمر، فقد عد ابن حبيب ممن حرم الخمر على نفسه أيضاً: ورقة بن نوفل، وأبا أمية بن المغيرة، والحارث بن عبيد المخزوميين، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعامر بن حذيم، وعبد الله بن جدعان، ومقيس بن قيس، وعثمان بن عفان، والوليد بن المغيرة، وشيبة بن ربيعة، وعبد المطلب بن هاشم([440]).
وإنما حرمها هؤلاء على أنفسهم، لأنهم رأوها لا تناسب كرامتهم وسؤددهم، كما يظهر من روايـة تنسب إلى أبي بـكـر؛ فقد روى ابن عساكر ـ وإن كان سيأتي عدم صحة هذه الرواية، لكننا نذكرها لدلالتها على سوء سمعة الخمر عند العرب ـ : أنه قيل لأبي بكر في مجمع من الصحابة: هل شربت الخمر في الجاهلية؟!
فقال: أعوذ بالله.
فقلت: ولم؟
قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان متضيعاً في عرضه ومروءته الخ..([441]).
وقال ابن الأثير: "وكان العباس بن مرداس ممن حرم الخمر في الجاهلية، فإنه قيل له: ألا تأخذ من الشراب، فإنه يزيد في قوتك؛ وجراءتك؟
فقال: لا أصبح سيد قومي، وأمسي سفيهاً، لا والله لا يدخل جوفي شيء يحول بيني وبين عقلي أبداً"([442]).
ومن عرف حمزة، واطلع على سمو نفسه، وعزته، وأنفته، وسجاياه، فإنه يرى: أنه لا يقصر عن هؤلاء، ولا عن غيرهم ممن حرمها على نفسه، إن لم يكن يزيد عليهم في كثير من الخصال والسجايا، التي تجعله يربأ بنفسه عن أمر كهذا.
ولعل حشر حمزة، بل وحتى أمير المؤمنين "عليه السلام"، الذي ربي في حجر النبوة، ليس إلا من أولئك الحاقدين على الإسلام وحماته، ممن يهمهم الطعن في كرامة كل هاشمي، كما هو ظاهر سيرة الأمويين والزبيريين، وأذنابهم ومن يتزلف لهم، ولو بالكذب والدجل والافتراء.
ورابعاً: إن الأقوال والروايات تكاد تكون متفقة على مخالفة رواية الشارفين المذكورة، لأن رواية الشارفين تقول: إن تحريم الخمر كان حين زفاف فاطمة "عليها السلام".
والأقوال في تحريم الخمر نشير إليها فيما يلي:
أقوال في تحريم الخمر:
هذا.. وقد ذكر أبو إسحاق السبيعي، وابن إسحاق، وغيرهما: أن الخمر قد حرمت سنة أربع من الهجرة([443]).
وقال آخرون: إنها قد حرمت سنة ست، جزم به الحافظ الدمياطي، ورجحه القسطلاني([444]).
وقال آخرون: إنها قد حرمت سنة ثلاث([445])، وآخرون: إنها حرمت سنة ثمان([446]).
قال أبو هريرة: لما نزل تحريم الخمر، كنا نعمد إلى الخلقانة الخ..([447]).
ومن المعلوم: أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر.
ورأى آخرون: أن تحريمها كان في أول الهجرة، لقوله تعالى في سورة البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا}([448]).
قالت عائشة: لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر، فنهى رسول الله "صلى الله عليه وآله" عن ذلك([449]).
تحريم الخمر قبل الهجرة:
ونحن نقول: إن الخمر حرمت في مكة قبل الهجرة، ونستدل على ذلك بما يلي:
1 ـ عن معاذ بن جبل: إن أول ما نهى عنه النبي "صلى الله عليه وآله" حين بعث شرب الخمر، وملاحاة الرجال([450]).
وعن أبي الدرداء، أو معاذ بن جبل، عن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان: شرب الخمر وملاحاة الرجال.
قال الأبشهي: إن هـذا من أقـوال النبي "صلى الله عليه وآلـه" المتفق عليها([451]).
وقريب من ذلك ما روي عن أم سلمة عنه "صلى الله عليه وآله"، وحسب نص البيهقي عن أم سلمة عنه "صلى الله عليه وآله": كان أول ما نهاني عنه ربي، وعهد إلي بعد عبادة الأوثان، وشرب الخمر لملاحاة الرجال([452]).
إلا أن يناقش في ذلك: بأن نهي الله له لا يستلزم أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد أبلغ ذلك للناس مباشرة، إذ لعل ذلك كان مختصاً به "صلى الله عليه وآله" لفترة من الزمن.
ويمكن الجواب، بأن جعله مقترناً بعبادة الأوثان يشعر بأنه على حده ومن قبيله، في التشريع وفي التبليغ..
هذا عدا عن أن رواية معاذ صريحة في أن الخمر كانت من أول ما نهى عنه النبي "صلى الله عليه وآله"، إلا أن تقرأ "نهي" بالبناء للمفعول.
قال العلامة الطباطبائي "رحمه الله": "وقد تحقق بما قدمنا في تفسير آية الخمر والميسر: أن الخمر كانت محرمة من أول البعثة، وكان من المعروف من الدين: أنه يحرم الخمر والزنى"([453]).
2 ـ وقد روى الكليني والشيخ الطوسي "رحمهما الله": ما يدل على أن الله ما بعث نبياً إلا وفي علم الله عز وجل: أنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراماً الخ..([454]).
فالخمر إذاً قد كانت محرمة في الشرائع السابقة، وقد جاءت هذه الشريعة لتتميم ما سبق، ولم ينسخ هذا التحريم، بل قد جاء التأكيد عليه، كما هو معلوم.
3 ـ قال أبو حاتم: كان النبي "صلى الله عليه وآله" يدعو الخلق إلى الله وحده لا شريك له، وكان أبو جهل يقول للناس: "إنه كذاب يحرم الخمر، ويحرم الزنى"([455]).
4 ـ قال تعالى في سورة الأعراف التي نزلت في مكة قبل الهجرة: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ}([456]).
وقد فسر أئمة أهل البيت "عليهم السلام": "الإثم" في الآية بالخمر([457]).
كما أن أهل اللغة قد قرروا: أن الإثم معناه الخمر، قال الشاعر:
شـربـت الإثــم حتـى ضـل عقـلي كـذاك الإثــم يـذهـب بـالعقـول
وقال آخر:
نهانـا رسـول الله: أن نـقـرب الخنـا وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزر
وقال آخر:
يشـرب الإثــم بـالصـواع جهـاراً تـرى المسـك بينـنــا مستـعـارا([458])
هذا كله، عدا عن أن كون الخمر من الفواحش ظاهر، فإن العرب كانوا يدركون سوءها كما يظهر من الحلبي([459]).
ولذا نرى: أن عدداً كبيراً منهم ممن يحترم نفسه، وشرفه، وسؤدده، قد حرمها على نفسه، كأبي طالب "عليه السلام"، وعبد المطلب([460])، وجعفر بن أبي طالب([461])، وقيس بن عامر، وعامر بن الظرب، وصفوان بن أمية، وغيرهم ممن تقدم ذكرهم عن قريب.
بل إن عبد الله بن جدعان، الذي كان مولعاً بها، قد صرح بأنهم كانوا يسمونها بالسفاه، وأنه آنس بسببها الهوان، فهو يقول:
شـربـت الخـمر حتى قـال قـومـي ألـست عـن السفــاه بمستـفـيـق
وحـتـى مـا أوســد فــي مـبـيـت أبـيـت بـه سـوى الترب السحيق
وحـتى أغـلـق الـحـانـوت مـالـي وآنـسـت الـهـوان مـن الـصديق
ثم حرمها على نفسه؛ فلم يقربها([462]).
وبعد نزول هذه الآية، وتحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ فلا يعقل أن يعتبرها العرب إلا من الفواحش. ثم إن عطف الإثم الذي هو الخمر على الفواحش، من باب عطف الخاص على العام، لمزيد الاهتمام به، وحرصاً على الردع عنه، لأنه مما تألفه النفوس عادة وتميل إليه، فيحتاج إلى مزيد من التأكيد والتكرار.
5 ـ لقد روى جماعة من المؤرخين: أن أعشى قيس خرج إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، يريد الإسلام، وقد مدحه بقصيدة أولها:
ألـم تـغـتمض عينـاك ليـلة أرمـدا وبـت كـما بـات السـليم مسهـد
فلما كان بمكة أو قريباً منها، اعترضه بعض مشركي قريش ـ أبو جهل أو أبو سفيان كما سنرى ـ فسأله عن أمره؛ فأخبره أنه جاء ليسلم، فقال له:
"يا أبا بصير، إن محمداً يحرم الزنى!
فقال الأعشى: والله إن ذلك لأمر ما لي فيه من إرب.
فقال: وإنه ليحرم الخمر!
فقال الأعشى: أما هذه ففي النفس منها لعلالات. ولكني منصرف فأرتوي منها عامي هذا، ثم آتيه فأسلم، فانصرف راجعاً، ومات في عامه"([463]).
وناقش البعض هذه الرواية: بأن الخمر إنما حرمت في سورة المائدة، وهي آخر ما نزل من القرآن. وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة والشارفين. فإن صح خبر الأعشى، وما ذكر له في الخمر، فلم يكن هذا بمكة، وإنما كان بالمدينة، ويكون القائل له: أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين، أو من اليهود، فالله أعلم. وفي القصيدة مما يدل على هذا قوله "فإن لها في أهل يثرب موعداً".
وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم، عن أبي عبيدة، قال: لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ـ وهو مقبل إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فذكر له: أنه يحرم الخمر، فرجع، فهذا أولى بالصواب([464]).
وفي رواية أبي الفرج، وابن قتيبة: أن أبا سفيان هو الذي كلم الأعشى، وأن ذلك كان والمشركون مع الرسول "صلى الله عليه وآله" في هدنة([465]). ولكن هذه المناقشات لا يمكن قبولها، فإن قصة الشارفين قد تقدم أنها لا يمكن أن تصح.
وكونها إنما حرمت في سورة المائدة أيضاً قد تقدم ما فيه، وأنها قد حرمت قبل ذلك في سورة مكية.
كما أن نزول القرآن بتحريمها لا ينافي تحريمها على لسان النبي "صلى الله عليه وآله" قبل ذلك.
وأما قولهم: إن عامر بن الطفيل هو الذي قال للأعشى ذلك. فلا يمكن قبوله، إذ قد صرح آخرون: بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو جهل، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة في مكة([466]) وأبو جهل قتل في بدر قبل نزول سورة المائدة، وقبل هدنة الحديبية بسنوات.
أما رواية القتيبي، وأبي الفرج فقد صرحت بأن القائل للأعشى ذلك هو أبو سفيان([467]).
وبعد تحديد تلك الروايات: أن هذا قد جرى قرب مكة، بل وفي مكة نفسها، وبالذات في دار عتبة بن ربيعة، فلا يمكن الالتفات إلى رواية أخرى ربما يكون الرواة قد تصرفوا فيها لتلائم ما يعتقدونه من أن الخمر قد حرمت بعد الهجرة.
ولربما يكون هذا هو السر في تبديلهم كلمة "يثرب" بكلمة "مكة" في الشعر المنسوب إليه، وهو الدالية المتقدمة. وإذا كان ذلك القول قد قيل في مكة أو بالقرب منها، فلا يعقل أن يكون ذلك بعد الهجرة، وذلك لأن الأعشى كان يسكن: "منفوحة" باليمامة، والطريق بينها وبين المدينة مستقيم لا يمر على مكة، والمرور على مكة لا يكون إلا بقصد مستقل لها، إذ لا يعقل سلوك طريق دائري كهذا لمن يريد المدينة. ولعل فيما ذكرناه كفاية.
لا تدرج في تحريم الخمر:
وفي مجال آخر نقول:
إنه ليس ثمة تدرج في تحريم الخمر كما ادعاه بعضهم([468])، وإنما حرمت بشكل نهائي وقاطع في مكة؛ ثم صارت تحصل تعديات ومخالفات؛ فكان يتكرر النهي عنها لأجل تلك المخالفات في الموارد الخاصة.
ويظهر ذلك من ملاحظة خصوصيات الآيات والموارد التي نزلت فيها.
والظاهر: أن إلف الناس للخمر، وحبهم لها، والتذاذهم بها ـ مع أنهم يدركون مساوئها ـ يدل على أن تركها كان صعباً عليهم؛ لأنهم يرون أن ذلك لسوف يفقدهم لذة تحبها نفوسهم، وأليفاً تهفو إليه قلوبهم. ولذلك تراهم يسألون عنها، ويكررون السؤال، ويجيبهم القرآن ببيان مساوئها، وبالزجر عنها، ولكنهم عنها لا ينتهون، وغير معاقرتها لا يطلبون، وهم بذلك لأحكام الله يخالفون. حتى الكبار منهم، وحتى أبو بكر، وعمر، وابن عوف وغيرهم([469]) كما سيأتي عن قريب.
بل يظهر: أن بعضهم لم يتركها حتى وفاة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"([470]).
بل يروي ابن سعد: عن الشعبي: أنه مر على مسجد من مساجد جهينة فقال: "أشهد على كذا وكذا من أهل هذا المسجد من أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله" ثلاثمائة يشربون نبيذ الدنان في العرائس"([471]).
انتهينا! انتهينا:
ويقولون: إنه بعد حرب بدر شرب عمر الخمر، وشج رأس عبد الرحمن بن عوف بلحى بعير، ثم قعد ينوح على قتلى بدر من المشركين في ضمن أبيات تقول:
وكـائـن بـالقليب قـليب بـــدر مـن الفتيـان والــعــرب الـكرام
وكــائـن بـالقـليب قليـب بــدر مـن الشـيـزى المـكلـل بـالسنـام
أيـوعــدني ابـن كبشـة أن سنحيا وكـيــف حـيــاة أصـداء وهـام
أيـعـجـز أن يـرد المـــوت عـنـي ويـنـشـرنـي إذا بـلـيـت عظامي
ألا مـن مـبـلـغ الـرحمـن عـنــي بـأنــي تــارك شــهــر الصيــام
فــقــل لله يـمـنـعـنـي شــــرابي وقــل لله يـمـنـعـنـي طــعــامي
فبلغ ذلك الرسول؛ فخرج مغضباً، فرفع شيئاً كان في يده؛ فضربه به، فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى:
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}([472]).
فقال عمر: انتهينا، انتهينا([473]).
وتعبير عمر ب‍ "انتهينا انتهينا" موجود في عشرات المصادر، وإن كانت هذه القصة لم تذكر فيها([474]).
وسورة المائدة من أواخر ما نزل، بل يقال: إنها نزلت في حجة الوداع.
وهذا يعني: أنهم ما كانوا يلتزمون كثيراً بالنواهي الواردة عن شرب الخمر، كما أشرنا إليه آنفاً.
وعلى كل حال، فإن روايات شرب عمر للخمر بعد الهجرة كثيرة جداً([475]) وقد أتي في خلافته بأعرابي قد سكر فطلب له عذراً، فلما أعياه قال: إحبسوه فإن صحا فاجلدوه، ودعا عمر بفضله ودعا بماء فصبه عليه فكسره، ثم شرب وسقى أصحابه، ثم قال: هكذا فاكسروه بالماء إذا غلبكم شيطانه.
قال: وكان يحب الشراب الشديد([476]).
بل نجد: أن ركوة عمر كانت تسكر كل من يشرب منها، حتى بعد توليه الخلافة، وقضية إقامته الحد على من شرب من ركوته فسكر معروفة.
وقد اعترض عليه بقوله: "يا أمير المؤمنين إنما شربت من ركوتك"؟! فكان اعتذار عمر عن ذلك بأنه إنما حده لسكره لا لشربه!!([477]).
وهذا فقه جديد، ما عهدناه من غيره!! وقد أخذ به بعضهم، حين ذكر: أن السكر كان حراماً، لكن الشرب لم يكن محرماً، ثم ورد تحريم الشرب بعد الهجرة بسنوات([478]).
والكلام حول هذا الموضوع طويل جداً لا مجال له هنا.
تحريف متعمد:
والغريب في الأمر: أن الرواية الآنفة الذكر، قد ذكرها الزمخشري في ربيع الأبرار ناسباً لها إلى عمر بن الخطاب كما رواها غيره، واستدل بها الفقهاء الذين يرون في الصحابة مثالاً يحتذى في كل شيء. ولكن محمد بن قاسم الذي انتخب كتابه من ربيع الأبرار بالذات وسماه: "روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار" قد تعمد تحريف هذه القضية، فذكر اسم علي "عليه السلام" بدل اسم عمر([479]). "فتبارك الله أحسن الخالقين".
وأما أبو بكر:
فيقول الفاكهي: إن الذي أنشد الأبيات المتقدمة في رثاء قتلى بدر هو أبو بكر، ومطلع الأبيات هكذا:
تـحـيـي أم بــكــر بـالســـلام وهـل لي بـعـد قـومك من سلام([480])
واعتمد نفطويه على هذه الرواية، فقال: شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم، ورثى قتلى بدر من المشركين([481]).
ويؤيده رواية رواها أبو الجارود، عن أبي جعفر "عليه السلام" في هذا الشأن، فلتراجع([482]).
وقد بلغ شيوع شرب أبي بكر للخمر حداً اضطرت معه عائشة إلى التصدي للدفاع عن أبيها: فكانت تقول: "ما قال أبو بكر شعراً قط في جاهلية ولا إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية"([483]).
وعنها: "لقد حرم أبو بكر الخمر على نفسه في الجاهلية"([484]).
ويظهر: أن أم المؤمنين قد فشلت في الدفاع عن أبيها، ولذلك نرى الزهري يروي عن عروة، عن عائشة: أنها كانت تدعو على من يقول: إن أبا بكر الصديق قال هذه القصيدة، ثم تقول: "والله ما قال أبو بكر شعراً في جاهلية ولا في إسلام"([485]) ثم تنسب القضية إلى رجل آخر يُدَّعى أن اسمه أبو بكر بن شعوب.
ولكننا لا ندري ما تقول أم المؤمنين في قولهم المعروف: "كان أبو بكر شاعراً، وكان عمر شاعراً، وكان علي أشعر الثلاثة"([486]).
بل ذكر البعض: أن الخلفاء الأربعة كانوا أشعر الصحابة، وكان أبو بكر أشعر الخلفاء، وقد جمع البعض له ديواناً تعجز عن تقريضه أفواه المحابر، وألسنة الأقلام، رتبه على حروف المعجم([487]).
ويعلق العلامة الأميني على تعليق الحكيم الترمذي على حديث شرب أبي بكر للخمر بقوله: "هو مما تنكر القلوب"([488]).
فيقول: "فكأن الترمذي وجد الحديث دائراً سائراً في الألسن، غير أنه رأى القلوب تنكره"([489]).
كما أن العسقلاني قد حذا حذو الترمذي، فإنه بعد أن ذكر أن ابن مردويه يذكر أبا بكر وعمر في من شرب الخمر في بيت أبي طلحة قال: "وهو منكر، مع نظافة سنده، وما أظنه إلا غلطاً"([490]).
ثم إنه بعد ذكره لقضية: "تحيي أم بكر بالسلام" قال: "وأبو بكر هذا يقال له: ابن شغوب، فظن بعضهم أنه أبو بكر الصديق، وليس كذلك.
ولكن قرينة ذكر عمر تدل على عدم الغلط في وصف الصديق، فحصلنا على تسمية عشرة"([491]).
فهو كما ترى قد عاد وأقر بأن أبا بكر كان فيمن شرب الخمر في بيت أبي طلحة([492]).
الكذب على علي ×:
بقي أن نشير إلى أننا نشهد لدى بعض الناس حرصاً شديداً على حشر علي أمير المؤمنين "عليه السلام" في أمر مشين كهذا.. فبذلوا محاولات عديدة ومتنوعة في هذا السبيل.
ولكنها كانت محاولات فاشلة وعقيمة، فإن الكل يعلم: أنه "عليه السلام" قد تربى في حجر النبوة، وتهذب وتأدب منذ نعومة أظفاره بأدب الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"؛ ولم نعهد منه إلا الامتثال والخضوع المطلق لأوامر وتوجيهات معلمه وسيده ومربيه، حتى لقد أثر عنه قوله: "أنا عبد من عبيد محمد".
وسيرته عليه الصلاة والسلام خير شاهد ودليل على ما نقول، ولسوف نقرأ: أنه حينما قال له رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم خيبر: "إذهب، ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك"، مشى "عليه السلام" هنيهة، ثم قام، ولم يلتفت للعزمة. ثم قال: على ما أقاتل الناس؟!
قال النبي "صلى الله عليه وآله": قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله الخ.."([493]).
ولعله لأجل هذا بالذات تقرأ أيضاً: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يأمر رسوله إلى علي "عليه السلام": أن لا يناديه من خلفه([494]).
وهو بعد ذلك كله، من أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وإن رغمت أنوف الحاقدين والشانئين.
وأما بالنسبة للصحابة، فلو أردنا استقصاء مخالفاتهم في هذا المجال، لملأنا عشرات الصفحات من أحداث، ومن مصادر لها. والحر تكفيه الإشارة.
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى:
ويروون ـ عن علي "عليه السلام" (!!) ـ أنه قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً؛ وسقانا من الخمر؛ فأخذت الخمر منا، وحضرت الصلاة؛ فقدموني، فقرأت: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}([495])، ونحن نعبد ما تعبدون، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ}([496]).
وعن عكرمة في الآية قال: نزلت في أبي بكر، وعمر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد، صنع علي لهم طعاماً وشراباً، فأكلوا، وشربوا، ثم صلى علي بهم المغرب؛ فقرأ: قل يا أيها الكافرون، حتى خاتمتها؛ فقال: ليس لي دين، وليس لكم دين، فنزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} ([497]).
وعن علي، أنه كان هو وعبد الرحمن بن عوف، ورجل آخر، شربوا الخمر، فصلى بهم عبد الرحمن: فقرأ: قل يا أيها الكافرون، فخلط فيها؛ فنزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى}([498]).
وعن الحاكم عن علي "عليه السلام": دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر، فحضرت صلاة المغرب، فتقدم رجل وقرأ قل يا أيها الكافرون، فالتبس عليه فنزلت([499])
وفي رواية أخرى عن علي "عليه السلام": أن رجلاً من الأنصار دعاه، وعبد الرحمن بن عوف، فسقاهما قبل أن تحرم الخمر، فأمهم علي في المغرب، فقرأ: قل يا أيها الكافرون؛ فخلط فيها، فنزلت الخ..([500]).
وفي بعض الروايات: أنه قرأ: "قل يا أيها الكافرون؛ فلم يقمها"([501]). ورواية أخرى لا تصرح باسم أحد، لكنها تقول: فشربها رجل، فتقدم، فصلى بهم، فقرأ: قل يا أيها الكافرون، أعبد ما تعبدون، فنزلت الخ..([502]).
وفي رواية أخرى عن عوف: فشربها رجلان؛ فدخلا في الصلاة، فجعلا يهجران كلاماً؛ لا يدري عوف ما هو([503]).
المناقشة:
ونقول: إن ذكر علي "عليه السلام" في الرواية المذكورة لا يصح، بل إن الرواية بمجملها محل شك وشبهة لدينا، ونستند في حكمنا هذا إلى ما يلي:
أولاً: إن الروايات المتقدمة فيها العديد من موارد التنافي والتناقض.
1 ـ فهل الذي صنع الطعام هو عبد الرحمن بن عوف؟ أم هو علي "عليه السلام"؟! أم هو رجل من الأنصار؟!
2 ـ وهل الذي صلى بهم إماماً هو علي "عليه السلام"؟ أم عبد الرحمن بن عوف، أم هو فلان الذي لم يسم؟!
3 ـ وهل قرأ القارئ في الصلاة: قل يا أيها الكافرون إلى آخرها،
ثم قال: ليس لي دين، وليس لكم دين؟
أم أنه قرأ: قل يا أيها الكافرون: أعبد ما تعبدون؟!
أم أنه قرأ: قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ونحن نعبد ما تعبدون؟!
أم أنه قرأ: ونحن عابدون ما عبدتم؟!([504]).
أم أنه قرأ: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم، لكم دينكم ولي دين، كما جاء في بعض الروايات؟!([505]).
أم أنه جعل يهجر كلاماً في الصلاة، لا يدري عوف ما هو؟!..
4 ـ وهل كان الحاضرون ثلاثة أشخاص فقط: علي، وعبد الرحمن بن عوف، ورجل من الأنصار؟
أم كانوا خمسة أشخاص: أبو بكر وعمر، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد؟!
أم أن الشارب كان رجلاً واحداً، كما هو ظاهر النص الأخير، وهو ظاهر رواية الحاكم؟!
5 ـ وهل كان الذي شربها رجل واحد، ودخل في الصلاة، أم شربها رجلان، ودخلا في الصلاة؟!..
وكما يقولون: لا حافظة لكذوب..
وثانياً: قد تقدم أن الخمر قد حرمت في مكة قبل الهجرة، وذكرنا لذلك العديد من الدلائل والشواهد، مثل رواية معاذ بن جبل([506])، وأم سلمة([507])، وأبي الدرداء.. وغير ذلك.
وثالثاً: قال الحلبي الشافعي: إن الخمر قد حرمت ثلاث مرات([508])، وروى أحمد ذلك عن أبي هريرة أيضاً([509]).
والمقصود: إن كان أنها قد حرمت أولاً في مكة في أول البعثة، فلا تصح الرواية المتقدمة، وإن كان المقصود أنها قد حرمت في سورة البقرة، ثم في سورة النساء النازلتين في أول الهجرة، فإننا نقول:
إن النحاس يرى: أن سورة النساء مكية، وقال علقمة: إن قوله تعالى: يا أيها الناس حيث وقع إنما هو مكي([510]).. وعليه، بل وحتى على تقدير نزولها أول الهجرة، فإن التحريم يكون قد سبق وقوع القصة المتقدمة التي يرون أنها قد حصلت في المدينة في سنة ثلاث، أو أربع، أو في سنة ست الخ.. حسبما تقدمت الإشارة إليه.
ورابعاً: إن المروي عن أئمة أهل البيت "عليهم السلام"، وعن الضحاك: أن المراد في قوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى}([511]): هو سكر النوم([512]).
وخامساً: قد روى القطان في تفسيره، عن الحسن البصري، قال: إن علياً لم يقبل أن يشرب معهم في دار أبي طلحة، بل خرج من بينهم ساخطاً على ما يفعلون، قال الحسن: "والله الذي لا إله إلا الله هو، ما شربها قبل تحريمها، ولا ساعة قط"([513]).
نعم.. وهذا هو الذي ينسجم مع خلق علي "عليه السلام"، ووعيه، وهو الذي تربى في حجر الرسالة، وكان يلازم النبي "صلى الله عليه وآله" ملازمة الظل لصاحبه..
وسادساً: قال الحاكم: "إن الخوارج تنسب هذا السكر، وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، دون غيره، وقد برأه الله منها؛ فإنه راوي هذا الحديث"([514]).
وذلك لأن رواية الحاكم ليس فيها أنه "عليه السلام" قد شربها، كما أنها تنص على أن غيره هو الذي صلى بهم، وعلى حسب نص الجصاص:
عن علي قال: دعا رجل من الأنصار قوماً؛ فشربوا من الخمر؛ فتقدم عبد الرحمن بن عوف لصلاة المغرب؛ فقرأ: قل يا أيها الكافرون، فالتبس عليه، فأنزل الله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ..} الخ..([515]).
إتهام بريء آخر:
وأخيراً فإننا نجد في بعض الروايات تسجيل اتهام ضد بريء آخر، ألا هو عثمان بن مظعون، وأنه كان فيمن شرب الخمر، حتى نزلت: {لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} الخ..([516]).
وقد رد العلامة الأميني على ذلك بقوله: "هذا افتراء على ذلك الصحابي العظيم. وقد نص أئمة التاريخ والحديث على أنه ممن حرم على نفسه الخمر في الجاهلية، وقال: لا أشرب شراباً يذهب عقلي، ويضحك بي من هو أدنى مني، ويحملني على أن أنكح كريمتي"([517]).
ونزيد نحن: أن عثمان بن مظعون قد مات قبل هذه القضية بمدة طويلة كما هو معلوم.
سر الافتراء:
ولا نريد أن نفيض في بيان سر حياكة هذه الأكاذيب، فإنه قد كان ثمة تعمد لإيجاد شركاء لأولئك الذين ارتكبوا هذه الشنيعة، ممن يهتم أتباعهم بالذب عنهم، فلما لم يمكنهم تكذيب أصل القضية عمدوا إلى إشراك أبرياء معهم، ليخف جرم أولئك من جهة، وسعياً في تضعيف أمر هؤلاء من جهة أخرى..
ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، وينزه أولياءه، ويطهرهم، ويصونهم من عـوادي الكذب والتجني.. وليذهب الآخرون بعارها وشنارها، وليكن نصيب محبيهم وأتباعهم، والذابين عنهم بالكذب والبهتان، الخزي والخذلان وسبحان الله، وله الحمد، فإنه ولي المؤمنين، والمدافع عنهم..
خطبة علي × بنت أبي جهل:
وتحكى ههنا قصة خطبة علي "عليه السلام" بنت أبي جهل، ومن حقها أن تذكر في السنة الثامنة من الهجرة، ولكن بما أنها لا ريب في أسطوريتها كما سيتضح، فإننا نذكرها هنا ونبين كذبها، لمناسبة واضحة بين الحديث عن زواجه "عليه السلام" بفاطمة، وخطبته لغيرها؛ فنقول:
الحديث الموضوع:
في البخاري وغيره، عن المسور بن مخرمة، قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول، وهو على المنبر: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يريد ابن أبي طالب: أن يطلق ابنتي، وينكح ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها.
وفي البخاري وغيره أيضاً، عن المسور: أن فاطمة أتت رسول الله "صلى الله عليه وآله" فقالت: يزعم قومك: أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل.
فسمعته حين تشهد يقول: إني أنكحت أبا العاص بن الربيع، فحدثني وصدقني، وإن فاطمة بضعة مني، وإني أكره أن يسوءها. والله، لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد، فترك علي الخطبة.
وفي رواية أخرى لمسلم والبخاري وغيرهما: أن المسور قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" على المنبر وهو يخطب في ذلك، وأنا محتلم، فقال: إن فاطمة مني، وأنا أخاف أن تفتن في دينها..
إلى أن قال: وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً، ولكن والله، لا تجتمع بنت رسول الله، وبنت عدو الله مكانا واحداً أبداً.
وذكر مصعب الزبيري: أن علياً خطب جويرية([518]) بنت أبي جهل، فشق ذلك على فاطمة، فأرسل إليها عتاب: أنا أريحك منها؛ فتزوجها؛ فولدت له عبد الرحمن بن عتاب.
وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يغار لبناته غيرة شديدة، كان لا ينكح بناته على ضرة([519]).
وعند الحاكم: أن علياً خطب بنت أبي جهل؛ فقال له أهلها: لا نزوجك على فاطمة([520]).
وعند ابن المغازلي: أنه "عليه السلام" خطب أسماء بنت عميس؛ فأتت فاطمة إلى النبي "صلى الله عليه وآله" فقالت: إن أسماء بنت عميس متزوجة علياً.
فقال: ما كان له أن يؤذي الله ورسوله([521]).
وقد نظم مروان بن أبي حفصة هذه القصة في قصيدة يمدح بها الرشيد، فكان مما قال:
وسـاء رسـول الله إذ ســاء بـنـتـه بـخطـبتـه بـنـت اللعين أبي جهل
فـذم رســول الله صـهـر أبيكـــم على منبر بالمنطق الصادع الفصل([522])
المناقشة:
ونحن نعتقد ـ كما يعتقد ابن شهراشوب([523]) ـ أنه لا ريب في كذب هذه الرواية، وذلك استناداً إلى ما يلي:
أولاً: إن الروايات مختلفة ومتناقضة، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة.
أضف إلى ذلك: أن ما جاء في هذه الروايات لا ينسجم مع ما تقدم في بحث تكنية علي "عليه السلام" بأبي تراب: من أنه "عليه السلام" لم يسؤ فاطمة قط.
وثانياً: عن بريدة: أنه لما استلم علي "عليه السلام" الغنائم من خالد بن الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي "عليه السلام" ورأسه يقطر، فسألوه؛ فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي.
فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي "صلى الله عليه وآله"، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك "صلى الله عليه وآله" بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟
قال: نعم.
فقال "صلى الله عليه وآله": لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.
وفي نص آخر: فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة([524]).
وفي الرواية التي عند المفيد رضوان الله عليه: "فسار بريدة، حتى انتهى إلى باب النبي "صلى الله عليه وآله"، فلقيه عمر، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي"([525]).
وثالثاً: وفي محاورة بين عمر وابن عباس، كان مما قاله ابن عباس له: يا أمير المؤمنين، إن صاحبنا من قد علمت، والله، إنه ما غير ولا بدل، ولا أسخط رسول الله "صلى الله عليه وآله" أيام صحبته له.
فقال: ولا في ابنة أبي جهل، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة رضي الله عنها؟
قلت: قال الله في معصية آدم "عليه السلام": {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}([526])؛ فصاحبنا لم يعزم على إسخاط رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه. وربما كانت من الفقيه في دين الله، العالم بأمر الله، فإذا نبه عليها رجع وأناب.
فقال: يا ابن عباس، من ظن أنه يرد بحوركم، فيغوص فيها معكم حتى بلغ قعرها؛ فقد ظن عجزاً([527]).
فابن عباس يصارح الخليفة بأن علياً لم يغضب الرسول، ولا أراد ذلك، ولا عزم عليه، ثم هو قد أنكر قضية بنت أبي جهل، واعتبرها من الخواطر التي ربما تمر، ولا يقدر أحد على دفعها، وصدقه بذلك عمر.
ويلاحظ هنا: مهارة ابن عباس في تكذيب هذه القضية، حيث لم يواجه الخليفة الثاني صراحة بذلك، وإنما جاءه من الطريق المعقول والمقبول عنده، وقطع عليه كل طريق حتى قال له: "من ظن أنه يرد بحوركم الخ..".
ويكاد النقيب أبو جعفر محمد بن أبي زيد، الذي وصفه ابن أبي الحديد بأنه منصف، ولا يمكن اتهامه بالتشيع ـ كما تقدم في غزوة بدر ـ يكاد يصرح بأن عمر هو الذي أوحى للناس بأن النبي قد غضب من علي في هذه القضية، فهو يقول عنه:
"ثم عاب علياً بخطبته بنت أبي جهل؛ فأوهم أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كرهه لذلك، ووجد عليه"([528]).
ورابعاً: إننا في نفس الوقت الذي نجد فيه النبي "صلى الله عليه وآله" يقرر: أنه لا يتصرف في هذا المورد من موقع الولاية، وكونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، حيث يقول في خطبته: "إني لست أحرم حلالاً، ولا أحل حراماً"، نجده يفرض على علي أن يطلق ابنته، إن أراد تزوج ابنة أبي جهل؛ مع أن الله قد جعل الطلاق بيد الزوج، وليس للزوجة ولا لأبيها حق فرض ذلك عليه.
ثم هو ينهى علياً عن الزواج بالثانية، مع أن الله تعالى أحل الزواج من مثنى وثلاث ورباع([529]).
وإذا كان يحرم على علي الزواج في حياة فاطمة لخصوصية لها([530])
وكان هذا الحكم لم يبلغ إلى علي "عليه السلام" حتى ذلك الوقت؛ فهو لا يستحق هذا التشهير القاسي.
وإن كان "صلى الله عليه وآله" قد بلغه إياه، فلماذا يقدم علي الذي نصت آية التطهير على طهارته من كل رجس، على أمر محرم عليه، حتى يضطر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى اتخاذ هذا الموقف منه؟
ولماذا يعمد إلى إيذاء فاطمة، وهو يسمع قوله "صلى الله عليه وآله": فاطمة بضعة مني يؤذيها ما يؤذيني؟!
وكيف نوجه بعد هذا قوله "صلى الله عليه وآله": لولا أن الله خلق علياً، لم يكن لفاطمة كفؤ، آدم فمن دونه؟!
بل إن الله تعالى هو الذي اختار علياً لفاطمة، فكيف يختار لها من يؤذيها ويغمها؟!([531]).
ثم ألم يكن لدى علي "عليه السلام" من الأدب والاحترام بمقدار ما كان لبني المغيرة؛ فيستأذنونه "صلى الله عليه وآله"، ولا يستأذنه علي "عليه السلام"؟!
ثم إننا لا ندري ما حقيقة إيمان، وجمال، ومزايا بنت أبي جهل ـ التي كانت من الطلقاء([532]) ـ حتى جعلت علياً يقدم على خلق مشكلة بهذا الحجم له، ولبني المغيرة، وحتى للنبي "صلى الله عليه وآله" نفسه.
ولماذا لم يكلم النبي "صلى الله عليه وآله" علياً سراً، ويطلب منه صرف النظر عن هذا الأمر؟!. أم أنه فعل ذلك، فرفض علي، حتى اضطر إلى فضحه، وتأليب الناس ضده بهذه الصورة؟!([533])
وكذلك الحال بالنسبة لبني المغيرة، لماذا لا يردعهم سراً عن تزويجه؟! أم أنه فعل ذلك، فلم يرتدعوا إلا بهذه الطريقة؟!. وإذا كانوا لا يرتدعون؛ فلماذا يستأذنون؟!.
واعتذار العسقلاني عن ذلك بأنه "صلى الله عليه وآله" أراد من خطبته على رؤوس الأشهاد: أن يشيع ذلك الحكم، ويأخذوا به على سبيل الإيجاب، أو الأولوية([534]).
لا يمكن قبوله، فقد كان يمكن أن يشيع هذا الحكم بالطرق الأخرى التي تشيع فيها سائر الأحكام، لا سيما وأنه ليس من الأحكام العامة التي يبتلي بها عامة المكلفين.
وأيضاً، فإن ذلك لا يتناسب مع كلمات النبي القاسية على المنبر، ولا مع تعريضاته القوية المشعرة بأن علياً قد ارتكب أمراً عظيماً.. هذا مع العلم بأنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن من عادته أن يواجه أحداً بما يعاب به؛ فكيف يعلن به على المنبر.
حتى إنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يقدح بشهود المدَّعي بصورة صريحة، بل هو يدعو المتحاكمين إلى الصلح([535]).
بل إنه "صلى الله عليه وآله" كان إذا بلغه عن أحد شيء يكرهه لا يصرح باسمه، حتى ولو كان من جملة المنافقين، فحين بلغه قول زيد بن اللصيت، وهو من المنافقين، من أحبار اليهود: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء، وهو لا يدري أين ناقته. قال "صلى الله عليه وآله": "إن قائلاً قال: يزعم محمد أنه يأتيه خبر السماء ولا يدري أين ناقته، وإني والله الخ.."([536]).
واعتذار العسقلاني أيضاً عن ذلك: بأنه لعله مبالغة في رضا فاطمة "عليها السلام"، لأنها أصيبت بأمها وإخوتها، فكان إدخال الغيرة عليها يزيد من حزنها([537]).
لا يصح أيضاً؛ فإن رضا شخص لا يبرر تنقص شخص آخر على أمر مباح بل مستحب.
وكذلك فإن كون فاطمة "عليها السلام" قد أصيبت، لا يبرر منع زوجها من العمل بما هو مباح له.. وهل لم يصب أحد بأقربائه سواها؟ وهل كل من أصيبت بأقربائها تمنع زوجها من الزواج بأخرى؟!. لا سيما بعد مرور السنوات العديدة على ذلك!!
ولماذا لا يطلب العسقلاني من أبي بكر أن يبالغ في رضا فاطمة، حينما أصيبت في أبيها سيد البشر، فحرمها أبو بكر من إرثها، وعاملها بما هو معروف لدى كل أحد، حتى ماتت "عليها السلام" وهي هاجرة له، وأوصت أن تدفن ليلاً ولا يحضر جنازتها هو ولا الخليفة عمر؟.
ثم هناك تعريضه بعلي "صلى الله عليه وآله"، وأنه حدثه ولم يصدقه..
لا ندري كيف؟ ومتى؟ وأن أبا العاص (الذي بقي على شركه حتى أسلم مع طلقاء مكة كرهاً، أو طمعاً، والذي صرح الصادق "عليه السلام" بنفاقه كما نسب إليه)([538]) قد حدثه، فصدقه، كيف؟ ومتى؟ وفي أي مورد؟!.
وبعد، فما معنى: أن لا تجتمع بنت عدو الله وبنت رسول الله عند رجل؟ وقد جمع عثمان بين رقية وأم كلثوم بنتي بل ربيبتي رسول الله، وبين فاطمة بنت الوليد بن عبد شمس، ورملة بنت شيبة، وأم البنين بنت عيينة بن حصن، الذي كان من المنافقين.
ولو صحت خطبة علي لبنت أبي جهل فلماذا تتأذى فاطمة من العمل بحكم إلهي مشرع في القرآن وعلى لسان أبيها؟!.
ولماذا لا تكون مثال المرأة المؤمنة الراضية والمطمئنة؟
وأين هو إيمانها القوي وثباتها؟!.
ولماذا لا تكون كأي امرأة أخرى تواجه قضية كهذه؟!.
وكيف بلغ بها الأمر أن أصبح أبوها يخشى عليها الفتنة في دينها؟!
أكل ذلك من أجل أن زوجها يريد التزوج من امرأة أخرى؟!.
ثم ألم تسمع قول أبيها: جدع الحلال أنف الغيرة؟([539])
ولو كانت لم تسمع ذلك فلم لا يذكر لها أبوها ذلك حينما اشتكت من زوجها، أو على الأقل لماذا لا يتذكر هو ذلك، قبل أن يصعد المنبر ويتكلم بذلك الحماس، وتلك العصبية والقسوة؟!.
وهل يتناسب ذلك مع حكمته ونبل أخلاقه، وسمو نفسه، وما عرف به من الكظم والحلم؟!.
وهذا المأمون يجيب ابنته على شكواها من قضية كهذه بقوله: إنا ما أنكحناه لنحظر عليه ما أباحه الله تعالى. فهل كان المأمون أعلى نفساً، وأكرم أخلاقاً منه "صلى الله عليه وآله"؟! والعياذ بالله([540]).
وخامساً: قال السيد المرتضى: "وبعد، فأين كان أعداؤه "عليه السلام" من بني أمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنتهزة؟! وكيف لم يجعلوها عنواناً لما يتخرصونه من العيوب، والقروف؟! وكيف تمحلوا الكذب، وعدلوا عن الحق؛ وفي علمنا بأن أحداً من الأعداء متقدماً لم يذكر ذلك، دليل على أنه باطل موضوع"([541]).
وسادساً: وبعد كل ما تقدم: كيف يقول النبي "صلى الله عليه وآله" لبنت أبي جهل، (بنت عدو الله)، على المنبر، وهو الذي منع الناس من أن يقولوا لعكرمة أخيها: (ابن عدو الله)، وقال كلمته الخالدة: يأتيكم عكرمة مهاجراً؛ فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي؟!([542]).
وسابعاً: إن المسور بن مخرمة قد ولد في السنة الثانية للهجرة، فكيف يقول: إنه سمع النبي "صلى الله عليه وآله" يخطب على المنبر وهو (يعني المسور) محتلم؟!.
ووجه ذلك ابن حجر: بأن المراد بالاحتلام كمال العقل([543]).
وهذا التوجيه يخالف كلاً من اللغة والعرف، فلا يقال لطفل عمره ست سنين: إنه محتلم. مهما كان له من الدراية، ومن العقل والفطنة([544]).
الرواية الأقرب إلى القبول:
وأخيراً، فإن السيد المرتضى يرى: أن هذه الأسطورة إنما رواها الكرابيسي البغدادي، صاحب الشافعي، والكرابيسي معروف بنصبه وانحرافه عن أمير المؤمنين "عليه السلام"([545]).
ولعلك تقول: إن الرواية بكيفيتها المتقدمة لا ريب في بطلانها وافتعالها، إلا أننا لا نمانع في أن يكون لها أصل سليم عن كل ما قدمناه، ولا يتنافى مع روحية، وعصمة النبي "صلى الله عليه وآله"، ووصيه، وبضعته الزهراء "عليها السلام".
وذلك بأن يكون قد خطر له "عليه السلام" أن يخطب بنت أبي جهل لمصلحة رآها، فاستشار رسول الله "صلى الله عليه وآله". فلم ير منه تشجيعاً، فانصرف عن ذلك.
وقد ألمحت رواية إلى ذلك؛ فذكرت: أن علياً "عليه السلام" خطب ابنة أبي جهل إلى عمها الحارث بن هشام، فاستشار علي "عليه السلام" رسول الله "صلى الله عليه وآله".
فقال "صلى الله عليه وآله": أعن حسبها تسألني؟
قال علي: قد أعلم ما حسبها، ولكن أتأمرني بها؟
قال: لا، فاطمة بضعة مني، ولا أحب أنها تحزن أو تجزع.
قال علي: "لا آتي شيئاً تكرهه"([546]).
ونقول في الجواب:
إن هذه الرواية قاصرة عن إفادة المعنى المقصود، لا سيما وأنها تشتمل على التناقض في مضمونها، إذ لا معنى للخطبة، ثم الاستشارة، بل الاستشارة تكون قبل الخطبة، لا سيما بملاحظة قوله: أتأمرني بها الخ..
كما أنها لا تزال تتهم الزهراء "عليها السلام" بأنها تحزن وتجزع من فعل الأمر المحلل يضاف. إلى ذلك كله أن هناك ما يدل على تحريم النساء على علي "عليه السلام" في حياة فاطمة كرامة وإجلالاً لها "صلوات الله وسلامه عليها".. فلماذا يخالف علي "عليه السلام" هذا الحكم الثابت؟!.
إلا أن يقال: إنه لم يكن عالماً به، قبل هذه الحادثة. وقد علم به بعدها..
ولكنه قول غير مقبول، بملاحظة: أنه "عليه السلام" باب مدينة علم الرسول "صلى الله عليه وآله"، وهو أيضاً الإمام المعصوم الذي لا يحتمل في حقه الجهل بتكاليف نفسه.
وأخيراً، فإن كلام ابن عباس الذي قدمناه في جوابه لعمر بن الخطاب يؤيد هذه الرواية أيضاً.
ولربما تكون فاطمة قد عرفت بقول عمر، عن النبي "صلى الله عليه وآله": "إنه سيغضب لابنته"؛ فاشتكته إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لا أنها اشتكت علياً "عليه السلام" غيرة من خطبته امرأة أخرى. فإن فاطمة أجل وأرفع، وأعمق إيماناً من أن تفكر في أمر كهذا.
الفصل الثالث:
قضايا وأحداث في المجال العام
تحويل القبلة:
وقد جاء في الروايات: أن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة قد كان بعد حرب بدر([547]).
وفي تفسير القمي: أن ذلك كان بعد الهجرة بسبعة أشهر.
وصحح صاحب تفسير الميزان: أن ذلك كان في رجب.
وقيل: في النصف من شعبان.
وعنه "صلى الله عليه وآله": إن ذلك قد كان بعد سبعة (تسعة) عشر شهراً. وقد صرف إلى الكعبة، وهو في صلاة العصر([548])، ولتراجع سائر الأقوال في كتب التاريخ والسيرة.
وكان "صلى الله عليه وآله" حين قدم المدينة يتوجه إلى بيت المقدس، فصار اليهود يعيرونه، ويقولون: أنت تابع لنا، تصلي إلى قبلتنا.
فاغتم رسول الله "صلى الله عليه وآله" من ذلك غماً شديداً، وكان قد وُعد بتحويل القبلة، فخرج في جوف الليل يقلب وجهه في السماء، ينتظر أمر الله تعالى في ذلك، وأن يكرمه بقبلة تختص به.
فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر ـ وقيل العصر ـ وكان في مسجد بني سالم، صلى الظهر بهم ركعتين؛ فنزل جبرائيل، فأخذ بعضديه، فحوله إلى الكعبة، فاستدارت الصفوف خلفه؛ فأنزل الله عليه:
?قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ?([549]).
فصلى ركعتين إلى الكعبة.
فقالت اليهود، الذين شق عليهم ذلك، والسفهاء: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها([550]).
ويقال: إن المسجد الذي جرى فيه ذلك سمي بـ "مسجد القبلتين".
وقيل: بل سمي به مسجد آخر، بلغ المصلين فيه تحول النبي إلى الكعبة، فتحولوا هم أيضاً في وسط صلاتهم، فسمي مسجدهم بذلك.
تفسير وتحليل:
وجاء في بعض الأخبار عن الإمام العسكري "صلوات الله وسلامه عليه": أن هوى أهل مكة كان في الكعبة؛ فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه، باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد يأمر بها.
ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس، أمرهم بمخالفتها، والتوجه إلى الكعبة؛ ليبين من يتبع محمداً فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه الخ..([551]).
ولا يخفى أن ما ذكر في هذه الرواية هو من حكم تحويل القبلة، وفوائده، لا أنه هو السبب الأول والأخير لذلك.
هذا كله على فرض صحة الرواية، وإلا فقد جاء بسند موثوق ما مفاده: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن يجعل الكعبة خلف ظهره في مكة، بل كان يستقبلها هي وبيت المقدس معاً. ولكنه في المدينة استقبل بيت المقدس دون الكعبة حتى حول إليها([552]).
وهذه الرواية لا توافق الرواية الأولى تماماً، لأنه في مكة كان يستقبلهما معاً، فلم يتضح موافقه من مخالفه، إلا في صورة التوجه نحو الكعبة في الجهة المخالفة لبيت المقدس.
مناقشات لا بد منها:
وربما يقال: كيف يغتم "صلى الله عليه وآله" لتعيير اليهود؟ فإن وجود حكم شرعي موافق لهم، لا يوجب غمه "صلى الله عليه وآله"، ولا فعالية تعييرهم إياه؛ إذ ما أكثر الأحكام التي هي من هذا القبيل؛ فلماذا اختاروا منها تعييره في موضوع القبلة فقط؟!.
ولو قبلنا: أنهم فعلوا ذلك، فإنه "صلى الله عليه وآله" إذا كان يعلم أن في هذا الحكم مصلحة، فإنه يأنس به، ويرتاح له، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ولذا فهو لا يغتم لتعيير أحد.
ويمكن الجواب عن ذلك: أنه يمكن أن يكون "صلى الله عليه وآله" يرى: أن ذلك يهييء الفرصة لأعداء الإسلام لفتنة المؤمنين عن دينهم، وصد غيرهم عن التوجه إليه، والدخول فيه؛ فهو حينئذٍ يغتم ويهتم لذلك. وينتظر الإذن من الله بتحويل القبلة لتفويت الفرصة على أعدائه، الذين سوف لن يدعوه وشأنه، والذين يعيشون في المتناقضات، فإذا صلى إلى قبلتهم عيروه، وإذا تحول عنها، فسيقول السفهاء من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وهذه هي طبيعة الإنسان الذي لا يرى نفسه مسؤولاً عن مواقفه وحركاته وكلماته، ولا ينطلق في مواقفه إلا من موقع السفه، وعدم التثبت.
البراء بن معرور لم يصل لغير الكعبة:
ويذكر هنا: أن البراء بن معرور خرج في سفر مع بعض قومه، فقال لهم: "يا هؤلاء، قد رأيت ألا أدع هذه البنية (يعني الكعبة) مني بظهر، وأن أصلي إليها".
فقالوا له: والله، ما بلغنا: أن نبينا يصلي إلا إلى الشام، وما نريد أن نخالفه.
فأصر البراء على الصلاة إلى الكعبة، فكان يصلي إليها، وهم يصلون إلى الشام، حتى قدموا مكة، فسأل النبي "صلى الله عليه وآله" عن ذلك، فقال "صلى الله عليه وآله": "لقد كنت على قبلة لو صبرت عليها".
فرجع البراء إلى قبلة النبي "صلى الله عليه وآله"، فصلى إلى الشام، وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات.
ولما حضره الموت أوصى أن يدفن، وتستقبل به الكعبة، ففعلوا. وكانت وفاته في صفر قبل قدوم النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة مهاجراً بشهر([553]).
ملاحظة:
ونحن نلاحظ هنا: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يحكم ببطلان عمل البراء، ولا لامه على ما فعله، ولا أمره بالصلاة إلى جهة الشام، غاية ما هناك أنه أعلمه أنه قد استعجل الأمر.
وقد يستفاد من هذا: أن موافقة الحكم الإنشائي مقبولة إلى حد ما، ومجزية أيضاً، بل يمكن أن يدعى أن النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه كان يمتثل هذا الحكم الإنشائي، فكان يتوجه إلى بيت المقدس، جاعلاً الكعبة بين يديه، ثم في المدينة نسخ الاتجاه إلى بيت المقدس من الأساس، بجميع مراتبه، ولم يكن يمكن استقبال الكعبة وبيت المقدس معاً، فلم يكن ثمة خيار في ترك بيت المقدس، إلى الكعبة.
إلا أن يقال: إنه ليس في المقام حكم إنشائي، بالنسبة إلى الكعبة، بل كان الحكم بالتوجه إليها فعليَّاً، إما على نحو التشريك مع لزوم التوجه إلى بيت المقدس حيث لا مندوحة، وإما على نحو التخيير كذلك أيضاً لمصلحة وقتية في ذلك.
تحول المصلين كيف كان:
وهنا أيضاً رواية تقول: إنه لما أخبر بنو عبد الأشهل بتحويل القبلة، وهم في الصلاة، وقد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، تحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة، فصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين([554]).
وفي رواية أخرى: أن جبرائيل أخذ بيد النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فحول وجهه إلى الكعبة، وحول من خلفه وجوههم حتى قام الرجال مقام النساء، والنساء مقام الرجال إلخ..([555]).
وهذا يعني: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ذهب مع جبرائيل إلى الناحية الأخرى من المسجد، وكذلك المصلون من الرجال، ثم جاء النساء إلى مكانهم، فوقفن هناك.
وهكذا جرى في بني عبد الأشهل أيضاً.
وهذا يدل على أن الانتقال الذي حصل في المسجد من ناحية إلى ناحية لم يقدح في صحة صلاتهم تلك، ما دام أن تحولهم هذا قد كان بأمر من الله وفي طاعته.
ولكن ذلك لا يدل على عدم قادحية هذا المقدار من السير في سائر الصلوات في الظروف العادية، لاحتمال اختصاص هذا التسامح بهذه الصلاة دون غيرها على الإطلاق.
ثأر قريش بأرض الحبشة:
ولما بلغ النجاشي نصر رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر فرح فرحاً شديداً، ولكن مشركي قريش حين أصابتهم تلك الهزيمة القاتلة في بدر، قالوا: إن ثارنا عند ملك الحبشة، فلنرسل إلى ملكها ليدفع إلينا من عنده من أتباع محمد، فنقتلهم بمن قتل منا؛ فأرسلوا عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، ومعهما الهدايا والتحف.
فعرف الرسول "صلى الله عليه وآله" بالأمر، فأرسل إلى النجاشي كتاباً يوصيه فيه بالمسلمين.
ويقولون: إن حامل الكتاب كان عمرو بن أمية الضمري([556]).
ولكن ذلك محل شك؛ فإن عمرواً لم يكن قد أسلم بعد، لأنه إنما أسلم بعد أحد([557]) وهو إنما حمل كتاباً آخر أرسله النبي "صلى الله عليه وآله" سنة ست أو سبع، كما سيأتي إن شاء الله تعالى([558]).
وعلى كل حال، فقد رفض النجاشي طلب عمرو بن العاص، فرجع من مهمته خائباً خاسراً؛ لأن المسلمين كانوا عند ملك لا يظلم عنده أحد، على حد تعبيره "صلى الله عليه وآله" عنه حسبما تقدم.
ولأن النجاشي كان مسلماً سراً، كما يظهر من فرحه بنتائج حرب بدر.
هذا، وتذكر هنا أمور تدل على إسلام عمرو بن العاص حينئذٍٍ، وقد أضربنا عنها، لأن من الثابت أنه لم يسلم إلا بعد سنوات من ذلك، وإنما يراد إثبات فضيلة له لا تثبت.
نهاية أبي لهب:
وبعد واقعة بدر بأيام كانت نهاية أبي لهب لعنه الله تعالى، فقد أصيب بالعدسـة، فقتلته. وهي بثـرة مـن جنس الطـاعـون، تخرج في موضع من الجسد، تقتل صاحبها غالباً.
وقد تركه ابناه ليلتين، أو ثلاثاً بلا دفن، حتى أنتن، وعابهم البعض على ذلك، فاستحيوا، ودفنوه بأن وضعوه إلى جنب جدار، ثم قذفوا الحجارة عليه حتى واروه([559]).
وهكذا فلتكن نهاية الظالمين والمشركين شراً وخزياً، وما هم عليه من الشرك في الشر أعظم وأعظم، ولعذاب الآخرة أخزى.
غلبة الروم على الفرس:
وفي السنة الثانية من الهجرة أيضاً، كانت غلبة الروم على فارس.
ويقال: إن ذلك كان في نفس اليوم الذي التقى فيه الرسول بالمشركين في بدر، فنصر عليهم.
وفرح المسلمون بانتصار الروم هذا؛ لأن الروم كانوا أهل كتاب، وفارس مجوس لا كتاب لهم([560]).
وقد ذكر الله ذلك في كتابه العزيز، فقال: ?الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ الله?([561]).
إلا أن من المحتمل قريباً أن يكون مراد الآية الأخيرة: أنهم يفرحون بنصر الله لهم في بدر، لا بنصر الروم على الفرس.
رهان أبي بكر:
ويذكرون هنا قضية ملخصها: أن المشركين كانوا يحبون غلبة الفرس، لأنهم أصحاب أوثان، وكان المسلمون يحبون غلبة الروم، لأنهم أصحاب كتاب؛ فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله" وهو في مكة بأن الروم سيغلبون الفرس، فقامر أبو بكر المشركين: إن ظهر الروم فله كذا، وإن ظهر الفرس فلهم كذا إلى خمس سنين. (وذلك قبل أن يحرم القمار)؛ فأمره رسول الله "صلى الله عليه وآله" بزيادة المدة معهم، فزادها.
فلما ظهرت الروم قمر أبو بكر، وحصل على ما أراد من المشركين، وعند كثيرين: أنهم ظهروا عليهم في الحديبية، لا في بدر([562]).
مناقشة رواية الرهان:
ونحن لا نصدق هذه الرواية:
أولاً: لتناقض صورها. ونكتفي بذكر التناقضات التي أشار إليها العلامة الطباطبائي مع بعض الزيادات، قال أيده الله:
أقول: وفي هذا المعنى روايات أخر مختلفة المضامين في الجملة، ففي بعضها: أن المقامرة كانت بين أبي بكر وأبي بن خلف، (وفي بعض المصادر([563]): أمية بن خلف).
وفي بعضها: أنها كانت بين المسلمين والمشركين، كان أبو بكر من قبل المسلمين، وأبي من قبل المشركين.
وفي بعضها: أنها كانت بين الطائفتين. وفي بعضها: بين أبي بكر والمشركين كما في هذه الرواية.
وفي بعضها أن الأجل المضروب: ثلاث سنوات.
وفي بعضها: خمس.
وفي بعضها: ست.
وفي أخرى: سبع.
ثم الأجل المضروب أولاً انقضى بمكة، وهو سبع سنين؛ فمادهم أبو بكر سنتين بأمر النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فغلبت الروم. وفي بعضها خلافه.
ثم في بعضها: أن الأجل الثاني انقضى بمكة.
وفي بعضها: أنه انقضى بعد الهجرة. وكانت غلبة الروم يوم بدر.
وفي بعضها: يوم الحديبية.
وفي بعضها: أن أبا بكر لما قمرهم بغلبة الروم أخذ منهم الخطر، وهو مائة قلوص، وجاء به إلى النبي "صلى الله عليه وآله"، فقال: إنه سحت، تصدق به([564]). إنتهى ما أورده العلامة الطباطبائي.
ومن التناقضات: أن الخطر في بعضها: أربعة قلائص.
وفي بعضها: خمس.
وفي بعضها: عشر.
وفي أخرى: مئة.
إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تظهر بالمراجعة والمقارنة.
وثانياً: قال العلامة الطباطبائي أيضاً:
"والذي تتفق فيه الروايات: أنه قامرهم؛ فقمرهم. وكان القمار بإشارة النبي "صلى الله عليه وآله". ووجه ذلك (أي في نفس الرواية كما في بعض نصوصها) بأنه: كان قبل تحريم القمار؛ فإنه قد حرم مع الخمر في سورة المائدة، وقد نزلت في آخر عهد النبي "صلى الله عليه وآله".
وقد تحقق بما قدمناه في تفسير آية الخمر والميسر: أن الخمر كانت محرمة في أول البعثة، وكان من المعروف عن الدين أنه يحرم الخمر والزنى. على أن الخمر والميسر من الإثم بنص آية: ?يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالميْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ?([565]).
والإثم محرم بنص آية: ?قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ?([566]).
والأعراف من العتائق النازلة بمكة؛ فمن الممتنع: أن يشير النبي "صلى الله عليه وآله" بالمقامرة.
وعلى تقدير تأخر الحرمة إلى آخر عهد النبي "صلى الله عليه وآله"، يشكل قوله لأبي بكر، لما أتى بالخطر إليه: إنه سحت، ثم قوله: تصدق به؛ فلا سبيل إلى تصحيح شيء من ذلك بالموازين الفقهية. وقد تكلفوا في توجيه ذلك بما يزيد الأمر إشكالاً.
ثم إن ما في الرواية: أن الفرس كانوا عبدة أوثان، لا يوافق ما كان عليه القوم؛ فإنهم وإن كانوا مشركين، لكنهم كانوا لا يتخذون أوثاناً"([567]).
هذا كله عدا عن أن قول النبي "صلى الله عليه وآله" لأبي بكر: إنه سحت، يدل على أن القمار كان محرماً، ولولا ذلك لم يكن المأخوذ به سحتاً. مع أن المدَّعى هو أن التحريم كان بعد بدر والحديبية معاً، لأن التحريم قد جاء في سورة المائدة النازلة بعد ذلك حسب زعمهم.
تتميم وتعقيب:
ونقول: إن كلام سيدنا العلامة هنا صحيح، إلا أنه يمكن الإجابة على الفقرة الأخيرة من كلامه، فيقال: إن عبارة الرواية، هكذا: "كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم؛ لأنهم أصحاب أوثان. وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على الفرس؛ لأنهم أصحاب كتاب".
فمن غير البعيد: أن يكون قوله: "لأنهم أصحاب أوثان" راجع للمشركين، أي أن سبب محبة المشركين لغلبة الفرس، هو كون المشركين أصحاب أوثان لا كتاب لهم؛ فأشبهوا الفرس في عدم الكتاب لهم، فهم يميلون إليهم. وعلة محبة المسلمين لغلبة الروم هو كون المسلمين أصحاب كتاب، أي والروم كذلك.
سد الأبواب في المسجد إلا باب علي ×:
ومن القضايا الجديرة بالتسجيل هنا، قضية أمر الرسول "صلى الله عليه وآله" بسد الأبواب الشارعة في المسجد، غير باب علي أمير المؤمنين "عليه السلام"، فنقول:
يظهر أن هذه القضية قد حصلت قبل استشهاد حمزة، وقبل وفاة رقية.
ويدل على ذلك:
1 ـ عن أمير المؤمنين "عليه السلام": لما أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بسد الأبواب التي في المسجد، خرج حمزة يجر قطيفة حمراء، وعيناه تذرفان، يبكي؛ فقال: ما أنا أخرجتك، وأنا أسكنته، ولكن الله أسكنه([568]).
2 ـ وبهذا المعنى رواية أكثر تفصيلاً عن سعد بن أبي وقاص، فراجع([569]).
3 ـ عن أبي الحمراء، وحبة العرني، قال: لما أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بسد الأبواب التي في المسجد شق عليهم.
قال حبة: إني لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب، وهو يجر قطيفة حمراء، وعيناه تذرفان يقول: أخرجت عمك، وأبا بكر وعمر، والعباس، وأسكنت ابن عمك الخ..([570]).
لكن ذكر العباس في الرواية في غير محله. لأن العباس لم يأت إلى المدينة إلا بعد سنوات من استشهاد حمزة، فلا بد أن يكون ذلك من إقحام الرواة.
4 ـ في نص آخر، عن أمير المؤمنين "عليه السلام"، قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": انطلق فمرهم، فليسدوا أبوابهم. فانطلقت، فقلت لهم، ففعلوا إلا حمزة.
فقلت: يا رسول الله، فعلوا إلا حمزة.
فقال رسول الله: قل لحمزة: فليحول بابه.
فقلت: إن رسول الله يأمرك أن تحول بابك؛ فحوله، فرجعت إليه، وهو قائم يصلي، فقال: ارجع إلى بيتك([571]).
5 ـ هناك رواية أخرى عن حذيفة بن أسيد، تذكر: أن رقية كانت حينئذٍ على قيد الحياة بالإضافة إلى حمزة، ففيها ـ أنه بعد أن أرسل "صلى الله عليه وآله" إلى أبي بكر وعمر فأمرهما بسد أبوابهما؛ ففعلا "أرسل إلى عثمان ـ وعنده رقية ـ فقال: سمعاً وطاعة، ثم سد بابه" ـ.
إلى أن قال: "فقال له النبي (أي لعلي): أسكن طاهراً مطهراً. فبلغ حمزة قول النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي.
فقال: يا محمد، تخرجنا وتمسك غلمان بني عبد المطلب؟
فقال له نبي الله: لا، لو كان الأمر لي ما جعلت من دونكم من أحد، والله ما أعطاه إياه إلا الله، وإنك لعلى خير من الله ورسوله، أبشر؛ فبشره النبي "صلى الله عليه وآله"؛ فقتل يوم أحد شهيداً"([572]).
نحن نستبعد جرأة حمزة على النبي "صلى الله عليه وآله" بهذا النحو؛ فلا بد أن يكون قد تساءل عن سر هذا التصرف، كما تساءل غيره؛ فأجابه بأن الأمر قد جاء من قبل الله تعالى.
6 ـ في رواية أخرى عن رجل من أصحاب رسول الله: أنه خرج مناديه "صلى الله عليه وآله" يأمرهم بسد أبوابهم، فلم يقم أحد، وفي الثالثة: خرج، فقال: سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب، فخرج الناس مبادرين، وخرج حمزة بن عبد المطلب يجر كساءه حين نادى سدوا أبوابكم الخ..
إلى أن قال: فقالوا: سد أبوابنا وترك باب علي، وهو أحدثنا؟!
فقال بعضهم: تركه لقرابته.
فقالوا: حمزة أقرب منه، وأخوه من الرضاعة، وعمه الخ..([573]).
ولكننا نجد في مقابل ذلك، ما يدل على أن هذه القضية قد كانت بعد فتح مكة، إذ قد جاء في بعض رواياتها ذكر للعباس عم النبي "صلى الله عليه وآله"، والذي لم يقدم المدينة إلا بعد الفتح.
1 ـ فعن أبي سعيد الخدري: وأخرج رسول الله عمه العباس، وغيره من المسجد، فقال له العباس: تخرجنا، ونحن عصبتك، وعمومتك، وتسكن علياً؟!
فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه([574]).
2 ـ وهناك رواية عن علي في ذلك، ويصرح فيها باسم العباس([575]).
3 ـ عن جابر بن سمرة، قال: أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بسد الأبواب كلها غير باب علي.
فقال العباس: يا رسول الله، قدر ما أدخل أنا وحدي وأخرج؟
قال: ما أمرت بشيء من ذلك، فسدها غير باب علي.
قال: وربما مر وهو جنب([576]).
ولكن نفس هذه الرواية تقريباً، قد رويت عن جابر بن سمرة، وفيها: أن رجلاً قال ذلك. ولا تصرح بالاسم([577]).
4 ـ وثمة رواية أخرى عن سعد بن أبي وقاص تصرح باسم العباس أيضاً، ولكن لها نص آخر جاء فيه: أن عمه اعترض عليه، من دون تصريح بالاسم([578]).
5 ـ وعن أبي الطفيل في حديث مناشدة علي للمجتمعين يوم الشورى قال "عليه السلام": "سد النبي "صلى الله عليه وآله" أبواب المهاجرين وفتح بابي، حتى قام إليه حمزة والعباس؛ فقالا: يا رسول الله سددت أبوابنا وفتحت باب علي؟
فقال النبي "صلى الله عليه وآله": ما أنا فتحت.. إلخ"([579]).
ونحن نرجح: أن حديث سد الأبواب قد كان قبل استشهاد حمزة بن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه، وذلك لعدم وجود اختلاف في الروايات الدالة على ذلك من جهة.
ولأننا نستبعد: أن يترك الصحابة أكثر من ثماني سنوات يمرون في المسجد حتى في حال الجنابة من جهة ثانية.
ولأننا كذلك نجد في ذكر كلمة "عمه" في بعض الروايات، ثم إبدالها بكلمة "العباس" في غيرها ما يشير إلى أن هذه الزيادة ـ عن عمد، أو عن غير عمد ـ قد جاءت من قبل الرواة أنفسهم، إما اعتماداً على ما هو المركوز في أذهانهم، أو لهدف سياسي معين.
أضف إلى ذلك: أن ذكر رقية في بعض النصوص الأخرى، يؤيد بل يدل على صحة الروايات التي تصرح باسم حمزة رضوان الله تعالى عليه، لأن رقية قد توفيت في السنة الثانية، إما بعد بدر مباشرة، أو في ذي الحجة، كما تقدم.
حديث سد الأبواب في مصادره:
وقد ذكرت المصادر الكثيرة جداً بالأسانيد الكثيرة الصحيحة: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حين أمر بسد الأبواب، إلا باب علي "عليه السلام" قد أحدث هزة عنيفة بين المسلمين، لا سيما وأنه قد أجاز له أن يدخل المسجد وهو جنب، كما في النصوص.
وقال الناس في ذلك ـ ولا سيما قريش ـ : سددت أبوابنا، وتركت باب علي؟!
فقال: ما بأمري سددتها، ولا بأمري فتحتها.
أو قال: ما أنا أخرجتكم من قبل نفسي وتركته، ولكن الله أخرجكم وتركه، وإنما أنا عبد مأمور، ما أمرت به فعلت، إن أتبع إلا ما يوحى إلي.
أو ما هو قريب من هذا.
وفي بعض النصوص: أنه "صلى الله عليه وآله" صعد المنبر، وهو في حالة غضب، بعد أن عصوا أمره مرتين، ولم يطيعوا إلا في الثالثة. وهذا الغضب والحنق منه قد أيدته وأكدته النصوص الكثيرة، فلا مجال للتشكيك فيه.
هذا، ويقول الجويني: "حديث (سد الأبواب) رواه نحو من ثلاثين رجلاً من الصحابة، أغربها حديث عبد الله بن عباس"([580]).
وقد روى له السيوطي فقط حوالي أربعين طريقاً على ما قاله الحجة الشيخ المظفر([581]).
وممن رواه من الصحابة: علي "عليه السلام"، عمر بن الخطاب، ولده عبد الله، زيد بن أرقم، البراء بن عازب، عبد الله بن عباس، أبو سعيد الخدري، جابر بن سمرة، أبو حازم الأشجعي، جابر بن عبد الله، عائشة، سعد بن أبي وقاص، أنس بن مالك، بريدة، أبو رافع مولى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، حذيفة بن أسيد الغفاري، ابن مسعود، أبو ذر الغفاري، أم سلمة أم المؤمنين. ورواه أيضاً: عبد المطلب بن عبد الله بن حنطب أبو الحمراء، وحبة العرني، وكيسان البراد، وغيرهم([582]).
النواصب وحديث سد الأبواب:
وبعد كل ما تقدم، فلا يمكن أن يصغى لقول ابن الجوزي، وابن كثير، وابن تيمية: إن حديث سد الأبواب ليس بصحيح.
أو إنه من وضع الرافضة([583]).
فإن تواتر هذا الحديث في كتب أهل السنة، وتصحيح حفاظهم لكثير من طرقه، ورواية العشرات من الصحابة له، أي نحو ثلاثين صحابياً. إن ذلك لا يمكن أن يخفى على أحد.
وإذا جاز: أن يضع الرافضة مثل هذا الحديث، ويدخلوه في عشرات الكتب والمسانيد، فإنه لا يمكن الوثوق بعد هذا بأي حديث، ولا كتاب، ولا بأي حافظ من أهل السنة.
هذا بالإضافة إلى ما في هذه الدعوى من رمي أمة بأسرها بالبله والتغفيل الذي لا غاية بعده.
ويكفي أن نذكر: أن العسقلاني([584]) بعد أن ذكر ستة من الأحاديث في سد الأبواب إلا باب علي، قال: "وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وكل طريق منها صالح للاحتجاج، فضلاً عن مجموعها".
ثم ذكر: أن ابن الجوزي لم يورد الحديث إلا من طريق سعد بن أبي وقاص، وزيد بن أرقم، وابن عمر، مقتصراً على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته.
وقال العسقلاني أيضاً بعد أن ذكر بعض طرقه: "فهذه الطرق المتضافرة من روايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح دلالة قوية، وهذه غاية نظر المحدث"([585]).
وقـال: "فكيف يدعى الوضع على الأحـاديث الصحيحة بمجـرد التوهم؟ ولو فتح هذا الباب لادعي في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان، ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون"([586]).
وقال الجصاص: "ما ذكر من خصوصية علي رضي الله عنه فهو صحيح، وقول الراوي: لأنه كان بيته في المسجد، ظن منه؛ لأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أمر في الحديث الأول بتوجيه البيوت الشارعة إلى غيره، ولم يبح لهم المرور لأجل كون بيوتهم في المسجد؛ وإنما كانت الخصوصية فيه لعلي رضي الله عنه دون غيره، كما خص جعفر بأن له جناحين في الجنة، دون سائر الشهداء الخ.."([587]).
خوخة أو باب أبي بكر:
وفي البخاري، عن ابن عباس: سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، وعن أبي بكر، وعن أبي سعيد الخدري عنه "صلى الله عليه وآله": إن أمن الناس علي في صحبته، وماله، أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر. أو لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر.
قال ذلك في مرضه الذي مات فيه. وعند مسلم، عن جندب: قبل أن يموت بخمس ليال، وعند الطبراني، وأبي يعلى بإسناد حسن عن معاوية وعائشة: أن ذلك بعد أن صب عليه "صلى الله عليه وآله" من سبع قرب من آبار شتى([588]).
وقد استدلوا بذلك على استحقاق أبي بكر للخلافة، لا سيما وأنه قد ثبت أن ذلك كان في أواخر حياته "صلى الله عليه وآله"([589]).
ونقول:
1 ـ بعد أن ثبت صحة حديث: سدوا الأبواب إلا باب علي؛ وبعد أن اتضح: أنه لم يكن حين مرض وفاته "صلى الله عليه وآله" أي باب مفتوحاً إلا باب علي، فلا معنى لأن يأمرهم "صلى الله عليه وآله" بسد هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر([590])، بعد أن لم يسمح النبي "صلى الله عليه وآله" لذلك الرجل!! بكوة، ولو بقدر ما يخرج رأسه، حتى ولو بقدر رأس الإبرة!!([591]).
وبهذا يتضح عدم صحة قولهم في وجه الجمع: إنهم بعد أن سد النبي "صلى الله عليه وآله" أبوابهم، استحدثوا خوخاً يستقربون منها الدخول إلى المسجد([592]).
2 ـ هذا بالإضافة إلى أن الحديث قد تضمن منّ أبي بكر على النبي "صلى الله عليه وآله" بصحبته له، وقد تقدم في حديث الغار: أن ذلك لا يصح إلا على معنى فيه ذم لأبي بكر. كما أنه قد تضمن حديث خلة أبي بكر.
وتقدم في حديث المؤاخاة: أنه لا يمكن أن يصح أيضاً.
3 ـ إن البعض يذكر: أن بيت أبي بكر كان بالسنح، ويشك كثيراً، بل على حد تعبير التوربشتي: لم يصح أن يكون له بيت قرب المسجد([593]).
وأجيب: بأنه لا يلزم من ذلك أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، واستدل على ذلك بأنه قد كان لأبي بكر أزواج متعددة كأسماء بنت عميس، وغيرها، وبأن ابن شبة قد ذكر: أنه كان له في زقاق البقيع دار قبالة دار عثمان الصغرى، واتخذ منزلاً آخر عند المسجد في غربيه([594]).
ولكن ذلك لا يثبت ما يريدون إثباته؛ فإن تعدد أزواجه لا يلزم منه أن يكون له بيت في جانب المسجد، ولا سيما إذا كان له بيت في زقاق البقيع ـ بعيداً عن المسجد ـ في قبالة دار عثمان الصغرى. ثم لماذا لا يسكن أزواجه مع تعـددهـن في بيت واحـد ذي حجـر متعـددة، كغيره من أهـل المـدينـة ـ ومنهم النبي "صلى الله عليه وآله" ـ الذين كان لهم عدة زوجات.
ولعل هؤلاء قد اعتمدوا في ذكرهم بيتاً لأبي بكر عند المسجد على هذا الحديث بالذات. أو أنهم أرادوا بذكرهم بيتاً له كذلك أن يمدوا يد العون لهذا الحديث الذي توالت عليه العلل والأسقام، تماماً كما جعلوا ـ إلى يومنا هذا ـ خوخة في المسجد من أجل تصحيح ذلك. ولكنهم لم يجعلوا باباً لعلي "عليه السلام"، وهو الذي ثبت أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أبقى بابه مفتوحاً، وسد كل باب في المسجد سواه.
4 ـ لقد اعترف ابن عمر، وأبوه: أن علياً قد أوتي ثلاث خصال، لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله "صلى الله عليه وآله" ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر([595]).
فهذه الرواية صريحة في أنه "عليه السلام" قد اختص بذلك، كما اختص بالراية يوم خيبر، وبتزوجه فاطمة "عليها السلام"، وولادتها له.
ولو كان لأبي بكر فضل هنا وامتياز، لم يسمح عمر ولا ولده لنفسيهما باختصاصه "عليه السلام" بهذا الوسام. وامتيازه في قضية سد الأبواب كامتيازه في قضية الراية يوم خيبر، حيث إن أخذ أبي بكر وعمر لها ليس فقط لم يكن امتيازاً لهما، بل كان وبالاً عليهما، كما هو معلوم.
5 ـ وأخيراً، فقد قال المعتزلي عن البكرية التي أرادت مقابلة الأحاديث في فضل علي: إنها "وضعت لصاحبها أحاديث في مقابلة هذه الأحاديث، نحو: "لو كنت متخذاً خليلاً" فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، ونحو سد الأبواب، فإنه كان لعلي "عليه السلام"؛ فقلبته البكرية إلى أبي بكر"([596]).
وقد ذكر اللمعاني: أن قضية سد باب أبي بكر، وفتح باب علي "عليه السلام" كانت من أسباب حقد عائشة على أمير المؤمنين "عليه السلام"، فراجع([597]).
وما أجمل ما قاله الكميت في هذه المناسبة:
عـلــي أمـيــر المــؤمـنـين وحـقـه من الله مفـروض عـلى كـل مسلم
وزوجـه صـديـقـة لـم يكــن لهــا معــادلــة غـيـر الـبـتـولـة مـريم
وردم أبــواب الــذيـن بـنـى لهــم بـيـوتــاً سـوى أبـوابـه لـم يـردم
وقال السيد الحميري:
وخـبـر الـمـسـجــد إذ خـصــه مـجـلــلاً مـن عــرصــة الــدار
إن جــنــبـاً كـان وإن طــاهـــراً فــي كــل إعــــلان وإســــرار
وأخــرج الــبــاقــيــن منـه معـاً بــالــوحـي مــن إنــزال جـبـار
وقال الصاحب بن عباد:
ولـم يـك محتـاجـاً إلى عـلـم غـيره إذا احتـاج قـوم في قضـايـا تبلدو
ولا سـد عـن خـير المسـاجـد بابـه وأبـوابـهـم إذ ذاك عــنــه تسـدد
كلام ابن بطريق حول حديث سد الأبواب:
ولابن بطريق كلام هنا نلخصه على النحو التالي:
إن الله تعالى قد أظهر الفرق بين أمير المؤمنين "عليه السلام"، وبين غيره. وإذا كان الحرام على غيره قد حل له، فإن ذلك يعني: أنه يمتاز على ذلك الغير. والنبي "صلى الله عليه وآله" قد فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال من الصلاح والخير، والنبي "صلى الله عليه وآله" لا يعلم إلا هذا الظاهر إلا أن يطلعه الله على الباطن.
وعليه، فإن كان تعالى قد سد أبوابهم على ظاهر الحال، فقد بينا: أنها كانت صالحة عند الكل؛ ولذلك فتح أبوابهم أولاً، فلم يبق إلا أنه قد سد أبوابهم، من أجل شيء يرجع إلى الباطن، وفتح بابه لأنه قد انفرد بصلاح الباطن دونهم، (أو فقل: انفرد في كونه القمة في الصلاح الباطني) بالإضافة إلى مشاركته لهم في صلاح الظاهر.
وبذلك امتاز "صلوات الله وسلامه عليه" عليهم.
ثم إن منعهم من الجواز وإباحته له، إما أن يكون بلا سبب، وهو عبث لا يصدر من حكيم، وإما أن يكون له سبب، وذلك يدل على انفراده "عليه السلام" بما لا يشركه فيه غيره.
وأقواله "صلى الله عليه وآله" تعضد هذا التخصص، وتدل على صلاح باطنه، كقوله "صلى الله عليه وآله": "علي مني، وأنا منه".
وقوله: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى".
وقوله: "أنت أخي في الدنيا والآخرة".
وقوله: "صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين قبل الناس".
وقوله: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
وقوله تعالى: ?إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً?([598]).
وغير ذلك من مناقبه ومآثره ومزاياه؛ فلولا ثبوت هذه المزايا له على غيره، لما أنزله من نفسه بهذه المنازل، ولما أقامه من نفسه في شيء من ذلك، ولا أذن الله له بتخصيصه وتمييزه عن أمثاله وأضرابه الخ..([599]). إنتهى ملخصاً.
كلام العلامة المظفر:
ويقول العلامة الشيخ محمد حسن المظفر "رحمه الله" ما ملخصه: إن هذه القضية تكشف عن طهارة علي، وأنه يحل له أن يجنب في المسجد، ويمكث فيه كذلك، ولا يكره له النوم فيه، تماماً كما كان ذلك لرسول الله "صلى الله عليه وآله". فإن عمدة الغرض من سد الأبواب هو تنزيه المسجد عن الأدناس، وإبعاده عن المكروهات. وكان علي "عليه السلام" كالنبي "صلى الله عليه وآله" طاهراً مطهراً، ولا تؤثر فيه الجنابة دنساً معنوياً، وكان بيت الله كبيته بكونه حبيبه القريب منه. وأبو بكر لم يكن ممن أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً؛ ليحسن دخوله للمسجد جنباً، ولا هو منه بمنزلة هارون من موسى؛ ليمكن إلحاقه به.
هذا كله، عدا عن ضعف خبر باب أو خوخة أبي بكر بفليح بن سليمان([600])، وبإسماعيل بن عبد الله الكذاب الوضاع([601]).
أبواب المهاجرين فقط:
ومن الواضح: أن البيوت التي كانت شارعة في المسجد إنما هي أبواب بيوت المهاجرين؛ ويؤيد ذلك ما روي في حديث مناشدة علي "عليه السلام" لأهل الشورى، حيث يقول:
"أكان أحد مطهراً في كتاب الله غيري، حين سد النبي "صلى الله عليه وآله" أبواب المهاجرين، وفتح بابي؟!([602]).
بيت علي × أم النبي '؟!
وأما محاولة فضل بن روزبهان إيهام أن البيت كان للنبي "صلى الله عليه وآله"، وكان علي "عليه السلام" ساكناً في بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، حيث قال: "كان المسجد في عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وكان علي ساكناً بيت رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لمكان ابنته الخ..".
فهي محاولة فاشلة: وذلك لأن الأخبار قد صرحت: بأن الباب لعلي، حتى تكلم الناس في استثناء بابه. ولو كان الباب للنبي "صلى الله عليه وآله" لما كان ثمة مجال لكلامهم، واعتراضهم، وحسدهم.
(أقول: بل لا مجال لاستثنائه أصلاً، لأن النبي أمرهم بسد أبوابهم، أما الباب الذي له فهو يعرف وظيفته، وتكليفه فيه).
وواضح: أن هدف ابن روزبهان، هو أن يجعل المستثنى هو باب رسول الله "صلى الله عليه وآله"، لأن البيت كان له. إذاً فلا يكون لعلي "عليه السلام" فضل.
فالهدف الأول والأخير له ـ بحسب ما يظهر من كلامه ـ هو إنكار فضائل علي "عليه السلام"([603]).
ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ويظهر دينه، وينصر ويعز وليه.
أضف إلى كل ما تقدم: أن علياً "عليه السلام" قد بنى بفاطمة في بيت حارثة بن النعمان([604])، وحارثة هذا كان قد أعطى للرسول "صلى الله عليه وآله" بيوتاً أخرى ليسكن بها أزواجه([605]).
سرقة طعمة:
وتذكر في السنة الثالثة، قبل وقعة أحد سرقة طعمة بن أبيرق درعاً لجاره قتادة بن النعمان، وسنذكرها مع بعض الملاحظات والمناقشات في الجزء الآتي من هذا الكتاب في فصل: من متفرقات الأحداث.
الفصل الرابع:
غزوات وسرايا دفاعية
غزوات وسرايا:
هناك سرايا وغزوات حصلت بين المسلمين والمشركين، وأخرى كانت بين المسلمين واليهود. ونحن نشير هنا إلى كلا النوعين، فنقول:
أما بالنسبة لما كان بين المسلمين وغير اليهود، فنشير إلى:
غزوات لبني سليم وغطفان:
1 ـ يقول المؤرخون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" غزا بنفسه بني سليم بعد بدر بسبع ليال، واستخلف على المدينة ابـن أم مكتوم، أو سبـاع بن عرفطـة؛ فلما بلغ ماء من مياههم يقال لـه: الكدر، أقام "صلى الله عليه وآله" هناك ثلاث ليال، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلقَ كيداً، وكان يحمل لـواءه أمير المؤمنين "عليه السلام"، وكان اللواء أبيض اللون.
ويبدو أن هذه هي نفس الغزوة التي يقال لها: "غزوة قرقرة الكدر". وسببها أنه قد بلغه "صلى الله عليه وآله": أن جمعاً من بني سليم وغطفان بقرقرة الكدر (والظاهر أنهم كانوا ينوون غزو المدينة) فسار إليهم في مائتين من أصحابه، فغنم منهم خمسمائة بعير، فخمَّسها، وقسم الباقي على أصحابه. ووقع غلام اسمه يسار في سهمه؛ فأسلم، ورآه النبي "صلى الله عليه وآله" يصلي، فأعتقه.
وقال الواقدي: إن قرقرة الكدر كانت في المحرم سنة ثلاث([606]).
2 ـ ويقول الدمياطي: إن غزوة بني سليم هي نفس غزوة بحران، حيث بلغه: أن جمعاً كثيراً من بني سليم كانوا في بحران؛ فخرج إليهم في ثلاثمائة من أصحابه، لستٍ خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث للهجرة، ولم يظهر وجهاً للسير؛ فرجع ولم يلق كيداً([607]).
غزوة السويق:
وبعد رجوعه "صلى الله عليه وآله" من غزوة قرقرة الكدر، أي في ذي الحجة من السنة الثانية أو الثالثة: كانت غزوة السويق، فبعد أن أصيبت قريش في بدر حلف أبو سفيان: أن لا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمداً "صلى الله عليه وآله" وقال:
كـروا على يـثـرب وجـمـعـهـم فـإن مـا جــمـعـوا لـكـم نفـــل
إن يك يوم القلـيب كـــان لهـم فــإن مــا بــعــده لــكــم دول
آلـيـت لا أقــرب الـنســاء ولا يـمـس رأســي وجـلـدي الغسل
حتى تـبـيـدوا قبــائــل الأوس والخــزرج إن الــفــؤاد يشتـعـل
فخرج في مائتي راكب من قريش ليبر بيمينه؛ وليثبت للناس: أن قريشاً لا تزال قادرة على التحرك، وأيضا ليشد قلوب المهزومين في بدر.
فلما كان على بريد من المدينة (والبريد اثنا عشر ميلاً) نزل هناك، فاتصل ببعض بني النضير من اليهود، ثم أرسل بعض أصحابه إلى بعض نواحي المدينة، فحرقوا بعض النخل، ووجدوا رجلين فقتلوهما، وهما: معبد بن عمرو وحليف له، ثم انصرفوا راجعين؛ فنذر الناس بهم؛ فخرج "صلى الله عليه وآله" في طلبهم لخمس خلون من ذي الحجة، وجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون بجرب السويق([608]) تخففاً للهرب، فجعل المسلمون يأخذونه، ولم يدركهم المسلمون، فعادوا إلى المدينة بعد خمسة أيام([609]).
غزوة ذي أمر:
وفي أول سنة ثلاث للهجرة، أو لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول، كانت غزوة ذي أمر، ولربما تكون هي غزوة غطفان. جمع فيها دعثور بن محارب في ذي أمر، جمعاً من بني ثعلبة بن محارب لحرب الرسول، أو ليصيبوا من أطراف المدينة، فخرج الرسول "صلى الله عليه وآله" إليهم، وأصاب أصحابه "صلى الله عليه وآله" رجلاً يقال له: جبار (أو حباب)، فأسلم، ودلهم على الطريق إليهم؛ فسمعوا بمسير الرسول "صلى الله عليه وآله"؛ فهربوا في رؤوس الجبال([610]).
ويذكر هنا: أنه أصاب الرسول "صلى الله عليه وآله" مطر كثير، فنزع "صلى الله عليه وآله" ثوبيه، ونشرهما على شجرة، واضطجع بمرأى من المشركين. واشتغل المسلمون في شؤونهم، فنزل إليه دعثور (زعيم المشركين الغطفانيين) حتى وقف على رأسه، ثم قال: من يمنعك مني اليوم؟
فقال "صلى الله عليه وآله": الله.
ودفع جبريل في صدره، فوقع على ظهره، ووقع السيف من يده، فأخذ النبي "صلى الله عليه وآله" السيف، وقال له: من يمنعك مني؟
قال: لا أحد، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. فأعطاه "صلى الله عليه وآله" سيفه؛ فرجع إلى قومه، وجعل يدعوهم للإسلام.
ونزلت هذه الآية: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ?([611]) الآية.
ولعل هذه هي نفس غزوة ذي القصة، التي يقال: إنها في المحرم سنة 3 للهجرة‍. كما يظهر من المقارنة بينهما.
سرية القردة:
وفي جمادى الأولى، في السنة الثالثة، كانت غزوة القردة، وكان أميرها زيد بن حارثة، في أول إمارة له.
وذلك: أن نعيم بن مسعود قدم المدينة مشركاً، فشرب الخمر مع بعض أصحابه، وذلك قبل تحريم الخمر (مع أننا قد قلنا فيما سبق: أن الخمر كانت قد حرمت في مكة)، وأخبرهم بالعير([612]).
وذلك: أن قريشاً قالت: "قد عور علينا محمد متجرنا، وهو على طريقنا".
وقال أبو سفيان، وصفوان بن أمية: إن أقمنا بمكة أكلنا رؤوس أموالنا.
فاتفقوا بعد بدر على العدول عن طريقهم المعتاد إلى الشام، وسلوك طريق العراق، فخرج جماعة فيهم صفوان، وأبو سفيان في تجارة أكثرها من الفضة. فبعث "صلى الله عليه وآله" إليهم زيداً، فلقيهم على ماء يقال له: (القردة)؛ فأصاب العير وما فيها؛ وأعجزه الرجال، ورجع بالغنيمة إلى الرسول "صلى الله عليه وآله"، فخمسها، فبلغ الخمس عشرين ألفاً، وقسم الباقي للسرية([613]).
وقفات مع ما تقدم:
ألف: الأعمى والقضاء:
بالنسبة لاستخلاف ابن أم مكتوم على المدينة في غزوة بني سليم، وغيرها: نشير إلى ما ذكره البعض من أن رواية أبي داود تقول: إنه إنما استخلفه على الصلاة؛ لأنه ضرير، لا يجوز له الحكم بين الناس في القضايا والأحكام؛ لأنه لا يدرك الأشخاص، ولا يثبت الأعيان، ولا يدري لمن الحكم، وعلى من يحكم([614]).
ولكننا لا نرتضي هذا الكلام: وذلك لما يلي:
1 ـ إن تولي ابن أم مكتوم للمدينة لا يعني إصداره الأحكام وتوليه منصب القضاء، لأن من الممكن حل مشاكل الناس بطريقة الصلح بين المتخاصمين، أو على أن يكون قاضي تحكيم يرضى بحكمه الخصمان، خصوصاً بملاحظة قصر فترة غيابه "صلى الله عليه وآله" عن المدينة في سفراته تلك، أو بأن يوكل من له صلاحية القضاء بين الناس، ويكون هو الوالي العام الحافظ للنظام، والمنفذ لتلك الأحكام.
2 ـ إن القول بأن المراد من تولي ابن أم مكتوم المدينة من قبل النبي "صلى الله عليه وآله" هو توليه خصوص الصلاة بعيد جداً، وهو لا ينسجم مع إطلاق عباراتهم، مثل قولهم: (إستخلفه على المدينة) أو (ولاه المدينة) أو نحو ذلك، خصوصاً إذا لاحظنا: أنه "صلى الله عليه وآله" قد استخلفه عليها اثنتي عشرة مرة، أو أكثر.
3 ـ إن الاستدلال على عدم جواز تولي الأعمى للقضاء بما ذكر، مدفوع بأن طريق معرفة الأشخاص والأعيان لا ينحصر بالنظر والرؤية؛ فيمكنه إثبات ذلك بالشهود، أو بالإقرار، أو بغير ذلك من وسائل. وليكن نفس توليته "صلى الله عليه وآله" لابن أم مكتوم (لو ثبت كون القضاء داخلاً في ولايته) اثنتي عشرة مرة، دليلاً على جواز تولي الأعمى للقضاء.
ب: من أهداف تلك السرايا والغزوات:
إن العرب قد رأوا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" الذي خرج بالأمس إلى المدينة لاجئاً، لا قوة لـه، قد أصبح هو وأصحابه يقفون في وجـه قريش، ويجلون اليهود ـ كما سنرى ـ ويرسلون السرايا تتهدد المسالك، ويقتلون، ويأسرون.
وعرفوا: أن ثمة قوة يجب أن يحسب لها حسابها، ولا بد من التفكير ملياً قبل الإقدام على أي عمل تجاهها في المنطقة. ولكن الغرور كان يستولي على بعض تلك القبائل، إلى حد التفكير في الدخول في حرب مع النبي "صلى الله عليه وآله"، على حد تعبير البعض([615]).
فكان "صلى الله عليه وآله" يبادر إلى الهجوم، بمجرد أن يعرف: أنهم قد جمعوا واستعدوا له، أو أنهم يستعدون للإغارة على أطراف المدينة، أو بعد حصول الإغارة والإفساد منهم، الأمر الذي يدلنا على أن تلك الغزوات والسرايا كانت وقائية بالدرجة الأولى، وتستهدف أموراً:
1 ـ إفشال مؤامرات الأعداء، ورد كيدهم إلى نحورهم.
2 ـ إن ذلـك منه "صلى الله عليه وآله" كـان يمثل حرباً نفسية للمشركين؛ إذ ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا، خصوصاً إذا كان انكسارهم بعد التعبئة الكاملة والشاملة منهم لحرب هذه الفئة بالذات.
فإذا كانت هزيمتهم على يده "صلى الله عليه وآله"، وفي عقر دارهم، وفي أوج قدرتهم واستعدادهم؛ فسوف تتحطم معنوياتهم، ويجعلهم ذلك في المستقبل مضطرين لأن يتريثوا كثيراً، قبل أن يقرروا أي موقف لهم تجاهه. وهذا مصداق آخر لكونه "صلى الله عليه وآله" قد نصر بالرعب.
3 ـ ثم هناك الصدي والتأثير الإعلامي على المشركين في المنطقة، وعلى قريش بالذات؛ فإذا انهزم المشركون في المنطقة وقريش روحياً ونفسياً، فإن هزيمتهم العسكرية سوف تكون أسهل وأيسر، وقد سئل أمير المؤمنين "عليه السلام": بأي شيء غلبت الأقران؟
فقال: "ما لقيت رجلاً إلا أعانني على نفسه".
قال الرضي: يومئ بذلك إلى تمكن هيبته في القلوب([616]).
ج: العتق والصلاة:
يلاحظ: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد أعتق الغلام يساراً، حيث رآه يصلي.
وقد رأينا في الحديث أن الإمام السجاد "عليه السلام" كان يعتق مواليه بعد أن يذكرهم بذنوبهم([617]).
كما أنه قد أعتق غلاماً له، لأنه أكل كسرة خبز كان قد أعطاه إياها، حين وجدها ملقاة([618]).
ورأينا أيضاً أن الإمام الحسن "عليه السلام" رأى غلاماً يطعم كلباً، فاشتراه من سيده، وأعتقه([619]).
وعن أبي البلاد، قال: قرأت عتق أبي عبد الله "عليه السلام": هذا ما أعتق جعفر بن محمد، أعتق فلاناً غلامه لوجه الله، لا يريد منه جزاء ولا شكوراً، على أن يقيم الصلاة، ويؤدي الزكاة، ويحج البيت، ويصوم شهر رمضان، ويتولى أولياء الله، ويتبرأ من أعداء الله. شهد فلان، وفلان، وفلان([620]).
ولعل سر عتقه "عليه السلام" لهم في هذه المناسبات، ولا سيما في مناسبة أنه رآه يصلي يعود إلى: أن العتق في مناسبة كهذه يهدف إلى ربطهم بالصلاة، ودفعهم إلى الالتزام بها، ولا سيما حينما تطرح كقضية حاسمة في أسعد لحظات حياتهم، اللحظات التي ينالون فيها حريتهم، التي هي في الحقيقة عنوان هويتهم ووجودهم.
وهذا ما سوف يدفعهم لاكتشاف واقع وحقيقة الصلاة، ثم التفاعل معها بشكل جدي وعميق، ولتكون من ثم سبباً في تكاملهم الإنساني، وسعيهم إلى الالتزام بسائر التعاليم الأخلاقية والإنسانية الإسلامية.
وقد لاحظنا في رواية: أبي البلاد: أن الإمام "عليه السلام" قد جعل إقامة الصلاة، وأداء الزكاة، والحج، والصيام، ثمناً لحرية ذلك الرجل.. وقرن ذلك بالتولي لأولياء الله، والتبري من أعداء الله تعالى.. مع علمهم بأن هذا الالتزام هو نفس ما فرضه الله تعالى عليهم في دينه، وليس في ذلك ما يعود بأي نفع دنيوي للإمام "عليه السلام"..
فإن ذلك يشير: إلى حقيقة الأهداف السامية التي يعيش الإمام "عليه السلام" ويجاهد ويضحي من أجلها..
ولا بد أن يتأكد لديهم المغزى العميق لحقيقة الربط بين العبودية الحقيقية لله، وبين الحرية الحقيقية من كل التأثر والخضوع لكل ما ومن سواه.
كما أن ذلك يجعل هذا الإنسان يرى في شخصية النبي "صلى الله عليه وآله" مثلاً جديداً للإنسان الهادف، الذي يعيش من أجل هدفه، ويفنى فيه بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
ويعرفه: أنه لا يهدف إلى استعباد أحد، بل لا يمكن أن يكون ذلك هدفاً له، ما دام أن هدفه الأسمى هو ـ فقط ـ إعلاء كلمة الله تعالى، وذلك تحت شعار: إن من يصبح عبداً لله بحق، فهو جدير بالحرية حقاً.
وكذلك الحال كان بالنسبة لما قدمناه عن الإمام الحسن، والإمام السجاد عليهما الصلاة والسلام، وقد أشرت إلى هذا الموضوع في مقال مستقل ([621]).
د: التورية بالغزوات:
لقد رأينا أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" في غزوة بحران لم يظهر وجهاً للسير، وذلك لا يختص بهذه الغزوة! إذ قد كان من عادته "صلى الله عليه وآله": أنه إذا أراد غزوة ورى بغيرها([622]).
ومعنى ذلك: هو أنه "صلى الله عليه وآله" أراد تفويت الفرصة على عيون العدو وجواسيسه، إن كان له ثمة عيون وجواسيس، وعلى المنافقين الذين يوادون من حاد الله ورسوله، وكذلك على اليهود الذين كانوا لا يألون جهداً، ولا يدخرون وسعاً في مساعدة أعدائه ضده، ولا أقل من أنهم كانوا يهتمون في أن يفوته أعداؤه، ولا يتمكن من الظفر بهم. وأسلوب إخفاء أمره "صلى الله عليه وآله" في فتح مكة كان رائعاً جداً.
ولسوف يأتي التعرض له في موضعه من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى.
هـ : قريش في مواجهة الأخطار:
إن سرية زيد بن حارثة للاستيلاء على قوافل قريش قد جاءت في سياق السياسة القاضية بالمحاصرة الاقتصادية لقريش وباسترجاع الأموال التي تمالأ المشركون على حرمان المسلمين منها؛ حيث اضطروهم إلى ترك أوطانهم، وديارهم، وأموالهم، والهجرة إلى موضع يجدون فيه الحرية، والأمن.
وقد سمعنا كلام صفوان، وأبي سفيان، الذي يوضح لنا: أن قريشاً قد أصبحت تعتبر حربها مع النبي والمسلمين حرباً مصيرية، ومعركتها معه معركة حياة أو موت. ولم يكن ذلك ليخفى على النبي "صلى الله عليه وآله"، فكان دائماً على استعداد لكل طارئ، ويتتبع كل تحركات العدو بدقة متناهية، وقد طوقهم من جميع الجهات تقريباً.
ويكفي أن نذكر هنا قول صفوان بن أمية لقريش: "إن محمداً وأصحابه قد عوروا علينا متجرنا؛ فما ندري كيف نصنع بأصحابه؟ وهم لا يبرحون الساحل. وأهل الساحل قد وادعوهم؛ فما ندري أين نسكن. وإن أقمنا في دارنا هذه أكلنا رؤوس أموالنا، فلم يكن لنا بقاء. وحياتنا بمكة تقوم على التجارة إلى الشام في الصيف، والى الحبشة في الشتاء"([623]).
و : مناقشة قضية دعثور:
وأما قصة دعثور مع الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"؛ فإننا وإن كنا لا نستبعد وقوعها..
ولكن قولهم: إن آية: ?إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ..?([624]) قد نزلت في هذه المناسبة، لا يصح. وذلك:
أولاً: إنه إذا كان المراد: أن الآية قد نزلت مباشرة حين وقوع قضية دعثور، كما هو ظاهر التفريع بالفاء.
فيرد عليه: أن الآية في سورة المائدة، وهي قد نزلت في أواخر حياته "صلى الله عليه وآله" مرة واحدة.
وغزوة ذي أمر كانت ـ كما يقولون ـ في أوائل السنة الثالثة للهجرة.
ومن غير المعقول: أن يحتفظ "صلى الله عليه وآله" بآيات تبقى معلقة في الهواء ـ إلى عدة سنوات ـ ثم يجعلها في سورة نزلت حديثاً.
ثانياً: إن الآية تذكر:
1 ـ أن "قوماً" قد هموا بأن يبسطوا أيديهم إلى المسلمين، ودعثور شخص واحد، ولم نعهد إطلاق كلمة "قوم" على الواحد.
وقول البعض: إن قوله تعالى: ?لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ?([625])، يشمل سخرية فرد من فرد، لا يصح؛ لأنه إنما يشمله بالملاك، لا بالظهور اللفظي، والآية التي نحن بصددها إنما هي إخبار عن حادث وقع، وليس فيها شمول ملاكي، كما هو ظاهر.
إلا أن يقال: إن نسبة ذلك إلى القوم باعتبار رضاهم بفعل دعثور هذا وهو كما ترى.
2 ـ ومن جهة أخرى فإنها قد عبرت عن النبي "صلى الله عليه وآله" بضمير الجمع، ولم نعهد التعبير عن الرجل الواحد بضمير الجمع إلا في مقام التعظيم، وبضرب من التجوز.
وهو هنا يمتن على المسلمين جميعاً بأن الله قد صرف عنهم من هموا ببسط أيديهم إليهم، ولو كان المقصود هو النبي "صلى الله عليه وآله" فقط، فلماذا يعبر عنه بضمائر الجمع؟
وقد يجاب عن ذلك: بأن ذهابه "صلى الله عليه وآله"، وفقده، يكون سبباً لذهابهم وتشتتهم، وضعفهم، وبسط اليد إليه بسط لها إليهم؛ لأنه قائدهم، وبه قوام اجتماعهم.
إلا أن يقال: إن ذلك خلاف المفهوم من الآية، وفيه نوع من التجوز والادعاء؛ فلا يعتمد عليه إلا بدليل.
ثالثاً: قال الحسني: "وموضع التساؤل في هذه القصة: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هل كان ينفرد عن أصحابه في غزواته؟! وهل يتركه أصحابه وحيداً في تلك الفلاة، والمشركون على مقربة منهم؟! وهب أنه ذهب إلى الشجرة ليجفف ثيابه من المطر، ولكن كيف تركه ذلك الجيش المؤلف من "450" مقاتلاً؟ وخفي عليهم ذلك الرجل الذي تحدر من الجبل لاغتياله، وهو بعيد عن أصحابه الخ.."؟ ([626]).
ويمكن المناقشة في هذا بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تخلف عن الجيش الراجع من غزوة بدر ليمرض علياً "عليه السلام" كما تقدم في موضعه.
إلا أن يقال: إنه في بدر قد تخلف في موضع أمن، لا في موضع مخافة.
وأما الإيراد على ذلك بأن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تخلف في بعض غزواته، ليسابق زوجته عائشة([627]) فهو لا يصح، لأننا نعتقد أنها مجرد قصص مختلقة وخيالية، لا أساس لها من الصحة كما سيأتي.
وخلاصة الأمر: إن تخلف النبي "صلى الله عليه وآله" عن جيشه إلى مكان قريب، ليجفف ثوبه، مع الإحساس بالأمن، ليس بالأمر المستهجن، ولا النادر الوقوع، لا سيما إذا كان يريد حاجة يطلب فيها الستر عن أعين الناس.
وقد كان أفراد الجيش ينفصلون عن الجيش قليلاً لقضاء بعض حاجاتهم. ولعل الآية قد نزلت فيمن يهم الرواة إبعاد التهمة عنهم، فلفقوا هذه المناسبة لإبعاد الشبهة عمن يحبون.
الفصل الخامس:
غدر اليهود والاغتيالات الهادفة
مع عقائد اليهود وآثارها:
قبل أن نبدأ بالحديث عن العمليات العسكرية التي جرت بين المسلمين واليهود فيما بين بدر وأحد، نود أن نشير باختصار إلى بعض عقائد اليهود، ثم إلى بعض ما يرتبط بمواقفهم وخططهم، ومؤامراتهم على الإسلام، وعلى المسلمين، فنقول:
1 ـ عنصرية اليهود:
اليهود شعب عنصري، مؤمن بتفوق عنصره على البشر كافة. والناس عندهم لا قيمة لهم ولا اعتبار، وإنما خلقوا لخدمة الإسرائيليين وحسب. فكل الناس إذاً يجب أن يكونوا في خدمتهم، وتحت سلطتهم، كما يقول لهم تلمودهم.
فقد جاء في التلمود ما ملخصه: أن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة.
وأن اليهودي جزء من الله.
ومن ضرب يهودياً فكأنه ضرب العزة الإلهية.
والشعب المختار هم اليهود فقط، وأما باقي الشعوب فهم حيوانات.
ويعتبر اليهود غير اليهود أعداء لهم، ولا يجيز التلمود أن يشفق اليهود على أعدائهم.
ويلزم التلمود الإسرائيليين بأن يكونوا دنسين مع الدنسين، ويمنع من تحية غير اليهودي إلا أن يخشوا ضررهم، ولا يجيزون الصدقة على غير اليهودي، ويجوز لهم سرقة ماله، وغشه، كما أن على الأمميين أن يعملوا، ولليهود أن يأخذوا نتاج هذا العمل.
ويجيز التلمود التعدي على عرض الأجنبي، لأن المرأة إن لم تكن يهودية فهي كالبهيمة.
ولليهودي الحق في اغتصاب غير اليهوديات.
ولا يجوز لليهودي الشفقة على غيره.
ويحرم على اليهودي أن ينجي غيره([628]).
إلى آخر ما هنالك، مما لا يمكن الإحاطة به في هذه المناسبة.
نعم، هذه هي نظرة اليهود لغيرهم، وهذه هي حقيقة ما يبيتونه تجاه كل من هو غير يهودي.
وقد نعى الله تعالى عليهم هذه النظرة السيئة، فقال: ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِبُ مَن يَشَاء?([629]).
فهو يؤكد لهم: أنهم كغيرهم من الخلق، يعذبهم الله بذنوبهم، ولا فضل لهم على غيرهم؛ لأن التفاضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح.
2 ـ اليهود وحب الحياة الدنيا:
واليهودي أيضاً يؤمن بالمادة، ويرتبط بها بكل وجوده وطاقاته، فهو يحب المال وجمعه حباً جماً، وهو يعيش من أجله، ويعمل في سبيله بكل ما أوتي من قوة وحول؛ فهو من أجل المادة ولد، وفي سبيلها عاش ويعيش، وعلى حبها سوف يموت. ولأجل ذلك فلا ينبغي أن نستغرب إذا رأينا: أن ارتباطهم بالناس مصلحي ونفعي، وأن المال واللذة هما المنطق الوحيد لهم في كل موقف، والمقياس للحق وللباطل عندهم.
ولا يجب أن نعجب أيضاً إذا رأينا: أن الشيوعية، وهي التفكير الداعي إلى اعتبار المادة هي أساس الكون والحياة، وهي المحرك، والمنطلق، وهي الغاية، وإليها ستكون النهاية، وهي المعيار والمقياس الذي لا بد أن يهيمن على كل شؤون الحياة والإنسان والكون، وكل نظمه وقوانينه، وعلاقاته.
نعم، لا عجب إذا رأينا: أن هذا التفكير يبدأ من اليهود، وإليهم ينتهي([630]).
3 ـ أكثر اليهود لا يؤمنون بالبعث:
واليهودي يكره الموت، وهو يتمنى لو يعمر ألف سنة، قال تعالى: ?وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ، وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ?([631]).
ولعل سر ذلك يعود إلى أن توراة اليهود المحرفة الحاضرة لم تشر بشكل واضح إلى البعث والقيامة، وإنما ورد حديث عن الأرض السفلى، والجب التي يهوى إليها العصاة، ولا يعودون (وإن الذي ينزل إلى الهاوية لا يصعد).
ويقول البعض: إن الكتاب المقدس نفسه يعد الحياة الدنيا وحدها هي عالم الإنسان، وليس هناك اعتقاد بعد ذلك في بعث وجنة أو نار؛ وثوابهم وعقابهم مقصوران على الحياة الدنيا.
وعلى العموم، فإن فكرة البعث لم تجد لها أرضاً خصبة لدى اليهود، وقد حاول بعض طائفة الفريسيين القول بها، ولكن هذه المحاولة لقيت معارضة شديدة، أما باقي الفرق اليهودية، فلم تعرف عنها شيئاً.
وإذا كان الإنسان لا يعتقد بالبعث، ويؤمن بأن الجزاء ليس إلا في هذه الدنيا، فمن الطبيعي أن يسعى إلى المنكرات واقتراف الآثام([632]).
ملاحظة: هذا، وقد تفاقم فيهم حبهم للدنيا حتى بلغ بهم الحرص عليها: أن حرمهم من الاستفادة من الأموال التي يجمعونها، فتجد الكثيرين منهم يعيشون في دناءة من العيش وفيهم شح كبير، ولؤم وبخل ظاهر، وخسة لا يحسدون عليها. هذا إلى جانب إهمال الكثير منهم جانب النظافة المطلوبة، كما يظهر لمن سبر أحوالهم، وعاش في بيئتهم.
ويعتقد اليهود: أن الله سيغفر لهم كل ما يرتكبونه من جرائم وعظائم. وهذا ما يشجعهم على الفساد والانحراف، والإمعان في المنكرات والجرائم.
وقد رد الله تعالى على عقيدتهم هذه([633])، حينما قال: ?وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَـنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مُّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحـَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ?([634]).
4 ـ جبن اليهود:
وبعدما تقدم، وبعد أن كان اليهودي ضعيف الاعتقاد أو قليل الاهتمام بالآخرة، فإن من الطبيعي أن يكون اليهود شعباً جباناً، لأنه يخشى الموت، ويرهب الأخطار، لأنه يرى بالموت نهايته الحقيقية([635]).
ومن طبع الجبان أن يتعامل مع خصومه بأساليب المكر والخداع، والغدر والخيانة بالدرجة الأولى.
من أسباب عداء اليهود للإسلام:
ونشير هنا إلى أننا نلاحظ: أن اليهود بدأوا يحاربون الإسلام من أول يوم ظهوره، وكانوا وما زالوا يحقدون عليه، رغم أنهم كانوا أول من بشر بظهور النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، مستندين في بشاراتهم تلك إلى الدلائل القاطعة التي يجدونها في كتبهم.
ونستطيع أن نذكر من أسباب عدائهم للمسلمين وللإسلام:
ألف: تشريعات تخيفهم:
إنهم قد وجدوا أن هذا النبي يدعو الناس إلى دين هو نظام كامل وشامل للحياة؛ وأن هذا الدين قد جاء بنظام اقتصادي متكامل ومتوازن؛ واهتم بمحاربة الربا، والاحتكار، وجميع أنواع وأشكال استغلال إنسان لإنسان آخر؛ وجعل في أموال الناس حقاً معلوماً للسائل والمحروم، فلم ينسجم ذلك مع أطماعهم، ومع ما ألفوه وأحبوه، بل رأوه يتنافى مع تلك الأطماع ومع أهدافهم ومصالحهم، ومع نظرتهم للكون، وللحياة، والإنسان.
ب: الإسلام يزداد قوة:
والذي زاد من حنقهم وحقدهم: أنهم كانوا يأملون أن يتم القضاء على هذا الدين من قبل قومه القرشيين، ومن معهم من ذؤبان العرب، دون أن يكلفهم ذلك أية خسائر؛ خصوصاً في الأرواح، فرضوا بالمعاهدة التي سلف ذكرها. ولكن فألهم قد خاب، فها هو الإسلام يزداد قوة، واتساعاً ونفوذاً، يوماً عن يوم. وها هو يسجل في بدر العظمى أروع البطولات، وأعظم الانتصارات، فلم يعد يقر لهم قرار، أو يطيب لهم عيش، إذ كان لا بد ـ بنظرهم ـ من القضاء على هذا الدين قبل أن يعظم خطره ويكتسح المنطقة، ويضري بهم إعصاره الهادر.
ج: يقظة المسلمين:
وزاد في حنقهم وقلقهم: أنهم رأوا النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين معه، كما أنهم لا يخدعون، ولا يؤخذون بالمكر والحيلة، كذلك هم لا يستسلمون للضغوط، ولا تثنيهم المصاعب والمشقات مهما عظمت. وكلما زاد الإسلام اتساعاً كلما زاد الطموح لدى المسلمين، والضعف لدى خصومهم، إذاً، فلا بد من اهتبال الفرصة، ومناهضة هذا الدين، والقضاء عليه بالسرعة الممكنة.
د: الجيران.. الأعداء:
ويقول الجاحظ: "إن اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها؛ وعداوة الجيران شبيهة بعداوة الأقارب، في شدة التمكن وثبات الحقد، وإنما يعادي الإنسان من يعرف، ويميل على من يرى، ويناقض من يشاكل، ويبدو له عيوب من يخالط، وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوتهم أشد.
فلما صار المهاجرون لليهود جيراناً، وقد كانت الأنصار متقدمة الجوار، مشاركة في الدار، حسدتهم اليهود على نعمة الدين، والاجتماع بعد الافتراق، والتواصل بعد التقاطع الخ.."([636]).
هـ : حسدهم للعرب:
ثم هناك حسدهم للعرب أن يكون النبي الذي تعد به توراتهم منهم، وليس إسرائيلياً، وقد أشار إلى ذلك تعالى فقال: ?وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ الله مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ، بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّه بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّه مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ?([637]).
ولعل هذا هو السر في أنهم ـ حسبما يقوله البعض ـ حينما طلب النبي "صلى الله عليه وآله" منهم أن يدخلوا في الإسلام امتعضوا، وأخذوا يخاصمون رسول الله "صلى الله عليه وآله"([638]).
و : الإسلام يوحد ويجمع:
لقد عز عليهم وأرهبهم: ما رأوه من قدرة الإسلام على توحيد أهل المدينة: الأوس والخزرج، الذين كانوا إلى هذا الوقت أعداء يسفك بعضهم دماء بعض، قال تعالى: ?وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ?([639]).
ز : الإسلام يبطل مزاعمهم:
ثم إنهم قد رأوا: أن هذا الدين يبطل مزاعمهم، ويقضي على اليهودية، وعلى أحلام بني إسرائيل وقد أبطل أسطورتهم في دعواهم التفوق العلمي، وأظهر كذبهم في موارد كثيرة، وتبين لهم: أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
أضف إلى ذلك: أنه قد ظهر أن نبي الإسلام أفضل من موسى، ومن سائر الأنبياء "عليهم السلام". وأصبحوا يرون الناس يؤمنون بدين جديد، هو غير اليهودية، وهم يقولون: ?لاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ?([640]).
وفوق ذلك كله، فإن الإسلام يرفض إعطاء الامتيازات على أساس عرقي، وهو يساوي بينهم وبين غيرهم، وهذا ذنب آخر لا يمكن لهم الإغماض عنه بسهولة.
اليهود في مواجهة الإسلام:
لقد حاول اليهود مواجهة المد الإسلامي الكاسح بكل ما لديهم من قوة وحول. ونذكر هنا بعض ما يرتبط بالأساليب والطرق التي حاولوا الاستفادة منها في هذا السبيل، من دون ملاحظة الترتيب بينها، لا سيما وأن بعضها متداخل في الأكثر مع بعض، فنقول:
1 ـ قد أشار الجاحظ إلى أنهم: "شبهوا على العوام، واستمالوا الضعفة، ومالأوا الأعداء والحسدة، ثم جاوزوا الطعن، وإدخال الشبهة الخ.."([641]).
نعم، لقد حاولوا تشكيك العوام، وضعاف النفوس بالإسلام، وكانوا يرجحون لهم البقاء على الشرك، كما فعله كعب بن الأشرف، حينما سأله مشركو مكة عن الدين الأفضل، وقد ألمحنا إليه فيما سبق.
بالإضافة إلى ممالأتهم للذين وترهم الإسلام، أو وقف في وجه مطامعهم وطموحاتهم اللامشروعة واللاإنسانية.
ونذكر مثلاً على ذلك: ما جاء في الروايات من أن الناس يعتبرون أن من علامات الحق: أن لا يرجع عنه من يقتنع به، فإذا رجع عنه فلا بد أن يكون ذلك لأجل أنه وجد فيه ضعفاً، أو نقصاً، ولذلك نجد ملك الروم يسأل أبا سفيان أحد ألد أعداء محمد "صلى الله عليه وآله": "هل يرجع عن الإسلام من دخل فيه؟ فقال أبو سفيان: لا".
وقد حاول اليهود أن يتبعوا نفس هذا الأسلوب.
"وقد حكى الله تعالى عنهم هذا الأمر، فقال: ?وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ?([642])"([643]).
2 ـ طرح الأسئلة الإمتحانية على النبي "صلى الله عليه وآله" بهدف تعجيزه.
ويلاحظ: أن هذه المحاولات كانت تبذل من قبل مختلف قبائل اليهود: قريظة، النضير، قينقاع، ثعلبة الخ.. ولكن محاولاتهم هذه قد باءت بالفشل الذريع. بل لقد ساهم ذلك بشكل فعال في تجلي ووضوح تعاليم الإسلام، وترسيخها، وقد دفعهم فشلهم هذا إلى أن يطلبوا من النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأتيهم بكتاب من السماء: ?يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً?([644]).
ثم تمادوا في العناد واللجاج، إلى ما هو أبعد من ذلك، قال تعالى: ?وَقَالَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ لَوْلاَ يُكَلِّمُنَا الله أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ?([645]) الآية.
فإن سياق الآيات ظاهر في أن اليهود هم الذين قالوا ذلك.
3 ـ ولما فشلوا في محاولاتهم محاربة الإسلام على صعيد الفكر، اتجهوا نحو أسلوب الضغط الاقتصادي على المسلمين؛ فيذكرون: "أن رجالاً من أهل الجاهلية باعوا يهوداً بضاعة، ثم أسلموا وطلبوا من اليهود دفع الثمن فقالوا: ليس علينا أمانة، ولا قضاء عندنا؛ لأنكم تركتم دينكم الذي كنت عليه، وادعوا: أنهم وجدوا ذلك في كتابهم.
فجاء في الآية المباركة الرد عليهم: ?وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى الله الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ?([646]).
وأيضاً فقد رفض رؤساء اليهود أن يقرضوا المسلمين مالاً في أول عهدهم في المدينة، وقد كانوا في ضنك شديد، فالمهاجرون فقراء لا مال لهم، والذين دخلوا في الإسلام من أهل المدينة لم يكونوا على سعة من الرزق.
وقد أجابوا رسول الله حينما طلب منهم القرض بقولهم: أحتاج ربكم أن نمده؟
فنزل قوله تعالى: ?لَّقَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ?([647])"([648]).
4 ـ ممالأة أعداء الإسلام ومساعدتهم بكل ما أمكنهم، ولو بالتجسس، وبغير ذلك من وسائل.
5 ـ محاربة الإسلام أيضاً: عن طريق إثارة الفتن بين المسلمين، ولا سيما بين الأوس والخزرج، وبين المسلمين والمشركين.
ونذكر هنا على سبيل المثال قضية شاس بن قيس، الذي حاول تذكير الأوس والخزرج بأيام الجاهلية، وإثارة الإحن القديمة في نفوسهم؛ فتثاور الفريقان، حتى تواعدوا أن يجتمعوا في الظاهرة لتصفية الحسابات، وتنادوا بالسلاح، وخرجوا، وكادت الحرب أن تقع بينهما؛ فبلغ الخبر رسول الله "صلى الله عليه وآله"؛ فخرج إليهم بمن كان معه من أصحابه المهاجرين؛ فوعظهم؛ فأدركوا أنها نزعة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فندموا على ما كان منهم، وتعانق الفريقان وتصافيا، وانصرفوا مع رسول الله "صلى الله عليه وآله".
ويقول البعض: إن الآيات الشريفة التالية قد نزلت في هذه المناسبة: ?قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا الله بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ، وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ الله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ?([649]).
6 ـ تآمرهم على حياة النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" وتحريضهم الناس عليه كما سنرى، إن شاء الله تعالى.
7 ـ محاولات إثارة البلبلة، وتشويش الأوضاع، بإشاعة الأكاذيب، وتخويف ضعاف النفوس من المسلمين.
8 ـ تآمرهم مع المنافقين على الإسلام، ومكرهم معهم بالمسلمين، ثم علاقاتهم المشبوهة مع قريش، وممالأتهم إياها على حرب الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله".
9 ـ تآمرهم ومكرهم وتدبيرهم لمنع المسلمين من الخروج للحرب، وكانوا يجتمعون في بيت سويلم اليهودي، لأجل تثبيط الناس عن الرسول "صلى الله عليه وآله" في غزوة تبوك، فعرف رسول الله "صلى الله عليه وآله" بهم فأحرق البيت عليهم([650]).
وقد رجع عبد الله بن أبي، حليف يهود بني قينقاع في ثلاثمائة رجل من أصحابه، وذلك في حرب أحد، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
موقف النبي ' من اليهود:
ولكن جميع محاولات اليهود للكيد للإسلام والمسلمين، باءت بالفشل الذريع، بسبب وعي القيادة الإسلامية العليا.
ولقد صبر الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" على مخالفاتهم الكبيرة تلك، تفادياً لحرب أهلية قاسية في مقره الجديد.. حتى طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى، وعرف المسلمون: أن اليهود كانوا ـ بزعمهم ـ يستغلون ظروف المسلمين ومشاكلهم، ويصعدون من تحدياتهم لهم. وأصبحوا في الحقيقة هم الخطر الداهم والحقيقي الذي يتهدد وجود الإسلام من الأساس.
لا سيما وأن هذا العدو الماكر والحاقد يعيش في قلب المجتمع الإسلامي، ويعرف كل مواقع الضعف والقوة فيه، ويتربص به الدوائر، ويترصد الفرصة المؤاتية.
فكان لا بد من صياغة التعامل مع هذا العدو على أساس الحزم والعدل، بدلاً من العفو والتسامح والرفق، فليس من الصالح أن يترك اليهود يعيثون في الأرض فساداً، وينقضون كل العهود والمواثيق، ويسددون ضرباتهم للمسلمين كيف وأنى شاؤوا، بل لا بد من الرد الحاسم والحازم والعادل على كل اعتداء، ومواجهة كل مكيدة، قبل أن يكون الندم حيث لا ينفع الندم.
العمليات العسكرية في مرحلتين:
وبعد أن اتضح نقض اليهود لكل العهود والمواثيق، حاول الإسلام أن يتعامل معهم على مرحلتين:
الأولى: أن يتبع معهم أسلوب الإنذار الحازم والعادل، فكانت عمليات القتل المنظمة لبعض الأفراد، بمثابة جزاء عادل لناقضي العهود، الذين يشكلون خطراً جدياً على صعيد استقرار المنطقة. كما وكانت بمثابة إطلاق صفارة الإنذار لكل من ينقض عهداً، ويتآمر على مصلحة الإسلام العليا، مع إعطائهم الفرصة للتفكير، وإفهامهم أن الإسلام يمكن أن يتحمل، ولكنه ليس على استعداد لأن يقبل بوضع كهذا إلى النهاية، لا سيما إذا كان ذلك على حساب وجوده وبقائه.
الثانية: الحرب الشاملة والمصيرية، حيث لا يمكن حسم مادة الفساد بغير الحرب.
ونحن نتكلم عن هاتين المرحلتين، كلا على حدة في الصفحات التالية.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الثالث: الغنائم والأسرى ................................ 5 ـ 56
الفصل الرابع: نهاية المطاف .....................................57 ـ 72
الباب الثاني: بحوث ليست غريبة عن السيرة
الفصل الأول: بعض خصائص الشيعة ......................... 75 ـ 90
الفصل الثاني: أبو بكر في العريش وشجاعة أبي بكر ............ 91 ـ 106
الفصل الثالث: ذو الشمالين وسهو النبي ' ............... 107 ـ 136
الفصل الرابع: الخمس بين السياسة والتشريع ............... 137 ـ 164
الباب الثالث: ما بين أحد وبدر
الفصل الأول: شخصيات وأحداث ........................ 167 ـ 214
الفصل الثاني: فاطمة وعلي عليهما السلام ومناوؤوهما ........ 215 ـ 282
الفصل الثالث: قضايا وأحداث في المجال العام .............. 283 ـ 316
الفصل الرابع: غزوات وسرايا .............................. 317 ـ 334
الفصل الخامس: غدر اليهود والإغتيالات الهادفة ............ 335 ـ 352
الفهارس .................................................. 353 ـ 366
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1;عنوان6 Char Char Char Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char;1;عنوان6;1;عنوان7 Char Char Char Char Char Char;1;عنوان4 Char Char Char Char Char;1;عنوان6 Char;1;عنوان6 Char Char;1"
الفصل الثالث: الغنائم والأسرى
قسمة الغنائم:....................................................................... PAGEREF _Toc99783191 \h 7
النبي ' لم يأخذ الخمس في بدر:............................................... PAGEREF _Toc99783192 \h 8
النبي ' يرد الخمس على أصحابه أيضاً:.................................. PAGEREF _Toc99783193 \h 10
إكتفاء الناس في عهد علي ×:................................................ PAGEREF _Toc99783194 \h 11
ملاحظة هامة: الخمس، والطبقية:................................. PAGEREF _Toc99783195 \h 11
بعض المتخلفين، وغنائم بدر:................................................ PAGEREF _Toc99783196 \h 15
ألف: طلحة، وسعيد بن زيد:........................................ PAGEREF _Toc99783197 \h 15
ب: عثمان بن عفان:................................................. PAGEREF _Toc99783198 \h 17
الغارات على الفضائل:........................................................ PAGEREF _Toc99783199 \h 21
قتل أسيرين:..................................................................... PAGEREF _Toc99783200 \h 22
ألف: نسب عقبة:...................................................... PAGEREF _Toc99783201 \h 24
ب: النار للصبية:..................................................... PAGEREF _Toc99783202 \h 25
ج: الطعن في نسب عقبة!:......................................... PAGEREF _Toc99783203 \h 26
د: إنكار قتل النضر بن الحارث في بدر:........................ PAGEREF _Toc99783204 \h 27
مصير الباقين من الأسرى:................................................... PAGEREF _Toc99783205 \h 28
لو نزل العذاب ما نجا إلا ابن الخطاب:..................................... PAGEREF _Toc99783206 \h 30
الرسول ' يخطئ في الاجتهاد............................................... PAGEREF _Toc99783207 \h 36
بين رأي عمر، ورأي ابن معاذ:............................................. PAGEREF _Toc99783208 \h 36
قتل الأسرى هو الأصوب:.................................................... PAGEREF _Toc99783209 \h 38
مع موقف عمر من الأسرى:................................................. PAGEREF _Toc99783210 \h 40
النبي ' لا يقتل أسيراً هرب:................................................ PAGEREF _Toc99783211 \h 41
أنين العباس في الوثاق:........................................................ PAGEREF _Toc99783212 \h 42
فداء العباس وإسلامه:.......................................................... PAGEREF _Toc99783213 \h 44
إشـارة:............................................................................ PAGEREF _Toc99783214 \h 48
مؤامرة على حياة النبي ':.................................................... PAGEREF _Toc99783215 \h 49
موقف النبي ' من قلائد زينب:............................................. PAGEREF _Toc99783216 \h 50
سؤال يحتاج إلى جواب:....................................................... PAGEREF _Toc99783217 \h 51
أستاذ المعتزلي وقضية زينب:............................................... PAGEREF _Toc99783218 \h 52
فداء الأسير تعليم الكتابة:...................................................... PAGEREF _Toc99783219 \h 53
معاملة الأسرى:................................................................. PAGEREF _Toc99783220 \h 55
سودة بنت زمعة تحرض على رسول الله ':............................. PAGEREF _Toc99783221 \h 56
الفصل الرابع: نهاية المطاف
أهل بدر مغفور لهم:............................................................ PAGEREF _Toc99783224 \h 59
من هم أفضل من أهل بدر؟!................................................. PAGEREF _Toc99783225 \h 64
ابن الجوزي وحديث المغفرة للبدريين:..................................... PAGEREF _Toc99783226 \h 65
عودة خيبة:....................................................................... PAGEREF _Toc99783227 \h 66
عودة ظفر:....................................................................... PAGEREF _Toc99783228 \h 67
بعض نتائج حرب بدر:........................................................ PAGEREF _Toc99783229 \h 68
النجاشي يفرح لنتائج بدر:..................................................... PAGEREF _Toc99783230 \h 70
كلمة أخيرة:...................................................................... PAGEREF _Toc99783231 \h 70
موقف معاوية من أهل بدر:.................................................. PAGEREF _Toc99783232 \h 71
الباب الثاني: بحوث ليست غريبة عن السيرة
الفصل الأول: بعض خصائص الشيعة
بعض خصائص الشيعة:...................................................... PAGEREF _Toc99783241 \h 77
الفصل الثاني: أبو بكر في العريش، وشجاعة أبي بكر
أبو بكر في العريش، وشجاعة أبي بكر:................................... PAGEREF _Toc99783244 \h 93
عدم صحة ما تقدم:............................................................. PAGEREF _Toc99783245 \h 95
ألف: فرار أبي بكر في المواقف:.................................. PAGEREF _Toc99783246 \h 95
ب: حراسة أبي بكر للنبي ':.................................... PAGEREF _Toc99783247 \h 100
ج: أبو بكر في ساحة الحرب:.................................... PAGEREF _Toc99783248 \h 102
د: حرب الناكثين والقاسطين:.................................... PAGEREF _Toc99783249 \h 103
ه‍: حرب مانعي الزكاة:............................................ PAGEREF _Toc99783250 \h 104
و: ثباته حين وفاة الرسول ':................................... PAGEREF _Toc99783251 \h 105
الفصل الثالث: ذو الشمالين، وسهو النبي '
ذو الشمالين:................................................................... PAGEREF _Toc99783254 \h 109
روايات السهو عند الشيعة:................................................. PAGEREF _Toc99783255 \h 114
لماذا كان ما كان؟!........................................................... PAGEREF _Toc99783256 \h 115
قصور هذه التوجيهات:...................................................... PAGEREF _Toc99783257 \h 116
إيراد وجوابه:.................................................................. PAGEREF _Toc99783258 \h 116
العصمة عن السهو والخطأ والنسيان اختيارية:......................... PAGEREF _Toc99783259 \h 118
ولم نجد له عزماً:............................................................. PAGEREF _Toc99783260 \h 122
العصمة في التبليغ وفي غيره:............................................. PAGEREF _Toc99783261 \h 122
العصمة عن الذنب اختيارية أيضاً:....................................... PAGEREF _Toc99783262 \h 123
سؤال يحتاج إلى جواب:.................................................... PAGEREF _Toc99783263 \h 123
الإسلام والفطرة:............................................................. PAGEREF _Toc99783264 \h 124
عناصر لا بد منها في العصمة:............................................ PAGEREF _Toc99783265 \h 128
التوضيح والتطبيق:.......................................................... PAGEREF _Toc99783266 \h 131
أفضل الخلق محمد ':....................................................... PAGEREF _Toc99783267 \h 133
علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل:.......................................... PAGEREF _Toc99783268 \h 134
الفصل الرابع: الخمس بين السياسة والتشريع
الخمس:......................................................................... PAGEREF _Toc99783271 \h 139
معنى الغنيمة:.................................................................. PAGEREF _Toc99783272 \h 139
الخمس في كتب النبي ' ورسائله:........................................ PAGEREF _Toc99783273 \h 142
نظرة في تلك الرسائل:............................................ PAGEREF _Toc99783274 \h 146
في السيوب الخمس:.......................................................... PAGEREF _Toc99783275 \h 147
وثمة دليل آخر أيضاً:........................................................ PAGEREF _Toc99783276 \h 149
الخمس في المعدن والركاز:................................................ PAGEREF _Toc99783277 \h 150
لطيفة:........................................................................... PAGEREF _Toc99783278 \h 152
جباة الخمس:................................................................... PAGEREF _Toc99783279 \h 152
مواضع الخمس في الكتاب والسنة:....................................... PAGEREF _Toc99783280 \h 154
ومن طريق غير أهل البيت ^ نذكر:..................................... PAGEREF _Toc99783281 \h 155
الخمس في عهد أبي بكر:................................................... PAGEREF _Toc99783282 \h 156
الخمس في عهد عمر:....................................................... PAGEREF _Toc99783283 \h 157
الخمس في عهد عثمان:..................................................... PAGEREF _Toc99783284 \h 159
سيرة علي × في الخمس:................................................... PAGEREF _Toc99783285 \h 159
الخمس في عهد معاوية:..................................................... PAGEREF _Toc99783286 \h 160
حتى عهد عمر بن عبد العزيز:............................................ PAGEREF _Toc99783287 \h 161
آراء فقهاء أهل السنة في الخمس:......................................... PAGEREF _Toc99783288 \h 162
أهل البيت ^ وشيعتهم وقضية الخمس:.................................. PAGEREF _Toc99783289 \h 164
الباب الثالث: ما بين بدر وأحد
الفصل الأول: شخصيات وأحداث
تمهيد:........................................................................... PAGEREF _Toc99783301 \h 169
1 ـ وفاة رقية:....................................................... PAGEREF _Toc99783302 \h 170
كلام ابن بطال وغيره:.................................. PAGEREF _Toc99783303 \h 173
أكاذيب وأباطيل:.......................................... PAGEREF _Toc99783304 \h 175
كلمة أخيرة حول رقية وعثمان:....................... PAGEREF _Toc99783305 \h 177
2 ـ زواج عثمان بأم كلثوم:....................................... PAGEREF _Toc99783306 \h 179
3 ـ هجرة زينب ربيبة النبي ':................................. PAGEREF _Toc99783307 \h 180
ألف: ما جرى لزينب، وما جرى لفاطمة ÷:........ PAGEREF _Toc99783308 \h 182
ب: أين روايات إسقاط المحسن؟!:.................... PAGEREF _Toc99783309 \h 183
ج: عروة يتنقص فاطمة ÷، وموقف السجاد × منه: PAGEREF _Toc99783310 \h 185
مع الطحاوي في تمحلاته:.................... PAGEREF _Toc99783311 \h 186
مصاب فاطمة ÷:.............................. PAGEREF _Toc99783312 \h 187
4 ـ أم سلمة في بيت النبي ':.................................... PAGEREF _Toc99783313 \h 188
عمر أم سلمة حين الزواج:.............................. PAGEREF _Toc99783314 \h 189
الكمال والجمال:.......................................... PAGEREF _Toc99783315 \h 190
أم سلمة على العهد:....................................... PAGEREF _Toc99783316 \h 191
وفاة أم سلمة:.............................................. PAGEREF _Toc99783317 \h 192
5 ـ حفصة في بيت النبي ':..................................... PAGEREF _Toc99783318 \h 195
6 ـ زينب بنت خزيمة في بيت النبي ':....................... PAGEREF _Toc99783319 \h 197
سر تعدد زوجاته:............................................................. PAGEREF _Toc99783320 \h 198
الاتهام الباطل:................................................................. PAGEREF _Toc99783321 \h 198
الدوافع الحقيقية:.............................................................. PAGEREF _Toc99783322 \h 200
كذبة مفضوحة:............................................................... PAGEREF _Toc99783323 \h 206
لماذا لم يطلق النبي ' عائشة؟!............................................ PAGEREF _Toc99783324 \h 207
الزواج السياسي احتقار للمرأة:............................................ PAGEREF _Toc99783325 \h 208
7 ـ ولادة الإمام الحسن ×:....................................... PAGEREF _Toc99783326 \h 209
ألف: ذكر أسماء بنت عميس هنا:..................... PAGEREF _Toc99783327 \h 210
باء: الحسن والحسين '، اسمان جديدان:............ PAGEREF _Toc99783328 \h 212
جيم: إرضاع أم الفضل للحسن ×:.................... PAGEREF _Toc99783329 \h 212
الفصل الثاني: فاطمة وعلي ' ومناوؤوهما
إقتران الزهراء بعلي ':.................................................... PAGEREF _Toc99783332 \h 217
حديث الزواج:................................................................. PAGEREF _Toc99783333 \h 218
ألف: ميزات هذا الزواج:.......................................... PAGEREF _Toc99783334 \h 221
ب: لست بدجال:.................................................... PAGEREF _Toc99783335 \h 223
ج: ترهات أبي حيان:.............................................. PAGEREF _Toc99783336 \h 227
د: ما يقال عن موقف فاطمة ÷ من الزواج:.................. PAGEREF _Toc99783337 \h 228
الرواية الصحيحة:........................................ PAGEREF _Toc99783338 \h 230
مقارنة:..................................................... PAGEREF _Toc99783339 \h 234
ه‍: أم سلمة وبنت عميس في زواج فاطمة ÷:................ PAGEREF _Toc99783340 \h 234
و: هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفان:....................... PAGEREF _Toc99783341 \h 236
ز: أخوة علي ×:.................................................... PAGEREF _Toc99783342 \h 238
ح: متى كان تحريم الخمر؟!...................................... PAGEREF _Toc99783343 \h 240
أقوال في تحريم الخمر:..................................................... PAGEREF _Toc99783344 \h 244
تحريم الخمر قبل الهجرة:................................................... PAGEREF _Toc99783345 \h 246
لا تدرج في تحريم الخمر:.................................................. PAGEREF _Toc99783346 \h 252
انتهينا! انتهينا:................................................................. PAGEREF _Toc99783347 \h 254
تحريف متعمد:................................................................ PAGEREF _Toc99783348 \h 257
وأما أبو بكر:.................................................................. PAGEREF _Toc99783349 \h 257
الكذب على علي ×:.......................................................... PAGEREF _Toc99783350 \h 260
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى:........................................... PAGEREF _Toc99783351 \h 261
المناقشة:........................................................................ PAGEREF _Toc99783352 \h 263
إتهام بريء آخر:.............................................................. PAGEREF _Toc99783353 \h 267
سر الافتراء:................................................................... PAGEREF _Toc99783354 \h 268
خطبة علي × بنت أبي جهل:............................................. PAGEREF _Toc99783355 \h 268
الحديث الموضوع:........................................................... PAGEREF _Toc99783356 \h 268
المناقشة:........................................................................ PAGEREF _Toc99783357 \h 271
الرواية الأقرب إلى القبول:................................................. PAGEREF _Toc99783358 \h 280
الفصل الثالث: قضايا وأحداث في المجال العام
تحويل القبلة:.................................................................. PAGEREF _Toc99783361 \h 285
تفسير وتحليل:................................................................ PAGEREF _Toc99783362 \h 286
مناقشات لا بد منها:.......................................................... PAGEREF _Toc99783363 \h 287
البراء بن معرور لم يصل لغير الكعبة:................................... PAGEREF _Toc99783364 \h 288
ملاحظة:....................................................................... PAGEREF _Toc99783365 \h 289
تحول المصلين كيف كان:.................................................. PAGEREF _Toc99783366 \h 290
ثأر قريش بأرض الحبشة:.................................................. PAGEREF _Toc99783367 \h 291
نهاية أبي لهب:................................................................ PAGEREF _Toc99783368 \h 292
غلبة الروم على الفرس:..................................................... PAGEREF _Toc99783369 \h 292
رهان أبي بكر:................................................................ PAGEREF _Toc99783370 \h 293
مناقشة رواية الرهان:....................................................... PAGEREF _Toc99783371 \h 294
تتميم وتعقيب:................................................................. PAGEREF _Toc99783372 \h 297
سد الأبواب في المسجد إلا باب علي ×:................................. PAGEREF _Toc99783373 \h 297
حديث سد الأبواب في مصادره:........................................... PAGEREF _Toc99783374 \h 302
النواصب وحديث سد الأبواب:............................................ PAGEREF _Toc99783375 \h 305
خوخة، أو باب أبي بكر:.................................................... PAGEREF _Toc99783376 \h 307
كلام ابن بطريق حول حديث سد الأبواب:.............................. PAGEREF _Toc99783377 \h 312
كلام العلامة المظفر:........................................................ PAGEREF _Toc99783378 \h 313
أبواب المهاجرين فقط:...................................................... PAGEREF _Toc99783379 \h 314
بيت علي × أم النبي '؟!................................................... PAGEREF _Toc99783380 \h 314
سرقة طعمة:................................................................... PAGEREF _Toc99783381 \h 315
الفصل الرابع: غزوات وسرايا دفاعية
غزوات وسرايا:.............................................................. PAGEREF _Toc99783384 \h 319
غزوات لبني سليم وغطفان:................................................ PAGEREF _Toc99783385 \h 319
غزوة السويق:................................................................. PAGEREF _Toc99783386 \h 320
غزوة ذي أمر:................................................................ PAGEREF _Toc99783387 \h 321
سرية القردة:................................................................... PAGEREF _Toc99783388 \h 323
وقفات مع ما تقدم:............................................................ PAGEREF _Toc99783389 \h 324
ألف: الأعمى، والقضاء:.......................................... PAGEREF _Toc99783390 \h 324
ب: من أهداف تلك السرايا والغزوات:......................... PAGEREF _Toc99783391 \h 325
ج: العتق، والصلاة:............................................... PAGEREF _Toc99783392 \h 326
د: التورية بالغزوات:.............................................. PAGEREF _Toc99783393 \h 329
هـ : قريش في مواجهة الأخطار:................................ PAGEREF _Toc99783394 \h 329
و : مناقشة قضية دعثور:........................................ PAGEREF _Toc99783395 \h 330
الفصل الخامس: غدر اليهود والاغتيالات الهادفة
مع عقائد اليهود وآثارها:.................................................... PAGEREF _Toc99783398 \h 337
1 ـ عنصرية اليهود:............................................... PAGEREF _Toc99783399 \h 337
2 ـ اليهود وحب الحياة الدنيا:.................................... PAGEREF _Toc99783400 \h 339
3 ـ أكثر اليهود لا يؤمنون بالبعث:.............................. PAGEREF _Toc99783401 \h 340
4 ـ جبن اليهود:..................................................... PAGEREF _Toc99783402 \h 341
من أسباب عداء اليهود للإسلام:........................................... PAGEREF _Toc99783403 \h 342
ألف: تشريعات تخيفهم:........................................... PAGEREF _Toc99783404 \h 342
ب: الإسلام يزداد قوة:............................................. PAGEREF _Toc99783405 \h 342
ج: يقظة المسلمين:................................................. PAGEREF _Toc99783406 \h 343
د: الجيران.. الأعداء:.............................................. PAGEREF _Toc99783407 \h 343
هـ : حسدهم للعرب:................................................ PAGEREF _Toc99783408 \h 344
و : الإسلام يوحد ويجمع:......................................... PAGEREF _Toc99783409 \h 344
ز : الإسلام يبطل مزاعمهم:...................................... PAGEREF _Toc99783410 \h 345
اليهود في مواجهة الإسلام:................................................. PAGEREF _Toc99783411 \h 345
موقف النبي ' من اليهود:.................................................. PAGEREF _Toc99783412 \h 350
العمليات العسكرية في مرحلتين:.......................................... PAGEREF _Toc99783413 \h 351
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc99783417 \h 355
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc99783418 \h 357
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص102 و103، والسيرة الحلبية ج2 ص183، والكامل لابن الأثير ج2 ص118.
([2]) الآية1 من سورة الأنفال.
([3]) السنن الكبرى ج6 ص363.
([4]) الثقات لابن حبان ج1 ص211.
([5]) ترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج3 ص90، وراجع ص95، وراجع: مناقب الخوارزمي ص225، وفرائد السمطين ج1 ص322. وفي هامش ترجمة الإمام علي ج3 ص88/89 مصادر كثيرة لحديث المناشدة.
وراجع أيضاً: الضعفاء الكبير ج1 ص211 وليس فيه كلمة (قبل أن يؤمن أحد من قرابته) واللآلي المصنوعة ج1 ص362.
([6]) الموطأ ج2 ص14 المطبوع مع تنوير الحوالك، والأموال لأبي عبيد ص444 و447، والفتوح لابن أعثم ج2 ص122، ومسند أحمد ج5 ص316 و319 و326، والثقات ج2 ص78.
([7]) الأموال لأبي عبيد ص384، وكنز العمال ج4 ص378 و318، وحياة الصحابة ج2 ص236، وترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج3 ص181، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص132.
([8]) البداية والنهاية ج8 ص5 عن البغوي، وحياة الصحابة ج2 ص310.
([9]) مصنف عبد الرزاق ج6 ص267، وراجع268، وسنن البيهقي ج7 ص209.
([10]) الآية2 من سورة الحجرات.
([11]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص147 و185 وغيره.
([12]) سيرة ابن هشام ج2 ص339،340، والتنبيه والأشراف ص205، ولكنه ذكره بلفظ قيل. والإصابة ج2 ص229، والإستيعاب بهامشها ص219.
([13]) السيرة الحلبية ج2 ص185.
([14]) ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج3 ص93، واللآلي المصنوعة ج1 ص362، والضعفاء الكبير ج1 ص211 و212.
([15]) راجع: السيرة الحلبية ج3 ص142.
([16]) سير أعلام النبلاء ج1 ص216.
([17]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص146 و147 و185 وأي كتاب تاريخي آخر.
([18]) السيرة الحلبية ج2 ص185 و146.
([19]) مسند أحمد ج1 ص68 وراجع ص75، والأوائل1 ص305 و306، ومحاضرات الأدباء للراغب المجلد الثاني ص184، والدر المنثور ج2 ص89 عن أحمد، وابن المنذر، والبداية والنهاية ج7 ص207، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص21 و22، ومغازي الواقدي ج1 ص278، والغدير ج9 ص327، وج10 ص72 عن أحمد وابن كثير وعن الرياض النضرة ج2 ص97.
([20]) مستدرك الحاكم ج3 ص98، والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص629، ومسند أحمد ج2 ص101، والبداية والنهاية ج7 ص207 عن البخاري والغدير ج10 ص71 عن الحاكم وص70 عن أحمد، وعن صحيح البخاري ج6 ص122.
([21]) أنساب الأشراف ج5 ص36 والغدير ج9 ص3 عنه وص4 عن الواقدي.
([22]) الغدير ج10 ص70 عن الرياض النضرة ج2 ص94.
([23]) قارفَ: قاربَ، وقارفَ الذنب: قاربه.
([24]) السيرة الحلبية ج2 ص147، وراجع: الإصابة ج4 ص9 عن أبي أحمد الحاكم، والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص4، وأسد الغابة ج5 ص139.
([25]) العلل ومعرفة الحديث ج1 ص4.
([26]) وقد نص على أن علياً هو الذي ضرب عنق النضر بن الحارث في سيرة ابن هشام ج2 ص298 عن الزهري وغيره، وراجع: الأغاني ط ساسي ج1 ص10.
([27]) العلل ومعرفة الحديث ج1 ص3.
([28]) راجع: الـروض الأنف ج3 ص65، والسيرة الحـلبية ج2 ص187 و186، والبحار ج19 ص260 و347، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص205، وتفسير القمي ج1 ص269، والواقدي، وذكر ابن هشام في سيرته ج2 ص298، قتل علي >عليه السلام< له، بلفظ: قيل.
([29]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص205 و352 و356، وربيع الأبرار ج1 ص187، والكامل لابن الأثير ج2 ص131، وسيرة ابن هشام ج2 ص298 والأغاني ط ساسي ج1 ص10 و11.
([30]) الروض الأنف ج3 ص65.
([31]) راجع: الغدير ج8 ص273 و274 عن ابن مردويه، وأبي نعيم في الدلائل بإسناد صححه السيوطي.
([32]) السيرة الحلبية ج2 ص87، وراجع: الروض الأنف ج3 ص65.
([33]) الغدير ج9 ص155 عن الطبري ج5 ص151.
([34]) الروض الأنف ج3 ص65، والسيرة الحلبية ج2 ص187.
([35]) شرح النهج للمعتزلي ج6 ص293 عن الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات، وراجع: مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص119.
([36]) ربيع الأبرار ج1 ص178.
([37]) تذكرة الخواص ص206.
([38]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام الجزء الثاني.
([39]) طبقات الشعراء لابن سلام ص64 و65.
([40]) زهر الآداب ج1 ص66.
([41]) الآيتين67 و68 من سورة الأنفال.
([42]) راجع هذه النصوص في المصادر التالية، وإن كان كثير منها يذكر أنه >صلى الله عليه وآله< قد مال إلى قول أبي بكر، وبعضها يذكر أنه لم يرد إلا قتلهم فراجع: الطبري ج1 ص169، والسيرة الحلبية ج2 ص190، وصحيح مسلم ج5 ص157، والبحار ج19، وأسباب النزول للواحدي ص137، وحياة الصحابة ج2 ص42، وكنز العمال ج5 ص265 عن أحمد ومسلم، والترمذي، وأبي داود، وابن أبي شبية، وأبي عوانة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي. والدر المنثور ج3 ص201 ـ 203، ومشكل الآثار ج4 ص291 و292، ومغازي الواقدي ج1 ص107 و108، والكامل لابن الأثير ج2 ص136.
([43]) المصنف ج5 ص211.
([44]) المصدر السابق.
([45]) راجع: المصادر المتقدمة جميعاً، وفواتح الرحموت بهامش المستصفى للغزالي ج2 ص267، وتاريخ الخميس ج1 ص393، والمستصفى للغزالي ج2 ص365، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص169.
([46]) قضايا في التاريخ الإسلامي لمحمود إسماعيل ص20.
([47]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص175 و176، والكامل لابن الأثير ج2 ص126، والسيرة الحلبية ج2 ص192، وسيرة ابن هشام ج2 ص281، وتاريخ الخميس ج1 ص381، ومغازي الواقدي ج1 ص110 و106.
([48]) البداية والنهاية ج3 ص297، وتاريخ الطبري ج2 ص170، والروض الأنف ج3 ص83، وأسباب النزول للواحدي ص137، وتاريخ الخميس ج1 ص393، والسيرة الحلبية ج2 ص192، وحياة الصحابة ج2 ص43 عن الحاكم وصححه، وابن مردويه، والترمذي، وأحمد.
([49]) الآية67 من سورة الأنفال.
([50]) الآية68 من سورة الأنفال.
([51]) راجع: دلائل الصدق ج3 قسم1 ص59.
([52]) السيرة الحلبية ج2 ص192.
([53]) هذه الكلمة تشير إلى أن الذين قالوا ذلك هم من المهاجرين.
([54]) تاريخ الخميس ج1 ص393 عن فتح الباري، عن الترمذي، والنسائي، وابن حبان، والحاكم بإسناد صحيح، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص210، والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص298، وطبقات ابن سعد ج2 ص14 قسم1.
([55]) راجع على سبيل المثال: الكامل لابن الأثير ج2 ص136.
([56]) مغازي الواقدي ج1 ص107 و108.
([57]) الآيتين3 و 4 من سورة النجم.
([58]) الآية 59 من سورة النساء.
([59]) الآية 67 من سورة الأنفال.
([60]) دلائل الصدق ج3 قسم1 ص55 و60.
([61]) الآيتين 68 و 69 من سورة الأنفال.
([62]) مشكل الآثار ج4 ص292 و 293.
([63]) الآية 67 من سورة الأنفال.
([64]) تاريخ الطبري ج2 ص171، وراجع: الثقات ج1 ص169.
([65]) راجع: تاريخ الطبري ج2 ص143، وسيرة ابن هشام ج2 ص271، ومغازي الواقدي ج1 ص45، والكامل لابن الأثير ج2 ص121، وتفسير ابن كثير ج2 ص314، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وأي كتاب تاريخي شئت، إذا كان يذكر بدراً ورجوع من رجع عنها قبل نشوب الحرب.
([66]) مجمع الزوائد ج6 ص67، عن الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، وحياة الصحابة ج1 ص154.
([67]) راجع: حقائق التأويل ج5 ص111.
([68]) تاريخ الخميس ج1 ص390، وصفة الصفوة ج1 ص510. وعند عبد الرزاق في المصنف ج5 ص353: أن أنصارياً قال له >صلى الله عليه وآله<: أفلا أذهب فأرخي عنه شيئاً؟ قال: إن شئت فعلت ذلك من قبل نفسك، فانطلق الأنصاري، فأرخى عن وثاقه، فسكن >صلى الله عليه وآله< ونام ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص410.
([69]) أسباب النزول للواحدي ص138، والسيرة الحلبية ج2 ص198.
([70]) المحلوفة: القَسَم.
([71]) الآية70 في سورة الأنفال، والرواية معتبرة السند في تفسير البرهان ج2 ص94، وراجع: تفسير الكشاف ج2 ص238، وغير ذلك.
([72]) البحار ج19 ص258، وتفسير القمي ج1 ص268.
([73]) المصدران السابقان، وتاريخ الخميس ج1 ص390، والسيرة الحلبية ج2 ص198.
([74]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص308، والسيرة الحلبية ج2 ص188 و198، وطبقات ابن سعد ج4 ص20 قسم1.
([75]) الآية17 من سورة التوبة. والحديث في: أسباب النزول للواحدي ص139، وليراجع الدر المنثور ج3 ص219 عن ابن جرير، وأبي الشيخ عن الضحاك، لكن الآية هي آية سقاية الحاج الآتية.
([76]) الآية19 من سورة التوبة. والحديث في: أسباب النزول للواحدي ص139، والدر المنثور ج3 ص218 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وأبي الشيخ.
([77]) البداية والنهاية ج3 ص298 عن الحاكم، وابن مردويه، وحياة الصحابة ج2 ص244 و245 عن كنز العمال ج7 ص69 عن ابن عساكر.
([78]) السيرة الحلبية ج2 ص199.
([79]) صحيح البخاري ج1 ص55 و 56، وج2 ص130، ومستدرك الحاكم ج3 ص329 و330، وتلخيصه للذهبي بهامشه، وصححاه، وطبقات ابن سعد ج4 قسم1 ص9، والسيرة الحلبية ج2 ص200، وحياة الصحابة ج2 ص225، والتراتيب الإدارية ج2 ص88 و 89.
([80]) صحيح البخاري ج1 ص55 و 56، وج2 ص130، والتراتيب الإدارية ج2 ص89.
([81]) طبقات ابن سعد ج4 قسم1 ص20، وحياة الصحابة ج2 ص234، وتهذيب تاريخ دمشق ج7 ص251.
([82]) الآية70 من سورة الأنفال.
([83]) مستدرك الحاكم ج3 ص329، وتلخيصه للذهبي وصححاه، وطبقات ابن سعد ج4 قسم1 ص9، والسيرة الحلبية ج2 ص220، وحياة الصحابة ج2 ص225.
([84]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص317 و318.
([85]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص308، وتاريخ الأمم والملوك ط الإستقامة = = ج2 ص164، والكامل في التاريخ ج2 ص134، والبحار ج19 ص241، ودلائل النبوة ط دار المكتبة العلمية ج3 ص154، وتاريخ الإسلام للذهبي (قسم المغازي) ص46.
([86]) تقدمت المصادر لذلك في فصل: بيعة العقبة حين الكلام حول غيرة عائشة.
([87]) فقد وصفه في شرحه للنهج ج12 ص90 بأنه: >لم يكن إمامي المذهب، ولا كان يبرأ من السلف، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة< ووصفه في ج9 ص248 بأنه كان: >منصفاً، وافر العقل<. ونقل في هامش البحار ج19 عنه أنه وصفه بالوثاقة والأمانة، والبعد عن الهوى والتعصب، والإنصاف في الجدال، مع غزارة العلم، وسعة الفهم، وكمال العقل.
([88]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص191.
([89]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص48 و49 عن المطالع النصرية في الأصول الخطيـة لأبي الـوفـاء نصر الـدين الهـوريني، وعـن السهيلي ومسند أحمـد ج1 = = ص247، والإمتاع ص101، والروض الأنف ج3 ص84، وتاريخ الخميس ج1 ص395، والسيرة الحلبية ج2 ص193، وطبقات ابن سعد ج2 قسم1 ص14، ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ الإسلامي (الحياة الدستورية) ص48.
([90]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص174، والإصابة ج1 ص344 عنه.
([91]) خدمات متقابل إسلام وإيران ص283 و 284 و 314، وراجع ص310 عن شاهنامه فردوسي ج6 ص258 ـ 260.
([92]) الشعر والشعراء ص334، والتراتيب الإدارية ج2 ص248.
([93]) راجع: الطبري ج2 ص159، والكامل لابن الأثير ج2 ص131، وسيرة ابن هشام ج2 ص299 و300، ومغازي الواقدي ج1 ص119، وتاريخ الخميس ج1 ص388.
([94]) البداية والنهاية ج3 ص307.
([95]) الإصابة ج4 ص338 وغير ذلك كثير.
([96]) راجع: البخاري ط سنة1309 ج2 ص110، وج3 ص39 و129 وط مشكول كتاب المغازي، غزوة بدر وج9 ص23، وفتح الباري ج6 ص100، وج8 ص486 وج7 ص237، عن أحمد، وأبي داود، وابن أبي شيبة، والبداية والنهاية ج4 ص284، وج3 ص328 عن الخمسة، ما عدا ابن ماجة، ومجمع الزوائد ج8 ص303، وج9 ص303 و304 وج6 ص162 و163 عن أحمد، وأبي يعلى، والبزار، وحياة الصحابة ج2 ص463 و364 عن بعض من تقدم، والسيرة الحلبية ج2 ص203 و192، ومجمع البيان ج9 ص269 و270، وتفسير القمي ج2 ص361، والإرشاد للمفيد ص33 و34 و69، وصحيح مسلم ج4 ص1941 ط دار إحياء التراث العربي، والمغازي ج2 ص797 و798، وأسباب النزول ص239، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص47، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص58، وج17 ص266، وسنن أبي داود ج3 ص44 و45 و48، والتبيان للطوسي ج9 ص296، وأسد الغابة ج1 ص361 والدر المنثور للسيوطي ج6 ص203، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص93 و439 و440، والسنن الكبرى ج9 ص146، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص39 و41، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص421 و422، الجامع الصحيح ج5 ص409 و410، ومسند الشافعي ص316، والطبقات الكبرى ج2 ص97، وتفسير فرات ص183 و184، ولسان العرب ج4 ص557، والمبسوط للشيخ الطوسي ج2 ص15، وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص48 و49، والمناقب لابن شهر آشوب ج2 ص143 و144، وكنز العمال ج17 ص59، وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص371، والبحار ط بيروت ج72 ص388، وج21 ص125 و119 و120 و136 و137 و(ط حجرية) ج8 ص643 عن إرشـاد المفيد، وإعـلام الورى، = = وتفسير القمي، وتفسير فرات، وعون المعبود ج7 ص310 و313، والدرجات الرفيعة ص336، وزاد المعاد لابن القيم ج3 ص115، وعمدة القارئ ج14 ص254، وتاريخ الخميس ج2 ص79، وترتيب مسند الشافعي ج1 ص197، والمحلى ج7 ص333، والجامع لأحكام القرآن ج18 ص50 و 51، وأحكام القرآن للجصاص ج5 ص325، وجامع البيان ج28 ص38 ـ40، والكامل في التاريخ ج2 ص242، وكشف الغمة للأربلي ج1 ص180، والإصابة ج1 ص300، والبرهان في تفسير القرآن ج4 ص323 والاعتصام بحبل الله المتين ج5 ص500 و 501، والصافي (تفسير) ج5 ص161، ونهج السعادة ج4 ص28، ومعجم البلدان ج2 ص335، والمواهب اللدينة ج1 ص149، وبهجة المحافل ج1 ص188 و 400. وعن المصنف لابن أبي شيبة ج15 ص69، وعن تفسير الثعالبي ج4 ص289، وعن منهاج البراعة ج5 ص106.
([97]) السيرة الحلبية ج2 ص203 و 204، وراجع: فتح الباري ج7 ص237 و 238.
([98]) فتح الباري ج7 ص237 وسنده صحيح على شرط مسلم.
([99]) السيرة الحلبية ج1 ص335.
([100]) راجع: البخاري ج9 ص23 ط مشكول، وفتح الباري ج7 ص238، والغارات ج2 ص568 و 569، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص100.
([101]) راجع حول عدالة الصحابة كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام ج2.
([102]) حياة الصحابة ج3 ص758 عن تاريخ الطبري ج3 ص138.
([103]) البداية والنهاية ج5 ص23 عن البخاري، وأبي داود، والنسائي ونحوه، مفرقاً ومختصراً، وروى الترمذي بعضه، والبيهقي ج9 ص33، وحياة الصحابة ج1 ص475 عمن تقدم، وعن الترغيب والترهيب ج4 ص366.
([104]) صيد الخاطر ص385.
([105]) الآية 36 من سورة الأنفال.
([106]) السيرة الحلبية ج2 ص188.
([107]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص382.
([108]) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج2 ص46.
([109]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص476 و477.
([110]) أشواب: أخلاط.
([111]) المصنف ج5 ص335.
([112]) نهج البلاغة، الحكم ص199.
([113]) الآية63 من سورة الأنفال.
([114]) أنساب الأشراف ج3 ص23.
([115]) سنن البيهقي ج8 ص180، وحياة الصحابة ج2 ص503 عنه، وراجع: تذكرة الخواص ص72 و91، والفتوح لابن أعثم ج3 ص45، وج2 ص490، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص240، ومناقب الخوارزمي ص183.
([116]) البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ ص333.
([117]) مسند أحمد ج2 ص115 و373، وراجع: فيض الباري ج4 ص396.
([118]) راجع: الفتوح لابن أعثم ج3 ص57.
([119]) نشوار المحاضرات ج5 ص13 و14، وراجع: المنتظم لابن الجوزي ج7 ص140.
([120]) تاريخ بغداد ج7 ص16، ونشوار المحاضرات ج6 ص36.
([121]) رسائل الجاحظ ج2 ص16، وراجع الجزء الأول من هذا الكتاب.
([122]) آثار البلاد وأخبار العباد ص453.
([123]) البداية والنهاية ج8 ص54 عن ابن جرير وغيره.
([124]) المصدر السابق.
([125]) أحسن التقاسيم ص41.
([126]) المصدر السابق.
([127]) الموفقيات للزبير بن بكار ص134، وراجع: عصر المأمون ج1 ص445.
([128]) موطأ مالك، (مع تنوير الحوالك) ج1 ص27.
([129]) آثار الجاحظ ص205.
([130]) الأغاني ط ساسي ج13 ص168، وأنساب الأشراف أيضاً ج3 ص32.
([131]) الأغاني ج8 ص6.
([132]) راجع كتابنا >سلمان الفارسي في مواجهة التحدي<.
([133]) الأغاني ج12 ص23.
([134]) محاضرات الراغب المجلد الثاني ج4 ص418.
([135]) ربيع الأبرار ج1 ص84 و85.
([136]) راجع: ديوان ابن هاني، الطبعة الأولى. لكن في طبعة سنة1405 ه‍. ق، دار بيروت ص381: من أصلح، بدل من أنهض.
([137]) روضات الجنات ج1 ص244.
([138]) الأخبار الطوال ص235.
([139]) مقاتل الطالبيين ص467.
([140]) البيان والتبيين ج1 ص95.
([141]) البحار ج74 ص162 و163، وصفات الشيعة للشيخ الصدوق ص28.
([142]) شرح النهج للمعتزلي ج1 ص26.
([143]) الكافي ط قديم ج8 ص678.
([144]) البحار ج75 ص215، والكافي ج8 ص7.
([145]) البحار ج65 ص180 ط مؤسسة الوفاء، وفي هامشه عن مشكاة الأنوار ص62 و63.
([146]) بدائع البدائه ص356، ونفح الطيب ج3 ص95.
([147]) الغدير ج10 ص211 عن روح البيان ج4 ص142.
([148]) محاضرات الراغب، المجلد الثاني ج4 ص473 و 474.
([149]) رحمة الأمة باختلاف الأئمة (مطبوع بهامش الميزان للشعراني) ج1 ص88 وراجع: المغني لابن قدامة ج2 ص505 ومقتل الحسين للمقرم هامش ص464 عنهما وعن المهذب لأبي إسحاق الشيرازي ج1 ص137 والوجيز للغزالي ج1 ص47 والمنهاج للنووي ص25 وشرح تحفة المحتاج لابن حجر ج1 ص560 وعمدة القاري ج4 ص248 والفروع لابن مفلح ج1 ص481.
([150]) مقتل الحسين للمقرم هامش ص465 عن شرح المواهب ج5 ص13.
([151]) الكشاف ج3 ص558.
([152]) فتح الباري ج11 ص146.
([153]) محاضرات الأدباء، المجلد الثاني جزء3 ص341.
([154]) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص36 و 37، ومجمع الزوائد ج9 ص47 وقال: فيه من لم أعرفه، والبداية والنهاية ج3 ص271 و 272 عن البزار وحياة الصحابة ج1 ص261 عنهما، والسيرة الحلبية ج2 ص156 والفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص122، وعن الرياض النضرة ج1 ص92.
([155]) راجع فيما تقدم: الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص123 ـ 125، والسيرة الحلبية ج2 ص156، وعن تفسير القرطبي ج4 ص222.
([156]) الفتح المبين لدحلان بهامش سيرته النبوية ج1 ص124 ـ 126.
([157]) تاريخ بغداد للخطيب ج8 ص21، والمنتظم لابن الجوزي ج6 ص327، وراجع: العثمانية للجاحظ ص10.
([158]) أما بالنسبة لفراره في غزوة أحد، فسيأتي ذلك مع مصادره الكثيرة جداً في الجزء السادس من هذا الكتاب. وبالنسبة لفراره في حنين سيأتي أيضاً في غزوة حنين.
وأما بالنسبة لفراره في غزوة خيبر، فهو أيضاً سيأتي مع مصادر كثيرة.
وقد رواه البزار بسند صحيح، ورواه أيضاً الطبراني، والإيجي، والبيضاوي، وابن عساكر فراجع: مجمع الزوائد ج9 ص124، والمواقف كما في شرحه ج3 ص276، وأقره شراحه، والمطالع ص483، عن البيضاوي في طوالع الأنوار، وترجمة علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1 ص82، والغدير ج7 ص204. وسيأتي المزيد إن شاء الله تعالى.
([159]) الغدير ج7 ص206 عن السيرة الحلبية ج3 ص123.
([160]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص293.
([161]) دُث : رُميَ بالحجارة.
([162]) الآية95 من سورة النساء.
([163]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج13 ص278 ـ 284.
([164]) تقوية الإيمان ص42.
([165]) ضعف إسنادها الهيثمي في مجمع الزوائد ج9 ص461.
([166]) البداية والنهاية ج3 ص271، والسيرة الحلبية ج2 ص156 و161.
([167]) الآية 67 من سورة المائدة.
([168]) الغدير ج7 ص202. ونقل ما ذكر عن: عيون الأثر ج2 ص316، والمواهب اللدنية ج1 ص383، والسيرة الحلبية ج2 ص334، وشرح المواهب للزرقاني ج3 ص204.
([169]) وفاء الوفاء ج1 ص448.
([170]) الآية 19 من سورة الحج.
([171]) الآية 23 من سورة الأحزاب.
([172]) الآية62 من سورة الأنفال.
([173]) راجع: الغدير ج2 ص46 ـ 51، وج7 ص202 و 203 بتصرف.
([174]) مغازي الواقدي ج1 ص58 والبداية والنهاية ج3 ص275.
([175]) الروض الأنف ج3 ص64، وفي مستدرك الحاكم ج3 ص475، وحياة الصحابة ج2 ص332 و 333 عن الكنز ج5 ص374: أن ذلك كان يوم بدر.
([176]) سنن البيهقي ج8 ص186، وحياة الصحابة ج2 ص332 و 333 عن الحاكم عن الواقدي.
([177]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص287.
([178]) الآية 53 من سورة الأحزاب.
([179]) الغدير ج7 ص214 عن: سنن البيهقي ج3 ص406، وحلية الأولياء ج1 ص105، والإستيعاب ج2 ص495، وأسد الغابة ج3 ص387، والإصابة ج2 ص464، وسنن أبي داود ج2 ص58، وسنن ابن ماجة ج1 ص481. وثمة مصادر أخرى ذكرها العلامة الأحمدي في كتابه: التبرك ص355 فراجع.
([180]) الغدير ج2 ص214 وج3 ص24 عن: الروض الأنف ج3 ص24، ومستدرك الحاكم ج4 ص47، والإستيعاب ج2 ص748، وصححه، والإصابة ج4 ص304 و489.
([181]) حياة الصحابة ج2 ص84، وكنز العمال ج7 ص159 عن ابن سعد.
([182]) صحيح البخاري الباب الثالث من أبواب ما جاء في السهو في الصلاة، وصحيح مسلم في أبواب السهو، وفتح الباري ج3 ص77 حتى ص83، والبخاري بهامشه، ومصنف الحافظ عبد الرزاق ج2 ص296 و297 و299، ومسند أحمد ج2 ص271 و284 و234، وموطأ مالك ج1 ص115، ونقل عن كنز العمال ج4 ص215 و214 عن عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص186، والإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص491/492، والإصابة ج1 ص489 و429، وأسد الغابة ج2 ص146، وسنن البيهقي ج2 ص231، وسنن النسائي باب ما يفعل من سلم من الركعتين ناسياً وتكلم وغير ذلك.
([183]) تهذيب الأسماء واللغات ج1 ص186، وراجع: الدر المنثور للعاملي ج1 ص109، وحول قتل ذي الشمالين في بدر راجع: طبقات ابن سعد ج3 ص119.
([184]) راجع تهذيب الأسماء ج1 هامش ص186.
([185]) الكافي للكليني ج3 ص357، والوسائل ج5 ص311، والدر المنثور للعاملي ج1 ص109 و110.
([186]) راجع: طبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص118، والتراتيب الإدارية ج2 ص385.
([187]) هي رواية مسند أحمد، وكنز العمال عن عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والمصنف لعبد الرزاق ج2 ص296 و271 و274 و297 و299، وراجع إرشاد الساري ج3 ص267 ونقل قول الجوهري باتحادهما. في الإستيعاب في ترجمة ذي اليدين، وكذا في الطبري، وشرح موطأ مالك للسيوطي، وتهذيب الأسماء واللغات ج1 ص186، وغير ذلك.
([188]) الإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص491، وأسد الغابة ج2 ص142 و145 و146، وراجع: التراتيب الإدارية ج2 ص385 عن التوشيح والإرشاد والفتح وغيرهم من شروح البخاري.
([189]) راجع: طبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص118، والإصابة ج1 ص489، وأسد الغابة ج2 ص141 و 145.
([190]) راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص385.
([191]) الكافي ج3 ص356.
([192]) الدر المنثور للعاملي ج1 ص107.
([193]) الدر المنثور للعاملي ج1 ص113.
([194]) الكافي ج3 ص356.
([195]) الكافي ج3 ص357.
([196]) راجع: دلائل الصدق ج1 ص384 ـ 386.
([197]) راجع: فتح الباري ج3 ص81 .
([198]) الآية 69 من سورة العنكبوت.
([199]) الآية 40 من سورة الحج.
([200]) الآية 29 من سورة الأنفال.
([201]) الآية 57 من سورة الكهف.
([202]) الآية 13 من سورة المائدة.
([203]) الآية 15 من سورة الأعراف.
([204]) الآية 19 من سورة الحشر.
([205]) الآية 67 من سورة التوبة.
([206]) الآية 44 من سورة البقرة.
([207]) الآية 14 من سورة السجدة.
([208]) الآية 286 من سورة البقرة.
([209]) الآية 77 من سورة القصص.
([210]) الآية 237 من سورة البقرة.
([211]) راجع: أوثق الوسائل ص262.
([212]) الدر المنثور للعاملي ج1 ص117.
([213]) الآية 115 من سورة طه.
([214]) وإن كان بعضهم يناقش في عموم العصمة. ولكن الشيعة يعتقدون بعصمتهم >عليهم السلام< وتسديد الله تعالى لهم من حين ولادتهم إلى حين وفاتهم، وليس في خصوص وقت النبوة.
([215]) سيأتي في فصل: شخصيات وأحداث حين الحديث حول تحريم الخمر أسماء طائفة ممن حرموا الخمر على أنفسهم.
([216]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص190 و 191.
([217]) السيرة الحلبية ج1 ص4، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش السيرة الحلبية) ج1 ص21.
([218]) الآية 30 من سورة الروم.
([219]) الآية 8 من سورة الشمس.
([220]) الآية44 من سورة الفرقان.
([221]) الآية179 من سورة الأعراف.
([222]) الآية 28 من سورة فاطر.
([223]) الآية 40 من سورة الحج.
([224]) الآية 29 من سورة الأنفال.
([225]) الآية 17 من سورة محمد.
([226]) البحار ج2 ص22 وغوالي اللآلي ج4 ص77 والتحرير للعلامة الحلي ص3 للعلامة الحلي ص3 ومستدرك الوسائل ج17 ص320 والصراط المستقيم ج1 ص213 وراجع ص131 وكتاب الأربعين للماحوزي ص413 ومنية المريد ص182 وراجع اوائل المقالات ص178.
([227]) الآية13 من سورة الحجرات.
([228]) راجع: الصراط المستقيم ج1 ص131.
([229]) الآية 41 من سورة الأنفال.
([230]) راجع: لسان العرب، وأقرب الموارد، ومفردات الراغب، والقاموس، ونهاية ابن الأثير، ومعجم مقاييس اللغة، وتفسير الرازي، وغير ذلك من كتب اللغة.
([231]) نهج البلاغة الخطبة رقم118.
([232]) المصدر، الحكمة رقم150.
([233]) المصدر، الكتاب رقم31.
([234]) المصدر، الحكمة رقم331.
([235]) نهاية ابن الأثير مادة >غنم<.
([236]) نفس المصدر.
([237]) الآية 94 من سورة النساء.
([238]) سنن ابن ماجة (كتاب الزكاة) الحديث رقم1797.
([239]) مسند أحمد ج2 ص177.
([240]) راجع: مقدمة مرآة العقول ج1 ص84 و 85.
([241]) هو العلامة السيد مرتضى العسكري في مقدمة مرآة العقول.
([242]) تفسير القرطبي ج8 ص1.
([243]) البخاري ط مشكول ج1 ص22 و 32 و 139، وج2 ص131 وج5 ص213، وج9 ص112، وصحيح مسلم ج1 ص36، وسنن النسائي ج2 ص333، ومسند أحمد ج1 ص228 و361، وج3 ص318، وج5 ص36، والأموال لأبي عبيد ص20، والترمذي باب الإيمان، وسنن أبي داود ج3 ص330، وج4 ص219، وفتح الباري ج1 ص120، وكنز العمال ج1 ص20 وص19 رقم6.
([244]) تاريخ ابن خلدون ج2، وتنوير الحوالك ج1 ص157، والبداية والنهاية ج5 ص76، وسيرة ابن هشام ج4 ص242، وكنز العمال ج3 ص186، والإستيعاب هامش الإصابة ج2 ص517، والخراج لأبي يوسف ص77، ومسند أحمد ج2 ص14 و15، وابن ماجة ج1 ص573 و 575 و 577، وسنن الدارمي ج1 ص281 و 385، وج2 ص161 ـ 195، الإصابـة ج2 ص532، وسـنـن أبي = = داود ج2 ص98 و99، والدر المنثور ج2 ص253، والتراتيب الإدارية ج1 ص248 و249، والترمذي ج3 ص17. وعن: رسالات نبوية ص204، والطبري ج2 ص388، وفتوح البلدان للبلاذري ص80، وأعلام السائلين ص45، ومجموعة الوثائق السياسية ص175، وفريدون ج1 ص34، وإهدلي ص68، والإمتاع للمقريزي ص139.
([245]) الأموال لأبي عبيد ص21، وسنن البيهقي ج4 ص89، وكنز العمال ج3 ص186 و252 و253 عن الطبراني وغيره، ومستدرك الحاكم ج1 ص395، والدر المنثور ج1 ص343، ومجمع الزوائد ج3، وعن تهذيب ابن عساكر ج6 ص273 و274، وجمهرة رسائل العرب ج1 ص89، ومجموعة الوثائق السياسية ص185 عن إهدل ص67 و68 عن ابن حبان، والمبعث ص141.
([246]) طبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص23 و24، ومجموعة الوثائق السياسية ص224، ومقدمة مرآة العقول ج1 ص102 و103.
([247]) راجع هذه النصوص في المصادر التالية: أسد الغابة ج4 ص175 و 271 و 328، وج5 ص40 و 389 وج1 ص300، والإصابة ج3 ص338 و 199 و 573، وج1 ص53 و 247 و278، وج2 ص197، وطبقات ابن سعد ج1 ص274 و 279 و 66 و 269 و 271 و 268 و 270 و 284، وج7 قسم1 ص26، وج5 ص385، ورسالات نبوية ص237 و 102 و 103 و 131 و 253 و 138 و 188 و 134، ومجموعة الوثائق السياسية ص121 و 264 و 273 عن أعلام السائلين و 98 و 99 و 252 و 250 و 216 و 196 و 138 و 232 و 245 و 180، وكنز العمال ج2 ص271 وج5 ص320، وج7 ص64 عن الروياني وابن عساكر وأبي داود، كتاب الخراج وطبقات الشعراء للجمحي ص38، وسنن البيهقي ج6 ص303، وج7 ص58، وج9 ص13، ومسنـد = = أحمد ج4 ص77 و 78 و 363، وسنن النسائي ج7 ص134، والأموال لأبي عبيد ص12 و 19 و 20 و 30، والإستيعاب ترجمة عمر بن تولب، وج3 ص38، وجمهرة رسائل العرب ج1 ص55 و 68 عن شرح المواهب للزرقاني ج3 ص382، وصبح الأعشى ج13 ص329، ومجموعة الوثائق عن إعلام السائلين ونصب الراية، ومغازي ابن إسحاق، ومصنف ابن أبي شيبة، ومعجم الصحابة، والمنتقى، وميزان الاعتدال، ولسان الميزان، واليعقوبي، وأموال ابن زنجويه. وتاريخ اليعقوبي ج2 ص64، والبداية والنهاية ج5 ص46 و 75، وج2 ص351 عن أبي نعيم، وتاريخ الطبري ج2 ص384، وفتوح البلدان للبلاذري ص82، والسيرة الحلبية ج3 ص258، وسيرة ابن هشام ج4 ص258 و 260، وسيرة زيني دحلان ج3 ص30، والمصنف ج4 ص300، وطبقات الشعراء لابن سلام ص38، ومجمع الزوائد ج8 ص244.
([248]) أسد الغابة ج3 ص38، والإصابة ج2 ص208، وج3 ص413، والبحار ج96 ص83 و190 والإستيعاب هامش الإصابة ج3 ص643، وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص73، والعقد الفريد ج1 باب الوفود، والبيان والتبيين، والوسائل= = كتاب الزكاة باب تقدير نصاب الغنم، ومعاني الأخبار ص275، وشرح الشفا للقاري ج1 ص18، وتاريخ ابن خلدون ج2، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج3 ص94، والفائق للزمخشري ج1 ص14، وعن: المعجم الصغير ص243، ورسالات نبوية ص67 و297، وجمهرة رسائل العرب ج1 ص58 و59، ومجموعة الوثائق السياسية ص205 و206 عن المواهب اللدنية، والزرقاني، ومادة سيب في نهاية ابن الأثير، ولسان العرب، وتاج العروس، ونهاية الإرب وغريب الحديث لأبي عبيد في مادة: قيل وسيب، وطبقات ابن سعد ج1 ص287.
([249]) تبيين الحقائق ج1 ص288 (الركاز: ما ركزه الله أي أحدثه ودفنه في المعادن من ذهب أو فضة أو غيرها.
([250]) طبقات ابن سعد ج4 قسم2 ص167، وعن مجموعة الوثائق السياسية ص219، ورسالات نبوية ص228، وكنز العمال ج7 ص65، وجمع الجوامع مسند عمرو بن مرة ونقله في مقدمة مرآة العقول ج1 عن نهاية ابن الأثير، وعن ابن منظور في لسان العرب في كلمة: صرم.
([251]) الأموال لأبي عبيد ج33 ص337 و473 و477 و476 و468 و467، ونصب الراية ج2 ص382 و381 و380، ومسند أحمد ج2 ص228 و239 و254 و274 و314 و186 و202 و207 و285 و319 و382 و386 و406 و411 و415 و454 و456 و467 و475 و482 و493 و495 و499 و501 و507، وج3 ص354 و353 و336 و356 و335 و128، وج5 ص326، وكنز العمال ج4 ص227 و228، وج19 ص8 و9، وج5 ص311، ومستدرك الحاكم ج2 ص56 ومجمع الزوائد ج3 ص77 و78، وعن الطبراني في الكبير والأوسط، وعن أحمد والبزار، ومصنف عبد الرزاق ج10 ص128 و66، وج4 ص117 و64 و65 و116 و300، وج6 ص98 عن خمس العنبر، ومقدمة مرآة العقول ج1 ص97 و96، ومغازي الواقدي ص682، وسنن البيهقي ج4 ص157 و156 و155، وج8 ص110، والمعجم الصغير ج1 ص120 و121 و153، والطحاوي ج1 ص180، وسنن النسائي ج5 ص44 و45، والبخاري ط مشكول ج2 ص159 و160 في باب في الركاز الخمس، وفي باب من حفر بئراً في ملكه وط سنة1309 ه‍. ج4 ص124، والهداية شرح البداية ج1 ص108، وخراج أبي يوسف ص26، وسنن ابن ماجة ج2 ص839 و803، وسنن أبي داود ج3 ص181، وج4 ص196، وشرح الموطأ للزرقاني ج2 ص321، وكتاب الأصل للشيباني ج2 ص138، وسنن الدارمي ج1 ص393 وج2 ص196، ونيل الأوطار ج4 ص210، والموطأ ج1 ص244 وج3 ص71 (مطبوع مع تنوير الحوالك)، ومنحة المعبود ج1 ص175، والترمذي ج1 ص219 وج3 ص138، وصحيح مسلم ج5 ص127 و11 و225، والعقد = = الفريـد ونهـاية الارب، والإستيعـاب، وتهـذيب تـاريـخ دمشق ج6 ص207، وتاريخ بغداد ج5 ص53 و54، ومصابيح السنة ط دار المعرفة ج2 ص17، والمسند للحميدي ج2 ص462، ومسند أبي يعلى ج10 ص437 و461 و459، وج11 ص202 وفي هامشه عن مصادر كثيرة جداً.
([252]) مسالك الممالك ص158.
([253]) راجع: الأموال لأبي عبيد ص472.
([254]) الأموال ص474.
([255]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج4 ص64/65.
([256]) كتاب الأصل للشيباني ج2 ص138.
([257]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج4 ص116.
([258]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص179 و181، وج9 ص67 وتحف العقول ص260.
([259]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج9 ص66.
([260]) نصب الراية ج2 ص382، ومصنف عبد الرزاق ج4 ص116، ومجمع الزوائد ج3 ص78، وراجع: البحار ج21 ص360 عن إعلام الورى.
([261]) راجع: البداية والنهاية.
([262]) زاد المعاد ج1 ص32، وراجع: سنن أبي داود ج3 ص127 باب كيف القضاء.
([263]) الأموال لأبي عبيد ص461.
([264]) مجمع الزوائد ج3 ص91، وأسد الغابة ترجمة: عبد المطلب بن ربيعة، ونوفل بن الحارث، ومحمية، صحيح مسلم ج3 ص118 باب تحريم الزكاة على آل النبي >صلى الله عليه وآله<، وسنن النسائي ج1 ص365، وسنن أبي داود، والأموال لأبي عبيد ص329، ومغازي الواقدي ص696 و697، وتفسير العياشي ج2 ص93.
([265]) سنن أبي داود كتـاب الزكـاة ج2 ص212، والترمـذي كتـاب الـزكـاة ج3 = = ص159، والنسائي كتاب الزكاة ج1 ص366، ومجمع الزوائد ج3 ص90 و91، وكنز العمال ج6 ص252 ـ 256، وأمالي الطوسي ج2 ص17، والبحار ج96 ص57، وسنن البيهقي ج7 ص32.
([266]) راجع: تفسير الطبري ج15 ص504 و 506 وبهامشه تفسير النيسابوري ج15، وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص65 و61، والأموال لأبي عبيد ص22 و 447 و 453 و 454.
([267]) الآية 7 من سورة الحشر.
([268]) تفسير النيسابوري بهامش الطبري، وتفسير الطبري ج15 ص7.
([269]) راجع: الوسائل ج9 ص356 و358 و359 و361 و362.
([270]) الوسائل ج9 ص358 و359، ومقدمة مرآة العقول للعسكري ج1 ص116 و 117.
([271]) صحيح البخاري باب غزوة خيبر ج3 ص36 وط سنة1311 ج4 ص111 وج6 ص174، وسنن أبي داود ج3 ص145 و146، وتفسير الطبري ج15 ص5، ومسند أحمد ج4 ص81 و85 و83، وسنن النسائي ج7 ص130 و131، وسنن ابن ماجة ص961، ومغازي الواقدي ج2 ص696، وأموال أبي عبيد ص461 و 462، وسنن البيهقي ج6 ص340 ـ 342، والسيرة الحلبية ج2 = = ص209، والمحلى ج7 ص328، والبداية والنهاية ج4 ص200، وشرح النهج ج15 ص284، ومجمع الزوائد ج5 ص341، ونيل الأوطار ج8 ص228 عن البرقاني والبخاري وغيرهما، والإصابة ج1 ص226، وبداية المجتهد ج1 ص402، والخراج لأبي يوسف ص21، وتشييد المطاعن ج2 ص818 و 819 عن زاد المعاد، والدر المنثور ج3 ص186 عن ابن أبي شيبة، والبحر الرائق ج5 ص98، وتبيين الحقائق ج3 ص257، ونصب الراية ج3 ص425 و 426 عن كثيرين. ومصابيح السنة ج2 ص70، وتفسير القرآن العظيم ج2 ص312، وفتح القدير ج2 ص310، ولباب التأويل ج2 ص185، ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش الخازن) ج2 ص186، والكشاف ج2 ص221. ونقل ذلك عن المصادر التالية: الجامع لأحكام القرآن ج7 ص12، وفتح الباري ج7 ص174، وج6 ص150، وتفسير المنار ج10 ص7، وترتيب مسند الشافعي ج2 ص125 و 126، وإرشاد الساري ج5 ص202.
([272]) هو العلامة السيد مرتضى العسكري حفظه الله.
([273]) راجع في ذلك كله وغيره مما يرتبط بالموضوع سنن النسائي ج2 ص179، وكتاب الخراج ص24 و 25، والأموال لأبي عبيد ص463، وجامع البيان للطبري ج15 ص6، وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص62 و 60، وسنن البيهقي ج6 ص342 ـ 343، وسنن أبي داود بيان مواضع الخمس، ومسند أحمد ج4 ص83، ومجمع الزوائد ج5 ص341.
([274]) مسند أحمد ج4 ص83.
([275]) راجع الحديث في: الخراج لأبي يوسف ص21 و 24، ومغازي الواقدي ص697، والأموال لأبي عبيد ص465 و 467، وسنن النسائي ج2 ص178 و177، وج7 ص129 و 128، وشرح معاني الآثار ج3 ص235 و 220، ومسند الحميدي رقم532، والجامع الصحيح (السير) رقم1556، وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص63، ولسان الميزان ج6 ص148، وصحيح مسلم ج5 ص198 باب النساء الغازيات يرضخ لهن، ومسند أحمد ج10 ص225، وج1 ص320 و 308 و 248 و 249 و 294 و 224، ومشكل الآثار ج2 ص136 و 179، ومسند الشافعي ص183 و 187، وحلية أبي نعيم ج3 ص205، وتفسير الطبري ج10 ص5، وسنن أبي داود ج3 ص146 كتاب الخراج، وسنن البيهقي ج6 ص344 و 345 و 332، وكنز العمال ج2 ص305، والمصنف ج5 ص228 وراجع ص238، والمحاسن والمساوئ ج1 ص264، ووفاء الوفاء ص995، والروض الأنف ج3 ص80، ومسند أبي يعلى ج4 ص424، وج5 ص41 و 42.
([276]) راجع تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص79 و 80، وتاريخ ابن الأثير ط أوربا ج3 ص71، وشرح النهج ج1 ص67.
([277]) راجع في ذلك الكامل ج3 ص71، والطبري ط أوربا قسم1 ص2818، وابن كثير ج7 ص152، وفتوح أفريقيا لابن عبد الحكم ص58 و60، والبلاذري ج5 ص25 و27 و28، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص156 والأغاني ج6 ص57.
([278]) الأموال لأبي عبيد ص463، والخراج ص23، وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص63، وسنن البيهقي ج6 ص323، وأنساب الأشراف ج1 ص517، وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص217، وكنز العمال ج4 ص330 عن أبي عبيد، وعن ابن الأنباري في المصاحف.
([279]) سنن البيهقي ج6 ص363.
([280]) طبقات ابن سعد ج5 ص288 ط أوربا.
([281]) نفس المصدر.
([282]) مستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي بهامشه ج3 ص442، وطبقات ابن سعد ط أوربا ج7 ص18، والإستيعاب ج1 ص118، وأسد الغابة ج2 ص36، والطبري ط أوربا ج2 ص111، وابن الأثير ط أوربا ج3 ص391، والذهبي ج2 ص220، وابن كثير ج8 ص47.
([283]) تهذيب التهذيب ج2 ص437، ومستدرك الحاكم ج3 ص442.
([284]) راجع ذلك في طبقات ابن سعد ج5 ص281، 285، 287، 289، والخراج ص25، وسنن النسائي باب قسم الفيء ج2 ص178.
([285]) بداية المجتهد حكم الخمس ج1 ص401.
([286]) المغني لابن قدامة ج7 ص351 باب قسمة الفيء والغنيمة.
([287]) الأحكام السلطانية للماوردي باب قسم الفيء ص126، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص125.
([288]) تاريخ الخميس ج1 ص406.
([289]) تاريخ الخميس ج1 ص406.
([290]) ذخائر العقبى ص163.
([291]) راجع: طبقات ابن سعد ج8 ص24 و 25، والإصابة ج4 ص304، ووفاء الوفاء ج3 ص895، ومنحة المعبود في تلخيص مسند الطيالسي ج1 ص159، وليراجع قاموس الرجال ج10 ص439 عن الكافي.
([292]) راجع المصادر المتقدمة.
([293]) مستدرك الحاكم ج4 ص47، وتلخيصه هامش نفس الصفحة للذهبي، وسكت عنه، وليراجع: الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص301، والإصابة ج4 ص304، وفتح الباري ج3 ص127، ومسند أحمد ج3 ص270 و 229، وعن تاريخ البخاري الأوسط، والروض الأنف ج3 ص127.
([294]) صحيح البخاري ط سنة 1309 ج1 ص152 و 146، ومشكـل الآثـار ج3 = = ص202 و204، والإصابة ج4 ص304، والإستيعاب بهامشها ج4 ص301، والمعتصر من المختصر لمشكل الآثار ج1 ص113 و 114، وسنن البيهقي ج4 ص53، ومستدرك الحاكم ج4 ص47، ومسند أحمد ج3 ص126 و228، وذخائر العقبى ص166، والمصنف لعبد الرزاق ج3 ص414، وعن تاريخ البخاري.
([295]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص301، ونهاية ابن الأثير ج4 ص46، وطبقات ابن سعد ج8 ص26، والإصابة ج4 ص304 و 489 عن أبي عمر وابن سعد، وعن البخاري ولكن قد رأينا أن البخاري لم يصرح بأنها أم كلثوم، نعم قد ذكر الرواية في رقية في تاريخه، ثم ناقشها بما ذكروه. والمواهب اللدنية ج1 ص197 عن البخاري، وفتح الباري ج3 ص127 عنه و 126 عن غيره، والروض الأنف ج3 ص127، وذخائر العقبى ص166.
([296]) الروض الأنف للسهيلي ج3 ص127و 128.
([297]) فتح الباري ج3 ص127.
([298]) المراد: أن الشارع هو الذي أوجب على رسول الله أن يبادر للتصدي والمواجهة.
([299]) المصدر السابق.
([300]) الغدير ج8 ص233.
([301]) قاموس الرجال ج10 ص439.
([302]) قاموس الرجال ج10 ص440 عن تقريب ابن الصلاح.
([303]) راجع: الغدير ج8 ص233 و234.
([304]) راجع: مستدرك الحاكم ج4 ص49، وأسد الغابة ج5 ص612 و613 عن ابن المسيب، وذخائر العقبى ص165 و 166 عن ابن عباس وأبي هريرة، وقال: أخرجهما الفضائلي.
([305]) مستدرك الحاكم ج4 ص48، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، ومجمع الزوائد ج9 ص81، وسيرة مغلطاي ص16 و 17، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص4 عن الحاكم، وابن عساكر.
([306]) الصحيح: سنة اثنتين.
([307]) مستدرك الحاكم ج4 ص48، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة.
([308]) راجع: الغدير ج5 ص326، وج9 ص351 و 352 و 303 و 372 و 374، وموارد أخرى لا مجال لذكرها.
([309]) مجمع الزوائد ج9 ص216 و 217 عن الطبراني. قال الهيثمي: وفيه زهير بن العلاء، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، فالإسناد حسن.
([310]) راجع: ذخائر العقبى ص162، والمواهب اللدنية ج1 ص197 عن الدولابي، وتاريخ الخميس ج1 ص406.
([311]) تاريخ الخميس ج1 ص275 عن الدولابي.
([312]) مناقب ابن شهراشوب ج1 ص22.
([313]) المواهب اللدنية ج1 ص197، وذخائر العقبى ص162.
([314]) مستدرك الحاكم ج4 ص47، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة.
([315]) الإصابة ج4 ص489، والإستيعاب بهامشها ج4 ص487.
([316]) رجال المامقاني ج3 ص73 و74 عن قرب الإسناد، وقاموس الرجال ج10 ص406، وقريب منه خبر الخصال كما في ص407 من القاموس للتستري.
([317]) مستدرك الحاكم ج4 ص49.
([318]) ذخائر العقبى ص165، والمواهب اللدنية ج1 ص197. وقال: أخرجه الخجندي.
([319]) لسان الميزان ج2.
([320]) مستدرك الحاكم ج4 ص44، وقاموس الرجال ج10 ص446، ومجمع الزوائد ج9 ص216، وقال: رواه الطبراني، وهومرسل، ورجاله رجال الصحيح.
([321]) راجع في هذه الرواية: ذخائر العقبى ص157، ومجمع الزوائد ج9 ص212.
([322]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص331.
([323]) قد تقدم في غزوة بدر حين الكلام عن فداء الأسرى، حينما أرسلت زينب بالقلائد بعض ما يعبر عن شخصية أبي جعفر هذا، فراجع.
([324]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص193.
([325]) مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ج3 ص358.
([326]) كفاية الطالب ص413.
([327]) وليراجع كتاب: بانوى كربلاء (فارسي) (ط سنة 1339) هامش ص18 و 19، ودراسات وبحوث في التاريخ والإسلام (للمؤلف) ج1 ص29.
([328]) البدء والتاريخ ج5 ص20.
([329]) ميزان الاعتدال ج1 ص139، ولسان الميزان ج1 ص268.
([330]) الملل والنحل للشهرستاني ج1 ص57 (ط سنة 1387 هـ.) والمطبوع بهامش الفصل في الملل والنحل ج1 ص73 مع تصريحه باسم >المحسن< في هذه الطبعة.
([331]) الفرق بين الفرق ص147و 148.
([332]) مستدرك الحاكم ج4 ص43 و 44، وصححه على شرطهما، وتلخيص المستدرك للذهبي، وقال: إنه حديث منكر.والبداية والنهاية ج3 ص331، وذخائر العقبى ص158، ومجمع الزوائد ج9 ص212 و 213، عن الطبراني في الكبير، وفي الأوسط بعضه، ورواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، وحياة الصحابة ج1 ص379 عن المجمع، وتاريخ الخميس ج1 ص274، ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص267، ومشكل الآثار ج1 ص45.
([333]) مشكل الآثار ج1 ص46 و 47.
([334]) مشكل الآثار ص47 وليراجع ص51.
([335]) المصدر السابق ص53.
([336]) طبقات ابن سعد ج8 ص27 ط صادر، وج 8 ص18 ط ليدن.
([337]) البحار ج43 ص197 عن الاحتجاج، ومرآة العقول ج5 ص321، والعوالم ص225.
([338]) الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص421 و 422، وتاريخ الخميس ج1 ص466 عن السمط الثمين عن أبي عمر، وذكره مغلطاي في سيرته بلفظ قيل.
([339]) تاريخ الخميس ج1 ص466، وراجع سيرة مغلطاي ص55.
([340]) التنبيه والإشراف ص213، وسيرة مغلطاي ص55 وغيره كثير.
([341]) راجع على سبيل المثال: الإصابة ج4 ص459، وتاريخ الخميس ج1 ص466.
([342]) طبقات ابن سعد ج8 ص62، والمواهب اللدنية ج1 ص204، ولم يذكر غير أبي بكر، وأسد الغابة ج5 ص58، والإصابة ج4 ص459.
([343]) مصبية: ذات صبي.
([344]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362.
([345]) الإصابة ج4 ص459، وحديث الإفك ص161 عنه.
([346]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362، والمواهب اللدنية ج1 ص205.
([347]) تاريخ الخميس ج1 ص467، وطبقات ابن سعد ج8 ص66، والإصابة ج4 ص459 عنه.
([348]) راجع: الموفقيات ص131، والجمل ص83 و84، ومقاتل الطالبيين ص42 و43، وقاموس الرجال ج10 ص475.
([349]) المحاسن والمساوي للبيهقي ج1 ص481.
([350]) راجع: قاموس الرجال ترجمة أم سلمة.
([351]) قاموس الرجال ترجمة عمر بن أبي سلمة.
([352]) راجع: ترجمة أم سلمة في طبقات ابن سعد ج8، والمواهب اللدنية ج1 ص205، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362.
([353]) كما ذكره أبوعمر في الإستيعاب، وابن الكمال، وابن الأثير.
([354]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362، والإصابة ج4 ص460.
([355]) راجع مصادر هذه القضية في كتاب: >سيرتنا وسنتنا< للعلامة الأميني، فإنه مشحون بالمصادر لها. والسجود على الأرض للعلامة الأحمدي ص112 و 113 و 114، ففيه مصادر كثيرة أيضاً.
([356]) البداية والنهاية ج8 ص215.
([357]) مجمع الزوائد ج9 ص246.
([358]) مقتل الحسين للمقرم ص355 وسير أعلام النبلاء ج2 ص202.
([359]) مقتل الحسين للمقرم ص355، وسير أعلام النبلاء ج2 ص207 وج3 ص283.
([360]) تهذيب التهذيب ج2 ص356، وتاريخ الخلفاء ص208، وأمالي ابن الشيخ الطوسي ج1 ص89، ومقتل الحسين للمقرم ص355 عنهما وعن: ذخائر العقبى ص148، وسير أعلام النبلاء ج3 ص316.
([361]) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص208، ومجمع الزوائد ج9 ص199 عن الطبراني، وحياة الصحابة ج3 ص742 عنه.
([362]) شـواهـد التنزيـل ج2 ص73 و74 و75 و76 وراجـع ص77 وفي هـامشه، = = ومسند أحمد ج6 ص298، والمعجم الصغير ج1 ص65. وراجع البحار ج45 ص199 عن الطرائف لابن طاووس ص26 ج1، ومشكل الآثار ج1 ص335.
([363]) الإصابة ج4 ص460.
([364]) راجع: الإصابة ج4 ص460، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362، ومرآة الجنان ج1 ص137، والبداية والنهاية ج8 ص215، وتاريخ الخميس ج1 ص467، وغير ذلك.
([365]) طبقات ابن سعد ج8 ص57 و 58، وليراجع الإصابة ج4 ص273، والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص268 و 300.
([366]) المواهب اللدنية ج1 ص97، وذخائر العقبى ص165.
([367]) سيرة المصطفى ص467.
([368]) مجمع الزوائد ج9 ص15 عن الطبري بأسناد حسن، وفي الصحيح بعضه بغير سياقه، وحياة الصحابة ج2 ص706 عن الترمذي في الشمائل ص25.
([369]) الآية24 من سورة التوبة.
([370]) راجع كتاب: حديث الإفك ص165 للمؤلف.
([371]) صحيح مسلم ج4 ص165، والجامع لأحكام القرآن ج18 ص190.
([372]) مع المفسرين والمستشرقين في زواج النبي "صلى الله عليه وآله" بزينب بنت جحش ص104.
([373]) أسد الغابة ج5 ص426، والإصابة ج4 ص273، والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص269، ومجمع الزوائد ج9 ص244 عن الطبراني.
([374]) راجع هذه النصوص في: أسد الغابة ج5 ص426، ومجمع الزوائد ج9 ص244 عن الطبراني ورجاله رجال الصحيح، والإصابة ج4 ص273 عن أبي يعلى، وراجع سيرة مغلطاي ص48.
([375]) طبقات ابن سعد ج8 ص58 و59، ومجمع الزوائد ج9 ص244 عن البزار والطبراني، وأسد الغابة ج5 ص425، والإستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص269، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص238.
([376]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص244 عن الطبراني في الأوسط، وفي السند من لم يعرفهم، وفي ص245 ما يقرب من هذا النص، وقال: إن رجاله رجال الصحيح. وتاريخ الخميس ج1 ص416 و 417، وطبقات ابن سعد ج8 ص58.
([377]) الآية 61 من سورة التوبة.
([378]) الآية 57 من سورة الأحزاب.
([379]) راجع بعض قضاياها في بيت النبي >صلى الله عليه وآله< في ترجمتها في كتاب قاموس الرجال، وكتاب عائشة للعلامة العسكري وغير ذلك.
([380]) الخلوق: نوع من الطِيب.
([381]) راجع: البحار ج43 ص239، وتاريخ الخميس ج1 ص418، فيظهر: أنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم، فهو >صلى الله عليه وآله< هنا ينهى عن ذلك.
([382]) البحار ج43 ص241، وعلل الشرايع ج1 ص137، ومعاني الأخبار ص57، وتاريخ الخميس ج1 ص418، وغير ذلك. وليراجع مناقب ابن شهر آشوب، عن مسند أحمد، وتاريخ البلاذري، وفردوس الديلمي.
ويقول بعض المحققين: إنه لم يجد في التوراة اسم شبر وشبير لابني هارون، وقد ذكرت قصة أبناء هارون مفصلاً.
([383]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص418 عن أحمد، وابن أبي حاتم، والبحار ج43 ص254 و 255 عن كشف الغمة، والأخبار الدخيلة ص13، وعيون أخبار الرضا ج2 ص25.
([384]) تاريخ الخميس ج1 ص417 و 418، وذخائر العقبى، والبحار ج43 ص255.
([385]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص81.
([386]) الأخبار الدخيلة ص13و 14 عن العيون ص195.
([387]) راجع: الأخبار الدخيلة ص13 و 14.
([388]) البحار ج43 ص252 و 253 عن المناقب عن أبي الحسين النسابة، وتاريخ الخميس ج1 ص418، وليراجع أسد الغابة أيضاً.
([389]) راجع: البحار ج43 ص242 و255، وتاريخ الخميس ج1 ص418 و 419 عن الدولابي والبغوي في معجمه، والإصابة ج3 ص227 وج4 ص487 عن ابن سعد بسند جيد، وقاموس الرجال ج7 ص284 عن نسب مصعب الزبيري.
([390]) راجع: الإصابة ترجمة قثم.
([391]) البحار ج43 ص242 و 243 عن أمالي الصدوق، وعن المناقب، وقال: أخرجه القيرواني في التعبير، وصاحب فضائل الصحابة، والمناقب لابن شهر آشوب ج4 ص70، وروضة الواعظين ص154.
([392]) تاريخ الخميس ج1 ص411.
([393]) راجع: سيرة مغلطاي ص17. والقول الأخير يدل على أنها ولدت قبل البعثة بحوالي12 سنة ولم يقل بذلك أحد.
([394]) مستدرك الحاكم ج2 ص167 و 168، وسكت عنه الذهبي في تلخيص المستدرك، وسنن النسائي ج6 ص62، والخصائص للنسائي ص114، وتذكرة الخواص ص306 و 307، ومناقب آل أبي طالب ج3 ص345.
([395]) البحار ج43 ص108 و140 عن ابن بطة في الإبانة وعن غيره، وكفاية الطالب ص302 و 303، وكشف الغمة ج1 ص368.
([396]) صحيح ابن حبان، مخطوط في مكتبة: >قبوسراي< في إستانبول، وسنن النسائي ج6 ص62، ومستدرك الحاكم ج2 ص167، لم يتعقبه الذهبي، والسيرة الحلبية ج2 ص206، وتاريخ الخميس ج1 ص361، وكفاية الطالب ص304، وفضائل الخمسة ج2 ص133، والرياض النضرة ج3 ص142 و 145 وعن ابن عساكر ص79 عن أبي الحسن بن شاذان، وعن علي بن سلطان في مرقاته ج5 ص574 في الشرح، وليراجع ص142 ـ 145. والبحار ج43 ص107 و 108 عن البلاذري في التاريخ، وابن شاهين في فضائل الأئمة ص125 و 136 و 140 وقال في ص108: >قد اشتهر في الصحاح بالأسانيد عن أمير المؤمنين، وابن عباس، وابن مسعود، وجابر الأنصاري، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، وأم سلمة، بألفاظ مختلفة، ومعاني متفقة: أن أبا بكر، وعمر، خطبا إلى النبي >صلى الله عليه وآله< فاطمة مرة بعد أخرى، فردهما<.
وكذلك فليراجع: ذخائر العقبى ص27 ـ 30، ودلائل الصدق ج2 ص289 ـ292، وأسد الغابة ج5 ص520، واللآلي المصنوعة ج1 ص365، وطبقات ابن سعد ج8 ص11، ومجمع الزوائد ج9 ص204 عن البزار، والطبراني، ورجاله ثقات وص205 عن الطبراني أيضاً، وشرح النهج ج13 ص228 وليراجع ص227 وقال: >وقد روى هذا الخبر جماعة من الصحابة، منهم: أسماء بنت عميس، وأم = = أيمن، وابن عباس، وجابر بن عبد الله< والصواعق المحرقة ط سنة1375 ه‍ ص139 و140 و161 عن أحمد، وابن أبي حاتم، وأبي الخير القزويني والحاكمي، وأبي داود السجستاني، وكشف الغمة ج1 ص353 و364 عن علي وأم سلمة وسلمان، ومناقب الخوارزمي ص247، وجلاء العيون ج1 ص158 عن أمالي الشيخ، وكنز العمال ج15 ص199 و286 و288 عن ابن جرير، وأبي نعيم، وقال: إن الدولابي صححه في الذرية الطاهرة.
([397]) راجع: المصادر المتقدمة؛ فإن كثيراً منها قد صرح بذلك.
([398]) راجع المصادر المتقدمة فإن كثيراً منها قد صرح بذلك.
([399]) راجع المصادر المتقدمة فإن كثيراً منها قد صرح بذلك.
([400]) البحار ج43 ص92.
([401]) كنوز الحقائق للمناوي بهامش الجامع الصغير ج2 ص75 عن الفردوس للديلمي، وكشف الغمة ج2 ص98، والبحار ج43 ص141 ـ 145 وينابيع المودة ج2 ص67 و 80 و 244 و 286.
([402]) حياة الإمام الحسن >عليه السلام< للقرشي ج1 ص15.
([403]) راجع: ذخائر العقبى ص325، وحياة الإمام الحسن >عليه السلام< للقرشي ج1 ص86 و 87 والزهد والرقائق ص355، ومجمع الزوائد ج9 ص209.
([404]) ذخائر العقبى ص30، وراجع شرح نهج البلاغة ج9 ص193.
([405]) ذخائر العقبى ص169، وقريب منه ما في شرح نهج البلاغة ج12 ص106.
([406]) كان ما تقدم هو كلام الشيخ آل ياسين في كتابه الإمام علي بن أبي طالب >عليه السلام< سيرة وتاريخ ص27.
([407]) طبقات ابن سعد ج8 ص12، ومجمع الزوائد ج9 ص204 عن البزار، واللآلي المصنوعة ج1 ص365 عن العقيلي، والطبراني. وروى الحديث في الإصابة ج1 ص374 عن الطبراني بنفس السند ونفس الراوي مع حذف كلمة >لست بدجال< وهذا يعبر عن مدى إنصاف وأمانة العسقلاني في النقل!!!.
([408]) طبقات ابن سعد ج8 ص12.
([409]) مجمع الزوائد ج9 ص204.
([410]) اللآلي المصنوعة ج1 ص365، والضعفاء الكبير ج4 ص165.
([411]) تهذيب التهذيب ج10 ص366 و 367.
([412]) الإصابة ج1 ص374.
([413]) السيرة الحلبية ج2 ص207، وراجع: المصنف للصنعاني ج5 ص486، والنهاية في اللغة ج1 ص14.
([414]) مجمع الزوائد ج9 ص207، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص486، ومناقب الخوارزمي ص243، وكثير من المصادر المتقدمة، حين ذكر خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.
([415]) شرح النهج للمعتزلي ج10 ص276. وصبح الأعشى ج1 ص287، ونهاية الأرب ج7 ص220، وعن محاضرة الأبرار ج2 ص102 ـ 115، ونشرها إبراهيم الكيلاني مع رسالتين لأبي حيان في دمشق سنة1951.
([416]) شرح النهج للمعتزلي ج10 ص285 ـ 287.
([417]) السيرة الحلبية ج2 ص206، وليراجع: كشف الغمة ج1 ص267 عن مناقب الكنجي، وكنز العمال ج15 ص95، ومستدرك الحاكم ج3 ص129، ومجمع الزوائد ج9 ص112، ونزهة المجالس ج2 ص226، وتاريخ بغداد ج4 ص195.
([418]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص490، وأخرجه الطبراني، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص104، وراجع ما ذكره المحمودي في هامشه.
([419]) مناقب الخوارزمي ص256 و 205، وكشف الغمة ج1 ص362 عن المناقب، وليراجع: البحار ج43 ص99 عن تفسير القمي، وجلاء العيون ج1 ص170 و 171 عنه أيضاً.
([420]) نعم، إنها تتألم وتحزن لهذا الإسفاف في التفكير، ولهذه النفوس المريضة، ولهذه الروح الشريرة التآمرية.
([421]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص226 و 227.
([422]) راجع الغدير ج2 ص317 و 318 والعبدي عاش في عهد الإمام الصادق >عليه السلام<.
([423]) مناقب الخوارزمي ص205، وراجع ص256 أيضاً.
([424]) الغدير ج4 ص89، وأعيان الشيعة ج25 ص108 لكن فيه: أنه يرد بهذه الأبيات على مروان بن أبي حفصة.
([425]) كفاية الطالب ص307 و 308، وكشف الغمة للأربلي ج1 ص73 عنه.
([426]) كشف الغمة ج1 ص316 و 317.
([427]) راجع: الإستيعاب هامش الإصابة ج4 ص421 و 422، وتاريخ الخميس ج1 ص466، عن السمط الثمين، وسيرة مغلطاي، وغير ذلك.
([428]) البحار ج43 ص126 عن كشف الغمة، ومناقب الخوارزمي ص248 و249 و253.
([429]) السيرة الحلبية ج2 ص206، وللرواية نص آخر يخالفهـا كثيراً في منـاقب الخوارزمي ص252، والغدير ج9 ص376.
([430]) الغدير ج5 ص322 وج9 ص376.
([431]) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص135، ومجمع الزوائد ج9 ص209 عن الطبراني، ورجاله رجال الصحيح.
وفيه في رواية أخرى لكن الجواب ليس موجوداً. وحياة الصحابة ج2 ص46 عن الهيثمي، والصواعق المحرقة ص84، وحياة الإمام الحسن >عليه السلام< للقرشي ج1 ص19 عنه، وعن البحار ج10 ص31.
([432]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص225 عن الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث وص226 عن أحمد.
([433]) البخاري ط سنة1309 ج2 ص120 كتاب الخمس حديث1 وكتاب المغازي باب12 وكتاب المساقاة، وصحيح مسلم كتاب الأشربة ج6 ص85 و 86، ومسـنـد أحمـد ج1 ص142، والبـدايـة والنهاية ج3 ص245، والإصابة ج4 = = ص378، والسيرة الحلبية ج2 ص161، وتفسير البرهان ج1 ص498، وتفسير الميزان ج6 ص131 كلاهما عن العياشي، وراجع: مشكل الآثار ج2 ص287. وبهجة المحافل ج1 ص279 وشرحه للأشخر اليمني، والجامع لأحكام القرآن ج6 ص287، وغرائب القرآن مطبوع بهامش جامع البيان ج7 ص29 و30 و31، وأسباب النزول ص118 و119 ومدارك التنزيل للخازن ج1 ص147. ولكن النص الموجود في المصادر الأخيرة قد ذكر نزول آية سورة المائدة في هذه المناسبة، مع وجود مخالفة ظاهرة للرواية المذكورة في المتن أعلاه. مع أن سورة المائدة قد نزلت بعد سنوات من استشهاد حمزة في حرب أحد. وذلك ظاهر؛ لأنها إنما نزلت في أواخر حياة النبي >صلى الله عليه وآله<. فراجع: الدر المنثور ج2 ص252 عن مصادر كثيرة.
([434]) راجع: البحار ج20 ص114 و 115 عن المجالس والأخبار ص57 و 58، وتفسير العياشي ج1 ص339 و 340.
([435]) مغازي الواقدي ج1 ص211، وشرح النهج ج14 ص224.
([436]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص113.
([437]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص4 و113، وشرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص279، وأسنى المطالب ص58.
([438]) أسد الغابة ج3 ص113، وراجع: شرح بهجة المحافل للأشخر اليمني ج1 ص279، وعن عباس بن مرداس راجع: الإصابة ج2 ص272.
([439]) راجع: الغدير ج6 ص95 ـ 103.
([440]) المنمق ص531 و 532، وراجع: شرح بهجة المحافل ج1 ص279.
([441]) الصواعق المحرقة ص73 عن ابن عساكر، وقال ابن حجر: وهو مرسل غريب سنداً ومتناً.
([442]) أسد الغابة ج3 ص113.
([443]) راجع تاريخ الخميس ج1 ص468، وج2 ص26 عن ابن إسحاق والمنتقى والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص200، وفتح الباري ج10 ص25 والسيرة الحلبية ج2 ص261، والغدير ج7 ص101 عن الإمتاع للمقريزي ص93 وغيره، وراجع: بهجة المحافل ج1 ص278.
([444]) راجع تاريخ الخميس ج2 ص26، وفتح الباري ج10 ص25، والسيرة الحلبية ج2 ص261، والغدير ج7 ص101.
([445]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص285 وراجع فتح القدير ج2 ص75، وتاريخ الخميس ج2 ص26 عن أسد الغابة، والسيرة الحلبية ج1 ص261.
([446]) فتح الباري ج8 ص209، وج10 ص25.
([447]) الفائق للزمخشري ج1 ص310.
([448]) الآية219 من سورة البقرة. وهذا هو ما اختاره الجصاص والقرطبي فراجع: الغدير ج7 ص101 وج6 ص254 و 255.
([449]) تاريخ بغداد ج8 ص358، والدر المنثور ج1 ص252، والغدير ج7 ص101 عنهما.
([450]) الغدير ج7 ص101 عن أوائل السيوطي ص90، والبحار ج2 ص127، وقصار الجمل ج1 ص183 وج2 ص23 و 12، وراجع ص22 عن الوسائل العشرة باب 126 ج8.
([451]) مجمع الزوائد ج5 ص53 عن البزار والطبراني، والبحار ج2 ص127 بسند صحيح، والمستطرف ج2 ص220.
([452]) راجع: مجمع الزوائد ج5 ص53 عن الطبراني، وليراجع: سيرة المصطفى ص369، والدر المنثور ج2 ص326 عن البيهقي.
([453]) تفسير الميزان ج16 ص163.
([454]) الكافي ج6 ص395، وليراجع باب: >أصل تحريم الخمر: والتهذيب للشيخ<.
([455]) الثقات لابن حبان ج1 ص69.
([456]) الآية 33 من سورة الأعراف.
([457]) الكافي للكليني ج6 ص406.
([458]) راجع في هذه الأشعار، كلا أو بعضاً: مجمع البيان في تفسير الآية في سورة الأعراف، ولسان العرب ج2 ص272، وتاج العروس ج8 ص179، وفتح القدير ج2 ص201، والغدير ج6 ص254.
([459]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص138.
([460]) السيرة الحلبية ج1 ص113.
([461]) قاموس الرجال ج2 ص369 عن الأمالي.
([462]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص292.
([463]) سيرة ابن هشام ج2 ص25 ـ 28، والأغاني ط ساسي ج8 ص85 و 86، والبداية والنهاية ج3 ص101 و 102، والروض الأنف ج2 ص136، وسيرة مغلطاي ص25، وتفسير الميزان ج6 ص134، والسيرة الحلبية ج2 ص262، ومحاضرات الأدباء المجلد الثاني ص418، والشعر والشعراء لابن قتيبة ص135.
([464]) راجع: الروض الأنف ج2 ص136، والبداية والنهاية ج3 ص103، وسيرة مغلطاي ص25.
([465]) الأغاني ط ساسي ج8 ص86، والشعر والشعراء ص136.
([466]) الروض الأنف ج2 ص136، والسيرة الحلبية ج2 ص262، وليراجع البداية والنهاية ج3 ص103.
([467]) الأغاني ج8 ص86، والشعر والشعراء ص136.
([468]) راجع: بهجة المحافل ج1 ص278.
([469]) راجع: الدر المنثور وتفسير الطبري، وجميع التفاسير، في آيات الخمر في سورة البقرة، والأعراف والنساء والمائدة، وجميع كتب الحديث في أبواب الأشربة حين الكلام على تحريم الخمر.. والغدير للعلامة الأميني ج7 ص95 ـ 103 وج6 ص251 ـ 261.
([470]) راجع حول شرب الصحابة أو بعضهم للخمر: الدر المنثور ج2 ص321 و 322 و325، والكامل في التاريخ ج2 ص569.
([471]) الطبقات الكبرى (ط ليدن) ج6 ص175.
([472]) الآية91 من سورة المائدة.
([473]) المستطرف ج2 ص220، وتفسير البرهان ج1 ص370 و 498، والميزان ج1 ص136، والغدير ج6 ص251 عن الزمخشري في ربيع الأبرار في باب اللهو واللذات، والقصف واللعب. والرواية من دون تصريح بالاسم موجودة في تفسير جامع البيان ج2 ص211 ونقلت الرواية عن: مسند أحمد ج1 ص53، = = وسنن النسائي ج8 ص287، وتاريخ الأمم والملوك ج7 ص22، وسنن البيهقي ج8 ص285، وأحكام القرآن ج2 ص245، ومستدرك الحاكم ج2 ص278، والجامع لأحكام القرآن ج5 ص200، وتفسير الخازن ج1 ص513، وفتح الباري ج8 ص225، والدر المنثور ج1 ص252.
([474]) راجع في هذه المصادر الغدير ج6 ص252 و 253، وفتح الباري ج10 ص25.
([475]) راجع: الموطأ (المطبوع مع تنوير الحوالك) ج3 ص89، والدر المنثور في تفسير الآيات المشار إليها، وأي كتاب تفسيري، أوحديثي آخر، ولا سيما كتاب الغدير للعلامة الأميني الجزء الخامس والسادس والسابع، والمبسوط ج24 ص7 و8، وكنز العمال ج2 ص109، وعن محاضرات الراغب ج1 ص319، والسنن الكبرى ج8 ص299، والغدير ج6 ص257، والطبقات الكبرى ج6 ص97، وإزالة الخفاء، والطبقات الكبرى ج3 ص341 و355 و354 و346 و351 و352، والإمامة والسياسة ج1 ص26، وتاريخ الأمم والملوك ج5 ص13، والإستيعاب (هامش الإصابة) ج2 ص269، وأسد الغابة ج4 ص75 و76، وتاريخ الخميس ج2 ص249، وتاريخ الخلفاء ص134، والكامل في التاريخ ج3 ص51، والرياض النضرة ج2 ص91 و 93 و 95، وحياة الصحابة ج2 ص306.
([476]) جامع مسانيد أبي حنيفة ج2 ص192، والآثار للشيباني ص226، والسنن للنسائي ج8 ص326، وأحكام القرآن ج2 ص565، وراجع فتح الباري ج10 ص34.
([477]) راجع: فتح الباري ج10 ص34، ولسان الميزان ج3 ص27، وربيع الأبرار ج4 ص63، وراجع: مصنف الحافظ عبد الرزاق ج9 ص224، والعقد الفريد ط دار الكتاب ج6 ص369، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص464، وحاشية ابن التركماني على سنن البيهقي المطبوعة معه ج8 ص306، والغدير ج6 ص257 / 258 عنه، وعن كنز العمال ج8 ص110.
([478]) راجع: فتح الباري ج10 ص33.
([479]) راجع: روض الأخيار المنتخب من ربيع الأبرار ص142.
([480]) الإصابة ج4 ص22، ونوادر الأصول ص66، وراجع: فتح القدير ج1 ص472 عن ابن المنذر، وذكر الطبري الرواية محرفة في تفسيره.
([481]) الإصابة ج4 ص22.
([482]) البحار ج63 ص487، وج76 ص131 ط مؤسسة الوفاء.
([483]) الصواعق المحرقة ص73 عن ابن عساكر بسند صحيح.
([484]) الصواعق المحرقة ص73 عن أبي نعيم بسند جيد، وفتح الباري ج10 ص31.
([485]) نوادر الأصول ص66، والمصنف ج11 ص266 و 267، والإصابة ج4 ص22، والصواعق المحرقة ص73.
([486]) كنز العمال ج15 ص97 عن ابن عساكر، وراجع: أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص152 و 114، وترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج3 ص242، وفي هامشه عن كتاب الرجال لأحمد بن حنبل ج1 ص313 ط1.
([487]) التراتيب الإدارية ج1 ص211.
([488]) نوادر الأصول ص66.
([489]) الغدير ج7 ص96.
([490]) فتح الباري ج10 ص31، والغدير ج7 ص97/98.
([491]) فتح الباري ج10 ص31، والغدير ج7 ص97/98.
([492]) وراجع: ترجمة سعيد بن ذي لعوة في لسان الميزان، وغيره وراجع: الغدير ج6 ص251 ـ 261، وج7 ص95 ـ 103، وجميع كتب الحديث في أبواب الخمر، وجميع كتب التفسير في تفسير الآيات، وغير ذلك.
([493]) صحيح ابن حبان (مخطوط في مكتبة قبوسراي في إستانبول) ترجمة علي >عليه السلام<، وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص93، والغدير ج10 ص202، وج4 ص278، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، وترجمة علي >عليه السلام< من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص159.
([494]) المصنف للصنعاني ج5 ص217 وغيره، والبحار ج73 ص223 و325 عن قرب الإسناد ص76.
([495]) الآية43 من سورة النساء.
([496]) الدر المنثور ج2 ص164 و 165 عن عبد بن حميد وأبي داود، والترمذي وصححه، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس، والحاكم وصححه، ومستدرك الحاكم ج4 ص142 وليس فيه تصريح بأن علياً >عليه السلام< قد شربها معهم، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص200 عن الترمذي والجامع الصحيح للترمذي ج5 ص238، وراجع جامـع البيـان = = للطبري ج2 ص312، وج5 ص61، وفتح القدير ج1 ص472، وتفسير ابن كثير ج1 ص500، ولباب النقول ص63، وتفسير الخازن ج1 ص358، وراجع: بهجة المحافل ج1 ص278 و79 وليس فيه تصريح بالاسم لكن صرح به الأشخر اليمني في شرحه بهامشه، وكنز العمال ج2 ص248، ورمز للعديد من المصادر المتقدمة وعن سعيد بن منصور.
([497]) الدر المنثور ج2 ص165 عن ابن المنذر، وفتح القدير ج1 ص472.
([498]) الدر المنثور ج2 ص165 عن ابن جرير، وابن المنذر، وجامع البيان للطبري ج5 ص61، وتفسير ابن كثير ج1 ص500 قال: وهكذا رواه أبو داود والنسائي.
([499]) مستدرك الحاكم ج2 ص308 وج4 ص142، وتلخيص الذهبي بهامشه، وراجع تفسير ابن كثير ج1 ص500 عن ابن أبي حاتم.
([500]) راجع: سنن أبي داود ج3 ص225، وتفسير الخازن ج1 ص358.
([501]) أسباب النزول ص87، وجامع البيان للطبري ج2 ص212.
([502]) راجع: تفسير القرطبي ج5 ص200، والغدير ج6 ص252 و 253 عنه، وجامع البيان للطبري ج7 ص22، وتفسير النيسابوري بهامشه ج2 ص322، وتفسير الرازي ج6 ص40.
([503]) تفسير الطبري ج2 ص211.
([504]) تلخيص المستدرك للذهبي بهامش نفس المستدرك ج4 ص142.
([505]) تفسير جامع البيان للطبري ج5 ص61، وراجع: تفسير ابن كثير ج1 ص500، وتفسير الرازي ج10 ص107، وتفسير الخازن ج1 ص146، وتفسير النسفي بهامشه، والكشاف ج1 ص513 و260، وغير ذلك.
([506]) روايته موجودة أيضاً ـ عدا عما تقدم ـ في البحار ج2 ص127 ح4، وقصار الجمل ج1 ص183، وج2 ص23 و 12 وراجع ص22، عن الوسائل العشرة باب 136 ح8.
([507]) رواية أم سلمة توجد أيضاً في الدر المنثور ج2 ص326 عن البيهقي.
([508]) السيرة الحلبية ج2 ص261.
([509]) فتح القدير ج2 ص75، وتاريخ الخميس ج2 ص27 عن المواهب اللدنية.
([510]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج5 ص1، والغدير ج8 ص11 عنه، وراجع: الإتقان ج1 ص12.
([511]) الآية43 من سورة النساء.
([512]) راجع: نور الثقلين ج1 ص400 و 401، وتفسير البرهان ج1 ص370، ومجمع البيان ج3 ص52، وقول الضحاك في مختلف تفاسير أهل السنة فعدا عما تقدم راجع تفسير الخازن ج1 ص359، وتفسير الرازي ج10 ص109، وتفسير ابن كثير ج1 ص500، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص201، وعن ابن جرير، وابن أبي حاتم.
([513]) تفسير البرهان ج1 ص500 عن ابن شهراشوب، عن القطان في تفسيره..
([514]) مستدرك الحاكم ج2 ص307.
([515]) أحكام القرآن للجصاص ج2 ص201.
([516]) راجع الغدير ج6 هامش ص254، والدر المنثور ج2 ص315 و317 و318.
([517]) الغدير ج6 هامش ص253، وأشار إلى مصدرين لما ذكره وهما: الإستيعاب ج2 ص482، والدر المنثور ج2 ص315.
([518]) ويقال: اسمها العوراء. ويقال: جرهمة. ويقال: جميلة. ويقال: الحيفاء. راجع فتح الباري ج7 ص68.
([519]) راجع هذه النصوص في: صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف. وكتاب الخمس وكتاب المناقب، وصحيح مسلم ج7 ص141، وفي فضائل فاطمة، ومسند أحمد ج4 ص328، وحلية الأولياء ج2 ص40، وسنن البيهقي ج7 ص64، ومستدرك الحاكم ج3 ص158 و159، وغوامض الأسماء المبهمة ص340 و 341، وسنن ابن ماجة ج1 ص616، وأسد الغابة ج5 ص521، والمصنف ج7 ص301 و 302 و 300 بعدة نصوص، وفي هامشه عن عدد من المصادر، ونسب قريش ص87 و 312، وفتح الباري ج7 ص6، وج9 ص286، وتهذيب التهذيب ج7 ص90، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص88 و 51 وج4 ص64ـ 66، ومحاضرة الأدباء المجلد الثاني ص234، والسيرة الحلبية ج2 ص208، وتلخيص الشافي ج2 ص276، ونقل عن سنن أبي داود ج2 ص326، وراجع: المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص4، ونزل الأبرار ص82 و83، وفي هامشه عن صحيح البخاري ج2 ص302 و189 وج3 ص265، وعن الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص698.
([520]) فتح الباري ج9 ص286.
([521]) مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص365.
([522]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص65.
([523]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص4.
([524]) راجع: مجمع الزوائد ج9 ص128 عن الطبراني، وخصائص النسائي ص102 و 103، ومشكل الآثار ج4 ص160، ومسند أحمد ج5 ص359 و 350 و 351، وسنن البيهقي ج6 ص342 وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج6 ص294، وسنن الترمذي ج5 ص632 و 639، وكنز العمال ج15 ص124 و 125 و126 ـ 271، ومناقب الخوارزمي الحنفي ص92، ومستدرك الحاكم ج3 ص110 و 111 على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه وسكت عنه، والبداية والنهاية ج7 ص344 و345 عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج3 ص216 عن بعض من تقدم، وعن كنز العمال ج6 ص152 و 154 و 300، وعن نزل الأبرار للبدخشي ص22، والرياض النضرة ج3 ص129 و 130، وعن مصابيح السنة للبغوي ج2 ص257. والبحر الزخار ج6 ص435، وجواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي.
([525]) إرشاد المفيد ص93، وقاموس الرجال ج2 ص173 عنه.
([526]) الآية115 من سورة طه.
([527]) شرح النهج للمعتزلي ج12 ص51، ومنتخب كنز العمال ج5 ص229 بهامش مسند أحمد، وحياة الصحابة ج3 ص249 عنه عن الزبير بكار في الموفقيات، وقاموس الرجال ج6 ص25.
([528]) شرح النهج للمعتزلي ج12 ص88.
([529]) راجع: تلخيص الشافي ج2 ص277.
([530]) كما احتمله العسقلاني في فتح الباري ج9 ص287.
([531]) تلخيص الشافي ج2 ص277.
([532]) طبقات ابن سعد ج8 ص191.
([533]) تلخيص الشافي ج2 ص278.
([534]) فتح الباري ج7 ص68.
([535]) راجع: الوسائل ج18 ص175 والتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري "عليه السلام" ص673 و 674.
([536]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص174.
([537]) فتح الباري ج7 ص69، وراجع: ج9 ص287.
([538]) مستطرفات السرائر ص470.
([539]) محاضرات الأدباء المجلد الثاني ص234.
([540]) راجع: تلخيص الشافي ج2 ص276 ـ 279، ومقالاً للشيخ إبراهيم الأنصاري في مجلة الهادي سنة5 عدد2 ص30 ـ 33 بعنوان أسطورة تزوج علي ببنت أبي جهل، وتنزيه الأنبياء للسيد المرتضى ص168.
([541]) تنزيه الأنبياء ص169، وراجع: تلخيص الشافي ج2 ص279.
([542]) راجع: مقال الأنصاري في مجلة الهادي سنة5 عدد2 ص32.
([543]) فتح الباري ج9 ص286. راجع: مقال الأنصاري أيضاً.
([544]) راجع مقال الأنصاري أيضاً.
([545]) تنزيه الأنبياء ص167، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص64 و 65.
([546]) كنز العمال ج16 ص280 عن أبي يعلى، والمصنف ج7 ص301، وفتح الباري ج9 ص286 بأسناد صحيح عن الحاكم.
([547]) الوسائل ج3 ص215 أبواب القبلة باب2 حديث1 و2 و12 و17، وفي هوامشها إشارة إلى مواضع عديدة من الكتاب وإلى مصادر كثيرة أيضاً. وراجع أيضا: قصار الجمل ج2 ص121.
([548]) قصار الجمل ج2 ص21، ووسائل الشيعة ج3 ص220.
([549]) الآية 144 من سورة البقرة.
([550]) الآية 142 من سورة البقرة، وراجع فيما تقدم: البحار ج19 ص114 و 195 و 202، وإعلام الورى ص71، وتفسير القمي ج1 ص63، وراجع أيضاً: السيرة الحلبية ج2 ص128 ـ 130، وتفسير الميزان ج1 ص333 و 334 عن الفقيه، ومجمع البيان، والوسائل ج3 أبواب القبلة، الباب الأول والثاني.
([551]) تفسير الميزان ج1 ص333، وليراجع: البحار ج19 ص197.
([552]) راجع: الوسائل ج3 ص216.
([553]) أسد الغابة ج1 ص173 و 174، والإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص136 و 137، وقاموس الرجال ج2 ص160 و167.
([554]) الوسائل ج3 ص216، والتهذيب ج1 ص44.
([555]) الوسائل ج3 ص219، ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص178.
([556]) السيرة الحلبية ج2 ص200.
([557]) المصدر السابق.
([558]) السيرة الحلبية ج2 ص201.
([559]) البحار ج19 ص228، وطبقات ابن سعد ج4 قسم1 ص73، والبداية والنهاية ج3 ص208، ومستدرك الحاكم ج3 ص32، ومجمع الزوائد ج6 عن البزار والطبراني، وحياة الصحابة ج3 ص587 و 588 عنهم، وعن دلائل أبي نعيم ص170.
([560]) تاريخ الخميس ج1 ص298.
([561]) الآيات من أول سورة الروم.
([562]) راجع: الدر المنثور ج5 ص150 و 151 عن أحمد، والترمذي، وحسنه النسائي، وابـن المنـذر، وابـن أبي حاتم، والطبراني في الكبير، والحاكم وصححه، وابـن = = مردويه، والبيهقي في الدلائل، والضياء في المختارة، وتاريخ الخميس ج1 ص298، والبداية والنهاية ج3 ص108، وحياة الصحابة ج3 ص69 عن بعض من تقدم وعن ابن جرير، وتفسير ابن كثير ج3 ص422، وغير ذلك.
([563]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص108.
([564]) تفسير الميزان ج16 ص163، وللوقوف على المزيد من التناقضات، راجع: الدر المنثور ج5 ص150 ـ 153 عن مصادر أخرى غير ما قدمناه في هامش الصفحة السابقة، مثل ما نقله عن: ابن جرير، وأبي يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر، والترمذي وصححه، والدارقطني في الأفراد، والطبراني، وأبي نعيم في الدلائل، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن الحكم في فتوح مصر، وحياة الصحابة ج3 ص69.
([565]) الآية 90 من سورة المائدة.
([566]) الآية 23 من سورة الأعراف.
([567]) تفسير الميزان ج16 ص163 و 164.
([568]) الغدير ج3 ص208 عن أبي نعيم في فضائل الصحابة. ورواه السمهودي في وفاء الوفاء ج2 ص477 عن يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن عبد الله بن مسلم الهلالي عن أخيه، واللآلي المصنوعة ج1 ص352.
([569]) ملحقات إحقاق الحق ج5 ص560 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص421 عن أبي سعد في شرف النبوة، واللآلي المصنوعة ج1 ص346.
([570]) الدر المنثور ج6 ص122، والإصابة ج1 ص373، وإحقاق الحق ج5 ص570 عن أرجح المطالب ص421 عن ابن مردويه، وفضائل الخمسة ج2 ص149.
([571]) كنز العمال ج15 ص155 و156 عن البزار، ووفاء الوفاء ج2 ص478، ومجمع الزوائد ج9 ص115 بإسناد رجاله ثقات، إلا حبة العرني وهو ثقة، وذكره الأميني في الغدير ج3 ص209 عن المجمع، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص346.
([572]) مناقب الإمام علي لابن المغازلي ص254 و255، والطرائف لابن طاووس ص62، وكشف الغمة ج1 ص331 و 332، وعمدة ابن بطريق ص178، ونقله في إحقاق الحق ج5 ص568 و 569 عن المناقب لعبد الله الشافعي، وعن أرجح المطالب ص415 عن ابن مردويه وابن المغازلي.
([573]) وفاء الوفاء ج2 ص478 و 479 عن ابن زبالة، ويحيى.
([574]) مستدرك الحاكم ج3 ص117، وراجع: وفاء الوفاء ج2 ص479 عن يحيى، وكشف الغمة ج1 ص332.
([575]) راجع: كنز العمال ج15 ص155، واللآلي المصنوعة ج1 ص351، ومجمع الزوائد ج9 ص114، ومنتخب الكنز بهامش المسند ج5 ص55.
([576]) مجمع الزوائد ج9 ص114 و 115 عن الطبراني بسند فيه ناصح، وهو متروك، والقول المسدد ص23، ووفاء الوفاء ج2 ص480، والغدير ج3 ص206 عن بعض من تقدم، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص346، وراجع: نزل الأبرار ص69، وإحقاق الحق ج5 ص555 عن مصادر أخرى.
([577]) وفاء الوفاء ج2 ص479 و 480.
([578]) خصائص النسائي ص74 و 75، واللآلي المصنوعة ج1 ص346، والغدير ج3 ص207 عن الأول.
([579]) مناقب الخوارزمي الحنفي ص225.
([580]) فرائد السمطين ج1 ص208.
([581]) دلائل الصدق ج2 ص266.
([582]) راجع المصادر التالية: مسند أحمد ج4 ص369 وج2 ص26، وج1 ص175 و331، ومجمع الزوائد ج9 ص114 و115 و120، والخصائص للنسائي ص72 ـ 75، ومستدرك الحاكم ج3 ص125 و117 و134، وتلخيصه للذهبي بهامشه، والقول المسدد ص19 ـ 26، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص204، ومعرفة علوم الحديث ص99، ونزل الأبرار ص69، وفتح الباري ج7 ص12 ـ 14، وإرشاد الساري ج6 ص84 و 85، ووفاء الوفاء للسمهودي ج2 ص474 ـ 480، والبحار ج39 ص19 ـ 34، عن كثير من المصادر، والبداية والنهاية ج7 ص342، واللآلي المصنوعة ج1 ص346 و 354، والصواعق المحرقة ص121 و 122 و 125، والمناقب للخوارزمي ص214 و 235 و 238، وفرائد السمطين ج1 ص205 ـ 208، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي252 و 261، وسنن الترمذي ج5 ص639 ـ 641، وكنز العمال ج15 ص96 و 101 و 120 و 155، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص106، والإصابة ج2 ص509، وفضائل الخمسة ج1 ص231 وج2 ص149 ـ 157، وحلية الأولياء ج4 ص153، والطرائف لابن طاووس60 ـ 63، وترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج1 ص252 ـ 281 و 327 و 219، وكفاية الطالب ص201 ـ 204، وتذكرة الخواص ص41، وتاريخ بغـداد ج7 ص205، والـدر المنثور ج3 ص314، وعلل الشرايـع ص201 = = و202، وكشف الغمة للأربلي ج1 ص330 ـ 335، وينابيع المودة ص283، ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج5 ص29، وذخائر العقبى ص76 و 77 و 87، ولسان الميزان ج4 ص165، وراجع: سنن البيهقي ج7 ص65، وشرح النهج للمعتزلي ج9 ص195، والغدير ج3 ص201 ـ 215، وج10 ص68 عن غير واحد ممن تقدم، وملحقات إحقاق الحق ج5 من ص540 حتى ص586 عن كثير ممن تقدم وعن الحاوي للفتاوى ج2 ص15 وغيره من المصادر.
وقد نقلنا بالواسطة عن: غاية المرام ص640، وأرجح المطالب ط لاهور ص421، والكشاف ج1 ص366، وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص248، وكنز العمال ج6 ص152 و 157 و 391 و 398 و 408، وأخبار القضاة ج3 ص149، والخصائص الكبرى ج2 ص243، ورواه أيضاً: الطبراني في الكبير والأوسط، وأبو يعلى، وسعيد بن منصور، والضياء في المختارة، والكلاباذي، والبزار، والعقيلي، وابن السمان، وكثير غيرهم.
([583]) اللآلي المصنوعة للسيوطي ج1 ص347، وتفسير ابن كثير ج1 ص501، ومنهاج السنة ج3 ص9، والقول المسدد ص19، وفتح الباري ج7 ص13 عن ابن الجوزي، ووفاء الوفاء ج2 ص476.
([584]) فتح الباري ج7 ص13، وراجع: إرشاد الساري ج6 ص85، وراجع: القول المسدد ص20، ووفاء الوفاء ج2 ص476.
([585]) القول المسدد ص23، واللآلي المصنوعة ج1 ص350 عنه باختلاف يسير في اللفظ.
([586]) القول المسدد ص24 و 25، وراجع ص19 وعنه في اللآلي المصنوعة ج1 ص350.
([587]) أحكام القرآن للجصاص ج2 ص204.
([588]) راجـع: البخاري باب قـول النبي >صلى الله عليه وآله< سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر بهامش فتح الباري ج7 ص11 و 12 وباب الهجرة وفي كتاب الصلاة، وصحيح مسلم ج7 ص108، ووفاء الوفاء ج2 ص471 و 472 عنهما وعن الطبراني، وأبي يعلى، وابن سعد. وراجع: القول المسدد ص24 و 25، واللآلي المصنوعة ج1 ص350 و 352، والبداية والنهاية ج5 ص230 و 229، وتفسير ابن كثير ج1 ص501، وتفسير الرازي ج2 ص347، والمصنف ج5 ص431، وحياة الصحابة ج3 ص346، ومجمع الزوائد ج9 ص42.
([589]) وفاء الوفاء ج2 ص472 و 473، وفتح الباري ج7 ص12، وإرشاد الساري ج6 ص84، وراجع: القول المسدد ص24، والبداية والنهاية ج5 ص230.
([590]) الغدير ج3 ص213، ودلائل الصدق ج2 ص261.
([591]) وفاء الوفاء ج2 ص477، وراجع: فرائد السمطين ج1 ص206 عن أبي نعيم، واللآلي المصنوعة ج1 ص349 و 351.
([592]) فتح الباري ج7 ص13، والقول المسدد ص25، ووفاء الوفاء ج2 ص477، وهم عن الطحاوي في مشكل الآثار، والكلاباذي في معاني الأخبار.
([593]) فتح الباري ج7 ص12، وإرشاد الساري ج6 ص84، ووفاء الوفاء ج2 ص473.
([594]) المصادر الثلاثة المتقدمة.
([595]) راجع: مسند أحمد ج2 ص26، ومستدرك الحاكم ج3 ص125، والصواعق المحرقة الفصل3 باب9، وكنز العمال، وغير ذلك من المصادر المتقدمة.
([596]) شرح النهج ج11 ص49.
([597]) شرح النهج للمعتزلي ج9 ص195.
([598]) الآية 33 من سورة الأحزاب.
([599]) راجع: كشف الغمة للأربلي ج1 ص333 و 334.
([600]) راجع كتابنا: حديث الإفك ص60 و61.
([601]) راجع ص21 و22 من دلائل الصدق ج1.
([602]) اللآلي المصنوعة ج1 ص362.
([603]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص261 ـ 267.
([604]) البحار ج19 ص113، وإعلام الورى ص71.
([605]) البحار ج19 ص113، وإعلام الورى ص71، وراجع: الوفاء لابن الجوزي ج1 ص257، وتاريخ الخميس ج1 ص366، ودلائل النبوة للبيهقي ج5 ص131، ووفاء الوفاء ج2 ص462، والسيرة الحلبية ج1 ص336.
([606]) السيرة الحلبية ج2 ص211 و 212، وراجع ص205 ومصادر ذلك كثيرة فراجع كتب السيرة والتاريخ.
([607]) راجع في هذه السرية: تاريخ الخميس ج1 ص416، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص18، والسيرة الحلبية ج2 ص213، والمواهب اللدنية ج1 ص91، والمغازي للواقدي ج1 ص196 و 197.
([608]) السويق: قمح أو شعير يغلى ثم يطحن ليسف إما بماء، أو عسل، أو لبن.
([609]) راجع فيما تقدم: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص175 ـ 177، وتاريخ الخميس ج1 ص410 و 411، والسيرة الحلبية ج2 ص211 وغير ذلك.
([610]) السيرة الحلبية ج2 ص212، والمغازي للواقدي ج1 ص194، والمواهب اللدنية ج1 ص91.
([611]) الآية 11 من سورة المائدة، وراجع في قضية دعثور تاريخ الخميس ج1 ص415، والسيرة الحلبية ج2 ص213، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج2 ص18، والمواهب اللدنية ج1 ص91، والبداية والنهاية ج4 ص2، والمغازي للواقدي ج1 ص195، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص168 و169.
([612]) البداية والنهاية ج4 ص5، والمغازي للواقدي ج1 ص198.
([613]) تاريخ الخميس ج1 ص416، والبداية والنهاية ج4 ص5، والمغازي للواقدي ج1 ص198، والكامل في التاريخ ج2 ص145، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص182.
([614]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص205.
([615]) سيرة المصطفى، ص 383.
([616]) نهج البلاغة، بشرح محمد عبده، قسم الحكم، رقم 318.
([617]) البحار ج46 ص103، وإقبال الأعمال.
([618]) تاريخ جرجان ص418.
([619]) البحار ج44 ص194، ومناقب آل أبي طالب ج4 ص75.
([620]) مستدرك سفينة البحار ج7 ص78، والبحار ج47 ص44.
([621]) البحث هو بعنوان: "الإمام السجاد باعث الإسلام من جديد" في كتابنا: "دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام" ج1 ص77.
([622]) المصنف ج5 ص398، والمنتقى لابن تيمية ج2 ص765.
([623]) مغازي الواقدي ج1 ص197.
([624]) الآية 11 من سورة المائدة.
([625]) الآية 11 من سورة الحجرات.
([626]) سيرة المصطفى ص384.
([627]) راجع: صفة الصفوة ج1 ص176 عن أحمد، والسيرة الحلبية ج2 ص290، ومغازي الواقدي ج2 ص427، وسنن أبي داود ج3 ص30، وعن النسائي وابن ماجة.
([628]) راجع: الكنز المرصود ص48 ـ 106، ومقارنة الأديان (اليهودية) لأحمد شلبي ص272 ـ 274 عنه وعن: التلمود شريعة بني إسرائيل 22 ـ 25 و 40 ـ 44 و65.
([629]) الآية 18 من سورة المائدة.
([630]) الخطر اليهودي ص67 وفيه: أن أعضاء المجلس الشيوعي الذي كان يحكم روسيا سنة 1951 كان يتألف من سبعة عشر عضواً كلهم يهود صرحاء باستثناء ثلاثة هم: ستالين، وفيرشيلوف، ومولوتوف. وهؤلاء الثلاثة زوجاتهم يهوديات، وفيهم يهودي الأم، أو الجدة، أو صنيعة مجهول النسب من صنائع اليهود، كما أن المنظر الأكبر للشيوعية هو اليهودي كارل ماركس.
([631]) الآية 96 من سورة البقرة.
([632]) راجع: أحكامهم هذه في كتاب، مقارنة الأديان (اليهودية) ص199 و200، واليهود في القرآن ص37.
([633]) اليهود في القرآن ص44 و 45.
([634]) الآيتين 168 و 169 من سورة الأعراف.
([635]) ويلاحظ: أن العرب في هذه الأيام يجبنون عن مواجهة اليهود في حرب الكرامة والشرف، لماذا؟ أليس لأجل ابتعادهم عن دينهم واستسلامهم لانحرافاتهم، وحبهم للحياة، وقلة يقينهم بالموت والمعاد.
([636]) ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص13 و14 نشر يوشع فنكل سنة 1382 ه‍.
([637]) الآيتين 89 و 90 من سورة البقرة.
([638]) راجع: اليهود في القرآن ص23.
([639]) الآية 63 من سورة الأنفال.
([640]) الآية 73 من سورة آل عمران.
([641]) ثلاث رسائل للجاحظ (رسالة الرد على النصارى) ص14.
([642]) الآية 72 من سورة آل عمران.
([643]) راجع كتاب: اليهود في القرآن ص31، فإنه أشار أيضاً إلى هذا الأمر.
([644]) الآية 153 من سورة النساء.
([645]) الآية 118 من سورة البقرة.
([646]) الآية 75 من سورة آل عمران.
([647]) الآية 181 من سورة آل عمران.
([648]) راجع في ذلك: اليهود في القرآن ص28.
([649]) الآيات 99 ـ 101 من سورة آل عمران.
([650]) السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص160، والتراتيب الإدارية ج1 ص309