الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج5
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني:
قضايا وأحداث غير عسكرية
عودة بعض المهاجرين من الحبشة:
وبلغ المسلمين في الحبشة نبأ هجرة الرسول "صلى الله عليه وآله" والمسلمين إلى المدينة، فرجع منهم ثلاثة وثلاثون رجلاً، وثماني نسوة، فمات منهم رجلان في مكة، وحبس سبعة، وانتهى بقيتهم إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" في المدينة، وشهد بدراً منهم أربعة وعشرون([1]).
واستمروا يخرجون إليه "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة([2]) إلى أن قدم جعفر "عليه السلام" مع الجماعة الباقية في سنة سبع، حين فتح خيبر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وهؤلاء الثلاثون المشار إليهم هنا، هم غير الذين عادوا إلى مكة في السنة الخامسة من البعثة، قبل الهجرة إلى المدينة بثماني سنوات.
وأما السبب في مرورهم على مكة، مع أنها البلد الذي فروا منه، فهو أن طريقهم إلى المدينة كان يمر بقرب مكة، على ما يظهر.
ويدل على ذلك ما ورد عن الصنعاني حيث قال: "فلما قاتل رسول الله "صلى الله عليه وآله" كفار قريش، حالت بين مهاجرة أرض الحبشة، وبين القدوم على رسول الله، حتى لقوه بالمدينة زمن الخندق"([3]) انتهى.
لكن قوله: "زمن الخندق" لا يمكن تأكيده ولعله تصحيف خيبر، وبالنسبة لهؤلاء الذين نحن بصدد الحديث عنهم، فإن المعروف هو ما ذكرناه، ولعل عدداً منهم قد دخل مكة، سراً أو جهراً، بهدف الحصول على أموالهم التي كانت في مكة، وتجديد العهد بأهلهم وذويهم، وبالبيت العتيق، ثم يسافرون إلى المدينة.
ولكن قريشاً واجهتهم بالعنف والقسوة، ولم ترع لهم حرمة، ولا غربة، ولا قرابة.
وواضح: أن وصول هذه الثلة من مهاجري الحبشة إلى المدينة، كان بعد عدة أشهر من وصول النبي "صلى الله عليه وآله" إليها، إذ أن وصول نبأ هجرة النبي "صلى الله عليه وآله" إليهم، ثم هجرتهم إلى مكة، وتصفية بعضهم علاقاتهم بها، ثم ما جرى لهم مع قريش، ثم سيرهم إلى المدينة، يحتاج إلى وقت طويل.
حتى إن البعض يذكر: أن ابن مسعود قد كان من جملة الثلاثين العائدين إلى مكة، فالمدينة، فوصل إلى المدينة حين كان النبي "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى بدر([4]).
عائشة في بيت النبي ':
وفي السنة الأولى من الهجرة، وقيل في التي بعدها، انتقلت عائشة إلى بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، وذلك في شهر شوال.
وقالوا: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يتزوج بكراً غيرها، ولكننا لا نطمئن إلى صحة ذلك، لأمور:
أولاً: لما تقدم حين الكلام على زواجه "صلى الله عليه وآله" بخديجة حيث قلنا: إن زواج خديجة برجل آخر سوى رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر مشكوك فيه إلى حد كبير، ولربما نشير إلى ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
ثانياً: سيأتي في هذا الكتاب ما يدل على أن عائشة كانت متزوجة برجل آخر غير رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكان لها منه ولد.
مراسم الزفاف:
ولا نعرف لماذا كان زفاف عائشة غير ذي أهمية لدى النبي "صلى الله عليه وآله"؟!
فقد روي: أنه "صلى الله عليه وآله" ما أولم على عائشة بشيء ـ رغم توقع الناس منه ذلك وقدرته عليه في تلك الفترة ـ غير أن قدحاً من لبن أهدي إليه من بيت سعد بن عبادة، فشرب النبي "صلى الله عليه وآله" بعضه، وشربت عائشة منه!!([5]). ولا يصح أن يعد ذلك وليمة عرس لها؛ إذ من الطبيعي أن لا يغفل النبي عن عرض الطعام على جليسه، فضلاً عن زوجته.
استدلال طريف:
وقد كانت عائشة تستدل على حظوتها عند النبي "صلى الله عليه وآله" بأنه قد تزوجها في شوال، فتقول:
تزوجني رسول الله "صلى الله عليه وآله" في شوال، فأي نساء رسول الله "صلى الله عليه وآله" كانت أحظى عنده مني؟([6]) وهو استدلال طريف حقاً، فمتى كان لشوال هذه الفضيلة العظيمة التي تدل على الحظوة؟!
أضف إلى ذلك: أن خديجة، وأم سلمة، وسائر نسائه "صلى الله عليه وآله" قد كن أحظى عنده منها، ولذا فقد كانت تحسدهن، وتؤذيهن، وتسيء إليهن كثيراً، حتى أمام رسول الله "صلى الله عليه وآله" نفسه، وقد تقدم بعض ما يدل على ذلك حين الكلام عن العقد على عائشة قبل الهجرة.
وأطرف من ذلك: أننـا نجد البعض يحكم باستحباب العقد في شوال([7]).
ويبدو أن حبهم لعائشة، وتقديرهم لرغباتها، وهي التي كانت الساعد الأيمن للهيئة الحاكمة بعد النبي، والتي حاربت علياً الشوكة الجارحة في أعينهم، الذي لم تكن تقدر أن تذكره بخير أبداً([8]) ـ إن ذلك هو الذي دفعهم إلى وضع هذا التشريع ـ مع أنهم يروون: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تزوج بجويرية، وبحفصة في شعبان، وبزينب بنت خزيمة في شهر رمضان، وبزينب بنت جحش في ذي القعدة كما يقال، فالنبي إذاً، قد ترك هذا المستحب، ولم يفعله إلا بالنسبة لعائشة وحدها، ووحدها فقط!! إن ذلك عجيب حقاً وأي عجيب!!.
فاتحة عهد جديد:
وعلى كل حال، فإن بدخول عائشة إلى بيت النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" قد بدأت في هذا البيت، الذي كان مثالاً للهدوء والسكينة، والجلال ـ حتى عهد قريب ـ تحولات وتغيرات ذات طابع معين، حينما صار مجالاً لكثير من التناقضات، التي كانت مصدراً لهمّ النبي "صلى الله عليه وآله" وغمه أحياناً كثيرة، وكانت عائشة هي السبب المباشر والمحرك في القسم الأعظم منها.
ولا نقول ذلك من عند أنفسنا، وإنما نستند في ذلك إلى ما أثبته التاريخ والحديث المتواتر عنها، بل إنها هي نفسها تصرح: بأنها كانت السبب في كل ما كان يجري في بيته "صلى الله عليه وآله" من مشاحنات وتناقضات كما جاء في بعض المصادر، على ما ذكره لي بعض المحققين.
آية الصلح بين المؤمنين:
ويذكر البعض: من الحوادث التي كانت قبل غزوة بدر([9]): أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" ذهب ليعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج، وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي بن سلول؛ فمر "صلى الله عليه وآله" ـ وهو على حماره ـ بمجلس ابن أبي، وفي المجلس أخلاط من المسلمين، والمشركين، واليهود، وفيهم عبد الله بن رواحة؛ فثار غبار من مشي الحمار، فخمر ابن أبي أنفه بردائه، وقال: لا تغبروا علينا.
فنزل إليهم رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ودعاهم إلى الله؛ فقال له ابن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً؛ فلا تؤذينا به في مجالسنا، ارجع إلى رحلك؛ فمن جاءك فاقصص عليه.
فقال ابن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشانا، فإنا نحب ذلك.
فاستب المسلمون والمشركون، حتى كادوا يتبادرون، فلم يزل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يخفضهم حتى سكنوا.
ثم دخل على سعد بن عبادة، فحدثه بما جرى، فطلب منه سعد أن يصفح عن ابن أبي؛ لأنهم كانوا على وشك أن يتوجوه قبل قدومه "صلى الله عليه وآله"، فلما قدم انصرفوا عن ذلك.
وفي رواية أخرى: إنه "صلى الله عليه وآله" ذهب ومعه المسلمون إلى ابن أبي تألفاً لقومه، فلما أتاه قال له: إليك عني، والله لقد آذاني ريح حمارك.
فقال أحد الأنصار: والله لحمار رسول الله أطيب ريحاً منك، فتعصب لابن أبي رجل من قومه فشتمه، فغضب لكل منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والنعال؛ فنزل قوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا..}([10]).
وفي مجمع البيان: أن الذي قال لابن أبي ذلك، هو عبد الله بن رواحة، وأن التضارب كان بين رهط ابن رواحة من الأوس، ورهط ابن أبي من الخزرج، ولكن لا تخلو كلتا الروايتين من الإشكال.
فأولاً: إن آية الصلح بين المؤمنين لا يمكن أن تنطبق على الرواية الأولى؛ فإن النزاع فيها كان بين المشركين والمسلمين، وليس بين طائفتين من المؤمنين.
بل لم يظهر من الرواية الثانية كون النزاع كان بين طائفتين من المؤمنين، فإذا جعلنا الروايتين رواية واحدة؛ لتقارب سياقهما ومضمونهما، لم يمكن الاطمئنان إلى صحة كون الآية قد نزلت بهذه المناسبة.
وثانياً: إن الآية موجودة في سورة الحجرات، وهي قد نزلت بعد سنوات من الهجرة، لأنها نزلت بعد المجادلة والأحزاب، التي نزلت في مناسبة الخندق وغيرهما.
وتقدم قولهم: إن هذه القضية قد حصلت قبل بدر.
هذا كله عدا عن التنافي بين مضمون كل من الروايتين كما هو ظاهر.
ولكن ذلك لا يعني أن الرواية مختلقة من الأساس؛ فلربما تكون قد حصلت بعد سنوات من الهجرة، بعد نزول سورة الحجرات، وبعد إظهار ابن أبي للإسلام؛ ويكون النزاع قد حصل بين طائفتين من المؤمنين، وبذلك تكون الرواية الثانية هي الأرجح.
إسلام سلمان المحمدي:
وفي السنة الأولى من الهجرة، ويقال: في جمادى الأولى منها([11]) كان إسلام سلمان المحمدي، المعروف بسلمان الفارسي، حشرنا الله معه وفي زمرته، والذي قال النبي "صلى الله عليه وآله" وغير واحد من الأئمة عنه: سلمان منا أهل البيت([12]).
وكان سلمان قد هاجر من بلاده في طلب الدين الحق، وتعرض في هجرته تلك إلى المصائب والمصاعب، حتى ابتلي بالرق، وأعتق على يد النبي "صلى الله عليه وآله".
وملخص ذلك ـ على ما ذكره الصنعاني: أنه كان في بلده راهب، فأخذ عنه بعض التعاليم، وعلم أهله بالأمر فأخرجوا الراهب من البلد، فخرج معه بالسر عن أهله، فجاء الموصل، فوجد أربعين راهباً، وبعد أشهر ذهب مع أحدهم إلى بيت المقدس، ورأى عبادة الراهب واجتهاده، ثم ضاع عنه، فسأل عنه ركباً من الأنصار، فقالوا:
هذا عبد آبق، فأخذوه إلى المدينة، وجعلوه في حائط لهم، وكان الراهب قد أخبره أن نبياً من العرب سيخرج، لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية، وبين كتفيه خاتم النبوة، وأمره باتباعه([13]).
وفي المدينة ـ وبالذات في قباء كما يقولون ـ التقى بالنبي "صلى الله عليه وآله"، فقدم إليه رطباً على أنها صدقة، فأبى النبي "صلى الله عليه وآله" أن يأكل منها، وأمر أصحابه فأكلوا، وعدها سلمان واحدة.
ثم التقى به في المدينة، فقدم إليه رطباً على أنها هدية، فقبلها وأكل منها، فعدها سلمان ثانية.
ثم التقى به في بقيع الغرقد وهو في تشييع جنازة بعض أصحابه، فسلم عليه، ثم استدار خلفه، فكشف النبي "صلى الله عليه وآله" عن ظهره، فرأى خاتم النبوة، فانكب عليه يقبله ويبكي، ثم أسلم وأخبره بقصته، وبعد ذلك كاتب سيده، واستمر يعمل من أجل أداء مال الكتابة، وأعانه النبي "صلى الله عليه وآله" على ذلك.
وكان أول مشاهده الخندق، ثم شهد ما بعدها من المشاهد.
وقال ابن عبد البر: إن أول ما شهده بدر؛ وهو المناسب لمعونة النبي "صلى الله عليه وآله" له، فراجع في سيرة سلمان وفضائله كتب الحديث والتراجم([14]) بالإضافة إلى ما كتبناه عنه في كتابنا: "سلمان الفارسي في مواجهة التحدي".
ملاحظة:
ويلاحظ هنا: أن سلمان لم يسلم بدافع عاطفي، أو مصلحي؛ ولم يسلم أيضاً استجابة لضغوط أو لجو معين، وإنما دخل في الإسلام عن قناعة فكرية خالصة، وبعد أن سعى من أجل الوصول إلى الدين الحق، ولاقى المصاعب والمتاعب الطويلة في سبيل ذلك، وذلك يؤيد فطرية هذا الدين، وكونه ينسجم مع أحكام العقل، ومقتضيات الفطرة السليمة، وقد أشرنا إلى ذلك أيضاً حين الكلام عن إسلام أبي ذر، فليراجع.
بئر رومة في صدقات عثمان:
وقد ذكروا في جملة فضائل عثمان: أنه لما قدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، قال: من يشتري بئر رومة من خالص ماله؛ فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين، بخير له منها في الجنة؟.
فاشتراها عثمان من صلب ماله، وجعل دلوه فيها مع دلاء المسلمين، ثم لما حصر عثمان منعوه من الشرب منها حتى شرب ماء البحر.
وللروايات نصوص مختلفة جداً كما سنرى، وسنشير إلى بعض مصادرها فيما يأتي.
ونحن نشك في صحتها، وذلك استناداً إلى ما يلي:
أولاً: تناقض نصوصها الشديد جداً، حتى إنك لا تجد نصاً إلا ويوجد ما ينافيه ويناقضه، ونذكر على سبيل المثال:
أنهم يروون: أن عثمان قد ناشد الصحابة بقضية بئر رومة، وذلك حين الثورة عليه.
فرواية تقول: إنه اطلع عليهم من داره وهو محصور فناشدهم.
وأخرى تقول: إنه ناشدهم في المسجد.
ورواية تقول: إنه اشترى نصفها بمائة بكرة، والنصف الآخر بشيء يسير.
وأخرى تقول: إنه اشتراها بأربعين ألفاً.
وثالثة: بخمس وثلاثين.
ورابعة: إنه اشترى نصفها باثني عشر ألف درهم، والنصف الآخر بثمانية آلاف.
ورواية تقول: إن هذه البئر كانت ليهودي لا يسقي أحداً منها قطرة إلا بثمن.
وأخرى: إنها كانت لرجل من مزينة.
وثالثة: لرجل من بني غفار.
ورواية تقول: إنه اشترى البئر.
وأخرى تقول: إنه حفرها.
والجمع بأنه اشتراها، ثم احتاجت إلى الحفر([15]) لا يصح، لأنهم يقولون: إن عثمان قال ذلك حين المناشدة، والمناشدة كانت واحدة ولم تتكرر.
ورواية تقول: إنها كانت عيناً (أي فيها نبع وسيلان على وجه الأرض).
وأخرى تقول: كانت بئراً.
ورواية تقول: إنه اشتراها عند مقدم النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين المدينة.
وأخرى تقول: إنه اشتراها وهو خليفة.
ورواية تقول: إن النبي طلب منه ذلك.
وأخرى تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" ناشد المسلمين من يشتريها منهم.
وثالثة تقول: إن غفارياً أبى بيعها للنبي بعينين في الجنة!! فبلغ ذلك عثمان فاشتراها منه بخمسة وثلاثين ألفاً([16]).
وثمة تناقضات كثيرة أخرى لا مجال لذكرها؛ فمن أراد المزيد فليراجع وليقارن.
ثانياً: إن ما ورد في الرواية ـ كما عند النسائي وأحمد والترمذي ـ من أنه "صلى الله عليه وآله" قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب، لا يصح بوجه، فقد كان في المدينة آبار كثيرة عذبة، وقد استمر النبي "صلى الله عليه وآله" على الاستقاء والشرب منها إلى آخر حياته، ومنها بئر السقيا، وبئر بضاعة، وبئر جاسوم، وبئر دار أنس التي تفل فيها النبي "صلى الله عليه وآله" فلم يكن في المدينة بئر أعذب منها([17])، وغير ذلك من آبار كثيرة لا مجال لذكرها([18]).
ثالثاً: لو صح حديث بئر رومة؛ فلا بد إذاً من الإجابة على التساؤلات في المجالات التالية:
أ ـ إنه إذا كان عثمان قد قدم من الحبشة جديداً، ولم يكن له مال؛ فمن أين جاء عثمان بالأربعين، أو الخمسة والثلاثين، أو العشرين ألفاً من الدراهم، أو المئة بكرة؟! ومتى وكيف اكتسب هذا المال؟!.
ب ـ لماذا لا يعين المسلمين في حرب بدر بشيء من تلك المبالغ الهائلة من الدراهم؟ أو بشيء من تلك البكرات التي أخرج منها مئة من صلب ماله، حسبما تنص عليه الرواية؟!. مع أن المسلمين كانوا في بدر بأمس الحاجة إلى أقل القليل من ذلك، وكان الاثنان والثلاثة منهم يعتقبون البعير الواحد، ومع أنه لم يكن معهم إلا فرس واحد، ولم يكن معهم إلا ستة أدرع وثمانية سيوف، والباقون يقاتلون بالعصي وجريد النخل، كما سيأتي بيانه مع مصادره.
أم يعقل أن يكون قد بذل كل ما لديه في بئر رومة حتى أصبح صفر اليدين؟!.
أو لماذا لا يطعم المسلمين، ويسد حاجاتهم، ويكفيهم معونة الأنصار؟!
ولماذا لا يعين النبي نفسه بشيء من ماله، وقد كان يعاني أشد الصعوبات، ولم يتسع الحال عليه وعليهم إلا بعد سنوات من الهجرة؟!
ج ـ وتقول روايات المناشدة: إنهم قد منعوه من الشرب منها حتى اضطر إلى الشرب من ماء البحر، وهذا عجيب حقاً!! فإنه إذا كان يستطيع الحصول على الماء فلماذا لا يشرب من غيرها من العيون العذبة التي كانت في المدينة والتي تعد بالعشرات؟!.
كما أن من كان يمنعه من شرب الماء، فإنه لم يكن ليسمح بدخول أي ماء كان إليه، ومن أي مصدر كان.
ويقولون: إن عماراً أراد أن يدخل إليه روايا ماء؛ فمنعه طلحة([19]) ولم يستطع الحصول على الماء إلا من قبل علي الذي أرسل إليه الماء مع أولاده، وعرضهم للأخطار الجسيمة، كما هو معلوم.
وهل يمكن أن نصدق أنه شرب من ماء البحر حقاً؛ مع أن البحر يبعد مسافة كبيرة جداً عن المدينة، أم أن ذلك كناية عن شربه للمياه غير العذبة والمالحة؟!
د ـ وإذا كان عثمان قد بذل هذا المال حقاً، فلماذا لم تنزل فيه ولو آية واحدة تمدح فعله، وتثني عليه؟! وكيف استحق علي أن تنزل فيه آيات حينما تصدق بثلاثة أقراص من شعير، وحينما تصدق بخاتمه، وحينما تصدق بأربعة دراهم، وحين قضية النجوى؟! وهذا عثمان يبذل عشرات الآلاف، ومئة بكرة من الإبل، ولا يذكره الله بشيء، ولا يشير له بكلمة ولا بحرف؟! بل إن الرواية التي تنقل هذه الفضيلة الكبرى عنه نراها متناقضة متهافتة، لا تقوى ولا تثبت أمام النقد العلمي الحر والصريح.
وبعد.. لماذا امتنع ـ كغيره ـ عن التصدق بدرهم في آية النجوى، حتى نزل القرآن يلوم الصحابة وهو معهم على إشفاقهم: أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقة؟!!.
بئر أريس:
وأخيراً: فلسنا ندري لماذا اختصت بئر رومة بهذا التعظيم والتبجيل، دون بئر أريس، مع أنها أيضاً ـ كما يدَّعون!! ـ قد اشتراها عثمان؛ وقد اشتراها أيضاً من يهودي، وكذلك هو قد تصدق بها!!([20]) بارك الله في آبار عثمان، وليمت اليهود بغيظهم، فإنهم يملكون الآبار، ويشتريها منهم عثمان، ويتصدق بها، وينال الأوسمة، ويحصل على الفضائل والكرامات!!.
حقيقة القضية:
وبعد كل ما تقدم، فإن الظاهر: أن الصحيح في القضية هو ما رواه ابن شبة: "عن عدي بن ثابت، قال: أصاب رجل من مزينة بئراً يقال لها: رومة؛ فذكرت لعثمان بن عفان، وهو خليفة، فابتاعها بثلاثين ألفاً من مال المسلمين، وتصدق بها عليهم"([21]).
وقد ضعف السمهودي الرواية بأن في سندها متروكاً، ورواها الزبير بن بكار في عتيقه، وردها بقوله: وليس هذا بشيء، وثبت عندنا أن عثمان اشتراها بماله، وتصدق بها على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"([22]).
ونقول نحن: لقد ثبت عدم صحة تلك الروايات التي أشار إليها الزبير بن بكار بأي وجه، ولا سيما مع تناقضها، ومع ما تقدم من الإيراد عليها ومن وجوه الإشكال فيها، مما لا دافع له.
هذا، عدا عما في أسانيدها من نقاش كبير وكثير، فوجود المتروك في سند هذه الرواية لا يضر، ما دامت منسجمة مع الواقع التاريخي، ومع الظروف التي كانت قائمة آنذاك.
وما دام لا يمكن أن يصح غيرها، فالظاهر: أنها قد حرفت وحورت ليمكن الاستفادة منها في إثبات فضيلة لعثمان لا يمكن أن تثبت له بدون هذا التحوير والتزوير.
ولكننا لم نفهم قوله: "ابتاعها بثلاثين ألفاً من مال المسلمين، وتصدق بها عليهم"؛ فإنها إذا كانت من مالهم، فما معنى الصدقة بها عليهم؟
إلا أن يقال: إن عثمان والهيئة الحاكمة كانوا يرون أنهم يملكون بيوت الأموال حقاً، وقد ذكرنا بعض الشواهد والدلائل على نظرتهم هذه في مورد آخر، فراجع([23]).
تأبير النخل:
ويقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لما قدم المدينة مر بقوم يؤبرون النخل، أي يلقحونه ـ أو سمع ضجتهم ـ فقال: لو لم تفعلوا لصلح، فتركوا تلقيحه، فخرج شيصاً([24])، فمر بهم (أو قيل له) فقال: ما لنخلكم؟
قالوا: قلت: كذا وكذا.
قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم، أو قال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل([25]).
ونحن نشك في صحة ذلك، إذ مضافاً إلى الاختلاف الظاهر في نصوص الرواية، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة، لا بد أن نسأل:
لماذا يتدخل النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" فيما لا يعنيه، وما ليس من اختصاصه؟!
ألا يعلم: أن الناس يهتمون بكل كلمة تصدر منه، ويرتبون الأثر عليها، ويلتزمون بها؟!.
ولماذا يعرض الناس إلى هذا الضرر الجسيم؟!.
ومن هو المسؤول عن هذه الأضرار التي سببتها مشورته تلك؟!.
ثم إنه كيف يقول ذلك لهم، وهو الذي أمر عبد الله بن عمرو بن العاص بأن يكتب عنه كل ما يسمع؛ فإنه لا يخرج من بين شفتيه إلا الحق؟!.
وقد قدمنا الرواية مع مصادرها في الجزء الأول فلتراجع هناك.
وأيضاً: لقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" يعيش في قلب المنطقة العربية، وقد جاوز الثلاث وخمسين سنة؛ فهل يمكن أن نصدق أنه لم يكن يعرف تأبير النخل وفائدته، وأن النخل لا ينتج بدونه؟
وكيف لم يسمع طيلة عمره المديد شيئاً عن ذلك، وهو يعيش بينهم ومعهم؟ أو على الأقل بالقرب منهم؟!.
وأخيراً: هل صحيح: أنه ليس على الناس أن يطيعوه في أمور دنياهم؟! وأنه إنما كان يقول برأيه فيها؟!.
وهل صحيح: أن الإسلام يفصل بين الدين والدنيا؟ وأن مصب اهتماماته هو ما عدا أمور دنياهم؟!
أليس هذا بهتاناً على الإسلام وافتراء عليه؟!! ألا يتنافى ذلك مع القرآن والسنة، ومع الإسلام بمجموعه؟!.
الباب الثاني:
أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة
الفصل الأول: التاريخ الهجري أولاً
الفصل الثاني: بناء مسجد المدينة
الفصل الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
الفصل الرابع: أسس العلاقات في المجتمع الجديد
بـدايـة:
فور وصوله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، باشر بالقيام بأعمال تأسيسية، ترتبط بمستقبل الدعوة الإسلامية، وهي كثيرة ومتنوعة، ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى ما يلي:
1 ـ صلاة الجمعة.
2 ـ تأسيس مسجد قباء، وقد تحدثنا عنهما فيما سبق.
3 ـ بناء المسجد في المدينة، ولسوف نتحدث عنه في فصل مستقل.
4 ـ وضع التاريخ الهجري، وقد خصصنا له فصلاً مستقلاً أيضاً.
5 ـ المؤاخاة.
6 ـ تحديد نوع ومستقبل العلاقات بين المسلمين، وبينهم وبين غيرهم.
7 ـ موادعة اليهود الذين يعيشون في المنطقة.
وهذه الأشياء الأخيرة أيضاً قد تحدثنا عنها في فصل على حدة ونبدأ بالحديث عن التاريخ الهجري، فنقول:
الفصل الأول:
التاريخ الهجري أول
التاريخ الهجري:
إن ضبط الأحداث، والمعاملات، وغير ذلك من الشؤون لهو من الأمور التي لا بد منها في قيام أية حضارة تريد أن تهيمن على شعب أو أمة، وتقود مسيرتها نحو الأهداف التي تتوخاها.
فكيف إذا كانت هذه الحضارة تحظى بالرعاية الإلهية، وبرضى الباري جل وعلا، وتريد أن تهيمن على مسيرة الإنسانية جمعاء في مختلف الأحوال والشؤون، وعلى مر الأحقاب والقرون؟.
ومن هنا: فإنه يصبح من البديهي أن يكون من جملة المبادرات الأولى لنبي الإسلام هو وضع التاريخ، تماماً كما كان من أولى اهتماماته بناء المسجد كما سنرى إن شاء الله تعالى..
ولكن ما يؤسف له هو أن ثمة يداً تحاول ـ أو فقل قد حاولت ـ التعتيم على هذا الحدث الهام، فكان لا بد من بحث هذا الحدث، في الناحية التاريخية، ولسوف يثبت لنا الدليل العلمي بصورة قاطعة أن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" هو الذي وضع هذا التاريخ، وأرخ به في أكثر من مرة، وأكثر من مناسبة.
فإلى ما يلي من مطالب لنعرف:
من هو أول من أرخ بالهجرة النبوية؟.
فنقول:
يقول المؤرخون: إن أول من أرخ بالهجرة النبوية، هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وأكثرهم يذكر: أن اختياره الهجرة مبدأ للتاريخ كان بإشارة علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه([26]).
وبعض منهم يقول: إن المشير عليه بذلك ليس علياً فقط، بل معه بعض الصحابة أيضاً([27]).
وثالث يروي: إشارة بعض الصحابة على عمر بذلك، ولكنه لا يصرح بإسم المشير([28]).
وبعض رابع: يسكت عن ذكر الإشارة، ويكتفي بذكر: أنه أول من أرخ بالهجرة([29]).
الحكاية كما يرويها المؤرخون:
ويحكون السبب في وضع التاريخ على أنحاء مختلفة، ونختار هنا النمق الذي ذكره ابن كثير، وقد وضعناه بين قوسين، وأشرنا خلاله إلى مصادر بعض التوضيحات، فنقول:
قال ابن كثير: "قال الواقدي: وفي ربيع الأول من هذه السنة ـ أعني سنة ست عشرة أو سبع عشرة أو ثماني عشرة([30]) ـ كتب عمر بن الخطاب التاريخ، وهو أول من كتبه.
قلت: قد ذكرنا سببه في سيرة عمر، وذلك أنه رفع إلى عمر صك مكتوب لرجل على آخر بدين، يحل عليه في شعبان، فقال: أي شعبان؟ أمن هذه السنة، أم التي قبلها، أم التي بعدها؟.
ثم جمع الناس (أي أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله") فقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفون به حلول ديونهم، فيقال: إنهم أراد بعضهم (الهرمزان)([31]): أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، فكرهوا ذلك.
ومنهم من قال (وهم بعض مسلمي اليهود)([32]): أرخوا بتاريخ الروم، من زمان إسكندر، فكرهوا ذلك لطوله أيضاً.
وقال قائلون: أرخوا من مولد رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وقال آخرون: من مبعثه، وأشار علي بن أبي طالب "عليه السلام" وآخرون:
"أن يؤرخ من هجرته إلى المدينة، لظهوره لكل أحد، فإنه أظهر من المولد، والمبعث، فاستحسن عمر ذلك والصحابة، فأمر عمر: أن يؤرخ من هجرة رسول الله "صلى الله عليه وآله"([33]).
وروي عن سعيد بن المسيب: أنه قال: "جمع عمر الناس فسألهم: من أي يوم يكتب التاريخ؟
فقال علي بن أبي طالب "عليه السلام": من يوم هاجر رسول الله "صلى الله عليه وآله" وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح الأسناد، ولم يخرجاه"([34]).
وقال اليعقوبي في حوادث سنة 16 ه : "وفيها أرخ الكتب، وأراد أن يكتب التاريخ منذ مولد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ثم قال: من المبعث، فأشار عليه علي بن أبي طالب "عليه السلام": أن يكتبه من الهجرة"([35]).
إلى غير ذلك من النصوص، التي تؤكد على أن عمر هو أول من وضع التاريخ الهجري الإسلامي.
الرأي الأمثل:
ولكننا بدورنا نشك كثيراً في صحة هذا القول، ونعتقد أن التاريخ الهجري قد وضع من زمن النبي "صلى الله عليه وآله"، وقد أرخ به النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة.
وما حدث في زمن عمر هو فقط: جعل مبدأ السنة شهر محرم بدلاً من ربيع الأول كما أشار إليه الصاحب بن عباد([36]).
وقد اختلفوا في ذلك أيضاً، فقال بعضهم: إنهم جعلوا مبدأ السنة الهجرية محرم السنة الأولى، وهو ما ذهب إليه الجمهور، وبعضهم إلى أنهم جعلوا محرم السنة الثانية مبدأ للسنة الهجرية، وألغوا ما قبله، وهو ما حكاه البيهقي، وبه قال يعقوب بن سفيان الفسوى، فراجع([37]).
من المشير بمحرم؟!:
أما من الذي أشار بمحرم بدلاً من ربيع الأول، فقد اختلفت الروايات في ذلك أيضاً فيقال: إن ذلك كان بإشارة عثمان بن عفان([38]).
وقيل: بل ذلك هو رأي عمر نفسه([39]).
وبعضهم قال: إن عبد الرحمن بن عوف قد أشار بشهر رجب، فأشار علي "عليه السلام" في مقابل ذلك بشهر محرم، فقبل منه([40]).
ويقول آخرون: إن عمر ابتدأ من المحرم، بعد إشارة علي "عليه السلام" وعثمان بذلك([41]).
وفريق آخر يقول: فاستفدنا من مجموع هذه الآثار: أن الذي أشار بالمحرم عمر، وعثمان، وعلي "عليه السلام"([42]).
ويفهم من كلام العسكري: أن عمر هو الذي ارتأى جعل محرم أول السنة، لتكون الأشهر الحرم في سنة واحدة([43]).
ولكننا نستبعد كثيراً: أن يكون علي "عليه السلام" قد أشار بترك ربيع الأول، والأخذ بشهر محرم، الذي كان أول السنة عند العرب([44]) بل نكاد نجزم بخلافه، وأنه "عليه السلام" كان مصراً على شهر ربيع الأول مدة حياته صلوات الله وسلامه عليه.
ولم يكن ذلك رأيه وحده، بل كان رأي جمع كبير من المسلمين الأبرار، والصحابة الأخيار، ونستند في ذلك إلى النقاط التالية، فإنها تدل بمجموعها على ذلك:
1 ـ قد تقدم أنه "عليه السلام" قد أشار عليهم بأن يكتبوا التاريخ من "يوم هاجر"، أو من "يوم ترك النبي "صلى الله عليه وآله" أرض الشرك" كما هو صريح رواية ابن المسيب المتقدمة، وإنما كان ذلك في شهر ربيع الأول كما هو معلوم.
2 ـ لقد جاء فيما كتبه علي "عليه السلام" على عهد أهل نجران العبارة التالية: "وكتب عبد الله([45]) بن أبي رافع، لعشر خلون من جمادى الآخرة، سنة سبع وثلاثين، منذ ولج رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة"([46])، وإنما ولجها رسول الله "صلى الله عليه وآله" في شهر ربيع الأول كما هو واضح، هذا بالنسبة لعلي "عليه السلام".
وأما بالنسبة لسائر الصحابة، فنذكر:
1 ـ أن مالك بن أنس على ما حكاه السهيلي، وغيره، يقول: "أول السنة الإسلامية ربيع الأول، لأنه الشهر الذي هاجر فيه رسول الله "صلى الله عليه وآله"([47]).
2 ـ ونقل عن الأصمعي قوله: إنهم "إنما أرخوا من ربيع الأول شهر الهجرة"([48]) وكذا عن الزهري.
3 ـ وقال الجهشياري: "روي في خبر شاذ: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما ورد المدينة مهاجراً من مكة يوم الإثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة أربع عشرة من حين نبئ، أمر بالتاريخ"([49]).
وسيأتي قوله "صلى الله عليه وآله": يقتل الحسين على رأس ستين من مهاجري، وثمة روايات أخرى قريبة من هذا المضمون تدل على أن رأس السنة الهجرية قد كان شهر ربيع الأول، لأن الحسين إنما قتل سنة إحدى وستين على تقدير كون أول السنة هو محرم، وهو في أواخر سنة ستين على تقدير كون أول السنة هو ربيع الأول.
4 ـ وسيأتي أيضاً: أن الصاحب بن عباد وغيره يقولون: إن أول السنة كان ربيع الأول، ثم رد إلى محرم.
5 ـ عن سهل بن سعد قال: أخطأ الناس في العدد، ما عدوا من مبعثه، ولا من وفاته، إنما عدوا من مقدمه المدينة([50]).
6 ـ وكان الصحابة ـ وتبعهم المؤرخون كما سيأتي ـ يعدون بالأشهر من مهاجره "صلى الله عليه وآله" الذي هو شهر ربيع الأول، إلى أواسط السنة الخامسة للهجرة.
فما تقدم يدل على أن علياً "عليه السلام" ليس فقط لم يشر على عمر بشهر محرم، بل كان من المصرين على أن يبقى أول السنة هو شهر ربيع الأول، الذي خرج النبي "صلى الله عليه وآله" من مكة، أو من الغار، أو ولج المدينة في أول يوم منه، شأنه صلوات الله وسلامه عليه شأن كثيرين ممن لم يرضوا بمثل هذا التغيير، لكنهم غلبوا على أمرهم.
ولا يفوتنا أخيراً التنبيه: على أن جعل علي "عليه السلام" اليوم الذي ولج فيه النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة مبدأ للتاريخ، ربما يؤيد قول من قال: إنه "صلى الله عليه وآله" دخلها في أول يوم من ربيع الأول.
وسيأتي بعض الكلام أيضاً في ذلك، وإن لم يكن هو محط نظرنا في هذا البحث.
فإن ما يهمنا هنا: هو البحث عن أول من أرخ بالسنة الهجرية، وقد قلنا: إننا نعتقد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان أول من أرخ بالهجرة.
الموافقون على هذا الرأي:
وإننا وإن كنا لا نرى كثيرين يوافقوننا على هذا الرأي، ونرى بعضهم يتردد في إصدار حكم جازم في ذلك، وبعضهم ربما يظهر منه الميل إلى الرأي الشائع، إلا أن مرد ذلك كله إلى عدم اطلاعهم على النصوص الكافية للجزم بالأمر، وتكوين قناعة تقاوم ما يرونه قد اشتهر وذاع على ألسنة الرواة والمؤرخين.
ومهما يكن من أمر، فنذكر ممن وافقنا على ما نذهب إليه: السيد عباس المكي في نزهة الجليس، كما سيأتي، ونقله السيوطي عن ابن القماح، عن ابن الصلاح، عن أبي مجمش الزيادي، كما سيأتي أيضاً، أما صاحب المواهب فقد قال: "وأمر "صلى الله عليه وآله" بالتاريخ، وكتب من حين الهجرة.
قال الزرقاني: رواه الحاكم في الإكليل عن الزهري مفصلاً، والمشهور خلافه، وأن ذلك في زمان عمر، كما قال الحافظ"([51]).
ونقل ذلك عن الأصعمى وغيره أيضاً كما سيأتي.
وقال الصاحب بن عباد: "ودخل المدينة يوم الإثنين لاثني عشرة خلت من ربيع الأول، وكان التاريخ من ذلك، ثم رد إلى المحرم"([52]).
وقال ابن عساكر: "وهذا أصوب" ثم أيده السيوطي ببعض ما يأتي([53]).
وقال السيد علي خان، بعد ذكره عهد النبي "صلى الله عليه وآله" لسلمان الفارسي، الآتي:
يستفاد من هذا العهد: أن التاريخ كان من زمن النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو خلاف المشهور من أن التاريخ بالهجرة إنما وضعه عمر بن الخطاب في أيام خلافته"([54]).
وقال القسطلاني: "وأمر "صلى الله عليه وآله" بالتاريخ فكتب من حين الهجرة، وقيل إن عمر أول من أرخ وجعله من المحرم"([55]).
وقال مغلطاي: "وأمر عليه الصلاة والسلام بالتاريخ، فكتب من حين الهجرة.
قال ابن الجزار: ويعرف بعام الأذن، وقيل إن عمر "رض" أول من أرخ وجعله من المحرم"([56]).
هذا وقد سميت كل سنة من السنين العشر باسم خاص، والعام الأول أطلق عليه: عام الأذن([57]) فراجع.
قال ابن شهرآشوب: "قال الطبري ومجاهد في تاريخيهما: جمع عمر بن الخطاب الناس يسألهم من أي يوم نكتب؟
فقال علي "عليه السلام": من يوم هاجر رسول الله ونزل المدينة، و (ترك ظ) أرض أهل الشرك.
فكأنه أشار: أن لا تبتدعوا بدعة، وتؤرخوا كما كانوا يكتبون في زمان رسول الله؛ لأنه قدم النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة في شهر ربيع الأول أمر بالتاريخ، فكانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمت له سنة، ذكره التاريخي عن ابن شهاب"([58]).
كما أن المجلسي "رحمه الله" قد قال بهذا القول، ورأى: "أن جعل مبدأ التاريخ من الهجرة مأخوذ من جبرائيل "عليه السلام" ومستند إلى الوحي السماوي، ومنسوب إلى الخبر النبوي"([59]).
كلام السهيلي:
أما السهيلي: فهو يصر على أن التاريخ الهجري قد نزل به القرآن، ويقول ما ملخصه:
إن اتفاق الصحابة على جعل الهجرة مبدأ للتاريخ، إن كان مستنداً إلى استفادتهم ذلك من القرآن، فنعم الاستفادة هي، وذلك هو الظن بهم، وإن كان اجتهاداً ورأياً منهم، فهو أيضاً نعم الاجتهاد والرأي، أشار القرآن إلى صحته من قبل أن يفعلوا.
فإن قوله تعالى: {لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ..}([60]).
قد علم: أنه ليس المقصود منه: أول الأيام كلها؛ كما أنه لا يوجد لفظ ظاهر، أضيف إليه لفظ: يوم، فتعين إضافته إلى مضمر، ولا يعقل قول القائل: فعلته أول يوم، إلا بالإضافة إلى عام، أو شهر، أو تاريخ معلوم.
ولا قرينة هنا، لا حالية ولا مقالية، تدل إلا على تقدير: "من أول يوم حلول النبي "صلى الله عليه وآله" المدينة"، وهو أول يوم من التاريخ.
وقول بعض النحاة: لا بد من تقدير: "من تأسيس أول يوم"، لأن (من) لا تدخل على الزمان، لا يصح، لأنه حتى على هذا لا بد من تقدير الزمان أيضاً، فيقال: "من وقت تأسيس"، فإضمار كلمة تأسيس لا يفيد شيئاً، هذا بالإضافة إلى أن كلمة (من) تدخل على الزمان، وعلى غيره، قال تعالى: {مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ}. انتهى كلام السهيلي ملخصاً([61]).
وقال الكتاني ما ملخصه: وقد عقب الحافظ في فتح الباري على كلام السهيلي هذا بقوله: كذا قال، والمتبادر أن معنى قوله: من أول يوم، أي دخل النبي "صلى الله عليه وآله" وأصحابه المدينة([62]).
لكن ابن منير يرى: أن كلام السهيلي هذا تكلف وتعسف، وخروج عن تقدير الأقدمين الذين قدروه: "من تأسيس أول يوم" أي من أول يوم وقع فيه التأسيس، وهذا ما تقتضيه العربية، وتشهد له القواعد.
قال الكتاني: قلت: كلام السهيلي ظاهر المأخذ، فتأمله بإنصاف ترى أنه الحق، ولذا اقتصر عليه معجباً به شهاب الدين الخفاجي، في عناية القاضي، وكفاية القاضي، إلى آخر كلامه([63]).
وقال ياقوت الحموي: "إن قوله من أول يوم يقتضي مسجد قباء، لأن تأسيسه كان في أول يوم من حلول رسول الله "صلى الله عليه وآله" دار هجرته، وهو أول التاريخ للهجرة المباركة، ولعلم الله تعالى بأن ذلك اليوم سيكون أول يوم من التاريخ سماه أول يوم أرخ فيه، في قول بعض الفضلاء.
وقد قال بعضهم: إن ههنا حذف مضاف، تقديره: تأسيس أول يوم، والأول أحسن"([64]).
هذا، ويلاحظ: أنه نقل عن ابن عباس في تفسير الآية المذكورة نفس ما تقدم عن السهيلي فراجع([65]).
وإذا صح كلام هؤلاء، فمن المناسب أن يبادر النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه قبل كل أحد إلى العمل بمقتضى الآية، وهو ما حصل فعلاً، كما سنرى.
وإذا قيل: ما ذكره هؤلاء ـ السهيلي وغيره ـ بعيد في بادئ الرأي.
فإننا نقول: هو على الأقل من المحتملات في معنى الآية الشريفة، وإن لم يكن متعيناً، ونحن إنما ذكرناه استئناساً به وتأييداً، لا لنستدل به، ونستند إليه.
ما نستند إليه:
أما ما نستند إليه في اعتقادنا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو أول من أرخ بالهجرة، فهو الأمور التالية:
1 ـ ما روي عن الزهري: من أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" لما قدم المدينة مهاجراً أمر بالتاريخ، فكتب في ربيع الأول([66]).
وفي رواية أخرى عن الزهري قال: التاريخ من يوم قدم النبي "صلى الله عليه وآله" مهاجراً([67]).
قال القلقشندي: "وعلى هذا يكون ابتداء التاريخ عام الهجرة"([68]) وتقدمت وستأتي كلمات غيره في ذلك.
ولكن البعض قد وصف هذا الحديث بأنه: خبر معضل، والمشهور خلافه([69])، ولعله هو الذي وصفه الجهشياري بأنه خبر شاذ([70])، ويقرب منه كلام غيره([71]).
أما المسعودي فقد أورد عليه: بأنه خبر مجتنب من حيث الآحاد، ومرسل من عند من لا يرى قبول المراسيل، وإن ما حكاه أولاً من أن عمر هو الذي أرخ بالهجرة، بإشارة علي "عليه السلام" هو المتفق عليه، إذ كان ليس في هذا الخبر وقت معلوم أرخ به، ونقل كيفية ذلك([72]).
لكن إيراد المسعودي وغيره لا يرد على خبر الزهري، لأن إرساله ـ لو سلم ـ وكونه خبر واحد لا يصحح اجتنابه، بل لا بد من الأخذ به، حتى ممن لا يرى قبول المراسيل، وذلك لوجود روايات وأدلة أخرى في المقام تدل على ذلك، كما سنرى([73]).
2 ـ ما رواه الحاكم وصححه، عن عبد الله بن عباس، أنه قال: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، وفيها ولد عبد الله بن الزبير([74]).
3 ـ قال السخاوي: "وأما أول من أرخ التاريخ، فاختلف فيه، فروى ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أنس، قال: كان التاريخ من مقدم رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة، وكذا قال الأصمعي: إنما أرخوا من ربيع الأول شهر الهجرة"([75])، ثم ذكر رواية الزهري المتقدمة.
وذلك يدل على أن واضع التاريخ ليس هو عمر؛ لأن عمر قد أرخ من المحرم كما تقدم.
ثم أورد السخاوي على ذلك بمخالفته للصحيح والمشهور: من أن الأمر به كان في زمن عمر، وأن أول السنة ليس شهر ربيع الأول، وإنما شهر محرم.
ولكن إيراده غير وارد، لأن مجرد كون ذلك خلاف المحفوظ والمشهور لا يوجب فساده، بل لا بد من الأخذ به، والعدول عن المحفوظ والمشهور، حين يقوم الدليل القاطع على خلافه.
ولسوف نرى: أن لدينا بالإضافة إلى ما ذكرنا ما يزيل أي شك، أو ريب في ذلك.
4 ـ إن المؤرخين يقولون: إن الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"، قد هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول، ويرى الزهري وغيره: أنه وصلها في أول يوم منه، وجزم ابن إسحاق والكلبي بأنه إنما خرج من مكة في اليوم الأول منه.
وبعضهم يرى: أنه خرج من الغار في أوله([76]).
ويمكن تأييد دخوله للمدينة في أول ربيع الأول بما تقدم من كتابة علي "عليه السلام" في كتابه: "منذ ولج رسول الله "صلى الله عليه وآله" المدينة"، ولكن هناك ما يؤيد الرأي الآخر أيضاً، وهو إشارته "عليه السلام" بأن يجعل مبدأ التاريخ: منذ ترك الرسول "صلى الله عليه وآله" أرض الشرك أو منذ هاجر، إلا أن يدعى الإجمال في هذه الفقرة، لأنهم كانوا في صدد تعيين السنة التي يبدأون بها، فلا تصادم ظهور الفقرة الأولى فيما قلناه.
المهم في الأمر هنا: أن الهجرة كانت في أول ربيع الأول، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تقدم عن مالك، والأصمعي، وكذلك ما رواه الزهري واستظهرناه من علي "عليه السلام": من أن أول السنة الإسلامية كان ربيع الأول؛ فإننا سوف نطمئن إلى أن التاريخ كان قد وضع قبل زمان عمر، الذي جعل أول السنة شهر محرم، بدلاً من ربيع الأول.
فهذا التغيير من عمر يدل على أنه ليس هو أول من وضع التاريخ الهجري.
ويؤيد ذلك: أن بعض الصحابة كانوا يعدون بالأشهر من مهاجره "صلى الله عليه وآله" الذي هو شهر ربيع الأول إلى أواسط السنة الخامسة.
فأبو سعيد الخدري يقول: إن فرض رمضان، كان بعد ما صرفت القبلة في شعبان بشهر على رأس ثمانية عشر شهراً([77]).
ويتحدث عبد الله بن أنيس عن سريته إلى سفيان بن خالد، فيقول: "خرجت من المدينة يوم الإثنين، لخمس خلون من المحرم، على رأس أربعة وخمسين شهراً([78]).
ومحمد بن مسلمة أيضاً يقول عن غزوة القرطاء: "خرجت في عشر ليال خلون من المحرم، فغبت تسع عشرة، وقدمت لليلة بقيت من المحرم، على رأس خمسة وخمسين شهراً" ([79]).
وبعد هذا يبدأ العد بالسنين، كما يظهر من قول سلمة بن الأكوع، وخالد بن الوليد، وغيرهما([80]).
لقد كانت تلك هي طريقة الصحابة، وعلى ذلك جرى ديدنهم، وتبعهم المؤرخون على ذلك أيضاً، فأرخوا بالأشهر إلى أواسط السنة الخامسة، بل إلى آخرها، ومنها يبدأون بذكر السنين([81]).
وذلك يدل: على أن التاريخ كان قد وضع من أول سني الهجرة، وإلا فلا معنى لأن يسأل صحابي عن واقعة حدثت له في سنة خمس، فيعدل عن ذكر السنة، ويشرع في إجراء حساب، ويقوم بعملية عد تحتاج إلى تفكير وتأمل، وبعد مدة من التأمل والتفكير يعطى الجواب!!
إلا أن يكون ذلك محفوظاً لديه، وجرى ديدنه وطريقته عليه مدة من الزمان، حتى انغرس في ذهنه، وحفظه ووعاه.
كما أن ذلك يعبر عن مدى اهتمام الصحابة في المحافظة على جعل ربيع الأول مبدأ للتاريخ، وإن كانوا قد غلبوا على ذلك فيما بعد.
5 ـ إن بين أيدينا نصاً لعهد النبي "صلى الله عليه وآله" لسلمان الفارسي مؤرخاً بسنة تسع للهجرة.
قال أبو نعيم: عن "الحسن بن إبراهيم بن إسحاق البرجي المستملي، وأخبرنيه عنه محمد بن أحمد بن عبد الرحمن، قال: سمعته يقول:
سمعت أبا علي الحسين بن محمد بن عمرو الوثابي يقول: رأيت هذا السجل بشيراز، بيد سبط لغسان بن زاذان بن شاذويه بن ماه بنداذ، أخي سلمان.
وهذا العهد بخط علي بن أبي طالب "عليه السلام"، مختوم بخاتم النبي "صلى الله عليه وآله"، فنسخ منه ما صورته:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد رسول الله، سأله سلمان، وصية بأخيه ماه بنداذ، وأهل بيته، وعقبه.
ثم ساق أبو نعيم الكتاب إلى أن قال في آخره: وكتب علي بن أبي طالب "عليه السلام"، بأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" في رجب، سنة تسع من الهجرة، وحضر أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، و عبد الرحمن، وسعد، وسعيد، وسلمان، وأبو ذر، وعمار، وعيينة، وصهيب، وبلال، والمقداد، وجماعة آخرون من المؤمنين.
وذكر أيضاً أبو محمد بن حيان، عن بعض من عني بهذا الشأن: "أن رهطاً من ولد أخي سلمان بشيراز، زعيمهم رجل يقال له: غسان بن زاذان، معهم هذا الكتاب، بخط علي بن أبي طالب، بيد غسان، مكتوب في أديم أبيض، مختوم بخاتم النبي "صلى الله عليه وآله" وخاتم أبي بكر وعلي "رضي الله عنهما"، على هذا العهد حرفاً بحرف، إلا أنه قال: وكتب علي بن أبي طالب، ولم يذكر عيينة مع الجماعة"([82]).
وأورد عليه البعض: بانقطاع سنده وركاكة لفظه، وبأن أول من أرخ بالهجرة هو عمر([83]).
ونقول:
إن انقطاع سنده لا يضر ما دام معتضداً بغيره من النصوص والشواهد التي تقدمت وستأتي.
وأما ركاكة لفظه، فهي دعوى غير ظاهرة.
وأما بالنسبة لكون عمر هو أول من أرخ بالهجرة، فهو أول الكلام.
6 ـ كتاب مفاداة سلمان من عثمان بن الأشهل اليهودي، وقد جاء في آخره قوله: "وكتب علي بن أبي طالب الإثنين في جمادى الأولى، مهاجر محمد بن عبد الله رسول الله "صلى الله عليه وآله"([84]).
وقد شكك بعض العلماء في هذا الكتاب، وناقش فيه، وقد ذكرنا كلماتهم وأجبنا عنها في كتابنا سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ص 25 ـ 30 فليراجعه من أراد.
7 ـ قد أورد البلاذري نصاً للكتاب الذي كتبه النبي "صلى الله عليه وآله" ليهود بلدة "مقنا، وبني حبيبة. وقد صالحهم فيه على ربع عروكهم (خشب يصطاد عليه)، وغزولهم، وربع كراعهم، وحلقتهم، وعلى ربع ثمارهم".
قال البلاذري: "وأخبرني بعض أهل مصر: أنه رأى بعينه في جلد أحمر، دارس الخط، فنسخه، وأملى علي فنسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى بني حبيبة، وأهل مقنا: سلم أنتم، فإنه أنزل علي: أنكم راجعون إلى قريتكم، فإذا جاءكم كتابي هذا، فإنكم آمنون، ولكم ذمة الله وذمة رسوله".
ثم ساق البلاذري الكتاب إلى أن قال في آخره:
"وليس عليكم أمير إلا من أنفسكم، أو من أهل بيت رسول الله "صلى الله عليه وآله" وكتب علي بن أبو طالب "عليه السلام" في سنة تسع"([85]).
وقد أورد المعلق على فتوح البلدان، محمد بن أحمد بن عساكر على هذه الرسالة بإيرادين:
أحدهما: أن علياً الذي اخترع علم النحو، حتى لا يختلط بكلام النبط، لا يمكن أن يصدر منه اللحن ويقول: (علي بن أبو طالب) برفع كلمة أبو.
الثاني: أن صلح النبي "صلى الله عليه وآله" لأهل مقنا، كان في غزوة تبوك على ما هو مذكور في كتاب البلاذري، ولا خلاف في أن علياً لم يكن فيها، فكيف يكون علي "عليه السلام" هو كاتب هذا الكتاب([86])؟
ونحن نكتفي في الإجابة على هذين الإيرادين بما ذكره العلامة المحقق الشيخ علي الأحمدي، حيث قال ما ملخصه مع إضافات وزيادات في النصوص وغيرها، قد اقتضاها المقام.
أما الجواب عن الأول: فقد ذكر الملا علي القاري في شرحه لشفاء القاضي عياض، نقلاً عن نوادر أبي زيد الأصمعي عن يحيى بن عمر: أن قريشاً كانت لا تغير الأب في الكنية، بل تجعله مرفوعاً أبداً: رفعاً، ونصباً، وجراً.
وفي نهاية ابن الأثير، في لفظ (أبي) وشرح القاري لشفاء عياض: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كتب إلى المهاجر بن أمية: (المهاجر بن أبو أمية)، ثم قالا: ولما كان أبو أمية مشتهراً بالكنية ولم يكن له اسم معروف غيره، تركه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ومثل القاري لذلك، فقال: (كما يقال: علي بن أبو طالب).
ونضيف هنا قول الزمخشري: "وكتب لوائل بن حجر: من محمد رسول الله إلى المهاجر بن أبو أمية؛ إن وائلاً..
إلى أن قال الزمخشري: أبو أمية ترك في حال الجر على لفظه في حال الرفع، لأنه اشتهر بذلك، وعرف، فجرى مجرى المثل الذي لا يغير، وكذلك قولهم: علي بن أبو طالب ومعاوية بن أبو سفيان" انتهى([87]).
وقال العلامة الأحمدي أيضاً: وفي مجموعة الوثائق السياسية عن الصفدي: أن بعضهم يكتب: علي بن أبو طالب بالواو، ويلفظ: أبي، بالياء، وبعد أن نقل في المجموعة عن التراتيب الإدارية، ما تقدم عن نوادر الأصمعي قال: وفوق ذلك كله: إني لما كنت في المدينة، في شهر محرم سنة 1358، وجدت في الكتابة القديمة التي في جنوب سلع: (أنا علي بن أبو طالب).
وقد تكون هذه الكتابة بخط علي "عليه السلام".
وقال في مجموعة الوثائق أيضاً: إنه وجد كلمة: (علي بن أبو طالب) بالواو، في أربعة مواضع في الكتب المقروة عن الشيوخ.
ونزيد هنا قول العسقلاني: "قال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه (يعني أبا طالب) كنيته"([88]).
وقال مغلطاي: "وقيل: اسمه كنيته فيما ذكر الحاكم، وفيه نظر"([89]).
وذكر المسعودي([90]): أنه قد تنوزع في اسم أبي طالب، فمنهم من رأى أن كنيته اسمه، وأن علياً "عليه السلام" قد كتب ليهود خيبر، بإملاء النبي "صلى الله عليه وآله": (وكتب علي بن أبي طالب)، فإسقاط الألف من كلمة: ابن، يدل على أنه واقع بين علمين، لا بين علم وكنية.
وقال البلاذري: وقال يحيى بن آدم: وقد رأيت كتـاباً في أيدي النجرانيين، كانت نسخته شبيهة بهذه النسخة، وفي أسفله: (وكتب علي بن أبو طالب)، ولا أدري ما أقول فيه([91]).
وفي كتابه بين ربيعة واليمن نراه قد كتب في آخره ـ وهي الرواية المشهورة ـ : (كتب علي بن أبو طالب)([92]).
وقال ابن عنبة: عن محمد بن إبراهيم النسابة: أنه رأى خط أمير المؤمنين في آخره: (وكتب علي بن أبو طالب). وقال: إنه كان في المشهد الغروي الشريف مصحف بخط علي "عليه السلام"، احترق حين احترق المشهد سنة 755 ه. يقال: إنه كان في آخره: وكتب علي بن أبو طالب.
ثم ذكر: أن الواو مشتبهة بالياء لتقاربهما في الخط الكوفي، وأن الصحيح هو (علي بن أبي طالب) حسبما نقله له جده وغيره([93]).
إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه.
ونستطيع أن نستخلص مما تقدم: أن وجود كلمة: (أبو) لا يضر، ولا يوجب إشكالاً في الرواية، ولا سيما إذا لاحظنا ما نقلوه من لغة قريش المتقدمة، ومن ثم، فإننا لا نحتاج إلى تأويل عمدة الطالب، أو غيره.
وأما الجواب عن الإيراد الثاني: فيقول العلامة الأحمدي: إنه لا صراحة في كلام البلاذري، ولا دلالة له على أن هذا الكتاب قد كتب في تبوك، كما أن الكتاب نفسه ليس فيه ما يدل على ذلك، بل فيه ما يدل على وفادة جماعة منهم إلى النبي "صلى الله عليه وآله" وأنهم سوف يرجعون إلى بلدتهم، فلعل وفادتهم إليه كانت إلى المدينة لغرض تجاري، أو لأجل الحصول على هذا الكتاب، أو غير ذلك، فكتب النبي "صلى الله عليه وآله" لهم هذا الكتاب.
ويلاحظ هنا: أن عدداً من المصادر يكتفي بالإشارة إلى أنه "صلى الله عليه وآله" قد كتب لأهل مقنا كتاباً في سنة تسع([94]).
هذا ما ذكره العلامة الأحمدي بزيادات وتصرف وتلخيص، وهو كاف وواف في دفع الإيراد على هذا الكتاب.
8 ـ كتاب صلح خالد بن الوليد لأهل دمشق قال ابن سلام: "حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي عن ابن سراقة: أن خالد بن الوليد كتب لأهل دمشق:
"هذا كتاب من خالد بن الوليد لأهل دمشق: أني قد أمنتهم على دمائهم، وأموالهم، وكنائسهم، قال أبو عبيد: ذكر كلاماً فيه لا أحفظه، وفي آخره: شهد أبو عبيدة الجراح، وشرحبيل بن حسنة، وقضاعي بن عامر، وكتب سنة ثلاث عشرة"([95]).
واحتمال أن تكون العبارة الأخيرة ليست من أصل الكتاب، وإنما هي من تعابير المؤرخين أو الرواة.
يدفعه: أن ذلك خلاف ظاهر العبارة.
أضف إلى ذلك: أنه قد روي عن الواقدي: أن خالداً لم يؤرخ الكتاب ولكن لما أراد المسلمون النهوض إلى اليرموك، جدد خالد للنصارى كتاب الصلح وأثبت فيه شهادة أبي عبيدة وشرحبيل ويزيد بن أبي سفيان، وأرخه بسنة خمس عشرة في ربيع الآخر([96]).
وأضاف ابن كثير إلى الشهود: عمرو بن العاص.
ولا يمنع أن يكون هذا كتاب آخر كتبه لهم فيما يتعلق بكنائسهم حين نهوضه إلى اليرموك، كما ربما يستظهر من عبارة ابن كثير فراجع([97]).
وحتى لو كان تاريخ الكتاب هو سنة 15، فإن ذلك لا يضر في دلالته على المطلوب لأن من المتفق عليه أن قضية عمر كانت بعد ذلك، أي في سنة 16 ه. أو 17 ه .
ولا أحد يدَّعي إطلاقاً: أن وضعه للتاريخ قبل ذلك، ولا سيما بملاحظة: أن فتح دمشق كان أول خلافة عمر، بل قبل أن يصل إلى جند المسلمين في الشام خبر وفاة أبي بكر وتولي عمر.
نقول هذا على الرغم من أننا نرى: أن كلمات أهل المغازي قد اختلفت في وقت فتح دمشق: هل كان في سنة 13 ه أو في سنة 14 ه، وفي أن من صالح أهلها: هل هو أبو عبيدة، أم خالد بن الوليد، وكذلك في أن أيهما كان الأمير على جند المسلمين في الشام؟.
وذلك لأن لدينا ما يشبه اليقين بأن فتح دمشق كان قبل وصول الخبر بوفاة أبي بكر في سنة 13 ه، أو على الأقل قبل إظهار أبي عبيدة للخبر، وأن الذي صالحهم هو خالد بن الوليد، الذي كان أميراً على الجند آنئذٍ.
فقد نصَّ أبو عبيدة، وابن قتيبة، والواقدي، والبلاذري([98])، وكثيرون غيرهم: على أن المصالحة كانت على يد خالد، مما يعني أنه هو الذي كان أمير الجيش إلى حين الصلح.
بل يذكر لنا الواقدي: مشادة عنيفة، حصلت بين أبي عبيدة وخالد، بسبب صلح خالد لهم، تظهر لنا بوضوح مدى عناد خالد في موقفه، وضعف أبي عبيدة معه([99]) الأمر الذي ينسجم كثيراً مع ما نذهب إليه، من أن قيادة الجيش كانت لخالد آنذاك.
يضاف إلى ما تقدم: أن البلاذري وغيره قد ذكروا: أن أبا عبيدة كان على الباب الشرقي، فدخلها عنوة، فجاء أهل المدينة إلى خالد، فصالحوه، وكتب لهم كتاباً، وفتحوا له الباب، ثم نقل البلاذري قول أبي مخنف، الذي يعكس القضية، ثم قال: والأول أثبت([100]).
ويدل على أن ذلك هو الأثبت: أن أكثر المؤرخين يذكرون أن خالداً كان هو المصالح لأهل دمشق، ومن ثم كان هو أمير الجيش.
وتلك الرسالة المذكورة في أول هذا الكلام ونصوص أخرى، تدل دلالة قاطعة على ذلك أيضاً.
وأما عزل خالد، فقد جاءهم وهم محاصرون لدمشق، فكتمه عنه أبو عبيدة نحو عشرين ليلة، حتى فتحت دمشق، حتى لا يوهن أمر خالد، وهم بإزاء العدو([101]).
وقال الواقدي: إن فتحها كان في ليلة وفاة أبي بكر([102]).
وقال زيني دحلان: "وقيل: إنما جاء خبر وفاة أبي بكر، بعد فتح دمشق في سنة ثلاث عشرة، وأن وفاة أبي بكر (رض) كانت في الليلة التي دخلوا فيها دمشق، وكان ذلك لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة، والقائلون بأن خبر وفاته إنما جاء بعد فتح دمشق هم القائلون بأن وقعة اليرموك كانت بعد فتح دمشق، وأنها سنة خمس عشرة"([103]).
وقال ابن كثير: "ظاهر سياق سيف بن عمر يقتضي: أن فتح دمشق وقع في سنة ثلاث عشرة، ولكن نص سيف على ما نص عليه الجمهور من أنها فتحت في نصف رجب سنة أربع عشرة"([104]).
وعن عبد الرحمن بن جبير: أن أبا عبيدة نفسه قد ذهب ليبشر أبا بكر بفتح دمشق، فوجده قد توفي وأمره عمر على الناس، فلما عاد إلى دمشق قالوا: "مرحباً بمن بعثناه بريداً فقدم علينا أميراً"([105]).
وعلى كل حال، فإن كتاب الصلح المتقدم، وسائر ما قدمناه يشهد: بأن خالداً هو الذي صالح أهل الشام وفاقاً لأكثر المؤرخين.
وقد قلنا: إنه حتى لو كان الكتاب مؤرخاً بسنة 15، أو كان ذلك كتاباً آخر، فإنه أيضاً يدل دلالة واضحة على أن التاريخ كان قد وضع قبل خلافة عمر.
وأما لماذا يعدل الرواة والمؤرخون عن الحقيقة، ألا وهي مصالحة خالد لأهل الشام قبل وفاة أبي بكر، فلعل تقارب الأحداث وتتابعها قد أوقعهم في الخلط والاشتباه، ولعله حين نريد أن نحسن الظن بهم ـ وهم أهل ومحل لذلك!! ـ قد كان لتعمد إظهار: أن عهد عمر كان عهد الفتوحات العظيمة، والتوسع الكبير، ولا بد أن يكون فتح الشام، وهي هامة جداً، في عهده هو لا في عهد أبي بكر.
وأيضاً فثمة اهتمام خاص ظاهر للعيان بإثبات شجاعة خالد وإظهار قوته، وبطولاته في مواقفه، وأنه ـ دون كل أحد ـ رجل السيف والسنان، فلا بد أن يكون قد فتحها عنوة، وأن يكون الذي صالح أهلها غيره!! ولو كان ذلك عن طريق الكذب والدجل والتزوير.
وأما أن أي ذلك الذي ذكرناه هو السبب الحقيقي في العدول عن الحقيقة، فلست أدري، ولعل القارئ الفطن الذكي يدري.
9 ـ ونقل السيوطي عن مجموعة بخط ابن القماح ذكر فيها: أن ابن الصلاح قال: "ذكر أبو طاهر، محمد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط:
أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أرخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأمر علياً أن يكتب فيه: أنه كتب لخمس من الهجرة.
قال: فالمؤرخ بهذا إذاً رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعمر تبعه في ذلك"([106]).
وقال السيد عباس المكي: "التاريخ سنة ماضية، وطريقة راضية، أمر بها رسول الله "صلى الله عليه وآله" حين كتب إلى نصارى نجران، فأمر علياً "رضي الله عنه": أن يكتب فيه: (كتب لخمس من الهجرة)"([107])، ثم نقل رواية ابن شهاب المتقدمة.
وقال السخاوي: "فإن ثبت، فيكون عمر متبعاً، لا مبتكراً"([108]).
وقال السيوطي أيضاً: "وقد يقال: هذا صريح في أنه يقال: أرخ سنة خمس.
والحديث الأول (يعني رواية الزهري المتقدمة) فيه: أنه أرخ يوم قدوم المدينة.
ويجاب: بأنه لا منافاة، فإن الظرف وهو قوله: "يوم قدم المدينة" ليس متعلقاً بالفعل وهو أمر، بل بالمصدر وهو (التاريخ)، أي أمر بأن يؤرخ بذلك اليوم، لا أن الأمر كان في ذلك اليوم"([109])، هذا كلام السيوطي.
ولكن ثمة جواب أوضح وأظهر، وهو: أنه "صلى الله عليه وآله" قد أمر بالتاريخ من أول قدومه، وجعل مبدأه أول ربيع الأول؛ واستعمله النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه حين كتب لنصارى نجران في سنة خمس.
10 ـ خبر الصحيفة السجادية الذي يظهر منه: أن جعل هجرة الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" مبدأ للتاريخ كان مرتبطاً بالمبدأ الأعلى جل وعلا، حيث جاء في الخبر: أن جبرائيل "عليه السلام" قال للنبي "صلى الله عليه وآله": "تدور رحى الإسلام من مهاجرك؛ فتلبث بذلك عشراً، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمس وثلاثين من مهاجرك، فتلبث بذلك خمساً"([110]).
11 ـ وعن أم سلمة قالت: "قال رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقتل حسين بن علي على رأس ستين من مهاجري"([111]).
12 ـ وعن أنس قال: "حدثنا أصحاب النبي "صلى الله عليه وآله": أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال: لا تأتي مئة سنة من الهجرة ومنكم عين تطرف"([112]).
13 ـ وقد ذكر البعض نصاً للكتاب الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة، وجاء في آخره: "وإن غدروا بفعل أو بقول فالذمة منهم بريئة، وكتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة"([113]).
ومن المعلوم: أن فتح الحيرة على يد خالد كان في زمن أبي بكر، وذلك معناه أن التاريخ كان قد وضع واستعمل قبل خلافة عمر، فكيف يكون عمر هو واضع التاريخ في سنة ست عشرة؟ وقد يمكن تأييد ذلك بما تقدم عن السهيلي وابن عباس، وغير ذلك مما لا مجال لذكره.
هذا، واحتمال أن تكون العبارة الأخيرة من كلام الرواة أو المؤرخين ليس له ما يؤيده، كما ألمحنا.
14 ـ ما رواه الحافظ عبد الرزاق عن أبي هريرة قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب على رأس الستين تصير الأمانة غنيمة الخ.."([114]).
15 ـ ما رواه عبد الرزاق أيضاً عن ابن مسعود قال: "إذا كانت سنة خمس وثلاثين حدث أمر عظيم، فإن تهلكوا فبالحرا، وإن تنجوا فعسى. وإذا كانت سبعين رأيتم ما تنكرون"([115]).
فإن ابن مسعود وأبا هريرة إنما علما ذلك عن طريق النبي "صلى الله عليه وآله"؛ لأنه تنبؤ بالغيب، وهذا يدل على أنه "صلى الله عليه وآله" هو واضع التاريخ الهجري.
16 ـ وفي حديث رواته ثقات: "نعوذ بالله من رأس الستين وفي رواية: من سنة ستين، ومن إمارة الصبيان"([116]).
وعن أبي هريرة أنه قال: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان([117]).
17 ـ عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر "رض" مرفوعاً: "إذا كان على رأس السبعين ومئة فالرباط بجدة من أفضل ما يكون من الرباط"([118]).
عود على بدء:
وبعد كل ما قدمناه، يتضح: أن ما اشتهر بين الناس من أن واضع التاريخ الهجري الإسلامي هو عمر بن الخطاب، مما لا يمكن القبول به ولا المساعدة عليه؛ وأن ما حدث في زمن عمر هو فقط: جعل مبدأ السنة الهجرية شهر محرم، بدلاً من ربيع الأول، إما باقتراح من عمر نفسه، أو بإشارة من عثمان، ومحرم ـ كما هو معلوم ـ كان مبدأ السنة في الجاهلية!!([119]).
وليس من البعيد: أن يكون التاريخ الهجري الذي وضعه النبي "صلى الله عليه وآله"، وأرخ به أكثر من مرة، لم يكن قد اشتهر بين الناس، بسبب قلة احتياجهم للتاريخ في تلك الفترة، فجمع عمر الصحابة ليتفقوا على تاريخ، حسبما تقدم بيانه([120]).
ولكننا رأينا في الاجتماع دعوات مغرضة لتناسي ذلك التاريخ الذي أمر به ووضعه الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله"، فهذا يشير بتاريخ الروم؛ وبعض مسلمي اليهود يشير بالتاريخ الذي يرجع إلى زمان الإسكندر والهرمزان، يستشيره عمر ـ مع أن عمر كان يكره الفرس كراهية شديدة ـ فيشير عليه بتاريخ الفرس، كلما هلك ملك أرخوا من ولاية الذي بعده.
ورابع: يشير بجعل مبدأ التاريخ مولد النبي "صلى الله عليه وآله" ـ عام الفيل ـ الذي كان العرب يؤرخون به في جاهليتهم المتأخرة، وهكذا، "وكثر منهم القول وطال الخطب في تواريخ الأعاجم وغيرها" على حد تعبير المسعودي([121]).
ولكن علياً "عليه السلام" حافظ الدين ورائد الحق، قد أعلن في الوقت المناسب: التاريخ الهجري الذي وضعه الرسول "صلى الله عليه وآله"، وأرخ به هو نفسه في حياة النبي "صلى الله عليه وآله" العديد من الكتب والمعاهدات.
فلم يكن ثمة بد من قبول رأيه والإذعان لمشورته، لأنها حق، والحق يعلو ولا يعلى عليه.
واتخاذه الهجرة مبدأ للتاريخ دون يوم ولادته ووفاته "صلى الله عليه وآله"، إنما هو لأهمية الهجرة من دار الشرك؛ حيث الذل والهوان إلى دار الإسلام حيث العزة والكرامة، فهي مهمة جداً في صنع التاريخ والإنسانية، كما أنه يكون بذلك "صلى الله عليه وآله" قد أبعد كل المواقف المخزية، والأحداث التي تختص بالطواغيت والظلام عن أن تجعل مبدأ للتاريخ، وعن أن تصبح في جملة الرواسب والمرتكزات، التي يعتادها الإنسان ويألفها، وتستقر في وعي الناس كجزء من التراث، والثقافة، والحياة.
والتاريخ المسيحي إذاً لماذا؟:
وبعد.. فإننا نسجل هنا بكل أسف وأسى حقيقة: أن الغربيين وغير المسلمين يحافظون على تراثهم وعلى خصائصهم، مهما كانت تافهة وحقيرة، وغير ذات أهمية، ولا يتنازلون عنها في أي من الظروف والأحوال، بل هم يطمحون إلى بثها وترسيخها لدى غيرهم من الجماعات والأمم، ولو على حساب تدمير تاريخ وتراث تلك الجماعات؛ فنجد أنهم عندما يكتبون عن الشؤون والتواريخ الإسلامية يصرون على تحوير التاريخ الهجري، الذي ضبطت به الحوادث إلى الميلادي الشمسي، مهما كان ذلك موجباً لضياع كثير من الحقائق، والغلط والخلط فيها نتيجة للاختلاف فيما بين التاريخين.
أما نحن: فإننا نتنازل عن كثير من الأشياء التي قد يكون الكثير منها رئيسياً وأساسياً، بدعوى التقدمية والرقي، وغير ذلك من ألفاظ خلابة، وشعارات براقة، تخفي وراءها الكثير الكثير من المهالك والأخطار، بل لقد تخلت بعض البلاد الإسلامية حتى عن الخط العربي، واستبدلته بالخط اللاتيني، بالإضافة إلى تخليهم عن كثير من شؤونهم الحياتية حتى زيهم ولباسهم، وحتى طريقة عيشهم أيضاً.
وهكذا كان حالنا بالنسبة للتاريخ الهجري، حيث قد تخلينا عنه، وبكل يسر وسهولة رغم أنه من موجبات عزتنا، وعليه يقوم تاريخنا وتراثنا، فاستبدلناه بالتاريخ المسيحي الشمسي، المستحدث بعد ظهور الإسلام ببرهة طويلة، لأن النصارى كانوا يؤرخون برفع المسيح "عليه السلام"([122])، لا بميلاده، وعلى حسب نص آخر: إنهم كانوا يؤرخون بعهد الإسكندر ذي القرنين([123])، حتى إن ابن العبرى، وهو من اليعاقبة المسيحيين، وقد بلغ إلى درجة تعادل درجة الكاردينال، وتوفي سنة 685 ه. لم يؤرخ في كتابه بتاريخ المسيح أصلاً، بل اعتمد تاريخ الإسكندر في مواضع عديدة في كتابه فراجع.
فلو كان تاريخ المسيح شائعاً أو معروفاً في عصره لم يعدل عنه.
ويظهر من كلام السخاوي المتقدم، والمتوفى سنة 902 ه أن التاريخ بميلاد المسيح لم يكن متداولاً إلى أوائل القرن العاشر الهجري.
وها نحن نرى العديد من الدول التي تطلق على نفسها اسم الإسلام، قد اتخذت هذا التاريخ المسيحي، لا الفارسي ولا الرومي اللذين سبق أن اقترحا على الصحابة في الصدر الأول.
نعم، لقد اعتمدوا التاريخ المسيحي، بدعوى الحضارة والتقدمية، وما إلى ذلك من شعارات، وتركوا ما هو مصدر عزتهم، وما عليه يقوم تاريخهم وتراثهم، كما تنازلوا عن الكثير الكثير مما هو أعظم وأهم، والتنازل عنه أخطر، وأدهى.
ملاحظة:
قيل لأبي عبد الله "عليه السلام" فيما روي: إن النصارى يقولون: إن ليلة الميلاد في أربعة وعشرين من كانون؟
فقال: كذبوا، بل في النصف من حزيران، ويستوي الليل والنهار في النصف من آذار([124]).
والملاحظ: أن الآية قد صرحت بوجود الرطب في وقت ميلاد عيسى "عليه السلام" قال تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً}([125])، إلا أن يدعى: أن وجود الرطب كان على سبيل الإعجاز.
ومن جهة أخرى نقول: إن مريم قد انتبذت من أهلها مكاناً قصياً وشرقياً أيضاً، وكان في مكان الولادة نخل ورطب..
وهذا يشير إلى صحة الروايات التي تقول: أنها ولدت عيسى في مسجد براثا في بغداد فراجع..
دعوة مخلصة:
فنحن ندعو الأمم الإسلامية إلى اعتماد التاريخ الهجري القمري في تقاويمهم وتواريخهم، لأن ذلك يصل ماضيهم بحاضرهم، ويذكرهم بسر مجدهم وعزتهم، وهو هذا الدين الذي اختاره الله لهم وللإنسانية جمعاء.
مضافاً إلى أنه لو كان المفروض جعل أعظم الحوادث مبدأ للتاريخ، فأي حادثة أعظم من ظهور نبي الإسلام، وما تلا ذلك من الحوادث العظام؟.
قال العلامة المجلسي: "والعلة الواقعية في ذلك، يمكن أن تكون ما ذكر من أنها مبدأ ظهور غلبة الإسلام والمسلمين، ومفتتح ظهور شرائع الدين، وتخلص المؤمنين من أسر المشركين، وسائر ما جرى بعد الهجرة من تأسيس قواعد الدين المبين"([126]).
نقول ذلك للأمم الإسلامية جمعاء وللعرب على الخصوص، فإننا حتى لو تنزلنا عن ذلك من حيث الدين، فإن عليهم أن يلتزموا به بما أنهم عرب، وأذكرهم هنا بالكلمة القوية التي أطلقها الحسين سيد الشهداء "عليه السلام" حينما قال: "إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنيـاكم هذه، وارجعوا إلى أحسـابكم، إن كنتم عربـاً كـما تزعمون"([127]).
نسأل الله أن يعيد إليهم صوابهم، ويجعلهم يسترشدون بعقولهم وضمائرهم.
وإذا كانوا يقلدون غيرهم في كل شيء تحت ظل مثل تلكم الشعارات، فليقلدوهم في هذه النقطة أيضاً، أي في عدم التنازل عن الخصائص الخيرة، والتراث العظيم، ثم الاستجداء من الآخرين والأخـذ منهم ما قـد يكـون ـ بل هو كائن فعلاً ـ ضرره أكثر من نفعه.
{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}([128]).
الفصل الثاني:
بناء مسجد المدينة
بناء المسجد:
واشترى النبي "صلى الله عليه وآله" ـ أو وهب له ـ موضع المسجد، الذي يقال: إنه كان مربداً([129]) ليتيمين من الخزرج، كانا في حجر أسعد بن زرارة، أو غيره اشتراه ـ على ما قيل ـ بعشرة دنانير.
فأسس "صلى الله عليه وآله" المسجد في ذلك الموضع، ونقلوا إليه الحجارة من منطقة الحرة، وشارك "صلى الله عليه وآله" بنفسه في نقلها، الأمر الذي دفع الصحابة إلى الدأب في العمل، والجد فيه، حتى قال قائلهم:
لـئـن قـعـدنـــا والنبي يـعـمــل لـذاك مـنـا الـعـمـل المـضـلـــل
وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون:
الـلـهـم إن الأجـر أجـر الآخـرة فـارحـم الأنـصـار والمـهــاجـرة
أو نحو ذلك([130]).
وسيأتي: أن هذين البيتين أنشدهما المسلمون وهم يحفرون الخندق.
ولا مانع من تعدد الواقعة إذا تشابهت الحالات والدواعي.
وجعل طوله مئة ذراع في مثلها، أو قريباً من ذلك، وقيل: جعله سبعين في ستين.
ونحتمل أن يكون كلاهما صحيحاً، وأنه جعله في البناء الأول سبعين في ستين، ثم وسعه في البناء الثاني([131]).
وابتنى الرسول "صلى الله عليه وآله" مساكنه، وابتنى أصحابه مساكنهم حول المسجد، وكل قد شرع له إلى المسجد باباً، وقد سدت الأبواب كلها فيما بعد سوى باب أمير المؤمنين "عليه السلام"، كما سيأتي.
وقبل أن نمضي في الحديث، لا بد من الالتفات إلى بعض ما يقال هنا، من أجل تقييمه، وبيان وجه الحق فيه وذلك حسبما يلي:
أ ـ أبو بكر والعشرة دنانير:
إنهم يقولون: إن أبا بكر هو الذي دفع العشرة دنانير، ثمن المربد([132]).
ونحن نشك في ذلك.
أولاً: لأن أبا بكر لم يكن له القدرة المالية على ذلك، ولو كانت، فنحن نشك في إقدامه على هذا الأمر، وذلك استناداً إلى ما قدمناه في حديث الغار.
ثانياً: لو سلمنا وقبلنا: أنه كان قادراً، فإننا نجد في المقابل رواية تقول: إن أسعد بن زرارة قد عوض اليتيمين نخلاً له في بني بياضة، وفى أخرى: أرضاهما أبو أيوب، وفي ثالثه: معاذ بن عفراء([133]).
واحتمل البعض: أن يكون أبو بكر قد دفع الثمن، وأعطى الباقون زيادة عليه براً وصلة([134]).
ولكن ذلك ليس بأولى من العكس، أضف إلى ذلك أنه لا ينسجم مع التعبير بكلمة: "عوضهما" فإنه ظاهر في كونه ثمناً وعوضاً، لا براً وصلة.
ثالثاً: قد روى البخاري وغيره: أن الرسول "صلى الله عليه وآله" أرسل إلى ملأ من بني النجار، فقال: يا بني النجار، ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله، لا نطلب ثمنه إلا من الله([135]).
ب ـ أحجار الخلافة:
وقد روى الحاكم، عن عائشة، قالت: أول حجر حمله النبي "صلى الله عليه وآله" لبناء المسجد، ثم حمل أبو بكر حجراً آخر، (ثم حمل عمر)([136])، ثم حمل عثمان حجراً آخر.
فقلت: يا رسول الله، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك؟.
فقال: يا عائشة، هؤلاء الخلفاء من بعدي.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه([137]).
ولكن هذه الرواية لا يمكن أن تصح، فعدا عن تناقض واختلاف نصوصها كما لا يخفى على من راجعها في المصادر المختلفة وقارن بينها، فإننا نذكر:
أولاً: قال الذهبي، بعد أن ضعف سند الحديث: "لو صح هذا لكان نصاً في خلافة الثلاثة، ولا يصح بوجه، فإن عائشة لم تكن يومئذ دخل بها النبي "صلى الله عليه وآله"، وهي محجوبة صغيرة، فقولها هذا يدل على بطلان الحديث"([138]).
ولنا تحفظ على قوله: إنها كانت صغيرة، ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
وقال ابن كثير: "هذا الحديث بهذا السياق غريب جداً"([139]).
ثانياً: وفي مقام الإشكال على حديث سفينة: في أحجار الخلافة المتقدم([140]) قال البخاري في تاريخه: "ابن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان، وعلي (كذا) قالوا: لم يستخلف النبي "صلى الله عليه وآله"([141]).
لقد قالت عائشة: "لو كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" مستخلفاً لاستخلف أبا بكر وعمر" و صححه الحاكم والذهبي([142]).
يريد البخاري: أن هذا الحديث يخالف عقيدة أهل السنة في كون النبي "صلى الله عليه وآله" لم ينص، ولم يستخلف، وبهذا يصححون خلافة أبي بكر التي جاءت بطريقة غير طبيعية ولا مألوفة.
وقد ذكر العلامة الأميني([143]): طائفة كبيرة من كلماتهم الدالة على أن الخلافة انتخابية، فهذه الرواية تكون كاذبة على مذهبهم، وهي كاذبة واقعا أيضاً، لأنه "صلى الله عليه وآله" إنما نص على أمير المؤمنين علي "عليه السلام" خليفة بعده، والنصوص الدالة على ذلك لا تكاد تحصى، وقد استدل بذلك أمير المؤمنين وصحبه، وأهل بيته وولده، وشيعته من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم، وإلى يومنا هذا، ولا يكاد يخلو كتاب من تلك النصوص المتضافرة والمتواترة، جملة وآحاداً([144]).
ثالثاً: إن هذه الرواية تذكر عثمان في جملة الواضعين للأحجار الأولى، ولكن عثمان ـ كما يقولون ـ كان حينئذٍ في الحبشة، كما أشار إليه السمهودي ولم يكن حاضراً في المدينة، ولأجل ذلك حذف السهيلي عثمان من الرواية([145]).
تحريف في مستدرك الحاكم:
ولعل هذا هو السر في حذفها تبرعاً من نص الحاكم، حين طبع كتابه، لأن الذهبي ذكرها في تلخيصه، وهذا يعد من التحريف الذي هو خيانة حقيقية للدين وللأمة وللأجيال.
والخلاصة: أن عثمان وإن قدم مكة حين بلغهم إسلام أهل مكة، لكنهم لما تبين لهم خلاف ذلك، رجع عدة منهم وبقي عدة، ويبدو أن عثمان قد كان من جملة من رجع كما يدل عليه قولهم: إن عثمان قد هاجر الهجرتين إلى الحبشة([146]).
وذكر العسقلاني: أنه بعد أن سمع المسلمون الذين في الحبشة بهجرته "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة، عاد منهم ثلاثون إلى مكة ومنهم ابن مسعود، الذي وصل المدينة في حين كان "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى بدر..([147]).
ولكن لا ندري كيف يصح كلام العسقلاني هذا؛ إذ ما هو السبب في عودتهم إلى مكة، مع أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد تركها إلى المدينة!! إلا أن يكون هو إرادة الحصول على أموالهم، وهو بعيد.
ج: عثمان وعمار:
ويقولون: "كان عثمان بن عفان رجلاً نظيفاً متنظفاً، وكان يحمل اللبنة، فيجافي بها عن ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه، ونظر إلى ثوبه، فإن أصابه شيء من التراب نفضه، فنظر إليه علي بن أبي طالب، فأنشأ يقول:
لا يستوى مـن يعمـر الـمساجـدا يـدأب فـيـهـا قـائمـاً وقـاعــد
ومـن يـرى عـن الـتـراب حـائـد
فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها، وهولا يدري من يعني بها، فمر بعثمان، فقال: يا ابن سمية، بمن تعرض ـ ومعه جريدة ـ فقال: لتكفن، أو لأعترضن وجهك، فسمعها النبي "صلى الله عليه وآله"، وهو جالس في ظل بيت أم سلمة ـ وفي رواية: في ظل بيته ـ فغضب "صلى الله عليه وآله"، ثم قال: إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ، ووضع يده بين عينيه.
فكف الناس عن ذلك، ثم قالوا لعمار: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد غضب فيك، ونخاف أن ينزل فينا القرآن.
فقال: أنا أرضيه كما غضب.
فقال: يا رسول الله، ما لي ولأصحابك؟
قال: ما لك ولهم.
قال: يريدون قتلي، يحملون لبنة لبنة، ويحملون على اللبنتين والثلاث.
فأخذ بيده، فطاف في المسجد، وجعل يمسح وفرته من التراب.
ويقول: يا ابن سمية، لا يقتلك أصحابي، ولكن تقتلك الفئة الباغية"([148]).
وهكذا نجد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يستفيد حتى من حالة المزاح التي يريد أن يثيرها عمار، في متابعة شؤون الدعوة، وفي تحصين المسلمين من الانخداع بأولئك الذين يظهرون الدين والتدين، وهم إنما يعملون من أجل تحقيق أهدافهم، وفي سبيل مصالحهم، فعلى الناس في المستقبل أن يلتفتوا لهذه الحقيقة، كما أن هذه الإشارة منه "صلى الله عليه وآله" إلى قتلة عمار الذي سيقتله ابن عم عثمان (معاوية) بحجة الطلب بدم عثمان نفسه الذي له هذا الموقف الخشن من عمار، لا يخلو من طرافة، وهو أمر يدعو إلى التأمل والتدبر حقاً.
ألم يكن عثمان في الحبشة؟!
ونعود إلى سياق الحديث فنقول: ولكن أليس قد قدمنا: أن عثمان لم يكن حاضراً حين بناء المسجد، وإنما كان في الحبشة؟!
ولعله لأجل هذا استبدل العسقلاني، والحلبي عثمان بن عفان بعثمان بن مظعون([149]).
وقبل أن نجيب عن ذلك: نشير إلى ما تقدم من أنه لا مورد لهذا الكلام لو قلنا: إنه "صلى الله عليه وآله" قد بقي عند أبي أيوب سنة أو سبعة أشهر، لأنه كان مشغولاً ببناء المسجد وبيوته، إذ من الممكن أن يصل الخبر إلى المهاجرين في الحبشة، ويأتون إلى المدينة خلال هذه المدة، ومنهم عثمان، فيكون عثمان قد شارك في البناء، وجرى ما جرى، وإن لم يشارك في التأسيس، ووضع أحجار الخلافة!!.
ولكننا على أي حال، قد استبعدنا بقاء المسلمين هذه المدة الطويلة في بناء مسجده "صلى الله عليه وآله"، وهم يعدون بالعشرات، وقد بايعه منهم في العقبة أكثر من ثمانين من المدنيين.
والجواب الصحيح هنا هو: أن الظاهر هو أن قضية عثمان وعمار قد وقعت حين البناء الثاني للمسجد، وذلك بعد عام خيبر، أي في السنة السابعة للهجرة([150]).
ويدل على ذلك:
أولاً: ما رواه البيهقي في الدلائل قال: لما قتل عمار قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه: قد قتلنا هذا الرجل، وقد قال رسول الله فيه ما قال! قال: أي رجل؟
قال: عمار بن ياسر، أما تذكر يوم بنى رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسجد، فكنا نحمل لبنة لبنة، وعمار يحمل لبنتين، فمر على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال: تحمل لبنتين وأنت ترحض؟ أما إنك ستقتلك الفئة الباغية، وأنت من أهل الجنة، فدخل عمرو إلى معاوية الخ..([151]).
قال السمهودي بعد ذكر هذه الرواية: "قلت: وهو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد، لأن إسلام عمرو كان في الخامسة"([152]).
وروى عبد الرزاق وغيره: أن عمرو بن العاص دخل على معاوية، وأخبره: أنه سمع رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول لعمار: تقتله الفئة الباغية([153]).
ودخل رجلان على معاوية يختصمان برأس عمار، فقال لهما عبد الله بن عمرو بن العاص: لتطب نفس كل واحد منكما لصاحبه برأس عمار، فإني سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: تقتل عمار الفئة الباغية.
فقال معاوية لعمرو: ألا تغني عنا مجنونك هذا؟([154]).
ومعلوم: أنها قضية واحدة في مناسبة واحدة.
ثانياً: لقد ورد في الرواية نفسها ما يدل على أنها قد كانت في البناء الثاني، وذلك لأنها ذكرت: أنه كان يستظل ببيت أم سلمة، ومعلوم أنه "صلى الله عليه وآله" قد بنى المسجد أولاً، ثم بنى بيوته([155])، كما أنه "صلى الله عليه وآله" كان يبني بيوته بالتدريج عند الحاجة إليها، وأول ما بنى بيت سودة وعائشة([156])، فلا ريب في أنه "صلى الله عليه وآله" قد بنى بيت أم سلمة بعد بنائه المسجد بمدة طويلة، وذلك بعد موت أبي سلمة كما سيأتي.
سر انتصار النبي ' لعمار:
ويلاحظ هنا: أن المسلمين قد كانوا على درجة من الوعي، بحيث كانوا يدركون: أن عملهم هذا ليس لأجل الدنيا، وإنما هو للآخرة، وأن الآخرة هي التي يجب أن يكون لها المقام الأول والأخير في تفكيرهم، وأعمالهم ومواقفهم، فإن العيش الحقيقي هو عيش الآخرة، بل لا عيش سواه، والخسران المبين هو الخسران فيها.
اللهم لا عـيـش إلا عـيـش الآخـرة اللهم ارحـم الأنصـار والمهـاجرة
وكان انتصار النبي "صلى الله عليه وآله" لعمار، الذي ملئ إيماناً إلى مشاشه ـ كما جاءت به الرواية عنه "صلى الله عليه وآله"([157]) ـ وعذب في سبيل الله، ولم يزل ولا يزال يعمل من أجل دينه وعقيدته بإخلاص ووعي، كان انتصار النبي "صلى الله عليه وآله" له من هذا المنطلق بالذات، حينما تهدده بعض من كان يدل عمله وتصرفاته، وتجافيه عن الغبار والتراب على أنه ليس بالمستوى المطلوب، بل ربما كان للدنيا بالنسبة إليه المقام الأول، كما ربما يستفاد من أفعاله اللاحقة، فانتصر النبي "صلى الله عليه وآله" لعمار، ليدل على أنه منسجم مع جهاده، ومع وعيه وإخلاصه لدينه وعقيدته.
هذا، ولا بد من التنبيه أخيراً، إلى أن عثمان قد حاول تعيير وتحقير عمار بنسبته إلى أمه، حيث قال له: "يا ابن سمية بمن تعرض؟ الخ.." مع أن أم عمار كانت أول شهيد في الإسلام، حيث قتلت بفعل التعذيب من أجل دينها وعقيدتها.
وقد أشار النبي "صلى الله عليه وآله" في انتصاره لعمار ومحاماته عنه إلى المقام الشامخ لأمه الصابرة المجاهدة سمية "رحمها الله" فينسبه إليها، ويقول: "يا ابن سمية لا يقتلك أصحابي الخ..".
لماذا المسجد أولاً:
إن من الملاحظ: أن أول عمل بدأ به "صلى الله عليه وآله" في المدينة هو بناء المسجد، وهو عمل له دلالته وأهميته البالغة.
وذلك لأن المسلمين كانوا فئتين: مهاجرين وأنصاراً، وتختلف ظروف كل من الفئتين، وأوضاعها النفسية، والمعنوية، والمعيشية، وغير ذلك عن الفئة الأخرى.
والمهاجرون أيضاً كانوا من قبائل شتى، ومستويات مختلفة: فكرياً، واجتماعياً، مادياً، ومعنوياً، كما ويختلفون في طموحاتهم، وتطلعاتهم، وفي مشاعرهم، وفي علاقاتهم، ثم في نظرة الناس إليهم، ومواقفهم منهم، وتعاملهم معهم، إلى غير ذلك من وجوه التباين والاختلاف، وقد ترك الجميع أوطانهم وأصبحوا بلا أموال، وبلا مسكن، إلى غير ذلك مما هو معلوم، وكذلك الأنصار؛ فإنهم أيضاً كانوا فئتين متنافستين، لم تزل الحرب بينهما قائمة على ساق وقدم إلى عهد قريب.
وقد أراد الإسلام أن ينصهر الجميع في بوتقة الإسلام ليصبحوا كالجسد الواحد، في توادهم وفي تراحمهم وتعاونهم، وغير ذلك، وأن تتوحد جهودهم وأهدافهم، وحركتهم، ومواقفهم، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى إعداد وتربية نفسية، وخلقية، وفكرية لكل هذه الفئات، لتستطيع أن تتعايش مع بعضها البعض، ولتكون في مستوى المسؤولية، التي يؤهلها لها في عملية بناء للمجتمع المتكافل المتماسك الذي هو نواة الأمة الواحدة التي لها رب واحد وهدف واحد، ومصير واحد.
وليصبح هذا المجتمع قادراً على تحمل مسؤولية حماية الرسالة، والدفاع عنها، حينما يفرض عليه أن يواجه تحدي اليهود في المدينة، والعرب والمشركين، بل والعالم بأسره، لا بد أن تنصهر كل الطاقات والقدرات الفكرية والمادية وغيرها لهذا المجتمع في سبيل خدمة الهدف: الرسالة فقط.
والمسجد هو الذي يمكن فيه تحقيق كل ذلك، إذ لم يكن مجرد محل للعبادة فقط ولا غير، بل كان هو الوسيلة الفضلى للتثقيف الفكري، إن لم نقل: إنه لا يزال حتى الآن أفضل وسيلة لوحدة الثقافة والفكر والرأي، حينما يفترض فيها أن تكون من مصدر واحد، وتخدم هدفاً واحداً في جميع مراحل الحياة، مع الشعور بالقدسية، والارتباط بالله تعالى.
وهكذا فإن ذلك من شأنه أن يبعد المجتمع المسلم عن الصراعات الفكرية، التي تنشأ عن عدم وجود وحدة موضوعية للثقافة التي يتلقاها أفراده كل على حدة، فتتخالف المفاهيم والأفكار والمستويات، وتزيد الفجوات اتساعاً باستمرار، حتى يظهر نتيجة لذلك عدم الانسجام في وضوح الهدف، وفي المشاعر، وفي الاندفاع نحوه، مما يؤثر تأثيراً كبيراً على مسيرة الوصول إليه، والحصول عليه.
وبهذا يتضح: أن المدرسة التي نعرفها اليوم إذا كانت لا تعطي إلا المفاهيم الجافة، والأفكار البعيدة عن واقع الإنسان، والتي لا تنسجم مع احتياجاته، ولا مع تكوينه النفسي والفكري وغير ذلك، بالإضافة إلى عدم الشعور فيها بالله سبحانه وتعالى، أو الخضوع له، فإن هذه المدرسة لن تكون هي الوسيلة المنشودة، بل يكون المسجد هو الأفضل والأمثل حسبما أوضحناه، لا سيما وأنها لن تكون قادرة على ملء الفراغ العقائدي والفكري له، حيث يبقى عرضة للتيارات والأهواء، وفي متناول أيدي المتاجرين بالشعوب عن طريق وسائل الإعلام الهدامة التي يملكونها.
وأما استعمال وسائل الإعلام في عملية الإعداد والتربية، فإنها بالإضافة إلى ما تقدم، تجعل الإنسان إنطوائياً ومحدوداً يفكر تفكيراً شخصياً بشكل عام، وتقلل فيه إحساسه بالحاجة إلى الآخرين، وإلى الارتباط بهم، ولا تسهل عليه محبتهم ومودتهم.
وخلاصة الأمر: أن العمل الاجتماعي عبادة، والجهاد عبادة، والعمل السياسي حتى استقبال الوفود، وتدبير أمور المسلمين عبادة أيضاً.
وهكذا يقال في علاقات المؤمنين بعضهم ببعض، وتزاورهم وحضورهم مجلس الرسول "صلى الله عليه وآله" وتعلمهم الأحكام، فإن كل ذلك وسواه عبادة أيضاً.
والمسجد هو أجلى وأفضل موضع تتجلى فيه هذه العبادة، كما أن المسجد هو الوسيلة الفضلى للتثقيف، وللتربية النفسية، والخلقية، والعقائدية.
وهو من الجهة الأخرى وسيلة لشيوع الصداقات، وبث روح المحبة والمودة بين المسلمين، فإنه حينما يلتقي المسلمون ببعضهم البعض عدة مرات يومياً في جو من الشعور ـ عملاً ـ بالمساواة والعدل، وحينما تتساقط كل فوارق الجاه والمال، وغيرها، ويبتعد شبح الأنانية والغرور عن أفق هذا الإنسان، فإنه لا بد أن تترسخ حينئذٍ فيما بين أفراد هذا المجتمع أواصر المحبة والتآخي والتآلف، ويشعر كل من أفراده بأنه في مجتمع يبادله الحب والحنان، وأن له إخواناً يهتمون به، ويعيشون قضاياه ومشاكله، ويمكنه أن يستند إليهم، ويعتمد عليهم، الأمر الذي يجعل هذا المسلم يثق بنفسه وبدينه، وبأمته، وليكون المثال الحي للمؤمن الصادق الواعي والواثق، ولتكون الأمة من ثم خير أمة أخرجت للناس.
ثم إن المسجد يساعد على تبسيط العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، ويقلل من مشاكل التعامل الرسمي، والتكلفات البغيضة، التي توحي بوجود فوارق ومميزات، بل وحدود تفصل هذا عن ذاك، وبالعكس.
وبعد.. فإن اهتمام الإسلام بالمسجد وتأسيسه، حتى إن ذلك كان أول أعماله "صلى الله عليه وآله" في قباء، ثم في المدينة، ليدلنا دلالة واضحة على أنه يريد منا أن نتعامل مع هذه الدنيا، ونستفيد منها من منطلق ديني، فإنما هي مزرعة الآخرة، فلا بد أن تقاد قيادة إلهية ويستفاد منها من خلال الارتباط به تعالى.
وبعدما تقدم، فإننا نعرف: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قد أسس المسجد ليكون بمثابة مركز للقيادة والريادة، ففيه كان "صلى الله عليه وآله" يستقبل الوفود، ويبت في أمور الحرب والسلم، ويفصل الخصومات، وفيه كان يتم البحث عن كل ما يهم الدولة وشؤونها، والناس، ومعاملاتهم وارتباطاتهم، وليهب المسجد الناس نفحة روحية، وارتباطاً بالله جل وعلا، وببعضهم البعض في كل مجالات الحياة، ومنطلقاتها، بعيداً عن النوازع الذاتية، وعن الحساسيات القبلية والعرقية، وعن تأثيرات الفوارق الإجتماعية، وفيه كان يجد الضعيف قوته، والمهموم المغموم سلوته، والذي لا عشيرة له ينسى بل يجد فيه عشيرته، والمحروم من العطف والحنان يجد فيه من ذلك بغيته.
والخلاصة: لقد كان المسجد موضع عبادة وتعلم وتفهم لما يفيد في أمور الدين والدنيا، وتربية نفسية وخلقية، ومحلا للبحث في كل المشاكل التي تهم الفرد والمجتمع، ومكاناً مناسباً للتعارف والتآلف بين المسلمين.. إلى غير ذلك مما تقدم.
مشاركة النساء في بناء المسجد:
وبعد.. فقد ورد في بعض النصوص: أن النساء قد شاركن في بناء المسجد، فكن يحملن الحجارة لبناء المسجد ليلاً، والرجال نهاراً([158]).
ونشير هنا إلى أمرين:
أحدهما: إن مشاركة المرأة في أمر كهذا، له مساس بالحالة السياسية والاجتماعية والعبادية، يعتبر أمراً مهماً جداً، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن المرأة لم يكن لها أي دور في الحياة وكان العربي يحتقرها، ويمارس ضدها أبشع أنواع المعاملة، كما تقدمت الإلماحة إلى ذلك في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
الثاني: إن هذه المشاركة قد روعي فيها عنصر الحفاظ على الجو الخاص بالمرأة، بعيداً عن أجواء الإثارة التي لا بد وأن تترك آثارها السلبية على المجتمع، نتيجة للاختلاط، وعدم التحفظ، الذي ينشأ عن عملهن نهاراً في مرأى ومسمع من الرجال الأجانب.
مشاركة النبي ' في بناء المسجد:
ولقد كان المسلمون قادرين على القيام بمهمة بناء المسجد، ولم تكن ثمة حاجة مادية لمشاركته "صلى الله عليه وآله"، ولكنه "صلى الله عليه وآله" قد آثر المشاركة في عملية البناء، الأمر الذي أثار الحماس لدى المسلمين، فاندفعوا يعملون بجد ونشاط، وكان نشيدهم:
لـئـن قـعــدنــا والـنـبـي يعـمـل لــذاك مـنَّـا الـعـمـل المـضــلـل
كما أن هذه المشاركة قد أعطت قيمة خاصة للعمل، وعبرت عن مدى ارتباط النبي "صلى الله عليه وآله" به وحبه له، وفوق ذلك، فإنه قد بين بذلك الخط العام لشخصية القائد في الإسلام، وأنه يجب أن يكون شعوره بالمسؤولية تجاه العمل يتعدى حدود إصدار الأوامر إلى الآخرين، ولا سيما إذا كان ذلك يرتبط بالهدف الأقصى، والمصلحة العليا للإسلام وللمسلمين.
ثم إنه كان يريد أن يكون ذلك الإنسان المتواضع المحبب للناس، الألوف لهم، ويكون معهم كأحدهم، فلا يستعلي عليهم، ولا يحتجب عنهم، وليكون ذلك هو الدرس العملي لمن يعاصره "صلى الله عليه وآله" من أصحاب النفوذ، وتأديباً لمن يأتي بعده من حكام وخلفاء وغيرهم.
جماعة خاصة بالنساء:
ويقولون: إنه كان للنساء جماعة خاصة بهن، فكان الرجال يصلون في المسجد والنساء يصلين في رحبة المسجد بإمامة سليمان بن أبي حثمة، وحين تسلم عثمان الخلافة جمع بين الرجال والنساء([159]).
والظاهر: أن الفصل بين النساء والرجال قد جاء بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" وأصل هذا الفصل قد كان في زمن عمر بن الخطاب، وفي صلاة التراويح التي ابتدعها([160]) ثم عاد عثمان فجمع بين النساء والرجال.
فلما كانت خلافة أمير المؤمنين "عليه السلام" عاد ففصل بين الرجال والنساء، وصار يصلي بالنساء رجل اسمه عرفجة([161]).
ولكن هناك إشكال في هذه الروايات وهو أنها تذكر: أن علياً "عليه السلام" قد فعل ذلك في قيام شهر رمضان، أي في الصلاة المعروفة بصلاة التراويح.
ومن المعلوم: أن علياً "عليه السلام" كان يعتبر ذلك بدعة، وكان يمنع عنه([162]) فكيف يفعله؟
فالصحيح هو: أن ما فعله "عليه السلام" إنما كان في الصلوات اليومية لا في صلاة التراويح.
كانت تلك بعض المعاني التي نستفيدها من عملية بناء المسجد، ولربما نجد الفرصة للتحدث عن ذلك في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث:
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
المـؤاخـاة:
وبعد خمسة أو ثمانية أشهر أو أقل، أو أكثر([163]) من مقدمه "صلى الله عليه وآله" المدينة، آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار.
وزاد ابن سعد: أنه "صلى الله عليه وآله" آخى في نفس الوقت بين المهاجرين والمهاجرين([164]).
آخى بينهم على الحق والمواساة (وقيل: والتوارث) فنزلت سورة الأنفال التي تجعل الإرث لأولي الأرحام قبل أن يموت أحد من المتآخيين([165])؛ لأن أول من مات من المهاجرين ـ كما يقولون ـ هو عثمان بن مظعون، مات بعد بدر([166]).
المؤاخاة على التوارث موضع شك:
ونحن نشك في أن يكون "صلى الله عليه وآله" قد آخى بينهم على التوارث:
أولاً: لأن رفع هذا الحكم إن كان نسخاً، فلا معنى للنسخ قبل حضور وقت العمل، كما أنه يلزم أن يكون تشريع التوارث للمتآخيين عبثاً، وبلا فائدة.
إلا أن يقال: إن نفس جعل الحكم، وأن يعيش المسلمون هذه الأجواء الأخوية، والشديدة التلاحم إلى هذا الحد، كان ضرورياً في تلك الفترة من الزمن.
ولكن الذي تطمئن إليه النفس هو أن نفس المسلمين، أو بعضهم، هم الذين تخيلوا أن هذه الأخوة ربما تمتد إلى حد توريث بعضهم من بعض.
ثانياً: لماذا لم يورث النبي "صلى الله عليه وآله" ممن استشهدوا في بدر من المهاجرين أو الأنصار، مع أن ذلك قد كان قبل نزول آية {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ..}([167])؟ حيث إن قولهم: إنه لم يمت أحد من المؤمنين قبل عثمان بن مظعون، الذي مات بعد بدر، لا يصح، إذ قد استشهد في بدر نفسها عدد منهم، نعم يمكن أن يكون عثمان بن مظعون أول مسلم مات حتف أنفه، أو لعله أول مسلم مات من المهاجرين.
ثالثاً: إن كون عثمان بن مظعون مات بعد نزول الآية الرافعة للحكم السابق غير معلوم، وإنما ذلك محض اجتهاد من المؤرخين والمؤلفين.
عدد الذين كانت المؤاخاة بينهم:
ويقولون: كان المسلمون حين المؤاخاة تسعين رجلاً، منهم خمسة وأربعون رجلاً من الأنصار، ومثلهم من المهاجرين، ويدعي ابن الجوزي: أنه أحصاهم فكانوا جميعاً ستة وثمانين رجلاً.
وقيل: مئة رجل([168]).
ولربما يكون هذا هو العدد الذي وقعت المؤاخاة بين أفراده حسبما توفر من عدد المهاجرين، لا أن عدد المسلمين كان هو ذلك؛ وإلا فإنها تكون صدفة نادرة أن يكون عدد من أسلم من المهاجرين مساوياً لعدد من أسلم من الأنصار بلا زيادة ولا نقيصة!!
ومهما يكن من أمر: فإن النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله" استمر يجدد المؤاخاة، بحسب من يدخل في الإسلام، أو يحضر إلى المدينة من المسلمين([169]) ويدل على ذلك، أنهم يذكرون: أنه "صلى الله عليه وآله" قد آخى بين أبي ذر والمنذر بن عمرو أو سلمان الفارسي، وأبو ذر إنما قدم المدينة بعد أحد، كما أنه قد آخى بين الزبير وابن مسعود، وقد وصل ابن مسعود إلى المدينة والنبي "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى بدر([170]).
ولكن، ربما يشكل على العدد المذكور في قضية المؤاخاة: بأن المسلمين كانوا أكثر من ذلك بكثير، فقد بايعه من أهل المدينة في العقبة الثانية أكثر من ثمانين، كما أنه جهز جيشاً بعد عشرة أو ثلاثة عشر شهراً إلى بدر قوامه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً.
ويمكن الجواب:
أولاً: بما ذكره البعض من أن المؤاخاة كانت بين مئة وخمسين من الأنصار، ومئة وخمسين من المهاجرين([171]).
ثانياً: لو قلنا بعدم صحة ذلك؛ لأن الذين خرجوا من المهاجرين إلى بدر كانوا ما بين الستين والثمانين ـ على اختلاف النقل ـ فإننا نقول: إن المذكور في النص هو العدد المهاجري الذي وقعت المؤاخاة بينه وبين نظيره من الأنصار، وقد كان الأنصار أكثر بكثير من المهاجرين، والمهاجرون هم الذين كانوا خمسة وأربعين، على ما يظهر، فكانت المؤاخاة بين هؤلاء وبين مثلهم من الأنصار، ثم استمرت المؤاخاة كلما ازداد عدد المهاجرين، حتى بلغوا مئة وخمسين رجلاً، كما في النص الآنف الذكر.
وذلك لا يعني أن يبقى الآخرون من مسلمي الأنصار من دون مؤاخاة فيما بينهم.
المؤاخاة بين كل ونظيره:
ولقد كان "صلى الله عليه وآله" يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما يظهر من ملاحظة المؤاخاة قبل الهجرة، وبعدها، فقد آخى قبل الهجرة ـ على الظاهر ـ بين أبي بكر وعمر، وبين طلحة والزبير، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين نفسه وعلي([172]).
ولكن ابن حبان يذكر: أن ذلك كان في المؤاخاة الثانية في المدينة، وزاد فيهم: سعد بن أبي وقاص، وعمار بن ياسر([173]) وهؤلاء كلهم من المهاجرين.
وفي المدينة آخى بين أبي بكر وخارجة بن زهير، وبين عمر وعتبان بن مالك، وهكذا.. ثم أخذ بيد علي فقال: هذا أخي..؟ وآخى أيضاً بين حمزة وزيد بن حارثة، وبين جعفر بن أبي طالب ومعاذ بن جبل.
قد أورد على هذا الأخير بأن جعفر كان حينئذٍ في الحبشة([174]).
والجواب عنه: هو ما تقدم، من أنه "صلى الله عليه وآله" قد استمر يؤاخي بين المسلمين كلما قدم المدينة منهم أحد.
وقد أجاب البعض: بأنه أرصده لأخوته حين يقدم([175]).
فيرد سؤال: ما هو السبب في تخصيص جعفر بهذا الأمر؟!
إلا أن يقال: إن المقصود هو إظهار الاهتمام بشأن جعفر، والتنبيه على فضله.
مؤاخاة النبي ' لعلي ×:
وروى أحمد بن حنبل وغيره: أنه "صلى الله عليه وآله" آخى بين الناس، وترك علياً حتى الأخير، حتى لا يرى له أخاً؛ فقال: يا رسول الله، آخيت بين أصحابك وتركتني؟
فقال: إنما تركتك لنفسي، أنت أخي، وأنا أخوك، فإن ذكرك أحد، فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها بعدك إلا كذاب، والذي بعثني بالحق، ما أخرتك إلا لنفسي، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي([176]).
ومن طريف الأمر: أنه "عليه السلام" قد قال هذه الكلمة بعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله": أنا عبد الله وأخو رسوله، وذلك في خضم الأحداث التي انتهت بغصب الخلافة من وارث النبي "صلى الله عليه وآله"، فكذبوه؟!
وقالوا له: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسوله فلا([177])، فاعجب بعد هذا ما بدا لك!!
وقوله "صلى الله عليه وآله": وأنت أخي ووارثي يطرح علينا سؤالاً، وهو أنه إذا كان المراد: أنه وارث لعلم النبي "صلى الله عليه وآله" دون غيره، فمن أولى بمقام النبي "صلى الله عليه وآله" منه؟!
وإن كان المراد: أنه وارثه بقول مطلق، حتى المال، فيرد عليه: أن المال كان حقاً لفاطمة "عليها السلام"([178])، وقد استولى الذين جاؤوا بعد النبي "صلى الله عليه وآله" على أموالها، ومنها فدك وغيرها كما سنذكره حين الكلام حول غزوة بني النضير في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
ومهما يكن من أمر، فإن التأمل في عملية المؤاخاة يعطينا: أنه قد لوحظ فيها المسانخة بين الأشخاص، وتشابه وتلاؤم نفسياتهم، وإلى ذلك أشار الأزري رحمه الله حينما قال مخاطباً علياً "عليه السلام":
لـك ذات كــذاتــه حيـث لــولا أنهــا مــثـلهــا لمـــا آخـــاه
تواتر حديث المؤاخاة:
وعلى كل حال، فإن حديث المؤاخاة متواتر لا يمكن إنكاره، ولا التشكيك فيه، ولا سيما مؤاخاة النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"، سواء في المؤاخاة الأولى في مكة، أم في الثانية في المدينة، وهو مروي عن عشرات من الصحابة والتابعين كما يتضح للمراجع([179]).
وقد روي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال لعلي "عليه السلام": إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش، نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب([180]).
وعليه فلا يصغى لدعوى أن النبي قد آخى بين علي وعثمان([181])، أو بين نفسه "صلى الله عليه وآله" وعثمان؛ فإن ذلك لا ريب في بطلانه([182])؛ فإن المقصود من ذلك هو الرفع من شأن عثمان، وتكذيب فضيلة لعلي "عليه السلام"، بل وجعل عثمان وعلي "عليه السلام" في مستوى واحد، وكيف؟! وأنى؟!
تكنية علي × بأبي تراب:
ويذكر البعض هنا: أن علياً "عليه السلام" لما رأى أنه "صلى الله عليه وآله" لم يؤاخ بينه وبين أحد، خرج كئيباً إلى المسجد، فنام على التراب؛ فجاءه "صلى الله عليه وآله"، فجعل ينفض التراب عن ظهره، ويقول: قم يا أبا تراب، ثم آخى بينه وبين نفسه([183]).
ولكن الظاهر هو أن هذه التسمية قد كانت في مناسبة أخرى غير هذه، ولسوف نتعرض لها حين الحديث عن السرايا في الآتي القريب إن شاء الله تعالى.
مع المنكرين لمؤاخاة النبي ' لعلي ×.
وبعد كل تلك المصادر المتقدمة، والتي هي غيض من فيض، نجد ابن حزم وابن كثير ينكران صحة سند حديث المؤاخاة([184])، وأنكره أيضاً ابن تيمية، واعتبره باطلاً، موضوعاً، بحجة أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إنما كانت لإرفاق بعضهم ببعض، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبي "صلى الله عليه وآله" لأحد منهم، ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري([185]).
ونقول:
إن إنكار سند حديث مؤاخاة النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام" لا معنى له، بعد أن صححه كثير من الأعلام، وبعد أن تواتر في كتب سائر المسلمين عن عشرات الصحابة والتابعين وغيرهم، ولا سيما إذا كان هذا الإنكار من الأبناء الثلاثة: كثير، وحزم، وتيمية، المعروفين بالنصب، والتعصب ضد فضائل علي، وأهل بيته الطاهرين "عليهم السلام".
وأما ما ذكره ابن تيمية تعليلاً لإنكاره، فنحن نذكر:
أولاً: ما أجاب به غير واحد: "من أن هذا رد للنص بالقياس، وغفلة عن حقيقة الحكمة في ذلك.
وبعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة، والارتفاق ممكن، فآخى بينهم ليعين بعضهم بعضاً، ثم طبقوا هذا الاحتمال على علي "عليه السلام" والنبي، لأنه "صلى الله عليه وآله" كان يقوم بأمر علي "عليه السلام" قبل البعثة"([186]).
فمرادهم أن التآلف والمحبة مطلوبان أيضاً بين المهاجرين؛ لأنهم كانوا من فئات مختلفة، ومستويات متفاوتة: عقائدياً وفكرياً، واجتماعياً إلخ..
بل لقد صرح نص المؤاخاة بأنها كانت على الحق والمواساة، ويحتاج المهاجرون إلى أن يواسي بعضهم بعضاً.
كما أنه قد هاجر من قبيلة رجل واحد، ومن أخرى عشرة مثلاً، فالواحد يحتاج إلى العشرة في معونتهم ورعايتهم، ثم إنهم يدعون: أن بعض المهاجرين قد حمل ماله معه؛ فيمكن أن يعين بعضهم بعضاً حتى بالمال إن صحت دعواهم تلك.
ولكننا لا نوافق على قولهم الأخير بالنسبة لعلي "عليه السلام" والنبي "صلى الله عليه وآله"، لأن علياً "عليه السلام" قد بلغ منزلة يستطيع معها أن يعول نفسه بالعمل، والحصول على ما يحتاج إليه، أو بالزراعة، أو التجارة بل والغنائم أيضاً.
وإنما الغرض من مؤاخاة الرسول "صلى الله عليه وآله" له، هو تعريف الناس بمنزلته، وإظهار فضله على غيره، لأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما يظهر من دراسة عملية المؤاخاة نفسها، لأن ذلك أقرب إلى التعاضد والتعاون، وأوجب للتآلف والمحبة([187]).
ثانياً: قد أخرج الحاكم، وابن عبد البر، بسند حسن: أن النبي "صلى الله عليه وآله" آخى بين الزبير وابن مسعود، وهما من المهاجرين، وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني.
ويصرح ابن تيمية: بأن "أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك"([188]).
ولكن لا بد أن يكون ذلك بعد قدوم ابن مسعود إلى المدينة، لأنه كان من مهاجري الحبشة، وإنما قدم المدينة بعد قضية المؤاخاة العامة، وذلك حين كان "صلى الله عليه وآله" يتجهز إلى بدر([189]).
وآخى أيضاً ـ على ما ذكره البعض ـ بعد الهجرة بين أبي بكر وعمر، وعثمان و عبد الرحمن بن عوف، وطلحة والزبير، وسعد بن أبي وقاص وعمار بن ياسر، وبينه "صلى الله عليه وآله" وبين علي "عليه السلام"([190]).
كما وثبتت أيضاً مؤاخاة زيد بن حارثة لحمزة، وهما مهاجريان، ولذا ـ يقولون ـ إنه قد تنازع زيد وعلي وجعفر في ابنة حمزة، وكانت حجة زيد: أنها ابنة أخيه([191]).
ونحن نشك في هذه القضية، لأن جعفر لم يكن حين قتل حمزة حاضراً، فما معنى أن تبقى ابنة حمزة عدة سنوات بلا كفيل، وإن كانت عند علي فلماذا لم ينازعه زيد؟ وإن كان العكس فلماذا لم ينازعه علي "عليه السلام"؟
ومهما يكن من أمر فإن قضية الخلاف حول من يكفل ابنة حمزة تحتاج إلى تحقيق وتمحيص، نسال الله أن يوفقنا لذلك في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
مع قضية المؤاخاة:
ألف: البديل الأنسب:
إن من الواضح: أن هؤلاء الذين أسلموا قد انفصلوا عن قومهم، وعن إخوانهم، وعن عشائرهم بصورة حقيقية وعميقة، وقد واجههم حتى أحب الناس إليهم بأنواع التحدي والأذى؛ فأصبحوا وقد انقطعت علائقهم بذوي رحمهم وصاروا كأنهم لا عصبة لهم، وقد يشعر بعضهم أنه قد أصبح وحيداً فريداً، وبلا نصير ولا عشيرة، فجاءت الأخوة الإسلامية لتسد هذا الفراغ بالنسبة إليهم، ولتبعد عنهم الشعور بالوحدة، وتبعث في نفوسهم الأمل والثقة بالمستقبل، وقد بلغ عمق تأثير هذه المؤاخاة فيهم أن توهموا: عموم المنزلة حتى في الارث كما ألمحنا إليه.
ب: السمو بالعلاقات الإنسانية:
لقد أريد للمسلمين المؤمنين أن يكونوا إخوة، وذلك بهدف السمو بعلاقات هذا الإنسان عن المستوى المصلحي وجعلها علاقة إلهية خالصة تصل إلى درجة الأخوة، وليكون أثرها في التعامل بين المسلمين أكثر طبيعية وانسجاماً، وبعيداً عن النوازع النفسية، التي ربما توحي للأخوين المتعاونين بأمور من شأنها أن تعقد العلاقات بينهما ولو نفسياً على أقل تقدير.
ورغم أن الإسلام قد قرر ذلك، وأكد على أن المؤمن أخو المؤمن أحب أم كره، وحمله مسؤولية العمل بمقتضيات هذه الأخوة، إلا أنه قد كان ثمة حاجة إلى إظهار ذلك عملياً، بهدف توثيق عرى المحبة وترسيخ أواصر الصداقة والمودة كما هو معلوم، وليكون الهدف السامي قد انطلق من العمل السامي أيضاً.
ج: دور المؤاخاة في بناء المجتمع الجديد:
لقد كان الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" بصدد بناء مجتمع جديد، يكون المثل الأعلى للصلاح والفلاح، قادراً على القيام بأعباء الدعوة إلى الله، ونصرة دينه، في أي من الظروف والأحوال.
وقد تقدمت ـ عند البحث عن عملية بناء المسجد ـ الإشارة إلى واقع وجود الفوارق الكبيرة بين المهاجرين أنفسهم، والأنصار أنفسهم، والمهاجرين والأنصار معاً ـ الفوارق ـ الاجتماعية، والقبلية، والثقافية، والنفسية، والعاطفية، وحتى العمق العقيدي ومستوى الالتزام، فضلاً عما سوى ذلك، هذا بالإضافة إلى الظروف النفسية والمعيشية التي كان يعاني منها المهاجرون بالخصوص.
ومع ملاحظة حجم التحدي، الذي كان يواجه هذا المجتمع الناشئ الجديد، سواء في الداخل: من الخلافات بين الأوس والخزرج، الذين كان الكثيرون منهم لا يزالون على شركهم، ثم من المنافقين، ومن يهود المدينة.
ومن الخارج: من اليهود، والمشركين في جزيرة العرب، بل والعالم بأسره.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار عظم المسؤولية التي يتحملها هذا المجتمع في صراعه من أجل إقامة هذا الدين الجديد والدفاع عنه.
مع ملاحظة كل ذلك، وحيث أصبح من المفترض بهذا المجتمع أن يكون بمثابة كتلة واحدة متعاضدة، ومترابطة، بعد أن كانوا أحزاباً وجماعات وأفراداً فكان لا بد من إيجاد روابط وثيقة تشد هذا المجتمع بعضه إلى بعض، وبناء عواطف راسخة، قائمة على أساس عقيدي، تمنع من الإهمال ومن الحيف على أي فرد من أفراد هذا المجتمع الجديد بحيث يكون الكل مشمولين بالرعاية التامة، التي تجعلهم يعيشون الحب والحنان بأسمى وأجل معانيه، كما أنها تمنع من ظهور تلك الرواسب النفسية، والعقد التاريخية ـ بل وتقضي عليها تدريجاً ـ بين أفراد هذا المجتمع، الذي أصبح أفراده مأخوذين بالتعامل مع بعضهم البعض، الأمر الذي يجعل خطر ظهورها ـ لأتفه الأسباب ـ أشد، وتدميرها أعظم وأوسع.
وكانت تلك الرابطة الوثيقة هي: "المؤاخاة" التي روعيت فيها الدقة، إلى الحد الذي يضمن معه أن يحفظ في هذا المجتمع الجديد معها التماسك والتعاضد إلى أبعد مدى ممكن وأقصى غاية تستطاع؛ لا سيما وأنه كان يؤاخي بين الرجل ونظيره، كما أشرنا إليه.
وسر ذلك يرجع إلى أن هذه المؤاخاة قد أقيمت على أساسين اثنين:
الأول: الحق:
فالحق هو القاسم المشترك بين الجميع، عليه يبنون علاقاتهم، وهو الذي يحكم تعاملهم مع بعضهم البعض في مختلف مجالات الحياة.
نعم، الحق هو الأساس، وليس الشعور الشخصي النفسي، ولا المصلحة الشخصية أو القبلية، أو الحزبية!!
وبديهي: أن الحق إذا جاء عن طريق الأخوة والحنان والعطف، فإن ذلك يكون ضمانة لبقائه واستمراره، والتعلق به، والدفاع عنه.
أما إذا فرض هذا الحق فرضاً عن طريق القوة والسلطة، فبمجرد أن تغيب السلطة، والقوة، فلنا أن نتوقع غياب الحق، لأن ضمانة بقائه ذهبت، فأي مبرر يبقى لوجوده، وبقائه؟!.
بل ربما يكون وجوده وبقاؤه مثاراً للأحقاد والإحن التي ربما يتولد عنها الظلم والطغيان في أبشع صوره وأخزاها، وأسوأ حالاته وأقصاها.
الثاني: المؤاساة:
فهذه الأخوة إذاً، ليست مجرد توهج عاطفة، أو شعور نفسي، وإنما هي أخوة مسؤولة ومنتجة، تترتب عليها آثار عملية بالفعل، يحس الإنسان فعلاً بجدواها وبفعاليتها، تماماً كالأخوة التي في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}([192]).
حيث جعل مسؤولية الصلح بين المؤمنين متفرعة وناشئة عن الأخوة الإيمانية.
وإذا كانت أخوة خيرة ومنتجة، فمن الطبيعي أن تبقى، وأن تستمر، ومن الطبيعي أيضاً أن يستمر الاحتفاظ بها، والحفاظ عليها إلى أبعد مدى ممكن. وقد كانت لهذه المؤاخاة نتائج هامة في تاريخ النضال والجهاد.
وقد امتن الله على نبيه في بدر بقوله: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهُ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([193]).
خلة أبي بكر:
ويروون: أنه "صلى الله عليه وآله" قال: لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً([194]).
ولكن كيف يصح هذا وهم يروون:
1 ـ إن خليلي من أمتي أبو بكر([195]).
2 ـ ويروون: لكل نبي خليل، وخليلي سعد بن معاذ([196]) أو عثمان بن عفان([197]).
والحقيقة هي: أن حديث خلة عثمان قد وضعه إسحاق بن نجيح الملطي([198])، وحديث خلة أبي بكر موضوع في مقابل حديث إخاء النبي "صلى الله عليه وآله" لعلي "عليه السلام"، كما نص عليه المعتزلي([199]).
مؤاخاة سلمان مع من؟!:
وبعد فإنهم يقولون: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد آخى بين سلمان وبين أبي الدرداء([200]).
وفي نص آخر: إنه آخى بينه وبين حذيفة([201]).
وفي رواية ثالثه: إنه "صلى الله عليه وآله" آخى بينه وبين المقداد([202]).
إنكار حديث المؤاخاة، والإجابة عن ذلك:
أما ابن سعد، فقد قال: "أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله، عن الزهري:
أنهما كانا ينكران كل مؤاخاة كانت بعد بدر، ويقولان: قطعت بدر المواريث.
وسلمان يومئذ في رق وإنما عتق بعد ذلك، وأول غزوة غزاها: الخندق، سنة خمس من الهجرة"([203]).
ولأجل ذلك: فقد عبر البلاذري هنا بقوله: ".. وقوم يقولون: آخى بين أبي الدرداء، وسلمان.
وإنما أسلم سلمان فيما بين أحد والخندق.
قال الواقدي: والعلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر، ويقولون: قطعت بدر المواريث"([204]).
وقال ابن أبي الحديد: "قال أبو عمر: آخى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بينه وبين أبي الدرداء، لما آخى بين المسلمين، ولا يخفى ضعفه وغرابته"([205]).
ونقول:
إن لنا على ما تقدم ملاحظات نجملها فيما يلي:
أولاً: قولهم: إن المؤاخاة قد انقطعت بعد بدر، لا يصح، كما تقدم، فلا داعي لاستغراب هؤلاء ولا لإنكار ذلك.
ثانياً: قولهم: إن انقطاع المؤاخاة بعد بدر يلزمه عدم صحة مؤاخاة سلمان مع أحد من الناس، لا يصح كذلك؛ إذ لماذا لا يؤاخي قبل بدر بين سلمان وإن كان عبداً، وبين رجل آخر حر؟!. هذا بالإضافة إلى ما سيأتي من أن سلمان قد أسلم وتحرر في أول سني الهجرة.
ثالثاً: دعوى البلاذري: أن سلمان قد أسلم بين أحد والخندق، لا تصح أيضاً، لأنه إنما أسلم في أول الهجرة كما قلنا.
نعم.. هم يقولون: إن تحرره قد كان قبل الخندق.
فإذا كان مسلماً حين المؤاخاة، فيمكن أن يؤاخي بينه وبين أحد المسلمين، ولو كان الطرف الآخر حراً؛ لعدم الفرق بين الحر والعبد، في الإيمان والإنسانية، وغير ذلك، بنظر الإسلام..
هذا.. لو سلم أنه كان لا يزال عبداً..
رابعاً: إن الذي انقطع بعد بدر إنما هو التوارث بين الإخوة، وليس نفس المؤاخاة..
مع أننا نقول أيضاً: إن التوارث لم يكن موجوداً حتى قبل ذلك، ولعل بعض المسلمين قد توهم التوارث بين المتآخيين، فجاء الردع عنه، وتصحيح اشتباهه في ذلك، فصادف ذلك زمان حرب بدر..
فنشأ عن ذلك توهمان آخران: هما: أن التوارث كان ثابتاً.. وأن المؤاخاة تنقطع بانقطاع التوارث، وكلاهما باطل، ولا يصح..
خامساً: قولهم: إن المؤاخاة قد كانت بين سلمان وبين أبي الدرداء يقابله:
1 ـ ما روي عن إمامنا السجاد "عليه السلام"، أنه قال: "لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بينهما، فما ظنكم بسائر الخلق"([206]).
2 ـ عن أبي عبد الله "عليه السلام"، أنه قال: "آخى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بين سلمان وأبي ذر، واشترط على أبي ذر: أن لا يعصي سلمان"([207]).
3 ـ إننا نعتقد: أن مؤاخاة سلمان مع أبي ذر هي الأصح، والأوفق بما يذكرونه من أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يؤاخي بين كل رجل ونظيره كما تقدم.
وكان أبو ذر أكثر مشاكلة لسلمان من أبي الدرداء له؛ فإن سلمان يؤكد على أنه لا بد من الوقوف إلى جانب القرآن، إذا اقتتل القرآن والسلطان، كما أن أبا ذر قد كان له موقف عنيف من السلطة، حينما وجد أنها تسير في خط انحرافي خطير، فكان أن اتخذ جانب الحق، وأعلن إدانته للانحراف بصورة قاطعة، كما أنه هو وسلمان قد كان لهما موقف منسجم من أحداث السقيفة ونتائجها..([208]).
أما أبو الدرداء. فقد أصبح من وعاظ السلاطين، وأعوان الحكام المتسلطين، حتى لنجد معاوية ـ كرد للجميل ـ يهتم بمدحه وتقريظه والثناء عليه([209]).
كما أن أبا الدرداء ـ حسبما تقدم ـ يكتب لسلمان يدعوه إلى الأرض المقدسة، وهي الشام بزعمه، وليس مكة، والمدينة! فاقرأ واعجب؛ فإنك ما عشت أراك الدهر عجباً.
ويكفي أن نذكر: أن يزيد بن معاوية قد مدح أبا الدرداء، وأثنى عليه([210])، كما أن معاوية قد ولاه دمشق([211]).
بالإضافة إلى أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" ـ حسبما يروى ـ قد ذم أبا الدرداء، وقال له: إن فيك جاهلية.
قال: جاهلية كفر، أم جاهلية إسلام؟
قال: جاهلية كفر([212]).
4 ـ وإذا كان سلمان قد أسلم في أول سني الهجرة، كما سيأتي الحديث عنه في فصل مستقل، وإذا كان أبو الدرداء قد تأخر إسلامه إلى ما بعد أحد([213]).. فلماذا ترك النبي "صلى الله عليه وآله" سلمان من دون أن يؤاخي بينه وبين أحد من الناس، في هذه المدة الطويلة كلها؟!.
5 ـ وإذا أخذنا بقول الواقدي: "إن العلماء ينكرون المؤاخاة بعد بدر، ويقولون: قطعت بدر المواريث"([214]).
فإن النتيجة تكون: أن العلماء ينكرون المؤاخاة بين سلمان وأبي الدرداء، لأن أبا الدرداء قد تأخر إسلامه عن بدر كثيراً..
6 ـ وأخيراً.. فقد جاء في بعض النصوص: أنه "صلى الله عليه وآله" قد آخى بين أبي الدرداء وعوف بن مالك الأشجعي([215])، ولعل هذا هو الأصح والأولى بالقبول..
وقد روى الكليني عن أبي عبد الله "عليه السلام" قال: آخى رسول الله "صلى الله عليه وآله" بين سلمان وأبي ذر، واشترط على أبي ذر: أن لا يعصي سلمان([216]).
وواضح أن ذلك يعني: أن طاعة أبي ذر لسلمان لم تكن: إلا لأنها توصل إلى الحق، وتؤدي إلى الاحتفاظ به، والحفاظ عليه، ولأنه يمثل الوعي الرسالي الرائد في أعلى مستوياته، ويدعم هذا الوعي ويحميه، ويرفده إيمان ثرٍ، وعقيدة راسخة، توجه الفكر والرأي والوعي، وكل الحركات نحو الهدف الأسمى، والمبدأ الأعلى، لتعيش في ظلاله، وتفنى كلها فيه بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
فإن الإيمان عشر درجات، وسلمان كان في العاشرة، وأبو ذر في التاسعة، والمقداد في الثامنة([217]).
وإن إطاعة أبي ذر لسلمان لتعطينا: أن الميزان والمقياس في الطاعة ليس إلا ذلك الذي أشرنا إليه، واعتبره القرآن وسيلة لنيل التقوى واليقين: حين قال تعالى:
{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}([218]).
و{إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}([219]).
و{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ الله أَتْقَاكُمْ}([220]).
إذن، فليس للعرق، ولا للون، ولا للجاه، ولا للمال، ولا غير ذلك ـ أي دور في التفاضل وإعطاء الامتيازات ـ من أي نوع كانت ولأي كان، وإنما الميزان والمقياس في كل ذلك هو التقوى والتقوى فقط، التي يدعمها الإيمان الراسخ، والفكر النير، والوعي الرسالي الرائد، ولأجل ذلك كان على أبي ذر: أن لا يعصي سلمان، الذي بلغ من العلم والمعرفة بحيث لو اطلع أبو ذر على ما في قلب سلمان لقتله([221]).
وعن الفضل: ما نشأ في الإسلام رجل من الناس كافة كان أفقه من سلمان الفارسي([222]).
ولأجل ذلك بالذات: كان لا بد من إطاعة أئمة الهدى، الذين هم القمة في العلم والمعرفة، ومن ثم في التقوى، دون غيرهم من المتغلبين الجهلة والطواغيت والجبارين.
الفصل الرابع:
أسس العلاقات في المجتمع الجديد
أسس العلاقات:
ويذكر المؤرخون: أنه بعد مدة وجيزة من قدومه "صلى الله عليه وآله" المدينة، وعلى رأي البعض: بعد خمسة أشهر([223]) كتب "صلى الله عليه وآله" كتاباً أو وثيقة بينه وبين اليهود، أقرهم فيها على دينهم وأموالهم، واشترط عليهم: أن لا يعينوا عليه أحداً، وإن دهم أمر فعليهم النصر، كما أن على المسلمين ذلك في المقابل.
ولكن سرعان ما نقض اليهود العهد، وعادوا إلى المكر والغدر، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
ويلاحظ: أن الوثيقة المشار إليها لم تقتصر على تنظيم علاقات المسلمين مع غيرهم، وإنما تعرض جانب كبير ـ بل هو الجانب الأكبر ـ منها إلى تقرير قواعد كلية، وأسس عملية للعلاقات بين المسلمين أنفسهم، كان لا بد منها لتلافي الأخطاء المحتملة قبل أن تقع.
فهذه الوثيقة بمثابة دستور عمل، يتضمن أسس العلاقات في الدولة الناشئة، سواء في الداخل أم في الخارج.
وهذه الوثيقة هي بحق من أهم الوثائق القانونية، التي لا بد أن يدرسها علماء القانون والتشريع بدقة متناهية، لاستخلاص الدلائل والأحكام منها، وأيضاً لمعرفة الغايات التي يرمي إليها الإسلام، والضوابط التي يرتضيها، ومقارنتها بغيرها مما يتهالك المستضعفون ـ فكرياً ـ من هذه الأمة عليه، من القوانين القاصرة عن تلبية الحاجات الفطرية وغيرها للإنسان. وإليك نص الوثيقة كما هو:
نص الوثيقة:
قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله "صلى الله عليه وآله" كتاباً بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود وعاهدهم، وأقرهم على دينهم وأموالهم، وشرط لهم، واشترط عليهم.
"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتاب من محمد النبي "صلى الله عليه وآله" بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم؛ فلحق بهم، وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم([224]) يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو ساعدة على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحارث على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة
تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم، يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وإن المؤمنين لا يتركون مفرحاً([225]) بينهم، أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة([226]) ظلم، أو إثم، أو عدوان، أو فساد بين المؤمنين.
وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم.
ولا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن.
وإن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم.
وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
وإن من تبعنا من يهود؛ فإن له النصر والأسوة، غير مظلومين، ولا متناصرين عليهم.
وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضاً، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.
وإنه لا يجير مشرك مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
وإنه من اعتبط([227]) مؤمناً قتلاً عن بينة، فإنه قود به، إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر: أن ينصر محدثاً، ولا يؤويه، وإن من نصره أو آواه؛ فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
وإنكم مهما اختلفتم في شيء؛ فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد "صلى الله عليه وآله".
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم؛ فإنه لا يوتغ([228]) إلا نفسه، وأهل بيته.
وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بن عوف.
وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.
وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.
وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.
وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه، وأهل بيته.
وإن جفنة ـ بطن من ثعلبة ـ كأنفسهم.
وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وإن البر دون الإثم.
وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.
وإن بطانة([229]) يهود كأنفسهم.
وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد "صلى الله عليه وآله".
وإنه لا ينحجز على ثار جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك، وأهل بيته، إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا([230]).
وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم.
وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.
وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم.
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
وإن الجار كالنفس، غير مضارٍ ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
وإن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد "صلى الله عليه وآله".
وإن الله على أتقى ما في هذا الصحيفة وأبره.
وإنه لا تجار قريش، ولا من نصرها، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا([231]) إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب في الدين، على كل أناس حصتهم([232])، من جانبهم الذي قبلهم.
وإن يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
وإن البر دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.
وإنه من خرج آمن، ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم وأثم.
وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله "صلى الله عليه وآله" (تمت الوثيقة)" ([233]).
كانت تلك هي الوثيقة الهامة التي لم يهتم بشأنها المؤرخون، وأهمل دراستها وتمحيصها الكتاب والباحثون، نوجه إليها أنظار الطامحين إلى البحث والتدقيق والتمحيص، ونأمل أن تحظى منهم بما يليق بها من اهتمام والله هو الموفق والمسدد.
ونحن بدورنا نسجل هنا بعض النقاط، على أمل التوفيق لدراسة هذه الوثيقة بصورة أعمق وأدق وأشمل، فنقول:
وثيقة أم وثائق؟!:
قد أورد المؤرخون هذه الوثيقة بعنوان أنها عقد ينظم العلاقة فيما بين المهاجرين والأنصار من جهة، وبينهم وبين اليهود من جهة أخرى.
وقد حاول البعض أن يدَّعي: أنها ليست وثيقة واحدة، وإنما هي عبارة عن سلسلة وثائق ومعاهدات منفصلة، وقد ضم بعضها إلى بعض، وإن ذلك جرى على مرحلتين:
إحداهما: تم بموجبها توحيد وتجميع العناصر المختلفة من القبائل العربية تحت قيادة الرسول "صلى الله عليه وآله" في المدينة.
الثانية: قد استغلت قوة هذا التجمع القبلي وتكاتفه للضغط على يهود المدينة لكسب تعاونهم في مواجهة أي ضغط خارجي.
وليس من الضروري أن يكون قد تم تنظيم الاتفاقيات في لحظة واحدة، فقد كانت هناك أطوار مختلفة في المرحلتين، اقتضت إضافة مواد وفقرات باستمرار، حسب الظروف الطارئة، والأحداث المستجدة، التي تستلزم تجديد الالتزامات؛ وفرض الشروط لمجابهتها، فتكتب المواد، وتضاف الفقرات، التي تحمل آثار ذلك التطور في العلاقات فيما بين عناصر الأمة في المدينة.
أما دليلهم على هذا الذي ذكروه، فهو تكرر بعض الفقرات في الوثيقة، حيث لوحظ:
أن هذه الفقرات تنص على التزامات وشروط واحدة، كالعبارتين اللتين تنصان على أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وكالعبارتين اللتين تنصان على رد أي خلاف ينجم بين المتعاهدين إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله".
وكذلك التكرار الحاصل لعبارة: إن البر دون الإثم.
وعبارة: كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين، حيث تكررت بالنسبة لعدد من قبائل الأوس والخزرج([234]).
ونقول:
إن من الواضح: أن هذا الدليل لا يكفي لإثبات ما زعموه، فإن هذا التكرار قد جاء ليؤكد ويثبت هذا الأمر بالنسبة إلى كل قبيلة على حدة، حيث يطلب في المواثيق والمعاهدات التنصيص، والدقة والصراحة، حتى لا يبقى عذر لمعتذر، ولا حيلة لمتطلب حيلة، ويكون التصريح بذلك بالنسبة لكل طائفة وفئة، وقبيلة، قد أريد به أن تعرف تلك الفئة أو القبيلة بصراحة ودقة كل ما تطلبه هي، وكل ما يطلب منها.
فهذه المعاهدة هي مجموعة التزامات تصدر من كل قبيلة تجاه غيرها من الفئات أو القبائل، أو تجاه عناصر القبيلة أنفسهم، فلا بد من التنصيص على هذه الالتزامات.
وعلى هذا يصبح للمعاهدة الواحدة خصوصية المعاهدات المتعددة أيضاً.
وأما بالنسبة لليهود المقصودين في هذه الوثيقة، فإن من الجلي: أن المقصود بهم ليس اليهود الذين هم من أصل إسرائيل، وهم: قينقاع، والنضير، وقريظة.
بل المقصود اليهود الذين هم من قبائل الأنصار، فقد كان ثمة جماعة من قبائل الأنصار قد تهودوا، وقد جاء ذكرهم في الوثيقة منسوبين إلى قبائلهم.
وقد قال ابن واضح: "وتهود قوم من الأوس والخزرج، بعد خروجهم من اليمن، لمجاورتهم يهود خيبر، وقريظة، والنضير، وتهود قوم من بني الحارث بن كعب، وقوم من غسان، وقوم من جذام"([235]).
كما أن بعض الروايات تذكر: جماعة من أولاد الأنصار قد تهودوا بسبب: أن المرأة من الأنصار كانت إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها: إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير قال آباء أولئك: لا ندع أبناءنا، وأنزل الله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، قالوا: هي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام([236]).
ملاحظات سريعة على الوثيقة:
ومهما يكن من أمر: فإن هذه الوثيقة، أو الوثائق، قد تضمنت أموراً كثيرة هامة، وأساسية في مجال بناء العلاقات في هذا المجتمع الجديد.
وكمثال على ذلك نشير هنا إلى ما يلي:
1 ـ إنها قد قررت: أن المسلمين أمة واحدة، رغم اختلاف قبائلهم وانتماءاتهم، وتفاوت مستوياتهم، وحجم ونوع طموحاتهم، ورغم اختلاف حالاتهم المعيشية، والاجتماعية، وغير ذلك.
ولهذا القرار أبعاده السياسية، وله آثاره الحقوقية، وغيرها.
ثم له آثار وانعكاسات على التكوين السياسي، والاجتماعي، وعلى الحالة النفسية، والعاطفية، والفكرية، والمعيشية، والحياتية بصورة عامة.
ولسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيلها وجزئياتها.
2 ـ قد تضمنت إقرار المهاجرين من قريش على عاداتهم وسننهم في الديات والدماء.
ويقولون: إن ذلك قد نسخ فيما بعد، وإن كنا نرى: أن النسخ لم يطل هذه الموارد، وهي مما كان قد قرره عبد المطلب، أو مما كان وصل إليهم أو بلغهم من دين الحنيفية.
ولهذا انحصر الاستثناء فيها، ولم يشمل الحالات التجارية، أو الأحوال الشخصية مثلاً.
وحتى لو كان ثمة بعض الموارد التي لم تكن كذلك، فإن بالإمكان أن يستفاد منها موضوع التدرج في مجال تشريع الأحكام، وفق الحالات والمعطيات القائمة في الواقع المعاش.
3 ـ إن مسؤولية المهاجرين عن فداء أسراهم، ثم مسؤولية جميع القبائل عن فداء أسراها أيضاً بالقسط والمعروف، إنما تعني أن تعيش كل قبيلة حالة التكافل، والإحساس الجماعي، بالإضافة إلى أن ذلك يضمن نوعاً من الترابط بين هؤلاء الناس، والذب عن بعضهم، والمعونة في مواقع الخطر وفي ساحات النزال.
أضف إلى ذلك: أن شعور المحارب بأن هناك من يهتم بأمره، ومن هو ملزم ببذل المال لإطلاق سراحه في صورة وقوعه في الأسر، لسوف يزيده نشاطاً، وثقة بنفسه، وإقداماً في منازلة العدو.
هذا كله: عدا أن العبء الاقتصادي إذا تحملته الجماعة الكثيرة، فإنه يصبح أخف وأيسر، وأبعد عن الإضرار بحال الناس الذين هم في متن المشكلة.
ويلاحظ هنا: التعبير بكلمة القسط والمعروف، فإن كلمة القسط تدل على رفض أي حيف أو تجن في مجال تعديل وتوزيع الحصص على أفراد القبيلة.
أما كلمة المعروف، فإنها تدل على ما هو أبعد من ذلك، حيث لاحظت أنه لا بد من التزام سبيل المعروف في مجال تطبيق القرار، أو الحكم الشرعي الذي يمس الآخرين، ويعنيهم في شؤونهم المالية، أو غيرها؛ فلا يجوز الشذوذ عن هذا السبيل بحجة التمسك بحرفية الأوامر الصادرة، أو القانون الساري.
4 ـ لقد قررت الوثيقة أيضاً: أن من كان عليه دين، ولم يكن له عشيرة تعينه في فداء أسيره، فعلى المسلمين إعانته في فداء ذلك الأسير.
وهذا قرار يهدف إلى سد الثغرة الحاصلة من تشريع الفداء على القبائل حسبما تقدم، ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن الفقرتين المتقدمتين قد عالجتا المشكلة في وقت لم يكن ثمة بيت مال للمسلمين يمكن الاعتماد عليه في حالات كهذه، حيث كان ذلك في وقت لم يكن المسلمون قادرين فيه حتى على سد احتياجاتهم الشخصية فضلاً عن غيرها، مع عدم وجود موارد أخرى يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.
5 ـ وجاء في الوثيقة أيضاً: أن مسؤولية دفع الظلم تقع على عاتق الجميع، ولا تختص بمن وقع عليه الظلم.
ولعل هذا من أهم القرارات التي تضمنتها الوثيقة، سواء من حيث آثار قرار كهذا على البنية الاجتماعية، ثم علاقة ذلك بالقرار والموقف السياسي، وتعاطي الحكام مع مسألة الظلم، وتفاعلهم معها، ثم مع المردود الإيجابي أو السلبي لقرار يجعل مقاومة الظلم مسؤولية اجتماعية، لا تنحصر بالحاكم، وإن كانت قد تمس حاكميته وموقعه بصورة أو بأخرى في أحيان كثيرة.
أما التأثير الروحي أو النفسي أو غير ذلك لقرار كهذا على الأمة، فهو أيضاً كبير وخطير ولا مجال للدخول في التفاصيل، فإن ذلك يحتاج إلى دراسة مستوعبة لطبيعة التشريع الإسلامي، وأسسه ومنطلقاته بصورة أدق وأعمق.
6 ـ وهناك القرار الذي ينص على عدم قود المسلم بالكافر، وفي هذا تأكيد على أن شرف الإنسان إنما هو بالإسلام.
وذلك إنما ينطلق من مقولة: أن القيم والمثل التي يؤمن بها الفرد أو المجتمع، هي التي تمنحه القيمة، أو تسلبها عنه، فإذا كان الإنسان المسلم هو الذي يحمل في داخله من تلك القيم، ما تسمو به نفسه، ويؤكد ويعمق فيه إنسانيته، بما لها من معان سامية ونبيلة، ثم هو يمارس إنسانيته هذه على صعيد الواقع والحركة، فإنه لا يمكن أن يقاس به من لا يمارس إنسانيته، أو لا يحمل في داخله منها إلا القليل أو لا يحمل شيئاً من معانيها النبيلة على الإطلاق.
هذا فضلاً عما إذا كان لا يعترف بها ولا يوليها أية قيمة، فضلاً عن أن يدافع عنها، ويضحي في سبيلها بالغالي وبالنفيس إن اقتضى الأمر ذلك.
7 ـ قد ذكرت الوثيقة: أنه يجير على المسلمين أدناهم، ولا يجير كافر على مسلم.
وهذا يؤكد ما ذكرناه آنفاً، فالإسلام لا يرى الشرف بالمال، ولا بالقبيلة، ولا بغير ذلك من أمور، وإنما إنسانيته هي التي تعطيه القيمة.
ونزيد هنا: أن قراراً كهذا يرسخ الشعور بالمساواة فيما بين المسلمين؛ فلا يمتاز غني على فقير، ولا قوي على ضعيف ما دام الجميع قد حملوا في داخلهم معين القيم، والمثل، وما عليهم بعد ذلك إلا الاستفادة من هذا المعين الثر لينشر الخير والصلاح والفضل والتقى في جميع ربوع حياتهم، وفي مختلف شؤونها.
8 ـ وقد تقرر أيضاً: أن لا ينصر المسلمون من أحدث وابتدع، بل يجب عليهم مقاومته والتصدي له ولبدعته بكل صلابة وحزم.
وفي هذا تتجلى الأهمية البالغة التي يوليها الإسلام للسلامة الفكرية، ويؤكد أهمية الصيانة في المجال الثقافي والعقيدي والفكري.
ثم هو يعطي للجماعة أو فقل للأمة دوراً في تحقيق هذه الصيانة، ويؤكد على دور الناس جماعات وأفراداً في التصدي للانحراف ومقاومته، قبل أن تعصف بهم رياحه أو يجرفهم تياره، حيث إنه يستهدفهم أفراداً أولاً، ليعبث بقدراتهم جماعات، ثم يسخرهم ويستغل كل طاقاتهم في ترسيخ دعائمه، وتثبيت عزائمه، وليكونوا من ثم اليد التي يبطش بها، والمعول الذي يهدم به كل فضيلة ويشيع كل رذيلة.
9 ـ في هذه الوثيقة أيضاً تكريس للسلطة الإسلامية واعتراف مسجل بها من قبل ألد أعدائها وهم اليهود ـ أعني الذين تهودوا من الأنصار وقد كان اليهود يعتبرون أنفسهم وحدهم دون كل من عداهم، أصحاب كل الامتيازات، وإن كل قرار يجب أن يكون صادراً عنهم، ومنهم، وإليهم، فهم الحكام على الناس، والناس كلهم يجب أن يكونوا تحت سلطتهم، وقد خلقوا ليكونوا لهم خدماً كما يزعمون.
فقد قررت الوثيقة: أن لا يخرج أحد من اليهود إلا بإذن رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأن الحاكمية إنما هي لدين الله ولرسول الله "صلى الله عليه وآله" لا لأحد سواه.
ولعل هذا القرار قد اتخذ أيضاً من أجل أن لا يفسح المجال أمام اليهود لممارسة دور الإفساد والجاسوسية من الداخل لصالح الأعداء المتربصين بالإسلام وبالمسلمين شراً من الخارج، ومن أجل أن يؤكد لكل الناس الذين يعيشون معهم وحولهم: أن ثمة قوة لا بد من الاعتراف بها، والتعامل معها بواقعية وموضوعية وصدق.
10 ـ وقد أكد ما ذكرناه آنفاً وعمَّقه ذلك القرار الذي اعترف به اليهود وسجلوه على أنفسهم، والذي ينص على أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" هو المرجع الذي يتولى حل المشكلات، التي تنشأ فيما بينهم وبين المسلمين.
ولسنا بحاجة إلى التذكير بما لهذه المادة من مدلول سياسي، ومن أثر نفسي واجتماعي عليهم وعلى غيرهم ممن يعيشون في المدينة، وكذا ما لهذا القرار من أثر كذلك على المنطقة بأسرها.
هذا، وقد حفظ بذلك المضمون العقائدي، وروعيت فيه الجهات الفقهية، كما يظهر بأدنى تأمل في ذلك، ويمكن بحث هذه النقطة بصورة مستقلة في مجال آخر.
11 ـ هذا كله، عدا عن أن هذه الوثيقة قد ضمنت لمن تهود من الأنصار حقوقهم العامة، وذلك من قبيل حق "الأمن" و "الحرية" بشرط ألا يفسدوا.
وهذان الحقان ولا سيما حق الحرية، يؤكدان على أن الإسلام لا يخشى شيئاً إذا كان منطلقاً من الواقع وقائماً على أساس الحق والصدق، ولكنه يخشى من الإفساد، ومن الإفساد فقط.
وهذا يصب في اتجاه الإسلام إلى التأكيد على المعرفة، والدعوة إلى العلم، لأنه يرى أنه أول من يستفيد من العلم ومن المعرفة، ومن إطلاق الحريات، في خط البناء، لا في خط الهدم والافساد.
12 ـ ثم تضمنت الوثيقة: اعترافاً من المنافقين والمشركين، ومن اليهود أيضاً بأن المؤمنين على أحسن هدى وأقومه، مع أن ما كان يشيعه هؤلاء الأعداء إنما هو: أن هذا النبي قد جاء ليفرق جماعاتهم، ويسفه أحلامهم، و.. و.. الخ.. كما ذكره عمرو بن العاص للنجاشي ملك الحبشة.
13 ـ وجاء فيها أيضاً قرار بإلغاء القبلية التي توجب على القبيلة الانتصار لأبنائها، حتى ولو كانوا المعتدين على غيرهم، والظالمين لهم.
حيث تقرر أن على جميع المؤمنين أن يلاحقوا القاتل، من كان، ومهما كان.
كما أن ذلك إنما يعني إلغاء سائر الاعتبارات التي تؤثر في هذا المجال، من قبيل الرئاسات، والزعامات، أو نوع القبيلة، التي يكون المجرم منها، كما كان الحال فيما بين بني قريظة وبني النضير، حيث كان الامتياز في ذلك لبني النضير على بني قريظة.
14 ـ ثم إن هذه الوثيقة قد أعطت للمسلمين الحق في التصدي لأخذ أموال قريش (وليس المشركين)؛ لأن قريشاً هي التي سلبتهم أموالهم، وأخرجتهم من ديارهم، ليكون ذلك عوضاً عما أخذ منهم.
وقد اعترف لهم بهذا الحق حتى المشركون، الذين هم طرف في هذه المعاهدة، الأمر الذي جعل المشركين يشعرون: أنهم غير معنيين بما تتعرض له قريش في هذا السياق، وجعل القضية تصب في الاتجاه الآخر بالنسبة إليهم، ثم هو قد أعطى الجانب الإنساني قيمة وفاعلية في ضمير ووجدان الناس، الذين فقدوا إحساسهم بهذه القيمة أو كادوا.
15 ـ ونلاحظ: أن هذه الوثيقة قد اعتمدت التعبير ب "المؤمنين" بدل "المسلمين".
ولهـذا دلالاتـه على صعيد التعـامل، كما أن له إيحـاءاتـه بالنسبة للمخلصين، ليزدادوا خلوصاً وإخلاصاً أو بالنسبة للمنافقين الذين يخادعون الله والـذين آمنـوا، وما يخـدعون إلا أنفسهم، كما أن لـه تأثيراته السياسية في مجال التمايز بين الفرق، كي لا يكون ذلك من منطلق التعصب للدين والمذهب.
16 ـ وفي الوثيقة أيضاً: إظهار شرف الإيمان الذي أعطيت الامتيازات على أساسه، واعتبار الكفر في درجة منحطة حينما قال: "أن لا يقتل مؤمن مؤمناً في كافر، ولا ينصر كافراً على مؤمن".
17 ـ هذا إلى جانب التمايز الواضح فيما بين معسكري الكفر والإيمان، وتكريس حالته.
18 ـ ويلاحظ: أن الوثيقة قد نصت على أن كل من يعترف بما في هذه الصحيفة لا يحق له نصر محدث، ولا إيواؤه، وهذا من شأنه أن يشيع الأمن العام، ويجعل الناس يطمئنون نوعاً ما، ويخفف من الخوف الذي كان سائداً بين الأوس والخزرج، كما أن فيه إنذاراً مبطناً للآخرين من اليهود والمشركين الذين يعيشون مع المسلمين في بلد واحد.
19 ـ كما أن إظهار المسلمين أمام أعدائهم على أنهم قوة واحدة ومتماسكة ومتناصرة، له أثر كبير في تكريس الهيبة لهم في النفوس، وإبعاد الأطماع في أن ينفذ نافذ إلى المسلمين من خلال التلاعب بالعواطف القبلية أو سواها.
20 ـ ويلاحظ أخيراً: أن الوثيقة لم تعط للمشركين حقوقاً، ولكنها فرضت عليهم قيوداً، فليس للمشرك أن يجير مالاً لقريش، ولا نفساً، ولا يحول دونه على مؤمن.
هذا ما أحببنا الإلماح إليه في هذه العجالة، وثمة أمور كثيرة أخرى نأمل أن نوفق لدراستها في فرصة أخرى.
موادعة اليهود:
وجاءت يهود قريظة، والنضير، وقينقاع، وطلبوا الهدنة من رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكتب لهم بذلك، على أن لا يعينوا عليه أحداً، ولا يتعرضوا لأحد من أصحابه بلسان، ولا يد، ولا بسلاح، ولا بكراع، في السر، ولا في العلانية، لا بليل ولا بنهار، فإن فعلوا فرسول الله "صلى الله عليه وآله" في حل من سفك دمائهم، وسبي ذراريهم ونسائهم، وأخذ أموالهم، وكتب لكل قبيلة كتاباً على حدة([237]).
ولكن اليهود عادوا بعد ذلك إلى الغدر والمكر، كما سيأتي إن شاء الله، مع علمهم بأنه النبي الحق، كما تدل عليه تصريحاتهم المختلفة.
الباب الثالث:
تشريعات وأحكام
الفصل الأول: الأذان
الفصل الثاني: تشريع بعض العبادات
الفصل الثالث: الجهاد في الإسلام
الفصل الرابع: سرايا وغزوات قبل بدر
الفصل الأول:
الأذان
تشريع الأذان:
ويذكرون هنا: أن الأذان قد شرع في السنة الأولى من الهجرة، وقيل: في الثانية، ولا يهمنا تحقيق ذلك كثيراً.
أما كيفية تشريعه فتحكى على النحو التالي: إن النبي "صلى الله عليه وآله" اهتم للصلاة، كيف يجمع الناس لها.
فقيل له: انصب راية؛ فإذا رأوها آذن بعضهم بعضاً، فلم يعجبه ذلك، فذكروا له القبع ـ يعني الشبور، شبور اليهود ـ فلم يعجبه ذلك.
وقال: هو من أمر اليهود، فذكروا له الناقوس.
فقال: هو من أمر النصارى. وكأنه كرهه أولاً، ثم أمر به، فعمل من خشب.
فانصرف عبد الله بن زيد، وهو مهتم لهمّ رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأُري الأذان في منامه.
قال: فغدا على رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأخبره فقال له: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت، فأراني الأذان.
قال: وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك؛ فكتمه عشرين يوماً، ثم أخبر به النبي "صلى الله عليه وآله" فقال: ما منعك أن تخبرني؟
قال: سبقني عبد الله بن زيد، فاستحييت، فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": يا بلال، قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد، فافعله.
قال: فأذن بلال (الحديث).
كان هذا أحد نصوص رواية كيفية تشريع الأذان، وللرواية نصوص كثيرة ومختلفة جداً، فراجع([238]).
مناقشة روايات الأذان:
ونحن نعتقد عدم صحة ذلك؛ وذلك استناداً إلى ما يلي:
أولاً: تناقض الروايات الشديد، كما يظهر بالمراجعة والمقارنة وذلك يوهن الرواية، ويثير حولها أكثر من سؤال فمثلاً:
الرواية المتقدمة تذكر أن ابن زيد رأى الأذان بين المنام واليقظة.
وأخرى تقول: رآه في المنام.
وثالثة تقول: إن ابن زيد قال: "لولا أن يقول الناس لقلت: إني كنت يقظان غير نائم".
ورواية تقول: إن ابن زيد رآه، فأخبر به النبي "صلى الله عليه وآله".
وأخرى تقول: إن جبرائيل أذن في سماء الدنيا؛ فسمعه عمر وبلال، فسبق عمر بلالاً، فأخبر النبي "صلى الله عليه وآله"، ثم جاء بلال، فقال له: سبقك بها عمر.
ورواية تقول: إن ابن زيد رآه.
وأخرى تقول: إن سبعة من الأنصار رأوه، وقيل: أربعة عشر، ورواية تزيد عبد الله بن أبي بكر.
ورواية تقول: إن بلالاً كان يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، حي على الصلاة، فقال له عمر: أشهد أن محمداً رسول الله، فقال النبي "صلى الله عليه وآله" لبلال: قل كما قال عمر.
ورواية تفرد فصول الإقامه، ورواية تثنيها.
إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي لا مجال لذكرها، فراجع المصادر وقارن بين الروايات إن شئت.
ثانياً: إن دعوى سماع عمر وبلال لجبرائيل، أو رؤية ابن زيد للأذان في اليقظة، لا يمكن قبولها؛ لأن معنى ذلك هو أن يكون هؤلاء من الأنبياء، لأنهم قد أخذوا من جبرائيل وسمعوا منه أمراً تشريعياً توقيفياً، وهو من مختصات الأنبياء "عليهم السلام".
ولا يرد على ذلك: أن فاطمة "عليها السلام" كانت تسمع ما سجلته في مصحفها من جبرائيل مباشرة، لأننا نجيب بأن مصحف فاطمة لم يتضمن تشريعات اختصها جبرائيل بها، وتلقتها الأمة منها.. بل كان يخبرها بما يجري على ذريتها من بعدهـا وبغير ذلك من حقـائق يعرفها ممـا لا يرتبط بالتشريع..
أما بالنسبة لرواية الرؤية في المنام، فقد قال العسقلاني:
"وقد استشكل في إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، لأن رؤيا غير الأنبياء لا يبنى عليها حكم شرعي، أجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك"!؟([239]).
ولكنه جواب بارد: فإن مجرد الاحتمال لا يجدي، مع كون الرواية المعتمدة عندهم لم تذكر ذلك، ولم تشر إليه، بل اكتفت بمجرد أمره "صلى الله عليه وآله" بلالاً بالتعلم من ابن زيد.
ثم لماذا لم ينزل الوحي عليه "صلى الله عليه وآله" من أول الأمر، وحينما كان متحيراً في أمره، مهموماً مغموماً لا يدري ما يفعل؟!.
ويبقى سؤال: لِـمَ اختص الأذان بأن شرع بهذه الكيفية، دون سائر الأحكام؟!
وأجاب السهيلي: بأن في الأذان تنويهاً بشأنه، ورفعاً لذكره، فلأن يكون على لسان غيره أنوه وأفخم لشأنه([240]).
ولكنه جواب بارد أيضاً ـ وإن استحسنه العسقلاني وغيره ـ لأنه لو صح؛ لوجب أن يكون تشريع الصلاة والزيارات والأدعية، بل وكذا إيجاب الشهادتين، وغير ذلك أيضاً على لسان غيره، لأنها كلها فيها تنويه بذكره، وتفخيم لأمره، وكذا بالنسبة للآيات القرآنية التي تمتدحه "صلى الله عليه وآله" وتثني عليه كقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وغير ذلك.
وبعد كل ما تقدم فإننا نقول: إن حكم النبي "صلى الله عليه وآله" بالعمل برؤيا ابن زيد، يكون من النطق عن الهوى، وعدم الاستناد إلى الوحي، وهو ينافي قوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى}.
ومشورة النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه في أمر ديني مستحيلة؛ لأنه مستغن عنهم بالوحي، نعم هو كان يستشيرهم في أمور دنيوية، يطلب منهم هم القيام بها، لأسباب ستأتي إن شاء الله في غزوتي بدر وأحد.
ثالثاً: كيف كره "صلى الله عليه وآله" موافقة اليهود والنصارى، ثم عاد فرضي بها، فهل كان ذلك قبيحاً ثم صار حسناً؟!.
أم أنه كان مضطراً إلى موافقتهم؛ حيث سدت السبل في وجهه؟!
ولم لا يجعل منادياً ينادي الناس للصلاة، كما كانوا يفعلون حينما كانوا ينادون: بالصلاة جامعة، في كل مناسبة اقتضت ذلك؟
ولماذا يهتم رسول الله وعبد الله بن زيد وقد انحل المشكل برضاه "صلى الله عليه وآله" بصنع الناقوس؛ ولم يبق ما يستدعي ذلك؟.
والأهم من ذلك: أنهم يروون ـ وإن كنا نحن لا نصدق بل ونجزم بكذب ذلك ـ : أنه "صلى الله عليه وآله" كان يحب موافقة أهل الكتاب في كل ما لم ينزل فيه وحي([241]).
فلماذا كره ذلك هنا، واهتم واغتم لأجله؟!. فما هذا التناقض القبيح فيما ينسبونه إلى النبي الأكرم "صلى الله عليه وآله"؟!.
رابعاً:
1 ـ عن الصباح المزني، وسدير الصيرفي، ومحمد بن النعمان الأحول، وعمر بن أذينة، أنهم حضروا عند أبي عبد الله "عليه السلام" فقال: يا عمر بن أذينة ما ترى هذه الناصبة في أذانهم وصلاتهم؟
فقال: جعلت فداك، إنهم يقولون: إن أبي بن كعب الأنصاري رآه في النوم.
فقال "عليه السلام": كذبوا والله، إن دين الله تعالى أعز من أن يرى في النوم.
وعلى حسب نص آخر إنه "عليه السلام" قال: ينزل الوحي به على نبيكم فتزعمون: أنه أخذه عن عبد الله بن زيد؟!([242]).
2 ـ عن أبي العلاء، قال: قلت لمحمد بن الحنفية:
إنا لنتحدث: أن بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه.
قال: ففزع لذلك محمد بن الحنفية فزعاً شديداً وقال:
عمدتم إلى ما هو الأصل في شرايع الإسلام، ومعالم دينكم؛ فزعمتم: أنه من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه، تحتمل الصدق والكذب، وقد تكون أضغاث أحلام؟!.
قال: فقلت: هذا الحديث قد استفاض في الناس؟!.
قال: هذا والله هو الباطل، ثم قال: وإنما أخبرني أبي: أن جبرائيل "عليه السلام" أذن في بيت المقدس ليلة الإسراء وأقام، ثم أعاد جبرائيل الأذان لما عرج بالنبي "صلى الله عليه وآله" إلى السماء([243]).
3 ـ والإمام الحسن "عليه السلام" قد أنكر ذلك أيضاً، حيث تذاكروا عنده الأذان، وذكروا رؤيا ابن زيد، فقال: إن شأن الأذان أعظم من ذلك، أذن جبرائيل في السماء مثنى مثنى، وعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأقام مرة مرة، فعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله"([244]).
4 ـ عن الحسين بن علي "عليهما السلام" أنه سئل عن الأذان وما يقول الناس، فقال: "الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون: أنه أخذ الأذان عن عبد الله بن زيد؟! بل سمعت أبي علي بن أبي طالب "عليه السلام" يقول:
أهبط الله ملكاً حين عرج برسول الله "صلى الله عليه وآله"، فأذن مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال له جبرائيل: يا محمد، هكذا أذان الصلاة"([245]).
ولكن كون الإقامة مرة مرة، مخالف لما هو ثابت قطعاً عن أهل البيت "عليهم السلام"، فإنه لا يرتاب أحد أنهم يروون ويرون أنها مثنى مثنى، وذلك هو مذهب كثير من الصحابة، والتابعين، وفقهاء الإسلام.
وجعلها مرة مرة إنما كان على يد الأمراء، فإن ذلك أمر استخفته الأمراء على حد تعبيرهم([246])، وإلا فإن الإقامة مرتين مرتين.
خامساً: عن عبد الله بن زيد نفسه قال: سمعت أذان رسول الله "صلى الله عليه وآله" فكان أذانه وإقامته مثنى مثنى([247]).
فلو كان هو الذي أري الأذان، فلا بد أن يكون أعرف الناس به من كل أحد، فلماذا يرويه عن رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟!
سادساً: حكى الداودي، عن ابن إسحاق: أن جبرائيل أتى النبي "صلى الله عليه وآله" بالأذان قبل أن يراه عبد الله بن زيد وعمر بثمانية أيام.
ويؤيد ذلك ما رووه أيضاً: من أن عمر قد ذهب ليشتري ناقوساً، فأخبر: أن ابن زيد قد أري الأذان في المنام؛ فرجع ليخبر رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فقال له: "سبقك بذلك الوحي"([248]).
سابعاً: إننا نرجح أن تشريع الأذان كان في مكة قبل الهجرة، وذلك لما تقدم عن ابن الحنفية، ولما يلي:
1 ـ عن زيد بن علي، عن آبائه "عليهم السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" علم الأذان ليلة أسري به، وفرضت عليه الصلاة.
وكذا روي عن أمير المؤمنين "عليه السلام"، وعن ابن عمر، والإمام الباقر "عليه السلام"، وعائشة([249]).
وقد جاء بسند صحيح عن الإمام الباقر "عليه السلام" ما هو قريب من ذلك([250]).
2 ـ عن أنس: إن جبرائيل أمر النبي "صلى الله عليه وآله" بالأذان حين فرضت الصلاة([251])، والصلاة إنما فرضت في مكة، كما هو معلوم.
وصحح السهيلي مفاد الرواية المروية عن الإمام الباقر "عليه السلام"، الدالة على تشريع الأذان حين الإسراء، والتي أشرنا إليها فيما سبق.
ولكنهم أوردوا عليه بأن في سندها زياد بن المنذر، وفيه شيعية([252])، وبأن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يأمر بالأذان حين الهجرة([253]).
ولكن إيرادهم الأول كما ترى، وإيرادهم الثاني أيضاً لا واقع له، فإن هذا هو محل النزاع.
وبالمناسبة نذكر: أنه قد ورد: أن جبرائيل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة([254]).
وبعدما تقدم: فإننا نعرف عدم صحة ما رووا عن ابن عباس، من أن فرض الأذان كان مع نزول آية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ..}([255]). ليكون الأذان قد شرع حين نزول سورة الجمعة، بعد السنة السابعة للهجرة وبعد وفاة عبد الله بن زيد، الذي قتل في أحد، أو بعدها بقليل.
ولذلك قال الحاكم: "وإنما ترك الشيخان حديث عبد الله بن زيد في الأذان والرؤيا، التي قصها على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بهذا الإسناد، لتقدم موت عبد الله بن زيد، فقد قيل: إنه استشهد بأحد، وقيل: بعد ذلك بيسير"([256]).
ولكن عبارة الدر المنثور هكذا: "الأذان نزل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" مع فرض الصلاة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ..}، فيحتمل أن يكون مقصوده هو أن الأذان قد شرع في مكة مع فرض الصلاة، ثم استشهد بالآية للإشارة إلى أن الله قد أومأ إلى الأذان في القرآن أيضاً؛ فإذا صح هذا فإن هذه الرواية لا تعارض ما تقدم.
ثامناً: عن عائشة، وعكرمة، وقيس بن أبي حازم، وغيرهم، في قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحاً}: ركعتان فيما بين الأذان والإقامة([257]).
وواضح: أن هذه الآية قد وردت في سورة فصلت، وهي مكية، فيدل على أن الأذان والإقامة قد شرعا في مكة، وجاءت الآية لتبين حكماً متعلقاً بهما.
ودعوى: أن الآية مما تأخر حكمه عن نزوله، لا شاهد لها إلا رواية ابن زيد المتقدمة، وقد تقدم أنها لا تصلح للإعتماد عليها، بل الدليل قائم على كذبها.
تاسعاً: لقد ذكر المفسرون في قوله تعالى: {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ} أنه في الأذان([258]).
وروى عدد منهم ذلك عن ابن عباس ومجاهد([259]).
وهذه الآية في سورة الانشراح، وهي مكية أيضاً.
الكلمة الأخيرة:
وأخيراً.. فقد ورد بالسند الصحيح عن أبي عبد الله الصادق "عليه السلام"، قال: لما هبط جبرائيل على رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالأذان، أذن جبرائيل وأقام.
وعندها أمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" علياً "عليه السلام" أن يدعو له بلالاً فدعـاه، فعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآلـه" الأذان، وأمره به([260]).
وهذه الرواية لا تعارض ما سبق؛ إذ من الممكن أن يكون جبرائيل قد نزل بالأذان في مكة، كما أن الأذان الذي شرع حين الإسراء لعله الأذان الذي يمارسه كل فرد فرد، وأما أذان الإعلام فهو الذي نزل به جبرائيل وعلمه رسول الله "صلى الله عليه وآله" بلالاً وأمره به.
وبالنسبة لما جرى بالمدينة؛ فلعل الأقرب هو الرواية التي تقول: إنه حين قدم المسلمون المدينة، كانوا يجتمعون يتحينون الصلاة، وليس ينادى بها، وكلموه يوماً في ذلك، فقال بعضهم لبعض: اتخذوا ناقوساً مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بوقاً مثل بوق اليهود، فقال عمر "رض": ألا تبعثوا رجالاً ينادون بالصلاة.
فقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "قم يا بلال فأذن"([261]).
فهذه الرواية الأخيرة تفيد: أن المسلمين هم الذين اختلفوا فيما بينهم، واقترحوا بعض الوسائل على بعضهم البعض؛ فحسم "صلى الله عليه وآله" النزاع بأمره بلالاً بالأذان، فيظهر منه أن الأذان كان قد شرع قبل ذلك، حين الإسراء مثلاً، ولكن هؤلاء المسلمين إما لم يطَّلعوا على ذلك، لأنهم أسلموا حديثاً، أو أنهم أو بعضهم قد عرفوا بالأمر لكن لم يعجبهم ذلك، فأحبوا التغيير.
هذا.. وقد بحث الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين "رحمه الله" هذا الموضوع؛ فليراجعه من أراد([262]).
حي على خير العمل في الأذان:
ومن الأمور التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين، بين مثبت وناف، هو قول: "حي على خير العمل" في الأذان مرتين، بعد قول: "حي على الفلاح".
فذهبت طائفة تبعاً لأئمتهم إلى أن هذه الفقرة "حي على خير العمل" لا يصح ذكرها في الأذان، وهؤلاء هم جمهور أهل السنة والجماعة، وعبر بعضهم بلفظ: يكره، معللاً ذلك بأنه لم يثبت ذلك عن النبي، والزيادة في الأذان مكروهة([263]).
وقال القاسم بن محمد بن علي نقلاً عن توضيح المسائل لعماد الدين يحيى بن محمد بن حسن بن حميد المقري: "قد ذكر الروياني: أن للشافعي قولاً مشهوراً بالقول به.
وقد قال كثير من علماء المالكية وغيرهم من الحنفية والشافعية: أنه كان حي على خير العمل من ألفاظ الأذان.
قال الزركشي في كتابه المسمى بالبحر ما لفظه: ومنها ما الخلاف فيه موجود في المدينة كوجوده في غيرها، وكان ابن عمر، وهو عميد أهل المدينة، يرى إفراد الأذان، ويقول فيه: "حي على خير العمل" إلى أن قال المقري: "فصح ما رواه الروياني: أن للشافعي قولاً مشهوراً في إثبات حي على خير العمل"([264]).
وذهب أهل البيت وشيعتهم إلى أن هذه الفقرة جزء من الأذان والإقامة، لا يصحان بدونها، وهذا الحكم إجماعي عندهم([265]) ونسبه الشوكاني إلى "العترة"([266]) وقال: "نسبه المهدي في البحر إلى أحد قولي الشافعي"([267]).
قال الشوكاني: "وهو خلاف ما في كتب الشافعية"([268]).
ويستدل شيعة أهل البيت على أن كلمة: حي على خير العمل ثابتة في الأذان بالإجماع، وبالروايات الكثيرة والمتواترة عن أهل بيت النبوة "عليهم السلام" في ذلك، كرواية أبي الربيع، وزرارة، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مهران عن أبي جعفر "عليه السلام".
ورواية فقه الرضا عن الرضا "عليه السلام".
ورواية ابن سنان، ومعلى بن خنيس، وأبي بكر الحضرمي، وكليب الأسدي عن أبي عبد الله "عليه السلام".
ورواية أبي بصير عن أحدهما.
ورواية محمد بن أبي عمير عن أبي الحسن.
ورواية علي، ومحمد بن الحنفية عن النبي "صلى الله عليه وآله".
ورواية عكرمة عن ابن عباس([269]).
ونحن إزاء هذا الاختلاف؛ لا نجد مناصاً من الأخذ بمذهب أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم، ولا نستند في ذلك فقط إلى الإجماع المذكور، ولا إلى خصوص ما ورد عن أهل البيت الذين هم أحد الثقلين، والذين أذهب الله عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً.
وإنما إلى العديد من الأدلة والشواهد الأخرى التي نجدها عند غيرهم أيضاً.
فقد روي ذلك ـ وبعضه بالأسانيد الصحيحة ـ عن كل من:
1 ـ عبد الله بن عمر.
2 ـ الإمام علي بن الحسين، زين العابدين "عليه السلام".
3 ـ سهل بن حنيف.
4 ـ بلال.
5 ـ علي أمير المؤمنين "عليه السلام".
6 ـ أبي محذورة.
7 ـ ابن أبي محذورة.
8 ـ زيد بن أرقم.
9 ـ الباقر "عليه السلام".
10 ـ الصادق "عليه السلام".
11 ـ الإمام الحسن بن علي "عليه السلام".
12 ـ الإمام الحسين "عليه السلام".
وغيرهم كثير.
فأما ما روي عن عبد الله بن عمر، فقد رواه:
1 ـ مالك بن أنس، عن نافع، قال: كان ابن عمر أحياناً إذا قال: حي على الفلاح، قال على إثرها: حي على خير العمل([270]).
2 ـ عن الليث بن سعد، عن نافع قال: كان ابن عمر لا يؤذن في سفره، وكان يقول: حي على الفلاح، وأحياناً يقول: حي على خير العمل([271]).
3 ـ وعن الليث بن سعد عن نافع، قال: كان ابن عمر ربما زاد في أذانه: حي على خير العمل.
ورواه أنس بن مالك، عن نافع، عن ابن عمر([272]).
ورواه أيضاً: عطاء، عن ابن عمر([273]).
4 ـ عن محمد بن سيرين عن ابن عمر: أنه كان يقول ذلك في أذانه([274]).
5 ـ وكذلك رواه نسير بن ذعلوق، عن ابن عمر، وقال: في السفر([275]).
6 ـ عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر: أنه كان يقيم الصلاة في السفر، يقولها مرتين أو ثلاثاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على خير العمل([276]).
7 ـ عبد الرزاق، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل: أن ابن عمر كان إذا قال في الأذان: حي على الفلاح، قال: حي على خير العمل، ثم يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله([277]).
ورواه ابن أبي شيبة([278]) من طريق ابن عجلان، وعبيد الله، عن نافع؛ عن ابن عمر.
8 ـ عن زيد بن محمد، عن نافع؛ أن ابن عمر كان إذا أذن قال: حي على خير العمل([279]).
وذكر صاحب الاعتصام رواية ابن عون عن نافع، وابن جريج عن نافع، وعثمان بن مقسم عن نافع، و عبد الله بن عمر عن نافع، وجويرية بن أسماء عن نافع([280]) فراجع.
ونقل رواية ذلك عن ابن عمر الحلبي الشافعي وغيره أيضاً، فراجع([281]).
وقال ابن حزم: "ولقد كان يلزم يقول بمثل هذا عن الصاحب؛ مثل هذا لا يقال بالرأي: أن يأخذ بقول ابن عمر هذا؛ فهو عنه ثابت بأصح إسناد"([282]).
وأما ما ورد عن علي بن الحسين "عليه السلام":
9 ـ فعن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن علي بن الحسين كان يقول في أذانه، إذا قال: حي على الفلاح، قال: حي على خير العمل، ويقول: هو الأذان الأول([283]).
وليس يجوز أن يحمل قوله هو الأذان الأول إلا على أنه أذان رسول الله "صلى الله عليه وآله"([284]).
10 ـ ونقل ذلك عن علي بن الحسين، الحلبي الشافعي، وابن حزم الظاهري وغيرهما كما سيأتي.
وأما سهل بن حنيف فقد:
11 ـ روى البيهقي: أن ذكر حي على خير العمل في الأذان قد روي عن أبي أمامة: سهل بن حنيف([285]).
12 ـ ونقل ابن الوزير، عن المحب الطبري الشافعي في كتابه إحكام الأحكام، ما لفظه: "ذكر الحيعلة، بحي على خير العمل، عن صدقة بن يسار، عن أبي أمامة سهل بن حنيف: أنه كان إذا أذن قال: حي على خير العمل. أخرجه سعيد بن منصور"([286]).
وعن بلال أيضاً:
13 ـ عن عبد الله بن محمد بن عمار، عن عمار وعمر ابني حفص بن عمر، عن آبائهم، عن أجدادهم، عن بلال: أنه كان ينادي بالصبح، ويقول: حي على خير العمل، فأمره النبي "صلى الله عليه وآله" أن يجعل مكانها: الصلاة خير من النوم، وترك حي على خير العمل([287]).
أما ذيل الرواية فالظاهر أنه من زيادات الرواة؛ لأن عبارة: "الصلاة خير من النوم" قد أضيفت إلى الأذان بعد زمان النبي "صلى الله عليه وآله"، وبالذات من قبل عمر بن الخطاب، كما صرحت به العديد من الروايات([288]).
14 ـ كان بلال يؤذن بالصبح، فيقول: حي على خير العمل([289]). يضاف إلى كل ذلك:
15 ـ قول القوشجي وغيره: إن عمر خطب الناس، وقال: أيها الناس، ثلاث كن على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أنا أنهى عنهن، وأحرمهن، وأعاقب عليهن، وهي: متعة النساء، ومتعة الحج، وحي على خير العمل([290]).
وقد اعتذر القوشجي متكلم الأشاعرة عن ذلك بقوله: "إن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع"([291]).
وهذا اعتذار غير وجيه، فإن النبي "صلى الله عليه وآله" لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، كما صرحت به الآيات.
ووجه العذر الحق عنه هو: أن الخليفة الثاني قد رأى ـ في نظره ـ : أن الناس إذا سمعوا: أن الصلاة هي خير العمل، فإنهم سوف يتكلون على الصلاة ويتركون الجهاد، كما سيصرح به الخليفة نفسه فيما يأتي.
ومعنى ذلك هو: أن هذا كان منه نهياً مصلحياً وقتياً، ولم يكن نهياً تشريعياً تحريمياً، حيث إنه كان يعلم: أنه ليس له حق التشريع.
16 ـ وقال الحلبي: "ونقل عن ابن عمر، وعن علي بن الحسين "رض": أنهما كانا يقولان في أذانيهما، بعد حي على الفلاح: حي على خير العمل"([292]).
17 ـ وقال علاء الدين الحنفي، في كتاب التلويح في شرح الجامع الصحيح: "وأما حي على خير العمل، فذكر ابن حزم: أنه صح عن ابن عمر، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف([293]): أنهم كانوا يقولون في أذانهم: حي على خير العمل"([294]).
وأضاف صاحب التلويح على هذا قوله: "وكان علي بن الحسين يفعله"([295]).
18 ـ وقال السيد المرتضى: "وقد روت العامة: أن ذلك مما كان يقال في بعض أيام النبي "صلى الله عليه وآله"، وإنما ادعي: أن ذلك نسخ ورفع، وعلى من ادعى النسخ الدلالة، وما يجدها"([296]).
19 ـ وعن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن حماد، عن أبيه، عن جده، عن النبي "صلى الله عليه وآله" في حديث المعراج، قال: ثم قام جبرائيل فوضع سبابته اليمنى في أذنه، فأذن مثنى مثنى يقول في آخرها: حي على خير العمل، مثنى مثنى([297]).
20 ـ وكان ابن النباح يقول في أذانه: حي على خير العمل([298]).
وقال القاسم بن محمد: "ذكر في كتاب السنام ما لفظه: الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل؛ لأنه اتفق على الأذان به يوم الخندق؛ ولأنه دعاء إلى الصلاة، وقد قال "صلى الله عليه وآله": خير أعمالكم الصلاة، وقد اتفق أيضاً على أن ابن عمر والحسن والحسين "عليهما السلام" وبلالاً، وجماعة من الصحابة، أذنوا به" حكاه في شرح الموطأ وغيره من كتبهم.
قال صاحب فتوح مكة وهو من مشايخ الصوفية: "أجمع أهل المذاهب على التعصب في ترك الأذان بحي على خير العمل، إنتهى إلى قوله: وقد ذكر السيد العلامة عز الدين أبو إبراهيم، محمد بن إبراهيم ما لفظه: "بحثت عن هذين الإسنادين في حي على خير العمل، فوجدتهما صحيحين إلى ابن عمر، وإلى زين العابدين"([299]).
وروى الإمام السروجي في شرح الهداية للحنفية؛ أحاديث حي على خير العمل بطرق كثيرة([300]).
21 ـ روي عن علي "عليه السلام"، أنه قال: سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: إعلموا: أن خير أعمالكم الصلاة، وأمر بلالاً أن يؤذن: حي على خير العمل، حكاه في الشفاء([301]).
22 ـ روى محمد بن منصور في كتابه الجامع، بإسناده عن رجال مرضيين، عن أبي محذورة، أحد مؤذني رسول الله "صلى الله عليه وآله"، أنه قال: أمرني رسول الله "صلى الله عليه وآله" أن أقول في الأذان: حي على خير العمل([302]).
23 ـ روى عن محمد بن منصور: أن "أبا" القاسم "عليه السلام" أمره أن يؤذن، ويذكر ذلك (يعني: حي على خير العمل) في أذانه قال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" أمر به، هكذا في الشفاء([303]).
24 ـ عن أبي بكر أحمد بن محمد السري: أنه سمع موسى بن هارون، عن الحماني، عن أبي بكر بن عياش، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي محذورة، قال: كنت غلاماً، فقال لي النبي "صلى الله عليه وآله": اجعل في آخر أذانك: حي على خير العمل([304]).
25 ـ وفي الشفاء، عن هذيل بن بلال المدائني، قال: سمعت ابن أبي محذورة يقول: حي على الفلاح، حي على خير العمل([305]).
26 ـ عن زيد بن أرقم: أنه أذن في حي على خير العمل([306]).
27 ـ وقال الشوكاني نقلاً عن كتاب الأحكام: وقد صح لنا: أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله" يؤذن بها، ولم تطرح إلا في زمن عمر([307]).
28 ـ وهكذا قال الحسن بن يحيى، روى ذلك عنه في جامع آل محمد([308]).
وبه قال محمد: سألت أحمد بن عيسى، قلت: تقول إذا أذنت: حي على خير العمل، حي على خير العمل؟!
قال: نعم.
قلت: في الأذان والإقامة؟
قال: نعم، ولكني أخفيها.
وبه قال: حدثني محمد بن جميل، عن نصر بن مزاحم، عن أبي الجارود، وعن أبي جعفر: أنه كان يقول: حي على خير العمل، في الأذان والإقامة.
وعن أبي الجارود، عن حسان، قال: أذنت ليحيى بن زيد بخراسان، فأمرني أن أقول: حي على خير العمل، حي على خير العمل([309]).
29 ـ روينا عن علي بن الحسين "عليه السلام": أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان إذا سمع المؤذن قال كما يقول، فإذا قال: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله الخ..([310]).
30 ـ عن محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين "عليهما السلام": أنه كان إذا قال: حي على الفلاح، قال: حي على خير العمل([311]).
31 ـ قال الزركشي في البحر المحيط: ومنها ما الخلاف فيه موجود، كوجوده في غيرها، وكان ابن عمر، وهو عميد أهل المدينة، يرى إفراد الأذان والقول فيه: حي على خير العمل([312]).
32 ـ وفي كتاب السنام ما لفظه: الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل([313]).
33 ـ وروي عن علي "عليه السلام"، أنه كان يقول: حي على خير العمل، وبه أخذت الشيعة([314]).
34 ـ وفي الروض النضير: وقد قال كثير من علماء المالكية، وغيرهم من الحنفية والشافعية: أنه كان "حي على خير العمل" من ألفاظ الأذان([315]).
إشكالات غير واردة:
1ـ وأما دعوى: أن عدم ورود ذلك في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث يدل على عدم اعتباره في الأذان، وحتى لو صح ما روي من أنه الأذان الأول، فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره منها([316])، فلا تصح:
أولاً: لأن الصحيحين لم يجمعا جميع الأحاديث التي تدل على الأحكام.
ثانياً: لو كان منسوخاً لعلم بذلك ابن عمر، وزين العابدين، وزيد بن أرقم، وغيرهم، فلماذا استمروا على ذلك حتى بعد وفاة رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟.
ثالثاً: قد صرحت بعض الروايات التي ذكرناها في هذا البحث، أن أول من ألغى هذه العبارة من الأذان هو الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لمصلحة تخيل أنها تقتضي ذلك، فبعد انتفاء تلك المصلحة ـ لو سلم صحة الاستناد إليها والاعتماد عليها ـ لا يبقى مبرر للاستمرار على ترك ما شرعه رسول الله "صلى الله عليه وآله" قبل ذلك.
ولعل التزام عدد من الصحابة والتابعين وغيرهم وأهل البيت وشيعتهم بهذه الفقرة، يشير إلى أنهم لم يوافقوا عمر على ما ذهب إليه من الاجتهاد ولم يقبلوه منه.
2ـ وبعد هذا، فلا يصح قول البعض: إن ذلك مكروه؛ لأنه لم يثبت عن النبي([317]).
فقد عرفت أنه قد وردت الروايات الصحيحة عمن ذكرنا، أنهم كانوا يقولونها، وأنه مذهب أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، الذين هم أحد الثقلين.
وقد بقي قول حي على خير العمل شعار العلويين، وأهل البيت وشيعتهم على مدى الأعصار، حتى إن ابتداء ثورة الحسين بن علي صاحب فخ، كان لأجل ذلك، ولتلاحظ النصوص التالية:
حي على خير العمل موقف وشعار:
أ ـ صعد عبد الله بن الحسن الأفطس المنارة التي عند رأس النبي "صلى الله عليه وآله"، عند موضع الجنائز، فقال للمؤذن:
"أذن بحي على خير العمل، فلما نظر إلى السيف بيده أذن بها، وسمع العمري (يعني والي المدينة من قبل المنصور) فأحس بالشر، ودهش، وصاح: أغلقوا البغلة ـ الباب ـ وأطعموني حبتي ـ ماء"([318]).
ب ـ وذكر التنوخي: أن أبا الفرج أخبره: أنه سمعهم في زمانه يقولون في أذانهم بالقطيعة: حي على خير العمل([319]).
ج ـ وقال ابن كثير في حوادث سنة 443 عن الروافض: "وأذنوا بحي على خير العمل"([320]).
د ـ وقال الحلبي: "وذكر بعضهم: أن في دولة بني بويه كانت الرافضة تقول، بعد الحيعلتين: حي على خير العمل، فلما كانت السلجوقية، منعوا المؤذنين من ذلك، وأمروا أن يقولوا في أذان الصبح بدل ذلك: الصلاة خير من النوم، مرتين، وذلك في سنة ثمان وأربعين وأربعمائة"([321]).
هـ ـ وتحدث ابن فرحون: أنه كان ثمة مقصورة قد زيدت على الحجرة النبوية الشريفة، عملت وقاية من الشمس إذا غربت قال: "وكانت بدعة وضلالة تصلي فيها الشيعة"..
إلى أن قال: "ولقد كنت أسمع بعض من يقف على بابها، ويؤذن بأعلى صوته: حي على خير العمل، وكانت مواطن تدريسهم، وخلوة علمائهم، حتى قيض الله لها من سعى فيها، فأصبحت ليلة منخلعة أبوابها الخ.."([322]).
و ـ وقال ابن قاسم النويري الإسكندراني: "فحين وصل المعز إلى مصر، أمر بأن يؤذن على جامع عمرو بن العاص، وجامع ابن طولون بحي على خير العمل؛ فاستدام ذلك في الأذان، إلى حين انقضاء دولة العبيديين في سنة سبع وستين وخمسمائة، فانقرض حينئذٍ ذكر حي على خير العمل بانقراض دولتهم. أبطل ذلك السلطان صلاح الدين يوسف بن نجم الدين أيوب"([323]).
ز ـ وفي سنة 350 ه أعلن المؤذنون بحي على خير العمل بأمر جعفر بن فلاح نائب دمشق للمعز([324])، وفي نفس السنة أيضاً قدم البساسيري إلى بغداد، وزيد في الأذان حي على خير العمل([325]).
ح ـ وقال: "إن العبيديين الزاعمين أنهم فاطميون، كانوا شيعة، يقولون في أذانهم بعد الحيعلتين: حي على خير العمل، يقولونها مرتين كما تقولها الزيدية في أذانهم بمكة والمدينة في غير أيام الحج، وكذلك بصعدة أيضاً وغيرها من أرض اليمن"([326]).
ط ـ وقال ابن كثير، وهو يتحدث عن شروط الشيعة على والي حلب لإعانتهم إياه على صلاح الدين:
"إن الروافض شرطوا عليه إعادة حي على خير العمل في الأذان، وأن ينادى في جميع الجوامع والأسواق، ويستخلص لهم الجامع وحدهم، وينادى بأسامي الأئمة الاثني عشر سلام الله عليهم، ويكبر على الجنائز خمس تكبيرات، وأن يفوض أمر العقود والأنكحة إلى الشريف الطاهر أبي المكارم حمزة بن زهرة الحسيني، مقتدى شيعة حلب، فقبل الوالي ذلك كله"([327]).
سبب حذف هذه العبارة:
وأما لماذا حذفت هذه العبارة من الأذان؟! فقد صرح الخليفة الثاني نفسه بسر ذلك، فقد قال ابن شاذان، مخاطباً أهل السنة والجماعة:
35 ـ "ورويتم عن أبي يوسف القاضي، رواه محمد بن الحسن، وأصحابه، وعن أبي حنيفة، قالوا: كان الأذان على عهد رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وعلى عهد أبي بكر، وصدراً من خلافة عمر ينادى فيه: حي على خير العمل.
فقال عمر بن الخطاب: إني أخاف أن يتكل الناس على الصلاة، إذا قيل: حي على خير العمل، ويدعوا الجهاد، فأمر أن يطرح من الأذان: حي على خير العمل"([328]).
وروي مثل ذلك عن:
36 ـ أبي عبد الله الصادق.
37 ـ وأبي جعفر الباقر.
38 ـ وابن عباس([329]).
كلمة حول هذا الرأي:
ونحن وإن كنا نرى: أن أمر الجهاد في زمن الرسول "صلى الله عليه وآله" كان أعظم وأشد، والناس إليه أحوج منهم على عهد عمر، ولم يحذف النبي "صلى الله عليه وآله" هذه العبارة من الأذان مما يعني: أننا نستطيع أن نجزم بأن اجتهاد الخليفة الثاني لم يكن على درجة مقبولة من القوة والكفاية، حيث لم تلحظ فيه جميع جوانب وخلفيات هذه القضية بالشكل الكافي والمقبول.
إلا أن تعليل عمر الآنف الذكر، يدل على أن ترك هذه الفقرة من الأذان إنما كان لأسباب وقتية وآنية اقتضت ذلك بنظره، وربما لم يكن يفكر في استبعاد هذه الفقرة من الأذان إلى الا بد، وإنما فقط إلى فترة محدودة، رآها تتطلب هذا الإجراء.
وإذا كان ذلك هو ما حدث بالفعل، فإننا لا نستطيع أن نفهم المبرر للاستمرار على ترك هذه الفقرة في هذا الزمان الذي لم يعد فيه ذلك المبرر قائماً.
ولماذا لا نعود جميعاً إلى سنة الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله"، وأهل بيته الطاهرين؟!.
وحتى لو كان عمر قد أراد ـ كما فعله في موارد مشابهة ـ أن يستبعد ذلك من الأذان مطلقاً وأن يسقطه من التشريع الإسلامي، فإن المعيار هو قول الله ورسوله لا قول عمر، وذلك أمر واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان.
الفصل الثاني:
تشريع بعض العبادات
الزيادة في الصلاة:
وقد ورد في بعض الروايات المعتبرة([330]): أن الصلاة كانت في أول الأمر ركعتين ركعتين، فرضها الله تعالى على العباد مباشرة، وفوض لرسوله زيادة معينة يزيدها عليها في الوقت المناسب، من دون حاجة إلى وحي جديد، فزاد "صلى الله عليه وآله" في المغرب ركعة واحدة، وفي الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين.
وقيل: إن هذه الزيادة كانت في السنة الأولى من الهجرة، وقيل: بعد ولادة الحسنين "عليهما السلام".
وقد يقال: أن الأول هو الأصح، لورود ذلك في حديث تحويل القبلة ـ الذي سيأتي الكلام فيه هو وفرض الزكاة بعد بدر ـ وذلك كان قبل ولادتهما "عليهما السلام".
إلا أن يقال: إن هذه الرواية موضع شك، فقد تعودنا من هؤلاء الناس التلاعب في النصوص والآثار إذا كانت تثبت فضلاً وكرامة لعلي وأهل بيته "عليهم السلام".
وعلى كل حال، فإن هذه الزيادة غير مستهجنة، فإن تشريع الأحكام كان تدريجياً؛ وعلى الأخص تلك الأحكام التي ربما يصعب الالتزام بها على العربي؛ لمخالفتها لما اعتاد عليه، وركن وسكن إليه.
قول آخر في فرض الصلاة:
وبعد ما تقدم: فهناك روايات يظهر منها: أن الصلاة قد فرضت تامة من أول الأمر، أو على الأقل كانت تامة في مكة فقد قالوا:
1 ـ كان أول صلاة صلاها رسول الله "صلى الله عليه وآله" الظهر، فأتاه جبرائيل فقال: {إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ}([331]).
قال: فقام جبرائيل بين يدي رسول الله "صلى الله عليه وآله"، والنبي "صلى الله عليه وآله" خلفه، ثم الناس خلف رسول الله، والنساء خلف الرجال، قال: فصلى بهم الظهر أربعاً، حتى إذا كان العصر، قام جبرائيل ففعل مثلها، ثم تذكر الرواية صلاة المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً([332]).
وواضح: أن سورة الصافات مكية، فالرواية تدل على أن الصلاة فرضت تماماً في مكة.
2 ـ وعن نافع بن جبير، وغيره: لما أصبح رسول الله "صلى الله عليه وآله" ليلة أسري به فيها، لم يرعه إلا جبرائيل يتدلى حين زاغت الشمس، ثم تذكر الرواية أنه صلى بهم الظهر أربعاً، والعصر كذلك الخ..([333]).
3 ـ وعن الحسن البصري: إن صلاة الحضر أول ما فرضت فرضت أربعاً([334]).
ولكننا لا نستطيع قبول ذلك، لوجود الروايات الثابتة والصحيحة عند الشيعة، وعند غيرهم، الدالة على أن صلاة الحضر قد فرضت أولاً ركعتين، ثم زيد فيها.
إلا أن يكون المراد: أن الصلاة أبلغت إلى النبي "صلى الله عليه وآله" أولاً كاملة، ولكن المصلحة كانت تلزم أولاً بركعتين، ثم صارت تلزم بالكل، وفوض إلى النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" أمر تبليغ ذلك في الوقت المناسب.
ولذلك فقد اعتبرت الركعتان الأوليان فريضة، أي ما فرض من الله مباشرة على العبد، والباقي سنة، وهو ما أبلغ حكمه للنبي "صلى الله عليه وآله" ليبلغه في صورة تحقق موضوعه، وهو المصلحة المقتضية له.
فرض الزكاة:
ويقولون: إن فرض زكاة الأموال كان بعد بدر في السنة الثانية، وذلك بعد فرض زكاة الفطر.
وقيل: بل فرضت الزكاة في السنة الثالثة.
وقيل: في الرابعة([335]).
ولكن الصحيح: هو ما ذهب إليه البعض([336]) من أن فرض الزكاة كان في مكة.
وذلك بدليل:
1 ـ إن عدة آيات قرآنية نزلت في مكة تأمر بإيتاء الزكاة، ونذكر من ذلك: قوله تعالى: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ..} وهي في سورة مكية([337]).
وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} وهي مكية([338]).
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} وهي مكية([339]).
وقوله تعالى: {الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} وهي مكية أيضاً([340]). ولتراجع سورة الروم المكية الآية 39.
ثم إن الله تعالى قال: عن إسحاق، ويعقوب، ولوط، وإبراهيم "عليهم السلام": {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ}([341]).
وقد حكى الله سبحانه على لسان عيسى قوله: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً}([342]).
وقال تعالى عن إسماعيل: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ}([343]).
وكل ما تقدم إنما ورد في سور مكية.
وفي الآيات الأخيرة دلالة على تشريع الزكاة في الأمم السالفة أيضاً، وقد علمنا: أنها لم تنسخ.
2 ـ وروي عن أبي طالب: أنه حدث عن النبي "صلى الله عليه وآله": إن ربه أرسله بصلة الأرحام، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة([344]).
3 ـ عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: لما بعث النبي "صلى الله عليه وآله" أتيته لأبايعه فقال: لأي شيء جئت يا جرير؟
قلت: جئت لأسلم على يديك، فدعاني إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤتي الزكاة المفروضة([345]).
4 ـ وقد روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، وأبي بصير، وبريد، وفضيل، كلهم عن أبي جعفر وأبي عبد الله "عليهما السلام"، قال: فرض الله الزكاة مع الصلاة([346]).
وسند هذه الرواية جيد، كما ترى.
5 ـ ويؤيد ذلك أيضاً: أن جعفر بن أبي طالب قد ذكر الزكاة لملك الحبشة، على أنها مما أمرهم الله به([347]).
رواية تعارض ما سبق:
ولكن ربما ينافي ما قدمناه، ما جاء في رواية صحيحة السند: أنه لما أنزلت آية الزكاة، التي في سورة التوبة، وهي مدنية، ومن أواخر ما نزل، أمر "صلى الله عليه وآله" مناديه في الناس: إن الله فرض عليكم الزكاة، وبعد أن حال الحول أمر مناديه فنادى في المسلمين: أيها المسلمون، زكوا أموالكم تقبل صلاتكم، قال: ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق([348]).
ولكن هناك عشرات الآيات التي نزلت قبل سورة التوبة، والتي ربما تصل إلى ثلاثين آية، كلها تدل على فرض الزكاة، وحملها كلها على الاستحباب، أو على خصوص زكاة الفطرة بعيد جداً.
فلا بد من حمل هذه الرواية على أن الزكاة، وإن كانت قد شرعت قبل هذا الوقت، إلا أن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يضع الجباة لها إلا بعد نزول هذه الآية، ويمكن أن يكون إيجابها قد حصل في مكة، ولكن فرض أخذها، والإلزام بدفعها قد كان في المدينة.
فرض زكاة الفطرة:
وإذا كانت زكاة الفطرة فرضت قبل زكاة الأموال، فتكون هي أيضاً قد فرضت في مكة، ويدل على ذلك بالإضافة إلى ما تقدم:
ما ورد في سفر السعادة من أنه "صلى الله عليه وآله" كان يرسل منادياً ينادي في الأسواق، والمحلات، والأزقة في مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ومسلمة([349]).
وإن كنا نستبعد ذلك، بسبب حساسية الوضع فيما بين المسلمين والمشركين آنئذٍ.
فرض الصيام:
ويقولون: إن صيام شهر رمضان المبارك قد فرض في المدينة في السنة الثانية([350])، حين نزول قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ..} إلى قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..}([351]).
وكان الناس قبل فرض صوم شهر رمضان يصومون أياماً، كما ذكره القمي([352]).
وذكر الحلبي: أنه "صلى الله عليه وآله" كان قبل فرض شهر رمضان يصوم هو وأصحابه ثلاثة أيام، وهي الأيام البيض من كل شهر([353]).
ومما يدل على فرض الصيام في مكة، كلام جعفر بن أبي طالب رحمه الله المتقدم مع ملك الحبشة، وفيه: أن النبي "صلى الله عليه وآله" أمرهم بالصلاة والزكاة، والصيام.
مناقشة وردها:
لكن البعض قد سجل تحفظاً هنا، فقال: إنه يغلب على ظنه أن تكون قصة جعفر وملك الحبشة موضوعة؛ بدليل ذكر الصيام فيها، وهو لم يشرع إلا بعد الهجرة إلى الحبشة([354]).
ولكن هذا التحفظ لا اعتبار به؛ إذ لماذا لا يكون نفس كلام جعفر هذا دليلاً على تشريع الصيام في مكة؟!.
يضاف إليه قولا القمي والحلبي المتقدمان: إلا أن يكون مراده بتحفظه المسجل خصوص صيام شهر رمضان، فلا مجال حينئذٍ للاعتراض عليه بكلام الحلبي والقمي رحمه الله.
لكن مما يدل على أن شهر رمضان قد فرض في مكة: أنه لما أسلم عمرو بن مرة الجهني، وأرسله "صلى الله عليه وآله" إلى قومه، قال لهم:
"إني رسول من رسول الله إليكم: أدعوكم إلى الجنة، وأحذركم من النار، وآمركم بحقن الدماء، وصلة الأرحام، وعبادة الله، ورفض الأصنام، وحج البيت، وصيام شهر رمضان، شهر من اثني عشر شهراً، فمن أجاب فله الجنة" وكان ذلك في أول بعثة النبي "صلى الله عليه وآله"([355]).
هذا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الصوم كان مشرعاً في الأمم السالفة، فقد قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ}([356]).
والمراد بالأيام المعدودات هو شهر رمضان المبارك، كما فسرتها الآية نفسها.
صيام يوم عاشوراء:
ويذكرون هنا أيضاً: أن الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" حينما قدم المدينة، وجد يهود المدينة يصومون يوم عاشوراء، وهو العاشر من المحرم([357])؛ فسألهم عن ذلك، فقالوا ـ على ما في الصحيحين ـ وغيرهما: "هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه.
فقال "صلى الله عليه وآله": فأنا أولى بموسى، وأحق بصيامه منكم، فصامه رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وأمر بصيامه"([358]).
وكان ذلك قبل أن يفرض صوم شهر رمضان.
وفي الصحيحين وغيرهما أيضاً: عن عائشة، وغيرها: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" يصومه، فلما هاجر إلى المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: "من شاء صامه، ومن شاء تركه"([359]).
ويذكر مسلم وغيره: أن صيامه "صلى الله عليه وآله" ليوم عاشوراء كان قبل وفاته "صلى الله عليه وآله" بسنة([360]).
كذب تلك الروايات:
ونحن نعتقد ونجزم: بأن ذلك كله من نسج الخيال.
فبعد غض النظر عن:
1 ـ المناقشة في أسانيد تلك الروايات، وكون أكثر رواتها محل تهمة وريب، كما أن فيهم من لم يأت إلى المدينة إلا بعد عدة سنين من الهجرة كأبي موسى الأشعري، وفيهم من كان حين الهجرة طفلاً صغيراً كابن الزبير، فضلاً عن شهوده لما قبلها، وفيهم من لم يسلم إلا بعد سنوات من الهجرة كمعاوية.
2 ـ وعن تناقضها فيما بينها، يكفي أن نذكر: أن رواية تقول: إنه صام يوم عاشوراء في المدينة، متابعة لليهود، ولم يكن يعلم به.
وأخرى تقول: إنه كان يصومه هو والمشركون في الجاهلية.
وثالثة: إنه ترك يوم عاشوراء بعد فرض شهر رمضان.
وأخرى: إنه لما صامه قالوا له: إنه يوم تعظمه اليهود، فوعد أن يصوم اليوم التاسع في العام المقبل؛ فلم يأت العام المقبل حتى توفي "صلى الله عليه وآله"([361]).
ورواية أخرى عن معاوية، الذي لم يسلم إلا عام الفتح، تقول: إنه "صلى الله عليه وآله" لم يأمر أصحابه بصيام عاشوراء، بل قال لهم: لم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر.
إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف التي تظهر بالتتبع والمقارنة.
وقد ذكر شطراً منها ابن القيم. فراجع([362]).
فنحن بعد غض النظر عن ذلك، نشير إلى ما يلي:
أولاً: إن الرواية الأولى تفيد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يجهل بسنة أخيه موسى، وأنه تعلمها واستفادها من اليهود، وقلدهم فيها، ولا ضير عند هؤلاء في ذلك، فإنهم يروون ـ ونحن نستغفر الله من ذلك ـ : أنه "صلى الله عليه وآله" كان يحب موافقة أهل الكتاب في كل ما لم يؤمر به([363]).
ثم يروون عنه "صلى الله عليه وآله" ما يناقض ذلك ـ وكذلك هو يناقض نفسه دائماً عندهم، حتى في هذا المورد ـ فهو الذي يكره في الأذان بوق اليهود وناقوس النصارى، ويخالفهم في معاملة الحائض، ويأمر بصبغ الشعر، مخالفة لليهود والنصارى، وينهى عن تقليدهم في الإسلام([364]).
وكان "صلى الله عليه وآله" يصوم يوم السبت والأحد كثيراً، يقصد بذلك مخالفة اليهود والنصارى([365]).
بل لقد بلغ في مخالفته لهم حداً جعل اليهود يقولون: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه"([366]).
وقال ابن الحاج: "وقد كان عليه الصلاة والسلام يكره موافقة أهل الكتاب في كل أحوالهم، حتى قالت اليهود: إن محمداً يريد أن لا يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه".
وقد ورد في الحديث: "من تشبه بقوم فهو منهم"([367]).
ثانياً: إن إطلاق كلمة عاشوراء على العاشر من محرم إنما حصل بعد استشهاد الإمام الحسين "عليه السلام"، وأهل بيته وصحبه صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ثم إقامة المآتم لهذه المناسبة من قبل أئمة أهل البيت "عليهم السلام" وشيعتهم رضوان الله تعالى عليهم، ولم يكن معروفاً قبل ذلك على الإطلاق، وقد نص أهل اللغة على ذلك، فقد قال ابن الأثير، "هو اسم إسلامي"([368]).
وقال ابن دريد: إنه اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية([369]).
ثالثاً: إننا لم نجد في شريعة اليهود صوم يوم عاشوراء، ولا هم يصومونه الآن، ولا رأيناهم يعتبرونه عيداً أو مناسبة لهم([370]).
رابعاً: قد تقدم: أن صوم شهر رمضان قد فرض في مكة قبل الهجرة، فراجع.
وبعد كل ما تقدم، وثبوت كذب هذه الأحاديث؛ فلا يبقى مجال لجعل عدول النبي "صلى الله عليه وآله" عن صوم يوم عاشوراء من أسباب حقد اليهود على المسلمين، كما زعمه البعض([371]).
في فضائل يوم عاشوراء أيضاً:
وعلى كل حال، فإننا نجدهم يذكرون في فضل عاشوراء في أول شهر محرم؛ روايات أخرى أغرب وأعجب، حتى إن من يقرؤها يخرج بانطباع: أنه لا أفضل من ذلك اليوم على الإطلاق ـ حتى ولا ليلة القدر ـ ففيه كانت أهم الأحداث التي لا يمكن أن ينساها التاريخ البشري أو يتجاهلها، حتى ولادة النبي "صلى الله عليه وآله"، وهجرته، اللتين هما في ربيع الأول بالاتفاق!!([372]).
وفيه أغرق الله فرعون، ونجا موسى وقومه، واستوت سفينة نوح على الجودي، وتاب الله على آدم الخ..([373]).
أيوم عزاء أم يوم عيد؟!:
ويقول أبو ريحان البيروني في الآثار الباقية، بعد ذكر ما جرى على الحسين "عليه السلام" في يوم عاشوراء:
"فأما بنو أمية، فقد لبسوا فيه ما تجدد، وتزينوا، واكتحلوا، وعيدوا، وأقاموا الولائم، والضيافات، وأطعموا الحلاوات والطيبات، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم، وأما الشيعة، فإنهم ينوحون، ويبكون، أسفاً لقتل سيد الشهداء فيه الخ.."([374]).
ويقول المقريزي ـ بعد أن ذكر: أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن، تتعطل فيه الأسواق ـ :
"فلما زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه على عيالهم، وينبسطون في المطاعم، ويتخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام جرياً على عادة أهل الشام، التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان؛ ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه؛ الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي "عليه السلام"؛ لأنه قتل فيه".
قال: "وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط"([375]).
وفي زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر "عليه السلام"، قال: "اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية، وابن آكلة الأكباد"([376]).
ثم وضعوا على لسان ابن عباس في قوله تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ}([377]) قال: يوم عاشوراء([378]).
وضع الأحاديث:
وقد وجد أعداء أمير المؤمنين وولده "عليهم السلام"، وشيعته "رض" ـ وجدوا ـ من بين أولئك الذين باعوا آخرتهم بدنياهم من يضع لهم الأحاديث على لسان النبي "صلى الله عليه وآله" في فضل هذا اليوم، واستحباب إظهار الزينة، والخضاب، والسرور، والتوسعة على العيال، ولبس الجديد فيه، وصومه، وطبخ الحبوب، والأطعمة، والاغتسال، والتطيب، والاكتحال؛ إلى غير ذلك من مظهرات النصب والعداء لأهل البيت "عليهم السلام"([379]).
ولكن الذي يهون الخطب: أن العلماء والنقاد، حتى المنحرفين عن أهل البيت "عليهم السلام" ـ كابن تيمية وأضرابه ـ قد حكموا على هذه الأحاديث، إلا ما شذ منها بالوضع والاختلاق من قبل الكذابين أخزاهم الله تعالى([380]).
لكن الجرح الذي لا يندمل، والخزي الذي لا يمحى: تلك الفتاوى التي طلع البعض بها علينا، والتي تقول بحرمة لعن يزيد، وعدم جواز تكفيره([381]) مهما كانت الشواهد والدلائل متضافرة على ذلك.
ثم تحريمهم رواية مقتل الحسين "عليه السلام"([382]) وتحريمهم التحزن والتفجع في يوم عاشوراء([383]).
وسيعلم الذين ظلموا حق آل محمد، وفرحوا في يوم حزنهم، أي منقلب ينقلبون.
أساليب مقاومة عاشوراء:
لقد بقيت عاشوراء الشوكة الجارحة في أعين أعداء أهل البيت "عليهم السلام"، فحاولوا مقاومتها بكل ما لديهم، فعدا عما قدمناه، نشير إلى ما يلي:
1 ـ قال ابن العماد: "تمادت الشيعة في هذه الأعصر في غيهم بعمل عاشوراء باللطم، والعويل، والزينة، وشعار الأعياد يوم الغدير؛ فعمدت غالية السنة وأحدثوا في مقابلة يوم الغدير"..
إلى أن قال: "وجعلوا بإزاء يوم عاشوراء بعده بثمانية أيام يوم مصعب بن الزبير، وزاروا قبره يومئذ بمسكن، وبكوا عليه، ونظروه بالحسين؛ لكونه صبر وقاتل حتى قتل؛ لأن أباه ابن عمة النبي الخ.."([384]).
ولكن، هيهات أن يكون مصعب، عبد الدنيا، وطالب السلطان، والمناوئ لأهل البيت "عليهم السلام"، كأبي الشهداء، ريحانة رسول الله "صلى الله عليه وآله" وسيد شباب أهل الجنة، وإمام الأمة، طالب الحق، وناصر الدين، الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
ولكنها الأحقاد الدفينة والإحن القديمة، والنصب لأهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، الذين أمر الله تعالى بمودتهم: {قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([385]).
2 ـ قال ابن كثير في حوادث سنة 363: "فيها، في عاشوراء عملت البدعة الشنعاء على عادة الروافض، ووقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أهل السنة والرافضة، وكلا الفريقين قليل عقل أو عديمه، بعيد عن السداد، وذلك أن جماعة من أهل السنة أركبوا امرأة وسموها عائشة، وتسمى بعضهم بطلحة، وبعضهم بالزبير، وقالوا: نقاتل أصحاب علي، فقتل بسبب ذلك من الفريقين خلق كثير"([386]).
ولكن هذا القائل قد تجنى على الرافضة، حين ساواهم بالنواصب، أعداء أهل البيت، وشيعتهم، فإن فعل الشيعة الروافض هو عين الدين والعقل، وفعل غيرهم هو الدال على عدم العقل والدين.
3 ـ إستعمال القوة والعنف، فإنك تجد في كتب التاريخ، في تاريخ مستهل كل عام قولهم: وفي هذا اليوم (أي عاشوراء) اقتتلت الروافض والسنة: فراجع المنتظم لابن الجوزي وغيره([387]).
ولعل أعظم محنة، وأشدها نكاية وقعة الكرخ ببغداد، التي أحرق النواصب فيها دور شيعة أهل البيت، وقتلوا ألوف الرجال والأطفال([388]).
وقد ذكرنا طائفة من النصوص حول هذا الموضوع في كتابنا: "صراع الحرية في عصر المفيد"، فليراجعه من أراد.
ويذكر هنا: أنه في سنة 437 ه. وقع بين الشيعة والسنة في بغداد في يوم عاشوراء سوء، "ثم اتفق الفريقان على نهب دور اليهود، وإحراق الكنيسة العتيقة التي لهم"([389]).
وفي حوادث سنة 442: "اصطلح الروافض والسنة ببغداد، وذهبوا كلهم لزيارة مشهد علي ومشهد الحسين، وترضوا في الكرخ على الصحابة، وترحموا عليهم"([390]).
ونكتفي هنا بهذا القدر، فإننا لسنا بصدد استقصاء ذلك وتتبعه.
الفصل الثالث:
الجهاد في الإسلام
الإسلام والسيف!!
لقد اهتم المبشرون الحاقدون على الإسلام بإظهار الإسلام على أنه دين السيف والقهر والتسلط، حتى لقد وضعوا في بعض كتبهم كاريكاتوراً يمثل النبي "صلى الله عليه وآله" حاملاً القرآن في يد، والسيف في يد، وأشخاصاً يقفون فوق رأسه، وكتبوا عبارة تقول: "آمنوا بالقرآن وإلا ضربت رقابكم بالسيف".
فهم يريدون أن يقولوا: إن الإسلام الذي يقول: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ليس صادقاً في ذلك، وإنما هو يقول: ادع إلى سبيل ربك بالسيف.
وقد يقال: إن مما ساعد على ذلك: أن المسلمين أنفسهم قد اعتادوا ترديد عبارة: "إن الإسلام قام بمال خديجة وبسيف علي "عليه السلام"([391])، مع الاقتصار على حرفية هذه العبارة وعدم تعمقهم في مدلولها.
بل إن بعض القصاصين الأقدمين، قد ساعد على ذلك كما يظهر من ملاحظة كتاب "فتوح الشام"، المنسوب للواقدي، حيث لا تكاد تخلو منه صفحة من بطولات خارقة، وأحداث مدمرة، من أجل جلب انتباه العوام، وإظهار عظمة الأمـويـين وقـدرتهم، وتسجيل بطولات خيـالية لبعض الشخصيات التي يرغب الحكام في رفعة شأنها، تضليلاً للناس عن حقيقة مواقف وبطولات علي "عليه السلام"، إلى غير ذلك من أهداف ليس هنا محل بحثها.
فكان من نتيجة هذه الأكاذيب أن أظهروا الإسلام بصورة التيار المدمر، وعلى أنه دين القتل والخراب، حتى لقد أشكل الأمر حتى على كثير من المسلمين أنفسهم، وذهبوا يميناً وشمالاً في محاولات الإجابة على ذلك، حسبما رأوه مناسباً، وبالطريقة التي جادت بها قرائحهم.
وهذا الأمر، وإن كان ارتباطه بالتاريخ ضعيفاً نسبياً، بحيث لا مجال للتوسع فيه بالشكل الذي يرضي وجداننا، ولكننا مع ذلك لا بد أن نشير ولو بشكل خاطف وسريع إلى ما نراه ونعتقده في هذا المجال فنقول:
1 ـ الحرب في الإسلام وفي غيره:
ستأتي في فصل سرايا وغزوات قبل بدر لمحة سريعة جداً عن توصيات النبي "صلى الله عليه وآله" لجيوشه، فلا بد من الإلمام بها وقراءتها بدقة ووعي، ومن أراد المزيد فعليه بمراجعة البحار والكافي، وغير ذلك من كتب الحديث والتاريخ.
كما أنه لا ينبغي الغفلة عن المراجعة الشاملة للحديث والتاريخ للتعرف على طبيعة المعاملة المثالية للأسرى من قبل المسلمين، كما سنلمح إليه في غزوة بدر إن شاء الله تعالى، وكما فصله العلامة الأحمدي في كتابه: "الأسير في الإسلام".
ويقابل ذلك:
أ ـ ما ورد في الانجيل: "لا تظنوا: أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً على الأرض بل سيفاً"([392]).
ب ـ وفي التوراة: "حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابت إلى الصلح، وفتحت لك؛ فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير، ويستعبد، وإن لم تسالمك بل عملت معك حرباً، فحاصرها؛ وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكورها بحد السيف.
وأما النساء والأطفال، والبهائم، وكل ما في المدينة، كل غنيمتها، فتغنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك.
هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا.
وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيباً، فلا تستبقي منها نسمة ما"([393]).
ج ـ وفي التوراة أيضاً: "فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف، وتحرقها بكل ما فيها، مع بهائمها بحد السيف، تجمع كل أمتعتها إلى ساحتها، وتحرق بالنار المدينة، وكل أمتعتك كاملة للرب إلهك، فتكون تلاً إلى الا بد"([394]).
وثمة نصوص كثيرة أخرى في هذا المجال لا مجال لتتبعها([395]).
إشارة:
وأما إدانة الإسلام من خلال ما كان يفعله الأمويون والعباسيون وغيرهم، وما قتلوه في حروبهم، وارتكبوه مع خصومهم؛ فهو تجن ظاهر على الإسلام، إذ لا يتحمل الإسلام المسؤولية عن أفعال المنحرفين عنه، فإن تصرفات المنحرفين شيء، والإسلام شيء آخر.
2 ـ حيث لا بد من الحرب:
إننا إذا أردنا دراسة الحروب التي خاضها الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" ضد المشركين، فإننا نستطيع أن نجمل الكلام فيها على النحو التالي:
أ ـ إن شخصية الإنسان وملكاته، وسجاياه، ومختلف جهات تكوينه النفسي، والفكري، والعاطفي وغير ذلك ـ تتكون عادة في الأكثر بعد غض النظر عن عامل الوراثة وغيره من العوامل ـ من المحيط الذي يعيش فيه، ومن الأفكار التي يتلقاها عن طريق والديه، ومعلمه، وصديقه الخ.. بما في ذلك المفاهيم والقيم الدينية.
فقد ينشأ خواراً جباناً إذا كان الذين أشرفوا على تربيته يستعملون معه أسلوب الإرعاب والتخويف، وقد ينشأ شجاعاً مقداماً، إذا كان التعامل معه على خلاف ذلك.
كما أن من يلقى حناناً وعناية فائقة في صغره، يكون في تكوينه النفسي مختلفاً تماماً عن ذلك الذي يواجه بالجفاء والقسوة، حتى ولو عاشا في بيت واحد، وكانا أخوين توأمين.
بل وأكثر من ذلك، فإن هذه الصور الذهنية التي يتلقاها الإنسان عن طريق الحواس، تمثل مصدراً هاماً من مصادر المعرفة له، فلو فرضنا توأمين يعيشان معاً ويتلقيان نفس المعاملة، ولنفرض أن هذا التوافق مستمر في مجال التعليم، والتربية، والظروف المعيشية وغير ذلك، فإننا مع ذلك لسوف نجدهما مختلفين بوضوح في أفكارهما، ونفسيتيهما، وعواطفهما وغير ذلك، وذلك بسبب اختلاف الصور التي تلقاها ذهنهما، وكونت عناصر التفكير لديهما، وأثرت بشكل أو بآخر في انفعالاتهما المختلفة.
فحتى وهما يجلسان في غرفة واحدة، أو يسيران معاً في الشارع، أو يكونان في المدرسة، فإن ذهن الواحد منهما يستقبل صورة تختلف ـ ولو جزئياً ـ عن تلك التي يستقبلها ذهن الآخر، بسبب أن كل واحد منهما ينظر إلى نقطة تختلف عن تلك التي ينظر إليها الآخر، وكذلك الحال بالنسبة للأصوات، والمشمومات، وغير ذلك.
فهذه الصورة لا بد أن تشغل حيزاً وتؤثر أثراً، وتغير من اتجاه الحركات الفكرية لديه، فتعينه تارة، وتقف في وجهه أخرى.
ولسوف يكون لاختلاف تلك الصور أثر في النتائج التي سوف يتوصلان إليها.
ولسوف تترك آثاراً مختلفة في نفسية وسلوك وعواطف كل منهما حسبما أشرنا إليه.
وهذا يعرفنا إلى أي حد يتأثر الناس بعضهم ببعض في السلوك، والأفكار، والانفعالات، والأخلاق، وغير ذلك، حتى إنك لتحس بالفرق في نفسك، وفي مشاعرك، لو وقفت على بائع عبوس فظ غليظ، ثم وقفت على آخر مهذب، يواجهك بابتسامته الرقيقة، ويخاطبك بكلمات عذبة ومهذبة، وهذا ولا شك لسوف يترك أثراً على نفسك، ثم على تصرفاتك مع أطفالك وأصدقائك وغيرهم.
وعليه: فإذا كان الفكر شديد الحساسية إلى حد أن يتقرر معه اتجاه الإنسان، ويؤثر في شخصيته بشكل عام، فإن أي انحراف يظهر في المجتمع، مهما كان على نطاق ضيق ومحدود، سوف لا يقتصر أثره على مرتكبه، وإنما يتعداه ـ ولو بشكل جزئي ومحدود ـ إلى كل الآخرين ممن يعاشره ويراه، أو يرتبط به، من قريب أو من بعيد، ثم هو يتعداهم إلى غيرهم، وهكذا.
ومن هنا: فإننا نجد الإسلام يحارب المنكر حتى إعلامياً بكل قوة، فيمنع حتى من غيبة غير المتجاهر بالمنكر كي لا يعتاد الناس على سماع خبر المنكر والانحراف، وتأنس أذهانهم به، وبعد ذلك يسهل عليهم ارتكابه وممارسته، ولا يريد أن تمر حتى صورة المنكر في أذهانهم كي لا تترك أثراً يرغب الإسلام في الابتعاد عنه، فضلاً عن ممارسة المنكر نفسه.
وليتأمل قليلاً في إطلاق لفظ المنكر على مثل هذه الأمور الضارة، فإن الإسلام يريد للناس أن ينكروها، وأن لا يعرفوها، كما أنه حين يمنع من غيبة غير المتجاهر، فلأنه يريد أن يمنح ذلك المرتكب للمنكر فرصة للتخلي عن سيئته تلك، ويهيء لـه الجو الإجتـماعي المناسب لنمو شخصيته، والاحتفـاظ بعزته وكرامته، إلى غير ذلك مما لسنا بصدد بيانه فعلاً.
وبعدما تقدم: فإنه إذا كان ضرر الانحراف لا يقتصر على نفس من يمارسه، بل يتعداه إلى غيره، فإنه يكون من حق ذلك الغير أن يدفع ذلك الضرر عن نفسه، وهذا ما يحكم به العقل والفطرة، حتى ولو لم يكن ثمة شرع أصلاً، ولكن الشرع لم يكتف بالاعتراف بحق الدفاع عن النفس هذا، بل زاد على ذلك؛ فأوجبه عليه، حين حكم بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل أحد.
وذلك من أجل الحفاظ عليهم أولاً، وحتى لا يتسرب ذلك الانحراف منهم إلى غيرهم ثانياً([396]).
وكل ما قدمناه يوضح لنا السر في أن المؤمنين ـ بنظر الإسلام ـ كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
وعلى هذا: فليس من حق من تنهاه عن المنكر، أو تأمره بالمعروف أن يقول لك: وماذا يعنيك؟. أو: أنا حر، أو ما شاكل.
إذ إن الأمر يعنيك حقاً وهو ليس حراً إلا بمقدار لا يعتدي فيه على غيره، بأي نحو من أنحاء الاعتداء، ولا يضر بحريته. والانحراف هو أخطر أشكال الاعتداء وأبشع أنواعه.
وواضح: أنه في مقام دفع أخطار الانحراف، والقضاء على المنكر، لا بد من مراعاة مقدار الضرورة، فلو أساء ولدك نهيته أولاً، وبينت له خطأه، ثم لمته، ثم تهددته، ثم ضربته، ثم طردته الخ.. كل ذلك بحكم الشرع والعقل وقضاء الفطرة.
وإذا مرض أحد أعضاء الإنسان، فإنه يعالجه بالدواء، ثم بالعملية الجراحية، ولربما تصل النوبة إلى قطعه، إذا كان مرضه خبيثاً وخطيراً؛ حيث إنه بالإضافة إلى أنه أصبح يشكل عبئاً ثقيلاً على سائر الأعضاء، حيث يفترض فيها أن تقوم بمهماتها ومهماته قد صار يشكل خطراً عليها نفسها، هذا عدا عن أنه يؤثر فيها ألماً وضعفاً ووهناً، ويمنعها من القيام بوظائفها على النحو الأكمل والأفضل.
وعلى هذا: فلو لم يقطع الطبيب هذا العضو، فإنه يكون قد أضر بهذا الإنسان وخانه.
وحين يعتبر الإسلام، والعقل، والفطرة، المسلمين كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، بل إن الإنسانية جمعاء أيضاً كذلك، فإن المنحرف عقائدياً، وسلوكياً، وأخلاقياً، لا بد من استئصال انحرافه أولاً، بالدعوة بالحكمة، والموعظة الحسنة، ثم بالإنذار، ثم بالشدة والعنف، حتى إذا أفلست كل تلكم الوسائل، فإن آخر الدواء الكي، وحيث يكون الداء خطيراً وخبيثاً، فإنه لا بد من الاستئصال أيضاً، ويكون عدم قطع هذا العضو الفاسد والمفسد خيانة للأمة، وللأجيال، وللإنسانية جمعاء.
بل إن خطر الانحراف الديني والعقائدي يفوق خطر المرض الجسدي؛ فإن مرض الجسد ربما لا يتعداه إلا في نطاق محدود جداً، أما المرض العقائدي والديني والفكري، والانحراف الأخلاقي، فقد يتسبب في تدمير الجسد، والمال، والجاه، والإنسان، والقيم الأخلاقية، والإنسانية، والمجتمع بأسره، ويؤثر على الأجيال الآتية أيضاً؛ وذلك عندما لا تبقى لدى ذلك الإنسان المنحرف أية روادع تمنعه من ارتكاب أية جريمة، والمبادرة إلى كل عظيمة، حينما يكون المقياس عنده، والمنطلق له هو مصالحه الشخصية، ولذاته الفردية، ولا شيء سواها؛ فلا يهتم لرضا الله، ولا لمصلحة الأمة، ولا لأحكام الشرع والدين، ولا حتى للعقل والمنطق.
وهكذا: فإن الجهاد من أجل منع الانحراف ومنع وقوع الكارثة، يكون من الأحكام العقلية والفطرية، فضلاً عن الشرع والدين.
وبعد كل ما تقدم: فإننا نستطيع أن نقول بكل جرأة: إن الإسلام لو لم يستعمل السيف، لم يكن دين الحق والعدل، ولا دين الفطرة والعقل، ولكان خائناً للمجتمع، بل وللإنسانية جمعاء على مدى التاريخ.
كما أننا نعلم: أن السياسة القائمة على أساس الفكر والقوة المدافعة عنه، هي من صميم الإسلام الذي هو لإقامة العدل، ورفع الظلم، قال تعالى:
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهَ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}([397]).
وإلا فإن ديناً يتخذ الخيانة ديدناً، وتجاهل مصالح الأجيال طريقة، ويكون فيه هذا الخلل الكبير في تشريعاته، لن يكون المجتمع والإنسانية بحاجة إليه، ولا معنى للتضحية في سبيله والحفاظ عليه، ولا للعمل من أجل رفع شأنه، وإعلاء كلمته.
ومن هنا: فقد كان الجهاد باباً من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة.. إلى آخر كلام أمير المؤمينن "عليه السلام"([398]).
هذا كله من وجهة نظر فكرية.
أما حقيقة ما جرى تاريخياً في عهد الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" فستأتي الإشارة إليه، وسيتم التعرف من خلال البحث والتمحيص عليه، إن شاء الله تعالى.
ب ـ لقد كان لا بد للمسلمين من الاستفادة من حق الدفاع عن النفس في مقابل المكيين، الذين كانوا يفتنون المسلمين عن دينهم، ويصدون عن سبيل الله، ومن حق كل أحد: أن يقاتل من أجل أن يمتلك حرية الرأي، والفكر، والعقيدة، وحرية الدعوة إلى الله، ولا سيما حين يكون الطرف الآخر مصراً على استعمال العنف، وليس المنطق والحجة ضده، وضد ما يدعو إليه.
فالإسلام لا يريد أن يجبر أحداً على الدخول فيه، وإنما يريد أن يحصل على الحرية في الرأي وفي الاعتقاد، وفي الموقف، وحتى حين ينتصر على أعدائه، فإنه يضع أمام من ينتصر عليهم عدة خيارات، ليس اعتناق الإسلام إلا واحداً منها، وكان من يعتنق الإسلام يعتنقه بملء رغبته، وحريته، وإرادته، ومن دون أي ضغط حتى إعلامي من قبل المسلمين، ولقد اعتنقت كثير من البلدان الإسلام بمجرد اطلاعها عليه، من دون انتظار الفتح الإسلامي.
ولكن ذلك لا يعني أن يقف الإسلام والمسلمون مكتوفي الأيدي أمام كل اضطهاد، أو اعتداء، أو ظلم يمارس ضدهم، وأن يخضعوا للضغوط ولإرادات الآخرين، التي لن ترضى إلا بالقضاء عليه وعليهم نهائياً.
كما أن ذلك لا يعني أن لا يعد المسلمون لأعدائهم ما استطاعوا من قوة، ومن رباط الخيل يرهبون به عدو الله وعدوهم، لأن الإسلام الذي يدعون إليه، ويطالبون بحرية التفكير والنظر فيه، ليس مجرد طقوس فردية، وتزكية نفسية، وإنما هو نظام عام شامل يريد أن يقود عملية تغيير شاملة على مستوى العالم بأسره، الأمر الذي يحتم أن تتوفر الحماية الكاملة لهذا الإسلام، الذي لا بد أن يصطدم بأصحاب الأطماع، والأهواء، وبالجبارين الذين يحكمون الناس بوحي من مصالحهم ورغباتهم.
نعم.. لا بد من الحماية الكافية ولا بد من استعمال أسلوب العنف إذا لم يمكن تأمين حرية الفكر، والرأي، والعقيدة إلا بذلك، وليوجد من ثم الجو والمناخ المناسب لتطبيق الجانب التشريعي للإسلام.
وحتى لا يتحول الإسلام إلى إسلام حكام يخضع لرغباتهم، ويتطور حسب مصالحهم، وأهوائهم ـ كما كان الحال بالنسبة لبعض الفرق والمذاهب التي ابتليت بهذا الداء الوبيل ـ وأيضاً حتى لا يتحول جانب عظيم ورئيس في هذا التشريع، ليكون مجرد فكر ميت، يوضع في المتاحف، ويكون الجانب الحي هو خصوص الجانب الفردي، الذي لا يتصل بالحياة الاجتماعية، ولا يتفاعل معها، لا من قريب ولا من بعيد.
وإذا توفرت حرية الفكر والرأي والعقيدة، فإن ذلك سوف يشجع الآخرين على الدخول في هذا الدين، آمنين من العذاب والأذى، ومن مختلف أنواع الضغوط، ومن الفتنة التي هي أكبر من القتل بنظر الإسلام.
فالمسلمون إذا قاتلوا، فإنما يقاتلون انطلاقاً من حقهم الذي جعله الله لهم، ومن أجل ذلك الحق في سبيله، وطلباً له، على حد تعبير الرسول الأكرم "صلى الله عليه وآله" كما سيأتي إن شاء الله تعالى وكما قرره الله تعالى حيث يقول:
{أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهَ..}([399]).
فالأذن بالقتال للمسلمين إنما هو في صورة كون غيرهم قد بدأهم به، بالإضافة إلى كونهم قد أخرجوا من ديارهم.
ج ـ وبعد كل ما تقدم، فقد كان النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمون ملتزمين بعرض خيارات منصفة على الطرف الآخر، حتى ليعترف بعض المشركين بأن الإصرار على الحرب بعد هذه العروض يكون ظلماً وبغياً، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ولكن الباقين لا يقبلون بالعرض لأنهم كانوا مصممين على الحرب، منذ قتل ابن الحضرمي في سرية ابن جحش([400]).
مع أنه قد كان بإمكانهم تلافي قضية ابن الحضرمي، إما بالثأر على نطاق أضيق، أو بقبول الدية، وكلاهما عن خلق العرب ليس ببعيد.
د ـ مناهضة ناقضي العهود، وإيقافهم عند حدهم، كما كان الحال بالنسبة لليهود، ثم بالنسبة لمشركي مكة، الذين نقضوا عهد الحديبية.
هـ ـ الدفاع عن النفس في وجه الغزاة والمهاجمين، وملاحقة من قام بالغارة منهم على المدينة.
وأخيراً، فإننا نلاحظ: أن المشركين قد استمروا يغزون المسلمين، والمسلمون يدافعون عن أنفسهم إلى ما قبل صلح الحديبية، حيث يروي البخاري وغيره أن النبي "صلى الله عليه وآله" قال بعد منصرفه من بني قريظة: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.
وسيأتي ذلك إن شاء الله.
هل الإسلام قام بالسيف؟!
يتضح لنا من جميع ما تقدم: أنه ليس معنى قيام الإسلام بسيف علي "عليه السلام": أنه "عليه السلام" كان يجعل السيف فوق رأس الإنسان، ويقول له: إما أن تسلم وإما أن تقتل.
وإنما معنى ذلك: أن سيف علي "عليه السلام" كان أبعد أثراً في الدفاع عن الإسلام، وصد اعتداءات المعتدين، وتأمين حرية الفكر والعقيدة، والرأي، حسبما قدمناه.
ولأجل أن حروب الإسلام كانت تهدف للحفاظ على الإنسان، والدفاع عن النفس، وتأمين الحرية الفكرية، نلاحظ:
أنه يقتصر في حروبه على أقل قدر ممكن ترتفع به الضرورة، كما أنه يلتزم بضبط النفس الكامل والواعي، حتى في أحلك اللحظات، وأخطرها.
ولذا لم يستطع الباحثون إيصال عدد القتلى في حروب النبي "صلى الله عليه وآله" طيلة عشر سنين، والتي تعد بعشرات الحروب والسرايا إلى الألف قتيل([401]).
رغم أن هذه الحروب كانت تتجه نحو تهيئة الجو لبسط النفوذ الإسلامي على مختلف أرجاء الجزيرة العربية، ويتعداها إلى غيرها مما حولها.
هذا ما أحببنا الإشارة إليه فعلاً، والكلام حول هذا الموضوع طويل ومتشعب، لا بد فيه من التوفر على دراسة النصوص القرآنية، وكلمات النبي "صلى الله عليه وآله" والأئمة "عليهم السلام" ومواقفهم وممارساتهم الجهادية بدقة ووعي.
الفصل الرابع:
سرايا وغزوات قبل بدر
غزواته ' وسراياه:
هنا يبدأ المؤرخون بذكر غزواته وسراياه "صلى الله عليه وآله"، ويقصدون بـ "الغزوة": الجيش الذي يخرج فيه "صلى الله عليه وآله" بنفسه، وبـ "السرية": البعث الذي لا يكون رسول الله "صلى الله عليه وآله" فيه.
وقد اختلفت كلماتهم في عدد غزواته وسراياه اختلافاً كثيراً، ولا نرى حاجة لإطالة الكلام في تحقيق ذلك.
ونكتفي هنا بالحديث عما هو أهم، ونفعه أعم، وقبل ذلك نشير إلى أمرين؛ هما:
الأول: الفرار من الزحف:
حيث يذكر العلماء هنا: أنه لم يكن يجوز في أول الأمر فرار واحد من المسلمين من عشرة من المشركين([402]).
ثم جاء التخفيف من قبل الله عن المسلمين؛ ليختص بفرار واحد في مقابل اثنين؛ وذلك في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ الله وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}([403]).
ولسوف يأتي المزيد من الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر، في آخر فصل نتائج الحرب إن شاء الله.
الثاني: وصية النبي "صلى الله عليه وآله" للسرايا:
ويلاحظ هنا:
أنه "صلى الله عليه وآله" كان إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم، فأجلسهم بين يديه، ثم يقول:
"سيروا باسم الله، وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله، ولا تغلوا ولا تمثلوا، ولا تغدروا، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا صبياً، ولا امرأة، ولا تقطعوا شجراً إلا أن تضطروا إليها، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين، فهو جار، حتى يسمع كلام الله؛ فإن تبعكم، فأخوكم في الدين، وإن أبى فأبلغوه مأمنه، واستعينوا بالله عليه الخ.."([404])، وهي وصية طويلة، وله وصايا أخرى لبعوثه فلتراجع في مصادرها([405]).
وقد روي: أنه "صلى الله عليه وآله" ما بيّت عدواً قط([406]) وكان "صلى الله عليه وآله" إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم أول النهار([407]).
ما نتعرض له في هذا الكتاب:
إننا لا نستطيع في كتابنا هذا أن نستوعب الحديث حول الغزوات والسرايا بجميع تفاصيلها، ولأجل ذلك سوف نكتفي بذكر الغزوات التي كان فيها قتال مع الإشارة الخفيفة إلى غيرها من غزوات وسرايا، إلا إذا وجدنا ما يقتضي التريث وتسليط الأضواء بصورة لا يمكن تجاوزها.
أما في هذا الفصل فنحن نكتفي بالتنويه بالسرايا التالية:
السرايا الأولى:
يذكر المؤرخون، أنه:
1 ـ بعد سبعة أشهر من مقدمه "صلى الله عليه وآله" المدينة ـ وقيل غير ذلك ـ عقد الرسول "صلى الله عليه وآله" لحمزة بن عبد المطلب على ثلاثين من المهاجرين، (قيل: ومن الأنصار، لكنه غير معتمد، لأنه لم يبعث أحداً من الأنصار قبل بدر، كما ذكروا)([408]) ليلقوا أبا جهل؛ فلقوه، وهو في ثلاثمائة من المشركين، لكن مجدي بن عمرو الجهني الذي كان موادعاً للفريقين، حجز بينهما، وانصرفوا من غير قتال.
2 ـ وعلى رأس ثمانية أشهر من مهاجره الشريف، عقد لعبيدة بن الحارث بن المطلب على ستين رجلاً؛ ليلقوا أبا سفيان في بطن رابغ، وكان في ماءتين.
وفي هذه السرية فر المقداد وعتبة بن غزوان إلى المسلمين([409]).
3 ـ وبعد ذلك كانت سرية سعد بن أبي وقاص على فريق من المهاجرين أيضاً؛ ليعترضوا عيراً لقريش، فسبقتهم.
وقيل: كان ذلك بعد بدر([410]).
4 ـ ثم كانت غزوة الأبواء بعد مقدمه "صلى الله عليه وآله" بسنة أو أكثر، أو أقل، خرج فيها النبي "صلى الله عليه وآله" بنفسه يريد قريشاً، وبني مرة بن بكر، فتلقاه سيد بني مرة بالأبواء، فصالحه، ثم رجع "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة([411]).
5 ـ وبعدها كانت غزوة بواط، جبل لجهينة، قرب المدينة خرج "صلى الله عليه وآله" في ماءتين من المهاجرين أيضاً يعترض عير بني ضمرة؛ فبلغ بواطاً ورجع، ولم يلق كيداً([412]).
مع تحفظنا على ما يقال من عدد المهاجرين في هذه السرية.
6 ـ وبعدها بأيام قلائل كانت غزوة العشيرة، ووادع فيها بني مدلج، وحلفاءهم من بني ضمرة، ثم رجع إلى المدينة، ولم يلق كيداً، وفيها كني علي "عليه السلام" بأبي تراب، كما سنرى([413]).
7 ـ سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة: ثم كانت سرية ابن جحش في رجب أو في جمادى الثانية من السنة الثانية، في ثمانية، أو اثني عشر رجلاً من المهاجرين.
فقد كتب له النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" كتاباً، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين (ولعله لأجل أن لا يطلع على مضمونه أعداء المسلمين من اليهود والمشركين فتتسرب الأخبار إلى أعدائه) فلما سار يومين فتح الكتاب، فإذا فيه بعد البسملة:
"أما بعد، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك، حتى تنزل بطن نخلة، فترصد بها عير قريش ـ وفي رواية: قريشاً ـ حتى تأتينا منها بخبر".
وأخبر أصحابه: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أمره أن لا يستكره أحداً ممن كان معه، وخيرهم بين الكون معه، وبين الرجوع؛ فمضوا معه جميعاً، فأقام هناك فمرت بهم عير لقريش، فتجرأ المسلمون عليهم، فقتلوا منهم رجلاً، وأسروا اثنين، وأخذوا ما معهم، وكان ذلك في أول يوم من رجب أو آخر يوم منه على اختلاف النقل.
فلما قدموا على النبي "صلى الله عليه وآله"، أوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ منها شيئاً، ولكن أبا هلال العسكري يقول: "ورد عبد الله بن الجحش بالخمس على رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وقسم الباقي بين أصحابه، فكان أول خمس خمسه"([414])، وعنفهم إخوانهم من المسلمين.
وقالت قريش: قد استحل محمد الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدماء، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، وعيروا المسلمين بذلك، وكتبوا فيه، وتحرك اليهود أيضاً، ليزيدوا الطين بلة؛ فلما أكثروا نزل قوله تعالى، مبيناً عذر المهاجرين فيما أقدموا عليه:
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالمَسْجِدِ الحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ..}([415]).
وقيل: نزلت الآية حينما جاء مشركو مكة، وسألوا النبي "صلى الله عليه وآله" عن ذلك على جهة العيب والانتقاص، ففرج الله بذلك عن المسلمين، وبعثت قريش بفداء الأسيرين، فأفداهما "صلى الله عليه وآله"([416]).
8 ـ ثم كانت غزوة بدر الأولى بعد غزوة العشيرة بأيام، حيث أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي "صلى الله عليه وآله" في طلبه، حتى بلغ وادي سفوان من جهة بدر، وفاته كرز، فرجع "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة([417]).
هذا ولا بد أن نبحث هنا عدة أمور هامة، نرى أنها ترتبط بما تقدم. وهي على النحو التالي:
1 ـ تكنية علي بأبي تراب:
في غزوة العشيرة كنى النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" أمير المؤمنين علياً "عليه السلام" بـ : "أبي تراب" وكانت أحب كناه إليه، ولكن الأمويين كانوا يعيرونه بها.
وملخص القضية: كما يرويها لنا عمار بن ياسر: أنه بعد أن نزل الرسول "صلى الله عليه وآله" ومن معه في موضع هناك، ذهب عمار وعلي "عليه السلام" لينظرا إلى عمل بعض بني مدلج، كانوا يعملون في عين لهم ونخل؛ فغشيهما النوم، فانطلقا حتى اضطجعا على صور من النخل، وفي دقعاء من التراب.
قال عمار: فوالله ما أهبنا إلا رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها؛ فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب: ما لك يا أبا تراب، لما يرى عليه من التراب، الحديث([418]).
لكن ما تضمنته هذه الرواية من تحريك النبي "صلى الله عليه وآله" لعمار وعلي "عليه السلام" برجله لا يمكن أن يصح؛ لأنه ينافي أخلاق رسول الله "صلى الله عليه وآله"..
فلا بد من طرح هذه الفقرة من الرواية، وأما ما عداها فلا ضير بالأخذ به.
وقد تقدمت الإشارة إلى رواية تكنيته "عليه السلام" بأبي تراب حين الحديث عن المؤاخاة أيضاً، فراجع.
وقد أحسن عبد الباقي العمري حيث يقول مشيراً إلى هذه القضية:
يـا أبـا الأوصـيـاء أنـت لـطـه صـهـره، وابـن عـمـه، وأخـــوه
إن لله فـي مـعــانـيـك ســـراً أكـثـر الـعـالـمـين ما عـلـمـــوه
أنت ثـانـي الآباء في مـنـتـهـى الـدور وآبــاؤه تـعــد بــنـــــوه
التزوير والافتراء:
ولكنهم يقولون هنا: إنه "عليه السلام" كان إذا عتب على فاطمة، وضع على رأسه التراب؛ فإذا رآه النبي "صلى الله عليه وآله" عرف ذلك، وخاطبه بهذا الخطاب([419]).
ويقولون أيضاً: إنه "عليه السلام" غاضب فاطمة "عليها السلام"، وخرج إلى المسجد ونام على التراب، فعرف النبي "صلى الله عليه وآله" بالأمر، فبحث عنه فوجده، فخاطبه بهذا الخطاب([420]).
ويزيدون على ذلك قولهم: كان في علي على فاطمة شدة فقالت: والله لأشكونك إلى رسول الله، فانطلقت، وانطلق علي بأثرها، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها.
فقال: يا بنية اسمعي واستمعي، واعقلي: إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها، وهو ساكت.
قال علي "عليه السلام": فكففت عما كنت أصنع وقلت: والله، لا آتي شيئاً تكرهينه أبداً([421]).
وقصة أخرى، تقول: كان بين علي وفاطمة كلام، فدخل رسول الله، فألقى له مثالا فاضطجع عليه، فجاءت فاطمة؛ فاضطجعت من جانب، وجاء علي واضطجع من جانب، فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته، ولم يزل حتى أصلح بينهما([422]).
ويقولون أيضاً: إنه حين المؤاخاة لم يؤاخ النبي "صلى الله عليه وآله" بينه وبين أحد، فاشتد عليه ذلك، وخرج إلى المسجد، ونام على التراب، فلحقه "صلى الله عليه وآله"، ولقبه بهذا اللقب.
ولكن كل ذلك لا يصح: فعدا عن أننا لم نفهم سر هذا التصرف الذي انتهجه "صلى الله عليه وآله" فيما يزعمون للصلح بين الزوجين، حيث اضطجع، ووضع يديهما على سرته!! كما لم نفهم السبب في أنه "صلى الله عليه وآله" قد أنحى باللائمة على بنته بدلاً من أن يدافع عنها أمام من يظلمها.
عدا عن ذلك، فإننا نسجل ما يلي:
1 ـ إن فاطمة أجل من أن تغضب علياً "عليه السلام"، وأتقى وأرفع من ذلك، وهي الصديقة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً، بنص الكتاب العزيز.
كما أن علياً أجل وأتقى وأرفع من أن يغضب فاطمة "عليها السلام" وسيرته وتطهير الله له من الرجس، ومن كل مشين، بنص كتابه العزيز أدل دليل على ذلك.
2 ـ لقد قال علي "عليه السلام" وكأنه يتنبأ بما سوف يفتريه عليه الحاقدون: "فوالله ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر، حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها؛ فتنكشف عني الهموم والأحزان"([423]).
3 ـ إن وضعه التراب على رأسه كلما غاضبها لا يصدر من رجل عاقل، حكيم لبيب، له علم ودراية أمير المؤمنين "عليه السلام"، لأنه أشبه بلعب الأطفال.
4 ـ إن أمير المؤمنين "عليه السلام" الذي هو قسيم الجنة والنار، لم يكن ليؤذي الله تعالى والنبي "صلى الله عليه وآله"؛ لأن جزاء من يؤذي الله ورسوله ليس هو الجنة قطعاً.
وقد قال النبي: إن من آذى فاطمة "عليها السلام" فقد آذاه، أو من أغضبها فقد أغضبه([424]).
وقال: إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها([425]).
5 ـ لقد قالت فاطمة لعلي "عليه السلام": أما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني، "فصدقها" "عليه السلام"، في ذلك([426]).
6 ـ إن علياً لم يكن ليغضب من النبي "صلى الله عليه وآله"، ويعتب عليه، وهو يعلم أنه لا يأتي بعمل من عند نفسه، كما أن سيرته "عليه السلام" مع النبي لتؤكد على أنه كان يلتزم حرفياً بكل ما يصدر عنه، حتى إنه حينما أمره النبي "صلى الله عليه وآله" أن يسير لفتح خيبر ولا يلتفت، مشى "عليه السلام" ما شاء الله، ثم وقف، فلم يلتفت وقال: يا رسول الله الخ..([427]).
7 ـ أضف إلى ذلك: أن النبي "صلى الله عليه وآله" حينما كان يستشير أصحابه في الموارد المختلفة، في بدر وأحد وغيرهما، كان أصحابه يتكلمون بما شاءوا، ولم يكن علي "عليه السلام" يبدي رأياً، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء أصلاً، إلا ما روي في شأن الإفك على مارية، حيث أشار "عليه السلام" بطلاق عائشة ليكون ذلك بمثابة إنذار لها؛ لترتدع عن مواقفها وأعمالها، وتكف عن أذى رسول الله وأزواجه.
8 ـ وأخيراً.. لماذا يغضب ويعتب؟ أليس قد آخاه بنفسه قبل الهجرة؟!. ثم هو لم يزل يؤكد على أخوته له، كلما اقتضت المناسبة ذلك.
وعلى كل حال، فنحن لن نكذب النبي "صلى الله عليه وآله"، والقرآن، ونصدق هؤلاء، فنحن نذر هذه الترهات لهم، تدغدغ أحلامهم، وترضي حقدهم على علي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
لماذا الوضع والاختلاق؟!:
ولعل سر وضع هذه الترهات هو:
1 ـ إنهم يريدون أن يظهروا أنه قد كان في بيت علي "عليه السلام" من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي "صلى الله عليه وآله" نفسه، مما كانت تصنعه بعض زوجاته "صلى الله عليه وآله" وليمكن ـ من ثم ـ أن يقال: إن ذلك أمر طبيعي، ومألوف، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية؛ فلا غضاضة فيه على أحد، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي "صلى الله عليه وآله".
وكما كانت عائشة تغضب النبي "صلى الله عليه وآله"، فإن فاطمة كانت تغضب علياً، وكانت خشنة معه.
2 ـ ومن الجهة الثانية فكما أن قوله "صلى الله عليه وآله" من أغضبها (أي فاطمة) فقد أغضبني، ينطبق على فلان وفلان، فإنه ينطبق على علي نفسه، إذاً فكما أغضب أبو بكر فاطمة فقد أغضبها علي أيضاً، وتكون واحدة بواحدة، فلا يكون ذلك موجباً للإشكال على أولئك دونه "عليه السلام".
3 ـ بل إنهم يريدون بذلك أن يظهروا علياً "عليه السلام" بصورة الرجل الذي لم يكن مرضياً من فاطمة، وقد تزوجته بدون رضى منها.
ولعل قبول النبي "صلى الله عليه وآله" بتزويجه قد كان لأجل دفع غائلته وشره، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي "صلى الله عليه وآله".
قيمة هذه الكنية:
لقد علل ابن عباس تسمية علي "عليه السلام" بأبي تراب، بأنه "عليه السلام" صاحب الأرض، وحجة الله على أهلها بعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، ولقد سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: إنه إذا كان يوم القيامة، ورأى الكافر ما أعد الله لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة، قال: يا ليتني كنت تراباً، أي يا ليتني كنت من شيعة علي([428]).
يضاف إلى ذلك: أن الإمام علياً "عليه السلام" الذي كان يعتز بهذه الكنية، كان لا يعتبر الدنيا هدفاً له، يعيش من أجله وفي سبيله، وإنما يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى، وغايته الفضلى، وإذا رأى نفسه يتصرف منسجماً مع هدفه، ومع نظرته؛ فإنه سوف يرتاح، وينشرح لذلك، فكانت هذه الكنية من النبي "صلى الله عليه وآله" له بمثابة إعلام له: بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظاً بالخط المنسجم مع أهدافه، وأنه لسوف يبقى مستمراً في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها، ولن تغره بزبارجها وبهارجها، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته، وبين ما يدعي أنه هدف له، فمن أجل ذلك كانت هذه الكنية أحب كناه إليه "عليه السلام".
وأما الأمويون، الذين كانوا يعيرونه "عليه السلام" بها، فقد كان موقفهم أيضاً منسجماً مع نظرتهم ومع ما يعتبرونه من القيم لهم، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيّمون الأشخاص والمواقف، فيحترمون أو يحتقرون.
وإذا كان علي أبا تراب، ولا يهتم بالدنيا، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته، انطلاقاً من الواجب الشرعي، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له، فإن بني أمية سوف يرونه فاقداً للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ، والكرامة والسؤدد بنظرهم، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل، فإن ذلك هو الذي ينسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة.
2 ـ لماذا السرايا؟!
لقد عرفنا فيما سبق أن بعض تلك السرايا كان هدفه الاستطلاع، ومراقبة تحركات قريش في المنطقة.
وبعض آخر كان هدفه تعقب المغيرين على سرح المدينة، كتعقبهم لكرز بن جابر.
وعرفنا أيضاً: أن تلك السرايا، التي لم يلق المسلمون فيها كيداً، قد جرأت المسلمين، وأعادت لهم الثقة بأنفسهم، وأعدتهم ليواجهوا ـ على قلة العدد والعدة ـ ألف فارس من قريش، وهي في أوج خيلائها وعزتها، ولم يعد ذلك مفاجأة للمسلمين، ولا مرهباً لهم.
ولكننا مع ذلك نرى أن علينا أن لا نقنع بما ذكر؛ وأن علينا أن نعيد النظر بدءاً وعوداً لنعرف الجديد مما كانت تهدف إليه تلك السرايا التي كان الهدف المعلن لها هو اعتراض عير قريش، والذي يلفت نظرنا هنا هو الأمران التاليان:
الأول: الموادعات والتحالفات:
فقد نتج عن تلك السرايا مهادنات وموادعات، وتحالفات على النصر ضد العدو، بين المسلمين وبين كثير من القبائل المتواجدة في المنطقة، حينما شعرت تلك القبائل بقوة المسلمين، وقدرتهم على التحرك، وبتصميمهم على مواجهة حتى قريش بالحرب.
ومن الطبيعي أن ينتج عن هذه المعاهدات والتحالفات تخوف ورعب في قلوب سائر القبائل القريبة من المدينة، بحيث لا بد لتلك القبائل من التفكير ملياً قبل أن تقدم على أي عمل ضد المدينة مباشرة، أو بواسطة التحالف مع أعداء المسلمين.
وذلك لأنها ترى بالفعل: أن ثمة قوة ضاربة، لا بد من صياغة التعامل معها بحيث لا يضر بمستقبل مصالحها في المنطقة.
وبهذا يتحقق للمدينة نوع من الشعور بالأمن والاستقرار، ويمكن المسلمين ـ من ثم ـ من أن يتحركوا بحرية أكثر، في مواجهاتهم لقريش، ومناهضاتهم لها، وهو ما ظهر في حرب بدر، وبعدها.
كما أن هذه الموادعات والتحالفات كانت بمثابة صدمات نفسية، بل هي صفعات مؤلمة لقريش، التي ترى الآن كيف أن المسلمين قد أصبحوا قوة يرهب جانبها، ويسعى الكثيرون إلى عقد التحالفات الدفاعية معها، وعلى الأخص من القبائل التي تقع على طريق تجارة مكة، وكانت تعتبرها قريش سنداً وعوناً لها، كلما أهمها أمر، أو تعرضت لخطر.
أضف إلى ذلك كله، أنه لم يعد باستطاعة قريش أن تعقد تحالفات مع تلكم القبائل القريبة من المدينة، وتتخذ منها قوة ضاغطة على المدينة، ووسيلة لمضايقتها.
الثاني: مضايقة قريش:
إن هذه السرايا كانت تهدف إلى الضغط على قريش اقتصادياً، وكذلك نفسياً أيضاً، وتعريفها: أن المسلمين سوف لن يتركوها حرة في المنطقة، ما دامت قد شردتهم، وآذتهم وسلبتهم أموالهم، وقتلت منهم.
وقد شرط النبي "صلى الله عليه وآله" على المشركين في وثيقة العهد المتقدمة، أن يقطعوا صلاتهم بالمشركين الآخرين.
ويلاحظ: أنه لم يكن ثمة إصرار على قتال قريش، ومناجزتها الحرب، ولذلك قبل حمزة بوساطة الجهني، وتقدم أن عبيدة بن الحارث لم يتعقب القافلة التي تجاوزته.
كما أن ثمة ثلاث خرجات أخرى تمر عير قريش فيها بسلام، ولم يصل إليها المسلمون في الوقت المناسب، بل وحتى في وقعة بدر نفسها لم يفز المسلمون بعير قريش، وإنما كانت قريش هي التي تصدت لقتال المسلمين كما سنرى إن شاء الله تعالى.
وهذا يعزز الاستنتاج القائل: إن المقصود من تلك السرايا هو تعريف قريش: أنها لم تعد تملك حرية الحركة في المنطقة، ولا هي سيدة الموقف، ولا تستطيع بعد الآن أن تأمن على قوافلها التجارية إلى الشام، إلا بالعودة إلى منطق التعقل، والروية، والحكمة، والتخلي عن منطق الظلم والغطرسة والتجبر، وأن عليها مراجعة حساباتها، لتقتنع بأنه إذا كان حسم الموقف عسكرياً صعباً جداً بالنسبة إليها، فما عليها إلا أن ترضخ للأمر الواقع، وتعترف بما لا بد لها من الاعتراف به، إن عاجلاً، وإن آجلا.
وإلا، فلتأذن بحرب من الله ورسوله لا تنتهي إلا بتدمير عنفوانها، وتحطيم كبريائها، وهكذا كان.
وإنما اكتفى المسلمون بالتعرض إلى قوافل قريش، دون أن يصروا على أخذها، ومصادرتها، وإن كان من حقهم ذلك، لأنه قصاص عادل لقريش، التي بدأت بالعدوان، وتمادت في الظلم والطغيان، ولا مانع من ممارسة هذا الحق إذا لم يكلف ذلك المسلمين غالياً ـ إنما اكتفى المسلمون بذلك ـ من أجل أن يبقوا الباب مفتوحاًَ أمام قريش، ويعطوها الفرصة للتأمل والتدبر في الأمر.
وأما ما ذكره البعض من أن المقصود من تلك السرايا لم يكن هو الحرب، بدليل قلة عدد المقاتلين المسلمين المرسلين.
فلا نراه مقنعاً ولا كافياً في فهم حقيقة الدوافع لإرسال تلك السرايا؛ لأن الإغارة على قافلة تجارية لم يكن يحتاج إلى عدد كبير من المقاتلين.
ويكفي أن نذكر هنا: أن أكبر قافلة تجارية ترسلها قريش بعد تحرشات المسلمين بتجاراتها (وذلك يدفعها طبعاً لزيادة عدد المحافظين عليها)، هي القافلة التي سببت حرب بدر، وكانت بقيادة أبي سفيان، وهي لم يكن معها إلا بضعة وعشرون رجلاً فقط، مع أن فيها أكثر من ألفي بعير، وفيها أموال قريش.
3 ـ وصايا ه ' لبعوثه:
وأما ما تقدم مما كان يوصي به البعوث والسرايا، فإنه يؤكد على أن هذا النبي لم يبعث إلا ليعمر الأرض، وليقطع دابر الفساد فيها؛ وليس جهاده للمنحرفين والظالمين إلا من هذا المنطلق، وفي هذا السبيل، على اعتبار أن: آخر الدواء الكي.
وعليه فكل تصرف لا يأخذ بنظر الاعتبار ذلك الهدف؛ فهو مرفوض عنده حتى وإن كان من أصحابه، ومن أقرب الناس إليه.
وإن وصاياه "صلى الله عليه وآله" تلك تحتاج إلى دراسة معمقة، للتعرف على الكثير من الحقائق التي يهم الإنسان المنصف ذا الضمير الحي، والوجدان المتيقظ، أن يتعرف عليها، ويستفيد منها منهاجاً ونبراساً له في سلوكه، وأعماله، ومواقفه.
وقد سار علي "عليه السلام" في وصاياه لجيوشه على هذا النهج أيضاً فليراجع([429]).
4 ـ لماذا المهاجرون فقط؟!
ويلاحظ: أنه "صلى الله عليه وآله" كان قبل بدر لا يخرج في غزواته، ولا يرسل في سراياه إلا المهاجرين.
وهنا يرد سؤال: لماذا يتعمد النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" ذلك؟ وما هي الحكمة فيه؟!.
لربما يقال في مقام الإجابة على ذلك: إنه "صلى الله عليه وآله" يريد أن يفهم الأنصار: أنه مصمم على الوصول إلى أهدافه، ولو لم يعاونوه؛ فلا يجب أن يظنوا: أنه يريد أن يجعلهم وسيلة لمآربه وغاياته، مع احتفاظه بأصحابه المهاجرين؛ الأمر الذي يولّد عند الأنصار الشعور بالمظلومية والغبن.
ولكننا نرى أنه لا بد من نظرة أعمق إلى هذا الأمر، وذلك يحتم علينا أن لا نقنع بهذه الإجابة، ولذا فنحن نجمل ملاحظاتنا هنا على النحو التالي:
أ ـ على الأنصار نصره ' في دارهم:
إنه يبدو أن الأنصار كانوا يرون: أن عليهم نصر النبي "صلى الله عليه وآله" في دارهم، إن دهمه أمر، فيمنعونه مما يمنعون منه أنفسهم.
أما إذا كان هو نفسه المهاجم لغيره، أو كانت الحرب في غير بلدهم، فلا نصرة له عليهم، وذلك هو ظاهر ما تم الاتفاق عليه في بيعة العقبة، كما تقدم.
ويدل على ذلك: أن المؤرخين يصرحون في غزوة بدر: أنه "صلى الله عليه وآله": "كان يخشى ألا تكون الأنصار ترى عليهم نصرته إلا ممن دهمه في المدينة، وليس عليهم أن يسير بهم".
وسيأتي ذلك حين الحديث عن غزوة بدر في الفصل الأول إن شاء الله تعالى.
ب ـ مسألة الحرب والسلم:
إن مسألة الحرب ليست سهلة بالنسبة إلى المدنيين، وقد كانوا يدركون أنهم هم الذين سوف يتحملون مسؤولياتها، ويضحون فيها بأموالهم وأنفسهم، وهم الذين سوف يواجهون نتائجها وعواقبها على صعيد علاقاتهم، وروابطهم الاجتماعية والاقتصادية، وحالتهم السياسية وغيرها، وهي أخطر وأهم مسألة لدى الإنسان العربي، لأنها مسالة الدم والثأر، والموت والحياة، والسعادة والشقاء.
إذاً.. فلا بد فيها من توفر القناعات الكاملة بها من قبلهم أنفسهم، ولا بد أن يقرروا هم الدخول فيها وعدمه.
وأما إذا فرضت عليهم فرضاً، فلربما يؤدي دخولهم فيها إلى نتائج عكسية، وربما خطيرة جداً، تجر على المسلمين، وعلى مستقبل الإسلام الكثير من الرزايا والبلايا، التي قد تعسر معالجتها، والخروج منها على النحو المرضي والمشرف، والمنسجم مع الهدف الأسمى، والغاية الفضلى.
وهذا هو السر في استشارته "صلى الله عليه وآله" أصحابه في الحرب وشؤونها في بدر وفي أحد، كما سنشير إليه ثمة إن شاء الله تعالى.
ج ـ ظروف الأنصار الخاصة:
وإذا كان الأنصار في بلدهم، ويعيشون حياة الأمن والدعة ـ على صعيد علاقاتهم بمن يحيط بهم طبعاً ـ ويشرفون على زراعتهم، وأمور معاشهم، ويستفيدون من أرضهم؛ فإن ذلك يجعلهم أكثر تعلقاً بالحياة، وحباً لها، ولا بد من توفر دافع نفسي أقوى يسهل عليهم الخروج إلى جو آخر، فيه الكثير من المشاكل والأخطار الجسام، إن حاضراً، وإن مستقبلاً.
وأيضاً: إذا كان الأنصار سوف يحاربون قريشاً، أعظم قبائل العرب خطراً ونفوذاً، وحتى قدسية، فإن عليهم أن يعدوا إلى العشرة قبل أن يقدموا على أي إجراء من شأنه أن يعرض علاقتهم بمكة إلى الخطر، ولا سيما إذا كان من الممكن أن يجر ذلك عليهم خطر عداء العرب قاطبة، فضلاً عن غيرهم، وعلى الأخص إذا كان المدنيون في موقع المعتدي في نظر الناس.
وهذا هو ما حدث بالفعل، فإن التاريخ يحدثنا: "عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي "صلى الله عليه وآله" وأصحابه إلى المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة، فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا فيه"([430]).
فأذن الله تعالى لهم بالقتال دفاعاً عن أنفسهم، ولرد كيد أعدائهم، كما قال تعالى: {أذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}([431]).
أما ظروف المهاجرين، فكانت مختلفة تماماً عن ظروف الأنصار من هذه الجهة؛ لأن اتخاذهم قرار الحرب ضد قريش كان أسهل وأيسر، لأن وقوفهم ضدها له مبرراته النفسية والاجتماعية كاملة، فإن الكل يعلم: أنها كانت تلك القوة الغاشمة التي أهانتهم، وعذبتهم وأخرجتهم من ديارهم، وسلبتهم أموالهم، ولأن المهاجرين الذين كانوا مشردين، مقهورين، كانوا يشعرون بظلم قريش وخروجها على كل النواميس الأخلاقية والأعراف الاجتماعية، والأحكام العقلية والدينية والفطرية. فاندفاعهم إلى محاربتها، والوقوف في وجهها يكون أعظم وأشد.
كما أن تحريكهم إلى مضايقة قوافلها، التي تمثل إغراء لهؤلاء الذين فقدوا أموالهم، وكل ما لديهم على أيدي أصحاب هذه القوافل نفسها، يكون أسهل وأيسر.
وخلاصة الأمر: لا يمكن أن ينظر إلى وقوفهم في وجه قريش على أنه تجنٍ واعتداء عليها، بل هي حرب محقة وعادلة لمن هذه معاملتهم، وتلك هي حالتهم وسلوكهم، ومع من؟!. مع أحب الناس وأقربهم نسباً إليهم، فكيف تكون الحال لو كان الأمر مع غيرهم ممن لا تربطهم بهم رابطة قربى، ولا وشائج رحم؟!.
د ـ الحالة النفسية للمهاجرين:
وبعد ما تقدم، فقد كان اتخاذ المهاجرين قرار الحرب أيسر من اتخاذ الأنصار قراراً كهذا، حيث لا يعتبر ذلك اعتداء، بقدر ما هو رد للاعتداء، فهو إذاً قرار له مبرراته السياسية والاجتماعية والنفسية، وكان لا بد من حصول هذا الأمر، حيث يوجد المناخ العام الملائم حينئذٍ لدخول الأنصار للحرب ليكونوا الدرع الواقي، والسيف القاطع.
فبدأ المهاجرون في تحركاتهم، وقد أعطتهم هذه التحركات التدريجية، وهم الغرباء عن المنطقة فرصة للتعرف عليها جغرافياً، ولو بشكل محدود؛ فقد كان المهاجرون المصدومون نفسياً، يشعرون بالغربة عن المنطقة، فهم بحاجة إلى حركة تعيد لهم الثقة بأنفسهم، وترفع معنوياتهم، وتركز فيهم الشعور بالقوة، وبالاستقلالية والحرية، فأعطتهم هذه التحركات شعوراً بأن باستطاعتهم ـ الآن ـ مضايقة قريش، والضغط عليها، وأنهم يملكون أنفسهم بكل ما لهذه الكلمة من معنى.
وقد عزز ذلك فيهم موادعات رسول الله لكثير من القبائل التي كانت تعيش في المنطقة، أما الأنصار فقد كانوا في غنى عن كل ذلك بملاحظة ظروفهم وأحوالهم.
يضاف إلى ذلك: أنه إذا كان بين هؤلاء المهاجرين من أثرت فيه المحنة وزعزعت يقينه الصدمة، فإن تكليفه بالقيام بأعمال وتقديم تضحيات في سبيل هذا الدين، لسوف يحصنه من الوقوع ـ بسبب ضعف نفسه ـ بين براثن الشيطان.
فإنه إذا رأى نفسه يعمل في سبيل هذا الدين، وهذه العقيدة، ويضحي من أجلها وفي سبيلها، وأن عمله هذا يؤثر وينتج ويتقدم من حسن إلى أحسن، فسوف يعود إليه ثباته، وتطمئن نفسه، ويصير تأثير المحنة عليه أقل، والتفاعل معها أندر.
وسوف يصبح تعلقه بما ضحى من أجله، وتعب وشقي في سبيله، أشد وأوثق، وتنفذ بصيرته في الدين وفي الإسلام بشكل أعظم وأعمق.
هـ ـ العربي وقضية الدم:
ولقد كان العربي لا يغفر قضية الدم، ولا يتجاوزها، وعلى أساس الثأر للدم يتقرر مصير العلاقـات بين القبائل والفئات سياسيـاً، واقتصاديـاً، واجتماعياً، وغير ذلك، ولربما يستمر العداء الثأري بين القبائل أجيالاً عديدة.
وإذا كان لا بد من قيام مجتمع إسلامي متكافل، متماسك كالجسد الواحد، فلا بد من حصر قضايا الدم والثأر في أضيق دائرة ممكنة، تفادياً للأحقاد التي تتأصل في النفوس، ويظهر أثرها ولو بعد أجيال، وعشرات، بل مئات السنين.
ولذا نلاحظ: أن حرب بدر رغم أن الكثرة فيها كانت للأنصار بنسبة واحد إلى أربعة أو خمسة من المهاجرين، إلا أن أكثر قتلى المشركين كانت نهايتهم على يد علي "عليه السلام" وحمزة، وهما من المهاجرين القرشيين، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
ولأجل هذا بعينه، ثم من أجل تقليل القتلى ما أمكن، نجد أمير المؤمنين "عليه السلام" يقول للأزد في صفين: أكفوني الأزد، والخثعم: أكفوني خثعماً، وأمر كل قبيلة من أهل العراق أن تكفيه أختها من أهل الشام إلا قبيلة ليس منهم بالشام أحد مثل بجيلة، لم يكن بالشام منهم إلا عدد يسير؛ فصرفهم إلى لخم([432]).
وكذلك جرى أيضاً في حرب الجمل([433]).
وقد خرج صائح في حرب الجمل من قبل علي "عليه السلام" يحذر جيش عائشة من الأشتر، وجندب بن زهير([434]).
ثم هو يرسل مصحفاً إليهم يدعوهم إلى ما فيه، فيقتلون الرجل الحامل له.
هذا بالإضافة إلى المحاولات المتكررة التي بذلها لإقناع طلحة والزبير وعائشة بالتخلي عن قرار الحرب، ثم هو يعلن انتهاء الحرب بمجرد عقر جمل عائشة، ويظهر أسفه على من قتل.
وأما في صفين، فكم حاول إقناع معاوية ومن معه بالكف عن غيهم، والقبول بحكم الله سبحانه، وقد استمرت محاولاته تلك وطالت أسابيع كثيرة. وما ذلك إلا لأن علياً لا يريد أن يقتل الناس، وإنما يريد قمع الفتنة، وإقامة الدين الذى تحيا به الأمم، بأقل قدر ممكن من الخسائر.
شاهدنا على ذلك أنه عندما أمر المختار إبراهيم بن الأشتر أن يسير إما إلى مضر، أو إلى أهل اليمن، عاد فرجح له أن يسير إلى مضر.
قال الطبري: " فنظر المختار ـ وكان ذا رأي ـ فكره أن يسير إلى قومه، فلا يبالغ في قتالهم، فقال: سر إلى مضر بالكناسة الخ.."([435]).
خلاصة الأمر: أنه إذا كانت الحرب بين أفراد أو فئات القبيلة الواحدة؛ فلربما تكون أقل ضراوة من جهة، ولأن العاطفة النسبية، والقربى القبلية تسهل على الناس تناسي الأحقاد وتجاوزها، حيث يتهيأ الجو للعودة إلى الحياة الهادئة، والمحبة والتصافي بسرعة من جهة أخرى.
والشاهد على صحة ما نقول: أن قريشاً ليس فقط كانت تحقد على بني هاشم بسبب نكاية علي "عليه السلام" فيها، حتى إن النبي "صلى الله عليه وآله" كان يبكي على ما سيحل بأهل بيته بعده، نتيجة لتلك الأحقاد([436]).
كما أن قريشاً لن تنسى ـ رغم طول العهد ـ جراحاتها من الأنصار أيضاً، ولم تأل وسعاً ولم تدخر جهداً في الثأر لنفسها كما سنرى في الفقرات التالية.
هذا كله عدا عما في هذا من الامتحان لهم، فإن القبول بقتل الأقارب يحتاج إلى إيمان عميق، وإخلاص تام، وقد امتحن الله سبحانه بني إسرائيل بذلك أيضاً، بل لقد امتحن الله تعالى نبيه إبراهيم بما يشبه هذا في ولده إسماعيل، حسبما قدمنا.
و ـ قريش والأنصار:
وأول ما يطالعنا في مجال استكشاف مشاعر قريش، ونواياها تجاه الأنصار، ما قاله أبو سفيان بعد حرب بدر:
آلـيـت، لا أقـرب الـنــســـاء ولا يمس رأسي وجـلـدي الغسل
حـتـى تـبـيـروا قـبـائل الأوس والـخـزرج، إن الـفـؤاد يـشـتعل
وقد كان الأنصار أنفسهم يشعرون بهذا الأمر، فإنهم عندما مات النبي "صلى الله عليه وآله" كانوا يبكون؛ لأنهم لا يدرون ما يلقون من الناس بعده "صلى الله عليه وآله"([437]).
ولم تكن مبادرتهم إلى محاولة مبايعة سعد بن عبادة إلا انطلاقاً من هذا الشعور، الذي عبر عنه الحباب بن المنذر بقوله يوم السقيفة: "ولكنا نخاف أن يليها بعدكم من قتلنا أبناءهم وآباءهم، وإخوانهم"([438]).
وقد بين أمير المؤمنين "عليه السلام" دوافع سعد بن عبادة إلى طلب البيعة له، فكتب "عليه السلام" إلى أصحابه يقول:
"ولقد كان سعد لما رأى الناس يبايعون أبا بكر نادى: أيها الناس، إني والله ما أردتها حتى رأيتكم تصرفونها عن علي، ولا أبايعكم حتى يبايع علي. ولعلي، لا أفعل وإن بايع الخ..".
وفي مورد آخر من نفس الرسالة: يقول: "إن الأنصار قالوا: أما إذا لم تسلموها لعلي فصاحبنا أحق بها من غيره الخ.."([439]).
فذلك يوضح: أن الأنصار بادروا إلى ذلك بعد أن عرفوا أن العرب وقريشاً لن تمكن علياً "عليه السلام" من الوصول إلى الحكم، وقد تأكد لديهم ذلك حينما شهدوا كيف منع النبي "صلى الله عليه وآله" عن كتابة "الكتاب"، بذلك الأسلوب الجاف والمهين والقاسي، ثم تأخير بعث جيش أسامة، وغير ذلك من قرائن وأحوال لا تخفى.
وبعد وفاة النبي "صلى الله عليه وآله" حاق بالأنصار البلاء، وحلت بهم الرزايا، واستأثر المهاجرون بكل الامتيازات، وكان في ذلك تصديق لما أخبرهم به النبي "صلى الله عليه وآله" من أنهم سيلقون بعده إثرة، ثم أمرهم بالصبر حتى يلقوه على الحوض([440]).
ومما يدل على ما ذكرناه:
1 ـ أن محمد بن مسلمة حين رأى القرشيين وهم يرفلون بالحلل، أعلن بالتكبير في المسجد، فطالبه بذلك عمر، فأخبره بما رأى من الأثرة، ثم قال: أستغفر الله، ولا أعود([441]).
ويلاحظ هنا: أن محمد بن مسلمة كان من المقربين للهيئة الحاكمة، ومن أعوانها الأوفياء الذين كانت تطمئن إليهم، وتعتمد عليهم.
2 ـ لقد هم عمر في أواخر خلافته: أن يأخذ فضول أموال الأغنياء ويقسمها بين فقراء المهاجرين([442]).
3 ـ وكان عمر يركب كل جمعة ركبتين: أحدهما: ينظر في أموال يتامى أبناء المهاجرين.
والثانية: ينظر أرقاء الناس ما يبلغ منهم([443]).
4 ـ ونجد عمر بن الخطاب يمتنع عن قضاء حاجة للأنصار كانوا قد جاؤوه من أجلها، حتى توسط ابن عباس لهم عنده([444]).
5 ـ لم يكن يبر الأنصار أحد إلا بنو هاشم كما قال البعض. وقد اشتد البلاء بعد ذلك العهد على الأنصار، حتى لقد ورد:
6 ـ أن يزيد لعنه الله طلب من كعب بن جعيل أن يهجو الأنصار، فقال له كعب: أرادي أنت إلى الشرك؟!. أهجو قوماً نصروا رسول الله "صلى الله عليه وآله" وآووه؟ ثم دلّه على الأخطل النصراني، الذي قال فيهم:
ذهـبـت قريش بالسماحة والنـدى والـلـؤم تحت عمـائـم الأنصار([445])
7 ـ ثم توج يزيد لعنه الله جناياته ومخازيه بوقعة الحرة، التي أذل فيها عزيز الأنصار، وهتك فيها حرماتهم، وأباح أعراضهم، وقتل رجالهم، ولم تزل ولا تزال وصمة عار على جبين الحكم الأموي، تؤذن بالخزي والعار لذلك الحكم البغيض، ولكل من يسير على نهجه، وينسج على منواله.
ز ـ تزوير التاريخ:
"قال المدائني في خبره: وأخبرني ابن شهاب، قال: قال لي خالد بن عبد الله القسري: اكتب لي النسب؛ فبدأت بنسب مضر، وما أتممته فقال: اقطعه، اقطعه، قطعه الله مع أصولهم، واكتب لي السيرة.
فقلت له: فإنه يمر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، فأذكره؟
فقال: لا، إلا أن تراه في قعر الجحيم"([446]).
لعن الله خالداً ومن ولاه، وقبحهم، وصلوات الله على أمير المؤمنين.
وحينما وصل كتاب علي "عليه السلام"، الذي يذكر فيه ما له من مناقب وفضائل إلى معاوية، قال معاوية: "اخفوا هذا الكتاب لا يقرأه أهل الشام، فيميلوا إلى ابن أبي طالب"([447]).
وقد كتب هشام بن عبد الملك إلى الأعمش يطلب منه أن يكتب له فضائل عثمان، ومساوئ علي "عليه السلام" فرفض([448]).
ويقول الشعبي: "لو أردت أن يعطوني رقابهم عبيداً، أو يملأوا لي بيتاً ذهباً، على أن أكذب لهم على علي رضوان الله عليه لفعلوا"([449]).
وقال أبو أحمد العسكري: "يقال: إن الأوزاعي لم يروِ في الفضائل حديثاً (أي غير حديث الكساء) والله أعلم، وكذلك الزهري لم يروِ فيها إلا حديثاً واحداً، كانا يخافان بني أمية"([450]).
وحسبك دليلاً على تزوير التاريخ: أن المؤرخين يذكرون: أنه قد كان مع علي "عليه السلام" سبعمائة من المهاجرين والأنصار، وسبعون بدرياً أو ثمانون، وماءتان من أهل بيعة الشجرة([451]).
ولكن أعداء علي ومزوري التاريخ قد بلغت بهم الوقاحة حداً ـ كما عن الشعبي ـ : أن قالوا: من زعم أنه شهد الجمل من أهل بدر إلا أربعة، فكذبه، كان علي وعمار في ناحية، وطلحة والزبير في ناحية([452]).
وقد ذكر الإسكافي: "أن معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي "عليه السلام" تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم: أبو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير"([453]).
وقد استطاع معاوية أن يزين لأهل الشام أن علياً وأصحابه لا يصلون([454]).
وهكذا جرى أيضاً للأنصار، قال الزبير بن بكار ما ملخصه: إن سليمان بن عبد الملك قدم حاجاً، وهو ولي عهد؛ فمر بالمدينة، فأمر أبان بن عثمان أن يكتب له سيرة النبي "صلى الله عليه وآله" ومغازيه، فقال له أبان: هي عندي، قد أخذتها مصححة ممن أثق به، فأمر بنسخها فنسخت له، فلما صارت إليه نظر؛ فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ما كنت أرى لهؤلاء هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا([455]) عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا.
فقال أبان بن عثمان: أيها الأمير، لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه، لأن نقول بالحق: هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا.
قال: ما حاجتي إلى أن أنسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق.
فلما رجع، وأخبر أباه، قال عبد الملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل؟ تعرف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها؟!
فأخبره بتحريق ما كان نسخ، فصوب رأيه، وكان عبد الملك يثقل عليه ذلك.
وبعد أن ذكر الراوي: أن سليمان أخبر قبيصة بن ذؤيب بما جرى، وجواب قبيصة له، قال:
فقال سليمان: يا أبا إسحاق، ألا تخبرني هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار، وحرمانهم إياهم، لم كان؟!.
فقال: يا ابن أخي، أول من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان، ثم أحدثه أبو عبد الملك، ثم أحدثه أبوك.
فقال: علام ذلك؟!
قال: فوالله ما أريد إلا لأعلمه وأعرفه.
فقال: لأنهم قتلوا قوماً من قومهم، وما كان من خذلانهم عثمان "رض"، فحقدوه عليهم، وحنقوه، وتوارثوه، وكنت أحسب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي فكلمه.
فقال سليمان: أفعل والله، فكلمه، وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم.
فقال عبد الملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم، فأسكت القوم([456]).
ولكن ما ذكره قبيصة من أن أول من حرمهم هو معاوية في غير محله، فقد بدأ حرمانهم من زمن عمر بن الخطاب كما يظهر مما تقدم، بل ومن زمن أبي بكر، وليس تحقيق ذلك محط نظرنا الآن.
وعلى كل حال، فقد قال رجل من الأنصار:
ويـل أمهـا أمـة لـو أن قـائـدهــا يتلو الكتاب، ويخشى العار والنار
أمـا قـريـش فـلـم نسمع بمثلهم غـدراً وأقبح فـي الإسـلام آثــار
ضـلـوا سوى عصبة حاطوا نبيهم بـالعرف عرفاً وبالإنكار إنكـارا([457])
وقال بعض الأنصار أيضاً:
دعـاهـا إلـى حـرمـاننـا وجفـائنا تـذكـر قتـلى في القـلـيب تكبكبوا
فإن يغضب الأبناء من قتل من مضى فـوالله مـا جـئـنـا قبيحـاً فتعتبوا([458])
ويقول آخر:
وخـبـرتـمـونـا: أنـما الأمـر بينـنا خـلاف رسـول الله يـوم التـشاجر
فـهـلا وزيــراً واحــداً تحسـبـونه إذا مـا عـددنـا منـكم ألف آمـر([459])
ح: تأكيد النبي ' على بر الأنصار:
ولم يكن بغض الأمويين وقريش للأنصار فقط لأجل الدماء والترات، وإنما لأنهم نصروا الله ورسوله، ومحق الله الشرك، وذل المشركون بمساعدة منهم.
بل إن بغضهم لهم إنما كان انطلاقاً من بغضهم للإسلام.
ولربما يكون هذا هو السر في تأكيدات النبي "صلى الله عليه وآله" المتكررة على لزوم حب الأنصار، واحترامهم وتقديرهم.
فنراه "صلى الله عليه وآله" يعتبر حب الأنصار إيماناً وبغضهم نفاقاً([460]).
وقال: من أحب الأنصار فبحبي أحبهم، ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم([461]).
وبذلك يكون قد حفظ لهم هذا الجهاد الخالص في سبيل الله، ودفاعهم عن هذا الدين، ولأنهم آووا ونصروا وبذلوا كل غال ونفيس؛ فجزاهم الله عن الإسلام وعن المسلمين خير جزاء وأوفاه.
كما أننا يجب أن لا ننسى التزام الأنصار في الأكثر بخط أهل البيت "عليهم السلام"، وتعظيمهم لحق أمير المؤمنين "عليه السلام" ونصرتهم له في الجمل وصفين والنهروان، على خلاف كثير من المهاجرين.
ومما يدل على مكانة علي "عليه السلام" لدى الأنصار ما رواه الزبير بن بكار عن عمرو بن العاص حينما تكلم في المسجد كلاماً قاسياً ضد الأنصار، لأجل محاولتهم البيعة لسعد بن عبادة، قال الزبير: "ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب، وندم على قوله للخؤولة التي بين ولد عبد المطلب وبين الأنصار، ولأن الأنصار كانت تعظم علياً وتهتف باسمه حينئذٍ".
ثم تذكر الرواية كيف أن علياً "عليه السلام" جاء إلى المسجد ودافع عن الأنصار، والقصة طويلة([462]).
والتزام الهاشميين ببرهم، تنفيذاً لوصية النبي "صلى الله عليه وآله" ثم قولهم يوم السقيفة ـ بعد أن فشلت محاولة البيعة لسعد بن عبادة ـ : "لا نبايع إلا علياً"([463]).
وعلي "عليه السلام" هو قاتل صناديد قريش وجبابرتها كما هو معلوم ربما يكون كل ذلك، ومعه عمق إيمانهم، والتزامهم القوي بالدين، والتفقه فيه حتى من نسائهم، هو السبب في ذلك.
بقي أن نذكر: أن علم أصحاب رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد كان عند الأنصار، كما قالوا([464]).
وعن نساء الأنصار قالت عائشة: "إن لنساء قريش لفضلاً، وإني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، ولا أشد تصديقاً لكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور، وليضربن بخمرهن.."([465]).
وعنها أيضاً قالت: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين([466]).
ط ـ لا غنى في الحرب عن الأنصار:
ولكن كل ما قدمناه لا يعني: أن لا يشترك الأنصار في حرب أبداً؛ فإن قضية الإسلام، التي هي قضية الأمم والإنسانية جمعاء على مدى التاريخ، تفوق في أهميتها وخطرها أهمية وخطر ما سيواجهه الأنصار من قريش فيما بعد، وعلى الأخص إذا كان الإسلام قد وضع الضمانات اللازمة لتفادي أي رد فعل من هذا النوع.
وإنما حدث ما حدث بسبب عدم رعاية الأمة لقوانين الإسلام، وعدم أخذها تلك الضمانات بنظر الاعتبار.
نعم.. لم يكن ثمة محيص عن اشتراك الأنصار في الحرب، كما أنه لم يكن مفر من العمل على تخفيف حدة حقد قريش، والموتورين من قبل الإسلام؛ لتكون المشاكل المستقبلية، التي سوف يواجهها الأنصار أقل، ووقعها أخف نسبياً، وهكذا كان.
وسيأتي إن شاء الله بعض الكلام أيضاً عن قريش والأنصار في غزوة بدر العظمى، فلا بد من ملاحظة ذلك.
القسم الخامس:
حتى أحد
الباب الأول: معركة بدر
الباب الثاني: بحوث ليست غريبة عن السيرة
الباب الثالث: ما بين أحد وبدر
الباب الأول:
معركة بدر
الفصل الأول: في أجواء القتال
الفصل الثاني: نتائج الحرب
الفصل الثالث: الغنائم والأسرى
الفصل الرابع: نهاية المطاف
الفصل الأول:
في أجواء القتال
محاولة قرشية فاشلة:
وبعد مضي مدة على وجود النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله" والمسلمين في المدينة، كتب كفار قريش إلى عبد الله بن أبي بن سلول، ومن كان يعبد الأوثان من الأوس والخزرج، ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يومئذٍ بالمدينة ـ قبل وقعة بدر ـ يقولون:
"إنكم آويتم صاحبنا، وإنكم أكثر أهل المدينة عدداً، وإنا نقسم بالله، لتقتلنه، أو لتخرجنه، أو لنستعن([467]) عليكم العرب، أو لنسيرن إليكم بأجمعنا، حتى نقتل مقاتلتكم، ونستبيح نساءكم".
فلما بلغ ذلك ابن أبي ومن معه من عبدة الأوثان تراسلوا ؛ فاجتمعوا، وأجمعوا لقتال النبي "صلى الله عليه وآله".
فلما بلغ ذلك النبي "صلى الله عليه وآله" وأصحابه لقيهم في جماعة، فقال:
"لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ، ما كانت لتكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم. فأنتم هؤلاء تريدون أن تقتلوا أبناءكم وإخوانكم".
فلما سمعوا ذلك من النبي "صلى الله عليه وآله" تفرقوا؛ فبلغ ذلك كفار قريش، وكانت وقعة بدر([468]).
الإنتداب إلى بدر:
وفي السنة الثانية، في السابع عشر من شهر رمضان المبارك كانت حرب بدر العظمى بين المسلمين ومشركي مكة.
وذلك أن العير التي طلبها المسلمون في غزوة العشيرة وأفلتت منهم إلى الشام، ظل النبي "صلى الله عليه وآله" يترقبها، حتى علم بعودتها، وكانت بقيادة أبي سفيان، مع ثلاثين، أو أقل، أو أربعين، أو سبعين راكباً. وفيها أموال قريش؛ حتى قيل: إن فيها ما قيمته خمسون ألف دينار، في ذلك الوقت الذى كان فيه للمال قيمة كبيرة.
فندب رسول الله "صلى الله عليه وآله" المسلمين للخروج إليها؛ فانتدب الناس؛ فخف بعضهم، وثقل آخرون، ولعلهم تخوفوا من كرة قريش عليهم، حينما لا بد لها من محاولة الانتقام لهذا الإجراء الذي يستهدف مصالحها الحيوية.
يقول عدد من المؤرخين: "وأبطأ عن النبي "صلى الله عليه وآله" كثير من أصحابه، وكرهوا خروجه، وكان في ذلك كلام كثير واختلاف. وتخلف بعضهم من أهل النيات والبصائر، لم يظنوا أن يكون قتال، إنما هو الخروج للغنيمة، ولو ظنوا أن يكون قتال ما تخلفوا"([469]).
وقال الواقدي: كره خروج رسول الله "صلى الله عليه وآله" أقوام من أصحابه إلى بدر، قالوا: نحن قليل، وما الخروج برأي، حتى كان في ذلك اختلاف كثير([470]).
وقد حكى الله تعالى ذلك، فقال:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}([471]).
نعم لقد كرهوا ذلك لعلمهم بأن قريشاً لن تسكت على أمر خطير كهذا.
ومن هنا نعرف: أن قول بعضهم: إن من تخلف لم يكن يظن أن النبي "صلى الله عليه وآله" يلقى حرباً([472]) في غير محله، بل هو محاولة إيجاد عذر للمتخلفين مهما كان فاشلاً وغير معقول.
وإلا فالآية الكريمة خير دليل على عدم صحة هذا القول. وخرج المسلمون يريدون العير، وعلم أبو سفيان بالأمر، فأرسل إلى قريش يستنفرهم لنجاة العير.
الذين يخشون الناس:
ويذكر هنا: أن عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، والمقداد، وقدامة بن مظعون، كانوا يؤذون في مكة؛ فكانوا يستأذنون النبي "صلى الله عليه وآله" بقتال المشركين، فلا يأذن لهم، فلما أمروا بالقتال، والسير إلى بدر، شق على بعضهم؛ فنزل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ الله أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى}([473]).
ونحن نقول: إن نفسية المقداد ومواقفه تأبى أن يكون ممن شق عليهم ذلك؛ بدليل موقفه العظيم الآتي بعد صفحات يسيرة إن شاء الله، حينما استشار النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه في حرب قريش.
أضف إلى ذلك: أن الآية تدل على أن هؤلاء قد خافوا وجبنوا عن القتال، وكانت خشيتهم وخوفهم من الناس أشد منها بالنسبة إلى الله سبحانه، وأن ذلك كان لأجل حب البقاء، وللتمتع بالدنيا.
ونحن نعلم: أن المقداد لم يكن جباناً قط، ولا كان من محبي البقاء في الدنيا على حساب الدين والإسلام، وتلك هي حياته و سيرته خير شاهد على ما نقول.
كما أن الرواية والآية تدلان على أن فريقاً من أولئك المذكورين أولاً قد شق ذلك عليهم، وليس الكل.
وأما من عدا المقداد ممن ذكرت الرواية أسماءهم، فإن تعلقهم بالدنيا كما يظهر من سيرة حياتهم ومواقفهم المختلفة، يؤيد أن يكونوا ممن شق عليهم ذلك فعلاً.
فأما عبد الرحمن بن عوف؛ فلا يشك في كونه من الذين قالوا ذلك كما يفهم من بعض النصوص([474]) ولقد ترك هذا الرجل من المال ما هو معروف ومشهور، وقد جرى بين أبي ذر وعثمان وكعب الأحبار ما جرى بسبب ذلك([475])، وقد صرح بأنه أكثر قريش مالاً([476]).
وموقفه في يوم الشورى معروف أيضاً، فإنه قد ضرب بكل الأوامر الإلهية والوصايا النبوية في حق علي "عليه السلام" عرض الحائط، فلم يكن ليهتم كثيراً بأوامر الله ورسوله "صلى الله عليه وآله" وذلك رغبة منه في الدنيا وإيثاراً لها.
وأما قدامة فقد حده عمر في الخمر، وتخلف عن بيعة علي "عليه السلام"([477]). كل ذلك طلباً للدنيا، وانسياقاً وراء الهوى.
وأما سعد، فقد أبى أن يبايع علياً "عليه السلام"، وقعد عنه في حروبه، وقطع "عليه السلام" عنه العطاء، وصارمه عمار، وأخذ بعض أموال بيت مال الكوفة([478]). إلى غير ذلك مما يدل على تعلقه بالدنيا، وعدم اهتمامه بأوامر الله ورسوله.
فهؤلاء هم الذين يمكن أن يكونوا محط نظر الآية والرواية، وإنما أخفى الرواة أسماءهم، وخلطوهم بغيرهم، لأن السياسة كانت ترغب في ذلك، كما هو معلوم.
رؤيا عاتكة:
ويقول المؤرخون: إن عاتكة بنت عبد المطلب كانت قد رأت في الرؤيا: أن رجلاً أقبل على بعير له ينادي: يا آل غالب.
وفي رواية: يا آل غدر، أغدوا إلى مصارعكم، ثم دهده حجراً من أبي قبيس؛ فما ترك داراً بمكة إلا أصابتها منه فلذة.
فأخبرت عاتكة العباس برؤياها، فأخبر العباس عتبة بن ربيعة، فقال: هذه مصيبة تحدث في قريش.
أما أبو جهل، فقال: هذه نبية ثانية في بني عبد المطلب، واللات والعزى، لننظرن ثلاثة أيام، فإن كان ما رأت حقاً، وإلا لنكتبن كتاباً بيننا: إنه ما من أهل بيت من العرب أكذب رجالاً، ونساءً من بني هاشم.
فلما كان اليوم الثالث جاءهم النذير يناديهم: يا آل غالب، يا آل غالب، اللطيمة، اللطيمة([479]).
قريش تتجهز:
وما بقي أحد من عظماء قريش إلا أخرج مالاً لتجهيز الجيش، وقالوا: من لم يخرج نهدم داره، فلم يتخلف رجل إلا أخرج مكانه رجلاً([480]).
وبعث أبو لهب العاصي بن هشام مكانه على أربعة آلاف درهم، كانت له عليه من مال المقامرة ـ على ما قيل ـ([481]).
موقف أمية بن خلف:
وكان أمية بن خلف معرضاً عن الخروج؛ لأن سعد بن معاذ كان قد قدم مكة معتمراً، فنزل على أمية، لصداقة بينهما، وخرج سعد ليطوف، ومعه أمية، فلقيهما أبو جهل، فقال لسعد: ألا أراك تطوف بمكة آمناً، وقد آويتم الصباة، وزعمتم أنكم تنصرونهم، وتعينونهم؟! أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالماً.
فقال له سعد ـ وقد رفع صوته ـ : أما والله، لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه، طريقك على المدينة.
فاعترض أمية عليه لرفعه صوته على سيد أهل الوادي بزعمه.
فقال سعد: دعنا عنك، فوالله لقد سمعت رسول الله "صلى الله عليه وآله" يقول: إنهم قاتلوك.
فقال أمية: بمكة؟
قال سعد: لا أدري.
قال أمية: والله ما كذب محمد.
وفزع فزعاً شديداً (وقيل: أحدث في ثيابه فزعاً)، وعزم على ألا يخرج.
فلما كان يوم بدر أصر عليه أبو جهل ليخرج، حتى ليقال: إنه أرسل إليه عقبة بن أبي معيط بمجمرة فيها بخور، حتى وضعها بين يديه، وقال: استجمر، فإنك من النساء. فتحمس حينئذٍٍ، وتهيأ للخروج، فنهته زوجته وقالت: "والله، إن محمداً لا يكذب". فأبى إلا المسير، فقتل في بدر([482]).
مع قضية ابن خلف:
ولا بد لنا هنا من تسجيل النقاط التالية:
1 ـ إن مما يلفت النظر هنا تهديد سعد لأبي جهل بقطع طريقه على المدينة، واعتباره هذا الإجراء أشد على أبي جهل من منع المدنيين من الوصول إلى مكة.
وذلك أمر واضح؛ فإن الحياة الإقتصادية للمكيين قائمة على التجارة، وأهم المراكز التجارية لهم هو الشام. وإذا تعرضت مكة لضغط إقتصادي قوي، وأصبحت بحاجة إلى الآخرين؛ فإن ذلك سوف يؤثر على وضعها السياسي والإجتماعي أيضاً، حيث تفقد هيبتها، وأهميتها، ونفوذها في القبائل العربية.
ولماذا وعلى أي شيء كانت تحارب محمداً "صلى الله عليه وآله" والمسلمين؟! أليس لأجل النفوذ والزعامة، التي تعتبرها فوق كل شيء، وأعز وأجل شيء؟!.
وقد تقدم بعض الكلام في هذا الموضوع حين الكلام عن الهجرة.
2 ـ إننا نلاحظ: أن أمية بن خلف لم تكن مواقفه وتصرفاته محكومة لعقله، ولا نابعة من أعماق ضميره ووجدانه. فهو يقتنع بصدق محمد "صلى الله عليه وآله"، ولكنه لا يقعد عن حربه ـ حين يقعد ـ من أجل ذلك، وإنما خوفاً على نفسه، وحفاظاً عليها، كما أنه لا يحاربه حين يحاربه من أجل تبدل الرؤية لديه، وإنما بوحي من تحمسه الكاذب، ونخوته الجاهلية؛ فأورده ذلك المهالك في الدنيا وفي الآخرة.
وقد حكى الله تعالى حالة أمثاله، بأجلى بيان، وأوجز عبارة، فقال: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}([483]).
3 ـ في هذه القضية أيضاً دلالة واضحة على المكانة السامية التي كانت للنبي "صلى الله عليه وآله" في نفوس الناس جميعاً، وعلى أنهم يرونه صادقاً فيما يخبر به حين يرجعون إلى ضميرهم ووجدانهم، وإلى ما في قرارة نفوسهم من قناعة واقعية إلى حد أنهم يقسمون على صدقه فيما يخبر به، وأنه لا يكذب. ولكنهم في نفس الوقت يشعرون أنهم بحاجة إلى إظهار العناد والتكذيب لمصالح دنيوية، واعتبارات قبلية، أو غير ذلك.
رجوع طالب بن أبي طالب عن الحرب:
وخرج مع المشركين من بني هاشم: العباس، وعقيل، ونوفل بن الحارث، وطالب بن أبي طالب. فأما طالب فخرج مكرهاً، فجعل يرتجز ويقول:
يـا رب إمـا يــغــزون طــالـب في مـقـنـب مـن هـذه المـقــانـب
فـليـكن المسلـوب غير السـالب وليكـن المـغـلـوب غيـر الغـالب
فجرت بينه وبين القرشيين ملاحاة وقالوا: والله، لقد عرفنا أن هواكم مع محمد؛ فرجع طالب فيمن رجع إلى مكة، ولم يوجد في القتلى، ولا في الأسرى، ولا فيمن رجع إلى مكة([484]).
وادَّعى البعض: أنه مات كافراً في غزوة بدر حين وجهه المشركون إلى حرب المسلمين([485]).
هكذا قالوا.. ونحن نقول:
ألف ـ كيف لم يوجد فيمن رجع إلى مكة، وابن هشام يذكر له قصيدة يمدح فيها رسول الله "صلى الله عليه وآله"، ويبكي أهل القليب ـ على حد تعبير ابن هشام ـ ويطلب في شعره من بني عبد شمس ونوفل أن لا يثيروا مع الهاشميين حرباً تجر المصائب والبلايا، والاهوال، وفيها يقول:
فـما إن جنينـا في قـريـش عظيـمـة سوى أن حمينا خير من وطأ الترب
أخـا ثقـة في النــائبـــات مـــرزّأ كـريماً ثنــاه، لا بخيـلاً ولا ذرب
يطـيـف بـه العافـون يغشون بـابه يـؤمّـون نهراً لا نـزوراً ولا ضرب
فـوالله لا تـنـفـك عيـنـي حـزينـة تململ حتى تصدقوا الخزرج الضربا([486])
وهذا يدل على أنه قد عاش إلى ما بعد وقعة بدر. وأما بكاؤه أهل القليب، فالظاهر أنه كان مجاراة لقريش، كما يدل عليه مدحه للنبي "صلى الله عليه وآله"، وطلبه من بني عبد شمس ونوفل أن لا يحاربوا الهاشميين وإلا، فكيف نفسر شعره المتقدم:
وليكن المسلـوب غير الســالـب ولـيـكـن المـغـلوب غـير الغالب
ب ـ لقد ورد في رواية مرسلة عن أبي عبد الله "عليه السلام": أن طالباً قد أسلم([487]).
وروي أنه هو القائل:
وخـيــر بـنـي هــاشــم أحمــد رســول الإلـــه عــلــى فـتـرة([488])
وليس من البعيد: أن تكون قريش قد دبرت أمر التخلص من طالب انتقاماً لنفسها، لما جرى عليها من علي في بدر وغيرها.
المكرهون والراجعون:
وحينما خالف أبو سفيان في الطريق، ونجا بالعير، أرسل يطلب من قريش الرجوع، فأبى أبو جهل، إلا أن يرد بدراً، ويقيم ثلاثة أيام، ويأكل، ويشرب الخمور، حتى تسمع العرب بمسيرهم وجمعهم؛ فيهابونهم أبداً.
ولكن الأخنس بن شريق رجع ببني زهرة، ولم يشهدوا الحرب. وقيل: شهدها رجلان منهم قتلا في بدر.
بل قال التلمساني في حاشية الشفاء: إن الأخنس نفسه قد قتل في بدر، وقيل مات في خلافة عمر.
ويذكرون: أن سبب رجوع الأخنس ببني زهرة هو أنه سأل أبا سفيان سراً: إن كان محمد يكذب، فقال له: ما كذب قط، كنا نسميه الأمين، ولكن إذا كانت في بني عبد المطلب السقاية والرفادة لها والمشورة، ثم تكون فيهم النبوة، فأي شيء يكون لنا، فانخنس الأخنس، ورجع ببني زهرة([489]).
وكذلك لم يشهد بدراً من بني عدي أحد.
وأراد بنو هاشم الرجوع، فاشتد عليهم أبو جهل، وقال: لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع([490]).
موقف الرسول ' من المكرهين والراجعين:
فلأجل ما تقدم، ولأجل موقف الهاشميين من النبي "صلى الله عليه وآله" والمسلمين، وحمايتهم لهم في مكة، نهى الرسول "صلى الله عليه وآله" عن قتل من خرج من بني هاشم، ونهى أيضاً عن قتل أبي البخترى، الوليد بن هشام، لأنه كان يكف الناس عنه "صلى الله عليه وآله" بمكة، وكان لا يؤذيه، وهو ممن قام في نقض صحيفة المقاطعة. ولكنه حين أبى أن يستأسر في بدر إلا مع زميل له، قتل هو وإياه.
وكذلك فقد نهى "صلى الله عليه وآله" عن قتل الحارث بن نوفل؛ لكراهة الخروج أيضاً فقتله من لم يعرفه. وكذلك جرى لزمعة بن الأسود.
نظرة في موقف النبي ' من هؤلاء:
وفي مجال الاستفادة مما تقدم نسجل النقاط التالية:
1 ـ إن النبي "صلى الله عليه وآله" لم يكن ـ كما قدمنا، وكما يشعر به موقفه المسجل من هؤلاء ـ يهدف من الحرب إلى التغلب، والحصول على الملك والسلطان، ولا هو يرغب في سفك الدماء، ولا كان يعجبه أن يرى جثث القتلى ويسمع أنين الثكالى؛ بل كان له هدف أسمى وغاية فضلى، ترجع بالنفع العميم على الأمة، وعلى الأجيال، ويريد الوصول إليها بأقل عدد ممكن من الضحايا.
2 ـ كما أنه كان يقدر مواقف الناس، التي تعبر عن حسن خلق، وسجية وشهامة، وأريحية فيهم، مهما كانت هويتهم وانتماؤهم، وأياً كان موقفهم، لأنه هو الإنسان الكامل ورسول الإنسانية، فهو الذي يستطيع أن يدرك تلك الصفات والسجايا، ويقدرها أكثر من أي إنسان آخر.
ومن هنا، فقد كان موقفه واحداً من جميع أولئك الذين أحسنوا السيرة والتصرف ـ ولو مرة ـ وكذا كان موقفه من الذين أكرهوا على الخروج.
ولم يكن ليختص بموقفه هذا أقاربه وأهل عشيرته، فإنه لم يكن يتأثر في مواقفه بعواطف نسبية، بل ليس من مصلحته ذلك في مثل هذا الموقف من وجهة نظر المنطق، والتصرف العقلاني السليم.
3 ـ وهو بالتالي يقدر، ويفهم الظروف الصعبة التي كان يعاني منها البعض، بحيث تفرض عليهم قريش موقفاً لا ينسجم مع رغائبهم وقناعاتهم، أو على الأقل مع ميل وهوى نفوسهم، وإن كانوا مدينين من جهة أخرى، حيث كان بإمكانهم أن ينصروا الحق، وأن يقفوا موقفاً عقلانياً سليماً، كما فعل غيرهم ممن أسلموا، وعرضوا أنفسهم للرزايا والنكبات عن رضى واختيار منهم حتى نصرهم الله تعالى وجعل كلمة الحق هي العليا.
النبي ' يستشير في أمر الحرب:
لما كان المسلمون قرب بدر، وعرفوا بجمع قريش، ومجيئها، خافوا وجزعوا من ذلك؛ فاستشار النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه في الحرب، أو طلب العير.
فقام أبو بكر، فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، ما آمنت منذ كفرت، وما ذلت منذ عزت. ولم تخرج على هيئة الحرب.
فقال له رسول الله "صلى الله عليه وآله": إجلس؛ فجلس؛ فقال "صلى الله عليه وآله": أشيروا علي.
فقام عمر، فقال مثل مقالة أبي بكر.
فأمره النبي "صلى الله عليه وآله" بالجلوس، فجلس.
ونسب الواقدي والحلبي الكلام المتقدم لعمر، وقالا عن أبي بكر: إنه قال فأحسن([491]).
ثم قام المقداد فقال: يا رسول الله، إنها قريش وخيلاؤها، وقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا: أن ما جئت به حق من عند الله، والله لو أمرتنا: أن نخوض جمر الغضا (نوع من الشجر صلب)، وشوك الهراس لخضناه معك، ولا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى: {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}([492]).
ولكنا نقول: إذهب أنت وربك؛ فقاتلا، إنا معكم مقاتلون. والله لنقاتلن عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك، ولو خضت بحراً لخضناه معك، ولو ذهبت بنا برك الغماد لتبعناك([493]).
فأشرق وجه النبي "صلى الله عليه وآله"، ودعا له، وسر لذلك، وضحك كما يذكره المؤرخون([494]).
فيلاحظ: أن الكلام كله قد كان من المهاجرين، وقد ظهر منهم: أنهم لا يريدون حرب قريش، وهم يتفادون ذلك بأي ثمن كان، غير أن المقداد قد رد عليهم مقالتهم، وخالفهم في موقفهم. ثم توجه النبي "صلى الله عليه وآله" إلى الأنصار، حيث يقول النص التاريخي:
ثم قال: أشيروا علي ـ وإنما يريد الأنصار، لأن أكثر الناس منهم؛ ولأنه كان يخشى أن يكونوا يرون: أن عليهم نصرته في المدينة، إن دهمه عدو، لا في خارجها، فقام سعد بن معاذ ـ وقيل ابن عبادة وهو وهم؛ لأنه لم يشهد بدراً؛ لأنه كان قد لدغ، فلم يمكنه الخروج([495]) ـ فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، كأنك أردتنا؟
فقال: نعم.
فقال: فلعلك قد خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
قال: نعم.
قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله؛ إنا قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت.
إلى أن قال: والله، لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعل الله يريك ما تقر به عينك؛ فسر بنا على بركة الله.
فسر النبي "صلى الله عليه وآله"، وأمرهم بالمسير، وأخبرهم بأن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، ثم قال: والله، لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة الخ..
وسار حتى نزل بدراً.
ويظهر من بعض النصوص: أن الصحابة كانوا ـ في أكثرهم ـ يميلون إلى طلب العير، وترك النفير([496]).
وقد ذكر الله تعالى ذلك في قرآنه المجيد، فهو يقول: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}([497]).
وقبل أن نمضي في الحديث نشير إلى الأمور التالية:
1 ـ إستشارة النبي ' أصحابه:
لقد تحدثنا فيما سبق حينما تكلمنا عن سر إرسال المهاجرين في الغزوات، ولسوف نتحدث فيما يأتي في غزوة أحد في فصل: قبل نشوب الحرب إن شاء الله تعالى، عن موضوع استشارة النبي "صلى الله عليه وآله" لأصحابه بما فيه الكفاية.
ولكننا نكتفي هنا بالإشارة إلى أنه قد كان من الضروري أن يستشير "صلى الله عليه وآله" أصحابه في حرب بدر التي كانت حرباً مصيرية، سوف يتقرر على أساس نتائجها مصير الإيمان والشرك في المنطقة في المستقبل المنظور على الأقل، بل ومطلقاً كما أشار إليه "صلى الله عليه وآله" في دعائه: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد".
وواضح: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يكن بحاجة إلى رأيهم، وإنما هو يستشيرهم لأنهم هم الذين سوف يتحملون أعباء الحرب، ويعانون من نتائجها، على مختلف الأصعدة.
ثم إنه يستخرج بذلك دخائل نفوسهم، ويتميز المنافق من المؤمن، والجبان من الشجاع، والذي يفكر في مصلحة نفسه من الذي يفكر من منطلق التكليف الشرعي، ويعرف أيضاً الذكي من الغبي، والعدو من الولي، والضعيف من القوي إلى غير ذلك مما هو ظاهر لا يخفى.
ويدل على ما نقول: أن سعد بن معاذ يسأل النبي "صلى الله عليه وآله": لعلك خرجت على أمر قد أمرت بغيره؟
فقال "صلى الله عليه وآله": نعم.
فهذا يدل على أن أمر الحرب مقضي ومأمور به من قبل الله تعالى؛ فليست استشارته "صلى الله عليه وآله" لهم إلا لما قلناه هنا، وقدمناه، وسيأتي في غزوة أحد.
2 ـ حرب قريش هي الرأي:
ومن الواضح: أن الرأي الحق هو حرب قريش، كما أراد الله ورسوله؛ وذلك لأن الأمر يدور بين:
أن يرجع المسلمون دون أن يتعرضوا للعير، ولا لقريش، وفي ذلك هزيمة روحية ونفسية واضحة للمسلمين، وإطماع لغيرهم بهم؛ من المشركين، واليهود والمنافقين.
أو أن يطلبوا العير فيدركوها، فيأخذوها، بعد قتل أو أسر رجالها. ولن تسكت قريش على هذا الأمر، بل هي سوف تتعرض لحربهم على أوسع نطاق. وقد تتمكن من مهاجمة المدينة قبل رجوع المسلمين إليها، وتقوم بإنزال الضربة القاصمة بالمسلمين، فإن قريشاً وهي بهذه العدة والعدد لن تسكت عن أمر كهذا، بل سوف تحاول رد هيبتها، والثأر لكرامتها.
فلم يبق إلا خيار واحد، وهو أن يقفوا في وجه قريش بعد أن يعرضوا عليها عروضاً مقبولة، وعادلة، ومعقولة.
إذن، فحرب وقتال قريش هي الخيار الأفضل والأمثل في ظروف كهذه، ولا سيما إذا طلبوا العير، وربما يوجب ذلك أن يزيد الأمر تعقيداً وإشكالاً بالنسبة إلى المسلمين بما لا قبل لهم به.
وتكون النتيجة هي أنه إذا أراد المسلمون العيش في عزة ومنعة، وأن لا يطمع بهم من حولهم، والمشركون، واليهود، والمنافقون، فلا بد من المبادرة للقتال، وليس ثمة خيار آخر أمامهم.
3 ـ التربية النفسية:
وفي مجال آخر نشير إلى:
ألف ـ لقد كان هدف المسلمين أولاً هو الحصول على المال؛ فأراد الله ورسوله أن يرتفع بهم عن هذا الهدف الدنيوي إلى ما هو أغلى، وأعلى، وأسمى. وإلا فإن قريشاً أيضاً قد كانت تهدف من وراء جمعها الجموع، وإثارة الحرب إلى أهداف دنيوية، إقتصادية، وإجتماعية، وسياسية أيضاً.
ب ـ لقد كان لحرب بدر أثرها في بث روح الاعتماد على النفس، ومواجهة المسؤوليات بصلابة وشجاعة، حيث لا بد من قتل فراعنة قريش، وإفناء صناديدها وأسرهم {لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}([498])، ثم التهيؤ لحرب العرب والعجم بعد ذلك.
4 ـ نظرة في الآراء حول الحرب:
ويلاحظ: أن أكثر المؤرخين قد حذفوا كلام عمر وأبي بكر هنا، واكتفوا بقولهم: قام أبو بكر فأحسن، ثم قام عمر فأحسن، ثم قال المقداد كذا وكذا([499]).
وربما ينسبون إلى بعضهم كلاماً آخر لا ربط له بسؤال النبي "صلى الله عليه وآله" أصلاً.
وأما الفقرات التي نقلناها عنهما فلم تعجب الكثيرين من المؤرخين، فأضربوا عنها صفحاً بالطريقة المشار إليها آنفاً.
ولكن من الواضح: أن سرور النبي "صلى الله عليه وآله" بكلام المقداد، ودعاءه له يدل على أن كليهما (أعني أبا بكر وعمر) لم يكن منسجماً مع ما كان يهدف إليه النبي "صلى الله عليه وآله" من مشاورته لهم، بل كان مضاداً لما كان يرمي إليه "صلى الله عليه وآله"، ولو كان كلامهما لائقاً لذكره محبوهم من المؤرخين والرواة وما أكثرهم.
وأما مشورة المقداد، فكانت هي السليمة والمنسجمة مع المنطق، ومع الأهداف السامية التي كان يرمي إليها الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله". وذلك هو ما كان يتوقعه "صلى الله عليه وآله" ويرمي إلى الوصول إليه، والحصول عليه. ولذلك فقد استحق المقداد مدح النبي "صلى الله عليه وآله" ودعاءه له.
بل لقد ورد: أنه حين بلغ النبي "صلى الله عليه وآله" إقبال أبي سفيان شاور أصحابه، فتكلم أبو بكر، فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه([500]).
فإعراضه "صلى الله عليه وآله" عنهما ليس إلا لتخذيلهما عن النفير إلى حرب قريش، ومدحهم لها بأنها: ما ذلت منذ عزت، وما آمنت منذ كفرت الخ.. لا لأنه كان يريد من الأنصار أن يجيبوا وحسب. وإلا فلماذا سر من كلام المقداد، ودعا له، وهو من المهاجرين؟!
حتى لقد قال ابن مسعود عن موقف المقداد هذا: لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عدل به([501]).
وعن أبي أيوب، قال ـ في ضمن حديث له ـ : "فتمنينا معشر الأنصار لو أنا قلنا مثل ما قال المقداد أحب إلينا من مال عظيم" فأنزل الله عز وجل على رسوله: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}([502]).
أضف إلى ذلك كله: أن كلام رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان عاماً للجميع: للأنصار والمهاجرين على حد سواء، كما أن المهاجرين كانوا كالأنصار من حيث إنهم لم يبايعوه على الحرب.
5 ـ سر سروره ' بكلام سعد والمقداد:
وإن التأمل في كلام سعد بن معاذ والمقداد يفيد: أنهما لم يشيرا عليه لا بالحرب، ولا بالسلام؛ بل ما زادا على أن أظهرا التسليم والانقياد لأوامر النبي "صلى الله عليه وآله" ونواهيه، وما يقضيه في الأمور. إنهما لم يبديا رأياً، ولا قدما بين يديه أمراً. وهذا هو منتهى الإيمان، وغاية الإخلاص والتسليم، وقمة الوعي لموقعهما، ووظائفهما، وما ينبغي لهما.
فهما ما كانا يريان لنفسيهما قيمة في مقابل قضاء الله ورسوله على حد قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}([503]).
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهَِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}([504]). ولهذا الإيمان العميق، والتسليم المطلق، كان سرور رسول الله واستبشاره " سلام الله عليه وعلى آله الطاهرين".
6 ـ أين رأي علي ×؟!
ويلاحظ هنا: أننا لا نجد علياً في هذا المقام يبدي رأياً، ولا يبادر إلى موقف، أو مشورة، مع أنه رجل الحكمة، ومعدن العلم؛ فما هو السر في ذلك يا ترى؟!
ونقول في الجواب: إن موقف علي "عليه السلام" هو موقف نفس النبي "صلى الله عليه وآله". وقد وصفه الله سبحانه وتعالى في آية المباهلة بأنه نفس النبي، فقال: {فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ}([505]).
أضف إلى ذلك: أن علياً "عليه السلام" لم يكن ليتقدم بين يدي الله ورسوله في شيء وقد كان يرى أن من واجبه السكوت، والتسليم، والرضا بما قضاه الله ورسوله، ولا يجد في نفسه أي حرج من ذلك.
الحباب ذو الرأي:
ويروون: أن رسول الله "صلى الله عليه وآله" نزل أدنى ماء ببدر؛ فأشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء من القوم، ثم يصنع حوضاً للماء، ويغور سائر القلب؛ فيشرب المسلمون، ولا يشرب المشركون. ففعل الرسول "صلى الله عليه وآله" ذلك، ثم صوب رأي الحباب.
فسمي الحباب حينئذٍٍ: "الحباب ذو الرأي"([506]).
ولكن هذه الرواية لا تصح، وذلك:
أولاً: إنه قد دل الدليل على أن النبي "صلى الله عليه وآله" مصيب في كل ما يفعل ويرتتئي، ولا يصغى لما يقال من جواز الخطأ عليه في الأمور الدنيوية، فإنه مما يدفعه العقل والنقل. (وسيأتي البحث عن أن العصمة عن الخطأ والنسيان اختيارية عن قريب إن شاء الله تعالى).
وثانياً: إن العدوة القصوى التي أناخ بها المشركون كان فيها الماء، وكانت أرضاً لا بأس بها. ولا ماء بالعدوة الدنيا، وهي خبار([507]) تسوخ فيها الأرجل([508]).
وثالثاً: إن المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر كما سيأتي؛ ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه، ويتركوا الماء لغيرهم.
ورابعاً: إن ابن إسحاق ينص على أن المشركين وردوا الحوض، فأمر النبي "صلى الله عليه وآله" أن لا يعترضوهم([509]). وقد فعل أمير المؤمنين علي "عليه السلام" في صفين مثل ذلك؛ حيث أباح الماء لأعدائه القاسطين، مع أنهم كانوا قد منعوه إياه أولاً([510]).
ومن الواضح: أن منعهم من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيه الأعظم "صلى الله عليه وآله".
فالصحيح هو الرواية التي تقول: إن المسلمين لم يكونوا على الماء، فأرسل الله السماء عليهم ليلاً حتى سال الوادي، فاتخذوا الحياض، وشربوا وسقوا الركائب، واغتسلوا وملأوا الأسقية([511]) كما أشار إليه تعالى، حين قال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([512]).
وذلك هو سر بناء الحوض، وليس ما ذكروه.
عدة وعدد المسلمين والمشركين:
وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد خرج في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، عدد أصحاب طالوت (وقيل: أكثر، وأقل) والأول هو قول عامة السلف([513]).
وكان معهم من الإبل سبعون بعيراً يتعاقبون عليها، الاثنان والثلاثة؛ فكان النبي "صلى الله عليه وآله"، وعلي "عليه السلام"، ومرثد بن أبي مرثد، وقيل: زيد بن حارثة، يعتقبون بعيراً.
وكان معه من الخيل: فرس للمقداد قطعاً بإجماع المؤرخين.
قيل: فقط([514]).
وروي ذلك عن أمير المؤمنين "عليه السلام"([515]).
وقيل: وفرس للزبير، أو لمرثد، أو هما معاً.
ومعهم من السلاح ستة أدرع، وثمانية سيوف([516]).
ومعه من المهاجرين، قيل: أربعة وستون، وقيل: سبعون، وقيل: ستة وسبعون أو سبعة وسبعون، وقيل: ثمانون، وقيل: مئتان وسبعون من الأنصار، وبقيتهم من سائر الناس، وقيل غير ذلك([517]).
والذين من الخزرج كانوا مئة وسبعين. وفي عدد الخزرج اختلاف أيضاً.
أما المشركون، فخرجوا وهم يشربون الخمور، ومعهم القيان، يضربن بالدفوف، وقد أرجعوهن من الطريق.
وكان معهم سبعمائة بعير([518]).
ومن الخيل، قيل: أربعمائة([519])، وقيل: مئتان، وقيل: مئة فرس([520])، وقيل غير ذلك. وكلهم دارع. ومجموع الدارعين فيهم ستمائة([521]).
وكان يتبرع بالإطعام رجل منهم كل يوم، فينحرون لهم تسعاً، أو عشراً من الإبل، فكان المطعمون اثني عشر رجلاً، منهم: عتبة، وشيبة، والعباس، وأبو جهل، وحكيم بن حزام؛ الذي أصبح فيما بعد من المؤلفة قلوبهم، كما هو معروف.
المشركون يدركون بغيهم وعدوانهم:
والتقى بعض المسلمين ببعض عبيد قريش على ماء بدر، فأخذوهم، وسألوهم عن العير، فأنكروا معرفتها، فضربوهم ورسول الله "صلى الله عليه وآله" يصلي، فانفتل من صلاته، وقال: إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم؟
ثم سألهم عن عدة قريش، فقالوا: لا علم لهم بعددهم.
فقال "صلى الله عليه وآله": كم ينحرون كل يوم من جزور؟
قالوا: تسعة إلى عشرة.
فقال "صلى الله عليه وآله": القوم تسعمائة إلى ألف رجل([522]) (وقيل: أكثر، حتى لقد قال البعض: إنهم كانوا ثلاثة آلاف رجل، وهو بعيد).
فأمر بهم "صلى الله عليه وآله"، فحسبوا، فعلم مشركو قريش، ففزعوا، وندموا على مسيرهم، حيث إنهم بعد أن علموا بنجاة العير أصروا على المجيء إلى بدر لتهابهم العرب، كما تقدم.
وقد اعترف عتبة بن ربيعة، الذي كان ولده أبو حذيفة مع النبي "صلى الله عليه وآله": بأن مسيرهم بعد نجاة عيرهم كان بغياً منهم وعدواناً. وبذلت محاولة للاتفاق على الرجوع، لكن أبا جهل أبى ذلك، وقال:
"لا، واللات والعزى، حتى نقحم عليهم بيثرب، ونأخذهم أسارى، فندخلهم مكة، وتتسامع العرب بذلك، ولا يقوم بيننا وبين متجرنا أحد نكرهه"([523]).
ورجع بنو زهرة حينئذٍ بإشارة الأخنس بن شريق، كما تقدم.
مواقع الجيشين:
وسبق المشركون إلى بدر، فنزلوا في العدوة القصوى، في جانب الوادي مما يلي مكة، حيث الماء، وكانت العير خلف المشركين([524]).
قال تعالى: {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}([525]). ومحل نزولهم كان صلباً. ونزل المسلمون في العدوة الدنيا، أي جانب الوادي مما يلي المدينة، حيث لا ماء، وحيث الأرض رخوة، لا تستقر عليها قدم؛ مما يعني أن منزل المسلمين كان من وجهة نظر عسكرية غير مناسب.
ولكن الله أيد عباده ونصرهم على عدوهم، وجاء المطر ليلاً على المشركين، فأوحلت أرضهم، وعلى المسلمين؛ فلبدها، وجعلها صلبة، وجعلوا الماء في الحياض([526]).
معنويات المسلمين والعنايات الربانية:
ولما بلغ المسلمين كثرة المشركين، خافوا، وتضرعوا إلى الله.
وعن أبي جعفر الباقر "عليه السلام": لما نظر النبي "صلى الله عليه وآله" إلى كثرة المشركين، وقلة المسلمين، استقبل القبلة، وقال:
"اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"؛ فنزلت الآية: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ المَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}([527]).
فالإمداد بالملائكة إذاً، ليس إلا للتطمين، وإعطاء توهج روحي للمسلمين، الذين يحسون بالضعف، ويستغيثون ربهم، حسب مدلول الآية الشريفة.
ثم ألقى الله النعاس على المسلمين؛ فناموا، وقد ذكر الله سبحانه ذلك، وإرسال المطر عليهم؛ فقال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ}([528]).
نعم، لقد كان ذلك النعاس ضرورياً لفئة تواجه هذا الخطر الهائل، وهي تدرك أنها لا تملك من الإمكانات المادية شيئاً يذكر لدفعه.
نعم، لا بد من هذا النعاس؛ لئلا تستبد بهم الوساوس في هذا الليل البهيم، الذي تكبر فيه الأشياء وتتضخم، فكيف إذا كانت الاشياء كبيرة بطبيعتها؟
وقد كان هذا النعاس ضرورياً أيضاً ليحصل لهم الأمن والسكون: "أمنة" ولتقوى قلوبهم بالإيمان والسكينة، حتى لا يضعفوا عن مواجهة الخطر، وحتى يمكن لعقولهم وفكرهم أن يسيطر على طبيعة تصرفاتهم ومواقفهم، بدلاً من الضعف والانفعال، والتوتر. وبواسطة هذا النعاس وذلك المطر يربط الله على قلوبهم، حيث يطمئنون إلى أن الله ناظر إليهم، وإلى أن ألطافه وعناياته متوجهة نحوهم، فلا يهتمون بعد ذلك بالحوادث الكاسرة، ولا تهمهم الجيوش بكثرتها الكاثرة.
وفي مقابل ذلك، فقد ألقى الله تعالى في قلوب الذين كفروا الرعب، والخوف، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
وقد يقال: إن الله سبحانه قد أخبر في السور المكية، كسورة محمد "صلى الله عليه وآله" بعد ذكره الذين تحزبوا ضد أنبيائهم، وثمود، وفرعون، عن أن هناك حادثة شبيهة لما جرى لتلك الفئات، ستقع للمسلمين، فقال: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ}([529])، فكان ذلك وقعة بدر، كما قاله البعض.
أهداف الحرب:
والملاحظة الهامة هنا هي: أن النبي "صلى الله عليه وآله" يصرح بأن حرب بدر حرب مصيرية، وأن هدفه من هذه الحرب هو التمكين لعبادة الله تعالى، وليس عبادة الذات، أو المال، أو الجنس، أو الجاه، أو السلطان، ولا غير ذلك، ولا سيما إذا شعرت قريش بالضيق والذل والضعف، عن طريق جعلها في معاناة إقتصادية ونفسية، حينما تدرك: أن طريق قوافلها إلى الشام ولبلدان أخرى أصبح مهدداً، وهذا ما سوف يضعف من عزائم القرشيين، ويزلزل وجودهم، ويجعلهم في الموقف الأضعف.
أما هدف المشركين، فهم أنفسهم قد أفصحوا عنه، وهو أن تهابهم العرب، وأن لا يكون بينهم وبين متجرهم أحد يكرهونه.
وشتان ما بين الهدفين، وكذلك ما بين نتائج الحرب ـ كما سنرى ـ بالنسبة إلى الفريقين.
في المواجهة:
ولما أصبح رسول الله "صلى الله عليه وآله" عبأ أصحابه. وكانت رايته مع أمير المؤمنين "عليه السلام"([530]).
وكان "عليه السلام" صاحب لواء رسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر، وفي كل مشهد([531])، وسنثبت ذلك في غزوة أحد إن شاء الله تعالى.
فما يقال: من أنه كان لرسول الله "صلى الله عليه وآله" في بدر أكثر من لواء: مع مصعب بن عمير، أو الحباب بن المنذر، في غير محله، إلا أن يكون مرادهم: أن لواء المهاجرين كان مع مصعب، ولواء الأنصار كان مع الحباب، ونحو ذلك.
وأما تفريقهم بين الراية واللواء في محاولة لرفع التنافي، فهو أيضاً محاولة فاشلة؛ لأن كلاً منهما قد ورد أنه كان مختصاً بأمير المؤمنين "عليه السلام"، كما يتضح من مراجعة النصوص في المصادر المشار إليها في الهامش([532]).
وسيأتي مزيد من التوضيح لذلك في واقعة أحد إن شاء الله تعالى.
أضف إلى ذلك: أن ابن سعد وابن إسحاق قد ذكرا: أن الراية قد اتخذت بعد وقعة بدر، وبالذات في وقعة خيبر([533]).
هذا لو سلم وجود اختلاف بين اللواء والراية، وإلا فقد نص جماعة من أهل اللغة على ترادفهما([534]).
هدوء ما قبل العاصفة:
وبعد أن عبأ النبي "صلى الله عليه وآله" أصحابه، قال لهم: غضوا أبصاركم، ولا تبدؤوهم بالقتال، ولا يتكلمن أحد([535]).
وسكت المسلمون، وغضوا أبصارهم، امتثالاً لأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" فأثر هذا الموقف في قريش بشكل واضح، حتى إن أحدهم حين جال بفرسه حول المسلمين؛ ليعرف إن كان لهم مدد، أو كمين، رجع للمشركين، وقال: "ما لهم كمين، ولا مدد. ولكن نواضح يثرب حملت الموت الناقع. أما ترونهم خرساً لا يتكلمون؟ يتلمظون تلمظ الأفاعي، ما لهم ملجأ إلا سيوفهم؟! وما أراهم يولون حتى يُقتلوا، ولا يُقتلون حتى يُقتل بعددهم".
فشتمه أبو جهل؛ لأنه رآه يجبن أصحابه.
وقال أبو جهل يشجع أصحابه مشيراً إلى قلة عدد المسلمين: "ما هم إلا أكلة رأس، لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم أخذاً باليد".
وأرسل رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المشركين يقول لهم: "معاشر قريش، إني أكره أن أبدأكم بقتال، فخلوني والعرب وارجعوا؛ فإن أك صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً، وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري".
ويقال: إن عتبة بن ربيعة رجح للمشركين قبول ذلك، فرماه أبو جهل بالجبن، وأنه انتفخ سحره([536]) لما رأى محمداً وأصحابه، وأنه خاف على ابنه أبي حذيفة الذي هو مع محمد.
فلما بلغ عتبة قول أبي جهل، قال: سيعلم مصفر أسته([537]) من انتفح سحره: أنا، أم هو؟ وتحمس لذلك، ولبس درعه، هو وأخوه شيبة وولده الوليد وتقدموا يطلبون البراز.
ونحن هنا نشير إلى الأمور التالية:
ألف: سر رعب المشركين:
إن المشركين كانوا يدركون مدى تصميم المسلمين على الحرب، وأنهم على استعداد لأن يموتوا جميعاً، بعد أن يقتلوا بعددهم على الأقل في سبيل دينهم وعقيدتهم.
وهذا من شأنه أن يبعث الرعب في قلوب المشركين، الذين يقاتلون من أجل البقاء في هذه الدنيا، والتمتع بلذاتها وخيراتها حسب زعمهم.
وإذا كان المسلمون ساكتين واجمين، فإن ذلك يزيد الجو رهبة، ويؤكد ويزيد الخوف والرعب في قلوب المشركين، الذين سوف تزيد حيرتهم حيث لا شيء يشير إلى طبيعة الحرب التي سوف يخوضونها، ومستواها، والاتجاه والطابع الذي سوف يعطونها إياه.
وأما قول أبي جهل عن المسلمين: ما هم إلا أكلة رأس الخ.. فهو لا يدل على عدم الرعب لدى المشركين، لأنه لم يقل ذلك إلا على سبيل التشجيع لأصحابه. ولا سيما بعد أن رأى ترددهم وجبنهم عن المواجهة.
أضف إلى ذلك: أننا لا بد أن نتذكر هنا: أنه تعالى في بعض مراحل المواجهة قد قلل المشركين في أعين المسلمين، وقلل المسلمين في أعين المشركين؛ ليقضي أمراً كان مفعولاً، ولسوف يأتي الكلام في هذا في أواخر الفصل التالي إن شاء الله تعالى.
ب: نظرة في عروض النبي ' على المشركين:
لقد حاول النبي "صلى الله عليه وآله" أن يكلم المشركين من الزاوية التي ينظرون منها، وتتلاءم وتنسجم مع فكرهم ومنطقهم، وتتلاقى مع مصالحهم التي يدعون أنهم جاؤوا يحاربون من أجلها. وذلك حينما قال لهم: "فإن أك صادقاً فأنتم أعلى بي عيناً". فإن هذا ينسجم مع حبهم للرياسة والزعامة، الذي كان من القوة والطغيان فيهم بحيث جعلهم يؤثرون تلك الرئاسات والزعامات على كل علاقاتهم النسبية والقبلية، ويحاربون قومهم، وحتى آباءهم وأبناءهم في سبيلها.
ثم هو يقول لهم: "وإن أك كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمري". وهذا ينسجم أيضاً مع محبتهم للسلامة والحياة، ومع مصالحهم الإقتصادية.
وذلك يعوض ما يرونه في رجوعهم عن حربه من تنازل، واعتراف بقوته وشوكته.
مع إمكان تلافيهم ذلك بإظهار بعض الأعذار التي تحفظ لهم ماء الوجه بحسب نظرهم.
ولكن طغيان قريش، وغطرستها يأبيان عليها الانصياع للمنطق الواعي، والرأي السليم، فتصر على الحرب والقتال، ومواجهة نتائجها الساحقة لها ولكبريائها الزائف، وصلفها الأحمق والمقيت.
ج: النبي ' لا يبدأ القتال:
ثم إننا نجد: أن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يبدأ القتال، ويأمر المسلمين أن لا يبدأوا به، ويحاول أن يعطي الطرف الآخر الفرصة، ويقدم له خيارات كلها فيها مخرج مشرف له؛ فإذا أبى ذلك، وطغى وبغى، واعتدى على المسلمين، فإن من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم، وأن يردوا كيد المعتدي، من كان، ومهما كان.
وهكذا كان أمير المؤمنين "عليه السلام" مع أعدائه، سواء في حياة النبي "صلى الله عليه وآله"، أو بعد وفاته. ثم كان هو حال الحسين عليه السلام مع جيش يزيد "لعنه الله"، بل إن ذلك كان هو شعار شيعة أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم، اقتداء بإمامهم، الذي يقتدي بالنبي الأعظم "صلى الله عليه وآله".
ولسوف تأتي الإشارة إلى ذلك حين الحديث حول خصائص الشيعة بعد الانتهاء من غزوة بدر مع أبحاث أخرى في فصل: "بحوث ليست غريبة عن السيرة" إن شاء الله تعالى. وقد تقدمت أيضاً إشارة إلى ذلك.
النبي ' في العريش:
ويقولون: إنهم صنعوا للنبي "صلى الله عليه وآله" عريشاً من جريد النخل فكان فيه وأبو بكر معه، وليس معه غيره.
ويدّعون أيضاً: أنه "صلى الله عليه وآله" قد وافق على أن يضعوا نجائب وركائب مهيأة عنده، فإن انتصر فهو المطلوب وإن كانت الأخرى ركب النجائب، ولحق بمن وراءهم من الصحابة في المدينة([538]).
ولكن ذلك لا يصح بأي وجه؛ فقد قال المعتزلي: "قلت: لأعجب من أمر العريش من أين كان لهم أو معهم من سعف النخل ما يبنون به عريشاً، وليس تلك الأرض ـ أعني أرض بدر ـ أرض نخل؟ والذي كان معهم من سعف النخل، يجري مجرى السلاح يسيرٌ جداً.
قيل: إنه كان بأيدي سبعة منهم سعاف عوض السيوف، والباقون كانوا بالسيوف والسهام والقسي. هذا قول شاذ، والصحيح أنه ما خلا أحد منهم عن سلاح. اللهم إلا أن يكون معهم سعفات يسيرة، وظلل عليها بثوب أو ستر، وإلا فلا أرى لبناء عريش من جريد النخل هناك وجهاً"([539]).
ونقول:
أولاً: إن ما ذكره من وجود السلاح مع المهاجرين لا يمكن قبوله.
فقد تقدمت النصوص التي تتحدث عن مستوى تسلحهم، وليس فيها ما ذكره المعتزلي. والظاهر هو أن عدداً منهم كان مسلحاً بالقسي، كما يدل عليه أمر النبي "صلى الله عليه وآله" لهم برمي المشركين بالنبل إذا أكثبوهم. ولعل بعضهم كان معه رماح، والبعض الآخر عصي، وفريق كان لديه سيف، أو حربة، وفريق آخر كان معه سعف النخل، يدفع بها عن نفسه، ويهاجم العدو بها إن وجد فرصة لذلك.
وثانياً: إن استدراكه الأخير في غير محله؛ فإن السعفات المظلل عليها بالثوب يقال لها: خيمة، وليس عريشاً، بل لا يقال لها خيمة أيضاً، كما يرى البعض. كما أن ما ذكره من عدتهم وسيوفهم محط نظر يعرف مما تقدم.
ونضيف نحن هنا:
أولاً: إن النبي "صلى الله عليه وآله" لا يمكن أن يفر من الزحف.
وثانياً: قوله "صلى الله عليه وآله": "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد" ـ وهو ما نقله مختلف المؤرخين ـ يكذب أن يكون "صلى الله عليه وآله" أراد الفرار على نجائبه، لو ربح المشركون هذه الحرب. إذ إن الله تعالى لا يمكن أن يعبد في الأرض حتى ولو رجع النبي "صلى الله عليه وآله" إلى أهل المدينة؛ فكيف يقول ذلك ثم يقدم على تصرف كهذا؟!
وثالثاً: لو أن النبي "صلى الله عليه وآله" خسر حرب بدر، فلن يتركه المشركون ينجو بنفسه منهم؛ ولن يعطوه الفرصة ليجمع لهم الجموع من جديد؟!. ولسوف لن يتركوا مهاجمة المدينة، والقضاء على مصدر متاعبهم فيها. وهم الآن بالقرب منها، ويعيشون نشوة النصر والظفر، ومعهم جيش على أحسن ما يرام في عدده وفي عدته.
ورابعاً: كيف يكون "صلى الله عليه وآله" قد اتخذ العريش مكاناً له، وحرسه الحراس فيه، وهم يقولون: إنه "صلى الله عليه وآله" رؤي يوم بدر في أثر المشركين مصلتاً السيف، يتلو قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}([540]).
ويقولون أيضاً: إنه قد اشترك في حرب بدر بنفسه، وقاتل بنفسه قتالاً شديداً([541]).
ومما يدل على اشتراكه في الحرب أيضاً، قولهم: كان ثمة يوم بدر رجال يقاتلون، واحد عن يمينه، وآخر عن شماله، وثالث أمامه، ورابع خلفه([542]).
ويروون عن علي "عليه السلام" أيضاً قوله: لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله "صلى الله عليه وآله"، فكان أشد الناس بأساً، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه([543]).
إذن، فلا بد أن نسأل: أين كان أبو بكر آنئذٍ؟ أمع النبي "صلى الله عليه وآله" في ساحة القتال؟ أم في العريش وحده، ليكون في موقع القائد والرئيس كما يريد الجاحظ أن يدَّعي حسبما سيأتي؟ وسوف تأتي بقية الحديث حول موضوع شجاعة أبي بكر، وحضوره في العريش في الفصل الذي يأتي بعد وقعة بدر إن شاء الله تعالى.
وخامساً: إنه إذا لم يكن معهم سوى فرس المقداد، فمن أين جاءت النجائب المعدة لفرار رسول الله "صلى الله عليه وآله"؟! ولماذا لم تشارك في الحرب، للدفاع عن الدين وعن المسلمين؟!.
إشـارة:
ولو فرض صحة الحديث المتقدم المروي عن علي "عليه السلام"، فلا بد أنه كان يتحدث عن غيره لا عن نفسه، لأن علياً لم يكن يخشى المشركين، ولم يكن ليحتاج إلى ملجأ يحميه منهم. كيف وهو الذي قتل أكثر من نصف قتلى المشركين في بدر؟ وشارك في النصف الآخر كما سنرى؟
ويكون قوله "عليه السلام" ذلك نظير أن يقول شخص مثلاً: إننا في بلادنا نأكل كذا، أو نلبس أو نصنع الشيء الفلاني. مع أن هذا القائل لم يأكل، أو لم يلبس، أو لم يصنع ذلك الشيء شخصياً أبداً.
المبـارزة:
وكان أول من برز للقتال عتبة، وشيبة، والوليد؛ فبرز إليهم ثلاثة من الأنصار، فقالوا لهم: ارجعوا؛ فإنا لسنا إياكم نريد، إنما نريد الأكفاء من قريش، فأرجعهم النبي "صلى الله عليه وآله"، وبدأ بأهل بيته؛ لأنه كره أن تكون البدأة بالأنصار([544])، وندب عبيدة بن الحارث، وحمزة، وعلياً، قائلاً: "قم يا عبيدة، قم يا عم، قم يا علي، فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم إلخ..".
فسأل عتبة عنهم، فأخبروه عن أنفسهم، وسأل شيبة عن حمزة، فقال له: أنا حمزة بن عبد المطلب، أسد الله وأسد رسوله.
فقال شيبة: قد لقيت أسد الحلفاء، فانظر كيف تكون صولتك يا أسد الله.
فقتل علي "عليه السلام" الوليد، وجاء فوجد حمزة معتنقاً شيبة، بعد أن تثلمت في أيديهما السيوف، فقال: يا عم طأطئ رأسك، وكان حمزة طويلاً، فأدخل رأسه في صدر شيبة؛ فاعترضه علي بالسيف فطير نصفه (أي نصف رأسه). وكان عتبة قد قطع رجل عبيدة، وفلق عبيدة هامته، فجاء علي فأجهز على عتبة أيضاً.
فيكون أمير المؤمنين "عليه السلام" قد شرك في قتل الثلاثة([545]).
ومما يدل على أنه شرك في قتلهم جميعاً، ما ورد في كتاب "المقنع" من أن هنداً قالت:
مـا كـان لي عـن عتبة مـن صـبر أبـي، وعمي، وشـقيـق صــدري
أخي الذي كـان كضوء الـبــدر بـهـم كسـرت يـا عـلي ظهـري([546])
وقال السيد الحميري رحمه الله في مدح أمير المؤمنين "عليه السلام":
ولـه ببـدر وقـعــة مـشـهــورة كـانـت عـلى أهـل الشقاء دمــار
فـأذاق شيبـة والـوليــد مـنـيـة إذ صـبـحــاه جـحـفــلاً جـرار
وأذاق عــتـبـة مثلها أهـوى لهـا عضـبـاً صـقـيـلاً مـرهفـاً بتارا([547])
ويدل على ذلك أيضاً: ما أجاب به بعض بني عامر حسان بن ثابت على أبيات له، يقول ذلك البعض:
بـبـدر خرجتـم للـبراز فـردكـم شيـوخ قـريـش جهـرة وتـأخـرو
فـلما أتــاهـم حمـزة، وعـبــيــدة وجــاء عـلي بـالمـهـنـد يـخــطـر
فقالوا: نعم، أكفاء صدق، فأقبلوا إليهــا ســراعــاً إذ بغـوا وتجبرو
فجـال علي جـولــة هــاشـمـيـة فـدمــرهــم لــما بغـوا وتكبروا([548])
وقد كتب "عليه السلام" في رسالة له لمعاوية: "فأنا أبو الحسن حقاً، قاتل جدك عتبة، وعمك شيبة، وخالك الوليد، وأخيك حنظلة، الذين سفك الله دماءهم على يدي في يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي"([549]).
بعد قتل الفرسان الثلاثة:
وحمل حمزة وعلي "عليه السلام" عبيدة بن الحارث، وأتيا به إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله"، فاستعبر؛ وقال: يا رسول الله، ألست شهيداً؟!
قال: بلى، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته "صلى الله عليه وآله"، وهكذا كان).
فقال عبيدة: أما لو كان عمك حياً لعلم أني أولى بما قال منه، قال: وأي أعمامي تعني؟
قال: أبو طالب، حيث يقول:
كـذبتـم وبيـت الله يـبــزى محمد ولمـا نـطــاعـن دونــه وننـاضـل
ونسـلـمـه حـتـى نـصــرع دونـه ونــذهـل عـن أبنـائنـا والحلائل
فقال "صلى الله عليه وآله": أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!.
قال: يا رسول الله، أسخطت علي في هذه الحالة؟
قال: ما سخطت عليك، ولكن ذكرت عمي، فانقبضت لذلك([550]).
وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها.
قالوا: ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ}([551]).
وفي البخاري: أن أبا ذر كان يقسم: أنها نزلت فيهم([552]).
ونزل في علي، وحمزة، وعبيدة أيضاً قوله تعالى: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}([553]).
وقيل: نزلت في علي وحده([554]).
وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين "عليه السلام"([555]) فراجع.
وبعد ما تقدم، فإننا نشير إلى الأمور التالية:
ألف: غضب النبي ' لأبي طالب:
إنه إذا كان الرسول "صلى الله عليه وآله" يغضب لذكر عمه، ولو بهذا النحو المهذب، والمحدود، فكيف إذاً يكون موقفه ممن يرمي أبا طالب بالشرك والكفر، ويعتبره مستحقاً للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟!
فهل تراه سوف يكون مسروراً ومرتاحاً لهذا الكلام، الذي لا سبب له إلا السياسة، وما أدراك ما السياسة؟!
ب: بدء النبي ' بأهل بيته ^:
وقد رأينا: أن النبي "صلى الله عليه وآله" هو الذي أرجع الثلاثة الذين هم من الأنصار، وأمر حمزة وعلياً وعبيدة بن الحارث بالخروج إلى ساحة القتال أولاً([556]) وهم من أهل بيته، وقد قال علي "عليه السلام" عن النبي "صلى الله عليه وآله":
"كان إذا حضر البأس، ودعيت نزال، قدم أهل بيته، فوقى بهم أصحابه، فقتل عبيدة يوم بدر، وحمزة يوم أحد، وجعفر يوم مؤتة الخ.."([557]).
ونقول:
إنه حين يبدأ الرسول "صلى الله عليه وآله" الحرب بأهل بيته فإنه يكون قد أثبت بالفعل لا بالقول فقط، للأنصار وللمهاجرين: أنه ليس فقط لا يريد أن يجعلهم وسيلة للوصول إلى أهدافه، ويدفع بهم الخطر عن نفسه وأهل بيته، وإنما ثمة هدف أسمى، لا بد أن يساهم الجميع في العمل من أجله وفي سبيله. وهو "صلى الله عليه وآله" شريك لهم في كل شيء، في السراء والضراء، والشدة والرخاء. وهو يضحي ويقدم قبل أن يطلب ذلك من غيره، بل هو يحاول أن يدفع عن غيره، ولو بأهل بيته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
وذلك هو ما يجب أن يكون المثل الأعلى لكل صاحب هدف، ولكل سياسي وقائد. فإن عليه أن يقدم هو أولاً التضحيات فإذا احتاج إلى معونة غيره، فإن طلبه منهم تكون له مبرراته، ويراه كل أحد: أنه صادق ومحق في طلبه ذاك. وليس له أبداً أن يجلس في برجه العاجي، ثم يصدر أوامره للآخرين، دون أن يرى نفسه مسؤولاً عن التحرك في اتجاه الهدف إلا في حدود الكلام وإصدار الأوامر، فإن الكلام لن يكون كافياً في تحقيق الأثر المطلوب في مجال التحرك نحو الهدف، مهما كان ذلك الهدف مقدساً، وسامياً.
ج: سخرية شيبة:
لقد رأينا كيف أن شيبة يسخر من كون حمزة أسد الله وأسد رسوله، ويعتز بكونه أسد الحلفاء؛ مع أن مقتضى الإنصاف والواقع هو عكس ذلك تماماً، فقد تقدمت الإشارة إلى بعض الأهداف الوضيعة، القائمة على أساس المنطق القبلي، والمنافع الخاصة، التي توخاها الحلفاء من حلفهم ثم هم يتوخونها من حرب بدر وغيرها..
وكلنا يعلم، وهم يعلمون: أن هدف الله ورسوله، وأسد الله من التضحيات على وجه الأرض ليس إلا إسعاد البشرية، ونجاة الإنسانية إن دنيا وإن آخرة.
د: الحق الذي جعله الله للمسلمين:
ثم ما هو هذا الحق الذي أشار إليه النبي "صلى الله عليه وآله" في قوله لعلي "عليه السلام"، وحمزة وعبيدة: "فاطلبوا بحقكم الذي جعله الله لكم"؟ أليس هو حق حرية الرأي والعقيدة، وحق الدفاع عن دين الله، وعن النفس، ورد البغي والعدوان؟ في مقابل القرشيين الذين عذبوهم، وأخرجوهم من ديارهم، وسلبوا أموالهم، بل وقتلوا منهم من قتلوا، وبغوا عليهم أقبح البغي؟!.
وخلاصة الأمر: أنهم يريدون أن يعيشوا أحراراً، وأن يدافعوا عن دين الله في مقابل من يريد الاستمرار في الانحراف والتعدي. وللمظلوم حق في أن يطالب بإنصافه من ظالمه، والباغي عليه، ولا سيما بعد أن عرض النبي "صلى الله عليه وآله" على قريش تلك الخيارات المتقدم ذكرها، فلم ترعو عن غيها. بل أرادت إطفاء نور الله، وأصرت على حرب المسلمين وإذلالهم، قال تعالى:
{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ}([558]).
المعركة في ضرامها:
ولما رأى أبو جهل مقتل عتبة وشيبة والوليد، حاول إنقاذ الموقف؛ فقال: لا تعجلوا، ولا تبطروا، كما بطر ابنا ربيعة. عليكم بأهل يثرب فاجزروهم جزراً، وعليكم بقريش، فخذوهم أخذاً، حتى ندخلهم مكة؛ فنعرفهم ضلالتهم التي هم عليها.
ويذكر ابن عباس، في قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى}([559]): أن النبي "صلى الله عليه وآله" ـ بأمر من جبرائيل ـ قال لعلي "عليه السلام": ناولني كفاً من حصباء، فناوله كفاً من حصباء (وفي رواية: عليه تراب) فرمى به في وجوه القوم؛ فما بقي أحد إلا امتلأت عينه من الحصى.
وفي رواية: وأفواههم، ومناخرهم، ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم، ويأسرونهم([560]). فابن عباس إنما يطبق الآية على هذا العمل الإعجازي.
الملائكة في بدر:
وقد أمد الله المسلمين بالملائكة لتثبيت قلوبهم، وفي كونهم حاربوا خلاف. وظاهر القرآن ربما لا يساعد عليه حيث يقول تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ}([561]).
ولكن ثمة آية أخرى تشير إلى اشتراكهم بالقتال، وهي قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَألْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}([562]).
هذا إذا كان قوله تعالى: {فَاضْرِبُواْ ..} خطاباً للملائكة، كما لعله الظاهر، وإن كان خطاباً للمقاتلين من الناس، فلا دلالة في الآية على ذلك أيضاً.
ومهما يكن من أمر، فإن الملائكة كانوا يتشبهون بأمير المؤمنين علي "عليه السلام"([563]).
ولربما كانوا هم الوسيلة لتكثير المسلمين في أعين المشركين أثناء القتال، كما قال تعالى: {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ}.
عائشة في حرب الجمل:
وبالمناسبة، فإن عائشة قالت في حرب الجمل: ناولوني كفاً من تراب، فناولوها؛ فحثت في وجوه أصحاب أمير المؤمنين، وقالت: شاهت الوجوه ـ كما فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" بأهل بدر ـ فقال أمير المؤمنين: "وما رميت إذ رميت ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالك عليك إن شاء الله"([564]).
كما أن عائشة قد نظرت إلى علي "عليه السلام" وهو يجول بين الصفوف في حرب الجمل، فقالت: انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله "صلى الله عليه وآله" يوم بدر، أما والله ما ينتظر بكم إلا زوال الشمس([565]).
وهكذا كان.. صدق أمير المؤمنين "صلوات الله وسلامه عليه".
الخزي والهزيمة:
وهزم الله المشركين شر هزيمة؛ وقتل أبو جهل. وكان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد أوعده أن يقتله الله بأضعف أصحابه، بل أخبر "صلى الله عليه وآله" بكل ما جرى في بدر قبل وقوعه([566]). فقتله رجل أنصاري، واحتز رأسه ابن مسعود.
وقيل: إنه وجده بآخر رمق، فأجهز عليه، ولكن الأقرب هو الأول، لأن سلبه أخذه غير ابن مسعود.
وكان أول من انهزم في بدر إبليس لعنه الله، فإنه كان قد تبدى للمشركين ـ كما جاء في الرواية ـ بصورة سراقة بن مالك المدلجي، من أشراف كنانة، حيث إن قريشاً كانت قد خافت من بني بكر بن عبد مناف، لدم بينهم؛ فتبدى لهم إبليس بصورة سراقة، وأعطاهم جواره؛ فلما رأى ما جرى للمشركين، ورأى الملائكة مع المسلمين نكص على عقبيه، فانهزم المشركون.
وقال المكيون: هزم سراقة؛ فقال سراقة: ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم؛ فلما أسلموا علموا أنه الشيطان.
وروي: أن أبا سفيان لما أبلغ العير إلى مكة رجع، ولحق بجيش قريش، فمضى معهم إلى بدر، فجرح يومئذٍ جراحات، وأفلت هارباً، ولحق بمكة راجلاً([567]).
الفصل الثاني:
نتائج الحرب
نتائج الحرب:
وقتل في بدر سبعون، وأسر مثلهم.
وقيل: قتل خمسة وأربعون، وأسر مثلهم.
ولعل منشأ هذا القول الأخير هو تسمية البعض لهذا المقدار من القتلى، أو أكثر؛ فتخيلوا: أن ذلك هو العدد النهائي، ولكن ذلك لا يدل إلا على أن من عرفه ذلك الناقل هو هؤلاء، لا على أن هؤلاء هم كل من قتل من المشركين.
واستشهد من المسلمين، قيل تسعة، وقيل أحد عشر، وقيل: أربعة عشر، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.
ولم يؤسر من المسلمين أحد، وغنموا من المشركين مئة وخمسين بعيراً، وعشرة أفراس، وعند ابن الأثير ثلاثين فرساً، ومتاعاً، وسلاحاً، وأنطاعاً، وثياباً، وأدماً كثيراً([568]).
بطولات علي ×:
وأكثر قتلى المشركين قتلوا على أيدي المهاجرين، وبالتحديد على يد أهل بيت النبي "صلى الله عليه وآله"، وبالذات على يد علي "عليه السلام".
وقد سماه الكفار يوم بدر بـ "الموت الأحمر" لعظم بلائه ونكايته([569]) وكيف لا ونحن نرى الشعبي يقول: "كان علي أشجع الناس، تقر له بذلك العرب"([570]).
وقد تقدم في الفصل السابق تحت عنوان: المبارزة، قول بعض بني عامر في جواب حسان، وقول هند في رثاء قتلاها.
وقال أسيد بن أبي إياس يحرض مشركي قريش على علي "عليه السلام":
في كـل مجمع غـايــة أخـــزاكـم جــذع أبــر عـلى المــذاكي القرح
الله دركـم ألـمَّــا تـنــكـــــروا قـد ينكر الحر الكـريـم ويستحي
هـذا ابـن فـاطـمـة الذي أفناكم ذبـحــاً وقتــلاً قعصـة لـم يذبح
أعطــوه خـرجــاً واتقوا تضريبه فعـل الـذليل وبيعـة لـم تـربــح
أيـن الـكهــول وأيـن كل دعامة في المعضـلات وأيـن زيـن الأبطح
أفنــاهـم قعصـاً وضربــاً يفتري بـالسيـف يعمـل حده لم يصفح([571])
وقال عبد الله بن رواحة:
ليهـن عليــاً يــوم بـدر حضـوره ومشهده بـالخـير ضـربـاً مرعبـل
وكـائـن لـه من مشهد غير خامـل يظـل لـه رأس الـكـمـي مجـدلا([572])
إلى آخر الأبيات.
ولماذا لا يسمى "عليه السلام" بالموت الأحمر؟ وهو الذي تقول في حقه بعض الروايات: إن جبرائيل قد نادى بين السماء والأرض في بدر:
لا فــتـــى إلا عـــلــــي لا سـيـف إلا ذو الـفـقـــار
ويقال: إن هذه المناداة كانت في أحد. وستأتي مع بعض الكلام حولها إن شاء الله.
وقد قتل "عليه السلام" من المشركين في بدر نصف السبعين، وشارك في قتل النصف الآخر([573]).
وقد عد الشيخ المفيد ستة وثلاثين بأسمائهم ممن قتلهم علي "عليه السلام"([574]).
وقال ابن إسحاق: أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي([575]).
وقال الطبرسي، والقمي: إنه قتل منهم سبعة وعشرين([576]).
وقال أسامة بن منقذ: قتل أربعة وعشرين سوى من شارك فيهم([577]).
وقال الشبلنجي: قال بعضهم: "إن أهل الغزوات أجمعت على أن جملة من قتل يوم بدر سبعون رجلاً، قتل علي منهم أحداً وعشرين نسمة باتفاق الناقلين، وأربعة شاركه فيهم غيره، وثمانية مختلف فيهم"([578]).
وعد الواقدي اثنين وعشرين؛ ثمانية عشر منهم قتلهم علي، وأربعة مختلف فيهم([579]).
وعد المعتزلي، وابن هشام (مع التلفيق بينهما) تسعة وعشرين قتلهم علي، أو شرك في قتلهم من أصل اثنين وخمسين([580]).
وهذا الاختلاف ليس ذا أهمية، فإن من يذكر هؤلاء أسماءهم إنما هم في حدود الخمسين، أو أقل، أو أكثر بقليل([581]).
فنجد علياً قد قتل من هؤلاء نصفهم أو أزيد. ولو أنهم اهتدوا إلى أسماء الباقين، لارتقى عدد من قتلهم علي "عليه السلام" إلى نصف السبعين، أو زاد، عدا من شرك في قتلهم.
نعم هذه هي الحقيقة، ولكن المؤرخين، الذين جاؤوا بعد هؤلاء قد ذكروا من عدهم هؤلاء في ضمن الخمسين، واعتبروهم جميع من قتل، مع أنهم بعض من قتل.
ويلاحظ: أن البعض يعرف ممن قتلهم علي "عليه السلام" أشخاصاً، لا يعرفهم البعض الآخر، وبالعكس. وذلك أيضاً يؤيد صحة ما ذكرناه وذكره الشيخ المفيد وغيره ويؤكده.
وعلى كل حال، فقد كان ممن قتلهم أمير المؤمنين "عليه السلام" في بدر: طعيمة بن عدي، وأبو حذيفة بن أبي سفيان، والعاص بن سعيد بن العاص، الذي أحجم الناس عنه، ونوفل بن خويلد، وكان من شياطين قريش، والعاص بن هشام بن المغيرة([582]).
رواية مكذوبة:
وزعم البعض أن عمر بن الخطاب هو الذي قتل العاص بن هشام بن المغيرة([583]).
ويروون: أن عمر قد قال لسعيد بن العاص: إنه ما قتل أباه، وإنما قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة([584]).
وهو كلام مشكوك فيه: فإن العاص هذا ليس خالاً لعمر؛ لأن حنتمة لم تكن بنت هشام بن المغيرة، وإنما هي بنت هاشم بن المغيرة، وقد غلط العلماء من قال: إنها بنت هشام([585]).
وقال ابن حزم: إن هاشماً لم يعقب سوى حنتمة([586]).
وقال ابن قتيبة: "وأم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، ابنة عم أبيه"([587]).
بل لقد قيل: إن حنتمة هي بنت سعيد بن المغيرة([588]).
واحتمال البعض أن يكون أراد: أنه قتل هذا الذي من قبيلة أمه، ويعد الناس كل أفراد قبيلة الأم أخوالاً، كما قال الشاعر:
ولــو أنــي بــلــيــت بهـاشمي خـؤولـتــه بــنــي عـبــد المـدان
هذا الاحتمال خلاف الظاهر المتبادر من كلمة "خالي" فإن إطلاق كلمة أخوال على القبيلة لا يلزم منه صحة أن يقول الشخص: فلان خالي، وهو ليس بخاله حقيقة، فيصح قولهم: بنو مخزوم أخوالنا، ولا يصح أن يقال: فلان المخزومي خالي، لأن هذا الثاني ينصرف إلى الخؤولة الحقيقية.
بل لقد أنكر البعض أن تكون حنتمة مخزومية أصلاً، وقالوا: إن هاشماً وجدها مرمية في الطريق، فأخذها، ورباها، ثم زوجها الخطاب، وإنما نسبت إلى هاشم بالتبني والتربية، كما هي عادة العرب([589]).
ما هو الصحيح إذاً؟!
ولعل الأقرب إلى الاعتبار، والمنسجم مع الوقائع، والأجواء السياسية، والأحداث، هو الرواية التي ذكرها المعتزلي، والشيخ المفيد، وملخصها:
أن عثمان بن عفان، وسعيد بن العاص، حضرا عند عمر أيام خلافته؛ فصار عثمان إلى مجلسه الذي يشتهيه، ومال سعيد إلى ناحية، فنظر إليه عمر وقال: ما لي أراك معرضاً؟
كأني قتلت أباك؟
إني لم أقتله، ولكن قتله أبو حسن.
وفي رواية المفيد، أنه قال: فلما رأيت ذلك (يعني هياجه للحرب) هبته، وزغت عنه، فقال: إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله، فوالله ما فارقت مكاني حتى قتله.
وكان علي "عليه السلام" حاضراً، فقال: اللهم غفراً، ذهب الشرك بما فيه، ومحا الإسلام ما تقدم؛ فما لك تهيج الناس علي؟!
فكف عمر.
فقال سعيد: أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب([590]).
فهذه الرواية التي تتضمن نجاة عمر على يد علي "عليه السلام"، ليس فيها: أنه قتل خاله العاص بن هشام، والذي لم يكن خالاً له ـ كما قلنا ـ أو على الأقل يشك كثيراً في هذه الخؤولة.
وفي هذه الرواية دلالات أخرى لا تخفى، ولا سيما في كلام علي "عليه السلام" وسعيد، فليتأمل المتأمل في ذلك.
إشـارة:
ويلاحظ: أن حرب بدر وأحد وغيرهما قد أثرت في قلوب القرشيين أثراً بعيداً حتى "قيل: كانت قريش وإذا رأت أمير المؤمنين في كتيبة تواصت خوفاً منه.
ونظر إليه رجل، وقد شق العسكر، فقال: قد علمت أن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي"([591]).
قتلى المشركين في القليب:
وأمر رسول الله "صلى الله عليه وآله" بالقليب أن تعور، ثم أمر بالقتلى، فطرحوا فيها. ثم نادى أهل القليب رجلاً رجلاً: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؛ فإني قد وجدت ما وعد ربي حقاً، بئس القوم كنتم لنبيكم، كذبتموني، وصدقني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، وقاتلتموني ونصرني الناس.
فقال عمر: يا رسول الله، أتنادي قوماً قد ماتوا؟
فقال "صلى الله عليه وآله": ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني([592]).
وقد أنكرت عائشة قول النبي "صلى الله عليه وآله": لقد سمعوا ما قلت.
وقالت: إنما قال: لقد علموا، واحتجت لذلك بقوله تعالى: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} الآية.
وبقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ}([593]).
وفي البخاري عن قتادة: إن الله رد إليهم أرواحهم فسمعوا؛ وبهذا أجاب البيهقي([594]).
ونقول: إنه لو ثبت ما ذكره قتادة وصح؛ فلا مانع من أن يكون معجزة لسيد المرسلين محمد "صلى الله عليه وآله الطاهرين".
وأجاب الحلبي: بأنه لا مانع من إبقاء السمع على حقيقته، لأنه إذا قوي تعلق أرواحهم بأجسادهم أمكنهم أن يسمعوا بحاسة سمعهم، لبقاء محل تلك الحاسة.
والسماع المنفي في الآيتين هو السماع النافع، وقد أشار السيوطي إلى ذلك فقال:
سـماع مـوتـى كــلام الله قــاطبـة جـاءت به عندنـا الآثار في الكتب
وآيـة الـنـفـي معناها سماع هـدى لا يـقـبـلـون ولا يصغـون للأدب
لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في عدم انتفاعهم بالإسلام النافع([595]).
مهجع سيد الشهداء:
ويقولون: إن مهجعاً (مولى لعمر) هو أول من خرج بعد أن اصطفت الصفوف، فقتل، فنقل بعض المشايخ: أنه أول من يدعى من شهداء هذه الأمة، وأن النبي "صلى الله عليه وآله" قال يومئذٍ: مهجع سيد الشهداء([596]). ولكن ذلك مشكوك فيه، إذ:
1 ـ لماذا كان مهجع أول من يدعى من شهداء هذه الأمة، ولماذا لا يكون ياسر والد عمار أو أمه سمية أول من يدعى من شهداء هذه الأمة؟! وهما أول من استشهد، وكان ذلك قبل بدر بسنوات عديدة.
ولماذا لا يكون عبيدة بن الحارث، الذي قتل في نفس واقعة بدر قبل مهجع، هو أول من يدعى منهم؟!.
2 ـ قولهم: إنه أول من خرج بعد أن اصطفت الصفوف، لا يمكن قبوله. فإن أول من خرج من المسلمين هم: علي، وحمزة، وعبيدة بن الحارث بن المطلب.
3 ـ وكيف يمكن الجمع بين كون مهجع هو سيد الشهداء، وبين روايتهم: أن حمزة هو سيد الشهداء([597]) كما سيأتي في غزوة أحد إن شاء الله؟.
ويقولون أيضاً: إن علياً "عليه السلام" قد ذكر ذلك في شعره، فقال:
محـمـد الـنـبـي أخـي وصهـري وحــمـزة سيـد الشهـداء عمـي([598])
وقال "عليه السلام": "ومنا سيد الشهداء حمزة"([599]).
4 ـ وكيف يجتمع قولهم: بأن أول قتيل من المسلمين هو مهجع، مع قولهم: إن أول قتيل من المسلمين هو عمير بن الحمام؟!([600]).
وحاول الحلبي الجمع: بأن عميراً أول قتيل من الأنصار، وذاك أول قتيل من المهاجرين.
ثم أجاب عن هذا: بأن أول قتيل من الأنصار هو حارثة بن قيس.
ثم رده بأن حارثة كان أول قتيل بسهم لم يدر راميه([601]).
ولكن من الواضح: أن ذلك ليس إلا تلاعباً بالألفاظ، فإنه إذا قيل: فلان أول قتيل من المسلمين، أو في بدر مثلاً، لا ينظر في ذلك إلى آلة قتله، أو إلى بلده، أو نسبه. وإلا لقال: أول قتيل من المهاجرين مثلاً، أو من الأنصار، أو بسهم، أو نحو ذلك، فإن هذا هو الأنسب والأوفق بمراده.
ولو صح كلام الحلبي؛ فيرد سؤال، وهو: لماذا يطلق على مهجع دون غيره ـ مثل عمير بن الحمام أو عبيدة، أو حارثة بن قيس ـ لقب سيد الشهداء؟!
وما هو وجه اختصاصه بهذا اللقب دون هؤلاء؟!
فهل لأنه كان قد عانى في سبيل الله ما لم يعان غيره؟!
أم لأنه كان يمتاز عنهم بفضائل أخلاقية ونفسانية؟!
أم لأنه كان مولى لعمر بن الخطاب؟!
وقد كان لا بد من أن تكون له فضيلة لم ينلها إلا سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب والحسين بن علي "عليه السلام"؟!
لا ندري ولعل الفطن الذكي يدري!!
ذو الشمالين:
واستشهد في بدر ذو الشمالين (سمي بذلك لأنه كان يعمل بيديه جميعاً) واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان([602]). وتذكر هنا قضية سهو النبي "صلى الله عليه وآله"، واعتراض ذي الشمالين عليه.
وحيث إن الكلام فيها يطول، فنحن نرجئ الكلام عنها إلى فصل: "بحوث ليست غريبة عن السيرة" فإلى هناك.
وقبل المضي في الحديث عن سائر ما يرتبط بواقعة بدر، نشير إلى الملاحظات التالية:
ألف: إهتمام علي × برسول الله ' في بدر:
عن علي "عليه السلام" قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" ما فعل.
قال: فجئت، فإذا هو ساجد يقول: يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال. ثم جئت، وهو ساجد يقول ذلك أيضاً. فذهبت إلى القتال. ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، حتى فتح الله عليه([603]).
ولا يعني ذلك: أنه "صلى الله عليه وآله" لم يشارك في القتال في بدر أصلاً، فلعله شارك فيه في مراحله الأولى، حيث لا بد من تشجيع المسلمين، وتقوية قلوبهم، حتى إذا تحقق له "صلى الله عليه وآله" هذا الهدف، انصرف إلى الابتهال والدعاء. ويلاحظ هنا:
1 ـ إن علياً "عليه السلام" يتعاهد النبي "صلى الله عليه وآله" باستمرار، ولا يغفل عنه لحظة واحدة، حتى في هذا الموقف، الذي تبلغ فيه القلوب الحناجر، وتزيغ الأبصار.
كما ويلاحظ: أنه "عليه السلام" كان في سائر المواطن والأحوال يتعاهد النبي "صلى الله عليه وآله"، ويأخذ على عاتقه عهدة حفظه وحراسته، فقد قال يحيى: حدثنا موسى بن سلمة، قال: سألت جعفر بن عبد الله بن الحسين عن أسطوان علي بن أبي طالب فقال: إن هذه المحرس كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلي القبر، مما يلي باب رسول الله "صلى الله عليه وآله" يحرس النبي "صلى الله عليه وآله"([604]).
وذكر السمهودي هذه الأسطوان في كتابه باسم "أسطوان المحرس"([605]).
2 ـ يلاحظ: مدى اهتمام الرسول "صلى الله عليه وآله" في هذه اللحظات الحرجة بالدعاء، والاتصال بالمبدأ الأعلى، مصدر القوة والفتح والظفر، يتصل به ليهب المسلمين اليقين، والصبر، وليشملهم بعناياته وألطافه، فبدون ذلك لا يمكن النصر، ولا قيمة للظفر.
3 ـ كما أننا نجد أمير المؤمنين "عليه السلام"، الذي كان أكثر الناس عناء في هذه الحرب، قد قتل نصف السبعين، وشارك في النصف الآخر، نجده يقول: "حتى فتح الله عليه" فهو ينسب الفتح والظفر إلى النبي الأعظم "صلى الله عليه وآله"، ولا يرى لنفسه، ولا لغيره أثراً يستحق الذكر في هذا المجال.
ب: الحرب مصيرية:
وواضح: أن كلاً من الفريقين كان يعتبر أن هذه الحرب مصيرية بالنسبة إليه، فالمسلمون وعلى رأسهم الرسول الأعظم "صلى الله عليه وآله" يعتبرون: أنهم لو غلبوا فلن يعبد الله في الأرض بعد. والمشركون أيضاً يريدون أن يأخذوا المهاجرين أخذاً، ليعرفوهم ضلالتهم؛ وأن يجزروا أهل يثرب جزراً، حتى لا يتجرؤوا على ممالأة عدو لهم أبداً، وكي لا يستطيع أحد أن يعترض طريق تجارتهم، وتهابهم العرب.
نعم هذا هو المهم لدى جماعة متهالكة على المال والجاه والدنيا. ولأجل ذلك بالذات آذوا النبي "صلى الله عليه وآله" ومن معه، وأخرجوهم، وحاربوهم، وهم أبناؤهم، وإخوانهم وآباؤهم، وذوو قرابتهم.
فالدنيا بالنسبة إليهم هي كل شيء، وليس قبلها ولا بعدها شيء. وهذا ما دفعهم لارتكاب تلك الجرائم والموبقات تجاه ذويهم: فمارسوا ضدهم مختلف أنواع التعذيب، والسخرية، ثم أخذ الأموال، والإخراج من الديار. ثم الحرب العوان لجز أصلهم واستئصال شأفتهم.
ج: الهزيمة، وعدم تكافؤ القوى، والإمداد بالملائكة:
قد يحدث أن يغلب جيش قليل العدد نسبياً جيشاً أكثر عدداً، وذلك حينما تكون ثمة امتيازات في هذه القلة تفقدها تلك الكثرة، كالتسلح، أو الانضباطية، أو البراعة، أو كونها تملك خطة حربية معينة.
ولكن الأمر كان بين المسلمين والمشركين بالعكس تماماً؛ فالتجربة الحربية، والكثرة، والسلاح، والعدة وغير ذلك قد كان في جانب المشركين، مع عدم وجود خطة حربية معينة، بحدودها وتفاصيلها لدى المسلمين. وإنما هم يواجهون حرباً فرضها عليهم عدوهم في الزمان والمكان الذي أراد. مع وجود امتيازات لصالح المشركين حتى في هذه الناحية أيضاً.
أما أسلوب الحرب، فلا جديد فيه، وإنما على كل من الفريقين أن يعتمد الأساليب المعروفة. وفي قريش بعض مشاهير فرسان العرب، الذين امتازوا في الحروب التقليدية بخبرتهم، وبعد صيتهم.
ولكن النتائج التي تمخضت عنها هذه الحرب، لا تتلاءم مع تلك العدة وذلك العدد، ولا مع الامتيازات التي كان يتمتع بها أحد الفريقين دون الآخر.
فقد كانت خسائر المشركين أضعاف خسائر المسلمين. إذ ما هو وجه النسبة بين ثمانية إلى أربعة عشر شهيداً من المسلمين، وبين سبعين قتيلاً وسبعين أسيراً من المشركين؟! مع أن كل الامتيازات كانت في جانب هؤلاء على أولئك.
نعم، ما هو السر، وما هو السبب ياترى؟!..
والجواب: أن الله سبحانه قد قال في كتابه المجيد: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً}([606]).
وقال تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ}([607]).
وقال: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}([608]).
وقال رسول الله "صلى الله عليه وآله": "نصرت بالرعب، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"([609]).
ونستنتج من ذلك: أنه قد كان ثمة ألطاف وعنايات، بل وخطة إلهية لإلقاء الحرب بين المسلمين، والمشركين، لتذهب هيبة قريش من نفوس الكثيرين ممن أسلموا، وإذا حارب المسلمون قريشاً، فلسوف يكونون على حرب غيرها أجرأ وأقدر.
وهذه الخطة تتلخص في:
1 ـ تقوية قلوب المسلمين بما في ذلك أسلوب التقليل والتكثير المشار إليه في الآيات الشريفة.
2 ـ ما أمدهم الله به من الملائكة.
3 ـ إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم.
بيان ذلك: أن هدف كل من المتحاربين هو الذي يعين نتيجة الحرب، ومصيرها، على صعيد الخسائر المادية والبشرية، وحتى على صعيد التأثير في حركة التاريخ، من جميع الجهات، وعلى مختلف المستويات.
وقد بينا مراراً وتكراراً: أن هدف المشركين من الحرب هو الحصول على الحياة التي يريدون، وعلى الامتيازات التي يتوقعون أن يجدوا فيها ما يحقق آمالهم العراض بالرفاهية والزعامة والسيادة.
وإذا كانوا يحاربون من أجل الحياة الدنيا؛ فكيف يمكن أن يضحوا بحياتهم؟ إن ذلك ليس إلا نقضاً للغرض، وتضييعاً للهدف.
ويدلنا على هذا المعنى، أنهم يذكرون: أنه لما رأى طليحة بن خويلد كثرة انهزام أصحابه قال: "ويحكم ما يهزمكم؟! قال رجل منهم: وأنا أحدثك ما يهزمنا: إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا لنأتي قوماً كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه"([610]).
ولما ولى الزبير يوم الجمل بلغ علياً فقال: "لو كان ابن صفية يعلم: أنه على حق ما ولى الخ.."([611]).
ويقول حميد الطوسي أحد أكابر قواد المأمون: "إننا قد آيسنا من الآخرة وإنما هي الدنيا؛ فلا نحتمل والله لأحد تنغيصها علينا"([612]).
أما هدف المسلمين أو بالأحرى بعضهم، وهم الذين جزروا قريشاً جزراً، كعلي وحمزة وأمثالهما ممن كان لهم نكاية في العدو؛ فقد كان هو الفوز الأخروي، ويعتبرون أنهم إنما يقدمون على إحدى الحسنيين: النصر وهو فوز أخروي ودنيوي، أو الشهادة، وهي فوز أيضاً حتى دنيوياً.
وإذا كانوا يعدون الموت فوزاً كالنصر العسكري، وإذا كانوا يعتبرون فرارهم خذلاناً، ووبالاً، ودماراً، وموتاً لهم، بل وشراً من الموت، حتى ولو أدى إلى حفظ حياتهم، وكانت في المستوى الأعلى من الرفاهية والراحة الجسدية والنعيم الدنيوي، لأنها سوف يعقبها الدمار في الآخرة والعذاب الأليم، إذا كانوا كذلك فإن حياتهم هذه تكون مرفوضة عندهم، ولا يريدونها؛ بل هم يكرهونها ويهربون منها أكثر مما يكره المشركون الموت، ويهربون منه وهو ما أشار إليه ذلك الرجل في جوابه لطليحة بن خويلد كما قد قدمنا.
ولما سمع عمير بن الحمام رسول الله "صلى الله عليه وآله" يعد من يستشهد بالجنة، وبيد عمير تمرات يأكلهن، قال: بخ بخ، ما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء، أو قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي، إنها لحياة طويلة. ثم رمى التمرات من يده، وقاتل حتى قتل([613]).
ومن هنا، فقد كان طعم الموت لدى أصحاب الحسين "عليه السلام" أحلى من العسل، بل وحتى الأمهات كن إذا علمن بأن ولدهن في الجنة لم يجدن ألم المصاب، بل وربما فرحن لاستشهاد ابنائهن. فحين قتل حارثة بن سراقة بسهم غرب، قالت أمه: "يا رسول الله، أخبرني عن حارثة؛ فإن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرين الله ما أصنع، يعني من النياح".
وفي رواية: وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء.
وفي رواية: لم أبك ولم أحزن، وإن يكن في النار بكيت ما عشت في الدنيا".
وفي رواية: أنه "صلى الله عليه وآله" لما أخبرها: أن ولدها في الجنان رجعت وهي تضحك، وتقول: بخ بخ يا حارث([614]).
كما أن عمير بن أبي وقاص الذي استشهد يوم بدر، حينما أراد "صلى الله عليه وآله" أن يخلفه بكى([615])، فأجازه، وأمثال ذلك كثير.
وتقول هند بنت عتبة لرملة بنت شيبة، وكانت من المهاجرات:
لحــى الـرحمـن صـابـئـة بـــوج ومـكــة، أو بــأطـراف الحـجون
تـديـن لـمـعـشر قـتـلوا أبـاهــا أقــتــل أبــيــك جاءك باليقين([616])
وأمثال ذلك كثير، لا مجال لتتبعه واستقصائه.
ومن كل ما قدمناه يتجلى مدى حرص هؤلاء على الموت أو النصر، وحرص أولئك على الحياة والسلامة، فالمسلمون يرون الموت انتقالا، والشهادة عطاء. وأولئك يرون الموت خسراناً، وفناء، ودماراً.
وقد تحدث الله عن بني إسرائيل الذين يهتمون بالدنيا وليس للآخرة مكان في تفكيرهم، وحتى في عقائدهم، فقال: {قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ الله خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ المَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمينَ، وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}([617]).
ولذلك احتاجت الحرب إلى: أن يريهم الله بادئ الأمر المسلمين قليلاً؛ ليتشجعوا على خوض غمار الحرب، براحة فكر، ولرفع مستوى احتمالات السلامة والبقاء. ولا أقل من أن يصمدوا ولا يفروا، ليقوم علي "عليه السلام" بإذلال فراعنة الشرك، وقتل أبطالهم، وأسر رجالهم؛ وفقاً لما جاء عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء: كلما حشوا ناراً للحرب أطفأها، ونجم قرن الضلال أو فغرت فاغرة من المشركين قذف بأخيه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويخمد لهبها بحده، مكدوداً في ذات الله الخ..([618]).
ثم وبعد نشوب الحرب كان لا بد أن يروا المسلمين كثيراً؛ فأمد الله المسلمين بالملائكة، وكثرهم بهم، وأمرهم بالحرب وبضرب الأعناق، وألقى في قلوب المشركين الرعب. وقد أخبر الله عن هذه المرحلة الأخيرة التي سوف تأتي بعد نشوب الحرب بقوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}([619]).
وواضح: أن القضاء على الجبان الخائف مهما كان قوياً أيسر، وأسهل من القضاء على الضعيف المقدام، الذي لا يبالي، أوقع على الموت أم وقع الموت عليه.
ومن هنا فقد كانت المعركة لصالح هؤلاء دون أولئك، الذين لا يمكنهم إلا أن يتجنبوا مواجهة الأبطال، وملاقاة الرجال.
فالمسلمون والمشركون أنفسهم كانوا على المشركين. وهذا ما يفسر قول أمير المؤمنين "عليه السلام": "ما لقيت رجلاً إلا أعانني على نفسه"([620]).
وكان لإمداد المسلمين بالملائكة ناحية أخرى لا بد من ملاحظتها، فإنه حين يكون من الممكن أن لا تكون درجة المعرفة واليقين قد بلغت لدى بعض المسلمين مستوياتها العالية، وحين يكون احتمال الانهيار لدى البعض، أو على الأقل أن يضعفوا عن مواجهة هذه النازلة، موجوداً، فإن الله يلطف بالمسلمين، ويمدهم بالملائكة، بشرى منه، وتثبيتاً، ويقلل المشركين في أعينهم في بادئ الأمر، ليتشجعوا على حربهم. إلى غير ذلك من أسباب النصر التي تفضل عليهم بها.
ومن هنا نعرف أيضاً: لماذا كان القتلى في جانب المشركين أضعاف الشهداء في جانب المسلمين، وأسر من المشركين سبعون، ولم يؤسر من المسلمين أحد. وهذه النتائج لا تختص ببدر، وإنما تشمل كل المعارك التي كانت بين الإيمان والكفر ـ وما حديث كربلاء عن أذهاننا ببعيد.
د: حقد قريش على الأنصار:
1 ـ لقد اتضح من كلمات أبي جهل المتقدمة: أن قريشاً كانت تتعمد إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الأنصار، حتى لقد أمر أبو جهل أصحابه بأن يجزروا أهل يثرب جزراً. ولكن موقفهم بالنسبة للقرشيين كان مختلفاً، فقد طلب أبو جهل: أن يأخذوهم أخذاً، ليدخلوهم مكة، ويعرفوهم ضلالتهم.
ولعل موقفهم هذا من القرشيين يرجع إلى رغبتهم في الحفاظ على علاقاتهم فيما بينهم، لأن كل قرشي من المسلمين له أقارب وعشيرة في مكة، ولن يرتاح هؤلاء لقتل أبنائهم، حتى وإن كانوا يخالفونهم في العقيدة والرأي.
وهذا هو المنطق القبلي الذي كان يسيطر على عقليات المشركين، ويحكم تصرفاتهم ومواقفهم حتى في هذه الظروف الدقيقة والحرجة بالذات.
وهو يريد في نفس الوقت أن يلقن الأنصار درساً، لكي لا يعودوا بعد الآن لمناصرة أعداء قريش، ومناوئيها..
2 ـ وحيث قد عرفنا: أن مراجل حقد قريش كانت في أشد الغليان على أهل يثرب، الذين آووا ونصروا، وقد عبر أبو جهل عن ذلك لسعد بن معاذ في فترة سابقة، وها هو يعود فيأمر بجزر أهل يثرب جزراً.
فإننا نلاحظ: أن هذا الحقد قد استمر عشرات السنين، وقد أكده وزاده حدة: معارضة الأنصار في الخلافة في قصة السقيفة، ثم كونهم إلى علي "عليه السلام" أميل منهم إلى غيره. وقد ناصروه في حروبه، التي تزعمت قريش الجانب الآخر منها([621]) حتى لقد قال معاوية في صفين لنعمان بن بشير، ومسلمة بن مخلد: "ولقد غمني ما لقيت من الأوس والخزرج، واضعي سيوفهم على عواتقهم، يدعون إلى النزال، حتى لقد جبنوا من أصحابي الشجاع. وحتى والله ما أسأل عن فارس من أهل الشام إلا قيل: قتله الأنصار، أما والله، لألقينهم بحدي وحديدي"([622]). إلى آخر الكلام.
ويقول النعمان بن بشير، في كلام له مع الأنصار: "ثم لم ينزل خطب قط إلا هونتم عليه المصيبة"([623]).
ثم كان موقف الأنصار تجاه شيخ بني أمية عثمان بن عفان، ومشاركتهم بشكل فعال في الثورة ضده، فزاد ذلك في حقد قريش عليهم وتمالئها ضدهم، حتى ليقول معاوية، وإن كان إظهار حزنه على عثمان إنما جاء لأهداف سياسية لا تخفى:
لا تحـسبـوا أننـي أنـسى مصيـبتـه وفي البلاد مـن الأنصـار من أحد([624])
وقد عمق معاوية هذا الحقد ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ثم جاء بعده يزيد فانتقم منهم في واقعة الحرة شر انتقام([625])، بعد أن قتل أهل بيت نبيهم في كربلاء.
وأخيراً، فقد روى أحمد حديث ابن عمر، الذي يقدم فيه أهل بدر من المهاجرين على أهل بدر من الأنصار([626]).
وقد تقدم جانب مما يتعلق بهذا الموضوع في فصل: سرايا وغزوات قبل بدر، حين الكلام عن سر إرسال المهاجرين في السرايا في أول الأمر؛ فلا غنى لمن أراد استكمال هذا البحث عن مراجعة ذلك الموضع.
3 ـ ومن الجهة الثانية، فإن قريشاً تريد أن تلقن الأنصار في حرب بدر درساً لن ينسوه، حتى لا يعودوا لمثلها من الممالأة لأعدائها، ويكفي الأنصار ذنباً بالنسبة لقريش أنهم مكنوا للمسلمين: أن يبلغوا هذا القدر من القدرة والشوكة، حتى لقد طلب أبو جهل ـ الذي كان يثق أولاً بالنصر ـ : أن لا يفلت من أيدي أهل مكة أحد من اليثربيين.
أضف إلى ذلك كله: أن أهل المدينة كانوا قحطانيين، أما أهل مكة فعدنانيون.
لماذا أهل البيت ^ أولاً؟!
ولعل كل ما قدمناه آنفاً وسواه هو السر في تقديمه "صلى الله عليه وآله" أهل بيته في الحرب؛ لتكون التضحيات منه، وفي نفسه، وأهل بيته أولاً. ولا ينسى التاريخ مواقف علي "عليه السلام"، ولا بطولات حمزة وجعفر وسواهما ممن أخلص لهذا الدين من خيرة الصحابة، فكان هؤلاء أعني علياً، وأهل بيته "عليه السلام" هم الدرع الواقي، وبهم حفظ الله الدين، وخفف بذلك من حقد قريش الذين كانوا في الغالب أعداء لهذا الدين وأهله على الأنصار، وذلك حفاظاً على مستقبل الأنصار، لأن أحقاد قريش عليهم وعلى الإسلام قد تركت في المستقبل أثرها المرير والبغيض.
ه : بدر وأثرها على علي × وأهل بيته ^:
ويلاحظ هنا: أن أكثر قتلى المشركين كانت نهايتهم على أيدي المهاجرين، ولا سيما أمير المؤمنين "عليه السلام"، وعمه حمزة.
فقد قدمنا: أن علياً "عليه السلام" قد قتل نصف السبعين، وشارك في النصف الآخر.
ومن هنا نجد قريشاً لم تستطع أن تحب علياً وأهل بيته، رغم أنها تتظاهر بالإسلام، وتحاول الحصول على الامتيازات عن طريقه، ورغم النصوص القرآنية والنبوية الآمرة بمحبتهم ومودتهم.
وقد أخرج الحاكم: أن العباس جاء إلى رسول الله "صلى الله عليه وآله" وهو مغضب، فقال "صلى الله عليه وآله": ما شأنك؟
فقال: يا رسول الله، ما لنا ولقريش؟
فقال: ما لك ولهم؟
قال: يلقى بعضهم بعضاً بوجوه مشرقة، فإذا لقونا لقونا بغير ذلك.
قال: فغضب رسول الله "صلى الله عليه وآله" حتى استدر عرق بين عينيه، فلما أسفر عنه، قال: والذي نفس محمد بيده، لا يدخل قلب امرء الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله إلخ([627]).
ولقد شكى أمير المؤمنين "عليه السلام" من قريش: أنهم قطعوا رحمه ومالأوا عليه عدوه([628]) ـ كما سنشير إليه في واقعة أحد إن شاء الله تعالى ـ .
وعن ابن عباس: قال عثمان لعلي:
"ما ذنبي إذا لم تحبك قريش، وقد قتلت منهم سبعين رجلاً، كأن وجوههم سيوف (أو شنوف) الذهب"([629]).
هذا وقد ظل الأحلاف يتحينون الفرص للأخذ بثارات بدر وأحد، وغيرهما. وقد فشلوا في حرب الجمل وصفين، إلى أن سنحت لهم الفرصة ـ بزعمهم ـ في واقعة كربلاء المشهورة، ثم ما أعقبها من ظلم واضطهاد لأهل البيت وشيعتهم.
ونجد أن يزيد الطاغية لم يستطع أن يخفي دوافعه وكفره، وأنه يريد الثأر لأشياخه في بدر، فتمثل بأبيات ابن الزبعرى؛ وأضاف إليها إنكاره الوحي والنبوة فقال وهو ينكت ثنايا سيد شباب أهل الجنة بالقضيب:
ليـت أشيـاخـي ببـدر شـهــدوا جـزع الخـزرج مـن وقـع الأسـل
لأهـلـوا واستهـلــوا فــرحـــاً ثـم قـالــوا: يــا يــزيـد لا تشـل
قـد قتلنـا القرم مـن أشيـاخهـم وعـدلـنــاه بـبــدر فــاعـتــدل
لعـبـت هـاشـم بـالمـلـك فــلا خـبـر جــاء ولا وحــي نــــزل
لست مـن خندف إن لـم أنتقـم مــن بــنـي أحمـد مـا كان فعل([630])
وليراجع ما قاله قتادة لخالد القسري حول بدر([631]). وقتادة من أكابر محدثي البصرة، وهو مشهور ومعروف.
الشهداء من الأنصار:
ومع أن المهاجرين كانوا يمثلون خمس أو ربع الجيش الإسلامي في بدر، إلا أن الشهداء من المهاجرين كانوا بالنسبة إلى شهداء الأنصار بنسبة واحد إلى أقل من اثنين أو ثلاثة على اختلاف النقل، مع أن الأمر كان يجب أن يكون أكثر من ذلك بكثير إذا لوحظت الكمية العددية.
كلام للعلامة الطباطبائي & حول آية التخفيف:
وللعلامة الطباطبائي "رحمه الله" كلام هام يرتبط فيما نحن فيه، لا بأس بإيراد موجز عنه، وهو:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ، الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ، مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}([632]).
فعلل تعالى غلبة العشرين على المئتين بأن المئتين لا يفقهون، والعشرون يفقهون.
وذلك لأن المؤمنين إنما يقدمون عن إيمان بالله تعالى، وهذا الإيمان قوة لا تدانيها قوة؛ لأنه قائم على الفقه الصحيح، الموجب لتحليهم بكل السجايا الفاضلة، كالشجاعة، والشهامة، والجرأة، والاستقامة، والوقار، والطمأنينة، والثقة به تعالى، واليقين بأنه مقدم على إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وبأن الموت ليس فناء كما يعتقد الكفار، وإنما هو السعادة، والانتقال إلى دار البقاء.
أما الكفار: فيعتمدون على تسويل الشيطان، وهوى النفس. ولا تثبت النفس على هواها إلى حد تقبل الموت إلا فيما ندر.
ففقه المؤمنين، ومعه العلم والإيمان، هو السر في انتصارهم في بدر، وجهل الكفار ومعه الكفر والهوى هو الموجب لانهزامهم.
وأما بعد ذلك، وحيث زاد عدد المسلمين؛ فقد ضعفوا في القوة الروحية، بسبب قلة نسبة الفقه المشار إليه في الآية الأولى بقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ}([633]) وقلة الصبر المشار إليه في الآية الثانية بقوله تعالى: {وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}([634]).
وسبب هذا الضعف هو: أن كل جماعة أو فئة تسعى للوصول إلى هدف حيوي: دنيوياً كان أو دينياً.
فإنها في بادئ الأمر تشعر بالموانع، وتواجه المحن التي ترى أنها تتهدد وجودها وبنيتها، فتستيقظ هممها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها، ويهون عليها بذل أنفسها وأموالها في سبيله.
فإذا جاهدت وتقدمت نحو غاياتها، وصفا لها الجو بعض الصفاء، وكثر جمعها، فإنها تبدأ بالاستفادة من نتائج تضحياتها، وتتنعم وترتاح وتطمئن لجني ثمرات ما بذلته وقدمته.
وتبدأ قواها الروحية المحركة بالخمود.
وواضح: أنه مهما قلت أفراد تلك الجماعة، أو ذلك المجتمع، فإنهم ولا شك يكونون متفاوتين في درجات إيمانهم بهدفهم، وفي مستوى تفكيرهم ووعيهم، وفي سجاياهم بشكل عام.
وكلما كثر أفرادها كلما زاد فيهم ضعفاء الإيمان والمنافقون، والذين في قلوبهم مرض، ويتدنى مستوى القوى الروحية في متوسط الأفراد عموماً.
وقد أثبتت التجربة أنه كلما قلت أفراد الجماعة، وقوي خصومها ومنافسوها؛ وأحاطت بها المحن والفتن، فإنها تكون أكثر نشاطاً في العمل، وأحد في الأثر.
وكلما كثر أفرادها، فإنها تصير أكثر خموداً، وأقل تيقظاً، وأسفه حلماً.
وغزوات النبي "صلى الله عليه وآله" خير شاهد على ما نقول. فليقارن بين عدة وعدد، وظروف، وحالة المسلمين في غزوة بدر، وبين عدتهم وعددهم، وظروفهم في غيرها، وليقارن بين نتائجها، ونتائج غيرها، كأحد، والخندق، وخيبر، وحنين، وهي أقساها، حتى لقد قال تعالى:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} الآيات([635]).
وهكذا يتضح مفاد الآيات التي نحن بصددها، ولربما تشير إلى ذلك أيضاً الآية الثالثة المتقدمة، التي أشارت إلى أنهم رغبوا في الأسرى؛ لأنهم يريدون عرض الدنيا.
وإذا كانت الآيتان الأوليان متضمنتين لبيان طبع القوى الروحية في زمانين مختلفين، فلا مانع من نزول الآيتين دفعة واحدة، فإن وجود حكمين مختلفين في زمانين لا يوجب نزول الآية المتضمنة لأحدهما في زمان والمتضمنة للآخر في زمان آخر إذا كان ذلك الحكم حكماً طبعياً وليس حكماً تكليفياً.
ثم ذكر أيده الله: أن ظاهر التعليل في الآية الأولى بالفقه، وفي الثانية بالصبر مع كون المقاتل مؤمناً في الآيتين، يدل على أن الصبر يرجح الواحد في قوة الروح على مثليه، والفقه يرجحه على خمسة أمثاله، فإذا اجتمعا في واحد ترجح على عشرة أمثال نفسه([636]) والصبر لا يفارق الفقه، وإن جاز العكس([637]).
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الثاني: قضايا وأحداث غير عسكرية ...................... 5 ـ 24
الباب الثاني: أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة
الفصل الأول: التاريخ الهجري أولاً ............................ 29 ـ 74
الفصل الثاني: بناء مسجد المدينة ............................... 75 ـ 96
الفصل الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار .............. 97 ـ 124
الفصل الرابع: أسس العلاقات في المجتمع الجديد ........... 125 ـ 144
الباب الثالث: تشريعات وأحكام
الفصل الأول: الأذان ....................................... 147 ـ 182
الفصل الثاني: تشريع بعض الأحكام ........................ 183 ـ 204
الفصل الثالث: الجهاد في الإسلام ........................... 205 ـ 220
الفصل الرابع: سرايا وغزوات قبل بدر ..................... 221 ـ 262
القسم الخامس: حتى أحد
الباب الأول: معركة بدر
الفصل الأول: في أجواء القتال ............................. 267 ـ 320
الفصل الثاني: نتائج الحرب ................................. 321 ـ 354
الفهارس .................................................. 355 ـ 367
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1;عنوان 7;1;عنوان 8;1;عنوان 9;1;عنوان7 Char Char Char Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char Char Char Char;1;عنوان4 Char Char Char Char Char;1;عنوان6 Char Char Char;1;عنوان6;1;عنوان4 Char Char Char Char;1"
الفصل الثاني: قضايا وأحداث غير عسكرية
عودة بعض المهاجرين من الحبشة:........................................... PAGEREF _Toc99363852 \h 7
عائشة في بيت النبي ':......................................................... PAGEREF _Toc99363853 \h 9
مراسم الزفاف:.................................................................... PAGEREF _Toc99363854 \h 9
استدلال طريف:................................................................ PAGEREF _Toc99363855 \h 10
فاتحة عهد جديد:................................................................ PAGEREF _Toc99363856 \h 11
آية الصلح بين المؤمنين:...................................................... PAGEREF _Toc99363857 \h 11
إسلام سلمان المحمدي:........................................................ PAGEREF _Toc99363858 \h 14
بئر رومة في صدقات عثمان:............................................... PAGEREF _Toc99363859 \h 16
بئر أريس:........................................................................ PAGEREF _Toc99363860 \h 21
حقيقة القضية:................................................................... PAGEREF _Toc99363861 \h 21
تأبير النخل:...................................................................... PAGEREF _Toc99363862 \h 22
الباب الثاني: أعمال تأسيسية في مطلع الهجرة
بـدايـة:............................................................................. PAGEREF _Toc99363869 \h 27
الفصل الأول: التاريخ الهجري أول
التاريخ الهجري:................................................................ PAGEREF _Toc99363872 \h 31
من هو أول من أرخ بالهجرة النبوية؟....................................... PAGEREF _Toc99363873 \h 32
الحكاية كما يرويها المؤرخون:.............................................. PAGEREF _Toc99363874 \h 33
الرأي الأمثل:.................................................................... PAGEREF _Toc99363875 \h 36
من المشير بمحرم؟!:........................................................... PAGEREF _Toc99363876 \h 37
الموافقون على هذا الرأي:.................................................... PAGEREF _Toc99363877 \h 41
كلام السهيلي:.................................................................... PAGEREF _Toc99363878 \h 43
ما نستند إليه:..................................................................... PAGEREF _Toc99363879 \h 46
عود على بدء:................................................................... PAGEREF _Toc99363880 \h 67
والتاريخ المسيحي إذاً لماذا؟:................................................. PAGEREF _Toc99363881 \h 69
دعوة مخلصة:................................................................... PAGEREF _Toc99363882 \h 72
الفصل الثاني: بناء مسجد المدينة
بناء المسجد:..................................................................... PAGEREF _Toc99363885 \h 77
أ ـ أبو بكر والعشرة دنانير:......................................... PAGEREF _Toc99363886 \h 78
ب ـ أحجار الخلافة:.................................................. PAGEREF _Toc99363887 \h 79
تحريف في مستدرك الحاكم:............................. PAGEREF _Toc99363888 \h 82
ج: عثمان وعمار:.................................................... PAGEREF _Toc99363889 \h 82
ألم يكن عثمان في الحبشة؟!.................................................. PAGEREF _Toc99363890 \h 84
سر انتصار النبي ' لعمار:................................................... PAGEREF _Toc99363891 \h 87
لماذا المسجد أولاً:............................................................... PAGEREF _Toc99363892 \h 88
مشاركة النساء في بناء المسجد:............................................. PAGEREF _Toc99363893 \h 92
مشاركة النبي ' في بناء المسجد:........................................... PAGEREF _Toc99363894 \h 93
جماعة خاصة بالنساء:........................................................ PAGEREF _Toc99363895 \h 94
الفصل الثالث: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار
المؤاخاة:.......................................................................... PAGEREF _Toc99363898 \h 99
المؤاخاة على التوارث موضع شك:...................................... PAGEREF _Toc99363899 \h 100
عدد الذين كانت المؤاخاة بينهم:............................................ PAGEREF _Toc99363900 \h 101
المؤاخاة بين كل ونظيره:................................................... PAGEREF _Toc99363901 \h 103
مؤاخاة النبي ' لعلي ×:.................................................... PAGEREF _Toc99363902 \h 104
تواتر حديث المؤاخاة:....................................................... PAGEREF _Toc99363903 \h 105
تكنية علي × بأبي تراب:................................................... PAGEREF _Toc99363904 \h 107
مع المنكرين لمؤاخاة النبي ' لعلي ×.................................... PAGEREF _Toc99363905 \h 108
مع قضية المؤاخاة:........................................................... PAGEREF _Toc99363906 \h 111
ألف: البديل الأنسب:............................................... PAGEREF _Toc99363907 \h 111
ب: السمو بالعلاقات الإنسانية:.................................. PAGEREF _Toc99363908 \h 112
ج: دور المؤاخاة في بناء المجتمع الجديد:..................... PAGEREF _Toc99363909 \h 112
الأول: الحق:.............................................. PAGEREF _Toc99363910 \h 114
الثاني: المؤاساة:.......................................... PAGEREF _Toc99363911 \h 115
خلة أبي بكر:.................................................................. PAGEREF _Toc99363912 \h 115
مؤاخاة سلمان مع من؟!:.................................................... PAGEREF _Toc99363913 \h 116
إنكار حديث المؤاخاة، والإجابة عن ذلك:............................... PAGEREF _Toc99363914 \h 117
الفصل الرابع: أسس العلاقات في المجتمع الجديد
أسس العلاقات:............................................................... PAGEREF _Toc99363917 \h 127
نص الوثيقة:................................................................... PAGEREF _Toc99363918 \h 128
وثيقة أم وثائق؟!:............................................................. PAGEREF _Toc99363919 \h 133
ملاحظات سريعة على الوثيقة:............................................ PAGEREF _Toc99363920 \h 136
موادعة اليهود:................................................................ PAGEREF _Toc99363921 \h 144
الباب الثالث: تشريعات وأحكام
الفصل الأول: الأذان
تشريع الأذان:................................................................. PAGEREF _Toc99363930 \h 149
مناقشة روايات الأذان:...................................................... PAGEREF _Toc99363931 \h 150
الكلمة الأخيرة:................................................................ PAGEREF _Toc99363932 \h 160
حي على خير العمل في الأذان:............................................ PAGEREF _Toc99363933 \h 161
إشكالات غير واردة:......................................................... PAGEREF _Toc99363934 \h 175
حي على خير العمل موقف وشعار:...................................... PAGEREF _Toc99363935 \h 176
سبب حذف هذه العبارة:..................................................... PAGEREF _Toc99363936 \h 179
كلمة حول هذا الرأي:........................................................ PAGEREF _Toc99363937 \h 180
الفصل الثاني: تشريع بعض العبادات
الزيادة في الصلاة:........................................................... PAGEREF _Toc99363940 \h 185
قول آخر في فرض الصلاة:............................................... PAGEREF _Toc99363941 \h 186
فرض الزكاة:.................................................................. PAGEREF _Toc99363942 \h 187
رواية تعارض ما سبق:..................................................... PAGEREF _Toc99363943 \h 190
فرض زكاة الفطرة:.......................................................... PAGEREF _Toc99363944 \h 191
فرض الصيام:................................................................ PAGEREF _Toc99363945 \h 191
مناقشة وردها:................................................................ PAGEREF _Toc99363946 \h 192
صيام يوم عاشوراء:......................................................... PAGEREF _Toc99363947 \h 193
كذب تلك الروايات:.......................................................... PAGEREF _Toc99363948 \h 194
في فضائل يوم عاشوراء أيضاً:........................................... PAGEREF _Toc99363949 \h 198
أيوم عزاء أم يوم عيد؟!:.................................................... PAGEREF _Toc99363950 \h 198
وضع الأحاديث:.............................................................. PAGEREF _Toc99363951 \h 200
أساليب مقاومة عاشوراء:.................................................. PAGEREF _Toc99363952 \h 202
الفصل الثالث: الجهاد في الإسلام
الإسلام، والسيف!!........................................................... PAGEREF _Toc99363955 \h 207
1 ـ الحرب في الإسلام وفي غيره:............................. PAGEREF _Toc99363956 \h 208
إشارة:....................................................... PAGEREF _Toc99363957 \h 210
2 ـ حيث لا بد من الحرب:....................................... PAGEREF _Toc99363958 \h 210
هل الإسلام قام بالسيف؟!................................................... PAGEREF _Toc99363959 \h 219
الفصل الرابع: سرايا وغزوات قبل بدر
غزواته ' وسراياه:.......................................................... PAGEREF _Toc99363962 \h 223
ما نتعرض له في هذا الكتاب:.............................................. PAGEREF _Toc99363963 \h 225
السرايا الأولى:................................................................ PAGEREF _Toc99363964 \h 225
1 ـ تكنية علي بأبي تراب:........................................ PAGEREF _Toc99363965 \h 229
التزوير والافتراء:........................................ PAGEREF _Toc99363966 \h 231
لماذا الوضع والاختلاق؟!:............................. PAGEREF _Toc99363967 \h 236
قيمة هذه الكنية:........................................... PAGEREF _Toc99363968 \h 237
2 ـ لماذا السرايا؟!.................................................. PAGEREF _Toc99363969 \h 239
الأول: الموادعات والتحالفات:......................... PAGEREF _Toc99363970 \h 239
الثاني: مضايقة قريش:.................................. PAGEREF _Toc99363971 \h 240
3 ـ وصايا ه ' لبعوثه:............................................ PAGEREF _Toc99363972 \h 242
4 ـ لماذا المهاجرون فقط؟!....................................... PAGEREF _Toc99363973 \h 243
أ ـ على الأنصار نصره ' في دارهم:................ PAGEREF _Toc99363974 \h 244
ب ـ مسألة الحرب والسلم:.............................. PAGEREF _Toc99363975 \h 244
ج ـ ظروف الأنصار الخاصة:........................ PAGEREF _Toc99363976 \h 245
د ـ الحالة النفسية للمهاجرين:........................... PAGEREF _Toc99363977 \h 247
هـ ـ العربي وقضية الدم:............................... PAGEREF _Toc99363978 \h 248
و ـ قريش، والأنصار:................................... PAGEREF _Toc99363979 \h 251
ز ـ تزوير التاريخ:....................................... PAGEREF _Toc99363980 \h 254
ح: تأكيد النبي ' على بر الأنصار:................... PAGEREF _Toc99363981 \h 258
ط ـ لا غنى في الحرب عن الأنصار:................ PAGEREF _Toc99363982 \h 261
القسم الخامس: حتى اُحد
الباب الأول: معركة بدر
الفصل الأول: في أجواء القتال
محاولة قرشية فاشلة:........................................................ PAGEREF _Toc99363996 \h 269
الإنتداب إلى بدر:............................................................. PAGEREF _Toc99363997 \h 270
الذين يخشون الناس:......................................................... PAGEREF _Toc99363998 \h 271
رؤيا عاتكة:.................................................................... PAGEREF _Toc99363999 \h 274
قريش تتجهز:................................................................. PAGEREF _Toc99364000 \h 275
موقف أمية بن خلف:........................................................ PAGEREF _Toc99364001 \h 275
مع قضية ابن خلف:.......................................................... PAGEREF _Toc99364002 \h 276
رجوع طالب بن أبي طالب عن الحرب:................................. PAGEREF _Toc99364003 \h 278
هكذا قالوا.. ونحن نقول:.................................................... PAGEREF _Toc99364004 \h 279
المكرهون والراجعون:...................................................... PAGEREF _Toc99364005 \h 280
موقف الرسول ' من المكرهين والراجعين:.......................... PAGEREF _Toc99364006 \h 281
نظرة في موقف النبي ' من هؤلاء:...................................... PAGEREF _Toc99364007 \h 281
النبي ' يستشير في أمر الحرب:.......................................... PAGEREF _Toc99364008 \h 282
1 ـ إستشارة النبي ' أصحابه:................................... PAGEREF _Toc99364009 \h 285
2 ـ حرب قريش هو الرأي:...................................... PAGEREF _Toc99364010 \h 287
3 ـ التربية النفسية:................................................. PAGEREF _Toc99364011 \h 288
4 ـ نظرة في الآراء حول الحرب:.............................. PAGEREF _Toc99364012 \h 288
5 ـ سر سروره ' بكلام سعد والمقداد:........................ PAGEREF _Toc99364013 \h 290
6 ـ أين رأي علي ×؟!............................................. PAGEREF _Toc99364014 \h 291
الحباب ذو الرأي:............................................................. PAGEREF _Toc99364015 \h 291
عدة وعدد المسلمين والمشركين:.......................................... PAGEREF _Toc99364016 \h 294
المشركون يدركون بغيهم وعدوانهم:..................................... PAGEREF _Toc99364017 \h 296
مواقع الجيشين:............................................................... PAGEREF _Toc99364018 \h 297
معنويات المسلمين والعنايات الربانية:.................................... PAGEREF _Toc99364019 \h 298
أهداف الحرب:................................................................ PAGEREF _Toc99364020 \h 300
في المواجهة:.................................................................. PAGEREF _Toc99364021 \h 300
هدوء ما قبل العاصفة:...................................................... PAGEREF _Toc99364022 \h 302
ألف: سر رعب المشركين:....................................... PAGEREF _Toc99364023 \h 303
ب: نظرة في عروض النبي ' على المشركين:.............. PAGEREF _Toc99364024 \h 304
ج: النبي ' لا يبدأ القتال:......................................... PAGEREF _Toc99364025 \h 305
النبي ' في العريش:......................................................... PAGEREF _Toc99364026 \h 306
إشـارة:.......................................................................... PAGEREF _Toc99364027 \h 309
المبـارزة:....................................................................... PAGEREF _Toc99364028 \h 310
بعد قتل الفرسان الثلاثة:.................................................... PAGEREF _Toc99364029 \h 312
ألف: غضب النبي ' لأبي طالب:.............................. PAGEREF _Toc99364030 \h 314
ب: بدء النبي ' بأهل بيته ^:.................................... PAGEREF _Toc99364031 \h 314
ج: سخرية شيبة:................................................... PAGEREF _Toc99364032 \h 316
د: الحق الذي جعله الله للمسلمين:................................ PAGEREF _Toc99364033 \h 316
المعركة في ضرامها:........................................................ PAGEREF _Toc99364034 \h 317
الملائكة في بدر:.............................................................. PAGEREF _Toc99364035 \h 318
عائشة في حرب الجمل:.................................................... PAGEREF _Toc99364036 \h 319
الخزي والهزيمة:............................................................. PAGEREF _Toc99364037 \h 319
الفصل الثاني: نتائج الحرب
نتائج الحرب:.................................................................. PAGEREF _Toc99364040 \h 323
بطولات علي ×:............................................................. PAGEREF _Toc99364041 \h 323
رواية مكذوبة:................................................................. PAGEREF _Toc99364042 \h 327
ما هو الصحيح إذاً؟!......................................................... PAGEREF _Toc99364043 \h 329
إشـارة:.......................................................................... PAGEREF _Toc99364044 \h 330
قتلى المشركين في القليب:.................................................. PAGEREF _Toc99364045 \h 330
مهجع سيد الشهداء:........................................................... PAGEREF _Toc99364046 \h 332
ذو الشمالين:................................................................... PAGEREF _Toc99364047 \h 334
ألف: إهتمام علي × برسول الله ' في بدر:................... PAGEREF _Toc99364048 \h 334
ب: الحرب مصيرية:.............................................. PAGEREF _Toc99364049 \h 336
ج: الهزيمة، وعدم تكافؤ القوى، والإمداد بالملائكة:........ PAGEREF _Toc99364050 \h 337
د: حقد قريش على الأنصار:..................................... PAGEREF _Toc99364051 \h 344
لماذا أهل البيت ^ أولاً؟!................................ PAGEREF _Toc99364052 \h 347
ه : بدر وأثرها على علي × وأهل بيته ^:.................... PAGEREF _Toc99364053 \h 347
الشهداء من الأنصار:........................................................ PAGEREF _Toc99364054 \h 350
كلام للعلامة الطباطبائي & حول آية التخفيف:......................... PAGEREF _Toc99364055 \h 350
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. PAGEREF _Toc99364059 \h 357
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. PAGEREF _Toc99364060 \h 359
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص139.
([2]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص139، وزاد المعاد ج1 ص25، وج2 ص24 و45، والبدء والتاريخ ج4 ص152، وفتح الباري ج7 ص145.
([3]) المصنف للصنعاني ج5 ص367.
([4]) فتح الباري ج7 ص145.
([5]) تاريخ الخميس ج1 ص358، والسيرة الحلبية ج2 ص121.
([6]) تاريخ الطبري ط الإستقامة ج2 ص118، والسيرة الحلبية ج2 ص120، وتاريخ الخميس ج1 ص358.
([7]) راجع: نزهة المجالس للصفوري الشافعي ج2 ص137.
([8]) فتح الباري ج2 ص131، ومسند أحمد ج6 ص228، والندير ج9 ص324.
([9]) السيرة الحلبية ج2 ص64.
([10]) الآية9 من سورة الحجرات، السيرة الحلبية ج2 ص63 و64، والدر المنثور ج6 ص90، عن مسلم، والبخاري، وأحمد، والبيهقي في سننه، وابن مردويه، وابن = = جرير، وابن المنذر، وحياة الصحابة ج2 ص578 و579 و560، عن البخاري ج1 ص370 وج3 ص845.
([11]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص351.
([12]) راجع: قاموس الرجال ج4 ترجمة سلمان الفارسي.
([13]) المصنف للصنعاني ج8 ص418. وتفصيل ما لاقاه سلمان من المتاعب والمصاعب في أسفاره تلك يطلب من كتب الحديث، والتاريخ، والتراجم.
([14]) مثل: قاموس الرجال ج4، والإصابة ج2 ص62 والإستيعاب، وغير ذلك.
([15]) هذا الجمع ذكره السمهودي في وفاء الوفاء ج3 ص970.
([16]) راجع في الروايات وقارن بينها: وفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص697 ـ971، وسنن النسائي ج6 ص235 و236 و234، ومنتخب كنز العمال ج5 ص11، وحياة الصحابة ج2 ص89 عن الطبراني وابن عساكر، ومسند أحمد ج1 ص75 و70، والسيرة الحلبية ج2 ص75، وروي ذلك أيضاً عن البغوي، وابن زبالة وابن شبة، والترمذي ص627، وابن عبد البر، والحازمي، وابن حبان، وابن خزيمة.
وراجع: حلية الأولياء ج1 ص58، والبخاري هامش الفتح ج5 ص305، وفتح الباري ج5 ص305 و306، وسنن البيهقي ج6 ص167 و168، والتراتيب الإدارية ج2 ص95.
([17]) راجع وفاء الوفاء للسمهودي ج3 ص972 و956 و958 و959 و951.
([18]) راجع: المصدر السابق، فصل آبار المدينة.
([19]) وفاء الوفاء ج3 ص945.
([20]) وفاء الوفاء ج3 ص945.
([21]) وفاء الوفاء ج3 ص967 عن ابن شبة، وروى ذلك الزبير بن بكار أيضاً.
([22]) المصدر السابق.
([23]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام، بحث (أبو ذر إشتراكي أم شيوعي، أم مسلم).
([24]) الشيص هو: رديء التمر، وهو الذي لا يشتد نواه.
([25]) راجع: صحيح مسلم ج7 ص95، وسنن ابن ماجة ج2 ص825، كتاب الرهون باب15، ومسند أحمد ج6 ص123 وج3 ص152، والبرصان والعرجان ص254، ومشكل الآثار ج2 ص294، وكشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص112، ومسند أبي يعلى ج6 ص238 و198، وصحيح ابن حبان ط مؤسسة الرسالة ج1 ص201.
([26]) راجع: تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص76، والكامل لابن الأثير ط صادر ج2 ص526، وتاريخ اليعقوبي ط صادر ج2 ص145، والتنبيه والإشراف ص252، ومحاضرة الأوائل ص28، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص23، وفتح الباري ج7 ص209، وتاريخ الخلفاء ص132 و136 و23 وص138 عن البخاري في تاريخه، والبحار ج58 ص350 ـ 351 بعد تصحيح أرقام صفحاته وج40 ص218، وسفينة البحار ج2 ص641، والمناقب لابن شهرآشوب ج2 ص144، عن الطبري ومجاهد في تاريخيهما، والإعلان بالتوبيخ ص80 و81 وعلي والخلفاء ص139 ـ 141، إحقاق الحق ج8 ص220 عن الوسائل للسيوطي ص129، ومحاضرة الأوائل ص28، وسيأتي جانب من المصادر لذلك فيما يأتي.
([27]) البداية والنهاية ج7 ص74 والوزراء والكتاب ص20، ومآثر الإنافة ج3 ص336.
([28]) صبح الأعشى ج6 ص241 ومآثر الإنافة ج3 ص36 وفتح الباري ج7 ص209، والكامل لابن الأثير ج1 ص10 ط صادر.
([29]) الإستيعاب هامش الإصابة ج2 ص460، والمحاسن والمساوي ج2 ص68، وتاريخ الخميس ج1 ص338 وج2 ص241، وتهذيب التهذيب ج7 ص440 ومآثر الإنافة ج1 ص92 وتحفة الناظرين للشرقاوي هامش فتوح الشام ج2 ص62، وصفة الصفوة ج1 ص276 وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص202، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص145، والأوائل للعسكري ج1 ص223، وتاريخ الطبري ج3 ص277، ومحاضرات الراغب ج1 ص105، والأنس الجليل ج1 ص188، والأعلاق النفيسة ص199، والبحار ج58 ص349 و350، وراجع: الإعلان بالتوبيخ ص79 ونفس الرحمن ص44.
([30]) الوزراء والكتاب ص20، والبداية والنهاية ج3 ص206 و207.
([31]) صبح الأعشى ج6 ص241 عن تاريخ أبي الفداء، وقد ذكر: أن عمر قد أرسل إليه فـاستشـاره، وليراجـع أيضـاً: البحار ج58 ص349 و350 بعد تصحيح أرقام صفحاته، وسفينة البحار ج2 ص641، وتاريخ ابن الوردي ج1 ص145 والأنس الجليل في أخبار القدس والخليل ج1 ص187 والخطط للمقريزي ج1 ص284 وفيه: أن عمر استدعاه.
([32]) الإعلان بالتوبيخ ص81، والبحار ج58 ص350 وفي نزهة الجليس ج1 ص22 عن تاريخ ابن عساكر: أن النصارى كانوا يؤرخون بتاريخ الإسكندر.
أقول: فأين كان التاريخ الميلادي إذاً؟ ومتى ظهر؟ الجواب: إنه ظهر في هذه القرون الأخيرة كما سيأتي.
([33]) راجع جميع ما تقدم في البداية والنهاية ج7 ص73 و74 وليراجع أيضاً ج3 ص306، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص75 و76، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص22 و23، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص74، وعلي والخلفاء ص240 عنه ملخصاً، وليراجع أيضاً: الإعلان بالتوبيخ ص79 و80 و81، ومنتخب كنز العمال، هامش مسند أحمد ج4 ص67، والكامل لابن الأثير ج1 ص10 ط صادر، وكنز العمال ج10 ص195 عن المستدرك، وعن البخاري في الأدب، وراجع ص193 عن ابن أبي خيثمة، وذكر في البحار ج58 ص349 بعد تصحيح أرقام صفحاته، ونزهة الجليس ج1 ص21، والطبري ط دار المعارف بمصر ج2 ص388، والوزراء والكتاب ص20، وفتح الباري ج7 ص209، وصبح الأعشى ج6 ص241 عن ابن حاجب النعمان في ذخيرة الكتاب: أن أبا موسى كتب إلى عمر أنه يأتينا من قبلك كتب لا نعرف نعمل فيها قد قرأنا صكاً محله شعبان فما ندري أي الشعبانين هو: الماضي؟ أو الآتي؟ فجمع الصحابة الخ ما في المتن. وليراجع أيضاً: الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص223، والكامل لابن الأثير ج1 ص10.
([34]) مستدرك الحاكم ج3 ص14، وتلخيص المستدرك للذهبي هامش الصفحة ذاتها وصححه أيضـاً، والإعـلان بالتوبيخ ص80، وفتح البـاري ج7 ص209، = = والطبري ط المعارف ج2 ص391، وج3 ص144، وتاريخ عمر بن الخطاب ص76، وتهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص23، ومنتخب كنز العمال هامش المسند ج4 ص67، وعلي والخلفاء ص239 و240، وكنز العمال ج10 ص193 و192، وإحقاق الحق ج8 ص219 عن ابن عساكر، والمقريزي في كتاب الخطط والآثار ج1 ص284، والشماريخ للسيوطي ص4 ط ليدن، والتاريخ الكبير للبخاري ج1 ص9، والكامل ج1 ص10 ط صادر.
([35]) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج2 ص145.
([36]) عنوان المعارف وذكر الخلائف ص11.
([37]) البداية والنهاية ج3 ص94.
([38]) نزهة الجليس ج1 ص21، وفتح الباري ج7 ص209، والإعلان بالتوبيخ ص80، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج4 ص67، والشماريخ ص10 ط سنة1971، وكنز العمال ج17 ص145 عن ابن عساكر وج10 ص193 عن أبي خيثمة في تاريخه.
([39]) الإعلان بالتوبيخ ص79، وليراجع الوزراء والكتاب ص20، وفتح الباري ج7 ص209، ومآثر الانافة ج3 ص337.
([40]) الإعلان بالتوبيخ ص81 ط القاهرة. وقال ص82: إن الديلمي في الفردوس، وولده قد رويا ذلك عن علي، وإحقاق الحق ج8 ص220 عن الإعلان.
([41]) تاريخ الخميس ج1 ص338، ووفاء الوفاء ج1 ص248.
([42]) الإعلان بالتوبيخ لمن يذم التاريخ ص80، وإرشاد الساري ج6 ص234، وفتح الباري ج7 ص209 ـ210.
([43]) الأوائل ج1 ص223.
([44]) البداية والنهاية ج3 ص207، والبحار ج58.
([45]) الظاهر أنه: عبيد الله.
([46]) الخراج لأبي يوسف ص81، وجمهرة رسائل العرب ج1 ص82 رقم53 عنه.
([47]) البداية والنهاية ج3 ص207، وأشار إليه أيضاً في ج4 ص94.
([48]) البداية والنهاية ج3 ص207، وأشار إليه أيضاً في ج4 ص94.
([49]) الوزراء والكتاب ص20.
([50]) الخطط للمقريزي ج1 ص184.
([51]) التراتيب الإدارية ج1 ص181، وليراجع المواهب اللدنية ج1 ص67.
([52]) عنوان المعارف وذكر الخلائف ص11.
([53]) الشماريخ في علم التاريخ للسيوطي ج10 ط سنة1971.
([54]) الدرجات الرفيعة ص207.
([55]) المواهب اللدنية ج1 ص67.
([56]) سيرة مغلطاي ص35 ـ 36.
([57]) نفس الرحمن ص44، وراجع: الإعلان بالتوبيخ ص82.
([58]) المناقب ج2 ص144، وراجع: البحار ج40 ص218، وراجع: علي والخلفاء ص241.
([59]) راجع: البحار (ط مؤسسة الوفاء) ج55 ص351.
([60]) الآية 108 من سورة التوبة.
([61]) الروض الأنف ج2 ص246 ط سنة1972، وإرشاد الساري ج6 ص234 عنه، وفتح الباري ج7 ص208 ـ 209 عنه أيضاً، ووفاء الوفاء ج1 ص248، وأشار إليه في البداية والنهاية ج3 ص207.
([62]) ليراجع فتح الباري ج7 ص209.
([63]) التراتيب الإدارية المسمى بـ : نظام الحكومة النبوية ج1 ص181 ـ182.
([64]) معجم البلدان ج5 ص124.
([65]) تنوير المقباس هامش الدر المنثور ج2 ص224.
([66]) فتح الباري ج7 ص208، وإرشاد الساري ج6 ص233، والتنبيه والإشراف ص252، وتاريخ الطبري ط دار المعارف ج2 ص388، ونزهة الجليس ج1 ص21، ومناقب آل أبي طالب ج2 ص142، والبحار ج40 ص218 عنه، وعلي والخلفاء ص241 عن البحار، وصبح الأعشى ج6 ص240، والتراتيب الإدارية ج1 ص180، وحكاه الأخيران عن النحاس في صناعة الكتاب، وتاريخ الخميس ج1 ص338، والشماريخ في علم التاريخ ص10 ط سنة1971 عن ابن عساكر عن يعقوب بن سفيان، ووفاء الوفاء للسمهودي ج1 ص248، والمواهب والزرقاني وغيرهم حكوه عن الحاكم في الأكليل مفصلاً، والكامل لابن الأثير ج1 ص10 ط صادر، وفي المواهب اللدنية ج1 ص67: ذكر ذلك من دون أن ينسبه إلى الزهري وراجع الإعلان بالتوبيخ ص78.
([67]) الشماريخ في علم التاريخ ص10.
([68]) صبح الأعشى ج6 ص240.
([69]) فتح الباري ج7 ص208، وإرشاد الساري ج6 ص233 عنه، ووفاء الوفاء ج1 ص248.
([70]) الوزراء والكتاب ص25.
([71]) الإعلان بالتوبيخ ص78، وتاريخ الخميس ج1 ص338.
([72]) التنبيه والإشراف ص252.
([73]) وللزهري رواية أخرى تدل على أن التاريخ كان من زمن النبي "صلى الله عليه وآله" ففي تهذيب تاريخ ابن عساكر ج1 ص21: أن الزهري قال: (إن قريشاً كانوا يعدون بين الفيل والفجار أربعين سنة، وكانوا يعدون بين الفجار وبين وفـاة هشام بن المغيرة ست سنين، وبين وفـاته وبين بنيـان الكعبة تسع سنين، وبينهما = = وبين أن خرج رسول الله "صلى الله عليه وآله" إلى المدينة خمس عشرة سنة، منها خمس سنين قبل أن يوحى إليه ثم كان العدد (يعني: بعد التاريخ) فيظهر من هذه العبارة الأخيرة: أنهم أعرضوا عن السابق وبدأوا يؤرخون بالهجرة، لكن يبقى في الرواية إشكال، وهوأن المعروف: هو أن بين الفيل والفجار عشرين سنة لا أربعين كما صرح به الطبري ج2، والبداية والنهاية ج2 ص261، وتاريخ الخميس ج1 ص196، وابن الأثير والمسعودي، لكن قول الزهري: إن النبي "صلى الله عليه وآله" قد ولد بعد عام الفيل بثلاثين سنة، كما نقله عنه في البداية والنهاية ج2 ص262، يدل على أن الزهري قد تفرد بالقول بأن بين الفجار والفيل أربعين سنة مخالفاً بذلك المعروف والمشهور، لكن كل ذلك لا يضر في دلالة كلامه على ما نقول كما لا يخفى.
([74]) مستدرك الحاكم ج3 ص13 و14 وصححه على شرط مسلم وتلخيص المستدرك للذهبي هامش نفس الصفحة، ومجمع الزوائد ج1 ص196 عن الطبراني في الكبير، والإعلان بالتوبيخ ص80، وفي ص81 رواية أخرى عنه تشير إلى ذلك أيضاً، والطبري ج2 ص389 ـ390 بسندين، وج3 ص144، والتاريخ الكبير للبخاري ج1 ص9، والشماريخ ص10 عن البخاري في التاريخ الصغير، والخطط للمقريزي ج1 ص284.
([75]) الإعلان بالتوبيخ لمن يذم التاريخ ص78.
([76]) راجع تاريخ الخميس ج1 ص324 و325، والإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص29، والروض الأنف ج2 ص245، وكذلك لا بأس بمراجعة دلائل النبوة ج2 ص226، والمواهب ج1 ص67.
([77]) تاريخ الخميس ج1 ص368.
([78]) مغازي الواقدي ج2 ص531 ـ 534 على الترتيب.
([79]) مغازي الواقدي ج2 ص531 ـ 534 على الترتيب.
([80]) راجع: مغازي الواقدي ج2 ص537، وصفة الصفوة ج1 ص652.
([81]) راجع: طبقات ابن سعد ج2 قسم1 في غزواته "صلى الله عليه وآله" لا سيما ص56 منه في غزوة بواط، ومغازي الواقدي ص9 و11 و363، والوفاء بأخبار المصطفى ج2 ص673 و674 و675، والبداية والنهاية ج4 ص61، وتاريخ الخميس وغير ذلك.
([82]) ذكر أخبار أصفهان لأبي نعيم ج1 ص52 و53، والدرجات الرفيعة ص206 و207، وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص231، 234 ونفس الرحمن ص44 عن تاريخ گزيدة.
([83]) راجع تعليقات البلوشي على طبقات المحدثين ج1 ص234.
([84]) راجع ذكر أخبار أصبهان ج1 ص52، وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص226 و227، وتاريخ بغداد ج1 ص170، وتهذيب تاريخ دمشق ج6 ص199، ونفس الـرحمن في فضائل سلـمان ص20 و21 عن تاريخ گزيدة ومجموعة الـوثـائق = = السياسية ص328 عن الخطيب وأبي نعيم، وعن جامع الآثار في مولد المختار، لشمس الدين محمد بن ناصر الدين الدمشقي، ومكاتيب الرسول ج2 ص209، والرحلة في طلب الحديث (مقدمة نور الدين عتر) ص53.
([85]) فتوح البلدان للبلاذري ص67 ط سنة1318 ه. ولا بد من التأمل في تخصيصه الولاية بأهل بيته، وليس ذلك إلا دليلاً واضحاً على أن خراج هذه البلدة وهي التي أخذت صلحـاً دون أن يوجـف عليهـا بخيل ولا ركـاب، وهـو المسمى = = بالفيء الذي هو لله ولرسوله قد أعطاه النبي "صلى الله عليه وآله" لأهل بيته "عليهم السلام"، وهي تدل أيضاً على أن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) هم أولو الأمر للمسلمين وأهل الذمة على حد سواء.
([86]) هامش ص67 من فتوح البلدان للبلاذري.
([87]) الفائق ج1 ص14.
([88]) الإصابة ج4 ص115.
([89]) سيرة مغلطاي ص10.
([90]) مروج الذهب (ط بيروت) ج2 ص109.
([91]) فتوح البلدان ص72.
([92]) شرح النهج لابن ميثم البحراني ج5 ص321.
([93]) عمدة الطالب (ط النجف) ص20 و21.
([94]) راجع: مكاتيب الرسول "صلى الله عليه وآله" ج1 ص288 ـ289 ـ290. ولمعاهدة مقنا نص آخر مؤرخ بسنة خمس للهجرة بخط علي "عليه السلام"، ولكنه لا يخلو من بعض الإشكالات التاريخية، وإن كان يمكن الإجابة عنها كلا أو بعضاً فراجع: مكاتيب الرسول "صلى الله عليه وآله" ج1 ص293 ـ 294 وهناك عهد للنصارى مؤرخ في الثانية للهجرة، بخطه أيضاً "عليه السلام"، وعهد آخر لهم مؤرخ في السنة الرابعة يقال: إنه بخط معاوية، وكلا العهدين محل إشكال لا سيما الثاني منهما، لأن معاوية لم يسلم إلا عام الفتح، فراجع: مكاتيب الرسول "صلى الله عليه وآله" أيضاً ج2 ص637 و634 وغير ذلك.
([95]) الأموال ص297، وذكره البلاذري في فتوح بلدانه ص128 بدون تاريخ مع بعض اختلاف.
([96]) راجع: فتوح البلدان ص130.
([97]) البداية والنهاية ج7 ص21.
([98]) المعارف لابن قتيبة (ط سنة1390هـ بيروت) ص79، وفتوح الشام ج1 ص58 ـ 59، وفتوح البلدان ص128 ـ 131 وغير ذلك.
([99]) فتوح الشام ج1 ص58 ـ 60.
([100]) فتوح البلدان ص129، وليراجع أيضاً: البداية والنهاية ج7 ص21 ونقله عن آخرين.
([101]) البداية والنهاية ج7 ص23، وفتوح البلدان ص127 ـ 129.
([102]) فتوح الشام ج1 ص58 و59.
([103]) الفتوحات الإسلامية ج1 ص47.
([104]) البداية والنهاية ج7 ص22.
([105]) البداية والنهاية ج1 ص24.
([106]) راجع: الشماريخ في علم التاريخ للسيوطي ص10، والتراتيب الإدارية ج1 ص181 عنه.
([107]) نزهة الجليس ج1 ص21.
([108]) التراتيب الإدارية ج1 ص181.
([109]) الشماريخ ص10.
([110]) البحار ج58 ص351 بعد تصحيح أرقام صفحاته، وسفينة البحار ج2 ص641، والصحيفة السجادية ص10، وقد روي هذا عن النبي "صلى الله عليه وآله" بطرق أخرى ذكرها في البداية والنهاية ج6 ص206 ـ 207، وج7 ص219 وص275 ـ 276 عن أحمد وأبي داود وابن داود، ولكن باختلاف وتصرف وحذف فراجع، وراجع: سنن أبي داود نشر دار الكتاب العربي ج4 ص159 ـ 160 وغير ذلك.
([111]) مجمع الزوائد ج9 ص190 عن الطبري، ولم يطعن في سنده إلا في سعد بن طريف وليس ذلك إلا لتشيعه حسبما صرحوا به، وترجمة الإمام الحسين "عليه السلام" من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ص185 وفي هوامشه عن مصادر أخرى، وتاريخ بغداد ج1 ص142، والإلمام ج5 ص299، وكنز العمال ج13 ص113 ط حيدر آباد، وميزان الإعتدال ج1 ص212 عن الطبراني، والخطيب، وابن عساكر، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج5 ص111، ومقتل الحسين "عليه السلام" للخوارزمي ج1 ص161، وإحقاق الحق ج11 ص354 عن بعض ما تقدم، وعن مفتاح النجا ص136 مخطوط، وعن المعجم الكبير للطبراني.
([112]) مجمع الزوائد ج1 ص197 عن أبي يعلى، وله ألفاظ وطرق عديدة كثيرة أخرى لكن بلا ذكر كلمة: من الهجرة.
([113]) هي الدكتورة سعاد ماهر محمد، في كتابها: مشهد الإمام علي في النجف الأشرف ص104 ـ 105.
([114]) مصنف عبد الرزاق ج11 ص373 و375.
([115]) تطهير الجنان واللسان ص66 سنة1375، وكنز العمال ج11 ص113 عن أحمد وغيره.
([116]) مصنف عبد الرزاق ج11 ص373 و375.
([117]) الإتحاف بحب الأشراف ص65 عن ابن أبي شيبة وغيره.
([118]) لسان الميزان ج2 ص79.
([119]) البداية والنهاية ج3 ص206 و207، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص288 و289.
([120]) احتمل ذلك العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني في مقال له نشرته مجلة الهادي في سنتها الأولى عدد4 ص48.
([121]) التنبيه والإشراف ص252.
([122]) الإعلان بالتوبيخ لمن يذم التاريخ ص83.
([123]) نزهة الجليس ج1 ص22، وراجع: كنز العمال ج10 ص195 عن المستدرك، وعن البخاري في الأدب.
([124]) البحار ج75 ص36، وتحف العقول، ومختصر التاريخ لابن الكازروني ص67 ومروج الذهب ج2 ص179 و180.
([125]) الآية 25 من سورة مريم.
([126]) البحار ج58 ص351.
([127]) اللهوف ص50، ومقتل الحسين للمقرم ص335 عنه.
([128]) الآية 108 من سورة يوسف.
([129]) المربد: محبس الإبل أو مكان تجمع التمر أو المكان الخالي خلف البيوت.
([130]) راجع ما تقدم في السيرة الحلبية ج2 ص67 و71 و64 و65.
([131]) وفاء الوفاء ج1 ص340 فما بعدها، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص365 و366، وراجع: التراتيب الإدارية ج2 ص77.
([132]) السيرة الحلبية ج2 ص65.
([133]) البداية والنهاية ج3 ص215، ووفاء الوفاء ج1 ص323 و324 عن ابن حجر، والسيرة الحلبية ج2 ص65.
([134]) السيرة الحلبية ج2 ص65، ووفاء الوفاء ج1 ص323 و324.
([135]) صحيح البخاري (ط الميمنية) ج1 ص57، وتاريخ الطبري (ط الاستقامة) ج2 ص116، والكامل لابن الأثير (ط صادر) ج2 ص110، ووفاء الوفاء ج1 ص323، والتراتيب الإدارية ج2 ص77.
([136]) الزيادة من تلخيص المستدرك.
([137]) مستدرك الحاكم ج3 ص96 و97 وتلخيصه للذهبي بهامشه، وراجع: وفاء الوفاء ج1 ص332 و333 و351 وراجع ص251، والبداية والنهاية ج3 ص218، وج6 ص204 مصرحا بأن ذلك كان في مسجد المدينة، والسيرة الحلبية ج2 ص56 و66، وتاريخ الخميس ج1 ص344 و343، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص272.
([138]) تلخيص المستدرك للذهبي، المطبوع بهامش مستدرك الحاكم ج3 ص97.
([139]) البداية والنهاية ج3 ص218.
([140]) مستدرك الحاكم ج3 ص13.
([141]) السيرة الحلبية ج2 ص66.
([142]) مستدرك الحاكم ج3 ص78.
([143]) راجع: الغدير ج5 ص357 ـ 375.
([144]) راجع على سبيل المثال: الغدير ج1 ص195 ـ 213.
([145]) راجع وفاء الوفاء ج1 ص252.
([146]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص138، والكامل لابن الأثير ج3 ص185، وفي البدء والتاريخ ج5 ص17: أن رقية زوجة عثمان أسقطت علقة في السفينة في هجرتها الأولى إلى الحبشة.
([147]) فتح الباري ج7 ص145.
([148]) سيرة ابن هشام ج2 ص142، تاريخ الخميس ج1 ص345، والأعلاق النفيسة، ووفاء الوفاء ج1 ص329، والسيرة الحلبية ج2 ص72، وقد ذكره في الغـديـر = = ج9 ص21 و22 و27 عن مصادر كثيرة جداً، لكنه أخذ منه بعض فقراته، فلا بد من مراجعة تلك المصادر الكثيرة لمن أراد المزيد من التحقيق.
([149]) السيرة الحلبية ج2 ص71، وهامش السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص142 عن المواهب اللدنية.
([150]) وفاء الوفاء ج1 ص338.
([151]) تذكرة الخواص ص93 عن ابن سعد في الطبقات، والفتوح لابن أعثم ج3 ص119 و130، والثقات لابن حبان ج2 ص291، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمـودي ج2 ص313 و317، وطبقـات ابـن سـعـد ج3 قسـم1 ص180 = = و181، ونقل عن مصنف ابن أبي شيبة ومسند أحمد ج2 ص164، وراجع هامش ص313 من أنساب الأشراف ج2 بتحقيق المحمودي، ومناقب الخوارزمي ص160، ووفاء الوفاء ج1 ص231 و232.
([152]) وفاء الوفاء ج1 ص331 و332.
([153]) المصنف ج11 ص240، وليراجع مجمع الزوائد ج9 ص297، وج7 ص242 عن أحمد في المسند والطبراني.
([154]) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص313، ومسند أحمد في مسند عبد الله بن عمرو، وفي هامش الأنساب عن مصنف ابن أبي شيبة، وعن فتح الباري، وعن مصادر كثيرة.
([155]) زاد المعاد ج1 ص25 والسيرة الحلبية ج2 ص87.
([156]) تاريخ الخميس ج1 ص346، ووفاء الوفاء ج2 ص458 و462: استظهر الشمس الذهبي أنه بنى أولاً بيت سودة، ثم لما احتاج إلى منزل عائشة بناه، وهكذا سائر بيوته "صلى الله عليه وآله" بناها في أوقات مختلفة.
([157]) البداية والنهاية ج7 ص312، وسنن النسائي ج8 ص111، والإصابة ج2 ص512، وتهذيب التهذيب ج7 ص409، وحلية الأولياء ج1 ص139، وسنن ابن ماجة ج1 ص52، والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص478.
([158]) راجع: كشف الأستار عن زوائد البزار ج1 ص206 و222 و249 ومجمع الزوائد.
([159]) حياة الصحابة ج2 ص171 وطبقات ابن سعد ج5 ص26.
([160]) راجع: التراتيب الإدارية ج1 ص73 عن الطبقات.
([161]) حياة الصحابة ج3 ص171 عن كنز العمال ج4 ص282 عن البيهقي.
([162]) دلائل الصدق ج3 القسم الثاني ص79، ولكنهم لم يستجيبوا لمنعه >عليه السلام<.
([163]) راجع البحار ج19 ص122، وهامش ص130 عن مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص152، وعن المقريزي، عن المنتقى في مولود المصطفى، والمواهب اللدنية ج2 ص71، وتاريخ الخميس ج1 ص35، عن أسد الغابة، ووفاء الوفاء ج1 ص267، وفتح الباري ج7 ص210، والسيرة الحلبية ج2 ص92.
([164]) طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج1 قسم2 ص1.
([165]) راجع بحار الأنوار للعلامة المجلسي >رحمه الله< ج19 هامش ص130، والسيرة الحلبية ج2 ص92 و93.
([166]) الإصابة ج2 ص464، والكامل لابن الأثير (ط صادر) ج2 ص141.
([167]) الآية 75 من سورة الأنفال.
([168]) راجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص1، والمواهب اللدنية ج1 ص71، وفتح الباري ج7 ص210، والسيرة الحلبية ج2 ص90، والبحار ج19 ص130 عن المنتقى، والمقريزي.
([169]) فتح الباري ج7 ص211.
([170]) فتح الباري ج7 ص145.
([171]) راجع: البحار ج19 ص130.
([172]) مستدرك الحاكم ج3 ص14، ووفاء الوفاء ج1 ص267 و268، والسيرة الحلبية ج2 ص20، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، وفتح الباري ج7 ص211، والإستيعاب.
([173]) الثقات ج1 ص138 ـ 142.
([174]) سيرة ابن هشام ج2 ص151، والسيرة الحلبية، وغير ذلك.
([175]) البداية والنهاية ج3 ص227، والسيرة الحلبية ج2 ص91.
([176]) راجع: نهج الحق في ضمن دلائل الصدق ص267، وينابيع المودة ص56، وتذكرة الخواص ص23 عن أحمد في الفضائل، وصححه، وابن الجوزي، ونقل عن كنز العمال ج6 ص390، والرياض النضرة ج2 ص209، وتاريخ ابن عساكر ج6 ص21، وكفاية الشنقيطي ص35 و44 والثقات ج1 ص141 و142.
([177]) الإمامة والسياسة ج1 ص13، وأعلام النساء ج4 ص115، وتفسير البرهان ج2 ص93.
([178]) راجع: الكافي ج1 ص458 بتحقيق الغفاري، والبحار (ط حجرية) ج8 ص231 و(ط جديدة) ج100 ص197، وكشف الغمة ج2 ص132، والأمالي للطوسي ج1 ص108، والعوالم ج11 ص518، والأمالي للمفيد (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ص283، وراجع: مرآة العقول ج5 ص331، وغير ذلك.
([179]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص353، ووفاء الوفاء ج1 ص267 و268، وينابيع المودة ص56 و57 عن مسند أحمد، وتذكرة الخواص ص22 ـ 24، وحكي عن الترمذي أنه صححه، والسيرة الحلبية ج2 ص20 و90، ومستدرك الحاكم ج3 ص14، والثقات لابن حبان ج1 ص138، وفرائد السمطين ج1 الباب العشرون، والفصول المهمة لابن الصباغ ص22 و29، والبداية والنهاية ج3 ص226 وج7 ص35، وتاريخ الخلفاء ص170، ودلائل الصدق ج2 ص268 ـ 270 عن كنز العمال، وعن البيهقي في سننه، والضياء في المختارة، وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند ثمانية أحاديث، وأبيه في المسند وفي الفضائل، وأبي يعلى والطبراني، وابن عدي، والجمع بين الصحاح الستة، وأخرج الخوارزمي اثني عشر حديثا، وابن المغازلي ثمانية أحاديث، وسيرة ابن هشام ج2 ص150، والغدير ج3 ص112 حتى ص125 عن بعض من تقدم وعن المصادر التالية: جامع الترمذي ج2 ص13، ومصابيح البغوي ج2 ص199، والإستيعاب ج2 ص460، ترجمة أمير المؤمنين، وعد حديث المؤاخاة من الآثار الثابتة، وتيسير الوصول ج3 ص271، ومشكاة المصابيح هامش المرقاة ج5 ص569، والمرقاة ص73 ـ 75، والإصابة ج2 ص507، والمواقف ج3 ص276، وشرح المواهب ج1 ص373، وطبقات الشعراني ج2 ص55، وتاريخ القرماني هامش الكامل ج1 ص216، وسيرة دحلان هامش الحلبية ج1 ص325، وكفاية الشنقيطي ص34، والإمام علي تأليف محمد رضا ص21، والإمام علي لعبد الفتاح عبد المقصود ص73، والفتاوى الحديثية ص42، وشرح النهج ج2 ص62، وصححه وعده مما استفاض من الروايات، وكنز العمال ج6 ص294 و299 و390 و399 و400 و54.
([180]) ربيع الأبرار ج1 ص807 و808.
([181]) تاريخ ابن خلدون ج2 ص397، والغدير ج9 ص94 و95 و318 عن الرياض النضرة ج1 ص17 وعن الطبري ج6 ص154، وعن كامل ابن الأثير ج3 ص70، وعن المعتزلي ج1 ص165، ولكنه في ج2 ص506 ذكر نفس الحديث عن الطبري من دون ذكر الموأخاة!!!.
([182]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج3 ص47، والغدير ج9 ص16 عنه.
([183]) الفصول المهمة لابن الصباغ ص22، ومجمع الزوائد ج9 ص111 عن الطبراني في الكبير والأوسط، ومناقب الخوارزمي ص7، وكفاية الطالب ص193 عن ابن عساكر.
([184]) راجع: البداية والنهاية ج7 ص223 و336.
([185]) راجع: منهاج السنة ج2 ص119، والبداية والنهاية ج3 ص227، وفتح الباري ج7 ص211، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، والسيرة الحلبية ج2 ص20، ودلائل الصدق ج2 ص272.
([186]) راجع: وفاء الوفاء ج1 ص268، وفتح الباري ج7 ص211، والسيرة الحلبية ج2 ص20، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، والغدير ج3 ص174 ـ 175 عن الفتح وعن الزرقاني في المواهب ج1 ص373.
([187]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص272 و273.
([188]) فتح البـاري، ووفـاء الوفـاء ج1 ص268، والغديـر ج3 ص174 و175 عـن الفتح، وعن شرح المواهب للزرقاني ج1 ص373.
([189]) فتح الباري ج7 ص145.
([190]) الثقات لابن حبان ج1 ص138 ـ 142 وراجع: الغدير ج10 ص103 ـ 107 فإنه ذكره عن غير واحد، وراجع: مستدرك الحاكم ج3 ص14، ووفاء الوفاء ج1 ص268، والسيرة الحلبية ج2 ص20، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155، وفتح الباري ج7 ص211، والإستيعاب وذكر عثمان، وقد كان في الحبشة، وكذا عبد الرحمن بن عوف، يؤيد: أن ذلك كان في المؤاخاة الثانية بعد الهجرة إلى المدينة.
([191]) صحيح البخاري ج3 ص37 ط الميمنية، ومستدرك الحاكم ج2 ص120، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، وغير ذلك من المصادر.
([192]) الآية10 من سورة الحجرات.
([193]) الآيتان62 و63 من سورة الأنفال.
([194]) مصنف عبد الرزاق ج10 عن ابن الزبير، وفي هامشه عن سعيد بن منصور، والغدير ج9 ص347 عن صحيح البخاري ج5 ص243 باب المناقب، وباب الهجرة ج6 ص44، والطب النبوي لابن القيم ص207.
([195]) إرشاد الساري ج6 ص83 و84، والغدير عنه وعن كنز العمال ج6 ص138 و140، والرياض النضرة ج1 ص83.
([196]) الغدير ج9 ص347 عن كنز العمال ج6 ص83، ومنتخب كنز العمال هامش المسند ج5 ص231.
([197]) تاريخ بغداد للخطيب ج6 ص321، والغدير ج9 ص346 و347.
([198]) راجع: الغدير ج9 ص347.
([199]) شرح النهج للمعتزلي ج11 ص49.
([200]) الإصابة ج2 ص62، والإستيعاب بهامشه ج2 ص60 وج4 ص59، والغدير ج10 ص103 و104 وج3 ص174 وقد ناقش في هذه الرواية، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص152، وأسد الغابة ج2 ص330 و331، وطبقات ابن سعد (ط ليدن) ج4 قسم1 ص60، وتهذيب تاريـخ دمشق ج6 ص203، وشـرح النـهج = = للمعتزلي ج18 ص37، وتهذيب الأسماء ج1 ص227، وقاموس الرجال ج7 ص256، ونفس الرحمن ص91 و85 عن أبي عمر، وعن المناقب للخوارزمي، الفصل14 وتهذيب التهذيب ج4 ص138.
([201]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج4 قسم1 ص60.
([202]) نفس الرحمن ص85 عن الحسين بن حمدان.
([203]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج4 قسم1 ص65.
([204]) أنساب الأشراف (قسم حياة النبي"صلى الله عليه وآله") ج1 ص271.
([205]) نفس الرحمن ص85 عنه.
([206]) بصائر الدرجات ص25، والكافي ج1 ص331، والغدير ج7 ص35 عنهما، واختيار معرفة الرجال ص17، والبحار ج22 ص343، ومصابيح الأنوار ج1 ص348، وقاموس الرجال ج4 ص418 و419 والظاهر: أن الرواية معتبرة.
([207]) الكافي ج8 ص162، والبحار ج22 ص345 عنه، ونفس الرحمن ص91.
([208]) راجع كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
([209]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج2 قسم2 ص115.
([210]) تذكرة الحفاظ ج1 ص25.
([211]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص17 وج4 ص60، والإصابة ج3 ص46، والتراتيب الإدارية ج2 ص426 و427.
([212]) الكشاف ج3 ص537، وقاموس الرجال ج10 ص69 عنه.
([213]) الإستيعاب بهامش الإصابة ج3 ص16، وراجع ج4 ص60.
([214]) قاموس الرجال ج7 ص256، وج10 ص69 وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي "صلى الله عليه وآله") ج1 ص271، وراجع: طبقات ابن سعدج4 قسم1 ص60.
([215]) طبقات ابن سعد ج4 قسم1 ص22.
([216]) روضة الكافي ص162.
([217]) قاموس الرجال ج4 ص423 عن الخصال للصدوق.
([218]) الآية9 من سورة الزمر.
([219]) الآية28 من سورة فاطر.
([220]) الآية13 من سورة الحجرات.
([221]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص418 وغيرها.
([222]) المصدر السابق.
([223]) تاريخ الخميس ج1 ص353.
([224]) الربعة: الحال التي جاء الإسلام وهم عليها. والعاني: الأسير. والمعاقل: الديات.
([225]) المفرح: المثقل بالدين والكثير العيال.
([226]) الدسيعة: العظيمة.
([227]) اعتبطه: قتله بلا جناية منه توجب قتله.
([228]) يوتغ: يهلك.
([229]) بطانة الرجل: خاصته وأهل بيته.
([230]) أي على الرضا به.
([231]) في رواية أبي عبيد في الأموال: وإذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم، فإنهم يصالحونه وإن دعونا إلى مثل ذلك، فإن لهم ما على المؤمنين إلا من حارب الدين.
([232]) في الأموال: وعلى كل أناس حصتهم من النفقة.
([233]) سيرة ابن هشام ج2 ص147 ـ 150، والبداية والنهاية ج3 ص224 ـ 226، والأموال ص202 ـ 207، ومجموعة الوثائق السياسية وأشار إليه في مسند أحمد ج1 ص271، وأشار إليه أيضاً في مسند أبي يعلى ج4 ص366 و367.
([234]) راجع في الذي ذكرناه كتاب نشأة الدولة الإسلامية ص25 ـ27.
([235]) تاريخ اليعقوبي ج1 ص257.
([236]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص267، والجامع لأحكام القرآن ج3 ص280 عن أبي داود، ولباب التأويل ج1 ص185، وفتح القدير ج5 ص275 عن أبي داود، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والبيهقي في السنن، والضياء في المختارة؛ والدر المنثور ج1 ص328 عنهم وعن ابن مندة في غرائب شعبة، وعن النحاس في ناسخه، وعبد بن حميد، وسعيد بن منصور.
([237]) إعلام الورى ص69، والبحار ج19 ص110 و111 عنه، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص175.
([238]) راجع في نصوص الحديث المختلفة المصادر التالية: سنن أبي داود ج1 ص335 ـ 338، والمصنف لعبد الرزاق ج1 ص455 ـ465، والسيرة الحلبية ج2 ص93 ـ 97، وتاريخ الخميس ج1 ص359، والموطأ ج1 وشرحه للزرقاني ج1 ص120 ـ 125، والجامع الصحيح للترمذي ج1 ص358 ـ 361، ومسند أحمد ج4 ص42، وسنن ابن ماجة ج1 ص124، وسنن البيهقي ج1 ص390 و391، وسيرة ابن هشام ج2 ص154 و155 و125، ونصب الراية ج1 ص259 ـ 261، وفتح الباري ج2 ص63 ـ 66، وطبقات ابن سعد ج1 قسم2 ص8، والبداية والنهاية ج3 ص232 و233، والمواهب اللدنية ج1 ص71، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج3 ص273 و275، وتبيين الحقائق للزيلعي ج1 ص90، والروض الأنف ج2 ص285 و286، وحياة الصحابة ج3 ص131 عن كنز العمال ج4 ص263 و246، ونقل أيضاً عن أبي الشيخ، وابن حبان، وابن خزيمة، وسنن الدارقطني ج1 ص241 و242 و245. وغير ذلك من المصادر الكثيرة التي لا مجال لتتبعها واستقصائها.
([239]) فتح الباري ج2 ص62.
([240]) الروض الأنف ج2 ص285.
([241]) لسوف تأتي الإشارة إلى ذلك حين الكلام على صوم يوم عاشوراء إن شاء الله تعالى.
([242]) البحار ج18 ص354 عن علل الشرائع ص112 و113، والنص والاجتهاد ص205 عن الشهيد في الذكرى، ووسائل الشيعة ج4 ص612 و613.
([243]) السيرة الحلبية ج2 ص96، والنص والاجتهاد ص205 وكتاب العلوم (أمالي أحمد بن عيسى بن زيد) ج1 ص90.
([244]) النص والاجتهاد ص255 عن مشكل الآثار، وابن مردويه، وعن كنز العمال ج6 ص277 ومستدرك الحاكم ج3 ص171.
([245]) راجع ما تقدم وما سيأتي.
([246]) المصنف لعبد الرزاق ج1 ص463، وسنن البيهقي ج1 ص425.
([247]) مسند أبي عوانة ج1 ص331، وراجع سنن الدارقطني ج1 ص241.
([248]) المصنف لعبد الرزاق ج1 ص456، تاريخ الخميس ج1 ص360، وليراجع: البداية والنهاية ج3 ص233، والسيرة الحلبية ج2 ص96 و97.
([249]) منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج3 ص273 عن الطبراني في الأوسط، والسيرة الحلبية ج1 ص373 وج2 ص93 و95، ومجمع الزوائد ج1 ص329 و328 ونصب الراية ج1 ص262 و260، والمواهب اللدنية ج1 ص71 و72، وفتح الباري ج2 ص63، والدر المنثور ج4 ص154 عن البزار، وابن مردويه، والطبراني، وأبي نعيم في دلائل النبوة، والروض الأنف ج2 ص285 ـ286، والبداية والنهاية ج3 ص233، وحاشية تبيين الحقائق، والبزار، ونقله في النص والاجتهاد ص205 عن مشكل الآثار، وعن الشهيد في الذكرى، وكنز العمال ج14 ص4 عن ابن مردويه، وقصار الجمل ج1 ص13، والوسائل ج4 ص660 والكافي ج3 ص302.
([250]) الكافي ج3 ص302.
([251]) المواهب اللدنية ج1 ص72، وفتح الباري ج2 ص63.
([252]) نصب الراية ج1 ص261.
([253]) البداية والنهاية ج3 ص233، ومستدرك الحاكم ج3 ص171، ونصب الراية ج1 ص261، وسكت عنه الحاكم، لكن الذهبي طعن في نوح بن دراج، ولعله لأجل أنه كان يتشيع، كما هودأبهم.
([254]) فتح الباري ج2 ص64، والسيرة الحلبية ج2 ص93.
([255]) فتح الباري ج2 ص62، والدر المنثور ج6 ص218 عن أبي الشيخ.
([256]) مستدرك الحاكم ج4 ص348.
([257]) السيرة الحلبية ج2 ص93، والدر المنثور ج5 ص364 عن عبد بن حميد، والخطيب في تاريخه، وسعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن أبي شيبة، وابن المنذر.
([258]) الكشاف (ط دار الفكر) ج4 ص266، وجوامع الجامع ص545، والبحر المحيط ج8 ص488، ومجمع البيان ج10 ص508، والتفسير الكبير ج32 ص5، ومدارك التنزيل (مطبوع بهامش الخازن) ج4 ص389.
([259]) راجع: تفسير القرآن العظيم ج4 ص525، وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج20 ص106، ولباب التأويل ج4 ص389.
([260]) الوسائل ج1 ص326، والكافي ج3 ص302، والنص والاجتهاد ص205، ونقله الصدوق والشيخ رحمهما الله تعالى.
([261]) سنن الدار قطني ج1 ص237.
([262]) النص والإجتهاد ص197 ـ 205.
([263]) سنن البيهقي ج1 ص425، والبحر الرائق ج1 ص275 عن شرح المهذب.
([264]) الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص307.
([265]) الانتصار للسيد المرتضى ص39.
([266]) نيل الأوطار ج2 ص18.
([267]) نيل الأوطار ج2 ص18 و19، والبحر الزخار ج2 ص191 وفيه: أخير بدل أحد، وكذا في الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص307 و308.
([268]) نيل الأوطار ج2 ص19.
([269]) راجع: الوسائل وجامع أحاديث الشيعة والبحار، ومستدرك الوسائل أبواب الأذان.
([270]) سنن البيهقي ج1 ص424، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص297 و308 و312.
([271]) سنن البيهقي ج1 ص424، وراجع: نيل الأوطار ج2 ص19.
([272]) راجع: سنن البيهقي ج1 ص424، وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38 عن شرح التجريد. وقد رواه ابن أبي شيبة ونقله في الشفاء كما ورد في جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للصعدي ج2 ص192، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308.
([273]) الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299 وراجع ص310.
([274]) سنن البيهقي ج1 ص425، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308 عنه.
([275]) المصدران السابقان.
([276]) مصنف عبد الرزاق ج1 ص464.
([277]) سنن البيهقي ج1 ص465، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299.
([278]) عن مصنف ابن أبي شيبة ج1 ص145، وهامش مصنف عبد الرزاق ج1 ص460 عنه، وراجع: الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص296.
([279]) الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص295.
([280]) الإعتصام ج1 ص296 ـ 299.
([281]) السيرة الحلبية ج2 ص98، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311 و312 عن ابن حزم في كتاب الإجماع.
([282]) المحلى ج3 ص160و161.
([283]) سنن البيهقي ج1 ص425، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38 عن مصنف ابن أبي شيبة؛ وجواهر الأخبار والآثار ج2 ص192، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص299 و308 و310، ونيل الأوطار ج2 ص19، وراجع: كتاب العلوم ج1 ص92.
([284]) دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38.
([285]) سنن البيهقي ج1 ص425.
([286]) دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي ص38. وراجع: الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص309، وراجع: ص311.
([287]) مجمع الزوائد ج1 ص330 عن الطبراني في الكبير، ومصنف عبد الرزاق ج1 ص460، وسنن البيهقي ج1 ص425، وكنز العمال ج4 رقم5504، ومنتخب الكنز هامش المسند ج3 ص276 عن أبي الشيخ في كتاب الأذان، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص99.
([288]) راجع: موطأ مالك ج1 ص93، وسنن الدارقطني، ومصنف عبد الرزاق ج1 رقم1827 و1829 و1832 ص474 و475، وكنز العمال ج4 رقم5567 و5568، ومنتخبه هامش المسند ج3 ص278، وفيه: أنه قال إنها بدعة، والترمذي وأبي داود، وغير ذلك.
([289]) منتخب كنز العمال هامش المسند ج3 ص276، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص99 عن كنز العمال ج4 ص266.
([290]) شرح التجريد للقوشجي مبحث الإمامة ص484، وكنز العرفان ج2 ص158 عن الطبري في المستنير، والغدير ج6 ص213 وقال: أخرجه الطبري في المستبين عن عمر، وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه: الصراط المستقيم وجواهر الأخبار والآثار ج2 ص192 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد.
([291]) شرح التجريد للقوشجي ص484.
([292]) السيرة الحلبية ط سنة1382، باب الأذان ج2 ص98.
([293]) كذا في الأصل والصحيح: أبو أمامة، سهل بن حنيف.
([294]) المحلى ج3 ص160، وراجع: دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311.
([295]) دلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي للعرفي ص38 والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص311.
([296]) الانتصار ص39.
([297]) سعد السعود ص100، والبحار ج4 ص107، وجامع أحاديث الشيعة ج2 ص221.
([298]) راجع: الوسائل، وجامع أحاديث الشيعة، وقاموس الرجال.
([299]) الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص310، وراجع ص312.
([300]) المصدر السابق ج1 ص311.
([301]) جواهر الأخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار ج2 ص191، والإمام الصادق >عليه السلام< والمذاهب الأربعة ج5 ص284، والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص309.
([302]) البحر الزخار ج2 ص192، وجواهر الأخبار والآثار هامش نفس الصفحة، وكتاب العلوم ج1 ص92.
([303]) جواهر الأخبار والآثار ج2 ص191.
([304]) ميزان الإعتدال للذهبي ج1 ص139، ولسان الميزان للعسقلاني ج1 ص268.
([305]) المصدران السابقان ص192، وجواهر الأخبار والبحر الزخار.
([306]) الإمام الصادق >عليه السلام< والمذاهب الأربعة ج5 ص283. وراجع: نيل الأوطار ج2 ص19 عن المحب الطبري في أحكامه.
([307]) نيل الأوطار ج2 ص19.
([308]) المصدر السابق.
([309]) كتاب العلوم المعروف بأمالي أحمد بن عيسى ج1 ص92.
([310]) دعائم الإسلام ج1 ص145، والبحار ج84 ص179 عنه.
([311]) جواهر الأخبار والآثار للصعدي ج2 ص192.
([312]) الروض النضير ج1 ص542. والإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص357.
([313]) نفس المصدر.
([314]) الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص308.
([315]) الروض النضير ج1 ص542.
([316]) راجع: نيل الأوطار ج2 ص19.
([317]) البحر الرائق ج1 ص275 عن شرح المهذب، وسنن البيهقي ج1 ص425.
([318]) مقاتل الطالبيين ص446.
([319]) نشوار المحاضرات ج2 ص133.
([320]) راجع: البداية والنهاية ج12 ص63.
([321]) السيرة الحلبية ط سنة1382 باب الأذان ج2 ص105، وراجع: البداية والنهاية ج12 ص68، حوادث سنة448 ه.
([322]) وفاء الوفاء ج2 ص612.
([323]) الإلمام بالإعلام فيما جرت به الأحكام ج4 ص24 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي حوادث سنة381 ه. ص32، وتاريخ الخلفاء ص402.
([324]) تاريخ الإسلام حوادث سنة350 ص48، والبداية والنهاية ج11 ص270 وراجع: تاريخ ابن الوردي ج1 ص408 ومآثر الإنافة ج1 ص307.
([325]) تاريخ الخلفاء ص418.
([326]) الإلمام ج4 ص32، وليراجع ص40 و41 منه.
([327]) الكنى والألقاب ج2 ص189 والبداية والنهاية ج12 ص289.
([328]) الإيضاح لابن شاذان ص201 و202، وراجع: الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص296 و299 و304 و305 و306 و307، وكتاب العلوم ج1 ص92.
([329]) راجع: دعائم الإسلام ج1 ص142، والبحار ج84 ص156 و130، وعلل الشرايع ج2 ص56، والبحر الزخار، وجواهر الأخبار والآثار بهامشه كلاهما ج2 ص192، ودلائل الصدق ج3 قسم2 ص100 عن مبادئ الفقه الإسلامي لمحمد سعيد العرفي ص38 عن سعد الدين التفتازاني في حاشيته على شرح العضد، على مختصر الأصول لابن الحاجب، وعن: الروض النضير ج2 ص42، ونقله في الإعتصام بحبل الله المتين ج1 ص310 عن التفتازاني في حاشيته على شرح العضد أيضاً.
([330]) الوسائل ج3 في أبواب إعداد الفرائض ونوافلها، باب عدد الفرائض اليومية، وجملة من أحكامها.
([331]) الآية165 من سورة الصافات.
([332]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج1 ص453، وسنن البيهقي ج1 ص262، وعن أبي داود في مراسيله، والدر المنثور ج5 ص293.
([333]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج1 ص455، وفي هامشه عن أبي داود.
([334]) البداية والنهاية ج3 ص331، وتفسير الطبري في سورة النساء الآية101.
([335]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص407، والسيرة الحلبية ج1 ص339، وغير ذلك.
([336]) وفاء الوفاء ج1 ص277.
([337]) الآية156 من سورة الأعراف.
([338]) الآية4 من سورة المؤمنون
([339]) الآية3 من سورة النحل والآية4 من سورة لقمان.
([340]) الآية7 من سورة فصلت.
([341]) الآية73 من سورة الأنبياء.
([342]) الآية31 من سورة مريم.
([343]) هذه الآية والتي سبقتها هي الآية31 و55 من سورة مريم.
([344]) الإصابة ج4 ص119، والبحار ج35 ص151، والطرائف ص304، والغدير ج7 ص368 عن نهاية الطلب للشيخ إبراهيم الحنبلي.
([345]) تدريب الراوي ج2 ص212 عن الطبراني في الأوسط، وذكر الشطر الأول من الحديث في الإصابة ج1 ص232.
([346]) الوسائل ج4 ص5، وفروع الكافي ج3 ص498.
([347]) الثقات لابن حبان ج1 ص65، وحلية الأولياء ج1 ص114 و116 عن ابن إسحاق، والبداية والنهاية ج3 ص70 و74 و69، وتاريخ الخميس ج1 ص290، وسنن البيهقي ج9 ص144، وسيرة ابن هشام ج1 ص360، ومجمع الزوائد ج6 ص27 و24 عن الطبراني وأحمد، ورجاله رجال الصحيح، وحياة الصحابة ج1 ص354 و357، عن بعض من تقدم، وعن فتح الباري ج7 ص30 وحسن إسناده.
([348]) راجع: الكافي ج3 ص497، وتفسير البرهان ج2 ص156.
([349]) السيرة الحلبية ج2 ص136.
([350]) البداية والنهاية ج3 ص254.
([351]) الآيات183 إلى185 من سورة البقرة.
([352]) تفسير القمي ج1 ص65.
([353]) فجر الإسلام ص76.
([354]) السيرة الحلبية ج2 ص132 و136، تفسير ابن كثير ج1 ص213 وراجع ص214.
([355]) البداية والنهاية ج2 ص252 عن أبي نعيم، ومجمع الزوائد ج8 ص244 عن الطبراني، وحياة الصحابة ج1 ص191 عنهما، وعن كنز العمال ج7 ص64 عن الروياني، وابن عساكر.
([356]) الآية183 من سورة البقرة.
([357]) أسد الغابة ج5 ص507.
([358]) المصنف ج4 ص289 و290، والبخاري ط الميمنية ج1 ص244، وصحيح مسلم ط صبيح بمصر ج3 ص150، والسيرة الحلبية ج2 ص132 و133، وتاريخ الخميس ج1 ص360، والبداية والنهاية ج1 ص274 وج3 ص355، وراجع: تفسير ابن كثير ج1 في آيات صيام شهر رمضان في سورة البقرة، ومشكل الآثار ج3 ص85 ـ90، وزاد المعاد ج1 ص164 و165.
([359]) المصادر المتقدمة، والموطأ ج1 ص279، والبخاري ط مشكول ج5 ص51، ومشكل الآثار ج3 ص86 و87، وزاد المعاد ج1 ص164 و165.
([360]) صحيح مسلم ج3 ص151.
([361]) صحيح مسلم ج3 ص151، وراجع المصادر المتقدمة.
([362]) راجع: زاد المعاد ج1 ص164 و165.
([363]) صحيح البخاري ط الميمنية ج4 ص67 باب فرق الشعر في اللباس، والسيرة الحلبية ج2 ص132، وزاد المعاد ج1 ص165.
([364]) راجع في ذلك كله مفتاح كنوز السنة فقد نقل ذلك عن البخاري كتاب60 و77 باب50 و67، وصحيح مسلم كتاب3 حديث16، وكتاب37 باب8، والترمذي كتاب44 حديث24، وكتاب22 باب10، وكتاب40 باب7، والنسائي كتاب3 و48 و83 على الترتيب، إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة المختلفة فراجع: مفتاح كنوز السنة وغيره. وراجع: مسند أبي يعلى ج10 ص398 و399 و366 وفي هامشه عن مصادر كثيرة.
([365]) زاد المعاد ج1 ص168 عن مسند أحمد، والنسائي.
([366]) السيرة الحلبية ج2 ص115، وسنن أبي داود ج2 ص250، ومسند أبي عوانة ج1 ص312.
([367]) المدخل لابن الحاج ج2 ص48.
([368]) المصدر السابق.
([369]) نهاية ابن الأثير ج3 ص240.
([370]) الجمهرة في لغة العرب ج4 ص212.
([371]) راجع: مقال حسن السقاف في مجلة الهادي سنة7 عدد2 ص36.
([372]) اليهود في القرآن ص20 و26.
([373]) راجع في بعض هذه الفضائل: تاريخ الخميس ج1 ص360 و361، والسيرة الحلبية ج2 ص133 و134، واللآلي المصنوعة ج1 ص108 ـ 116 وغير ذلك.
([374]) تقدمت بعض المصادر لذلك قبل حوالي ثلاث صفحات، وراجع: عجائب المخلوقات، مطبوع بهامش حياة الحيوان ج1 ص114.
([375]) الكنى والألقاب ج1 ص431، وراجع: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج1 ص137 عن الآثار الباقية ط أورپا ص329، وراجع: عجائب المخلوقات، مطبوع بهامش حياة الحيوان ج1 ص115، ونظم درر السمطين ص230.
([376]) الخطط والآثار للمقريزي ج1 ص490، وراجع: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج1 ص138 عنه.
([377]) الآية59 من سورة طه.
([378]) مصابيح الجنان ص291.
([379]) تاريخ واسط ص78.
([380]) راجع: عجائب المخلوقات (مطبوع بهامش حياة الحيوان ج1 ص115 و14) والسيرة الحلبية ج2 ص134، ونوادر الأصول للحكيم الترمذي ص246، واللآلي المصنوعة ج1 ص108 و116، ونظم درر السمطين ص230 واقتضاء الصراط المستقيم ص300، وتذكرة الموضوعات ص118، والدر المنثور ج4 ص303، والحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري ج1 ص138، والصواعق المحرقة ص182، والمدخل لابن الحاج ج1 ص289.
([381]) راجع في ذلك: تذكرة الموضوعات للفتني ص118، واللآلي المصنوعة ج1 ص108 ـ 116، والسيرة الحلبية ج2 ص134، واقتضاء الصراط المستقيم ص301، وراجع: الصواعق المحرقة ص181 و182، ونظم درر السمطين ص228 ـ 230، وراجع: المدخل لابن الحاج ج1 ص291 و290.
([382]) راجع: الصواعق المحرقة ص221، وإحياء علوم الدين ج3 ص125، والعواصم من القواصم وهوامشه، والإتحاف بحب الأشراف ص62 و68.
([383]) الصواعق المحرقة ص221.
([384]) اقتضاء الصراط المستقيم ص299 و300، ونظم درر السمطين ص228.
([385]) شذرات الذهب ج3 ص130 عن العبر، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص95 عنه، وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص145، والمنتظم لابن الجوزي ج7 ص206.
([386]) الآية23 من سورة الشورى.
([387]) البداية والنهاية ج11 ص275، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج1 ص94، وبحوث مع أهل السنة والسلفية ص144 و145.
([388]) بحوث مع أهل السنة والسلفية ص145.
([389]) البداية والنهاية ج11 ص275.
([390]) البداية والنهاية ج12 ص54.
([391]) جاء ما تقدم في مقال للمفكر والفيلسوف الإسلامي الكبير، المرحوم الشهيد الشيخ مرتضى المطهري، نشرته جريدة: (جمهوري إسلامي) الفارسية بتاريخ10 جمادى الثانية سنة1400 رقم261.
([392]) إنجيل متى، الإصحاح20 الفقرة 34.
([393]) سفر التثنية الإصحاح20 فقرة 10 ـ 17.
([394]) سفر التثنية الإصحاح13 فقرة 15.
([395]) راجع سفر التثنية، الإصحاح7 فقرة1 و2 وسفر صموئيل الأول، الإصحاح15، ورسالة بولس إلى العبرانيين، الإصحاح11 فقرة32 فما بعدها، وأنيس الأعلام ج5 ص302 ـ 316 وغير ذلك.
([396]) وإنما كان لمرتكب المنكر عقاب واحد ولم يعاقب عقابين: أحدهما على المنكر، والآخر على تسببه بالإضرار بالغير، من جهة أنه لم يسلب الآخرين عنصر الاختيار الذي لديهم، كما أنه لم يقصد هوذلك، فيكون فعله من ممهدات وقوع الغير في المعصية، وليس الجزء الأخير للعلة، وبإدخال عنصر القصد في المعصية وفي استحقاق العقوبة وعدمه، يعرف الفرق بين ما نحن بصدده، وبين قولهم: من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها.
([397]) الآية 25 من سورة الحديد.
([398]) راجع: خطبة الجهاد في نهج البلاغة (شرح محمد عبده) ج1 ص63 .
([399]) الآيتان 39 و40 من سورة الحج.
([400]) راجع: تاريخ الطبري ج2 ص131، والكامل لابن الأثير ج2 ص116.
([401]) راجع مقالاً حول هذا الموضوع للسيد هادي الخسروشاهي في كتاب سيماي إسلام (فارسي).
([402]) الجامع لأحكام القرآن ج8 ص44، وجامع البيان ج10 ص27، وتفسير المنار ج10 ص77.
([403]) الآيتان 65 و66 من سورة الأنفال.
([404]) الكافي ج1 ص334 و335، والبحار ج19 ص177 ـ 179، وراجع: مسند أحمد ج1 ص300 وغيره، والتهذيب للطوسي ج6 ص138 و139، والأموال ص35.
([405]) النظم الإسلامية لصبحي الصالح ص514.
([406]) التهذيب للطوسي ج6 ص174، والكافي ج1 ص334 و335، والبحار ج19 ص177 ـ 179.
([407]) التراتيب الإدارية ج2 ص22، والجامع الصحيح ج3 ص517.
([408]) تاريخ الخميس ج1 ص356، والسيرة الحلبية ج3 ص152، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص245.
([409]) السيرة النبوية لدحلان مطبوع بهامش السيرة الحلبية ج1 ص360 و359، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص359.
([410]) تاريخ الخميس ج1 ص359.
([411]) تاريخ الخميس ج1 ص363، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص241، والسيرة النبوية لدحلان بهامش الحلبية ج1 ص361.
([412]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص363، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص361، والسيرة الحلبية ج2 ص126، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص249.
([413]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص463 والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج1 ص361 والسيرة الحلبية ج2 ص126 وسيرة ابن هشام ج2 ص249.
([414]) الأوائل ج1 ص176، والسيرة الحلبية ج3 ص157، والإستيعاب ترجمة عبد الله بن جحش، وراجع أيضاً: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص252 و253، والمغازي للواقدي ج1 ص13، والطبقات الكبرى ج2 ص10 ط سنة1405 ه. وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص410 ـ413، والسنن الكبرى ج9 ص12، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص307 و308، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص29، وأسباب النزول ص36، والبحار ج20 ص189 و190 وراجع: رجال المامقاني ج2 ص173، وقصص الأنبياء للراوندي ص339، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص366، والكامل في التاريخ ج2 ص113، وتاريخ الخميس ج1 ص365، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص69، والدر المنثور للسيوطي ج1 ص251، ومجمع الزوائد ج6 ص198، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج1 ص362، وغير ذلك.
([415]) الآية217 من سورة البقرة.
([416]) راجع ذلك في: تاريخ الخميس ج1 ص366، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج1 ص363، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص254 و255.
([417]) السيرة الحلبية ج2 ص128، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص251.
([418]) البداية والنهاية ج3 ص247، والآحاد والمثاني مخطوط في كوبرلي رقم235، وصحيح ابن حبان مخطوط، والبحار ج19 ص188، ومسند أحمد ج4 ص263 و264، وتاريخ الطبري ج2 ص123 و124، والكامل لابن الأثير ج2 ص12 ط صادر، وسيرة ابن هشام ج2 ص249 و250، ومستدرك الحاكم ج3 ص140، وكنز العمال ج15 ص123 و124 عن المصنف، والبغوي، والطبراني في الكبير، وابن مردويه، وأبي نعيم في معرفة الصحابة، وابن النجار، وغيرهم، وعن ابن عساكر، وشواهد التنزيل ج2 ص342، ومجمع الزوائد ج9 ص136 و100 عن الطبراني في الأوسط والكبير، والبزار وأحمد، ووثق رجال عدد منهم، وتاريخ الخميس ج1 ص364، وترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عسـاكـر ج3 ص86 بتحقيق المحمودي، وأنسـاب الأشـراف ج2 ص90، والسيرة الحلبية ج2 ص126، وطبقات ابن سعد، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص303، ونقل أيضاً عن كتاب الفضائل = = لأحمد بن حنبل رقم295، والغدير ج6 ص334، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص226، والإمتاع للمقريزي ص55، وعلى كل حال، فإن من يراجع غزوة العشيرة في كتب التاريخ والحديث، يجد هذا الحديث مثبتاً في أكثر تلك المصادر.
([419]) السيرة الحلبية ج2 ص127، وأنساب الأشراف ج2 ص90.
([420]) البداية والنهاية ج3 ص347، والغدير ج6 ص336 عن سيرة ابن هشام ج2 ص237، وعمدة القاري ج7 ص630، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص363 عن صحيح البخاري، والمناقب للخوارزمي ص7، وأنساب الأشراف ج2 ص90، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص211.
([421]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج8 ص16.
([422]) المصدر السابق.
([423]) مناقب الخوارزمي ص256، وكشف الغمة ج1 ص363، البحار ج43 ص134.
([424]) البخاري ط مشكول ج5 ص36، والبحار ج28 ص76، وراجع: إحقاق الحق ج10 ص190، وحلية الأولياء ج2 ص40، وينابيع المودة ص360، 171، 173، والسنن الكبرى ج10 ص201 و64، ومستدرك الحاكم ج3 ص159، وتلخيصه بهامشه، وأعلام النساء ج4 ص125، وكنز العمال ج13 ص93، والإصابة ج4 ص378، وتهذيب التهذيب ج12 ص441، وثمة مصادر أخرى ذكرت ذلك تعقيباً على قصة مكذوبة هي قصة خطبة علي >عليه السلام< لبنت أبي جهل فراجع: ذخائر العقبى ص37 و38، وكفاية الطالب ص365، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص53، ونظم درر السمطين ص176، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج2 ص10، والخصائص للنسائي ص120، وصفة الصفوة ج2 ص13، والجامع الصحيح ج5 ص698، ومسند أحمد ج4 ص328 والبداية والنهاية ج6 ص333 والصواعق المحرقة ص188.
([425]) راجع: فرائد السمطين ج2 ص46، ومجمع الزوائد ج9 ص203، ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص52، وكفاية الطالب ص364، وذخائر العقبى ص39، = = وأسد الغابة ج5 ص522، وتهذيب التهذيب ج12 ص442، وينابيع المودة ص173 و174 و179 و198، ونظم درر السمطين ص177، ومستدرك الحاكم ج3 ص154 و158، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه، وكنز العمال ج13 ص96، وج6 ص219، وج7 ص111 والغدير ج7 ص231 ـ 236، وإحقاق الحق ج10 ص116، وراجع: السنن الكبرى ج7 ص64، والصواعق المحرقة ص186، وسير أعلام النبلاء ج2 ص132.
([426]) روضة الواعظين ص151.
([427]) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص93، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب >عليه السلام< لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج1 ص159، وصحيح ابن حبان ترجمة علي (مخطوط في مكتبة قبوسراي في استانبول)، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200، والغدير ج10 ص202.
([428]) سفينة البحار ج1 ص121.
([429]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص182 و183 وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص23 والفتوح لابن أكتم ج3 ص45 و135 وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص262 و240 و302 و331 و479.
([430]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص123، وراجع: البحار ج19 ص8، وإعلام الورى ص55، ومنتخب كنز العمال ج1 ص465 بهامش مسند أحمد عن البيهقي في الدلائل، وابن مردويه، وابن المنذر، وعن كنز العمال ج1 ص295 عن هؤلاء وعن الطبراني، والحاكم، وسعيد بن منصور، وعن روح المعاني ج6 ص98.
([431]) الآية 39 من سورة الحج.
([432]) وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص229، وراجع: أنساب الأشراف ج2 ص305، والفتوح لابن أعثم ج3 ص141، وراجع: ج2 ص299، وتاريخ الأمم والملوك ج4 ص9 وفيه: أن علياً >عليه السلام< سأل أولاً عن قبائل الشام، فلما أخبروه اتخذ قراره ذاك.
([433]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص299.
([434]) لباب الآداب ص187، والإصابة ج1 ص248، والجمل للمفيد ص194.
([435]) تاريخ الطبري ط مطبعة الاستقامة ج4 ص521.
([436]) راجع: الأمالي للصدوق ص102 وفرائد السمطين ج2 ص36 وراجع: البحار ج28 ص37 و38 و41 و51 و81 وج43 ص172 و156 والعوالم ص216 و217 و218 وكشف الغمة للأربلي ج2 ص36 وأنساب الأشراف للبلاذري ومسند أبي يعلى ج1 ص427 ومجمع الزوائد ج9 ص118 ومستدرك الحاكم ج3 ص139 والمطالب العالية ج4 ص61 ط دار المعرفة.
([437]) مسند أحمد ج6 ص339، ومجمع الزوائد ج9 ص34 عنه.
([438]) حياة الصحابة ج1 ص420.
([439]) معادن الحكمة ص154 و153 وراجع تعليقات العلامة الأحمدي على معادن الحكمة ص470 ـ 473 لتقف على مصادر كثيرة.
([440]) راجع: حياة الصحابة ج1 ص411 ـ 414 و409.
([441]) حياة الصحابة ج1 ص413، عن كنز العمال ج1 ص329 عن ابن عساكر.
([442]) راجع أواخر مقالنا: أبو ذر في كتابنا دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([443]) المصنف ج2 ص349 وفي هامشه عن مالك ج1 ص69 مختصراً.
([444]) راجع: حياة الصحابة ج1 ص414 و415 و416.
([445]) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص302.
([446]) الأغاني ج19 ص59.
([447]) معجم الأدباء ج5 ص266.
([448]) راجع: شذرات الذهب ج1 ص221.
([449]) تاريخ واسط ص173.
([450]) أسد الغابة ج2 ص20.
([451]) المعيار والموازنة ص22. مستدرك الحاكم ج3 ص104 والغدير ج10 ص163 عن صفين و268 و266 وعن شرح النهج ج1 ص483 وجمهرة خطب العرب ج1 ص179 و183.
([452]) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج4 ص328.
([453]) راجع شرح النهج للمعتزلي ج4 ص64.
([454]) الغدير ج9 ص122 عن صفين للمنقري ص402 وعن تاريخ الطبري ج6 ص23 وعن شرح النهج للمعتزلي ج2 ص278 وعن الكامل في التاريخ ج3 ص135.
([455]) غمص على فلان: كذب عليه، وغمص على فلان كلامه: أي عابه عليه.
([456]) أخبار الموفقيات ص332 ـ 334.
([457]) الحور العين ص215.
([458]) الحور العين ص215 للأمير نشوان الحميري.
([459]) المصدر السابق.
([460]) مسند أحمد ج5 ص285 وج6 ص7 وج4 ص283 و292 وج3 ص130 و249 وراجع حول فضل الأنصار مسند أحمد ج4 ص70 وج6 ص382 ومسند أبي يعلى ج7 ص191 و285 و286 ومنحة المعبود ج2 ص137 و138 وصحيح مسلم ج1 ص60 وسنن ابن ماجة ج1 ص140 و57 و58 وصحيح البخاري ج2 ص198 و199 ومجمع الزوائد ج10 ص39 و40.
([461]) راجع مجمع الزوائد ج9 ص376 عن الطبراني في الصغير والكبير، والبداية والنهاية ج3 ص203، وفتح الباري ج1 ص59،60 وليراجع باب حب الأنصار في مجمع الزوائد ج10 ص28 ـ 42 وسائر كتب الحديث فإن كثيراً منها قد عقدت فصلاً لفضائل الأنصار.
([462]) الموفقيات ص595 و596 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص33.
([463]) تاريخ ابن الأثير ج2 ص325.
([464]) التراتيب الإدارية ج2 ص325.
([465]) الدر المنثور ج5 ص42 عن ابن أبي حاتم، وأبي داود، وابن مردويه، وتفسير ابن كثير ج3 ص284 وراجع: مسند أبي عوانة ج1 ص317 وحياة الصحابة ج3 ص87.
([466]) راجع صحيح البخاري ج1 ص24 والمصنف لعبد الرزاق ج1 ص314 وفي الهامش عن البخاري ومسلم، وابن أبي شيبة، وعن كنز العمال ج5 رقم3145، وعن اهتمام نساء الأنصار بالفقه راجع: التراتيب الإدارية ج2 ص321.
([467]) الظاهر: أن الصحيح هو: لنستعينن.
([468]) المصنف للصنعاني ج5 ص358 و359.
([469]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج14 ص85 ومغازي الواقدي ج1 ص20 و21 والبحار ج19 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص143.
([470]) مغازي الواقدي ج1 ص131.
([471]) الآيتان5 و6 من سورة الأنفال.
([472]) الكامل لابن الأثير ج2 ص116.
([473]) البحار ج19 ص209 ومجمع البيان ج3 ص77 والدر المنثور ج2 ص184 عن: النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه، والبيهقي في سننه، وعبد بن حميد، وابن المنذر.
([474]) يفهم ذلك من إطلاقات روايات الدر المنثور فراجع.
([475]) راجع: مروج الذهب ج2 ص340 ومسند أحمد ج1 ص63 وراجع: حلية الأولياء ج1 ص160 والغدير ج8 ص351 وراجع: أنساب الأشراف ج5 ص52 وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص54 وج8 ص256 وتفسير الميزان ج9 ص251 ـ 258 وتاريخ الأمم والملوك وغير ذلك.
([476]) راجع: كشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص172 ومجمع الزوائد ج9 ص72.
([477]) راجع قاموس الرجال ج7 ص385 وعن كونه قد حد في الخمر راجع: الإصابة ج3 ص228 ـ 229 والإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص361 وأسد الغابة ج4 ص199 وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص23.
([478]) راجع: قاموس الرجال ج4 ص312 ـ 315.
([479]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص143 و144 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص136= = و137 والروض الأنف ج3 ص43 وتاريخ الخميس ج1 ص369 عن ابن إسحاق والمغازي للواقدي ج1 ص29 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص259 ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص29 و30 والكامل في التاريخ ج2 ص116 و117 وتاريخ الإسلام (المغازي) ص53 والبحار ج19 ص245 والبداية والنهاية ج3 ص357 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص382.
([480]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص261.
([481]) السيرة الحلبية ج2 ص145 وأنساب الأشراف ج1 ص292 وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص261 وتاريخ الخميس ج1 ص370 والمغازي للواقدي ج1 ص33 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص137والبداية والنهاية ج3 ص258.
([482]) السيرة الحلبية ج2 ص145، وراجع: صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة بدر، وباب علامات النبوة والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص384 و385 ورواه أحمد.
([483]) الآية14 من سورة النمل.
([484]) راجع: البحار ج19 ص294 و295، وروضة الكافي ص375، وتاريخ الطبري ج2 ص144، والكامل لابن الأثير ج2 ص121، وسيرة ابن هشام ج2 ص271، وتاريخ الخميس ج1 ص375 وراجع البداية والنهاية ج3 ص266 وأنساب الأشراف ج2 ص42 وفيه أنه حضر بدراً مع المشركين.
([485]) تاريخ الخميس ج1 ص163.
([486]) سيرة ابن هشام ج3 ص27 و28 والبداية والنهاية ج3 ص340.
([487]) البحار ج19 ص294.
([488]) شرح النهج ج14 ص78.
([489]) راجع السيرة الحلبية ج2 ص153.
([490]) راجع في ما تقدم السيرة لابن هشام ج2 ص271 والسيرة الحلبية ج2 ص154. وج1 ص291 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص31 و33.
([491]) راجع: مغازي الواقدي ج1 ص48، والسيرة الحلبية ج2 ص150، والدر المنثور ج3 ص166 عن دلائل النبوة للبيهقي، والبحار ج19 ص247، وتفسير القمي ج1 ص258.
([492]) الآية24 من سورة المائدة.
([493]) برك الغماد: يعني مدينة الحبشة كما في تاريخ الخميس ج1 ص373 وموضع من وراء مكة بخمس ليالٍ من وراء الساحل مما يلي البحر وهو على ثمان ليالٍ من مكة إلى اليمن. راجع مغازي الواقدي ج1 ص48.
([494]) تاريخ الخميس ج1 ص373، والسيرة الحلبية ج2 ص150 عن الكشاف ومغازي الواقدي ج1 ص48.
([495]) السيرة الحلبية ج2 ص150.
([496]) الدر المنثور ج3 ص163 و169 عن ابن جرير، وأبي الشيخ، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والكشاف، والبيهقي، وعبد بن حميد والبداية والنهاية ج3 ص263.
([497]) الآية7 من سورة الأنفال.
([498]) الآية 42 من سورة الأنفال.
([499]) راجع على سبيل المثال: البداية والنهاية ج3 ص262، والثقات ج1 ص157.
([500]) صحيح مسلم باب غزوة بدر ج5 ص170، ومسند أحمد ج3 ص219 بطريقين، وعن الجمع بين الصحيحين، والبداية والنهاية ج3 ص263، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص394.
([501]) صحيح البخاري باب تستغيثون ربكم ج3 ص3 ط الميمنية، والبداية والنهاية ج3 ص262 و263، وسنن النسائي.
([502]) البداية والنهاية ج3 ص263 و264 عن أبي حاتم وابن مردويه.
([503]) الآية36 من سورة الأحزاب.
([504]) الآية1 من سورة الحجرات.
([505]) الآية61 من سورة آل عمران.
([506]) سيرة ابن هشام ج2 ص272، وتاريخ الخميس ج1 ص376، والسيرة الحلبية ج2 ص155؛ والكامل لابن الأثير ج2 ص122، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص403 و402، والبداية والنهاية ج3 ص267، وغير ذلك.
([507]) الخَبَار: ما لان من الأرض واسترخى.
([508]) راجع: فتح القدير ج2 ص291 عن الزجاجو311، والكشاف ج2 ص223 و203، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 عن ابن عباس، وقتادة، والسدي، والضحاك، والدر المنثور ج3 ص171 عن ابن المنذر، وأبي الشيخ، والسيرة الحلبية ج2 ص154، وسيرة ابن كثير ج2 ص400 وعن الكشاف، وأنوار التنزيل، والمدارك، وغير ذلك.
([509]) وراجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص123.
([510]) راجع كتابنا: الإسلام ومبدأ المقابلة بالمثل.
([511]) راجع: الكشاف ج2 ص203 و204، وتفسير ابن كثير ج2 ص292 غير أنه لم يذكر اتخاذ الحياض.
([512]) الآية 11 من سورة الأنفال.
([513]) السيرة الحلبية ج2 ص149.
([514]) تاريخ الخميس ج1 ص371 عن الكشاف، والمناقب لابن شهر آشوب ج1 ص187، والبحار ج19 ص323، وهو عن تفسير العياشي ج2 ص25 و54، وحياة الصحابة ج1 ص493 عن الترغيب ج1 ص1316 عن ابن خزيمة. وراجع: المغازي للذهبي (تاريخ الإسلام) ص56 و59، والسيرة الحلبية ج2 ص149، ودلائل النبوة للبيهقي ط المكتبة العلمية ج3 ص38 و39 و49، والمغازي للواقدي ج1 ص27، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص35.
([515]) تاريخ الطبري ج2 ص135، والسيرة الحلبية ج2 ص149، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص388.
([516]) راجع: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج1 ص187، والبحار ج19 ص206، ومجمع البيان ج2 ص214، وحسب طبعة دار إحياء التراث المجلد الأول ص415، وتاريخ الخميس ج1 ص371.
([517]) راجع: البحار ج19 ص323 ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص40، والبداية والنهاية ج3 ص269، والسيرة الحلبية ج2 ص146، وحياة الصحابة ج1 ص603، وتاريخ الخميس ج1 ص371، وأنساب الأشراف ج1 ص290، ومجمع الزوائد ج6 ص93، والكامل في التاريخ ج2 ص118، وغير ذلك.
([518]) راجع ما تقدم في المصادر المتقدمة في الهوامش المختلفة.
([519]) تفسير القمي ج1 ص262.
([520]) راجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص187، والسيرة الحلبية ج2 ص146، والبحار ج19 ص244 و206، والكامل لابن الأثير ج2 ص118، ومجمع البيان، وغير ذلك، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص387.
([521]) التنبيه والإشراف ص204، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص387.
([522]) راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص298 و269، والمغازي للواقدي ج1 ص53، والبداية والنهاية ج3 ص263 و264، وراجع: دلائل النبوة ج2 ص327 و328، والسنن الكبرى ج9 ص147 و148، وزاد المعاد ج3 ص175، وصحيح مسلم ج5 ص170، وكشف الأستار ج2 ص311، والطبقات الكبرى ج2 ص15، وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص132 ـ 134 و142 والسيرة الحلبية ج2 ص152.
([523]) البحار ج19 ص250 عن تفسير القمي، وراجع مغازي الواقدي ج1 ص71.
([524]) لسوف يأتي: أن العير قد سلمت، لأن أبا سفيان قد سلك بها طريق البحر وابتعد عن المدينة وعن مسير المسلمين.
([525]) الآية42 من سورة الأنفال.
([526]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص271 و272، وتاريخ الخميس ج1 ص375، وتاريخ الأمم والملوك ط الإستقامة ج2 ص144، والسيرة الحلبية ج2 ص154، والكامل في التاريخ ج2 ص122، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج3 ص35، والبداية والنهاية ج3 ص266.
([527]) الآيتان 9 و10 من سورة الأنفال.
([528]) الآية 11 من سورة الأنفال.
([529]) الآية 11 من سورة ص.
([530]) مناقب الخوارزمي ص102، والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم النبيل، مخطوط في مكتبة كوبرلي رقم235، ومسند الكلابي في آخر مناقب ابن المغازلي ص434، ومناقب ابن المغازلي نفسه ص366، والإستيعاب هامش الإصابة ج3 ص33 و34، ومستدرك الحاكم ج3 ص11، وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومجمع الزوائد ج9 ص125. ونقل ذلك عن: شرح النهج للمعتزلي ط أولى ج2 ص102، وجمهرة الخطب ج1 ص428، والأغاني ط دار الكتب ج4 ص175، وتاريخ الطبري ط دار المعارف ج2 ص430.
([531]) ترجمة الإمام أمير المؤمنين من تاريخ ابن عساكر، بتحقيق المحمودي ج1 ص145، وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب، وطبقات ابن سعد ج3 قسم1 ص14، وكفاية الطالب ص336 عنه، وفي هامشه عن: كنز العمال ج6 ص398 عن الطبراني، والرياض النضرة ج2 ص202، وقال: أخرجه نظام الملك في أماليه.
([532]) راجع المصادر في الهامشين السابقين.
([533]) السيرة الحلبية ج2 ص147.
([534]) المصدر السابق ص147 و148.
([535]) المصدر السابق.
([536]) انتفاخ السحر: كناية عن الجبن. والسحر: الرئة.
([537]) والظاهر أنه يرميه بالأبنة؛ فإن الأنصار كانوا يرمونه بذلك. راجع: مجمع الأمثال ج1 ص251 عند قولهم: أخنث من مصفر أسته، والبرصان والعرجان ص102 و103 متناً وهامشاً، والغدير ج8 ص251 عن صواعق ابن حجر ص108 عن الدميري في حياة الحيوان، وراجع: الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة ج1 ص188.
([538]) سيرة ابن هشام ج2 ص222 و279، ومغازي الواقدي ج1 ص49 و55، والكامل لابن الأثير ج2 ص122، وشرح النهج للمعتزلي ج4 ص118، والسيرة الحلبية ج2 ص155 و156 و161 وغير ذلك من المصادر الكثيرة.
([539]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص118.
([540]) تاريخ الطبري ج2 ص172.
([541]) السيرة الحلبية ج2 ص123 و167، لكنه حاول توجيه ذلك بما هوخلاف صريح الكلام، فقال: إن المراد بالجهاد: الدعاء!!. كل ذلك من أجل أن يصح حديث العريش!!.
([542]) مغازي الواقدي ج1 ص78.
([543]) راجع: تاريخ الطبري ج2 ص135، والسيرة الحلبية ج2 ص123، والبداية والنهاية ج6 ص37، وحياة الصحابة ج2 ص677 عن أحمد، والبيهقي.
([544]) تفسير القمي ج1 ص264، والبحار ج19 ص313 و253، وسعد السعود ص102.
([545]) راجع: المناقب ج3 ص119 عن صاحب الأغاني وغيره..
([546]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص283، والعثمانية، قسم نقوض الإسكافي ص432، والبحار ج19 ص292، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص121.
([547]) ديوان السيد الحميري ص215، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص122.
([548]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص119، والبحار ج19 ص291.
([549]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص435، ونهج البلاغة بشرح عبده ج3 ص13، والغدير ج10 ص151.
([550]) تفسير القمي ج1 ص265، والبحار ج19 ص255، وفي شرح النهج للمعتزلي ج14 ص80: أن رسول الله استغفر له ولأبي طالب يومئذٍ. والغدير ج7 ص316.
وفي نسب قريش لمصعب ص94: أن عبيدة قال: >يا رسول الله ليت أبا طالب حياً = = حتى يرى مصداق قوله الخ..<.
وربما يقال: إن هذا هوالأنسب بأدب عبيدة وإخلاصه، ولكن لا؛ فإن قوله الآنف لا يضر في أدبه ولا في إخلاصه، حيث يرى نفسه قد ضحى بنفسه في سبيل الدين، فلا مانع من أن يقول ذلك.
([551]) الآية19 من سورة الحج.
([552]) البخاري ط الميمنية ج3 ص4، ومناقب ابن شهرآشوب ج3 ص118 عن مسلم، من دون قسم أبي ذر، ومستدرك الحاكم ج2 ص386، وصححه هو والذهبي في تلخيصه، والغدير ج7 ص202 عن: تفسير ابن كثير ج3 ص212، وتفسير ابن جزي ج3 ص38، وتفسير الخازن ج3 ص698، وتفسير القرطبي ج2 ص25 ـ 26، وصحيح مسلم ج2 ص550، وطبقات ابن سعد ص518، وبهذا قال ابن عباس، وابن خثيم، وقيس بن عباد، والثوري، والأعمش، وسعيد بن جبير، وعطاء.
([553]) الصواعق المحرقة ص80 .
([554]) مناقب الخوارزمي ص188، والكفاية للخطيب ص122.
([555]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص118 وغيره.
([556]) وفي أمالي المرتضى ج1 ص275، وإعلام الورى ص308، والبحار ج48 ص144، ومناقب ابن شهر آشوب ج4 ص316 أن الإمام الكاظم >عليه السلام< قال لنفيع الأنصاري:
>..وإن كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضوا مشركو قومي مسلمي قومك أكفاءهم حتى قالوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش<.
وأقول: لا منافاة بين الأمرين، فلعل المشركين لم يرضوا به، كما أنه "صلى الله عليه وآله" لم يرغب في البدأة بهم.
([557]) أنساب الأشراف ج2 ص81، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص77، وكتاب صفين لنصر بن مزاحم ص90، ونهج البلاغة باب الكتب الكتاب التاسع، والعقد الفريد ج4 ص336، ومناقب الخوارزمي ص176، ونهج البلاغة ج3 ص10 و11.
([558]) الآيتان 39 و40 من سورة الحج.
([559]) الآية 17 من سورة الأنفال.
([560]) البحار ج19 ص229 عن تفسير الثعلبي، والمناقب لابن شهراشوب ج1 ص189، وليراجع الحلبية ج2 ص167.
([561]) الآية15 من سورة الأنفال.
([562]) الآية12 من سورة الأنفال.
([563]) البحار ج19 ص285 عن المناقب.
ويروي الآخرون: أنهم كانوا على هيئة الزبير الذي كان عليه عمامة صفراء فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر كما في المستدرك للحاكم ج3 ص361، وحياة الصحـابـة ج3 ص586 عنه، وعن كنز العـمال ص268 عـن الطبراني وابـن = = عساكر، ومجمع الزوائد ج6 ص84، ولكن يعكر على هذا ما في دلائل النبوة لأبي نعيم ص170، وحياة الصحابة ج3 ص586 عنه من أن الملائكة كان عليهم يوم بدر عمائم بيض.
([564]) كتاب الجمل للشيخ المفيد ص186، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص257، وراجع الفتوح لابن أعثم ج2 ص325.
([565]) الفتوح لابن أعثم ج2 ص214.
([566]) البحار ج19 ص267 عن الاحتجاج، والتفسير المنسوب للإمام العسكري >عليه السلام< ص118 و119.
([567]) تاريخ الخميس ج1 ص375.
([568]) مغازي الواقدي ج1 ص102 و103، والكامل لابن الأثير ج2 ص118، والسيرة الحلبية ج2 ص183.
([569]) المناقب لابن شهر آشوب ج2 ص68.
([570]) نور القبس ص249.
([571]) أسد الغـابـة ج4 ص20 و21، وتـرجمـة الإمـام علي >عليه السلام< من تاريخ دمشق، بتحقيق المحمودي ج1 ص15، وإرشاد المفيد ص47، والمناقب لابن شهر آشوب ج3 ص121، والبحار ج19 ص282، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج2 ص188، وتيسير المطالب ص50. والجذع: الأسد. والمذاكي: الخيل بعد مضي خمس سنين من عمرها، وضربه فأقعصه: أي قتله مكانه. ولم يصفح: أي لم يضرب بصفح السيف.
([572]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص20، والبحار ج19 ص292، والمرعبل: المقطع.
([573]) راجع: نهج الحق الموجود في ضمن دلائل الصدق ج2 ص353. ولم يعترض عليه ابن روزبهان بشيء.
([574]) الإرشاد ص43 و44، والبحار ج19 ص277 و316 عنه، وإعلام الورى ص77.
([575]) المناقب لابن شهر آشوب ج3 ص120، والبحار ج19 ص291.
([576]) راجع: تفسير القمي ج1 ص271، والبحار ج19 ص240 عن مجمع البيان.
([577]) لباب الآداب ص173.
([578]) نور الأبصار ص86.
([579]) مغازي الواقدي ج1 ص147 ـ 152.
([580]) راجع: سيرة ابن هشام ج2 ص365 ـ 372، وشرح النهج للمعتزلي ج14 ص208 ـ 212.
([581]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص212، وابن هشام والواقدي وغيرهم.
([582]) المنمق ص456، والأغاني ط ساسي ج3 ص100.
([583]) سيرة ابن هشام ج2 ص368، والسيرة الحلبية ج2 ص145، وراجع نسب قريش لمصعب ص301.
([584]) مغازي الواقدي ج1 ص92، وسيرة ابن هشام ج2 ص289، ونسب قريش لمصعب ص176، والبداية والنهاية ج3 ص290، وتاريخ الخميس ج1 ص381، وحياة الصحابة ج2 ص333، والإصابة، والإستيعاب.
([585]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص19.
([586]) جمهرة أنساب العرب ص144.
([587]) الشعر والشعراء ص348.
([588]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص20.
([589]) دلائل الصدق ج3 قسم1 ص56.
([590]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص144 و145، والإرشاد ص46.
([591]) محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ج2 ص138.
([592]) راجع: فتح الباري ج7 ص234 و235، وصحيح البخاري هامش الفتح نفس الموضع، والكامل لابن الأثير ج2 ص29، وتاريخ الخميس ج1 ص386، والسيرة الحلبية ج2 ص82، وحياة الصحابة ج2 ص333 و334.
([593]) السيرة الحلبية ج2 ص82، وليراجع: مسند أحمد ج2 ص31 و38، وغير ذلك.
([594]) راجع: البخاري باب غزوة بدر، وليراجع: كلام المعتزلي في شرح النهج ج14 ص279.
([595]) راجع السيرة الحلبية ج2 ص82.
([596]) السيرة الحلبية ج2 ص61، وراجع: المصنف ج5 ص351.
([597]) سير أعلام النبلاء ج1 ص173، ومستدرك الحاكم ج3 ص195 و199، وتلخيص الذهبي (مطبوع بهامش المستدرك)، ومجمع الزوائد ج9 ص268، وحياة الصحابة ج1 ص571، وتاريخ الخميس ج1 ص164 و165.
([598]) روضة الواعظين ص87، والصراط المستقيم للبياضي ج1 ص277، وكنز الفوائد ج1 ص266، والغدير ج6 ص25 ـ 33 عن مصادر كثيرة جداً.
([599]) الإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص273، والإصابة ج1 ص354، وراجع: البحار ج44 ص140، والمسترشد ص57.
([600]) الإصابة ج3 ص31، والسيرة الحلبية ج2 ص161.
([601]) السيرة الحلبية ج2 ص161.
([602]) راجع: سيرة ابن هشام ج2 ص337، والطبري في ذيل تاريخه ص157، والإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص491، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص394، والإصابة ج1 ص486، وطبقات ابن سعد ج3 ص119.
([603]) البداية والنهاية ج3 ص275 و276 عن البيهقي وعن النسائي في اليوم والليلة، وحياة الصحابة ج1 ص502 عنه وعن كنز العمال ج5 ص267 عن الحاكم، والبزار، وأبي يعلى والفريابي.
([604]) وفاء الوفاء ج2 ص448.
([605]) المصدر السابق.
([606]) الآيتان 43 و44 من سورة الأنفال.
([607]) الآية 48 من سورة الأنفال.
([608]) الآية 5 من سورة الأنفال.
([609]) سيرة ابن هشام ج2 ص233، والبخاري ج1 ص46 و57، وج2 ص107، وج4 ص135 و163، وسنن الدارمي ج2 ص224، وصحيح مسلم ج2 ص63 ـ 65، والجامع الصحيح ج4 ص123، وكشف الأستار ج1 ص44، = = وج3 ص147، وسنن النسائي ج1 ص209 و210، وج6 ص3، ومسند أحمد ج1 ص98 و301، وج2 ص222 و264 و268 و314 و366 و412 و455 و501 وج3 ص304، وج4 ص416، وج5 ص145 و148 و162 و248 و256، ومجمع الزوائد ج6 ص65، وأمالي الطوسي ص56.
([610]) سنن البيهقي ج8 ص176، وحياة الصحابة ج3 ص770 عنه.
([611]) مصنف عبد الرزاق ج11 ص241 وهذا يؤيد أنه قتل وهو منهزم كما يصرح به البعض.
([612]) نشوار المحاضرات ج3 ص100.
([613]) راجع: الكامل لابن الأثير ج2 ص126، وتاريخ الخميس ج1 ص380، وسيرة ابن هشام ج2 ص279، والبداية والنهاية ج3 ص277 عن مسلم وأحمد، وسنن البيهقي ج9 ص99، ومستدرك الحاكم مختصراً ج3 ص426، وحياة الصحابة ج1 ص424 عن بعض من تقدم.
([614]) راجع: مستدرك الحاكم ج3 ص208، والبداية والنهاية ج3 ص274 عن الشيخين، وسنن البيهقي ج9 ص167، وحياة الصحابة ج2 ص652 ـ 653= = عنهم، وعن كنز العمال ج5 ص273 و275، وج7 ص76، وعن ابن سعد ج3 ص68.
([615]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص263، والإصابة ج3 ص35 عن الحاكم والبغوي، وابن سعد، والواقدي.
([616]) نسب قريش لمصعب ص156، والإصابة ج4 ص307.
([617]) الآيات 94 ـ 96 من سورة البقرة.
([618]) بلاغات النساء ص25 ط النهضة الحديثة، وأعلام النساء ج4 ص117.
([619]) الآية 12 من سورة الأنفال.
([620]) نهج البلاغة، الحكم رقم: 318.
([621]) راجع: المصنف ج5 ص456 و458 وغير ذلك.
([622]) شرح النهج للمعتزلي ج8 ص84 و85، وراجع ص87 و44.
([623]) شرح النهج للمعتزلي ج8 ص88.
([624]) شرح النهج للمعتزلي ج8 ص44.
([625]) راجع: وقعة الحرة في تاريخ الأمم والملوك، والكامل في التاريخ، وغير ذلك.
([626]) مناقب الإمام أحمد ص235.
([627]) مستدرك الحاكم ج3 ص333 وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة، وراجع مجمع الزوائد ج9 ص269، وحياة الصحابة ج2 ص487 و488 عمن تقدم.
([628]) وإذ كانت الضربات متوجهة إلى القائد المعصوم؛ فإنه يستطيع أن يتحمل، وأن يصمد، ويواجهها بالحكمة والروية وبما أوتيه من علم وعقل وصبر.
أما غيره فلربما يصعب عليه تحمل الصعاب، أو اتخاذ الموقف المناسب لتجاوزها؛ ولأجل هذا نجد النبي >صلى الله عليه وآله< كان يؤثر أن يكون علي >عليه السلام< هو المتعرض لقريش دون غيره.
([629]) معرفة الصحابة لأبي نعيم الورق22 مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم1/497، وشرح النهج للمعتزلي ج9 ص22.
([630]) مقتل الحسين للمقرم ص449 و450، واللهوف ص75 و76.
([631]) البحار ج19 ص298 و300، وروضة الكافي ص111 ـ 113.
([632]) الآيات 65 ـ 67 من سورة الأنفال.
([633]) الآية13 من سورة الحشر.
([634]) الآية249 من سورة البقرة.
([635]) الآية25 من سورة التوبة.
([636]) قد يقال: إن مقتضى كلامه: أنهما لو اجتمعا رجح على سبعة أمثال نفسه. ونقول مقصوده رحمه الله أن الصبر يضاعف الخمسة التي نشأت عن الفقه. وهذا هوالأنسب والأوفق بظاهر الآيتين، لأن بالفقه يحصل الصبر وسائر السجايا. والصبر يرجحه على مثليه.
([637]) راجع: الميزان للعلامة الطباطبائي ج9 ص122 ـ125.