الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج3
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الفصل الثاني:
روايات بدء الوحي
ما روي في بدء الوحي:
روى البخاري ومسلم وغيرهما، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة في بدء الوحي ما ملخصه: أن الملك جاء للنبي >صلى الله عليه وآله<، وهو في غار حراء، فقال: إقرأ.
قال: ما أنا بقارئ.
قال: فأخذني فغطني([1]) حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني.
فقال: إقرأ.
فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية، حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني.
فقال: إقرأ.
فقلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}([2]).
فرجع بها رسول الله >صلى الله عليه وآله< يرجف فؤاده؛ فدخل على خديجة بنت خويلد، فقال زمّلوني([3])، زمّلوني، حتى ذهب عنه الروع؛ فقال لخديجة ـ وقد أخبرها الخبر ـ: لقد خشيت على نفسي.
فقالت خديجة: كلا والله، ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة، حتى أتت به ورقة بن نوفل، بن أسد، بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءاً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا بن عم إسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة: ماذا ترى؟
فأخبره رسول الله >صلى الله عليه وآله< خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً([4])، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله >صلى الله عليه وآله<: أومخرجيّ هم؟
قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
ثم لم ينشب([5]) ورقة أن توفي، وفتر الوحي([6]).
وثمة روايات كثيرة أخرى متناقضة ومتعارضة، ونذكر منها على سبيل المثال:
1 ـ هناك رواية تقول: إن خديجة أرسلته مع أبي بكر إلى ورقة بن نوفل فأخبره >صلى الله عليه وآله< أنه يسمع نداءً خلفه: يا محمد، يا محمد، فينطلق هارباً في الأرض، فأمره ورقة أن يثبت؛ ليسمع ما يقول ثم يخبره، ففعل فناداه: يا محمد، قل: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} حتى بلغ، {وَلاَ الضَّالِّينَ} قل لا إله إلا الله، فأخبر ورقة؛ فبشره بأنه هو الذي بشر به ابن مريم؛ فلما توفي ورقة قال >صلى الله عليه وآله<: لقد رأيت القس في الجنة، عليه ثياب الحرير، لأنه آمن بي وصدقني([7]).
2 ـ ورواية أخرى تقول: بعد أن ذكرت: أن خديجة أخبرت ورقة بالأمر، فأخبرها أنه نبي هذه الأمة ـ إنه بعد مدة التقى بالنبي >صلى الله عليه وآله< وهما يطوفان، فسأله ورقة عما رأى وسمع؛ فأخبره، فأخبره ورقة أنه نبي هذه الأمة([8]).
3 ـ إنه لما أخبر النبي >صلى الله عليه وآله< خديجة بما رأى، بشرته بأنه نبي هذه الأمة، وأن الذي أخبرها بذلك هو غلامها ناصح، وبحيرا الراهب، وأمرها أن تتزوجه منذ أكثر من عشرين سنة، ولم تزل برسول الله حتى طعم، وشرب، وضحك، ثم خرجت إلى الراهب، وكان قريباً من مكة فأخبرته، فأخبرها: أن جبرئيل هو أمين الله، ورسوله إلى الأنبياء >عليهم السلام< ثم أتت عداساً، فسألته، فأخبرها بمثل ذلك.
ثم أتت ورقة، فأخبرها بمثل ذلك، ولكنها حلفته أن يكتم الأمر، فطلب منها أن ترسل ابن عبد الله إليه؛ ليسأله، ويسمع منه؛ مخافة أن يكون الذي جاءه هو غير جبرئيل، فإن بعض الشياطين يتشبه ليضل ويفسد، حتى يصير الرجل بعد العقل الرضي مدلّهاً مجنوناً، فرجعت إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، وأخبرته بمقالة ورقة، فنزل قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ، مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}([9]).
ولكنها أصرت عليه أن يذهب إلى ورقة، ففعل، وصدقه ورقة، فذاع قول ورقة وتصديقه لرسول الله >صلى الله عليه وآله<، فشق ذلك على الملأ من قومه([10]).
4 ـ إن خديجة طلبت منه أن يخبرها حين يأتيه الملك ففعل، فأمرته أن يجلس إلى شقها الأيمن؛ ففعل، فلم يذهب الملك، فأجلسته في حجرها، فلم يذهب، فتحسرت فشالت خمارها، ورسول الله >صلى الله عليه وآله< في حجرها، فذهب الملك، فقالت: ما هذا بشيطان، إن هذا لملك يا ابن عم، فاثبت وابشر.
وفي رواية: أنها أدخلت رسول الله بين جلدها ودرعها، وأخرجت رأسه من جيبها؛ فذهب جبرئيل >عليه السلام< عند ذلك([11]).
وفي رواية: أن ذلك كان بإشارة ورقة([12]).
5 ـ في رواية: إن ورقة قال لخديجة: إسأليه من هذا الذي يأتيه، فإن كان ميكائيل، فقد أتاه بالخفض والدعة واللين وإن كان جبرئيل، فقد أتاه بالقتل والسبي؛ فسألته، فقال: جبرئيل، فضربت خديجة جبهتها([13]).
6 ـ وفي رواية: أنه لما أتاه الوحي قال:
>.. إن الأبعد ـ يعني نفسه ـ لشاعر أو مجنون، لا تُحَدّث بها قريش عني أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل؛ فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها، ولأستريحن<.
قال: فخرجت أريد ذلك حتى إذا كان في وسط جبل سمع صوتاً من السماء يقول يا محمد أنت رسول الله.
ثم تستمر الرواية حتى تذكر: أنه ذكر لخديجة: أن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك بالله من ذلك، ثم التقت بورقة؛ فأرسل إليه بالثبات، ثم التقى به في الطواف، فجرى له معه ما جرى([14]).
وعند السهيلي وغيره: أن خديجة سألت ورقة، وعداساً، ونسطوراً، عن أمر رسول الله >صلى الله عليه وآله<([15]).
7 ـ وفي رواية: أن عداساً أعطاها كتاباً لتضعه على النبي >صلى الله عليه وآله<؛ فإن كان مجنوناً شفي، وإلا لم يضره شيئاً، فلما عادت إليه بالكتاب وجدت معه جبرئيل يقرئه الآيات من سورة القلم، ففرحت، وأخذته إلى عداس، فكشف عداس عن ظهره؛ فوجد خاتم النبوة بين كتفيه إلخ..([16]).
ويروي البعض: أنه >صلى الله عليه وآله< لما أخبرها بجبرئيل كتبت إلى بحيرا الراهب، وقيل: سافرت بنفسها إليه لتسأله عن الأمر([17]).
8 ـ في رواية: أنه >صلى الله عليه وآله< حين ذهب ليتردّى من شواهق الجبال، كان إذا ارتقى بذروة جبل، تبدّى له جبرئيل، ويخاطبه بالرسالة، فيسكن جأشه، وتطمئن نفسه([18]).
9 ـ ويروون أيضاً: أنه كان >صلى الله عليه وآله< قبل النبوة يتعرض للرعدة، وتغميض العينين، وتربّد الوجه، ولما يشبه الإغماء، ويغط كغطيط البكر([19]).
10 ـ وفي رواية: أنه >صلى الله عليه وآله< عاد إلى أهله مسروراً موقناً: أنه قد رأى أمراً عظيماً، فلما دخل على خديجة قال: أريتك الذي كنت حدثتك: أني رأيته في المنام؛ فإن جبرئيل استعلن إلي، أرسله إلي ربي عز وجل، وأخبرها بالذي جاءه من الله، وما يسمع منه، فقالت له: أبشر، فوالله لا يفعل الله بك إلا خيراً، واقبل الذي جاءك من أمر الله، فإنه حق، وأبشر؛ فإنك رسول الله حقاً.
ثم انطلقت إلى عداس النصراني، غلام عتبة بن ربيعة من أهل نينوى، فسألته عن جبرئيل؛ فتعجب من ذكر جبرئيل بتلك الأرض، ثم أخبرها بأنه أمين الله بينه وبين الأنبيـاء >عليهم السـلام<، ثم جاءت إلى ورقـة إلخ..([20]).
هذا غيض من فيض، مما قيل ويقال حول ما جرى حين بدء الوحي، وكيفيته وملابساته، من روايات، وأقاويل متضاربة ومتناقضة.
ولننتقل الآن إلى الإشارة إلى بعض ما لنا من مناقشات في تلك الأراجيف المتقدمة، متوخين الإيجاز والاختصار مهما أمكن فنقول:
مناقشة روايات بدء الوحي:
إننا في مجال بيان ما في تلك الروايات من خلل وخطل، لا نستطيع أن نستوعب كل ما فيها من نقاط ضعف؛ لأن استيعاب ذلك ـ كما يبدو ـ يحتاج إلى وقت طويل، بل إلى مؤلف مستقل.. ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، لأننا نريد أن نسهم بدورنا في الذب عن مقام النبوة الأقدس، ولو بشكل محدود ومقتضب، وما نريد أن نشير إليه هنا هو:
أولاً: من حيث السند، وحيث إن العمدة في ذلك هو ما ورد في الصحيحين وغيرهما، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، فنحن نكتفي بالإشارة الإجمالية إلى حال هؤلاء، فنقول:
ألف ـ الزهري: كان من أعوان الظالمين، ومن الذين يركنون لهم([21])، وكان عاملاً لبني أمية([22]) ويقول المحقق التستري: إنه كان كاتباً لهشام بن عبد الملك، ومعلماً لأولاده([23]).
وعده الثقفي من فقهاء الكوفة الذين خرجوا عن طاعة علي >عليه السلام<، وكانوا أهل عداوة له وبغض، وخذلوا عنه([24]).
وجلس هو وعروة في مسجد المدينة فنالا من علي >عليه السلام<، فبلغ ذلك السجاد >عليه السلام<، فجاء حتى وقف عليهما.
فقال: أما أنت يا عروة، فإن أبي حاكم أباك، فحكم لأبي على أبيك وأما أنت يا زهري؛ فلو كنت أنا وأنت بمكة لأريتك كنّ([25]) أبيك([26]).
ونحن لا نستطيع أن نثق بأعوان الظلمة، وبمبغضي علي >عليه السلام<، كيف وقد قال >صلى الله عليه وآله<: >من سب علياً فقد سبني<؟([27]).
ب ـ عروة بن الزبير، عن عروة قال: أتيت عبد الله بن عمر بن الخطاب (رض)؛ فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجلس إلى أئمتنا هؤلاء، فيتكلمون بالكلام، نعلم أن الحق غيره؛ فنصدقهم، ويقضون بالجور، فنقويهم، ونحسنه لهم؛ فكيف ترى في ذلك؟
فقال: يا بن أخي، كنا مع رسول الله >صلى الله عليه وآله< نعد هذا النفاق؛ فلا أدري كيف هو عندكم([28]).
فعروة يعتبر أئمة الجور أئمته، وابن عمر يحكم عليه بالنفاق، وعده الإسكافي من التابعين، الذين كانوا يضعون أخباراً قبيحة في علي >عليه السلام<([29])، وكان يتألف الناس على روايته([30]).
وروى عبد الرزاق، عن معمر، قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة، عن عائشة في علي >عليه السلام<، فسألته عنهما يوماً.
فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما؟ إني لأتهمهما في بني هاشم([31]).
وكان عروة إذا ذكر علياً نال منه([32])، ويصيبه الزمع؛ فيسبه، ويضرب إحدى يديه على الأخرى إلخ([33]).
وبعد ذلك كله؛ فإنه لم يثبت سماع الزهري عنه، ولكن أهل الحديث اتفقوا على ذلك([34]).
ج ـ أما عائشة: التي حاربت علياً وعادته، والتي يتهمها الزهري بأنها لا تؤمن في بني هاشم؛ فقد أرسلت هذه الرواية، ولم تبين لنا عمن روتها، فإنهم يقولون: إنها قد ولدت بعد البعثة، وإن كنا نحن نناقش في ذلك([35]).
وأخيراً، فإن لنا كلاماً طويلاً في بقية الأسانيد في الصحاح وغيرها لا مجال له هنا، ونكتفي بهذا القدر، لنشير إلى بقية ما في الرواية من هنات.
ثانياً: تناقض الروايات الظاهر لدى كل أحد، ويظهر ذلك بالملاحظة والمقارنة، ونكل ذلك إلى القارئ نفسه، وهذا يعطي أن هناك طائفة من الروايات مكذوبة لأن هذا الاختلاف لم يكن بالزيادة والنقيصة ليمكن قبوله؛ على اعتبار أن أحد الرواة قد حفظ ولم يحفظ الراوي الآخر.. أو تعلق غرضه بهذا النحو من النقل، وذاك بنحو آخر، وكذا لو كان التناقض في مورد واحد مثلاً، فلربما يمكن الاعتذار عن ذلك بأن من الممكن وقوع الاشتباه غير العمدي من أحد النقلة.
ولكن الأمر هنا أبعد من ذلك، فإن التناقض والاختلاف إن لم يكن في كل ما تضمنته تلك الروايات من نقاط، ففي جلها مما يعني أن ثمة تعمداً للوضع والجعل، وقديماً قيل: >لا حافظة لكذوب<.
هذا كله، مع غض النظر عن المناقضة بين هذه الروايات وبين الرواية التي يذكرها البخاري نفسه في أول كتابه بعد هذه الرواية مباشرة من أن أول ما نزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو سورة المدثر، ويلاحظ أنه ليس في تلك الرواية ذكر لأي شيء من تلك الأمور الغريبة والعجيبة التي تضمنتها رواية عائشة السابقة عليها؛ فإن عدم ذكرها لشيء من ذلك يورث الشك والريب، ويثير أكثر من سؤال عن السبب في إهمال التعرض لذلك.
ثالثاً: إن رواية الصحاح، بل وسائر الروايات تذكر:
أن جبرئيل قد أخذ النبي >صلى الله عليه وآله< فغطه، أي عصره وحبس نفسه أو خنقه حتى بلغ منه الجهد، أو حتى ظن أنه الموت، ثم أرسله، وأمره بالقراءة؛ فأخبره النبي >صلى الله عليه وآله<: أنه لا يعرفها، فلم يقنع منه، بل عاد فغطه، ثم أرسله، وهكذا ثلاث مرات.
ولنا على هذا الكلام العديد من الأسئلة.
فإننا لا نعرف ما هو المبرر لذلك كله؟
وكيف جاز لجبرئيل أن يروع النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وأن يؤذيه بالعصر والخنق، إلى حد أنه >صلى الله عليه وآله< يظن أنه الموت، يفعل به ذلك، وهو يراه عاجزاً عن القيام بما يأمره به ولا يرحمه، ولا يلين له!!
ولماذا يفعل به ذلك ثلاث مرات، لا أكثر ولا أقل؟!.
ولماذا صدقه في الثالثة، ولا يصدقه في المرة الأولى؟ أو الثانية؟!
وإذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< قد كذب عليه أولاً، فكيف بقي أهلاً للنبوة؟! وإذا كان قد صدقه فلماذا لم يقتنع جبرئيل بكلامه، وعاد فخنقه حتى ليظن أنه الموت؟!.
وأيضاً، هل جاء جبرئيل إليه بكتاب ليقرأه؛ إذ إن قوله >صلى الله عليه وآله<: >ما أنا بقارئ< إنما يصح لو كان >صلى الله عليه وآله< قد فهم أن جبرئيل يأمره بالقراءة نفسها ـ لا بتعلم القراءة ـ كما ذكره السندي([36]).
وإذا كان المراد: القراءة بمعنى التلاوة؛ فلماذا يطلب منه جبرئيل ذلك، قبل أن يتلو عليه شيئاً؟. ثم لماذا يعاند هو ويرفض ذلك؟!
وبعد هذا كله، لماذا يستسلم النبي >صلى الله عليه وآله< لجبرائيل ليعذبه على هذا النحو الذي لا مبرر له؟
ثم لماذا يرجع مرعوباً خائفاً؟! ألم يكن باستطاعته أن يلطمه لطمة يقلع بها عينه؟ كما فعل موسى بملك الموت من قبل؟! حيث إنه لما جاء ليقبض روحه، لطمه على عينه فقلعها، كما نص عليه البخاري، وكثير من المصادر الأخرى!!([37]).
أم يعقل: أنه كان ـ والعياذ بالله ـ جباناً إلى هذا الحد؟! وكانت الشجاعة من مختصات نبي الله موسى وحده؟!
وأخيراً، كيف يخاف نبينا هنا، والله تعالى يقول: {يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ}([38]).
قد ورد أن زرارة بن أعين سأل الإمام الصادق >عليه السلام<: كيف لم يخف رسول الله >صلى الله عليه وآله< فيما يأتيه من قبل الله أن يكون مما ينزع به الشيطان؟
فقال: إن الله إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله مثل الذي يراه بعينه([39]).
إشارة:
هذا، ومن المضحك المبكي هنا: أن نجد البعض يحاول أن يستدل بهذه الرواية على رأي يكذبه العقل والنقل، وبالذات يكذبه نص القرآن الكريم؛ فنراه يجعل ذلك دليلاً على جواز التكليف بما لا يطاق([40]) ـ كما هو مذهبهم ـ الأمر الذي يصادم العقل والفطرة، ويخالف القرآن، كما في قوله تعالى:
{لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}([41])، وقوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}([42])، وقوله: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}([43]) وغير ذلك كثير.
رابعاً: حول ما يذكر من خوفه >صلى الله عليه وآله<، ودور زوجته وورقة وغيرهما في بعث الطمأنينة في نفسه نذكر:
ألف: كيف يجوز إرسال نبي يجهل نبوة نفسه، ويحتاج في تحقيقها إلى الاستعانة بامرأة، أو نصراني؟ ألم تكن هي فضلاً عن ذلك النصراني أجدر بمقام النبوة من ذلك الخائف المرعوب الشاك؟
وحتى لو قبلنا ذلك، فمن أين علم: أن تلك المرأة وذلك الرجل قد صَدَقاه، وقالا الحقيقة؟
ولماذا لم يستطع هو أن يدرك ما أدركته تلك المرأة، وذلك النصراني؟! أم يعقـل أن يكون كــلاهما أكبر عقـلاً وأكثر معرفة بـالله وتفضلاته منه؟! نعوذ بالله من الزلل في القول والعمل.
وإذا جاز أن يرتاب هو مع معاينته لما يأتيه من ربه، فكيف ينكر على من ارتاب من سائر الناس، مع عدم معاينتهم لشيء من ذلك؟!.
قال السندي: >مقتضى جواب خديجة، والذهاب إلى ورقة: أن هذا كان منه على وجه الشك، وهو مشكل بأنه لما تم الوحي صار نبياً، فلا يمكن أن يكون شاكاً بعد في نبوته، وفي كون الجائي عنده ملكاً من الله، وكون المنزل عليه كلام رب العالمينصلى الله عليه وآله< أراد اختبار خديجة، وأن يمهد لإعلامها بالأمر([44]).
وهو توجيه عجيب، فإننا لم نعهد منه >صلى الله عليه وآله< اتباع مثل هذه الأساليب الملتوية في الوصول إلى مقاصده ونحن نجله >صلى الله عليه وآله< عن نسبة الكذب إليه على خديجة، معاذ الله، ثم معاذ الله!!.
ثم.. كيف يتناسب ذلك مع كونه أراد أن يلقي نفسه من شواهق الجبال، وغير ذلك مما تقدم مما ذكرته روايات الوحي؟!
وأيضاً، كيف يبعث الله رجلاً، لم يتعهده بالتربية والإعداد، بحيث يستطيع أن يكون في مستوى الحدث العظيم الذي ينتظره؟!
نعم، كيف أهمله هكذا، حتى إنه حين بعثته ليبدو مذعوراً خائفاً، ظاناً بنفسه الجنون، يريد أن يلقي بنفسه من شواهق الجبال، حتى كأنه طفل تائه، يملأ قلبه الهم، يحتاج إلى من يطمئنه، ويهديه، ويأخذ بيده، ولو امرأة أو أي إنسان عادي آخر؟!
هذا كله عدا عن أن ذلك يدل والعياذ بالله على ضعف إرادته، وضالة شخصيته.
وأين ذهبت عن ذاكرته تلك الكرامات التي كان يواجهها، دون كل أحد، كتسليم الشجر والحجارة عليه([45])، والرؤيا الصادقة، وغير ذلك مما ذكره المؤلفون والمؤرخون؟!.
ب: قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}([46]).
وقال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالحقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}([47]).
وقال: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي}([48]) وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}([49]).
إذن، فالنبوة، وتنزيل القرآن، ليسا إلا لتثبيت المؤمنين، ولتثبيت فؤاد النبي >صلى الله عليه وآله<، وهذا يتنافى مع قولهم: إن نفسه الشريفة قد سكنت اعتماداً على قول نصراني، أو امرأة.
كما أن من الواضح: أنه لا حجة بينة في قول ورقة، أو خديجة، فكيف صح أن يقول: قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني؟
خامساً: لا بد من الإشارة إلى بعض الكلام حول ورقة، ونسطور، وعداس، وبحيرا وغيرهم، ممن ذكرت أسماؤهم فيما تقدم، وعمدة الروايات تتجه نحو ورقة، وتركز عليه، لا سيما وأنه هو الذي نص عليه البخاري، وغيره من المصادر الموثوقة لدى غير الشيعة.
ألف ـ أما نسطور، وبحيرا، فهما الراهبان اللذان تنسب إليهما القضية التي جرت للنبي >صلى الله عليه وآله< في صغره، حينما سافر مع أبي طالب إلى الشام، وبصرى حيث بشر نسطور أو بحيرا بنبوة النبي >صلى الله عليه وآله<، وأمر بإعادته >صلى الله عليه وآله< إلى مكة كما تقدم.
وإذا كان بحيرا أو نسطور في بصرى ـ وهي قصبة كورة حوران في الشام من أعمال دمشق ـ فيرد السؤال: كيف سافرت خديجة من مكة إلى الشام هذه السفرة الطويلة؟ أو متى كتبت إليه فأجابها؟
مع أنهم يقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< بعث في أول يوم، فأسلم علي وخديجة >عليهما السلام< في اليوم الثاني، وصليا معه مسلمين مؤمنين بنبوته([50]).
وهل كان في ذلك الزمان طائرات؟ أو أنها سافرت على بساط الريح، أو طويت لها الأرض؟! ولا ندري، فلعلهما قد انتقلا ليسكنا قرب مكة، لتتمكن خديجة من استشارتهما في الوقت المناسب، ثم لا يعود يسمع لهما ذكر أصلاً، لأن مهمتهما قد انتهت (!!!).
ب ـ وعداس، أليس هو الذي أسلم على يد النبي >صلى الله عليه وآله< في الطائف بعد عشر سنين من البعثة أي بعد وفاة أبي طالب >عليه السلام<؟ وتروى القصة بنحو يدل أن عداساً لم يكن يعرف النبي >صلى الله عليه وآله< قبل ذلك([51]) ولا سمع به.
كما أن الروايات تنص على أن جوابه هو نفس جواب ورقة، وعلى أنه كان ـ كورقة ـ راهباً، كبير السن، قد وقع حاجباه على عينيه، وقد ثقل سمعه إلخ. وهذه الأوصاف يشاركه فيها غيره ممن سألتهم خديجة ما عدا ثقل السمع، الذي عوض عنه ورقة المسكين بالعمى..
واحتمال أن يكون عداس هذا غير ذاك، ليس له ما يؤيده، أو يشير إليه.
ويبقى هنا سؤال أخير، وهو: أنه كيف لم يسمع بإسلام هؤلاء: بحيرا، وعداس، ونسطور، من حين بعثته >صلى الله عليه وآله<، مع معرفتهم بأن النبي >صلى الله عليه وآله< قد بعث، ومع أن سند نبوته قد تلقاه >صلى الله عليه وآله< منهم، حسب نص الروايات المتقدمة؟.
كما أن رواية عداس تقول: إنه لما عادت خديجة من عند عداس، إذا بجبرئيل يقرئ النبي >صلى الله عليه وآله< سورة القلم، وهذا مخالف لما يذكره المفسرون:
من أن هذه السورة إنما نزلت حينما وصف المشركون النبي >صلى الله عليه وآله< بأنه مجنون([52])، وواضح: أن هذا لم يحصل إلا بعد انتهاء فترة الدعوة السرية، وحينما صدع بما يؤمر به، كما هو معلوم.
ج ـ أما ورقة: فإنهم بالإضافة إلى ما ينسبونه إليه من دور هام في تثبيت نبوة نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله<، نجدهم يذكرون: أنه >صلى الله عليه وآله< قد قال عن ورقة كلاماً يدل على أنه في الجنة، ولكنهم اختلفوا في نص ذلك الكلام.
ففي رواية أنه >صلى الله عليه وآله< قال: >لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة، أو جنتين..< أو >رأيته في ثياب بيض<.
وفي أخرى: >لقد رأيت القس ـ يعني ورقة ـ في الجنة عليه ثياب الحرير<.
وفي ثالثة: >أبصرته في بطنان الجنة وعليه ثياب السندس<.
وفي رابعة: >قد رأيته فرأيت عليه ثياباً بيضاً، وأحسبه لو كان من أهل النار لم تكن عليه ثياب بيض<([53]).
وعده ابن مندة في الصحابة، وعده الزين العراقي على: أنه أول من أسلم، ومال إليه البلقيني([54]).
وتقدم في الروايات حول بدء الوحي، التي هي موضع المناقشة: أنه صدق النبي >صلى الله عليه وآله<، وعرفه أنه نبي، ووعده النصر، ثم لم ينشب أن توفي.
هذا ما قيل عنه، ولكننا نجد في مقابل ذلك:
1 ـ إن ابن عساكر يقول: >لا أعرف أحداً قال: إنه أسلم<([55]).
2 ـ وابن الجوزي يقول إنه: >آخر من مات في الفترة، ودفن في الحجون، فلم يكن مسلماً<. وكذا قال غيره([56]).
3 ـ وابن عباس يقول: >مات على نصرانيته<([57]).
4 ـ لقد مات على نصرانيته، مع أنه عاش بعد البعثة عدة سنوات، فكيف يدخل الجنة إذاً؟ ويدل على أنه عاش بعد البعثة عدة سنوات، ما رواه غير واحد، من أنه كان يمر ببلال وهو يعذب، ونهاهم عنه فلم ينتهوا؛ فقال: والله، لئن قتلتموه لأتخذن قبره حناناً([58]) وتعذيب بلال إنما كان بعد الإعلان بالدعوة كما هو معروف.
وكيف يصح قول البعض: إنه مات بعد النبوة وقبل الرسالة؟! ([59]).
وقد أسلم علي وخديجة، وصلَّيا ثاني يوم البعثة، بدعوة منه >صلى الله عليه وآله<، فلماذا بقي ورقة على نصرانيته هذه السنين المتعددة؟.
هذا، عدا عن أن البعض قد استنتج مما رواه البخاري وغيره، من أن سورة المدثر كانت أول ما نزل عليه >صلى الله عليه وآله<، وبالذات من قوله: {قُمْ فَأَنذِرْ} ـ استنتج ـ : أن البعثة كانت مقترنة بالنبوة([60]).
5 ـ قال في الإمتاع وغيره: إن ورقة قد توفي في السنة الرابعة للمبعث أو بعد تتابع الوحي([61]).
6 ـ نقل عن الواقدي: أنه توفي بعد الأمر بالقتال([62]) ـ وكان ذلك بعد الهجرة، وعليه فكيف يكـون ورقة في الجنة عليه ثياب السندس أو الحرير؟! ـ وكيف يكـون هو في الجنة، وأبو طالب حامي الإسلام والدين في ضحضاح من نار؟!.
وبعد ذلك كله، فإننا لم نفهم سبب تردد النبي >صلى الله عليه وآله< في أن يكون له جنة أو جنتان، ولا نفهم أيضاً،لماذا قال:
وأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض، أم لعله نسي أنه قد قال: إنه رآه في الجنة عليه ثياب السندس أو الحرير؟! أو أن النبي نفسه >صلى الله عليه وآله< قد ترقى وتدرج في التعرف على ما لورقة من مقام؟! أم أن ورقة نفسه قد ترقى في مدارج القرب والزلفى؟!.
وأخيراً، فإننا لا ندري بعد ورود تلك الأقوال فيه لمـاذا لم يحكم المسلمون جميعاً بأنه أول من أسلم، لا علي ولا خديجة، ولا غيرهما؟! ولماذا لا يعدونه من جملة الصحابة؟!.
وكيف يقولون: إنه توفي وهو على نصرانيته، ثم كيف يدخل هذا النصراني الجنة؟!.
كانت تلك بعض الأسئلة التي تحتاج إلى جواب. وأنى؟!.
وثمة أسئلة أخرى:
هذا غيض من فيض مما يرد على تلك الروايات، وبقي فيها الكثير من الأسئلة، التي تحتاج إلى جواب:
فمثلاً: حول ذهاب الملك حينما كشفت خديجة قناعها، وأدخلته >صلى الله عليه وآله< بين درعها وجلدها.
يرد سؤال: هل كان الحجاب في ذلك الوقت مفروضاً تلتزم به النساء؟، وكيف ذلك؟ وهم يقولون: إن الحجاب قد فرض في المدينة بعد الهجرة؟ وبعد وفاة خديجة >عليها السلام< بسنوات؟! فكيف إذن أدركت خديجة أن الملك يذهب إذا كانت بلا قناع؟!.
وأيضاً هل الملك مكلف بعدم النظر إلى نساء البشر؟! وهل للملك شهوة كشهوة الإنسان لا بد من الاحتراس منه لأجلها؟ ومن أين عرفت خديجة كل ذلك؟!.
إلى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي لن تجد لها عند هؤلاء الجواب المقنع والمفيد.
ومن الطعن في النبوة أيضاً:
وبالمناسبة، فإن كل ما تقدم لم يكفهم، بل زادوا عليه قولهم: إنه قد كان للنبي >صلى الله عليه وآله< عدو من شياطين الجن يسمى الأبيض، كان يأتيه في صورة جبرئيل، ولعله هو الشيطان الذي أعانه الله عليه فأسلم ـ كما يقولون([63]).
وشيطانه هذا الذي أسلم كان يجري منه مجرى الدم([64]).
وكان يدعو الله بأن يخسأ شيطانه؛ فلما أسلم ذلك الشيطان ترك ذلك([65]).
ورووا أنه عرض للنبي >صلى الله عليه وآله< في صلاته قال: فأخذت بحلقه فخنقته فإني لأجد برد لسانه على ظهر كفي([66]).
ويروون أيضاً: أنه >صلى الله عليه وآله< قد صلى بهم الفجر، فجعل يهوي بيديه قدامه، وهو في الصلاة؛ وذلك لأن الشيطان كان يلقي عليه النار؛ ليفتنه عن الصلاة([67]).
ونقول:
ونحن لا نشك في أن هذا كله من وضع أعداء الدين؛ بهدف فسح المجال أمام التشكيك في النبوة، وفي الدين الحق، وقد أخذه بعض المسلمين ـ لربما ـ بسلامة نية، وحسن طوية، وبلا تدبر أو تأمل، سامحهم الله، وعفا عنهم.
والغريب في الأمر: أننا نجدهم في مقابل ذلك يروون عنه >صلى الله عليه وآله< قوله لعمر:
>والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً، إلا سلك فجاً غير فجـك<([68])، وقـولـه لـه: >إن الشيطان ليخـاف أو ليفـرق منك يـا عمر<([69]) وقوله: >إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه<([70]).
وعن مجاهد: كنا نتحدث، أو نحدث: أن الشياطين كانت مصفدة في إمارة عمر، فلما أصيب بُثّت([71]).
وصارع عمر الشيطان مرات، وفي كل مرة يصرعه عمر([72]).
هذا عمر! وهذه حالة الشيطان معه! وذلك هو نبي الإسلام الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وتلك هي حالته مع الشيطان عند هؤلاء الذين تروق لهم مثل هذه الترهات، ويتقبلونها من أعداء الإسلام، والمتاجرين به بسذاجة هي إلى الغباء أقرب.
فهم يقولون هذا عن رسول الله >صلى الله عليه وآله<، مع أنهم يدعون:
أن الملائكة قد أجرت له >صلى الله عليه وآله<، خمس عمليات جراحية في صدره، لكي تخلصه من حظ الشيطان، كما في الحديث المزعوم عن شق صدره الشريف.
ولربما يكون الدافع لدى بعضهم أن يجد لأبي بكر الذي قال حين أصبح خليفة:
إن له شيطاناً يعتريه أن يجد له نظيراً، ولكن من مستوى لا يدانى ولا يجارى؛ فوقع اختياره على النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، ليكون هو ذلك النظير؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ما هو الصحيح في قضية بدء الوحي؟!
والذي نطمئن إليه هو أنه قد أوحي إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، وهو في غار حراء فرجع إلى أهله مستبشراً مسروراً بما أكرمه الله به، مطمئناً إلى المهمة التي أوكلت إليه ـ كما يرويه ابن إسحاق، وأشارت إليه الرواية الأخيرة التي تقدمت عند ذكر نصوص الروايات ـ وإن كان قد زيد فيها ما لا يصح ـ فشاركه أهله في السرور، وأسلموا، وقد روي هذا المعنى عن أهل البيت >عليهم السلام<.
فعن زرارة أنه سأل الإمام الصادق >عليه السلام<: كيف لم يخف رسول الله >صلى الله عليه وآلـه< فيما يأتيه من قبـل الله: أن يكـون ممـا ينزع بـه الشيطان؟.
فقال: إن الله إذا اتخذ عبداً رسولاً، أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قبل الله، مثل الذي يراه بعينه([73]).
وسئل >عليه السلام<: كيف علمت الرسل أنها رسل؟
قال: كشف عنهم الغطاء([74]).
وقال الطبرسي: >إن الله لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين الـنـيرة، والآيات البينة، الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى؛ فلا يحتاج إلى شيء سواها، ولا يفزع، ولا يفرق<([75]).
وقال عياض: >لا يصح أن يتصور له الشيطان في صورة الملك، ويلبّس عليه الأمر، لا في أول الرسالة ولا بعدها، والاعتماد في ذلك على دليل المعجزة، بل لا يشك النبي أن ما يأتيه من الله هو الملك، ورسوله الحقيقي، إما بعلم ضروري يخلقه الله له، أو ببرهان جلي يظهره الله لديه؛ لتتم كلمة ربك صدقاً وعدلاً، لا مبدل لكلمات الله<([76]).
لماذا الكذب والإفتعال إذن؟!
وبعد كل ما تقدم؛ فإننا نرى أن افتعال تلك الأكاذيب يعود لأسباب، أهمها:
1 ـ أن حديث الوحي هو من أهم الأمور التي يعتمد عليها الاعتقاد بحقائق الدين وتعاليمه، وله أهمية قصوى في إقناع الإنسان بضرورة الاعتماد في التشريع، والسلوك، والاعتقاد، والإخبارات الغيبية، وكل المعارف والمفاهيم عن الكون، وعن الحياة، على الرسل والأنبياء، والأئمة والأوصياء >عليهم السلام<، وله أهمية كبرى في إقنـاعه بعصمة ذلـك الرسول، وصحة كل مواقفه وسلوكه، وأقواله وأفعاله.
فإذا أمكن أن يتطرق الشك في نفسه إلى الوحي، على اعتبار أنه إذا لم يستطع النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه أن يفرق بين الملاك والشيطان، والوسوسة، والحقيقة، وهو يعاين ويشاهد؛ فإن غيره وهو لا يتيسر له الاطلاع الحسي على شيء من ذلك يكون أولى بالشك، وعدم الاعتماد.
وقد نقل الحجة البلاغي أن بعض أهل الكتاب قد نقض على المسلمين بذلك فقال:
>الشيطان قرين محمد، وتشبث بنقله عن بعض المفسرين قولهم: إنه كان لرسول الله عدو من شياطين الجن، كان يأتيه بصورة جبرئيل، وإنه يسمى الأبيض<([77]).
وبعد هذا، فإننا نستطيع أن نعرف سر محاولات أعداء الإسلام الدائبة للتشكيك في اتصال نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< بالله تعالى، فافتعلوا الكثير مما رأوه مناسباً لذلك، من الوقائع والأحداث التي رافقت الوحي في مراحله الأولى، أو حرفوه وحوروه حسب أهوائهم، وخططهم، ومذاهبهم، على اعتبار أنها فترة بعيدة نسبياً عن متناول الأيدي عادة.
فلما فشلوا في ذلك حاولوا ادعاء أن ما جاء به نبينا >صلى الله عليه وآله< كان نتيجة عبقريته ونبوغه، وعمق تفكيره، ومعرفته بطرق استغلال الظروف، وانتهاز الفرص، وليس لأجل اتصاله بالمبدأ الأعلى تبارك وتعالى.
وهكذا، فإننا نستطيع أن نتهم يد أهل الكتاب في موضوع الأحداث غير المعقولة، التي تنسب زوراً وبهتاناً إلى مقام نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< حين بعثته، ولا أقل من تشجيعهم لمثل هذه الترهات.
2 ـ كما أنه لا بد أن يحتاج نبينا >صلى الله عليه وآله< إليهم لإمضاء صك نبوته، وتصديق وحيه، ويكون مديناً لهم، وعلى كل مسلم أن يعترف بفضلهم، وبعمق وسعة اطلاعهم، ومعرفتهم بأمور لا يمكن أن تعرف إلا من قبلهم؛ فكان اختراع هذا الدور لورقة، وعداس، وبحيرا، وناصح، ونسطور، وكلهم من أهل الكتاب!!.
3 ـ وأما سؤال: لماذا اختص نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< بكل تلك المصاعب والأهوال، وبهذه المعاملة السيئة من جبرئيل، حتى لقد صرح البعض: بأنه لم يُنْقَل عن أي من الأنبياء >عليهم السلام< السابقين: أنه تعرض لمثل ذلك عند ابتداء الوحي، حتى عد ذلك من خصائص نبينا >صلى الله عليه وآله<([78]).
إن هذا السؤال لا يبقى له وقع، إذا لاحظنا: أن بعض الأمور والأحوال غير المعقولة، قد تسربت إلى بعض المسلمين من قبل أهل الكتاب، حتى أصبحت جزءً من التاريخ، والفقه، والعقائد والخ.. وذلك من أجل أن يكون لنبي المسلمين نفس الحالات التي تذكر لغيره من الأنبياء في كتب أهل الكتاب.
وإذن، فليس غريباً أن نجد ملامح هذه القصة موجودة في العهدين، فقد جاء في الكتابين اللذين يطلق عليهما اسما التوراة والإنجيل:
أن دانيال خاف وخر على وجهه، وزكريا اضطرب، ووقع عليه الخوف، ويوحنا سقط في رؤياه كميت، وعيسى تغيرت هيئة وجهه، وبطرس حصلت له غيبوبة وإغماء، وهكذا الحال بالنسبة ليعقوب وإبراهيم وغيرهم([79]).
ولكن ذلك لا يعني: أننا ننكر ثقل الوحي عليه >صلى الله عليه وآله<: فإن ذلك بحث آخر([80])، ولكننا ننكر اضطرابه وخوفه >صلى الله عليه وآله<، حتى أراد أن يتردى من شواهق الجبال، وخاف على نفسه الجنون، وننكر ما فعله به جبرئيل، حسب ما ذكرته الروايات المتقدمة، فإن الظاهر أن ذلك قد تسرب من قبل أهل الكتاب إلى المحدثين الأتقياء.
أو فقل: الأغبياء! الأشقياء، كما هو الحال في كثير من نظائر المقام، حسبما يظهر للناقد البصير، والمتتبع الخبير.
4 ـ إنك تجد في العهدين أن الشيطان يتصرف بالأنبياء وغيرهم حتى بابن الإله بزعمهم فيقولون:
إن الروح أصعد المسيح إلى البرية أربعين يوماً ليجرب من قبل إبليس، فأصعده الشيطان إلى جبل عال، وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان، وقال له: أعطيك هذا السلطان كله واسجد لي إلخ..([81]).
وقال في موضع آخر: ولما أكمل إبليس كل تجربة (أي مع المسيح) فارقه إلى حين([82]).
ويقول بولس الرسول: ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني؛ لئلا أرتفع؛ من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني([83]).
وفي موضع آخر: لذلك أردنا أن نأتي أنا وبولس مرة ومرتين، وإنما عاقنا الشيطان([84]).
كما أن الإنجيل يذكر: أن المسيح قد عبر عن بطرس بأنه شيطان([85])، إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه([86]).
5 ـ وعدا عن ذلك كله، فإننا لا نستبعد: أن يكون الهدف من جعل تلك الترهات، هو الحط من كرامة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، والطعن في قدسيته ومقامه في نفوس الناس، وتصويره لهم على أنه رجل عادي مبتذل، ولا أدل على ذلك من احتياجه إلى أبسط الناس حتى النساء ليرشده إلى طريق الهدى، ويدله على الحق؛ مما يدل على أنه قاصر محتاج باستمرار إلى مساعدة الآخرين؛ الذين هم أحسن تصرفاً وأكثر تعقلاً منه.
وقد أشرنا في تمهيد الكتاب إلى بعض ما يمكن أن يقال في ذلك، وقلنا: إن الظاهر هو أن تلك خطة السياسيين، الذين يريدون أن يرغموا أنوف بني هاشم، ويُبزّونهم سياسياً، من أمثال:
معاوية الذي أقسم على أن يدفن ذكر النبي >صلى الله عليه وآله<، ومع معاوية سائر الأمويين وأعوانهم.
ومن أمثال عبد الله بن الزبير، الذي قطع الصلاة على النبي >صلى الله عليه وآله< مدة طويلة، لأن له أهيل سوء إذا ذكر شمخت آنافهم([87]).
6 ـ لقد كان الزبيريون يواجهون وينافسون الأمويين، ويعادون الهاشميين، ويحسدونهم على ما لهم من شرف وسؤدد.
وإذا لاحظنا: نصوص الرواية المتقدمة لقضية ورقة بن نوفل، فإن عمدة رواتها هم من الزبيريين وحزبهم، كعروة بن الزبير، الذي اصطنعه معاوية ليضع أخباراً قبيحة في علي.
وكإسماعيل بن حكيم ـ مولى آل الزبير.
وكذلك وهب بن كيسان.
ثم أم المؤمنين عائشة خالة عبد الله بن الزبير.
ثم لاحظنا في المقابل:
أن خديجة هي بنت خويلد بن أسد، وورقة هو ابن نوفل بن أسد، والزبير هو ابن العوام بن خويلد بن أسد، فتكون النسبة بين الجميع واضحة المعالم([88]) ـ إذا لاحظنا ذلك كله ـ فإننا نستطيع أن نعرف:
أنه كان لا بد أن يكون لأقارب عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد، ومن ثم للزبيريين بشكل عام، دور حاسم في انبعاث الإسلام، إذ لولاهم لقَتَل النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، أو على الأقل لم يستطع أن يكتشف نبوة نفسه!!
وإذا كان للزبيريين هذا التاريخ المجيد، فليس للأمويين أن يفخروا عليهم بخلافة عثمان، وليس للهاشميين أن يفخروا بمواقف أبي طالب، وولده علي أمير المؤمنين >عليه السلام<.
وإذن، فلا بد من دعوى: أن ورقة قد تنصر، وأنه كان يكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء، إلى آخر ما قيل ويقال في ذلك.
النتيجة:
وهكذا فإن النتيجة تكون هي:
أن الأمويين يستفيدون من افتعال القصة على هذا النحو، ويحققون أعز أهدافهم وأغلاها، كما أن الزبيريين أيضاً يستفيدون منها، أما أهل الكتاب فيكون لهم منها حصة الأسد.
وبذلك ينعقد الإجماع من قبل مسلمة أهل الكتاب، الذين لم يسلموا ولكنهم استسلموا، إلى جانب منافقي هذه الأمة وطلقائها، وطلاب الدنيا، فأدخلوا في الإسلام من إسرائيليات أولئك، وترهات هؤلاء كل غريبة، ونسبـوا إلى نبي الإسلام كل عجيبة، بعد أن نجحوا في إبعاد أهل البيت >عليهم السلام< عن موقعهم الذي جعله الله سبحانه لهم، ليحتل القصاصون وأذناب الحكام محلهم.
وكانت هذه الجريمة النكراء حينما التقت المصالح والأهواء، واجتمعت على هذا الأمر، فلماذا لا يدلي كل بدلوه؟ أو كيف لا تشجع أمثال هذه الترهات والأباطيل؟!.
عصمنا الله من الزلل، في القول والعمل.
الفصل الثالث:
الدعوة في مراحلها الأولى
أول من أسـلـم:
إن أول من أسلم، واتبع وصدق، وآزر وناصر، هو أمير المؤمنين، وإمام المتقين، علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وعلى أبنائه الأئمة الطاهرين.
وأورد العلامة الأميني في كتابه القيم([89]): أقوالاً عن العشرات من كبار الصحابة، والتابعين، وغيرهم من الأعلام، وعن العشرات من المصادر غير الشيعية، تؤيد وتؤكد على أن أمير المؤمنين >عليه السلام< هو أول الأمة إسلاماً.
ومن هؤلاء الأعلام:
1 ـ علي >عليه السلام< نفسه.
2 ـ الإمام الحسن >عليه السلام<.
3 ـ الإمام الباقر >عليه السلام<.
4 ـ عمر بن الخطاب.
5 ـ سلمان الفارسي.
6 ـ أنس بن مالك.
7 ـ ابن عباس.
8 ـ أبو ذر.
9 ـ المقداد بن عمرو.
10 ـ خباب بن الأرت.
11 ـ جابر بن عبد الله الأنصاري.
12 ـ أبو سعيد الخدري.
13 ـ حذيفة بن اليمان.
14 ـ عبد الله بن مسعود.
15 ـ أبو أيوب الأنصاري.
16 ـ خزيمة بن ثابت >ذو الشهادتين<.
17 ـ عمرو بن العاص.
18 ـ سعد بن أبي وقاص.
19 ـ زيد بن أرقم.
20 ـ محمد بن أبي بكر.
21 ـ جرير بن عبد الله البجلي.
22 ـ بريدة الأسلمي.
23 ـ عفيف الكندي.
24 ـ أبو رافع.
25 ـ أبو مرازم.
26 ـ هاشم المرقال.
27 ـ عبد الله بن حجل.
28 ـ أبو عمرة >بشير بن محصن<.
29 ـ عبد الله بن خباب بن الأرت.
30 ـ عبد الله بن بريدة.
31 ـ مالك الأشتر.
32 ـ عدي بن حاتم.
33 ـ محمد بن الحنفية.
34 ـ طارق بن شهاب الأحمسي.
35 ـ عبد الله بن هاشم المرقال.
36 ـ عمرو بن الحمق.
37 ـ سعيد بن قيس الهمداني.
38 ـ عبد الله بن أبي سفيان.
39 ـ كعب بن زهير.
40 ـ ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب.
41 ـ الفضل بن أبي لهب.
42 ـ أبو الأسود الدؤلي.
43 ـ جندب بن زهير.
44 ـ مالك بن عبادة.
45 ـ زفر بن يزيد بن حذيفة الأسدي.
46 ـ النجاشي بن الحارث بن كعب.
47 ـ عبد الله بن حكيم.
48 ـ عبد الرحمن بن حنبل.
49 ـ عامر الشعبي.
50 ـ الحسن البصري.
51 ـ قتادة.
52 ـ ابن شهاب الزهري.
53 ـ محمد بن المكندر.
54 ـ أبو حازم سلمة بن دينار.
55 ـ ربيعة بن عبد الرحمن.
56 ـ محمد بن السائب الكلبي.
57 ـ جنيد بن عبد الرحمن.
58 ـ محمد بن إسحاق.
59 ـ الوليد بن جابر.
وزاد العسقلاني:
60 ـ عبد الله بن فضالة المزني.
61 ـ عمر بن مرة الجهني([90]).
بعض ما جاء في سبق علي × إلى الإسلام:
هذا كله، عدا عن الكثير من الروايات الواردة عن النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وكلمات أمير المؤمنين >عليه السلام< نفسه، وعدا عن كلمات الصحابة والتابعين وأشعارهم، بل لقد ادعى البعض الإجماع عليه([91]).
ولعل حصر ذلك متعذر على أي باحث ومتتبع، ولذا فلا محيص لنا عن الإكتفاء بأمثلة قصيرة لتكون عنواناً وإشارة لغيرها من الكثير الطيب الذي لم نذكره، ونحيل القارئ إلى ما كتبه العلامة الأميني([92]) فليراجعه إن أراد.
فإنهم يقولون:
لقد بعث النبي >صلى الله عليه وآله< يوم الإثنين، وأسلم علي >عليه السلام< يوم الثلاثاء([93]).
ومما ورد عن النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< بسند صحيح قوله: أولكم وروداً علي الحوض، أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب([94]).
وعنه >صلى الله عليه وآله<: إنه لأول أصحابي إسلاماً، أو أقدم أمتي سلماً([95]).
وعنه أنه أخذ بيد علي >عليه السلام<، فقال: هذا أول من آمن بي، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر([96]).
وعنه >صلى الله عليه وآله<: هذا أول من آمن بي، وصدقني، وصلى معي([97]).
وعنه >صلى الله عليه وآله<: إن أول من صلى معي علي([98]).
تصريحات أمير المؤمنين × في ذلك:
وعلي نفسه يصرح في كثير من المناسبات بذلك؛ فيقول عن نفسه: إنه لم يسبقه أحد في الصلاة مع رسول الله، وإنه أول من أسلم مع رسول الله >صلى الله عليه وآله< وإنه الصديق الأكبر >عليه السلام<، وإنه لا يعرف أحداً في هذه الأمة عَبَدَ الله قبله غير النبي >صلى الله عليه وآله<، وإنه صلى قبل أن يصلي الناس سبع سنين([99]).
ولعل المراد التعبد مع النبي >صلى الله عليه وآله< قبل البعثة بسنتين، أو خمس سنين؛ حيث بدأت إرهاصات النبوة، ثم يضم إليها ثلاث أو خمس سنين فترة الدعوة الاختيارية غير المفروضة بعد البعثة، أو لعله عَبَدَ الله حقاً مع رسول الله قبل البعثة سبع سنين إذا كان قد أسلم >عليه السلام< وهو ابن اثني عشر سنة أو حتى عشر سنين، حيث كان الرسول >صلى الله عليه وآله< يتعبد قبل البعثة وكان >صلى الله عليه وآله< على دين الحنيفية، فكان علي >عليه السلام< يَعْبُدُ الله معه >صلى الله عليه وآله<.
إلا أن يكون الصحيح في الرواية هو ما ذكره ابن بطريق أنه >صلى الله عليه وآله< قال: صلت الملائكة عليّ وعلى علي سبع سنين([100]).
ومهما يكن من أمر، فإن الكلمات الدالة على هذا الأمر كثيرة، كما أنه >عليه السلام< قد كتب هو نفسه بهذا الأمر إلى معاوية، وردده في كلماته الكثيرة المتضافرة([101]).
دليل آخر:
وإن احتجاجه >عليه السلام< بأنه أول من أسلم، واحتجاج أصحابه من الصحابة والتابعين بهذه الكثرة العجيبة على خصومهم في صفين وغيرها واهتمامهم الواضح بهذا الأمر ليدل على ذلك دلالة واضحة.
ولم نجد أحداً من أعدائه >عليه السلام< حاول إنكار ذلك، أو التشكيك فيه، أو طرح اسم رجل آخر على أنه هو صاحب هذه الفضيلة دونه، رغم توفر الدواعي لذلك، ورغم أن الطرف المقابل لا يتورع حتى عن الاختلاق والكذب على الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، بل على الله سبحانه وتعالى.
فلو أنهم عرفوا: أن كذبتهم هذه تجوز على أحد لكانوا لها من المبادرين، ولكن التسالم على هذا الأمر كان بحيث لا يمكنهم معه التوسل بأية حيلة، فكل ذلك يدل على أن ذلك قد كان أمراً مسلماً به ومجمعاً عليه، ولا يمكن إنكاره لأحد.
وكشاهد على هذا التسالم نذكر هنا حادثة واحدة فقط، جرت لسعد بن أبي وقاص، الذي كان منحرفاً عن علي >عليه السلام<، ـ كما سيأتي في معركة أحد إن شاء الله تعالى ـ ونترك ما عداها وهو كثير جداً، وهذه الحادثة هي أنه:
سمع رجلاً يشتم علياً، فوقف عليه وقرره بقوله: يا هذا، على ما تشتم علي بن أبي طالب؟ ألم يكن أول من أسلم؟ ألم يكن أول من صلى مع رسول الله >صلى الله عليه وآله<؟ ألم يكن أعلم الناس؟ الخ..([102]).
كما أن المقداد كان يتعجب من قريش لدفعها هذا الأمر عن أول المؤمنين إسلاماً، يعني علياً >عليه السلام<([103]).
خاتمة المطاف:
وأظن أن ما ذكرناه كافٍ ووافٍ في هذا المجال، ومن أراد المزيد فعليه بالمراجعة إلى الكتب المعدة لذلك.
وبعد هذا، فلا يصغى لقول النواصب والحاقدين، الذين يهتمون في طمس فضائله >عليه السلام< بكل وسيلة، ولو عن طريق الدجل والتزوير، ومنهم ابن كثير، الذي قال: >وقد ورد في أنه أول من أسلم أحاديث كثيرة، لا يصح منها شيء<([104]).
لا يا بن كثير: لقد تجنيت على الحقيقة وعلى التاريخ كل التجني، ولم تستطع أن تكتم ما يعتلج في صدرك من إحن، فجرّك ذلك إلى المكابرة، وإلى إنكار ما يكاد يلحق بالضروريات.
فإن الروايات الصحيحة والصريحة الدالة على هذا الأمر كثيرة وكثيرة جداً، كما يعلم بالمراجعة([105]).
القول بأن خديجة أول من أسلم:
ونجد في مقابل ذلك قولاً آخر مفاده: أن خديجة كانت هي السباقة إلى الإسلام وأنها أول مخلوق آمن به، بل لقد ادعى البعض الإجماع على هذا القول([106]).
ولكنه قول مردود، لأن العديد من الروايات عن النبي >صلى الله عليه وآله<، وعن علي >عليه السلام<، وعن الصحابة والتابعين تعبر بأن علياً >عليه السـلام< أول من صلى، أو أول من آمن، أو أول الأمة أو الناس إسلاماً([107])، ولا يمكن أن يكون المقصود بالأمة أو الناس خصوص الرجال بناءً على هذا القول، ولا خصوص الصبيان، بناءً على قولٍ آخر يأتي.
أبو بكر، وسبقه إلى الإسلام:
وبعد كل ما تقدم نعرف: أن ادعاء سبق غير أمير المؤمنين >عليه السلام< إلى الإسلام قد جاء متأخراً عن عهد الخلفاء الأربعة، ووضع بعد وفاة أمير المؤمنين >عليه السلام<، ولربما يكون قد حصل ذلك حينما كتب معاوية إلى الأقطار يأمرهم أن لا يدعوا فضيلة لعلي إلا ويأتوه بمثلها لغيره من الصحابة([108]).
ومن هنا، فإننا نعتقد: بأن القول بأولية إسلام أبي بكر، والمروي عن:
1 ـ ابن عباس.
2 ـ الشعبي.
3 ـ أبي ذر.
4 ـ عمرو بن عبسة.
5 ـ إبراهيم النخعي.
6 ـ حسان بن ثابت، الذي يروى عنه قوله:
إذا تـذكـرت شجــواً من أخي ثقـة فـاذكـر أخـاك أبـا بكر ومـا فعـل
خير البـريـة أتقــاهــا وأعـدلهـــا إلا الـنـبـي وأوفـاهـا بمـا حصل
والثـاني الصـادق المحمـود مشهده وأول النـاس منهـم صدق الرسل
عـاش حميـداً، لأمــر الله متـبـعــاً بهدي صاحبه الماضي وما انتقـلا([109])
نعم، إننا نعتقد: أن ذلك كله موضوع في وقت متأخر، تزلفاً للأمويين، كما أن شعر حسان هذا لا يبعد أن يكون منحولا‌ً، إذ لا يمكن أن يبادر إلى مخالفة ما كان متسالماً عليه بين الأمة، ولا سيما الصحابة منهم.
كما أننا نلاحظ: أن البيتين الأخيرين فيهما حشو ظاهر، وليس لهما صياغة منسجمة([110]).
ولربما يقال: إنهما بعيدان عن نَفَس حسان، وعن شاعريته، وعن سبكه، وطريقته ومما يدل على عدم صحة ذلك بالإضافة إلى ما تقدم:
أولاً: إنه قد تقدم: أن ابن عباس، والشعبي، وأبا ذر الذين روي عنهم القول بأولية أبي بكر هم أنفسهم يقولون:
إن أمير المؤمنين >عليه السلام< هو أول من أسلم، ويقول الإسكافي([111]):
إن حديثهم في علي أقوى سنداً، وأشهر من الحديث الآخر المنسوب إليهم في أبي بكر.
وأما رواية أبي ذر، وعمرو بن عبسة، فهي مضطربة، لأنها تذكر:
أن أبا ذر، وعمرو بن عبسة كلاهما ربع الإسلام، وأن بلالاً أسلم قبل أبي بكر، ولا تذكر علياً >عليه السلام<، ولا خديجة، وهذا يعني: أن بلالاً قد أسلم قبل خديجة وعلي؛ مع أن العكس هو الصحيح، فإذا كانت خديجة >رحمها الله< وعلي >عليه السلام< وبلال، وعمرو بن عبسة قد أسلموا أولاً؛ فأين يكون إسلام أبي بكر بعد هذا؟!
ثانياً: إن عائشة نفسها تعترف بأن أباها كان رابعاً في الإسلام، وقد سبقه إلى ذلك خديجة، وزيد بن حارثة، وعلي >عليه السلام<([112]).
ثالثاً: قد تقدم: أننا لم نجد أحداً يعترض على الصحابة، ولا على التابعين، ولا على أمير المؤمنين >عليه السلام< في احتجاجاتهم المتعددة على معاوية وغيره بأن علياً >عليه السلام< هو أول الأمة إسلاماً ـ لم نجد أحداً يعترض، ويقول: بل أبو بكر هو الأول.
وما روي من ذلك: من أن أبا بكر قد احتج به، فقد فنده العلامة الأميني في الغدير وأثبت أنه غير صحيح فليراجع([113]).
فإلى متى يدخرون هذه الحجة؟! ولماذا يدخرونها؟!
بل إننا لم نجد أبا بكر، ولا أحداً من أنصاره ومحبيه يحتج له بأنه أول من أسلم، رغم احتياجاتهم الشديدة إلى ذلك، ولا سيما في السقيفة؛ حيث لم يجدوا ما يحتجون به من فضائله إلا كونه كبير السن، وصاحب رسول الله >صلى الله عليه وآله< في الغار ـ كما احتج به صاحبه عمر، وغيره ثمة([114]) ـ وستأتي الإشارة إلى احتجاجاتهم تلك حين الحديث عن قضية الغار إن شاء الله تعالى.
هذا كله، عدا عن تصريح البعض بأن أبا بكر كان رابع أو خامس من أسلم([115]).
وعدا عن قول أمير المؤمنين علي >عليه السلام<: أنا الصديق الأكبر، أسلمت قبل أن يسلم أبو بكر([116]).
وعدا عن الرواية التي تقول: إن العباس قد أخبر عفيفاً بأنه لم يسلم سوى خديجة وعلي، فلو أن عفيفاً أسلم حينئذٍ كان في الإسلام ثانياً([117]).
رابعاً: إننا نقول: إن إسلام أبي بكر قد تأخر عن البعثة عدة سنوات ويدل على ذلك ـ ونحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم ـ الأمور التالية:
ألف ـ ما قـالـوه من أنه لمـا أسلم سماه النبي >صلى الله عليه وآلـه< صديقاً([118]) مع أن تسميته هذه ـ كما يدَّعون ـ إنما كانت بعد الإسراء حين صدقه أبو بكر وكذبته قريش([119]).
أو حين الهجرة في الغار (وكلاهما لا يصح أيضاً كما سيأتي في حديث الغار إن شاء الله تعالى).
وهم يدّعون: أن الإسراء كان بعد البعثة باثنتي عشرة سنة وإن كنا نحن نعتقد بخلاف ذلك.
وأنه كان في السنة الثانية أو الثالثة، كما سيأتي في الفصل الآتي.
ب ـ يروي البعض: أنه أسلم وآمن بعد الإسراء والمعراج فسمي يومئذٍ بـ >الصديق<([120]) مع قولهم: أن الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة بقليل ـ كما سنرى ـ .
ج ـ لـقـد روى الطبري ـ بسند صحيح كـما يقول الأميني([121]) ـ عن محمد بن سعيد، قال: قلت لأبي: أكان أبو بكر أولكم إسلاماً؟
فقال: لا، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين([122]).
وهذا يعني: أنه قد أسلم بعد انتهاء الفترة الاختيارية للدعوة، وبعد خروجه >صلى الله عليه وآله< من دار الأرقم، لأنهم قد خرجوا بعد أن تكاملوا أربعين رجلاً، كما يقولون، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى، حين الكلام حول إسلام عمر بن الخطاب.
د ـ ولسوف نذكر إن شاء الله في أواخر حديث الغار: أن أبا قحافة يذكر: أن ابن مسعود قد أسلم هو وجماعة قبل إسلام أبي بكر، وابن مسعود قد أسلم قبل إسلام عمر كما ذكره النووي في تهذيب الأسماء واللغات.
هـ ـ لقد ورد: أنه >صلى الله عليه وآله< قد بعث وأبو بكر غائب في اليمن، قال أبو بكر، فقدمت مكة، وقد بعث النبي >صلى الله عليه وآله< فجاءني صناديد قريش، إلى أن قال:
>فقالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب، يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي ولولا أنت ـ أو: ولولا انتظارك ـ ما انتظرنا به؛ فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية<([123])، والذي عند أبي هلال، عن الشعبي، عن أشياخه، منهم جرير، في خبر طويل هو: >قال أبو بكر: فلما قدمت مكة استبشروا، وظنوا أنه فتح عليهم بقدومي فتح، واجتمعوا إلي، وشكوا أبا طالب، وقالوا: لولا تعرضه دونه لما انتظرنا به.
قلت: ومن تبعه على مخالفة دينكم؟
قالوا: بنو أبي طالب<([124]).
ولكن لنا تحفظ على هذا النص الذي يعطي لأبي بكر منزلة كبيرة في قريش، وهي منزلة لا يؤيد التأريخ أن أبا بكر كان قد بلغها أصلاً، كما سنشير إليه في موضعه.
و ـ وعن ابن إسحاق، قال: إن أبا بكر لقي رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد، من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا إلخ.. ثم ذكر إسلام أبي بكر([125]).
وإن كنا نشك في صحة هذا النص الأخير، إذ أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< لم يعبد تلك الآلهة قط، فما معنى سؤاله عن ذلك؟!
إلا إذا قلنا إنه لم يكن يتجاهر برفضها، فصح أن يسأله عن ذلك.
ويؤيد ذلك ما رواه المقدسي، قال: >إسلام أبي بكر ـ زعم بعض الرواة: أنه كان في تجارة له بالشام، فأخبره راهب بوقت خروج النبي >صلى الله عليه وآله< من مكة، وأمره باتباعه، فلما رجع سمع رسول الله يدعو إلى الله، فجاء وأسلم<([126]).
ويؤيد ذلك أيضاً قولهم: إن أبا بكر قال للنبي >صلى الله عليه وآله<: فقدت من مجالس قومك، واتهموك بالعيب لآبائها وأمهاتها فدعاه >صلى الله عليه وآله< إلى الإسلام فأسلم([127]).
فكل ذلك يدل على أن إسلام أبي بكر كان بعد الفترة السرية وبتعبير أدق بعد (فترة الدعوة الاختيارية، وغير المفروضة) التي استمرت ثلاث أو خمس سنوات.
وبعد أن أنذر عشيرته الأقربين، وبعد أن أُمر بالصدع بالأمر، ودعوة الناس عامة.
وبعد تكفيره للآباء والأمهات.
وبعد عرض قريش على أبي طالب أن يقنع ولده بالعدول عن هذا الأمر.
وبعد عرضهم عليه ولداً آخر على أن يخلي بينه وبينهم.
وبعد وقوع المواجهة بين قريش وبينه، ثم قيام أبي طالب دونه، ولولا انتظارهم لأبي بكر ما انتظروا به، وكل ذلك يدل على أن إسلامه قد تأخر إلى السنة الرابعة أو الخامسة إن لم يكن بعد ذلك أيضاً؛ فقد قال أبو القاسم الكوفي:
إن أبا بكر قد أسلم بعد سبع سنين من البعثة([128]).
ولربما يكون ذلك صحيحاً أو قريباً من الصحيح، إذا أخذنا بالروايات المتقدمة الدالة على أنه قد أسلم بعد اشتداد المواجهة بين الرسول وبين المشركين، وقيام أبي طالب دونه، وبعد أكثر من خمسين رجلاً، فلربما يكون المراد بالخمسين هو خصوص من أسلم بعد الإعلان بالدعوة، أو بعد الهجرة إلى الحبشة.
وهكذا يتضح: أن القول بأن أبا بكر هو أول من أسلم لا يمكن إلا أن يكون من القول الجزاف، والدعوى الفارغة، ومن المختلقات التي افتعلت في وقت متأخر.
طريق جمع فاشل:
وقال البعض: الأورع أن يقال: أول من أسلم من الرجال الأحرار أبو بكر، ومن الصبيان علي، ومن النساء خديجة، ومن الموالي زيد بن حارثة، ومن العبيد بلال([129]).
وهو كلام فارغ، بعد أن ثبتت أولية علي >عليه السلام< على كل أحد.
وقولهم: إنه أول من أسلم من الصبيان عجيب، وذلك لما يلي:
1 ـ إنه قد جاء عنه >عليه السلام<، وعن غيره القول: بأنه أول رجل أسلم([130])، مما يعني أنه كان حينئذٍ رجلاً بالغاً.
وقد قلنا: إنه قد أسلم وعمره عشر سنوات أو اثنتا عشرة سنة.
ومن الواضح: أن الرجولية والبلوغ لا ينحصر بالسن، فإن عمرو بن العاص ـ كما يقولون ـ كان يكبر ولده عبد الله باثنتي عشرة سنة فقط([131])، والراشد بالله قد وطئ جارية وهو ابن تسع سنين، فحملت منه كما يدَّعون([132]).
كما أن ثمة أقوالاً كثيرة في سن علي >عليه السلام< حين إسلامه، وقد رأينا الحافظ عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والكليني، والحسن البصري، والإسكافي وغيرهم كثير، يذكرون في سن علي رقماً يتراوح ما بين 12 سنة إلى 16 سنة، وبعضهم يتجاوز ذلك أيضاً؛ كما تقدم بيانه في مبحث ولادته >عليه السلام<.
2 ـ قد ذكر غير واحد: أن البلوغ قد حدد بعد الهجرة، أي في غزوة الخندق، في قضية رد ابن عمر وقبوله في الغزو، أما قبل ذلك فقد كان المعتمد هو التمييز والإدراك([133])، وعليه يدور مدار التكليف، والدعوة إلى الإسلام والإيمان وعدمه.
ولـولا أن أمير المؤمنين >عليه السلام< كـان في مستوى الإسلام والإيمان، لم يقدم النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< على دعـوتـه إلى الإسلام، ثم قبوله منه، وإلا لكان ذلك سفهاً، ولا يمكن صدور السفه من الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<.
3 ـ بل إننا نستطيع أن نستفيد من دعوته إلى الإسلام وهو صبي امتيازاً له خاصاً، يؤهله لأن يكون هو الوصي له >صلى الله عليه وآله<، أوليس قد تكلم عيسى في المهد صبياً، ويحيى أيضاً قد أوتي الحكم صبياً كما نص عليه القرآن؟
4 ـ وأيضاً، لو كان الأمر كما ذكروه؛ فلا يبقى معنى لقول النبي >صلى الله عليه وآله< عنه: إنه أول من أسلم، أو: أولكم إسلاماً؛ فإن معنى ذلك هو أن أوليته بالنسبة إلى النساء والرجال والعبيد والأحرار على حد سواء.
5 ـ وأخيراً، فإن هذا الورع المصطنع لم يوجد إلا عند هؤلاء المتأخرين، ولم نجد أحداً واجه احتجاج أمير المؤمنين والصحابة والتابعين بحجة من هذا القبيل، ولعله لم يكن لديهم ورع يبلغ ورع هؤلاء الغيارى على أبي بكر وعلى فضائله!!.
هدف الورعين (!!!) من الجمع بين الروايات.
ونستطيع أن نرجح: أن هدف أولئك الورعين من هذا الجمع بين الروايات هو إظهار:
أن إسلام غير علي >عليه السلام< كان أفضل من إسلامه، لأن إسلام غيره كان عن تدبر وتعقل، ونظر وتبصر، أما أمير المؤمنين >عليه السلام<، فقد كان إسلامه عن طيش وتقليد، كما هو شأن الصبيان كما ذكره الجاحظ([134]).
ولا نريد أن نفيض في الرد على هذه المزعمة، فإن إسلام علي >عليه السلام< كان عن تدبر وتعقل، وعن تفكير وتأمل وقد أسلم استناداً إلى فكره ورأيه، ولم يستشر حتى أباه رضوان الله تعالى عليه([135])، وقد أجاب الإسكافي وابن طاووس عن كلام الجاحظ بما فيه الكفاية، فليراجع([136]).
تنبيه:
وبالمناسبة فإن من الملاحظ: أن عمر بن الخطاب كان يعتبر البلوغ بالشبر؛ فمن بلغ ستة أشبار أجرى عليه الأحكام، ومن نقص عنها ولو أنملة تركه، وكذلك كان رأي ابن الزبير أيضاً([137]).
وعلى ذلك جرى العباسيون من بعد، فقد أمر إبراهيم الإمام العباسي أبا مسلم الخراساني: أن يقتل في خراسان كل من يتهمه، إذا كان قد بلغ خمسة أشبار([138]).
ونحن لا نريد التعليق على هذا، ونكل ذلك إلى القارئ نفسه؛ ليحكم حسبما يقتضيه ضميره ووجدانه.
مقارنة، وهدف:
وجدير بالملاحظة هنا: أن البعض يذكر: أن النبي >صلى الله عليه وآله< قال لعلي >عليه السلام<: >أدعوك إلى ترك (أو الكفر بـ)‍ اللات والعزى<([139]).
ونحن نجزم بعدم صحة هذا القول عنه >صلى الله عليه وآله<؛ إذ لم يسبق لعلي >عليه السلام< إيمان بها، ليدعوه >صلى الله عليه وآله< إلى تركها([140])، كيف وقد تربى في حجر الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وتلقى التوحيد، وكل المكارم والفضائل عنه >صلى الله عليه وآله<.
ولنقارن بين هذا وبين ما يذكره البعض عن أبي بكر من أنه لم يسجد لصنم قط([141])، رغم أنه كان حين أسلم قد بلغ الأربعين أو تجاوزها؟! فأبو بكر إذن قد ضارع النبي >صلى الله عليه وآله< في عدم السجود للأصنام.
ولكننا لا ندري لماذا ترك دين قومه؟ وكيف لم يشتهر هذا الأمر عنه، في زمن الصحابة والتابعين؟ وبقي هكذا مخفياً إلى زمان متأخر جداً، حتى اكتشفه هؤلاء؟
وكيف غفل عنه الصحابة ومنافسوه منهم، وغفل عنه هو نفسه وأنصاره يوم السقيفة، فلم يحتج ولا احتجوا به على استحقاقه للخلافة، رغم أنهم احتجوا بكبر سنه، وما شاكل ذلك، مما لا يجدي ولا يسمن ولا يغني من جوع؟!.
من أسلم بدعاية أبي بكر؟!
ويذكرون: أن عدداً من كبار الصحابة قد أسلموا على يد أبي بكر، واستجابة لدعوته، منهم:
>طلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، و عبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة الجراح، وخالد بن سعيد بن العاص، وأبو ذر، وعثمان بن عفان، وأبو سلمة بن عبد الأسد، والأرقم بن أبي الأرقم<([142]).
قال الجاحظ: >وقالت أسماء بنت أبي بكر: ما عرفت أبي إلا وهو يدين بالدين، ولقد رجع إلينا يوم أسلم فدعانا إلى الإسلام، فما دمنا حتى أسلمنا، وأسلم أكثر جلسائه<([143]).
ولكن ذلك كله محل شك وريب وذلك للأمور التالية:
1 ـ إنه قد تقدم ما يدل على أن إسلام أبي بكر قد كان بعد الخروج من دار الأرقم، وبعد اشتداد الأمر بين النبي >صلى الله عليه وآله< وقريش، وقيام أبي طالب دونه ينافح عنه ويكافح، وهؤلاء قد أسلم أكثرهم قبل ذلك، وذلك لأنه >صلى الله عليه وآله< قبل نزول قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}([144]) لم يكن مأموراً بدعوة أحد، بل كان من يسلم إنما يسلم باختياره.
ثم أمر >صلى الله عليه وآله< بدعوة عشيرته، ثم أمر بإنذار أم القرى ومن حولها، حتى انتهى الأمر بإنذار الناس كافة.
ولكنه >صلى الله عليه وآله< لما أسلم معه من أسلم وخشي حصول بعض الصدامات لهم مع قريش اختار دار الأرقم ليصلي أصحابه فيها، وبعد شهر أعلن بالأمر، فلم تكن هناك سرّية في دار الأرقم بالمعنى الدقيق للكلمة.
وأما الذين أسلموا قبل المواجهة مع قريش، فنذكر منهم:
زيد بن حارثة الذي أسلم ثانياً، وفي نفس الوقت أسلم خالد بن سعيد بن العاص، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن عبسة، وعتبة بن غزوان، ومصعب بن عمير([145]) أما الأرقم بن أبي الأرقم فكان سابعاً([146])، وقصة إسلام أبي ذر معروفة، وكان إسلامه على يد النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، وعلي >عليه السلام< هو الواسطة، وسيأتي ذلك بعد صفحات يسيرة.
ومن الأولين أيضاً:
جعفر بن أبي طالب، وبلال، وخباب بن الأرت، والزبير بن العوام، وكل هؤلاء أسلم قبل أبي بكر ـ على حد تعبير الإسكافي في نقض العثمانية([147]).
ويرى المقدسي: أن الزبير أسلم رابعاً، أو خامساً.
2 ـ وعدا عما تقدم، فإن أبا اليقظان خالد بن سعيد بن العاص، كان هو نفسه يزعم: أنه أسلم قبل أبي بكر([148]).
وعليه فلا يصغى لما حكاه البيهقي من أنه رأى في منامه النار، ثم لقي أبا بكر فأخذه إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، فأسلم([149]) فإن أبا اليقظان نفسه يكذب ذلك وينكره، وهو أعرف بنفسه من كل أحد.
وأما عثمان فقد اشترط لإسلامه أن يزوجه الرسول >صلى الله عليه وآله< رقية، ففعل، فأسلم([150]) فأين هي دعوة أبي بكر له، والحالة هذه؟!.
ويروي المدائني عن عمر بن عثمان: أن عثمان قال: إنه دخل على خالته أروى بنت عبد المطلب يعودها، فدخل رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فجعل ينظر إليه، وقد ظهر من شأنه يومئذٍ شيء؛ فجرى له معه >صلى الله عليه وآله< حديث، وقرأ عليه >صلى الله عليه وآله< بعض الآيات، ثم قام >صلى الله عليه وآله< فخرج.
قال عثمان: فخرجت خلفه فأدركته، وأسلمت([151]).
فإذا أخذنا بهذه الرواية أيضاً لم يكن لأبي بكر في إسلام عثمان يد ولا نصيب.
وأما سعد بن أبي وقاص ف‍ >كان سبب إسلامه: أنه رأى في المنام قال: كأني في ظلام، فأضاء قمر، فاتبعته، فإذا أنا بزيد وعلي قد سبقاني إليه، وروي: فإذا أنا بزيد وأبي بكر، قال: ثم بلغني: أن رسول الله يدعو إلى الإسلام مستخفياً، فلقيته بأجياد، فأسلمت، ورجعت إلى أمي الخ..<([152]).
وعن إسلام طلحة يقولون: إنه كان في بصرى، فسمع خبر خروج نبي اسمه أحمد في ذلك الشهر من راهب، فلما قدم مكة سمع الناس يقولون: تنبّى محمد بن عبد الله، فأتى إلى أبي بكر، فسأله فأخبره، ثم أدخله على رسول الله >صلى الله عليه وآله< فأسلم، فأخذهما نوفل بن خويلد وقرنهما بحبل، فسميا القرينين([153]).
ولكن هذه الرواية كما ترى، لا تدل على أنه أسلم بدعوة أبي بكر إياه، بل هي في خلاف ذلك أظهر كما هو واضح، كما أنهم يذكرون رواية أخرى مفادها:
أن طلحة ذهب بنفسه إلى رسول الله فأسلم([154])، وأما أن أبا بكر وطلحة قد سميا القرينين فسيأتي أنه لا يصح أيضاً؛ وذلك ضعف آخر في هذه الرواية.
بل لقد كذّب علي >عليه السلام< أن يكون أحد من قريش قد عُذِّب كما سنرى فكيف يكون طلحة وأبو بكر قد عُذِبَّا، وقُرن أحدهما إلى الآخر؟!
3 ـ يقول الإسكافي هنا ما ملخصه:
إن أبا بكر قد عجز عن إدخال أبيه، مع أنه معه في بيت واحد، وابنه الوحيد عبد الرحمن في الإسلام، وبقيا على شركهما إلى عام الفتح، وكذا الحال في أخته أم فروة، وزوجته نملة ـ أو قتيلة ـ بنت عبد العزى، التي فارقها حين نزل قوله تعالى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}([155])، بعد الهجرة بعدة سنين.
ويمضي الإسكافي هنا فيقول: كيف استطاع أبو بكر أن يهيمن على سعد، والزبير، وطلحة، و عبد الرحمن وغيرهم وهم ليسوا من أترابه، ولا من جلسائه، ولا كان له معهم صداقة أو مودة، ولم يستطع أن يقنع عتبة وشيبة ابني ربيعة، وهما من جلسائه، بل وأكبر منه سناً، ويأنسان إلى حديثه وطرائفه ـ كما يزعم أنصاره ـ؟! وما له لم يدخل جبير بن مطعم في الإسلام، وهو الذي أدبه وعلمه، وعرفه أنساب العرب، وقريش وطرائفها وأخبارها كما يدَّعون؟!.
وكيف لم يقبل منه عمر بن الخطاب الدخول في الإسلام في تلك الفترة، وكان صديقه وأقرب الناس شبهاً به، وبحالاته، ولئن رجعتم إلى الإنصاف لتعلمن بأن إسلام هؤلاء لم يكن إلا بدعاء النبي >صلى الله عليه وآله< وعلى يديه([156]).
4 ـ وأما ما تقدم نقله عن أسماء، فهو يقتضي أن تكون أسماء وأهل بيت أبي بكر أسبق الناس إلى الإسلام، وقد عد ابن هشام ممن أسلم في الفترة الأولى من الدعوة بحيث يُعدّ من السابقين الأول أسماء وعائشة ابنتا أبي بكر([157])، وعند النووي وغيره: أن عائشة قد أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً وأختها أسماء أسلمت بعد سبعة عشر([158]).
ولكن قد فات هؤلاء: أن كل ما تقدم يكذب هذا الذي ذكروه هنا.
أضف إلى ذلـك: أن عمر أسمـاء كـان حين البعـثـة أربـع سنـين على أبعد التقادير، أما عمر عـائشة فنحن نقـول: إنها أيضاً كان عمرهـا قريبـاً من هذا([159]).
ولكن نفس أولئك يقولون: إنها قد ولدت بعد البعثة بخمس سنين([160])، فكيف تكونان قد أسلمتا بعد ثمانية عشر إنساناً؟ مع أن الفترة السرية أو فقل الدعوة الإختيارية، وعدم الإعلان، قد انتهت بإسلام أربعين؟!
وأما جلساؤه وأهل بيته فقد تكلمنا عنهم، ولم يبق إلا ولده محمد، وهو إنما ولد بعد مبعث النبي >صلى الله عليه وآله< بثلاث وعشرين سنة، أي قبل وفاته >صلى الله عليه وآله< بقليل.
سر التأكيد على دور أبي بكر:
وأما سر التأكيد على دور أبي بكر فقد أوضحه لنا الجاحظ، حين قال:
>ولذلك قالوا: إن من أسلم بدعاء أبي بكر أكثر ممن أسلموا بالسيف، ولم يذهبوا في ذلك إلى العدد، بل عنوا الكثرة في القدر، لأنه أسلم على يديه خمسة من أهل الشورى، كلهم يصلح للخلافة، وهم أكفاء علي >عليه السلام< ومنازعوه في الرياسة والإمامة، فهؤلاء أكثر من جميع الناس<([161]).
نعم يا جاحظ: لقد تجاوز أبو بكر كل التوقعات، حتى لقد بزَّ النبي نفسه، ولم يستطع وهو الرسول الأعظم أن يجاريـه في تلك الفضائل المجعولة ـ كما قدمنا ـ ولا ندري لماذا غلط جبرئيل ونزل عليه دونه!.
وحسبنا هنا ما ذكرناه حول هذا الموضوع؛ فإن استقصاء الكلام فيه يحتاج إلى جهد مضن ووقت طويل.
هل عمير بن أبي وقاص من السابقين؟!
ويذكر ابن هشام هنا: أن عمير بن أبي وقاص كان من جملة السابقين إلى الإسلام([162]).
ولكن ذلك لا يصح؛ لأنهم يقولون: إن عميراً قد قتل في بدر، وله ستة عشر عاماً، فيكون عمره حين البعثة سنة واحدة([163])؛ فكيف يكون من السابقين إذن؟!.
إسلام أبي قحافة:
وفي رواية: أنه لما نُبئ رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وهو ابن أربعين سنة، صدقه أبو بكر وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة، قال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ}([164]). واستجاب الله له فأسلم والداه وأولاده كلهم.
ولكن هذه الرواية لا تصح، وذلك.
أولاً: لما تقدم من أن أبا بكر إنما أسلم بعد عدة سنوات من البعثة، وكان عمره حينئذٍ حوالي خمس وأربعين سنة.
ثانياً: إن أبا قحافة إنما أسلم سنة ثمان عام الفتح([165]) وأم أبي بكر أسلمت ـ كما قالوا ـ سنة ست من البعثة([166])، وأولاد أبي بكر حالهم معلوم، حتى إن أحدهم قد طلب مبارزة أبيه ـ أبي بكر ـ يوم أحد أو بدر، كما سيأتي، فكيف يقول: إنه قد أنعم الله عليه وعلى والديه بعد النبوة بسنتين، ويطلب من الله أن يوفقه لشكر هذه النعمة؟!.
ثالثاً: إن الآية المذكورة هي التي في سورة الأحقاف رقم 15، لأنها هي التي ذكرت الأربعين سنة، دون الآية التي في سورة النمل رقم 19.
وعلى هذا نقول: الأحقاف قد نزلت في المدينة، لا في مكة، وإسلام أبي بكر كان في مكة قبل عدة سنوات.
الدعوة في مراحلها التي اجتازتها:
ويرى البعض: أن الدعوة قد مرت بمراحل أربع:
الأولى: المرحلة السرية، واستمرت ثلاث أو خمس سنوات.
الثانية: الإعلان بالدعوة إلى الله بالقول فقط، دون اللجوء إلى العنف، واستمرت حتى الهجرة.
الثالثة: مرحلة الدفاع عن الدعوة بالسيف، واستمرت إلى صلح الحديبية.
الرابعة: قتال كل من وقف في سبيل الإسلام، من الوثنيين والمشركين، وغيرهم، وهو ما استقر عليه أمر الدعوة وحكم الجهاد([167]).
المرحلة السرية:
ولكننا لا نوافق على استعمال مصطلح >الفترة السرية< هنا إذ إن الظاهر هو أن النبي >صلى الله عليه وآله< لم يكن حينما بعث مأموراً بدعوة عموم الناس كما قدمنا، ولكنه كان يعرض هذا الدين بصورة طوعية وعفوية، وبدون أن يوجه الأنظار إلى ذلك، فكان هناك أفراد يسلمون تباعاً.
وقد كان هذا الأسلوب في تلك الفترة ضرورياً من أجل الحفاظ على مستقبل الدعوة، حتى لا تتعرض لعمل مسلح يقضي عليها في مهدها، حيث لا بد من إيجاد ثلة من المؤمنين، ومن مختلف القبائل يحملون هذه العقيدة ويدافعون عنها، حتى لا يبقى مجال لتصفيتهم السريعة والحاسمة من قبل أعدائهم الأشرار.
كما أنه >صلى الله عليه وآله< أراد أن لا تهدر الطاقات، وتذهب الجهود سدى، وينتهي الأمر إلى تمزق، وتوزع في الثلة المؤمنة، ثم إلى ضياع مدمر.
وأيضاً؛ فقد كانت هذه الفترة بمثابة إعداد نفسي، وتربية عقيدية وروحية لتلك الصفوة المؤمنة بربها، وبرسالة نبيه الأكرم >صلى الله عليه وآله<، تمكنهم من الصمود في وجه التحديات التي تنتظرهم.
وإذا كان >صلى الله عليه وآله< يريد: أن يقود عملية تغيير شاملة، فلا بد له من إتاحة الفرصة لتهيئة وإعداد القوى التي تستطيع أن تحقق هدفاً كبيراً كهذا، وتتمكن من الحفاظ والاحتفاظ بالوجود الفعال والمؤثر في بقاء ذلك الهدف.
النبي ' في دار الأرقم:
قال المؤرخون: ولما صار عدد المسلمين ثلاثين رجلاً ـ كما قيل ـ وصار بعض المسلمين يخرجون إلى الشعاب والجبال خارج مكة لأداء الفرائض، وإقامة الشعائر، وصار بعض المشركين يترصدونهم، ويتعمدون إيذاءهم، وحصلت صدامات فردية لهم معهم، ومنها أنه كما يقولون:
خرج جماعة من المسلمين إلى شعاب مكة للصلاة، فظهر عليهم نفر من قريش كانوا يرصدونهم، ويتبعون آثارهم، وهم يصلون؛ فناكروهم، وعابوا عليهم ما يصنعون، حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص ـ والعهدة على الراوي ـ يومئذٍ رجلاً من المشركين بلحى بعير، فشجه، فكان أول دم أهريق في الإسلام([168]).
ولكن قد قال الزبير (أي ابن بكار): وطليب أول من دمى مشركاً في الإسلام؛ بسبب النبي >صلى الله عليه وآله< فإنه سمع عوف بن صبرة السهمي يشتم النبي >صلى الله عليه وآله<، فأخذ له لحى جمل، فضربه فشجه الخ..([169]).
ومرة أخرى تعقب مشركان مسلمَين خرجا للصلاة في أحد الشعاب، فباطشاهما([170]).
فهذه الحوادث الجزئية ـ على ما يظهر ـ قد دفعت بالنبي >صلى الله عليه وآله< إلى اختيار دار الأرقم([171])، الواقعة على الصفا ليجعلها مركزاً لدعوته، ومحلاً لاجتماع أصحابه به، ثم الابتعاد عن أنظار المشركين في عبادتهم وشعائرهم، بدلاً من الخروج إلى الشعاب من أجل الصلاة.
فكانت هذه الدار هي مركز حركته ونشاطاته وبقي فيها شهراً([172]) ولم يخرج منها حتى تكامل المسلمون أربعين رجلاً كما قيل([173])، وقيل: أكثر، وقيل: أقل، وحينئذٍ خرج >صلى الله عليه وآله< ليعلن دعوته، وليبدأ مرحلة جديدة هي أصعب مرحلة، وأخطرها، وأكثر عنفاً، وأشد بلاءً.
هذا، ولكن بعض المحققين([174])يحتمل أن يكون >صلى الله عليه وآله< قد دخل دار الأرقم مرة أو مرات، ولكن يد السياسة قد طورت هذا الأمر؛ لتكون دار الأرقم في مقابل شعب أبي طالب، بل يدَّعون: أنها دعيت دار الإسلام([175]).
لكننا في المقابل لا نرى أن دار الأرقم كانت لها هذه الأهمية، ولا هذا الدور، ولذلك تجد ابن إسحاق وهو من نعرف ـ لا يشير إلى دار الأرقم لا من قريب ولا من بعيد ـ كما أن البلاذري يذكرها بصورة عابرة، دون أية أهمية.
والذي يهتم بدار الأرقم ويبرزها على أنها مفصل تاريخي هو الواقدي بالدرجة الأولى، فلعل المسلمين ترددوا على هذه الدار مرات، فعظمت السياسة ذلك وطورته، حتى دعيت هذه الدار دار الإسلام، للتعتيم على شعب أبي طالب حسبما تقدم، وذلك عن منطق السياسة الذي عرفناه وألفناه غير بعيد.
قريش لا تهتم لمرحلة ما قبل الإعلان:
كان المشركون قد عرفوا بتنبؤ النبي >صلى الله عليه وآله< من أول الأمر، ولكنهم لم يهتموا كثيراً بالأمر ـ بادئ ذي بدء ـ ربما لأنهم اعتبروا أن القضية ليست بذات أهمية كبيرة؛ إلا من وجهة قبلية بالدرجة الأولى، ولكنهم ظلوا يتنسمون الأخبار، ويستطلعونها وكانوا يقولون: إن فتى عبد المطلب ليكلم من السماء.
إسلام أبي ذر &:
وفي هذه الفترة كان إسلام أبي ذر >رحمه الله< الذي كان رابع، أو خامس من أسلم([176])، حيث إنه سمع بمبعث النبي >صلى الله عليه وآله< فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر، فرجع إليه، ولم يشف له غليلاً.
فذهب هو بنفسه إلى مكة؛ فكره أن يسأل عن النبي >صلى الله عليه وآله< علانية ورآه علي >عليه السلام< مضطجعاً في ناحية المسجد الحرام، فعرف أنه غريب، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء، ثم سأله أبو ذر عن النبي >صلى الله عليه وآله<، فأخذه إليه بصورة سرية؛ حيث أمره أن يتبعه، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة، أو يصلح نعله.
وبعد أن أسلم أبو ذر خرج إلى المسجد الحرام؛ فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقام إليه المشركون فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس؛ فأكب عليه، وقال: ويحكم، ألستم تعلمون: أنه من غفار، وإنها طريق تجارتكم إلى الشام؟ فتركوه، ولكنه عاد في اليوم الثاني إلى مثل ذلك، فخلصه العباس([177]).
وثمة نصوص أخرى لا مجال لذكرها هنا.
ولما ضُرب أبو ذر جاء إلى النبي >صلى الله عليه وآله< فقال: يا رسول الله، أما قريش فلا أدعهم حتى أثأر منهم، ضربوني.
فخرج حتى أقام بعسفان، وكلما أقبلت عير لقريش، يحملون الطعام، ينفر بهم على ثنية غزال؛ فتلقي أحمالها؛ فجمعوا الحنط، ويقول أبو ذر لقومه: لا يمس أحد حبة حتى تقولوا: >لا إله إلا الله<.
فيقولون: >لا إله إلا الله<، ويأخذون الغرائر([178]).
وحسب نص آخر: كان أبو ذر رجلاً شجاعاً يتفرد وحده بقطع الطريق، ويغير على الصرم([179]) في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع..
إلى أن قال:
>فكان يعترض لعيرات قريش، فيقطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً، حتى تشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله: فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله، ومضى بدر، وأحد، ثم قدم فأقام بالمدينة<([180]).
وأسلم على يده نصف قبيلته غفار، ووعده الباقون بأن يسلموا إذا قدم النبي >صلى الله عليه وآله< المدينة([181]).
وكـان أبو ذر يتأله في الجاهلية، ويقول: >لا إله إلا الله<، ولا يـعـبد الأصنام، ويقال: إنه صلى قبل مبعث النبي >صلى الله عليه وآله< عدة سنوات([182]).
ما يستفاد من حديث إسلام أبي ذر:
أولاً: إن عدم عبادة أبي ذر للأصنام، ليس إلا من أجل منافرتها لحكم العقل، وللفطرة السليمة، حين لا تطغى على الإنسان أي من العوامل الخارجية التي تجعل على قلبه وبصره غشاوة.
ويلاحظ: أن القرآن ما زاد في مقاومته لعبادة الأصنام، والتوجيه إلى الله تعالى على أن نبه العقل، وأثاره، وأرشد إلى ما تقتضيه الفطرة السليمة في هذا المجال، وكل من يستعرض الآيات القرآنية يرى كيف أن القرآن يهتم في الإرجاع إلى الفطرة، وحكم العقل، ويعتبر أن لهما وحدهما الحق في الحكم في هذا المجال.
ثانياً: إن أسلوب علي >عليه السلام< في المحافظة على عنصر السرية، حتى لا يلتفت المشركون إلى طبيعة تحركاته وأهدافه، وأسلوبه في إيصاله أبا ذر إلى الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< ـ رغم أنه لا يزال فتى يافعاً ـ إن دلَّ على شيء؛ فإنما يدلُّ على دراية وروية، وتبصر وتدبر بالأمور، مما يؤكد امتيازه >عليه السلام< على غيره، ممن عاش ومارس الأمور.
كما أن اتكال أبي ذر رجل الحكمة والتبصر على دعوة علي >عليه السلام< له، واستجابته لدعوته ونزوله ضيفاً عليه، يدلّ على أنه كان يرى في علي من الحكمة والروية ما لا يراه في غيره، مهما كان فارق السن بينه وبين أولئك كبيراً.
ولقد كان >عليه السلام< يهدف إلى الحفاظ على أبي ذر من جهة، وعلى أن لا يُلفت نظر المشركين إلى أنه يقوم بنشاط من أجل إدخال الناس في هذا الدين الجديد من جهة أخرى، وهذا الثاني هو الأهم بالنسبة إليه، فإنه لا يمكن أن يتخلى عن الدعوة في سبيل الشخص، ولكن الشخص هو الذي يضحي بنفسه وبكل ما لديه في سبيل الحفاظ على الدعوة وبقائها، ولكن هذه التضحية لا بد أن تكون في وقت الحاجة إليها، وحين يكون لا بد منها ولا غنى عنها، وإلا فلربما يكون ضررها أكثر من نفعها، أو على الأقل يكون هدراً لطاقات، وإتلافاً لقدرات ربما تكون الدعوة في يوم ما بأمسّ الحاجة إليها.
ثالثاً: ما فعلته قريش بأبي ذر لم يكن بسبب أن المواجهة كانت قد وقعت بينها وبين النبي >صلى الله عليه وآله<؛ فإن هذه المواجهة لم تكن حصلت حينئذٍ، وإنما رأت في تصرف أبي ذر هذا تحدياً لهـا، واعتداءً على شرفها، وكبريائها، ولا يقصد منه إلا تحقيرها وإذلالها، من دون مبرر ظاهر تراه وتتعقله لتصرف كهذا سواه، ولعلها أرادت من بطشها بهذا الرجل الغريب والوحيد ردع الآخرين، وإرهابهم، ومنعهم من الإقبال على الدخول في الإسلام، أو من التظاهر به.
رابعاً: إنتقام أبي ذر من قريش على ذلك النحو قد أثر فيها نفسياً، وروحياً إلى حد بعيد، وعرفها:
أنها لا يمكن أن تتعامل مع الآخرين، كما يحلو لها، وعلى حسب ما تشتهي، لأن الآخرين يملكون من الوسائل الفعالة للضغط عليها ما لا تجد معه حيلة، ولا تستطيع سبيلاً.
خامساً: إن نجاح أبي ذر في دعوته قومه من قبيلتي غفار وأسلم، حتى إنه يستغل تشوقهم للحصول على غرائر الحنطة لطرح الخيار النهائي عليهم ـ إن نجاحه هذا ـ ليدل على أنه كان بعيد الهمة والنظر عاقلاً لبيباً أريباً، يدرك أهداف الرسالة السماوية الحقة التي اعتنقها خير إدراك، ويدرك واجباته تجاهها، ثم هو ينفذ مهمته، ويقوم بواجباته على النحو الأكمل والأمثل.
سادساً: إن محاولات أبي ذر الجادة للتعرف على صدق النبي >صلى الله عليه وآله< في دعواه، وإرساله أخاه أولاً، ثم ذهابه هو بنفسه، وبقاءه ثلاثة أيام يبحث عن النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله<، إنما كانت بدافع ذاتي ينبع من داخله، يدفعه إلى البحث عن الحق، والعمل من أجله، وفي سبيله.
وهذا يؤيد القول: بأن العقل هو الذي يحكم ويدفع إلى تعلم ما ينفع، وما يضر، للالتزام بذاك، والابتعاد عن هذا. بل هو أمر فطري مغروس في فطرة الإنسان وطبيعته وسجيته، حتى إنك تجد الطفل الذي يحس بألم النار ليس فقط لا يحاول بعد ذلك الاقتراب منها، وإنما هو يجهد بكل ما أوتي من قوة وحول في الابتعاد عنها.
سابعاً: إن موقف علي >عليه السلام< من أبي ذر ليعكس لنا: أن هذا الفتى اليافع والناشئ كان يعتز بنفسه، ويثق بها، فيدعو أبا ذر ليكون ضيفه ثلاثة أيام، ثم هو يساعده على الوصول إلى النبي >صلى الله عليه وآله< بشكل ذكي وحذر، ثم هو يتركه ثلاثة أيام لا يسأله عن أمره حتى لا يشعر هذا الضيف بأن مضيفه ربما يكون قد ضاق به ذرعاً، أو ملّ وجوده؛ وليكون قد أتاح له الفرصة ليستأنس في هذا البلد الذي يراه غريباً عليه، ويألفه، ويرتاح إليه نفسياً، كما ارتاح جسدياً؛ وليكون أنفذ بصيرة، وأكثر اطميناناً في بيان حاجته التي جاء من أجلها.
ثامناً: إن جهر أبي ذر بإسلامه، وتعريضه نفسه للضرب والإهانة من قبل المشركين، إنما يعكس لنا مدى اعتزاز أبي ذر بإسلامه هذا، ومدى استعداده للتضحية في سبيله، ثم هو يعكس مدى حنق قريش ورعونتها في مواجهة الدعوة إلى الله تعالى، حتى إنها تنسى: أن من تبطش به ربما يكون في المستقبل سبباً في عرقلة تجاراتها إلى الشام، ومضايقتها اقتصادياً.
نعم، تنسى ذلك، وتهجم عليه لتضربه، ثم ترتد عنه لا بدافع إنساني، ولا عن قناعة فكرية، وإنما لدوافع اقتصادية دنيوية، تعكس أنانيتها، ومستوى تفكيرها أولاً وأخيراً، ولا شيء أخطر على الإنسان من الأنانية التي ربما تضع على عينيه غشاوة؛ فلا يبصر الحق الأبلج، ولا يهتدي سواء السبيل.
تاسعاً: لعل أبا ذر قد أراد كسر شوكة أعداء الإسلام، وفتح ثغرة في هذا الجبروت، ثم كسر حاجز الخوف لدى المسلمين، ليتشجعوا على مواجهة الأخطار، وضرب المثل الحي لهم في مجال التضحية من أجل الدين والحق، كما أن ذلك لسوف يؤثر على من يميلون إلى هذا الدين ويتعاطفون مع المسلمين، ويثير إعجابهم بصورة كبيرة.
وأخيراً، فلسوف نرى: أن ثمة محاولات لنسبة موقف أبي ذر الشجاع والجريء والفذ هذا تجاه قريش إلى غيره من الصحابة، كأبي بكر تارة، وعمر أخرى.
ولكن كل ذلك لا يمكن أن يصح، كما سنذكره حين الحديث عن إسلام عمر، وهجرة أبي بكر.
الباب الثاني:
حتى وفاة أبي طالب ×
الفصل الأول: الإسراء والمعراج
الفصل الثاني: انذار العشير
الفصل الثالث: حتى الهجرة إلى الحبشة
الفصل الرابع: هجرة الحبشة
الفصل الخامس: حتى الشعب
الفصل السادس: في شعب أبي طالب
الفصل السابع: أبو طالب:
البحث الأول:
البحث الثاني:
البحث الثالث:
الفصل الأول:
الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج:
بعد بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<، وفي أثناء المرحلة السرية، التي استمرت ثلاث، أو خمس سنوات، كان ـ على الأرجح ـ الإسراء والمعراج: الإسراء إلى بيت المقدس، حسب نص القرآن الكريم.
والمعراج من هناك إلى السماء، الذي وردت به أخبار كثيرة.
وحيث إن التفاصيل الدقيقة لهاتين القضيتين يصعب الجزم في كثير منها إلا بعد البحث الطويل والعميق.
ذلك لأن هذه القضية، وجزئياتها قد تعرضت على مر الزمان للتلاعب والتزيد فيها، من قبل الرواة والقصاصين، ثم من قبل أعداء الإسلام؛ بهدف تشويه هذا الدين، وإظهاره على أنه يحوي الغرائب والعجائب، والأساطير والخرافات، لأسباب شخصية، وسياسية وغيرها.
ولم يسلم من مكائد هؤلاء حتى رموز الإسلام، وحفظته وأئمة المسلمين أيضاً.
وقد حذر الإمام الرضا >عليه السلام< من هؤلاء ـ حسبما روي عنه ـ حيث قال لابن أبي محمود: >إن مخالفينا وضعوا أخباراً في فضائلنا وجعلوها على أقسام ثلاثة:
أحدها: الغلو.
وثانيها: التقصير في أمرنا.
وثالثها: التصريح بمثالب أعدائنا.
فإذا سمع الناس الغلو فينا كفّروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا.
وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا.
وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ}<([183]).
وبعدما تقدم، فإن التعرض لبحث التفاصيل الدقيقة لقضية الإسراء والمعراج يحتاج إلى توفر تام، وتأليف مستقل؛ ولذا فنحن لا نستطيع في هذه الفرصة المتوفرة لنا أن نعطي تصوراً دقيقاً عنه.
وعلى هذا، فسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض الجوانب التي رأينا أن من المناسب التعرض لها؛ فنقول:
متى كان الإسراء والمعراج؟!
إن المشهور هو: أن الإسراء والمعراج قد كان قبل الهجرة بمدة وجيزة؛ فبعضهم قال: ستة أشهر.
وبعضهم قال: في السنة الثانية عشرة للبعثة، أو في الحادية عشرة أو في العاشرة.
وقيل: بعد الهجرة([184]).
وفي مقابل ذلك نجد البعض يقول: إنه كان في السنة الثانية من البعثة([185])، وقيل: في الخامسة، وقيل في الثالثة ـ وهو الأرجح عندنا ـ ولعل ابن عساكر يختار ما يقرب مما ذكرنا، حيث إنه ذكر الإسراء في أول البعثة كما ذكره عنه ابن كثير([186]).
وقال مغلطاي، بعد أن ذكر بعض الأقوال: >وقيل: كان بعد النبوة بخمسة أعوام، وقيل: بعام ونصف عام.
وقال عياض: بعد مبعثه بخمسة عشر شهراً<([187]).
وقال ملا علي القاري: >وذكر النووي: أن معظم السلف، وجمهور المحدثين والفقهاء على أن الإسراء والمعراج كان بعد البعثة بستة عشر شهراً<([188]).
وقال ابن شهر آشوب: >ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسرائه في السنة التاسعة من نبوته<([189]).
فإن قوله: >في السنة التاسعة< راجع إلى فرض الصلوات، وقد ظهر من كلامه: أن فرضهما كان بعد الإسراء والمعراج، ولكنه لم يبين لنا تاريخه بالسنة ولا باليوم والشهر.
وقال الديار بكري: >فأما سنة الإسراء، فقال الزهري: كان ذلك بعد المبعث بخمس سنين.
حكاه القاضي عياض، ورجحه القرطبي، والنووي.
وقيل: قبل الهجرة بسنة إلخ<([190]).
الأدلة على المختار:
وأما ما يدل على أن الإسراء قد كان في السنوات الأولى من المبعث؛ فعدا عن الأقوال المتقدمة، ولا سيما ما ذكره الزهري والنووي، نشير إلى الأمور التالية:
1 ـ ما روي عن ابن عباس أن ذلك كان بعد البعثة بسنتين([191]) وابن عباس كان أقرب إلى زمن الرسول، وأعرف بسيرته من هؤلاء المؤرخين، فإذا ثبت النص عنه قدم على أقوال هؤلاء.
ولربما لا يكون هذا مخالفاً لما تقدم عن الزهري وغيره، إذا كان ابن عباس لا يحسب الثلاث سنوات الأولى، على اعتبار: أنه >صلى الله عليه وآله< إنما أُمر بإنذار الناس بعدها.
2 ـ قد ورد عن الإمام أمير المؤمنين >عليه السلام<: أن الإسراء قد كان بعد ثلاث سنين من مبعثه([192])، وهذا هو الأصح والمعتمد.
3 ـ ويدل على ذلك بشكل قاطع ما روي عن: ابن عباس، وسعد بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، والإمام الصادق >عليه السلام<، وعمر بن الخطاب، وعائشة، من أنه >صلى الله عليه وآله< ـ حينما عاتبته على كثرة تقبيله ابنته سيدة النساء، فاطمة >عليها السلام< ـ قال لها: نعم يا عائشة، لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبرئيل الجنة، فناولني منها تفاحة، فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة؛ ففاطمة حوراء إنسية، وكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها([193]).
ومعلوم مما سبق: أن فاطمة قد ولدت بعد البعثة بخمس سنوات؛ فالإسراء والمعراج كانا قبل ذلك بأكثر من تسعة أشهر، ولعله قبل ذلك بسنتين.
حتى أذن الله لتلك النطفة بالظهور، والاستقرار في موضعها.
4 ـ إن سورة الإسراء قد نزلت في أوائل البعثة، ويدل على ذلك:
أ ـ ما رواه البخاري وغيره، من أن قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا}([194]) قد نزل بمكة، ورسول الله >صلى الله عليه وآله< مختف.
وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن؛ فإذا سمع المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به إلخ([195]).
ومعلوم: أن اختفاء النبي >صلى الله عليه وآله< في دار الأرقم إنما كان في أوائل البعثة، والمقصود بالاختفاء هو التخفي عن أعين المشركين حين الصلاة.
وأجاب المحقق الروحاني على ذلك، بأن من الممكن أن يكون >صلى الله عليه وآله< حينئذٍ مختفياً في شعب أبي طالب.
فلا تدل هذه الرواية على أن الإسراء كان في أول البعثة.
ولكن، لنا أن نناقشه بأن الداعي إلى دخولهم الشعب لم يكن هو التخفي في الصلاة وتلاوة القرآن، وإنما اضطرهم المشركون إلى دخوله، وحاصروهم فيه، فالتعبير بالاختفاء يدل على أن ذلك قد كان في أوائل البعثة.
ووجود هجوم في سورة الإسراء على عقائد المشركين لا يضر إذا كانت السورة قد نزلت في أوائل البعثة.
ب ـ ما ذكره البعض في مقال له([196]) من أن سورة الإسراء قد نزلت بعد الحجر بثلاث سور([197]) وسورة الحجر قد نزلت في المرحلة السرية.
وفيها جاء قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ}([198]).
الأمر الذي تسبب عنه الجهر بالدعوة وإظهارها.
وإيراد المحقق الروحاني هنا: بأن في السورة ما يدل على وجود الصدام بين النبي >صلى الله عليه وآله< والمشركين.
وهذا الصدام إنما حصل بعد الاختفاء في دار الأرقم، وبعد الإعلان بالدعوة.
يجاب عنه بما تقدم: من أن من غير البعيد أن تكون هذه السورة قد نزلت تدريجاً؛ فبدأ نزولها في أول البعثة.
ثم أكملت في فترة التحدي والمجابهة بين النبي >صلى الله عليه وآله< والمشركين.
ويدل على قدم نزولها أيضاً: قول ابن مسعود عن سور الإسراء، والكهف، ومريم: إنهن من العتاق الأول، وهن من تلادي([199]).
وابن مسعود ممن هاجر إلى الحبشة، ورجع منها، والنبي >صلى الله عليه وآله< يتجهز إلى بدر([200]).
إلا أن يقال: إن ابن مسعود إنما هاجر إلى الحبشة بعد الطائف، أي في الهجرة الثانية، لا في الأولى؛ فلاحظ؛ فإن ذلك لا يلائم قوله: إنهن من العتاق الأول.
5 ـ إن سورة النجم ـ التي يذكرون أنها تذكر المعراج في آياتها ـ قد نزلت هي الأخرى في أوائل البعثة؛ فإنها نزلت بعد اثنتين أو ثلاث وعشرين سورة، ونزل بعدها أربع وستون سورة في مكة([201]).
وسيأتي في قصة الغرانيق المكذوبة أو المحرفة: أنهم يقولون: إنها إنما نزلت بعد الهجرة إلى الحبشة بثلاثة أشهر، والهجرة إلى الحبشة إنما كانت في السنة الخامسة.
بل لقد قيل: إن سورة النجم هي أول سورة أعلن النبي >صلى الله عليه وآله< بقراءتها؛ فقرأها على المؤمنين والمشركين جميعاً([202]).
والنقاش في كون آيات سورة النجم ناظرة إلى المعراج، يمكن تجاوزه، وعدم القبول به كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
6 ـ ويؤيد كون هذه القضية قد حصلت في أوائل البعثة، أنه حين عرج به >صلى الله عليه وآله< صار الملائكة يسألون: أو قد أرسل إليه؟([203]).
فإن هذا يشير إلى أن ذلك إنما كان في أول بعثته >صلى الله عليه وآله< لا بعد عشرة أو اثنتي عشرة سنة، فإن أمره >صلى الله عليه وآله< كان قد اشتهر في أهل السماوات حينئذٍ.
بل يمكن أن يكون قد اشتهر ذلك منذ الأيام الأولى من البعثة.
7 ـ ما يدل على أن الإسراء قد كان قبل وفاة أبي طالب: فإن بعض الروايات تذكر أن أبا طالب >عليه السلام< قد افتقده ليلته، فلم يزل يطلبه حتى وجده، فذهب إلى المسجد، ومعه الهاشميون، فسل سيفه عند الحجر، وأمر الهاشميين بإظهار السيوف التي معهم، ثم التفت إلى قريش، وقال: لو لم أره ما بقي منكم عين تطرف.
فقالت قريش: لقد ركبت منا عظيماً([204]).
8 ـ ما روي من أن جبرئيل قال للنبي >صلى الله عليه وآله< حين رجوعه: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام([205]).
9 ـ وعن عمر: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قال: ثم رجعت إلى خديجة، وما تحولت عن جانبها([206]).
فكل ذلك يدل على أن هذا الحدث قد كان قبل وفاة شيخ الأبطح، وأم المؤمنين خديجة >رحمها الله< وهما قد توفيا في السنة العاشرة من بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<، فكيف يكون الإسراء والمعراج قد حصل في الحادية عشرة أو الثانية عشرة أو بعدها؟!.
تسمية أبي بكر بالصديق
إنه إذا تأكد لنا: أن الإسراء والمعراج كان في السنة الثالثة من البعثة، أي قبل أن يسلم من المسلمين أربعون رجلاً؛ فإننا نعرف: أن الإسراء كان قبل إسلام أبي بكر بمدة طويلة؛ لأنه كما تقدم قد أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً، بل إنما أسلم حوالي السنة الخامسة من البعثة، بل في السابعة أي بعد وقوع المواجهة بين قريش وبين النبي >صلى الله عليه وآله< أو بعد الهجرة إلى الحبشة فهو أول من أسلم بعد هذه المواجهة أو الهجرة ـ على الظاهر.
وإذا كان الإسراء قد حصل قبل إسلامه بمدة طويلة، فلا يبقى مجال لتصديق ما يذكر هنا، من أنه قد سمي صديقاً حينما صدق رسول الله >صلى الله عليه وآله< في قضية الإسراء([207])، ولا لما يذكرونه من أن ملكاً كان يكلم رسول الله حين المعراج بصوت أبي بكر([208]) وقد صرح الحفاظ بكذب طائفة من تلك الروايات([209]).
والصحيح: هو أنه قد كلمه بصوت علي >عليه السلام<([210]).
وبذلك يظهر حال سائر ما يذكر هنا لهذا الرجل من فضائل ومواقف تنسب إليه في السنوات الثلاث الأولى من البعثة.
وبعدما تقدم نقول: جاء في الشفاء عن أبي حمراء قال:
قال رسول الله >صلى الله عليه وآله<: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي >عليه السلام<([211]).
الإسراء والمعراج في اليقظة أو في المنام؟!
يرى البعض: أن الإسراء قد كان بالروح فقط، في عالم الرؤيا، ويحتجون بما عن عاثشة: ما فقدت جسد رسول الله >صلى الله عليه وآله<([212]).
وعن معاوية: إنها رؤيا صالحة([213]).
وحكي مثل ذلك عن الحسن البصري.
ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه الإمامية ومعظم المسلمين من أن الإسراء إنما كان بالروح والجسد معاً.
أما المعراج فذهب الأكثر إلى أنه كان بالروح والجسد وهو الصحيح أيضاً.
ونحن نشير هنا إلى ما يلي:
أولاً: بالنسبة لعائشة، قال القسطلاني: >وأجيب: بأن عائشة لم تحدث به عن مشاهدة؛ لأنها لم تكن إذ ذاك زوجاً، ولا في سن من يضبط، أو لم تكن ولدت بعد، على الخلاف في الإسراء متى كان<([214]).
وأما معاوية فحاله معلوم مما ذكرناه في الجزء الأول: >المدخل لدراسة السيرة<.
ثانياً: قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}([215]) وقال في سورة النجم ـ إذا كانت الآيات ناظرة إلى المعراج، ويرجع الضمير فيها إلى النبي >صلى الله عليه وآله< لا إلى جبرئيل ـ : {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}([216]).
فإن لفظ العبد إنما يطلق على الروح والجسد معاً، ولو كان مناماً، لكان قال: بروح عبده، وإلى روح عبده.
كما أن قوله تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} ظاهر في البصر الحقيقي أيضاً([217]).
أضف إلى ذلك: أن آية سورة الإسراء، وآيات سورة النجم واردة في مقام الامتنان.
وفيها ثناء على الله، وعجيب قدرته، وذلك لا يحسن، ولا يتم لمجرد رؤيا رآها النبي >صلى الله عليه وآله< ؛ إذ ربما يرى غير النبي، وحتى الفاسق الفاجر رؤيا أعظم من ذلك.
هذا بالإضافة إلى أن الرؤيا عند عامة الناس لا تدل على عظيم قدرته تعالى، إذ ربما تفسر على أنها نوع من الأوهام والخيالات، فيفوت الغرض المقصود من الإسراء والمعراج، كما هو ظاهر([218]).
ثالثاً: إنه لو كان الإسراء مجرد رؤيا صالحة؛ فلا يبقى فيه إعجاز؛ ولما أنكره المشركون والمعاندون، ولما ارتد ناس ممن كان قد أسلم، كما سنشير إليه.
رابعاً: لو كان مجرد رؤيا، لم يخرج أبو طالب والهاشميون في طلبه >صلى الله عليه وآله<.
وكان العباس يناديه حتى أجابه من بعض النواحي، حسبما ورد في بعض الروايات.
وأما لماذا ينكرون: أن يكون ذلك بالروح والجسد معاً؛ فهو إما لعدم قدرتهم على تعقل ذلك، أو لأجل الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله< كما تقدم في المدخل لدراسة السيرة، أو لعدم قدرتهم على إقناع الناس بأمر مبهم كهذا.
الإسراء والمعراج في القرآن:
إنه لو صح التفريق بين الإسراء والمعراج، لقلنا:
إننا نؤمن بالإسراء استناداً إلى قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}([219]).. فمحط النظر في الآية هو بيان الإسراء فقط.
لكن الحقيقة هي: أن المراد بالإسراء هو السير بالليل سواء كان سيراً صعودياً أو أفقياً، فالآية ناظرة إلى المعراج كما أظهرته الروايات التي ذكرت أن المسجد الأقصى في السماء، وقد شرحنا ذلك بشيء من التفصيل في كتابنا المسجد الأقصى أين؟!
وبذلك يكون المعراج قد ذكر في القرآن صراحة، وقد يقال: إنه قد ذكر صراحة أيضاً في آيات سورة النجم وهي قوله تعالى: {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى، مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}([220])، إن قلنا إن الضمير فيها يرجع إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، لا إلى ذي المرة، الذي هو جبرئيل.
مع ملاحظة: أن آية سورة بني إسرائيل تتحدث عن إسراء، وآيات سورة النجم تتحدث عن إسراء آخر بلغ النبي >صلى الله عليه وآله< به سدرة المنتهى، حيث رأى هناك جبرئيل على صورته الحقيقية.
وقد يقال: إن رجوع الضمير إلى جبرئيل >عليه السلام< في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} هو الظاهر، ويدل عليه رواية صحيحة السند، عالية الإسناد، عن الإمام الرضا >عليه السلام<: أنه كان المراد بقوله: {مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} هو جبرئيل >عليه السلام< كما سنشير إليه.
والرواية تستشهد وتستدل بنص الآيات في السورة([221]).
ويدل على ذلك أيضاً ويفسره قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ}([222]) فراجع.
ويدل عليه: ما روي عن الإمام السجاد >عليه السلام< أنه قال في خطبته بالشام: >أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى..<.
أضف إلى ذلك: أن كثرة الأخبار الواردة في المعراج، وحتى تواترها القطعي لا يبقي مجالاً للشك في حصول المعراج؛ فنحن نؤمن به أيضاً استناداً إلى ذلك.
وأما القول بوجود تعارض بين آية سورة الإسراء، وبين الروايات الدالة على المعراج، على اعتبار: أن الآية تدل على أن انتهاء السير كان في المسجد الأقصى، ولم يكن بعده سير، فلا يصح لأن هناك رحلتين مختلفتين من حيث الكيفية والقصد.
وقد كان انتهاء الرحلة الأولى في المسجد الأقصى، الذي هو في السماء كما دلت عليه الروايات، ولم يتعلق غرض في الآية ببيان الرحلة الثانية أصلاً، ثم جاءت الروايات لتبين الإسراء الذي تحدثت عنه آيات سورة النجم، والذي رأى فيه >صلى الله عليه وآله< عند سدرة المنتهى جبرئيل على صورته الحقيقية.
توضيح:
إن الروايات تشير إلى أن المشركين قد صعب عليهم الإيمان بالمعراج، فاختار >صلى الله عليه وآله< أسلوب البيان لبعض الأمور التي يعرفونها عن طريق الحس ليكون التصديق به أيسر وأقرب.
ورغم ذلك فإنه: قد صعب عليهم التصديق به، بل واستهزؤوا وشنعوا عليه ما شاء لهم بغيهم وحنقهم.
رغم أنه قد أخبرهم بما جرى للقافلة التي رآها في طريقه، وبأنها قد أضلت بعيراً، وكسرت فيها ناقة حمراء في الوقت الفلاني، وبان لهم صدقه في ذلك.
ورغم أنه >صلى الله عليه وآله< وصف لهم بيت المقدس وصفاً دقيقاً، يعلمون صحته وصدقه، مع علمهم بعدم رؤيته >صلى الله عليه وآله< له فيما مضى.
وأيضاً، إذا كان بعض ضعفاء المسلمين قد ارتدوا حين أخبرهم النبي >صلى الله عليه وآله< ببعض ذلك([223])، الذي هو من جملة المعجزات القاطعة، والبراهين الساطعة.
نعم، إذا كان ذلك كله، فكيف تكون الحال إذا أخبرهم بما هو أكثر غرابة وبعداً عن أذهانهم، وهو رحلته إلى السماوات العلى، وما شاهد فيها من عجائب الصنع، وبديع الخلق؟!.
ولهذا، فإننا نرجح: أنه >صلى الله عليه وآله< قد تدرج في إخبارهم بذلك كله، بحسب ما تقتضيه المصلحة، ومتطلبات الدعوة إلى الله تعالى.
الداعية الحكيم:
ولعل مما تقدم يظهر: أنه إذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< إنما جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، فإن من الطبيعي أن يهتم في الحفاظ على الركيزة الإيمانية التي يحصل عليها، وأن لا يدخلها في أجواء ليس لها القدرة على استيعابها ولا على مواجهة أخطار الانحراف فيها.
ومن الواضح: أنه إذا أخبرهم بقضية المعراج، مع عدم قدرتهم على التحمل والتفـاعـل معها ولا على تصورهـا، فإنهم إذا ارتـدوا حينئذٍ فسيكونون معذورين، ولا سيما إذا كان التصديق بهذه القضية إنما يستند إلى المستوى الإيماني لديهم بالدرجة الأولى.
وأما إخبارهم بالأمور الحسية أو القريبة من الحس، فقد كان بالإمكان أن يؤدي الإخبار عنها نفس النتيجة المتوخاة، وهي الجهة الإعجازية ذات الطابع المعين مع إمكان الاستناد في مقام الإقناع بها إلى أدلة تقربها إلى الحس، وتجعل القبول بها أيسر وأسهل من تلك، ولا يعتمد فيها على المستوى الإيماني وحسب.
وإذاً؛ فلا يبقى ثمة مبرر لارتداد هؤلاء، ولا لعناد أولئك.
ومن الواضح: أن كل هذا الكلام لا يمنع من كون سورة النجم ناظرة إلى المعراج، فإن الروايات تقول:
أنه >صلى الله عليه وآله< قد عرج به إلى السماوات أكثر من مرة، فأخبرهم >صلى الله عليه وآله< عن الإسراء في المرة الأولى، ثم بعد أن أصبحوا مؤهلين لتلقي هذه القضية، نزلت السورة وأخبرهم بالمعراج إلى السماوات.
لا تدركه الأبصار:
ويرى البعض، استناداً إلى قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى، وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى، عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى..}([224]): أن النبي >صلى الله عليه وآله< قد رأى الله حين المعراج بعين رأسه، ورووا ذلك عن ابن عباس.
بل لقد حكى النقاش عن أحمد بن حنبل، أنه قال: أنا أقول بحديث ابن عباس: بعينه رآه، رآه، حتى انقطع نفسه، يعني نفس أحمد([225]).
ونحن لا نريد أن نفيض في الحديث حول الرؤية له تعالى، فلقد أثبت علماؤنا الأبرار، بما لا مجال معه للشك استحالة رؤيته تعالى، سواء في الدنيا، أو في الآخرة.
وقد فندوا أدلة المجسمة المثبتين للرؤية في الدنيا والآخرة، أو في الآخرة فقط بشكل علمي وقاطع.. فمن أراد الاطلاع على ذلك فعليه بمراجعة دلائل الصدق، وغيره من الكتب المعدة لذلك([226]).
ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن الرواية عن ابن عباس غير ثابتة، فقد روي عنه أيضاً خلافها([227]).
وروي عن عائشة: أن مسروقاً قال لها: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد >صلى الله عليه وآله< ربه؟
قالت: لقد قف شعري مما قلت..
إلى أن قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت: لا تدركه الأبصار الخ..([228]).
وعند مسلم: أنها أضافت: أنها سألت النبي >صلى الله عليه وآله< عن ذلك، فأخبرها: أنه لم يره، وإنما رأى جبرئيل([229]).
والروايات في أن المقصود بمن {رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} هو جبرئيل كثيرة جداً وكذلك الروايات التي تؤكد: على أنه >صلى الله عليه وآله< قد رآى الله بقلبه وفؤاده، لا بعينه وبصره، فإنها كثيرة أيضاً([230]).
وليس بين هاتين الطائفتين أي تناف أو تعارض..
بل إن نفس الآيات ظاهرة ـ إن لم تكن صريحة ـ في أن المقصود هو جبرئيل، بيان ذلك باختصار: أن قوله تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} يراد بشديد القوى هو جبرئيل >عليه السلام<، ثم وصف جبرئيل، الذي وصفه الله بالقوة في قوله: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ}([231]) بكونه ذا مرة، >أي شدة وحصافة في العقل والرأي<([232])، وقوله: {فَاسْتَوَى} أي أن ذلك الشديد، ذا المرة، استقام أو استولى، وهو بالأفق الأعلى.
وقوله: {ثُمَّ دَنَا}، أي النبي >صلى الله عليه وآله<، فكان قاب قوسين أو أدنى من حجب النور، حيث رأى ملكوت السماوات، ثم تدلى >صلى الله عليه وآله< فنظر تحته إلى ملكوت الأرض، فأوحى الله تعالى إلى عبده محمد >صلى الله عليه وآله< ما أوحى.
ورجوع الضمير إلى الله مع عدم سبق ذكره، لا ضير فيه لوضوحه، كما قال العلامة الطباطبائي، أو على أن يكون ضمائر فأوحى إلى عبده ما أوحى راجعة إلى الله تعالى.
ثم قال: ما كذب الفؤاد ما رأى.
والمرئي هو الآيات الكبرى، ومنها ما تقدم من الدنو، والتدلي، وكونه >صلى الله عليه وآله< بالأفق الأعلى، ورؤيته جبرئيل عند سدرة المنتهى، ثم تجاوزها >صلى الله عليه وآله< كما قلنا.
وليس في الآية ما يدل على أن الرؤية قد كانت لله تعالى.
ويدل على ما نقول قوله تعالى الآتي: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى، لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}([233]).
ثم قال تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى}([234]) أي أتجادلونه في رؤيته جبرئيل على حقيقته العجيبة التي هي من آيات الله الكبرى، وهل هذا أمر نظري عقلي يصح الجدال والمراء فيه؟
وهل بإمكانه أن يُكذِّب بصره ويقول: لا أراه؟!
فإن الكفار كانوا ينكرون رؤيته الملك على حقيقته رغم أنهم ليس لديهم أي علم بهذا الأمر، كما لا سبيل لديهم إلى معرفته، ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ}، ـ والضمير يرجع إلى ذلك الذي لا يزال يتحدث عنه ـ {نَزْلَةً أُخْرَى}، أي في نزول آخر، والذي كان ينزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو جبرئيل، فإنه رآه والتقى معه على صورته في نزلة ثانية عند سدرة المنتهى.
وربما تكون النزلة لرسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإنه بعد أن تجاوز سدرة المنتهى إلى حجب النور، ورأى العرش وملكوت السماوات فإنه تدلى لكي يرى ملكوت الأرض حتى كان قاب قوسين أو أدنى فرأى جبرئيل على صورته الحقيقية مرة أخرى عند سدرة المنتهى.
ويرى البعض: أنه لا بد أن تكون هذه الرؤية الثانية في الأرض، وإلا لوجب أن يقول: ولقد رآه نزلة أخرى، ثم عرج به إلى السماء، حتى انتهى إلى السدرة، فرآه عندها، ويبدو: أنه كان في الأرض ـ كما يراه بعض المحققين ـ شجرة سدر كان لقاء النبي >صلى الله عليه وآله< بجبرئيل عندها، وعند تلك السدرة توجد جنة المأوى، أي جنة وبستان يؤوى إليها، أو أن الجنة في الآخرة ستكون في تلك المنطقة.
وبعض المحققين يرى: أن المراد بالنزلة الدفعة، وأنه قد رأى جبرئيل بعد العروج عند سدرة المنتهى، وأن الجنة الحقيقية موجودة هناك.
ونقول:
إن هذا الكلام خلاف ظاهر التعبير بسدرة المنتهى، التي فسرت في الروايات بما ذكرناه..
وتحقيق مكان الجنة ليس هنا محله.
وهكذا يتضح: أن هذه الآيات ناظرة إلى رؤية النبي >صلى الله عليه وآله< لجبرئيل على صورته الحقيقية مرتين في نزلتين، لجبرئيـل أو للنبي >صلى الله عليه وآله<، وجبرئيل في صورته الحقيقية هو من آيات الله الكبرى..
ولأجل ذلك تجده تارة يتحدث عنه في صورة المفرد فيقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}([235])، وتارة يتحدث عنه في ضمن آيات ربه فيقول: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}([236]). أو أنه >صلى الله عليه وآله< قد رأى جبرئيل في نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، ثم رأى هناك بعض الآيات الكبرى الأخرى.
وهذا هو ما أكده الإمام الرضا >عليه السلام<، في رواية صحيحة السند عنه، جاء فيها: قال أبو قرة: إنا روينا: أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين؛ فقسم الكلام لموسى، ولمحمد الرؤية.
فقال أبو الحسن >عليه السلام<: فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين، من الجن والإنس: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}([237])، و{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}([238])، و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}([239]) أليس محمد >صلى الله عليه وآله<؟
قال: بلى.
قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً، فيخبرهم: أنه جاء من عند الله، وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} و{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، ثم يقول: أنا رأيته بعيني، وأحطت علماً، وهو على صورة البشر؟! أما تستحون؟!. ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر.
قال أبو قرة: فإنه يقول: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}؟
فقال أبو الحسن >عليه السلام<: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى، حيث قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى، فقال: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}؛ فآيات الله غير الله، وقد قال الله: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}، فإذا رأته الأبصار؛ فقد أحاط به العلم، ووقعت المعرفة.
فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟!.
فقال أبو الحسن >عليه السلام<: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها، وما أجمع المسلمون عليه: أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار، وليس كمثله شيء([240]).
وفي الرواية دلالة على حجية ظواهر الكتاب، وعلى حجية السياق القرآني أيضاً، صلوات الله وسلامه عليك يا أبا الحسن وعلى آبائك وأبنائك الطاهرين، فإنكم ما زلتم حصون الإسلام، والمدافعين عنه، والباذلين مهجكم في سبيله، فأنتم مصابيح الدجى، والعروة الوثقى، والحجة على أهل الدنيا.
الإسراء من المسجد:
صريح القرآن: أن الإسراء كـان من المسجد، وجـاء في عـدد من الروايات: أنه كان من بيت أم هاني([241]) واحتمل السيد الطباطبائي أن يكون الإسراء حصل مرتين، إحداهما من بيت أم هاني([242]).
ويحتمل أيضاً التجوز، وإرادة مكة من >المسجد الحرام<، وهو إطلاق متعارف، قال تعالى: {هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ}([243]) ويقال: هو يسكن في مشهد الرضا، مع أنه يسكن في البلد المحيطة به، وأطلق في الروايات مسجد الشجرة على ذي الحليفة، ومثل ذلك كثير، فإن من المتعارف أن يطلق على المكان الذي فيه شيء معروف اسم ذلك الشيء المعروف.
ويحتمل أيضاً أن يكون >صلى الله عليه وآله< خرج تلك الليلة إلى المسجد من بيت أم هاني، ثم أسري به من المسجد.
موسى، وفرض الصلوات الخمس:
هذا، وقد جاء في بعض الروايات: أن الصلوات الخمس قد فرضت حين المعراج، وأنها فرضت أولاً خمسين صلاةً في اليوم، وحين عودة الرسول >صلى الله عليه وآله< التقى بموسى، فأشار عليه أن يرجع إلى الله، ويسأله التخفيف، لأن الأمة لا تطيق ذلك ـ كما لم تطقه بنو إسرائيل ـ فرجع، وطلب إلى الله التخفيف فخففها إلى أربعين، وعاد الرسول؛ فمر بموسى، فأشار عليه بطلب التخفيف، ففعل، فخففت إلى ثلاثين، ثم إلى عشرين، ثم إلى عشرة، ثم إلى خمسة، ثم استحيا الرسول >صلى الله عليه وآله< من المراجعة من جديد فاستقرت الصلوات على خمس([244]).
وهذه الرواية وإن كانت قد وردت في بعض المصادر الشيعية أيضاً، إلا أننا لا نستطيع قبولها، وقال عنها السيد المرتضى >رحمه الله<: >أما هذه الرواية فهي من طريق الآحاد، التي لا توجب علماً، وهي مع ذلك مضعفة<([245]).
ونحن هنا نشير إلى الأسئلة التالية:
لماذا يفرض الله على الأمة هذا العدد أولاً، ثم يعود إلى تخفيفه بعد المراجعة، فإنه إن كانت المصلحة في الخمسين، فلا معنى للتخفيف، وإن كانت المصلحة في الخمس، فلماذا يفرض الخمسين، ثم الأربعين، ثم الثلاثين وهكذا؟!
وفي بعض الروايات: أنه كان في كل مرة يحط عنه خمساً، حتى انتهى إلى خمس صلوات.
وقد أجاب بعض المحققين عن هذا بأن ما جرى هنا ما هو إلا نظير إضافة الرسول >صلى الله عليه وآله< الركعتين الأخيرتين في الرباعية من الصلاة اليومية؛ ونظير التكليف بعدم الفرار من الزحف، مع أنه علم أن فيكم ضعفاً، ونظير الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فقد نسخت حرمته بعد وقوع المخالفات منهم؛ قال تعالى: {عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ}([246]).
ونقول:
إن ما ذكره ـ حفظه الله ـ لا يكفي لدفع ما ذكرناه، أما بالنسبة لتشريع الركعتين الأخيرتين في الرباعية من قِبَله >صلى الله عليه وآله< ؛ فإن الله سبحانه قد فوض له ذلك حينما يعلم >صلى الله عليه وآله< بتحقق مصلحته ومقتضيه في متن الواقع.
وأما بالنسبة لقوله تعالى: {عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً}([247]) و{عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ}([248]) فهو تحقق معلوم الله سبحانه في الخارج، أي أن الحكم السابق، وهو حرمة الفرار بملاحظة قلة العدد، وحرمة الرفث قد استمر وبقي إلى أن تجسد الضعف وحصل وحصلت الخيانة وتغير الموضوع، فنسخ الحكم الأول، وهو حرمة الرفث وحرمة الفرار، وليس المراد أن الله قد علم ذلك بعد جهله، والعياذ بالله.
أما السيد المرتضى، فقد أجاب >رحمه الله< عن التساؤل الذي طرحناه فيما سبق بنحو آخر، وهو: أن من الممكن أن تكون المصلحة أولاً تقتضي الخمسين، ثم تغيرت هذه المصلحة بسبب المراجعة، وأصبحت تقتضي الخمس([249]).
ولكنه جواب منظور فيه؛ فإن النبي إذا كان يعلم: أن الله تعالى لا يشرع إلا وفق المصلحة، فإنه لا يبقى مجال لمراجعته أصلاً؛ لأنه كأنه حينئذٍ يطلب تشريعاً لا يوافق المصلحة.
ولو صحت المراجعة هنا، وأوجبت تبدل المصلحة صحت في كل مورد، وأوجبت ذلك أيضاً، فلماذا كانت هنا، ولم تكن في سائر الموارد؟.
كما أن تعليل موسى للتخفيف بعدم طاقة الأمة، كأنه يدل على أنه يعتقد: أن هذا التشريع يخالف المصلحة، وهذا محال بالنسبة إلى الله تعالى، ولا يمكن صدوره لا من موسى >عليه السلام< ولا من نبينا >صلى الله عليه وآله<.
قال صاحب المعالم: >المطالبة بصحة الرواية، مع أن فيها طعناً على الأنبياء بالإقدام على المراجعة في الأوامر المطلقة..<([250]).
وسؤال آخر: كيف لم يعلم الله تعالى: أن الأمة لا تطيق ذلك، وعلم بذلك موسى؟.
وسؤال آخر، وهو: ما المراد بعدم الإطاقة؟
هل المراد بها عدم الإطاقة عقلاً؟
فيرد عليه: أنه لا يمكن القول بجواز التكليف بما لا يطاق.
أو المراد به ما كان في مستوى العسر والحرج، المنفي في الشرع الإسلامي، كما دلت عليه الروايات والآيات ولا سيما قوله تعالى: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}([251]) و{مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}([252]) وغير ذلك من الآيات.
ومما ذكرناه يتضح: أنه لا يمكن أن يكون تعالى قد كلف بني إسرائيل ما لا يطيقون.
وأما قوله تعالى: {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا}([253]).
فهو لا يدل على ذلك لعطف قوله: {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}([254]) عليه؛ فيدل على أن المراد بالإصر هو ما يطاق، لا ما لا يطاق، ويمكن أن يكون المراد بالإصر: جزاء السيئات الثقيل والشاق، أو المبادرة بعذاب الاستيصال.
وأما طلبهم أن لا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به، فليس المراد أنه يحمّلهم ذلك في التكليف الابتدائي، لأن العقل لا يجيز ذلك، بل المراد ما لا طاقة لهم به، مما يتسبب عن المخالفة وهو العذاب الأليم، والعقاب العظيم.
وسؤال آخر هنا، وهو: هل نسي الله تعالى ـ والعياذ بالله من أمثال هذه التعابير والأوهام ـ تلك التجربة الفاشلة مع بني إسرائيل، حتى أراد أن يكررها مع أمة محمد من جديد؟!.
ولعل هذه التجربة كانت هي عذر إبراهيم الذي مر عليه محمد >صلى الله عليه وآله< ذهاباً وإياباً عشر مرات، أو عشرين([255]) على اختلاف النقل.
ولكنه لم يسأله عن شيء، ولا أمره بشيء!!.
وإن كنا نستغرب عدم سؤاله عن سر هذه الجولات المتتالية ذهاباً وإياباً!!.
ولماذا لم يلتفت نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< إلى ثقل هذا التشريع على أمته، والتفت إليه نبي الله موسى؟
ولماذا بقي يغفل عن ذلك خمس مرات، بل ستاً أو أكثر ولا يعرف: أن هذا ليس هو الحد المطلوب، حتى يضطر موسى لأن يرصد له الطريق باستمرار، ولولاه لوقعت الأمة في الحرج والعسر؟.
ولماذا لا ينزل الله العدد إلى الخمس مباشرة من دون أن يضطر الرسول إلى الصعود والنزول المتعب والمتواصل باستمرار؟!
استبعاد الإسراء والمعراج:
وبعد، فلا بد لنا من الإشارة هنا: إلى أن استبعاد الإسراء والمعراج؛ بدعوى عدم إمكان تصور أن تقطع تلك المسافات الشاسعة، التي تعد بآلاف الأميال في ليلة واحدة ذهاباً وإياباً ـ هذا الاستبعاد ـ في غير محله.
فقد حضر عرش بلقيس لدى سليمان من اليمن إلى بلاد الشام في أقل من لمح البصر، وكان عفريت من الجن قد تكفل بأن يأتيه به قبل أن يقوم من مقامه.
وأما بالنسبة لنا اليوم فقد أصبح التصديق بالإسراء والمعراج أكثر سهولة، والإقناع به أقرب منالاً، ولا سيما بعد أن تمكن هذا الإنسان العاجز المحدود من أن يصنع ما يمكنه من قطع 13 كيلومتراً في ثانية واحدة، ولربما يتضاعف ذلك عدة مرات في المستقبل، كما أنه قد اكتشف أن سرعة النور هي حوالي ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية([256])، بل يعتقد بعض العلماء: أن الموجات غير المرئية للجاذبية تستطيع أن تقطع العالم بلحظة واحدة من دون حاجة إلى الزمان..
وبعد كل هذا فإنه إذا كان قطع المسافات البعيدة بهذه السرعة المذهلة ليس مستحيلاً على هذا الإنسان المحدود، الذي بقي الأعوام الطوال يفكر ويستعد، ويجمع الخبرات والإمكانات، فهل يستحيل على خالق الإنسان والكون، ومبدعه أن يسري بعبده الذي اصطفاه رسولاً للبشرية جمعاء، ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وإلى ملكوت السموات، ثم يعيده إلى مكانه الأول؟!.
من أهداف الإسراء والمعراج:
إننا إذا أردنا معرفة الأهـداف والحكـم، والمعجزات، والتأثيرات العميقة للإسراء والمعراج، فلا بد لنا من دراسة كل نصوصه، وفقراته، ومراحله بدقة وعمق، بعد تحقيق الصحيح منها، وحيث إن ذلك غير متيسر بل هو متعذر علينا في ظروفنا الحاضرة، فإننا لا بد أن نكتفي بالإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: إن حادثة الإسراء والمعراج معجزة كبرى خالدة، ولسوف يبقى البشر إلى الأبد عاجزين عن مجاراتها، وإدراك أسرارها ولعل إعجازها هذا أصبح أكثر وضوحاً في هذا القرن الواحد والعشرين، بعد أن تعرف هذا الإنسان على بعض أسرار الكون وعجائبه، وما يعترض سبيل النفوذ إلى السماوات من عقبات ومصاعب.
وإعجازها هذا إنما يكون بعد التسليم بنبوة النبي >صلى الله عليه وآله< عن طريق الخضوع لمعجزته الخالدة، وهي القرآن، أو اليقين بصدقه >صلى الله عليه وآله< عن أي طريق آخر، بحيث يكون ذلك موجباً لليقين بصدق إخباراته كلها؛ فإذا أخبر >صلى الله عليه وآله< بهذه الحادثة، فإن إخباره مساوق لليقين بوقوعها، وهي حينئذٍ تكون معجزة خالدة تتحدى هذا الإنسان على مدى التاريخ.
ثانياً: يلاحظ: أن هذه القضية قد حصلت بعد البعثة بقليل، وقد بيّن الله سبحانه الهدف من هذه الجولة الكونية؛ فقال في سورة الإسراء: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا}([257]).
وإذا كان الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله< هو الأسوة والقدوة للإنسانية جمعاء، وإذا كانت مهمته هي حمل أعباء الرسالة إلى العالم بأسره، وإذا كان سوف يواجه من التحديات، ومن المصاعب والمشكلات ما هو بحجم هذه المهمة الكبرى، فإن من الطبيعي: أن يعده الله سبحانه إعداداً جيداً لذلك، وليكن المقصود من قصة الإسراء والمعراج هو أن يشاهد الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< بعض آثار عظمة الله تعالى، في عمليةٍ تربويةٍ رائعة، وتعميق وترسيخ للطاقة الإيمانية فيه، وليعده لمواجهة التحديات الكبرى التي تنتظره، وتحمل المشاق والمصاعب والأذايا التي لم يواجهها أحد قبله، ولا بعده، حتى لقد قال حسبما نقل >ما أوذي نبي مثلما أوذيت<.
وعلى حسب نص السيوطي، والمناوي، وغيرهما: >ما أوذي أحد ما أوذيت<([258]) ولا سيما إذا عرفنا: أن عمق إدراك هذا النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< ـ وهو عقل الكل، وإمام الكل ـ لأخطار الانحرافات في المجتمعات، وانعكاساتها العميقة على الأجيال اللاحقة كان من شأنه أن يعصر نفسه ألماً من أجلهم، ويزيد في تأثره وعذاب روحه حتى لقد خاطبه الله تعالى بقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}([259]).
وأيضاً، فإنه بالإسراء والمعراج يفتح قلبه وعقله ليكون أرحب من هذا الكون، ويمنحه الرؤية الواضحة، والوعي الأعمق في تعامله مع الأمور، ومعالجته للمشكلات، ولا سيما إذا كان لا بد أن يتحمل مسؤولية قيادة الأمة والعالم بأسره.
وكذلك ليصل هذا النبي الأمي إلى درجة الشهود والعيان بالنسبة إلى ما أوحي إليه، وسمع به عن عظمة ملكوت الله سبحانه، ولينتقل من مرحلة السماع إلى مرحلة الرؤية والشهود، ليزيد في المعرفة يقيناً، وفي الإيمان رسوخاً.
ثالثاً: لقد كان الإنسان ـ ولا سيما العربي آنئذٍ ـ يعيش في نطاق ضيق، وذهنية محدودة، ولا يستطيع أن يتصور أكثر من الأمور الحسية، أو القريبة من الحس، التي كانت تحيط به، أو يلتمس آثارها عن قرب، وذلك من قبيل الفرس، والسيف، والقمر، والنجوم، والماء والكلاء، ونحوها، ويشعر بالحب، والبغض والشجاعة وغير ذلك.
فكان ـ والحالة هذه ـ لا بد من فتح عيني هذا الإنسان على الكون الأرحب، الذي استخلفه الله فيه، ليطرح على نفسه الكثير من التساؤلات عنه، ويبعث الطموح فيه للتعرف عليه، واستكناه أسراره، وبعد ذلك إحياء الأمل وبث روح جديدة فيه، ليبذل المحاولة للخروج من هذا الجو الضيق الذي يرى نفسه فيه، ومن ذلك الواقع المزري، الذي يعاني منه.
وهذا بالطبع ينسحب على كل أمة، وكل جيل، وإلى الأبد.
رابعاً: والأهم من ذلك: أن يلمس هذا الإنسان عظمة الله سبحانه، ويدرك بديع صنعه، وعظيم قدرته، من أجل أن يثق بنفسه ودينه، ويطمئن إلى أنه بإيمانه بالله، إنما يكون قد التجأ إلى ركن وثيق لا يختار له إلا الأصلح، ولا يريد له إلا الخير، قادر على كل شيء، ومحيط بكل الموجودات.
خامساً: وأخيراً، إنه يريد أن يتحدى الأجيال الآتية، ويخبر عما سيؤول إليه البحث العلمي ـ من التغلب على المصاعب الكونية، وغزو الفضاء ـ فكان هذا الغزو بما له من طابع إعجازي خالد هو الأسبق والأكثر غرابة وإبداعاً؛ وليطمئن المؤمنون، وليربط الله على قلوبهم، ويزيدهم إيماناً كما قلنا.
الأذان:
ونحن نعتقد: أن الأذان قد شرع في مناسبة الإسراء والمعراج كما جاء في الخبر الصحيح، ولكنهم إنما يذكرون ذلك بعد الهجرة؛ فنحن نرجئ الحديث عنه إلى هناك، إن شاء الله تعالى.
اليهود والمسجد في القرآن:
قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً، ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً، عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([260]).
مفاد الآيات إجمالاً:
هذه الآيات الكريمة تتضمن:
أ ـ أحداثاً أربعة هامة، هي التالية:
1 ـ إن بني إسرائيل سوف يفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، بعد أن كتب الله عليهم الجلاء، وضرب عليهم الذل والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله.
2 ـ إن عباداً لله أولي بأس شديد سوف يحاربون الإسرائيليين، بعد فسادهم وعلوهم، ويطأون بلادهم، ويجوسون خلال ديارهم جزاء على بغيهم وفسادهم، ويدخلون المسجد أيضاً.
3 ـ إن بني إسرائيل سوف تكثر بعد ذلك أموالهم، وأولادهم، وذلك يحتاج إلى مدة طويلة نسبياً، ولسوف يجهزون جيشاً أعظم من جيش أولئك العباد، وتكون الكرة لهم عليهم.
4 ـ ثم إنهم بعد أن يعودوا إلى الإفساد من جديد؛ في مهلة زمنية لا بأس بمقدارها يعود أولئك العباد إلى حربهم، ليسوؤوا وجوههم، وليدخلوا المسجد، والظاهر أن المراد به المسجد الحرام، وليتبروا ما علوا تتبيراً.
ولم تبين الآية من هم هؤلاء الذين يصيبهم هذا التتبير، فإن الظاهر هو أنهم قوم آخرون غير بني إسرائيل.
ب ـ إن حصول المرتين الأولى والثانية، يعني الإفساد الأول من بني إسرائيل ثم إرسال الله تعالى عباداً له عليهم، أمر حتمي، لقوله تعالى: {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً}([261]). وأما المرتان الأخيرتان فهما تتوقفان على اعتبار بني إسرائيل بما حصل، ثم اختيارهم أحد الأمرين.
فلأجل إبراز عنصر الاختيار هذا والتشكيك بصدوره منهم، عبر بـ >إن<: {إِنْ أَحْسَنتُمْ..} لأنها تستعمل في مقام الترديد والشك في صدور الإحسان منهم.
ضرب القاعدة، وإعطاء الضابطة:
ثم إنه بالنسبة للإفساد الثاني قد اختار التعبير بـ >إذا< كما استعمل نفس هذه الكلمة بالنسبة لإفسادهم الأول، وذلك لإفادة أن اختيارهم لطريق الشر أمر حتمي، ولا شك فيه لما يعلمه الله فيهم من خصائص، وطموحات.
ولكن جواب الشرط قد جاء بصيغة المضارع لإفادة حصول سَوْءِ الوجوه لهم والتتبير لعلو قوم آخرين بصورة تدريجية، ليكون ذلك أدعى في الإذلال، وأدل على المساءة، ولكن هذا المضارع إنما هو بملاحظة زمان تحقق الشرط في المستقبل.
ويلاحظ هنا: كثرة المؤكدات على صدور ذلك منهم؛ فلاحظ قوله تعالى: {قَضَيْنَا} المشير إلى حتمية ذلك لكن لا على سبيل الجبر، وإنما على سبيل الإخبار بما هو حتمي الوقوع بحسب ما يعلمه الله من أحوالهم، ثم عبر بكلمة: {فِي الْكِتَابِ} المفيدة إلى نوع التأكيد أيضاً.
ثم أتى بلام الابتداء في أكثر من مورد، فقال: {لَتُفْسِدُنَّ} {وَلَتَعْلُنَّ}.
ثم أتى بنون التوكيد، مشفوعة بإذا التي تستعمل في مقام الجزم بتحقق الشرط.
وعقّب على ذلك باعتباره وعداً قد جاء بصيغة التحقق والوقوع، حيث قال: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ} ولم يقل: وقت أو موعد وهو يقتضي الحصول والتحقق أيضاً، ثم ألحقه بكلمة: {بَعَثْنَا}، ولم يقل: >سنبعث<، ليشير إلى أنه أمر حاصل لا محالة، فهو يخبر عن وقوعه.
ثم عاد فكرر كونه وعداً ولكن بصيغة تؤكد وقوعه وحصوله حيث قال: {وَكَانَ وَعْداً} ثم وصفه بقوله: {مَّفْعُولاً}.
ونلاحظ أيضاً أنه لم يزل يعبر بـ : >أَمْدَدْنَا، بَعَثْنَا، جَعَلْنَا، رَدَدْنَا< بصيغة الخبر عن أمر حاصل، وإظهاراً للثقة بحصوله أيضاً، فلاحظ الآيات.
ج ـ إن المستفاد من هذه الآيات هو: أن من سوف تجري لهم مع بني إسرائيل هذه الأحداث هم جماعة واحدة، يجوسون خلال ديار بني إسرائيل أولاً، ثم ترد الكرة لبني إسرائيل عليهم، ثم يعودون هم إلى ضرب بني إسرائيل ضربة تسوء لها وجوههم، ويتبروا فيها ما علوا.
وذلك لأن الضمائر في: >جاسوا، وعليهم، وليسوؤوا، وليدخلوا، ودخلوه وليتبروا< ـ كل هذه الضمائر ترجع إلى جماعة واحدة، عبر عنها بقوله تعـالى: {عِبَاداً لَّنَا}، وليس غيره في الآيات يصلح مرجعاً لهذه الضمائر ـ أصلاً.
د ـ يستفاد من هذه الآيات: أن هؤلاء العباد سوف يدخلون المسجد مرتين.
والظاهر: أن المراد به هو المسجد الحرام، أما المسجد الأقصى الذي حصل الإسراء إليه، والذي بارك الله حوله، فهو في السماء، وأن دخولهم هذا سوف يكون على نحو واحد في المرتين معاً، أي بالقوة والقهر، والغلبة {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
ه‍ ـ إنه تعالى بعد أن ذكر الأحداث الأربعة عاد فقال: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} وهو لبيان قاعدة كلية، وسنة إلهية في مواجهة طغيان بني إسرائيل وفسادهم، وهو لا يدل على أن ذلك سوف يقع منهم، بعد تلك الأحداث الأربعة، بل إن ما سوف يقع جزماً هو ما ذكر، والظاهر: أن دولتهم تبقى، ولا يصيبهم في المرة الثانية سوى سوء الوجوه..
أما ما سواه فلا دليل على حدوثه، بل إن تعبيره بـ >إن< الشرطية، الموضوعة للاستعمال في غير موارد الجزم لربما يشير إلى عدم الوقوع.
والظاهر هو أن القضاء عليهم إنما يكون على يد الإمام الحجة >صلوات الله وسلامه عليه<.
و ـ إن المقصود بـ : {عِبَاداً لَّنَا} قوم مؤمنون، وذلك لاقتضاء ظاهر قوله: {بَعَثْنَا}، وقوله: {عِبَاداً لَّنَا} ([262]) لأن البعث للبشر على غيرهم، وكلمة: {عِبَاداً لَّنَا}، لم يستعملا في القرآن ـ إلا ما شذ ـ إلا في مقام المدح والثناء، ولا سيما مثل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}، وغير ذلك.
ولا أقل من أنه قصد به ما سوى الكافرين.
ولربما يشير إلى ذلك أيضاً: أنه تعالى بعد أن ذكر انتصار عباده على بني إسرائيل وما سوف يحيق ببني إسرائيل من سوء، وأنه جعل جهنم للكافرين حصيراً، عاد فأجمل كل ذلك على شكل قاعدة كلية، فبين: أن سنة الله هي أن يبشر عباده المؤمنين الذين يقفون المواقف الصالحة، ويدافعون عن دينه ـ كهؤلاء العباد الذين أرسلهم على بني إسرائيل ـ بأن لهم أجراً عظيماً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويفسدون في الأرض، ويعلون علواً كبيراً، كما هو حال بني إسرائيل قد أُعدّ لهم عذاباً أليماً، فقال:
{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً، وأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([263]).
ثم دخل في موضوع آخر.
ويرى العلامة المحقق البحاثة السيد الطباطبائي >رحمه الله<: أنه لا دليل في الكلام ـ أي في قوله تعالى: {وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} ـ يدل على كون المبعوثين >مؤمنين<؛ إذ لا ضير في عد مجيئهم إلى بني إسرائيل، مع ما كان فيه من القتل الذريع، والأسر، والسبي، والنهب، والتخريب، بعثاً إلهياً؛ لأنه كان على سبيل المجازاة على إفسادهم في الأرض، وعلوهم، وبغيهم بغير الحق؛ فما ظلمهم الله ببعث أعدائهم، وتأييدهم عليهم، ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم([264]).
ونقول:
إننا لا نستطيع ـ بدورنا ـ أن نقبل:
أن الله تعالى يؤيد الظالمين والمجرمين بأي وجه، نعم، هو يخلي بينهم وبينهم، ويوقف تأييداته لهم، وهذا غير تأييده لأولئك، وبعثهم على هؤلاء.
إلا أن يدعى أن المراد هو التسليط عليهم، وذلك بالتخلية فيما بينهم، ووقف التأييدات للفئة المؤمنة بسبب ما فعلته.
لكن يرد عليه: أن نسبة البعث والإمداد، ورد الكرة ـ والحالة هذه إلى الله سبحانه ـ تصبح غير ظاهرة، ولا مقبولة.
كما أننا قد أشرنا فيما سبق إلى وجود بعض القرائن المشيرة إلى إيمان المبعوثين.
فالأظهر هنا: هو أن أولئك العباد سوف يدفعهم أمر الله تعالى والتكليف الشرعي إلى القيام بذلك العمل؛ فيصح أن يقال: إن الله هو المحرك والباعث لهم.
هذا ما يستفاد من الآيات بشكل عام.
بقي الكلام في تطبيقها الخارجي؛ فهل حصل وتحقق مفادها كله في السابق؟ أو أنه لسوف يحصل ذلك كله في الآتي!. أو أن بعض ذلك قد حصل؟. والبعض الآخر متوقع الحصول؟!.
أقوال الرواة والمفسرين:
لقد راجعنا عدداً من كتب الحديث والتفسير، فوجدنا الروايات والأنظار مختلفة ومتباينة في ذلك..
ونحن نذكر موجزاً عن تلك الروايات والآراء بتلخيص منا، وذلك على النحو التالي:
1 ـ عن ابن مسعود: إن الفساد الأول هو قتل زكريا، فبعث الله عليهم ملك النبط، ثم عادوا هم فغزوا النبط، فأصابوا منهم.
2 ـ عن عطية العوفي: بعث الله عليهم أولاً جالوت، ثم قتله طالوت على يد داود، ثم قتلوا يحيى؛ فبعث عليهم بخت نصّر، وكذا عن ابن عباس.
3 ـ عن علي: الفساد الأول قتل زكريا، والثاني قتل يحيى، مع عدم بيان من بعث عليهم في المرتين.
4 ـ عن حذيفة: المرة الأولى بخت نصّر، ثم ردهم كورش، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ابطنا نحوس، ثم عادوا في المعاصي، فسلط عليهم ثالثاً إسبيانوس.
5 ـ عن ابن زيد: الأولى قتل زكريا ويحيى، فسلط عليهم سابور ذا الأكتاف الفارسي، من قبل زكريا، وبخت نصّر من قبل يحيى.
6 ـ عن مجاهد: إن ملك فارس بعث جنداً إليهم ليتجسسوا أخبارهم ويسمعوا حديثهم، ثم رجعت فارس، ولم يكثر قتال، ونصرت عليهم بنو إسرائيل، ثم بعث عليهم ملك فارس ببابل جيشاً، أمّر عليه بخت نصّر؛ فدمروهم([265]).
رأي العلامة الطباطبائي &:
قال العلامة البحاثة المحقق الطباطبائي >رحمه الله<: >.. والذي يظهر من تاريخ اليهود: أن المبعوث أولاً لتخريب بيت المقدس هو بخت نصّر، وبقي خراباً سبعين سنة، والمبعوث ثانياً هو قيصر الروم إسبيانوس، سيّر إليهم وزيره طوطوز، فخرب البيت، وأذل القوم قبل الميلاد بقرن تقريباً.
وليس من البعيد: أن تكون الحادثتان هما المرادتان في الآيات؛ فإن الحوادث الأخرى لم تفن جمعهم، ولم تذهب بملكهم واستقلالهم بالمرة، لكن نازلة بخت نصّر ذهبت بجمعهم وسؤددهم إلى زمن كورش، ثم اجتمع شملهم بعد برهة، ثم غلب عليهم الروم، وأذهبت بقوتهم، وشوكتهم، فلم يزالوا على ذلك إلى زمن ظهور الإسلام<.
قال هذا >رحمه الله< بعد أن ذكر: أنه كالمسلّم: أن إحدى هاتين النكايتين كانت على يد بخت نصّر([266]).
ولكنه عاد فأورد على نفسه بأن في الآيات إشعاراً بأن المبعوث إلى بني إسرائيل هم قوم بأعيانهم في كلا المرتين.
وأجاب عن ذلك: بأنه مجرد إشعار؛ من دون تصريح.
ونقول:
إن الضمائر حسبما تقدم ليس لها مرجع في الكلام سوى قوله: {عِبَاداً لَّنَا}. وهذا يدل دلالة واضحة على وحدة القوم المرسلين على بني إسرائيل وليس مجرد إشعار.
ومرادنا بالوحدة هو أن يكون لهم رابطة تجمعهم ككونهم فُرساً، أو مسلمين مثلاً، ويرد على كلامه >رحمه الله<، وعلى جميع الروايات المتقدمة، عن الدر المنثور وغيره ما يلي:
1 ـ إننا لم نجد لبني إسرائيل كرة على بخت نصّر، ولا على سابور ولا غيرهما، بل إن كورش قد أرجعهم إلى بلادهم بعد حوالي مئة سنة من أسر بخت نصّر لهم، مع أن الآية تكاد تكون صريحة بأن لبني إسرائيل كرة على أولئك العباد المبعوثين.
2 ـ إن النبط لم يدخلوا المسجد الأقصى ـ حسب تفسيرهم ـ مرتين وكذلك بخت نصّر، وقيصر، وغيرهم ممن ذكر جميعاً، وقد أشارت الآية إلى أن المبعوثين سوف يدخلون المسجد مرتين.
3 ـ إن جميع أولئك ما كانوا من المؤمنين، بل كانوا من الطغاة والمتجبرين.
4 ـ إن بخت نصّر كان قبل الميلاد بست مئة سنة تقريباً([267]) وكان يحيى معاصراً للمسيح >عليه السلام<([268]) فكيف ينتقم له بخت نصّر؟ كما أن سابور متأخر عن بخت نصّر، لا مقدم عليه كما في الرواية.
5 ـ هذا كله عدا عن الإشكال في أسانيد تلكم الروايات([269]).
6 ـ إن إفسادهم في منطقة محدودة لا يعني كون ذلك هو المقصود من الآية التي تتحدث عن إفساد كبير، وعلو لهم في الأرض، ولا شك أنهم كانوا على مدى التاريخ أضعف من أن يكون لهم علو في الأرض كلها، بل وحتى على سابور، أو بخت نصّر أو غيرهما، فضلاً عن أن يكون لهم علو فرعون، أو نظير استكبار قوم عاد.
رأي آخر في الآيات:
ويحتمل البعض: أن الفساد الأول كان في منطقة الحجاز، فبعث الله النبي >صلى الله عليه وآله< عليهم، وضربهم الضربة القاصمة، وكان دخول عمر إلى المسجد الأقصى، الذي يمثل دخول المسلمين، هو المعني في الآيات، وتبقى المرة الثانية ستأتي. كما ويحتمل أن تكون هي ضربة بخت نصّر لهم هي الأولى، والثانية هي ضربة عمر لهم.
ولكن ذلك لا يمكن قبوله؛ لأن عمر حينما دخل المسجد الأقصى لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان تحت سيطرة النصارى، الذين استولوا عليه قبل ذلك بعقود من الزمن، وكانوا يجعلون الأقذار والأوساخ على >الصخرة<، التي هي قبلة اليهود، بل كانت المرأة ترسل بخرقة حيضها من بلاد الروم إلى بيت المقدس لتلقى على الصخرة، مبالغة في امتهانها، وإذلالاً لليهود واحتقاراً لهم([270]).
كما أنه لا معنى لإرادة بخت نصّر؛ ليكون هو بطل المرة الأولى، وذلك لما أشرنا إليه في النقاط الست الآنفة الذكر.
رأي آخر:
وثمة رأي أخر يقول: إن الفساد الأول هو إنكارهم نبوة نبينا >صلى الله عليه وآله<، مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، واتفقوا مع المشركين ضده.
وإرسال عباد الله على هؤلاء المفسدين هو ما جرى في صدر الإسلام، فأرسل الله النبي >صلى الله عليه وآله< والمسلمين عليهم؛ فضربوهم في خيبر وقريظة؛ وقينقاع، وغير ذلك، وجاسوا خلال ديارهم، ثم دخل المسلمون المسجد الأقصى في زمن عمر.
والفساد الثاني هو ما جرى ويجري منهم في فلسطين ولبنان، والمنطقة بشكل عام، في هذا القرن الرابع عشر، ولسوف يأتي المهدي >عجل الله فرجه الشريف< لينتقم منهم، ويدخل المسلمون المسجد، كما دخلوه أول مرة في عهد عمر.
وقد قرر بعض الأعلام هذا، وطبق الآيات عليه، على النحو التالي:
إنه ليس في الآيات ما يدل على أن الغلبة على اليهود، وغلبة اليهود على أولئك العباد تكون في مكان واحد محدد، وقوله تعالى: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} يشعر، بل يدل على أن قوله: {فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ}، هو غير دخولهم المسجد، أي إنهما أمران متغايران، كما يدل على أن الجوس خلال الديار متقدم على دخولهم المسجد، وذلك لمكان اللام في قوله: {وَلِيَدْخُلُواْ} التي هي لام العاقبة وقد تحقق ذلك في زمن عمر، كما أن عدم ذكر دخول العباد بيت المقدس حينما بعثهم أولاً يدل على أن دخول المسجد لمّا يتحقق لهم عند ذلك.
وتدل الآية على أن دخول المسجد في الثانية يكون أشد على اليهود لقوله تعالى: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}، ففسادهم الثاني يكون في غلبتهم على البلاد المقدسة، وقتلهم المسلمين، وهذا ما يحصل في هذا العصر. وجزاؤهم سيكون عاجلاً على يد أهل قم إن شاء الله تعالى، أو المهدي المنتظر >عجل الله تعالى فرجه<، أو بإمارته مع كون الجيش من أهل قم، والله العالم.
ونقول:
هذا رأي لا يمكن المساعدة عليه، لأن ما ذكر في تطبيق الآيات عليه مخالف لظاهرها.
فأولاً: إنه حين دخل عمر بيت المقدس لم يكن هناك مسجد أصلاً، فضلاً عن أنه يسمى بالأقصى.
ثانياً: إن الظاهر: هو أن دخول المسجد سيكون عنوة وقهراً ورغماً عن بني إسرائيل، وحينما دخل المسلمون بيت المقدس في عهد عمر لم يكن في بيت المقدس أحد من اليهود، وإنما كان النصارى هم المسيطرين.
فلم يحارب المسلمون اليهود ليدخلوا المسجد بالرغم عنهم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عمر قد دخل بيت المقدس صلحاً وليس عنوة، وظاهر الآية: هو أن الدخول سيكون عنوة، معه سوء الوجوه، وفيه القهر والغلبة على اليهود أنفسهم، {لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}.
فإذا كان الدخول في إحدى المرتين عنوة فسيكون في الثانية كذلك، وقد دلت كلمة: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا..} على أن الدخول الأول سيكون عنوة إن كان المقصود هو الدخول في هذه المرة..
ثالثاً: ما ذكر من أن اللام في {وَلِيَدْخُلُواْ} تدل على أن الدخول سيتأخر عن الجوس خلال الديار، وأن التفريق بين الجوس خلال الديار، ودخول المسجد، يدل على ذلك أيضاً، وكذا عدم ذكر الدخول للمسجد في المرة الأولى.
إن هذا الذي ذكر، لا يدل على ذلك؛ لأن ظاهر الآيات: أنه قد اكتفى في المرة الأولى عن ذكر دخول المسجد، بذكر الجوس خلال الديار، لأنه مستبطن له ويكون في ضمنه، ثم أوضحه بقوله: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ} وقوله: {وَلِيَدْخُلُواْ} معطوف على {لِيَسُوؤُواْ} بالواو، التي لا تدل على الترتيب الزماني.
بل لعل ذكر دخول المسجد بين التتبير لما علوا، وبين سوء الوجوه للإشارة إلى أن دخول المسجد سيكون في وسط المعركة في المرة الثانية، وكذلك سيكون في المرة الأولى لقوله تعالى: {كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}.
وإلا، فلو صح ما ذكره صاحب هذا الرأي، لوجب أن يكون الدخول الثاني للمسجد صلحاً، لا عنوة، كما كان دخول عمر بن الخطاب في السابق، وحينئذٍ فلا يبقى معنى لذكر دخول المسجد فيما بين قوله: {لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ}، وبين قوله: {وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً}.
ثالثاً: إنه لم يكن لليهود في زمن النبي >صلى الله عليه وآله< فساد في الأرض، وعلو كبير فيها، وإنما كانوا في محيط ضيق جداً محصورين في نواحي المدينة، وكانوا مقهورين من قبل الأوس والخزرج، ويمالئون مشركي مكة، وسائر القبائل في المنطقة، فلا يصح أن يقال: إن لهم {عُلُوّاً كَبِيراً}.
فضلاً عن إضافة قوله: {فِي الأَرْضِ} سواء قلنا: إن المراد: الأرض المقدسة، يعني فلسطين، أو قلنا: بأن المراد الأرض مطلقاً أي معظمها، أو السيطرة على مراكز القوة والنفوذ فيها.
نقول هذا كله: مماشاة للمستدل فيما زعمه من أن المراد بالمسجد هو خصوص ما يسمى بالمسجد الأقصى، والموجود في بيت المقدس فعلاً.
وثمة رأي آخر أيضاً:
وهو أن الحروب التي جرت بين العرب وإسرائيل تمثل المراحل الثلاث الأولى، وبقيت المرحلة الأخيرة، التي أشارت إليها الآية بالقول: {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ..} وهي سوف تأتي إن شاء الله تعالى([271]).
وهذا أيضاً رأي لا يمكن المساعدة عليه؛ لأن العرب الذين حاربوا إسرائيل لم يجوسوا خلال ديار بني إسرائيل في حروبهم تلك، ولا دخلوا المسجد عنوة، بل إنهم ليسوا من عباد الله المؤمنين؛ لأنهم قد تخلوا عن دينهم، وجروا خلف شهواتهم، واستبدت بهم انحرافاتهم بشكل واضح لكل أحد.
ماذا تقول الروايات؟!
لقد وردت بعض الروايات ـ التي ليس لها أسانيد معتبرة ـ تفيد:
أن الفساد الأول هو قتل علي، وطعن الحسن >عليهما السلام<، والعلو الكبير هو قتل الحسين، ووعد أولاهما نصر دمه >عليه السلام<، والمبعوثون أولاً هم قوم قبل خروج القائم، وكان وعداً مفعولاً: خروج القائم >عليه السلام<.
وثم رددنا لكم الكرة عليهم: خروج الحسين في سبعين من أصحابه([272]).
وفي تفسير القمي:
الفساد الأول: فلان وفلان، ونقضهم العهد، والعلو الكبير: ما ادَّعوه من الخلافة.
ووعد أولاهما: الجمل.
وجاسوا خلال الديار: طلبوكم، وقتلوكم.
ورددنا لكم الكرة: بنو أمية.
ووعد الآخرة: القائم >عليه السلام<.
وكما دخلوه أول مرة: رسول الله >صلى الله عليه وآله<.
وواضح: أن مفاد هذه الروايات ليس هو محط نظر الآيات صراحة، وإنما هي ـ إن صحت ـ من باب الإشارة إلى أن ما يجري لبني إسرائيل، يجري مثله لهذه الأمة أيضاً؛ إذ من الواضح: أن ما ذكرناه في مفاد الآيات لا ينسجم مع ما جاء في هذه الروايات، كما يظهر بالملاحظة، والمقارنة.
الرأي الأمثل:
وإذ قد عرفنا معنى الآيات إجمالاً، وعرفنا أن مفادها لم يحصل ولم يقع لبني إسرائيل بعد، لا في تاريخهم القديم، ولا الحديث، فإننا نعلم: أن مفادها سيقع في المستقبل، ومفادها هو:
1 ـ أن يفسد بنو إسرائيل في الأرض >ولتلاحظ كلمة في الأرض<، فإنه لا يصدق ذلك على بلد أو قرية صغيرة في نواحي الحجاز مثلاً، بل لا بد أن يكون فسادهم وعلوهم في الأرض المقدسة، أو في الأرض بصورة عامة، أو على الأقل في مراكز هامة، بحيث يرون أنفسهم لا غالب لهم، ولا شيء يقف في وجههم.
ثم يعلون علواً كبيراً >ولتلاحظ هذه الجملة بدقة أيضاً<.
2 ـ أن يبعث الله عليهم عباداً له أتقياء مؤمنين، فيجوسون خلال ديارهم، ويدخلون المسجد، (والتعبير بالجوس لربما يشير إلى عدم المكث طويلاً فيها)؛ لأن الجوس هو الوطء مع الاستقصاء، وربما يكون هو الوطء الخفيف، وهو وطء خلال الديار أو فيما بينها من دون ثبات وتحكم فيها نفسها أو لعله إشارة إلى الدخول السري للمجاهدين.
3 ـ ثم يمد الله بني إسرائيل بأموال وبنين، ويصير جيشهم أعظم، ويرد لهم الكرة على السابقين.
4 ـ ثم يعود أولئك المؤمنون فيقومون بعمل تكون له ثلاث نتائج.
الأولى: سوء وجوه الإسرائيلين.
والثانية: دخولهم المسجد الحرام من جديد، كما دخلوه أول مرة.
والثالثة: أنهم يتبرون ما علاه قوم آخرون لم تحددهم الآية، ولم تذكر هويتهم، لكنهم معروفون بالاستكبار.
كل ذلك سوف يحصل في المستقبل، حسبما تفيده الآيات الكريمة، مع العلم بأنه لم يحصل من ذلك شيء في الماضي.
ويبقى أن نشير إلى المؤيدات التالية:
القميون يقاتلون الإسرائيليين:
ويؤيد ما تقدم: ما رواه المجلسي عن كتاب تاريخ قم، تأليف: الحسن بن محمد بن الحسن القمي:
>روى بعض أصحابنا قال: كنت عند أبي عبد الله >عليه السلام< جالساً؛ إذ قرأ هذه الآية: حتى([273]) {فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} فقلنا: جعلنا فداك، من هؤلاء؟
فقال ـ ثلاث مرات ـ : هم والله أهل قم<([274]).
ولقد قال هذا >عليه السلام< قبل أن تخلق إسرائيل بأكثر من اثني عشر قرناً، وفي حين لم يكن لليهود أية قوة في منطقة بيت المقدس.
وقوله >عليه السلام< هذا يعني: أن أهل قم باعتبارهم مسلمين، أو قادة للمسلمين هم الذين سوف يقودون الحرب ضد بني إسرائيل في المرة الأولى، وهم المعنيون بقوله: {عِبَاداً لَّنَا} وباقي الحديث يفهم من الآيات الكريمة؛ حيث تعود لإسرائيل الكرة عليهم بجيش أعظم، ثم يعود المسلمون بقيادة أهل قم أو بقيادة غيرهم (المهدي مثلاً) ليسوؤوا وجوه الإسرائيليين وليدخلوا المسجد الحرام كما دخلوه أول مرة، وليتبروا علوَّ قوم معروفين بالاستكبار.
الغرب وإسرائيل:
وثمة رواية ضعيفة أيضاً تقول: >وتشب نار بالحطب الجزل من غربي الأرض، رافعة ذيلها، تدعو يا ويلها لرحلة ومثلها؛ فإذا استدار الفلك، قلتم مات أو هلك بأي واد سلك، فيومئذٍ تأويل هذه الآية:
{ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}<([275]).
فهذه الرواية تشير إلى أن علو الإسرائيليين وكرتهم على {عِبَاداً لَّنَا} لسوف تكون بمعونة غربية، تمدهم بالمال والجيوش حتى يصبحوا أكثر نفيراً وجنداً.
ولسوف تكون حرباً ضروساً وقاسية، كما يفهم من لحن الرواية المشار إليها، لو صحت.
الحروب الطويلة والصعبة:
وهذه دولة الإسلام قد ظهرت، وهي بقيادة أهل قم، ولكنها تواجه الحروب المدمرة، والمؤامرات الصعبة من قبل قوى الاستكبار العالمي.
وقد جاء في الرواية المروية عن: علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول >عليه السلام<، أنه قال:
>رجل من أهل قم، يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلّهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين<([276]).
ولربما يمكن أن نستفيد من قوله: >لا تزلهم الرياح العواصف<: أن دولة الإسلام هذه سوف تواجه مشكلات صعبة، لا يثبت أمامها الرجال العاديون.
ومن قوله: >لا يملون من الحرب<: أنهم سوف يواجهون حروباً طويلة، يمل منها الإنسان العادي.
ولكنهم سوف يصمدون، وفي النهاية سوف ينتصرون إن شاء الله، وذلك لقوله: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
الفلسطينيون والأرض:
والإسلام حين حث على الجهاد، فإنه ربط بأمرين، كل منهما له حضور في قضية اغتصاب فلسطين، وهما:
الأول: القتال في سبيل الله سبحانه، المتمثل بقتال من تجرأ على المقدسات، واستولى على بيت المقدس، أولى القبلتين.. والذي يقدسه المسلمون عامة، وفيه محاريب الأنبياء، وباب حطة وما إلى ذلك..
الثاني: القتال في سبيل المستضعفين، فإن نفس الإستضعاف مرفوض بمنطق القرآن والإسلام، بغض النظر عن الخسائر المادية، وغيرها..
وقد أوجب الله على الناس القتال ضد من يستضعف الناس، ويقهرهم حتى لو لم يأخذ منهم أرضاً أو مالاً، أو ما إلى ذلك.
وقد قال تعالى مشيراً إلى هذين الأمرين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالمُسْتَضْعَفِينَ}([277]).
وقد أصبح التعدي على المقدسات، والإستضعاف للناس أكثر حضوراً وظهوراً فيما يجري على أرض فلسطين.
ولا بد من إبراز هذا وذاك في كل هذا النضال والجهاد ضد الغاصب المستكبر، ولا يصح تجاهل الجانب الإنساني في هذه القضية، لأن أية قضية إذا أفرغت من محتواها الإنساني؛ فإنها تفقد زخمها وقوتها، ورافدها العاطفي، وقد يصل الأمر بهذا الإنسان العادي إلى حد القول: بأنه لماذا يقاتل ويضحي؟ ما دام أن الأرض يمكن أن تباع وتشترى، ويقايض عليها، والإنسان وحده هو الأعلى والأغلى؛ فلماذا إذن تزهق النفوس والأرواح في سبيلها، ما دام يمكن الاستعاضة عنها بثمنها، ثم الاحتفاظ بهذا الإنسان ومواهبه وطاقاته لما هو أهم، ونفعه أعم؟.
وحتى بالنسبة للمقدسات في بيت المقدس أيضاً، فقد تجد من يقول: ليكن لأنصاف الحلول فيه مجـال، ولن يمانع الإسرائيليون من وصول المسلمين إلى مقدساتهم في كل حين، وممارسة عباداتهم فيه بحرية، إذا كانوا هم الحكام.
نعم، يمكن أن يخطر كل هذا في ذهن الإنسان العادي.
ولربما يؤثر هذا الخاطر على تعامله مع أقدس قضية، فيما إذا فصل الجانب الإنساني والعاطفي والإسلامي عن الأرض، فيضعف الدافع لتحريرها.
وهناك الكارثة الحقيقية والخيانة والجريمة الكبرى، إذاً، فلا بد أن تبقى المآسي والمظالم التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني ماثلة للعيان أمام المقاتل المسلم والمؤمن بعدالة قضيته، ليندفع إلى التضحية والفداء في سبيل قضيته المقدسة، بروح رضية، ونفس أبية، وليمتزج من ثم الوعي بالعاطفة، وكلاهما بالإيمان.
مع التأكيد على أنه ليس للمسؤولين والسياسيين أن يربطوا مصيرهم ومصير أمتهم بأولئك المنحرفين، ولا أن يثقوا بهم، لأن أولئك المنحرفين سوف يدفعونهم في النهاية ثمناً لمصالحهم، ويساومون عليهم وبهم.
الفصل الثاني:
انذار العشير
أهداف الإسلام:
إن من الواضح: أن أهداف الإسلام القصوى ليست هي مجرد تحقيق العدل، ولو بمفهومه الأوسع، إذ لو كان كذلك لم يبق معنى للأوامر الداعية إلى الجهاد والتضحية بالنفوس في سبيل الله والمستضعفين، إذ لماذا يتخلى هذا الشخص عن نفسه وعن حياته في حين يبقى الآخرون يتمتعون بالحياة، وبمباهجها ولذائذها؟!.
كما أنه لو كان العدل هو الهدف فلا يبقى معنى لمحبوبية الإيثار على النفس ومطلوبيته له تعالى، ثم مدح من يفعل ذلك من الناس كما في قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}([278]).
كما أنه لا معنى لنهي الإنسان عن الحقد والحسد، وغير ذلك مما لا يمكن تتبعه واستقصاؤه، فإن ذلك كله وسواه ليدل على أن الهدف ليس هو مجرد تحقيق العدل، وإنما هو فوق وأهم وأقدس من ذلك.
إنه تجسيد إنسانية الإنسان، وإظهار كنوزها، والارتفاع بهذا الإنسان إلى مستوى الجدارة الحقيقية لأن يمثل النموذج الذي يريده الله للإنسان الكامل، وليس العدل وسواه من كمالات وفضائل إلا واحداً من تلك المراحل والوسائل الموصلة إلى ذلك الهدف المقدس والأسمى، الذي يستبطن في داخله: كل العدل، وكل الكمالات وكل الفضائل، وأخيراً كل السعادة، والفوز والنجاح.
هذا هو هدف الإسلام، وهذا ما يسعى إليه، ويعمل من أجل الوصول والحصول عليه، وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تحدد مهمة النبي الرسول، بأنه يُعلِّم الناس الحكمة، ويطهرهم، ويزكيهم، بالإضافة إلى تبليغ رسالة الله لهم، قال تعالى:
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}([279]).
وليلاحظ: أيضاً قوله تعالى: {.. مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}([280]).
ومن يراجع الآيات القرآنية يجد الكثير الكثير مما يدل على ذلك دلالة واضحة، حتى إن ذلك لا يحتاج إلى أي بيان أو توضيح، ولا إلى المزيد من الدلالات والشواهد.
الحاجة إلى الوزير والوصي:
وبعد أن عرفنا حقيقة هدف الإسلام، فإننا نعرف:
أن مهمته شاقة وعسيرة جداً لأنها تصطدم أولاً وبالذات بالإنسان الفرد، حيث لا بد له من السيطرة على غرائزه وشهواته وطموحاته، ليوجهها ويستفيد منها في مجال بناء الشخصية الإنسانية المثالية والفضلى، كما أنها تهدف إلى التغيير الجذري في البنية الاجتماعية والسياسية وغيرها للمجتمع، ليقتلع كل جذور الشر، ويستأصل كل عوامل الانحراف؛ ليغرس عوضاً عنها كل معاني الخير والصلاح، والبركة والفلاح.
نعم، إنها مهمة شاقة وعسيرة جداً، ولا أشق ولا أعسر منها، وهي تحتاج لإنجازها ثم إلى استمرارها إلى جهد هائل ومستمر، ما دام أن الإنسان يحمل في داخله عوامل التغيير والتحول، التي منحه الله إياها لتكون عوامل لبقائه وسعادته ولراحته، وأعطاه أيضاً وسائل ضبطها والهيمنة عليها وتوجيهها، ولكن تلك الوسائل كثيراً ما تضعف عن السيطرة على تلك العوامل.
ولسوف يبقى هذا الخطر قائماً، ما دام ذلك الصراع قائماً.
وإذا كان الصراع مستمراً باستمرار وجود الإنسان على مدى الزمان، وكان خطر الشذوذ والانحراف مستمراً أيضاً:
فإن الأنبياء >عليهم السلام< سيكونون بحـاجة إلى مواصلة القيام بمهمة التربية والتزكية، وغرس الفضائل الإنسانية والأخلاقية في نفوس الناس، بالإضافة إلى الاستمرار في تلاوة الآيات القاهرة للعقل؛ والمـرضـيـة للوجدان، وبالإضافة إلى تعليم الشريعة والأحكام، ثم الإشراف على تطبيقها، والرقابة المستمرة على ذلك.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى الوزير والوصي، والنصير والأخ والولي، والخليفة للنبي >صلى الله عليه وآله<، فجاء تنصيب علي >عليه السلام< من قبل الرسول الأكرم >صلوات الله عليه وآله< هو الحركة السليمة والطبيعية في خط الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه، وما يوم الدار، وما جرى من تنصيب علي >عليه السلام< فيه خليفة ووزيراً ووصياً للرسول إلا واحداً من تلك المناسبات الكثيرة التي جرى فيها التأكيد على هذا الأمر، وترسيخه بصورة قوية وحاسمة.
فإلى حديث الدار فيما يلي من مطالب.
وأنذر عشيرتك الأقربين:
إنه بعد السنوات الثلاث الأولى، بدأت مرحلة جديدة وخطيرة وصعبة، هي مرحلة الدعوة العلنية إلى الله تعالى.
وقد بدأت أولاً على نطاق ضيق نسبياً، حيث نزل عليه >صلى الله عليه وآله< قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}([281]) فيقول المؤرخون، (والنص للطبري) ما ملخصه: إنه لمـا نزلت هذه الآية دعـا عليـاً >عليه السـلام<؛ فـأمره أن يصنع طعـامـاً، ويدعو لـه بني عبد المطـلب ليكلمهم، ويبلغهم ما أُمِر به.
فصنع علي >عليه السلام< صاعاً من طعام، وجعل عليه رجل شاة، وملأ عساً من لبن، ثم دعاهم، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً، أو ينقصونه، فيهم أعمام النبي >صلى الله عليه وآله<: أبو طالب، وحمزة والعباس، وأبو لهب؛ فأكلوا.
قال علي >عليه السلام<: فأكل القوم، حتى ما لهم بشيء من حاجة، وما أرى إلا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم.
ثم قال: إسق القوم؛ فجئتهم بذلك العس؛ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً، وأيم الله، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال: لقدْماً سحركم صاحبكم، فتفرق القوم، ولم يكلمهم الرسول >صلى الله عليه وآله<.
فأمر >صلى الله عليه وآله< علياً >عليه السلام< في اليوم الثاني: أن يفعل كما فعل آنفاً، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله >صلى الله عليه وآله<: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة.
وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؟.
قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقال علي: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إن هذا أخي، ووصي، وخليفتي فيكم؛ فاسمعوا له وأطيعوا.
قال: فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع.
وفي بعض نصوص الرواية: أنه لما قام علي >عليه السلام< فأجاب، أجلسه النبي >صلى الله عليه وآله<.
ثم أعاد الكلام، فأجابه علي، فأجلسه، ثم أعاد عليهم، فلم يجيبوا، وأجاب علي >عليه السلام<، فقال له >صلى الله عليه وآله< ذلك.
وعلى حسب نص الإسكافي: أنه >صلى الله عليه وآله< قال: هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي.
وأنهم قالوا لأبي طالب: أطع ابنك، فقد أمره عليك([282]).
التعصب الأعمى:
ولا بد أن نشير هنا: إلى أن الطبري، قد ذكر هذا الحديث في تاريخه على النحو المتقدم.
ولكنه ندم على ذلك ـ على ما يظهر ـ فذكر نفس هذا الحديث في تفسيره برمته حرفياً، متناً وسنداً، ولكنه غير فيه عبارة واحدة، فذكرها على النحو التالي: >فأيكم يوازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي، وكذا وكذا.
إلى أن قال:
ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا وقد تبعه على هذا ابن كثير الشامي أيضاً؛ فلم تسمح نفسه بذكر ما في تاريخ الطبري.
بل نقل خصوص ما في التفسير، مع أن تاريخ الطبري هو مصدره ومعتمده في تاريخه!! ([284]).
كما أن محمد حسنين هيكل بعد أن ذكر في كتابه حياة محمد، في الطبعة الأولى ص104 نص الطبري في التاريخ، عاد فحذف من الطبعة الثانية ص139 ط سنة354 ه‍. قوله: >وخليفتي فيكم< واقتصر على قوله: >ويكون أخي ووصيي< وذلك لقاء خمسمائة جنيه، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه([285]).
ابن تيمية، وحديث الدار:
أما ابن تيمية، فقد أنكر ـ على عادته في إنكار فضائل سيد الأوصياء أمير المؤمنين >عليه السلام< ـ حديث الدار، وأورد عليه بما ملخصه:
أولاً: إن في سند رواية الطبري أبا مريم الكوفي، وهو مجمع على تركه، وقال أحمد: ليس بثقة، واتهمه ابن المديني بوضع الحديث إلخ.
ثانياً: تنص الرواية على أنه قد جمع بني عبد المطلب وهم أربعون رجلاً.
ومن الواضح: أنه حين نزول الآية لم يكن بنو عبد المطلب بهذه الكثرة.
ثالثاً: قول الرواية إن الرجل منهم ليأكل الجذعة، ويشرب الفرق([286]) من اللبن، كذب، إذ ليس في بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً، ويشرب فرقاً.
رابعاً: إن مجرد الإجابة للمعاونة على هذا الأمر لا يوجب أن يكون المجيب وصياً وخليفة بعده >صلى الله عليه وآله<؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى الإسلام، وأعانوه على هذا الأمر، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله.
كما أنه لو أجابه الأربعون، أو جماعة منهم فهل يمكن أن يكون الكل خليفة له؟
خامساً: إن حمزة، وجعفر، وعبيدة بن الحرث قد أجابوا إلى ما أجاب إليه علي، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلاً([287]).
الرد على ابن تيمية:
ولكن كل ما ذكره ابن تيمية لا يصح، ولا يلتفت إليه، وذلك لما يلي:
1 ـ فأما بالنسبة لما ذكره أولاً عن أبي مريم، فقد قال ابن عدي: سمعت ابن عقدة يثني على أبي مريم ويطريه، وتجاوز الحد في مدحه([288]) وأثنى عليه شعبة([289]).
وقال عنه الذهبي: كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال([290]).
وعدا عن ذلك فقد صرحوا بسبب تضعيفهم له، وهو كونه شيعياً، ونحن نرى أن ذلك لا يضره؛ فقد روى أصحاب الصحاح، ولا سيما البخاري ومسلم عن عشرات الشيعة([291]).
ومع غض النظر عن ذلك؛ فإن المتقي الهندي قد نقل عن الطبري: أنه قد صحح هذا الحديث([292]).
كما وصححه الإسكافي المعتزلي([293]).
وصححه أيضاً: الخفاجي في شرح الشفاء([294]).
وقد رواه أحمد بسند جميع رجاله رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، والأعمش، والمنهال، وعباد، وعلي >عليه السلام<([295]).
ولو سلم كل ذلك؛ فإن طرق الحديث مستفيضة، يقوي بعضها بعضاً؛ فلا يضر ضعف بعض الرجال في بعض الأسانيد.
وأعجب من ذلك دعوى أن لا تكون قضية الخلافة بعده >صلى الله عليه وآله< مذكورة في المسانيد، فإن من راجع المصادر التي ذكرناها للحديث آنفاً؛ يعرف أنها موجودة في عشرات المصادر والمسانيد.
وأما الطعن في رواية ابن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد الله بن عبد القدوس.
وقد ضعفه الدارقطني.
وقال النسائي: ليس بثقة.
وقال ابن معين: ليس بشيء، رافضي خبيث، أما هذا ـ فقد قال الشيخ المظفر >رحمه الله تعالى< في جوابه: >وفيه: أن تضعيفهم معارض بما في تقريب ابن حجر: أنه صدوق.
وفي تهذيب التهذيب: قال محمد بن عيسى: ثقة.
وذكره ابن حبان في الثقات.
وقال البخاري: هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف.
مع أنه أيضاً من رجال سنن الترمذي.
ومدح هؤلاء مقدم؛ لعدم العبرة في قدح أحد المتخالفين في الدين في الأخر، ويقبل مدحه فيه.
وهم قذفوه بذلك؛ لأنهم رموه بالتشيع، ولا نعرفه في رجالهم.
لكن قد ذكر ابن عدي: أن عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت. ولعل هذا هو سر تهمتهم له([296]).
2 ـ وأما ما ذكره ابن تيمية ثانياً: فإن الظاهر هو أن كلمة (عبد) زيادة من الرواة، بدليل: أن عدداً من الروايات يصرح بأنه قد دعا بني هاشم([297]).
وجاء في روايات أخرى: أنه دعا بني عبد المطلب، ونفراً من بني المطلب([298]) فلعل الأمر قد اشتبه على الراوي وأضاف كلمة >عبد<، وهذا كثير.
وعليه فلا يلزم من ذلك كذب أصل الواقعة المتفق عليها إجمالاً، كما أن أبناء عبد المطلب إذا كانوا عشرة، وكان أصغرهم يصل عمره حينئذٍ إلى ستين عاماً؛ فلماذا لا يكون لهم من الولد ما لو انضموا إليهم لبلغوا أربعين رجلاً، بل أكثر من ذلك بكثير، وما وجه الاستبعاد لذلك؟
3 ـ وأما ما ذكره ثالثاً: فقد أجاب عنه الشيخ المظفر: بأن عدم معروفيتهم بالأكل لا تدل على عدم كونهم كذلك، فلعلهم كذلك في الواقع، ولو سلم؛ فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة النبي >صلى الله عليه وآله< في إطعامهم رجل الشاة، وعس اللبن الواحد([299]).
4 ـ وأما ما ذكره ابن تيمية رابعاً: فجوابه ما ذكره الشيخ المظفر أيضاً: من أن قوله هذا ليس علة تامة للخلافة، ولم يدّع ذلك النبي >صلى الله عليه وآله<، ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته، بل أمره الله بإنذار عشيرته؛ لأنهم أولى بالدفع عنه ونصره؛ فلم يجعل هذه المنزلة إلا لهم، وليعلم من أول الأمر: أن هذه المنزلة لعلي >عليه السلام< لأن الله ورسوله يعلمان:
أنه لا يجيب النبي >صلى الله عليه وآله< ويؤازره غير علي >عليه السلام<؛ فكان ذلك من باب تثبيت إمامته، بإقامة الحجة عليهم. ومع فرض تعدد المجيبين يعين الرسول الأحق بها منهم([300]).
وقد أوضح ذلك المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني: بأن الخطاب إنما هو للجميع، لكن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يعلم من خلقهم وعلاقاتهم، وطبائعهم: أنهم سوف لا يجيبون إلا علي >عليه السلام<، هذا بالإضافة إلى إعلام الله له بذلك.
ونقول نحن: إن مما يؤيد ذلك، النص الذي سوف يأتي نقله عن البحار، عن ابن طاووس، تحت عنوان: >ماذا قال النبي >صلى الله عليه وآله< يوم الإنذار<.
وقد قلنا هناك: إن ذلك النص هو المنسجم مع الآية الكريمة، وقد جاء فيه: >إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله، وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي..<.
إلى أن قال:
>وقد والله أنبأني به، وسماه لي، ولكن أمرني أن أدعوكم وأنصح لكم، وأعرض عليكم لئلا تكون لكم الحجة فيما بعد<([301]).
واحتمل صديقنا المحقق الروحاني: أن يكون الخطاب لواحد منهم على سبيل البدل، ولذا قال لهم: أيكم يؤازرني إلخ..
فالمجيب أولاً هو الذي يستحق ما وعد به >صلى الله عليه وآله<، وإجابة أكثر من واحد بعيدة الوقوع جداً، ولا يعتنى باحتمالها عرفاً، لا سيما وأن الذي يضر هو التقارن في الإجابة، وذلك أبعد وأبعد.
هذا مع علمه >صلى الله عليه وآله< بأنه لا يجيب سوى واحد منهم.
ولكن قد ذكر بعض الأعلام: أن كون المراد هو المؤازرة في الجملة بعيد؛ لكون المسلمين على اختلاف مراتبهم قد آزروه في الجملة، فالمراد هو المؤازرة في جميع الأمور والأحوال، والموازرة الكاملة في الدين تحتاج إلى أعلى درجات الوعي، والعلم، والسمو الروحي إلى درجة العصمة.
الأمر الذي يعني: أن شخصاً كهذا هو الذي يستحق الإمامة، ولا يستحقها سواه؛ ممن تلبس بالظلم، كما قـال تعالى: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([302]).
وليس ذلك سوى عليٍّ >عليه السلام<.
أضف إلى ذلك: أن إمامة وخلافة علي >عليه السلام<، إنما هي بجعل من الله سبحانه وتعالى، لا بجعل من النبي >صلى الله عليه وآله< لتترتب على المؤازرة المنشودة، والمرغّب بها، مع علم النبي >صلى الله عليه وآله< بعدم إجابة غير علي >عليه السلام<، فيكون ما جرى في يوم الإنذار لأجل إقامة الحجة، وقطع كل عذر، فكلام المظفر هو الأولى والأقرب انتهى.
وأما ما ذكره ابن تيمية خامساً وأخيراً فهو لا يصح أيضاً بأي وجه:
أولاً: لأن وجود حمزة إنما يضر لو كان قد أسلم قبل نزول آية الإنذار، ونحن لم نستطع أن نحتمل ذلك، فضلاً عن أن نجزم به؛ إذ من القريب جداً، بل هو ظاهر، إن لم يكن صريح ما ورد في كيفية إسلام حمزة: أن يكون إسلامه بعد الإعلان بالدعوة، وبعد وقوع المواجهة بين النبي >صلى الله عليه وآله< وقريش، وبعد مفاوضاتها لأبي طالب.
ثانياً: لو سُلِّم فإن إنذار عشيرته يمكن أن يكون أثناء الدعوة السرية، وقبل إسلام حمزة، حتى لو كان قد أسلم في الثانية من البعثة، ويكون ما جرى بين حمزة وأبي جهل بمثابة إعلان جزئي للدعوة.
وتكون قريش قد بدأت تتعرض لشخص النبي >صلى الله عليه وآله< حتى في الدعوة السرية، وأما بالنسبة لسائر من أسلم فقد كان ثمة محدودية في التعامل معهم، وسرية بالنسبة لمن يدخل في الإسلام منهم.
ويدل على ما ذكرناه: أنهم يذكرون: أن قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}([303]) كان هو السبب في إخراج الدعوة من السر إلى العلن.
ولا ريب أن إنذار العشيرة كان قبل ذلك.
ثالثاً: إن وجود حمزة، إن كان قد أسلم آنئذٍ، كوجود أبي طالب بينهم، فلعلهما كانا يريان أنهما غير مقصودين بهذه الدعوة.
ولا سيما إذا كانا يدركان: أن بقاءهما إلى ما بعد وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< أبعد احتمالاً؛ فإن سن حمزة كان يقارب سن النبي >صلى الله عليه وآله<، كما يدعون.
ولكننا نعتقد: أنه كان أكبر من النبي >صلى الله عليه وآله< بأكثر من عشرين سنة، لأنه كان أكبر من عبد الله، والد النبي >صلى الله عليه وآله< والذي كان أصغر أولاد عبد المطلب.
وهكذا يقال بالنسبة للعباس أيضاً.
وأما أبو طالب؛ فإنه كان شيخاً هرماً لا يحتمل البقاء إلى ما بعد وفاته >صلى الله عليه وآله<، فلا معنى لأن يقدم أي منهما نفسه على أنه خليفته من بعده، أو على الأقل هكذا فكرا آنئذٍ.
وهكذا يتضح: أن جميع ما جاء به ابن تيمية إنما كان كسراب بقيعة، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
نقاط هامة في حديث الإنذار
أ ـ روايات لا يمكن أن تصح:
هذا، وقد حاول ابن تيمية أن يقوي جانب روايات أخرى تبعد علياً وأهل البيت >عليهم السلام< عن الأنظار، بل وتستبعد الهاشميين منه عموماً أيضاً كتلك الروايات التي في الصحيحين، والتي تقول:
إنه >صلى الله عليه وآله< جمع قريشاً حين نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} فاجتمعوا، فخص وعمّ، فقال:
يا بني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار إلخ([304]).
وفي رواية أخرى: إنه >صلى الله عليه وآله< جمع بني هاشم وأجلسهم على الباب، وجمع نساءه فأجلسهم في البيت.
ثم كلَّم بني هاشم، وبعد ذلك أقبل على أهل بيته؛ فقال: يا عائشة بنت أبي بكر، ويا حفصة بنت عمر، ويا أم سلمة، ويا فاطمة بنت محمد، ويا أم الزبير عمة رسول الله، اشتروا أنفسكم في الله، واسعوا في فكاك رقابكم؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، ولا أغني؛ فبكت عائشة وقالت.. إلخ..
ثم تذكر الرواية محاورة لها معه >صلى الله عليه وآله<([305]).
وثمة نصوص أخرى كلها تؤكد على دعوته قريشاً وإنذاره لها، وهذه الروايات لا يمكن أن تصح.
أولاً: لقد تقدم: أن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها لم تكن حينئذٍ قد ولدت.
ثانياً: إن عائشة([306]) وحفصة، وأم سلمة لم يكنّ من أزواجه حينئذٍ، ولا كنّ من أهله، وإنما صرن من أهله في المدينة بعد ذلك بسنين كثيرة..
ثالثاً: إن هذه الروايات تناقض ما ورد من أنه >صلى الله عليه وآله< إنما دعا قريشاً وبادأها حين نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}([307])، وليس حين نزل قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.
رابعاً: إن هذه الروايات تناقض نص الآية نفسها، فإنها تأمره بإنذار العشيرة الأقربين، لا مطلق عشيرته، ولا مطلق الناس، وعشيرته الأقربون إما هم بنو هاشم، أو بنو عبد المطلب، والمطلب.
والقول بتعدد الإنذار: لا يدفع الإشكال، بعد تصريح الروايات: بأن مفادها قد وقع حين نزول الآية عليه >صلى الله عليه وآله<.
وهذا كله مع غض النظر عما في أسانيد هذه الروايات، فإن جميع رواتها ـ كما يقولون ـ : لم يدركوا زمان إنذار عشيرته >صلى الله عليه وآله<.
ب ـ ما المراد بكونه خليفته في أهله:
وقد ذكر الشيخ المظفر >رحمه الله<: أن من الواضح: أن قوله: خليفتي فيكم، أو في أهلي لا يضر، ما دام أن ثمة إجماعاً على عدم جواز وجود خليفتين: خاص، وعام، فخلافته الخاصة تقتضي خلافته المطلقة.
ولعل الأصح هو: أنه قال ـ كما في الروايات الأخرى ـ: >من بعدي<، أو أنه قال: >فيكم<، باعتبار أنهم من المسلمين.
وأما القول بأن المقصود: هو أنه القائم بشؤونهم الدنيوية؛ فيكذبه الواقع؛ فإن علياً >عليه السلام< لم يكن كذلك بالنسبة لأي من الهاشميين، ولو كان المقصود هو خصوص الحسنين >عليهما السلام<، وفاطمة صلوات الله وسلامه عليها، فإن من الواضح أنهما وكذلك أمهما ما كانوا قد ولدوا بعد.
كما أن نفقة هؤلاء واجبة عليه بالأصالة لا بالخلافة، وأما غيرهم فلم يكن >عليه السلام< مكلفاً بالإنفاق عليه، ولا كان يفعل ذلك([308]).
أضف إلى ذلك كله: أنه بعد أن يصبح الإنسان رجلاً عاقلاً وكاملاً، فإنه لا يبقى بحاجة إلى ولي يدبر شؤونه، بل يستقل هو نفسه في ذلك، وعلى هذا، فلا يبقى للولي وللخليفة معنى، إذا كان هذا هو المراد.
ونشير هنا: إلى أن الدواعي كانت متوفرة لتحريف هذه الواقعة، وجعلها خاصة بالخلافة على الأهل، ولا تشمل الخلافة العامة التي هي موضع الأخذ والرد كما هو معلوم.
ج ـ لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة؟!:
هذا ولا يخفى: أن الاهتمام بدعوة عشيرته الأقربين كان خير وسيلة لتثبيت دعائم دعوته، ونشر رسـالته؛ لأن الإصلاح يجب أن يبدأ من الداخل، حتى إذا ما استجاب له أهله وقومه، اتجه إلى غيرهم بقدم ثابتة، وعزم راسخ ومطمئن.
كما أن دعوته لهم سوف تمنحه الفرصة لاكتشاف عوامل الضعف والقوة في البنية الداخلية، من حيث ارتباطاته وعلاقاته الطبيعية، وليعرف مقدار الدعم الذي سوف يلاقيه؛ فيقدر مواقفه، وإقدامه، وإحجامه على أساسه.
أضف إلى ذلك: أنه حين يبدأ بالأقربين من عشيرته، ولا يبدو أنه على استعداد لتقديم أي تنازل أو مساومة حتى بالنسبة إلى هؤلاء، فإن معنى ذلك هو أن على الآخرين أن يقتنعوا بأنه منسجم مع نفسه، ومقتنع بصحة ما جاء به، ويريد لأحب الناس إليه، الذين لا يريد لهم إلا الخير، أن يكونوا في طليعة المؤمنين الذين يضحون بكل غالٍ ونفيس في سبيل هذا الدين.
وقد رأينا: أن النصارى قد تنبهوا إلى ذلك في قضية المباهلة، فراجع.
ومن الجهة الأخرى: فإنه يعيش في مجتمع يقيم علاقاته على أساس قبلي ـ فحين يريد أن يقدم على مواقف أساسية ومصيرية ـ وحين لا يكون هو نفسه يرضى بالاعتماد على القبلية كعنصر فعال في حماية مواقفه، وتحقيق أهدافه؛ فإن من اللازم: أن يتخذ من ذوي قرباه موقفاً صريحاً، ويضعهم في الصورة الواضحة؛ وأن يهيئ لهم الفرصة ليحددوا مسؤولياتهم، بحرية، وصراحة، وصفاء، بعيداً عن أي ضغط وابتزاز ولو كان هذا الضغط من قبيل العرف القبلي فيما بينهم؛ لأنه عرف مرفوض إسلامياً.
وهنا تبرز واقعية الإسلام في تعامله مع الأمور، وفي معالجته للقضايا، الإسلام الذي لا يرضى أن يستغل جهل الناس وبساطتهم، وحتى أعرافهم ـ الخاطئة ـ التي ارتضوها لأنفسهم في سبيل منافعه، وتحقيق أهدافه.
نعم، إن الإسلام يعتبر الوسيلة جزءاً من الهدف، فلا بد أن تنسجم وتتلاءم معه، كما لا بد أن تنال من الطهر والقداسة بالمقدار الذي يناله الهدف نفسه.
وفقنا الله للسير على هدى الإسلام، والالتزام بتعاليمه؛ إنه خير مأمول، وأكرم مسؤول.
وعلى كل حال، فقد خرج >صلى الله عليه وآله< من ذلك الاجتماع بوعدٍ أكيد من شيخ الأبطح، أبي طالب >عليه السلام< بالنصر والعون؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب اللاإنساني، واللامعقول، قال له: >يا عورة، والله لننصرنه، ثم لنعيننه!! يا ابن أخي، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا، حتى نخرج معك بالسلاح<([309]).
د ـ علي × في يوم الإنذار:
ونجد في يوم الإنذار: أن اختيار النبي >صلى الله عليه وآله< يقع على أمير المؤمنين >عليه السلام<، ليكون المضيف لجماعة يناهز عددها الأربعين رجلاً، فيأمره بأن يصنع طعاماً، ويدعوهم إليه.
والظاهر: أن ذلك قد كان في بيت النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، لأن علياً >عليه السلام< كان عند رسول الله >صلوات الله عليه وآله< في بيته على ما يظهر، وقد كان بإمكانه >صلى الله عليه وآله< أن يطلب من خديجة أن تصنع لهم الطعام، هذا، مع وجود آخرين، أكثر وجاهة ومعروفية من علي >عليه السلام<، كأبي طالب، وكجعفر، الذي كان يكبر علياً في العمر، وغيرهما ممن يمكن أن يستفيـد من نفوذه وشخصيته في التـأثير على الحاضرين، ولكنه قد اختار علياً بالذات ليتفادى أي إحراج يبعد القضية عن مجالها الطبيعي، الذي يرتكز على القناعة الفكرية والوجدانية بالدرجة الأولى ـ ولأن علياً وإن كان حينئذٍ صغير السن، إلا أنه كان في الواقع كبيراً في عقله، وفي فضائله وملكاته، كبيراً في روحه ونفسه، كبيراً في آماله وأهدافه، ولا أدل على ذلك من كونه هو المجيب للرسول، دون كل من حضر، ليؤازره ويعاونه على هذا الأمر.
وقد رآه النبي >صلى الله عليه وآله< منذئذٍ أهلاً لأن يكون أخاه، ووصيه، وخليفته من بعده، وهي الدرجة التي قصرت همم الرجال عن أن تنالها، بل وحتى عن أن يدخل في وهمها: أن تصل ولو في يومٍ ما إليها، وتحصل عليها.
ولكن علياً كان منذ نعومة أظفاره هو السباق إليها دون كل أحد؛ لأنه عاش في كنف الرسول، وكان >صلى الله عليه وآله< كفيله ومربيه، وكان يبرد له الطعام، ويشمه عرفه، وكان يتبع الرسول اتباع الفصيل أثر أمه، وكان كأنه ولده([310]).
{.. ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}([311]).
ه‍ ـ موقف أبي طالب &:
وأما أبو طالب >عليه السلام< فكان موقفه الراعي لهذا الأمر، والمحامي عنه، والحريص عليه..
وكان يعلم: أنه لم يكن هو المقصود بهذا الخطاب، لأنه لم يكن يرى أنه يعيش إلى ما بعد وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< ليكون وصيه ووزيره وخليفته من بعده.
و ـ موقف أبي لهب:
ولقد أدرك أبو لهب مغزى تلك الدعوة، ورأى أن الأمر قد بلغ مرحلة الجد، وها هو يرى بأم عينيه معجزة أخرى، تضاف إلى الكثير مما رآه من معاجز وكرامات للنبي >صلى الله عليه وآله<، طيلة السنوات الكثيرة التي عرف فيها النبي >صلى الله عليه وآله< وأحواله ـ فيرى أن فخذ شاة، وعساً من لبن، يكفي أربعين رجلاً، وأبو لهب هو ذلك الرجل الذي يعرف طبيعة وأهداف هذا الدين الذي يبشر فيه محمد >صلى الله عليه وآله<.
وأنه لا يقيم وزناً لأي امتياز أو مكسب شخصي حصل عليه الإنسان من طريق الابتزاز والظلم، وسائر أنواع التعدي والانحراف.
إذن، فلا بد لأبي لهب، بحسب منطقه اللامنطقي: أن يقف في وجه هذا الدين، ويمنعه من تحقيق أهدافه بكل وسيلة ممكنة.
ولا بد من تضييع الفرصة على النبي >صلى الله عليه وآله<، وذلك حفاظاً على ما يراه أنه مصلحته أولاً، وليرضي حقده وحسده الذي يعتمل في صدره ثانياً؛ ذلك الحقد الذي لا مبرر له إلا أنه: يرى في شخصية النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< الصفات الحميدة، والأخلاق الرضية الكريمة، والسجايا الفاضلة، فإن ذلك يعتبر عنده ذنباً، وأي ذنب.
فبادر إلى المواجهة الصريحة، والوقحة والقبيحة، حيث استغل معجزة الطعام التي يراها الجميع بأم أعينهم، فرمى النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< بالسحر وقال: لَقِدماً سحركم صاحبكم، فتفرق الجمع في اليوم الأول، ولم يستطع الرسول >صلى الله عليه وآله< أن يقول كلمته حتى اليوم التالي؛ حيث استطاع النبي >صلى الله عليه وآله< أن يصدع بما أمره الله تعالى، ويقيم عليهم الحجة، كما تقدم بيانه.
ز ـ الإنذار أولاً:
وما دمنا في الحديث عن إنذار عشيرته الأقربين؛ فإننا نسجل هنا: أنه >صلى الله عليه وآله< قد أُمِر من قبل الله تعالى بالإنذار أولاً لعشيرته، فقال تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}.
وكذلك الحال بالنسبة لغيرهم من سائر الناس، فإنه تعالى قد قال لنبيه، كما في سورة المدثر، التي هي من العتائق النازلة في أوائل البعثة: {قُمْ فَأَنذِرْ}.
فقد جاء الإنذار أولاً، مع أنه >صلى الله عليه وآله< قد أُرسل مبشراً ونذيراً، ومع أن القرآن هدى وبشرى أيضاً، لأن الناس لم يكونوا على واقع الفطرة، والغفلة، وعدم الالتفات، بل كانوا في أول البعثة كفاراً، معاندين ومنغمسين في الظلم والانحراف إلى أبعد مدى، فلا بد من إنذارهم أولاً؛ ليلتفتوا إلى عواقب ما هم عليه من واقع سيء يعيشونه، وإلى العواقب المدمرة والمرعبة، التي تنتظرهم نتيجة لذلك.
والتفاتهم هذا، لسوف يؤثر فيهم للتطلع، ثم الحركة نحو الخروج من ذلك الواقع، والتخلص منه.
ثم يأتي بعد ذلك دور تخليص المجتمع من رواسبه، ومن حركاته، وأعماله، ومواقفه السيئة، على مستوى الفرد، وعلى مستوى الجماعة، وتطهيره من كل غريب ومريض.
ومعه جنباً إلى جنب تكون عملية وضع الأسس المتينة والسليمة لبناء الهيكل العام للمجتمع المسلم في عواطفه، وفي علاقاته، وفي روابطه.
والأهم من ذلك؛ في فكره وثقافته، وإعطائه المفهوم الحقيقي والواقعي عن الكون، وعن الحياة، وبالذات عن هذا الإنسان القوي الضعيف، وليطَّرد قدماً في عملية بناء الإنسان من الداخل، وتربيته وتزكيته، كما هي وظيفة النبي والإمام، وكل داعية إسلامي على الإطلاق، وقد أشرنا في أول هذا الفصل إلى هذا، مستفيدين من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..}([312]).
وهذا الذي ذكرناه عن أسلوب الإسلام في دعوته، هو التحرك الطبيعي لأية دعوة تستهدف الإصلاح الجذري، والتغلب على مشاكل الحياة، والتخطيط لمستقبل مشرق سعيد.
ح ـ ماذا قال النبي ' في يوم الإنذار؟!:
وقد جاء في بعض النصوص أنه >صلى الله عليه وآله< قال لهم: >يا بني عبد المطلب، إني لكم نذير من الله جل وعز، إني أتيتكم بما لم يأت به أحد من العرب، فإن تطيعوني ترشدوا، وتفلحوا، وتنجحوا، إن هذه مائدة أمرني الله بها؛ فصنعتها لكم، كما صنع عيسى بن مريم >عليه السلام< لقومه؛ فمن كفر بعد ذلك منكم، فإن الله يعذبه عذاباً شديداً، لا يعذبه أحداً من العالمين، واتقوا الله، واسمعوا ما أقول لكم، واعلموا يا بني عبد المطلب: أن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً، ووزيراً، ووصياً، ووارثاً من أهله.
وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي، وإن الله قد أرسلني إلى الناس كافة، وأنزل علي: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} ورهطك المخلصين([313])، وقد والله أنبأني به، وسماه لي.
ولكن أدعوكم، وأنصح لكم، وأعرض عليكم؛ لئلا يكون لكم الحجة فيما بعد، وأنتم عشيرتي وخالص رهطي، فأيكم يسبق إليها على أن يؤاخيني في الله، ويؤازرني<، إلى آخر كلامه >صلى الله عليه وآله<، الذي ينسجم مع النص الذي ذكرناه في أوائل هذا الفصل فراجعه([314]).
وهذا النص هو الأوفق والأنسب لموقف كهذا، وهو ينسجم تماماًً مع أمر الآية بالإنذار، فإن الإنذار أولاً هو الخطوة الطبيعية لأية دعوة، كما ذكرنا آنفاً.
ولا بد من لفت النظر هنا إلى أن قوله: >ورهطك< الخ.. ، ليس من الآية المباركة، بل هي زيادة نبوية توضيحية.
ط ـ التبشير والإنذار:
ويقول المحقق البحاثة المرحوم الشيخ مرتضى المطهري: إن من يريد إقناع إنسان ما بعمل ما، فله طريقان:
أحدهما: التبشير، بمعنى تشويقه، وبيان فوائد ذلك العمل.
الثاني: إنذاره ببيان ما يترتب على تركه من مضار، وعواقب سيئة.
ولذلك قيل: الإنذار سائق، والتبشير قائد.
والقرآن والإسلام يريان: أن الإنسان يحتاج إلى هذين العنصرين معاً، وليس ـ كغيره ـ يكفيه أحدهما.
بل ويرى الإسلام: أنه لا بد أن ترجح كفة التبشير على كفة الإنذار.
ولذلك قدم الأول على الثاني في أكثر الآيات القرآنية.
ومن هنا، فقد قال >صلى الله عليه وآله< لمعاذ بن جبل، حين أرسله إلى اليمن: >يسّر ولا تعسّر، وبشّر ولا تنفّر<، فهو هنا لم يستبعد الإنذار، بل هو جزء من خطته، وإنما اهتم بجانب التبشير إذ يمكن بواسطته إدراك مزايا الإسلام وخصائصه الرائعة، وليكون إسلامهم من ثم عن قناعة حقيقية، وقبول تام.
وأما قوله >صلى الله عليه وآله<: ولا تنفّر، فهو واضح المأخذ، فإن روح هذا الإنسان شفافة جداً، وتبادر إلى ردة الفعل بسرعة، ومن هنا فإننا نجد النبي >صلى الله عليه وآله< يأمر بالعبادة ما دامت النفس مقبلة، ولا يقبل بالضغط عليها، وتحميلها ما لا تطيق، ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة السهلة السمحاء([315]).
ومما تقدم نستطيع أن ندرك: لماذا اشتملت دعوته >صلى الله عليه وآله< لعشيرته على التبشير أيضاً؛ بأن من يؤازره سوف يكون خليفة بعده، وأنه قد جاءهم بخير الدنيا والآخرة، تماماً كما بدأت بالإنذار، فإن ذلك ينسجم مع ما تشتاق إليه نفوسهم، ويتلاءم مع رغباتهم، ويأتي من قبل من لا يمكن اتهامه لديهم بأي وجه.
ي ـ أخي ووصيي:
ويلفت نظرنا هنا قوله >صلى الله عليه وآله<: على أن يكون أخي إلخ.. فإن ذلك يؤكد لهم على مدى التلاحم والمحبة بينه وبين ذلك الذي يؤازره ويعاونه، إلى حد أنه يعتبره أخاً له، فليست العلاقة بينهما علاقة رئيس ومرؤوس، وآمر ومأمور، ولا عالٍ بدانٍ، وإنما هي علاقة بين متكافئين في الإنسانية، كما أنها علاقة تعاون وتعاضد على العمل البناء والمثمر، وعلاقة أخ مع أخيه، تغمرها المحبة، والثقة والصفاء، بكل ما لهذه الكلمات من معنى.
أضف إلى ذلك، ما في ذلك من دلالة على المستوى السامي الذي كان قد بلغه أمير المؤمنين >عليه السلام< حتى يستحق وسام الأخوة فيما بينه وبين سيد البشر، من مضى منهم، ومن غبر.
آخر حملات التشكيك في حديث الإنذار:
طرح أحد المخالفين تشكيكات في متن حديث الإنذار فقال بعد أن أورد الحديث المشار إليه، ما يلي:
أقول نقد المتن سيكون على أمرين:
أولاً: العدد.
بالنسبة لوصول رجال بني عبد المطلب إلى أربعين رجلاً في ذلك الوقت، فهذا يحتاج أولاً إلى إثبات وإلى بحث، وخلال بحث سريع لدي اتضح لي الآتي:
نبدأ بذكر أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< ثم القول فيهم بعد ذلك:
في البداية والنهاية لابن كثير (3/354) نقل لنا قول الزهري، حيث قال عن عبد الله والد الرسول >صلى الله عليه وآله<:
>وكان أجمل رجال قريش وهو أخو الحارث والزبير وحمزة وضرار وأبي طالب واسمه عبد مناف وأبي لهب واسمه عبد العزى والمقوم واسمه عبد الكعبة وقيل، هما اثنان، وحجل واسمه المغيرة والغيداق وهو كثير الجود واسمه نوفل ويقال: انه حجل والعباس فهؤلاء اعمامه<.
وبعض المؤرخين أضافوا رجلاً آخر واسمه قثم بن عبد المطلب كما جاء في الروض الأنف (1/439).
الآن نرى أمامنا أعمام الرسول >صلى الله عليه وآله<..
نأتي الآن إلى أقوال النسابة والمؤرخين فيهم:
جاء في كتاب الرحمة المهداة صفحة (47) لعبد العزيز المدني ونور الإسلام شفيع السلفي: >كان الحارث أكبر أولاد عبد المطلب مات في حياة أبيه وكان له أربعة أبناء: نوفل وعبد الله وربيعة وأبو سفيان كلهم خدموا الإسلام<.
وقال البلاذري في كتابه أنساب الأشراف (1/87): >وقال في السنة التي نحر فيها عبد المطلب الإبل مات الحارث بن عبد المطلب ولابنه ربيعة سنتان<.
وجاء في كتاب التبيين في أنساب القرشين صفحة (79) لابن قدامة: >كان أكبر عمومة رسول الله >صلى الله عليه وآله< الحارث بن عبد المطلب ولم يدرك الإسلام<.
وفي كتاب الطبقات لابن سعد (1/93): >ولد عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف اثني عشر رجلاً وست نسوة: الحارث وهو أكبر ولده وبه كان يكنى ومات في حياة أبيه<.
وجاء في كتاب نشوة الطرب في تاريخ الجاهلية والعرب (1/335) لابن سعيد الأندلسي المتوفى سنة 685هـ :
قال عن الزبير بن عبد المطلب: >وكان محباً للنبي >صلى الله عليه وآله< ولم يلحق نبوته<.
وفي كتاب الرحمة المهداة صفحة (53): >مات الزبير قبل بعثة النبي >صلى الله عليه وآله<..<.
إذن عرفنا هنا: هلاك الحارث والزبير ابنا عبد المطلب قبل دعوة النبي >صلى الله عليه وآله< وهذا ما يفيد عدم حضورهم لحادثة الإنذار..
(قلت أنا عبد الله السقاف: غير أننا سنذكر لاحقاً أن للحارث أبناء عاصروا الحادثة وكذلك للزبير له ابن عاصر الحادثة..).
ثم نأتي إلى ضرار بن عبد المطلب:
قال ابن سعد في الطبقات (1/93): >وضراراً وكان من فتيان قريش جمالاً وسخاء ومات أيام أوحى الله إلى النبي >صلى الله عليه وآله< ولا عقب له<.
وجاء في كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (1/97) قال: >وضرار بن عبد المطلب وأمه نتيلة أيضاً مات حدثاً قبل الإسلام<.
وجاء في كتاب الجوهرة في نسب النبي >صلى الله عليه وآله< وأصحابه العشرة للأديب الأندلسي محمد بن أبي بكر الأنصاري الشهير بالبُري الذي ألفه عام 644هـ يقول في (1/44):
>ضرار بن عبد المطلب: ومات ضرار قبل الإسلام ولا عقب له<.
وهنا وضح كذلك أن ضرار بن عبد المطلب لم يكن موجوداً وقت حادثة الإنذار..
أما المقوم بن عبد المطلب فهو نفسه عبد الكعبة كما قال بذلك الزهري في البداية والنهاية (3/354): >والمقوم واسمه عبد الكعبة وقيل هما اثنان<.
وجاء في تاريخ ابن الوردي (1/150): >وقيل عبد الكعبة هو المقوم<.
وفي كتاب الرحمة المهداة صفحة (44): >وعبد الكعبة هو المقوم<.
وعلى ذلك نقول:
جاء في كتاب الجوهرة في نسب النبي >صلى الله عليه وآله< وأصحابه العشرة للأديب الأندلسي محمد بن أبي بكر الأنصاري الشهير بالبُري (1/44): >المقوم بن عبد المطلب: ولم يدرك أيضاً المقوم الإسلام، ولا عقب له<.
وجـاء في أنسـاب الأشراف للبلاذري (1/96): >عبد الكعبة درج صغيراً<.
وهنا نستفيد كذلك من هلاك المقوم (عبد الكعبة) وعدم حضورة حادثة الإنذار..
ثم نأتي الآن إلى قثم بن عبد المطلب على اختلاف في تسميته وإلحاقه بعبد المطلب من عدمها:
جاء في الروض الأنف (1/439): >قثم وقد مات صغيراً<.
وجاء في تاريخ ابن الوردي (1/150): >وقثم مات صغيراً<.
وفي كتاب جمهرة النسب للكلبي صفحة (28) قال: >وقثم درج صغيراً<.
وفي كتاب نسب قريش صفحة (18) لأبي عبد الله المصعب الزبيري المتوفى سنة 236هـ قال: >وقثم هلك صغيراً<.
وجاء في أنساب الأشراف للبلاذري (1/99): >وقثم بن عبد المطلب هلك صغيراً<.
وهنا نستفيد كذلك من هلاك قثم وهو صغير وهذا دليل على عدم حضورة حادثة الإنذار..
أما الغيداق وحجل فقد جزم العلامة النسابة السيد جعفر الحسيني في كتابه مناهل الضرب صفحة (34) قال: >والصحيح ما ذكرناه في كتابي رياض الأقحوان في أنساب قحطان وعدنان: أن حجل بن عبد المطلب اسمه المغيرة ولقبه الغيداق وعن غير واحد أنه لقب بذلك لجوده<.
وقال ابن الوردي في تاريخه: >والغيداق وقيل هو حجل<.
وفي كتاب عيون المعارف للقاضي محمد سلامة الشافعي القضاعي المتوفى سنة 454هـ قال في صفحة (174) تحت عنوان: ذكر أعمامه وهم تسعة: >وحجل ولقبه الغيداق لكثرة خيره<.
في كتاب الرحمة المهداة في صفحة (44) لعبد العزيز المدني ونور الإسلام شفيع السلفي: >غيداق المذكور في شجرة أولاد عبد المطلب الآتية هو حجل<.
والزهري في البداية والنهاية لابن كثير (3/354) قال: >والغيداق وهو كثير الجود واسمه نوفل ويقال: إنه حجل<.
والغيداق وحجل سواء كانا رجلاً واحداً أو رجلين فإنهما لم يكونا موجدين وقت حادثة الإنذار وهذا يتضح من خلال تأكيد ثلاثة مؤرخين: أن أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< من أبناء عبد المطلب وقت بعثته كانوا أربعة فقط:
قال ابن قدامة في كتابه: التبيين في أنساب القرشيين صفحة (76): >ولم يدرك الإسلام منهم إلا أربعة، حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، أسلم اثنان وكفر اثنان<.
وفي كتاب المنمق في أخبار قريش صفحة (21) لمحمد بن حبيب البغدادي المتوفى سنة 245هـ يقول: >ففضل الله هاشماً على إخوته ثم افترق بنو هاشم فرقاً فدرجوا كلهم وانقرضوا والبقية منهم لعبد المطلب بن هاشم؛ فبعث الله نبيه >صلى الله عليه وآله< وله أربعة أعمام: حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، فاتبعه اثنان وخالفه اثنان؛ ففضل الله الفرقة التي تبعته على التي خالفته<.
وفي كتاب ذخائر العقبى صفحة (293) لأبي العباس الطبري المتوفى عام 694هـ حين ذكر أعمام النبي >صلى الله عليه وآله< قال: >ولم يدرك الإسلام منهم غير أربعة: أبوطالب وأبو لهب وحمزة، والعباس، ولم يسلم غير حمزة والعباس رضي الله عنهما<.
يبقى الآن لنا الأعمام الذين كانوا حاضرين للحادثة وبقوا إلى أن بعث النبي >صلى الله عليه وآله<، وهم: أبو طالب وله أربعة أبناء، وأبو لهب وله ثلاثة أبناء، والعباس وله ابن واحد فقط عاصر الحادثة، وحمزة.
أما حمزة بن عبد المطلب >رضي الله عنه< فليس له من الذكور إلا اثنين: عمارة ويعلى، وهذان الذكران لم يكونا وقت الحادثة وظاهر الأمر أنهما ولدا في المدينة بعد الهجرة أي بعد حادثة الإنذار لسببين:
الأول: جاء في كتاب سيرة آل بيت النبي >صلى الله عليه وآله< (1/238) للدكتور حمزة النشرتي والشيخ عبد الحفيظ فرغلي والدكتور عبد الحميد مصطفى: >وتزوج حمزة امرأة من الأنصار من بني مالك بن عوف وأعقب منها علياً وكان يكنى به، وأعقب منها أيضاً ولداً آخر اسمه عامر مات.
ويروى أنه تزوج امرأة أخرى من الأنصار اسمها خولة بنت قيس بن فهد الأنصارية من بني ثعلبة بن غنم بن مالك النجار وأعقب منها ولداً اسمه عمارة وبه كان يكنى أيضاً<.
ومصطلح لفظة الأنصار لم تنشأ وتستخدم وتطلق على الأوس والخزرج في المدينة إلا بعد الهجرة النبوية..
الثاني: ما ذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة عمارة بن حمزة بن عبد المطلب رقم الترجمة (6475): >كان له ولأخيه يعلى عند وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< أعوام ولا أحفظ لواحد منهما رواية<.
وهذه قرينة أخرى تدل على أن عمارة ويعلى كانا صغيرين وقت وفاة النبي >صلى الله عليه وآله< وأن حمزة >رضي الله عنه< لم يكن له أبناء حين وقوع حادثة الإنذار..
أخيراً:
بعد هذا العرض التاريخي البسيط نستفيد: أنه لم يكن حاضراً من أولاد عبد المطلب سوى أربعة فقط، هم: العباس وأبو لهب وحمزة وأبوطالب..
إضافة إلى عدد من أحفاد عبد المطلب كما نقلت لنا السيرة معاصرتهم للنبي >صلى الله عليه< في بداية دعوته بمكة المكرمة فعلى ذلك نقول:
1 ـ العباس بن عبد المطلب.
2 ـ الفضل بن العباس بن عبد المطلب ـ على صغره وقت الحادثة ـ إذ إن عبد الله بن العباس لم يدرك الحادثة! حيث إنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين..
3 ـ أبوطالب ـ واسمه عبد مناف ـ بن عبد المطلب.
4 ـ طالب بن أبي طالب بن عبد المطلب.
5 ـ عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب.
6 ـ جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب.
7 ـ علي بن أبي طالب بن عبد المطلب.
8 ـ نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
9 ـ عبد الله ـ سابقاً اسمه عبد شمس ـ بن الحارث بن عبد المطلب.
10 ـ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.
11 ـ ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
12 ـ حمزة بن عبد المطلب ولم يكن له ولد في مكة كما بينا ذلك من قبل.
14 ـ أبو لهب ـ واسمه عبد العزى ـ بن عبد المطلب.
15 ـ عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.
16 ـ معتب بن أبي لهب بن عبد المطلب.
17 ـ عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب.
18 ـ عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب.
خلاصة الأمر:
أن عدد بني عبد المطلب لم يبلغوا العشرين رجلاً ولا يزيدون عنها بأي حال من الأحوال؛ فمن أين جاء الأربعون؟!
بل لم يبلغوا الأربعين رجـلاً في مدة حيـاة النبي >صلى الله عليه وآلـه الأمر الثاني: على نقد المتن هو قول الرواية: >فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم<.
هذا الكلام غير صحيح؛ فذلك لأن مجرد الإجابة للشهادة والمؤازرة والمناصرة للدعوة والإسلام لا توجب الخلافة والوصاية، فالذين أجابوا الرسول >صلى الله عليه وآله< كثيرون، فقد أجاب النبي >صلى الله عليه وآله< من آل بيته مثلاً: جعفر بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب، والعباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وأبو طالب ـ على قول الشيعة: إنه أجاب الرسول >صلى الله عليه وآله< للإسلام ـ إضافة إلى أن علياً >رضي الله عنه< كان صغيراً في ذلك الوقت حين بعث النبي >صلى الله عليه وآله< بل لم يروَ ولم يعرف دفعاً لعلي >رضي الله عنه< عن النبي >صلى الله عليه وآله< حال وجوده في مكة إلا ما وقع في مبيته في فراش النبي >صلى الله عليه وآله< عند هجرته..
وجيد أن أنقل لكم قول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (7/306): >أن قوله للجماعة: >من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي< كلام مفترى على النبي >صلى الله عليه وآله< لا يجوز نسبته إليه، فإن مجرد الإجابه إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله، فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين وأعانوه على هذا الأمر وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته وفارقوا أوطانهم وعادوا إخوانهم وصبروا على الشتات بعد الألفة وعلى الذل بعد العز وعلى الفقر بعد الغنى وعلى الشدة بعد الرخاء وسيرتهم معروفة مشهورة ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له<.
ثم قال شيخ الإسلام في موضع أخر (7/307): >أن حمزة وجعفراً وعبيـدة بـن الحـارث أجـابـوا إلى ما أجابه علي ـ >رضي الله عنه< ـ من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر، فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر<. (انتهى كلام هذا المشكك).
مناقشة ما تقدم:
إن التشكيكات التي أوردها هذا البعض حول حديث الإنذار، ليست جديدة علينا، فقد طرحها قبله ابن تيمية، ومن هم في خطه.
وقد ذكر في هذا الكتاب بعض ما يفيد في دفع هذه المغالطات، ونعود فنقول: إن جميع ما ذكره لا يصح، وذلك لما يلي:
1 ـ لقد شكك هذا المعترض في أن يكون تعداد رجال بني عبد المطلب يبلغ الأربعين رجلاً آنئذٍ، وذكر أن أبناء عبد المطلب كانوا أحد عشر رجلاً.. ولم يعدَّ قثم في جملتهم..
وزعم أن المقصود بالمقوم عبد الكعبة.
وأن المقصود بحجل المغيرة.
وأن المقصود بالغيداق نوفل. وقيل: حجل..
ولا نريد أن نناقشه في زعمه هذا.
ثم ذكر: أن الحارث عم النبي >صلى الله عليه وآله< قد مات في حياة عبد المطلب نفسه، حين أراد عبد المطلب نحر الإبل: وكان عمر ابنه ربيعة حين مات أبوه الحارث سنتين كما في أنساب الأشراف ج1 ص87.
وأن الزبير بن عبد المطلب مات قبل النبوة.
وأن ضرار بن عبد المطلب مات حدثاً قبل الإسلام.
ولكن لنا كلام حول ضرار هذا سيأتي إن شاء الله.
وأن المقوم قد مات قبل الإسلام أيضاً. وهو عبد الكعبة الذي مات صغيراً.
وأن قثم مات وهو صغير.
ثم استدل بما في ذخائر العقبى ص293 والتبيين في أنساب القرشيين ص76 والمنمق ص21 من أنه لم يدرك الإسلام من أولاد عبد المطلب إلا أربعة هم: حمزة، والعباس، وأبو طالب، وأبو لهب. أسلم اثنان وكفر اثنان.
وبعدما تقدم نقول:
إننا نحسب أن: عدهم لأبي طالب في جملة الكافرين لهو من الأمور الظاهرة الزيف، التي تحتاج إلى بيان، ولكننا نذكر القارئ بما يلي:
أولاً: إن ما أشار إليه من وجود اختلافات في أن يكون عبد الكعبة لقباً للمقوم أو أنه اسم رجل آخر.. والخلاف في أن يكون حجل هو الغيداق، أو رجل آخر.. وكذلك الحال بالنسبة لنوفل ـ إن ذلك ـ يجعلنا لا نثق فيما ينقله هؤلاء المؤرخون من تحديدات لتاريخ موت وولادة، وعدد أولاد، أو أحفاد هذا وذاك.
وأما إذا كان يراد الإستناد إلى سكوت الـراوي عن ذكـر هـذه الخصوصية أو تلك، فإن الأمر يصير أعقد وأشكل، لأن عدم ذكر المؤرخ أولاداً لبعض الناس، لا يدل على عدم وجود الأولاد له فعلاً..
ثانياً: إن ما ذكره هذا المشكك من أن للزبير بن عبد المطلب ابناً عاصر الحادثة غير دقيق، لأن له أبناء آخرين أيضاً، كان عليه أن يذكرهم، وهم بالإضافة إلى عبد الله:
1 ـ الطاهر.
2 ـ حجل.
3 ـ قرة([316]).
كما أنه لم يذكر أن للمقوم أولاداً، وهم:
4 ـ بكر
5 ـ عبد الله([317]).
وأن لحمزة ولداً اسمه:
6 ـ يعلى.
وقد كناه به أخوه أبو طالب في شعره، حيث قال مخاطباً له:
فصبراً أبــا يعـلى عـلى ديـن أحمد وكـن مظهراً للدين وفقت نـاصر
بالإضافة إلى ابنه عامر.
والإستدلال بكلمة (الأنصارية) في وصف زوجة حمزة، على أن حمزة قد تزوجها بعد الهجرة.. لا يفيد شيئاً، فإن هذا الاصطلاح إنما جرى على ألسنة المؤلفين، الذين يريدون تحديد المرادات والمسميات في تعابيرهم، ولو بالاستعانة بالمصطلحات التي نشأت بعد الإسلام، أو بالمصطلحات التي قرروها هم، للتعبير عن مراداتهم.
كما أن هذا المشكك لم يذكر: أولاد نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، وهم:
7 ـ الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، الذي استعمله النبي >صلى الله عليه وآله< على بعض أعمال مكة([318]).
8 ـ عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب.
9 ـ جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، الذي أسلم مع أبيه، وشهد حنيناً، وأدرك زمن معاوية([319]).
10 ـ عبد الله (المعروف بأبي الهياج) بن سفيان بن الحارث بن عبد المطلب([320]).
11 ـ أمية بن الحارث بن عبد المطلب([321]).
12 ـ المطلب (أو عبد المطلب) بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب. فإنه هو والفضل بن العباس سألا رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يزوجهما، فأمر >صلى الله عليه وآله< بتزويجهما([322]).
13 ـ عبد شمس (سماه النبي >صلى الله عليه وآله<: عبد الله([323])) ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، مات بالصفراء، فدفنه النبي >صلى الله عليه وآله<، وكفنه في قميصه([324]).
ثالثاً: إن هناك أشخاصاً كثيرين، من أحفاد عبد المطلب أو من أبنائهم لم يسجل التاريخ إلا أسماءهم، أو سكت حتى عن ذكر الأسماء، فلا يمكن الجزم بنفي وجودهم، ولا بمقدار عمر من ذكر منهم، ولكن المحاسبات التاريخية لا تمنع من كونهم في زمن الحادثة كانوا في سن البلوغ أيضاً، وإن لم يكن إثبات ذلك بالاعتماد على الدليل والحجة، فمثلاً، قد ذكر ابن حزم أسماء سبعة من أولاد ربيعة بن الحارث، لا نعرف عن أكثرهم شيئاً، وهم:
1 ـ محمد.
2 ـ عبد الله.
3 ـ عبد شمس.
4 ـ العباس.
5 ـ عبد المطلب.
6 ـ أمية.
7 ـ الحارث([325]).
وأمثال هؤلاء كثيرون، والذين لم ترد أسماؤهم في كتب الأنساب والتراجم أكثر، وما أكثر الناس الذين عاشوا وماتوا في الجزيرة العربية، ولم يرد لهم ذكر في كتاب، ولا في رواية..
رابعاً: لقد ذكر هذا المستشكل: أن ضراراً لم يكن موجوداً حين إنذار العشيرة.. مع أنه هو نفسه قد ذكر عن ابن سعد: أن ضراراً قد مات أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<([326]).
فكيف جزم هذا المستشكل بأنه قد مات قبل النبوة؟!
خامساً: إنه تارة يقول: إنه مات أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وتارة يقول: إنه مات حدثاً قبل الإسلام..
ألف: إذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< قد بعث بعد موت عبد المطلب بحوالي اثنين وثلاثين سنة، وكان موت ضرار أيام أوحي إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإن معنى ذلك: أن عمره لو كان قد ولد سنة وفاة أبيه هو حوالي اثنين وثلاثين سنة.
فكيف يكون حين موته غلاماً حدثاً؟!
ب: إذا كان حين موته غلاماً حدثاً؛ فما معنى قول ابن سعد عنه: إنه >كان من فتيان قريش جمالاً وسخاءً<؟([327]).
سادساً: إن أبناء عبد المطلب كلهم قد ولدوا وأصبحوا رجالاً قبل موت أبيهم، لأنهم يقولون: إن عبد المطلب >عليه السلام< >قد نذر: لئن ولد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه، ليذبحن أحدهم لله عند الكعبة، فلما تكامل بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه، وهم: الحارث والخ..<([328]). أراد أن يفي بنذره بذبح عبد الله..
ومعنى ذلك: أن أولاد عبد المطلب إلى حين بعثة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< كانوا قد بلغوا في أعمارهم إلى ما بين الستين والسبعين سنة، فلا بد أن يكونوا قد تزوجوا وولد لهم أولاد، ومات عدد منهم، وبقي أولادهم هؤلاء، ليحضروا مناسبة إنذار العشيرة.
سابعاً: قول التلمساني: إن المقوم لا عقب له، لا يراد به: أنه لم يعقب أصلاً، بل المراد: أن عقبه قد انقرض وانقطع، وقد قال ابن حزم: >ولد المقومُ بن عبد المطلب بكراً، وعبد الله، فولد بكر بن المقوم عبد الله. ولا عقب للمقوم<([329]).
وهذا معناه: أنه يقصد أنه لا عقب للمقوم باقياً.. ويشهد لذلك قول ابن حزم أيضاً عن أولاد عبد المطلب: >فلم يعقب أحد منهم عقباً باقياً إلا أربعة: العباس، وأبو طالب، والحارث، وأبو لهب<([330]).
ثامناً: قول هذا المستشكل عن المقوم ـ الذي هو عنده عبد الكعبة بن عبد المطلب ـ إنه هلك صغيراً، وكذلك قوله عن قثم بن عبد المطلب: مات صغيراً.. لا يمكن قبوله حسبما قدمناه حول نذر عبد المطلب..
فإذا ثبت أنهم كانوا كباراً، فإن موتهم، وكذلك موت إخوتهم في الجاهلية لا يعني أنهم لم يتزوجوا، ولم يولد لهم أولاد، يحضرون مناسبة إنذار العشيرة.
فعدم حضور الغيداق والحارث، وغيرهما من أبناء عبد المطلب للمناسبة لا يضر، ولا يثبت أن الحاضرين كانوا أقل من أربعين رجلاً، لجواز أن يكون أبناؤهم وأحفادهم قد حضروها..
تاسعاً: إن الروايات قد صرحت بحضور آخرين من بني هاشم في تلك المناسبة.. ولا مانع من أن يتصرف الرواة ببعض الكلمات سهواً، أو لأجل عدم تعلق أغراضهم بالتدقيق فيها.. أو لغير ذلك من أسباب، ولا يضر ذلك في الرواية، ولا يسقطها عن الإعتبار..
ولعل بعض الرواة قد أجرى الكلام على سبيل التغليب، حين رأى أن بني عبد المطلب كانوا هم الأكثر عدداً، في تلك المناسبة، وأن غيرهم لا يكاد يلتفت إليهم بسبب قلة عددهم..
بل ربما يقال: إن ما صرحت به الروايات الأخرى من التعميم لبني عبد المطلب تارة ولبني هاشم أخرى، يصلح قرينة على أن كلمة (عبد) مقحمة في الكلام سهواً، وأن المقصود هو بنو المطلب، فيشمل الأمر عبيدة بن الحارث بن المطلب الشهيد في حرب بدر، وغيره.. ولا أقل من كون ذلك قرينة على إرادة التغليب، إن كانت كلمة (عبد) مذكورة في الكلام عمداً..
وعلى كل حال: فإن هناك روايات تقول: دعا بني هاشم([331]).
وروايات أخرى تقول: دعا بني عبد المطلب ونفراً من بني المطلب([332]).
هذا كله بالنسبة لما أورده المستشكل حول عدد الحاضرين في تلك المناسبة..
وأما بالنسبة لما أورده حول دلالة هذا الحديث، فهو أيضاً غير صحيح، إذ يرد عليه:
أولاً: إن النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< لم يعلق أمر الخلافة بعده على مجرد النطق بالشهادة والمؤازرة والمناصرة في الجملة، بل علقها على المؤازرة التامة في الدين، في جميع الموارد والأحوال.. وهذا يحتاج إلى أعلى مراتب الكمال، والتضحية والجهاد، والعلم والوعي، والسمو الروحي، وقد أظهرت الوقائع أن الذي ينصر النبي >صلى الله عليه وآله< هو خصوص علي أمير المؤمنين >عليه السلام<..
وإجابة غير علي من المؤمنين لم تكن تامة وشاملة، حتى لقد فروا عن النبي >صلى الله عليه وآله< في كثير من الوقائع والأحداث، خصوصاً في أحد، وحنين، وخيبر، وغير ذلك..
وما ذكره ابن تيمية عن نصرة المؤمنين له >صلى الله عليه وآله< لا يفيد أنهم قد بلغوا في نصرته ما يستحقون به ذلك المقام.
ثانياً: إن مؤازرة علي >عليه السلام< للنبي >صلى الله عليه وآله< قبل الهجرة، كانت حاصلة، من حيث أن حديث الإنذار نفسه يفيد أن هذه النصرة قد حصلت، وذلك حين وافق النبي >صلى الله عليه وآله< على اتخاذه وزيراً، وأخاً، ووصياً في ذلك اليوم، ولم يزل يؤكد على ذلك في المناسبات المختلفة، خصوصاً تأكيداته >صلى الله عليه وآله< على ذلك في تبوك، حين أطلق: كونه منه بمنزلة هارون من موسى.. ثم حسم الأمر في غدير خم في حجة الوداع وفي غير ذلك من مناسبات..
وعدم بلوغ كيفيات ومفردات هذه النصرة لنا لا يدل على عدم حصولها بالفعل.
ثالثاً: إن نفس هذا الموقف في حديث الإنذار كان النبي >صلى الله عليه وآله< بأمس الحاجة إلى النصرة فيه، فإذا أحجموا عن بذلها له في هذا الموقف، فإنهم استحقوا الحرمان من مقام الأخوة والإمامة والوصاية، حتى لو بذلوا ما بذلوا بعد ذلك، مما شاركهم فيه علي >عليه السلام<، وزاد عليهم فيه..
أي أن حمزة وجعفراً، وعبيدة بن الحارث، لم يجيبوا إلى ما أجاب إليه علي >عليه السلام< في ذلك اليوم، وسكتوا، ولم ينصروا النبي >صلى الله عليه وآله< في يوم الإنذار أمام عشيرته الأقربين، رغم أنه كان بأمس الحاجة إلى ذلك..
رابعاً: إن جعفر، وحمزة، وعبيدة بن الحارث، وأبا طالب.. إن فرض أنهم كانوا جميعاً قد أسلموا آنئذٍ، فإنهم قد لا يرون أنهم أهل لمقام خلافة النبوة لأسباب يعرفونها في أنفسهم وحالاتهم. ولعل بعضهم كأبي طالب، أو كلهم، لم يكن يأمل بالبقاء على قيد الحياة إلى ما بعد وفاة الرسول >صلى الله عليه وآله< أو لغير ذلك من أسباب، جعلتهم يرون: أن المقصود بالخطاب سواهم..
الفصل الثالث:
حتى الهجرة إلى الحبشة
فاصدع بما تؤمر:
وبعد أن أنذر >صلى الله عليه وآله< عشيرته الأقربين، وبعد أن انتشر أمر نبوَّته >صلى الله عليه وآله< في مكة، بدأت قريش تتعرض لشخص النبي >صلى الله عليه وآله< بالاستهزاء والسخرية، وأنواع التهم، كما يظهر؛ إذ أنهم قد عرفوا جدية القضية، وأدركوا أبعادها.
فبادروا إلى تلك الأساليب بهدف الحط منه >صلى الله عليه وآله< أمام الرأي العام، وابتذال شخصيته، على الرغم من أنه >صلى الله عليه وآله< كان يتبع سبيل الحكمة والهدوء، حين يطلع بعض الناس على دعوته وما جاء به، كل ذلك حسداً وبغياً منهم، وتخوفاً من المستقبل، ليس إلا.
وكـان لذلك الاستهزاء تأثير على إقبال الناس على الدخول في الإسلام؛ فاغتم النبي >صلى الله عليه وآله< لذلك جداً، واعتبر ذلك عائقاً في سبيل انتشار دعوته، وأداء مهمته.
فأنزل الله عليه قرآناً، يأمره بإظهار الدعوة، والطلب من كل أحد، حتى من جبابرة قريش، ومن جميع القبائل والفئات: أن تسلم لربها، مشفوعاً ذلك بوعدٍ أكيد، بأن الله سوف يكفيه المستهزئين؛ فيجب أن لا يهتم لهم، وأن يتجاهلهم، وذلك حين نزل قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ}([333]).
هذا إذا كان المقصود أنه سوف يكفيه أولئك الذين صدر منهم فعل الاستهزاء.
أما إذا كان المراد: مَنْ سوف يصدر منهم هذا الأمر، فإن الآية لا تكون ناظرة إلى ما سبق كما هو ظاهر لا يخفى.
وقد بين الله تعالى له: خطة العمل المستقبلية، فأمره أن يأخذ بالصفح الجميل، وبالإعراض عن المشركين، وأن لا يحزن عليهم، ولا يضيق صدره بما يقولون؛ فإن جزاءهم على الله المطلع على كل صغيرة وكبيرة.
فامتثل النبي >صلى الله عليه وآله< أمر الله، وأظهر دعوته، وطلب من الناس جميعاً: أن يسلموا لربهم.
ويقولون: إنه قام على الحجر، فقال: يا معشر قريش، يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام؛ فأجيبوني تملكون بها العرب، وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكاً في الجنة، فاستهزؤوا به، وقالوا: جن محمد بن عبد الله، ولم يجسروا عليه لموضع أبي طالب([334]).
وجاء أيضاً: أنه >صلى الله عليه وآله< قام على الصفا، ونادى قريشاً؛ فاجتمعوا له، فقال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً في سفح هذا الجبل قد طلعت عليكم، أكنتم مصدقيّ؛ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متهم، وما جربنا عليك كذباً قط.
فقال: {فإني نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}([335]).
إلى أن قال:
فنهض أبو لهب، وصاح به: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعت الناس؟ وتفرقوا عنه، فأنزل الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}([336]) إلى آخر السورة.
المفاوضات الفاشلة:
قال ابن إسحاق وغيره: فلما بادى رسول الله >صلى الله عليه وآله< قومه بالإسلام، وصدع به، كما أمره الله، لم يبعد منه قومه، ولم يردوا عليه ـ فيما بلغني ـ حتى ذكر آلهتهم وعابها، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه، وأجمعوا على خلافه وعداوته، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام، وهم قليل مستخفون.
وحدب على رسول الله >صلى الله عليه وآله< عمه أبو طالب، ومنعه، وقام دونه، ومضى رسول الله >صلى الله عليه وآله< على أمر الله مظهراً لا يرده شيء.
فلما رأت قريش: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه، من فراقهم، وعيب آلهتهم، ورأوا أن عمه أبا طالب قد حدب عليه، وقام دونه، فلم يسلمه لهم، حاولوا مفاوضة أبي طالب.
وهذه المفاوضات ـ كما يرى ابن إسحاق وغيره ـ قد مرت بثلاث مراحل، انتهت كلها بالفشل الذريع.
الأولى: إنه مشى رجال من أشراف قريش إلى أبي طالب.
فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه، فنكفيكه، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً، وردهم رداً جميلاً، فانصرفوا عنه.
الثانية: إنهم حين رأوا أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قد استمر على ما هو عليه، يظهر دينه، ويدعو إليه، حتى شرى الأمر بينه وبينهم، وحتى تباعد الرجال، وتضاغنوا، وأكثرت قريش ذكر رسول الله >صلى الله عليه وآله< بينها، ذهبوا إلى أبي طالب، فتهددوه: إن لم يكف ابن أخيه عن شتم آبائهم، وتسفيه أحلامهم، وشتم آلهتهم، فلسوف ينازلونه وإياه حتى يهلك أحد الفريقين، ثم انصرفوا.
فأرسل أبو طالب إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله< فأخبره، وطلب إليه أن يبقي على نفسه وعليه، ولا يحمله ما لا يطيق، فظن أنه قد بدا لعمه فيه بداء، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال له >صلى الله عليه وآله<:
يا عم، والله، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته، فوعده أبو طالب النصر.
الثالثة: عرضوا على أبي طالب: أن يتخذ عمارة بن الوليد ولداً له، ويسلمهم النبي >صلى الله عليه وآله<، الذي فارق دين أبي طالب ودين آبائه، وفرق جماعتهم وسفه أحلامهم ليقتلوه، فإنما هو رجل برجل.
فقال أبو طالب: والله، لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه، هذا والله ما لا يكون أبداً.
فقال المطعم بن عدي: والله يا أبا طالب، لقد أنصفك قومك وجهدوا على التخلص مما تكرهه؛ فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً.
فقال أبو طالب: والله ما أنصفوني، ولكنك قد أجمعت على خذلاني، ومظاهرة القوم علي؛ فاصنع ما بدا لك..
أو كما قال: فحقب الأمر، وحميت الحرب، وتنابذ القوم، وبادى بعضهم بعضاً([337]).
وربما تكون هذه المراحل متداخلة، أو مترتبة، فإن ما ذكرناه لا يعدو عن أن يكون فهماً منا للسير الطبيعي للأحداث ـ لا أكثر ولا أقل ـ وقبل المضي في الحديث؛ نسجل النقاط التالية:
أ ـ قريش لم تصل إلى نتيجة:
لقد رأينا: أن مشركي مكة ما كانوا يرغبون بادئ ذي بدء في توريط أنفسهم في مواجهة أبي طالب والهاشميين؛ فحاولوا أن يحملوا أبا طالب نفسه على حسم الموقف، والقضاء على ما يعتبرونه مادة متاعبهم، ومصدر مخاوفهم، وحاولوا أن يثيروا هذا الرجل، ويشحنوه نفسياً ضد ابن أخيه، على اعتبار أن ابن أخيه قد جاء بما يضر بمصالح ويجرح كرامة وعاطفة عمه نفسه، فضلاً عن غيره، ولذا، فإن من الطبيعي أن يبادر أبو طالب نفسه لوضع حد لتصرفات ابن أخيه، ويكفيهم مؤونة ذلك.
ولكنهم حينما وجدوا: أن أبا طالب لم يستجب لأي من أباطيلهم، ولم يحرك ساكناً في سبيل وضع حد لمصدر الخطر عليهم وعلى مصالحهم، لجأوا إلى التهديد والوعيد، ثم إلى أسلوب المكر والخداع كما في قضية عرض عمارة على أبي طالب ليتخذه ولداً، ويسلمهم محمداً ليقتلوه، الأمر الذي كشف عن حقيقة ما يكنونه في صدورهم، وتشتمل عليه نفوسهم واتضح لأبي طالب ولغيره أن هدفهم ليس إلا القضاء على الدين الحق، وإطفاء نور الله، الأمر الذي زاد في تصلب أبي طالب في الدفاع عن الحق والدين، وعن نبي الإسلام الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
ب: سر استكبار قريش:
ولعل سر استكبار مشركي مكة، ومحاولاتهم إطفاء نور الله تعالى يرجع إلى:
1 ـ أنهم كانوا يستغلون أولئك الفقراء، والعبيد، والضعفاء في مكة وغيرها في مصالحهم؛ فجاء الرسول >صلى الله عليه وآله<، وبث في هؤلاء الفقراء روحاً جديدة، وبدأ يؤكد لهم مفهوم كرامة الإنسان، وحريته.
ثم هو يناصرهم، ويعيش قضيتهم وآلامهم، ويفتح أعينهم على واقعهم، ويبث فيه تعاليم الإسلام، وفي مقدمتها وجوب تحررهم من سيطرة وغطرسة أولئك الطغاة المتجبرين.
2 ـ لقد أدرك أولئك المتجبرون، مما عرفوه من طبيعة الدعوة وأهدافها: أنهم سوف لن يتمكنوا في ظلها من الاحتفاظ بتلك الامتيازات الظالمة، التي جعلوها لأنفسهم؛ والتي كان يرفضها النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، ويؤكد على أن الناس كلهم سواسية أمام عدالة السماء، وفي ميزان الحكم والقضاء.
وسوف لن يتمكنوا أيضاً في ظل هذا الدين الجديد، الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق؛ من الاستمرار في ممارساتهم اللاأخلاقية، واللاإنسانية أيضاً، والتي كانوا يحرصون عليها كل الحرص، أكثر من حرصهم على آلهتهم التي كانوا يدعون إنهم يحافظون عليها، مع أننا رأينا بعض العرب يأكل إلهه الذي صنعه من الحيس حين جاع!!([338]).
3 ـ ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا}([339]) أي إنهم اعتذروا عن عدم إيمانهم: بأنهم إن آمنوا فإن العرب المشركين سوف لا يرضون بإيمانهم، ورفض أوثانهم، فرد عليهم القرآن، فقال: {أَوَلَمْ نُمَكِّن لهُم حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا}([340])، فلا موجب إذن لخوفهم هذا.
مع أن اختيارهم الشرك خوفاً من ذلك لا يمنع ذلك؛ فكم أهلك الله من قرية بطرت معيشتها، فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم.
بل ربما كان ذلك هو سبب هلاكهم في الدنيا، حيث ينشأ عنه المنازعات والاستكبار، وغير ذلك من انحرافات مدمرة للمجتمعات وللأمم، إن لم يكن ثمة ضوابط وروادع معينة تجعل كل تلك الإمكانات في مجراها الصحيح، وفي الجهة النافعة للفرد وللمجتمع، حاضراً ومستقبلاً. على أن الأمر لله تعالى فليس لأحد أن يتمرد عليه، ويخرج على أوامره، فإنه يعرض نفسه والحالة هذه إلى الهلاك الدنيوي والأخروي، ثم ضرب لهم مثالاً بقارون، الذي كان لديه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فلما استكبر وطغى، وتمرد على أوامر الله، خسف الله به وبداره الأرض.
وفي آيات السورة ـ سورة القصص ـ دقائق عجيبة ومعانٍ رائعة في هذا المجال، تحتاج إلى دراسة مستقلة ومعمقة، لا مجال لها هنا.
ونكتفي هنا بهذه الإشارة الإجمالية إليها، والله هو الموفق والمعين.
ماذا بعد فشل المفاوضات؟
وبعد فشل المفاوضات، فقد ظهر لأبي طالب: أن السيل قد بلغ الزبى، وأنه على وشك الدخول في صراع مكشوف مع المشركين، فلا بد من الحذر والاحتياط للأمر؛ فجمع بني هاشم، وبني المطلب، ودعاهم إلى منع الرسول، والقيام دونه، فأجابوه، وقاموا معه، باستثناء أبي لهب لعنه الله تعالى، ومنع الله عز وجل رسوله، فلم يكن لهم إلى أن يضروه في شعره وبشره سبيل، غير أنهم يرمونه بالجنون، والسحر، والكهانة، والشعر، والقرآن ينزل عليه >صلى الله عليه وآله< بتكذيبهم.
ورسول الله >صلى الله عليه وآله< قائم بالحق، ما يثنيه ذلك عن الدعاء إلى الله عز وجل سراً وجهراً.
وذلك لأن المشركين بعد أن أدركوا: أن الاعتداء على شخصه >صلى الله عليه وآله< سوف يتسبب في صراع مسلح لم يعدوا له عدته، وليسوا على يقين من أن تكون نتائجه لصالحهم، خصوصاً مع ما كان لبني هاشم من علاقات، ومن أحلاف مع القبائل، كحلف المطيبين، وحلف عبد المطلب مع خزاعة التي كانت تقطن خارج مكة.
بل قد توجب هذه الحرب ـ لو نشبت ـ التمكين لمحمد >صلى الله عليه وآله< من نشر دعوته([341]).
فمن أجل كل ذلك آثر المشركون أن يبتعدوا عن الحرب، ويتبعوا أساليب أخرى لتضعيف أمر محمد >صلى الله عليه وآله<، والوقوف في وجه دعوته؛ فنجدهم:
أ ـ ينهون الناس عن الالتقاء بالنبي >صلى الله عليه وآله<، وعن أن يسمعوا ما جاء به من قرآن، قال تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ..}([342]).
وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}([343]).
ب: يتبعون أسلوب السخرية والاستهزاء، وإلصاق التهم الباطلة، بهدف:
1 ـ التأثير على شخص النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< علّه ينهزم نفسياً، وجعله يعيش عقدة الحقارة والضعة، فلربما يتخلى عن هذا الأمر، ويكذب نفسه.
2 ـ الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله<، وابتذال شخصيته، بهدف تنفير أصحاب النفوس الضعيفة من متابعته، وصرفهم عن الدخول فيما جاء به.
ولهذا نجدهم: يغرون سفهاءهم بإيذائه وتكذيبه، وأحياناً كان يتولى ذلك منه سادتهم وكبراؤهم، بل لقد رأيناهم يأمرون غلاماً منهم بأن يلقي عليه سلا جزور وفرثه، وهو قائم يصلي، فيلقيه بين كتفيه، فيغضب أبو طالب، ويأتي فيمر السلا على سبالهم جميعاً، وقد ألقى الله الرعب في قلوبهم([344]).
وكانوا أيضاً يلقون عليه التراب([345])، ورحم الشاة([346])، وغير ذلك.
وقد أثر ذلك إلى حد ما في صرف الناس، وإبعادهم عن الدخول في الإسلام، حتى ليقول عروة بن الزبير وغيره:
>.. وكرهوا ما قال لهم، وأغروا به من أطاعهم؛ فانصفق عنه عامة الناس<([347]).
المعذبون في مكة:
كما أنهم قد تذامروا بينهم على من في القبائل منهم، من أصحاب رسول الله >صلى الله عليه وآله< الذين أسلموا معه، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم، ويفتنونهم عن دينهم، ويعذبونهم بالحبس، والضرب، والجوع، وبرمضاء مكة، وبغير ذلك من الأساليب الوحشية، واللاإنسانية.
مع المعذبين أيضاً:
وقد عذب المشركون عدداً من المسلمين؛ فعذب عمر بن الخطاب، الذي أسلم قبيل الهجرة جارية بني مؤمل ـ حي من بني عدي ـ وكانت مسلمة؛ فكان يضربها، حتى إذا مل، قال: إني أعتذر إليك، إني لم أتركك إلا ملالة([348]).
ولعل بني مؤمل كانوا قد سمحوا لعمر بن الخطاب أن يتولى تعذيب جاريتهم، وإلا فإن وضعه الاجتماعي لم يكن يسمح له بأمر من هذا القبيل.
وعذب المشركون أيضاً خباب بن الأرت، وأم شريك، ومصعب بن عمير، وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم، وبيان ما جرى عليهم.
وقد ضرب هؤلاء لنا المثل الأعلى في الصمود والجهاد من أجل المبدأ والعقيدة، مع معرفتهم بأنهم لا يملكون قوة تستطيع أن ترد عنهم، غير إرادة الله تعالى، وأنهم إنما يتحدون بإسلامهم العالم كله، الذي كان بكل ما فيه ضدهم.
وهنا تكمن عظمتهم، وهذا هو سر امتيازهم على غيرهم.
المعذبون الذين أعتقهم أبو بكر:
وممن عذب في سبيل الله بلال الحبشي، وعامر بن فهيرة، ويقولون: إن أبا بكر قد اشتراهما وأعتقهما، فكانت نجاتهما من العذاب بسببه. ولكنا نشك في أن يكون أبو بكر هو الذي اشتراهما، وذلك:
أولاً: لما ذكره الإسكافي، الذي قال: >أما بلال، وعامر بن فهيرة، فإنما أعتقهما رسول الله >صلى الله عليه وآله<، روى ذلك الـواقدي، وابن إسحاق<([349]).
وعدَّ ابن شهرآشوب بلالاً من موالي النبي >صلى الله عليه وآله<([350]).
ثانياً: إنهم يروون روايات متناقضة في هذا المجال، حتى لا تكاد تلتقي رواية مع أخرى، ويكفي أن نذكر اختلافها في الثمن الذي أعطاه أبو بكر.
فرواية تقول: إنه أعطى ثمنه غلاماً له أجلد منه.
وأخرى: إنه أعطى غلاماً وزوجته، وابنته، ومائتي دينار.
وثالثة: اشتراه بسبع أواق.
ورابعة: بتسع.
وخامسة: بخمس.
وسادسة: برطل من ذهب.
وسابعة: إنه اشتراه بعبده قسطاس، الذي كان صاحب عشرة آلاف دينار، وجوار، وغلمان، ومواش.
وثامنة: ببردة، وعشر أواق من فضة، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف والتناقض([351]).
ثالثاً: إنهم يقولون: إن قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى}([352]) نزل في أبي بكر بهذه المناسبة([353]).
ونقول:
أ ـ لقد رد الإسكافي على ذلك: بأن هناك من يقول: إن هذه الآية نزلت في مصعب بن عمير([354]).
ويروي الشيعة: أن الآية نزلت في علي >عليه السلام<. ويورد الحلبي عليهم: بأن علياً >عليه السلام< كان للنبي >صلى الله عليه وآله< عليه نعمة تجزى، وهي تربيته له، والآية تقول: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى}([355]) وبمثل ذلك أورد الرازي عليهم أيضاً([356]).
ولكن قد فات الرازي والحلبي: أن المقصود هو أن هذا المال الذي ينفقه لا يريد أن يجازي بإنفاقه له نعمة من أحد عليه، وإنما ينفقه لوجه الله، ولوجه الله فقط، لا أنه تعالى يريد وصف الأتقى بأنه ليس لأحد عليه نعمة.
ب ـ قد ورد: عن ابن عباس وغيره، وحتى عن النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، تفسيرها بمعنى عام لا يختص بأحد فراجع كتب التفسير للاطلاع على ذلك.
ج ـ وأخرج ابن أبي حاتم ما ملخصه: أن هذه السورة قد نزلت في رجل (هو سمرة بن جندب) الذي كان له نخلة فرعها في دار رجل، فكان إذا جاء ليأخذ عنها التمر، وصعد عليها ربما تقع تمرة، فيأخذها صبيان الفقير؛ فينزل من نخلته؛ فيأخذ التمرة من أيديهم، وإن وجدها في فم أحدهم أدخل إصبعه، حتى يخرج تمرة من فيه؛ فشكاه الفقير إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<، ثم لقي الرسول صاحب النخلة؛ فطلب منه أن يعطيه النخلة وله مثلها في الجنة، فقال:
لقد أعطيت، وإن لي نخلاً كثيراً، وما فيه نخل أعجب إلي ثمرة منها.
فسمع رجل ما دار بين النبي وبينه؛ فجاء إلى الرسول >صلى الله عليه وآله< فقال: أعطني ما أعطيت الرجل إن أنا أخذتها؟
قال: نعم.
فذهب الرجل، ولقي صاحب النخلة، وفاوضه واشتراها منه بأربعين نخلة، ثم ذهب إلى النبي، فوهبها له.
فذهب رسول الله >صلى الله عليه وآله< إلى صاحب الدار، فقال: النخلة لك ولعيالك، فأنزل الله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} إلى آخر السورة([357]).
ولأجل هذا نجد السيوطي يقول عن: >سورة الليل: الأشهر أنها مكية؛ وقيل: مدنية لما ورد في سبب نزولها من قصة النخلة، كما أخرجناه في أسباب النزول<([358]).
وهذه القضية هي المناسبة للآيات؛ لأنها تذكر أن بعضهم أعطى واتقى، وبعضهم بخل واستغنى.
إلا أن يكونوا ـ والعياذ بالله ـ يقصدون بمن بخل النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، مع أن فرض عدم مال له ينافي صدق البخل عليه.
ويشير إلى عدم المال عنده قولهم: إنه >صلى الله عليه وآله< هو الذي قال: لو كان عنده مال لاشترى بلالاً، أو يقصدون بمن بخل، العباس، الذي تقول الروايات: إنه ذهب فاشترى بلالاً، فأرسله إلى أبي بكر، فأعتقه.
د ـ لسوف يأتي إن شاء الله في حديث الغار، قول عائشة: إنه لم ينزل في آل أبي بكر شيء من القرآن، إلا أن الله أنزل عذرها، يعني الآيات المرتبطة بالإفك، وحتى عذرها هذا؛ فإنه لم ينزل فيها، كما حققناه، فراجع([359]).
رابعاً: لم نفهم معنى قوله >صلى الله عليه وآله< إنه لو كان عنده مال لاشترى بلالاً، وكيف نوفق بين هذا وبين قولهم: إنه >صلى الله عليه وآله< طلب من أبي بكر الشركة في بلال فأخبره أنه أعتقه؟!([360]).
ثم أوليست أموال خديجة تحت تصرفه >صلى الله عليه وآله<؟! ألم يكن هو الذي ينفق على المسلمين في مكة، كما قالت أسماء بنت عميس لعمر حينما عيرها بأنها لا هجرة لها، حيث قالت له:
إنه ومن معه من المسلمين كانوا مع رسول الله يطعم جائعهم، ويعلِّم جاهلهم؟!!([361]).
وستأتي هذه القضية في موضعها إن شاء الله، واحتمال أن تكون قصة بلال في أواخر سني ما قبل الهجرة، لا يقبل به المؤرخون؛ فإن النووي يذكر: أنه أسلم أول النبوة، وهو من أول من أظهر إسلامه([362]).
إلا أن يقال: إن إسلامه، وإن كان متقدماً، لكن شراءه وعتقه يمكن أن يتأخرا لعدة سنوات.
هذا كله عدا عما تذكره بعض الروايات من أن العباس هو الذي ذهب فاشتراه، ثم أرسله إلى أبي بكر فأعتقه!([363]).
وروايات أخرى تقول: بل اشتراه نفس أبي بكر مباشرة، وأعتقه.
وفي بعض الروايات: أنه لما توفي رسول الله >صلى الله عليه وآله< قال بلال لأبي بكر: إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله فذرني([364]).
وهذا يشير إلى أنه لم يكن قد أعتقه حتى وفاته >صلى الله عليه وآله وبالنسبة لشراء العباس له؛ فإن العباس إن كان قد اشتراه لنفسه، فلماذا لم يعتقه هو نفسه؟
وإن كان إنما اشتراه لأبي بكر فلا ندري: متى كان العباس وكيلاً لأبي بكر؟
ومتى كان العباس يهتم بأمور كهذه، وهو الذي لم يسلم إلا عام الفتح، أو في بدر، كما يقولون؟.
وحاول بعضهم أن يدعي: أن العباس فاوض أمية بن خلف، ثم جاء أبو بكر فاشتراه! ([365]) وهذا أعجب!! وما عشت أراك الدهر عجباً!!.
وأيضاً، فإن حالة أبي بكر الإقتصادية لم تكن تسمح له بأن يدفع تلك المئات من الدنانير، فضلاً عن أن يكون أحد مواليه يملك عشرة آلاف دينار، وجواري، ومواشي، وغير ذلك، لو فرض أن العرب كانوا يملّكون عبيدهم الأموال، حيث إن أبا بكر لم يكن تاجراً، وإنما كان معلماً، فمن أين تأتيه تلك الآلاف أو حتى المئات من الدراهم والدنانير لشراء سبعة أو تسعة وإعتاقهم؟!
ولسوف يأتي إن شاء الله البحث عن ثروة أبي بكر حين الكلام حول قضية الغار، بل لقد شك البعض في أن يكون كثير ممن ذكروا في مواليه شخصية حقيقية أو خيالية، ولا سيما مثل >زنيرة<، التي قال السهيلي عنها: >ولا تعرف زنيرة في النساء<([366]).
ويقول العلامة السيد الحسني: >إن قريشاً كانت تعذب من آمن؛ من أجل أن لا ينتشر الإسلام، وكانت تود أن تبذل لمحمد كل غال ونفيس، ليتراجع عما جاء به، ودعا إليه؛ فكيف تتنازل قريش عن ملكيتهم لأبي بكر، وتترك تعذيبهم بهذه السهولة<؟!([367]).
إلا أن يقال: إن حبها للمال، ثم اليأس من محمد >صلى الله عليه وآله< هو الذي يدفعها إلى ذلك كما يقوله البعض.
هل عذب المشركون أبا بكر؟!
هذا ويذكرون: أن أبا بكر قد تعرض للعذاب في سبيل الإسلام حيث إن عمر بن عثمان أخذه وقرنه مع طلحة بن عبيد الله التيمي في حبل حين أسلما، وعذبهما نوفل بن خويلد، وفتنهما عن دينهما، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة بـ >القرينين<.
ويرى البعض أن الذي قرنهما وعذبهما هو نوفل فقط، وليس لعمر بن عثمان ذكر في شيء([368]).
ونحن نسجل هنا ما يلي:
1 ـ إنهم يقولون: إن أبا بكر قد منعه الله بقومه([369])، وهذا يتناقض تماماً مع قولهم: إنه قد عذب، كما أنه يناقض قوله الآتي لابن الدغنة: إن قومه قد أخرجوه.
2 ـ إنه يظهر من مراجعة كتب السيرة: أن كل قبيلة كانت تتولى تعذيب من يدخل في الإسلام منها، ولم يكن منهم من يجرؤ على تعذيب من كان من قبيلة أخرى، كما سنرى.
3 ـ لقد قال الإسكافي: >إنا لا نعلم: أن العذاب كان واقعاً إلا بعبد أو عسيف، (وهو الأجير)، ولمن لا عشيرة له تمنعه<([370]).
مع أنهم يقولون: إن أبا بكر كان رئيساً متبعاً، وكبيراً مطاعاً([371]) ينتظره عظماء قريش ولا يقطعون أمراً دونه، حتى يأتيهم ليبتوا في أمر محمد >صلى الله عليه وآله<، (كما تقدم في حديث إسلام أبي بكر).
وعلى حسب تعبيراتهم: كان ذا مكانة علية، وصدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً([372]) فكيف يعذب أبو بكر من قبل جماعة ليسوا من قبيلته؟
وكيف يترك قومه رئيسهم، وصاحب مجدهم الباذخ يتعرض للمهانة من قبل هؤلاء؟.
وعلى حد تعبير ابن هشام وغيره: كان >مآلفاً لقومه، محبباً، سهلاً.
إلى أن قال: وكان رجال قومه يأتونه، ويألفونه لغير واحد من الأمر<([373]).
وعلى حد التعبير المزعوم لابن الدغنة: >لا يخرج مثله، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق<؟([374]).
ويلاحظ: أن هذه الكلمات هي ـ تقريباً ـ نفس الكلمات التي تنسب إلى خديجة في وصف النبي >صلى الله عليه وآله< حين بعثته، قالها ابن الدغنة حين هجرة أبي بكر إلى الحبشة ـ وسيأتي عدم صحتها ـ فاقرأ، واسمع، واعجب ما بدا لك!!
ملاحظة: هل كان أبو بكر رئيساً؟!:
إننا إنما ذكرنا هذا الذي سبق آنفاً، لبيان تناقض كلماتهم، إذ لو صح هذا لم يمكن أن يصح ذاك، وإلا فنحن نشك في أن يكون أبو بكر رئيساً، معظماً، وكبيراً مطاعاً، ويدل على ذلك:
1 ـ إن أبا بكر حج، ومعه أبو سفيان، فرفع صوته عليه، فقال أبو قحافة: إخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب.
فقال أبو بكر: يا أبا قحافة، إن الله بنى في الإسلام بيوتاً كانت غير مبنية، وهدم بيوتاً كانت في الجاهلية مبنية، وبيت أبي سفيان مما هدم([375]).
2 ـ وحين بويع أبو بكر نادى أبو سفيان: >غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيت في قريش<.
وفي نص الحاكم: >ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة، وأذلها ذلة، يعني أبا بكر<([376]).
وعلى حد تعبير البلاذري: إن أبا سفيان جاء إلى علي >عليه السلام< فقال: يا علي، بايعتم رجلاً من أذل قبيلة من قريش؟ ([377]).
3 ـ ويقول عوف بن عطية:
وأمــا الألأمــان بــنــو عـــدي وتـيـــم حين تــزدحــم الأمــور
فـــلا تشهـد بهـم فتيـان حــرب ولــكــن أدن مــن حـلـب وعير
إذا رهـنـوا رمـــاحهــم بـزبـــد فـإن رمـــاح تيـــم لا تـضـيـر([378])
ملاحظة أخيرة:
وأخيراً، فإن ما يذكرونه: من أن أبا بكر هو أول من أظهر إسلامه، فمنعه قومه، أو أنه ضُرب حتى كاد يموت([379]).
يكذبه الكثير مما قدمناه، ونزيد هنا: أن النبي كان أول من أعلن الدعوة، وليس أبا بكر.
هذا عدا عن أنهم يذكرون تارة: أن ابن مسعود هو أول من أعلن، وأخرى عمر بن الخطاب، وهنا يذكرون: أبا بكر.
كما أن الرواية تنص على أن إظهار أبي بكر للإسلام قد كان حينما كان المسلمون ثمانية وثلاثين رجلاً والنبي >صلى الله عليه وآله< في دار الأرقم.
وقد تقدم: أن أبا بكر لم يكن قد أسلم بعد، لأنه إنما أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً.
إلا أن يكون المقصود هو بلوغ المسلمين الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة ثمانية وثلاثين رجلاً، لكن ذلك لا يتلاءم مع تصريح الرواية بأن ذلك قد كان يوم إسلام حمزة، حينما كان النبي >صلى الله عليه وآله< في دار الأرقم.
أول شهيد في الإسلام من آل ياسر:
وعلى كل حال؛ فلقد عذب آل ياسر أشد العذاب، واستشهدت سمية أم عمار على يد فرعون قريش أبي جهل لعنه الله، فكانت أول شهيدة في الإسلام([380]) ثم استشهد ياسر >رحمه الله< تعالى.
ولكنهم ذكروا: أن أول قتيل في الإسلام هو الحارث بن أبي هالة، حيث إنه لما أُمر رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يصدع بما يؤمر، قام >صلى الله عليه وآله< في المسجد، فقال: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا؛ فوثبت إليه قريش؛ فأتى الصريخ أهله؛ فكان أول من أتاه الحارث هذا؛ فضرب في القوم فصرفهم عنه وعطفوا عليه حتى قتلوه([381]).
وهذا لا يصح؛ لما تقدم من أن الله قد منع النبي >صلى الله عليه وآله< بأبي طالب وقومه، ولم يجرؤوا على أن ينالوه بسوء في شعره وبشره.
وكذلك الحال بالنسبة إلى من أسلم من بني هاشم، حيث لم يعذب جعفر، ولا علي ولا غيرهما، وذلك لمكان أبي طالب >رحمه الله<، كما قلنا، وأيضاً فإن كلمة المؤرخين تكاد تكون متفقة على أن أول شهيد في الإسلام كان سمية وزوجها.
أضف إلى ذلك: أن كل ما يقال في كيفية إعلانه بالدعوة يتنافى ويتناقض مع ما ذكروه هنا (راجع ما تقدم تحت عنوان: فاصدع بما تؤمر).
والذي يمكن أن نفهمه: هو أنه ربما يكون الهدف من وضع هذه القضية هو أن يثبتوا أن خديجة قد تزوجت قبل النبي >صلى الله عليه وآله< برجل أو أكثر، وولد لها منهما.
وقد تقدم ما يوجب الشك في ذلك، حين الكلام على زواجها بالرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
عمار بن ياسر:
وعذب عمار أيضاً عذاباً شديداً من قبل بني مخزوم، حتى أكره على التفوُّه بما يعجب المشركين، فتركوه؛ فأتى النبي >صلى الله عليه وآله< باكياً، وقال له: لم أُترك يا رسول الله، وقد أكرهوني حتى نلت منك، وذكرت آلهتهم بخير، فقال له النبي >صلى الله عليه وآله<: كيف تجد قلبك يا عمار؟
قال: إنه مطمئن بالإيمان يا رسول الله قال: >لا عليك، فإن عادوا إليك فعد لما يريدون؛ فقد أنزل الله فيك: {إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}<([382]).
التقية في الكتاب والسنة:
ونقول:
1 ـ إن ما جرى لعمار ونزول الآية فيه دليل على مشروعية التقية، إذا خاف الإنسان على نفسه وماله.
وقد صرحوا بجواز التقية وإظهار الموالاة حتى للكفار، إذا خيف على النفس التلف، أو تلف بعض الأعضاء، أو خيف من ضرر كبير يلحق الإنسان في نفسه([383]).
بل لقد قال محمد بن عقيل: >التقية مما أجمع المسلمون على جوازه، وإن اختلفت تسميتهم لها، فسماها بعضهم بالكذب لأجل الضرورة أو المصلحة، وقد عمل بها الصالحون، فهي من دين المتقين الأبرار، وعكس القول فيها كذب ظاهر<([384]).
2 ـ ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى: {..وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً}([385]).
3 ـ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ..}([386]) إلى قوله: {.. وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً}([387]).
قال البخاري: >فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله، والمكره لا يكون إلا مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما أمر به<([388]).
ملاحظة:
الآية موجودة كما في سورة النساء الآية 97 ولكن الفقرة الأخيرة غير موجودة فيها ولا في الآيات بعدها لكن البخاري قد ذكرها كذلك. فذكرناها حسبما هي فيه رعايةً لأمانة النقل عنه.
4 ـ وقال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ الله..}([389]).
والقول بأن هذه الآية قد نسخت لا مثبت له، بل لقد روي عن الإمام الباقر >عليه السلام< ما يدل على خلاف ذلك، فقد روى الكليني عن عبد الله بن سليمان، قال: >سمعت أبا جعفر >عليه السلام< يقول ـ وعنده رجل من أهل البصرة، يقال له: عثمان الأعمى، وهو يقول: إن الحسن البصري يزعم: أن الذين يكتمون العلم يؤذي ريح بطونهم أهل النار.
فقال أبو جعفر >عليه السلام<: فهلك إذاً مؤمن من آل فرعون، ما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً >عليه السلام<؛ فليذهب الحسن يميناً وشمالاً؛ فوالله ما يوجد العلم إلا ههنا<([390]).
فاستدلال الإمام >عليه السلام< بالآية يدل على أن عدم كونها منسوخة كان متسالماً عليه لدى العلماء آنئذٍ.
وأما من السنة، فنذكر:
1 ـ عن أبي ذر، عنه >صلى الله عليه وآله<: ستكون عليكم أئمة يميتون الصلاة، فإن أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة([391]) وثمة حديث آخر بهذا المعنى فليراجع([392]).
2 ـ ما جاء: أن مسيلمة الكذاب أتي برجلين، فقال لأحدهما: تعلم أني رسول الله؟ قال بل محمد رسول الله، فقتله.
وقال للآخر ذلك، فقال: أنت ومحمد رسول الله؛ فخلى سبيله، فبلغ ذلك رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فقال: أما الأول فمضى على عزمه ويقينه، وأما الآخر، فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه([393]).
3 ـ ما رواه السهمي عنه >صلى الله عليه وآله<: لا دين لمن لا ثقة له([394]).
وهو تصحيف على الظاهر، والصحيح: >لا تقية< كما يدل عليه ما رواه شيعة أهل البيت عنهم >عليهم السلام<([395]).
4 ـ قصة عمار بن ياسر المعروفة، وقول النبي >صلى الله عليه وآله< له: إن عادوا فعد، وهي مروية في مختلف كتب الحديث والتفسير.
وفي هذه المناسبة نزل قوله تعالى: {مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}<([396]).
5 ـ إستعمال النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه للتقية، حيث بقي ثلاث أو خمس سنوات يدعو إلى الله سراً، وهذا مجمع عليه، ولا يرتاب فيه أحد، وإن كنا قد ذكرنا: أن الحقيقة ليست هي ذلك.
6 ـ إن الإسلام يخيّر الكفار في ظروف معينة بين الإسلام والجزية، والسيف.
وواضح: أن ذلك إغراء بالتقية، لأن دخولهم في الإسلام في ظروف كهذه لن يكون إلا لحقن دمائهم، وليس عن قناعة راسخة، وهذا نظير قبول المنافقين في المجتمع الإسلامي، وتآلفهم على الإسلام، على أمل أن يتفاعلوا مع هذا الدين، ويستقر الإيمان في قلوبهم.
7 ـ وحين فتح خيبر قال حجاج بن علاط للنبي >صلى الله عليه وآله<: إن لي بمكة مالاً وإن لي أهلاً وإني أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك وقلت شيئاً؟! فأذن له رسول الله أن يقول ما شاء([397]).
وأما التقية في التاريخ:
فنذكر على سبيل المثال:
1 ـ إن رجلاً سأل ابن عمر فقال: >أدفع الزكاة إلى الأمراء؟
فقال ابن عمر: ضعها في الفقراء والمساكين.
قال: فقال لي الحسن: ألم أقل لك: إن ابن عمر إذا أمن الرجل قال: ضعها في الفقراء والمساكين<؟([398]).
2 ـ وقد ادَّعوا: أن أنس بن مالك قد روى حديث القنوت قبل الركوع تقية من بعض أمراء عصره([399]).
3 ـ وحين شاور العباس بن الحسن كتّابه وخواصه فيمن يولون الخلافة بعد موت المكتفي، أشار عليه ابن الفرات بأن ينفرد بكل واحد منهم فيعرف رأيه وما عنده >فأما أن يقول كل واحد رأيه بحضرة الباقين فربما كان عنده ما يسلك سبيل التقية في كتمانه وطيّه، قال: صدقت، ثم فعل ما أشار به عليه<([400]).
4 ـ تقية النبي >صلى الله عليه وآله< والحمزة في بيعة العقبة، وستأتي نصوصها في فصل مستقل.
5 ـ عن أيوب قال: ما سألت الحسن عن شيء قط ما سألته عنها (أي عن الزكاة).
قال: فيقول لي مرة: أدها إليهم.
ويقول لي مرة: لا تؤدها إليهم([401]) أي للأمراء.
إلا أن يقال: إن هذا التردد من الحسن، إنما هو لأجل عدم وضوح الحكم الشرعي له، جوازاً أو منعاً.
6 ـ وفي خطبة لمحمد بن الحنفية: لا تفارق الأمة، اتق هؤلاء القوم (يعني الأمويين) بتقيتهم، ولا تقاتل معهم.
قال: قلت: وما تقيتهم؟
قال: تحضرهم وجهك عند دعوتهم؛ فيدفع الله بذلك عنك، وعن دمك ودينك وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به([402]).
7 ـ استفتي مالك بالخروج مع محمد بن عبد الله بن الحسن، وقيل له: في أعناقنا بيعة لأبي جعفر المنصور.
فقال: إنما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين([403]).
8 ـ ونقل القرطبي، عن الشافعي، والكوفيين: القول بالتقية عند الخوف من القتل، وقال: >أجمع أهل العلم على ذلك<([404]).
9 ـ عن حذيفة قال: كنا مع رسول الله >صلى الله عليه وآله< فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام.
قال: فقلنا: يا رسول الله، أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟
قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا.
قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً([405]).
وحذيفة قد مات بعد البيعة لعلي >عليه السلام< بأربعين يوماً، فهذا النص يدل على أن الناس المؤمنين كانوا قبل ذلك يعيشون في ضغط شديد، وأن الذين يسيطرون على الشارع هم الناس الذين كانوا يحقدون على الدين والمتدينين، ويهزؤون ويحاربون كل شيء يمت إلى الدين بصلة.
10 ـ لقد اتقى عامة أهل الحديث، وكبار العلماء وأجابوا إلى القول بخلق القرآن، وهم يعتقدون بقدمه، ولم يمتنع منهم إلا أحمد بن حنبل، ومحمد بن نوح([406])، وحتى أحمد؛ فإنه قد تاقى في ذلك، فكان إذا وصل إلى المخنق قال: ليس أنا بمتكلم.
كما أنه حين قال له الوالي: ما تقول في القرآن؟ أجاب: هو كلام الله، قال: أمخلوق هو؟
قال: هو كلام الله لا أزيد عليها([407]).
بل قال اليعقوبي: إنه لما سئل أحمد عن ذلك قال: >أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا.
وبعد المناظرة وضربه عدة سياط، عاد إليه إسحاق بن إبراهيم فناظره، قال له: فيبقى عليك شيء لم تعلمه؟
قال: بقي علي.
قال: فهذا مما لم تعلمه؛ وقد علّمكه أمير المؤمنين؟
قال: فإني أقول بقول أمير المؤمنين.
قال: في خلق القرآن؟
قال: في خلق القرآن.
قال: فأشهد عليه، وخلع عليه، وأطلقه إلى منزله([408]).
مع أنه هو نفسه يقول: إن من قال: القرآن كلام الله، ووقف؛ فهو من الواقفة الملعونة([409]).
وقد عمل ابن الزبير بالتقية في مواجهة الخوارج([410]).
واتقى أيضاً الشعبي ومطرف بن عبد الله من الحجاج.
واتقى عرباض بن سارية ومؤمن الطاق من الخوارج وصعصعة بن صوحان من معاوية([411]).
وممن استعمل التقية في قضية خلق القرآن إسماعيل بن حماد، وابن المديني، وكان ابن المديني يلزم مجلس القاضي أبي دؤاد المعتزلي، ويقتدي به في الصلاة، ويجانب أحمد بن حنبل وأصحابه([412]).
11 ـ ويقولون: إن إبراهيم >عليه السلام< عندما سأله ذلك الحاكم الجبار عن امرأته قال: >هذه أختي< وذلك في الله([413]) فراجع.
12 ـ وعن عبيد الله بن معاذ العنبري، عن أبيه قال: >كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة، قاضي واسط، فكتب إلي: لا تكتب عنه، ومزق كتابي<([414]).
13 ـ وقد عمل صعصعة بالتقية في خطبته في قصة خروج المستورد أيام معاوية([415]).
14 ـ وفي غارة بسر بن أبي أرطاة على المدينة، وشكوى جابر بن عبد الله الأنصاري لأم سلمة زوج النبي: أنه خشي أن يقتل، وهذه بيعة ضلال، قالت: إذن، فبايع؛ فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم([416]).
15 ـ وقد خطب الإمام الحسين >عليه السلام< مؤبناً أخاه الحسن السبط >عليه السلام< حينما توفي، فكان مما تمدحه به: أنه قد آثر الله عند مداحض الباطل، في مكان التقية بحسن الروية([417]).
16 ـ والإمام الحسين >عليه السلام< لم يستجب لأهل الكوفة حينما طلبوا منه القيام ضد معاوية بعد سم الإمام الحسن >عليه السلام<، وله موقف آخر >عليه السلام< يؤيد فيه موقف أخيه القاضي بعدم الثورة على معاوية ما دام حياً. فراجع([418]).
17 ـ قال الحسن (البصري): التقية إلى يوم القيامة([419]).
18 ـ وقال البخاري: >وقال ابن عباس: في من يكرهه اللصوص، فيطلق، ليس بشيء، وبه قال ابن عمر، وابن الزبير، والشعبي، والحسن<([420]).
19 ـ وقال البخاري أيضاً: >يمين الرجل لصاحبه: أنه أخوه، إذا خاف عليه القتل أو نحوه، وكذلك كل مكروه يخاف، فإنه يذب عنه الظالم، ويقاتل دونه ولا يخذله، وإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص.
وإن قيل له: لتشربن الخمر، أو لتأكلن الميتة، أو لتبيعن عبدك، أو تقر بدَيْن، أو تهب هبة أو تحل عقدة، أو لتقتلن أباك، أو أخاك في الإسلام وسعه ذلك..
إلى أن قال: قال النخعي: إذا كان المستحلف ظالماً فنيّة الحالف، وإن كان مظلوماً؛ فنية المستحلف<([421]).
ولا بأس بمراجعة الشروح على صحيح البخاري على كتاب الإكراه، ففيها توضيحات ومطالب مفيدة في هذا المجال([422]).
20 ـ حتى المغيرة بن شعبة فإنه يدعي أنه في عيبه علياً يعمل بالتقية فهو يقول لصعصعة: >هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بداً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سراً الخ..([423]).
21 ـ وفي حرب الجمل حمل محمد بن الحنفية على رجل من أهل البصرة، قال: فلما غشيته قال: أنا على دين أبي طالب فلما عرفت الذي أراد كففت عنه([424]).
23 ـ ويقول ابن سلام: إن رسول الله >صلى الله عليه وآله< أمره أن يصلي الصلاة لوقتها ثم يصلي مع الأمراء الذين يؤخرون الصلاة نافلة([425]).
24 ـ وقد صرح الخدري بأنه يعمل بالتقية في ما يرتبط بموقفه من علي >عليه السلام< ليحقن دمه من بني أمية واستدل بآية ادفع بالتي هي أحسن السيئة([426]).
وقد ذكرت في الصراط المستقيم للبياضي ج 3 ص 72 و73 موارد عديدة أخرى فراجع.
التقية ضرورة فطرية عقلية دينية إصلاحية:
إن تشريع التقية لهو خير دليل على شمولية الإسلام ومرونته، واتساعه لكل الظروف والأحوال، إذ لو كانت الرسالة جافة وقاسية، ولا تلاحظ الظروف الطارئة، والأحوال العارضة، فلا بد أن تصطدم مع الواقع، وتنهار أمامه، دون أن تتمكن من تجاوزه في حركتها الإصلاحية والتكاملية.
فهو بتشريعه للتقية، إنما يحافظ على الرسالة من خلال حفاظه على رائدها، وحافظها، وحاملها في ذلك الظرف العصيب.
وخير شاهد على ذلك هو تلك الفترة التي مر بها النبي >صلى الله عليه وآله< والمسلمون في أول البعثة حيث كانوا يتحاشون فيها الصدام مع المشركين.
وإن المحافظة على حامل الرسالة من خلال مرونة الرسالة، تكون ضرورية جداً حينما لا يكون للتضحية به فائدة، ولا عائدة.
إن لم يكن في ذلك ضرر على الرسالة نفسها حينما تفقد جندياً أميناً من جنودها، ربما تكون في وقت كانت بأمس الحاجة إليه.
فكثيراً ما يكون الحفاظ على الإسلام من خلال الحفاظ على جنوده الأبرار الأوفياء، والذين يكونون دائماً على استعداد للتضحية في سبيله كلما اقتضى الأمر ذلك.
فالتقية إنما شرعت للحفاظ على هؤلاء.
أما الآخرون، الذين لا يفكرون إلا في أنفسهم، فلا ينفعهم تشريع التقية، ولا عدمه.
ومما يدلنا على أن تشريع التقية إنما هو للحفاظ على الرسالة من خلال الحفاظ على جنودها، وليس ذلك نفاقاً، ولا انهزاماً، لأن هؤلاء المخلصين الذين يراد الحفاظ عليهم هم دائماً على استعداد للبذل والعطاء:
أن الإمام الحسين >عليه السلام< الساكت في زمان معاوية هو نفسه الحسين الثائر على يزيد، تحت شعار:
إن كــان ديـن محـمـد لــم يستقم إلا بـقـتـلي يــا سـيـوف خـذيني
فسكوته هناك كان حفاظاً على الدين والحق؛ تماماً كما كانت ثورته هنا حفاظاً على الحق والدين، وقد تكلمنا على هذه النقطة في حلف الفضول.
ولأجل ذلك نجد: أنه إذا توقف الحفاظ على الحق على الفداء والتضحية؛ فإن الإسلام يأمر به، ولا يتسامح مع من يمتنع عنه.
وأيضاً، فلو كان في الإسلام جفاف وقسوة؛ فربما يبعث ذلك الكثيرين على التخلي عنه، أو بالأحرى على عدم الإقدام عليه.
ولسوف يأتي في إسلام وحشي وغيره: أن البعض كان يسلم؛ لأنه يعرف أن محمداً لا يقتل أصحابه.
فمرونة الإسلام هذه هي التي أعطته قوة الدفع هذه، ومكنته من أن يشق طريقه رغم كل التحديات الكبيرة، والمصاعب الخطيرة، التي واجهته عبر التاريخ.
وواضح: أن مرونة الإسلام هذه لا يجوز أن تفسر على أنها نوع من التساهل في الأحكام؛ ليهون على البعض اعتناق الإسلام، بل هي من قبيل الحفاظ على الإسلام والمسلمين، حيث لا ضرر على المبدأ والرسالة، وحيث يكون في عدم التقية هدر للطاقات والإمكانات، حيث لا جدوى من هدرها.
وليكن ذلك هو الفرق بين التقية وبين النفاق الذي يحلو للبعض أن يَنْبزَ به ـ ظلماً وعدواناً ـ من يعتقد بمشروعية التقية.
وقد رأينا: أنه >صلى الله عليه وآله<، حينما جاءته بعض القبائل وهي قبيلة ثقيف، وطلبوا منه أن يعطيهم فرصة لعبادة أصنامهم، وأن لا يفرض عليهم الصلاة لأنها صعبة عليهم، وأن لا يكسروا صنمهم بيدهم، نرى أنه >صلى الله عليه وآله< قبل بهذا الأخير، ورفض الأولين([427]).
كما أنهم قد طلبوا منه أن يسمح لهم بالزنى، وشرب الخمر، والربا، وترك الصلاة([428]).
نعم فرفض ذلك، ولم يأخذ بنظر الاعتبار أن هذه قبيلة تريد أن تسلم، فيتقوى بها الإسلام، ويضعف بذلك جانب أعدائه ومناوئيه، وهي في خلال هذه السنة تكون قد تعرفت على الإسلام وتدربت عليه.
نعم، لقد رفض السماح لها بعبادة صنمها، الذي عبدته عشرات الأعوام، ولو لمدة سنة واحدة أيضاً.
بل هو يرفضه ولو كان لساعة واحدة، لأنه لا يريد أن يستفيد من أية وسيلة من أجل الوصول إلى أهدافه، لأنه يعتبر الوسيلة جزءً من الهدف، ومنه تستمد قدسيتها، كما سبق.
ولكنه في مقابل ذلك: لو أساء إليه أحد الناس مثلاً؛ فإنه على استعداد لأن يعفو عنه، ولكن شرط: أن يعرف المعفو عنه أنه قد أذنب، وأن هذا عفو عنه، أما إذا فهم من ذلك مشروعية الأمر الذي ارتكبه، فإن ذلك العفو يكون مرفوضاً جملة وتفصيلاً.
الفصل الرابع:
هجرة الحبشة
لا بد من حل:
لقد استمرت قريش في تعذيب من يدخل في دين الإسلام ممن لم يكن لهم عشيرة تمنعهم.
وكان الاستمرار في هذا الوضع غير ممكن، فقد كان وأصبح لا بد لهؤلاء المعذبين من العثور على موضع أمل لهم، يساعدهم على تحمل المشاق، ومواجهة الصعاب، ويجعلهم أقدر على مقاومة الضغوط التي يتعرضون لها من قبل من رفضوا أن يعترفوا بألوهية وحاكمية فوق ألوهيتهم وحاكميتهم، وآثروا الاستكبار والعناد على الرضوخ والانقياد.
ومن جهة ثانية: فإن استمرار هذا الوضع الذي يواجهه المسلمون، المليء بالآلام والمشاق، لسوف يقلل من إقبال الناس على الدخول في الإسلام، ما دام أن هذا الدخول لا حصاد له سوى الرعب، والتعذيب والمصائب.
ومن جهة ثالثة: فقد كان لا بد من تسديد ضربة لكبرياء قريش وجبروتها ـ ولو نفسياً ـ لتدرك: أن قضية الدين تتجاوز حدود تصوراتها وقدراتها ـ وأن عليها: أن تفكر بموضوعية وعقلانية أكثر، فكان أن اختار رسول الله >صلى الله عليه وآله< للمسلمين الهجرة إلى الحبشة.
وكانت هجرتهم إليها في السنة الخامسة من البعثة.
سر اختيار الحبشة:
وأما عن سر اختيار رسول الله >صلى الله عليه وآله< الحبشة مهاجراً للمسلمين، فقد أشار إليه >صلى الله عليه وآله< بقوله:
>إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق< و >إنه يحسن الجوار<.
وقد كان من الواضح أنه:
1 ـ كان لا بدّ لقريش من أن تبذل محاولاتها لاسترجاع المسلمين، لتبقى هي المهيمنة، وصاحبة الاختيار الأول والأخير في مصير هذا الدين، الذي تراه يتهدد كبرياءها وشركها، وانحرافها.
2 ـ لقد كان لقريش نفوذ في بلاد الروم والشام، لما كان لها من علاقات تجارية واقتصادية معها، فالهجرة إلى هذه البلاد إذن سوف تسهل على قريش استرجاع المهاجرين، أو على الأقل إلحاق الأذى بهم، ولا سيما إذا كان ملوك تلك البلاد لا يلتزمون بأي من الأصول الأخلاقية والإنسانية، ولم يكن لديهم مانع من ممارسة أي نوع من أنواع الظلم والجور، وعلى الأخص بالنسبة لمن ينتسب إلى دعوة يرون أنها تضر بمصالحهم الشخصية، وتهدد كيانهم وجبروتهم.
وأما بلاد اليمن، وبعض المناطق العربية والقبلية الأخرى فقد كانت تحت نفوذ النظام الفارسي، المتجبر والظالم.
ويذكر هنا: أن بعض القبائل عندما عرض عليها النبي >صلى الله عليه وآله< دعـوتـه وطلب منها حمايتها له، قبلت بذلك، ولكن مما دون كسرى([429])، وأما من كسرى، فلا.
وواضح: أن الالتجاء إلى كسرى لا يقل خطراً عن الالتجاء إلى بلاد الروم، خصوصاً إذا رأى: أن هذا العربي ـ وهو بطبعه كان يحتقر العرب، ولا يرى لهم حرمة، ولا شأناً يذكر ـ لسوف يخرج في منطقة قريبة من بلاده، وقد تسري دعوته إلى بلاده نفسها، ويؤثر ذلك على الامتيازات الظالمة التي يجعلها لنفسه، كما يظهر من دراسة طبيعة دعوة ذلك النبي، وأهدافها.
3 ـ قد كان لقريش نفوذ قوي في مختلف القبائل العربية، حتى ما كان منها تحت نفوذ الفرس والروم.
كما ربما يتضح مما ذكرناه في أوائل هذا الكتاب، فلا نعيد.
4 ـ ما ذكره النبي >صلى الله عليه وآله< من أن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد، فإن كل ذلك يجعلنا نضع أيدينا على السر الحقيقي لاختيار بلاد الحبشة، البعيدة عن النفوذ الفارسي والرومي والقريشي، والتي لا يمكن لقريش أن تصل إليها على ظهر جواد أو راحلة، وإنما بالسفن عبر البحار، ولم تكن قريش تعرف حرب السفن، فاختار الرسول >صلى الله عليه وآله< هذه البلاد بالذات لتكون أرضاً لهجرة المسلمين، الذين لا يزالون ضعافاً أمام قوة قريش وجبروتها.
ثم إننا نستفيد من قوله >صلى الله عليه وآله< عن أرض الحبشة: إنها أرض صدق: أنه قد كان فيها شعب يعيش على الفطرة، ويتعامل بالصدق والصفاء، وربما كان الناس في تلك المنطقة أقرب من غيرهم إلى الالتزام بما تبقى لديهم من تعاليم السيد المسيح >عليه السلام< كما ربما يستفاد مما جرى لجعفر مع ملك الحبشة في أمر عيسى، فيمكن لهؤلاء الثلة من المسلمين المهاجرين أن يعيشوا مع هؤلاء الناس، وأن يتعاملوا معهم، لا سيما وأنها بلاد لم يكن فيها من الانحرافات والأفكار والشبهات ما كان في بلاد الروم والفرس، التي كانت قد لوثتها المفاهيم والنظريات اللاإنسانية، والأديان المنحرفة إلى حد بعيد، ولم تتعرض بلاد الحبشة لمثل ذلك، فلم تنشأ فيها أديان، ولا كان فيها علماء وفلاسفة بالمستوى الذي كان في دولتي الروم والفرس فكانت أقرب إلى الفطرة والحق من غيرها.
ولكن هيمنة الفطرة على بلاد الحبشة ليس معناه خلو تلك البلاد عن أي انحراف، فإن وجود الانحراف فيها أمر طبيعي، بل إن ذلك على حد قولهم: أهل البلد الفلاني مؤمنون، أو شجعان، أو كرماء، فإن ذلك لا يمنع وجود البخيل والكافر أو الفاسق والجبان فيها.
ومن الواضح: أن المسلمين لو هاجروا إلى بلاد لا تهيمن عليها الفطرة، وكان لها ملك لا يأبى عن الظلم فلسوف تصعب عليهم الحياة والاستمرار فيها، ولم يكن لهجرتهم من بلادهم كبير فائدة، ولا جليل أثر.
الهجرة إلى الحبشة:
وهاجر المسلمون بأمر من رسول الله >صلى الله عليه وآله< إلى الحبشة، ذهبوا إليها إرسالاً على حسب رواية أم سلمة، ([430]) ويقال: إنه سافر أولاً عشرة رجال وأربع نساء عليهم عثمان بن مظعون([431])، ثم خرج آخرون حتى تكاملوا في الحبشة اثنين أو ثلاثاً وثمانين رجلاً، إن قلنا إن عمار بن ياسر كان معهم، وتسع عشرة امرأة عدا الأطفال.
وقد كانت هذه الهجرة في السنة الخامسة من البعثة كما نص عليه عامة المؤرخين.
ولكن عند الحاكم: أن هجرة الحبشة قد كانت بعد وفاة أبي طالب([432])، وهو إنما توفي في السنة العاشرة من البعثة.
إلا إذا كان الحاكم يتحدث عن هجرة جديدة قام بها بعض المسلمين في هذا الوقت، لعلها عودة الراجعين إلى مكة بعد سماعهم بالهدنة، ففوجئوا بالعكس فعادوا أدراجهم، ولكننا لا نملك شواهد تؤيد أن ذلك كان في تلك السنة بالذات.
وكيف كان فإننا نقول:
إننا نرجح: أنه لم يكن سوى هجرة واحدة للجميع، عليها جعفر بن أبي طالب >عليه السلام<، الذي لم يكن غيره من بني هاشم فلم يكن ثمة هجرتان، عشرة أولاً، ثم الباقون ثانياً، وإن كان خروجهم إنما كان إرسالاً حفاظاً على عنصر السرية، وذلك بدليل الرسالة التي وجهها الرسول >صلى الله عليه وآله< إلى ملك الحبشة مع عمرو بن أمية الضمري، والتي جاء فيها:
>قد بعثت إليكم ابن عمي جعفر بن أبي طالب، معه نفر من المسلمين، فإذا جاؤوك فأقرهم الخ..<([433]).
وهذا هو الظاهر من رواية أخرى عن أبي موسى، قال: >أمرنا رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن ننطلق مع جعفر بن أبي طالب إلى أرض النجاشي الخ.. <([434]). وإن كانت هجرة أبي موسى هذه محل شك كما سنرى.
أمير الهجرة جعفر:
ونعتقد: إن هجرة جعفر إلى الحبشة، لم تكن بسبب تعرضه للتعذيب من قبل قريش، فقد كانت قريش تخشى مكانة أبي طالب، وتراعي جانبه، وجانب بني هاشم بصورة عامة، وإنما أرسله النبي >صلى الله عليه وآله< مع المهاجرين ليكون أميراً عليهم، ومدبراً لأمورهم، ومشرفاً على شؤونهم ومصالحهم، وحافظاً لهم من أن يذوبوا في هذا المجتمع الجديد، كما كان الحال بالنسبة إلى ابن جحش الذي تنصر في الحبشة.
من هو أول مهاجر إلى الحبشة؟:
ويقولون: إن عثمان بن عفان كان أول من هاجر إلى الحبشة بأهله، وأن النبي >صلى الله عليه وآله< قد قال عنه بهذه المناسبة: إنه أول من هاجر بأهله بعد لوط >عليه السلام<([435]).
وقيل: إنه كان أول خارج أيضاً([436]).
ونحن نشك في ذلك، لأنه إن أريد أنه أول من هاجر بأهله، فإن أبا سلمة ـ كما يقولون ـ هو أول من هاجر بأهله([437]).
وإن أريد أنه أول خارج بنفسه، فإننا نجد أنهم يقولون: إن أول خارج كان حاطب بن أبي عمر([438])، أو سليط بن عمرو([439]).
كما أنهم يقولون: مثل ذلك عن أبي سلمة فراجع، وستأتي الإشارة إلى هذا إن شاء الله تعالى.
هجرة أبي موسى إلى الحبشة لا تصح:
روى الإمام أحمد بسند حسن، وغيره: أن أبا موسى الأشعري كان في جملة من هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى([440]).
ولكن الظاهر هو: أن هذا وهم أو إدراج عمدي من الراوي، فإن أبا موسى لم يسلم إلا في المدينة في السنة السابعة من الهجرة.
وقيل: إنه خرج في جماعة إلى النبي >صلى الله عليه وآله< فألقتهم سفينتهم إلى الحبشة، فجاؤوا مع مهاجري الحبشة إلى المدينة، في سنة سبع من الهجرة([441]).
ويظهر: أن ذلك قد حدث بعد الهجرة إلى المدينة، إذ لم يكونوا ليقدموا على قصده >صلى الله عليه وآله< إلى مكة، ولا ليقيموا هذه السنوات الطويلة في الحبشة.
والظاهر: أنه التقى بمهاجرة الحبشة في الطريق، فقد قال العسقلاني: >صادفت سفينته سفينة جعفر بن أبي طالب، فقدموا جميعاً<([442]).
رقة عمر للمهاجرين:
ويقولون: إن عمر رأى المهاجرين، وهم يتهيأون للخروج إلى الحبشة، فرقّ لهم، وأحزنه ذلك([443]).
وذلك لا يصح، لأن خروجهم كان سراً، متسللين، منهم الراكب، ومنهم الماشي، حتى انتهوا إلى البحر فوجدوا سفينة فأقلتهم فخرجت قريش في آثارهم حتى جاؤوا البحر، فلم يجدوا أحداً منهم([444]).
هذا كله، عدا عن شدة عمر وغلظته، التي تدعى له قبل وبعد الهجرة إلى الحبشة على من أسلم، وتعذيبه لمن قدر عليه منهم، فإن ذلك لا يتناسب مع ما يقال عنه هنا.
هجرة أبي بكر لا تصح:
ويقولون: إنه حين اشتد البلاء على بقية من بمكة من المسلمين، وضاقت مكة على أبي بكر، وأصابه فيها الأذى، خرج حين حصر المسلمون في الشعب مهاجراً إلى الحبشة، فلما وصل إلى برك الغماد ـ موضع على خمس ليال من مكة إلى جهة اليمن ـ لقيه ابن الدغنة، سيد قبيلة >القارة<، وكانوا حلفاء لبني زهرة من قريش، فقال له:
أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي؛ فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال ابن الدغنة: مثلك يا أبا بكر لا يخرج؛ إنك تكسب المعدوم إلى أن قال: فارجع فأنا لك جار فرجع، ورجع معه ابن الدغنة، فطاف عشية في أشراف قريش، وأعلمهم بأنه أجاره، فأجازوا جواره بشرط: أن يعبد ربه في داره، ولا يستعلن.
ولكن أبا بكر ابتنى بعد مدة مسجداً في بني جمح، بجوار داره يصلي فيه، ويقرأ القرآن، وجعل نساء المشركين وأبناؤهم يجتمعون لسماع قراءته، حتى يسقط بعضهم على بعض.
وكان له صوت رقيق، ووجه عتيق أي جميل.
فراجع المشركون ابن الدغنة في ذلك، فأتاه فطالبه، فرد عليه أبو بكر جواره([445]).
ونحن نشك في ذلك، إذ مع غض النظر عن:
1 ـ أن إخراج قوم أبي بكر له لا يعني أنه قد هاجر مختاراً مع أن ظاهر الكلام هو ذلك.
2 ـ ومع غض النظر عن أن هذا الحديث مروي عن عائشة فقط ـ وهو عجيب!! ـ فهم يدَّعون: أنها كانت حينئذٍ صغيرة السن جداً لا يمكن أن تعي كل تلك الأمور والخصوصيات، وإن كنا نعتقد: أن عمرها كان أكثر مما يقولونه بكثير، كما سنشير إليه.
3 ـ أضف إلى ذلك: أنها لم توضح لنا عمن روت ذلك.
ودعوى البعض: أن إرسال الصحابي لا يضر، لأنه يروي عن صحابي مثله؛ وهم عدول كلهم، لا تصح، فأما بالنسبة لعدالتهم جميعاً، فقد أثبتنا عدم صحة ذلك فراجع مقالنا: الصحابة في الكتاب والسنة، في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام، الجزء الثاني.
وأما دعوى: أن إرسال الصحابي إنما هو عن صحابي مثله، فهي أيضاً غير صحيحة، لجواز أن يكون الصحابي قد روى عن غير صحابي، كما كان أبو هريرة يروي عن كعب الأحبار([446]).
نعم، إننا مع غض النظر عن ذلك كله، نسجل هنا الأمور التالية:
أولاً: إن الرواية تنص على أن ابن الدغنة كان حليفاً لبني زهرة من قريش، فكيف أجار على قريش مع أن الحليف لا يجير؟! كما اعتذر به الأخنس بن شريق، حينما طلب منه النبي أن يجيره ليدخل مكة، حسبما يدَّعون([447]).
ثانياً: لماذا بعد أن رد جوار ابن الدغنة لم تؤذه قريش ولم تخرجه، وإذا كانت قبيلته قد منعته الآن؛ فلماذا لم تمنعه أولاً؟!
وإذا كانت قد أقنعتهم تقريظات ابن الدغنة لأبي بكر، فلماذا لم تقنعهم أولاً، حتى احتاج أبو بكر إلى جواره؟!.
ثالثاً: لقد رد الإسكافي على الجاحظ المدعي لهذه القضية بقوله: >كيف كانت بنو جمح تؤذي عثمان بن مظعون وتضربه، وهو عندهم ذو سطوة وقدر، وتترك أبا بكر يبني مسجداً يفعل فيه ما ذكرتم؟
وأنتم الذين رويتم عن ابن مسعود: أنه قال: ما صلينا ظاهرين حتى أسلم عمر بن الخطاب، والذي تذكرونه من بناء المسجد كان قبل إسلام عمر، وأما ما ذكرتم من رقة صوته، وعتاق وجهه، فكيف يكون ذلك، وقد روى الواقدي، وغيره: أن عائشة رأت رجلاً من العرب، خفيف العارضين، معروق الخدين، غائر العينين أجنأ (يعني مائل الظهر)، لا يمسك إزاره، فقالت: ما رأيت أشبه بأبي بكر من هذا، فلا أراها دلت على شيء من الجمال في صفته([448]).
ويدل على صحة ما ذكره الإسكافي حول جمال أبي بكر: أن المقدسي، بعد أن ذكر: أنه لقب بعتيق لحسن وجهه وعتقه، يقول: >كان أبيض البشرة، مشرباً حمرة، نحيف الجسم، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، أحنى لا يستمسك إزاره، ويسترخي عن حقويه، وكان الخ..< وكذا قال غيره([449]).
هذا كله عدا عن قولهم: إنه لقب بـ >عتيق< لأن الرسول قال له: >هذا عتيق من النار< فيومئذٍ سمي عتيقاً، وكان اسمه قبل ذلك: عبد الله بن عثمان([450]) وذلك ينافي قولهم: إنه عتيق لجمال وجهه.
رابعاً: لقد نصت الرواية على أن أبا بكر قد ابتنى مسجداً في بني جمح، ولكننا نجدهم يقولون: إن مسجد قباء كان أول مسجد بني في الإسلام([451]).
ويقولون أيضاً: إن عماراً كان أول من بنى مسجداً في الإسلام([452]).
وحاول البعض الإجابة عن هذا بأن المقصود: هو أن مسجد قباء كان أول مسجد بني في المدينة، وأن عماراً كان أول من بنى مسجداً لعموم المسلمين([453]).
وقد فاته: أن إطلاق قوله: في الإسلام يدفع الأول، وإطلاق كون عمار أول من بنى مسجداً يدفع الثاني، كما أن ثمة تصريحاً بأنه أول من بنى في بيته مسجداً يتعبد فيه([454]).
وخامساً: نحن بحاجة إلى إجابات على الأسئلة التالية: لماذا يترك أبو بكر يبني مسجداً في بني جمح؟.
وكيف لم يعترض الجمحيون على هذا التحدي؟.
ولماذا لم يدرك التيميون صفات أبي بكر النبيلة تلك، ويدعونه يخرج، ثم يدركها ابن الدغنة؟!
ولماذا لم تلاحظ قريش تلك الصفات النبيلة التي أقرت بها، وتركته يخرج؟! بل ولماذا عذبته أشد العذاب مع علمها بما ذكره ابن الدغنة عنه؟!!.
فضيلة عثمان بن مظعون تجعل لغيره:
والذي نظنه قوياً هو أنهم أرادوا: أن يجعلوا له فضيلة سبق إليها عثمان بن مظعون؛ فإنه كما يذكره المؤرخون: لما رجع من الحبشة مع من رجع، بعد شهرين من الهجرة، وفوجئ بأن الأمر بين المشركين والنبي >صلى الله عليه وآله< لا يزال على حاله، دخل مكة بجوار الوليد بن المغيرة.
ولكنه لما رأى ما فيه المسلمون من البلاء، وهو يغدو ويروح في أمان، صعب عليه ذلك، فمشى إلى الوليد فرد عليه جواره؛ فقال: يا بن أخي، لعله آذاك أحد من قومي؟
قال: لا، ولكني أرضى بجوار الله عز وجل، ولا أريد أن أستجير بغيره.
قال: فانطلق إلى المسجد، فاردد علي جواري علانية، كما أجرتك علانية، فانصرف معه، ورد عليه جواره علانية في المسجد([455]).
محاولة قريش اليائسة:
وبعد أن صحا مشركو مكة من عنف الصدمة، >ورأت قريش استقرارهم في الحبشة وأمنهم<، على حد تعبير البعض([456]) ائتمرت فيما بينها، وقررت إرسال رجلين من قبلها إلى الحبشة لاسترداد المهاجرين، ووقع اختيارهم على عمرو بن العاص، ويقال: وعلى عمارة بن الوليد أيضاً، فأرسلوهما إلى النجاشي بهدايا له ولبطارقته، >وجرى بين عمارة وعمرو بن العاص في الطريق شيء مثير، يرتبط بالعلاقة بين عمارة وزوجة عمرو فاحتملها له عمرو ليكيده في الوقت المناسب..<([457]) وادعيا أمام النجاشي: أنه >قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دينهم، ولم يدخلوا في دينك.
وجاؤوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم لتردهم إليهم الخ..<.
فرفض تسليمهم إليهم حتى يسألهم عن صحة ما جاء به عمرو وعمارة، فجاء المسلمون؛ فسألهم فقال جعفر: >أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل منا القوي الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه؛ فدعانا إلى الله لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان.
وأمرنا بصدق الحديث وأداء الامانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات، وأمرنا: أن نعبد الله وحده، لا نشرك به شيئاً، وأمرنا بالصلاة، والزكاة، والصيام الخ..<([458]).
وقرأ عليه جعفر بعض سورة الكهف: فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته، وكذلك أساقفته.
ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما، ولا يكادون.
ثم غدا عمرو في اليوم التالي ليخبر النجاشي بأن المسلمين يقولون: إن عيسى بن مريم عبد؛ فأرسل إليهم؛ فسألهم؛ فقال له جعفر: نقول فيه الذي جاء به نبينا >صلى الله عليه وآله<:
هو عبد الله ورسوله، وروحه وكلمته التي ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فتناول النجاشي عوداً، وقال: والله، ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود.
فتناخرت بطارقته، فقال: وإن نخرتم، إذهبوا فأنتم شيوم: أي آمنون، مَنْ سَبَّكم غَرِم ـ قالها ثلاثاً ـ ما أحب أن لي دبراً ـ أي جبلاً ـ من ذهب وأني آذيت رجلاً منكم، ثم رد هدايا قريش([459]).
وقد روي عن الإمام الحسين >عليه السلام<: أن ابن العاص قد ذهب إلى الحبشة مرتين ليكيد المسلمين، فرد الله تعالى كيده إلى نحره، وباء بغضب من الله تعالى([460]).
ملاحظة:
قد شكك البعض في صحة هذه الرواية، وذلك لذكر الصيام فيها، وهو إنما شرع في المدينة([461]).
ولكنه كلام باطل؛ فإن الصيام، والزكاة، وغير ذلك كله قد شرع في مكة، ولسوف يأتي إن شاء الله بيان ذلك في هذا الكتاب حين الحديث على ما بعد الهجرة.
ويرى بعض الأعلام: أن منشأ هذه التحقيقات الرشيقة!! لأحمد أمين، ومن هم على شاكلته، هو التشكيك في موقف يظهر بطولة جعفر، وجراءته وحكمته، وعقله، ودرايته.
وقد ابتلي جعفر أيضاً بمثل هذا الإجحاف في حقه في مورد آخر، وهو كونه الأمير الأول في غزوة مُؤته، فإن لهم اهتماماً خاصاً في إبعاد جعفر عن هذا المقام والتأكيد على أن الأمير الأول هو زيد بن حارثة >رحمه الله< كل ذلك من أجل أخوته لعلي >عليه السلام< وقرابته منه([462]).
قريش وخططها المستقبلية:
حقاً لقد كانت هجرة المسلمين إلى الحبشة ضربة قاسية لقريش، أفقدتها صوابها، وزعزعت وجودها وكيانها؛ فحاولت أن تتدارك الأمر، فلحقت بهم بهدف إرجاعهم وإبقائهم تحت سلطتها، ولكن بعد فوات الأوان.
وكان أن اضطرت قريش للمرة الأولى لمراجعة حساباتها من جديد، بعد أن أدركت: أن زمام المبادرة لم يعد بيدها؛ وذلك لأنها:
1 ـ أدركت أن الاستمرار في تعذيب المسلمين، الذين أصبحوا متفرقين في مختلف القبائل، لم يعد له كبير جدوى ولا جليل أثر، إن لم يكن سبباً في إثارة حرب داخلية، تكون عواقبها السيئة على سمعتها وكرامتها كبيرة وخطيرة، حينما لا توافق كل قبيلة على التصفية الجسدية للمنتمين إليها، للمنطق القبلي الذي ما زالوا يتعاملون على أساسه، حتى في مواقفهم من هذا الدين الجديد، ومناهضتهم لمحمد >صلى الله عليه وآله<، ودعوته، رغم إجماعهم على العداء له ولها.
ويكفي أن نشير هنا إلى أنهم قد قرروا: أن تتولى كل قبيلة تعذيب الذين ينتسبون إليها!!.
2 ـ لقد رأت قريش: أن محمداً >صلى الله عليه وآله< يريد أن تكون دعوته إنسانية عالمية، لا تختص بعرب مكة والحجاز وأدركت أن هجرة هؤلاء إلى الحبشة لم تكن متمحضة في الهروب من التعذيب، لأن الكثيرين من أولئك المهاجرين لم يكن ممن يعذب.
هذا عدا عن أنهم يمثلون مختلف القبائل المكية أيضاً، ويمثلون رصيداً يملكه الإسلام والمسلمون، ويدّخرونه للوقت المناسب، وأصبح واضحاً لكل أحد: أن القضاء على مسلمي مكة لا يعني القضاء على الإسلام.
3 ـ وترى كذلك: أن معنى هجرة المسلمين هذه، وخروجهم من تحت سلطتها، هو أنها سوف تكون أمام مواجهة شاملة، وأن مصالحها في معرض التهديد والبوار، وقد رأت أن أبا ذر بإقامته بعسفان على طريق القوافل، وكلما أقبلت عير لقريش احتجزها حتى يقولوا: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وظل على ذلك إلى ما بعد حرب أحد، قد ضايقها تلك المضايقة الشديدة مع العلم بأن القضاء على حركته ربما يكون أسهل وأيسر، لأنه في منطقتها، ويمكن تطويقه، والحد من نشاطه بسرعة؛ لأنه بين أمة كلها تدين لقريش بالولاء، وتقول بمقالتها، كما أنهم ينظرون إليه على أنه غريب ومعتد.
إذن فإن وجود المسلمين، وهم من قريش في الصميم في منطقة بعيدة عن نفوذ القرشيين وسلطانهم، وفي ملجأ أمين، ومنطلق مطمئن، ليشكل أعظم الأخطار على قريش ومصالحها، الأمر الذي يحتم عليها التريث والصبر، وإحكام التدبير، لا سيما وأنها لا تجد إلى تصفية النبي >صلى الله عليه وآله< جسدياً حيلة، ولا إلى إسكاته سبيلاً، ما دام في حماية شيخ الأبطح، أبي طالب >عليه السلام< والهاشميين، باستثناء أبي لهب لعنه الله، فأرسلت إلى النجاشي ممثلين عنها لاسترداد المهاجرين، فرجعا إليها بالفشل الذريع والخيبة القاتلة، فأفقدها ذلك صوابها وأصبحت تتصرف بدون وعي، ولا تدبر، فعدّت من جديد على من تبقى من المسلمين بالعذاب والتنكيل.
وجعلت تتعرض للنبي >صلى الله عليه وآله< بالسخرية، والاستهزاء، والاتهام بالجنون والسحر، والكهانة، وبأنواع مختلفة من الحرب النفسية والأذى.
الثورة على النجاشي:
وكان وجود المسلمين في الحبشة، قد تسبب للنجاشي ببعض المتاعب؛ حيث اتهمه أهل بلاده بأنه خرج من دينهم فثاروا عليه.
ولكنه استطاع أن يخمد الثورة بحسن إدراكه ووعيه، واستمر المسلمون عنده في خير منزل، وخير جار، حتى رجعوا إلى المدينة، بعد هجرة النبي >صلى الله عليه وآله< إليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فيروي محمد بن إسحاق، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: اجتمعت الحبشة، فقالوا للنجاشي: إنك فارقت ديننا، وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سفناً، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم؛ فإن هُزمت؛ فاذهبوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا، ثم خرج إليهم فجادلهم في الأمر، فانصرفوا عنه([463]) وكان ذلك قبل إيفاد قريش عمرواً وعمارة، بدليل قول النجاشي لهما >فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ ملكي، ولا أطاع الناس فيَّ، فأطيع الناس فيه، ردوا عليهم هداياهم؛ فلا حاجة لي بها، واخرجا من بلادي، فخرجا مقبوحين<([464]).
وقد كانت هذه الفترة التي أعقبت هجرة المسلمين إلى الحبشة قد تميزت بهدوء نسبي، ولعله استمر إلى عودة عمرو بن العاص من الحبشة إلى مكة بالخيبة والخسران.
عودة بعض المهاجرين:
وتسربت أنباء الهدنة القصيرة والعفوية غير المعلنة التي حصلت في مكة إلى مسامع المسلمين في الحبشة.
ورأى المسلمون ما جرى للنجاشي بسببهم، فارتأى فريق منهم العودة إلى مكة، بعد شهرين، أو ثلاثة أشهر، وعاد منهم أكثر من ثلاثين رجلاً، ودخل عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة، وكان ما كان من رده جواره، ورضاه بجوار الله تعالى، حسبما تقدم.
نعم، هذا هو السر في رجوع بعض المهاجرين من الحبشة، وليس ما ذكره أعداء الإسلام من قصة الغرانيق التي لا شك في كذبها كما سنرى.
قصة الغرانيق:
وملخص هذه القضية المكذوبة: أنه بعد أن هاجر المسلمون إلى الحبشة بحوالى شهرين؛ جلس رسول الله >صلى الله عليه وآله< مع المشركين، فأنزل الله تعالى عليه سورة النجم؛ فقرأها، حتى إذا بلغ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}([465])، وسوس إليه الشيطان بكلمتين، فتكلم بهما، ظاناً أنهما من جملة الوحي وهما: >تلك الغرانيق([466]) العلى، وأن شفاعتهن لترتجى<، ثم مضى في السورة، حتى إذا بلغ السجدة، سجد وسجد معه المسلمون والمشركون.
لكن الوليد بن المغيرة لم يتمكن من السجود، لشيخوخته، أو لتكبره ـ على الخلاف ـ فرفع تراباً إلى جبهته فسجد عليه، وقيل: إن الذي فعل ذلك هو سعيد بن العاص، وقيل كلاهما، وقيل: أمية بن خلف، وصحح، وقيل: أبو لهب، وقيل: المطلب.
وأضاف البخاري سجود الإنس والجن، إلى مجموع المسلمين، والمشركين وطار الخبر في مكة، وفرح المشركون، بل ويقال: إنهم حملوا الرسول، وطاروا به في مكة من أسفلها إلى أعلاها.
ولما أمسى جاءه جبرائيل فعرض عليه السورة، وذكر الكلمتين فيها؛ فأنكرهما جبرئيل؛ فقال >صلى الله عليه وآله<: قلت على الله ما لم يقل؟ فأوحى الله إليه: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً، وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً}([467]).
وقد استدلوا على صحة هذه الرواية بالآية التي يدعون: أنها نزلت بهذه المناسبة وهي قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ..}([468]).
وعدد من أسانيد هذه الروايات صحيح عند بعض الفرق([469]).
ويقولون: إنه لما سمع المسلمون في الحبشة بالسلام والوئام بين النبي >صلى الله عليه وآله< وقريش عادت طائفة منهم إلى مكة، فوجدوا الأمر على خلاف ذلك.
ونحن نعتقد جازمين بكذب هذه الروايات، وافتعالها، ويشاركنا في هذا الاعتقاد جمع من العلماء، فقد قال محمد بن إسحاق حين ما سئل عنها: >هذا من وضع الزنادقة<، وصنف في تفنيدها كتاباً([470]).
وقال القاضي عبد الجبار عن هذا الخبر: >لا أصل له، ومثل ذلك لا يكون إلا من دسائس الملحدة<([471]).
وقال أبو حيان: إنه نزه كتابه عن ذكر هذه القصة فيه([472]).
وأنكرها البيضاوي، طاعناً في أسانيدها، وكذا البيهقي، والنووي والرازي، والنسفي، وابن العربي، والسيد المرتضى، وفي تفسير الخازن: أهل العلم وهنوا هذه القصة([473]).
وقال عياض: >إن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة، ولا رواه ثقة بسند سليم متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، والمتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم<.
وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي، حيث قال: >لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير، وتعلق بذلك الملحدون، مع ضعف نقلته واضطراب رواياته، وانقطاع أسناده واختلاف كلماته<([474]).
ونحن نؤيد ما قاله لعدة أسباب:
أولاً: إن جميع روايات هذه القصة سوى طريق سعيد بن جبير، إما ضعيف، أو منقطع([475]) وحديث سعيد مرسل، والمرسل عند جمهور المحدثين من قسم الضعيف، لاحتمال أن يكون قد رواه عن غير الثقة([476]).
وأيضاً فإن الاحتجاج بالمرسل لو سلم؛ فإنما يكون في الفرعيات وما نحن فيه يرتبط بالعقائد، التي تحتاج إلى القطع، هذا والملاحظ لأسانيدها يراها تنتهي: إما إلى تابعي أو إلى صحابي لم يولد إلا بعد هذه القضية.
بل إن هذه الرواية يجب ردها والقطع بكذبها، ولو كان سندها متصلاً، لأنها مصادمة لحكم العقل كما سنرى وبهذا رد على القسطلاني، والعسقلاني، وآخرين حيث قد حكموا بصحتها، وبأن لها أصلاً لكثرة طرقها([477]).
ثانياً: تناقض رواياتها، وقد تقدم التناقض فيمن لم يسجد، ونزيد هنا: أن النبي >صلى الله عليه وآله< قرأها وهو يصلي، أو وهو جالس في نادي قومه.
حدَّث نفسه بها.. أو جرت على لسانه، الشيطان أخبرهم: أنه >صلى الله عليه وآله< قالها، أو قرأها المشركون، تنبه >صلى الله عليه وآله< حين قراءتها، أو لم يتنبه إلى المساء.
بل ذكر الكلاعي: أن الأمر لم ينكشف بهذه السرعة، بل فشا الأمر حتى بلغ الحبشة: أن المسلمين قد أمنوا في مكة، فقدم مسلموها، ونزل نسخ ما ألقاه الشيطان، فلما بين الله قضاءه اشتد المشركون على المسلمين([478])، إلى غير ذلك من وجوه الاختلاف.
ويقولون: لا حافظة لكذوب.
ثالثاً: إن هذه الرواية ليس فقط تنافي ما هو مقطوع به من عصمته >صلى الله عليه وآله< عن الخطأ والسهو، وعلى الأخص في أمر التبليغ، وهو ما قام عليه إجماع الأمة، والأدلة القطعية، وإنما هي تثبت الارتداد له >صلى الله عليه وآله< نعوذ بالله من الغواية، عن طريق الحق والهداية.
رابعاً: إن هذه الرواية تنافي قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ..}([479]) وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}([480]) إلا أن يفرض هؤلاء ـ والعياذ بالله ـ أنه >صلى الله عليه وآله< لم يكن من عباد الله، ولا من الذين آمنوا، ولا من المتوكلين، وليس هذا القول إلا الكفر بعد الإيمان، كما هو ظاهر للعيان.
خامساً: ينص الكلاعي على أن المشركين والمسلمين قد سجدوا جميعاً لما بلغ النبي >صلى الله عليه وآله< آخر السورة، وأن المسلمين قد عجبوا لسجود المشركين؛ لأن المسلمين لم يكونوا قد سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين مع أنه يصرح قبل ذلك بأسطر: أن الشيطان قد ألقى تلك الكلمات على لسان النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه!!([481]).
فيرد سؤال: إنه كيف سمع المشركون ما ألقاه الشيطان على لسانه >صلى الله عليه وآله<، ولم يسمعه المسلمون، وهم معهم، ولا بد أنهم كانوا أقرب إليه >صلى الله عليه وآله< منهم؟!.
سادساً: إن جميع الآيات المذكورة لا يمكن أن تكون ناظرة إلى مناسبة هذه الروايات إطلاقاً؛ فأما:
1 ـ آيات سورة النجم؛ فإنه تعالى قد قال عن أصنام المشركين: مناة، واللات، والعزى: {إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى}([482]).
فكيف رضي المشركون بأن يذم آلهتهم بهذا النحو الحاد، ثم فرحوا بقوله المزعوم ذاك وسجدوا معه؟!
وكيف لم يدركوا أو كيف فسروا هذا التناقض الظاهر في كلامه، حتى حملوه ـ كما زعم ـ وطاروا به في مكة من أسفلها إلى أعلاها وهم يقولون: نبي بني عبد مناف؟!.
والنبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، لماذا لم يلتفت إلى هذا التناقض الظاهر، وبقي غافلاً عنه إلى الليل، حتى جاء جبرئيل فنبهه إليه؟!
فهل كان >صلى الله عليه وآله< في غيبوبة طيلة تلك الفترة؟!
أم أنه كان سقيم الذهن ـ والعياذ بالله ـ إلى هذا الحد؟!
كما أن علينا أن نتساءل عن سبب مجيء جبرئيل إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله< في المساء؟ ولماذا عرض عليه النبي >صلى الله عليه وآله< السورة؟
ثم، أليست هذه الرواية تناقض تماماً قوله تعالى في سورة النجم نفسها، وبالذات في أول السورة بعد القسم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى}؟!([483]) فها هو في نفس السورة ينطق عن الهوى، بل هو يردد ما يلقيه إليه الشيطان على أنه آيات قرآنية إلهية.
مع أن الله تعالى يقول: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}([484]) فها هو يتقول عليه ولا يفعل به شيئاً([485]).
وإذا كانت هذه الآية قد نزلت بعد سورة النجم، فإن ذلك لا يضر ما دامت الآية تعطي قاعدة كلية، ولا تشير إلى قضية خارجية خاصة.
2 ـ وأما آية التمني، فهي في سورة الحج، التي هي مدنية بالاتفاق، ولا سيما وأنه قد ورد فيها الأمر بالأذان في الناس بالحج والأمر بالقتال، والأمر بالجهاد، وذكر فيها الصد عن المسجد الحرام، وكل ذلك إنما كان بعد الهجرة، وبعضه بعدها بعدة سنوات.
هذا بالإضافة إلى أن الضحاك، وابن عباس، وقتادة، وابن الزبير وغيرهم، قد ذكروا أنها مدنية.
وإذا كانت مدنية، فهذا يعني: أن هذه الآية قد نزلت بعد قصة الغرانيق بسنوات عديدة، لأن قصة الغرانيق قد حصلت!! في السنة الخامسة من البعثة، فكيف أخر الله تسلية وتهدئة خاطر الرسول هذه السنين الطويلة؟!. على أن معنى الآية لا ينسجم مع مفاد الرواية، فإن التمني هو تشهي حصول أمر محبوب ومرغوب فيه، فالرسول إنما يتشهى ويتمنى ما يتناسب مع وظيفته كرسول، وأعظم أمنية لإنسان كهذا هي ظهور الحق والهدى، وطمس الباطل وكلمة الهوى فيلقي الشيطان بغوايته للناس ما يشوش هذه الأمنية، ويكون فتنة للذين في قلوبهم مرض، كما ألقى فيما بين أمة موسى من الغواية ما ألقى، فينسخ الله بنور الهدى غواية الشيطان، ويظهر الحق للعقول السليمة.
وأما لو أردنا تطبيق الآية على ما يقولون، فإن المراد بالتمني يكون هو القراءة والتلاوة وهو معنى شاذ غريب، يخالف الوضع اللغوي وظاهر اللفظ، ولا نشك في أنه تفسير موضوع ومفتعل ليوافق الرواية المزعومة.
أما الشعر المنقول عن حسان بن ثابت، كشاهد على ذلك([486]).
فنعتقد: أنه مصنوع ومنسوب إليه للغرض نفسه، وما أكثر ما نجده من ذلك في كتب التاريخ، وحتى لو قبلنا أن المراد بالتمني هو التلاوة، فإن من الممكن أن يكون معناه ما قاله المرتضى >رحمه الله<، وهو: أنه إذا تلا النبي على قومه الآيات حرفوها، وزادوا ونقصوا فيها، كما فعلت اليهود بالكذب على نبيهم فإضافة ذلك إلى الشيطان إنما هو لأنه هو الموسوس لهم بذلك ثم يدحض الله ذلك ويزيله بظهور حجته([487]).
3 ـ وأما بالنسبة لآيات سورة الإسراء التي يقولون: إنها نزلت في هذه المناسبة، وهي قوله تعالى: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ..}([488]) فإنها تناقض وتنافي هذه القضية فكيف تكون قد نزلت من أجلها؟!
وذلك لأن هذه الآيات تقول: إنه >صلى الله عليه وآله< لم يركن إليهم، بل لم يقرب إلى الركون إليهم، وأن الله قد ثبته، وأنه لو ركن لعوقب، وقضية الغرانيق تقول: إنه قد زاد على الركون، فاستجاب، وافترى، وأدخل في القرآن ما ليس منه.
ومعنى الآية: أن المشركين قد أصروا على أن يتركهم وشأنهم، وتفاوضوا معه، ومع أبي طالب كثيراً، فلربما يكون النبي >صلى الله عليه وآله< قد فكر في أن يمهلهم قليلاً، لعلهم يفكرون ويرجعون؛ فجاءت الآية لتقول له: إن الصلاح في عدم الإمهال، بل في الشدة، هذا كله.
عدا عن أنهم يقولون: إن آيات سورة الإسراء قد نزلت في ثقيف، حينما اشترطوا لإسلامهم شروطاً تزيد في شرفهم، وقيل: نزلت في قريش حينما منعته من استلام الحجر، وقيل: نزلت في يهود المدينة، عندما طلبوا منه أن يلحق بالشام([489])، وقد اقتصر القاضي البيضاوي على هذه الوجوه..
سابعاً: وأخيراً كيف سجد المشركون عند نهاية السورة لقوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لله وَاعْبُدُوا} مع أنهم يرفضون السجود لله؟
قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً}([490]).
ثم كيف لا يرتد أحد من المسلمين، أو يتزلزل إيمانه حينما يعلم أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قد مدح الأصنام، وجعل لها شفاعة؟!([491]).
تساؤلات حائرة:
وأخيراً.. فلا ندري كيف يمكن فهم وتعقل ما ذكرته بعض الروايات من أنه إنما حدث >صلى الله عليه وآله< نفسه بتلك الفقرات؟
فكيف علم قومه بذلك حتى فعلوا ما فعلوا، ثم بلغ الخبر إلى المسلمين في الحبشة، فجاؤوا.
وكذا قولهم: إن المشركين قد حملوا رسول الله >صلى الله عليه وآله< وطاروا به في مكة من أسفلها إلى أعلاها، فكيف لم يتساءل النبي >صلى الله عليه وآله< عن سر هذا التبدل العظيم في موقف قومه؟!
وقولهم: إن هذه القضية قد كانت بعد شهرين من الهجرة إلى الحبشة، نقول فيه، إنهم يقولون: إن عودة مهاجري الحبشة قد كانت بعد شهرين أيضاً.
فهل وصل إليهم الخبر بالتلكس، أو بالتلفون؟! وهل جاؤا بالطائرة، أم بسفن ارتياد الفضاء؟!
إلا أن يكون المراد: أنهم بدأوا بالتوجه نحو مكة بعد شهرين من هجرتهم، وإن كان هذا بعيداً عن ظاهر اللفظ.
وكذا قولهم: إنه لما عرض >صلى الله عليه وآله< السورة على جبرائيل، وقرأ الفقرتين، أنكرهما جبرائيل فقال >صلى الله عليه وآله<: قلت على الله ما لم يقل؟ فأنزل الله، {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ}.
نقول فيه: إن الخطاب في الآية للنبي >صلى الله عليه وآله<: أن الناس كادوا يفتنونه، مع أن الرواية تنص على أن الشيطان هو الذي كاد أن يفتنه، إلى غير ذلك من موارد الضعف والوهن والتناقض التي يمكن تلمسها في هذا المجال.
حقيقة الأمر:
والظاهر هو أن حقيقة ما جرى هو ما قيل من: أن الكفار كانوا يكثرون اللغو واللغط حين قراءته >صلى الله عليه وآله< حتى لا يسمع أحد ما يقرأ قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}([492]) فحينما قرأ النبي >صلى الله عليه وآله< سورة النجم، وانتهى إلى هذا المورد، قال المشركون تلك الغرانيق العلى الخ..([493]).
نعم، ثم جاء القصاصون والحاقدون، ولعل منهم مسلمة أهل الكتاب، الذين أدخلوا الكثير من إسرائيلياتهم في الإسلام ـ جاؤوا ـ ونسجوا حولها ما يتلاءم مع مصالحهم وأهدافهم الشريرة، من الطعن بعصمته >صلى الله عليه وآله<، ثم التشكيك بكل ما في القرآن، بحيث يتهيأ الجو لتطرق احتمالات من هذا النوع في كل سورة وآية، ثم التدليل على مدى جهل النبي >صلى الله عليه وآله< وعدم إدراكه حتى المتناقضات الواضحة.
ثم خضوعه لسلطان الشيطان، وعدم قدرته على تمييز ما هو منه عما هو من غيره.
ولكننا نجدهم يقولون في مقابل ذلك، كما تقدم: إن الشيطان يفر من حس عمر([494]) أو لم يلق الشيطان عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه([495])، أو ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر([496]) ولعلهم أرادوا أن يقولوا: إن للنبي شيطاناً يعتريه كما كان لأبي بكر..
وقد تقدم الحديث عن كل ذلك في بحوث سابقة.
ثم جاء المستشرقون الحاقدون، أعداء الإسلام، فحاولوا الاستفادة من هذه الأباطيل والأساطير للطعن في نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله<([497])، فأحبط الله سعيهم، ورد كيدهم إلى نحورهم.
فإن الحق كالصبح أبلج، وسيرة نبينا في النبل والصفاء والطهر من كل عيب وشين كذكاء في كبد السماء تتوهج.
الفصل الخامس:
حتى الشعب
تناقضات في تاريخ إسلام حمزة ×:
ويقولون: إن إسلام حمزة بن عبد المطلب >عليه السلام< كان في الثانية من البعثة.
ثم يقولون: إنه أسلم بعد دخوله >صلى الله عليه وآله< دار الأرقم. وهذا متناقض؛ لأنه إنما دخل دار الأرقم في أواخر السنة الثالثة، كما يدَّعون.
وتناقض آخر: إنهم يذكرون أنه أسلم قبل عمر بثلاثة أيام، مع أنهم يذكرون أن عمر أسلم في السنة السادسة بعد خروج النبي >صلى الله عليه وآله< من دار الأرقم، وهذا متناقض؛ لأنه >صلى الله عليه وآله< إنما دخلها في أواخر السنة الثالثة من البعثة ولمدة شهر واحد فقط كما يقال..
وسيأتي أن التحقيق هو: أن إسلام عمر كان بعد إسلام حمزة بسنوات.
إسلام حمزة ×:
ونلاحظ: أن ابن هشام وغيره يذكرون إسلام حمزة >رحمه الله< بعد الهجرة إلى الحبشة، أي في حوالي السنة السادسة للبعثة، ونحن نرجح ذلك؛ لأنه حين أسلم ـ كما يقول المقدسي ـ عز به النبي >صلى الله عليه وآله< وأهل الإسلام، فشق ذلك على المشركين، فعدلوا عن المنابذة إلى المعاتبة، وأقبلوا يرغبونه في المال والأنعام، ويعرضون عليه الأزواج([498]).
وعروضهم هذه إنما كانت بعد الهجرة إلى الحبشة، كما يفهم من سيرة ابن هشام.
كما أنه إنما أسلم بعد الإعلان بالدعوة، وبعد مفاوضات قريش مع أبي طالب وعروضها عليه، وبعد أن عدلوا عن ذلك إلى العداوة والأذى.
وعلى كل حال، فقد كان إسلام حمزة تطوراً جديداً لم يكن قد دخل في حسابات قريش، حيث قلب الموازين رأساً على عقب، وفتّ في عضد قريش، وزاد من مخاوفها، وكبح من جماحها.
فقد مر أبو جهل بالرسول عند الصفا، فآذاه وشتمه، ونال منه بعض ما يكره من العيب لدينه، والتضعيف لأمره، فلم يكلمه الرسول >صلى الله عليه وآله<.
وكان حمزة صاحب صيد وقنص، وكان إذا رجع بدأ بالبيت، وطاف به، وسلم على من فيه، ورجع إلى بيته.
وفي هذه المرة كان حمزة راجعاً من صيده، فأخبرته إحدى النساء بما كان من أبي جهل تجاه الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، فاحتمل حمزة الغضب، ودخل المسجد، فرأى أبا جهل جالساً مع القوم، فأقبل نحوه، حتى إذا قام على رأسه رفع القوس، فضربه بها ضربة شجه بها شجة منكرة.
ثم قال: أتشتمه وأنا على دينه، أقول ما يقول؟
فرد علَيّ ذلك إن استطعت وكان ذلك بعد أن تضرع إليه أبو جهل، وأخذ بثوبه، فلم يقبل منه.
فقام رجال من بني مخزوم لينصروا أبا جهل، فقالوا لحمزة: ما نراك إلا قد صبأت؟
فقال حمزة: وما يمنعني؟
وقد استبان لي منه أنه رسول الله، والذي يقول حق؟! فوالله لا أنزع، فامنعوني إن كنتم صادقين.
فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً.
يقول المقدسي: >فلما أسلم حمزة عُزّ به الدين والنبي >صلى الله عليه وآله<([499])، وسرّ رسول الله بإسلامه كثيراً.
وعلمت قريش: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قد عز وامتنع، فكفوا عما كانوا ينالونه منه.
وقال حمزة للنبي >صلى الله عليه وآله<: فأظهر يا ابن أخي دينك، فوالله ما أحب أن لي ما أظلته السماء، وأني على دين الأول([500]).
وكان حمزة أعز فتى في قريش، وأشدهم شكيمة([501]).
إسلام حمزة كان عن وعي لا حمية:
والظاهر، بل الصريح من كلام حمزة >رحمه الله<، ولا سيما قوله الأخير: >وما يمنعني، وقد استبان لي منه: أنه رسول الله، والذي يقول حق< أنه لم يكن في إسلامه منطلقاً من عاطفته التي أثيرت وحسب، وإنما سبقت ذلك قناعة كاملة، كوّنها مما شاهده عن قرب من مواقف وسلوك، وسمعه من أقوال النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
وقد يستفاد من قوله: أتشتمه وأنا على دينه؟! أن إسلامه كان متقدماً على ذلك الوقت، ولكنه كان يتكتم به مراعاة للظروف، وحفاظاً على الإسلام والمسلمين، الذين كانوا أضعف من أن يتمكنوا من مواجهة قريش وجبروتها.
ولربما كان بعضهم بحاجة إلى المزيد من التربية النفسية الخاصة، ليتمكن من مواجهة تلك الظروف القاسية مع المشركين.
سر جبن أبي جهل في مواجهة حمزة:
ولا بد من التذكير هنا: بأن أبا جهل، عظيم المشركين وجبارهم مع أنه كان بين أهله وعشيرته، ومع أن عشيرته قد أعلنت عن استعدادها لنصرته، فإنه كان أجبن وأذل من أن يقف في وجه أسد الله وأسد رسوله، وما ذلك إلا لأنه كان من جهة:
يعلم فتوة حمزة وعزته، وشدة شكيمته وبطولته، ورأى مدى تصميمه وإصراره، وعرف مقدار استعداده للتضحية والفداء في سبيل دينه، وعقيدته.
ومن الجهة الأخرى: فإن أبا جهل إنما كان يحارب النبي >صلى الله عليه وآله< ويناقضه، حباً بالحياة، ومن أجل الدنيا، فهو إذاً لا يريد الموت إطلاقاً، بل هو يهرب منه، ويعده خسارة له، ما بعدها خسارة.
أما حمزة >رحمه الله<، فكان يعتبر الموت في سبيل هذا الدين نصراً وفوزاً، تماماً بالمقدار الذي يعتبره أبو جهل، ومن هم على شاكلته خسراناً وضياعاً فلماذا إذاً يخشى الموت ويخافه؟
بل لماذا لا يكون الموت عنده أحلى من العسل، وألذ من الشهد؟.
ومن جهة ثالثة: فإن أبا جهل لم يكن على استعداد لأن يحارب بني هاشم في تلك الفترة، التي كان له فيها أنصار كثيرون فيهم، لأن حربه لهم لسوف تؤدي إلى أن يخسر هؤلاء الذين يلتقي معهم فكرياً وعقيدياً، لأنهم بحكم المنطق القبلي الذي يهيمن على مواقفهم وتصرفاتهم لن يتركوا ابن أخيهم، حتى ولو كان على غير دينهم، وقد وعدوا أبا طالب باستثناء أبي لهب أن يمنعوا محمداً ممن يريد به سوء كما تقدم.
بل إن تحرك أبي جهل في ظروف كهذه لربما يؤدي إلى ترسيخ أمر محمد، وإلى دخول الكثيرين من بني هاشم في دينه، حمية وانتصاراً.
وهذا ما لا يريده أبو جهل، ولا يرغب فيه.
إذاً، فقد كانت جميع الظروف تدفعه إلى الاستسلام للذل والهوان في مقابل أسد الله وأسد رسوله.
والخلاصة:
أن حب أبي جهل للحياة، وجبنه، ثم ما كان يراه من الصلاح في عدم التصعيد في مناهضة محمد وبني هاشم، قد جعله في موقف الذليل المهان، وجعل الله كلمة الباطل هي السفلى، وكلمة الحق هي العليا.
ملاحظة هامة:
والملاحظ هنا: أنه بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب تتراجع قريش، وتليّن من موقفها، وتدخل في مفاوضات معه >صلى الله عليه وآله<، وتعطيه بعض ما يريد، لأنها رأت أن المسلمين يزيد عددهم ويكثر، فكلمه عتبة، فأبى >صلى الله عليه وآله< كل عروضهم([502]).
عبس وتولى:
ويذكر المؤرخون بعد قضية الغرانيق، القضية التي نزلت لأجلها سورة عبس وتولى، المكية، والتي نزلت بعد سورة النجم.
وملخص هذه القضية: أن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يتكلم مع بعض زعماء قريش، ذوي الجاه والمال، فجاءه عبد الله بن أم مكتوم ـ وكان أعمى ـ فجعل يستقرئ النبي >صلى الله عليه وآله< آية من القرآن، قال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله.
فأعرض عنه رسول الله >صلى الله عليه وآله< وعبس في وجهه، وتولى، وكره كلامه، وأقبل على أولئك الذين كان >صلى الله عليه وآله< قد طمع في إسلامهم، فأنزل الله تعالى:
{عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى}([503]).
وفي رواية: أنه >صلى الله عليه وآله< كره مجيء ابن أم مكتوم وقال في نفسه: يقول هذا القرشي: إنما أتباعه العميان والسفلة، والعبيد، فعبس >صلى الله عليه وآله< الخ.. >وكأن ذلك الزعيم لم يكن يعلم بذلك!! وكأن قريشاً لم تكن قد صرحت بذلك وأعلنته!!<.
وعن الحكم: ما رؤي رسول الله >صلى الله عليه وآله< بعد هذه الآية متصدياً لغني، ولا معرضاً عن فقير.
وعن ابن زيد: لو أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< كتم شيئاً من الوحي، كتم هذا عن نفسه([504]).
فابن زيد يؤكد بكلامه هذا على مدى قبح هذا الأمر، وعلى مدى صراحة الرسول >صلى الله عليه وآله<، حتى إنه لم يكتم هذا الأمر، رغم شدة قبحه وشناعته!.
لقد أجمع المفسرون، وأهل الحديث، باستثناء شيعة أهل البيت >عليهم السلام< على أصل القضية المشار إليها.
ونحن نرى: أنها قضية مفتعلة، لا يمكن أن تصح، وذلك.
أولاً: لضعف أسانيدها، لأنها تنتهي: إما إلى عائشة، وأنس، وابن عباس، من الصحابة، وهؤلاء لم يدرك أحد منهم هذه القضية أصلاً، لأنه إما كان حينها طفلاً، أو لم يكن ولد([505])، أو إلى أبي مالك([506])، والحكم، وابن زيد، والضحاك، ومجاهد، وقتادة، وهؤلاء جميعاً من التابعين فالرواية إليهم تكون مقطوعة، لا تقوم بها حجة.
ثانياً: تناقض نصوصها([507]) حتى ما ورد منها عن راوٍ واحد، فعن عائشة، الأمر الذي يشير إلى وجوب كذب وافتعال لكثير من نصوصها فلا يمكن الاعتماد على الروايات إلا بعد تحديد ما هو صحيح منها.
في رواية: إنه كان عنده رجل من عظماء المشركين، وفي أخرى عنها: عتبة وشيبة.
وفي ثالثة عنها: في مجلس فيه ناس من وجوه قريش، منهم أبو جهل، وعتبة بن ربيعة.
وفي رواية عن ابن عباس: إنه >صلى الله عليه وآله< كان يناجي عتبة، وعمه العباس، وأبا جهل.
وفي التفسير المنسوب إلى ابن عباس: إنهم العباس، وأمية بن خلف، وصفوان بن أمية.
وعن قتادة: أمية بن خلف، وفي أخرى عنه: أبي بن خلف.
وعن مجاهد: صنديد من صناديد قريش، وفي أخرى عنه: عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف.
هذا، عدا عن تناقض الروايات مع بعضها البعض في ذلك، وفي نقل ما جرى، وفي نص كلام الرسول >صلى الله عليه وآله<، ونص كلام ابن أم مكتوم.
ونحن نكتفي بهذا القدر، ومن أراد المزيد فعليه بالمراجعة والمقارنة.
ثالثاً: إن ظاهر الآيات المدعى نزولها في هذه المناسبة هو أنه كان من عادة هذا الشخص وطبعه، وسجيته، وخلقه: أن يتصدى للغني، ويهتم به ولو كان كافراً ويتلهى عن الفقير ولا يبالي به أن يتزكى، ولو كان مسلماً.
وكلنا يعلم: أن هذا لم يكن من صفات وسجايا نبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله<، ولا من طبعه، وخلقه.
كما أن العبوس في وجه الفقير، والإعراض والتولي عنه، لم يكن من صفاته >صلى الله عليه وآله< حتى مع أعدائه، فكيف بالمؤمنين من أصحابه وأودائه([508])، وهو الذي وصفه الله تعالى بأنه {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}([509]).
بل لقد كان من عادته >صلى الله عليه وآله< مجالسة الفقراء، والاهتمام بهم، حتى ساء ذلك أهل الشرف والجاه، وشق عليهم، وطالبه الملأ من قريش بأن يبعد هؤلاء عنه ليتبعوه، وأشار عليه عمر بطردهم، فنزل قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}([510]).
ويظهر: أن الآية قد نزلت قبل الهجرة إلى الحبشة لوجود ابن مسعود في الرواية، أو حين بلوغهم أمر الهدنة، ورجوعهم إلى مكة.
ولكن يبقى إشكال أن ذكر عمر في هذا المقام في غير محله، حيث لم يكن قد أسلم حينئذٍ لأنه إنما أسلم قبل الهجرة إلى المدينة بيسير، كما سنرى.
كما أن الله تعالى: قد وصف نبيه في سورة القلم التي نزلت قبل نزول >عبس وتولى< بأنه على خلق عظيم، فإذا كان كذلك، فكيف يصدر عنه هذا الأمر المنافي للأخلاق، والموجب للعتاب واللوم منه تعالى لنبيه >صلى الله عليه وآله<، فهل كان الله ـ والعياذ بالله ـ جاهلاً بحقيقة أخلاق نبيه؟ أم أنه يعلم بذلك، لكنه قال هذا لحكمة ولمصلحة اقتضت ذلك؟ نعوذ بالله من الغواية، عن طريق الحق والهداية.
رابعاً: إن الله تعالى يقول في الآيات: {وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى}، وهذا لا يناسب أن يخاطب به النبي >صلى الله عليه وآله<، لأنه مبعوث لدعوة الناس وتزكيتهم.
وكيف لا يكون ذلك عليه، مع أنه هو مهمته الأولى والأخيرة، ولا شيء غيره.
ألم يقل الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..}([511]) فكيف يغريه بترك الحرص على تزكية قومه([512]).
خامساً: لقد نزلت آية الإنذار: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}([513]) قبل سورة عبس بسنتين فهل نسي >صلى الله عليه وآله<: أنه مأمور بخفض الجناح لمن اتبعه؟
وإذا كان نسي، فما الذي يؤمننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً، وإذا لم يكن قد نسي، فلماذا يتعمد أن يعصي هذا الأمر الصريح؟!([514]).
سادساً: إنه ليس في الآية ما يدل على أنها خطاب للنبي >صلى الله عليه وآله<، بل الله سبحانه يخبر عن رجل مَّا أنه: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الأَعْمَى} ثم التفت الله تعالى بالخطاب إلى ذلك العابس نفسه، وخاطبه بقوله: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} أي بحضوره مجلس النبي >صلى الله عليه وآله< وسماعه لما يدور فيه الخ..
سابعاً: لقد ذكر العلامة الطباطبائي: أن الملاك في التفضيل وعدمه ليس هو الغنى والفقر، وإنما هو الأعمال الصالحة، والسجايا الحسنة، والفضائل الرفيعة.
وهذا حكم عقلي وجاء به الدين الحنيف، فكيف جاز له >صلى الله عليه وآله< أن يخالف ذلك، ويميز الكافر لما له من وجاهة على المؤمن؟([515]).
والقول: بأنه إنما فعل ذلك لأنه يرجو إسلامه، وعلى أمل أن يتقوى به الدين، وهذا أمر حسن، لأنه في طريق الدين، وفي سبيله، لا يصح، لأنه يخالف صريح الآيات التي تنص على أن الذم للعابس كان لأجل أنه يتصدى لذاك الغني لغناه، ويتلهى عن الفقير لفقره.
ولو صح هذا، فقد كان اللازم أن يفيض القرآن في مدحه وإطرائه على غيرته لدينه، وتحمسه لرسالته؛ فلماذا هذا الذم والتقريع إذاً؟!
ونشير أخيراً: إلى أن البعض قد ذكر: أنه يمكن القول بأن الآية خطاب كلي مفادها: أن النبي >صلى الله عليه وآله< كان إذا رأى فقيراً تأذى وأعرض عنه.
والجواب:
أولاً: إن هذا يخالف القصة التي ذكروها من كونها قضية في واقعة واحدة لم تتكرر..
ثانياً: إذا كان المقصود هو الإعراض عن مطلق الفقير؛ فلماذا جاء التنصيص على الأعمى؟!.
ثالثاً: هل صحيح أنه قد كان من عادة النبي >صلى الله عليه وآله< ذلك؟!!.
المذنب رجل آخر:
فيتضح مما تقدم: أن المقصود بالآيات شخص آخر غير النبي >صلى الله عليه وآله< ويؤيد ذلك:
ما روي عن الإمام جعفر الصادق >عليه السلام<، أنه قال: كان رسول الله إذا رأى عبد الله بن أم مكتوم قال: مرحباً، مرحباً، والله لا يعاتبني الله فيك أبداً، وكان يصنع به من اللطف، حتى يكف عن النبي >صلى الله عليه وآله< مما كان يفعل به([516]).
فهذه الرواية تشير: إلى أن الله تعالى لم يعاتب نبيه في شأن ابن أم مكتوم، بل فيها تعريض بذلك الرجل الذي ارتكب في حق ابن أم مكتوم تلك المخالفة، إن لم نقل: إنه يستفاد من الرواية نفي قاطع حتى لإمكان صدور مثل ذلك عنه >صلى الله عليه وآله<، بحيث يستحق العتاب والتوبيخ؛ إذ لا معنى لهذا النفي لو كان الله تعالى قد عاتبه فعلاً.
هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرفت هذه الكلمة؛ فادعت أنه >صلى الله عليه وآله< كان يقول: مرحبا بمن عاتبني فيه ربي، فلتراجع كتب التفسير، كالدر المنثور وغيره، والصحيح هو ما تقدم.
سؤال وجوابه:
ولعلك تقول: إنه إذا كان المقصود بالآيات شخصاً آخر؛ فما معنى قوله تعالى: {فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى} وقوله: {فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى} فإن ظاهره: أن هذا التصدي والتلهي من قبل من يهمه هذا الدين؛ فيتصدى لهذا، ويتلهى عن ذاك؟!.
فالجواب:
أولاً: إنه ليس في الآيات ما يدل على أن التصدي كان لأجل الدعوة إلى الله أو لغيرها.
فلعل التصدي كان لأهداف أخرى دنيوية، ككسب الصداقة، أو الجاه، أو نحو ذلك.
ثانياً: وقوله تعالى: {لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} ليس فيه أنه يزكى على يد المخاطب، بل هو أعم من ذلك، فيشمل التزكي على يد غيره ممن هم في المجلس، كالنبي >صلى الله عليه وآله< أو غيره.
ثم لنفرض: أن التصدي كان لأجل الدعوة، فإن ذلك ليس محصوراً به >صلى الله عليه وآله< ؛ فهم يقولون: إن غيره كان يتصدى لذلك أيضاً، وأسلم البعض على يديه، لو صح ذلك!.
الرواية الصحيحة:
وبعدما تقدم نقول: الظاهر هو أن الصحيح ما جاء عن الإمام الصادق >عليه السلام<: أنها نزلت في رجل من بني أمية كان عند النبي >صلى الله عليه وآله< ؛ فجاءه ابن أم مكتوم.
فلما جاءه تقذر منه، وعبس في وجهه، وجمع نفسه، وأعرض بوجهه عنه، فحكى الله سبحانه ذلك عنه، وأنكره عليه([517]).
ويلاحظ: أن الخطاب في الآيات لم يوجه أولاً إلى ذلك الرجل؛ بل تكلم الله سبحانه عنه بصورة الحكاية عن الغائب: إنه {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الأَعْمَى}.
ثم التفت إليه بالخطاب، فقال له مباشرة: {وَمَا يُدْرِيكَ}.
ويمكن أن يكون الخطاب في الآيات أولاً للنبي >صلى الله عليه وآله<، من باب: >إياك أعني واسمعي يا جارة<. والأول أقرب، وألطف ذوقاً.
إتهام عثمان:
ولعلك تقول: إن بعض الروايات تتهم عثمان بهذه القضية، وأنه هو الذي جرى له ذلك مع ابن أم مكتوم([518]).
ولكننا نشك في هذا الأمر، لأن عثمان قد هاجر إلى الحبشة مع من هاجر، فمن أين جاء عثمان إلى مكة، وجرى منه ما جرى؟!.
ونجيب بأن هناك نصوصاً تاريخية صرحت بأن أكثر من ثلاثين رجلاً قد عادوا إلى مكة بعد شهرين من هجرتهم كما تقدم، وكان عثمان منهم ثم عاد إلى الحبشة([519]).
وعلى كل حال، فإن أمر اتهام عثمان([520]) أو غيره من بني أمية، لأهون بكثير من اتهام النبي المعصوم، الذي لا يمكن أن يصدر منه أمر كهذا على الإطلاق.
وإن كان يهون على البعض اتهام النبي >صلى الله عليه وآله< بها أو بغيرها، شريطة أن تبقى ساحة قدس غيره منزهة وبريئة!!.
تاريخ هذه القضية:
ونسجل أخيراً: تحفظاً على ذكر المؤرخين لرواية ابن أم مكتوم ونزول سورة عبس، بعد قضية الغرانيق؛ فإن الظاهر هو أن هذه القضية قد حصلت قبل الهجرة إلى الحبشة لأن عثمان كان قد هاجر إلى الحبشة قبل قضية الغرانيق بشهرين كما يقولون، إلا أن يكون عثمان قد عاد إلى مكة مع من عاد بعد أن سمعوا بقضية الغرانيق كما يدعون.
أعداء الإسلام وهذه القضية:
ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن بعض المسيحيين الحاقدين قد حاول أن يتخذ من قضية عبس وتولى وسيلة للطعن في قدسية نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله<([521])، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فها نحن قد أثبتنا: أنها أكاذيب وأباطيل ما أنزل الله بها من سلطان.
أكاذيب أخرى مشابهة:
وبالمناسبة فقد رووا: أن الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، جاءا إلى النبي >صلى الله عليه وآله<، فوجداه قاعداً مع عمار، وصهيب، وبلال وخباب، وغيرهم من ضعفاء المؤمنين، فحقروهم، فَخَلَوا بالنبي >صلى الله عليه وآله<، فقالا: إن وفود العرب تأتيك؛ فنستحي أن يرانا العرب قعوداً مع هذه الأعبد فإذا جئناك فأقمهم عنا، قال: نعم.
قالا: فاكتب لنا عليك كتاباً؛ فدعا بالصحيفة، ودعا علياً ليكتب، فنزل قوله تعالى: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ..}([522]) فرمى >صلى الله عليه وآله< بالصحيفة، ودعاهم وجلس معهم، وصار دأبه هذا: أن يجلس معهم، فإذا أراد أن يقوم قام وتركهم فأنزل الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ..}([523]).
فكان يجلس معهم إلى أن يقوموا عنه وفي بعض الروايات: إنهم يقصدون أبا ذر وسلمان([524]).
ويردّ هذه الأباطيل جميع ما تقدم حين الكلام عن قصة ابن أم مكتوم، ولذلك فلا حاجة إلى الإعادة، وأيضاً فقد استفاض: أن سورة الأنعام قد نزلت دفعة واحدة في مكة([525])، فما معنى أن تكون هذه الآيات قد نزلت بهذه المناسبة في المدينة؟!.
والقول بأن نزولها كذلك لا ينافي كون هذه الآيات نزلت بهذه المناسبة، مرفوض لأنها قد نزلت دفعة واحدة قبل الهجرة، بعد إسلام الأنصار، لأنها نزلت وأسماء بنت يزيد الأنصارية آخذة بزمام ناقة النبي >صلى الله عليه وآله<([526]) والآية نزلت في المدينة على الفرض.
على أن قصة عبس وتولى وحدها كافية لأن يرتدع النبي >صلى الله عليه وآله< عن أمر كهذا، ولا سيما إذا كانت تؤنب غيره >صلى الله عليه وآله<، ممن هو ليس بمعصوم على فعل كهذا.
ثم إن سلمان إنما أسلم في المدينة، كما أن أبا ذر قد فارق النبي >صلى الله عليه وآله< فور إسلامه، وأقام بعسفان على طريق قوافل مكة، كما قدمنا.
والظاهر هو أنهم أصروا على النبي >صلى الله عليه وآله< أن يبعد الفقراء عنه، حتى توسطوا لدى أبي طالب في ذلك، وأشار عليه عمر بقبول ذلك كما جاء في بعض الروايات، فجاءت هذه الآيات في ضمن سورة الأنعام بمثابة رد عليهم، وتفنيد لرأيهم.
وليس في الآيات ما يدل على قبوله >صلى الله عليه وآله< بذلك، كما تدعيه الروايات المزعومة آنفاً.
ولم نتوسع في بيان وجوه الاختلاف بين الروايات، ونقاط الضعف فيها، والرد على هذه المزاعم، اعتماداً على ما ذكرناه في قضية ابن أم مكتوم المتقدمة.
بل إن ظاهر الآية الأولى: أن طرد الذين يدعون ربهم.. قد كان عقاباً لهم على أمر صدر منهم، وذلك بقرينة قوله تعالى فيها: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ}([527]). فكأن الله سبحانه قد رفع التكليف عنه >صلى الله عليه وآله< بمؤاخذتهم، رفقاً منه تعالى بهم، وعطفاً عليهم.
قضية إسلام عمر بن الخطاب:
ويقولون: إن عمر بن الخطاب قد أسلم في السنة السادسة من البعثة، بعد إسلام حمزة بثلاثة أيام؛ حيث خرج متوشحاً سيفه، يريد رسول الله ورهطاً من أصحابه، وهم قريب من أربعين رجلاً في دار الأرقم عند الصفا، فيهم أبو بكر، وحمزة، وعلي، وغيرهم ممن لم يخرج إلى الحبشة، فالتقى عمر بنعيم بن عبد الله، فسأله عن أمره، فأخبره: أنه يريد أن يقتل محمداً.
فذكر له نعيم: أنه إن قتله لا ينجو من بني عبد مناف، وأن صهره وأخته قد أسلما، فرجع عمر إليهما، وعندهما خباب بن الأرت يعلمهما سورة طه، فلما سمعوا حسه، اختبأ خباب في مخدع، وخبأت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة تحت فخذها.
فدخل عمر، وبعد كلام بطش عمر بخَتْنِهِ، وشج أخته، فأخبرته حينئذٍ أنهما قد أسلما؛ فليصنع ما بدا له. فندم عمر، وارعوى لما رأى الدم بأخته، وطلب الصحيفة فلم تعطه إياها حتى حلف بآلهته ليردنها إليها، فقالت له: إنك نجس على شركك، ولا تغتسل من الجنـابـة، وهذا لا يمسه إلا المطهرون.
فقام عمر، فاغتسل (توضأ)، ثم قرأ من الصحيفة صدراً وكان كاتباً، فاستحسنه، وظهر له خباب، وأخبره: أن النبي >صلى الله عليه وآله< قد دعا له بأن يعز الإسلام به أو بأبي جهل، فطلب منه عمر: أن يدله على الرسول ليسلم؛ ففعل، فذهب إليهم، وضرب الباب، فنظر رجل منهم من خلال الباب؛ فرآه متوشحاً السيف، فرجع إلى الرسول >صلى الله عليه وآله< فزعاً، فأخبره.
فقال حمزة: فأذن له، فإن كان جاء يريد خيراً بذلناه له، وإن كان يريد شراً، قتلناه بسيفه.
فأذن له، ونهض إليه >صلى الله عليه وآله< حتى لقيه في الحجرة، فأخذ بمجمع ردائه، ثم جبذه جبذة شديدة، وتهدده، فأخبره عمر: أنه جاء ليسلم، فكبر >صلى الله عليه وآله<، وكبر المسلمون تكبيرة سمعها من في المسجد.
ثم طلب عمر من الرسول: أن يخرج ويعلن أمره، قال عمر: فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد (أي غبار) ككديد الطحين، حتى دخلنا المسجد.
قال: فنظرت إلي قريش فأصابتهم كآبة لم تصبهم مثلها، فسماه رسول الله >صلى الله عليه وآله<: بـ >الفاروق< يومئذٍ.
وفي رواية: أن قريشاً اجتمعت وتشاورت فيمن يقتل محمداً، فقال عمر: أنا لها.
فقالوا: أنت لها يا عمر، فخرج متقلداً السيف، فالتقى بسعد بن أبي وقاص، وجرت بينهما مشادة، حتى سل كل منهما سيفه؛ فأخبره سعد بخبر أخته إلخ..
وفي ثالثة: أنهم خرجوا وعمر أمامهم، ينادي: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فلما سألته قريش عما وراءه تهددهم بأنه إن تحرك منهم أحد ليمكنن سيفه منه، ثم تقدم أمام رسول الله، يطوف الرسول، ويحميه عمر، ثم صلى النبي >صلى الله عليه وآله< الظهر معلناً.
وفي رابعة: أنه لما أسلم ـ وكان المسلمون يُضربون ـ جاء إلى خاله أبي جهل ـ كما عند ابن هشام.
وقال ابن الجوزي: هو غلط بل خاله العاص بن هاشم ـ فأعلمه بإسلامه، فأجاف الباب، فذهب إلى آخر من كبراء قريش فكذلك.
فقال في نفسه: ما هذا بشيء، الناس يُضربون، وأنا لا يضربني أحد؛ فاستدل على أنقل رجل للحديث، فدلوه، فأعلمه بإسلامه؛ فنادى في قريش بذلك، فقاموا إليه يضربونه؛ فأجاره خاله، فانكشف الناس عنه، ولكنه عاد فرد عليه جواره؛ لأن الناس يُضربون ولا يُضرب، قال: فلم يزل يُضرب، حتى أظهر الله الإسلام.
وفي خامسة: أنه ذهب ليطوف، فقال له أبو جهل: زعم فلان أنك صبأت؟ فتشهد الشهادتين، فوثب عليه المشركون، فوثب عمر على عُتْبَة بن ربيعة، وبرك عليه، وجعل يضربه، وجعل إصبعيه في عينيه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه إلا أحد شريف، وجعل حمزة يكشف الناس عنه.
وفي سادسة: أنه كان صاحب خمر في الجاهلية؛ فقصد ليلة المجلس المألوف له، فلم يجد فيه أحداً، فطلب فلاناً الخمار، فكذلك، فذهب ليطوف فوجد محمداً يصلي، فأحب الاستماع إليه، فدخل تحت ثياب الكعبة وسمع، فدخل الإسلام في قلبه فلما انصرف الرسول >صلى الله عليه وآله< وذهب إلى داره التي يسكنها المعروفة بالرقطاء لحقه في الطريق، وأسلم، ثم انصرف إلى بيته.
وفي العمدة: قيل أسلم عمر بعد ثلاثة وثلاثين رجلاً وست نسوة، وقال ابن المسيب بعد أربعين وعشر نسوة، وقال عبد الله بن ثعلبة: بعد خمس وأربعين وإحدى عشرة امرأة.
وقيل: أسلم تمام الأربعين؛ فنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}([528]).
وثمة أوسمة أخرى:
ويقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< كان قد دعا قبل إسلام عمر، فقال: اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب.
وفي نص آخر: اللهم أيد (أو أعز) الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب، وكان دعاؤه >صلى الله عليه وآله< يوم الأربعاء، وإسلام عمر يوم الخميس.
وعن ابن عمر: إنه >صلى الله عليه وآله< قال: اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك، بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبهما إليه عمر.
وقالوا: إن إسلام عمر كان فتحاً، وإن هجرته نصراً، وإن أمارته كانت رحمة، وإنه لما أسلم قاتل حتى صلى المسلمون عند الكعبة([529]) إلى غيرذلك مما لا مجال له هنا.
وقد استغرب الترمذي هذه الأحاديث رغم تصحيحه لبعضها.
ونحن نشك في صحة كل ما تقدم، بل ونطمئن إلى بطلانه جميعاً من الأساس، ولبيان ذلك نشير إلى النقاط التالية:
1 ـ متى كان إسلام عمر؟!
تذكر تلك الروايات: أن عمر قد أسلم بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب >عليه السلام< بثلاثة أيام. وكان إسلامه سبباً لخروجه >صلى الله عليه وآله< من دار الأرقم، بعد أن تكامل المسلمون أربعين رجلاً، أو ما هو قريب من ذلك.
ونحن نشير هنا إلى:
أ ـ أن الخروج من دار الأرقم ـ كما يقولون ـ إنما كان في الثالثة من البعثة، حينما أمر النبي >صلى الله عليه وآله< بالإعلان بالدعوة، وهم يصرحون بأن إسلام عمر كان في السادسة من البعثة.
ب ـ إنهم يقولون إن عمر قد أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة، حتى لقد رق للمهاجرين، لما رآهم يستعدون للرحيل، حتى رجوا إسلامه منذئذٍ، والهجرة إلى الحبشة قد كانت في السنة الخامسة من البعثة، والخروج من دار الأرقم قد كان قبل ذلك أي في السنة الثالثة.
ج ـ أنه قد اشترك في تعذيب المسلمين، وإنما كان ذلك بعد الخروج من دار الأرقم، والإعلان بالدعوة.
متى أسلم عمر إذاً؟!
إننا نستطيع أن نقول باطمئنان: إنه لم يسلم في السنة السادسة قطعاً بل أسلم بعد ذلك بسنوات، ومستندنا في ذلك:
أولاً: إنهم يقولون: إنه قد أسلم بعد فرض صلاة الظهر، فصلى رسول الله >صلى الله عليه وآله< الظهر معلناً تحت حماية عمر كما تقدم، وصلاة الظهر قد فرضت ـ حسب قولهم ـ حين الإسراء والمعراج الذي كان ـ عندهم ـ في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من البعثة، فكلامهم متناقض.
وإن كنا نحن قد حققنا: أن الإسراء والمعراج كان في حوالي السنة الثانية من البعثة.
وقد أجاب البعض عن ذلك، بأن المقصود هو صلاة الغداة أي الصبح([530]).
ولكنه توجيه لا يصح؛ فإن كلمة الظهر لا تنطبق على الغداة ولا تطلق عليها وهو جواب عجيب وغريب كما ترى.
وإن كان مرادهم أن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يؤخر صلاة الصبح إلى ارتفاع الشمس فهو غير معقول؛ إذ كيف يؤخر النبي >صلى الله عليه وآله< صلاته عن وقتها بلا عذر ظاهر؟.
ثانياً: إن عبد الله بن عمر يصرح: أنه حين أسلم أبوه كان له هو من العمر ست سنين([531]).
ويرى البعض: أن عمره كان خمس سنين([532]).
ويدل على ذلك: رواية أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه على سطح البيت، ورأى أن الناس قد هاجوا ضد أبيه، وحصروه في البيت؛ فجاء العاص بن وائل ففرقهم عنه، وقد استفسر ابن عمر أباه حينئذٍ عن بعض الخصوصيات كما سيأتي عن قريب.
كما أن ابن عمر يروي: أنه حين أسلم أبوه غدا يتبع أثره، وينظر ما يفعل، يقول:
وأنا غلام أعقل ما رأيت([533])، مما يدل على أن ابن عمر كان حين إسلام أبيه مميزاً مدركاً.
وذلك يدل على أن عمر أسلم حوالي السنة التاسعة من البعثة ـ كما ذهب إليه البعض([534]) ـ لأن ابن عمر ولد في الثالثة من البعثة، وتم عمره على الخمس عشرة سنة في عام الخندق سنة خمس من الهجرة، حيث أجازه >صلى الله عليه وآله< فيها كما هو مشهور([535]).
بل ورد عن ابن شهاب: أن حفصة وابن عمر قد أسلما قبل عمر، ولما أسلم أبوهما كان عبد الله ابن نحو من سبع سنين([536]) وذلك يعني أن إسلام عمر قد كان في العاشرة من البعثة.
بل نقول: إن عمر بن الخطاب لم يسلم إلا قبل الهجرة بقليل، ويدل على ذلك:
أولاً: إنه بلغه، أن أخته لا تأكل الميتة([537]).
وواضح: أن تحريم الميتة إنما كان في سورة الأنعام، التي نزلت في مكة جملة واحدة.
وكانت ـ كما تقول بعض الروايات ـ أسماء بنت يزيد الأوسية آخذة بزمام ناقته >صلى الله عليه وآله<([538]) وإسلام الأوس وأهل المدينة إنما كان بعد الهجرة إلى الطائف، ومجيء نسائهم إلى مكة قد كان بعد العقبة الأولى.
وما تقدم في فصل: بحوث تسبق السيرة، من أن زيد بن عمرو بن نفيل كان لا يأكل الميتة.. لو صح؛ فإنما هو لأجل أنه كان يدين بالنصرانية إلا أن يقال: إن تحريم الميتة قد كان على لسان النبي >صلى الله عليه وآله< قبل نزول سورة الأنعام لكن ذلك يحتاج إلى دليل وشاهد وهو غير موجود.
ثالثاً: لقد استقرب البعض: أن يكون قد أسلم بعد أربعين، أو خمس وأربعين ممن أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة([539]).
ويؤيد ذلك: أن الذين هاجروا إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلاً، والهجرة إليها إنما كانت في الخامسة، وإسلام عمر كان في السادسة من البعثة حسب زعمهم ـ فلا بد أن يكون الأربعون الذين أتمهم عمر بإسلامه غير هؤلاء الذين هاجروا، وإن كان ابن الجوزي يعد الذين أسلموا قبل عمر، فيذكر أسماء من هاجر إلى الحبشة على الأكثر([540]) الأمر الذي يشير إلى أنه يرى:
أن الأربعين الذين أتمهم عمر هم هؤلاء، وليسوا فريقاً آخر قد أسلم بعد هجرتهم.
ويؤيد ذلك أيضاً: الروايات التي تصرح بأنه أسلم في السادسة من البعثة، وأنه رق للمهاجرين إلى الحبشة، حتى لقد رجوا إسلامه، فإذا كان ذلك، فلسوف يأتي في حديث المؤاخاة التي جرت في المدينة بعد الهجرة بين المهاجرين والأنصار: أن المهاجرين كانوا حين المؤاخاة خمسة وأربعين رجلاً أو أقل أو أكثر بقليل([541]).
أي أن الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة كانوا خصوص هؤلاء، فإذا كان عمر قد أسلم وكان تمام الأربعين فيهم فإن معنى ذلك هو أنه قد أسلم قبل الهجرة بقليل، ثم هاجر.
ولعله لأجل ذلك لم يتعرض للتعذيب في مكة، كما سنشير إليه حين الكلام عن الذين عذبوا فيها.
رابعاً: لقد جاء في الروايات في إسلام عمر: أنه >دنا من رسول الله، وهو يصلي ويجهر بالقراءة، فسمع رسول الله >صلى الله عليه وآله< يقرأ:
{وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} حتى بلغ {الظَّالِمُونَ}<([542]).
وواضح: أن هاتين الآيتين قد وردتا في سورة العنكبوت، وهي إما آخر ما نزل في مكة، أو هي السورة قبل الأخيرة([543]).
فإسلام عمر قد كان قبل الهجرة بقليل، لأنه يكون أسلم قبل نزول هاتين السورتين.
خامساً: لقد روى البخاري في صحيحه، بسنده عن نافع قال: إن الناس يتحدثون أن ابن عمر أسلم قبل عمر..
ثم حاول نافع أن يوجه هذا بأن ابن عمر بايع تحت الشجرة قبل أبيه، ثم قال: فهي التي يتحدث الناس: أن ابن عمر أسلم قبل عمر([544]).
ولكننا نقول لنافع: ألم يكن الناس يعرفون اللغة العربية؟
فلم لم يقولوا: إنه بايع قبل أبيه، وقالوا: أسلم قبل أبيه؟!.
ثم ألم يكن أحد منهم يعرف أن هذا الكلام لا يدل على ذاك ولا يشير إليه، فكيف يصح أن يكون هو المقصود منه؟!.
ونحن نعتقد: أن ما يقوله الناس في ذلك الزمان هو الصحيح الظاهر، فإن ابن عمر قد أسلم قبل الهجرة بيسير، ثم أسلم أبوه وهاجر([545]).
سادساً: إن عمر قد رفض في عام الحديبية: حمل رسالة النبي >صلى الله عليه وآله< بحجة أن بني عدي لا ينصرونه؛ فمعنى ذلك هو أنه قد أسلم وهاجر ولم يعلم أحد بإسلامه، وإلا لكان قد عذب،
ولم ينصره بنو عدي([546])، لا سيما مع ما سيأتي من حالة الذل التي كان يعاني منها هذا الرجل قبل إسلامه.
سابعاً: إن عمر كما يدَّعون قد أسلم حينما سمع النبي >صلى الله عليه وآله< يقرأ في صلاته ويجهر في القراءة، وكان عمر مختبئاً تحت أستار الكعبة..
مع أنهم يقولون: إن النبي >صلى الله عليه وآله< والمسلمين لم يتمكنوا من الصلاة في الكعبة إلا بعد إسلام عمر! فأي ذلك هو الصحيح؟.
2 ـ من سمى عمر بالفاروق؟!
وقد ذكرت تلك الروايات: أن النبي >صلى الله عليه وآله< قد سمى عمر بالفاروق حين أسلم، ولكننا نشك في ذلك جداً، إذ إن الزهري يقول:
>بلغنا: أن أهل الكتاب أول من قال لعمر: >الفاروق<.
وكان المسلمون يأثرون ذلك من قولهم.
ولم يبلغنا: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< ذكر من ذلك شيئاً<([547]). وقد كانت كلمة الفاروق تطلق عليه في أيام خلافته([548]).
3 ـ هل كان عمر قارئاً؟!
وتذكر الروايات: أن عمر بن الخطاب كان قارئاً، وأنه قد قرأ الصحيفة بنفسه.
ونحن نشك في ذلك أيضاً: لاعتقـادنـا أنه لم يكن يعرف القراءة والكتابة، ولا سيما في بادئ أمره، إلا أن يكون قد تعلمها بعد ذلك في أواخر أيام حياته؛ وذلك لأمرين:
أحدهما: أن البعض يصرح بأن خباب بن الأرت هو الذي قرأ له الصحيفة([549]) فلو كان قارئاً؛ فلماذا لا يقرؤها بنفسه، ليتأكد من صحة الأمر؟!
الثاني: لقد روى الحافظ عبد الرزاق، بسند صحيح حسبما يقولون هذه الرواية نفسها، ولكنه قال فيها:
>فالتمس الكتف في البيت حتى وجدها، فقال حين وجدها:
أما إني قد حُدّثْتُ: أنك لا تأكلين طعامي الذي آكل منه، ثم ضربها بالكتف فشجها شجتين، ثم خرج بالكتف حتى دعا قارئاً؛ فقرأ عليه، وكان عمر لا يكتب، فلما قُرِئَتْ عليه تحرك قلبه حين سمع القرآن الخ..<([550]).
ويؤيد ذلك ما عن عياض بن أبي موسى: أن عمر بن الخطاب قال لأبي موسى: ادع لي كاتبك ليقرأ لنا صحفاً جاءت من الشام.
فقال أبو موسى: إنه لا يدخل المسجد.
قال عمر: أبه جنابة؟
قال: لا، ولكنه نصـراني؛ فرفع عمر يده فضرب فخذه حتى كاد يكسرها الخ..([551]). فلو كان عمر يعرف القراءة لم يحتج لكاتب أبي موسى ليقرأ له الصحف التي جاءته، ولربما يعتذر عن ذلك بأن الخليفة ربما لم يكن يباشر القراءة لمركزه مع معرفته لها، أو أن الرسائل كانت بغير العربية.
ولكن الظاهر هو: أن هذه الأعراف والتقيدات قد حدثت في وقت متأخر، ولم يكن عمر يتقيد بها كما أن بلاد الشام كانت ولا تزال عربية اللغة، فمن البعيد أن يكتبوا له بغير العربية.
ويمكن أن يؤيد ذلك أيضاً: بأن عمر لم يكن ذا ذهنية علمية، وذلك بدليل:
أنه بقي اثنتي عشرة سنة حتى تعلم سورة البقرة، فلما حفظها نحر جزوراً([552]).
بل لقد ورد أنه لما طلب من حفصة أن تسأل له النبي >صلى الله عليه وآله< عن الكلالة، فسألته عنها؛ فأملها عليها في كتب، ثم قال رسول الله >صلى الله عليه وآله<: >عمر أمرك بهذا؟ ما أظنه أن يفهمها<([553])، بل لقد واجهه النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه بذلك كما رواه كثيرون([554]).
إلا أن من الممكن أن يكون عمر قد عاد فتعلم القراءة والكتابة بمشاق ومتاعب جمة، ويمكن أن يستدل على ذلك بأنه ـ كما روى البخاري ـ كان يقول:
إنه لولا أن يقال: إن عمر قد زاد في كتاب الله لكتب آية الرجم بيده؟!([555]).
ومهما يكن من أمر، فإننا لسنا أول من شك في معرفة الخليفة الثاني للقراءة والكتابة، فقد كان هذا الأمر موضع نقاش وشك منذ القرن الأول للهجرة، فهذا الزهري يقول:
كنا عند عمر بن عبد العزيز وهو والي المدينة ثم صارت إلى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فقال: هل من معه به خبر فأساله: هل كان عمر يكتب؟.
فقال عروة: نعم كان يكتب.
فقال: بآية ماذا؟.
قال: بقوله: لولا أن يقول الناس زاد عمر في القرآن لخططت آية الرجم بيدي.
فقال عبيد الله: هل يسمي عروة من حدثه؟.
قلت: لا.
قال عبيد الله: فإنما صار عروة يمص مص البعوضة لتملأ بطنها، ولا يرى أثرها، يسرق أحاديثنا ويكتمنا، أي أني أنا حدثته([556]).
ملاحظة:
وإذا ثبت عدم معرفته بالقراءة، أو شك في كونه كان حينئذٍ يقرأ ويكتب، فمن الطبيعي أن يتطرق الشك إلى قولهم إنه كان من كتَّاب الوحي([557])، فلعل ذلك كان من الأوسمة التي نحله إياها بعض من عز عليهم أن يحرم عمر من هذا الشرف بنظرهم.
وملاحظة أخرى:
وهي أننا رأينا عمر بن الخطاب يضرب فخذ أبي موسى حتى كاد يكسرها، لاتخاذه كاتباً نصرانياً، مع أنهم يقولون: إنه هو نفسه كان له مملوك نصراني لم يسلم، وكان يعرض عليه الإسلام فيأبى، حتى حضرته الوفاة فأعتقه([558]) فما هذا التناقض في مواقف الخليفة الثاني؟! وما هو المبرر لها إلا أن يكون اعتراضه على أبي موسى منصباً على استعانته بغير المسلم في شؤون المسلمين العامة، وهذا غير خدمة غير المسلم للمسلم.
4 ـ هل عز الإسلام بعمر حقاً؟!
وتذكر الروايات: أن الإسلام قد عز بعمر وأنه >صلى الله عليه وآله< قد دعا الله أن يعز الإسلام به، بل لقد ذهبت بعض الروايات إلى اعتبار عمر من الجبارين في الجاهلية، حيث إنه حين أشار على أبي بكر أن يتألف الناس ويرفق بهم، قال له أبو بكر: >رجوت نصرك، وجئتني بهذا لأنك جبار في الجاهلية، خوار في الإسلام الخ..<([559]).
ونحن نشك في صحة ذلك بل نجزم بعدم صحته، وذلك للأمور التالية:
أ ـ إن الإسلام إذا لم يعز بأبي طالب شيخ الأبطح، وبحمزة أسد الله وأسد رسوله، الذي فعل برأس الشرك أبي جهل ما فعل، وإذا لم يعز بسائر بني هاشم أصحاب العز والشرف والنجدة، فلا يمكن أن يعز بعمر الذي كان عسيفاً >أي مملوكاً مستهاناً به<([560]) مع الوليد بن المغيرة إلى الشام([561]).
لا سيما وأنه لم يكن في قبيلته سيد أصلاً([562])، ولم تؤثر عنه في طول حياته مع النبي >صلى الله عليه وآله< أية مواقف شجاعة، وحاسمة، بل لم نجد له أية مبارزة، أو عمل جريء في أي من غزواته، رغم كثرتها وتعددها.
بل لقد رأيناه يفر في غير موضع، كأحد، وحنين وخيبر حسبما صرح به الجم الغفير من أهل السير، ورواة الأثر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومن الطريف هنا: ما رواه الزمخشري، من أن أنس بن مدركة كان قد أغار على سرح قريش في الجاهلية؛ فذهب به، فقال له عمر في خلافته: لقد اتبعناك تلك الليلة؛ فلو أدركناك؟.
فقال: لو أدركتني لم تكن للناس خليفة([563]).
والخلاصة: أنه لا يمكن أن يعز الإسلام بعمر، الذي لم يكن له عز في نفسه، ولا بعشيرته، ولا شجاعة يخاف منها.
ب ـ إننا سواء قلنا: إن عمر قد أسلم قبل الحصر في الشعب أو بعده، فإن الأمر يبقى على حاله، لأننا لم نجد أي تفاوت في حالة المسلمين قبل وبعد إسلام عمر، ولا لمسنا أي تحول نحو الأفضل بعد إسلامه، بل رأينا: عكس ذلك هو الصحيح، فمن حصر المشركين للنبي >صلى الله عليه وآله< والهاشميين في الشعب، حتى كادوا يهلكون جوعاً، وحتى كانوا يأكلون ورق السمر، وأطفالهم يتضاغون جوعاً، إلى تآمر على حياة النبي >صلى الله عليه وآله<.
ثم بعد وفاة أبي طالب >رحمه الله< لم يستطع >صلى الله عليه وآله< دخول مكة بعد عودته من الطائف إلا بعد مصاعب جمة، لم نجد عمر ممن ساعد على حلها.
هذا كله، عدا عن الأذايا الكثيرة التي كان أبو لهب يوجهها للنبي >صلى الله عليه وآله< باستمرار.
ج ـ وفي صحيح البخاري وغيره حول إسلام عمر: عن عبد الله بن عمر قال: بينما عمر في الدار خائفاً، إذ جاءه العاص بن وائل السهمي، إلى أن قال: فقال: ما بالك؟
قال: زعم قومك أنهم سيقتلونني إن أسلمت.
قال: لا سبيل إليك، بعد أن قالها أمنت.
ثم ذكر إرجاع العاص الناس عنه.
وأضاف الذهبي قول عمر: فعجبت من عزه([564]).
فمن يتهدده الناس بالقتل، ويخاف، ويختبئ في داره، فإنه لا يكون عزيزاً ولا يعز الإسلام به، غير أنه هو نفسه قد ارتفع بالإسلام، وصار له شخصية وشأن، كما سنرى.
هذا عدا عن الروايات القائلة: إن أبا جهل هو الذي أجار عمر([565]).
وعلى هذا فقد كان الأجدر: أن يدعو النبي >صلى الله عليه وآله< بأن يعز الإسلام بمن يجير عمر، والذي يعجب الناس من عزته، لا بعمر الخائف، والمختبئ في بيته.
د ـ والغريب هنا: أن أحد الرجلين اللذين دعا لهما النبي >صلى الله عليه وآله< وهو أبو جهل يضربه حمزة رضوان الله عليه بقوسه أمام الملأ من قومه، فيشجه شجة منكرة، ولا يجرؤ على الكلام، ثم يقتل في بدر في أول وقعة بين المسلمين والمشركين.
والرجل الآخر وهو عمر بن الخطاب يكون على خلاف توقعات النبي >صلى الله عليه وآله< ولا يستجيب الله دعاءه فيه، حيث لم يعز الإسلام به، كما رأينا.
مع أن النبي >صلى الله عليه وآله< يقول: >ما سألت ـ ربي ـ الله ـ شيئاً إلا أعطانيه<([566]) بل لقد كانت النتيجة عكسية، حيث يذكر عبد الرزاق:
>أنه لما جهر عمر بإسلامه اشتد ذلك على المشركين فعذبوا من المسلمين نفراً<([567]).
ه‍ ـ لا بأس بالمقارنة بين نعيم بن عبد الله النحام العدوي، وبين عمر بن الخطاب العدوي؛ فقد أسلم نعيم قبل عمر، وكان يكتم إسلامه، ومنعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة، لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم.
فقالوا: >أقم عندنا على أي دين شئت، فوالله لا يتعرض إليك أحد إلا ذهبت أنفسنا جميعاً دونك<([568]).
ويقول عروة عن بيت نعيم هذا: >ما أقدم على هذا البيت أحد من بني عدي<([569]) أي لشرفه.
أما عمر، فإن رسول الله أراد في الحديبية أن يرسله إلى مكة؛ ليبلغ عنه رسالة إلى أشراف قريش، تتعلق بالأمر الذي جاء له؛ فرفض ذلك وقال:
>إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي أحد يمنعني< ثم أشار على النبي >صلى الله عليه وآله< بأن يرسل عثمان بن عفان([570]).
و ـ لقد خطب ابن عمر بنت نعيم النحام، فرده نعيم، وقال: >لا أدع لحمي ترباً< وزوجها من النعمان بن عدي بن نضلة([571]) فنعيم يربأ بابنته عن أن تتزوج بابن عمر، ويرى ذلك تضييعاً لها!!.
ز ـ وفي زيارة عمر للشام أيام خلافته خلع عمر خفيه، ووضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، وخاض المخاضة فاعترض عليه أبو عبيدة، فأجابه عمر بقوله: >إنا كنا أذل قوم؛ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله<([572]).
وفي نص آخر عنه: >إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره<([573]).
واحتمال أن يكون مقصوده هو ذل العرب وعزهم لا خصوص بني عدي بعيد؛ لأنه قد عنف أبا عبيدة على مقولته تلك بأن غير أبي عبيدة لو كان قال ذلك لكان له وجه، أما أن يقوله أبو عبيدة العارف بالحال والسوابق فإنه غير مقبول منه.
هذا بالإضافة إلى ما سيأتي مما يدل على ذل بني عدي، فانتظر.
ح ـ وقال أبو سفيان للعباس في فتح مكة، حينما كان يستعرض الألوية؛ فرأى عمر، وله زجل: >يا أبا الفضل، من هذا المتكلم؟
قال: عمر بن الخطاب.
قال: لقد ـ أمر ـ أَمْر بني عدي بعد ـ والله ـ قلة وذلة.
فقال العباس: يا أبا سفيان، إن الله يرفع من يشاء بما يشاء، وإن عمر ممن رفعه الإسلام<([574]).
ط ـ تقدم قول عوف بن عطية:
وأمـــا الألأمــان بـنـــو عــدي وتـيــم حـيــن تـزدحـم الأمـور
فـــلا تـشـهـد لـهم فتيان حـرب ولـكــن أدن من حـلـب وعيـــر
وفي رسالة من معاوية لزياد بن أبيه يذكر فيها أمر الخلافة يقول: >ولكن الله عز وجل أخرجها من بني هاشم وصيرها إلى بني تيم بن مرة، ثم خرجت إلى بني عدي بن كعب وليس في قريش حيان أذل منهما ولا أنذل إلخ..<([575]).
ي ـ وقال خالد بن الوليد لعمر: >إنك ألأمها حسباً، وأقلها عدداً، وأخملها ذكراً.. إلى أن قال له: لئيم العنصر ما لك في قريش فخر، قال: فأسكته خالد<([576]).
5 ـ غسل عمر لمس الصحيفة:
وإشكال آخر يبقى بلا جواب، وهو أنه كيف طلبت أخته منه: أن يغتسل لمس الصحيفة، مع أن غسل المشرك لا يجدي في جواز مس القرآن؛ فإن المانع هو شركه، لا حدثه؟! ولذلك قالت له: >إنك نجس على شركك، وإنه {لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ}<([577])، ودعوى أن المراد هو غسل الجنابة مدفوعة أيضاً، فإنهم يقولون: إن أهل الجاهلية كانوا يغتسلون من الجنابة([578]) فكيف تقول له أخته: إنك لا تغتسل من الجنابة؟
إلا أن يكون هو نفسه لم يكن يلتزم بما كان يلتزم به قومه في الجاهلية.
ومما يدل على أنهم كانوا يغتسلون من الجنابة، أن أبا سفيان قد نذر أو حلف بعد رجوعه من بدر مهزوماً: أن لا يمس رأسه ماء من جنابة، حتى يغزو محمداً، وكانت غزوة السويق لأجل أن يكفر عن يمينه، ([579]) كما سنرى.
ويدل على ذلك: ما يذكرونه عن صيفي بن الأسلت من أنه كان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح واغتسل من الجنابة([580]).
6 ـ نزول آية في إسلام عمر:
ويذكرون أن آية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ}([581]) قد نزلت في هذه المناسبة حيث أسلم عمر رابع أربعين([582]).
ولكن يعارض ذلك ما روي عن الكلبي، من أن الآية قد نزلت في المدينة في غزوة بدر([583]).
وعن الواقدي: أنها نزلت في بني قريظة والنضير([584]).
وأيضاً فإن الآية في سورة الأنفال، وهي مدنية لا مكية.
وفي رواية الزهري: أن هذه الآية نزلت في الأنصار([585]).
يضاف إلى ذلك: أن الآية مسبوقة بآيات القتال، ولم يشرع القتال إلا في المدينة، وهي تنسجم مع تلك الآيات تمام الانسجام، فراجعها وتأمل فيها، وهي أيضاً تناسب المدينة، حيث قويت شوكة الإسلام، وعز المؤمنون.
وغير أننا نرى هذه الرواية قد تكون من دلائل تأخر إسلام عمر إلى قبل الهجرة إلى المدينة بقليل، فإن الروايات الأخرى المروية في هذه المناسبة تشير إلى أنه قد أسلم تمام الأربعين.
ومن المعلوم: أن الذين هاجروا في السنة الخامسة إلى الحبشة كانوا أكثر من ثمانين رجلاً، وهو إنما أسلم بعد الهجرة إلى الحبشة بمدة طويلة، فلا يصح تفسير هذه الرواية إلا على معنى أنه قد أسلم في الأربعين الرابعة، وكان ـ بقرينة الروايات الأخرى ـ آخر واحد منها.. أي كان برقم مئة وستين.
وهذا معناه: أن إسلامه قد كان قبيل الهجرة، كما سنرى.
ملاحظات أخيرة:
وأخيراً، فإننا نذكر:
1 ـ إن الذي يطالع روايات إسلام عمر، يرى: أنها متناقضة تناقضاً كبيراً فيما بينها.
2 ـ إن بعض الروايات تذكر: أن عمر قد التقى بسعد الذي كان قد أسلم، أو بنعيم النحام، وجرى بينهما كلام؛ فأخبره بإسلام أخته، وزوجها، وأغراه بهما.
ويرد سؤال: إنه إذا كان سعد مسلماً، وكان نعيم قد أسلم قبل عمر سراً، فلماذا يغري عمر بأخته المسلمة وصهره؟!
وإذا كان إنما فعل ذلك ليصرفه عن قصد النبي >صلى الله عليه وآله< بالسوء؛ فلا ندري كيف يخاف من عمر على النبي وعند النبي >صلى الله عليه وآله< أمثال حمزة وعلي إلى تمام الأربعين رجلاً؛ ولماذا لا يخاف على هذين المسلمين، وليس لهما ناصر، ولا عندهما أحد؟!.
3 ـ إن قول حمزة عن عمر: >وإن كان يريد شراً قتلناه بسيفه< يشير إلى أنه >رحمه الله< لم يكن يقيم وزناً لعمر، حتى حينما يكون عمر متوشحاً بالسيف، حتى يرى: أن أمره سهل، وأن بالإمكان قتله بنفس سيفه الذي يحمله، وهذا غاية في الاستهانة بقدرات عمر، ما بعدها غاية.
4 ـ لا ندري لماذا تهدد النبي عمر؟
وجبذه جبذة شديدة!!.
وكيف وصل عمر إلى النبي بهذه السهولة؟
ولماذا لقيه في الحجرة؟
ولماذا خرج المسلمون في صفين؟
وما هي فلسفة ذلك عسكرياً، وهل لم يكن عمر يعرف من هو أنقل رجل للحديث في قريش؟
ولماذا لم يكن يدنو إليه إلا شريف؟!
وإذا كان قد خرج مع المسلمين في صفين وتهدد المشركين، وخاف رسول الله >صلى الله عليه وآله< حينئذٍ فلماذا احتاج إلى أنقل رجل للحديث في قريش؟!
ولماذا ذهب إلى المسلمين متوشحاً سيفه؟!
إلى كثير من الأسئلة التي تعلم بالمراجعة والمقارنة.
خاتمة المطاف:
وبعد ما تقدم، فإن المراجع لروايات إسلام عمر لا يصعب عليه: أن يكتشف بسرعة:
أن ثمة محاولات للتغطية على قضية إسلام حمزة، الذي عز به الإسلام حقاً، وسر به رسول الله >صلى الله عليه وآله< سروراً كثيراً.
ولهذا تجد: أنهم يقرنون عمر بحمزة كثيراً في تلك الروايات، ويحاولون إعطاءهما المواقف مناصفة، مع تخصيص عمر بحصة الأسد فيها.
كما أن فضيلة رد الجوار التي هي لعثمان بن مظعون يحاولون إعطاءها إلى عمر.
بل نجد في بعض الروايات: أن أهل الكتاب في الشام قد بشروا عمر بما سوف يؤول إليه أمره في مستقبل هذا الدين الجديد([586])، كما بشروا أبا بكر في بصرى([587]) وكما بشروا النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه([588]) حسب رواياتهم.
ثم إنهم قد وجدوا في عمر العلامات التي تدعم مدعاهم([589])، كما وجدوها في أبي بكر من قبل..
ثم كان إسلام عمر، وكانت كل الجهود موقوفة على صنع الفضائل والكرامات له!!
فتبارك الله أحسن الخالقين!!
ولقد قال ابن عرفة المعروف بنفطويه: إن أكثر فضائل الصحابة قد افتعلت في عهد بني أمية، إرغاماً لأنوف بني هاشم!([590]).
كما أن معاوية قد أمر الناس بوضع الحديث في الخلفاء الثلاثة كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وحسبنا ما ذكرناه هنا؛ فإن فيه مقنعاً وكفاية لكل من أراد الرشد والهداية.
الفصل السادس:
في شعب أبي طالب ×
المقاطعة:
>لما رأت قريش عزة النبي >صلى الله عليه وآله< بمن معه، وعزة أصحابه في الحبشة، وفشوّ الإسلام في القبائل<([591])، وأن جميع جهودها في محاربة الإسلام قد باءت بالفشل، حاولت أن تقوم بتجربة جديدة، وهي الحصار الاقتصادي والاجتماعي ضد الهاشميين، وأبي طالب؛ فإما أن يرضخوا لمطالبها في تسليم محمد لها للقتل، وإما أن يتراجع محمد >صلى الله عليه وآله< نفسه عن دعوته.
وإما أن يموتوا جوعاً وذلاً، مع عدم ثبوت مسؤولية محددة على أحد في ذلك، يمكن أن تجر عليهم حرباً أهلية، ربما لا يمكن لأحد التكهن بنتائجها، وعواقبها السيئة.
فكتبوا صحيفة تعاقدوا فيها على عدم التزوج والتزويج لبني هاشم، وبني المطلب، وأن لا يبيعوهم شيئاً، ولا يبتاعوا منهم، وأن لا يجتمعوا معهم على أمر من الأمور، أو يسلموا لهم رسول الله >صلى الله عليه وآله< ليقتلوه.
وقد وقع على هذه الصحيفة أربعون رجـلاً من وجوه قريش، وختموها بخواتيمهم، وعلقت الوثيقة في الكعبة مدة ويقال: >إنهم خافوا عليها السرقة؛ فنقلوها إلى بيت أم أبي جهل<([592]).
وكان ذلك في سنة سبع من البعثة على أشهر الروايات، وقيل ست.
وأمر أبو طالب بني هاشم أن يدخلوا برسول الله >صلى الله عليه وآله< الشعب ـ الذي عرف بشعب أبي طالب ـ ومعهم بنو المطلب بن عبد مناف، باستثناء أبي لهب لعنه الله وأخزاه([593]).
واستمروا فيه إلى السنة العاشرة، ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بالطعام، وكانوا ينفقون من أموال خديجة، وأبي طالب، حتى نفدت، حتى اضطروا إلى أن يقتاتوا بورق الشجر.
وكان صِبْيَتُهُم يتضاغون جوعاً، ويسمعهم المشركون من وراء الشعب، ويتذاكرون ذلك فيما بينهم، فبعضهم يفرح، وبعضهم يتذمم من ذلك.
ويقولون: إنه ربما وجد فيهم من يتعاطف مع المسلمين، وكان هذا يصدر غالباً ممن يتصل بهم نسباً، كأبي العاص بن الربيع، وحكيم بن حزام وإن كنا نحن نشك في ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ولم يكونوا يجسرون على الخروج من شعب أبي طالب إلا في موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة، فكانوا يشترون حينئذٍ ويبيعون ضمن ظروف صعبة جداً، حيث إن المشركين كانوا يلتقون بكل من يقدم مكة أولاً، ويطمعونه بمبالغ خيالية ثمناً لسلعته، شرط أن لا يبيعها للمسلمين.
وكان أبو لهب هو رائدهم في ذلك؛ فكان يوصي التجار بالمغالاة عليهم حتى لا يدركوا معهم شيئاً، ويضمن لهم، ويعوضهم من ماله كل زيادة تبذل لهم.
بل لقد كان المشركون يتهددون كل من يبيع المسلمين شيئاً بنهب أمواله، ويحذرون كل قادم إلى مكة من التعامل معهم.
والخلاصة: أن قريشاً قد قطعت عنهم الأسواق، فلا يتركون لهم طعاماً يقدم مكة، ولا بيعاً إلا بادروهم إليه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله >صلى الله عليه وآله<([594]).
وقد استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً، وكان علي أمير المؤمنين >عليه السلام< أثناءها يأتيهم بالطعام سراً من مكة، من حيث يمكن، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه، كما يقول الإسكافي وغيره([595]).
وكان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه كثيراً ما يخاف على النبي >صلى الله عليه وآله< البيات؛ فإذا أخذ الناس مضاجعهم، اضطجع النبي >صلى الله عليه وآله< على فراشه، حتى يرى ذلك جميع من في شعب أبي طالب، فإذا نام الناس جاء وأقامه، وأضجع ابنه علياً مكانه([596]).
وثمة أبيات شعر له >رحمه الله< مخاطباً بها ولده علياً بهذه المناسبة، فلتراجع في مصادرها.
أموال خديجة، وسيف علي ':
هنا سؤال مفاده: إن من المعروف أن الإسلام قد قام بسيف أمير المؤمنين >عليه السلام<، الذي قال فيه رسول الله >صلى الله عليه وآله< ـ كما سيأتي في غزوتَي أحد وبدر:
لا فـــــتــــــى إلا عـــلــــي لا ســيـــف إلا ذو الـــفـــقــار
وبأموال خديجة رحمها الله تعالى، التي أنفقتها في سبيل الله سبحانه فما معنى هذا الكلام وما الذي يرمي إليه؟!
فهل معنى ذلك: أن خديجة كانت ترشو الناس من أجل أن يدخلوا في الإسلام؟
وهل يمكن العثور على مورد واحد من هذا القبيل في التاريخ؟!
لعلك تقول: إن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يتألف كثيرين على الإسلام، فيعطيهم الأموال ترغيباً لهم في ذلك.
وقضية غنائم حنين الآتية إن شاء الله أوضح دليل على ذلك، ولا يجهل أحد سهم المؤلفة قلوبهم في الإسلام.
والجواب:
أن هذا الذي ذكر ليس معناه أنهم كانوا يأخذون الرشوة على الإسلام، وإنما يريد الإسلام لهؤلاء أن يعيشوا في الأجواء الإسلامية، ويتفاعلوا معها، وينظروا لها نظرة سليمة، ومن دون وجود أية حواجز نفسية، أو سياسية، أو اجتماعية فكان هذا المال المعطى لهم يساعد على التغلب على تلك الحواجز الوهمية في أكثرها، ويجعلهم يعيشون في الأجواء والمناخات الإسلامية، ويتعرفون على خصائص الإسلام وأهدافه.
ولتحصل لهم من ثم القناعات الوجدانية والفكرية بأحقية الإسلام، وسمو أهدافه.
كما أن من هؤلاء من يرى: أن هذا الدين قد حرمه من المال والثروة والامتيازات التي يحبها، فلماذا لا يدبر في الخفاء ما يزيح هذا الكابوس الخانق، والمضر بمصالحه؟
فإذا أعطي المال، وأفهم أن الإسلام ليس عدواً للمال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ..}([597]) فإنه يمكن إقناعه حينئذٍ بأن هدف الإسلام ليس إلا التركيز على إنسانية الإنسان، واعتبارها المقياس الحقيقي له، لا المال، ولا القوة ولا الجمال، ولا الجاه، ولا غير ذلك، وأنه يهدف إلى تنظيم حياة هذا الإنسان في هذا الخط، ليكون سعيداً في الدنيا والآخرة على حد سواء.
وأما أموال خديجة؛ فلم تكن تعطى كرشوة على الإسلام، ولا كانت تنفق على المؤلفة قلوبهم.
وإنما كانت تسد رمق ذلك المسلم، الذي يعاني أعظم المشاق والآلام، في سبيل إسلامه وعقيدته، هذا المسلم الذي لم تتورع قريش عن محاربته بكل ما تملكه من أسلحة لا إنسانية ولا أخلاقية، حتى بالفقر والجوع.
فكانت تلك الأموال تسد رمق من يتعرض للأخطار الكبيرة، وتخدم الإسلام عن هذا الطريق.
وهذا معنى قولهم: إن الإسلام قام بأموال خديجة.
وملاحظة لا بد منها، وهي أن أموال خديجة التي أنفقت في المقاطعة، كانت في غالبها من النوع الذي يمكن الانتفاع به في سد رمق الجائع، وكسوة العاري، وأما ما سواه؛ فلربما لم يتعرض لذلك؛ بسبب عدم القدرة على البيع والشراء في غالب الأحيان.
ونشير أخيراً، إلى أن مكة مهما عظمت الثروة فيها، فإنها لا تخرج عن كونها محدودة الإمكانات، تبعاً لموقعها، وحجمها؛ لأنها لم تكن مدينة كبيرة جداً، بل كانت بلداً كبيراً بالنسبة إلى القرية، ولذا جاء التعبير عنها في القرآن بـ >أم القرى< وثروة في بلد كهذا تبقى دائماً محدودة، تبعاً لمحدوديته، وقدراته، وإمكاناته.
حكيم بن حزام وعواطفه تجاه المسلمين:
قد تقدم أنهم يذكرون حكيم بن حزام في جملة من كان يرسل الطعام سراً إلى المسلمين في شعب أبي طالب روى ذلك ابن إسحاق وغيره([598]).
ولكننا بدورنا نشك في ذلك، فإن حكيم بن حزام كان من القوم الذين انتدبتهم قريش لقتل رسول الله >صلى الله عليه وآله< ليلة الغار، وباتوا على باب النبي >صلى الله عليه وآله< يرصدونه بانتظار ساعة الصفر([599]) وقد رد الله كيدهم إلى نحورهم.
أضف إلى ذلك: أنه كان يحتكر جميع الطعام الذي كان يأتي إلى المدينة على عهد رسول الله >صلى الله عليه وآله<([600])، وكان من المؤلفة قلوبهم([601]).
ومن كانت له نفسية كهذه، فإنه يصعب عليه جود كهذا، خصوصاً إذا كان معه تعريض نفسه لأخطار العداء مع قريش، إلا أن يكون يمارس ذلك بروحه الاحتكارية التجارية؛ فيبيع المسلمين الطعام بأغلى الأثمان، فيعرض نفسه لهذه الأخطار حباً بالمال.
ويكون حبه للمال، وتفانيه في سبيله هو الذي يُسهِّل عليه كل عسير، ويذلل له ركوب كل صعب وخطير.
أضف إلى ذلك: أنه سوف يأتي حين الكلام على إسلام أبي طالب حين الكلام على رده >صلى الله عليه وآله< هدية ملاعب الأسنة: أن النبي >صلى الله عليه وآله<، قد رد هديته وهدية غيره، لأنها هدية من مشرك، فلا يعقل: أن يقبلها الآن، ويردها بعد ذلك، وإلا لاعترضوا عليه بقبوله لها قبل الآن.
إلا أن يدعى: أن ابن حزام إنما كان يعطي الأطفال والنساء، وغيرهم من بني هاشم المحصورين في الشعب، وهؤلاء كانوا يقبلون ذلك منه، وإن كان النبي >صلى الله عليه وآله< لم يكن يقبل. فتبقى ملاحظة: إنه قد يكون إنما يأتيهم بالطعام ليبيعهم إياه بأغلى الأثمان لا دافع لها.
ومن ذلك كله يظهر أيضاً: أنه لا يمكن الاطمئنان، ولا قبول قولهم: إن أبا العاص بن الربيع كان يفعل مثل ذلك آنئذٍ.
ونحن لا نستبعد: أن يكون للزبيريين يد في تسجيل هذه الفضيلة لحكيم بن حزام، لا سيما وأنه كان ممن تلكأ عن بيعة أمير المؤمنين >عليه السلام<، وكان عثمانياً متصلباً([602]).
وقد أشرنا إلى ذلك حين الكلام حول ولادة أمير المؤمنين >عليه السلام< في الكعبة، وحين الكلام عن افتعال الأكاذيب في موضوع الوحي وكيفياته.
انشقاق القمر:
وفي السنة الثامنة من البعثة، حينما كان المسلمون محصورين في شعب أبي طالب، كانت قضية انشقاق القمر([603]).
وقد جاء في الروايات الكثيرة: أن قريشاً سألوا رسول الله >صلى الله عليه وآله< أن يريهم آية، فدعا الله فانشق القمر نصفين حتى نظروا إليه ثم التأم؛ فقالوا: هذا سحر مستمر، فأنزل الله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}([604]).
وفي رواية: أنهم قالوا: انتظروا ما يأتيكم به السُفَار؛ فإن محمداً لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، فجاء السفار، فسألوهم، فقالوا: نعم رأيناه، فأنزل الله: اقتربت الساعة وانشق القمر([605]).
ونقل عن السيد الشريف في شرح المواقف، وعن ابن السبكي في شرح المختصر:
أن الحديث متواتر لا يمترى في تواتره عند أهل السنة([606])، وأما عند غيرهم، فيقول العلامة البحاثة السيد الطباطبائي >رحمه الله<: >ورد انشقاق القمر لرسول الله >صلى الله عليه وآله< في روايات الشيعة عن أئمة أهل البيت >عليهم السلام< كثيراً، وقد تسلمه محدثوهم والعلماء من غير توقف<([607]).
ولكن على أية حال.. لا يمكن أن تعتبر هذه المسألة من ضروريات الدين، كما أشار إليه بعض الأعلام([608]).
شبهة، وحلها:
يقول العلامة الطباطبائي: >واعترض عليها: بأن صدور المعجزة منه >صلى الله عليه وآله< باقتراح من الناس، ينافي قوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}([609]).
فمفاد هذه الآية، إما أنا لا نرسل بالآيات إلى هذه الأمة أصلاً، لأن الأمم السابقة كذبوا بها، وهؤلاء يماثلونهم في طباعهم؛ فيكذبون بها، ولا فائدة في الإرسال مع عدم ترتب الأثر عليه، أو المفاد؛ أننا لا نرسل بها، لأننا أرسلنا إلى أوليهم فكذبوا بها؛ فعذبوا بها، وأهلكوا.
ولو أرسلنا إلى هؤلاء لكذبوا بها، وعذبوا عذاب الاستئصال، لكننا لا نريد أن نعاجلهم بالعذاب.
وعلى أي حال، لا يرسل بالآيات إلى هذه الأمة، كما كانت ترسل إلى الأمم الدارجة.
نعم، هذا في الآيات المرسلة باقتراح الناس، دون الآيات التي تؤيد بها الرسالة، كالقرآن المؤيد لرسالة النبي >صلى الله عليه وآله<، وكآيتي العصا، واليد لموسى >عليه السلام<، وآية إحياء الموتى وغيرها لعيسى >عليه السلام<، وكذا الآيات النازلة لطفاً منه سبحانه، كالخوارق الصادرة عن النبي >صلى الله عليه وآله<، لا عن اقتراح منهم الخ..
ثم أجاب >رحمه الله< بما ملخصه: إن تكذيبهم بآية انشقاق القمر كان يستدعي العذاب، لأنها آية اقتراحية منهم، وما كان الله ليهلك جميع من أرسل نبيه إليهم، وهم أهل الأرض جميعاً إلا بعد إتمام الحجة عليهم، ولم تتم الحجة بعد على جميع الناس ثم كذبوه، ثم طلبوا الآية.
بل تمت الحجة على بعض الأفراد من الذين كانوا يعيشون في مكة، لأن هذه الآية كانت قبل الهجرة بخمس سنين هذا بالإضافة إلى أنه ما كان الله ليهلك جميع أهل مكة ومن حولها، لأن فيهم جمعاً كبيراً من المسلمين، قال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً}([610]).
ولم يتزيل المشركون عن المسلمين، ولا امتازوا عنهم.
كما أنه إذا كان الرسول >صلى الله عليه وآله< بينهم فإنه لا يعذبهم.
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ..}([611]) وما كان الله لينجي المؤمنين ويهلك الكفار بعد أن آمن جمع كثير منهم فيما بين سنة ثمان من البعثة وثمان من الهجرة، ثم أسلم عامتهم يوم الفتح، والإسلام يكتفى فيه بظاهره.
وأيضاً، فإن عامة أهل مكة ومن حولها لم يكونوا أهل جحود وعناد، وإنما كان ذلك في عظمائهم وصناديدهم، الذين كانوا يستهزئون به >صلى الله عليه وآله<، ويعذبون المؤمنين.
والآيات التي تبين أن صدهم عن المسجد الحرام، واستفزازهم له >صلى الله عليه وآله< من الأرض ليخرجوه منها، سوف ينشأ عنه أنهم {لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً}([612])، و{يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}([613]) ـ هذه الآيات ـ قد تحقق مضمونها بما أصابهم يوم بدر من القتل الذريع.
فقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ..}([614]) إنما يفيد الإمساك عن إرسال الآيات ما دام النبي >صلى الله عليه وآله< فيهم، وأما إرسالها وتأخير العذاب إلى حين خروجه من بينهم فلا دلالة فيه عليه.
وقوله تعالى: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعاً}([615]) ـ إلى أن قال ـ : {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً}([616]). لا يدل على نفي تأييد النبي >صلى الله عليه وآله< بالآيات المعجزة، وإنكار نزولها من الأساس، وإلا فإن جميع الأنبياء كانوا بشراً.
ومعنى الآية: أنه من حيث هو بشر فإنه لا يقدر على ذلك.
وإنما الأمر إلى الله تعالى فهو الذي يأتي بالآيات في الحقيقة([617]).
ويقول البعض: إن آية: {.. وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً}([618]) لعلها ناظرة إلى أن دعوة النبي >صلى الله عليه وآله< ليست معتمدة على الآيات، التي هي من قبيل ناقة ثمود، وآيات موسى >عليه السلام<، بل هي تعتمد بالدرجة الأولى على الإقناع، وإقامة الحجة العقلية كدعوة إبراهيم >عليه السلام<، وذلك لا ينافي صدور بعض الآيات في الموارد التي لا تنفع فيها الحجج العقلية، والبراهين القطعية.
انشقاق القمر: الحدث الكبير:
وأوردوا على انشقاق القمر بأنه لو انشق ـ كما يقال ـ لرآه جميع الناس، ولضبطه أهل الأرصاد في الغرب والشرق، لكونه من أعجب الآيات السماوية، والدواعي متوفرة على استماعه ونقله.
وأجيب:
أولاً: إن من الممكن أن يغفل عنه، فلا دليل على كون كل حادث أرضي أو سماوي معلوماً للناس، محفوظاً عندهم، يرثه خلف عن سلف([619]).
وأوضح ذلك بعض الأعلام بما حاصله: إنه لا بد من ملاحظة الأمور التالية:
1 ـ إن هذا الانشقاق قد حصل في نصف الكرة الأرضية، حيث يوجد الليل دون النصف الآخر، حيث يوجد النهار.
2 ـ وفي هذا النصف لا يلتفت أكثر الناس إلى ما يحصل في الأجرام السماوية إذا كان ذلك بعد نصف الليل، حيث الكل نائمون، فإنهم جميعاً لا يلتفتون إلى ذلك.
3 ـ ولربما يكون في بعض المناطق سحاب يمنع من رؤية القمر.
4 ـ والحوادث السماوية إنما تلفت النظر لو كانت مصحوبة بصوت كالرعد، أو بأثر غير عادي كقلة نور الشمس في الكسوف، إذا كان لمدة طويلة نسبياً.
5 ـ هذا كله عدا عن أن السابقين لم يكن لهم اهتمام كبير بالسماء ومراقبة ما يحدث لأجرامها.
6 ـ ولم يكن ثمة وسائل إعلام تنقل الخبر من أقصى الأرض إلى أقصاها بسرعة مذهلة؛ لتتوجه الأنظار إلى ما يحدث.
7 ـ والتاريخ الموجود بين أيدينا ناقص جداً، فكم كان في تلك المئات والآلاف من السنين الخالية من كوارث وزلازل، وسيول عظيمة أهلكت طوائفَ وأمماً، وليس لها مع ذلك في التاريخ أثر يذكر؟
بل إن زرادشت وقد ظهر في دولة عظيمة، وله أثر كبير على الشعوب على مدى التاريخ، لا يُعرف حتى أين ولد ومات ودفن، بل ويشك البعض في كونه شخصية حقيقية، أو وهمية.
وبعد ما تقدم: يتضح أنه لا يجب أن يعرف الناس بانشقاق القمر، ولا أن يضبطه التاريخ بشكل واضح([620]) كما هو معلوم.
ثانياً: لم يكن في المنطقة العربية وغيرها مرصد للأوضاع السماوية، وإنما كانت المراصد موجودة في المشرق والمغرب لدى الروم واليونان، وغيرهما. ولم يثبت وجود مرصد في هذا الوقت، على أن بلاد الغرب، الذين كانوا معتنين بهذا الشأن بينها وبين مكة من اختلاف الأفق ما يوجب فصلاً زمانياً معتداً به.
وقد كان القمر على ما في بعض الروايات بدراً قد انشق حين طلوعه، ودام مدة يسيرة، ثم التأم، فيقع طلوعه في بلاد المغرب وهو ملتئم ثانياً([621]).
إمكان الانشقاق والالتئام علمياً:
ويبقى هنا سؤال وهو: هل يمكن علمياً الانشقاق في الأجرام السماوية؟
وإذا أمكن الانشقاق، فإنما يمكن ببطلان التجاذب بين الشقتين حينئذٍ؛ فيستحيل الالتئام بعد الانشقاق.
وأجيب عنه: بأن خرق العادة بقدرة الله سبحانه ليس محالاً.
كما أن العلماء يقولون: إنه قد حدثت انشقاقات كثيرة في الأجرام السماوية؛ بسبب عوامل خاصة، ومن الأمثلة على ذلك:
1 ـ إن ثمة حوالي خمسة آلاف من القطع الكبيرة والصغيرة التي تدور حول الشمس ويعتقد العلماء أنها بقايا إحدى السيارات التي كانت بين مداري المريخ والمشتري، ثم انفجرت لأسباب مجهولة وتحولت إلى قطع متفاوتة الأحجام في مدارات حول الشمس.
2 ـ ويقولون: إن الشهب هي أحجار صغيرة تسير بسرعة مذهلة في مدار حول الشمس، وربما تتقاطع مع الأرض أحياناً، فتجذبها الأرض، فتصطدم بالجو الأرضي فتشتعل ثم تتلاشى.
ويقول العلماء: إنها بقايا نجوم انفجرت وتشققت بهذا النحو.
3 ـ والمنظومة الشمسية أيضاً يقال ـ حسب نظرية لابلاس ـ إنها كانت في الأصل قطعة واحدة، ثم انفجرت، لسبب غير معلوم فصارت على هذا النحو، فلماذا لا ينشق القمر بسبب قاهر وهو القدرة الإلهية، حيث إن النبي >صلى الله عليه وآله< قد دعا الله فاستجاب له؟ ولم يدّع أحد أنه ينشق بلا سبب أصلاً.
وأما عودته إلى الالتئام بعد ذلك، فقد قال العلماء: إن كل جرم كبير له جاذبية.
ولذلك نجد أن الشمس كثيراً ما تجذب بعض القطعات التي تدور حولها، فتتحول تلك القطع بفعل الصدمة والاحتكاك إلى لهب متلاشٍ.
إذاً، فما دام كل من شقي القمر قريباً إلى الآخر، وبعد رفع تأثير القوة المانعة من تأثير الجاذبية، فلماذا لا يشد كل من النصفين النصف الآخر إلى نفسه، ليعودا كما كانا، وأي محذور عقلي في ذلك؟!([622]).
وقد أوجز العلامة الطباطبائي الإجابة عن سؤال امتناع الالتئام لعدم الجاذبية، فقال: إن الاستحالة العقلية ممنوعة، والاستحالة العادية، بمعنى اختراق العادة، لو منعت عن الالتئام بعد الانشقاق، لمنعت أولاً عن الانشقاق بعد الالتئام ولم تمنع. وأصل الكلام مبني على خرق العادة([623]).
ومما تجدر الإشارة إليه هنا: أن جريدة كيهان الإيـراينة قـد نـشـرت بتاريخ: الثلاثاء 3 شباط 2004 >14/11/1382 هـ. ش< العدد 62/17876 خبراً مفاده أن رواد الفضاء الأمريكي قد توصلوا في تحقيقاتهم الأخيرة إلى أن القمر قد انشق إلى نصفين، ومن ثم ـ بواسطة قوة فاعلة ـ التأم من جديد.
وفـي مقابلة تلفزيونية مع عالم الجيولوجيا الدكتور زغلول النجار أعلن أنه وخلال محاضرة له في جامعة >كارديف< في غرب بريطانيا، أكد داود موسى بيتكوك >رئيس الحزب الإسلامي البريطاني<: أنه سمع ذلك من التلفزيزن البريطاني، وأن هذا كان سبب إسلامه.
دلالة الآية القرانية على ذلك:
ويحتمل البعض: أن يكون قوله تعـالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ}([624]) ناظراً إلى المستقبل، وأنه من أشراط الساعة، كتكوير الشمس، وانكدار النجوم.
وأجيب عنه بما حاصله:
أولاً: إن ظاهر قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ}([625]) هو أن جماعة من مخالفي النبي لا يؤمنون بالآيات وكلما جاءتهم آية يزيد عنادهم واستكبارهم، ويعتبرونها من السحر.
مما يدل على أنه قد جرى له >صلى الله عليه وآله< معهم في قصة انشقاق القمر مثل ذلك.
ثانياً: إن جملة >انشق< فعل ماض، ولا يراد الاستقبال من الفعل الماضي إلا بقرينة، وهي غير موجودة، بل الموجود خلافه؛ فقد قال الرازي:
>المفسرون بأسرهم على أن المراد أن القمر انشق، ودلت الأخبار الصحاح عليه<([626]) وإن كان الطبرسي وابن شهرآشوب يستثنيان: عطاء، والحسن والبلخي([627]).
ثم قال الطبرسي: وهذا لا يصح، لأن المسلمين أجمعوا على ذلك، فلا يعتد بخلاف من خالف فيه([628]).
وإن قيل: إن اقتران جملة: اقتربت الساعة: بجملة: وانشق القمر، يوحي بأن زمانهما واحد.
فالجواب هو: أن كثيراً من الآيات تؤكد على أن الساعة قد قرب وقتها، فلم الغفلة؟ قال تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ}([629]).
وينقل عنه >صلى الله عليه وآله< أنه قال: >بعثت أنا والساعة كهاتين<([630]) وأشار إلى إصبعيه.
>والظاهر: أن ذلك بملاحظة مجموع عمر الدنيا الطويل جداً، حتى ليصح أن يقال:
إن هذا الفاصل الزماني بين بعثته >صلى الله عليه وآله< وقيام الساعة ليس بشيء<.
وبعد هذا.. فإن مفاد الآية يكون: أن الساعة قد اقتربت، وهذه الآية المعجزة قد ظهرت للنبي >صلى الله عليه وآله<.
ولكن هؤلاء المشركين المستكبرين لا يؤمنون، ولا يصدقون، بل يقولون: سحر مستمر([631]).
ولكن بعض المحققين يقول: إن قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْا آيَةً..} جملة شرطية، لا دلالة فيها على وقوع ذلك.
وجملة {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} مساقها مساق قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} فإنها جملة فعلية ماضوية، ولكن الأمر لم يأت بعد بقرينة قوله: {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.
وكذا الحال في قوله تعالى: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} بملاحظة قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْا آيَةً..} والمراد بيان حالهم لو وقع لهم أمر كهذا.
وأما الإجماع الذي ادعاه الطبرسي؛ فلا حجية فيه، إذ من المحتمل أن يكون منشؤه الفهم الخاطئ للآية، انتهى كلامه.
ونقول نحن: إن هذا الكلام له وجه، لو لم يكن لدينا أخبار صحيحة تدل على وقوع انشقاق القمر.
الأساطير:
هذا، وقد لعبت الأهواء والأساطير في قضية شق القمر، حتى لقد شاع على ألسنة الناس: أن أحد شقي القمر قد مر من كُمّ النبي >صلى الله عليه وآله<.
فيقول العلامة الشيخ ناصر مكارم: إن هذا الكلام ليس له في كتب الحديث والتفسير عين ولا أثر، سواء عند السنة، أو عند الشيعة.
وثمة تفاصيل وخصوصيات تذكر في بعض الروايات لا نرى في تحقيق الحق فيها كبير نفع، ولا جليل أثر؛ ولذا فنحن نعرض عنها إلى ما هو أهم، ونفعه أعم.
نقض الصحيفة:
وبعد ثلاث سنوات تقريباً من حصر المسلمين في شعب أبي طالب، أخبر النبي >صلى الله عليه وآله< عمه أبا طالب بأن الإرضة قد أكلت كل ما في صحيفتهم من ظلم وقطيعة رحم ولم يبق فيها إلا ما كان اسماً لله. وفي نص آخر:
>أنها قد أكلت كل اسم لله تعالى فيها، ولم تُبْق إلا كل ظلم وشر، وقطيعة رحم<([632]).
والأصح هو الأول كما هو صريح الكلام المنقول عن أبي طالب >عليه السلام<..
فخرج أبو طالب من شعبه، ومعه بنو هـاشـم إلى قريش، فقال المشركون: الجوع أخرجهم.
وقالوا له: يا أبا طالب، قد آن لك أن تصالح قومك.
قال: قد جئتكم بخير، ابعثوا إلى صحيفتكم، لعله أن يكون بيننا وبينكم صلح فيها. فبعثوا، فأتوا بها، فلما وضعت وعليها أختامهم.
قال لهم أبو طالب: هل تنكرون منها شيئاً؟
قالوا: لا.
قال: إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط: أن الله قد بعث على هذه الصحيفة الأرضة، فأكلت كل قطيعة وإثم، وتركت كل اسم هو لله؛ فإن كان صادقاً أقلعتم عن ظلمنا، وإن يكن كاذباً ندفعه إليكم فقتلتموه.
فصاح الناس: أنصفتنا يا أبا طالب، ففتحت، ثم أخرجت، فإذا هي كما قال >صلى الله عليه وآله<: فكبر المسلمون، وامتقعت وجوه المشركين.
فقال أبو طالب: أتبين لكم: أينا أولى بالسحر والكهانة؟. فأسلم يومئذٍ عالم من الناس.
ولكن المشركين لم يقنعوا بذلك، بل استمروا على العمل بمضمون الصحيفة، حتى قام جماعة منهم بالعمل على نقضها، ويذكرون منهم: هشام بن عمرو بن ربيعة، وزهير بن أمية بن المغيرة، والمطعم بن عدي، وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، وكلهم له رحم ببني هاشم والمطلب، وتكلموا في نقضها؛ فعارضهم أبو جهل فلم يلتفتوا إلى معارضته، ومزقت الصحيفة، وبطل مفعولها. وخرج الهاشميون حينئذٍ من شعب أبي طالب رضوان الله تعالى عليه([633]).
حنكة أبي طالب، وإيمانه:
إن المطالع لأحداث ما قبل الهجرة النبوية الشريفة ليجد عشرات الشواهد الدالة على حنكة أبي طالب >عليه السلام<.
وخير شاهد نسوقه الآن على ذلك، هو ما ذكرناه آنفاً، حيث رأيناه يطلب منهم أن يحضروا صحيفتهم، ويمزج ذلك بالتعريض بإمكان أن يكون ثمة صلح في ما بينهم وبينه.
وما ذلك إلا من أجل أن لا تفتح الصحيفة إلا علناً، يراها كل أحد، وأيضاً حتى يهيئهم للمفاجأة الكبرى، ويمهد السبيل أمام طرح الخيار المنطقي عليهم، ليسهل عليهم تقبله، ثم الالتزام به، ولاسيما إذا استطاع أن ينتزع منهم وعداً بما يريد، ويضعهم أمام شرف الكلمة، وعلى محك قواعد النبل واحترام الذات، حسب المعايير التي كانوا يتعاملون على أساسها..
وقد نجح في ذلك إلى حد بعيد، حتى ليصيح الناس: أنصفتنا يا أبا طالب.
ثم تبرز لنا من النصوص المتقدمة حقيقة أخرى، لها أهميتها وانعكاساتها، وهي تدل على مدى ثقة أبي طالب بصدق النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وبسداد أمره، وواقعية ما جاء به، حتى قال: إن ابن أخي حدثني ولم يكذبني قط..
وكان يتألم جداً من اتهام ابن أخيه بالسحر والكهانة، ويعتبر ذلك افتراء ظاهراً، ويغتنم الفرصة السانحة للتعبير عن خطل رأيهم، وسفه أحلامهم، فيقول لهم: >أتبين لكم: أينا أولى بالسحر والكهانة<؟!
وكانت النتيجة: أن أسلم بسبب هذه المعجزة يومئذٍ عالم من الناس.
القبلية وآثارها:
وقد لاحظنا فيما سبق: أن القبلية قد ساعدت إلى حد ما في منع الكثير من الأحداث التي تؤثر مستقبلياً على الدعوة ونجاحها.
وليكن ما قام به هؤلاء الذين عملوا على نقض الصحيفة هو أحد الشواهد على ذلك.
ولكن الذي يلفت نظرنا هو: أننا لا نرى أبا لهب فيمن قام في ذلك أو ساعد عليه.
كما أننا لا نجد أثراً لابن عم خديجة حكيم بن حزام، الذي تدَّعي الروايات!! أنه كان يرسل الطعام لهم وهم محصورون في الشعب.
وأيضاً لا نجد مكاناً لأبي العاص بن الربيع الأموي (!!)، الذي سوف يأتي حين الكلام على أسطورة تزويج الإمام علي >عليه السلام< ببنت أبي جهل أنهم يدعون (!!): أن النبي >صلى الله عليه وآله< أثنى على صهره!! تعريضاً بعلي الذي لم يكن يستحق إلا التقريع والتعريض (!!). علي الذي كان يخاطر بنفسه، ويأتي لهم بالطعام من مكة، ولو وجدوه لقتلوه، كما تقدم.
ما بعد نقض الصحيفة:
واستمر الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله< يعمل على نشر دينه، وأداء رسالته، واستمرت قريش تضع في طريقه العراقيل، وتحاول أن تمنع الناس من الاجتماع به، والاستماع إليه، بكل الوسائل التي تقع تحت اختيارها، والنبي >صلى الله عليه وآله< يتحمل ويصبر، لا يكل ولا يمل، ولم تفلح قريش في ذلك، ولا وصلت إلى نتيجة، والأحداث التي في هذا السبيل كثيرة، لو أردنا استقصاءها لطال بنا المقام، ولا محيص لنا عن تجاوزها إلى غيرها، وإن كان يعز ذلك علينا.
وفد من الحبشة:
وقدم على النبي الأعظم الأكرم >صلى الله عليه وآله< أول وفد من خارج مكة، وبالذات من الحبشة، ومن النصارى، وقيل: من نجران، وكان يتألف ـ على قول ابن إسحاق وغيره ـ من عشرين رجلاً، وقيل غير ذلك، وكان على رأس الوفد جعفر بن أبي طالب >رحمه الله<([634]).
فوجدوا النبي >صلى الله عليه وآله< في المسجد الحرام؛ فكلموه، وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، وبعد دعوة الرسول >صلى الله عليه وآله< لهم إلى الإسلام آمنوا وصدقوا، فلما قاموا، اعترضهم أبو جهل، وعنفهم على إسلامهم، وتركهم دينهم؛ فقالوا: سلام عليكم، لا نجاهلكم، لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه، لم نأل أنفسنا خيراً؛ فأنزل الله تعالى:
{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ}، إلى قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}([635]).
وكانت هذه ـ بطبيعة الحال ـ ضربة قاسية لقريش وكبريائها، وخططها وأهدافها، وخصوصاً إذا كان ذلك الوفد قد جاء من الحبشة، وبالأخص بقيادة جعفر >عليه السلام< فإن ذلك يعني:
أن الدعوة قد بدأت تأخذ طريقها إلى القلوب في مناطق لا تخضع لقريش، وسلطانها، ونفوذها.
كما أنه إنذار لها بلزوم التحرك بسرعة قبل أن يفوت الأوان.
ولكن كيف؟ وأنى؟. وهذا أبو طالب، ومعه الهاشميون والمُطّلبيون يمنعون محمداً ويحوطونه، فلا بد إذن من الانتظار.
من مواقف أبي طالب:
وكان أبو طالب شيخ الأبطح >عليه السلام< هو الذي حامى وناصر النبي >صلى الله عليه وآله<، وحدب عليه منذ طفولته، وحتى الآن: فقد نصره بيده ولسانه، وواجه المصاعب الكبيرة، والمشاق العظيمة في سبيل الدفع عنه، والذود عن دينه ورسالته، وإعطائها الفرصة للتوسع والانتشار، ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
وهو أيضاً الذي كان يقدمه على أولاده جميعاً، وقد أرجعه بنفسه من بصرى إلى مكة عندما حذره بحيرا من اليهود عليه >صلى الله عليه وآله<.
نعم، وهو الذي رضي بعداء قريش له، وبمعاناة الجوع والفقر، والنبذ الاجتماعي، ورأى الأطفال يتضاغون جوعاً، حتى اقتاتوا ورق الشجر، بل لقد عبر صراحة:
عن أنه على استعداد لأن يخوض حرباً طاحنة، تأكل الأخضر واليابس، ولا يسلِّم محمداً لهم، ولا يمنعه من الدعوة إلى الله، بل هو لا يطلب منه ذلك على الأقل.
وهو الذي يقف ذلك الموقف العظيم من جبابرة قريش وفراعنتها، حينما جاءه النبي >صلى الله عليه وآله< ـ وقد ألقت عليه قريش سلا ناقة ـ فأخذ >رحمه الله< السيف، وأمر حمزة بأن يأخذ السلا، وتوجه إلى القوم، فلما رأوه مقبلاً عرفوا الشر في وجهه، ثم أمر حمزة أن يلطخ سبالهم، واحداً واحداً، ففعل([636]).
وفي نص آخر: أنه نادى قومه، وأمرهم بأن يأخذوا سلاحهم؛ فلما رآه المشركون أرادوا التفرق؛ فقال لهم: >ورب البَنِيَّة، لا يقوم منكم أحد إلا جللته بالسيف، ثم وجأ أنف من فعل بالنبي ذلك حتى أدماها ـ وفاعل ذلك هو ابن الزبعرى ـ وأمرّ بالفرث والدم على لحاهم([637]).
وفي الشعب كان يحرس النبي >صلى الله عليه وآله< بنفسه وينقله من مكان إلى آخر.
ويجعل ولده علياً >عليه السلام< في موضع النبي >صلى الله عليه وآله<، حتى إذا كان أمر، أصيب ولده دونه وقد خاطب >رحمه الله< في هذه المناسبة علياً >عليه السلام< بأبيات معبرة.
وأجابه علي >عليه السلام< بمثلها([638]) فلتراجع.
وكان يدفع قريشاً عنه باللين تارة، وبالشدة أخرى، وينظم الشعر السياسي، ليثير العواطف، ويدفع النوازل، ويهيئ الأجواء لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، وحماية أتباعه.
وقد افتقد النبي >صلى الله عليه وآله< مرة >فلم يجده؛ فجمع الهاشميين، وسلَّحهم، وأراد أن يجعل كل واحد منهم إلى جانب عظيم من عظماء قريش ليفتك به، لو ثبت أن محمداً أصابه شر<([639]).
كل ذلك في سبيل الدفع عن الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< ونصر دينه، وإعلاء كلمته، ورفعة شأنه.
وواضح: أن الإلمام بكل مواقف أبي طالب، وتضحياته الجسام يحتاج إلى وقت طويل، وجهد مستقل ونحن نكتفي بهذه الإشارة، ونعترف أننا لم نقض حقه كما ينبغي وذلك من أجل أن نوفر الفرصة لبحوث أخرى في السيرة النبوية الشريفة.
مع تضحيات أبي طالب ×:
مما تقدم يظهر أن أبا طالب، شيخ الأبطح، كان قد:
1 ـ تخلى حتى عن مكانته في قومه، إلى بديل آخر هو في الاتجاه المضاد تماماً، وهو العداء لهم، وسائر أهل بلده، بل والدنيا بأسرها، بل هو يتحمل النفي والنبذ الاجتماعي له، ولكل من يلوذ به، ولا يستسلم للضغوط المتنوعة التي يتعرض لها، ولا تلين قناته، ولا تصدع صفاته.
2 ـ رضي بتحمل الجوع والفقر والمحاصرة الاقتصادية، بل هو يبذل أمواله وكل ما لديه في سبيل هذا الدين.
3 ـ وطَّن نفسه على خوض حرب طاحنة، ربما تنتهي بإبادة الهاشميين وأعدائهم، إذا لزم الأمر.
4 ـ ضحى حتى بولده الأصغر سناً عليٍّ >عليه السلام< وتحمل آثار غربة ولده الآخر جعفر، المهاجر إلى الحبشة.
5 ـ جاهد بيده ولسانه، واستخدم كل ما لديه من إمكانات مادية ومعنوية، ولا يبالي بالصعاب والمشاق كافة، وهو يدافع عن هذا الدين، ويحوطه بالرعاية والعناية، ما وجد إلى ذلك سبيلاً.
سؤال وجوابه:
ويرد سؤال، هو: لماذا لا يكون ذلك كله بدافع عاطفي، ونابعاً عن حمية النسب والقبيلة؟!
أو على حد تعبير البعض: بدافع من >حبه الطبيعي<؟([640]).
وجوابه:
1 ـ ما يأتي من أدلة قاطعة على إيمان أبي طالب عليه الصلاة والسلام ولا سيما أشعاره وتصريحاته الدالة على ذلك، هذا بالإضافة إلى ما ورد عن رسول الله >صلى الله عليه وآله< وعن الأئمة >عليهم السلام< من ولده في ذلك..
2 ـ يؤيد ذلك أنه إذا كان محمد >صلى الله عليه وآله< ابن أخيه؛ فإن علياً >عليه السلام< ولده، فلو كانت العاطفة النسبية هي الدافع، فلماذا يضحي بولده دون ابن أخيه، طائعاً مختاراً، بعد تفكير وتأمل وتدبر لعواقب ذلك؟ ولماذا يرضى بأن يكون الاغتيال ـ لو تم ـ موجهاً له دونه؟!
أم يعقل أن يكون حبه الطبيعي لابن أخيه أكثر منه لولده، وفلذة كبده؟!.
3 ـ لو كانت الحمية القبلية، والرابطة النسبية، هي السبب في موقفه ذاك، فأولاً:
لماذا لم تدفع أبا لهب لعنه الله لأن يقف أيضاً موقف أبي طالب >عليه السلام< ؛ فيدفع عن النبي >صلى الله عليه وآله<، ويضحي في سبيله؛ حتى بولده، وبمكانته، وبكل ما يملك؟!.
بل لقد رأيناه من أشد الناس على النبي >صلى الله عليه وآله<، وأكثرهم جرأة عليه، وإيذاء له.
وأما سائر بني هاشم فإنهم وإن دخلوا الشعب مع النبي >صلى الله عليه وآله< إلا أن تضحياتهم في سبيل النبي لم تبلغ عشر معشار تضحيات أبي طالب، كما أنهم إنما وقفوا هذا الموقف تحت تأثير نفوذ أبي طالب، وإصراره..
بل لماذا يدفع الحب الطبيعي أبا طالب للتضحية بولده علي، وبإخوته، بل بسائر بني هاشم في سبيل ابن أخيه؟!..
وهكذا يتضح: أن حمية الدين أقوى من حمية النسب، ولذلك نرى المسلمين يصرحون بأنهم على استعداد لقتل آبائهم وأولادهم في سبيل دينهم.
وقد استأذن عبد الله بن عبد الله بن أبي رسول الله >صلى الله عليه وآله< بقتل أبيه([641])..
وفي صفين أيضاً لم يرجع الأخ عن أخيه حتى أذن له أمير المؤمنين >عليه السلام< بتركه([642]) وقد قتل أهل الكوفة إخوانهم وأبناءهم حين أصبحوا خوارج([643]) إلى غير ذلك من الشواهد الكثيرة.
4 ـ ثم إنه لو كان أبو طالب يفعل ذلك من أجل الدنيا؛ فقد كان يجب أن يضحي بابن أخيه دون ولده، ويضحي به دون عشيرته؛ لأنه يحصل على الدنيا من هذا الطريق؛ كما قتل المأمون أخاه، وسممت أم الهادي ولدها، لا أن يضحي بكل شيء دونه، ويصر على ذلك حتى لو كانت النتيجة هي: خوض حرب تؤدي إلى قتله وجميع من معه من أهل وأحبة، فإن هذا لا يصح في منطق المصالح الدنيوية بأية صورة على الإطلاق.
5 ـ وأيضاً، فإن الحمية القبلية ـ لو كانت ـ فإنما تؤثر أثرها في حدود مصالح القبيلة، والحفاظ على شؤونها، ومستقبلها أما إذا كانت هذه الحمية سببـاً في تدمير القبيلة والقضاء عليها، وتعطيل مصالحها، وتعريض مستقبلها للأخطار الجسام؛ فإن هذه الحمية لا يمكن أن يفسح لها المجال، ولا أن يظهر لها أثر لدى عقلاء الرجال.
وهكذا يتضح: أننا لا يمكن أن نفسر مواقف أبي طالب >عليه السلام< تلك، إلا على أنها بدافع عقيدي وإيماني راسخ، يدفع الإنسان للبذل والعطاء، لكل ما يملك في سبيل دينه وعقيدته.
فصلوات الله وسلامه عليك يا أبا طالب، يا أبا الرجال، ويا رائد قوافل التضحية والفداء، في سبيل الحق والدين، ورحمة الله وبركاته.
عـام الحزن:
وفي السنة العاشرة من البعثة كانت وفاة الرجل العظيم، أبي طالب عليه الصلاة والسلام، ففقد النبي >صلى الله عليه وآله< بفقده نصيراً قوياً، وعزيزاً وفياً، كان هو الحامي له، والدافع عنه، وعن دينه، ورسالته، كما أشرنا إليه.
ثم توفيت بعده بمدة وجيزة ـ قيل: بثلاثة أيام، وقيل بعده بحوالي شهر([644]) خديجة أم المؤمنين صلوات الله وسلامه عليها، أفضل أزواج النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله<، وأحسنهن سيرة وأخلاقاً مع النبي >صلى الله عليه وآله<، وقد كانت بعض نساء النبي >صلى الله عليه وآله< (وهي عائشة) تغار منها غيرةً شديدة، كما سنرى، رغم أنها لم تجتمع معها في بيت الزوجية، لأن النبي >صلى الله عليه وآله< قد تزوجها بعد وفاة خديجة بزمان([645]).
ونستطيع أن نعرف: كم كان لأبي طالب، ولخديجة >عليهما السلام< من خدمات جلّى في سبيل هذا الدين من تسمية النبي >صلى الله عليه وآله< عام وفاتهما بـ: >عام الحزن<([646]).
الحب في الله والبغض في الله:
ومن الواضح: أن النبي >صلى الله عليه وآله< لم يكن ينطلق في حبه لهما، وحزنه عليهما من مصلحته الشخصية، أو من عاطفة رحمية، وإنما هو يحب في الله تعالى، وفي الله فقط.
ويقدّر أي إنسان، ويحزن لفقده، ويرتبط به روحياً وعاطفياً، بمقدار ارتباط ذلك الإنسان بالله، وقربه منه، وتفانيه في سبيله، وفي سبيل دينه ورسالته.
أي أنه >صلى الله عليه وآله< لم يتأثر على أبي طالب وخديجة؛ لأن هذه زوجته وذاك عمه.
وإلا فقد كان أبو لهب عمه أيضاً، وإنما لما لمسه فيهما من قوة إيمان، وصلابة في الدين، وتضحيات وتفان في سبيل الله، والعقيدة، وفي سبيل المستضعفين في الأرض ولما خسرته الأمة فيهما، من جهاد وإخلاص قلّ نظيره في تلك الظروف الصعبة والمصيرية.
وقد ألمح النبي >صلى الله عليه وآله< إلى ذلك حينما جعل موت أبي طالب وخديجة مصيبة للأمة بأسرها، كما هو صريح قوله في هذه المناسبة: >..اجتمعت على هذه الأمة مصيبتان، لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً<([647]).
نعم، وذلك هو الأصل الإسلامي الأصيل، الذي قرره الله تعالى بقوله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ..}([648]) وهل ثمة محادة لله ولرسوله أعظم من الشرك، الذي عبر الله عنه بقوله: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}([649]) و {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ..}؟!([650]).
والآيات والروايات التي تؤكد على الحب في الله والبغض في الله كثيرة تفوق حد الحصر في عجالة كهذه.
وعلى هذا الأساس قال الله تعالى لنوح عن ولده: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ..}([651]).
وقال تعالى حكاية لقول إبراهيم >عليه السلام<: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي}([652]) وعلى هذا الأساس أيضاً كان سلمان الفارسي من أهل البيت.
قال >صلى الله عليه وآله<: سلمان منا أهل البيت([653]).
وقال أبو فراس:
كـانـت مــودة سـلـمان لهم رحمــاً ولم تـكـن بـيـن نـوح وابنـه رحم
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
الفصل الثاني: روايات بدء الوحي ............................... 5 ـ 40
الفصل الثالث: الدعوة في مراحلها الأولى ....................... 41 ـ 86
الباب الثاني: حتى وفاة أبي طالب ×
الفصل الأول: الإسراء والمعراج .............................. 89 ـ 146
الفصل الثاني: انذار العشيرة ................................ 147 ـ 196
الفصل الثالث: حتى الهجرة إلى الحبشة ...................... 197 ـ 238
الفصل الرابع: هجرة الحبشة ................................ 239 ـ 274
الفصل الخامس: حتى الشعب .............................. 275 ـ 324
الفصل السادس: في شعب أبي طالب × .................. 325 ـ 362
الفهارس .................................................. 363 ـ 375
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1;عنوان7 Char Char;1;عنوان6 Char Char;1;عنوان4 Char;1;عنوان6;1"
الفصل الثاني: روايات بدء الوحي
ما روي في بدء الوحي:......................................................... PAGEREF _Toc99182813 \h 7
مناقشة روايات بدء الوحي:................................................... PAGEREF _Toc99182814 \h 13
إشارة:............................................................................. PAGEREF _Toc99182815 \h 19
وثمة أسئلة أخرى:.............................................................. PAGEREF _Toc99182816 \h 28
ومن الطعن في النبوة أيضاً:.................................................. PAGEREF _Toc99182817 \h 29
ما هو الصحيح في قضية بدء الوحي؟!.................................... PAGEREF _Toc99182818 \h 32
لماذا الكذب والإفتعال إذن؟!.................................................. PAGEREF _Toc99182819 \h 33
النتيجة:............................................................................ PAGEREF _Toc99182820 \h 39
الفصل الثالث: الدعوة في مراحلها الأولى
أول من أسلم:.................................................................... 43
بعض ما جاء في سبق علي × إلى الإسلام:............................... PAGEREF _Toc99182823 \h 47
تصريحات أمير المؤمنين × في ذلك:...................................... 49
دليل آخر:......................................................................... PAGEREF _Toc99182825 \h 50
خاتمة المطاف:.................................................................. PAGEREF _Toc99182826 \h 51
القول بأن خديجة أول من أسلم:.............................................. PAGEREF _Toc99182827 \h 52
أبو بكر، وسبقه إلى الإسلام:................................................. PAGEREF _Toc99182828 \h 53
طريق جمع فاشل:.............................................................. PAGEREF _Toc99182829 \h 61
هدف الورعين (!!!) من الجمع بين الروايات............................ PAGEREF _Toc99182830 \h 63
تنبيه:.................................................................... PAGEREF _Toc99182831 \h 64
مقارنة، وهدف:................................................................. 65
من أسلم بدعاية أبي بكر؟!.................................................... 66
سر التأكيد على دور أبي بكر:................................................ 72
هل عمير بن أبي وقاص من السابقين؟!................................... 73
إسلام أبي قحافة:................................................................ PAGEREF _Toc99182836 \h 73
الدعوة في مراحلها، التي اجتازتها:......................................... PAGEREF _Toc99182837 \h 74
المرحلة السرية:................................................................. 75
النبي ' في دار الأرقم:........................................................ 76
قريش لا تهتم لمرحلة ما قبل الإعلان:..................................... PAGEREF _Toc99182840 \h 78
إسلام أبي ذر &:................................................................ PAGEREF _Toc99182841 \h 78
ما يستفاد من حديث إسلام أبي ذر:.......................................... 81
الباب الثاني: حتى وفاة أبي طالب ×
الفصل الأول: الإسراء والمعراج
الإسراء والمعراج............................................................... 91
متى كان الإسراء والمعراج؟!................................................ PAGEREF _Toc99182853 \h 92
الأدلة على المختار:............................................................ PAGEREF _Toc99182854 \h 94
تسمية أبي بكر بالصديق..................................................... PAGEREF _Toc99182855 \h 100
الإسراء والمعراج في اليقظة أو في المنام؟!............................ PAGEREF _Toc99182856 \h 101
الإسراء والمعراج في القرآن:.............................................. PAGEREF _Toc99182857 \h 104
توضيح:.............................................................. PAGEREF _Toc99182858 \h 106
الداعية الحكيم:................................................................ PAGEREF _Toc99182859 \h 107
لا تدركه الأبصار:........................................................... PAGEREF _Toc99182860 \h 108
الإسراء من المسجد:......................................................... 115
موسى، وفرض الصلوات الخمس:....................................... PAGEREF _Toc99182862 \h 115
استبعاد الإسراء والمعراج:................................................. 121
من أهداف الإسراء والمعراج:............................................. 122
الأذان:.......................................................................... PAGEREF _Toc99182865 \h 125
اليهود والمسجد في القرآن:................................................. PAGEREF _Toc99182866 \h 125
مفاد الآيات إجمالاً:........................................................... 126
ضرب القاعدة، وإعطاء الضابطة:....................................... PAGEREF _Toc99182868 \h 127
أقوال الرواة والمفسرين:.................................................... PAGEREF _Toc99182869 \h 131
رأي العلامة الطباطبائي &:...................................... 133
رأي آخر في الآيات:............................................... PAGEREF _Toc99182871 \h 135
رأي آخر:............................................................ 136
وثمة رأي آخر أيضاً:.............................................. PAGEREF _Toc99182873 \h 139
ماذا تقول الروايات؟!........................................................ PAGEREF _Toc99182874 \h 139
الرأي الأمثل:.................................................................. PAGEREF _Toc99182875 \h 140
القميون يقاتلون الإسرائيليين:.............................................. 142
الغرب وإسرائيل:............................................................. 143
الحروب الطويلة والصعبة:................................................. PAGEREF _Toc99182878 \h 143
الفلسطينيون والأرض:...................................................... PAGEREF _Toc99182879 \h 144
الفصل الثاني: انـذار العـشـيـرة
أهداف الإسلام:............................................................... PAGEREF _Toc99182881 \h 149
الحاجة إلى الوزير والوصي:............................................... PAGEREF _Toc99182882 \h 150
وأنذر عشيرتك الأقربين:................................................... PAGEREF _Toc99182883 \h 152
التعصب الأعمى:............................................................. 155
ابن تيمية، وحديث الدار:.................................................... 156
الرد على ابن تيمية:.......................................................... 157
نقاط هامة في حديث الإنذار................................................ 164
أ ـ روايات لا يمكن أن تصح:.................................... 164
ب ـ ما المراد بكونه خليفته في أهله:............................ PAGEREF _Toc99182889 \h 166
ج ـ لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة؟!:........................ PAGEREF _Toc99182890 \h 167
د ـ علي × في يوم الإنذار:........................................ 169
ه‍ ـ موقف أبي طالب &:.......................................... PAGEREF _Toc99182892 \h 170
و ـ موقف أبي لهب:................................................ PAGEREF _Toc99182893 \h 170
ز ـ الإنذار أولاً:..................................................... PAGEREF _Toc99182894 \h 171
ح ـ ماذا قال النبي ' في يوم الإنذار؟!:........................ PAGEREF _Toc99182895 \h 173
ط ـ التبشير والإنذار:............................................... PAGEREF _Toc99182896 \h 174
ي ـ أخي ووصيي:................................................. PAGEREF _Toc99182897 \h 175
آخر حملات التشكيك في حديث الإنذار:................................. PAGEREF _Toc99182898 \h 176
مناقشة ما تقدم:................................................................ PAGEREF _Toc99182899 \h 185
الفصل الثالث: حتى الهجرة إلى الحبشة
فاصدع بما تؤمر:............................................................ PAGEREF _Toc99182901 \h 199
المفاوضات الفاشلة:.......................................................... PAGEREF _Toc99182902 \h 201
أ ـ قريش لم تصل إلى نتيجة:..................................... PAGEREF _Toc99182903 \h 203
ب: سر استكبار قريش:........................................... PAGEREF _Toc99182904 \h 204
ماذا بعد فشل المفاوضات؟................................................. PAGEREF _Toc99182905 \h 206
المعذبون في مكة:............................................................ PAGEREF _Toc99182906 \h 209
مع المعذبين أيضاً:............................................................ PAGEREF _Toc99182907 \h 209
المعذبون الذين أعتقهم أبو بكر:............................................ PAGEREF _Toc99182908 \h 210
هل عذب المشركون أبا بكر؟!............................................. PAGEREF _Toc99182909 \h 217
ملاحظة: هل كان أبو بكر رئيساً؟!:............................ PAGEREF _Toc99182910 \h 219
ملاحظة أخيرة:..................................................... PAGEREF _Toc99182911 \h 220
أول شهيد في الإسلام من آل ياسر:....................................... PAGEREF _Toc99182912 \h 221
عمار بن ياسر:................................................................ PAGEREF _Toc99182913 \h 223
التقية في الكتاب والسنة:.................................................... PAGEREF _Toc99182914 \h 223
ملاحظة:............................................................. PAGEREF _Toc99182915 \h 224
وأما من السنة، فنذكر:....................................................... PAGEREF _Toc99182916 \h 225
وأما التقية في التاريخ:....................................................... PAGEREF _Toc99182917 \h 227
التقية ضرورة فطرية عقلية دينية إصلاحية:........................... PAGEREF _Toc99182918 \h 235
الفصل الرابع: هجرة الحبشة
لا بد من حل:.................................................................. PAGEREF _Toc99182920 \h 241
سر اختيار الحبشة:........................................................... PAGEREF _Toc99182921 \h 242
الهجرة إلى الحبشة:........................................................... PAGEREF _Toc99182922 \h 244
أمير الهجرة جعفر:........................................................... PAGEREF _Toc99182923 \h 246
من هو أول مهاجر إلى الحبشة؟:.......................................... PAGEREF _Toc99182924 \h 246
هجرة أبي موسى إلى الحبشة لا تصح:................................... PAGEREF _Toc99182925 \h 247
رقة عمر للمهاجرين:........................................................ PAGEREF _Toc99182926 \h 248
هجرة أبي بكر لا تصح:..................................................... PAGEREF _Toc99182927 \h 249
فضيلة عثمان بن مظعون تجعل لغيره:.................................. PAGEREF _Toc99182928 \h 254
محاولة قريش اليائسة:....................................................... PAGEREF _Toc99182929 \h 255
قريش، وخططها المستقبلية:............................................... PAGEREF _Toc99182930 \h 258
الثورة على النجاشي:........................................................ PAGEREF _Toc99182931 \h 260
عودة بعض المهاجرين:..................................................... PAGEREF _Toc99182932 \h 261
قصة الغرانيق:................................................................ PAGEREF _Toc99182933 \h 261
تساؤلات حائرة:.............................................................. PAGEREF _Toc99182934 \h 271
حقيقة الأمر:................................................................... PAGEREF _Toc99182935 \h 272
الفصل الخامس: حتى الشـعـب
تناقضات في تاريخ إسلام حمزة ×:...................................... PAGEREF _Toc99182937 \h 277
إسلام حمزة ×:............................................................... PAGEREF _Toc99182938 \h 277
إسلام حمزة كان عن وعي لا حمية:...................................... PAGEREF _Toc99182939 \h 280
سر جبن أبي جهل في مواجهة حمزة ×:................................ PAGEREF _Toc99182940 \h 280
ملاحظة هامة:................................................................ PAGEREF _Toc99182941 \h 282
عبس وتولى:.................................................................. PAGEREF _Toc99182942 \h 282
المذنب رجل آخر:............................................................ PAGEREF _Toc99182943 \h 288
سؤال وجوابه:................................................................. PAGEREF _Toc99182944 \h 289
الرواية الصحيحة:............................................................ PAGEREF _Toc99182945 \h 290
إتهام عثمان:................................................................... PAGEREF _Toc99182946 \h 291
تاريخ هذه القضية:........................................................... PAGEREF _Toc99182947 \h 292
أعداء الإسلام وهذه القضية:............................................... PAGEREF _Toc99182948 \h 292
أكاذيب أخرى مشابهة:...................................................... PAGEREF _Toc99182949 \h 292
قضية إسلام عمر بن الخطاب:............................................ PAGEREF _Toc99182950 \h 295
وثمة أوسمة أخرى:.......................................................... PAGEREF _Toc99182951 \h 299
1 ـ متى كان إسلام عمر؟!....................................... PAGEREF _Toc99182952 \h 300
متى أسلم عمر إذن؟!..................................... PAGEREF _Toc99182953 \h 300
2 ـ من سمى عمر بالفاروق؟!................................... PAGEREF _Toc99182954 \h 306
3 ـ هل كان عمر قارئاً؟!......................................... PAGEREF _Toc99182955 \h 307
4 ـ هل عز الإسلام بعمر حقاً؟!................................. PAGEREF _Toc99182956 \h 311
5 ـ غسل عمر لمس الصحيفة:.................................. PAGEREF _Toc99182957 \h 318
6 ـ نزول آية في إسلام عمر:.................................... PAGEREF _Toc99182958 \h 319
ملاحظات أخيرة:............................................................. PAGEREF _Toc99182959 \h 320
خاتمة المطاف:............................................................... PAGEREF _Toc99182960 \h 322
الفصل السادس: في شعب أبي طالب ×
المقاطعة:....................................................................... PAGEREF _Toc99182962 \h 327
أموال خديجة، وسيف علي ':............................................ PAGEREF _Toc99182963 \h 330
حكيم بن حزام وعواطفه تجاه المسلمين:................................. PAGEREF _Toc99182964 \h 332
انشقاق القمر:.................................................................. PAGEREF _Toc99182965 \h 334
شبهة، وحلها:.................................................................. PAGEREF _Toc99182966 \h 336
انشقاق القمر، الحدث الكبير:............................................... PAGEREF _Toc99182967 \h 339
إمكان الانشقاق والالتئام علمياً:............................................ PAGEREF _Toc99182968 \h 341
دلالة الآية القرآنية على ذلك:............................................... PAGEREF _Toc99182969 \h 343
الأساطير:...................................................................... PAGEREF _Toc99182970 \h 346
نقض الصحيفة:............................................................... PAGEREF _Toc99182971 \h 346
حنكة أبي طالب ×، وإيمانه:............................................... PAGEREF _Toc99182972 \h 348
القبلية وآثارها:................................................................ PAGEREF _Toc99182973 \h 349
ما بعد نقض الصحيفة:...................................................... PAGEREF _Toc99182974 \h 350
وفد من الحبشة:............................................................... PAGEREF _Toc99182975 \h 351
من مواقف أبي طالب ×:................................................... PAGEREF _Toc99182976 \h 352
مع تضحيات أبي طالب ×:................................................. PAGEREF _Toc99182977 \h 355
سؤال وجوابه:................................................................. PAGEREF _Toc99182978 \h 355
عـام الحزن:................................................................... PAGEREF _Toc99182979 \h 358
الحب في الله والبغض في الله:............................................. PAGEREF _Toc99182980 \h 359
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.............................................. 365
2 ـ الفهرس التفصيلي.............................................. 367
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) غط الشيءَ: كبسه وعصره عصراً شديداً.
([2]) الآيات من 1 إلى 3 من سورة العلق.
([3]) زمّلَ فلاناً بثوبه: لفه به.
([4]) الجذع: الب الحَدَث.
([5]) لم ينشب: لم يلبث.
([6]) صحيح البخاري ط مشكول ج1 ص5 ـ 6 وج 9 ص38، وصحيح مسلم ج1 = = ص97، وليراجع تاريخ الطبري ج2 ص47، والمصنف لعبد الرزاق ج5 ص322 ـ 323، وتاريخ الخميس ج1 ص282، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص82 والسيرة الحلبية ج1 ص242 ـ 243 وراجع: الأوائل ج1 ص145 ـ 146.
([7]) البداية والنهاية ج3 ص9 ـ 10 والروض الأنف ج1 ص274 ـ 275 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص83 ـ 84 والسيرة الحلبية ج1 ص250، وسيرة مغلطاي ص15.
([8]) البداية والنهاية ج3 ص12 ـ 13 وسيرة ابن هشام ج1 ص254، والسيرة الحلبية ج1 ص239 ـ240، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص81 ـ 82.
([9]) الآيتان 1 و2 من سورة القلم.
([10]) البداية والنهاية ج3 ص14 ـ 15 وراجع: الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص146.
([11]) البداية والنهاية ج3 ص15 ـ 16، وسيرة ابن هشام ج1 ص255، والطبري ج2 ص50 وتاريخ الخميس ج1 ص283، والسيرة الحلبية ج1 ص251، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص84.
([12]) السيرة الحلبية ج1 ص252.
([13]) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج2 ص23.
([14]) تاريخ الطبري ج2 ص49 ـ 50.
([15]) الروض الأنف ج1 ص273، والأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص146.
([16]) تاريخ الخميس ج1 ص284، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص83، والسيرة الحلبية ج1 ص243 ـ 244.
([17]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص83 والسيرة الحلبية ج1 ص244.
([18]) المصنف ج5 ص323.
([19]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص84، والسيرة الحلبية ج1 ص252.
([20]) البداية والنهاية ج3 ص13.
([21]) راجع: سفينة البحار ج1 ص572 و573 ومعجم رجال الحديث ج16 ص182 عن ابن شهر آشوب.
([22]) كشف الغمة ج2 ص317.
([23]) راجع ترجمة الزهري في قاموس الرجال ج6.
([24]) الغارات للثقفي ج2 ص558 ـ 560 وراجع: سفينة البحار ج1 ص572.
([25]) الكن: البيت.
([26]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص102، والغارات للثقفي ج2 ص578، والبحار ج46 ص143 وراجع: سفينة البحار ج1 ص572.
([27]) مستدرك الحاكم ج3 ص121 وصححه الذهبي في تلخيص المستدرك هامش نفس الصفحة.
([28]) سنن البيهقي ج8 ص165، وقريب منه ما في ص164 من دون ذكر اسم (عروة) ومثله الترغيب والترهيب ج4 ص382 عن البخاري وإحياء علوم الدين ج3 ص159 وفي هامشه عن الطبراني وحياة الصحابة ج2 ص76.
([29]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص63.
([30]) صفة الصفوة ج2 ص85، وتهذيب التهذيب ج7 ص182.
([31]) شرح النهج للمعتزلي ج4 ص64، وقاموس الرجال ج6 ص299.
([32]) الغارات ج2 ص576، وشرح النهج ج4 ص102.
([33]) قاموس الرجال ج6 ص300.
([34]) تهذيب التهذيب ج9 ص450.
([35]) سيأتي ذلك إن شاء الله في فصل: حتى بيعة العقبة.
([36]) حاشية السندي على البخاري بهامشه ج1 ص3 ط سنة 1309هـ.
([37]) البخاري ط سنة 1309هـ ج1 ص152، أبواب الجنائز، وج 2 ص159 باب وفاة موسى عليه السلام، وصحيح مسلم ج7 ص100 باب فضائل موسى، ومسند أحمد ج2 ص315، ومصنف الحافظ عبد الرزاق ج11 ص274، وسنن= = النسائي ج4 ص118، وتاريخ الطبري ج1 ص305، والبداية والنهاية ج1 ص317، والغدير ج11 ص140 و141 عن بعض من تقدم، وعن: مختصر تذكرة القرطبي للشعراني ص29، والعرائس للثعلبي ص139 وكشف الأستار عن مسند البزار، ج1 ص404 ومجمع الزوائد ج8 ص204.
([38]) الآية 10 من سورة النمل.
([39]) تفسير العياشي ج2 ص201 والبحار ج18 ص262.
([40]) فتح الباري ج8 ص551، وإرشاد الساري ج1 ص63.
([41]) الآية 286 من سورة البقرة.
([42]) الآية 78 من سورة الحج.
([43]) الآية 185 من سورة البقرة.
([44]) حاشية السندي بهامش البخاري ط سنة 1309 ه‍ ج1 ص3.
([45]) سيرة ابن هشام ج1 ص234 ـ 235.
([46]) الآية 32 من سورة الفرقان.
([47]) الآية 102 من سورة النحل.
([48]) الآية 57 من سورة الأنعام.
([49]) الآية 108 من سورة يوسف.
([50]) مستدرك الحاكم ج3 ص112 وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة وفرائد السمطين ج1 ص243، والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج3 ص32 والمناقب للخوارزمي ص21 والجامع الصحيح ج5 ص640 وتيسير الوصول ج2 ص147.
([51]) سيأتي ذلك في هذا الكتاب في فصل: الهجرة إلى الطائف.
([52]) الدر المنثور ج6 ص250، والسيرة الحلبية ج1 ص244.
([53]) راجع تلكم النصوص في مستدرك الحاكم ج2 ص609 وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة، وصححاه على شرط الشيخين، وسيرة مغلطاي ص15 عن الحاكم، والمصنف ج5 ص324، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص207، والبداية والنهاية ج3 ص9، والروض الأنف ج1 ص275، والسيرة الحلبية ج1 ص250، وأسد الغابة ج5 ص89، والإصابة ج3 ص635، وغير ذلك.
([54]) شرح بهجة المحافل ج1 ص74، وإرشاد الساري ج1 ص67.
([55]) الإصابة ج3 ص633.
([56]) الإصابة ج3 ص634، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص83 ـ 84 والسيرة الحلبية ج1 ص250.
([57]) السيرة الحلبية ج1 ص250، والإصابة ج3 ص634.
([58]) حلية الأولياء ج1 ص148، ونسب قريش لمصعب ص208، وإرشاد الساري ج1 ص67، وفتح الباري ج1 ص26، عن ابن إسحاق، وج 8 ص554، والسيرة النبوية لدحـلان ج1 ص84 و125، والسيرة الحلبية ج1 ص252، والإصـابـة ج3 = = ص634، ونهاية ابن الأثير ج1 ص266، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص492.
([59]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص84 وغيره.
([60]) السيرة الحلبية ج1 ص251.
([61]) السيرة الحلبية ج1 ص250 و252 عن كتاب الخميس عن الصحيحين، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص84.
([62]) إرشاد الساري ج1 ص67.
([63]) السيرة الحلبية ج1 ص253، وراجع: إحياء علوم الدين ج3 ص171 وفي هامشه عن مسلم، والغدير ج11 ص91 عنه، والمواهب اللدنية ج1 ص202، ومشكل الآثار ج1 ص30، وراجع حياة الصحابة ج2 ص712 عن مسلم وعن المشكاة ص280 وراجع: المحجة البيضاء ج5 ص302 ـ 303.
([64]) مشكل الآثار ج1 ص30.
([65]) المصدر السابق.
([66]) مسند أبي يعلى، ج1 ص506 و360 ومسند أبي عوانة ج2 ص143 والسنن الكبرى ج2 ص264 ومسند أحمد ج2 ص298 وأخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، وثمة مصادر كثيرة أخرى وراجع الغدير ج8 ص95.
([67]) المصنف ج2 ص24، وراجع: البخاري ط سنة 1309 ه‍ ج1 ص137، وج2 ص143.
([68]) صحيح مسلم ج7 ص115، والبخاري ط سنة 1309هـ ج2 ص144 و188، ومسند أحمد ج1 ص171 و182 و187. والرياض النضرة ج2 ص299 وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص178 والغدير ج8 ص94.
([69]) صحيح الترمذي كتاب 46 باب17 وفيض القدير عنه وعن أحمد وابن حبان وراجع تاريخ عمر ص35 والغدير ج8 ص96.
([70]) عن فيض القدير ج2 ص352 عن الطبراني وابن مندة، وأبي نعيم، والإصابة ج4 ص326 عنهم.
([71]) منتخب كنز العمال، هامش مسند أحمد ج4 ص385 ـ 386، عن ابن عساكر وحياة الصحابة ج3 ص647 عن المنتخب.
([72]) حياة الصحابة ج3 ص646 عن مجمع الزوائد ج7 ص71 عن الطبراني وصحح بعض طرقه، وعن أبي نعيم في الدلائل ص131.
([73]) التمهيد في علوم القرآن ج1 ص49 عن العياشي ج2 ص201، والبحار ج18 ص262.
([74]) التمهيد ج1 ص50، والبحار ج11 ص56.
([75]) مجمع البيان ج10 ص384، والتمهيد ج1 ص50 عنه.
([76]) التمهيد ج1 ص50 عن رسالة الشفاء ص112.
([77]) الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص169 عن كتاب الهداية في الرد على إظهار الحق، والسيف الحميدي ج3 ص5.
([78]) بهجة المحافل ج1 ص62، وفتح الباري ج8 ص552، وإرشاد الساري ج1 ص63، والسيرة الحلبية ج1 ص242.
([79]) راجع في ذلك كله: الهدى إلى دين المصطفى، للحجة البلاغي ج1 ص14.
([80]) وقوله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} يرى المحقق السيد مهدي الروحاني أن معناه: أن مهمة دعوة الناس إلى الحق، وترك عاداتهم وما هم عليه حتى يزكيهم، من أثقل الأمور وأصعبها.
([81]) إنجيل متى الإصحاح 4 الفقرة 3 ـ 13 والهدى إلى دين المصطفى ج1 ص170 عنه.
([82]) الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص171 عن إنجيل لوقا 13.
([83]) كورنتوش الثانية الإصحاح 12 فقرة 7 ـ 9.
([84]) تسالونيكي الأولى الإصحاح الثاني فقرة 18 والهدى إلى دين المصطفى ج1 ص172 عنه.
([85]) إنجيل متى الإصحاح 16 فقرة 23، والهدى إلى دين المصطفى ج1 ص171.
([86]) راجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص169 ـ 173.
([87]) تقدمت مصادر ذلك حين الكلام على حلف الفضول فراجع.
([88]) لكن من الواضح: أن كون ورقة هو ابن عم خديجة؛ يبعد كون ورقة شيخاً كبيراً، قد وقع حاجباه على عينيه، كما تزعم النصوص المتقدمة.
([89]) راجع: الغدير ج3 ص95 و96 و99 و224 ـ 236 وج 10 ص156 و158 و164 و168 و290 و322 وج 9 ص115 و122 وراجع دلائل الصدق، والأوائل للطبراني ص78 ـ 79.
([90]) الإصابة ج2 ص357 ـ 358.
([91]) راجع: الصواعق المحرقة الفصل الأول، الباب التاسع، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص22.
([92]) راجع: الغدير ج3 ص220 ـ 243 وج 10 ص158 ـ 162.
([93]) راجع: الأوائل ج1 ص195.
([94]) مستدرك الحاكم ج3 ص136 وصححه، وتاريخ بغداد للخطيب ج2 ص81، والاستيعاب هامش الإصابة ج3 ص28 وشرح النهج للمعتزلي والسيرة الحلبية، والسيرة النبوية لدحلان، ومناقب الخوارزمي، والغدير ج3 ص220 عنهم فراجعه، والآحاد والمثاني، مخطوط في مكتبة كوپرلي رقم 235.
([95]) الغدير ج3 ص95 ـ 96 عن: مسند أحمد ج5 ص26 والاستيعاب ج3 ص36، والرياض النضرة، ومجمع الزوائد، والمرقاة، وكنز العمال، والسيرة النبوية لدحلان، والسيرة الحلبية، وليراجع: مستدرك الحاكم ج3، والمنمق، وجمع الجوامع ومجمع الزوائد ج9 ص102 عن الطبراني عن ابن إسحاق، وقال: هو مرسل صحيح الإسناد، وأخرجه الطبراني وأحمد قال الهيثمي ج9 ص101 وفيه خالد بن طهمان وثقه أبو حاتم وبقية رجاله ثقات.
([96]) الغدير ج2 ص313 عن الطبراني والبيهقي، والعدني، ومجمع الزوائد وكفاية الطالب وإكمال كنز العمال ولسوف يأتي في حديث الغار حين الكلام عن تلقيب أبي بكر بالصديق المزيد من المصادر لهذا الحديث، وفرائد السمطين ج1 ص39.
([97]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص225.
([98]) الغدير ج3 ص220 عن فرائد السمطين باب 47 بأربعة طرق.
([99]) مصادر ذلك ستأتي بعد الهامش التالي.
([100]) كشف الغمة للإربلي ج1 ص334.
([101]) راجع هذه النصوص كلها عن أمير المؤمنين >عليه السلام< في الغدير ج3 ص213 و221 و222 وج 10 ص158 ـ 164 وج 2 ص25 ـ 30 و314 عن: شرح النهج ج1 ص503 و404 و283 وج2 ص102 وأبي داود بإسناد صحيح، وتاريخ بغداد للخطيب ج4 ص224، ومجمع الزوائد ج9 ص102 عن أبي يعلى، وأحمد، والبزار والطبراني في الأوسط، وفرائد السمطين باب 48، والأوائل ج1 ص195 ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص355 و360 و132 و100 و168 وجمهرة الخطب ج1 ص178 و542 و428 وجمهرة الرسائل ج1 ص542، ومروج الذهب ج2 ص59، وتذكرة سبط ابن الجوزي ص115، ومطالب السؤل ص11، والمحاسن والمساوئ ج1 ص36 وتاريخ القرماني هامش الكامل ج1 ص218 وثمة مصادر أخرى في الغدير ج10 ص322 فراجع.
([102]) مستدرك الحاكم ج3 ص500، وصححه هو والذهبي في تلخيصه هامش نفس الصفحة، وحياة الصحابة ج2 ص514 ـ 515.
([103]) الغدير ج9 ص115 عن اليعقوبي ج2 ص140.
([104]) البداية والنهاية ج7 ص335.
([105]) راجع الغدير ج3 وإحقاق الحق، قسم الملحقات، وغير ذلك.
([106]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص267، وفي تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص182 نقل عن الثعلبي الاتفاق عليه، وقال ابن الأثير: إنها أول خلق الله إسلاماً بإجماع المسلمين. راجع السيرة النبوية لدحلان ج1 ص90 وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص148 والأوائل للطبراني ص80.
([107]) راجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص91، والسيرة الحلبية ج1 ص268 و275 ومناقب المغازلي، ومناقب الخوارزمي، ص18 ـ 20 والغدير ج3 ص220 ـ 236 وج10 ص168 و29 و322 وج9 ص392 تجد الكثير من التصريحات بذلك وكذا في تاريخ بغداد ج4 ص233 وحلية الأولياء ج1 ص66 وتهذيب تاريخ دمشق ج3 ص407.
([108]) راجع: النصائح الكافية لمن يتولى معاوية من ص72 حتى ص74.
([109]) ديوان حسان ص29 ط أوروبا.
([110]) فليلاحظ مثلاً: كلمة منهم في البيت الثالث وقوله في الرابع: (متبعاً بهدي). وقوله: وما انتقلا إلى غير ذلك من وجوه الضعف في السبك والصياغة.
([111]) راجع، الغدير، وشرح النهج للمعتزلي ج13، وآخر كتاب العثمانية.
([112]) راجع: الأوائل ج1 ص202 وراجع ص206.
([113]) راجع: الغدير ج7 ص91 ـ 94 و224 فما بعدها.
([114]) مستدرك الحاكم ج3 ص66، وسنن البيهقي ج8 ص153 والغدير ج5 ص369 وج 7 ص92 وج 10 ص7 و13 عن عدد كبير من المصادر، وكنز العمال ج8 ص139 عن ابن أبي شيبة، وعن الكنز أيضاً ج3 ص140 ولسوف نذكر طائفة من المصادر حين الكلام عن قضية الغار.
([115]) راجع: سير أعلام النبلاء ج1 ص216.
([116]) ستأتي مصادر ذلك في أواخر الجزء الثاني من هذا الكتاب.
([117]) راجع: لسان الميزان ج1 ص395 وغير ذلك.
([118]) السيرة الحلبية ج1 ص273، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص8.
([119]) السيرة الحلبية ج1 ص273.
([120]) مجمع الزوائد ج1 ص76 عن الطبراني في الكبير.
([121]) الغدير ج3 ص240.
([122]) تاريخ الطبري ج2 ص60 والبداية والنهاية ج3 ص28 والتعجب للكراجكي ص34.
([123]) الصواعق المحرقة ص148 ط سنة 1324 ه‍. والسيرة الحلبية ج1 ص275، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص89، وتاريخ الخميس ج1 ص287 وتاريخ مدينة دمش ج3 ص32 وأسد الغابة ج3 ص208.
([124]) الأوائل للعسكري ج1 ص194.
([125]) دلائل النبوة للبيهقي ج1 ص416 ـ 417 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص432 ـ 433 وسيرة ابن إسحاق ص139.
([126]) البدء والتاريخ ج5 ص77.
([127]) البداية والنهاية ج3 ص29 ـ 30 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص439.
([128]) الاستغاثة ج2 ص31.
([129]) السيرة الحلبية ج1 ص275، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص90 ونزهة المجالس ج2 ص147 والبداية والنهاية ج3 ص17 و26 و29.
([130]) وفي سيرة ابن إسحاق ص138: أول الرجال إسلاماً، وفي مصادر أخرى: أول أصحابي إسلاماً: راجع السيرة الحلبية ج1 ص268.
([131]) المعارف لابن قتيبة ص125 ط دار إحياء التراث العربي سنة 1390 ه‍.
([132]) السيرة الحلبية ج1 ص269.
([133]) راجع إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص149 والسيرة الحلبية ج1 ص269 والكنز المدفون ص256 ـ 257 عن البيهقي.
([134]) راجع: العثمانية ص6 و7.
([135]) الفصول المختارة ص227.
([136]) راجع شرح النهج للمعتزلي ج13 حينما يورد كلام الإسكافي وراجع أيضاً: بناء المقالة الفاطمية، الصفحات الأولى من الكتاب، والبحار ج38 ص286.
([137]) المصنف ج10 ص178 وعن خصوص عمر راجع: الغدير ج6 ص171 عن كنز العمال ج3 ص116 عن ابن أبي شيبة وعبد الرزاق، ومسدد، وابن المنذر في الأوسط.
([138]) راجع حياة الإمام الرضا >عليه السلام< للمؤلف ص122 عن: الطبري ط ليدن ج9 ص1974 وج 10 ص25، والكامل لابن الأثير ج4 ص295، والبداية والنهاية ج10 ص28 و64 والإمامة والسياسة ج2 ص114، والنزاع والتخاصم للمقريزي ص45، والعقد الفريد ط دار الكتاب ج4 ص479، وشرح النهج للمعتزلي ج3 ص267 وضحى الإسلام ج1 ص32.
([139]) السيرة الحلبية ج1 ص268، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص91.
([140]) الإمتاع للمقريزي ص16.
([141]) السيرة النبوية لدحلان ط دار المعرفة ج1 ص39 و92.
([142]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص29، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص94 ـ والسيرة الحلبية ج1 ص276 وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص182، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص78.
([143]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص270 وعثمانية الجاحظ ص31.
([144]) الآية 214 من سورة الشعراء.
([145]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص232 وسيرة ابن هشام ج1 ص264 وغير ذلك.
([146]) الإصابة، ترجمة الأرقم ج1 ص28.
([147]) شرح النهج ج13 ص224، والعثمانية في أواخرها حيت ينقل كلام الإسكافي ص286 والغدير ج3 ص241.
([148]) البدء والتاريخ ج5 ص96.
([149]) مستدرك الحاكم ج3 ص248، والبداية والنهاية ج3 ص32 وطبقات ابن سعد ج4 ص67 ـ 68 والاستيعاب ج1 ص401 ـ 442 والإصابة ج1 ص406 ومع ذلك فإن الرواية لا تدل على أنه أسلم بدعوة أبي بكر بل هي في ضد ذلك أظهر.
([150]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص22.
([151]) الاستيعاب ج4 ص225.
([152]) البدء والتاريخ ج5 ص84 ـ 85.
([153]) مستدرك الحاكم ج3 ص369، والبدء والتاريخ ج5 ص82 والبداية والنهاية ج3 ص29 ودلائل النبوة للبيهقي ج1 ص419.
([154]) البدء والتاريخ ج5 ص82.
([155]) الآية 10 من سورة الممتحنة.
([156]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص271 عن الإسكافي، ولا يردّ على الإسكافي بامرأة نوح وولده؛ حيث لم يكونا مؤمنين، فإن الإسكافي يريد أن يقول: إن المستفاد من القرائن العامة هو أن أبا بكر لم يكن يملك المؤهلات والكفاءات التي تعطيه القدرة على أن يقنع أحداً بالدخول في الإسلام.
([157]) سيرة ابن هشام ج1 ص271.
([158]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص329 و351 عن ابن أبي خيثمة في تاريخه عن ابن إسحاق، والإصابة ج4 ص229 بالنسبة لأسماء فقط.
([159]) وعد المقدسي عائشة مع الذين أسلموا في السنوات الأولى من البعثة في الفترة السرية قبل أن يدخل >صلى الله عليه وآله< دار الأرقم وقال: إنها كانت صغيرة فراجع البدء والتاريخ ج4 ص146.
([160]) سيأتي بعض الكلام في ذلك، في فصل: حتى بيعة العقبة.
([161]) العثمانية للجاحظ ص31 ـ 32 وشرح النهج ج13 ص270 ـ 271.
([162]) سيرة ابن هشام ج1 ص272.
([163]) تهذيب الأسماء واللغات ج2 ص39 والإصابة ج3 ص36.
([164]) الآية 19 من سورة النمل، فتح القدير ج5 ص118 والغدير ج7 ص327 عنه وعن الكشاف ج3 ص99، وتفسير القرطبي ج2 ص193 ـ 194 والرياض النضرة ج1 ص47، ومرقاة الأصول ص121، وتفسير الخازن ج4 ص132، وتفسير النسفي بهامشه ج4 ص132.
([165]) أسد الغابة ج5 ص275 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص162 وقاموس الرجال ج10 ص166 عن المعارف لابن قتيبة.
([166]) راجع الغدير ج7 ص324.
([167]) فقه السيرة للبوطي ص91.
([168]) تاريخ الطبري ج2 ص62 وسيرة ابن هشام ج1 ص282، والبداية والنهاية ج3 ص37، والسيرة الحلبية ج1 ص283، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص99.
([169]) الإصابة ج2 ص233.
([170]) أنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص117.
([171]) أسلم سابع سبعة، أو بعد عشرة كما في الإصابة ج1 ص28 والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص107.
([172]) وقيل: أربع سنين. راجع السيرة الحلبية ج1 ص283 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص99.
([173]) الإصابة ج1 ص28 والسيرة الحلبية ج1 ص285 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص99 والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص108.
([174]) هو العلامة السيد مهدي الروحاني رحمه الله.
([175]) التراتيب الإدارية ج1 ص408.
([176]) دلائل النبوة للبيهقي ج1 ص458، طبقات ابن سعد ج4 قسم 1 ص164، وحلية الأولياء ج1 ص157، ومستدرك الحاكم ج3 ص342، والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص313، والإصابة ج4 ص63، وأسد الغابة ج5 ص186، والغدير ج8 ص308 ـ 309 عن بعض من تقدم وعن شرح الجامع الصغير للمناوي ج5 ص423.
([177]) هذا ملخص ما في البخاري ج2 ص206 ـ 207 ط سنة 1309هـ والبداية والنهاية ج3 ص34، وحلية الأولياء ج1 ص159، ومستدرك الحاكم ج3 ص339، والغدير ج8 ص309 ـ 310 عن بعض من تقدم وصحيح مسلم = = ج7 ص156 والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص63 ودلائل النبوة لأبي نعيم ج2 ص86، وطبقات ابن سعد ج4 قسم 1 ص161 ـ 162 و164 ـ 165 والإصابة ج4 ص63.
([178]) طبقات ابن سعد ج4 قسم 1 ص164.
([179]) الصرمة: القطعة كم الإبل.
([180]) طبقات ابن سعد ج4 قسم 1 ص163، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص100.
(2) طبقات ابن سعد ج4 قسم 1 ص163، وراجع تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص100.
([182]) طبقات ابن سعد ج4 ق 1 ص163. ولا بأس بمراجعة ما كتبناه حول أبي ذر في مقال لنا في كتاب: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام. وحلية الأولياء ج1 ص157.
([183]) الآية 108 من سورة الأنعام، راجع: البحار ج26 ص239 وعيون أخبار الرضا ج1 ص304.
([184]) راجع: السيرة الحلبية، وتاريخ الخميس، وغير ذلك.
([185]) البحار ج18 ص319 عن العدد، ونقل ذلك عن الزهري في عدة مصادر.
([186]) البداية والنهاية ج3 ص108.
([187]) سيرة مغلطاي ص27.
([188]) شرح الشفاء للقاري ج1 ص222.
([189]) المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص43.
([190]) تاريخ الخميس ج1 ص307.
([191]) البحار ج18 ص319 و381 عن المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص26، حيث ذكر ذلك بعد المبعث، وقبل الإنذار.
([192]) البحار ج18 ص379 عن الخرائج والجرايح.
([193]) تاريخ بغداد ج5 ص87، والمواهب اللدنية ج2 ص29، ومقتل الحسين للخوارزمي ص63/64 وذخائر العقبى ص36، وميزان الاعتدال ج2 ص297 و160، ومستدرك الحاكم ج3 ص165، وتلخيصه للذهبي، ومجمع الزوائد ج9 ص202، وينابيع المودة ص97، ونزهة المجالس ج2 ص179، ومناقب المغازلي ص358 والبحارج18 ص315 و350 و364، ونور الأبصار ص44 و45 وعلل الشرائع ص72، وتفسير القمي ونظم درر السمطين ص176 ومحاضرة الأوائل ص88 وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ج10 ص1 ـ 11 عن بعض من تقدم، وعن: أرجح المطالب ص239، ووسيلة المآل ص78 /79، وإعراب ثلاثين سورة ص120، وكنز العمال ج14 ص97 وج3 ص94، ومفتاح النجا ص98 مخطوط وأخبار الدول ص87 وعن ميزان الاعتدال ج1 ص38 و253 وج2 ص26 و84 والدر المنثور ج4 ص153 عن الطبراني والحاكم.
([194]) الآية110 من سورة الإسراء.
([195]) صحيح البخاري طبع سنة1309هـ ج3 ص99، والدر المنثور ج4 ص206 عنه وعن: مسلم وأحمد والترمذي، والنسائي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه، والطبراني والبيهقي.
([196]) راجع: مجلة الوعي الإسلامي المغربية عدد163 ص56.
([197]) راجع: الإتقان ج1 ص11، وتاريخ القرآن للزنجاني ص37.
([198]) الآية94 من سورة الحجر.
([199]) صحيح البخاري ج3 ط سنة 1309 ص96 والدر المنثور ج4 ص136 عنه وعن ابن الضريس وابن مردويه.
([200]) فتح الباري ج7 ص145.
([201]) راجع الإتقان ج1 ص10 ـ 11 و25.
([202]) تفسير الميزان مجلد 19 ص26.
([203]) مجمع الزوائد ج1 ص69/70 عن البزار والمواهب اللدنية ج2 ص6، وتاريخ الخميس ج1 ص310.
([204]) مناقب ابن شهرآشوب ج1 ص180، والبحار ج18 ص384.
([205]) البحار ج18 ص385 عن العياشي، عن زرارة، وحمران بن أعين، ومحمد بن مسلم، عن الباقر >عليه السلام<.
([206]) تاريخ الخميس ج1 ص315.
([207]) تاريخ الخميس ج1 ص315، والمواهب اللدنية ج2 ص40 ومستدرك الحاكم، وابن إسحاق.
([208]) المواهب اللدنية ج2 ص29 و30، وراجع الدر المنثور ج4 ص155 وراجع ص154.
([209]) راجع: الغدير ج5 ص303 و324 و325 فإنه قد نقل هذه الروايات وتكذيبها عن: ميزان الاعتدال ج1 ص370، ولسان الميزان ج5 ص235، وتهذيب التهذيب ج5 ص138، والسيوطي في الموضوعات، وابن حبان، وابن عدي.
([210]) المناقب للخوارزمي ص37 وينابيع المودة ص83.
([211]) تاريخ الخميس ج1 ص313.
([212]) تاريخ الخميس ج1 ص308، والمواهب اللدنية ج2 ص2، والبحار ج18 ص291 وفي المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص177: أن الجهمية قالت بهذا.
([213]) البحـار ج18 ص291 عن: المقـاصد وشرحـه، وراجع تاريـخ الخميس ج1 ص308.
([214]) المواهب اللدنية ج2 ص2.
([215]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([216]) الآيتين 9 و10 من سورة النجم.
([217]) الآية17 من سورة النجم، راجع هذا الاستدلال في: البحار ج18 ص286 عن الرازي، والمواهب اللدنية ج2 ص4، وتاريخ الخميس ج1 ص308.
([218]) راجع: تفسير الميزان ج13 ص24.
([219]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([220]) الآيات 6 إلى 11 من سورة النجم.
([221]) راجع البرهان للبحراني ج4 ص248 وستأتي الرواية تحت عنوان: لا تدركه الأبصار.
([222]) الآية 23 من سورة التكوير.
([223]) المصنف لعبد الرزاق ج5 ص328، وتفسير ابن كثير ج3 ص21، وأخرجه أبو نعيم، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج4 ص353 وحياة الصحابة ج3 ص73 عن بعض من تقدم، وتاريخ الخميس ج1 ص308 و315، والمواهب اللدنية ج2 ص40.
([224]) الآيات من 12 إلى 14 من سورة النجم.
([225]) تاريخ الخميس ج1 ص314.
([226]) مثل: دلائل الصدق، وغيره من الكتب الباحثة في الشأن العقائدي.
([227]) راجع في الروايات الكثيرة عنه: الدر المنثور ج6 ص122 ـ 126.
([228]) المواهب اللدنية ج2 ص34 عن البخاري ومسلم، وتاريخ الخميس ج1 ص313، والدر المنثور ج6 ص124 عن عبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير وابن المنذر، والحاكم وابن مردويه.
([229]) المواهب اللدنية ج2 ص35 عن مسلم.
([230]) يكفي أن يرجع الطالب إلى الدر المنثور ج6 ص122 ـ 126 وتاريخ الخميس ج1 ص313 و314 والمواهب اللدنية ج2 ص36 و37 وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً.
([231]) الآية 20 من سورة التكوير.
([232]) احتمل بعض المحققين: أن يكون وصف الله تعالى لجبرئيل بالشدة في مقابل التابع من الجن الذي كان ضعيفاً بحيث يستطيع الإنسان أن يتسلط عليه.
([233]) الآيتان 17 و18 من سورة النجم.
([234]) الآية 12 من سورة النجم.
([235]) الآية 17 من سورة النجم.
([236]) الآية 18 من سورة النجم.
([237]) الآية103 من سورة الأنعام.
([238]) الآية110 من سورة طه.
([239]) الآية11 من سورة الشورى.
([240]) أصول الكافي (ط سنة 1388هـ. في إيران) ج1 ص74 و75، والبرهان للبحراني ج4 ص248.
([241]) السيرة النبوية لابن هشام ج2 ص43.
([242]) تفسير الميزان ج13 ص31.
([243]) الآية95 من سورة المائدة.
([244]) لقد وردت هذه الرواية في مختلف كتب الحديث والتاريخ عند غير الشيعة، ولذا فلا نرى حاجة لذكر مصادرها، فراجع على سبيل المثال: كشف الأستار عن مسند البزار ج1 ص45، ووردت أيضاً في كتب الإمامية رحمهم الله تعالى، وأعلى درجاتهم، فراجع: البحار ج18 ص330 و335 و348 و349 و350 و408 عن: أمالي الصدوق ص270 و271 و274 و275، وتوحيد الصدوق ص167 و168، وعلل الشرائع ص55 و56، والخصال ج1 ص129.
([245]) تنزيه الأنبياء ص121.
([246]) الآية 187 من سورة البقرة.
([247]) الآية66 من سورة الأنفال.
([248]) الآية 187 من سورة البقرة.
([249]) تنزيه الأنبياء ص121.
([250]) معالم الدين ص208 مبحث النسخ.
([251]) الآية 185 من سورة البقرة.
([252]) الآية 78 من سورة الحج.
([253]) الآية 286 من سورة البقرة.
([254]) الآية286 من سورة البقرة.
([255]) لأن إبراهيم حسب نص الرواية كان في السماء السابعة، وموسى كان في السادسة وكان موسى يُرجع النبي إلى ربه، كي يسأله التخفيف، فيرجع ثم يعود إليه فيرجعه من جديد.
([256]) راجع حول سرعة النور: موسوعة المعارف والعلوم ص10.
([257]) الآية 1 من سورة الإسراء.
([258]) راجع: الجامع الصغير ج2 ص144 وكنوز الحقائق، هامش الجامع الصغير ج2 ص83.
([259]) الآية 8 من سورة فاطر.
([260]) الآيات4 الى10 من سورة الإسراء.
([261]) الآية 5 من سورة الإسراء.
([262]) تفسير الميزان ج13 ص39.
([263]) الآيتين 9 و10 من سورة الإسراء.
([264]) تفسير الميزان ج13 ص39.
([265]) راجع هذه الروايات في الدر المنثور للسيوطي ج4 ص163 ـ 165 عن ابن جرير، وابن عساكر، وابن أبي حاتم، متفرقاً، وراجع: تفسير الطبري، وتفسير ابن كثير، وفتح القدير، وغير ذلك من التفاسير، في تفسير الآيات في سورة الإسراء.
([266]) تفسير الميزان ج13 ص44و45.
([267]) تفسير الميزان ج13 ص44 وفي تاريخ الخميس ج1 ص173: من وقت تخريب بخت نصر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربع مئة وإحدى وستون سنة.
([268]) راجع: قصص الأنبياء للنجار ص369.
([269]) هذه النقاط أشار إليها الأخ العلامة الشيخ إبراهيم الأنصاري حفظه الله تعالى في مقاله، في مجلة الهادي.
([270]) تقدم ذلك في تمهيد الكتاب.
([271]) هذا رأي الشيخ إبراهيم الأنصاري في مجلة الهادي.
([272]) راجع: البحار ج51 ص56 وتفسير البرهان، وتفسير نور الثقلين.
([273]) الموجود في القرآن: (فإذا) فلعل كلمة (حتى) من كلام الراوي.
([274]) البحار ج60 ص216.
([275]) البحار ج52 ص272 و273. وراجع ج51 ص57.
([276]) البحار ج60 ص216.
ويلاحظ وجود بعض الاختلاف بين هذا النص وبين ما في الترجمة الفارسية لكتاب تاريخ قم، فلعل المترجم قد تصرف في العبارة، ولعل نسخة المجلسي تختلف عن النسخة المتداولة لكتاب تاريخ قم، فليلاحظ ذلك.
([277]) الآية 75 من سورة النساء.
([278]) الآية 9 من سورة الحشر.
([279]) الآية 2 من سورة الجمعة.
([280]) الآية 6 من سورة المائدة.
([281]) الآية 214 من سورة الشعراء.
([282]) راجع هذه القضية في: تاريخ الطبري ج2 ص63، ومختصر تاريخ أبي الفداء ج2 ص14 ط دار الفكر بيروت وشواهد التنزيل ج1 ص372 و421 وكنز العمال الطبعة الثانية ج15 ص16 و117 و113 و130 عن ابن إسحاق، وابن جرير وصححه، وأحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي معاً في الدلائل، وتاريخ ابن عساكر، ترجمه الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87 و88، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص244 عن الإسكافي، وحياة محمد لهيكل الطبعة الأولى ص286.
وراجع: مسند أحمد ج1 ص159 وكفاية الطالب ص205 عن الثعلبي ومنهاج السنة ج4 ص80 عن البغوي وابن أبي حاتم والواحدي والثعلبي وابن جرير، ومسند أحمد ج1 ص111، وفرائد السمطين، بتحقيق المحمودي ج1 ص86، وإثبات الوصية للمسعودي ص115 و116، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص460 و459. والغدير ج2 ص278 ـ 284 عن بعض من ذكرنا وعن: أنباء نجباء الأبناء ص46 و47، وشرح الشفاء للخفاجي ج3 ص37.
وراجع أيضاً: تفسير الخازن ص390، وكتاب سليم بن قيس وغيرهم، وخصائص النسائي ص86 الحديث 63، وراجع: البحار ج38 والدر المنثور ج5 ص97 عن مصادر كنز العمال لكنه حرف فيه ومجمع الزوائد ج8 ص302 عن عدد من الحفاظ بإسقاط منه أيضاً، وينابيع المودة ص105 وغاية المرام ص320 وابن بطريق في العمدة، وتفسير الثعالبي، وتفسير الطبري ج19 ص75، والبداية والنهاية ج3 ص40، وتفسير ابن كثير ج3 ص350 و351.
([283]) راجع تفسير الطبري ج19 ص75.
([284]) راجع: تفسير ابن كثير ج3 ص351، والبداية والنهاية ج3 ص40 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459.
([285]) راجع: فلسفة التوحيد والولاية ص179 و132 وسيرة المصطفى ص131 و130.
([286]) الفُرْق: إناء يُكتال به.
([287]) منهاج السنة ج4 ص81 ـ 83.
([288]) راجع: الغدير ج2 ص280، ولسان الميزان ج4 ص43.
([289]) لسان الميزان ج4 ص42.
([290]) ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص631 و640، ولسان الميزان ج4 ص42.
([291]) المصدر السابق.
([292]) كنز العمال ج15 ص113.
([293]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج13 ص244.
([294]) راجع: الغدير ج2 ص280.
([295]) راجع: المصدر السابق، ومسند أحمد ج1 ص111.
([296]) دلائل الصدق ج2 ص234.
([297]) كما في السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج3 ص40، راجع كنز العمال ج15 ص113، ومسند أحمد ج1 ص111 وتفسير ابن كثير ج3 ص350 وابن عساكر ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87، وإثبات الوصية للمسعودي ص115، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص27، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم 578.
([298]) الكامل لابن الأثير ج2 ص62 ط صادر.
([299]) دلائل الصدق ج2 ص235.
([300]) دلائل الصدق ج2 ص236.
([301]) البحار ج18 ص215 و216، عن سعد السعود ص106.
([302]) الآية 124 من سورة البقرة.
([303]) الآية 94 من سورة الحجر.
([304]) راجع: منهاج السنة ج4 ص83، والدر المنثور ج5 ص95 و96 عن: أحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي عن عائشة، وأنس، وعروة بن الزبير، والبراء، وقتادة، وتاريخ الخميس ج1 ص287.
([305]) الدر المنثور ج5 ص96 عن: الطبراني، وابن مردويه، عن أبي أمامة، وهذه الروايات موجودة في مصادر كثيرة أخرى ولا سيما تلك التي ذكرناها في أوائل هذا البحث كمصادر للنص الأول.
([306]) والغريب في الأمر: أنهم يعتقدون: أن عائشة إنما ولدت في الخامسة من البعثة، والإنذار للعشيرة كان في الخامسة، فهم يناقضون أنفسهم مناقضة صريحة، وإن كنا نحن نعتقد: أن عائشة قد ولدت قبل البعثة بسنوات، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى.
([307]) الآية 94 من سورة الحجر.
([308]) راجع: دلائل الصدق ج2 ص239.
([309]) تاريخ اليعقوبي (ط صادر) ج2 ص28 و27.
([310]) وليس في كفالة النبي >صلى الله عليه وآله< لعلي غضاضة على أبي طالب شيخ الأبطح ـ كما يقول البعض ـ لأن عبد الله وأبا طالب كانا من أم واحدة بخلاف سائر أبناء عبد المطلب، وقد ربي النبي >صلى الله عليه وآله< في حجر أبي طالب وكان >صلى الله عليه وآله< يخاطب فاطمة بنت أسد بيا أماه، وكانت عناية أبي طالب وزوجته به >صلى الله عليه وآله< فائقة جداً، وكان علي >عليه السلام< كأنه ابن لرسول الله >صلى الله عليه وآله<، مع ملاحظة التفاوت في السن فيما بينهما.
([311]) الآية 4 من سورة الجمعة.
([312]) الآية 4 من سورة الجمعة.
([313]) هذا توضيح منه >صلى الله عليه وآله< وتفسير للمراد من الآية.
([314]) البحار: ج18 ص215 و216 عن سعد السعود لابن طاووس ص106.
([315]) راجع: جريدة جمهوري إسلامي الفارسية رقم 254 سنة 1359 ه‍. ش في مقالات للمطهري رحمه الله تعالى.
([316]) جمهرة أنساب العرب ص17.
([317]) نفس المصدر.
([318]) الإصابة ج1 ص292 و 187 والإستيعاب (مطبوع مع الإصابة) ج1 ص297 وجمهرة أنساب العرب ص70.
([319]) الإصابة ج1 ص237 والإستيعاب (مع الإصابة) ج1 ص213.
([320]) جمهرة أنساب العرب ص70 والإصابة ج2 ص320.
([321]) جمهرة أنساب العرب ص70.
([322]) الإصابة ج2 ص430 عن صحيح مسلم.
([323]) الإصابة ج2 ص427 و 292.
([324]) الإصابة ج2 ص292.
([325]) جمهرة أنساب العرب ص70.
([326]) الطبقات الكبرى ج1 ص93.
([327]) المصدر السابق.
([328]) البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي سنة 1413هـ) ج2 ص306 ، وراجع: السيرة النبوية لابن هشام (ط سنة1413هـ) ج1 ص151، والسيرة الحلبية (ط دار إحياء التراث العربي) ج1 ص35 و36 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص174 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص26 وشرح المواهب للزرقاني ج1 ص174.
([329]) جمهرة أنساب العرب ص17.
([330]) جمهرة أنساب العرب ص15.
([331]) كما في السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج3 ص40، راجع كنز العمال ج15 ص113، ومسند أحمد ج1 ص111 وتفسير ابن كثير ج3 ص350 وابن عساكر ترجمة الإمام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87، وإثبات الوصية للمسعودي ص115، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص27، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم578.
([332]) الكامل لابن الأثير ج 2 ص 62 ط صادر.
([333]) الآيتان 94 و95 من سورة الحجر.
([334]) راجع: تفسير نور الثقلين ج3 ص34 عن تفسير القمي.
([335]) الآية 46 من سورة سبأ.
([336]) الآية 1 من سورة المسد.
هذا الحديث يرويه المفسرون ورواه السيوطي في الدر المنثور، وكذلك المؤرخون من غير الشيعة حين الحديث عن إنذار عشيرته الأقربين، ولكن قد بينا: أن المقصود ليس هو مطلق عشيرته في الآية بل عشيرته الأقربون ليس إلا؛ فالرواية تناسب قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} فقط.
([337]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص282 ـ 286، والبدء والتاريخ ج4 ص147 و149 وتاريخ الطبري ج2 ص65 ـ 68.
([338]) الأعلاق النفيسة: ص217، والحيس: هو تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجنان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد. مجمع البحرين: ج4 ص64.
([339]) الآية 57 من سورة القصص.
([340]) الآية 57 من سورة القصص.
([341]) ويرى بعض المحققين: أن من المحتمل: أن أبا طالب كان يستعمل أسلوب اللين تارة والشدة أخرى؛ بهدف إثارة حرب كهذه، تهدف إلى تمكين النبي من نشر دعوته، كما أشير إليه.
([342]) الآية 26 من سورة الأنعام.
([343]) الآية 26 من سورة فصلت.
([344]) الكافي: ج1 ص449 نشر مكتبة الصدوق، ومنية الراغب: ص75. وراجع: الغدير: ج7 ص359 و388 وج8 ص4، وأبوطالب مؤمن قريش: ص73 عن مصادر كثيرة.
([345]) راجع: السيرة الحلبية: ج1 ص291 و292، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية): ج1 ص208 و202 و231.
([346]) راجع: البداية والنهاية: ج3 ص134.
([347]) تاريخ الطبري: ج2 ص68.
([348]) سيرة ابن هشام: ج1 ص341، والسيرة الحلبية: ج1 ص300، وراجع: السيرة النبوية لابن كثير: ج1 ص493، والمحبر: ص184.
([349]) راجع: شرح النهج للمعتزلي: ج13 ص273، وقاموس الرجال: ج5 ص196 وج2 ص238.
([350]) المناقب لابن شهرآشوب: ج1 ص171.
([351]) راجع ما تقدم في: السيرة الحلبية: ج1 ص298 و299، وقاموس الرجال: ج1 ص216، وسير أعلام النبلاء: ج1 ص353، والسيرة النبوبة لابن هشام: ج1 ص340، وحلية الأولياء: ج1 ص148، وغير ذلك كثير.
([352]) الآيات 5 إلى 7 من سورة الليل.
([353]) الدر المنثور ج6 ص358 ـ 390 عن عدد من المصادر والسيرة الحلبية ج1 ص299، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص273 عن الجاحظ والعثمانية ص35.
([354]) شرح النهج ج13 ص273.
([355]) الآية 19 من سورة الليل.
([356]) السيرة الحلبية ج1 ص299.
([357]) المصدر السابقالدر المنثور ج6 ص357 عن ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وتفسير البرهان ج4 ص470 عن علي بن إبراهيم، باختلاف مع ما عن الدر المنثور. وستأتي بقية المصادر في حرب أحد في فصل: قبل نشوب الحرب، حين الكلام حول إرجاع الصغار، والريب فيما ينقل عن سمرة.
([358]) الإتقان: ج1 ص14.
([359]) راجع: كتابنا حديث الإفك، وراجع أيضاً الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.
([360]) طبقات ابن سعد: ج3 ص165.
([361]) تقدمت من المصادر لذلك في الجزء السابق من هذا الكتاب في آخر فصل: بحوث تسبق السيرة.
([362]) تهذيب الأسماء واللغات: ج1 ص136.
([363]) السيرة النبوية لدحلان: ج1 ص126، والسيرة الحلبية: ج1 ص299، وراجع: المصنف: ج1 ص234 وغيره.
([364]) طبقات ابن سعد: ج3 ص170.
([365]) السيرة النبوية لدحلان: ج1 ص126، والسيرة الحلبية: ج1 ص299، وراجع المصنف للصنعاني ج1 ص234، وغيره.
([366]) الروض الأنف ج2 ص78.
([367]) سيرة المصطفى ص149.
([368]) راجع في ذلك: العثمانية للجاحظ ص27 و28، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص253، وسيرة ابن هشام ج1 ص301، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص230، والبداية والنهاية ج3 ص29، والبيهقي، ومستدرك الحاكم ج3 ص369 والبدء والتاريخ ج5 ص82 .
([369]) البداية والنهاية ج3 ص28، ومستدرك الحاكم ج3 ص284، وصححه هو والذهبي في تلخيصه بهامشه، وحلية الأولياء ج1 ص149، والاستيعاب ج1 ص141 وأحمد، وابن ماجة، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص126، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص436 وعن كنز العمال ج7 ص14 عن ابن أبي شيبة، والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ج3 ص233.
([370]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص255.
([371]) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج13 ص255، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص123، والسيرة الحلبية ج1 ص273.
([372]) السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص433، والبداية والنهاية ج3 ص26.
([373]) سيرة ابن هشام ج1 ص267 والسيرة النبوية لابن كثير ص437.
([374]) السيرة الحلبية ج1 ص301 وسيأتي العديد من المصادر لذلك حين الكلام عن هجرة أبي بكر إن شاء الله.
([375]) راجع: النزاع والتخاصم للمقريزي ص19 والغدير ج3 ص353 عنه.
([376]) راجع المصنف لعبد الرزاق ج5 ص451، ومستدرك الحاكم ج3 ص78، عن ابن عساكر، وأبي أحمد الدهقان، وراجع الكامل لابن الأثير ج2 ص326، وتاريخ الطبري ج2 ص944. والنزاع والتخاصم: ص19، وكنز العمال: ج5 ص383 و385، عن ابن عساكر وعن أبي أحمد الدهقان في حديثه.
([377]) أنساب الأشراف للبلاذري (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص588.
([378]) طبقات الشعراء لابن سلام ص38.
([379]) السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص439 و449 والبداية والنهاية ج3 ص30، وتاريخ الخميس ج1 ص294 والغدير ج7 ص322 عنه وعن الرياض النضرة ج1 ص46.
([380]) الاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص331 و330 و333، والإصابة ج4 ص335 و334 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص495، وأسد الغابة ج5 ص481، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص28.
([381]) نور القبس ص275 عن الشرقي ابن القطامي، والإصابة ج1 ص293 عن الكلبي، وابن حزم وعن العسكري والأوائل ج1 ص311 و312.
([382]) راجع: حلية الأولياء ج1 ص140 وتفسير الطبري ج4 ص112 وتفسير النيسابوري بهامشه وغير ذلك كثير جداً.
([383]) راجع على سبيل المثال: أحكام القرآن للجصاص ج2 ص9.
([384]) تقوية الإيمان ص38.
([385]) الآية 28 من سورة آل عمران.
([386]) الآية 97 من سورة النساء.
([387]) الآية 75 من سورة النساء.
([388]) صحيح البخاري ط الميمنية ج4 ص128.
([389]) الآية 28 من سورة غافر.
([390]) الكافي (الأصول) ج2 ص40 و41 منشورات المكتبة الإسلامية، والوسائل ج18 ص8.
([391]) مسند أحمد ج5 ص159.
([392]) مسند أحمد ج5 ص160و168.
([393]) محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني: ج4 ص408 ـ 409 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص10 وسعد السعود ص137.
([394]) تاريخ جرجان: ص201.
([395]) راجع: الكافي (الأصول): ج2 ص217 ط الآخندي، ووسائل الشيعة: ج11 ص465. وراجع: ميزان الحكمة: ج10 ص666 و667.
([396]) راجع: فتح الباري: ج12 ص277 ـ 278.
([397]) دراسات في الكافي والصحيح ص338 عن السيرة الحلبية.
([398]) المصنف للصنعاني ج4 ص48.
([399]) راجع: المحلى ج4 ص141.
([400]) الوزراء للصابي ص130.
([401]) المصدر السابق.
([402]) طبقات ابن سعد ج5 ص70.
([403]) مقاتل الطالبيين ص283، والطبري ط أورپا ج3 ص200.
([404]) تفسير القرطبي ج10 ص181.
([405]) صحيح مسلم: ج1 ص91، وصحيح البخاري ط سنة 1309 ه‍. ق: ج2 ص116 ومسند أحمد ج5 ص384.
([406]) تجارب الأمم المطبوع مع العيون والحدائق ص465.
([407]) تاريخ الطبري ج7 ص201 وراجع: آثار الجاحظ ص274، ومذكرات الرماني ص47.
([408]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص472.
([409]) بحوث مع أهل السنة والسلفية ص183 و184 عن: الرد على الجهمية لابن حنبل في كتاب الدومي ص82.
([410]) راجع العقد الفريد لابن عبد ربه ج2 ص393.
([411]) العقد الفريد ج2 ص464 ـ 465.
([412]) راجع لسان الميزان ج1 ص339 ـ 400 متناً وهامشاً.
([413]) صحيح البخاري ط الميمنية: ج4 ص129 ومسند أحمد ج2 ص403 وأخرجه أبوداود والترمذي، وقصص الأنبياء للنجار: ص98 ـ 99 ومسند أبي يعلى ج10 ص427.
([414]) صحيح مسلم: ج1 ص18 ومعرفة علوم الحديث ص136.
([415]) راجع: بهج الصباغة: ج7 ص121.
([416]) تاريخ اليعقوبي: ج2 ص198.
([417]) راجع: تهذيب تاريخ دمشق: ج4 ص230 وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج2 ص314، وحياة الإمام الحسن >عليه السلام< للقرشي: ج1 ص439.
([418]) راجع: الأخبار الطوال ص220 و221 و222.
([419]) صحيح البخاري (ط الميمنية) ج4 ص128.
([420]) صحيح البخاري ج4 ص128.
([421]) المصدر السابق.
([422]) راجع: عمدة القاري ج24 ص95 ـ 108، وفتح الباري ج12 ص277 ـ 289، وإرشاد الساري ج10 ص93 ـ 102.
([423]) تاريخ الأمم والملوك ج4 ص12.
([424]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج5 ص67.
([425]) تهذيب تاريخ دمشق ج6 ص205.
([426]) سليم بن قيس ص53، مؤسسة البعثة ـ قم ـ إيران.
([427]) تاريخ الخميس: ج2 ص135، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية): ج3 ص11، والكامل في التاريخ: ج2 ص284، والسيرة النبوية لابن كثير: ج4 ص55، والسيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص184 و185، والبداية والنهاية: ج5 ص30، والمواهب اللدنية: ج1 ص236.
وبهذا يلاحظ: أن عمر بن الخطاب لم يكن موفقاً حين أصر على الاقتصاص من جبلة بن الأيهم الذي دخل في الإسلام جديداً، وكان ملكاً في قومه، ولم يتعرف بعد بعمق على عظمة وخصائص الإسلام ومميزاته الفريدة، إذ قد كان عليه أن يراعي الموقف، ويحل المشكلة بأسلوب مرن آخر.
([428]) السير النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية): ج3 ص11، والمواهب اللدنية: ج1 ص236، وتاريخ الخميس: ج2 ص135 و136 و137. وراجع بالنسبة لترك الصلاة المصادر التالية: الكامل في التاريخ: ج2 ص284، وكذا في السيرة النبوية لابن هشام: ج4 ص185، والسيرة النبوية لابن كثير: ج4 ص56، والبداية والنهاية: ج5 ص30.
([429]) السيرة الحلبية: ج2 ص5 وص16، والسيرة النبوية لابن كثير: ج2 ص168.
([430]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص17، والبداية والنهاية ج3 ص72 وتاريخ الخميس ج1 ص290 عن الصفوة والمنتقى.
([431]) سيرة ابن هشام ج1 ص345، والسيرة النبوية لابن كثيرج2 ص5، والبداية والنهاية ج3 ص67، والسيرة الحلبية ج1 ص324، قال: وبه جزم ابن المحدث في سيرته، وتاريخ الخميس ج1 ص288.
([432]) مستدرك الحاكم: ج2 ص622.
([433]) البداية والنهاية ج3 ص83، والبحار ج18 ص418، وإعلام الورى ص46 ـ 45 عن قصص الأنبياء.
([434]) البداية والنهاية ج3 ص70 عن أبي نعيم في الدلائل، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص11.
([435]) البداية والنهاية ج3 ص66 عن ابن إسحاق، والسيرة الحلبية ج1 ص323، وتاريخ الخميس ج1 ص289 و275.
([436]) سيرة ابن هشام ج1 ص344 والبداية والنهاية ج3 ص66 عن البيهقي، والسيرة الحلبية ج1 ص223.
([437]) الإصابة ج2 ص335، وراجع ج4 ص458 و459 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص338 عن: مصعب الزبيري، وتهذيب الأسماء واللغات ج2 ص362، وأسد الغابة ج3 ص196 عن أبي عمر، وابن مندة، والسيرة الحلبية ج1 ص323، وذخائر العقبى: ص253.
([438]) الإصابة ج1 ص301، والسيرة الحلبية ج1 ص323.
([439]) السيرة الحلبية ج1 ص323.
([440]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص347، والبداية والنهاية ج3 ص67 و69 و70 عن ابن إسحاق وأحمد وعن أبي نعيم في الدلائل والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص7 و9، وفتح الباري، ج7 ص143 ومجمع الزوائد ج6 ص24 عن الطبراني وحلية الأولياء ج1 ص114.
([441]) راجع: السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص14 والبداية والنهاية ج3 ص71.
([442]) الإصابة: ج2 ص359.
([443]) البداية والنهاية ج3 ص79 عن ابن إسحاق، ومجمع الزوائد ج6 ص24، ومستدرك الحاكم ج4 ص58 والطبراني، والسيرة الحلبية ج1 ص323 و324.
([444]) السيرة الحلبية ج1 ص324، وتاريخ الخميس ج1 ص288 و289 عن المنتقى والطبري ج2 ص69 وراجع البدء والتاريخ ج4 ص149، وإعلام الورى ص43 واليعقوبي ج2 ص29 وزاد المعاد لابن القيم ج2 ص44.
([445]) راجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص127 و128، وسيرة ابن هشام ج2 ص12 و13، وشرح النهج ج13 ص267، والمصنف ج5 ص386 و385 والبداية والنهاية ج3 ص94 و95، وفي تاريخ الخميس ج1 ص319 و320 أن ذلك كان في الثالثة عشرة من البعثة، وحياة الصحابة ج1 ص276 و277 عن صحيح البخاري ص552.
([446]) راجع: شيخ المضيرة للشيخ محمود أبي رية، وأبو هريـرة للسيد شرف الدين رحمهما الله تعالى، وراجع ترجمة كعب الأحبار في سير أعلام النبلاء ج3 ص490 وغيره.
([447]) إعلام الورى ص55 والبحار ج19 ص7 عن القمي، وسيرة ابن هشام ج2 ص20، والبداية والنهاية ج3 ص137، والسيرة الحلبية ج1 ص360، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص142، وبهجة المحافل ج1 ص126.
([448]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص268 عن الإسكافي.
([449]) البدء والتاريخ ج5 ص76 و77، وتاريخ الخميس ج2 ص199، وتاريخ الطبري ج2 ص615.
([450]) كشف الأستار عن مسند البزار: ج3 ص163، ومجمع الزوائد: ج9 ص40.
([451]) وفاء الوفاء ج1 ص250 والسيرة الحلبية ج2 ص55.
([452]) السيرة الحلبية ج2 ص55، وطبقات ابن سعد ج3 ص179 و178 والأعلاق النفيسة ص196 وتاريخ ابن كثير ج7 ص311، والغدير ج9 ص20 عنهما. والأوائل للطبراني ص109 والروض الأنف ج3 ص248 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص143.
([453]) السيرة الحلبية ج2 ص55 ووفاء الوفاء ج1 ص250.
([454]) طبقات ابن سعد ط ليدن ج3 ص178 وذكره في البداية والنهاية ج7 ص311، وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص55 فإنه صرح بأن هذا المسجد كان خاصاً بالذي بناه.
([455]) البداية والنهاية ج3 ص92، وقد ذكرت هذه القضية في مختلف المصادر التاريخية فلا حاجة إلى تعدادها.
([456]) سيرة مغلطاي ص22.
([457]) ذكرنا ذلك في كتابنا ظلامة أبي طالب، الفصل الأول فراجع.
([458]) ذكرت الزكاة والصيام في مختلف المصادر؛ فراجع سيرة ابن هشام ج1 ص360، والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص21، والكامل لابن الأثير ج2 ص80 (ولم يذكر الزكاة) وإعلام الورى ص44 ولم يذكر الصيام والبداية والنهاية ج3 ص74 وتاريخ الخميس ج1 ص290، وحلية الأولياء ج1 ص114، والسيرة الحلبية ج1 ص340. وستأتي بقية المصادر حين الكلام عن أن تشريع الصلاة والزكاة كان في مكة، وذلك قبيل الكلام عن غزوة بدر إن شاء الله تعالى.
([459]) راجع المصادر المتقدمة.
([460]) راجع: الاحتجاج ج1 ص411 و412، والسيرة النبرية لابن كثير ج2 ص27، والبداية والنهاية ج3 ص76.
([461]) هذا ما ذكره أحمد أمين في كتاب فجر الإسلام ص76 ولعله اقتبسه من السيرة الحلبية ج1 ص339.
([462]) راجع كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام، الجزء الأول، بحث: من هوالأمير الأول في غزوة مؤته.
([463]) تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص136 السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص365، والبداية والنهاية ج3 ص77، والسيرة الحلبية ج2 ص202 و(ط دار المعرفة) ص465 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص28 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص392.
([464]) البداية والنهاية ج3 ص75 عن ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام ج1 ص362.
([465]) الآيتين 19 و20 من سورة النجم.
([466]) الغرانيق، جمع غرنوق بكسر الغين: طيور الماء. شبهت الأصنام بها لارتفاعها في السماء فتكون الأصنام مثلها في رفعة القدر، والغرنوق أيضاً: الشاب الأبيض الناعم.
([467]) الآيات 73 و74 و75 من سورة الإسراء.
([468]) الآيتان 52 و53 من سورة الحج.
([469]) راجع: الدر المنثور ج4 ص194 و366 ـ 368 والسيرة الحلبية ج1 ص325 ـ 326، وتفسير الطبري ج17 ص131 ـ 134، وفتح الباري ج8 ص333. وأشار إلى أصلها البخاري أيضاً في غير موضع من صحيحه، كما في البداية والنهاية ج3 ص90، وقد صرح السيوطي في دره المنثور بصحة أسانيد عدد منها، وراجع: لباب النقول، وتفسير الطبري، وهي موجودة في مختلف التفاسير، عند تفسير الآيات، ولذا فلا حاجة إلى تعداد مصادرها.
([470]) راجع: البحر المحيط لأبي حيان ج6 ص381.
([471]) تنزيه القرآن عن المطاعن ص243.
([472]) عن تفسير البحر المحيط ج6 ص381.
([473]) السيرة الحلبية ج1 ص11، والهدى إلى دين المصطفى ج1 ص130، والرحلة المدرسية ص38. وفتح الباري ج8 ص333، وتفسير الرازي ج23 ص50.
([474]) الشفاء ج2 ص126 ط العثمانية والمواهب اللدنية ج1 ص53.
([475]) فتح الباري ج8 ص333.
([476]) راجع: مقدمة ابن الصلاح ص26.
([477]) فتح الباري ج8 ص333، والسيرة الحلبية ج1 ص326 وراجع سيرة مغلطاي ص24 المواهب اللدنية ج1 ص53.
([478]) راجع: الاكتفاء للكلاعي ج1 ص352 و353.
([479]) الآية 42 من سورة الحجر.
([480]) الآية 99 من سورة النحل.
([481]) راجع: الإكتفاء للكلاعي ج1 ص352 و353.
([482]) الآية 23 من سورة النجم.
([483]) الآيتان 3 و4 من سورة النجم.
([484]) الآيات 44 و45 و46 من سورة الحاقة .
([485]) هذا إن لم نقل إن الآية ناظرة إلى صورة تعمد الكذب على الله، لأنه عبر بالتقول، الذي هوتعمد القول.
([486]) ففي تنزيه الأنبياء ص107: أن حسان بن ثابت قال:
تمنى كتـاب الله أول ليلـه وآخره لاقى حمـام المقادر
على أن من الممكن أن يكون المقصود بالتمني هنا حب ذلك والشوق إليه.
([487]) تنزيه الأنبياء ص107 وص108.
([488]) الآية 73 من سورة الإسراء.
([489]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص326، والدر المنثور، وتفسير الخازن، وسائر كتب التفسير.
([490]) الآية 60 من سورة الفرقان.
([491]) راجع هامش: الاكتفاء للكلاعي ج1 ص353 و354.
([492]) الآية 26 من سورة فصلت.
([493]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص128 وتنزيه الأنبياء ص107 وليراجع هامش الاكتفاء للكلاعي ج1 ص354 عن السهيلي، وقد نقل الكلبي في كتاب الأصنام: أن قريشاً كانت تقول هذه الكلمات في مدحها لأصنامها حول الكعبة ـ كما نقل.
([494]) الرياض النضرة ج2 ص301.
([495]) عمدة القارئ ج16 ص196 وراجع تاريخ عمر ص62.
([496]) صحيح مسلم ج7 ص115 وفي تاريخ عمر ص35 ما يقرب من ذلك وكذلك ص62 والغدير ج8 ص94 ومسند أحمد ج1 ص171 و182 و187 وصحيح البخاري ج2 ص44 و188 وعمدة القارئ ج16 ص196.
([497]) راجع: تاريخ الشعوب الإسلامية ص34 لبروكلمان وكتاب الإسلام ص35 و36 لألفريد هيوم.
([498]) البدء والتاريخ ج4 ص148 و149، وهوالظاهر من سيرة ابن هشام، حيث ذكر هذه العروض بعد ذكره لإسلام حمزة >عليه السلام<.
([499]) البدء والتاريخ ج5 ص98.
([500]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص72 و73 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص312.
([501]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص72.
([502]) راجع: كنز العمال: ج14 ص48 عن البيهقي في الدلائل، وابن عساكر.
([503]) الآيات من أول سورة عبس.
([504]) راجع في هذه الروايات: مجمع البيان ج10 ص437 والميزان عن المجمع وتفسير ابن كثير ج4 ص470 عن الترمذي، وأبي يعلى، وحياة الصحابة ج2 ص520 عنه، وتفسير الطبري ج30 ص33 و34، والدر المنثور ج6 ص314 و315. وأي تفسير قرآن آخر لغير الشيعة؛ فإنك تجد فيه الروايات المختلفة التي تصب في هذا الاتجاه، فراجع الأخير على سبيل المثال.
([505]) راجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص158.
([506]) الظاهر أن المراد به: أبا مالك الأشجعي، المشهور بالرواية، وتفسير القرآن، وهو تابعي.
([507]) راجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص158 و159.
([508]) راجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص158، والميزان ج20 ص203، وتنزيه الأنبياء ص119 ومجمع البيان ج1 ص437.
([509]) الآية 128 من سورة التوبة.
([510]) الآية 52 من سورة الأنعام.
([511]) الآية2 من سورة الجمعة.
([512]) تنزيه الأنبياء ص119.
([513]) الآيتان214 و215 من سورة الشعراء.
([514]) الميزان ج20 ص303.
([515]) راجع: الميزان ج20 ص304.
([516]) تفسير البرهان ج4 ص428، وتفسير نور الثقلين ج5 ص509، ومجمع البيان ج10 ص437.
([517]) مجمع البيان ج10 ص437 وتفسير البرهان ج4 ص428، وتفسير نور الثقلين ج5 ص509.
([518]) تفسير القمي ج2 ص405 وتفسير البرهان ج4 ص427، وتفسير نور الثقلين ج5 ص508.
([519]) سيرة ابن هشام ج2 ص3.
([520]) ونحن نجد في عثمان بعض الصفات التي تنسجم مع مدلول الآية، كما تشهد له قضيته مع عمار حين بناء المسجد في المدينة، حين ردد عمار ما ارتجز به علي عليه السلام تعريضاً بعثمان:
لا يستوي من يعمر المساجـدا يــدأب قــائمـاً وقـاعــدا
ومن يرى عن التراب حائد
وستأتي هذه القضية إن شاء الله تعالى.
([521]) راجع: الهدى إلى دين المصطفى ج1 ص158.
([522]) الآية 52 من سورة الأنعام.
([523]) الآية 28 من سورة الكهف.
([524]) حلية الأولياء ج1 ص146 ـ345، وراجع مجمع البيان ج4 305306. والبداية والنهاية ج6 ص56 وعن كنز العمال ج1 ص245 وج7 ص46 عن ابن أبي شيبة وابن عساكر. والدر المنثور في تفسير الآيات المشار إليها. عن العديد من المصادر.
([525]) راجع الميزان ج7 ص110.
([526]) الدر المنثور ج3 ص22.
([527]) الآية 52 من سورة الإنعام.
([528]) راجع في مجموع ما تقدم: الأوائل للعسكري ج1 ص221 و222، والثقات لابن حبان ص72 ـ 75 والبدء والتاريخ ج5 ص88 ـ 90 ومجمع الزوائد ج9 ص61 عن البزار والطبراني، وتاريخ الطبري حوادث سنة 23، وطبقات ابن سعد ج3 ص191، وعمدة القاري للعيني ج8 ص68، وسيرة ابن هشام ج1 ص366 ـ 374، وتاريخ الخميس ج1 ص295 ـ 297 وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص23 ـ 30، والبداية والنهاية ج3 ص31 و72 ـ 80، والسيرة الحلبية ج1 ص329 ـ 335، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص132 ـ 137 ومصنف الحافظ عبد الرزاق ج5 ص327 و328، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص182 و183، وأسباب النزول للواحدي وحياة الصحابة ج1 ص274 ـ 276، والإتقان ج1 ص15، والدر المنثور ج3 ص200 وكشف الأستار عن مسند البزار ج3 ص169 ـ 172 ولباب النقول ط دار إحياء العلوم ص113، إلى غير ذلك من كتب الحديث والتاريخ ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص4 ـ 9 ط دار النصر للطباعة.
([529]) راجع هذه الأحاديث وغيرها في: البدء والتاريخ ج5 ص88، وسيرة مغلطاي ص23، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج4 ص470 عن الطبراني، وأحمد، وابن ماجة، والحاكم والبيهقي، والترمذي، والنسائي، عن عمر، وخباب، وابن مسعود، والأوائل ج1 ص221، وطبقات ابن سعد ج3 قسم 1 ص191 ـ 193، وجامع الترمذي ط الهند ج4 ص314 و315، ودلائل النبوة للبيهقي ج2 ص7 وتحفة الأحوذي ج4 ص314 والبداية والنهاية ج3 ص79، والبخاري ط الميمنية، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص325، والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص271، والسيرة الحلبية ج1 ص330، وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص102 وتاريخ الخميس، وسيرة ابن هشام، وسيرة دحلان، ومسند أحمد، وسيرة المصطفى، والطبراني في الكبير والأوسط، والمشكاة وغير ذلك من كتب الحديث والتاريخ.
([530]) السيرة الحلبية ج1 ص335.
([531]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص19، وطبقات ابن سعد ج3 قسم 1 ص193، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص182.
([532]) فتح الباري ج7 ص135.
([533]) البداية والنهاية ج3 ص81 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص105 وسيرة ابن هشام ج1 ص373 ـ 374.
([534]) السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص39، والبداية والنهاية ج3 ص82، ومروج الذهب ط دار الأندلس بيروت ج2 ص321.
([535]) سير أعلام النبلاء ج3 ص209، تهذيب الكمال ج15 ص340 الإصابة ج2 ص347 والاستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص342 وبقية المصادر لذلك تراجع في كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي ص24.
([536]) سير أعلام النبلاء ج3 ص209.
([537]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج5 ص326.
([538]) الدر المنثور ج3 ص2 عن الطبراني، وابن مردويه.
([539]) الثقات ج1 ص73، والبداية والنهاية ج3 ص80 والبدء والتاريخ ج5 ص88.
([540]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص28 و29.
([541]) وإن كان ابن هشام قد عد نحو سبعين ممن هاجر إلى المدينة، ولكن ذلك لا يمكن الاعتماد عليه بعد النص على عدد من آخى رسول الله >صلى الله عليه وآله< بينهم من قبل غير واحد، كما سيأتي، ولا يعقل أن يترك أحداً من أصحابه لا يؤاخي بينه وبين آخر من إخوانه.
([542]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص326. وراجع مصادر روايات إسلام عمر المتقدمة.
([543]) الإتقان ج1 ص10 و11.
([544]) صحيح البخاري ط مشكول ج5 ص163.
([545]) وقد تقدم عن الزهري أن عمر قد أسلم بعد حفصة وعبد الله بن عمر.
([546]) ستأتي مصادر ذلك بعد حوالي خمس صفحات.
([547]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص30، وطبقات ابن سعد ج3 قسم 1 ص193، والبداية والنهاية ج7 ص133، وتاريخ الطبري ج3 ص267 حوادث سنة 23، وذيل المذيل ج8 من تاريخ الطبري.
([548]) راجع: طبقات الشعراء لابن سلام ص44.
([549]) تاريخ ابن خلدون ج2 قسم 2 ص9.
([550]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج5 ص326.
([551]) عيون الأخبار لابن قتيبة ج1 ص43 والدر المنثور ج2 ص291 عن ابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان وحياة الصحابة ج2 ص785 عن تفسير ابن كثير ج2 ص68.
([552]) تاريخ عمر بن الخطاب ص165، والدر المنثور ج1 ص21، عن الخطيب في رواة مالك، والبيهقي في شعب الإيمان، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص66، والغدير ج6 ص196 عنهم وتفسير القرطبي ج1 ص152 والتراتيب الإدارية ج2 ص280 عن تنوير الحوالك.
([553]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج10 ص305.
([554]) راجع الغدير ج6 ص116 عن غير واحد وراجع 128.
([555]) راجع كتابنا: حقائق هامة حول القرآن ص346، فقد نقلنا ذلك عن عشرات المصادر.
([556]) مختصر تاريخ دمشق ج17 ص10.
([557]) بحوث في تاريخ القرآن وعلومه ص113 عن تاريخ القرآن للزنجاني. وفي تاريخ اليعقوبي ج2 ص80 ط صادر والاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص51، ذكرا عمر في جملة من كان يكتب للنبي >صلى الله عليه وآله<، لكن لم يبينا إذا كان يكتب الوحي، أو غيره.
([558]) حلية الأولياء ج9 ص34، عن كنز العمال ج5 ص50 عن ابن سعد، وسعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، والطبقات الكبرى ج6 ص109 والتراتيب الإدارية ج1 ص102 ونظام الحكم في الشريعة والتاريخ والحياة الدستورية ص58 عن تاريخ عمر لابن الجوزي ص87 و148.
([559]) كنز العمال ج6 ص295.
([560]) راجع: أقرب الموارد، مادة: >عسف<.
([561]) المنمق، لابن حبيب ط الهند ص146، وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص183.
([562]) المنمق ص147.
([563]) ربيع الأبرار ج1 ص707.
([564]) راجع: صحيح البخاري ج5 ص60 و61 ط مشكول، ففيه روايتان بهذا المعنى، وتـاريخ الإسـلام لـلـذهـبي ج2 ص104، ونسب قـريـش لمصعب الزبيري = = ص409، وتاريخ عمر لابن الجوزي ص26، والسيرة الحلبية ج1 ص332، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص135، وسيرة ابن هشام ج1 ص374، والبداية والنهاية ج3 ص82 وراجع: دلائل النبوة للبيهقي ط دار النصر ج2 ص9.
([565]) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص24 ـ 25 وراجع كشف الأستار ج3 ص171 ومجمع الزوائد ج9 ص64 وذكر: أن خاله هو الذي أجاره وقال ابن إسحاق المراد بخاله: أبوجهل، ولم يرتض ذلك ابن الجوزي، فراجع.
([566]) راجع: ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج2 ص275 و276 وهامشها و278 وفرائد السمطين باب 43 حديث 172 وكنز العمال ج15 ص150 ط 2 عن ابن جرير، وصححه، وابن أبي عاصم، والطبراني في الأوسط، وابن شاهين في السنة، وعن الرياض النضرة ج2 ص213.
([567]) راجع المصنف لعبد الرزاق ج5 ص328.
([568]) أسد الغابة ج2 ص33 وراجع: نسب قريش لمصعب ص380.
([569]) نسب قريش لمصعب ص381.
([570]) راجع: البداية والنهاية ج4 ص167 عن ابن إسحاق، وحياة الصحابة ج2 ص397 و398 عن كنز العمال ج1 ص84 و56 وج5 ص288 عن ابن أبي شيبة، والروياني، وابن عساكر، وأبي يعلى، وطبقات ابن سعد ج1 ص461 وسنن البيهقي ج9 ص221.
([571]) نسب قريش لمصعب ص380.
([572]) مستدرك الحاكم ج1 ص61. وتلخيصه للذهبي بهامشه، وصححه على شرط الشيخين.
([573]) مستدرك الحاكم ج1 ص62.
([574]) مغازي الواقدي ج2 ص821، وعن كنز العمال ج5 ص295، عن ابن عساكر، عن الواقدي.
([575]) كتاب سليم بن قيس ص140.
([576]) الخصال ج2 ص463.
([577]) الثقات ج1 ص74، وراجع مصادر الرواية المتقدمة، ومجمع الزوائد ج9 ص63.
([578]) السيرة الحلبية ج1 ص329 عن الدميري، والسهيلي وذكر الدميري: أنه بقية من دين إبراهيم وإسماعيل قال: وفي كلام بعضهم: كانوا في الجاهلية يغتسلون من الجنابة، ويغسلون موتاهم، ويكفنونهم، ويصلون عليهم إلخ.
([579]) البداية والنهاية ج3 ص344 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص540 وتاريخ الخميس ج1 ص410 والسيرة الحلبية ج2 ص211 والكامل في التاريخ ج2 ص139 والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج2 ص5 والبحار ج20 ص2 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص175.
([580]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص47 وتاريخ الإسلام للذهبي ص109 والسيرة الحلبية ج2 ص14.
([581]) الآية 64 من سورة الأنفال.
([582]) راجع: الدر المنثور ج3 ص200 عن الطبراني، وأبي الشيخ، وابن مردويه وراجع أيضاً ما أخرجه عن البزار وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وغيرهم.
([583]) مجمع البيان ج4 ص557.
([584]) التبيان للطوسي ج5 ص152.
([585]) الدر المنثور ج3 ص200 عن ابن إسحاق، وابن أبي حاتم.
([586]) راجع الرياض النضرة ج2 ص319.
([587]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص274 و275 و186 والرياض النضرة ج1 ص221.
([588]) قد أشرنا إلى ما يذكرونه عن دور ورقة بن نوفل في ذلك، وأثبتنا عدم صحة ذلك، فراجع روايات بدء الوحي في الجزء الأول من هذا الكتاب.
([589]) تاريخ عمر بن الخطاب ص22.
([590]) راجع النصائح الكافية ص74 وحياة الإمام الحسن للقرشي ج2 ص148 والكنى والألقاب ج3 ص262 وفجر الإسلام ص213.
([591]) سيرة مغلطاي ص23، وراجع سيرة ابن هشام ج1 ص375، وتاريخ الخميس ج1 ص297، عن المواهب اللدنية.
([592]) هكذا جاء في بعض الروايات في البحار ج19 ص16 عن الخرائج والجرائح. ولا يهمنا تحقيق هذا الأمر كثيراً..
([593]) وقيل: إن أبا سفيان بن الحارث أيضاً لم يدخل الشعب معهم، ولكنه قول نادر، والأكثر على الاقتصار على أبي لهب لعنه الله.. ولسنا هنا في صدد تحقيق ذلك..
([594]) البداية والنهاية ج3 ص84.
([595]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص256.
([596]) شرح النهج للمعتزلي ج13 ص256 وج14 ص64، والغدير ج7 ص357 و358 عن كتاب الحجة لابن معد.
وذكر ذلك ابن كثير في البداية والنهاية ج3 ص84 من دون تصريح بالاسم، وتيسير المطالب ص49.
([597]) الآية 32 من سورة الأعراف.
([598]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص379 وغير ذلك من كتب السيرة.
([599]) البحار ج19 ص31 ومجمع البيان ج4 ص537.
([600]) دعائم الإسلام ج2 ص35 والتوحيد للصدوق ص389 والوسائل ج12 ص316 والكافي ج5 ص165 والتهذيب للطوسي ج7 ص160 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص266 ط جماعة المدرسين والاستبصار ج3 ص15.
([601]) نسب قريش ص231.
([602]) قاموس الرجال ج3 ص387.
([603]) تفسير الميزان ج19 ص62 و64.
([604]) الآيتان 1 و2 من سورة القمر.
([605]) الدر المنثور ج6 ص133 عن ابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي في دلائلهما، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص122.
([606]) تفسير الميزان ج19 ص60.
([607]) تفسير الميزان ج19 ص61 وراجع باب المعجزات السماوية في البحار، ج17 ص348 ـ 359.
([608]) راجع: همه بايد بدانند (فارسي) ص75.
([609]) الآية 59 من سورة الإسراء.
([610]) الآية 25 من سورة الفتح.
([611]) الآية 33 من سورة الأنفال.
([612]) الآية76 من سورة الإسراء.
([613]) الآية 49 من سورة الأنعام.
([614]) الآية 59 من سورة الإسراء.
([615]) الآية 90 من سورة الإسراء.
([616]) الآية93 من سورة الإسراء.
([617]) راجع فيما تقدم: تفسير الميزان ج19 ص60 ـ 64.
([618]) الآية 59 من سورة الإسراء.
([619]) تفسير الميزان ج19 ص64.
([620]) همه بايد بدانند (فارسي) ص94 للعلامة الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.
([621]) تفسير الميزان ج19 ص 64 و65.
([622]) كتاب: همه بايد بدانند ص84 ـ 90.
([623]) تفسير الميزان ص19 ـ 65.
([624]) الآية 1 من سورة القمر.
([625]) الآية 2 من سورة القمر.
([626]) التفسير الكبير للرازي ج29 ص28.
([627]) مجمع البيان ج9 ص186 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص122.
([628]) مجمع البيان ج9 ص186.
([629]) سورة الأنبياء الآية 1.
([630]) نقله في مفتاح كنوز السنة ص227 عن البخاري، ومسلم، وابن ماجة والطيالسي، وأحمد، والترمذي والدارمي، فراجع.
([631]) راجع في كل ما ذكرناه في دلالة الآية كتاب: همه بايد بدانند (فارسي) ص76 ـ 80.
([632]) ولربما يقال: إن استمرار قريش على عدائه >صلى الله عليه وآله<، إلى حين نقض الصحيفة، يدل على أن الأرضة إنما محت اسم الله تعالى. وأبقت قطيعة الرحم وسائر المواد التي اتفقوا عليها.
وقد استبعد البعض ذلك استناداً إلى أن أكل الأرضة لاسم الله بعيد. فلعلهم التزموا بمضمونها وإن كانت الأرضة قد محتها، أوأنهم أعادوا كتابتها.
ولربما يرد على ذلك بأن الأرضة إنما محت اسم الله عنها تنزيهاً له عن أن يكون في صحيفة ظالمة كهذه وهذا إعجاز مطلوب وراجح من أجل إظهار الحق، وليس في ذلك إهانة.
([633]) راجع فيما تقدم: السيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص16 ودلائل النبوة ط دار الكتب ج2 ص312 والكامل في التاريخ ج2 ص88 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص137و138 ط دار المعرفة وتاريخ اليعقوبي ج2 ص31 والبداية والنهاية ج3 ص85 و86.
([634]) كذا قال البوطي في فقه السيرة ص126 ومجمع البيان ج7 ص258 ويفهم منه أنهم قدموا مع جعفر حين قدومه نهائياً عام خيبر.
([635]) الآية في سورة القصص من آية 52 حتى آية 55، وراجع الحديث في سيرة ابن هشام ج2 ص32، وتفسير ابن كثير، والقرطبي، والنيسابوري في تفسير الآيات، والبداية والنهاية ج3 ص82.
([636]) الكافي نشر مكتبة الصدوق ج1 ص449 ومنية الراغب ص75 وراجع السيرة الحلبية ج1 ص291 و292 والسيرة النبوية لدحلان مطبوع بهامش الحلبية ج1 ص202 و208 و231 والبحار ج18 ص259.
([637]) راجع: الغدير ج7 ص388 و359 وج8 ص3 ـ 4 وأبو طالب مؤمن قريش ص73 كلاهما عن العديد من المصادر وثمرات الأوراق ص285 و286 ونزهة المجالس ج2 ص122 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص405،406 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص24 و25.
([638]) المناقب لابن شهرآشوب ج1 ص64 و65 وأسنى المطالب ص21 ولم يصرح باسم (علي) وكذا في السيرة الحلبية ج1 ص342 وراجع البداية والنهاية ج3 ص84 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج2 ص312 وتاريخ الإسلام ج2 ص140 و141 والغدير ج7 ص363 و357 و358 وج8 ص3 و4 وأبوطالب مؤمن قريش ص194.
([639]) قد مر ذلك في أثناء الحديث عن الإسراء والمعراج، راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص26. أبوطالب مؤمن قريش ص171 ومنية الراغب ص75 و76 والغدير ج2 ص49 و350 و351.
([640]) تفسير ابن كثير ج3 ص394.
([641]) تفسير الصافي ج5 ص180 والسيرة الحلبية ج2 ص64 والدر المنثور ج6 ص24 عن عبد بن حميد، وابن المنذر والإصابة ج2 ص336.
([642]) صفين للمنقري ص271 و272.
([643]) راجع: كتابنا: عليّ والخوارج ج2 ص77 فما بعدها.
([644]) السيرة الحلبية ج1 ص346 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص132 البداية والنهاية ج3 ص127 والتنبيه والإشراف ص200.
([645]) البداية والنهاية لابن كثير ج3 ص127ـ 128 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص133ـ135 صحيح البخاري ج2 ص202 وكتاب عائشة للعسكري ص46 فما بعدها. وقد ذكرنا بعض المصادر لذلك في ما يأتي في فصل: حتى بيعة العقبة، حين الكلام حول جمال عائشة وحظوتها.
([646]) سيرة مغلطاي ص26 وتاريخ الخميس ج1 ص301 والمواهب اللدنية ج1 ص56 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص139 ط دار المعرفة وأسنى المطالب ص21.
([647]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص35 ط صادر.
([648]) الآية 22 من سورة المجادلة.
([649]) الآية 13 من سورة لقمان.
([650]) الآية 48 من سورة النساء.
([651]) الآية 46 من سورة هود.
([652]) الآية 36 من سورة ابراهيم.
([653]) مصادر هذا الحديث مذكورة في كتابنا سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.