الــصــحـيـــح من سيرة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) ج2
العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي
المركز الإسلامي للدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
إيضاحات ضرورية:
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.
والصلاة والسلام على محمد المصطفى، خاتم الأنبياء والمرسلين، وآله الكرام البررة الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، من الأولين والآخرين، إلى يوم الدين.
وبعد..
فإنني إذ أقدم إلى القراء الكرام هذا الكتاب: >الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله< أرى لزاما عليّ أن أشير ـ باختصار ـ إلى الأمور التالية:
1 ـ لقد اعتمدت ـ بالـدرجة الأولى ـ فيما كتبته هنـا على مؤلفـات القدماء، أما مراجعتي لمؤلفات المعاصرين، فلا تكاد تذكر؛ لأن ما راجعته منهـا رأيت أنه ـ عموماً ـ يكرر ما كتبه أولئك، إلا في كيفية التنسيق والتبويب والإخراج، ثم التبرير والتوجيه له، بزيادة:
أنهم يظهرون براعتهم وتفوقهم في تـرصيف الـكـلمات الـبراقـة، وصياغة الجمل والعبارات الرنانة في تأييده وتأكيده، من دون أي تحقيق له، أو تـدقيق فيه، صحة وفسـاداً؛ حتى ليخيل إليك أن تلك النصوص جـزء من الوحي الإلهي، الذي لا يتطرق إليه الشك، ولا يرقى إليه الريب، مهما كانت متناقضة ومتنافرة؛ إذ لا بد من الجمع بينها، وتمحل الوجوه لها، ولو كانت مما يأباه كل عقل، ولا يقره وجدان، ولا يرضاه ضمير، حتى إذا لم يمكن ذلك فلا بد من السكوت عنها، والاعتراف بالعجز عن فهم حقيقة الحال فيها، وذلك هو أضعف الإيمان.
2 ـ لقد انصب اهتمامي في هذا الكتاب على الناحية التحقيقية حول صحة وعدم صحة الكثير مما يدعى أنه سيرة نبوية، أو تاريخ إسلامي، ولكن بالمقدار الذي يتناسب مع كتاب كهذا، يريد أن يعطي صورة متقاربة الملامح قدر الامكان عن فترة زمنية ثرية بالأحداث والمواقف الحساسة، وقد كانت ولا تزال محط النظر ـ بشكل رئيسي ـ لأهل المطامح والأهواء السياسية، والمذهبية، وغيرها.
بل هي أخطر وأهم مرحلة تاريخية على الإطلاق؛ لأنها غيرت جذرياً، وليس فقط أصلحت كل الأسس والمنطلقات الخاطئة لكل قضايا وشؤون الإنسان والإنسانية جمعاء.
وقد كانت المهمة في الحقيقة شاقة وصعبة للغاية، ولكنني رضيت بتحمل ذلك، لأنني أدركت مدى حاجة المكتبة الإسلامية إلى جهد كهذا، مهما كان ناقصاً ومحدوداً؛ ليكون النواة والخطوة الأولى على طريق اعتماد المنهج التحقيقي العلمي في التعرف على قضايا التراث، بصورة شمولية، ومستوعبة.
3 ـ وقد يلاحظ القارئ لهذا الكتاب بعض الفجوات فيه، أو مداً وجزراً في الشمولية والاستقصاء.
وله أن يرجع ذلك إلى أن هذا الكتاب قد أعد في فترات زمنية متباعدة، فرضها واقع الظروف التي تمنع الإنسان من الاستفادة من عنصر الوقت على النحو الأفضل والأمثل.
كما أنه لا يمكن استبعاد حالات النشاط والخمود الفكري التي تعتري الإنسان تبعاً لتفاوت حالات الهدوء والاستقرار، الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على طبيعة ما يكتب، ويُظهر فيه شيئاً من التفاوت والاختلاف في مستوى التعرض لبحوثه وقضاياه.
4 ـ حيث إن التاريخ الإسلامي ـ كما سنرى ـ قد تعرض لمحاولات جادة للتلاعب فيه من قبل أصحاب الأهواء السياسية والمذهبية وغيرها، وتسربت إليه بعض الترهات والأباطيل من قبل أهل الكتاب وغيرهم، ثم حاولت الأيدي الأثيمة والحاقدة أن تعبث به تحريفاً، أو تزييفاً. فقد أصبح البحث، والوصول إلى الحقائق فيه على درجة كبيرة من الصعوبة، إن لم يصل إلى حد التعذر أحياناً، فقد كان لا بد لنا من أخذ الأمور التالية بنظر الاعتبار:
ألف: إن الاعتماد على نوع معين من المؤلَّفات والمؤلفين ربما يتسبب في حرمان القارئ من الاطلاع على نصوص تناثرت هنا وهناك، واستطاعت أن تخترق الحجب، وتقفز فوق الحواجز الثقيلة، وتصل إلينا سليمة ـ إلى حد ما ـ من التحريف، حين لم ير فيها السياسيون المحترفون خطراً، ولا رأى فيها المتمذهبون المتعصبون ضرراً؛ فتركها هؤلاء وأولئك، ليتلقفها عشاق الحقيقة القليلون جداً؛ بعيداً عن غوغائية المتعصبين، وفي مأمن ومنأى من جبروت وتعنت الأشرار المحترفين.
ب: إننا رأينا ـ والحالة هذه ـ أن البحث في الأسانيد، والاعتماد عليها كمقياس ومعيار نهائي في الرد والقبول، إنما يعني: أن علينا أن نقتنع بنصوص قليلة جداً، لا تكاد تفي حتى بالتصور العام، وبالفهرسة الإجمالية للسيرة النبوية المباركة، فضلاً عن تفصيل أحداث تاريخ صدر الإسلام.
ولسوف نخسر كثيراً من النصوص الصحيحة، التي لم توفق لسند تتوفر فيه أدنى شرائط القبول.
هذا بالإضافة إلى أن الباحث سوف يفقد حرية الحركة، والربط والاستنتاج، ولسوف لن يكون لفهمه العميق للأجواء والظروف وللاتجاهات السياسية والفكرية وغيرها الذي اكتسبه من الممارسة الطويلة، أية فعالية تذكر في استخلاص الحقائق، التي أريد لها ـ لسبب أو لآخر ـ أن تبقى طي الكتمان، ورهن الإبهام والغموض.
هذا عدا عن المشكلات الكبيرة التي تواجه الباحث، ولا بد له من التغلب عليها، ليمكن للبحث السندي أن يكون مقبولاً ومعقولاً لدى أرباب الفكر، وأساطين العلم والمعرفة.
وأهم هذه المشكلات هي مشكلة المعايير والمنطلقات والضوابط للبحث السندي، وموازين القبول والرد فيه، والتي يرتكز بعضها على أسس عقائدية أولية، يتطلب البحث فيها وقتاً طويلاً، وجهداً عظيماً، إن لم ينته إلى الطريق المسدود، ويعود ممجوجاً وعقيماً في أكثر الأحيان؛ حيث يصر البعض على اتخاذ منحى لا يتسم بالنزاهة ولا بالموضوعية، خصوصاً في النواحي العقائدية، ولا نملك إزاء هذا النوع من الناس إلا أن نقول:
قاتل الله الأهواء، والعصبيات، والمصالح الشخصية والفئوية.
وعلى هذا الأساس نقول: إننا إذا كنا قد بحثنا ـ أحياناً ـ في الأسانيد، فقد اعتمدنا في ذلك الطريقة المعقولة والمقبولة، المبنية على قـاعدة: ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم، ثم الطرق التي يتوافق عليها إن لم يكن كل فأكثر أهل الفرق، وتؤدي إلى نتيجة مقبولة لدى الجميع، وإن كان منشأ هذا القبول يختلف بين هؤلاء وأولئك في أحيان كثيرة.
ج : لقد حتم علينا ذلك المنهج، بالإضافة إلى ما تقدم: أن نتخذ من المبادئ الإسلامية، ومن القرآن، ومن شخصية وخصائص وأخلاق الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< أساساً لتقييم كثير من النصوص المعروضة، والحكم عليها بالرد أو القبول من خلال انسجامها مع ذلك كله، أو عدم انسجامها معه.
وذلك ينسحب على كل شخصية استطعنا الحصول على فهم عام لسيرتها، ولخصائصها وأخلاقها، ومواقفها، واتجاهاتها.
د : هذا بالإضافة إلى الكثير من أدوات البحث، التي توفرها الممارسة الطويلة في هذا الاتجاه، كتناقض النصوص، والإمكانية التاريخية، من خلال المحاسبات التاريخية الدقيقة، وغير ذلك من وسائل استفدنا منها في بحوثنا هذه، مما سوف يقف عليه القارئ الكريم لهذا الكتاب.
5 ـ وبعد، فإن الكل يعلم: أن المسلمين قد اهتموا بتدوين تاريخ الإسلام، بشكل لا نظير له لدى أي من الأمم الأخرى، فهو بحق وبرغم كل المحاولات أثرى تاريخ أمة وأغناه على الإطلاق.
وحيث إن البحث في جميع جوانبه أمر متعسر، بل متعذر علينا، فقد آثرنا الاكتفاء بالبحث في جانب يستطيع أن يهيئ لنا تصوراً عاماً، وهيكلية متقاربة الملامح والسمات، عن حياة نبينا الأكرم محمد >صلى الله عليه وآله<.
6 ـ لسوف يجد القارئ لهذا الكتاب أنني حاولت الاقتصار على أقل قدر ممكن من الشواهد والدلائل ومصادرها المأخوذة منها، مع علمي بأن بالإمكان حشد أضعاف ذلك في تأييد وتأكيد الحقائق التي أوردتها بشكل عام.
7 ـ إنني قد نسبت كل شيء استفدته أو استشهدت به إلى قائله، أو كاتبه وناقله، وأما الأفكار التي لا مصدر لها، فهي جهد شخصي، لم أعتمد فيه على أحد.
8 ـ وأخيراً، فقد كانت الفرصة تسنح أحياناً، في فترات الإحساس بشيء من النشاط الفكري لتسجيل بعض الملاحظات أو الالتفاتات أو التفسيرات لبعض المواقف أو القضايا والأحداث.
وهي وإن كانت لا تصل في الأكثر إلى مستوى البحث الكامل والشامل؛ لأنها جاءت على الأكثر بصورة عفوية، ومرتجلة، لم يسبقها إعداد، ولا مراجعة، ولا مطالعة، إلا أنها تعتبر ـ على الأقل ـ بمثابة استراحات للقارئ الكريم، كما كانت استراحات للكاتب نفسه من قبل.
وللقارئ الخيار بعد هذا في أن يحكم لها أو عليها، وإذا كان حكمه لها فهو بالخيار أيضاً في أن يتلمس فيها شيئاً من العمق، أو بعضاً من الجمال.
وفي الختام، فإنني أرجو من القـارئ الكريـم أن يتحفني بآرائه، ومؤاخذاته ولسوف أكون له من الشاكرين.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
إيران ـ قم المشرفة 16/12/1400 ه. ق.
جعفر مرتضى الحسيني العاملي
القسم الثاني:
ما قبل البعثة
الباب الأول: البداية الطبيعية للسيرة
الباب الثاني: من الميلاد إلى البعثة
الباب الأول:
البداية الطبيعية للسيرة
الفصل الأول: ما قبل ميلاد النبي '
الفصل الثاني: بحوث تسبق السيرة
الفصل الأول:
ما قبل ميلاد النبي '
البداية الطبيعية:
إن من البديهي: أن البداية الطبيعية والمعقولة لتاريخ الإسلام، وأعظم ما فيه وهو سيرة النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< تحتم علينا إعطاء لمحة خاطفة عن تاريخ ما قبل البعثة، وما اتصل بها من أحداث سبقتها، لنتعرف على الأجواء والمناخات التي انطلقت فيها دعوة الدين الحق، وهو دين الإسلام فنقول:
الوضع الجغرافي لشبه جزيرة العرب:
هي شبه جزيرة مستطيلة يحدها شمالاً: الفرات، وآخر قطعاتها بادية الشام والسماوة، وفلسطين، وشرقاً خليج فارس، وجنوباً خليج عدن، والمحيط الهندي، وغرباً: البحر الأحمر([1]).
ولا يعنينا الوضع الجغرافي هنا إلا في النواحي التالية:
الأولى: إنه لم يكن في جزيرة العرب حتى نهر واحد، بالمعنى الصحيح للكلمة([2])، وأكثرها جبال، وأودية، وسهول جرداء، لا تصلح للزراعة والعمل. ومن ثم فهي لا تساعد على الاستقرار، وتنظيم الحياة.
ومن هنا فقد كان أكثر سكانها، بل قيل خمسة أسداسهم من البدو الرحل، الذين يمسون في مكان، ويصبحون في آخر.
الثانية: إن هذا الوضع قد جعل هذه المنطقة في مأمن من فرض السيطرة عليها من قبل الدولتين العظميين آنئذ: الرومان، والفرس، وغيرهما؛ فلم تتأثر المنطقة بمفاهيمهم وأديانهم كثيراً، بل لقد هرب اليهود من حكامهم الرومان إلى جزيرة العرب، واحتموا فيها في يثرب (المدينة) وغيرها.
وقد نشأت عن هذا الوضع للجزيرة العربية، ظاهرة الدويلات القبلية، فلكل قبيلة حاكم، وكل ذي قوة له سلطان.
الثالثة: إن هذه الحياة الصعبة، وهذا الحكم القبلي، وعدم وجود روادع دينية، أو وجدانية قوية، قد دفع بهذه القبائل إلى ممارسة الإغارة والسلب ضد بعضها البعض، كوسيلة من وسائل العيش أحياناً، وأحياناً لفرض السيطرة والسلطان، وأحياناً أخرى للثأر وإدراك الأوتار، إلى آخر ما هنالك، فتغير هذه القبيلة على تلك؛ فتستولي على أموالها، وتسبي نساءها وأطفالها، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها، ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بهذه الغالبة الفرصة لمثل ذلك، وهكذا.
ومن هنا، فإن من الطبيعي أن يكون شعور أفراد كل قبيلة بالنسبة لأبناء قبيلتهم قوياً جداً، بدافع من شعورهم بالحاجة إلى بعضهم البعض للدفاع عن الحياة، والكفاح من أجلها، مما كان سبباً قوياً لزيادة حدة التعصب القبلي، الذي لا يرثي، ولا يرحم، ولا يلين، حيث لا بد من الوقوف إلى جانب ابن القبيلة، سواء أكان الحق له، أو عليه، حتى لقد قال شاعرهم يتمدحهم بذلك:
لا يسألون أخـاهـم حين يـنـدبهـم في النـائبات على مـا قـال برهانا ([3])
ومن الجهة الأخرى، فإن القبيلة تتحمل كل جناية أو جريمة يرتكبها أحد أبنائها، وتحميه من كل من أراده بسوء، بل يكون أخذ الثأر من غير الجاني إذا كان من قبيلته كافياً وشافياً للموتورين، الذين يريدون شفاء ما في نفوسهم، وإدراك أوتارهم.
الحضر في شبه جزيرة العرب:
أما الحضر في جزيرة العرب، وهم الذين يسكنون المدن، ويستقرون فيها، فإنهم وإن كانوا في حياتهم أرقى من العرب الرحل، إلا أن رقيهم هذا لم يكن بحيث يجعل الفارق بينهما كبيراً.
ومن هنا، فإننا نلاحظ تشابهاً كبيراً فيما بينهما في العقلية، وفي المفاهيم، وفي العادات والتقاليد، وأساليب الحياة، وبدائيتها، هذا إن لم نقل:
إن العرب الرحل كانوا أصح أبداناً، وأفصح لساناً، وأقوى جناناً، وأصفى نفساً، وفكراً وقريحة.
ولكن امتياز هؤلاء وأولئك في بعض الأمور لم يكن إلى الحد الذي يحتم على الباحث فصل الحديث عنهما، ولاسيما بالنسـبـة إلى أولئك الحضريين الذي يسكنون الحجاز.
والخلاصة: إننا إذا كنا لم نجد في تاريخ ما قبل الإسلام ما يبرر نسبة التفوق إلى أحد الطرفين على الآخر، كما يتضح من كلمات أمير المؤمنين الآتية وغيرها، فليس في فصل الحديث عنهما كبير فائدة، ولا جليل أثر.
الحالة الاجتماعية عند العرب:
وإن من يطالع كتب التاريخ سيرى بوضوح إلى أي حد كانت الحالة الاجتماعية متردية في العصر الجاهلي.
وقد قدمنا: أن السلب والنهب والإغارة، والتعصب القبلي، وغير ذلك قد كان من مميزات الإنسان العربي، حتى إنه إذا لم تجد القبيلة من تغير عليه من أعدائها أغارت على أصدقائها، وحتى على أبناء عمها، يقول القطامي:
وكـن إذا أغــرن عـلى قــبــيـــل وأعــوزهــن نـهـب حـيـث كان
أغـرن مـن الضبـاب على حـلال([4]) وضــبــة إنــه مـن حــان حـان
وأحـيـانــاً عـلـى بـكــر أخـيـنـا إذا مــا لــم نــجــد إلا أخــان
ولقد رأينا: أن تلك الظـروف الصعبة، والفقر والجوع، والخلافات التي كـانـوا يعانون منها، والمفاهيم الخاطئة التي كـانت تعيش في أذهـانهم ـ وخصوصاً عن المرأة ـ..
وكذلك ظروف الغزو والإغارة، التي تعني سبي النساء والأطفال، قد دفعتهم إلى قتل أو وأد أولادهم، ولاسيما البنات، وكان ذلك في قبائل تميم، وقيس، وأسد، وهذيل، وبكر بن وائل([5]).
بل إننا نستطيع أن نعرف مدى شيوع الوأد بينهم من تعرض القرآن لهذه المسالة، وردعه لهم عنها، وإدانتها، قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}([6]).
وقال أيضاً: {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}([7]).
كما أننا نجده >صلى الله عليه وآله< قد نص على ذلك في بيعة العقبة وقد قال محمد بن إسماعيل التيمي ـ وغيره ـ تعليقاً على هذا:
خص القتل بالأولاد؛ لأنه قتل وقطيعة رحم؛ فالعناية بالنهي عنه آكد؛ ولأنه كان شائعاً فيهم، وهو وأد البنات وقتل البنين، خشية الإملاق الخ..([8]).
ويقول البعض: >كان هذا الوأد ـ عـلى رأي بـعض الباحثين ـ في عامة قبائل العرب< يستعمله واحد، ويتركه عشرة، أو كان على الأقل معروفاً في بعض القبائل كربيعة، وكندة، وتميم([9]).
المرأة في الجاهلية:
وقد كانت حياة المرأة في الجـاهلية أصعب حياة، حيث لم يكن لها عندهم قيمة أبداً، وقد كتب الكثير عن هذا الموضوع، ولذا فلا نرى حاجة كبيرة للتوسع فيه، ويكفي أن نذكر هنا قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ}([10]). وسياق الآية الكريمة يشير إلى كثرة ذلك وشيوعه فيهم، ومن ذلك نعرف أن الخضري قد حاول تكذيب القرآن، حينما ادَّعى: أن العربي قبل الإسلام كان يحترم المرأة ويجلها([11])، نعوذ بالله من الخذلان، ومن وساوس الشيطان، كما أن فيه تكذيباً للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، الذي يقول: >والله، إن كنَّا في الجاهلية ما نعدُّ للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم<([12]).
شواهد عن حالة العرب في الجاهلية:
وعن حالة العرب في الجاهلية، يكفي أن نذكر بعض ما قاله سيد الخلق بعد الرسول علي أمير المؤمنين، فمن ذلك قوله >عليه السلام<:
>بعثه والناس ضلَّال في حيرة، وحاطبون في فتنة، قد استهوتهم الأهواء، واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل<([13]).
وقال >عليه السلام<: >وأنتم معشر العرب على شر دين، وفي شر دار، تنيخون([14]) بين حجارة خشن، وحيات صم([15])، تشربون الكدر، وتأكلون الجشب([16])، وتسفكون دماءكم، وتقطعون أرحامكم، الأصنام فيكم منصوبة، والآثام فيكم معصوبة<([17]).
وقال >عليه السلام<: >فالأحوال مضطربة، والأيدي مختلفة، والكثرة متفرقة، في بلاء أزل، وأطباق جهل، من بنات موؤودة، وأصنام معبودة، وأرحام مقطوعة، وغارات مشنونة<([18]).
وكلمات أمير المؤمنين هنا حجة دامغة على كل مكابر متعصب، وهناك كلمات كثيرة له >عليه السلام< في هذا المجال؛ فمن أرادها فليراجع نهج البلاغة وغيره.
ويقال: إن المغيرة بن شعبة قد قال ليزدجرد:
>.. وأما ما ذكرت من سوء الحال، فما كان أسوأ حالاً منا، وأما جوعنا فلم يكن يشبه الجوع، كنا نأكل الخنافس والجعلان، والحيات، ونرى ذلك طعامنا، أما المنازل فإنما هي ظهر الأرض، ولا نلبس إلا ما غزلنا من أوبار الإبل، وأشعار الغنم؛ ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً، وأن يبغى بعضنا على بعض، وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية، كراهية أن تأكل من طعامه<([19]).
ولابن العاص أيضاً كلام يشير إلى بعض ذلك؛ فمن أراده فليراجعه في مصادره([20]).
علوم العرب:
لقد أوضح لنا الإمام أمير المؤمنين >عليه السلام< في كلماته المتقدمة حالة العرب، ومستواهم العلمي والثقافي، وأنهم كانوا يعيشون في ظلمات الجهل، والحيرة، والضياع.
وهـذا يكـذِّب كل مـا يدعيه الآخـرون ـ كـالألـوسي وغيره ـ من أن العرب كانوا قد تميزوا ببعض العلوم، كعلم الطب، والأنواء، والقيافة، والعيافة، والسماء، ونحو ذلك..
وقال بعضهم: >خصت العرب بخصال: بالكهانة، والقيافة، والعيافة والنجوم، والحساب<([21]).
فإن ما كان عندهم من ذلك هو مجرد ملاحظات بسيطة ساذجة، مبنية على الحدس والتخمين، متوارثة عن مشايخ الحي وعجائزه.
وهذا هو رأي ابن خلدون أيضاً، الذي كان يرى: أن علم الطب عندهم لا يتعدى معلومات أولية، وملاحظات بسيطة، لا تستحق أن تسمى علماً، ولا شبه علم.
ومثل هذا يقال عنهم في علم الأنواء والسماء؛ فضلاً عما يسمى بالقيافة، والعيافة، هذا عدا عن أن بعض هذه الأمور، لا تستحق أن يطلق عليها اسم >علم<.
ويكفي أن نذكر هنا: أنهم كانوا أميين، لا يعرفون القراءة والكتابة أصلاً، إلا من شذ منهم، حتى ليذكرون: أنه >صلى الله عليه وآله< أرسل رسالة إلى قبيلة بكر بن وائل؛ فلم يجدوا قارئاً لها في القبيلة كلها. وقرأها لهم رجل من بني ضبيعة فهم يسمون: بني الكاتب([22]).
ويروي البلاذري: أن الإسلام قد دخل، وفي قريش سبعة عشر رجلاً فقط، وفي الأوس والخزرج في المدينة اثنـا عشر رجـلاً يعرفون القراءة والكتابة([23]).
وقال ابن عبد ربه: >جاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير سبعة عشر إنساناً<، ثم عدهم فذكر علياً >عليه السلام< أولاً([24]).
ويرى ابن خلدون: أن أكثرهم كان لا يتقنها، بل كان بدائياً، وضعيفاً فيها بشكل ملحوظ.
ويلاحظ من أسمائهم: أن أكثرهم قد تعلمها بعد ظهور الإسلام، وذكر اسم علي >عليه السلام< يدل على ذلك.
بل ربما كانوا يعتبرون القراءة والكتابة عيباً، فقد قال عيسى بن عمر: >قال لي ذو الرمة: إرفع هذا الحرف، فقلت له: أتكتب؟ فقال بيده على فيه، أي أكتم علي؛ فإنه عندنا عيب<([25]).
وفي حديث أبي هريرة: تعربوا يا بني فروخ، فإن العرب قد أعرضت، أي عن العلم([26]).
هذا، مع أن قريشاً كانت أعظم قبيلة شأناً وخطراً ونفوذاً في الحجاز كله، ومع أن التجارة تتطلب مثل ذلك عادة، وكان الأوس والخزرج أيضاً في المرتبة الثانية بعد قريش، تحضراً ونفوذاً في الحجاز.
فإذا كان مستواهم الثقافي هو هذا، فمن الطبيعي ان يصير لليهود عموماً وللنصارى ـ ولو بصورة أضعف ـ هيمنة فكرية كبيرة، وأن ينظر إليهم العرب نظرة التلميذ إلى معلمه، ولربما نشير إلى ذلك فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
هذا، ومن الأمور الجديرة بالملاحظة هنا: أن أمية العرب كانت هي السر في قوة الحافظة عندهم، ولكنها عادت إلى الضعف التدريجي، حسب نسبة اعتمادهم على الكتابة في العصور المتأخرة، إبتداء من عصر التدوين.
ولسوف نشير إن شاء الله تعالى في غزوة بدر من هذا الكتاب، إلى مدى الأهمية التي أولاها الإسلام لمحو الأمية، حتى لقد ورد أنه >صلى الله عليه وآله< قد جعل فداء الأسير في غزوة بدر تعليم عشرة من أطفال المسلمين القراءة والكتابة كما سيأتي، وقد كانت بدر أدق مرحلة يمر بها الإسلام والمسلمون في دعوتهم إلى الله، وحربهم مع المشركين.
وخلاصة القول: إن جهل العرب كان هو الحاكم المطلق، ولا نلاحظ أية ظاهرة للنبوغ فيهم قبل الإسلام، بل على العكس من ذلك، يمكن ملاحظة الكثير مما كان يزيدهم إمعاناً في الجهل والحيرة والضياع.
ميزات وخصائص:
لقد امتاز العرب قبل الإسلام ببعض الصفات التي تمدحهم الناس بها وأثنوا عليهم لأجلها، وهي صفات قليلة بالنسبة إلى ما يقابلها من صفات وعادات ذميمة.
ولكننا إذا دققنا النظر فيها فإننا لا نجد فيها ما يوجب مدحاً بل ربما كانت في كثير من الأحيان موجبة لعكس ذلك تماماً؛ لأن ما يعطي للشيء قيمته الحقيقية من أي نوع كانت هو دوافعه ومنطلقاته، وأهدافه، ونحن لا نجد في تلك الأمور المنسوبة إلى العرب ما يبرر تمدحهم من أجلها؛ لا من حيث المنطلقات والدوافع، ولا من حيث الأهداف والغايات، كما سنرى.
ولكن حين جاء الإسـلام، وتغيرت تلك الـدوافـع والأهداف، أصبحت تلك الصفات ذات قيمة، وصاروا يستحقون عليها التكريم والتقدير.
من امتيازات العرب:
لقد امتاز العرب بالصفات التالية:
1 ـ بالكرم وحسن الضيافة ـ وهذا هو الأمر الوحيد الذي احتج به أبو سفيان على صحة دينه!! حيث قال لكعب بن الأشرف: >أديننا أحب إلى الله أم دين محمد وأصحابه؟ وأينا أهدى في رأيك، وأقرب إلى الحق؟ إنا نطعم الجزور الكوماء([27])، ونسقي اللبن على الماء، ونطعم ما هبت الشمال، فقال له ابن الأشرف: أنتم أهدى منهم سبيلاً (!!)([28]).
ولكن ذلك في الحقيقة وإن كان في نفسه حسناً، ولكنه لا يعبر عن حسن فاعلي، بحيث يعد فضيلة للعرب، إلا إذا كان بذلهم للمال نابعاً من إيمانهم بمثل أعلى، يدفعهم إلى البذل والعطاء، وهو رضى الله سبحانه وتعالى، أو كان نابعاً من عاطفة إنسانية، مصدرها رؤية حاجة الآخرين، والتفاعل معها، بحيث يندفع إلى العطاء والبذل من دون سؤال أو تحريك.
وقد يكون الدافع أيضاً إبعاد العار، والتحرز من هجاء الشعراء، وحتى لا يسير ذكرهم في البلاد في اللؤم والخسة، ولا تتعرض أعراضهم وكراماتهم للمساس بها، أو أملاً بحسن الذكر، وطيب الأحدوثة؛ أو طمعاً بزعامة قبيلة أو منافسة قرين.
وقد قلنا: إن بعض ذلك وإن كان حسناً في نفسه، ولكنه لكي يعبر عن حسن فاعلي لدى من صدر عنه، يحتاج إلى الربط بمثل أعلى، أو بمعنى إنساني، أو إيماني يوصل إلى رضا الله سبحانه.
بل إنك قد تجد في بعض الموارد ما يجعل من الدافع للممارسة في مستوى الجريمة بحق الإنسانية، فإن التاريخ يروي لنا:
أن زيد الخيل حين يطلب منه البعض عطاءً، قد وعده بالعطاء بعد أن يشن الغارة، فلما شن الغارة على بني نمير بالملح وأصاب مائة بعير، أعطاه إياها([29]).
مع أن شن الغارة معناه التسبب بقتل الرجال وحتى الأطفال والنساء والشيوخ الذين قد تسحقهم حوافر الخيل، ثم سبي من يبقى منهم على قيد الحياة، والاستيلاء على أموالهم، وهدر كراماتهم.
وزيد الخيل هو من رجال العرب المعروفين، ويضارع حاتم الطائي في الشهرة والسؤدد.
هذا، ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن عجز البدوي تجاه قوى الطبيعة القاسية، التي تستولي على الصحراء، من شأنه أن يولد فيه الشعور بضرورة الالتزام بأمر الضيافة، وضرورة البذل، إذ لا يمكنه حمل قوته في أسفاره الشاقة والطويلة التي قد تمتد عشرات الأيام، وهو مضطر إلى السفر بين حين وآخر بحثاً عن الماء والكلأ، ولغير ذلك من أمور.
2 ـ عصبيتهم للقبيلة وللعشيرة، وهذه في الحقيقة صفة ذميمة، إذ إنهم يرون أن النصر لا بد أن يكون لذوي قرابتهم، ولابن قبيلتهم، وأن العون لا بد أن يمحض له، ظالماً كان أو مظلوماً.
وقد نعى القرآن عليهم ذلك، وعبر عنها ب {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ}([30])، لأنها مبنية على الجهل، وعدم التثبت.
وقد تقدم ما يشير إلى سر نشوء ذلك فيهم، فلا نعيد.
3 ـ الشجاعة: وهي وإن كانت صفة حسنة في نفسها، ولكنها إنما تفيد في اعتبارها فضيلة في الشخص بملاحظة الأهداف والموارد التي يستعملها فيها، فإذا استعملت في مورد حسن كالذب عن الحرمات، والجهاد في سبيل الله، والمستضعفين؛ فإن صاحبها يستحق لأجلها مدحاً، وإلا فذماً، ولهذا فليس هناك أشجع من الأسد، ولكن ذلك لا يعتبر فضيلة له.
ولعل مما يساعد على نشوء الشجاعة لدى الإنسان العربي هو بيئته وحياته في الصحراء، بلا حواجز وموانع طبيعية أو غيرها، ومواجهتهم الخطر المستمر من الحيوان، ومن بني الإنسان على حد سواء، يشعر كل فرد منهم: أنه مسؤول عن حماية نفسه، والدفاع عنها بنفسه، ولا يرد عنه إلا يده وسيفه، ما دام أنه في كل حين عرضة للغزو، والنهب، والسلب، وأخذ الثارات منه.
هذا بالإضافة إلى أنه لا يأكل في كثير من الأحيان إلا من سيفه ويده، وإلا فإنه هو نفسه يكون عرضة لأن يؤكل، فمن لم يكن شجاعاً فاتكاً أُكل، أو على الأقل لم يستطع أن يأكل، فكأنهم يتعاملون بمنطق: إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب.
وبعد فهل يُمدح الذئب على فتكه بفريسته، وتمزيقه لها؟! إلا إذا كان هذا الفتك من منطلق الدفاع عن المثل أو القيم، أو عن الضعيف الذي يحتاج إلى الناصر، أو ما إلى ذلك.
4 ـ النجدة والإقدام: ولا يختلف الكـلام في ذلك عن الكلام في الشجاعة، إلا أننا نشير هنا إلى أن ما يشجع على ذلك هو اطمئنان العربي إلى أنه غير مسؤول عما يعمل، بل هو منصور من قبل قبيلته على كل حال، ظالماً كان أو مظلوماً.
يضاف إلى ذلك: أن حياة البادية والغزو المفاجئ، وعمليات الاغتيال ثأراً، وغير ذلك من أخطار كانت تتهددهم باستمرار، كل ذلك يستدعي سرعة الإقدام، ومباشرة العمل فوراً، وكل ذلك يشير إلى أن الإقدام بلا تروٍّ ولا تريث؛ لا بد أن يصبح هو الصفة المميزة لهم، والطاغية على تصرفاتهم.
على أن قدرتهم على الانتقام فوراً من شأنها أن تجعل فيهم حساسية متناهية وانفعالاً سريعاً؛ ولذا قل أن تجد فيهم حليماً، إلا من بعض المسنين، أو أصحاب الهمم العالية، أو الجبناء، الذين يتخذون الحلم وسيلة لتغطية انهزاميتهم.
5 ـ الأنفة والعزة، والاعتداد بالنفس، والنزوع إلى الحرية، وقوة الإرادة والفصاحة، وقوة البيان؛ والجوار.
وهي أمور حسنة في نفسها، ولعل منشأها بالإضافة إلى ما تقدم، هو عدم تعرضهم لهيمنة سلطة مركزية، وعدم خضوعهم للنظام والقانون، ولا للإذلال والقهر، مما من شأنه أن يعطيهم حرية في التصرف، والحركة، والقول، وما إلى ذلك.
6 ـ وأخيراً، فإن من صفاتهم الوفاء بالعهد: وهو أمر حسن في نفسه، إلا أن يكون عهداً مضراً بالمجتمع.
وهذا الوفاء أيضاً مما يلجأ إليه الإنسان العربي، لا لأنه يرى أنه ذا قيمة، بل لأنه يحتاج إليه لمواجهة مشاكل الحياة، ذات الطابع الخاص الذي أشرنا إلى بعض ملامحه..
وأما حلف الفضول، الذي هو أشرف حلف في العرب، فمصدره في الحقيقة بنو هاشم، وكذا حلف عبد المطلب مع خزاعة، فلا يعبر هذان الحلفان عن خلقيات سائر العرب.
وقد اتضح من كل ما تقدم: أن كل تلك الصفات إنما تكون جديرة بأن تعتبر فضائل أخلاقية، وصفات إنسانية، حينما تصدر عن خلق فاضل، وإنسانية كريمة، أو عن تقوى وشعور ديني، وإلا فقد تكون على العكس من ذلك، إذا عبرت عما يناقض ذلك وينافيه.
الإسلام وتلك الصفات:
لقد حاول الإسلام أن يضع تلك الصفات في خطها الصحيح، وأن يجعلها تنطلق من قواعد إنسانية، وعواطف صافية وحقيقية، وفضائل أخلاقية، وبالأخص من إحساس ديني صحيح، وليستفيد منها ـ من ثم ـ في بناء الأمة على أسس صحيحة وسليمة.
أما ما كان منها لا يصلح لذلك، فقد كان يهتم بالقضاء عليه، واستئصاله بالحكمة، والموعظة الحسنة، كلما سنحت له الفرصة، وواتاه الظرف.
فمثلاً، نلاحظ: أنه قد حاول أن يجعل المنطلق للكرم، وبذل المال، هو العاطفة الإنسانية، والشعور بحاجة الآخرين، كما يظهر من كثير من النصوص، هذا بالإضافة إلى طلب الأجر والمغفرة من الله تعالى، وذلك هو صريح قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً}([31]) بل لقد تعدى ذلك وتخطاه إلى تمدح الإيثار على النفس، حتى في موقع الخصاصة والحاجة الملحة، فقال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}([32]).
أما العصبيات القبلية، فقد حاول أن يوجهها وجهة بناءة ويقضي على كل عناصر الشر والانحراف فيها، فدعا إلى بر الوالدين، وإلى صلة الرحم، وجعل ذلك من الواجبات، حينما يكون سبباً في تلاحم وربط المجتمع بعضه ببعض.
ولكنه أدان كل تعصب لغير الحق، وندد به، وعاقب عليه، واعتبر ذلك من دعوات الجاهلية المنتنة، كما هو صريح بعض النصوص التي سنشير إليها في السيرة النبوية، إن شاء الله تعالى.
وكذلك فإنه قد حاول أن يوجه الشدة والقسوة إلى حيث تكون في صالح الدين والإنسان، ومثمرة للحق والخير، ومن سبل الحفاظ عليهما.
والنصوص الدالة على ذلك كثيرة جداً، ويكفي أن نشير إلى قوله تعالى: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}([33]) وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}([34]) و {قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً}([35]).
والآيات والروايات في هذا المجال كثيرة جداً، فهو يريد الشدة في دفع الظلم والانحراف، والحفاظ على الحق، وأن لا تأخذ المؤمن في الله لومة لائم، ويريد أن تتحول هذه الشدة إلى رحمة وحنان وسلام فيما بين المؤمنين أنفسهم.
وهكذا يقال بالنسبة إلى سائر الصفات المتقدمة، فإن من يراجع النصوص القرآنية، والأحاديث الواردة عن النبي >صلى الله عليه وآله< وعن آله المعصومين >عليهم السلام<، لا يبقى لديه أدنى شبهة فيما ذكرناه من أن الإسلام قد صب كـل اهتمامه على توجيه الصفات الحسنة، والتصرف في دوافعها وأهدافها، وجعلها تصب في مصلحة الدين والأمة، والقضاء على الصفات الذميمة، التي تقضي على سعادة البشر، وتهدم بناء الحق الشامخ.
ولسوف يأتي في الفصل الثالث، حين الكلام عن العوامل التي ساعدت على انتشار الإسلام وانتصاره، أن هذه المميزات والخصائص قد أدت دوراً هاماً في ذلك، فإلى هناك.
متى كان بناء مكة؟!
لا نستطيع أن نحدد بدقة تاريخ بناء مكة، واتساعها حتى صارت جديرة باسم: >أم القرى<.
وقد يقال: إن بدء بنائها كان قبل بناء إبراهيم >عليه السلام< للبيت، حسبما تشير إليه بعض الروايات، بل ويدل عليه قول الله تعالى حكاية عن إبراهيم: {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً}([36]).
وعليه، فما يحاول البعض إثباته، من أن قصياً هو أول من بنى مكة، وكان البيت وحيداً في الصحراء، وكان الناس يتركونه ليلاً، ويعودون إليه نهاراً، بدليل أن قصياً سمي >مجمعاً<؛ لأنه جمع القبائل حول البيت: لا يصح، بل هو لا يدل أيضاً؛ لأن تاريخ مكة قبل قصي خير شاهد على أنها كانت آهلة بالسكان، معمورة، ومعروفة ومشهورة، نعم ربما يكون قصي قد نظم سكن القبائل في مكة بالشكل المناسب.
ومهما يكن من أمر، فإن تحديد ذلك لا يهمنا كثيراً الآن، وما يهمنا هو التعرف على المكانة الدينية لمكة، ومدى ارتباط قبائل العرب، بل وغيرهم بها، والحديث عن ذلك لا ينفصل عن الحديث عن البيت العتيق، الذي تحتضنه مكة، ثم عن قريش التي كان لها شرف خدمة ذلك البيت، فنقول:
ألف: بناء الكعبة:
الكعبة هي أول بيت وضع للناس ببكة، مباركاً، وهدى للعالمين، كما هو صريح القرآن([37])، والمعروف المشهور هو: أن واضعه هو شيخ الأنبياء إبراهيم >عليه السلام<.
ولكننا نجد في كلمات أمير المؤمنين >عليه السلام< ما يدل على أن البيت قد كان من لدن آدم أبي البشر >عليه السلام<، أما إبراهيم فهو رافع قواعده ومشيد بنيانه وأركانه.
قال >عليه السلام<: >ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم، صلوات الله عليه، وإلى الآخرين من هذا العالم، بأحجار لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فجعلها بيته الحرام، (الذي جعله للناس قياماً).
ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقل نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الأودية قطراً، بين جبال خشنة، ورمال دمثة، وعيون وشلة، وقرى منقطعة، لا يزكو بها خف ولا حافر، ولا ظلف.
ثم أمر آدم وولده: أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثـابـة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوى إليه الأفئدة من مفاوز سحيقة إلخ..<([38]).
ويدل على ذلك أيضاً: روايات وردت من طرق الخاصة وغيرهم؛ فمن أرادها فليراجعها في مظانها([39]).
ولعل ظاهر القرآن لا يأبى عن هذا أيضاً؛ حيث جاء التعبير فيه عن تجديد بناء إبراهيم للبيت بقوله: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}([40]) وهذا لا ينافي أن تكون الأسس والقواعد قد وضعت قبل ذلك، وإبراهيم هو الذي رفع هذه القواعد، وشيد على تلكم الأسس، وهذا موضوع يحتاج إلى بحث وتحقيق، نسأل الله أن يوفقنا لمعالجته في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
ب: دعاء إبراهيم ×:
ومهما يكن من أمر، فإن إبراهيم >عليه السلام< قد لاحظ:
أن البيت الذي اختبر الله الناس به قد وضع في بقعة تكون الحياة فيها صعبة وشاقة، كما يظهر من كلمات الإمام أمير المؤمنين >عليه السلام< المتقدمة؛ ولذلك فقد دعا ربه فقال: {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}([41]).
ولقد استجيبت دعوة إبراهيم >عليه السلام<، وأصبحت مكة قبلة الآملين، ومهوى أفئدة الصفوة من العالمين.
ج: تقديس الكعبة:
لقد كانت الكعبة مقدسة ومعظمة عند جميع الأمم، فيذكر العلامة الطباطبائي قدس سره:
أن الهنود يعتقدون: أن روح سيفا، وهو الأقنوم الثالث عندهم قد حلت في الحجر الأسود، حينما زار هو وزوجته بلاد الحجاز.
والصابئة من الفرس والكلدانيون يعدون الكعبة أحد البيوت السبعة المعظمة([42])، وربما قيل: إنها بيت زحل لقدم عهدها، وطول بقائها..
واليهود أيضاً كانوا يعظمونها، ويدَّعون أنهم يعبدون الله فيها على دين إبراهيم >عليه السلام<.
ويقولون: إنه كان فيها تماثيل وصور، منها تمثال إبراهيم وإسماعيل، وبأيديهما الأزلام، وأن فيها صورتا العذراء والمسيح، ويشهد على ذلك تعظيم النصارى لأمرها كاليهود.
وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم، وتعدها بيتاً لله تعالى، وكانوا يحجون إليها من كل جهة([43])..
وستأتي كلمات أبي طالب حول هذا الأمر حين الكلام عن زواج النبي >صلى الله عليه وآله< بخديجة أم المؤمنين >عليها السلام< وقد حكى الله سبحانه هذا الأمر حينما قال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}([44]).
فالكعبة إذن، كانت مقدسة عند جميع الأمم والطوائف، وبالأخص عند العرب، وظلت على ذلك مدداً متطاولة في العصر الجاهلي، ويزيد ذلك قوة ورسوخاً: أن العربي كان يعتبرها مصدر عزته، وموضع أمله، وكيف لا تكون كذلك، وهو يرى أن الأمم الأخرى تنظر إليه ـ لأجلها ـ بعين الحسد والشنآن، وتعمل على انتزاع هذا الشرف منه، أو على التقليل من خطره وأهميته، حتى لقد:
1 ـ أقام الغساسنة بيتاً في الحيرة في مقابلها([45]).
2 ـ وفي نجران أيضاً: أقيمت كعبة أخرى لتضاهي كعبة مكة، يقول الأعشى: يخاطب ناقته:
وكـعــبــة نـجران حــتــم عليك حـتـى تـنــاخــي بـأعـتــابـهــا
وكعبة نجران هذه يقال: إنها بيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي، على بناء الكعبة، وعظموها مضاهاة للكعبة، وسموها: كعبة نجران([46]).
3 ـ وفي الشام كانت الكعبة الشامية([47]).
4 ـ وفي اليمن الكعبة اليمانية([48]).
وكان رجل من جهينة قال لقومه: هلم نبني بيتاً نضاهي به الكعبة، ونعظمه، حتى نستميل به كثيراً من العرب، فأعظموا ذلك وأبوا عليه([49]).
ويكفي أن نذكر: أن أبرهة بن الأشرم أقام في اليمن بيتاً، ودعا الناس إلى تعظيمه، والحج إليه.
وكتب إلى ملك الحبشة: >إني قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها أحد قط، ولست تاركاً العرب حتى أصرف حجهم عن بيتهم الذي يحجون إليه<([50]).
ورغم أنه زخرفه وفرشه بأفخر ما يقدر عليه، إلا أن ذلك لم ينفع في صرف الناس حتى اليمنيين عن الكعبة إليه، فضلاً عن أن يصرف غيرهم أو أهل مكة عن كعبتهم، واستمر الناس، وأهل اليمن على الحج إلى مكة.
وبعد أن تغوط أحد بني كنانة في كنيسة أبرهة، غضب، واندفع إلى مكة في عام الفيل وقال لعبد المطلب: إنه لا يقصد إلا هدم البيت.
فأجابه: إن للبيت رباً سيمنعه، وجرى ما جرى لأبرهة وجيشه وأنزل الله في ذلك:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}([51]).
5 ـ ويقولون: إن تبع بن حسان كان قبل ذلك قد حاول أن يهدم البيت ويحول حجارته إلى اليمن، فيبني بها بيتاً هناك تعظمه العرب، فدفع الله عن البيت شره وكيده([52]).
الأصنام، والكعبة:
ويقولون: إن عمرو بن لحيّ، كبير خزاعة، عندما كان يتولى أمر البيت، سافر إلى الشام، وحمل معه منها الصنم المسمى ب >هبل< ووضعه على الكعبة، وكان أول صنم وضع عليها، ثم أتبعه بغيره، وفي ذلك يقول شحنة بن خلف الجرهمي:
يــا عمرو إنـك قــد أحـدثت آلهة شتى بـمـكة حـول البيت أنصاب
وكـان للـبـيت ربـاً واحــداً أبـداً فقد جـعـلت لـه في النـاس أرباب
قالوا: >وكان قوله ـ أي عمرو بن لحي ـ فيهم كالشرع المتبع؛ لشرفه فيهم، ومحلته عندهم، وكرمه عليهم<([53]).
فشاعت عبادة الأصنام بين العرب، وأصبحت كل قبيلة تضع لها صنماً على الكعبة، تختلف إليه من جميع الأقطار، حتى صار بها أكثر من (300) صنم، أو تنصبه في الموضع المناسب لها، فإذا أرادوا الحج وقفوا عند الصنم، وصلوا عنده، ثم يلبون حتى يصلوا إلى مكة([54]).
واتخذ أهل كل دار صنماً يعبدونه في دارهم، فإذا أراد الرجل سفراً تمسح به حين يركب، وإذا قدم تمسح به أول ما يصل قبل أن يصل إلى أهله.
وكان ذلك هو حجة من قال: إن العرب لم تكن تعبد الأصنام قبل عمرو بن لحي([55]).
وثمة رأي آخر يقول: إن بني إسماعيل كانوا لا يفارقون مكة حتى كثروا، وضاقت بهم مكة، ووقعت بينهم الحروب والعداوات، وأخرج بعضهم بعضاً، فاضطروا إلى التفرق في البلاد، وما من أحد منهم إلا حمل معه حجراً من حجـارة الحرم تعظيماً للحرم؛ فحيث ما نزلوا وضعوه فطافوا به، كطوافهم بالكعبة، حتى أدى بهم ذلك إلى عبادة تلك الحجارة، ثم جاء مَن بعدهم؛ فنسوا ما كان عليه آباؤهم من دين إسماعيل، فعبدوا الأوثان([56]) وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم وإسماعيل يتنسكون بها، من تعظيم البيت والطواف به، والحج والعمرة، والوقوف على عرفة ومزدلفة، وإهداء البدن، والإهلال بالحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه([57]).
ونحن نرجح أن هذا الأخير هو سر عبادتهم للأوثان، وأما عمرو بن لحي، فالظاهر أنه أول من وضع الأصنام على الكعبة، أو حولها، وتبعه غيره، وربما يشهد لذلك أن مجيئه بالصنم من الشام لا بد أن يسبقه ـ بحسب العادة ـ نوع قبول للأصنام، وتعظيم لها.
هذا، إن لم نقل: إنه يعني: أنه كان يعبد الأصنام قبل أن يذهب إلى الشام.
وما يهمنا هنا هو الإشارة إلى ما كان للكعبة من مكانة لدى الإنسان العربي، فضلاً عن غيره، سواء في الوقت الذي كان يعبد فيه الأوثان ويعظمها، أو في تلك الظروف التي بدأ يشعر فيها بعض الناس بسخافة عبادة الأوثان، وعدم معقوليتها.
وبالنسبة للمراد من الصنم فإنهم يقولون: >إذا كان معمولاً من خشب أو ذهب، أو من فضة صورة إنسان، فهو صنم، وإذا كان من حجارة فهو وثن<([58]).
ولاية الكعبة:
كانت ولاية الكعبة أولاً في يد ولد إسماعيل، ثم خرجت من يدهم إلى أخوالهم الجرهميين([59]) ويقال: ثم إلى العماليق، ثم عادت إلى جرهم، ثم لما كثر ولد إسماعيل؛ وأصبحوا ذوي قوة ومنعة، حاربوا الجرهميين بقيادة كبير خزاعـة، وانـتـزعـوا منهم ولاية البيت، واستمرت في الخزاعيين إلى أن أخرجها منهم قصي بن كلاب، الجد الرابع للنبي >صلى الله عليه وآله<.
وكانت الولاية بيد حُليل الخزاعي أبي زوجة قصي، فجعل الولاية بعد موته لابنته، التي كانت تحت قُصي، ولكنه جعل مفتاح البيت مع رجل يقال له أبو غُبشان فيقال: إن قُصياً إشتراه منه بزق خمر؛ وبذلك يضرب المثل >أخسر من صفقة أبي غُبشان<، وقال في ذلك بعضهم:
أبــو غُـبـشـان أظــلـم مـن قُصي وأظـلـم مـن بـنـي فَـهـر خُـزاعة
فــلا تـلـحــوا قُـصـيـاً في شـــراه ولـوموا شيخكم إذ كـان بـاعـه([60])
ومن أجل ذلك فقد جرت بين قريش وخزاعة حرب كان النصر فيها لقريش، وهم أولاد فهر بن مالك([61])، هكذا يقولون.
ولكن ذلك ليس هو الرأي النهائي هنا؛ إذ أننا نرى البعض الآخر يقول: إن قصياً قد استعاد البيت من خزاعة بعد حروب جرت بينه وبينهم، ثم تحاكموا إلى عمرو بن عوف، فحكم لقصي([62]).
وثمة قول آخر يفيد: أن حليلاً أوصى عند موته بولاية البيت لصهره قُصي، وهذا ما تزعمه خزاعة([63]).
وهناك أقوال أخرى، مثل أن حُليلاً الخزاعي أوصى بالولاية لابنته زوجة قُصي، وهي أعطتها لزوجها.
وإذا كانت خزاعة تزعم ذلك فما هو المبرر لحربها، إلا الحسد له، والبغي عليه؟!. والظاهر أن حُليلاً قد أوصى إليه به فحاربته خُزاعة حسداً وبغياً([64])، ثم تحاكموا إلى يَعْمُر بن عوف، فحكم له.
وحكم يعمر بن عوف له يقرِّب وصية حُليل بالولاية إليه، وكان يَعْمُر قد اطلع على هذه الوصية، إن لم يكن لقُصي حجج أخرى في المقام جعلت الحكم يكون في صالحه([65]).
وعلى كل حال، فقد جدد قصي بناء البيت في القرن الثاني قبل الهجرة([66]) وبنى إلى جانب الكعبة دار الندوة، التي كانت تجتمع فيها قريش للحكومة، والقضاء، والشورى([67]) وهذا من مآثره الجليلة، الدالة على درايته وحكمته، وبعد نظره.
مكانة قريش:
وواضح: أن سدانة قريش للبيت العتيق، وهو الذي يعظمه الكثيرون، ثم اتصال نسبها بإسماعيل وإبراهيم >عليهما السلام<، والعربي بطبعه يحترم نسباً كهذا، انطلاقاً من اهتمامه بالأنساب، وإذعانه لها على أنها مصدر شرف وسؤدد، ولاسيما بملاحظة تعرض العربي للغارات والسبي الأمر الذي يجعل لديه حساسية خاصة تجاه هذا الأمر.
وأيضاً، لأن قريشاً كانت أقرب إلى الحنيفية من غيرها، وشعائر الحج إنما هي من بقاياها كما هو معلوم، والحنيفية هي الدين الذي يحترمه العربي ويقدسه ويعنو له، إن كل ذلك، وغيره من أمور قد أكسب قريشاً شرفاً، ومنحها مكانة، ونفوذاً وخطراً، وأصبح الناس عامة ينظرون إلى قريش نظرة فيها الكثير من الاحترام والتقديس والإكبار.
والشواهد على هذا كثيرة، ويكفي أن نذكر قول قصي لقريش: >قد حضر الحج، وقد سمعت العرب ما صنعتم، وهم لكم معظمون<([68]).
وقول أبي طالب حين تزويج خديجة من رسول الله >صلى الله عليه وآله<: >الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه<([69]).
وعليه، فإنه إذا كانت قريش من نسل إسماعيل، وتحترم دين الحنيفية.
وإذا كانت مكة تعتبر حتى من العرب، أهل الحرب والغارة، حرماً يأمن من لجأ إليه، وقد يلتقي العربي فيها بقاتل ولده، أو أبيه؛ فلا يؤذيه، ولا يستطيع أن يثأر منه.
وإذا كان تقديس مكة قد بلغ عندهم هذا الحد؛ فإن من الطبيعي أن يكون لسادة مكة نصيب وافر من هذا التقديس، وأن يتميزوا على سائر الناس باحترام خاص، أضف إلى ذلك سدانتهم للبيت الذي تفد إليه العرب من جميع الأقطار والانحاء.
وإذا كانت قريش وخصوصاً الهاشميون ترى: أن شرفها، وسؤددها، ومجدها، وحتى اقتصادها، مرتبط بالبيت ومتصل به اتصالاً وثيقاً؛ فمن الطبيعي أن تدرك أن انتهاك حرمته ليس من مصلحتها، لأن ذلك يقلل من تقديس البيت، ومن احترام سدنته ويفقدهم ـ من ثم ـ أعز وأغـلى ما لديهم.
ومن هنا فإنه وإن كان في قريش جماعات شريرة، لا ترجع إلى دين، وهم أصحاب حلف الأحلاف >لعقة الدم<، لكن قد كان في مقابلهم رجال أشراف كرام لا يرضون بما يصدر من أولئك، ويحاولون إرجاع الحق إلى نصابه ما أمكنهم ذلك، ومن هنا كانت المبادرة إلى عقد حلف المطيبين، وبعده حلف الفضول، الذي ينص على أن ترد كل مظلمة إلى صاحبها، لا فرق بين قرشي وغيره، وعلى التأسي بالمعاش([70]).
أنا ابن الذبيحين:
ويذكرون هنا: أنه حين لقي عبد المطلب ـ وهو يحفر زمزم ـ من قريش ما لقي: من مخاصمتها إياه في شأن تلك البئر، وشدتها عليه، حلف لئن ولد له عشرة نفر لينحرن أحدهم، فلما ولدوا له دعاهم إلى الوفاء لله بالنذر؛ فأجابوه، فضرب القداح فخرجت على ولده عبد الله أصغر بني أبيه، على حد تعبير ابن هشام.
ونقول:
الصحيح: بني أمه، وإلا، فإن الحمزة والعباس كانا أصغر منه.
إلا أن يقال: إنهما لم يكونا قد ولدا بعد.
والظاهر: أن المقصود بالعشرة: ما يشمل أولاد أولاده. وقد ذكروا: أنه كان للحرث بن عبد المطلب ولدان؛ هما أبو سفيان ونوفل، بل ذكر بعضهم: أن أعمامه >صلى الله عليه وآله< كانوا اثني عشر، بل قيل: ثلاثة عشر، وأن عبد الله ثالث عشرهم، وعليه فلا إشكال، لأن الحمزة والعباس كانا من أم أخرى كما أشرنا إليه([71]).
كما إننا نشك في قولهم: إن ضرب القداح كان عند هبل، وأراد التنفيذ عند إساف ونائلة؛ لأن عبد المطلب كان على دين الحنيفية كما سيأتي عن قريب، ولم يكن يحترم الأصنام آنئذٍ، ومهما يكن من أمر فقد أراد عبد المطلب ذبح ولده عبد الله، فأطاعه ولده؛ فمنعوه من ذلك؛ فضربت القداح عليه، وعلى عشرة من الإبل ـ مقدار دية رجل ـ من جديد فخرجت عليه، فزادها عشرة، وضربت القداح فخرجت عليه، وهكذا إلى أن بلغت مئة؛ فخرجت على الإبل فنحرت.
ولذلك يقال: إن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يقول: أنا ابن الذبيحين، أي إسماعيل، وعبد الله([72]).
من هو الذبيح؟!
ويقول البعض: إن المراد بالذبيحين هابيل، وعبد الله.. على اعتبار أن المراد بالذبيح هو إسحاق، كما جاء في بعض الروايات([73])، ولإجماع أهل الكتاب على ذلك([74]) على اعتبار أن العرب تجعل العم أباً([75]).
وهذا لا يصح؛ أما:
أولاً: فإنه >صلى الله عليه وآله< ليس من ولد هابيل إجماعاً، إلا أن يقال: إن العم بمنزلة الأب.
ويرده:
ألف: أن أبوة الذبيح الآخر في قوله: أنا ابن الذبيحين؛ لا بد أن لا تختلف عن أبوة عبد الله له، لأنه ذكرهما في كلام واحد، فإرادة هذا المجاز البعيد في أحدهما؛ والحقيقة في الآخر غير معقول، حتى لو جوزنا استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى، كما هو الصحيح، بدليل وجود التورية في كلام العرب.
ب: إن الذي بمنزلة الأب ـ لو سلم أنه عرفاً كذلك ـ إنما هو العم القريب، لا العم الذي يأتي بعد عشرات الآباء والأجداد.
ثانياً: كون الذبيح هو إسحاق لا يصح. وذلك لما يلي:
ألف: إنه قد ذكر في سورة الصافات قضية الذبح، ثم عقبها بالبشارة بإسحاق فقال: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيَّاً مِّنَ الصَّالِحِينَ}([76]) مما يشعر بأن إسحاق قد ولد بعد قضية الذبح؛ لأن هذه بشارة بالميلاد بقرينة قوله تعالى في آية أخرى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}([77]) ولو كان الذبح لإسحاق لم يحسن الإتيان باسمه، بل كان المناسب إيراد ضميره، وتكون البشارة بنبوته مكافأة على صبره على الذبح، وليست بشارة به نفسه كما هو ظاهر الآية.
وقد روي الاستدلال بالآيات عن الإمام الصادق >عليه السلام<، وعن محمد بن كعب القرظي أيضاً([78]).
ويشير إلى هـذا أيضـاً: الترتيب الذي جـاء على لسان إبراهيم >عليه السلام< حيث قـال: {الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ}([79]).
كما أن الله قد ذكر إسماعيل وإسحاق في القرآن معاً في ست آيات، وفي كلها يقدم ذكر إسماعيل على إسحاق.
وفي ذلك إشارة إلى ما ذكرناه:
ب ـ ولو أغمضنا النظر عن ذلك فإننا نقول:
إن من غير المعقول أن يبشر الله تعالى نبيه بغلام سيكبر، ويكون نبياً ويتزوج، ويولد له ولد اسمه يعقوب ثم يأمره بذبح ذلك الولد الكبير والنبي نفسه، فإنه لا يرتاب حينئذٍ بأن الأمر بالذبح ليس حقيقياً وإنما هو صوري وهذا يفقد قضية الذبح كل قيمتها، فلاحظ قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيَّاً}([80]) وقوله: {وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ}([81]).
إلا أن يدعى: أن النبوة والبشارة بيعقوب ليست داخلة في البشارة الأولى.
ولكن ذلك خلاف الظاهر، والذين يصرون على أن الذبيح هو إسحاق لا يقولون بالبداء ليمكنهم التشبث به في الإجابة هنا.
أو يدعى: أن الذبح قد يكون بعد أن ولد له يعقوب.
ويرده: أنهم يقولون: إن قضية الذبح قد حصلت حينما كان عمره ثلاث عشرة سنة([82]).
ج ـ وقد روي: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< قد أوضح أن كونه ابن الذبيحين إنما هو بنذر عبد المطلب، وبذبح إسماعيل >عليه السلام<([83]).
د ـ وأخيراً.. فقد أنكر أبو عمرو بن العلاء أن يكون إسحاق هو الذبيح، على اعتبار أن الذبح كان بمكة، وإسماعيل هو الذي كان بمكة وبنى البيت مع والده، وكذا قال ابن القيم([84]).
خلاصة وبيان:
ونستخلص مما تقدم: أنه قد كان هناك بشارتان:
إحداهما بولادة إسماعيل >عليه السلام<، فولد، ثم أمر بذبحه، وجرى ما جرى، ثم جاءت البشارة الأخرى بولادة إسحاق بملاحظة:
أن أمه لم تكن ولدت، رغم أنها كان قد كبر سنها فبشرها الله بذلك ـ كما ذكرته سورة هود ـ فتعجبت: أن تلد وهي في هذا السن.
وعدم ذكر إسماعيل في سورة الصافات، والاكتفاء بذكر إسحاق ويعقوب لعله يشير إلى ذلك أيضاً على اعتبار أن الأمر بالنسبة لإسماعيل كان قد مضى وانقضى.
أهل الكتاب هم الداء الدوي:
وبعد هذا.. فإن السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو:
من أين جاء هذا الأمر الغريب: أن الذبيح هو إسحاق؟
والجواب: هو ما قاله ابن كثير وغيره:
>إنما أخذوه ـ والله أعلم ـ من كعب الأحبار، أو من صحف أهل الكتاب، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم، حتى نترك من أجله ظاهر الكتاب<([85]) فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم.
ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم: أن التوراة المتداولة نفسها متناقضة في هذا الأمر؛ فإنها في حين تقول:
>خذ ابنك، وحيدك، الذي تحبه إسحاق، واذهب إلى أرض المريا، وأصعده هناك محرقة على إلخ..<([86]).
فقد عبرت هنا بكلمة: >وحيدك< الدالة على أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم، ولكنها تعود فتكذب نفسها، وتنص على أن إسحاق لم يكن وحيداً وإنما ولد وعمر إسماعيل أربع عشرة سنة([87]).
بل لقد ذكر ابن كثير: أنه لا خلاف بين أهل الملل: أن إسماعيل أول ولد إبراهيم وبكره([88]).
وقد اعترف أحد مسلمة أهل الكتاب بأن اليهود يعلمون: أن الذبيح هو إسماعيل، ولكنهم يصرون على خلافه حسداً منهم للعرب([89]).
ملاحظات هامة:
الأولى: أن إبراهيم قد رزق ولده إسماعيل الوحيد في شيخوخته، كما أشار إليه القرآن، وطبيعي أن يكون تعلقه بهذا الولد أشد، وحبه له أعظم.
ونلاحظ أيضاً: أن أمر الله تعالى له بذبحه قد كان وولده في أروع أيام حياته، وفي السن التي يزداد تعلق والديه به فيه، وحبهما له؛ حيث تمتزج المحبة بالعاطفة، والرأفة بالإعجاب..
وأيضاً، لقد رزقه الله ولداً هو في أعلى درجات الكمال الإنساني، عقلاً ودراية وسلوكاً، واستقامة، إلى غير ذلك من فضائل وكمالات إنسانية فاضلة، وهذا أيضاً أدعى إلى التعلق به، وازدياد المحبة له.
وبعدما تقدم فإننا نجد: أن الله سبحانه يكلف هذا الأب بذبح طفل كهذا بيده، وإذا كان التخلي عن طفل كهذا في ظروف كهذه هو من أصعب الأمور، فكيف إذا كان يجب أن يتم هذا التخلي بيد نفس ذلك الأب؟!..
ويلبي إبراهيم، ويستجيب إلى أمر الله، دون أن يسأل عن السبب، ودون أن يبرمه أمر كهذا، وحتى دون أن يتحير في ذلك؛ لأنه واثق بحسن ما يختاره له ربه، وبصلاح ما يأمره به.
الثانية: يستجيب إبراهيم >عليه السلام< لهذا الأمر، ولكنه لا يندفع إلى تنفيذه بسرعة، لكي يريح أعصابه، لأن هذا الأمر قد يخفي وراءه شيئاً من الضعف والوهن، بل هو يخبر ولده بالأمر، ويطلب منه أن يتخذ هو نفسه أيضاً القرار الحاسم في الاستسلام لذلك أو عدمه وذلك يدل على ثقته بحسن اختيار ولده، رغم صغر سنه، ويدل على أنه كان يحترم فيه كبر عقله، وسداد رأيه، ولا يعتبره طفلاً لا يمكن أن توكل إليه أية مسؤولية.
وطبيعي أيضاً: أن يكون التفات إسماعيل لذلك، وأن يتخذ هو نفسه القرار منه بقوله: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مـَا تُـؤْمَـرُ سَـتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}([90]). مما يزيد في آلام أبيه.
وإسماعيل.. الذي أراد أبوه أن ينيله أجر الطاعة، ويتذوق حلاوة التسليم، لم يكن منه إلا التسليم لأمر الله سبحانه، والانصياع له بثقة ورضاً، ولكنه لا يعتبر هذا التسليم والرضا شجاعة وبطولة منه، وإنما يعتبره خضوعاً لمشيئة الله تعالى ويرى: أن صبره مستمد منه، ومنته إليه؛ ولذلك عبر الله تعالى عن حالتهما هذه بقوله: {فَلَمَّا أَسْلَمَا}؛ فهما قد أسلما لله تعالى، وليس لغيره من الشهوات، ولا للغرائز، ولم تقيدهما القيود المادية، ولا الدنيوية في شيء([91]).
ولذلك فإن إبراهيم وولده هما ممن يكون الله أحب إليه من كل شيء مما نصت عليه الآية الكريمة التي تقول:
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}([92]).
الثالثة: إن من الواضح: أن ذبح إسماعيل، وإراقة دمه لم يكن هو المقصود النهائي له تعالى؛ وذلك لقوله تعالى لإبراهيم >عليه السلام<: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}([93])، وإنما كان المقصود هو البلاء والامتحان لإبراهيم وولده >عليهما السلام<؛ لقوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَء المُبِينُ}([94]).
وحكمة هذا البلاء هي: أن يزيد في تزكية وتصفية نفس إسماعيل، في مراحل إعداده لتحمل مسؤولية النبوة، وقيادة الأمة، وكذلك فإن في ذلك تزكية وتصفية وامتحاناً لنفس إبراهيم >عليه السلام< ولربما يكون ذلك من الكلمات اللواتي استحق إبراهيم بإتمامهن أن يجعله الله للناس إماماً.
قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}([95])، وكانت قضية الذبح هي البلاء المبين كما نصت عليه الآية الكريمة.
وقد رأيت بعد أن كتبت هذا: أن العلامة الطباطبائي يذكر: أن البعض قد تنبه لذلك كالطباطبائي نفسه، واستدل له، بقوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} إذ لا معنى لقوله هذا إن لم يكن له ذرية بالفعل، كما إنه لم يكن يعلم، ولا يظن: أنه سيكون له ولد قبل تبشير الملائكة له بذلك، وإبراهيم لا يتفوه بما لا علم له به، ولا يظنه، ولا يحتمله، ولا يخطر له على بال، وهو بهذه السن المتقدمة، ولو كان ذلك قبل ولادة إسماعيل لكان اللازم أن يقول: >ومن ذريتي إن رزقتني ذرية<([96]).
وقد أورد البعض على الفقرة الأولى بإمكان أن يكون هذا الطلب من إبراهيم قد حصل بعد تبشير الملائكة له بالذرية، فنزلها في كلامه منزلة الأمر الحاصل والمُحَقَق.
وبعد، فإن حكم هذا البلاء، هو أن يضرب بذلك المثل الأعلى للأجيال، في التضحية في سبيل المبدأ الحق، ولا يكتفى بمجرد رفع الشعارات، والإعلان عن المواقف كلامياً فقط، فبإبراهيم وإسماعيل ينبغي أن يكونا القدوة لكل مؤمن ومؤمنة.
كما إن في إخراج فضائلهما من عالم القوة إلى عالم الفعل، وإظهارها للناس والتعريف بها تشجيع للفضائل الكامنة في غيرهم، وتحريك لها لتقوم بمحاولة الظهور على الصعيد العملي، أي إن في ذلك هزة عاطفية مؤثرة في كل من يملك عاطفة جياشة؛ تستطيع أن تستثير الفضائل الكامنة في نفس الإنسان؛ لتكون واقعاً حياً وملموساً، ولتقود عملية التغيير الشاملة في حياة الإنسان، ومستقبله بشكل عام.
هذا ومن غير البعيد: أن يكون المجتمع الذي عاش فيه إبراهيم وإسماعيل، قد طغت عليه المادية؛ فأراد الله تعالى تحويل هذا الاتجاه بصورة عملية، دون الاقتصار على إسداء النصائح، والتوجيهات.
ولعل المتأمل في هذه القضية يكتشف الكثير، مما لم نذكره، أو لم نشر إليه، والله هو الموفق والمسدد.
الرابعة: ويبقى أن نشير هنا: إلى أن من المقطوع به: أن النبي >صلى الله عليه وآله< لا يريد أن يفتخر بقوله هنا: أنا ابن الذبيحين، وإنما لعله يريد من قوله هذا: أن يوجه الأنظار للاستفادة من هذين الحدثين الهامين جداً.
وأيضاً يريد أن يفهم الآخرين: أنه شخصياً ليس غريباً عن هذا الجو، وأنه إذا كان أولئك قد بلغوا هذه المكانة في القرب من الله، والتفاني في سبيله والتسليم له، فلا يجب أن يتوقع منه موقف آخر، يختلف عن هذا، أو يقل عنه.
وإذن، فإن آمالهم في أن يقف موقف المساوم ـ في يوم ما ـ إنما هي سراب في سراب؛ فإن القضية قضية مبدأ وعقيدة، وليست قضية مصالح شخصية، كما يتخيلون.
وقد أثبتت الوقائع صحة ذلك؛ حيث كان >صلى الله عليه وآله< يقدم أهل بيته في الحروب، وقد ضحى بكل غال ونفيس في سبيل هذا الدين.
الخامسة: إن نذر عبد المطلب هذا ربما يقال فيه: إنه غير جائز؛ إذ كيف جاز له التصرف في شخصية غيره إلى هذا الحد؟! وهل يمكن أن يعتقد أحد بوجوب الوفاء بنذر كهذا، يكون الضحية فيه نفس محترمة أخرى، حتى ولو كانت ولداً مثل عبد الله بن عبد المطلب؟!.
والجواب: إنه قد يقال: إن عبد المطلب قد سار في إيمانه سيراً تكاملياً([97]) كما أشار إليه الحلبي حيث قال: ورفض في آخر عمره عبادة الأصنام، ووحد الله سبحانه([98]).
وقد يقال: إن هذا يعطي التفسير لتسميته في أول أمره أبناءه ب >عبد مناف< ومناف اسم صنم، و >عبد العزى< والعزى كذلك >راجع الهامش ما قبل السابق<، ولكنه يترقى ويتقدم حتى يبلغ به الأمر حداً من التسليم والإيمان بالله، أن أرعب بإيمانه هذا أبرهة صاحب الفيل، كما يذكره المؤرخون.
وقد أشبه في هذا الأمر نبي الله إبراهيم >عليه السلام< فإن إبراهيم كان ـ بلا شك ـ موحداً لإحساسه الوجداني والفطري بوجود إله واحد، قادر، عالم، حكيم إلخ.. ولكنه بعد أن بلغ سن الرشد أراد أن يجسد هذا الإيمان الوجداني بالدليل والبرهان؛ على صفحة الوجود، على قاعدة: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}([99]) وكانت النتيجة هي ما حكاه الله بقوله: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ، فَلَمَّآ رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}([100]).
هذا إن قلنا: إن كلام إبراهيم >عليه السلام< كان على سبيل الحقيقة وليس على سبيل الاستدراج، مع أن الروايات قد أكدت أنه قد كان على سبيل الاستدراج لقومه ليقيم عليهم الحجة.
بل إن القرآن نفسه قد صرح بذلك، حيث عقب هذه الآيات بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}([101]) ولهذا البحث مجال آخر.
وعلى كل حال، فإن الصحيح هو: أن عبد المطلب كان مؤمناً، معتقداً بالله الواحد القادر، الحكيم الخ.. استناداً إلى حكم الفطرة والوجدان، لكنه كان يريد أن يجسد هذا الإيمان، أو يريد أن يستدرج غيره للإيمان بما آمن هو به، بعد إبطال احتمال أن يكون لهذه الأصنام أي شأن أو شفاعة.
بل إن الأحاديث قد دلت على أنه كان هو وآباؤه، من الأنبياء >صلى الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين<، هذا بالنسبة لإيمانه.
أما بالنسبة لسلوكه ومواقفه، فإنهم يقولون عنه: إنه كان يقطع يد السارق، ويمنع من طواف العراة، ويوفي بالنذر، ويؤمن بالمعاد، ويحرم الزنى، والخمر، ونكاح المحارم، وكان يأمر ولده بترك الظلم والبغي، ويحثهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيات الأمور، وكان مجاب الدعوة وترك الأصنام([102]).
وقد ذكرت كتب التاريخ: أن بعض الأصنام قد كـانت تماثيل لأشخاص من أهل الخير والصلاح، فراجع كتاب الأصنام لابن الكلبي، وسيرة ابن هشام وغير ذلك.
وعن النبي >صلى الله عليه وآله<: يا علي، إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين إبراهيم >عليه السلام<([103]).
وقد بلغ الذروة في إيمانه هذا بعد ولادة حفيده محمد >صلى الله عليه وآله<، حيث سمع ورأى الكثير من العلامات الدالة علي أنه النبي الخاتم، والأكمل والأفضل من جميع البشر، وشهد، وعاين الكثير من الكرامات والدلالات القطعية فيه.
وبعد كل ما تقدم نقول: إنه لا مانع من أن يكون عبد المطلب قد تلقى الأمر بذبح ولده عبد الله من الله تعالى، ولا أقل من أنه كان يعتقد بأن له الحق في تصرف كهذا، ونذر كهذا ولم يكن ذلك مستهجناً لدى العرف آنئذٍ.
أضف إلى ذلك: أنه لم يثبت عدم جواز نذر كهذا في الشرايع السابقة. فقد نذرت امرأة عمران ما في بطنها محرراً لخدمة بيوت الله، وأمر الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ولده إسماعيل.
وأما تسمية أبنائه بما يشير إلى الأصنام، فلعلها تسميات لحقتهم بعد ظهور شركهم، وانحرافهم، وحبهم لتلك الأصنام، وليس لدينا تاريخ صادق، وصريح، وكاف.. والله العالم بالحقائق.
النسخ في قصة إبراهيم ×:
هذا، وقد ادعى البعض: أن قصة إبراهيم تدل على جواز النسخ قبل حضور وقت العمل، وأجيب عن ذلك:
أولاً: إن إبـراهيم >عليه السلام< لم يؤمـر بالذبح الذي هو فري الأوداج، بل أمر بالمقدمات، فقد جاء بالتنزيل قوله تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}([104]) ولم يقل: إني ذبحتك، ثم جاء قوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}([105])؛ ليؤكد على ذلك ولو كان ما فعله بعض المأمور به، لكان مصدقاً لبعض الرؤيا([106]) فلا يصح قوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}.
ثانياً: إن وقت الفعل حاضر؛ فإن إبراهيم قد شرع في التنفيذ فعلاً، فالنسخ لو سلم، فإنما هو قبل وقوع الفعل، لا قبل حضور وقت العمل.
ونقول: إن النسخ يمكن أن يكون مع كون الأمر بداعي الامتحان أو غيره أولاً، ثم يصدر أمر عن مصلحة واقعية ثانياً فينسخه.
البداء عند الشيعة:
ويتفرع على مسألة النسخ مسألة البداء؛ التي هي موضع خلاف بين الشيعة وغيرهم، وقد صارت مصدراً للافتراءات الكثيرة على الشيعة، ونحن نشير إلى توضيح هذه المسألة بما يسمح به المجال، فنقول:
قال آية الله الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين >رحمه الله<:
>حاصل ما تقوله الشيعة هنا: أن الله عز وجل قد ينقص من الرزق، وقد يزيد فيه، وكذا الأجل، والصحة والمرض، والسعادة والشقاوة، والمحن والمصائب، والإيمان والكفر، وسائر الأشياء، كما يقتضيه قوله تعالى: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}([107]).
وهذا مذهب عمر بن الخطاب، وأبي وائل، وقتادة، وقد رواه جابر عن رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وكان كثير من السلف يدعون، ويتضرعون إلى الله أن يجعلهم سعداء لا أشقياء، وقد تواتر ذلك عن أئمتنا في أدعيتهم المأثورة.
وورد في السنن الكثيرة: أن الصدقة على وجهها، وبر الوالدين، واصطناع المعروف، يحول الشقاء سعادة، ويزيد في العمر إلخ..<([108]).
نعم، هذا هو البداء الذي تعتقد به الشيعة تبعاً لأئمتهم >عليهم السلام<.
وأما البداء بمعنى ظهور رأي جديد له تعالى بعد أن لم يكن يعلم به أولاً، أو بمعنى أن يعمل تعالى عملاً ثم يندم عليه، حيث ظهر له أن المصلحة كانت في خلاف ذلك، أما البداء بهذا المعنى فهو محال على الله، ولم يقل به الشيعة أبداً، كيف؟! وهم أتباع أمير المؤمنين علي >عليه السلام< منشئ نهج البلاغة المشحون بالمعاني التي يعجز العقل البشري عن إدراكها؛ علي الذي تعلم الناس منه ومن أبنائه المعصومين تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وأخذوا عنه أدق المعارف حول الله وصفاته سبحانه وتعالى..
وقد نقل عن الصادق >عليه السلام< قوله: من زعم أن الله يبدو له في شيء، ولم يعلمه أمس، فابرؤوا منه([109]).
وعنه >عليه السلام<: من زعم أن الله بدا له في شيء بداء ندامة؛ فهو عندنا كافر بالله العظيم([110]).
التوضيح والتطبيق:
وتوضيح ذلك: أن الله عز وجل يقدر لزيد من الناس مثلاً رزقاً معيناً، أو عمراً معيناً، بحسب ما تقتضيه طبيعته وسجيته، واستعداده الذاتي وفقاً للسنن التي أودعها في مخلوقاته لتجري بها الأمور، ولكنه يعلم أنه سوف يتصدق فيكون ذلك سبباً في زيادة رزقه المقدر له أولاً بقطع النظر عن هذه الصدقة، أو سوف يبر بوالديه فيزيد عمره لذلك كذلك، والله يعلم بذلك كله من أول الأمر.
وقد تقتضي المصلحة أن يطلع الله نبيه >صلى الله عليه وآله< على المقتضي لوجود شيء، من دون أن يطلعه على ما سوف يجد في المستقبل له من الموانع، أو ما سوف يفقده من شرائط، فيخبر النبي >صلى الله عليه وآله< الناس عنه على تلك الصفة.
ثم بعد ذلك يطلع تعالى النبي >صلى الله عليه وآله< على أنه يوجد مانع، أو أن المقتضىي يحتاج إلى توفر شرائط ومناخات معينة مفقودة فعلاً، مع علم الله سبحانه بكل ذلك أولاً وآخراً؛ فإن لله علماً اختص به، وعلماً يطلع عليه نبيه أو يثبته في لوح المحو والإثبات، وقد أشار إلى هذين العلمين، في قوله تعالى: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}([111]) فمثلاً، لو بنينا بيتاً، وكان بحسب طبعه صالحاً للبقاء مئة سنة مثلاً، ولكنه ربما ترد عليه عواصف، أو زلازل، أو سيول، أو نحوها؛ تمنع من بقائه هذه المدة، ويتلاشى في مدة عشر سنوات مثلاً.
فلو أخبرنا الناس: أن هذا البيت يبقى مئة سنة، مع علمنا بأنه سيتلاشى بسبب سيل يأتي من الناحية الفلانية، يصل إليه بعد عشرة أيام، ثم أخبرنا ثانياً: بأن البيت سيهدم بعد عشرة أيام، فإن كلاً من الخبرين يكون صحيحاً.. وقد يترتب على إخبارنا الأول مصلحة هامة لا غنى عن تحققها في موطنها.
وقد يكون من هذا القبيل ما نجده يذكر في علامات الإمام صاحب الزمان >عليه السلام< حيث قد نص الأئمة >عليهم السلام< على أن بعضها: من المحتوم، وسكتوا عن البعض الآخر؛ فلربما يتحقق الجميع، ولربما تفقد بعض الشرائط لبعضها أو توجد بعض الموانع عن تحقق بعضها، ويكون المخبر إنما أخبر عن السير الطبيعي للأمور بغض النظر عن العوارض والطوارئ، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا دراسة في علامات الظهور، فراجع الفصل الثاني منه.
ويمكن أن تكون قضية إبراهيم وإسماعيل الذبيح من هذا القبيل أيضاً، حيث إنه تعالى ـ لمصلحة يراها، كالامتحان والابتلاء، وغير ذلك مما تقدم ـ قد أمر نبيه إبراهيم بذبح ولده ثم فدى ذلك الذبيح بذبح عظيم.
وقد أخبر تعالى: إبراهيم بأنه قد صدق الرؤيا.
ولعل قضية إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق >عليه السلام<، كانت من هذا القبيل، فقد اقتضت المصلحة أن تتوجه الأنظار نحو إسماعيل هذا، من أجل حفظ نفس الإمام الحق من الأخطار، ثم يموت إسماعيل، ويظهر أن الإمام الحقيقي هو أخوه موسى >عليه السلام<.
إشكال.. وجوابه:
الإشكال: أن كلمة >بدا< معناها: ظهر >وليس أظهر<. و >بدا لله< لا بد أن يكون معناه ظهر له الأمر وعلم به بعد أن كان يجهله، وذلك محال عليه تعالى كما قلتم، فكيف يمكن توجيه قوله >عليه السلام<: >ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل< وغير ذلك من كلمات عبرت ب >بدا له< أو >بدا لله<؟!.
والجواب: أن قوله تعالى:{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}، ثم اعتبار قضية إسماعيل ابن الإمام الصادق >عليه السلام< وصرف القتل عنه مرتين بسبب دعاء أبيه >عليه السلام< من البداء، حيث روي عن الإمام الصادق >عليه السلام< قوله: ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل([112]) ـ إن ذلك يشير إلى أن كلمة بدا لم تستعمل في معنى الإظهار أو الظهور.
وإنما استعملت بمعنى: تحقيق وتجسُّد ما علم في عالم الكون والوجود، نظير كلمة: (علم) في قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً}([113]).
وقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}([114]).
وقوله سبحانه: {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ}([115]).
والمقصود: ليتحقق معلومنا، ويتجسد في عالم الوجود، هذا بالنسبة للتعبير ب >علم<.
وكلمة بدا، أيضاً كذلك، فبدا له، أي تحقق ما علمه في الخارج وعلى صفحة الكون، ولعل قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا}([116])، قد استعمل في هذا المعنى أيضاً: أي تحقق ذلك وتجسد في الخارج.
ولعل هذا المعنى أقرب من حمل >بدا< على معنى: أظهر للغير، لأن هذا المعنى لا يناسب التعدية باللام لنفس الذات الإلهية، فلا يصح أن يقال: بدا لله، ويكون المعنى: أظهر للغير، بل هذا غلط ظاهر.
اليهود، والبداء:
وبعد، فلو أننا لم نقل بالبداء، لكنا مثل اليهود الذين نعى الله عليهم اعتقادهم الفاسد، حيث أنكروا البداء.
وقالوا: إن الله قدر الأرزاق والأشياء منذ الأزل، ولا تغيير ولا تبديل فيما قدر، فقد >جف القلم<.
وقد قال تعالى مقبحاً قولهم هذا:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}([117]).
وقال الشهرستاني عن اليهود: >ولم يجيزوا النسخ أصلاً، قالوا: فلا يكون بعده شريعة أصلاً؛ لأن النسخ في الأوامر بداء ولا يجوز البداء على الله تعالى<([118]).
فالاعتقاد بالبداء: ضرورة إسلامية وعقيدية، ومن لوازم ومقتضيات تنزيه الله وتوحيده، وهو كذلـك منسجم مع مفـاد الآيـات القرآنية، والأحـاديث الشريفة.
وعن الإمامين الصادق والباقر >عليهما السلام<، قال: ما عبد الله تعالى بشيء مثل البداء([119]).
هذا.. وقد أورد المجلسي >رحمه الله< للبداء حكماً جليلة، وفوائد جميلة: فليراجعها من أراد([120]).
الفصل الثاني:
بحوث تسبق السيرة
البحث الأول
إيمان آباء النبي ' إلى آدم ×:
قالوا: إن كلمة الإمامية قد اتفقت على أن آباء النبي >صلى الله عليه وآله<، من آدم إلى عبد الله كلهم مؤمنون موحدون([121])، بل ويضيف المجلسي قوله:
>.. بل كانوا من الصديقين، إما أنبياء مرسلين، أو أوصياء معصومين، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام، لتقية، أو لمصلحة دينية<([122]).
ويضيف الصدوق هنا: أن أم النبي >صلى الله عليه وآله< آمنة بنت وهب كانت مسلمة أيضاً([123]).
ومعنى ذلك: هو أنه ليس في آباء الرسول >صلى الله عليه وآله< إلا الاستقامة على جادة الحق، والخير والبركة، وهذا هو ما ورثه الرسول عنهم، ويتأكد بذلك طهارته >صلى الله عليه وآله< من الأرجاس، والرذائل، حتى ما يكون عن طريق الوراثة، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة، وهو ما أثبته العلم الحديث أيضاً،حيث لم يبق ثمة أية شبهة في تأثير عامل الوراثة في تكوين شخصية الإنسان، وفي خصاله ومزاياه.
قال أبو حيان الأندلسي: >ذهبت الرافضة إلى أن آباء النبي >صلى الله عليه وآله< كانوا مؤمنين<([124]).
أما غير الإمامية، فذهب أكثرهم إلى كفر والدي النبي وغيرهما من آبائه >صلى الله عليه وآله<، وذهب بعضهم إلى إيمانهم.
وممن صرح بإيمان عبد المطلب، وغيره من آبائه >صلى الله عليه وآله<، المسعودي، واليعقوبي، وهو ظاهر كلام الماوردي، والرازي في كتابه أسرار التنزيل، والسنوسي، والتلمساني محشي الشفاء، والسيوطي، وقد ألف هذا الأخير عدة رسائل لإثبات ذلك([125]).
وفي المقابل قد ألف بعضهم رسائل لإثبات كفرهم، مثل إبراهيم الحلبي، وعلي القاري الذي فصّل ذلك في شرح الفقه الأكبر، واتهموا السيوطي بأنه متساهل، لا عبرة بكلامه، ما لم يوافقه كلام الأئمة النقاد.
وسيأتي في آخر هذا البحث إن شاء الله تعالى ما يشير إلى السبب في الإصرار على كفر آباء النبي >صلى الله عليه وآله< وأعمامه.
بعض الأدلة على إيمانهم:
وقد قال الإمامية:
إن ثمة روايات كثيرة تدل على إيمان آبائه >صلى الله عليه وآله<، بالإضافة إلى إجماع الطائفة المحقة، ومستند ذلك هو الأخبار، والإحاطة بجميعها متعسر، إن لم يكن متعذراً([126]). وهذا هو الدليل المعتمد.
وقد استدلوا على ذلك أيضاً:
1 ـ بقوله >صلى الله عليه وآله<: >لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات، حتى أخرجني في عالمكم، ولم يدنسني بدنس الجاهلية<([127]).
ولو كان في آبائه، أو أمهاته >صلى الله عليه وآله< كافر، لم يصفهم كلهم بالطهارة، مع أن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ([128])}([129]).
إلا أن يكون المقصود هو الطهارة من العهر، أو من الأرجاس والرذائل، وهو لا يلازم الكفر.
ويرد عليه: أنه تخصيص بلا مخصص، ولا شاهد، بل إن قوله:
>ولم يدنسني بدنس الجاهلية< شامل بإطلاقه لكل دنس، والكفر من جملة هذه الأدناس.
2 ـ واستدلوا على ذلك أيضاً بقوله تعالى: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}([130]).
لما روي عن ابن عباس، وأبي جعفر، وأبي عبد الله >عليهما السلام<: أنه >صلى الله عليه وآله< لم يزل ينقل من صلب نبي إلى نبي، ولا يجب أن يكونوا أنبياء مبعوثين فلعل أكثرهم كان نبياً لنفسه أو لبيته..
ويمكن المناقشة في ذلك أيضاً: بأن الآية تقول: إنه تعالى يراه حال عبادته وسجوده؛ فهو >صلى الله عليه وآله< في جملة الساجدين الموجودين فعلاً، وغيرهم.
لا أنه يراه وهو يتقلب في أصلاب الأنبياء. لكن الرواية بينت المراد، أو طبقت الآية على المورد، فلا بد من الأخذ بها، وقد يقال:
ولو ثبتت الرواية، فيمكن القول بأنها لا تدل على استغراق ذلك لجميع آبائه؛ فلعله يرى تقلبه في أصلاب الأنبياء من آبائه، كما يرى تقلبه في أصلاب غير الأنبياء.
ويجاب عن هذا: بأن كلمة لم يزل ينقلني ظاهرة في استغراق هذا النقل إلى أصلاب أناس موصوفين بالنبوَّة جميعاً.
فإن قلت: إن من الصعب جداً إثبات نبوة كل واحد من آبائه >صلى الله عليه وآله< إلى آدم >عليه السلام<.
فإننا نقول: إن هذا لا يعني عدم ثبوت ذلك بهذه الروايات وأمثالها..
وأما أدلة غير الإمامية فقد استقصاها السيوطي في رسائله المشار إليها، ولكن استعراضها والاستقصاء فيها نقضاً وإبراماً يحتاج إلى وقت طويل، وتأليف مستقل.
3 ـ ويمكن أن يستدل على إيمان آبائه >صلى الله عليه وآله< إلى إبراهيم بقوله تعالى، حكاية لقول إبراهيم وإسماعيل:
{وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا}([131])، مع قوله تعالى: {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ}([132]).
أي في عقب إبراهيم، فيدل على أنه لا بد أن تبقى كلمة الله في ذرية إبراهيم، ولو في واحدٍ واحدٍ، على سبيل التسلسل المستمر فيبقى أناس منهم على الفطرة، يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة، ولعل ذلك استجابة منه تعالى لدعاء إبراهيم >عليه السلام< الذي قال:
{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}([133]) وقوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي}([134]).
وواضح أنه: لو أنه تعالى قد استجاب لإبراهيم في جميع ذريته لما كان أبو لهب من أعظم المشركين، وأشدهم على رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وهذا ما يفسر الإتيان بمن التبعيضية في قوله: {وَمِن ذُرِّيَّتِي}.
ولا يصح القول: بأنه كما خرج أبو لهب فلعل بعض آباء النبي >صلى الله عليه وآله< قد خرج أيضاً.
وذلك لأن كلمة {بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ} تفيد الاتصال، والاستمرار من دون انقطاع، أما خروج أبي لهب فهو لا يقطع هذا الاتصال.
إستغفار إبراهيم × لأبيه:
وقد اعترض على القائلين بإيمان جميع آبائه >صلى الله عليه وآله< إلى آدم، بأن القرآن الكريم ينص على كفر آزر أبي إبراهيم، قال تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}([135]).
وأجابوا:
أولاً: إن ابن حجر يدعي إجماع المؤرخين على أن آزر لم يكن أباً لإبراهيم، وإنما كان عمه، أو جده لأمه، على اختلاف النقل([136]) وإسم أبيه الحقيقي: تارخ([137])، وإنما أطلق عليه لفظ الأب توسعاً، وتجوزاً. وهذا كقوله تعالى: {أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ}([138])، ثم عد فيهم إسماعيل مقدماً له على أبيه الحقيقي إسحاق، مع أن إسماعيل ليس من آبائه؛ ولكنه عمه.
وقد ذكر بعض العلماء: أن اسم >آزر< لم يذكر في القرآن إلا مرة واحدة في أول الأمر، ثم لم يتكرر اسمه في غير ذلك المورد، تنبيهاً على أن المراد بالأب: >آزر<.
ثانياً: إن استغفار إبراهيم لأبيه قد كان في أول عهده وفي شبابه، مع أننا نجد أن إبراهيم حين شيخوخته، وبعد أن رزق أولاداً، وبلغ من الكبر عتياً يستغفر لوالديه، قال تعالى حكاية عنه: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}([139]).
قال هذا بعد أن وهب الله له على الكبر إسماعيل وإسحاق حسب نص الآيات الشريفة([140])، مع أن الآية تفيد: أن الاستغفار الأول قد تبعه التبرّؤ مباشرة.
ولكن من الواضح: أن بين الوالد والأب فرقاً، فإن الأب يطلق على المربي، وعلى العم والجد، أما >الوالد< فإنما يخص الوالد بلا واسطة، فالاستغفار الثاني إنما كان للوالد، أما الأول فكان للأب.
ثالثاً: إنه يمكن أن يكون ذلك الذي استغفر له، وتبرأ منه، قد عاد إلى الإيمان، فعاد هو إلى الاستغفار له.
هذا، ولكن بعض الأعلام([141]) يرى: أن إجماع المؤرخين على أن أبا إبراهيم ليس >آزر< منشؤه التوراة، التي تذكر أن اسم أبي إبراهيم هو: >تارخ<، ثم ذكر أن من الممكن أن يكون نفس والد إبراهيم قد كان مشركاً يجادله في الإيمان بالله، فوعده بالاستغفار له، ووفى بوعده، ثم عاد فآمن بعد ذلك فكان يدعو له بعد ذلك أيضاً حتى في أواخر حياته هو كما أسلفنا.
وهذا الاحتمال وإن كان وارداً من حيث لا ملْزِم لحمل الأب في القرآن والوالد على المجاز.
إلا أنه ينافي الإجماع والأخبار؛ فلا محيص عن الالتزام بما ذكرناه آنفاً من أن المراد بالأب هو العم والمربي، لا الوالد على الحقيقة، مع عدم قبولنا منه قوله: إن استعمال الأب في العم المربي، يكون مجازاً.
إن أبي وأباك في النار:
روى مسلم وغيره: أن رجلاً سأل النبي >صلى الله عليه وآله<: أين أبي؟
فقال: في النار، فلما قفا دعاه، وقال له: إن أبي وأباك في النار([142]).
ونقول:
إن هذا لا يصح:
أولاً: لما تقدم. مما يدل على إيمان جميع آبائه >صلى الله عليه وآله<.
ثانياً: لقد روى هذه الرواية حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس.
مع أننا نجد: أن معمراً قد روى نفس هذا الحديث عن ثابت عن أنس، ولكن بنحو آخر لا يدل على كفر أبيه >صلى الله عليه وآله<، فقد قال له >صلى الله عليه وآله<: >حيثما ـ أو إذا ـ مررت بقبر كافر فبشره بالنار<([143]).
وقد نص علماء الجرح والتعديل ـ من أصحاب هؤلاء الرواة ـ : على أن معمراً أثبت من حماد، وأن الناس قد تكلموا في حفظ حماد، ووقع في أحاديثه مناكير، دسها ربيعة في كتبه، وكان حماد لا يحفظ، فحدث بها، فوهم فيها([144]).
ثالثاً: لقد رويت هذه الرواية بسند صحيح على شرط الشيخين عن سعد بن أبي وقاص، وجاء فيها:
حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار([145])، وكذا أيضاً روي عن الزهري، بسند صحيح أيضاً([146]).
رابعاً: كيف يكون أبواه >صلى الله عليه وآله<، وأبو طالب، وعبد المطلب، وغيرهم في النار حسب إصرار هؤلاء، ثم يكون ورقة بن نوفل، الذي أدرك البعثة، ولم يسلم، في الجنة عليه ثياب السندس([147]).
وكـذلك فـإن زيـد بن عمرو بـن نفيل ـ ابن عم عمر بن الخطاب ـ في الجنة يسحب ذيولاً، مع أنه مثل ورقة الآنف الذكر([148])، كما أن أمية بن أبي الصلت كاد يسلم في شعره، وهكذا؟!([149]).
وكيف تطرح كل تلك الأحاديث والتواريخ المتضافرة، المتواترة الدالة على إيمان أولئك، ويتشبث لإيمان هؤلاء ببيت شعر، أو بكلمة عابرة، لم يتبعها إلا التصميم على النهج الأول؟!.
نعم، وكيف لا يكون لهؤلاء نجاة ويكونون في النار([150])، ثم يدخل المشركون الذين عاشوا في زمن الفترة الجنة؟!
فقد ذكر الحلبي ودحلان وغيرهما: أن أهل الفترة لا عذاب عليهم إلا على قول ضعيف، مبني على وجوب الإيمان والتوحيد بالعقل، والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة: أنه لا يجب ذلك إلا بإرسال الرسل.
وأطبق الأشاعرة في الأصول، والشافعية في الفقه على أن من مات ولم تبلغه الدعوة مات ناجياً، ويدخل الجنة؛ فعليه:
أهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم، وإن غيّروا، أو بدلوا، أو عبدوا الأصنام، والأحاديث الواردة بتعذيب من ذكر مؤولة([151])، وبهذا، وبالأحاديث المتواترة يرد ما زعموه من أنه >صلى الله عليه وآله< قد مُنِع من الاستغفار لأمه رضوان الله تعالى عليها، وإن كنا نحن نعتقد أن أهل الفترة يعذبون إذا قامت عليهم الحجة العقلية أو النقلية إلا القاصرين منهم؛ فإن التوحيد يثبت بالعقل لا بإرسال الرسل، وإلا، لم يمكن إثبات شيء على الإطلاق، لا التوحيد، ولا النبوة، ولا الدين من الأساس.
غريـبـة:
ومن غريب الأمر هنا: أن نجد البعض يوجه رواية: إن أبي وأباك في النار، بأن المقصود هو عمه أبو طالب؛ لأن العرب تسمي العم أباً، وقد كان >صلى الله عليه وآله< ينسب بالبنوة إلى أبي طالب([152]).
ولا ندري لماذا ترك عمه أبا لهب لعنه الله تعالى، فإن كفره مسلم ومقطوع به، وتمسك بالمدافع عنه، والمناصح له، والباذل مهجته في سبيل نبيه ودينه.
وسوف يأتي إن شاء الله أن إيمان أبي طالب هو المسلم والمقطوع به. بل هو كالنار على المنار، وكالشمس في رابعة النهار.
ويكفي أن نذكر أن العظيم آبادي قد قال هنا: >وهذا أيضاً كلام ضعيف باطل<([153]).
ملاحظة:
ويلاحظ هنا: أن في قول الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<: >حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار< تورية لطيفة؛ حيث إن عبارته هذه قد خففت من تأثر السائل، وهي في نفس الوقت صادقة المضمون، ولا تدل على كفر أبيه >صلى الله عليه وآله<؛ إذ إن من الطبيعي أن الكافر مبشر بالنار، وأما أن أباه >صلى الله عليه وآله< كافر أو لا؛ فذلك مسكوت عنه.
والغريب هنا: أنه قد روي أن النبي >صلى الله عليه وآله< قد قال ذلك عن أمه >رحمها الله<، فقد قال لرجلين: أمي وأمكما في النار.
ونحن لا نزيد على أن نذكر هنا أن الذهبي قد حلف على عدم صحة هذا الحديث، يعني حديث كون أمه وأمهما في النار([154]).
وأخيراً:
فإننا نكاد نصدق مقولة: أن السبب في تكفير آباء رسول الله >صلى الله عليه وآله< وأعمامه هو مشاركة علي >عليه السلام< له فيهم، أو أنهم يريدون أن لا يكون آباء الخلفاء من بني أمية ومن غيرهم، وآباء رجالات الحكم وأعوانه كفاراً، ويكون آباء النبي وأهل بيت النبي >صلى الله عليه وآله< مؤمنين، فلا بد من سلب هذه الفضيلة عنه >صلى الله عليه وآله< ليستوي هو وغيره في هذا الأمر.
البحث الثاني
بماذا كان يدين النبي ' قبل البعثة؟!
إن إيمان النبي >صلى الله عليه وآله< وتوحيده قبل بعثته يعتبر من المسلمات، ولكن يبقى:
أنهم قد اختلفوا في أنه >صلى الله عليه وآله< هل كان متعبداً بشرع أحدٍ من الأنبياء قبله أو لا، فهل هو متعبد بشرع نوح، أو إبراهيم، أو عيسى، أو بما ثبت أنه شرع، أو لم يكن متعبداً بشرع أحد؟ ذهب إلى كل فريق([155]).
وتوقف عبد الجبار، والغزالي، والسيد المرتضى.
وذهب المجلسي إلى أنه >صلى الله عليه وآله< حسبما صرحت به الروايات:
كان قبل البعثة، مذ أكمل الله عقله في بدو سنه نبياً، مؤيداً بروح القدس([156])، يكلمه الملك، ويسمع الصوت، ويرى في المنام، ثم بعد أربعين سنة صار رسولاً، وكلمه الملك معاينة، ونزل عليه القرآن، وأمر بالتبليغ.
وقال المجلسي: إن ذلك ظهر له من الآثار المعتبرة، والأخبار المستفيضة([157])..
وقد استدلوا على نبوَّته >صلى الله عليه وآله< منذ صغره بأن الله تعالى قد قال حكاية عن عيسى:
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيَّاً، وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً}([158]).
ويقول تعالى عن يحيى >عليه السلام<: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً}([159]) فإذا أضفنا إلى ذلك: أنه قد ورد في أخبار كثيرة بعضها صحيح، كما في رواية يزيد الكناسي في الكافي:
إن الله لم يعط نبيَّاً فضيلة، ولا كرامة، ولا معجزة، إلا أعطاها نبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله<.
فإن النتيجة تكون: هي أن الله تعالى قد أعطى نبينا محمداً >صلى الله عليه وآله< الحكم والنبوة منذ صغره، أو فقل منذ ولد([160])؛ ثم أرسله للناس كافة، حينما بلغ الأربعين من عمره.. وقد أيد المجلسي هذا الدليل بوجوه كثيرة([161]).
ويمكن المناقشة في ذلك بأن إعطاءه >صلى الله عليه وآله< فضائل الأنبياء ومعجزاتهم في الرواية لا يستلزم ما يراد إثباته هنا؛ فإن بعض معجزاتهم كمعجزة العصا التي تلقف ما يأفكون، لم يكن ثمة حاجة إليها في زمانه >صلى الله عليه وآله<.
نعم، هي واقعة تحت اختياره >صلى الله عليه وآله<، ولو احتاجها لاستفاد منها جميعاً.
وأما الفضائل فقد كان >صلى الله عليه وآله< هو الجامع لها على النحو الأكمل والأشمل في جميعها، حتى إنه إذا كان أيوب قد امتاز على غيره من الأنبياء بالصبر، فإن صبر نبينا >صلى الله عليه وآله< كان أكمل من صبر أيوب، وهكذا بالنسبة لسائر الأنبياء، وامتيازاتهم في الفضائل، ومكارم الأخلاق.
وما أكرمهم الله تعالى به من ألطاف ظهرت بها كرامتهم عند الله، غير أن مما لا شك فيه: أن النبوة في الصغر كرامة ومعجزة، وفضيلة له >صلى الله عليه وآله<..
فلا بد من أن يكون الله تعالى قد أكرمه بها كما أكرم عيسى >عليه السلام<، حسبما دلت عليه هذه الأخبار، وبذلك يثبت المطلوب.
كما ويثبت أيضاً سر روايات كثيرة أخرى تلمح وتصرح بنبوته >صلى الله عليه وآله< قبل بعثته، أشار إليها المجلسي كما قلنا، وأشار العلامة الأميني أيضاً إلى حديث: إنه >صلى الله عليه وآله< كان نبياً وآدم بين الروح والجسد، ورواه عن العديد من المصادر من غير الشيعة([162]).
فإذا ثبتت هذه الروايات بعد التأكد من أسانيدها ودلالتها، فما علينا إذا اعتقدنا بما دلت عليه من حرج.
وفي جميع الأحوال نقول: إن مما لا ريب فيه أنه >صلى الله عليه وآله< كان مؤمناً موحداً، يعبد الله، ويلتزم بما ثبت له أنه شرع الله تعالى مما هو من دين الحنيفية شريعة إبراهيم >عليه السلام<، وبما يؤدي إليه عقله الفطري السليم، وأنه كان مؤيداً ومسدداً، وأنه كان أفضل الخلق وأكملهم خلقاً، وخلقاً وعقلاً، وكان الملك يعلمه، ويدله على محاسن الأخلاق.
هذا فضلاً عن أننا نجدهم ينقلون عنه >صلى الله عليه وآله<: أنه كان يلتزم بأمور لا تعرف إلا من قبل الشرع وكان لا يأكل الميتة، ويلتزم بالتسمية والتحميد، إلى غير ذلك مما يجده المتتبع لسيرته >صلى الله عليه وآله<.
ملة أبيكم إبراهيم:
بل إننا نقول: إن هناك آيات ودلائل تشير إلى أن إبراهيم الخليل >عليه السلام< ونبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله<، هما اللذان كان لديهما شريعة عالمية، وقد بعثا إلى الناس كافة.
أما موسى وعيسى >عليهما السلام< فإنما بعثا إلى بني إسرائيل، وربما يمكن القول: بأن جميع الأنبياء >عليهم السلام<، منذ آدم وإلى النبي الخاتم >صلى الله عليه وآله< كانوا يعرفون جميع أحكام الشريعة، ويعملون بها في أنفسهم، وإن كانت دعوتهم للناس ليس لها هذا الشمول والسعة.
كما إننا نلاحظ: أن الآيات القرآنية العديدة قد حرصت على ربط هذه الأمة بإبراهيم >عليه السلام< فلاحظ قوله تعالى:
{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسْلِمينَ مِن قَبْلُ}([163]).
وقال تعالى:
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}([164]).
وقال سبحانه: {قُلْ صَدَقَ الله فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً}([165]).
وقال جل وعلا: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}([166]).
وقال تعالى: {وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}([167]).
ثم نجد القرآن يصرح أيضاً أن النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< شخصياً كان مأموراً أيضاً باتباع ملة إبراهيم >عليه السلام<، فقد قال سبحانه:
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}([168]).
وقال في موضع آخر:
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ}([169]).
وهذا، وإن كان ظاهره: أنه >صلى الله عليه وآله< قد أمر بذلك بعد البعثة وبعد نزول الوحي عليه، لكنه يثبت أيضاً:
أنه لا مانع من تعبده >صلى الله عليه وآله< قبل بعثته بما ثبت له أنه من دين الحنيفية، ومن شرع إبراهيم >عليه السلام<، وليس في ذلك أية غضاضة، ولا يلزم من ذلك أن يكون نبي الله إبراهيم أفضل من نبينا >صلى الله عليه وآله<، فإن التفاضل إنما هو في ما هو أبعد من ذلك.
هذا كله، لو لم نقتنع بالأدلة الدالة على نبوته >صلى الله عليه وآله< منذ صغره.
ووجدك ضالاً فهدى:
وبعد ما تقدم نقول: إن قوله تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}([170]) وقوله سبحانه: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى}([171]) لا يدل على وجود ضلالة فعلية ولا على وجود جهل فعلي قبل النبوة.
بل غاية ما يدل عليه هو أنه >صلى الله عليه وآله< لولا هداية الله له لكان ضالاً ولولا تعليم الله له لكان جاهلاً، أي لو أن الله أوكله إلى نفسه، فإنه بما له من قدرات ذاتية، وبغض النظر عن الألطاف الإلهية، والعنايات الربانية ضال قطعاً، وجاهل بلا ريب.
فهو من قبيل ما روي عن أمير المؤمنين >عليه السلام<: ما أنا في نفسي بفوق أن أخطئ، إلا أن يكفي الله بلطف منه.
وهذا معناه: أنه لا هداية لولا لطف الله وعصمته وتوفيقه، لكن بعد أن كان لطف الله حاصلاً من أول الأمر، فإن العصمة تكون حاصلة بالضرورة من أول الأمر أيضاً.
على أن وجدان الله محتاجاً إلى الهدايات كان من حين خلقه له، وقد جاءت الهدايات فور وجدانه له كذلك.. فلا يوجد فاصل زمني بين هذا وذاك، وذلك، وقد شرحنا هذا الأمر في كتابنا مختصر مفيد([172]).
أولو العزم:
وبعد، فقد نجد في قوله تعالى حكاية عن آدم >عليه السلام<: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}([173])، حتى وإن كانت ناظرة إلى نسيان الميثاق الذي أخذه الله في عالم الذر، ثم في قوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}([174]).
وغير ذلك من شواهد ودلائل ما يشجعنا على القول: بأن المراد من إطلاق هذه الصفة على بعض الأنبياء >عليهم السلام< هو العزم الذي ينتج ذلك الصبر الذي فعله أولئك الرسل الذين أشير إليهم في الآية، فإن جميع الأنبياء معصومون ابتداءً من آدم >عليه السلام<، لكن عزم بعضهم أقوى من عزم البعض الآخر، الأمر الذي يشير إلى مدى رسوخ قدمهم، وعمق درجة العصمة فيهم، وقدرتهم الكبيرة على التحمل في مواجهة أعظم التحديات مع الطواغيت والجبارين، وتحمل المسؤوليات الجسام، والمشاق العظام في نطاق الدعوة إلى الله سبحانه.
وقد يكون بعض أولي العزم، حتى مثل موسى وعيسى >عليهما السلام< لم يبعث للناس كافة، وإنما لخصوص بني إسرائيل، الذين ربما يحتاجون إلى بعض التشريعات الاستثنائية الخاصة بهم، مع كون العمل في المسار العام إنما هو شريعة إبراهيم >عليه الصلاة والسلام<.
وهذا بحث يحتاج إلى توفر تام، وجهد مستقل، نأمل أن يوفقنا الله لهما في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى.
من الأساطير:
وبعد كل ما تقدم نعلم: أن كل ما يذكر عنه >صلى الله عليه وآله< من أمور تتنافى مع التسديد، ومع شرع الله تعالى، لا أساس له من الصحة.
ونذكر هنا على سبيل المثال: ما رواه البخاري وغيره، من أنه قد قدّم لزيد بن عمرو بن نفيل سفرة فيها شاة ذبحت لغير الله تعالى، (وعند البخاري أنها قدمت للنبي >صلى الله عليه وآله<؛ فأبى زيد أن يأكل منها، وقال: أنا لا آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه).
وفي رواية أحمد: إن زيداً مر على النبي >صلى الله عليه وآله< وهو يأكل مع سفيان بن الحرث من سفرة لهما، فدعواه إلى الطعام فرفض، وقال إلخ..
قال: فما رؤي النبي >صلى الله عليه وآله< من يومه ذاك يأكل مما ذبح على النصب حتى بعث.
ويذكرون أيضاً: أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول إلخ..([175]).
وعليه، فزيد بن عمرو بن نفيل كان أعقل من النبي >صلى الله عليه وآله< وأعرف منه ـ والعياذ بالله ـ لأنه أدرك وعرف قبح أكل ما ذبح على النصب، ولم يذكر اسم الله عليه، أو بلغه ذلك، ولكن النبي >صلى الله عليه وآله< لم يستطع أن يدرك ذلك، ولا كان على قرب من مصادر المعرفة، فكان يأكل منه؛ مع أنه >صلى الله عليه وآله< أعقل الكل وفوق الكل، ومع أنه قد تربى في حجر عبد المطلب، الذي ترك الأصنام، وابتعد عنها حسبما تقدم، ثم في حجر عمه أبي طالب، وبيتهم كان أرفع بيت في العرب، وهم أعرف الناس بتعاليم الحنيفية.
نعم، لقد أدرك زيد ذلك برأيه، حسبما يرجحه العسقلاني([176])، ولم يستطع النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< أن يدركه، لقد كانت النبوة بزيد قريب عمر بن الخطاب([177]) أجدر منها بمحمد، نعوذ بالله من الزلل في القول والعمل.
واحتمال أن يكون زيد قد أخذ ذلك عن بعض النصارى أو اليهود، كما احتمله البعض يحتاج إلى إثبات: أن النصارى كانوا يحرمون أكل ما ذبح على النصب، أو ما لم يذكر اسم الله عليه.
أما اليهود فما كانوا يهتمون بدخول غيرهم في دينهم، وإذا كان ذلك شائعاً عنهم؛ فلماذا لم يعرف به غير زيد؟
على أن هناك نصاً يقول: إن النبي >صلى الله عليه وآله<: >كان لم يأكل مما ذبح على النصب<([178]).
ومهما يكن من أمر، فقد قال السهيلي: >كيف وفق الله زيداً إلى ترك ما ذبح على النصب، وما لم يذكر اسم الله عليه، ورسوله >صلى الله عليه وآله< كان أولى بهذه الفضيلة في الجاهلية؛ لما ثبت من عصمة الله تعالى له<؟
ثم أجاب عن ذلك: بأنه ليس في الرواية: أنه >صلى الله عليه وآله< قد أكل من السفرة، وبأن شرع إبراهيم إنما جاء بتحريم الميتة، لا بتحريم ما ذبح لغير الله تعالى، فزيد امتنع عن أكل ما ذبح لغير الله برأي رآه لا بشرع متقدم([179]).
ولكنه جواب بارد حقاً.
فإن إدراك زيد لهذا الأمر الذي وافق فيه نظر الشرع، وعدم إدراكه هو >صلى الله عليه وآله< له مما لا يمكن قبوله، أو الالتزام به.
هذا.. ولماذا يسدد الله تعالى نبيه حينما كشف عن عورته حين بناء البيت، ويمنعه عن ذلك ـ حسبما يدعون ـ ثم تُبغض إليه الأصنام، والشعر، ولا يسدده الله، ويحفظه من أكل ما ذبح لغير الله تعالى؟! الذي يدرك بعض الناس أنه ليس محبوباً لله تعالى؟!
إستلام الأصنام:
ومن أساطيرهم أيضاً: ما ذكروه من أنه >صلى الله عليه وآله< كان يستلم الأصنام، بل لقد ذكر البعض: أنه >صلى الله عليه وآله< قال: >أهديت للعزى شاة عفراء وأنا على دين قومي<([180]).
مع أنهم يذكرون: أن زيداً المتقدم وعمر بن الحويرث، وأبا قيس بن هرمة، وقس بن ساعدة، وأسعد بن كريب، وعبيد الله بن جحش، ورباب بن البراء وغيرهم، لم يسجدوا لصنم قط، وحرموا عبادة الأوثان.
فلماذا أدركوا هم ذلك دونه؟!.
وأيضاً فقد سئل >صلى الله عليه وآله<: هل عبدت وثناً قط؟
قال: لا.
وقال ابن حجر: إن الناس قد أنكروا حديث استلامه الأصنام.
وقال أحمد بن حنبل ـ على ما في الشفاء ـ : إنه حديث موضوع([181]).
وعلى كل حال؛ فإن هناك تفاهات كثيرة، وأكاذيب عديدة عليه >صلى الله عليه وآله<، سواء بالنسبة إلى الفترة التي سبقت البعثة، أو التي تلتها.
وسيأتي بعض من ذلك، ولكن لا بد من الاعتراف: بأن استقصاءها متعسر بل متعذر؛ ولذا فلا بد من الاقتصار على ما يسعه المجال، ثم الانصراف إلى ما هو أهم، وأجدر، وأولى.
البحث الثالث
شروط النهضة:
هناك عدة أمور تعتبر ضرورية وحتمية في بناء الحضارة، وحصول النهضة لأي شعب كان، وأية أمة كانت، ونود أن نشير إلى بعض مقومات وعناصر ذلك عموماً.
ثم.. وبمقارنة بسيطة وموجزة، نستطيع أن نتعرف على جانب من عظمة الإسلام وسموّه، وأصالته.
ومن أجل تسهيل تصور ما نريد عرضه على القارئ، نقوم بمقارنة محدودة بين واقع وظروف عرب شمال الجزيرة العربية، وهم أهل الحجاز، وبين واقع وظروف عرب جنوبها، وهم أهل اليمن.
فنقول:
ألف: لقد عاش اليمنيون في منطقة غنية وثرية، وتستطيع إذا ما اشتغل أهلها بزراعتها: أن توفر لهم لقمة العيش، وهي بالإضافة إلى ذلك أرض جبلية، صعبة المسالك، فهي إذن تستطيع في كثير من الأحيان أن توفر لهم حماية طبيعية، وقدرة على مقاومة الأعداء.
وإذا كان اليمنيون يشتغلون بزراعة أرضهم، ويستفيدون منها، ويعتبرونها المصدر الأول والأساس لحياتهم، واستمرار وجودهم؛ فمن الطبيعي أن يتولد فيهم لذلك شعور مبهم بمحبة هذه الأرض، والتمسك بها، والحنين إليها.
وهذا بالطبع هو المهم عادة في حب الناس لأوطانهم، وحنينهم إليها، حتى إنهم قد يبذلون كل غال ونفيس حتى دماءهم في سبيل الدفاع عنها، بل وحتى عن شبر واحد منها؛ فمحبة الوطن تنشأ غالباً من محبة الأرض، ومحبة الأرض تنشأ (عموماً) من الشعور بأنها تعطيه كل مقومات الحياة، وبأنها تحفظ له استمرار بقائه ووجوده، بالشكل المرضي له، والمقبول عنده.
ب: وكان في اليمن أيضاً حكومة مركزية مهيمنة تفرض النظام والقانون، وتهتم بإشاعة الطمأنينة، والأمن والسلام.
وإذا كان الإنسان يشعر بالأمن، ويعيش في ظل القانون، ولا يتخوف من أي عدو يتربص به الغوائل، فإنه يجد الفرصة للتفكير في تغيير الوضع الحياتي الذي يعيشه، إلى وضع أفضل وأكمل.
ج: ثم تتاح الفرصة لآمال وتطلعات هذا الإنسان للتعبير عن نفسها، وفرض وجودها، فتدفعه إلى بذل المحاولة، والتصرف فيما تناله قدراته في توجيهه في هذا السبيل.
د: ثم يأتي دور الأهم والأقوى تأثيراً في النهضة، ألا وهو النظام الأكمل والأشمل والأصلح، الذي يستطيع أن يبني الإنسان من الداخل، ويحافظ عليه من الخارج، ويزيل من طريقه كل العقبات التي يمكن أن تعترض سبيل تقدمه؛ ولتنمو وتتكامل في ظل ذلك النظام ـ من ثم ـ ملكات هذا الإنسان، وخصائصه، ولتجد طاقاته وإمكاناته الفرصة للتأثير في عملية التغيير للحاضر الذي يعيشه، والتخطيط الصحيح والسليم للمستقبل الذي يقدم عليه.
فإذا توفرت كل تلك العناصر لأية أمة، فإنها ولا شك سوف تكون قادرة على أن تبني حضارة، وتصنع لنفسها مستقبلاً مغرياً وزاهراً ومجيداً.
وقد كانت كل تلك العناصر متوفرة في منطقة اليمن، باستثناء العنصر الأخير منها، وكان فقدانها له بالذات هو السبب في أنها لم تستطع أن تفيد شيئاً من تلك القدرات والإمكانات التي توفرت لها، ولا يحدثنا التاريخ عن شيء ذي بال تميزت به اليمن في تاريخها القديم، سواء على الصعيد الفكري، أو الحضاري، أو غير ذلك، ولا كان فيها ما يعبر عن نظرة واعية، أو عقلية متطورة تتلاءم مع حجم إمكاناتها تلك.
كما أن الديانة اليهودية المحرَّفة، التي سيطرت عليها حقبة من الزمن، لم تستطع أن تقدم لها شيئاً يذكر في مجال النهوض بأهلها، والخروج بهم من ظلمات جهلهم، والتخفيف من شقائهم وآلامهم، تماماً كما لم تستطع المسيحية المحرفة في الرومان، والزرادشتية في الفرس، أن تؤثرا تأثيراً يذكر في ذلك.
أما في الحجاز: فقد كانت كل تلك العناصر مفقودة؛ ولكن عندما وجد العنصر الأخير منها ـ فقط ـ استطاعت هذه الأمة ـ وذلك هو الإعجاز حقاً ـ أن تنتقل من أمة متوحشة بدائية، تتصف بكل صفات الذل والمهانة، إلى أمة لا تدانيها، ولن تدانيها أية أمة أخرى على الإطلاق.
فعرب الحجاز لم يكونوا في الأكثر أهل زراعة، لأن أرضهم لم تكن صالحة لذلك؛ بسبب قلة المياه فيها، حيث لم يكن فيها حتى نهر واحد بالمعنى الصحيح للكلمة([182])، كما أن الأمطار تقل فيها بشكل ملحوظ، وكل ما كان هناك هو بعض الينابيع، التي كانت تظهر في الشتاء، وتجف في الصيف، فيرحلون عنها بحثاً عن غيرها، هذا عدا عن أن الأرض نفسها كان فيها القليل مما يصلح للزراعة.
إذن، فلا شيء يشد العربي إلى هذه الأرض، أو يربطه بها، ويجعله يحبها، ويتفانى في سبيلها، بل كان مصدر حياتهم ورزقهم هو: السيف، والماشية، والإبل بصورة عامة.
ولهذا نرى: أن أكثر ما يعز عليهم، ويحتل مكانة في نفوسهم هو هذه الأمور بالذات؛ فنرى الشاعر العربي يتغنى بالجمل، والسيف، والفرس، ويتغزل بالرياح الطيبة، التي تخفف عنه بعض ما يعانيه من آلام؛ نتيجة حر منطقته، ثم هو يناجي القمر والنجوم كثيراً أيضاً.
وإذا ما رأيناه يبكي ـ أحياناً ـ الديار والأطلال، فليس ذلك إلا لأنها كانت في وقت ما مصدر أنس له، أو لأنه هو نفسه كان حضرياً.
ولأن العربي هذا قد اتخذ الغزو والسلب وسيلة من وسائل العيش؛ فإننا نراه يهتم بالتغني بمواقفه هذه، ويفتخر باستمرار بشنّه الغارات فرساناً وركباناً.
ومن الجهة الأخرى، فـإنـه دائماً يتوقع أن يُغزى، وأن تُشن عليه الغارات، ولا يشعر بوجود سلطة تستطيع أن تحميه، فهو في خوف دائم، ورعب مستمر.
وإذا كان الأمن غير متوفر له، فكيف يمكن أن تتوفر له الفرصة للتفكير في حياته، ومحاولة الخروج من واقعه، وتحسين ظروف عيشه، ثم التخطيط للمستقبل بواقعية، وأناة، ثم العمل بهدوء واطمئنان على تنفيذ خططه، وتحقيق آماله؟!
ومن الجهة الثالثة: كيف وأنى يمكن لآماله أن تنمو، ولطموحاته أن تتجسد وهو في كل يوم يفقد أملاً، ويتحمل ألماً؟؟
وخلاصة الأمر: أنه لا سلطة مركـزية تستطيع أن تفرض هيبتها وهيمنتها بيسر وفعالية، بل إن ذلك قد يتعذر بالنسبة إلى أمة تعيش حياة التنقل والغارة وتتحول باستمرار من مكان إلى مكان.
وقد كان العرب يتجنبون الالتحام بالجيوش المنظمة ـ لتفوقها عليهم ـ فإذا تعقبتهم تلك الجيوش هربوا إلى البادية، واعتصموا بها، وكذلك يفعلون إذا واجهوا الجيش ووجدوا فيه قوة([183]).
وإذن.. فهم كانوا يفقدون كل أسباب النهضة والتقدم، ولا يملكون منها حتى الأمل بالتغيير، فضلاً عن إرادته، والعمل من أجله، هذا فضلاً عن أن الصفات الذميمة، والعادات السيئة، التي كانت تهيمن عليهم جماعات وأفراداً لم تكن تسمح لهم بأية نهضة، أو أي تقدم نحو الأفضل، إن لم تكن تزيد من بلائهم وشقائهم، وتدفعهم خطوة بل خطوات إلى الوراء.
ولكنهم مع ذلك كله، عندما وجـدوا الرسالة السماوية الحقة، استطاعت تلك الرسالة، وذلك الرسول ـ وفي فترة وجيزة جداً ـ أن تنقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة، والعزة والكرامة، وأن تغير فيها كل عاداتها ومفاهيمها، وتخفف، بل وتقضي على كل أسباب شقائها، وآلامها، وذلك هو الإعجاز حقاً.
نعم.. لقد استطاع الإسلام في فترة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحدث انقلاباً حقيقياً وجذرياً في عقلية ومواقف وسلوك تلك الأمة، وفي مفاهيمها، وأن ينقلها من العدم إلى الوجود، ومن الموت إلى الحياة.
ولو أن المسيحية واليهودية وغيرهما من الأديان والمذاهب كان فيها أدنى صلاح، ومع توفر كل الظروف الملائمة لنجاحها في تغيير الأوضاع السيئة ـ آنذاك ـ لعبرت عن نفسها، ولأثبتت وجودها، مع أن المسيحية قد كانت في العرب أيضاً قبل الإسلام، وكذلك اليهودية، ولكنها لم تستطع أن تغير من عقلية العربي، وسلوكه، ومفاهيمه عن الحياة والمستقبل شيئاً، بل بقي يئد البنات، ويشن الغارات، إلى غير ذلك من أفعال وصفات.
بل إنهم ليذكرون: أن القبيلة العربية الفلانية التي كانت تدين بالمسيحية ما كانت تعرف من المسيحية غير شرب الخمر ـ كما سيأتي ـ كما أن اليهود قد عاشوا بينهم، وكان العرب يحترمونهم جداً، ويعتبرونهم وحدهم مصدراً للمعرفة والعلم ـ كما تقدم في الجزء السابق ـ ولكنهم لم يكن لهم في سلوكهم، وعقليتهم، أثر يذكر.
البحث الرابع
العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره:
وبعد ذلك الموجز الذي قدمناه لا بد أن نشير إلى بعض العوامل والظروف التي ساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره، في منطقة لها تلك الصفات والمميزات المشار إليها في البحث السابق.
وبعض تلك العوامل يرجع إلى شخصية الرسول >صلى الله عليه وآله<، وبعضها يرجع إلى الرسالة نفسها، وبعضها يعود إلى أمور أخرى، خارجة عن هذا وذاك، ويمكن أن نلخص ما نريد الإشارة إليه في الأمور التالية:
1 ـ منطلق الدعوة: مكة:
أ ـ إنه يلاحظ أن الإسلام قد انطلق من أقدس بلدٍ لدى الإنسان العربي، بل ولدى غيره أيضاً، وهو المكان الذي تهوي إليه ثمار الأفئدة من كل مكان، وهو ملتقى لكل العواطف، ومحل آمال الناس، وغاية رجائهم.
ب ـ يقول البوطي: >البقعة الجغرافية للجزيرة العربية ترشحها للقيام بعبء مثل هذه الدعوة؛ بسبب أنها تقع ـ كما قلنا ـ في نقطة الوسط بين الأمم المختلفة التي من حولها، وهذا مما يجعل إشعاعات الدعوة الإسلامية تنتشر بين جميع الشعوب والدول المحيطة بها في سهولة ويسر<([184]).
وطبيعي: أن هذا الدين لو كان ظهر في بلاد كسرى؛ فإن أتباع قيصر لا يتبعونه، وكذلك العكس؛ وذلك بسبب المنافسة القائمة بين الإمبراطوريتين والحواجز النفسية الحاكمة والمهيمنة على الأمتين.
ج ـ لقد بدأ >صلى الله عليه وآله< دعوته في مكان بعيد عن نفوذ الدولتين العظيمتين: الرومان، والفرس، وغيرهما من الدول ذات القوة.
إذن، فلا قوة قاهرة تستطيع أن تضرب الضربة الحاسمة، وتقضي على دعوته في مهدها؛ وذلك لأن المحيط الذي بدأ فيه دعوته، والحجاز عموماً، كانت تسيطر عليه الروح القبلية، ويطغى عليه التعصب القبلي، والقوى فيه متكافئة تقريباً، وكانت القبائل المتعددة كثيرة ـ فبطون قريش وحدها كانت عشرة أو تزيد ـ يرقب بعضها بعضاً، ويخشى بعضها بأس بعض.
هذا كله، عدا عن أنها كانت تعرف: أنها إذا أرادت أن تنتهك حرمة الحرم، ويحارب بعضها بعضاً؛ فإن مكانتها واحترامها ـ وبالتالي مصالحها الحيوية سوف تتعرض لدى سائر العرب لنكسة قاسية، إن لم تكن قاضية.
2 ـ خصائص شخصية الرسول ':
أ ـ لقد كان صاحب هذه الدعوة: محمد >صلى الله عليه وآله< من قريش، أعظم قبـائل العرب خطراً، وقـوة، ونفوذاً، والتي كـان ينظر إليهـا ـ كل أحد ـ بعين الإجلال والإكبار، وبالأخص هو من البيت الهاشمي منها، الذي كان يمتاز بالنزاهة والطهر، وله السيادة والزعامة، والسؤدد في مكة، وله الشرف الرفيع الذي لا يدانيه ولا ينازعه فيه أحد.
فمحمد >صلى الله عليه وآله< إذن ليس بحاجة إلى الشرف والزعامة ليجعل من ادّعاء النبوة وسيلة للوصول إليها، والحصول عليها، وقد كان واضحاً ـ لو قيست الأمور بالمقاييس العادية ـ أن دعواه تلك لسوف تجر عليه الكثير من المتاعب والمصائب، ويكون بذلك قد فرط بكل ما لديه من رصيد اجتماعي في هذا المجال، فاستمراره في دعوته مع وضوح أخطارها له يعتبر أمراً غير منطقي، لو كان ما يدعيه لا واقعية له.
كما أن كل أحد يكون على استعداد لقبول الدعوة من بني إسماعيل، الذين هم مهبط الوحي، ومعدن الطهر، وسيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث عرض الرسول >صلى الله عليه وآله< دعوته على القبائل، أنه لما عرض دعوته على بني عامر بن صعصعة، ورفضوا إلا أن يجعل الأمر فيهم بعده، ورفض هو، وعادوا إلى بلادهم، وتحدثوا بما كان لشيخ لهم، وضع ذلك الشيخ يده على رأسه، ثم قال:
يا بني عامر، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب؟ والذي نفس فلان بيده، ما تقوّلها إسماعيلي قط، وإنها لحق؛ فأين رأيكم كان عنكم؟([185]).
ب ـ تلك الخصائص والمميزات في الرسول >صلى الله عليه وآله< نفسه، والتي أشار إليها جعفر بن أبي طالب بقوله:
>بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته وعفافه<.
حتى لقد لقب ب (الصادق الأمين) فقد كان لذلك أثر كبير في ظهور دعوته، وانتصار وانتشار رسالته، وقد كان تحليه >صلى الله عليه وآله< بهذه المواصفات ضرورياً، لأن فقدانها موجب لريبهم، كما قال تعالى: {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ}([186]).
هذا كله، بالإضافة إلى ما قد تمدّحه الله عليه من خلقه العظيم، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}([187]).
ومع ذلك فإننا نود أن نخص بالذكر هنا ما يلي:
1 ـ إننا نجد البعض يسلم استناداً إلى شهادة الرسول >صلى الله عليه وآله< نفسه، فقد ورد أن رجلاً دخل على جمل؛ فأناخه في المسجد، وعقله، ثم قال لهم: أيكم محمد؟ والنبي >صلى الله عليه وآله< متكئ بين ظهرانيهم.
فقلنا: هذا الرجل الأبيض المتكئ.
فقال له الرجل: ابن عبد المطلب؟
فقال له >صلى الله عليه وآله<: قد أجبتك.
فقال الرجل: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة؛ فلا تجد علي في نفسك.
فقال: سل عما بدا لك.
فقال: أسالك بربك ورب من قبلك، أالله أرسلك إلى الناس كلهم؟
فقال: اللهم نعم.
فقال: أنشدك بالله، أالله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟.
قال: اللهم نعم.
قال: أنشدك الله..
إلى أن قال: فقال الرجل: آمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة الخ..([188]).
فإن عدم قدرة ضمام على تمييزه >صلى الله عليه وآله< عن أصحابه، لخير دليل على خلق النبي العظيم، وعلى أن الإسلام لا يعترف بتلك الفوارق المصطنعة بين الحاكم ورعيته، ولا يعتبر أن الحكم يعطي للحاكم امتيازاً، وإنما هو مسؤولية.
كما أن إسلام ضمام استناداً إلى شهادة النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه ليعتبر الذروة في الثقة به >صلى الله عليه وآله<، وتأثير هذه الثقة في قبول دعوته، وانتشار رسالته.
2 ـ هذا مع ما كانت تعرفه قريش فيه، من وفور العقل، وحسن التدبير، وأصالة الرأي ـ وقد تقدمت قضية رفع الحجر الأسود إلى موضعه عند بناء البيت، وحلّه >صلى الله عليه وآله< المشكلة التي كانت تواجههم.
ثم ما ظهر له من الآيات والبراهين، حين ولادته، وبعدها، وكونه ابن الذبيحين، الأمر الذي جعل له قدسية خاصة في نفوس الناس.
نعم، إن كل ذلك قد وضع قريشاً، وسائر الناس أمام الأمر الواقع، فكان كل من يحاول تكذيبه >صلى الله عليه وآله< يجد نفسه أمام صراع داخلي، ووجداني؛ لأن وجدانه وضميره كان يقول له:
أنت الكاذب الحقيقي، وهو الصادق الأمين، وهو محل الثقة المطلقة، وأنت مظنة الخيانة، وهو صاحب الرأي والتدبير، والعقل الكبير، وأنت القاصر المقصر في ذلك، وهكذا الحال في سائر صفاته الغر، وأخلاقه الفضلى.
3 ـ وقد عزز ذلك وقوَّاه: أن كل أحد كان يعرف أميته >صلى الله عليه وآله<([189])، وأنه لم يتلق العلم والمعرفة من أحد، وها هو لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدعي المعرفة بجزءٍ مما جاء به، فضلاً عن بيئته المتناهية في الجهل والضياع، فلم يكن ثمة مجال للارتياب في صدقه، وصحة دعوته، إلا من مكابر، لا يرى إلا نفسه، ولا يفكر إلا فيها.
وحتى لـو كـان قـارئـاً، فماذا عساه يجد في كتب السابقين، وهل يمكن أن يقـاس ذلـك بما جـاء به >صلى الله عليه وآله< مـن المعارف العالية، والتشريعات المعجزة، بلسان القرآن، الذي يعجز الجن والإنس عن أن يأتوا بسورة من مثله؟!
4 ـ ثم هو لم يسجد لصنم قط، فلا يستطيع أحد أن يعترض عليه بأنك أنت كنت بالأمس تسجد للأصنام، وتعبد الأوثان؛ فلماذا تكفر بها اليوم؟!. فإن كانت عبادتها تخالف العقل والفطرة، فأين كان عنك عقلك، ولماذا شذت بك فطرتك؟!.
5 ـ ثم يأتي بعد ذلك أسلوب دعوته المتطور، على وفق الحكمة، وعلى حسب مقتضيات الأحوال، وفي حدود الأهداف الرسالية، التي لا بد من التقيد بها، وفي حدودها.
6 ـ ثم هناك إصراره، وصبره، وتحمله لكل المشاق والآلام، ورفضه لكل المساومات، حتى إنهم لو وضعوا الشمس في يمينه، والقمر في شماله على أن يترك هذا الأمر، ما تركه، بل هو لا يقبل منهم أن يسلموا شرط أن يعطيهم فرصةً زمنية للتزود من عبادة أوثانهم، مما أوضح لهم: أن المسألة تتجاوز حدود اختياره، وأن رب السماء هو الذي يرعى هذا الأمر، ويريده منهم.
3 ـ الحالة الاجتماعية:
ويأتي بعد ذلك كله، دور الحالة الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك، حيث كان الناس يعيشون حياة الشقاء والبلاء، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، كما دلت عليه كلمات الإمام أمير المؤمنين >عليه السلام< المتقدمة في أوائل هذا الجزء عن الحالة الإجتماعية عند العرب ـ وهي لا تختلف كثيراً عما عند غيرهم ـ ونضيف إلى ذلـك هنا: ما قاله جعفر >رحمه الله< لملك الحبشة، حينما ذهب عمرو بن العاص ليخدعه عنهم:
>كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف<([190]).
فهذه الحالة الاجتماعية القاسية التي كانت تهيمن على الأمة، وذلك الضياع الذي يسيطر عليها قد هيأ الإنسان الجاهلي نفسياً لقبول الحق، والتفاعل معه، وجعله يتطلع للدعوة التي يجد فيها الحق والخير، ويعرف أنها تستطيع أن تخفف من شقائه وآلامه، وتنقذه من واقعه المزري والمهين ذاك.
وقد عبر جعفر بن أبي طالب >عليه السلام< عن ذلك، لملك الحبشة، بعد عبارته المتقدمة، فقال:
>فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته، وعفافه فدعانا إلى الله؛ لنوحده، ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه، من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة الخ..<([191]).
وقد عبر أهل المدينة على لسان أسعد بن زرارة عن أملهم في أن يحل >صلى الله عليه وآله< بدعوته تلك مشاكلهم المستعصية، حيث يذكر المؤرخون:
أن الأوس والخزرج ما كانوا يضعون السلاح في ليل ولا نهار([192])، فمن الطبيعي إذن أن يشتاقوا إلى الخروج من وضع كهذا إذ نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان.
وسيأتي الحديث عن ذلك حين الكلام على دخول الإسلام إلى المدينة.
هذا، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاندفاع نحو الإسلام، إنما كان ظاهراً وقوياً في جملة الضعفاء والعبيد، والفقراء، أما أولئك المستغلون والمستكبرون وأصحاب الأموال، والأطماع، من أمثال:
أبي جهل، وأبي سفيان؛ فقد كانوا هم الذين يهتمون بالقضاء على الدعوة، ومنعها من الانتشار، وإن المطالع لتاريخ الإسلام في مكة ليجد الكثير الكثير من الشواهد التي تؤيد ما ذكرناه هنا، مع تأكيدنا على أن ذلك لا يختص بما جرى بالنسبة لنبينا >صلى الله عليه وآله< بل هو ينسحب على غيره من الأنبياء السابقين، وقد عبر القرآن عن هؤلاء المخالفين من الطبقة الأرستقراطية ب >الملأ< في أكثر من مورد، وأكثر من مناسبة.
4 ـ نوع معجزته ':
ومما ساعد على انتشار الإسلام وانتصاره نوع المعجزة التي جاء بها >صلى الله عليه وآله< فإن هذا القرآن قد حيَّر العرب، ليس فقط بما يتضمنه من قوانين عامة وشاملة، ومن معان وإخبارات غيبية، ومن قصص فيها العبر والعظات، رأى فيها غير المسلمين تصحيحاً دقيقاً لما جاء منها في كتبهم، وغير ذلك من علوم ومعارف، وإنما قهرهم وبهرهم فيما كانوا يعتبرون أنفسهم، ويعتبرهم العالم بأسره قمة فيه، إكمالاً للحجة، وحتى لا يبقى مجال لأي خيار؛ لأن خروجه >صلى الله عليه وآله< في بيئة كهذه، بحجة كهذه، لا بد أن يجعلهم يذعنون وينقادون للحق، وإلا فلسوف يراهم كل أحد، ويرون أنفسهم أيضاً معاندين للحق، ومناصرين للباطل.
نعم، لقد بهرهم هذا القرآن وحيَّرهم، ولم يترك لهم مجالاً للخيار فإما الجحود على علم {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}([193])، وإما الإيمان والتسليم.
وإذا كنا نعلم: أن من مميزات العربي، وبحكم حياته وطبيعته:
أنه كان يعيش حياة الحرية بكل ما لهذه الكلمة من معنى، ولم تلوث فكره وعقله الأفكار والشبهات والآراء المصطنعة ـ كما كان الحال بالنسبة لسائر الأمم، كالرومان والفرس وغيرهما، الذين كانوا يحاولون فلسفة أديانهم البعيدة عن الفطرة، والمنافرة لها، وإظهارها بمظاهر معقولة ومقبولة ـ.
إذا كنا نعلم ونرى ذلك، فإن هذا القرآن قد جاء منسجماً مع فطرة العربي، ومتلائماً مع طبعه وسجيته، ومع صفاء نفسه وقريحته، تماماً كما كانت الدعوة نفسها منسجمة مع فطرته وروحه، ويستجيب لها عقله، وضميره ووجدانه، لأنه كان يعيش على الفطرة، والإسلام دين الفطرة: {فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}([194]).
ولذلك نراه سرعان ما صار يبذل ماله، وولده، ودمه في سبيل هذه الدعوة، ويقتل حتى أباه وأخاه من أجلها، ولسوف نتحدث إن شاء الله تعالى عن سر إعجاز القرآن فيما يأتي من فصول.
5 ـ بشائر اليهود والنصارى به ':
وأيضاً، فان بشائر أهل الكتاب بقرب ظهور نبي في المنطقة العربية، قد سهل هو الآخرقبول دعوته، وانتشار رسالته.
فقد جاء في التوراة المتداولة: >وهذه هي البركة، التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته، فقال: جاء الرب من سيناء، وأشرق لهم من ساعير، وتلألأ من جبل فاران<([195]).
فالمجيء من سيناء كناية عن تكليم الله لموسى >عليه السلام< في سيناء، وساعير هي جبال فلسطين، وهو إشارة لعيسى >عليه السلام<.
وفاران اسم قديم لأرض مكة([196])، التي لم يظهر فيها إلا نبينا الأعظم محمد >صلى الله عليه وآله<، الذي أنزل عليه القرآن.
والنبي محمد >صلى الله عليه وآله< هو من نسل إبراهيم >عليه السلام<، الذي جعلها أرض غربته، تقول التوراة: >وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان، ملكاً أبدياً<([197]).
فالمقصود بأرض غربة إبراهيم خصوص مكة، لأنها هي التي أسكن أهله فيها.
وأرض كنعان وإن كانت هي بلاد الشام ولكن المقصود فيها هنا عموم بلاد العرب، بضرب من التجوز، لأن إبراهيم لم يهاجر إلى الشام، ولا أسكن أهله فيها([198]).
وجاء في الإنجيل قوله: >وهذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين؛ ليسألوه: من أنت؟
فاعترف، ولم ينكر، وأقر: إني لست أنا المسيح.
فسألوه: إذن ماذا؟ إيليا؟
فقال: لست أنا، النبي أنت؟
فأجاب: لا<([199]).
فالمراد بإيليا ليس إلياساً ـ كما ربما يدعى ـ وذلك لأنه قد كان قبل عيسى بقرون، فلا بد أن يكون المقصود به رجلاً يأتي بعد عيسى. وكذلك الحال بالنسبة إلى النبي الذي سألوه عنه.
ومن المعلوم أنه لم يأت بعد عيسى غير نبينا محمد >صلى الله عليه وآله<، وأوصيائه >عليهم السلام< فلعل المقصود بالنبي هو محمد >صلى الله عليه وآله< وبإيليا وصيه علي >عليه السلام<.
هذا، وبشارات العهدين به >صلى الله عليه وآله< كثيرة جداً، فمن أرادها فليراجع الكتب المعدة لذلك([200]) مع الأخذ بعين الاعتبار:
أن التوراة والإنجيل الموجودين فعلاً قد نالتهما يد التحريف والتزوير، كما يظهر لمن راجع كتاب: الهدى إلى دين المصطفى، والرحلة المدرسية، للمرحوم البلاغي وإظهار الحق لرحمة الله الهندي، وغير ذلك.
ويكفي أن نذكر هنا: أن القرآن قد قرر: أن أهل الكتاب {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}([201]).
وقال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ}([202]).
ولو أن أهل الكتاب كان يمكنهم إثبات خلاف هذا النص القرآني، لبادروا إليه، ولما عرَّضوا أنفسهم للحروب والبلايا في سعيهم الدائب لإطفاء نور الله، هم ومشركو مكة، الذين كانوا يتعاونون معهم تعاوناً وثيقاً.
بل إن أهل الكتاب أنفسهم كانوا يتوعدون العرب، ويقولون لهم: >ليخرجنَّ نبي، فيكسرنَّ أصنامكم، فلما خرج رسول الله كفروا به<([203]).
ويقول مغلطاي: >إنه لما شاع قبل ولادته: أن نبياً اسمه محمد، هذا إبان ظهوره، سمى جماعة أبناءهم محمداً، رجاء أن يكون هو، منهم محمد بن سفيان بن مجاشع الخ.. ثم عد جماعة من المسمين بهذا الاسم<([204]).
ولما دعا رسول الإسلام بعض المدنيين ـ قبل الهجرة ـ إلى الإسلام، قال بعضهم لبعض:
يا قوم، إن هذا الذي كانت اليهود يدعوننا به، أن يخرج في آخر الزمان، وكانت اليهود إذا كان بينهم شيء، قالوا: >إننا ننتظر نبياً يبعث الآن يقتلكم قتل عاد وثمود، فنتبعه، ونظهر عليكم معه إلخ..<([205]).
مناطق سكنى أهل الكتاب:
وبعد، فإن النصارى لم يتوغلوا في قلب الجزيرة العربية، بل كانوا يسكنون على أطرافها: الحيرة، وبلاد الشام، وكانت بعض القبائل العربية تدين بالنصرانية، دون أن يلتزموا بطقوسها الدينية إلا بصورة ضعيفة كما سنرى.
أما اليهود، فقد كانوا أولاً هم حكام يثرب، بعد أن قدموها من بلاد فلسطين، فراراً من الاضطهاد الذي حاق بهم، ثم قدمها الأوس والخزرج القحطانيون من اليمن، وتغلبوا عليها، وحصروا اليهود ـ وهم ثلاث قبائل: بنو النضير، وقينقاع، وقريظة ـ في مناطق معينة في المدينة وأطرافها، وكانوا يسكنون فدكاً وتيماء أيضاً.
ويذكر هيكل: أنه كان يحظر على اليهود والنصارى سكنى مكة، إلا أن يكون أجيراً، لا يتحدث بشيء من أمر دينه ومن أمر كتابه، ثم يستثني في موضع آخر: العبيد منهم([206]).
ولكننا نجد: أنه كان يسكنها المتنصرة من العرب كورقة بن نوفل وأضرابه، وعلى كل حال، فإن هذا الأمر لا يهمنا تحقيقه كثيراً.
أهل الكتاب وهيمنتهم العلمية على العرب:
وما يهمنا هنا: هو الإشارة إلى أن العرب كانوا ينظرون إلى أهل الكتاب نظر التلميذ إلى معلمه، ويعتبرونهم مصدر الثقافة والمعرفة لهم، حتى إننا لنجد في التاريخ:
أن العربي كان إذا أراد الإسلام يستشير حبراً، أو راهباً في ذلك، بل نجد قبيلة بكاملها تذهب إلى يهود فدك وتسألهم عن رسول الله >صلى الله عليه وآله<، بعد أن عرض دعوته عليهم([207]).
كما ويعرض الإسلام على كندة؛ فيأبونه؛ فيستدل بعضهم على صدق هذا النبي بأن اليهود قد قالوا:
إنه سوف يظهر نبي من الحرم قد أظل زمانه([208]).
وإسلام أهل المدينة كان في مبدئه مستنداً إلى نظير هذه الحجة، كما أشرنا، وسنشير إليه إن شاء الله تعالى([209]).
وعن ابن عباس، قال: >كان هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من اليهود، وهم أهل كتاب، فكانوا يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم<([210]).
وقد أسلم وفد أهل الحيرة، وكعب بن عدي، فلما توفي >صلى الله عليه وآله< ارتابوا؛ فثبت كعب على الإسلام، قال: ثم خرجت أريد المدينة، فمررت براهب كنا لا نقطع أمراً دونه([211])، إلى آخر كلامه، الذي ذكر فيه حصول اليقين له، بسبب كلام الراهب.
وليلاحظ بدقة قوله: >كنا لا نقطع أمراً دونه
وأيضاً، فقد تقدم في الفصل الأول من هذا الجزء وسيأتي([212]):
أن أبا سفيان قد سأل كعب بن الأشرف عن: أن أي الدينين أرضى لله تعالى، دينه أم دين محمد؟!
وقالت قريش لبعض يهود بني النضير، وهم: سلام بن أبي الحقيق وحييّ بن أخطب وكنانة بن الربيع، حين ذهبوا إلى مكة ليحرضوا الأحزاب على حرب المسلمين، قالت لهم قريش:
>يا معشر اليهود، إنكم أهل الكتاب الأول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد؛ أفديننا خير أم دينه؟
قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه.
فلما قالوا ذلك لقريش سرهم، ونشطوا لما دعوهم إليه الخ..<([213]).
ونحن وإن كنا نعلم أن زعماء قريش كانوا يعلمون الحق، ولكنهم كانوا يكتمونه عناداً واستكباراً لقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}([214]).
ولكن الذي يلفت نظرنا: هو هذا الاستغلال لنفوذ اليهود، وهيمنتهم العلمية، واعتبارهم مصدراً للمعارف الدينية.
وبالمناسبة فإن التاريخ يعيد نفسه، فإن نظرة المسلمين إلى الأوروبيين الآن تشبه تماماً ما كانت عليه في الجاهلية.
وأخيراً، فقد قال الحلبي وابن هشام: >لا يخفى: أن كفار قريش بعثوا النضر بن الحرث، وعقبة بن أبي معيط، إلى أحبار اليهود بالمدينة، وقالوا لهما:
إسألاهم عن محمد، وصفا لهم صفته، وأخبراهم بقوله؛ فإنهم أهل الكتاب الأول<([215]) ثم ذكر ما جرى بينهم وبين اليهود، ثم ما جرى لهم مع النبي >صلى الله عليه وآله< في مكة.
والخلاصة: أن إخبارات أهل الكتاب تلك قد غرست في ذهن العربي أن نبياً سوف يخرج من منطقته، مما سهل عليه قبول دعوته >صلى الله عليه وآله<، والإذعان للحق الذي جاء به؛ لأن الناس ـ باستثناء أصحاب المطامح والأهواء، والطواغيت منهم ـ لصفاء وسلامة طباعهم، وكونهم أقرب إلى الفطرة، وعدم تلوث فكرهم بالشبهات والفلسفات المعقدة كانوا يتقبلون الحق، ويذعنون له، وقبليتهم وعاداتهم إنما كانت تمنع فقط من انقياد بعضهم لبعض، بسبب غلظتهم، وانفتهم، وبعد هممهم، ولكن لم يكن ذلك يمنعهم من قبول الحق، والإذعان لإرادة السماء([216]).
6 ـ الفراغ العقائدي والسياسي:
أ ـ الفراغ العقائدي:
لقد كان العرب يعانون من فراغ عقائدي هائل، عبَّر عنه أمير المؤمنين >عليه السلام< بقوله المتقدم: >بعثه، والناس ضلال في حيرة، وحاطبون في فتنة، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل<.
ويكفي أن نذكر: أنهم حتى عبادتهم للأصنام قد كانت ملونة باللون القبلي، فلكل قبيلة بل لكل بيت وثن، وطريقة.
وكثيراً ما كانت دوافعهم إلى عبادة تلك الأصنام عاطفية، بعيدة عن أساليب التبرير العقلي، والمنطقي، فارتباط العربي بهذا الصنم إنما هو لأن هذا الصنم مرتبط بتاريخ أبيه أو جده، فالعربي يعتز بنسبه بحسب طبعه، وبما ينسب إليه، قال تعالى حكاية لذلك عنهم: {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}([217]).
ومما يدل على أن عبادتهم للأصنام لم تكن عن تعقل وقناعة: هو أن الذين كانوا يرجعون إلى فطرتهم، وإلى عقولهم سرعان ما يدركون منافرتها للفطرة، ولأحكام العقل السليم، ويرغبون بالخروج من هذا الجو، ولذلك نجد المؤرخين يذكرون:
أن عبد المطلب قد رفض عبادة الأوثان.
كما ويذكرون: أن ورقة بن نوفل، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعبيد الله بن جحش قد تبرموا من عبادة الأوثان، وعبروا عن ضعف ثقتهم فيها، فاجتمعوا وتشاوروا فتنصر الأولان، وبقي الآخران في حيرتهما وشكهما([218]).
ب ـ الفراغ السياسي:
إن أرض العرب القاحلة، والجو الحار الذي تتميز به، وحياتهم المتنقلة من مكان إلى مكان، وقدرتهم على تحمل المشاق، قد جعل السيطرة عليهم شبه مستحيلة حسبما قدمنا، بل جعلهم بحسب طبيعة ظروفهم الحياتية قادرين على توجيه الضربات القاصمة لكلِّ دخيل، وجعله في رعب دائم، وخوف مستمر، الأمر الذي أسهم بشكل فعال في إبعاد أطماع المستعمرين عن منطقتهم، مع قناعة المستعمر بأنه سوف لا يجني الكثير من النفع في مقابل الكثير من الضرر الذي سوف يتعرض له، ولا سيما مع علمه بأن حب الانطلاق في البادية بلا رقيب ولا حسيب مغروس في دم العربي، وفي روحه، وفي أعماق أعماقه، ولا يتنازل عن ذلك بأي ثمن كان.
فكل ذلك قد جعل المنطقة في فراغ سياسي محسوس، بل إن شمالي الجزيرة العربية لم يتعرض لأي حكم أجنبي أصلاً..
نعم، قد تعرض جنوبها وهو اليمن لسلطة الأحباش لفترة قصيرة([219]).
وهذا الفراغ السياسي قد جعلها بعيدة عن نفوذ الأديان الكبرى بشكل فعال، ولو بفرض من السلطة الحاكمة، كالنصرانية والزرادشتية، وحتى عن التأثر باليهودية التي كانت تعيش بينهم ومعهم، فبقيت المنطقة بعيدة عن الشبهات والأفكار الغريبة والدخيلة، وإن كان قد تسرب إليها بعض اليهود فراراً من الرومان، ولكن لم يكن لهم أي نشاط ديني، أو لعله كان، ولكنه لم يثمر، إذ لم يكن ثمة سلطة تدعمه سياسياً وإعلامياً، ولذلك فقد أشرنا إلى أنهم يذكرون أن نصارى تغلب ما كانوا يتمسكون من النصرانية إلا بشرب الخمر([220]) بل إن جميع نصارى العرب كانوا كذلك([221]).
وما ذلك إلا لأن النصرانية بعيدة عن عقل وفطرة الإنسان، ولا تستطيع أن تتصل بروحه ووجدانه لتفرض هيمنتها على أفعاله، وسلوكه.
أما الإسلام، دين الفطرة، الذي استطاع بفترة وجيزة أن يصنع أمثال أبي ذر، وعمار، وسلمان، فـإنـه يتصل أولاً بعقل الإنسان، ثم بروحه ووجدانه، حتى يحوله إلى إنسان إلهي بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وقد استطاع أن يجعل من هؤلاء المتوحشين إلى الأمس القريب، والذين لا يلتزمون بنظام، ولا يحكمهم قانون أكثر الأمم اتباعاً للنظم، وأشدها إيماناً وإخلاصاً للقانون الإلهي.
كما ويلاحظ: أن من رباهم النبي >صلى الله عليه وآله< والأئمة >عليهم السلام< في فترات وجيزة جداً، مع محدودية إمكاناتهم لم تستطع الحكومات الأخرى، حتى التي تنسب نفسها إلى الإسلام أن تأتي بأمثالهم، رغم توفر كل الإمكانات لها، الأمر الذي يشير بوضوح إلى الدور الكبير الذي يضطلع به القائد والحاكم الحق في تربية المجتمع، وفي تزكيته.
قال المعتزلي: >والغالب على أهل الحجاز الجفاء والعجرفية، وخشونة الطبع. ومن سكن المدن منهم، كأهل مكة، والمدينة، والطائف؛ فطباعهم قريبة من طباع أهل البادية بالمجاورة.
ولم يكن فيهم من قبل حكيم ولا فيلسوف، ولا صاحب نظر وجدل، ولا موقع شبهة، ولا مبتدع نحلة الخ..<([222]).
وخلاصة الأمر:
أن صفاء نفوس عرب الحجاز وعدم تلوثها بالأفكار، والانحرافات والشبهات الغريبة عن الفطرة، بالإضافة إلى الفراغ العقائدي، وعدم معقولية شركهم، وعبادتهم للأوثان، ثم الحالة الاجتماعية السيئة التي كانوا يعانون منها، كل ذلك قد أسهم إسهاماً كبيراً في نشر الدعوة الإسلامية وقبولها.
ولذلك ترى أن كثيراً منهم كانوا يسلمون بمجرد سماعهم كلامه >صلى الله عليه وآله<، واطلاعهم على أصول دعوته وأهدافها، أو بمجرد أن يتلو عليهم القرآن.
وإذا ما رأينا ساداتهم وكبراءهم ـ عموماً ـ كانوا يجحدون بهذه الدعوة الحقة، فليس ذلك لأنهم لم يجدوا فيها ما يقنعهم، بل لأنهم وجدوها تضر بمصالحهم الدنيوية، وتصدهم عن مطامعهم اللاإنسانية؛ فهم مصداق لقوله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ}([223]).
ولذلك نلاحظ: أن الناس مـا كانوا يتطلبون الاستدلال على التعاليم والأفكار الدينية كثيراً في أول الأمر؛ لأن صفاء نفوسهم، وسلامة فطرتهم، وعدم إرباكها وإرهاقها بالأفكار، والفلسفات، والشبهات كان كافياً لإدراك حقانية الدعوة، وسلامة أفكارها. وكانت الآيات إنما تحاول إرجاعهم إلى الفطرة وتدعوهم إلى التفكير، والتعقل.
ولكن بعد أن دخلت الفلسفات والأفكار الغريبة، والشبهات المغرضة، إلى فكر وعقل هذا الإنسان، وحجبت فطرته، وأربكت تفكيره وأرهقت عقله، صار الناس يحتاجون أكثر فأكثر إلى الأدلة، ويتطلبونها من الأئمة >عليهم السلام<، بحسب نسبة تلوث فطرتهم بالشبهات والأفكار الغريبة.
7 ـ الحياة الصعبة، والتضحية بالنفس:
وكانت بدائية العرب، وحياتهم الصعبة التي يعانون منها، قد جعلتهم أكثر اقداماً على التضحية في سبيل الدعوة التي يؤمنون بها عن قناعة وجدانية راسخة، ويتفاعلون معها تفاعلاً روحياً خالصاً.
وذلك لأنهم لم ينعموا بحياة النعيم والرفاهية، التي لا تعب فيها ولا نصب، ولا آلام؛ ليصبح لهم تعلق شديد بالحياة، وحب، بل وعشق لها، فإن من الملاحظ: أنه كلما كانت الحياة رخية ناعمة مرفهة، كلما ازداد تعلق الإنسان بها، وحبه لها، وكلما كان العكس، سهل عليه تركها، والتخلي عنها.
كما أن الدعوة التي سوف يتعرض أفرادها لمختلف أنواع الضغوط النفسية، والاقتصادية، والاجتماعية وأقساها، بحاجة ماسة إلى جماعة قادرين على مواجهة تلك الضغوط، وتحمل تلك الآلام، والصبر على التعذيب، والجوع والاضطهاد، بمختلف أنواعه.
وقد كان العرب ـ عموماً ـ كذلك؛ لأنهم قد عانوا من مشاق الحياة والطبيعة ما عانوا، وأصبحت الآلام والمتاعب والمصاعب هي الصفة المميزة لحياتهم بل هي خبزهم اليومي وغير ذلك هو الاستثناء، فهم أقدر من غيرهم على تحمل ما ينتظر أتباع هذه الدعوة؛ لأن المنعمين لا يستطيعون عادة تحمل المشاق، ومواجهة الصعوبات فإن الشجرة البرية أصلب عوداً، وأبطأ خموداً؛ ولذلك نجد:
أن بعض المسلمين كانوا يودون لو يجعلون امتيازاً لأحدهم، وهو ابن عمير لأنه كان منعما قبل أن يسلم، وحينما أسلم تعرض للمشاق والآلام، فذلك جعلهم يشعرون بأنه قد تحمل من المصاعب والآلام ما يوجب الرثاء والرحمة له؛ وما ذلك إلا انطلاقاً من الناحية التي أشرنا إليها آنفاً.
8 ـ بقايا الحنيفية في العرب:
وبعد، فإن مما ساعد على ذلك أيضاً، وجود بقايا الحنيفية ـ دين إبراهيم كالحج وآدابه ـ في الجزيرة العربية، وفي مكة بالذات؛ لأن العرب، وهم أولاد إسماعيل، قد توارثوا عنه الدين الحق وكانوا يعتزون بذلك، وقد قال الله تعالى لهم: {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ..}([224]).
ولكنهم على مر السنين بدؤوا يخلطون هذا الحق بكثير من الباطل، شأن سائر الأمم، عندما يغشاها الجهل، وتستبد بها الأهواء، والانحرافات.
ثم تسرب إليهم الشرك، وعبادة الأوثان، حسبما قدمنا، ثم الكثير من الأمور الباطلة، والأخلاق الذميمة، والفواحش، حتى أصبحوا في الجاهلية العمياء، وحتى أدى بهم الأمر إلى الحالة التي وصفها لنا أمير المؤمنين >عليه السلام< فيما تقدم، غير أن بقية منهم ـ وإن كانت قليلة جداً ـ قد بقيت متمسكة بعقيدة التوحيد، وترفض عبادة الأوثان، وتعبد الله على حسب ما تراه مناسباً، وقريباً إلى تعاليم دين إبراهيم، مع التزام بعضهم الآخر بدقة بدين الحنيفية، ومن هؤلاء عبد المطلب، وأضرابه، من رجالات بني هاشم الأبرار.
وكان من بقايا الحنيفية تعظيم البيت، والطواف به، والوقوف بعرفة، والتلبية([225]) وهدي البدن، وإن كانوا يطبقون ذلك مشوهاً وممسوخاً، ويقحمون فيه ما ليس منه، وكانت هذه المعالم تضعف رويداً رويداً مع الزمن، حتى لم يبق منها إلا الأسماء، والرسوم الشوهاء.
وقد روي عن الإمام الصادق >عليه السلام< ما مفاده: إن العرب كانوا أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس؛ فإن العرب يغتسلون من الجنابة، والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية، وهم أيضاً يختتنون، وهو من سنن الأنبياء، كما أنهم يغسلون موتاهم، ويكفنونهم، ويوارونهم في القبور، ويلحدونهم، ويحرمون نكاح البنات والأخوات، وكانوا يحجون إلى البيت ويعظمونه، ويقولون: بيت ربنا، ويقرون بالتوراة والإنجيل، ويسألون أهل الكتب، ويأخذون منهم، وكانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس([226]).
إذن، فقد كان ثمة ذكريات بعيدة في ضمير ووجدان الإنسان العربي، تربطه بالحنيفية السهلة السمحاء، دين آبائه وأجداده ـ وهو الذي يعتز بالأنساب وصفائها، بحكم ما يتعرض له من الغزو والسبي الموجب للتهمة أحياناً ـ وإذا كان النبي >صلى الله عليه وآله< قد بعث ليتمها؛ فمن الطبيعي أن يكون لهذه الذكريات أثر في نظرة كثير من الناس إليه، وإلى ما جاء به بإيجابية وواقعية.
9 ـ الخصائص والعادات العربية:
ولقد كان لبعض الخصائص، والأخلاق، والعادات العربية، أثر كبير في نشر دعوة الرسول >صلى الله عليه وآله<، التي هي دعوة الحق والخير وشمولها، وإن كان الإسلام الذي استفاد من تلك الخصائص والعادات والأخلاق قد حاول إلى جانب ذلك تركيزها من حيث المنطلقات والأهداف على أسس صحيحة ومقبولة، وأما إن كانت مرفوضة إسلامياً، فإنه ـ وإن كانت قد أفادته تلقائياً، ومن دون أن يتطلب هو ذلك ـ كان يحاول القضاء عليها، واستئصالها بالحكمة والموعظة الحسنة، كلما سنحت له الفرصة، وواتاه الظرف.
فمثلاً: لقد استفاد الإسلام كثيراً من شجاعة العربي، واستهانته بالصعاب، في الدفاع عن الإسلام.
وأيضاً، فقد كان للتعصب القبلي بعض الفوائد الهامة، حتى ليذكرون أنه بعد الهجرة إلى المدينة؛ كان الأوس والخزرج: >يتصاولان مع رسول الله >صلى الله عليه وآله< تصاول الفحلين، لا تصنع الأوس شيئاً فيه عن رسول الله >صلى الله عليه وآله< غناء إلا قالت الخزرج: والله، لا يذهبون بهذه فضلاً علينا عند رسول الله >صلى الله عليه وآله< في الإسلام؛ فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، قال: وإذا فعلت الخزرج شيئاً قالت الأوس مثل ذلك<([227]).
وأما قبل الهجرة في مكة، فقد كان للقبلية أثر كبير في منع قريش وغيرها مدة طويلة من المضايقات لكثير ممن اعتنقوا الإسلام، ثم من محاولة الاعتداء على حياته >صلى الله عليه وآله<، أو على حياة أكثر المسلمين آنذاك، وإن كانت تواجههم بالمضايقات أحياناً، وأحياناً بالتعذيب القاسي، إن لم يكن لهم عشيرة يرهب جانبها، حتى أذن الله تعالى لهم بالهجرة إلى المدينة.
ولذلك نلاحظ: أن أبا طالب >رحمه الله< قد استفاد كثيراً من العامل القبلي، حتى إن بني هاشم مسلمهم وكافرهم قد قبلوا بمحاصرة قريش لهم، وكانوا معه في شعب أبي طالب كما سيأتي.
وتجد في شعر أبي طالب الكثير من التأكيد على عامل القرابة بين بني هاشم وطوائف من قريش، الأمر الذي كان له أثر كبير في حفظ حياته >صلى الله عليه وآله< من كيد أعدائه كما قلنا.
بل إننا نجد المشركين حتى في عدائهم له >صلى الله عليه وآله<، وحتى حينما تآمروا عليه ليقتلوه ـ وكان ذلك هو سبب هجرته >صلى الله عليه وآله< ـ قد أخذوا بعين الاعتبار العلاقات القبلية، وردّات الفعل التي سوف تنجم عنها فاختاروا عشرة أشخاص، من كل قبيلة رجلاً، ليضربوا رسول الله >صلى الله عليه وآله< بسيوفهم في آن واحد وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وفي المدينة أيضاً كان ثمة أثر كبير لكرم ضيافة العربي، ولوفائه بالعهد والذمار، ولحسن الجوار، ولحريته، وحميته، وأنفته وعزته، واعتداده بنفسه، وقوة إرادته، وللشجاعة، والإقدام، وحتى لصفات القوة والغلظة، التي ولدتها فيهم حياة الغزو والحرب، وجعلتهم قادرين على التخلي عن العواطف في سبيل دينهم وعقيدتهـم، حتى لقد كـانـوا يقتلون أبناءهم، وآباءهم، وإخوانهم.
10 ـ دور أبي طالب ×:
يجب أن لا ننسى الدور الذي اضطلع به الرجل العظيم، أبو طالب شيخ الأبطح >عليه السلام<، الذي وفر للنبي >صلى الله عليه وآله< حمايته المطلقة من كل أعدائه ومناوئيه.
11ـ أموال خديجة ÷:
ثم هنالك العامل الاقتصادي الذي وفرته له زوجته أم المؤمنين خديجة صلوات الله وسلامه عليها، والتي كانت تمتلك ـ حسبما يرى البعض ـ عصب الاقتصاد في الجزيرة العربية كلها.
وقد أنفقت كل تلك الأموال على المسلمين، في الظروف الحرجة التي واجهوها، إبان اضطهاد قريش وحصارها الاقتصادي لهم.
ومما يدل على أن النبي >صلى الله عليه وآله< كان يتولى الإنفاق على المسلمين، من أموال خديجة وأبي طالب([228]) قول أسماء بنت عميس لعمر([229]) حين عيّرها بأنه سبقها بالهجرة، وإنها حبشية حجرية ـ على ما نقل عن صحيح مسلم وغيره ـ قالت له:
>كنتم مـع النبي >صلى الله عليه وآلـه< يطعم جـائـعـكـم، ويـعـظ جاهلكم<([230]).
12ـ جهاد علي ×:
وأخيراً، فيجب أن لا ننسى دور وصي وأخي النبي >صلى الله عليه وآله<، أمير المؤمنين >عليه السلام<، حسبما سيظهر إن شاء الله ـ ولو بنحو محدود ـ في مطاوي هذه السيرة العطرة.
نعم، لقد كان لكل ذلك دور هام في حفظ الدعوة، وانتصارها، وانتشارها، كما لا يخفى على الناقد البصير، والمتتبع الخبير.
وثمة أسباب أخرى قد ساعدت على ظهور الإسلام، وانتشاره، وانتصاره، يمكن استجلاء بعضها من مطاوي التاريخ الإسلامي.
ونحن نكتفي هنا بهذا القدر؛ لنوفر الفرصة لعرض حياة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< بعد البعثة، وبشكل موجز وواضح قدر الإمكان.
تنبيه هام وضروري:
إن كل ما ذكرناه آنفاً لا يعني: أن ظهور الإسلام، وانتشاره في الجزيرة العربية قد كان أمراً طبيعياً، بحيث إنه لو توفرت هذه العوامل لأي دعوة أخرى، فإنها تستطيع أن تحقق نفس النتائج التي حققها الإسلام، بل الأمر على العكس من ذلك تماماً، فإن ظهور الإسلام، وانتصاره في هذه المنطقة هو بذاته معجزة له، ودليل على حقانية الإسلام؛ وذلك لأن اليهودية قد كانت موجودة، وكانت هذه الظروف أيضاً موجودة، ولكنها لم تستطع أن تؤثر أثراً يذكر في عقلية العربي، ولا في سلوكه، وتصرفاته([231]).
وكذلك الحال بالنسبة للنصرانية، التي كانت تهتم في تنصير كل من تقدر على تنصيره، ثم هناك الزرادشتية وغيرها من الأديان.
وهذا معناه: أن لنفس المبدأ، والرسالة، والقائد دوراً هاماً جداً، بل والدور الأول والأساس في عملية التغيير وفي النجاح وفي استمراره، وبدون ذلك، فإن كل نجاح ـ لو كان ـ فلسوف يكون محدوداً جداً، ولظروف معينة، ولسوف ينتهي بمجرد انتهاء تلك الظروف.
وقد رأينا الإسلام رغم ما عاناه من مصائب وبلايا حتى على أيدي أبنائه، كان ولا يزال يزداد قوة وفعالية على مر الزمن، وفي مختلف الظروف والأحوال، ولم يؤثر فقدان تلك الظروف والعوامل، ولا تحولها وتقلبها لا في الإسلام، ولا في فعاليته، إن لم نقل: إنه قد زاد في ذلك بشكل ظاهر.
والذي يفسر لنا هذه الظاهرة، هو ما ذكرناه آنفاً من أن الإسلام يستطيع أن يستوعب طاقات الإنسان، ويحولها ويطورها في مصلحة الرسالة والحق، كما إنه يستطيع أن يتلاءم مع الظروف المختلفة، فهو يملك لكل داء دواء، ولكل مشكلة حلاً، ولكل ظرف ما يناسبه، على عكس غيره من الدعوات الجامدة، والمحدودة.
ولذلك، فإن الإسلام عندما نجح في الجزيرة العربية، وإن كان قد استفاد من بعض الظروف، وحوّل وطوّر الأوضاع السائدة في صالحه، إلا أنه كان في نفس الوقت لا يجد في المنطقة التي ظهر فيها الكثير من المميزات الهامة التي من شأنها أن تساعده في مهمته، ولولاها فإن أي دعوة أخرى لا تستطيع أن تنجح، ولكن فقدها لم يؤثر على الإسلام، كما أن امتلاك أعدائه لها لم يؤثر عليه أيضاً.
وهذا أحد أسرار عظمة الإسلام وسموِّه.
وفقنا الله للعمل في سبيله، والاهتداء بهديه، إنه ولي قدير.
الباب الثاني:
من الميلاد إلى البعثة
الفصل الأول: عهد الطفولة
الفصل الثاني: خديجة ÷ في بيت النبي '
الفصل الثالث: حتى البعثة
الفصل الأول:
عهد الطفولة
نسب النبي ':
هو أبو القاسم محمد >صلى الله عليه وآله<، بن عبد الله، بن عبد المطلب، شيبة الحمد، بن هاشم، بن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن نضر، بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، بن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان.
قالوا: إن هذا هو المتفق عليه من نسبه الشريف، أما ما فوقه ففيه اختلاف كثير، غير أن مما لا شك فيه هو أن نسب عدنان ينتهي إلى إسماعيل >عليه السلام<.
وقد روي أنه >صلى الله عليه وآله< قال: >إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا<([232]).
ونحن نمسك هنا امتثالاً لأمره >صلى الله عليه وآله<.
وأمه >صلى الله عليه وآله<: هي آمنة بنت سيد بني زهرة، وهب بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب.
مولد النبي ':
ولد النبي >صلى الله عليه وآله< بمكة عام الفيـل على المشهور([233])، أي قبل البعثة بأربعين سنة.
والمشهور عند الإمامية وبعض من غيرهم أنه ولد في السابع عشر من شهر ربيع الأول.
والمشهور عند غيرهم ووافقهم الكليني: أنه ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت منه([234]).
وثمة أقوال أخر لا مجال لذكرها.
ونص الطبرسي، والكليني على: أنه >صلى الله عليه وآله< قد ولد في يوم الجمعة، وعند غير الإمامية: أنه ولد في يوم الإثنين، وورد: أن أمه قد حملت به في أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة([235]).
ولا يخلو ذلك من إشكال؛ لأنها إن كانت ولدته في تلك السنة، فإن حملها به >صلى الله عليه وآله< يكون ثلاثة أشهر، وتزيد قليلاً، وإن كانت ولدته في السنة الثانية، فمدة حمله تكون خمسة عشر شهراً، مع أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وأقصاها سنة عند المشهور من الإمامية.
وأجيب: بأن ذلك مبني على النسيء في الأشهر الحرم عند العرب، فإنهم كانوا يقولون مثلاً:
إن الأشهر الحرم توضع بعد أربعة أشهر مثلاً، ثم يستحلون القتال في نفس الأشهر التي رُفع الاعتبار عنها.
ولكن إن لم نقل بأن الحمل به >صلى الله عليه وآله< أربعة أشهر قد كان من خصوصياته >صلى الله عليه وآله< فلا يمكننا قبول تلك الرواية حتى ولو صح سندها، وذلك لأن كون تلك الرواية واردة بناءً على أشهر النسيء يحتاج إلى إثبات، إذ لم نعهد في تعبيرات المعصومين بناء كلامهم على النسيء، الذي هو زيادة في الكفر، كما لم نعهد ذلك في كلمات المحدثين والمؤرخين، ولا سيما مع عدم نصب قرينة على ذلك.
تعقيب هام وضروري:
لقد قال الإربلي >رحمه الله<، بعد أن أشار إلى الاختلاف في تاريخ ولادته >صلى الله عليه وآله<: >إن اختلافهم في يوم ولادته سهل، إذ لم يكونوا عارفين به، وبما يكون منه، وكانوا أميين لا يعرفون ضبط مواليد أبنائهم، فأما اختلافهم في موته، فعجيب، والأعجب من هذا، اختلافهم في الأذان والإقامة، بل اختلافهم في موته أعجب؛ فإن الأذان ربما ادعى كل قوم أنهم رووا فيه رواية، فأما موته فيجب أن يكون معيناً معلوماً<([236]).
وكلام الإربلي >رحمه الله< ظاهر المأخذ، فهو يقول: إن اختلافهم في تاريخ ولادة النبي >صلى الله عليه وآله< ربما تكون له مبرراته، ولكن ما يثير الدهشة حقاً هو اختلافهم في يوم وفاته >صلى الله عليه وآله<، مع أنهم كانوا قد عرفوا فيه >صلى الله عليه وآله< المنقذ والمخرج لهم من الظلمات إلى النور، ومن الموت إلى الحياة، مع عدم وجود هوى سياسي أو مذهبي يقتضي إبهام ذلك، أو إجماله، أو التلاعب فيه.
وأغرب من ذلك كله، هو اختلافهم في الكثير الكثير من الأمور التي كانوا يمارسونها مع النبي >صلى الله عليه وآله< عدة مرات يومياً، طيلة سنين عديدة، حتى إنك لتجدهم يروون المتناقضات عنه >صلى الله عليه وآله< في أفعال الوضوء والصلاة، وهم كانوا يؤدونها معه >صلى الله عليه وآله< خمس مرات في كل يوم.
بل قد تجد بعضهم يقول: إنهم إنما كانوا يعرفون أنه >صلى الله عليه وآله< يقرأ في صلاة الظهر والعصر من اضطراب لحيته([237]).
أما اختلافهم في الأذان الذي كانوا يتربَّون على سماعه منذ صغرهم، فذلك ظاهر أيضاً، كما أشار إليه الأربلي >رحمه الله<.
وإذن.. فما هو مدى معرفتهم بتلك الأحكام التي يقل الابتلاء بها، والتعرض لها عادة يا ترى؟!.
وأيضاً.. هل يصح اعتبار أقوال هؤلاء وأفعالهم سُنة ماضية، وشريعة متبعة؟ ـ كـما هو عند بعض الفرق الإسلاميـة ـ بل تجد بعضهم ربما يردُّ الحديث الصحيح لقول صحابي، أو لقول حاكم، إن ذلك لعجيب! وأي عجيب!!
وإذا كانوا يختلفون حتى في مثل هذه الأمور؛ فهل يعقل بعد هذا أن يصح قول البعض: إنه >صلى الله عليه وآله< قد ترك الأمة هكذا هملاً، بلا قائد ولا رائد؟ ولا معلم، ولا مرشد؟ على اعتبار أن الأمة تكون مستغنية عن الهداية والرعاية؟!.
وهذا موضوع هام جداً يحتاج إلى بحث وتمحيص بصورة مفصلة.
قصة كاذبة:
وقد روي عن عبد الله بن عباس أنه قال: سمعت أبي العباس يحدث، قال: ولد لأبي عبد المطلب عبد الله فرأينا في وجهه نوراً يظهر كنور الشمس، فقال أبي: إن لهذا الغلام شأناً عظيماً.
قال: فرأيت في منامي أنه خرج من منخره طائر أبيض..
إلى أن قال: فلما انتبهت، سألت كاهنة من بني مخزوم، فقالت: يا عباس، لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبه ولد يصير أهل المشرق والمغرب تبعاً له.
إلى أن قال: فلما مات عبد الله، وولدت آمنة رسول الله >صلى الله عليه وآله< أتيته، ورأيت النور بين عينيه يزهر، فحملته، وتفرست في وجهه..
ثم تذكر الرواية ما رأته آمنة، ثم تقول: فهذا ما رأيت يا عباس.
قال ـ يعني العباس ـ : وأنا يومئذٍ أقرأ، وكشفت عن ثوبه، فإذا خاتم النبوة بين كتفيه، فلم أزل أكتم شأنه وأنسيت الحديث، فلم أذكره إلى يوم إسلامي، حتى ذكرني رسول الله >صلى الله عليه وآله<([238]).
وأقول:
إن هذا الحديث لا يصح، لأن العباس كان أكبر من النبي >صلى الله عليه وآله< بسنتين ـ كما يدّعون ـ([239]) فكيف يكون قد حضر ولادة أبيه عبد الله، ورأى ذلك المنام ثم ذهب إلى الكاهنة، ثم حين ولادة الرسول أخذه وحمله الخ.؟
هذا بالإضافة إلى: أن نسيانه لهذا الأمر الخطير جداً هو الآخر غير معقول.
ولو سلمنا: أنه نسيه، فكيف لا يذكره حين بعثة الرسول >صلى الله عليه وآله<، ويبادر إلى التصديق به، وإعلان إسلامه، بل يتأخر في ذلك هذه السنين الطويلة، إلى عام الفتح كما يقولون.
والحقيقة هي: أنهم يريدون من أمثال هذه الحكايات إثبات فضائل للعباس >رحمه الله<، مثل كونه أول من أسلم، بل أسلم قبل ولادة النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، وما إلى ذلك.
مصير الدار التي ولد فيها ':
وكانت ولادته >صلى الله عليه وآله<، في شعب بني هاشم، أو شعب أبي طالب؛ في الدار التي اشتراها محمد بن يوسف، أخو الحجاج من ورثة عقيل بن أبي طالب >رحمه الله تعالى< بمائة ألف دينار، ثم صيرتها الخيزران أم الرشيد مسجداً، يصلي فيه الناس([240]) ويزورونه، ويتبركون به، وبقي على حالته تلك، فلما: >أخذ الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه، ومنعوا من زيارته، على عادتهم في المنع من التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وجعلوه مربطاً للدواب<([241]).
رضاعه ':
ويقولون: إن أمه >صلى الله عليه وآله< قد أرضعته يومين أو ثلاثة، ثم أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب أياماً([242]).
ثم قدمت حليمة السعدية >رحمها الله< مكة مع رفيقات لها، بحثاً عن ولد ترضعه؛ لتستفيد من رعاية أهله، ومعوناتهم؛ فعُرض >صلى الله عليه وآله< عليها، فرفضته ـ في بادئ الأمر ـ ليتمه، ولكنها عادت، فقبلته، حيث لم تجد غيره، فرأت فيه كل خير وبركة؛ فأرضعته سنتين، ثم أعادته إلى أهله، وهـو ابـن خمس سنين ويومين ـ كما يقـولـون ـ ليكون في كفالة جده عبد المطلب، ثم عمه أبي طالب.
ويقول العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني: إن قولهم: إنها رفضته في أول الأمر ليتمه إنما يصح بالنسبة ليتيم ضائع، لا أهمية له، وأما بالنسبة لمحمد >صلى الله عليه وآله< فإن كافله عبد المطلب سيد هذا الوادي، وأمه آمنة بنت وهب، من أشراف مكة.
بل ثمة من يقول: إنه لم يكن حينئذٍ يتيماً، وإن أباه قد توفي بعد ولادته بعدة أشهر، قيل: ثمانية وعشرين شهراً، وقيل: سبعة أشهر.([243]) انتهى كلامه.
لماذا الرضاع في البادية؟!:
وعلى كل حال فقد كان إرسال الأطفال إلى البادية للرضاع، هو عادة أشراف مكة، حيث يرون أن بذلك ينشأ أطفالهم:
أصح أبداناً، وأفصح لساناً، وأقوى جناناً، وأصفى فكراً وقريحة، وهي نظرة صحيحة وسليمة، وذلك لما يلي:
أما كونهم:
1 ـ أصحّ ابداناً، فلأنهم يعيشون في الهواء الطلق، ويواجهون مصاعب الطبيعة فتصير لـديهم منـاعة طبيعية تجـاه مختلف المتغيرات، في مختلف الظروف.
2 ـ وكونهم أفصح لساناً، من حيث إنهم يقل اختلاطهم بأهل الأقطار الأخرى، من الأمم الأخرى، على عكس سكان المدن، ولا سيما مكة، التي كانت تقيم علاقات تجارية بينها وبين سائر الأقطار والأمم، ولها رحلتا الشتاء والصيف إلى البلاد التي تتاخم البلاد الأجنبية، التي لا يبعد تأثرها بها ـ قليلاً كان ذلك أو كثيراً ـ .
3 ـ وكونهم أقوى جناناً، لما قدمناه في مطاوي كلماتنا في الفصل الأول.
4 ـ وأما أنهم أصفى فكراً وقريحة، فهو حيث يبتعد الإنسان حينئذٍ عن هموم المدينة، وعن علاقاتها المعقدة والمرهقة، حيث لا يواجه في البادية إلا العيش الساذج والبسيط، والحياة على طبيعتها، ولا يتأثر فكره وعقله بالمفاهيم والأفكار التي تفرضها تلك الحياة المثقلة بالعلاقات المنحرفة، ثم هو يجد الفرصة للتأمل والتفكر والتعرف على أسرار الطبيعة والكون، ولو في حدود عالمه الناشئ المحدود، ومداركه الناشئة أيضاً. وليكون من ثم ذا فكر مبدع خلاق، وقريحة صافية وغنية، ولكن بشرط عدم الاستمرار في هذه الحياة طويلاً، فإن الاستمرار في حياة البادية من شأنه أن يجعل الإنسان يعاني من الجمود والانغلاق، ثم هو يكوِّن لنفسه مفاهيم وأفكاراً؛ يحولها الزمن إلى حقائق لا تقبل الجدل عنده، ويصير من الصعب عليه قبول أي رأي آخر يسير في غير اتجاه قناعاته وأفكاره، فإن تدرب الإنسان على أن يسمع النقد والمخالفة في الرأي يبعده عن الاستبداد الفكري، ويجعله يبحث عن الدليل والمبرر لكل فكرة لديه، وإلا؛ فإنه يصير على استعداد للتخلي عنها إلى غيرها مما يستطيع أن يدافع عنه ويستدل عليه، وهذا أمر طبيعي يعرفه الإنسان بالمشاهدة، ويستدل عليه بالتقصي والتجربة.
غير أننا لا نستطيع تطبيق هذا المنطق على رسول الله >صلى الله عليه وآله<، الذي كان مرعياً بعين الله، وموضعاً لألطافه وعناياته.. وقد كان غنياً بالله عن ذلك كله..
أخوا النبي ' من الرضاعة:
ويقال: إن أبا سلمة كان أخاً للنبي >صلى الله عليه وآله< من الرضاعة، وأخوهما منها أيضاً حمزة بن عبد المطلب، أرضعتهم ثويبة، مولاة أبي لهب بلبن ولدها مسروح([244]).
وقد تقدم: قولهم: إن ثويبة قد أرضعت النبي >صلى الله عليه وآله< أياماً، ونحن نشك في ذلك، ولا بد لنا في مجال توضيح ذلك من التوسع في البحث نسبياً فنقول:
إرضاع ثويبة للرسول ' لا يصح:
إننا نشك في: أن تكون ثويبة قد أرضعت هؤلاء، ولا سيما رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وشكنا في ذلك ناشئ عن الأمور التالية:
أولاً: تناقض الروايات، ويكفي أن نذكر:
أ ـ بالنسبة للمدة التي أرضعتها رسول الله >صلى الله عليه وآله<، نجد بعضها يقول: أرضعته أياماً([245]) من دون تحديد، وبعضها يقول: أربعة أشهر تقريباً([246]).
وفي حين نجد بعضها يقول: إن أمه أرضعته ثلاثة أيام([247])، وقيل: سبعة([248]). وقيل: تسعة([249]).
>ولعل أحدهما تصحيف للآخر، بسبب عدم النقط في تلك العصور، وتشابه رسم الكلمتين<.
وقيل: سبعة أشهر([250]).
وبعضهم لم يحدد مدة إرضاعها له >صلى الله عليه وآله<([251]).
نعم، إننا في حين نجدهم يقولون ذلك بالنسبة لإرضاع أمه له، فإننا نجدهم يذكرون: أن حليمة السعدية أرضعته >صلى الله عليه وآله<، بعد سبعة أيام من مولده فقط([252]) من دون تحديد من أرضعه مدة الأيام السبعة نفسها، مع العلم: أنه بعد إرضاع حليمة له، لم يرتضع من غيرها، وإذا كانت أمه قد أرضعته فيها، فمتى أرضعته ثويبة يا ترى؟!.
ومن جهة أخرى: فإن البعض يصرح بأن أول من أرضعته ثويبة([253]).
وبعضهم يصرح بأن أمه أول من أرضعته([254]).
ب ـ تناقض الروايات في وقت عتق ثويبة، هل كان ذلك حينما بشرت أبا لهب بولادته >صلى الله عليه وآله< فأعتقها فأرضعته، أو كان بعد حوالي خمسين سنة، قبيل الهجرة، أو بعدها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى؟!.
وثانياً: لقد ذكرت الرواية: أن ثويبة قد أرضعت النبي >صلى الله عليه وآله< وأرضعت معه حمزة، وأبا سلمة بلبن ولدها مسروح، ونقول: إن ذلك لا يكاد يصح، لأن حمزة كان أكبر من النبي >صلى الله عليه وآله< بأربع سنين([255]) وقيل: كان أكبر منه بسنتين([256]).
فإننا حتى لو أخذنا بالسنتين، فإن حمزة يكون قد بلغ الفطام قبل أن يولد رسول الله >صلى الله عليه وآله<، كما أنها إذا كانت قد ولدت ولدها قبل فطام حمزة، فلا بد أن يفطم قبل ولادة رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فكيف تكون قد أرضعت الرسول بلبن ولدها؟ وإن كان قد ولد بعد فطام حمزة فكيف تكون قد أرضعت حمزة بلبن ولدها مسروح؟
وأما إذا أخذنا بالقول الأول، فإن القضية تصبح أكثر إشكالاً، وأبعد منالاً.
مع أبي عمر في ترجيحه للقول الثاني:
ويلاحظ، أن أبا عمر قد رفض القول الأول، ورجح الثاني، استناداً إلى قضية الإرضاع، ثم استدرك على ذلك، قائلاً: >إلا أن يكون أرضعتهما في زمانين<([257]).
ولكنه كلام لا يصح، لأن ما ذكره ليس بأولى من العكس، بحيث تكون زيادة عمره أربع سنين دليلاً على عدم صحة إرضاع ثويبة له بلبن مسروح.
وأما استدراكه المذكور، فيبعِّده: أن الرواية تقول: إنهما معاً قد رضعا بلبن مسروح([258])، فلا يصح: أن يكون رضاعهما في زمانين.
توجيه غير وجيه:
وحاول محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري توجيه ذلك بأنه: يمكن أن تكون أرضعت حمزة في آخر سنيه، في أول رضاع ابنها؛ وأرضعت النبي >صلى الله عليه وآله< في أول سنيه، في آخر رضاع ابنها، فيكون أكبر بأربع سنين([259]).
ونقول:
أولاً: إن ذلك، وإن كان ممكناً في نفسه، ولكنه أمر بعيد الوقوع عادة، لأنه يتوقف على أن تكون قد أرضعت ولدها مسروحاً أكثر من سنتين، فكيف إذا كانت قد أرضعته أربعة أشهر، حسبما تقدم عن بعض الروايات؟
وثانياً: يزيده بعداً: أننا نجد في بعض النصوص ما يفيد: أن حمزة كان حين قضية وفاء أبيه عبد المطلب بنذره بذبح أحد ولده كبيراً، وراشداً.
بيان ذلك:
أن عبد المطلب رضوان الله تعالى عليه كان قد نذر: لئن وُلد له عشرة نفر، ثم بلغوا معه، حتى يمنعوه، ليذبحنّ أحدهم لله، عند الكعبة، فلما تكامل بنوه عشرة، وعرف أنهم سيمنعونه، وهم:
الحارث، والزبير، وحجل، وضرار، والمقوم، وأبو لهب، والعباس، وحمزة وأبو طالب، وعبد الله، جمعهم، ثم أخبرهم بنذره.
إلى أن تذكر الرواية: أنه أقرع بينهم فـ : >خرج القدح على ابنه عبد الله، وكان أصغر ولده، وأحبهم إليه، فأخذ عبد المطلب بيد ابنه عبد الله، وأخذ الشفرة الخ..<.
ثم تذكر الرواية: أن العباس هو الذي اجتذب عبد الله من تحت رجل أبيه، فراجع([260]).
مناقشة غير موفقة:
وناقشوا في هذه الرواية: بأن العباس إنما كان يكبر النبي بثلاث سنوات فقط، فقد روي عن العباس نفسه أنه قال:
أذكر مولد رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وأنا ابن ثلاثة أعوام، أو نحوها، فجيء به حتى نظرت إليه، فجعلت النسوة يقلن لي: قبِّل أخاك([261])، فقبلته([262]).
ولكن الإيراد بما ذكر ليس بأولى من العكس؛ فإن من الممكن أن تكون رواية ابن إسحاق هي الصحيحة، وأما رواية أن العباس كان يكبر النبي >صلى الله عليه وآله< بثلاث سنين فقط، فلعلها هي الموضوعة لأهداف سياسية من قبل العباسيين في ما بعد.
ويؤكد ذلك: أن ابن إسحاق حجة في السيرة النبوية، غير مدافع([263])، فلا يرد قوله؛ استناداً إلى رواية يحتمل في حقها ما ذكرناه.
وإذن، فقد يكون عمر حمزة والعباس، حين قضية الذبح حوالي ثمان إلى عشر سنين، يضاف إليها خمس سنوات كانت بين قصة الذبح وبين ولادة رسول الله >صلى الله عليه وآله<([264])، ويصير المجموع حوالي ثلاث عشرة إلى خمس عشرة من السنين تقريباً.
وهذا الذي ذكرناه من الإشكال دفع البعض إلى أن يقول: إنها أرضعت حمزة قبل رسول الله >صلى الله عليه وآله< وأرضعت بعده أبا سلمة([265]).
ولكن يرد عليه: أن تصريح الرواية بأنها أرضعتهم جميعاً بلبن ابنها مسروح يأبى هذا الجمع التبرعي، الذي لا يستند إلى أي دليل.
إلا أن يكون مراده ما تقدم عن محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري: بأن تكون قد أرضعت حمزة في أواخر سنيه، في آخر رضاع ابنها.
ولكنه بناءً على ما قدمناه من أن من الممكن أن يكون حمزة كان يكبر النبي >صلى الله عليه وآله< بحوالي عقد من الزمن لا يصح حتى بناءً على قول الطبري هذا.
عدد أولاد عبد المطلب:
بقي علينا أن نشير إلى المناقشة التي تقول: إن أولاد عبد المطلب، كانوا ثلاثة عشر، وأن حمزة والعباس قد ولدا فيما بعد، فإنها مناقشة مردودة، لأن >حجلاً< هو في الحقيقة لقب للغيداق، و>المقوم< لقب لعبد الكعبة، أما >قثم< فلا وجود له أصلا، حسبما ذكره البعض([266]).
وقد تحدثنا عن هذا الأمر في كتابنا >مختصر مفيد< فيمكن مراجعته.
وأخيراً..
فإننا نشير إلى أن اليعقوبي ينص على أن عـدد أولاد عبد المطلب: عشرة، ولكنه حينما يعد أسماءهم يذكر اسم أحد عشر رجلاً([267]).
إلا أن يكون: قد ذكر لواحد منهم كلاً من اسمه ولقبه، حتى بدا أنهما اثنان، مع أنهما لواحد.
أبو لهب وعتق ثويبة:
ويبقى أن نشير إلى أنهم يقولون ـ حسبما تقدم ـ :
أنه لما ولد رسول الله >صلى الله عليه وآله<، جاءت ثويبة إلى مولاها أبي لهب، فبشرته بولادته >صلى الله عليه وآله< فأعتقها، فأرضعت النبي >صلى الله عليه وآله< بلبن ولدها مسروح.
ثم رئي أبو لهب بعد موته في النوم ـ رآه العباس ـ حسب رواية ذكرهـا طائفة من المـؤلفين، أو رآه النبي >صـلى الله عـلـيه وآلـه< ـ حسب روايـة اليعقوبي ـ بشرِّ حال، وأسوئه، فسأله عن حاله، فأخبره:
أنه بشرِّ حال غير أنه يخفف عنه العذاب ـ أو يسقى في نقرة إبهامه ـ كل يوم إثنين، لعتقه ثويبة؛ حينما بشرته بذلك([268]).
قال القسطلاني: >.. قال ابن الجزري: فإن كان هذا أبو لهب، الكافر، الذي نزل القرآن بذمه، جوزي في النار بفرحه ليلة مولد النبي >صلى الله عليه وآله< به؛ فما حال المسلم الموحد من أمته >صلى الله عليه وآله<، الذي يسر بمولده، ويبذل ما تصل إليه قدرته في محبته؟!. لعمري، إنما يكون جزاؤه من الكريم: أن يدخله بفضله العميم جنات النعيم([269]). ورحم الله حافظ الشام شمس الدين محمد بن ناصر، حيث قال:
إذا كـان هـذا كـافــر جــاء ذمــه وتـبـت يــداه في الجـحـيم مخـلد
أتـى أنـه في يــوم الإثـنـين دائمــاً يخـفـف عـنـه للســرور بـأحمـد
فما الظن بـالعبد الـذي كـان عمره بأحمد مسروراً ومات مـوحدا؟!([270])
ونقول:
إن هذا الكلام كله باطل، ولا يصح، وذلك لأنهم يقولون:
إن عتق ثويبة قد تم بعد مولده >صلى الله عليه وآله< بدهر طويل، أي بعد أزيد من خمسين سنة؛ إما قبيل الهجرة أو بعدها. وكانت خديجة رضوان الله تعالى عليها تحاول شراءها من أبي لهب لتعتقها، بسبب ما يزعم من إرضاعها له >صلى الله عليه وآله<، فرفض أبو لهب بيعها([271]).
وقد حاول الحلبي توجيه ذلك: بأن من الممكن أن يكون أبو لهب قد أعتقها أولاً، لكنه لم يذكر ذلك، ولم يظهره، ورفض بيعها لخديجة لكونها كانت معتوقة، ثم عاد فأظهر ذلك([272]).
ولكنه توجيه باطل: إذ من غير المعقول ولا المقبول؛ أن لا يظهر للناس، ولا يطلعوا على عتقه لجاريته طيلة ما يزيد على ثلاث وخمسين سنة، ولمـاذا لم تخبر هي نفسها أحـداً بذلك، ومـا هو الداعي له ولهـا للكتمان، ولا سيما قبل النبوة، وما هو الداعي للإظهار بعد ذلك، ولا سيما بعد الهجرة؟!.
ولماذا بقيت هذه الجارية التي أعتقها عنده طيلة هذه المدة المتمادية، وهي خارجة عن ملكه؟
هذا كله؛ عدا عن أنه لا حجية في المنامات، ولا اعتبار بها.
وعدا عن أن الرواية مرسلة أيضاً.
وأما بالنسبة لتخفيف العذاب عن أبي لهب، فنقول: إن فرحه إذا كان استجابة لحاجة نفسية طبيعية، ولم يكن لله سبحانه وتعالى، فلماذا يثاب عليه، ولماذا يخفف عنه العذاب لأجله، والافعال الحسنة إنما يلقى الكفار جزاءها في الدنيا لا في الآخرة، فإنه ليس لهم في الآخرة من خلاق، ولا لهم فيها نصيب، وقد قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً}([273]).
شرك أبي لهب:
إن المعلوم: أن أبا لهب قد بقي على شركه، وكان من أعدى أعداء الله، والإسلام، ورسول الإسلام، فلا يعقل أن يجعل الله له يداً على النبي >صلى الله عليه وآله< يستحق المكافأة عليها، ولأجل ذلك لم يكن >صلى الله عليه وآله< يقبل هدية مشرك، بل كان يردها([274]).
وقد قال >صلى الله عليه وآله<: >اللهم لا تجعل لفاجر، ولا لفاسق عندي نعمة<([275]) فكيف إذا كان هذا الفاسق والفاجر هو أبو لهب لعنه الله بالذات؟!.
هذا كله، عدا عن أن نفس ثويبة لم يعلم لها إسلام، حتى لقد قال أبو نعيم:
لا أعلم أحداً أثبت إسلامها غير ابن مندة، مع أنها قد توفيت سنة سبع من الهجرة([276]).
وأي نعمة أعظم من إرضاعها له >صلى الله عليه وآله<؟!.
وبعض من تأخر قد نقل: أنها أسلمت([277]). ولعله استند في ذلك إلى قول ابن مندة، أو استفاد ذلك مما ينقل عن برّ النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله< بها([278]).
وقال العسقلاني: >.. وفي باب من أرضع النبي >صلى الله عليه وآله< ما يدل على أنها لم تسلم<([279]).
وعلى كل حال؛ فإن كل ما تقدم، وسواه، يجعلنا نشك كثيراً في أن تكون ثويبة قد أرضعت رسول الله، وحمزة، وأبا سلمة، بلبن ولدها مسروح ليكونوا جميعاً أخوة من الرضاعة.
تنازع الظئر في رضاعه:
وروى مجاهد، قال: قلت لابن عباس: وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد؟!.
قال: أي والله، وكل نساء الجن..
إلى أن قال: فخص بذلك حليمة([280]).
وروى أبو الحسن البكري في كتابه الأنوار، قال: حدثنا أشياخنا، وأسلافنا الرواة: أنه كان من عادة أهل مكة، إذا تم للمولود سبعة أيام، التمسوا له مرضعة ترضعه..
إلى أن قال: فتطاولت النساء لرضاعته وتربيته..
ثم يذكر: أن الهاتف أخبر آمنة: بأن مرضعته في بني سعد، واسمها حليمة؛ فظلت تتوقع مجيئها، حتى جاءت؛ فأعطتها إياه([281]).
وذلك واضح الدلالة على عدم صحة ما يقال: من أن النساء المرضعات قد زهدن فيه ليتمه، وأن حليمة إنما قبلت به لأنها لم تجد سواه، ولم تحب أن ترجع رفيقاتها برضيع، وترجع هي خالية.
ومما يدل على عدم صحة ذلك أيضاً: أن عبد المطلب قد قال لحليمة: >أنا جده، أقوم مقام أبيه، فإن أردت أن ترضعيه دفعته إليك، وأعطيتك كفايتك<([282]).
وثمة رواية أخرى تدل على عدم صحة ذلك أيضاً رواها المجلسي، عن الواقدي، فلتراجع([283]).
حديث شق الصدر:
وما دمنا في الحديث عن رضاعه >صلى الله عليه وآله< في بني سعد، فإننا لا نرى مناصاً من إعطاء رأينا في رواية وردت في هذه المناسبة، وهي التالية:
أخرج مسلم بن الحجاج: >عن أنس بن مالك: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< أتاه جبرئيل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه وصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، واستخرج منه علقـة؛ فقـال: هذا حظ الشيطـان منك، ثم غسله في طست من ذهب، بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه.
وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعني ظئره ـ فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه، وهو منتقع اللون.
قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره([284]).
وكان ذلك هو سبب إرجاعه >صلى الله عليه وآله< إلى أمه<([285]).
وكتب الحديث والسيرة عند غير الإمامية لا تخلو عن هذه الرواية غالباً، بل قد ذكروا أنه قد شُقَّ صدره >صلى الله عليه وآله< خمس مرات، أربع منها ثابتة: مرة في الثالثة من عمره، وأخرى في العاشرة، وثالثة عند مبعثه، ورابعة عند الإسراء، والخامسة فيها خلاف.
توجيه غير وجيه:
ويقولون: إن تكرار شق صدره إنما هو زيادة في تشريفه >صلى الله عليه وآله<، وقد نظم بعضهم ذلك شعراً فقال:
أيا طـالبـاً نظم الفرائـد في عـقــد مواطن فيها شق صدر لذي رشـد
لـقــد شـق صـدر للـنـبي محـمـد مراراً لتشريف، وذا غـايــة المجـد
فـأولى لــه الـتـشريف فيها مـؤثـل لتطهيره من مضغة فـي بني سعد
وثـانـيـة كـانت لـه وهـو يــافــع وثـالـثـة للمـبـعث الـطيب الــند
ورابـعـة عـنـد الـعــروج لــربــه وذا باتفاق فاستمع يا أخا الـرشـد
وخـامســة فـيـهـا خـلاف تركتها لفقدان تصحيح لها عند ذي النقد([286])
كما أننا في نفس الوقت الذي نرى فيه البعض يعتبر هذه الرواية من إرهاصات النبوة كما صرح به ناظم الأبيات السابقة وغيره([287])، ومثار إعجاب وتقدير.
فإننا نرى: أنها عند غير المسلمين، إما مبعث تهكم وسخرية، وإما دليل لإثبات بعض عقائدهم الباطلة، والطعن في بعض عقائد المسلمين.
ونرى فريقاً ثالثاً: >يعتبر الرواية موضوعة، من قبل من أراد أن يضع التفسير الحرفي لقولـه تعـالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ}([288])<([289]).
واعتبرها صاحب مجمع البيان أيضاً: >مما لا يصح ظاهره، ولا يمكن تأويله إلا على التعسف البعيد؛ لأنه كان طاهراً مطهراً من كل سوء وعيب، وكيف يطهر القلب وما فيه من الاعتقاد بالماء<؟([290]).
ونجد آخر([291]) يحاول أن يناقش في سند الرواية، ونظره فقط إلى رواية ابن هشام، عن بعض أهل العلم، ولكنه لم يعلم أنها واردة في صحيح مسلم بأربعة طرق، ولو أنه اطلع على ذلك لرأينا له موقفاً متحمساً آخر؟ لأنها تكون حينئذٍ كالوحي المنزل، على النبي المرسل.
ولعل خير من ناقش هذه الرواية نقاشا موضوعياً سليماً هو العلامة الشيخ محمود أبو رية في كتابه القيِّم: >أضواء على السنة المحمدية<؛ فليراجعه من أراد..
رأينا في الرواية:
ونحن هنا نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن ابن هشام وغيره يذكرون: أن سبب إرجاع الرسول >صلى الله عليه وآله< إلى أمه، هو أن نفراً من الحبشة نصارى، رأوه مع مرضعته، فسألوا عنه، وقلبوه، وقالوا لها: لنأخذن هذا الغلام، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا إلخ([292]).
وبذلك تصير الرواية المتقدمة التي تذكر أن سبب إرجاعه إلى أمه هو قضية شق الصدر محل شك وشبهة.
2 ـ كيف يكون شق صدره >صلى الله عليه وآله< هو سبب إرجاعه إلى أمه؛ مع أنهم يذكرون:
أن هذه الحادثة قد وقعت له >صلى الله عليه وآله< وعمره ثلاث سنين، أو سنتان وأشهر، مع أنه إنما أعيد إلى أمه بعد أن أتم الخمس سنين.
3 ـ هل صحيح أن مصدر الشر هو غدة، أو علقة في القلب، يحتاج التخلص منها إلى عملية جراحية؟!.
وهـل يعني ذلك أن باستطاعة كل أحد ـ فيما لو أجريت له عملية جراحية لاستئصال تلك الغدة ـ أن يصبح تقياً ورعاً، خيّراً؟!.
أم أن هذه الغدة أو العلقة قد اختص الله بها الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وابتلاه بها دون غيره من بني الإنسان؟!. ولماذا دون غيره؟!.
4 ـ لماذا تكررت هذه العملية أربع، أو خمس مرات، في أوقات متباعدة؟ حتى بعد بعثته >صلى الله عليه وآله< بعدة سنين، وحين الإسراء والمعراج بالذات؟!
فهل كانت تلك العلقة السوداء، وحظ الشيطان تستأصل، ثم تعود إلى النمو من جديد؟! وهل هي من نوع مرض السرطان الذي لا تنفع معه العمليات الجراحية، والذي لا يلبث أن يختفي حتى يعود إلى الظهور بقوة أشد، وأثر أبعد؟!.
ولماذا لم تعد هذه العلقة إلى الظهور بعد العملية الرابعة أو الخامسة، بحيث يحتاج إلى السادسة، فالتي بعدها؟!.
ولماذا يعذب الله نبيه هذا العذاب، ويتعرض لهذه الآلام بلا ذنب جناه؟! ألم يكن بالإمكان أن يخلقه بدونها من أول الأمر؟!.
5 ـ وهل إذا كان الله يريد أن لا يكون عبده شريراً يحتاج لإعمال قدرته إلى عمليات جراحية كهذه، على مرأى من الناس ومسمع؟!.
وتعجبني هذه البراعة النادرة لجبرئيل في إجراء العمليات الجراحية لخصوص نبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله<.
وألا تعني هذه الرواية: أنه >صلى الله عليه وآله< كان مجبراً على عمل الخير، وليس لإرادته فيه أي أثر أو فعالية، أو دور؟! لأن حظ الشيطان قد أبعد عنه بشكل قطعي وقهري، وبعملية جراحية، كان أنس بن مالك يرى أثر المخيط في صدره الشريف!!.
6 ـ لماذا اختص نبينا بعملية كهذه ولم تحصل لأي من الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام([293])؟
أم يعقل أن محمداً >صلى الله عليه وآله<، أفضل الأنبياء وأكملهم، كان فقط بحاجة إلى هذه العملية؟! الجراحية؟! وإذن، فكيف يكون أفضل وأكمل منهم؟
أم أنه قد كان فيهم أيضاً للشيطان حظ ونصيب لم يخرج منهم بعملية جراحية؛ لأن الملائكة لم يكونوا قد تعلموا الجراحة بعد؟!.
7 ـ وأخيراً، أفلا ينافي ذلك ما ورد في الآيات القرآنية، مما يدل على أن الشيطان لا سبيل له على عباد الله المخلصين: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ}([294]).
وقال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}([295]).
وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}([296]).
ومن الواضح: أن الأنبياء هم خير عباد الله المخلصين، والمؤمنين، والمتوكلين. فكيف استمر سلطان الشيطان على الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< إلى حين الإسراء والمعراج؟!.
هذا كله، عدا عن تناقض الروايات الشديد، وقد أشار إليه الحسني باختصار، فراجع([297]) وقارن.
المسيحيون وحديث شق الصدر:
وقد روي عن النبي >صلى الله عليه وآله< قوله: >ما من أحد من الناس إلا وقد أخطأ، أو همّ بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا<([298]).
ويذكر أبو رية >رحمه الله<: أن حديث شق الصدر يأتي مؤيداً للحديث الآخـر، الـذي ورد في البخـاري، ومسلـم وفـتـح الـبـاري وغيرها، وهـو ـ والنص للبخاري ـ : >كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد غير عيسى بن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب<([299]).
وفي رواية: >ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد؛ فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها<([300]).. ولهذا الحديث ألفاظ أخرى لا مجال لذكرها.
وقد استدل المسيحيون بهذا الحديث على أن البشر كلهم ـ حتى النبي ـ مجردون عن العصمة، معرضون للخطايا إلا عيسى بن مريم، فإنه مصون عن مس الشيطان، مما يؤيد ارتفاع المسيح عن طبقة البشر، وبالتالي يؤكد لاهوته الممجد([301]).
وأضاف أبو ريـة إلى ذلـك قولـه: >ولئن قـال المسلمون لإخـوانهـم المسيحيين:
ولم لا يغفر الله لآدم خطيئته بغير هذه الوسيلة القاسية، التي أزهقت فيها روح طاهرة بريئة، هي روح عيسى >عليه السلام< بغير ذنب؟!.
قيل لهم: ولم لم يخلق الله قلب رسوله الذي اصطفاه، كما خلق قلوب إخوانه من الأنبياء والمرسلين ـ والله أعلم حيث يجعل رسالته ـ نقياً من العلقة السوداء وحظ الشيطان، بغير هذه العملية الجراحية، التي تمزق فيها قلبه وصدره مراراً عديدة!..<([302]).
أصل الرواية جاهلي:
والحقيقة هي: أن هذه الرواية مأخوذة عن أهل الجاهلية، فقد جاء في الأغاني أسطورة مفادها:
أن أمية بن أبي الصلت كان نائماً، فجاء طائران، فوقع أحدهما على باب البيت؛ ودخل الآخرفشق عن قلب أمية ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوَعَى؟؟
قال: نعم.
قال: زكا؟
قال: أبى.
وعلى حسب رواية أخرى: أنه دخل على أخته، فنام على سرير في ناحية البيت، قال: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع على صدره، فأخرج قلبه، فقال الطائر الواقف للطائر الذي على صدره: أوَعَى؟
قال: وَعَى.
قال: أقَبِل؟
قال: أبى.
قال: فرُدّ قلبه في موضعه إلخ..
ثم تذكر الرواية تكرر الشق له أربع مرات([303]).
وهكذا يتضح: أن هذه الرواية مفتعلة ومختلقة، وأن سر اختلاقها ليس إلا تأييد بعض العقائد الفاسدة، والطعن بصدق القرآن، وعصمة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
ولنعد الآن إلى متابعة الحديث عن السيرة العطرة؛ فنقول:
فقد النبي ' لأبويه:
لقد شاءت الإرادة الإلهية: أن يفقد النبي >صلى الله عليه وآله< أباه وهو لا يزال جنيناً، أو طفلاً صغيراً.
وربما يقال: إن الأصح هو الأول؛ لأن يتمه هذا كان هو الموجب لتردد حليمة السعدية في قبوله رضيعاً([304])، ولكن قد تقدم بعض المناقشة في ذلك.
ثم فقد أمه بعد عودته من بني سعد، وهو في الرابعة من عمره، أو في السادسة، أو أكثر حسب الروايات.
ولعل ما تقدم من إرجاع حليمة له إلى أمه، وهو في الخامسة من عمره، يؤيد أن أمه قد توفيت وهو في السادسة، إلا أن يقال: إنه يمكن أن يكون المراد: أنه قد أرجع إلى أهله، ولكنه احتمال بعيد عن مساق الكلام.
هذا.. وقد استأذن رسول الله >صلى الله عليه وآله< ربه في زيارة قبر أمه، فأذن له.
فقد روى مسلم في صحيحه، أنه >صلى الله عليه وآله< قال: >إستأذنت ربي في زيارة أمي، فأذن لي، فزوروا القبور تذكّركم الموت<([305]).
وهذا الحديث حجة دامغة على من يمنع من زيارة القبور، وله مؤيدات كثيرة؛ كزيارة فاطمة >عليها السلام< لقبر حمزة >عليه السلام<، وغير ذلك.
وقد ألف العلامة المتتبع البحاثة الشيخ علي الأحمدي كتاباً في التبرك بآثار الأنبياء والصالحين، وتعرض فيه إلى هذا الموضوع، وبحثه أيضاً العلامة الأميني في الغدير، والسبكي في كتابه: شفاء السقام في زيارة خير الأنام، وغيرهم كثير.
كفيل النبي ' :
ولقد عاش >صلى الله عليه وآله< في كنف جده عبد المطلب، الذي كان يرعاه خير رعاية، ولا يأكل طعاماً إلا إذا حضر، وكان عارفاً بنبوته حتى لقد روي: أنه قال عنه لمن أراد أن ينحيه عنه، وهو طفل يدرج: دع ابني فإن الملك قد أتاه([306]). والرواية معتبرة على الظاهر.
أضف إلى ذلك: ما رووه من إخبار سيف بن ذي يزن لعبد المطلب بذلك، عندما زاره في اليمن، إلى غير ذلك من دلائل وإشارات، رسخت هذا الاعتقاد في نفس عبد المطلب >رحمه الله<، وجعلت له >صلى الله عليه وآله< مكانة خاصة عنده([307]).
وفي السنة الثامنة من عمره >صلى الله عليه وآله< توفي جده عبد المطلب، بعد أن اختار له أبا طالب >رحمه الله< ليكفله، ويقوم بشؤونه، ويحرص على حياته، رغم أن أبا طالب لم يكن أكبر ولد عبد المطلب سناً، ولا أكثرهم مالاً؛ لأن الأسنّ فيهم كان هو الحارث، والأكثر مالاً هو العباس.
ولكن عذر العباس هو أنه كان حينئذٍ صغيراً أيضاً، لأنه كان أسنّ من النبي >صلى الله عليه وآله< بسنتين فقط، كما يقولون([308]) وإن كنا قد قلنا: إنه كان يكبره بأكثر من ذلك.
كما أن أبا طالب قد كان شقيق عبد الله والد النبي >صلى الله عليه وآله< لأبيه وأمه، فإن أمهما هي فاطمة المخزومية، وطبيعي أن يكون لأجل ذلك أكثر حناناً وعطفاً عليه وحباً له.
ثم إن أبا طالب الذي كان هو وزوجته أم أمير المؤمنين >عليه السلام< يحملان نور الولاية، قد كانا يحملان من المكارم والفضائل النفسية والمعنوية ومن الطهارة ما يؤهلهما لأن يكونا كفيلين لرسول الله >صلى الله عليه وآله< وأبوين لوصيه، وللأئمة من ذريته..
وعلى كل حال، فقد عهد عبد المطلب إلى أبي طالب >عليه السلام< بمهمة كفالته >صلى الله عليه وآله<؛ لأنه كان بالإضافة إلى ما تقدم أنبل أخوته، وأكرمهم، وأعظمهم مكانة في قريش، وأجلهم قدراً، ولقد قام أبو طالب >عليه السلام< برعايته >صلى الله عليه وآله< خير قيام، ولم يزل يكرمه ويحبه غاية الحب، وينصره بيده ولسانه طول حياته، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى في فصل خاص به رضوان الله تعالى عليه.
الرحلة الأولى إلى الشام، وبحيرا:
ويقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< قد سافر إلى الشام بصحبة عمه أبي طالب، ورآه بحيرا راهب بصرى، وأخبر عمه أنه نبي هذه الأمة، وأصر عليه بأن يرجعه إلى مكة، حتى لا يغتاله اليهود، الذين يرون العلامات التي في كتبهم متحققة فيه، فخرج به عمه أبو طالب حتى أقدمه مكة.
رواية مكذوبة:
ولكن جاء في رواية لأبي موسى الأشعري: أن بحيرا >لم يزل يناشده حتى رده، وبعث معه أبو بكر بلالاً، وزوده الراهب من الكعك والزيت<([309]).
وفي رواية: أن سبعة كانوا قد عزموا على قتله >صلى الله عليه وآله<، فمنعهم بحيرا، وبايعوا الرسول، وأقاموا معه.
ولكن ذلك لا يمكن أن يصح:
أولاً: لأن عمر النبي >صلى الله عليه وآله< كان حينئذٍ اثني عشر سنة، بل قيل: إن عمره كان حينئذٍ تسع سنين([310]).
وأبو بكر كان أصغر من النبي >صلى الله عليه وآله< بأكثر من سنتين، وبلال كان أصغر من أبي بكر بعدة سنين، تتراوح ما بين خمس إلى عشر([311])، حسب اختلاف الأقوال.
فهل يمكن لأبي بكر، وهو بهذه السن أن يسافر إلى الشام، ثم يصدر الأوامر والنواهي في مهمات كهذه؟!.
وهل يمكن لبلال الذي كان طفلاً، لا يقدر على المشي، أو لم يكن قد وُلد بعد: أن يكون مع أبي بكر في ذلك السفر الطويل؟
ثم أن يتحمل مسؤولية إرجاع النبي >صلى الله عليه وآله< من بصرى إلى مكة؟ مع كون النبي >صلى الله عليه وآله< أكبر منه بسنوات عديدة؟!.
وثانياً: ما هو الربط بين أبي بكر وبلال حتى يأمره أبو بكر بهذا الأمر؟ فإن أبا بكر لم يكن يملك بلالاً، وإنما كان يملكه أمية بن خلف، وإنما اشتراه أبو بكر كما يقولون بعد ثلاثين عاماً من حينئذٍ([312]).
هذا إن لم نقل: إن النبي >صلى الله عليه وآله< هو الذي اشترى بلالاً، وأعتقه، ولم يملكه أبو بكر أصلاً([313]).
وثالثاً: إن راوي هذه الرواية، وهو أبو موسى، لم يكن قد وُلد أصلاً، لأنه إنما وُلد قبل البعثة بثمان أو بعشر سنين، على ما يقولون؛ كما أنه إنما قدم إلى المدينة في سنة سبع من الهجرة، سنة خيبر، وهذه القضية قد كانت قبل البعثة بحوالي ثلاثين عاماً.
ورابعاً: سيأتي عن مغلطاي والدمياطي: أن أبا بكر لم يكن في ذلك السفر أصلاً.
ولعل لأجل بعض ما تقدم أو كله حكم الترمذي على هذا الحديث بالغرابة، وشك فيه ابن كثير أيضاً. فراجع.
وبعد كل ما تقدم فقد حكم الذهبي على هذا الحديث بقوله: >أظنه موضوعاً بعضه باطل<([314]).
سر الوضع والاختلاق:
وأما سر وضع تلك الرواية فهو إثبات: أن إيمان أبي بكر بِنُبُوَّة النبي >صلى الله عليه وآله< قد كان قبل البعثة؛ ليسبق الناس كلهم، حتى علياً عليه الصلاة والسلام وخديجة، وحتى النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه في ذلك.
قال النووي: >كان أبو بكر أسبق الناس إسلاماً، أسلم وهو ابن عشرين سنة، وقيل: خمس عشرة سنة<([315]).
وقال الصفوري الشافعي: >وكان إسلامه قبل أن يولد علي بن أبي طالب<([316]).
وذكر الديار بكري رواية عن ابن عباس، عن قضية بحيرا جاء في آخرها: فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق قبل ما نبّئ >صلى الله عليه وآله<([317]).
ولكن، لماذا لم يعدوا بحيرا وبلالاً والحارث وغيرهم ممن حضر، من السابقين إلى الإسلام أيضاً؟!. ومن الذي أخبرهم بوقوع الإسلام في قلب أبي بكر قبل هؤلاء؟! أو دونهم؟!.
بل من أين علموا: أن الإسلام والتصديق قد وقعا في قلب أبي بكر؟! هذا كله لو سلمنا بالقضية من أساسها .
إشارات خاطفة في قصة بحيرا:
وقد بقي في قصة بحيرا نقاط كثيرة، جديرة بالمناقشة، لا مجال لنا للحديث عنها هنا، وبعضها قد يكون له كبير فائدة.
ومما تقدم يظهر مدى صحة قول بعض الروايات: إن أبا بكر، أو الحارث عم النبي >صلى الله عليه وآله< قد ذهب إليه >صلى الله عليه وآله< فاحتضنه، وجاء به، وأجلسه مع القوم على مائدة طعام بحيرا، ورجح ابن المحدث: أن الذي جاء به هو أبو بكر([318]).
ولم يدر ابن المحدث أن أبا بكر لم يكن في ذلك السفر أصلاً، كما صرح به الدمياطي ومغلطاي([319])، ولو كان؛ فإنه كان أصغر سناً من النبي >صلى الله عليه وآله< كما قلنا.
بقي أن نشير إلى أن بعض الروايات قد ذكرت: أن راويها قد شك في أن يكون سفره >صلى الله عليه وآله< إلى الشام كان بصحبة أبي طالب أو جده عبد المطلب([320]).
وبذلك تصبح الرواية الآنفة له مع أبي بكر وبلال أكثر إشكالاً وتعقيداً؛ لأن عبد المطلب قد توفي وعمر النبي >صلى الله عليه وآله< ثمان سنين كما تقدم.
والصحيح هو أن عمه أبا طالب هو الذي رجع معه >صلى الله عليه وآله< إلى مكة([321]) كما قدمنا، وليس أبا بكر ولا غيره.
هذا، وللنبي >صلى الله عليه وآله< سفرة أخرى إلى الشام للتجارة، ستأتي الإشارة إليها إن شاء الله تعالى في موضعها.
رعيه ' الغنم:
ويذكر المؤرخون: أنه >صلى الله عليه وآله< قد رعى الغنم في بني سعد، وأنه رعاها لأهله، بل ويقولون: رعاها لأهل مكة أيضاً، حتى ليذكرون والبخاري منهم في كتاب الإجارة وغيره أنه >صلى الله عليه وآله< قال: >ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم!
فقال أصحابه: وأنت؟.
قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة<([322]).
وفسرت القراريط بأنها: أجزاء الدراهم والدنانير يشترى بها الحوائج الحقيرة([323]).
ولكننا نشك كثيراً: في أن يكون >صلى الله عليه وآله< قد رعى لغير أهله بأجر كهذا، تزهد به حتى العجـائز، ولا يصح مقابلته بذلك الـوقـت والجهد الذي يبذله في رعي الغنم، نعم، نشك في ذلك، لأننا نجد:
أولاً: أن اليعقوبي ـ وهو المؤرخ الثبت ـ قد نص على أنه >صلى الله عليه وآله< لم يكن أجيراً لأحد قط.([324])
وثانياً: تناقض الروايات؛ فبعضها يقول: لأهلي، وبعضها يقول: لأهل مكة، وبعضها يقول: بالقراريط، وأخرى قد أبدلت ذلك بكلمة بأجياد، وإذا كان الراوي واحداً لم يقبل منه مثل هذا الاختلاف، إلا إذا فرض أنه قد نسي في إحدى المرتين.
نعم، قد ذكر البعض: أن العرب ما كانت تعرف القراريط، وإنما هي اسم لمكان في مكة([325]) ولنفترض أنه اسم جبل في مكة، ولأجل ذلك جاء بكلمة >على< ولم يقل في، ولنفترض أيضاً أنه كان يرعى الغنم في خصوص ذلك المكان؟ ولا يتجاوزه إلى غيره؟
ونفترض ثالثاً: أنه ربما يكون هذا الاختلاف بين الرواية التي تقول: بأجياد، والتي تقول بالقراريط، بسبب أن القراريط وأجياداً اسم لمكان واحد، أو لمكانين متقاربين جداً.
ولكن يعكر على هذا: أن رواية البخاري تقول: >على قراريط<؛ فالظاهر من كلمة على هو: الأجر.
ويمكن أن يدفع هذا: بأن من المحتمل أن يكون قراريط اسم جبل في مكة وقد رعى >صلى الله عليه وآله< الغنم عليه.
وكل ذلك وسواه من الاحتمالات لا شاهد له، وإنما يلجأ إليه لو كانت الرواية صحيحة السند عن معصوم، وليست كذلك، بل هي عن أبي هريرة، وغيره ممن لا يمكن الاعتماد عليهم.
ملاحظة:
لقد حاول البعض التفلسف هنا، فذكر: أن رعي الغنم صعب؛ لأنها أصعب البهائم وهو يوجب أن يستشعر القلب رأفة ولطفاً، فإذا انتقل إلى رعاية البشر كان قد هُذب أولاً من الحدة الطبيعية، والظلم الغريزي، فيكون في أعدل الأحوال([326]).
ولكن، حتى لو لم نقل: إنه >صلى الله عليه وآله< كان نبياً منذ صغره، كما هو الصحيح حسبما سيأتي، فإننا نطرح الأسئلة التالية:
هل يمكن أن يصدق أحد: أن النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< كان يحتاج إلى التهذيب من الحدة الطبيعية، والظلم الغريزي؟!.
وهل في النبي >صلى الله عليه وآله< ظلم وحدة غريزيتان يحتاجان إلى التهذيب والحد منهما حقاً؟! ولو سلم ذلك، ألا يوجد مدرسة أفضل من هذه المدرسة؟! ثم أفلا ينافي ذلك قضية شق الصدر([327]) ـ المكذوبة ـ المقبولة لدى هؤلاء؟!
أوليس ذلك الظلم وتلك الحدة هما من حظ الشيطان، الذي استأصله جبرئيل في عملياته الجراحية المتعددة، المزعومة لدى هؤلاء؟.
ثم أوليس كان له ملك يسدده، ويرشده منذ صغره، حسبما نطقت به الروايات([328])؟!.
إلا أن يدعي هؤلاء: أن التسديد لا ينافي الظلم الغريزي.
وحينئذٍ نقول: ألم يحاول الملك الموكل به ليسدده ويرشده إلى محاسن الأخلاق، أن يرشده إلى قبح الظلم، وحسن العدل؟!
ولماذا قصّر في أداء مهمته تجاهه؟
وأيضاً ألا يمكن لله تعالى أن يهذب نبيه، ويخفف من حدته بغير هذه الطريقة؟!
وهل صحيح: أن رعاية الغنم أصعب من رعاية غيرها، كما يدعي هؤلاء؟!.
وهل صحيح: أن الظلم غريزة في الإنسان؟!
وإذا كان غريزة فهل يمكن القضاء عليه بواسطة رعاية الغنم؟!.
وهل كل راعي غنم لا يكون فيه ظلم غريزي، ولا حدة طبيعية.. أم أن ظلمه وحدته، أقل من ظلم غيره وحدته؟!.
ثم، ألا يمكن أن يكون الرعي عملاً عادياً، كان >صلى الله عليه وآله< يقوم به كغيره من أبناء مجتمعه، الذين كانت الماشية ورعيها عندهم من الوسائل العادية للعيش، وكسب الرزق؟!. وليكون النبي إنساناً يعيش كما يعيش الآخرون من الناس الذين ما عاشوا حياة الترف، ولا شعروا بزهو السلطان؟!.
إلى غير ذلك من الأسئلة التي لن تجد عند هؤلاء جواباً مقنعاً ومفيداً.
وعلل ذلك البعض: بأن رعي الغنم يعطي فرصة للابتعاد عن الناس، والانصراف للتفكير السليم، بعيداً عن مشاكل الناس، وهمومهم، ويؤيد ذلك: أنه >صلى الله عليه وآله< كان يذهب إلى غار حراء طلباً للانفراد عن الناس، من أجل التفكير والتأمل في ملكوت الله، والعبادة وتزكية النفس..
وبعض آخر يرى: أن الـرعي فيه تحمـل مسؤولية أحاد متفرقة، وهو يناسب المهمة التي سوف توكل إليه >صلى الله عليه وآله< الأمر الذي من شأنه أن يروض النفس، ويزيدها اندفاعاً نحو طلب الخير للآخرين من رعيته لهم، والحرص على ما ينفعهم، وقد كان الله تعالى يهتم برفع مستوى تحمل وملكات وقدرات نبيه، ليواجه المسؤولية العظمى، ولكن بالطرق العادية والطبيعية، كما هو معلوم من إرساله الرسل، وتزويدهم بالمعجزات وغيرها.
غير أننا نقول: هل يمكن تحقيق هذا الغرض برعي الأغنام؟!.
وهل كل راع للغنم يصير كذلك؟!.
وهل المطلوب هو مجرد التدريب على تحمل مسؤولية الآحاد المتفرقين.
ولماذا لا يكون رعي الغنم هو المهنة التي يمارسها جميع الرسل؟!.
الفصل الثاني:
خـديـجـة فـي بـيت النبي '
السفر الثاني إلى الشام:
ويقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< قد سافر سفره الثاني إلى الشام، وهو في الخامسة والعشرين من عمره([329]).
ويقولون: إن سفره هذا كان في تجارة لخديجة، وإن أبا طالب هو الذي اقترح عليه ذلك، حينما اشتد الزمان، وألحت عليهم سنون منكرة، فلم يقبل >صلى الله عليه وآله< أن يعرض نفسه على خديجة، فبلغ خديجة ما جرى بينه >صلى الله عليه وآله< وبين أبي طالب؛ فبادرت هي، وبذلت للرسول >صلى الله عليه وآله< ضعف ما كانت تبذله لغيره؛ لما تعرفه من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه.
ويروي بعضهم: أن أبا طالب نفسه قد كلم خديجة في ذلك، فأظهرت سرورها ورغبتها، وبذلت له ما شاء من الأجر.
فسافر >صلى الله عليه وآله< إلى الشام، وربح في تجارته أضعاف ما كان يربحه غيره، وظهرت له في سفره بعض الكرامات الباهرة، فلما عادت القافلة إلى مكة أخبر ميسرة غلام خديجة، سيدته بذلك، فذكرت ذلك بالإضافة إلى ما ظهر لها هي منه >صلى الله عليه وآله< لورقة بن نوفل، ابن عمها كما يقولون! وإن كنا نحن نشك في ذلك([330]) فقال لها: إن كان ذلك حقاً، فهو نبي هذه الأمة([331]).
ثم اهتمت خديجة بالعمل على الاقتران به >صلى الله عليه وآله<، كما سنرى.
هكذا يقولون، ولكننا نشك في بعض ما تقدم، لا سيما وأن ورقة لم يسلم حتى بعد أن بعث رسول الله >صلى الله عليه وآله<.
كما أن قولهم: إن خديجة قد استأجرته في تجارتها، لا يمكن المساعدة عليه، وذلك لأننا نجد المؤرخ الأقدم، الثبت ابن واضح، المعروف باليعقوبي يقول: >وإنه ما كان مما يقول الناس: إنها استأجرته بشيء، ولا كان أجيراً لأحد قط<([332]).
ولعل في عزة نفس النبي >صلى الله عليه وآله< وإبائها، وأيضاً في تسديد الله تعالى له، وأيضاً في شرف أبي طالب وسؤدده، ما يبعد كثيراً أن يكون قد صدر شيء مما نسب إلى أبي طالب منه.
وعلى هذا، فقد يكون سفره >صلى الله عليه وآله< إلى الشام، لا لكونه كان أجيراً لخديجة، وإنما لأنه كان يضارب بأموالها، أو شريكاً لها. ويدل على ذلك تصريح رواية الجنابذي بالمضاربة([333]) فراجع.
ويؤيده، ما رواه المجلسي من أن أبا طالب قد ذكر له >صلى الله عليه وآله< اتجـار الناس بأموال خديجة، وحثه على أن يبادر إلى ذلك، ففعل، وسافر إلى الشام([334]).
زواجه ' بخديجة:
ولقد كانت خديجة >عليها السلام< من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهن مالاً، وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية ب (الطاهرة)،([335]) ويقال لها: (سيدة قريش)، وكل قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو يقدر عليه([336]).
وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال.
وممن خطبها عقبة بن أبي معيط، والصلت بن أبي يهاب، وأبو جهل، وأبو سفيان([337]) فرفضتهم جميعاً، واختارت النبي >صلى الله عليه وآله<، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة العالية. ونكاد نقطع ـ بسبب تضافر النصوص ـ بأنها هي التي قد أبدت أولاً رغبتها في الاقتران به >صلى الله عليه وآله<.
فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش إلى وليها، وهو عمها عمرو بن أسد؛ لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها([338]).
وأما أنه خطبها إلى ورقة بن نوفل، وعمها معاً، أو إلى ورقة وحده([339]) فمردود، بأنه: قد ادعي الإجماع على الأول([340]).
وأما أنا فلا أدري ما أقول في ورقة هذا. وفي كل واد أثر من ثعلبة، فهو يُحشر في كل كبيرة وصغيرة، فيما يتعلق بالرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وإن ذلك ليدعوني إلى الشك في كونه شخصية حقيقية، أو أسطورية.
ويلاحظ: أن نفس الدور الذي يعطى لأبيها تارة، ولعمها أخرى، يعطى لورقة بن نوفل ثالثة حتى الجمل والكلمات، فضلاً عن المواقف والحركات، فلتراجع الروايات التي تحكي هذه القضية، وليقارن بينها([341])، وسيأتي إن شاء الله مزيد من الكلام حول ورقة هذا.
نعود إلى القول: إن أبا طالب قد ذهب لخطبة خديجة، وليس حمزة الذي اقتصر عليه ابن هشام في سيرته([342]) لأن ذلك لا ينسجم مع ما كان لأبي طالب من المكانة والسؤدد في قريش، من جهة، ولأن حمزة كان يكبر النبي >صلى الله عليه وآله< بسنتين أو بأربع([343]) كما قيل من جهة أخرى.
هذا بالإضافة إلى مخالفة ذلك لما يذكره عامة المؤرخين في المقام.
وقد اعتذر البعض عن ذلك: بأن من الممكن أن يكون حمزة قد حضر مع أبي طالب؛ فنسب ذلك إليه([344]).
وهو اعتذار واه؛ إذ لماذا لم ينسب ذلك إلى غير حمزة، ممن حضر مع أبي طالب من بني هاشم وغيرهم من القرشيين؟!.
ويظهر: أن ثمة من يهتم بسلب هذه المكرمة عن أبي طالب >عليه السلام<، وإعطائها لأي كان من الناس سواه، سواء لحمزة، أو لغيره، ولا ضير في ذلك عنده ما دام أنه قد استشهد في وقت مبكر.
خطبة أبي طالب &:
وعلى كل حال فقد خطبها أبو طالب له >صلى الله عليه وآله< قبل بعثته >صلى الله عليه وآله< بخمس عشرة سنة، على المشهور.
وقال في خطبته ـ كما يروي المؤرخون ـ : >الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه.
ثم إن ابـن أخي هـذا ـ يعني رسول الله >صلى الله عليه وآلـه< ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلاً في المال؛ فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك، برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله.
وله ـ ورب هذا البيت ـ حظ عظيم، ودين شائع، ورأي كامل<([345]).
نظرة في كلمات أبي طالب:
وخطبة أبي طالب المتقدمة تظهر مكانة الرسول الفضلى في قلوب الناس، وهي صريحة في أن الناس كانوا يجدون في الرسول علامات النُبوَّة ونور الهداية، ويتوقعون أن يكون هو الذي بشر به عيسى وموسى >عليهما السلام<، وأنه كان لا يوزن به أحد إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه.
ثم إن كلمات أبي طالب تدل دلالة واضحة على ما كان يتمتع به بنو هاشم، من شرف وسؤدد، حتى ليقول >رحمه الله<: وجعلنا الحكام على الناس.
وتدل أيضاً: على أن العرب كانت تعتبر الحرم موضع أمن للقاصي والداني، وقد تقدم ما يدل على ذلك أيضاً.
ثم إن حديثه عن فقر النبي >صلى الله عليه وآله<، وإعطاء الضابطة للتفضيل بين الرجال، يدل على واقعية أبي طالب، وأنه ينظر إلى الإنسان بمنظار سام ونبيل، كما أنه يتعامل مع الواقع بحنكة ووعي وأناة.
وبعد، فإن كلماته تلك تدل أيضاً: على أن قريشاً كانت تعتبر انتسابها إلى إبراهيم وإسماعيل، وسدانتها للبيت، كل شيء بالنسبة لها، وقد أشرنا إلى هذا الأمر في الفصل الأول.
ولتراجع خطبة أبي طالب >رحمه الله< حين موته، والتي يخاطب بها قريشاً، فإنها خطبة جليلة، لا تبتعد عن هذه الخطبة في مراميها وأهدافها.
ودين شائع:
ويتساءل بعض المحققين هنا: أنه كيف يمكن الجمع بين قوله: >ودين شائع<، وبين قوله تعالى: {مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ}([346])، وقوله: {وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ}([347]).
وجوابه:
أولاً: قد يقال: إن الآيات ربما تكون ناظرة إلى المراحل الأولى من حياة النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< فهو لم يكن يعلم، ثم علم، وأما متى علم؛ فالآيات لا تحدد لنا ذلك؛ فلربما يكون قد علم حينما كان في سن العشرين مثلاً، أو قبل ذلك أو بعده.
بل لعله علمه منذ صغره، فقد دلت الروايات على أنه >صلى الله عليه وآله< كان نبياً منذ ذلك الحين..
بل في الروايات: >كنت نبيَّاً وآدم بين الروح والجسد< أو نحو ذلك.
وثانياً: إن السيد الطباطبائي يقول: إن الآيات ناظرة إلى نفي العلم التفصيلي، أما العلم الإجمالي فقد كان موجوداً، لأن عبد المطلب وأبا طالب وغيرهما كانوا مؤمنين بالله، وكتبه إجمالاً، والنبي أيضاً كذلك([348])، لا سيما إذا قوّينـا أنـه >صلى الله عليه وآله< كان نبيَّاً منذ صغره ـ كما ذهب إليه البعض ـ ولسوف يأتي ذلك إن شاء الله تعالى في فصل بحوث تسبق السيرة.
وثالثاً: إن من معاني الدين: >السيرة، والتدبير، والورع، والعادة، والشأن<؛ فلعل القصد في هذه العبارة كان إلى أحد هذه المعاني.
ورابعاً: إن هذه الآيات بمثابة قضية شرطية مفادها: أنه >صلى الله عليه وآله< لولا لطف الله به لم يكن يدري ما الكتاب ولا الإيمان، لأنك أنت بنفسك وبما لديك من قدرات ذاتية لست قادراً على شيء وكذلك هو >صلى الله عليه وآله< لم يكن يرجو ذلك لولا الله سبحانه.
وخامساً: لماذا لا يكون المقصود بالدين الشائع هو دين إبراهيم >عليه السلام<؟!
وسادساً: قد يكون المقصود هو التنبؤ بما سيكون له في المستقبل من حيث إن أبا طالب أدرك مما يراه له من معجزات أنه نبي، وأنه سيكون خاتم الرسل والأنبياء.
مهر خديجة:
وعلى كل حال، فإن أبا طالب قد ضمن المهر في ماله، كما هو صريح خطبته، ولكن خديجة رضوان الله تعـالـى عليها عادت فضمنت المهر في مالها، فقال البعض: يا عجباً! المهر على النساء للرجال؟!
فغضب أبو طالب، وقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان، وأعظم المهر، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي.
ولكن يبقى: أن بعض الروايات تفيد: أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< نفسه قد أمهرها عشرين بكرة([349]) وذلك ينافي أن يكون أبو طالب قد ضمن المهر، أو هي ضمنته دونه، أو هي لأبي طالب.
إلا أن يكون المراد: أنه >صلى الله عليه وآله< قد أمهرها بواسطة أبي طالب.
وقيل: إن علياً >عليه السلام< هو الذي ضمن المهر، قالوا: >وهو غلط، لأن علياً >عليه السلام< لم يكن ولد على جميع الأقوال في مقدار عمره<([350]).
ويرد عليه: أن ثمة أقوالاً ـ وإن كنا نقطع بعدم صحتها ـ تفيد: أنه >عليه السلام< قد ولد قبل البعثة بعشرين، أو بثلاث وعشرين سنة، ولذا قال مغلطاي: >وهو غلط، كان علي إذ ذاك صغيراً لم يبلغ سبع سنين<([351]).
ونحن نغلط هذه الأقوال، ونستغربها، إذ إن ذلك معناه: أنه >عليه السلام< قد استشهد وعمره ست وسبعون سنة، وهو ما لم يقل به أحد.
فنحن لا نقبل قول مغلطاي، ولا نقبل قول أولئك الذين يزعمون أنه قد ضمن المهر، وذلك لما سيأتي في تاريخ ميلاده >عليه الصلاة والسلام<.
ثم نقول: إن أبا هلال العسكري ذكر أنه لما قيل: من يضمن المهر؟
قال علي وهو صغير: >أبي فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقول: بأبي أنت وأمي<([352]).
ولربما يمكن تقريب هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يقال: من أن علياً >عليه السلام< قد ولد قبل البعثة بعشر أو بخمس عشرة سنة أو ست عشرة سنة، بل بثلاث وعشرين سنة، حسب بعض الأقوال النادرة، ثم قارنا بينها وبين الأقوال التي تقرر: أنه >صلى الله عليه وآله< قد تزوج خديجة وهو ابن ثلاثين سنة، أي قبل البعثة بعشر سنوات، سنة ولادة علي >عليه السلام<، أو وهو ابن سبع وثلاثين سنة، كما عن ابن جريج([353]) أي قبل البعثة بثلاث سنوات، وقيل: تزوجها قبل البعثة بخمس سنين([354]).
فلعله >عليه السلام< قد قال ذلك وهو طفل صغير فاستحسن ذلك منه أبوه أبو طالب.
وعن مقدار المهر، قيل: إنه عشرون بكرة، وقيل: إثنا عشر أوقية ونش، أي ما يعادل خمس مئة درهم، وقيل غير ذلك([355]).
عمر خديجة حين الزواج:
ويلاحظ هنا: مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<.
وهو يتراوح ما بين ال 25 سنة إلى ال 46 سنة وهو على النحو الآتي:
ألف ـ 25 سنة وصححه البيهقي([356]).
ب ـ 28 سنة هو ما رجحه كثيرون([357]).
ج ـ 30 سنة([358]).
د ـ 35 سنة([359]).
ه ـ 40 سنة([360]).
و ـ 44 سنة([361]).
ز ـ 45 سنة([362]).
ح ـ 46 سنة([363]).
وقد تقدم: أن الكثيرين قد رجحوا القول الثاني، كما ذكره ابن العماد، أما البيهقي فقد صحح القول الأول، حيث قال: >بلغت خديجة خمساً وستين سنة، ويقال: خمسين سنة، وهو أصح<([364]).
فإذا كانت >رحمها الله< قد تزوجت برسول الله قبل البعثة بخمس عشرة سنة كما جزم به البيهقي نفسه([365]).
فإن ذلك معناه: أن عمرها حين زواجها كان خمساً وعشرين سنة، ورجح هذا القول غير البيهقي أيضاً([366]).
أما الحاكم، الذي روى لنا القول الثاني المتقدم عن ابن إسحاق، فإنه لم يوضح لنا حقيقة ما يذهب إليه، غير أنه حين روى عن هشام بن عروة قوله: إن خديجة قد توفيت وعمرها خمس وستون سنة، قال: >هذا قول شاذ، فإن الذي عندي: أنها لم تبلغ ستين سنة<([367]).
فكلامه هذا يدل على أنه يعتبر القول بأنها قد تزوجت بالنبي وعمرها أربعون سنة، شاذ.
ويرى: أن عمرها كان أقل من خمس وثلاثين حينئذٍ، ولكنه لم يبين القول الذي يذهب إليه، هل هو ثلاثون؟.
أو ثمان وعشرون؟.
أو خمس وعشرون؟.
يتيم قريش، أكذوبة مفضوحة:
وعن ابن إسحاق: أن خديجة قالت له >صلى الله عليه وآله<: يا محمد، ألا تتزوج؟
قال: ومن؟
قالت: أنا.
قال: ومن لي بك؟ أنت أيّم قريش، وأنا يتيم قريش؟.
قالت: إخطب إلخ..([368]).
بل يذكر البعض: أن أبا طالب قال للنبي >صلى الله عليه وآله<: أخاف ألا يفعلوا، أيّم قريش، وأنت يتيم قريش، ثم إن أبا طالب أرسل بدلاً عنه حمزة؛ لأنه خاف إن ذهب بنفسه أن يردوه فتكون الفضيحة([369]).
وفي نص آخر: أن خديجة حين طلبت من أبي طالب أن يخطبها لمحمد من عمها، قال أبو طالب لها: >يا خديجة، لا تستهزئي<([370]).
ونحن لا نشك في كذب كل ذلك؛ إذ كيف يمكن أن يصدر ذلك من رجل يزيد عمره على الخمس وعشرين عاماً: أن يصف نفسه بأنه: يتيم، هذا مع العلم بأنه قد نشأ وتربى في أعرق بيت في العرب؛ فكيف لم يكن يعرف أن اليتيم لا يطلق في لغة العرب إلا على غير البالغ؟!.
وأيضاً؛ فإن صدور ذلك من رجل هو في عقل وإدراك، وشخصية النبي >صلى الله عليه وآله<، والذي هو من أعرق عائلة عربية، وأشرفها، والذي كان في إبائه وسمو نفسه يفوق كـل وصف، ويتجاوز كل حد ـ إن صدور ذلك منه ـ يكاد يلحق بالمستحيلات والممتنعات.
ثم إنه لماذا اتصف محمد >صلى الله عليه وآله< فقط باليتم؟ مع أن عبد المطلب قد مات وابناه العباس وحمزة صغيران لم يبلغا الحلم؟! ([371]).
والظاهر هو: أن هذا من مجعولات أعداء الدين، أو من أهل الكتاب، أو من أذناب بني أمية، الذين كانوا يحاولون الحط من شأن رسول الله >صلى الله عليه وآله< كما قدمناه في الجزء الأول من هذا الكتاب.
وهكذا يقال تماماً بالنسبة لما ينسب لأبي طالب >عليه السلام<، لا سيما وأنه هو نفسه يُقرِّض النبي بذلك التقريض العظيم المتقدم.
ولعل الأصح هو: أن القائل لذلك هو نساء قريش، كما سيأتي حين الحديث عن عدم صحة ما يقال من زواجها من رجلين قبله >صلى الله عليه وآله<.
وهكذا يقال تماماً بالنسبة لما يقال: من أن عمها كان يأنف من أن يزوجها من محمد، يتيم أبي طالب([372])؛ فاحتالت هي عليه حتى سقته الخمر، فزوجها في حال سكره؛ فلما أفاق، ووجد نفسه أمام الأمر الواقع لم يجد بداً من القبول.
وكذا قولهم: إنه >صلى الله عليه وآله< قد دخل على خديجة قبل التزويج، فأخذت بيده فضمتها إلى صدرها([373])، إلى غير ذلك من كلام عجيب وغريب، يتناقض تماماً مع كل أخلاق وسجايا النبي >صلى الله عليه وآله< وسيرته، فإن كل ذلك كذب، ليس الهدف منه إلا الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله< وتنقصه من قبل أعداء الإسلام، ومصائد الشيطان، نعوذ بالله من الخذلان.
هل تزوج ' خديجة طمعاً في مالها؟!
هذا، وقد جاء في كلمات بعض المتهمين على الإسـلام كـلام باطـل، تكذبه كل الشواهد التاريخية، وهو أنه >صلى الله عليه وآله< إنما تزوج خديجة طمعاً في مالها([374]).
ولسنا نريد الإسهاب في الإجابة على هذا الهذيان، فإن حياة النبي >صلى الله عليه وآله< من بدايتها إلى نهايتها لخير شاهدٍ على أنه >صلى الله عليه وآله< ما كان يقيم للمال وزناً.
وقد أنفقت خديجة سلام الله عليها كل أموالها طائعة راغبة، ليس على النبي >صلى الله عليه وآله< وملذاته، وإنما على الدعوة إلى الإسلام، وفي سبيل هذا الدين.
وأيضاً، فإن خديجة هي التي عرضت نفسها على النبي >صلى الله عليه وآله<([375]) ولم يتقدم هو >صلى الله عليه وآله< بطلب يدها، ليقال: إنه إنما فعل ذلك طمعاً في مالها.
ويرى الشيخ محمد حسن آل ياسين أن حبه >صلى الله عليه وآله< وتقديره لها في أيام حياتها بل وبعد مماتها، حتى لقد كان ذلك منه يثير بعض زوجاته اللواتي ما رأين ولا عشن مع خديجة، دليل واضح على بطلان هذا الزعم([376]).
خديجة مثل أعلى:
وبالنسبة لعرض خديجة نفسها عليه >صلى الله عليه وآله< نقول: هكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة، فلا تغرها زبارج الدنيا وبهارجها، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة، ولا عن المال والشهرة، وإنما تبحث عما يخدم هدفها الأسمى في الحياة، فتفعل كما فعلت خديجة: ترد زعماء قريش، أصحاب المال والجاه، والقدرة، والسلطان، وتبحث عن رجل فقير لا مال له، تبادر هي لعرض نفسها عليه؛ لأن كل ذلك لا يملأ عينها، لأنه كله ربما يكون سبباً في تدمير الحياة والإنسان، وحتى الإنسانية جمعاء، وإنما هي تنظر فقط إلى الأخلاق الفاضلة، والسجـايا الكريمة، وإلى الواقعية في التعامـل، والسمو في الهدف.
لأن كل ذلك هو الذي يسخر المال، والجاه، والقوة، وكل شيء لخدمة الإنسان والإنسانية، وتكاملها في الدرجات العلى.
خديجة بين نساء قريش:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن عامة المؤرخين على اختلاف أذواقهم، ومشاربهم، ونحلهم، يقولون: إن خديجة كانت أجمل نساء قريش، كما أنه لا ريب في أنها أفضل نسائه صلوات الله وسلامه عليها.
ولعل ذلك يفسر لنا السبب في غيرة بعض نساء النبي >صلى الله عليه وآله< منها، حتى بعد وفاتها؛ بحيث كن يحاولن تنقصها، والإزراء عليها باستمرار، مع أنهن لم يدركنها في بيت الزوجية أصلاً.
هذا، ولعل أم سلمة تأتي في المرتبة الثانية بين أزواجه >صلى الله عليه وآله< بعد خديجة، فضلاً واخلاصاً، وولاء، وحتى جمالاً، كما يظهر من كلام للإمام الباقر >عليه السلام<.
وعلى كل حال: فقد كانت ذوات الجمال والإخلاص من أزواجه >صلى الله عليه وآله< يواجهن الغيرة القاتلة، والتآمر المستمر من قبل البعض الآخر من نسائه >صلى الله عليه وآله<، ممن لم يكن لهن نصيب من جمال، ولا من التزام تام بالأدب النبوي الكريم، بل كن يؤذينه >صلى الله عليه وآله< بمواقفهن وتصرفاتهن([377]).
هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي '؟!
ثم إنه قد قيل: أنه >صلى الله عليه وآله< لم يتزوج بكراً غير عائشة، وأما خديجة، فيقولون: إنها قد تزوجت قبله >صلى الله عليه وآله< برجلين، ولها منهما بعض الأولاد، وهما: عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي، وأبو هالة التميمي.
أما نحن فنقول: إننا نشك في دعواهم تلك، ونحتمل جداً أن يكون كثير مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة، ولا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلافهم في اسم أبي هالة، هل هو النباش بن زرارة أو عكسه، أو هند، أو مالك، وهل هو صحابي أو لا، وهل تزوجته قبل عتيق، أو تزوجت عتيقاً قبله([378])؟
ولا في كون هند الذي ولدته خديجة هو ابن هذا الزوج أو ذاك، فإن كان ابن عتيق، فهو أنثى([379]) وإلا فهو ذكر، وأنه هل قتل مع علي في حرب الجمل، أو مات بالطاعون بالبصرة([380]).
لا، لا نريد أن نطيل بذلك، وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: قال ابن شهر آشوب: >وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي >صلى الله عليه وآله< تزوج بها، وكانت عذراء.
يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: >أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة<([381]).
ثانياً: قال أبو القاسم الكوفي: >إن الإجماع من الخاص والعام، من أهل الأنال [الآثار ظ] ونقلة الأخبار، على أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم، إلا من خطب خديجة، ورام تزويجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك؛ فلما تزوجها رسول الله >صلى الله عليه وآله< غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها:
خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً، لا مال له؟!
فكيف يجوز في نظر أهل الفهم: أن تكون خديجة، يتزوجها أعرابي من تميم، وتمتنع من سادات قريش، وأشرافها على ما وصفناه؟!
ألا يعلم ذوو التمييز والنظر: أنه من أبين المحال، وأفظع المقال<؟! ([382]).
وأما الرد على ذلك بأنه لا يمكن أن تبقى امرأة شريفة وجميلة هذه المدة الطويلة بلا زواج.
فليس على ما يرام: لأن ذلـك لا يبرر رفضهـا لعظماء قريش وقبولهـا بأعرابي من بني تميم.
وأما كيف يتركها أبوها أو وليها بلا تزويج؟!
فقد قلنا: إن أباها قد قتل في حرب الفجار، وأما وليها، فلم يكن له سلطة الأب ليجبرها على الزواج ممن أراد.
وبقاء المرأة الشريفة والجميلة مدة بلا زواج ليس بعزيز، إذا كانت تصبر إلى أن تجد الرجل الفاضل الكامل، الذي كان يعز وجوده في تلك الفترة.
نعم، قد يكون من المستغرب أن لا يتقدم لخطبتها أحد، خصوصاً من هي مثل خديجة، في موقعها، وفي ميزاتها.. ولكن الأمر بالنسبة لخديجة ليس كذلك، فقد خطبها عظماء قريش كما هو معلوم.
ثالثاً: كيف لم يعيِّرها زعماء قريش الذين خطبوها فردتهم، بزواجها من أعرابي بوّال على عقبيه كعتيق أو غيره؟!
رابعاً: قد ذكروا: أن أول شهيد في الإسلام ابن لخديجة >رحمها الله<، اسمه الحارث بن أبي هالة، استشهد حينما جهر رسول الله >صلى الله عليه وآله< بالدعوة([383]).
ونقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، حيث قد روي بسند صحيح عندهم، عن قتادة: أن أول شهيد في الإسلام هو سمية والدة عمار([384])، وكذا روي عن مجاهد([385]).
وعن ابن عباس: >قتل أبو عمار وأم عمار، وهما أول قتيلين قتلا من المسلمين<([386]).
إلا أن يدَّعى: أن سمية كانت أول من استشهد من النساء، والحارث كان أول من استشهد من الرجال.
ولكنه احتمال بعيد، ومخالف لظاهر كلماتهم، لا سيما وأن كلمة شهيد تطلق على الذكر والأنثى بلفظ واحد، مثل قتيل وجريح.
فإن معنى كلمة >شهيد<: شخص، أو ذات ثبتت لها صفة الشهادة، لأن المشتقات تدل على ذات ثبت لها وصف ما؛ فكلمة تقي معناها: شخص له التقوى، وقائم أيضاً كذلك.
وكلمة شخص أو ذات أو نحوها تصدق على الرجل على حدة، وعلى المرأة كذلك، وعلى كليهما معاً.
وعلى هذا الأساس نفسر كلمة: >طلب العلم فريضة على كل مسلم<، بحيث يشمل الرجل والمرأة معاً.
أما إذا كان المشتق فيه >أل< الموصولية، مثل القائم والمتقي، فإن الأمر يصبح أوضح وأجلى، وذلك لأن >أل< بمنزلة >الذي< فالقائم معناه الشخص الذي له القيام، فيصح أن يراد بها الرجل، والمرأة، وهما معاً أيضاً.
وعلى هذا الأساس جرت التعابير القرآنية، مثل: المتقين، المؤمنين الشاكرين إلخ.. فإنها تشمل الرجل والمرأة على حد سواء.
ولكن قد يحتاج إلى التنصيص على كلا الجنسين، فيصرح بما يدل على مراده، فيقول:
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}([387]) و{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}([388]) ونحو ذلك، وذلك واضح لا يخفى.
فتلخص مما تقدم: أن هذا النص لا يدل على وجود ابن لخديجة، ما دام أنه قد ثبت حصول الكذب في جزء منه.
ولعل هذا الكذب قد جاء لأجل الإيحاء بطريق غير مباشر بأن لخديجة ولداً من النبي >صلى الله عليه وآله<، وأن ذلك غير قابل للنقاش، ولكن قد قيل: لا حافظة لكذوب.
خامساً: لقد روي أنه كانت لخديجة أخت اسمها هالة([389])، تزوجها رجل مخزومي، فولدت لـه بنتاً اسمها هـالـة، ثم خلف عليها ـ أي على هالة الأولى ـ رجل تميمي يقال له: أبو هند؛ فأولدها ولداً اسمه هند.
وكان لهذا التميمي امرأة أخرى قد ولدت له زينب ورقية، فماتت، ومات التميمي، فلحق ولده هند بقومه، وبقيت هالة أخت خديجة والطفلتان اللتان من التميمي وزوجته الأخرى؛ فضمتهم خديجة إليها، وبعد أن تزوجت بالرسول >صلى الله عليه وآله< ماتت هالة، فبقيت الطفلتان في حجر خديجة والرسول >صلى الله عليه وآله<.
وكان العرب يزعمون: أن الربيبة بنت، ولأجل ذلك نسبتا إليه >صلى الله عليه وآله<، مع أنهما ابنتا أبي هند زوج أختها وكذلك كان الحال بالنسبة لهند نفسه([390]).
ولربما يمكن تأييد هذه الروايات بما ورد من الاختلاف في اسم والد هند، فلتراجع المصادر التي ذكرناها ثمة.
زوجتا عثمان، هل هما ابنتا النبي '؟!
إننا بالإضافة إلى ما قدمناه آنفاً عن الاستغاثة نذكر:
أولاً: أن مما يدل على عدم كون زوجتي عثمان ابنتين له >صلى الله عليه وآله< ـ عدا عن كون بعض الأقوال تنافي ذلك ـ ما ذكره المقدسي، عن سعيد بن أبي عروة، عن قتادة، قال:
ولدت خديجة لرسول الله >صلى الله عليه وآله<: عبد مناف في الجاهلية، وولدت له في الإسلام غلامين، وأربع بنات: القاسم، وبه كان يكنى: أبا القاسم؛ فعاش حتى مشى، ثم مات، و عبد الله، مات صغيراً، وأم كلثوم، وزينب، ورقية، وفاطمة([391]).
وقال القسطلاني بعد كلام له: >وقيل: ولد له ولد قبل المبعث، يقال له: عبد مناف، فيكونون على هذا اثني عشر، وكلهم سوى هذا ولد في الإسلام بعد المبعث<([392]).
كما أن بعضهم ينص على أنه قد صح عنده: أن رقية كانت أصغر من الكل حتى من فاطمة >عليها السلام<([393]).
وبعد هذا، فكيف نصدق قول من يقول: إنهما تزوجتا في الجاهلية من ابني أبي لهب، ثم جاء الإسلام ففارقاهما؟
يقول المقدسي: >فزوج رسول الله رقية عثمان بن عفان، وهاجرت معه في الهجرتين إلى الحبشة، وأسقطت في الهجرة الأولى علقة في السفينة<([394]).
نعم، كيف نصدق هذا، ونحن نعلم: أن الهجرة الأولى إلى الحبشة كانت بعد البعثة بخمس سنين، فكيف تكون رقية قد تزوجت قبل البعثة بابن أبي لهب، ثم فارقها ليتزوجها عثمان، ثم تحمل منه قبل الهجرة إلى الحبشة، وهي إنما ولدت بعد البعثة؟!
إن ذلك لعجيب!! وعجيب حقاً!!.
ثانياً: لقد ذكرت بعض الروايات: >أن أبا لهب قد أمر ولديه بطلاق رقية وأم كلثوم بعد نزول سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}([395])<([396]).
مع أنهم يقولون: إن هذه السورة قد نزلت حينما كان النبي والمسلمون محصورين في الشعب([397])، وقد كان ذلك بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة.
ثالثاً: لقد روي: >أن خديجة ولدت للنبي >صلى الله عليه وآله< عبد الله، ثم أبطأ عليها الولد، فبينما رسول الله >صلى الله عليه وآله< يكلم رجلاً، والعاص بن وائل ينظر إليه، إذ مر رجل فسأل العاص عن النبي >صلى الله عليه وآله< وقال: من هذا؟
قال: هذا الأبتر.
فأنزل الله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ}([398])<([399]).
فظاهر الرواية: أنها حين ولدت عبد الله لم تكن قد ولدت غيره، أو أن من ولدتهم ماتوا جميعاً حتى لم يعد للنبي >صلى الله عليه وآله< أولاد أصلاً، مع أن رقية كانت عند عثمان قبل ولادة فاطمة >عليها السلام <، فلا يصح وصف العاص للنبي >صلى الله عليه وآله< بالأبتر فتنزل الآية.
إلا أن يقال: إن العرب لم تكن تهتم بالبنات، بل الميزان عندهم هو خصوص الذكور، ولأجل ذلك وصفه العاص بالأبتر.
رابعاً: قد تقدم أن هناك من يقول: إن خديجة إنما تزوجت رسول الله >صلى الله عليه وآله< قبل البعثة بعشر أو بثلاث، أو بخمس سنوات، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة، وتزوجتا قبل البعثة؟!.
وخامساً: أن الدولابي يقول: إن عثمان كان قد تزوج رقية في الجاهلية([400]).
وذلك كله يؤكد ويؤيد: أن رقية التي تزوجها عثمان هي غير رقية التي يدعى أنها بنت الرسول >صلى الله عليه وآله<، والتي يقال: إنها ولدت بعد البعثة، وأن التي تزوجها عثمان هي ربيبة النبي >صلى الله عليه وآله<، لا ابنته.
وقد كانت العرب تطلق على ربيبة الرجل أنها ابنته كما قلنا.
وكذلك يقال بالنسبة لأم كلثوم، لأن الفرض أنها قد ولدت بعد البعثة أيضاً.
هل زينب بنت الرسول ' أم ربيبته؟:
وأما عن زينب فلا نستطيع أن نطمئن إلى أنها كانت بنت رسول الله >صلى الله عليه وآله< أيضاً، لأننـا بالإضافة إلى أن مـا قدمنـاه آنفـاً حـول زوجتي عثمان كله بعينه جارٍ هنا ـ إذا كان أبو العاص بن الربيع قد تزوجها قبل البعثة ـ نشير إلى ما يلي:
1 ـ قال مغلطاي عن خديجة: >ثم خلف عليها أبو هالة النباش بن زرارة فولدت له هنداً، والحرث، وزينب، وكانت تكنى أم هند، وتدعى الطاهرة<([401]).
2 ـ وعن عمرو بن دينار: أن حسن بن محمد بن علي أخبره: أن أبا العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وكان زوجاً لبنت خديجة فجيء به للنبي >صلى الله عليه وآله< في قدّ، فحلّته زينب بنت النبي >صلى الله عليه وآله< الخ..([402]).
فالتعبير أولاً ببنت خديجة يشير أنها لم تكن ابنته >صلى الله عليه وآله< وإن كان عاد فذكر أنها بنت النبي >صلى الله عليه وآله<؛ فلا يبعد أنه يريد بنوتها له بالتربية، وإلا فلماذا خصها أولاً بأنها بنت خديجة؟!
فنسبتها إلى خديجة أولاً تكون قرينة على إرادة بنوتها للنبي >صلى الله عليه وآله< بالتربية.
3 ـ ويذكر الشيخ محمد حسن آل ياسين عن زينب: أن بعض المصادر تقول: إنها ولدت وعمره >صلى الله عليه وآله< ثلاثون سنة([403])، وتزوجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة، وولدت له علياً مات صغيراً، وأمامة، أسلمت حين أسلمت أمها أول البعثة النبوية([404]).
وذلك غير معقول، فإنه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوج، ويولد لها بنت، وتكبر تلك البنت حتى تسلم مع أمها في أول البعثة؛ وهذا حيث لا تزال أمها في العاشرة من عمرها([405]).
ولكن كلام هذا الباحث غير متين، لأن المقصود بالتي أسلمت هي وأمها هو: زينب وخديجة، وليس المقصود هو أمامة وزينب وذلك ظاهر لا يخفى.
وبالنسبة لأم كلثوم فإن الروايات تذكر: أن علياً حين هاجر اصطحب معه خصوص الفواطم، وأم أيمن، وجماعة من ضعفاء المؤمنين([406])، وليست أم كلثوم بينهم؛ فهل هاجرت قبل ذلك، أو بعده وحدها؟ وكيف لم يصطحبها علي >عليه السلام< معه ليحميها من كيد قريش؟ ولماذا؟ ولماذا؟!.
وبعدما تقدم نستطيع أن نقول: إننا لا يمكن أن نطمئن بشكل نهائي إلى ما يقال: من أن عثمان قد تزوج ابنتي رسول الله >صلى الله عليه وآله< للاحتمال القوي بأن تكونا ربيبتيه، وكذا بالنسبة لزينب زوجة أبي العاص.
وعلى هذا فيصح أن يقال لمن تزوج ربيبة لشخصٍ: أن ذلك الشخص قد صاهره، ونال درجة من القرب منه، وعلى هذا فلا منافاة بين ما ذكرنا، وبين قول أمير المؤمنين >عليه السلام< لعثمان: >وقد نلت من صهره ما لم ينالا<([407]).
لكن يبقى: أن ذلك الصهر هل قام بواجباته تجاه ذلك الذي أكرمه بتزويج ربيبتيه له؟! فهذا بحث آخر، وله مجال آخر، وستأتي بعض الإشارات لما كان من عثمان في حق زوجتيه ربيبتي النبي الأكرم >صلى الله عليه وآله<.
ومهما يكن من أمر: فقد صدر لنا كتاب باسم >بنات النبي أم ربائبه<، وكتاب >القول الصائب في إثبات الربائب< فليرجع إليهما من أراد التفصيل.
منافسون لعلي ×:
ولعل إصرار الآخرين على بنوتهن له >صلى الله عليه وآله<، وإرسالهم له إرسال المسلمات، يهدف إلى إيجاد منافسين لعلي في فضائله الخارجية، ولذلك أطلقوا على عثمان لقب >ذي النورين
ويلاحظ أيضاً: روايتهم الموضوعة حول زواج علي ببنت أبي جهل، والتي مدح فيها رسول الله >صلى الله عليه وآله< مصاهرة أبي العاص له >صلى الله عليه وآله<؛ تعريضاً بعلي >عليه السلام< حيث كان في مقام تحذيره، والإزراء عليه.
وسيأتي أيضاً في الجزء السادس، صفحة 269 من هذا الكتاب بعض الكلام عن هذا الموضوع إن شاء الله تعالى.
خؤولة هند بن أبي هالة للإمام الحسن ×:
وقبل أن نترك الحديث حول هذا الموضوع إلى غيره، نسجل هنا تحفظاً على ما يقال من أن الإمام الحسن >عليه السلام< قال:
>سألت خالي هنداً بن أبي هالة عن حلية رسول الله >صلى الله عليه وآله<، وكان وصافاً، وأنا أرجو أن يصف لي منها شيئاً أتعلق به، قال:
كان رسول الله >صلى الله عليه وآله< فخماً مفخماً إلخ..<.
قال الحسن فكتمها [فكتمتها. صح] الحسين بن علي زماناً، ثم حدثته، فوجدته قد سبقني إليه، فسأل أباه عن مدخل رسول الله >صلى الله عليه وآله< ومخرجه، ومجلسه، وشكله، فلم يدع منه شيئاً، قال الحسين سألت أبي إلخ..([408]).
أقـول:
أولاً: سند هذا الحديث هو جميع العجلي، عن رجل من بني تميم، من ولد أبي هالة، زوج خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، يكنى أبا عبد الله، عن ابن لأبي هالة، عن الحسن بن علي الخ([409]).
ونحن في غنى عن التكلم حول هذا السند، فإن الأمر فيه بيّن.
ثانياً: قد تقدم الاختلاف في كون هند المتولد من خديجة، هل هو ذكر أم أنثى، وأشرنا إلى اختلافهم في أبيه من هو فيما تقدم!.
ثالثاً: إن الإمام الحسن >عليه السلام< نفسه قد رأى النبي >صلى الله عليه وآله< بنفسه، وعاش معه عدة سنوات، وقد بايعه وشهد له على بعض عهوده، وخرج معه إلى مباهلة النجرانيين و..و.. إلخ..
فلماذا يشتهي أن يصف هند من رسول الله شيئاً يتعلق به، فهل هو قد نسي جده يا ترى؟. وإذا كان قد نسي حقاً، فلماذا لا يسأل أباه وهو أفصح العرب، وأعلم الأمة، الذي رباه النبي >صلى الله عليه وآله< في حجره، وكان يعرف عنه كل شيء مما دق وجلّ؟
أم يعقل أن يكون هند مطلعاً على أحوال النبي >صلى الله عليه وآله< أكثر من علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام؟!.
على أننا لم نجـد فيما بين أيـدينـا من نصوص ـ حتى المكذوب منها ـ ما يشير إلى أن هنداً كان يعيش مع رسول الله >صلى الله عليه وآله<، أو بالقرب منه، أو أنه كان يحضر مجالسه، أو نحو ذلك، رغم أننا نسمع الكثير عن غيره ممن كانوا يأتون إلى مجلس النبي >صلى الله عليه وآله< بين حين وآخر.
رابعاً: لا ندري لماذا كتم الحسن >عليه السلام< أخاه هذا الأمر، مع أننا لا نعرف عنه أنه كان يستأثر لنفسه على أخيه في أمور كهذه.
خامساً: إن ما تقدم كله يدفع هذا الحديث ويلقي عليه ظلالاً من الريبة والشك.
وسادساً: لا ندري من هو ابن أبي هالة الراوي عن الإمام الحسن >عليه السلام<؛ فهل هو من أبناء خديجة أيضاً؟! فإن كان الجواب بالإيجاب، فلماذا لم يحدثنا عنه التاريخ؟
وإن كان هو ابن لأبي هالة من امرأة أخرى غير خديجة، فهذا ما لم يذكره التاريخ لنا أيضاً، ولا أشارت إليه كتب الأنساب، ولا ذكر في عداد الرواة، ولا في كتب الرجال!!
الفصل الثالث:
حتى البعثة
حضور النبي ' حرب الفجار:
ويذكر المؤرخون: أن حرباً قد هاجت بين قيس من جهة، وقريش وكنانة من جهة أخرى، في الأشهر الحرم ـ وهي أشهر الحج، ورجب معها ـ ولذلك سُميت حرب الفجار.
ويقال: إنه >صلى الله عليه وآله< قد حضر بعض أيامها، وشارك فيها فعلاً، بنحو من المشاركة.
ولكننا بدورنا لا نستطيع أن نؤكد صحة ذلك، بل ونشك كثيراً فيه وذلك لأمور:
الأول: لقد وقعت حرب الفجار في الأشهر الحرم، في رجب، ولا نرى مبرراً لأن ينتهك أبو طالب ومعه الرسول >صلى الله عليه وآله< حرمة الأشهر الحرم، كما يظهر لمن راجع سيرتهما وحياتهما، ومدى تقيدهما بمثل هذه الأمور؛ فإنهما كانا مسلمين([410])، بل لقد كان أبو طالب مستودعاً للوصايا([411])، كما ورد في بعض الأخبار في الكافي، بالإضافة إلى نصوص أخرى تدل على عظمته وثبات قدمه في الدين، فراجع ما ذكر في الغدير، وغيره من الكتب المعدة للحديث عن أبي طالب >عليه السلام<.
إلا إذا وُجّهت المشاركة: بأن حرب الفجار قد وقعت في أشهر النسيء، أو في شعبان أو شوال، وكان سببها في الأشهر الحرم([412]).
ولكنه توجيه لا يعتمد على أي سند تاريخي؛ فلا مجال للتعويل عليه. بالإضافة إلى ما سيأتي..
الثاني: قال ابن واضح المعروف باليعقوبي:
>وقد روي أن أبا طالب منع أن يكون فيها (أي في حرب الفجار) أحد من بني هاشم، وقال: هذا ظلم، وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، ولا أحضره، ولا أحد من أهلي؛ فأخرج الزبير بن عبد المطلب مستكرهاً، وقال عبد الله بن جدعان التيمي، وحرب بن أمية:
لا نحضر أمراً تغيب عنه بنو هاشم<([413]).
الثالث: إختلاف الروايات حول الدور الذي أداه النبي >صلى الله عليه وآله< في هذه الحرب؛ فبعضهم يروي:
أن عمله >صلى الله عليه وآله< قد اقتصر على مناولة أعمامه النبل، وردّ نبل عدوهم عليهم، وحفظ متاعهم([414]).
وآخر يروي: أنه قد رمى فيها برميات، ما يحب أنه لم يكن قد رماها([415]).
وثالث يروي: أنه طعن أبا براء ملاعب الأسنة فصرعه([416]) مع أنهم يقولون: إن عمره حينئذٍ كان أربع عشرة سنة!([417])، أو أنه كان حينئذٍ غلاماً([418]).
ولا ندري إن كانت العرب تسمح للغلام بخوض المعارك والحروب، أو لا، ولا سيما بالنسبة إلى محمد >صلى الله عليه وآله<، الولد المتميز والعزيز جداً على عمه أبي طالب.
بل نجد البعض يناقض نفسه، فيقول: إن النبي >صلى الله عليه وآله< قد ولد عام الفيل، وأنه حضر الفجار وعمره أربع عشرة سنة، ثم يقول في آخر كلامه: إن حرب الفجار كانت بعد عام الفيل بعشرين سنة([419]).
ونشير إلى تناقض آخر هنا، وهو: أن الكلام الذي نقلناه في الأمر الثاني، عن اليعقوبي ينص على أن حرب بن أمية قد تغيب عن هذه الحرب، بينما نجد الروايات الأخرى تنص على أنه كان قد حضرها، وكان هو قائد قريش وكنانة.
سر التلاعب في الروايات هنا:
وقد لفت نظرنا: هذا التناقض الأخير، إذ لو كان الاختلاف في رجل عادي من سائر أفراد الجيش.
هذا يقول: حضر، وذاك يقول: لم يحضر؛ لكان يمكن أن تُلتمس بعض المبررات لاختلاف كهذا!! وأنه ربما يقال لا تعمد في المقام!!.
ولكن إذا كان هذا يقول: كان فلان على رأس الجيش، وذاك يقول: لم يحضر أصلاً؛ فلا يمكن إلا أن يكون ثمة تعمد للكذب في قضية كهذه.
ولعل الهدف هو إبعاد حرب بني أمية عن حرب فيها ظلم، وعدوان، وقطيعة رحم، وفي الأشهر الحرم، ولو بالمخالفة لكل المؤرخين، لأن حرب بن أمية هو من تهتم الدولة برفعة شأنه، وتنزيه مقامه، ولو عن طريق الدجل والتزوير!!.
أما النبي >صلى الله عليه وآله<؛ فقد تقدم أن الخطة الملعونة كانت تهدف إلى عكس ذلك؛ ولذلك يلاحظ هنا: تعمد جعل النبي >صلى الله عليه وآله< حتى بعد نبوته يظهر على أنه منسجم مع مشاركته في حرب الفجار في الأشهر الحرم، والتي فيهـا ظلم وعدوان، وقطيعة رحم، واستحلال للشهر الحرام، حتى ليقول: إنه رمى فيها برميات، ما يحب أنه لم يكن قد رماها!!.
حلف الفضول:
وبعد منصرف قريش من حرب الفجار دعا الزبير بن عبد المطلب([420]) إلى حلف الفضول، وعقد الاجتماع في دار عبد الله بن جدعان، وغمسوا أيديهم في ماء زمزم، وتحالفوا وتعاقدوا على نصرة المظلوم، والتأسي بالمعاش، والنهي عن المنكر، وكان أشرف حلف.
والمتحالفون على ذلك هم: بنو هاشم، وبنو المطلب، وبنو أسد بن عبد العزى، وزهرة، وتيم([421]).
وأنكر البعض أن يكون بنو أسد بن عبد العزى في حلف الفضول([422])، وقالوا: إن عبد الله بن الزبير قد ادعى ذلك لهم في الإسلام([423]).
وقد حضر هذا الحلف نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله<، وأثنى عليه بعد نبوته، وأمضاه؛ فقد روي أنه >صلى الله عليه وآله< قال: ما أحبّ أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم، ولو دعيت به لأجبت([424])، أو ما هو قريب من هذا.
سبب هذا الحلف:
وسبب هذا الحلف: أن رجلاً من زبيد قدم مكة ببضاعة، فاشتراها منه العاص بن وائل؛ فحبس عنه حقه؛ فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، الذين كانوا يسمون: لعقة الدم، لأنهم حين تحالفوا غمسوا أيديهم بالدم على خلاف المطيبين المشار إليهم آنفاً، الذين هم أصحاب حلف الفضول أيضاً.
والأحلاف هم: عبد الدار، ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدي بن كعب.
فأبى الأحلاف معونة الزبيدي على العاص بن وائل، وانتهروه، وذلك لما كان يتمتع به العاص هذا من نفوذ، وسيأتي أنه قد أنقذ عمر من براثن أهل مكة.
فلما رأى الزبيدي الشر، صعد على أبي قبيس، واستغاث، فقام الزبير بن عبد المطلب، ودعا إلى الحلف المذكور؛ فعقد؛ ثم مشوا إلى العاص، وانتزعوا منه سلعة الزبيدي؛ فدفعوها إليه([425]).
بنو أمية وحلف الفضول:
وأما ما ذكره أبو هريرة من أن بني أمية قد كانوا في حلف الفضول؛ فهو ما لم يتابعه عليه أحد، وأنكره غير واحد من المؤرخين([426]).
وكذا قول البعض: إن أبا سفيان، والعباس بن عبد المطلب، هما اللذان دعيا إلى هذا الحلف([427]).
لكن رواية الأغاني ليست صريحة في العباس بن عبد المطلب، فلعل المراد: العباس بن مرداس السلمي، حيث إنه كان يتحدث عنه أولاً، ثم جاء بهذه الرواية بعده..
ولكن يرد عليه: أن العباس بن مرداس لا شأن له في هذا الأمر، وأما إرادة العباس بن عبد المطلب وأبي سفيان فلا يمكن قبولها، وذلك لأمور:
أولاً: إن هذا الحلف إنما كان ضد الأمويين، وكان سببه العاص بن وائل السهمي، حليف الأمويين، ووالد عمرو بن العاص، فكيف يشارك أبو سفيان فيه، فضلاً عن أن يكون هو الداعي له؟!.
لا سيما وأنه قد تقدم: أن الأحلاف ومنهم بنو أمية قد طردوا الزبيدي حينما استجار بهم، وتاريخ أبي سفيان وأخلاقياته لا تساعد على موقف كهذا منه.
أضف إلى ذلك: أن أبا سفيان والعباس لم يكونا مؤهلين من حيث السن والنفوذ والاعتبار للقيام بأمر كهذا، كما أشير إليه في الهامش.
ثانياً: ورد أن محمد بن جبير بن مطعم، قدم على عبد الملك، حين قتل ابن الزبير، فقال لـه عبد الملك:
يـا أبا سعيد، ألم نكن نحن وأنتم ـ يعني عبد شمس بن عبد مناف وبني نوفل بن عبد مناف ـ في حلف الفضول؟!
قال: أنت أعلم.
قال: لتخبرنّي يا أبا سعيد بالحق من ذلك.
فقال: لا والله، لقد خرجنا نحن وأنتم منه، قال: صدقت، وزاد البعض >وهو المعتزلي في جواب ابن جبير: وما كانت يدنا ويدكم إلا جميعاً في الجاهلية والإسلام<([428]).
ثالثاً: كان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس يقول: لو أن رجلاً وحده خرج من قومه لخرجت من عبد شمس حتى أدخل في حلف الفضول، وليس عبد شمس في حلف الفضول([429]).
ورابعاً: مجموعة قضايا تدل على أن الأمويين ما كانوا في حلف الفضول، وعلى أن الإسلام قد اعترف بهذا الحلف وأمضاه، ونذكر منها:
ألف: إنه كان بين الحسين >عليه السلام<، والوليد بن عتبة الأموي أمير المدينة من قبل عمه معاوية منازعة في مال متعلق بالحسين، فكأن الوليد تحامل على الحسين في حقه لسلطانه، فقال الحسين: أحلف بالله، لتنصفني من حقي، أو لآخذن سيفي، ثم لأقومن في مسجد رسول الله >صلى الله عليه وآله<، ثم لأدعون بحلف الفضول.
فاستجاب للحسين جماعة، منهم: عبد الله بن الزبير، وهو من أسد بن عبد العزى، والمسور بن مخرمة الزهري، و عبد الرحمن بن عثمان التيمي؛ فلما بلغ الوليد ذلك أنصف الحسين من حقه حتى رضي([430]).
ب: وحسب نص أبي هلال العسكري: >كان بين الحسين >عليه السلام< وبين معاوية كلام في أرض للحسين، فقال الحسين لابن الزبير: خيّره في ثلاثة، والرابعة الصيلم([431]): أن يجعلك أو ابن عمر بيني وبينه، أو يقر بحقي، ثـم يسألني أن أهبه له، أو يشتريه مني؛ فـإن أبى ـ فـوالـذي نفسي بيده ـ لأهتفن بحلف الفضول إلخ<([432]).
ج: وعند أبي الفرج رواية جاء في آخرها: أنه حينما أظهر معاوية انزعاجه من عدم زيارة الإمام الحسن المجتبى >عليه السلام< له، وهو في المدينة، أغراه به ابن الزبير، فلم يستجب له معاوية.
فقال له ابن الزبير: >أما والله إني وإياه ليد عليك بحلف الفضول، فقال معاوية: من أنت؟! لا أعرض لك، وحلف الفضول والله إما.. إلخ<([433]).
فهذه النصوص تدل على قبول الأئمة >عليهم السلام< بحلف الفضول وإمضائهم له، تبعاً لرسول الله في إمضائه له حسبما تقدم.
كما وتدل، ولا سيما النص الأخير منها، على أن معاوية وقومه ما كانوا في حلف الفضول، الذي يعرّض له به ابن الزبير، كما أن مناداة الحسين >عليه السلام< بهذا الحلف، واستجابة الزبيريين وغيرهم له ضد الأمويين، يشير إلى ذلك أيضاً.
وبعد كل ما تقدم: فإن ما يريد أبو هريرة، ومن هم على شاكلته، إثباته، تزلفاً، وتقرباً لأسيادهم من الحكام الظالمين، مما يكذبه كل أقوال المؤرخين، وكل الوقائع التاريخية.
ولكن حرص أبي هريرة على أن لا تفوت بني أمية فضيلة كهذه، هو الذي دفعه إلى إدخال الأمويين في أشرف حلف في العرب، والذي يوافق مبادئ الإسلام وشرائعه، وينسجم مع الفطرة السليمة والعقل القويم.
ملاحظة:
ويلاحظ أخيراً: أننا نجدهم يروون عن النبي >صلى الله عليه وآله< ما يدل على لزوم التمسك بأحلاف الجاهلية([434]).
وهي دعوة مغرضة وخبيثة، إلا إذا أريد منها خصوص حلف الفضول، الذي أمضاه الإسلام، أو أي حلف آخر تنسجم أهدافه مع الإسلام، كالحلف الذي عقده عبد المطلب مع جماعة خزاعة، فلما قتلت قريش جماعة من خزاعة، استنصروا النبي >صلى الله عليه وآله< استناداً إلى ذلك الحلف، وكان فتح مكة لذلك([435]).
ملاحظات هامة على حلف الفضول:
1 ـ إن دعوة الحسين >عليه السلام< بحلف الفضول، إنما كانت منه >عليه السلام< لأنه لم يكن لينقض الهدنة التي عقدها الإمام الحسن >عليه السلام<.. كما أنه كان يعلم من خلال دراسته للأوضاع وللنفسيات أن هذه الدعوة سوف لن تنتهي إلى حد الخطر الأقصى، وقد كان يهدف منها إلى تعريف الناس على واقع وحقيقة بني أمية، وأنهم ظالمون عتاة، لا يهمهم إلا الدنيا وحطامها وأن الهاشميين، وأهل البيت هم الذين يهتمون بالحفاظ على العهود والمواثيق التي تهدف إلى نصرة المظلوم، والدفاع عن الحق.
وقد خاف معاوية من هذا الأمر بالذات، فاستسلم للحسين >عليه السلام<، وأرجع الحق إلى أصحابه.
كما أن هذه الدعوة قد كانت في ظرف حرج، لا يمكن اللجوء فيه إلى أية وسيلة أخرى غيرها، حتى ولا وسيلة الثورة العامة ضد تلك الطغمة الفاسدة.
إذ إن إعلانه >عليه السلام< للثورة العامة حينئذٍ، وفي مناسبة كهذه، لسوف يفسر على أنه لدوافع شخصية، ولا علاقة له بالدفاع عن الدين والأمة، لا من قريب ولا من بعيد.
وعليه فلو استشهد الإمام الحسين >عليه السلام< والحالة هذه، فسوف لا يكون لقتله أية فائدة تعود على الدين والأمة، بل ربما يكون ضرر ذلك أكثر من نفعه؛ وذلك عندما يلاحق ذلك معاوية الداهية بحملة دعائية مغرضة، يقضي فيها على الأمل الوحيد للأمة، ويفصل المجتمع المسلم نفسياً وفكرياً عن أهل البيت >عليهم السلام< بشكل عام، وعن أئمتهم بصورة خاصة.
وذلك لأن الظروف التي أوصلت معاوية إلى الحكم، وإن كانت واضحة لدى كثيرين من أهل العراق والحجاز، إلا أن أهل الشام، الذين لم يعرفوا إلا الإسلام السفياني، إسلام المصالح والأهواء، الإسلام الذي يستحل كل شيء في سبيل الوصول إلى الأهداف الشخصية، واللذات الفردية.
نعم، إن أهل الشام الذين لم يتربوا تربية إسلامية صحيحة، ولا عرفوا علياً وأهل البيت على حقيقتهم، ولا عرفوا إسلام علي، ولا مبادئ علي، ولا أهداف علي >عليه السلام<، بل كان الأمويون يظهرون لهم: أنهم هم قرابة النبي >صلى الله عليه وآله< وهم أهل بيته، حتى ليدعي عشرة من أمرائهم وقوادهم: أنهم ما كانوا يعرفون للنبي >صلى الله عليه وآله< أهل بيت غير بني أمية([436]).
بل إن معاوية ليتجرأ ويقول لأهل الشام: إن علياً >عليه السلام< لا يصلي!!([437]).
إن أهل الشام والحالة هذه لا يمكنهم أن يدركوا واقع ما يجري وما يحدث، بل إن باستطاعة معاوية أن يموّه ويشبه الأمر على غير أهل الشام أيضاً؛ لمكره وشيطنته؛ فإنه قد تأمَّر على الشام من قبل عمر بن الخطاب، الذي أحبه العرب، وأخلصوا له، لأنه أرضى غرورهم، ورفع معنوياتهم، بتفضيلهم على غيرهم من أهل الأمم الأخرى في العطاء، وفي مختلف الشؤون، مع أنهم الذين كانوا إلى الأمس القريب لا قيمة لهم، يتيهون في صحرائهم القاحلة، يأكلون الجشب، ويشربون الكدر، إلى آخر ما تقدم في أوائل الفصل الأول؛ ثم جاء الإسلام، فساواهم بغيرهم، ورفع من شأنهم، وقرر: أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى.
ولكن سياسة عمر بن الخطاب قد اقتضت إعطاء كل الامتيازات، وفي مختلف الشؤون لخصوص العرب، وحرمان غيرهم من كل الامتيازات، ومن كل شيء([438]).
فأحب العرب عمر بن الخطاب أعظم الحب، وقدروه أجل تقدير، وصارت أفعاله وأقواله عندهم قانوناً متبعاً، لا يمكن مخالفته، ولا الخروج عليه، ويكفي أن نذكر:
أن مجرد توليته لأحدهم قد أوجبت لذلك الرجل عظمة ومنزلة خاصة([439]).
بل إن علياً الذي لم يكن يرى لبني إسماعيل فضلاً على بني إسحاق([440]) لم يستطع أن يعزل شريحاً عن القضاء، وقد أبى ذلك عليه أهل الكوفة، وقالوا له: لا تعزله؛ لأنه منصوب من قبل عمر، وبايعناك على أن لا تغير شيئاً مما قرره أبو بكر وعمر([441]).
كما أنه لم يستطع أن يمنع جيشه من صلاة التراويح؛ لأن عمر هو الذي شرعها، وصاحوا واسنّة عمراه([442])، ولعـل أول من صـاح في هذه المناسبة ب >وا عمراه< هو قاضيه شريح([443]).
بل لقد نادوا بعلي >عليه السلام< في حرب الجمل: >أعطنا سنة العمرين<([444]).
وسمع رجل النبي >صلى الله عليه وآله< يقول عن معاوية: من أدرك هذا أميراً فليبقرن خاصرته بالسيف؛ فرآه يخطب في الشام؛ فأراد تنفيذ أمر رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فقالوا له: أتدري من استعمله؟.
قال: ومن؟
قالوا: أمير المؤمنين عمر.
قال: سمعاً وطاعة لأمير المؤمنين([445]).
وقد صرح أمير المؤمنين في خطبة له بأعمال كثيرة لمن سبقوه، لم يستطع تغييرها، ولو أنه حاول ذلك لتفرق عنه جنده، حتى يبقى وحده، وقليل من شيعته، وهي أمور كثيرة فلتراجع([446])، ولتراجع أيضاً الشواهد الكثيرة التي تؤيد ذلك في مصادرها.
ثم جاءت الدولة الأموية، فاستنت بسنة عمر، وسارت بسيرته، وانتهجت نهجه.
وإذا كان معاوية قد تولى الشام من قبل عمر، وإذا كان قد موّه على الناس في قضية قتل عثمان، وألقى في الناس الشبهات الكثيرة حولها، حتى استطاع أن يقود جيشاً ليحارب في صفين أعظم رجل بعد الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
وإذا كان قد استغل قضية التحكيم، وأضفى على خلافته نوعاً من الشرعية المزورة، التي يمكن تضليل العوام والسذج بواستطها، ـ إذا كان كل ذلك ـ فإن من الطبيعي أن يستطيع معاوية الذي وصل إلى الحكم في مثل تلك الظروف الغامضة، أن يصوّر الحسين بن علي >عليه السلام< بعد قتله على أنه باغ وطاغ وطامع، تحركه المصالح الشخصية، بل وحتى خارج عن الإسلام، والعياذ بالله.
ولسوف يتمكن عن طريق الأخطبوط الأموي المتغلغل في مختلف البلاد، والذي استطاع أن يضع العراقيل في طريق علي >عليه السلام<، وغيره من الأئمة الطاهرين، لسوف يتمكن من استغلال تلك الظروف الخاصة، في الحجاز، والعراق، وفي الشام، أبشع استغلال، ولا سيما بالنسبة لأهل الشام، الذين ما كان يمكنهم إدراك واقع ما يجري وما يحدث إلا عن طريق الجهاز الأموي نفسه.
يضاف إلى ذلك كله:
أنه قد كان ثمة في عهد الخلفاء قبل علي >عليه السلام<، ولأهداف سياسية معينة، حصار مضروب على كبار الصحابة، فلم تتح لهم الفرصة ليتفرقوا في البلاد، وينشروا تعاليم النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله< على حقيقتها، بل حصروهم في المدينة مدة طويلة، ومن استطاع منهم الإفلات منها قليل، ومن كان يصر على الجهر بالحقيقة، فإنه يتعرض لمختلف أنواع القهر والاضطهاد، كما كان الحال بالنسبة لأبي ذر >رحمه الله<([447]).
وهكذا.. فإن الصحابة لم يتمكنوا من الجهر بما تجيش، أو بكل ما تجيش به صدورهم، حتى أشرف هذا الجيل على الفناء والزوال، مما كان من شأنه أن يفسح المجال أمام الجهاز الحاكم لكل افتراء ضد أهل البيت >عليهم السلام<، وضد النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه، ثم ضد الإسلام بشكل عام.
وخلاصة الأمر: أن قتل الحسين >عليه السلام< في زمن معاوية ليس فقط لا يجدي ولا ينفع، وإنما يكون فيه قضاء تام على الأمل الوحيد للدين، والأمة، وللحق، وفي هذا خيانة حقيقية ظاهرة لكل ذلك، بمقدار ما كان استشهاد الحسين >عليه السلام< بعد ذلك وفاء للدين، وللأمة وللحق، عندما لم يعد انحراف الحكم ولا دينيته، بل وعداؤه للدين خافياً على أحد، ولم يمكن بعد للدهاء والمكر، وللسياسات المنحرفة أن تتستر عليه، ولا أن تقلل من وضوحه، وأصبح السكوت عليه في تلك الظروف هو الخيانة للدين، وللأمة، وللحق.
وإلا فإن الحسين >عليه السلام< قد عـاش في حكم معاوية بعد استشهاد أخيه الحسن >عليه السلام< عشر سنوات، ولم يقم بالثورة ضده، مع أن الحسين >عليه السلام< الذي سكت في زمن معاوية هو نفسه الحسين الذي ثار في زمان يزيد، كما أن الانحراف والظلم الذي كان في زمان هذا قد كان في زمان ذاك، وما ذكرناه هو المبرر لسكوته هناك، وثورته هنا.
هذا، وقد تمدح الإمام الحسين >عليه السلام< أخاه الإمام الحسن >عليه السلام< على صلحه مع معاوية، واعتبره إيثاراً لله عند مداحض الباطل، في مكان التقية بحسن الروية، كما قاله >عليه السلام< وهو يؤبن أخاه الإمام الحسن >عليه السلام< حينما استشهد بسم معاوية([448]).
وكتب أهل الكوفة أكثر من مرة إلى الإمام الحسين >عليه السلام< يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، وفي كل ذلك يأبى عليهم([449])، وقد أمرهم بلزوم بيوتهم ما دام معاوية حياً([450]).
فالقول بأن سبب عدم ثورته على معاوية إنما هو عدم بيعة الناس له في زمنه، لا يصح.
كما أن الناس كانوا قد بايعوا الإمام الحسن >عليه السلام<، فلماذا سكت؟ ولماذا لم يطالبه الحسين بالقيام؟! ولماذا يمدحه على صلحه لمعاوية؟
هذا ما أردنا الإشارة إليه هنا، ولهذا البحث مجال آخر.
2 ـ ويلاحظ أيضاً: أنه حين دعا الحسين >عليه السلام< بحلف الفضول قد استجاب له حتى أعداؤه، كابن الزبير، الذي لم يكن ليخفى على أحد كيف كان موقفه من الهاشميين أيام خلافته حتى لقد كان يريد أن يحرقهم بالنار في مكة، لولا وصول النجدة لهم من العراق.
كمـا أنه قد قرت عينه ـ على حد تعبير ابن عباس ـ حين توجه الحسين >عليه السلام< إلى العراق.
أضف إلى ذلك: أنه قد قطع الصلاة على النبي >صلى الله عليه وآله< في خطبه، ولما عوتب على ذلك ادعى: أن هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره >صلى الله عليه وآله< اشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليه ما يسرهم، وفي رواية: إن له أهيل سوء إلخ([451]).
نعم، لقد استجاب للإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه حتى أعداؤه حين دعاهم بحلف الفضول، ولكنهم لا يستجيبون لداعي الله والرسول الذي يأمرهم بقبول إمامة الحسنين >عليهما السلام< قاما أو قعدا ولا يدافعون عن إمامهم الذي خرج في طلب الأصلاح في أمة جده، بل وينصبون العداء له ولأهل بيته عموماً كما أشرنا إليه.
فما هو سر استجابتهم للنداء بحلف الفضول؟
ثم عدم استجابتهم للحسين، حين دعاهم للجهاد ضد أعداء الدين، فلم يخرج منهم أحد إلى كربلاء لمحاربة الظلم والطغيان، والانحراف عن الدين والحق؟!.
مع أن القضية الأولى وإن كانت تمثل مكافحة للظلم والتجبر، إلا أنها في الحقيقة تنتهي إلى مسألة خاصة، محدودة الزمان والمكان، والأشخاص، كما سوف تفسرها أبواق الدعاية الأموية المغرضة.
أما في قضية كربلاء، فقد كان واضحاً لدى كل أحد حقيقة أهداف الثورة، وقد أوضحها الإمام الحسين >عليه السلام< أكثر من مرة، ولم يُبق مجالاً للشك في أنها ذات أهداف إسلامية جامعة، بعيدة كل البعد عن المكاسب الشخصية والنفعية المحدودة.
فلماذا السكوت؟ وربما السرور من بعضهم بالمصير الذي لاقاه الإمام الحسين >عليه السلام< هنا؟
ثم هم يهبون لنصرته، والقيام دونه، أو على الأقل يظهرون استعدادهم لذلك هناك؟! مع أن الأهداف إن لم تكن في المآل واحدة؛ فإنها في قضية كربلاء أهم وأكثر مساساً بهم وبدينهم وكرامتهم.. فهل كانوا يهدفون إلى إضعاف عدوهم الأقوى أولاً؟!
أم أنهم أمنوا معاوية، وخافوا يزيد الخمور؟ ربما يكون ذلك، وربما لأن حلف الفضول كان جاهلياً، وهم إلى الجاهلية في حقها وفي باطلها أقرب منهم إلى الإسلام، حتى حينما تكون القضية مصيرية، وحتى ولو كانت مصيرية بالنسبة للأمة بأسرها، وبالنسبة للدين نفسه.
ولو أنهم التفتوا إلى أن حلف الفضول قد أمضاه الإسلام، وصار إسلامياً فلربما يكون لهم حينئذٍ موقف آخر، إن ذلك لعجيب حقاً! وأي عجيب!!.
3 ـ إن موقف الحسين هذا، وكذلك إمضاء النبي >صلى الله عليه وآله< لهذا الحلف في كلامه المتقدم، ليدل على أن الإسلام قد أمضى هذا الحلف؛ لأنه قائم على أساس الحق والعدل والخير، وهل الإسلام إلا ذلك؟ إنه يُمضيه مع أن الذين قاموا به كانوا وقتها على الشرك والكفر، ولكنه يهدم مسجد الضرار، مع أن الذين بنوه كانوا يتظاهرون بالإسلام، ويتعاملون على أساسه، بحسب الظاهر.
وهذا ما يؤكد واقعية الإسلام، وأنه إنما ينظر إلى عمل يدي الصياد لا إلى دموع عينيه، وأنه لا يغتر بالمظاهر، ولا تخدعه الشعارات مهما كانت براقة، إذا كانت تُخفي وراءها الوصولية، والخيانة والتآمر، فالحق حق، ومقبول، ولا بد من الالتزام به، والتعامل على أساسه، ولو صدر من مشرك، والباطل باطل ومرفوض، ولا يجوز الالتزام به، ولا التعامل على أساسه، مهما كانت الشعارات براقة ومغرية.
ولهذا نفسه نجد أمير المؤمنين أيضاً يرفض خدعة رفع المصاحف على الرماح في صفين ويحذر منها، ولقد كان هو المصيب في رفضه، وغيره ممن كان يتظاهر بالتقى والعبادة كان هو المخطئ.
وفقنا الله للسير على هدى أمير المؤمنين علي >عليه السلام<، وتأثر خطاه، والعمل بمنهاجه، الذي هو نهج الإيمان والإسلام، إنه ولي قدير.
4 ـ إن اهتمام النبي >صلى الله عليه وآله<، والأئمة >عليهم السلام< بحلف الفضول إنما يدل على أن الإسلام ليس منغلقاً على نفسه، وإنما هو يستجيب لكل عمل إيجابي فيه خير الإنسان، ويشارك فيه على أعلى المستويات، انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية، وانسجاماً مع أهدافه العليا، ومع المقتضيات الفطرية، وأحكام العقل السليم.
5 ـ أما استجابة الذين استجابوا للزبير بن عبد المطلب حينما دعا لعقد هذا الحلف، فلعل لهم دوافع مختلفة باختلاف الأشخاص، والبيوتات، والقبائل، ونذكر من هذه الدوافع:
ألف: الدافع الفطري الإنساني؛ لأن هذا هو ما تحكم به الفطرة، والعقل السليم، ثم هو ينسجم مع الشعور الإنساني، والأخلاقي.
ب: الدافع المصلحي، وذلك لأن عدم الأمن في مكة لسوف يقلل من رغبة التجار في الوفود عليها، والتعامل مع أهلها.
ج: وثمة دوافع أخرى ربما تكون لدى بعضهم، كالحفاظ على قدسية مكة وأهلها في نفوس العرب؛ وغير ذلك، وقد تقدم في الفصل الأول ما يفيد هنا؛ فراجع إن شئت.
تاريخ ولادة أمير المؤمنين ×:
أما عن تاريخ ولادة أمير المؤمنين >عليه السلام< ففيه اثنا عشر قولاً على وجه التقريب، تبدأ من سبع، حتى ست عشرة سنة قبل البعثة، وقال آخرون: ولد قبل البعثة بعشرين، وغيرهم بثلاث وعشرين سنة([452]).
ويمكن أن تقل الأقوال عن ذلك، إذا قلنا:
إنه لا منافاة بين القول: بأنه ولد قبل البعثة باثني عشرة سنة، وبين القول بأنه ولد قبلها بخمس عشرة سنة، إذا كان القائل بالثاني لا يسقط السنوات الثلاث الأولى من بعثته >صلى الله عليه وآله< من الحساب، لأن النبي >صلى الله عليه وآله< لم يكن يجهر فيها بالدعوة.
ولعل اختلافهم في مدة نبوته >صلى الله عليه وآله< في مكة على قولين: عشر سنوات، وثلاث عشرة سنة سببه ذلك أيضاً.
بل نجد البعض يقول: إن سرّية الدعوة قد استمرت خمس سنوات، فيمكن بملاحظة هذا وما تقدم في سائر الأقوال: أن تقل الأقوال عن ذلك كثيراً، ولكن هذا على أي حال يبقى مجرد احتمال.
وعلى كل حال، فإن القول بالاثني عشرة، وإن كان مروياً عن أهل البيت، إلا أن القول الآخر، وهو أن ولادته كانت قبل البعثة بعشر سنوات مروي أيضاً، وهو المشهور عند علمائنا، وعند غيرهم، كما يظهر من ملاحظة المصادر المتقدمة.
ولذا نقول: إن هذا القول المعتضد بالشهرة هو الأولى بالاعتماد والاعتبار، لا سيما وأنه مروي عن أهل البيت الذين هم أدرى من كل أحد بما فيه.
وأما محاولات البعض الاستفادة من ذلك، واستنتاج نتيجة معينة لتأكيد فكرة معينة، من قبيل ادعاء أن علياً هو أول من أسلم من الصبيان؛ ليكون أبو بكر أول من أسلم من الرجال، فسيأتي عند الحديث عن إسلام أمير المؤمنين >عليه السلام<: أن هذا لا يمكن أن يصح بأي وجه.
أول هاشمي ولد من هاشميين:
لقد ولد أمير المؤمنين >عليه السلام< وهو الشخصية الأولى بعد الرسول، والذي تربى في حجر الوحي، وارتضع لبان النبوة من أبوين قرشيين هاشميين، هما: أبو طالب، شيخ الأبطح، وفاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.
وقال الكليني وغيره: (وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين) وقريب منه غيره([453]).
وعلق المجلسي: بأن أخوته طالباً، وعقيلاً، وجعفر قد ولدوا قبله من هذين الهاشميين، وقول التهذيب وغيره: (في الإسلام) لا يصحح ذلك؛ إذ لو كان مرادهم أنه ولد بعد البعثة فهو لا يصح، للاتفاق على أنه قد ولد قبلها.
ولو كان المراد: أنه الوحيد الذي ولد بعد ولادة الرسول، فهو كذلك لا يصح، لأن أكثر إخوته قد ولدوا بعد ولادة النبي >صلى الله عليه وآله<، مع أنه اصطلاح غريب غير معهود([454]).
والصحيح: أن يقال كما قال المعتزلي، والشهيد، وغيرهما: >وأمه أول هاشمية ولدت لهاشمي<([455]).
ولادة أمير المؤمنين × في الكعبة:
لقد ورد أنه عليه الصلاة والسلام قد ولد في جوف الكعبة أعزها الله، في يوم الجمعة في الثالث عشر من شهر رجب، وأن هذه فضيلة اختصه الله بها، لم تكن لأحد قبله، ولا بعده، وقد صرح بذلك عدد كبير من العلماء، ورواة الأثر، ونظمها الشعراء والأدباء، وذلك مستفيض عند شيعة أهل البيت >عليهم السلام<، كما أنه كذلك في كتب غيرهم، حتى لقد قال الحاكم وغيره:
>تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد، ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة..<.
وصرح بأنه لم يولد فيها أحد سواه عدد من العلماء والمؤرخين([456]).
ويقول السيد الحميري، المتوفى في سنة 173 ه:
ولـدتـه في حــرم الإلـــه وأمنـــه والـبـيـت حـيـث فنـاؤه والمسجد
بـيـضـاء طـاهـرة الثياب كـريمـة طـابـت وطــاب وليـدهـا والمولد
في لـيـلـة غـابت نحوس نجومهـا وبـدا مـع الـقـمـر المنـير الأسـعد
مـا لـف في خـرق الـقـوابل مثلــه إلا ابــن آمـنـــة الـنـبـي محـمــد
ويقول عبد الباقي العمري:
أنـت الـعـلي الذى فوق العلى رفعا بـبـطن مكة وسط البيت إذ وضع
ولكن نفوس شانئي علي >عليه السلام< قد نفست عليه هذه الفضيلة التي اختصه الله بها، فحاولت تجاهل كل أقوال العلماء والمؤرخين، ورواة الحديث والأثر، والضرب بها عرض الجـدار، حيث نجدهم ـ وبكل جرأة ولا مبالاة ـ يثبتون ذلك لرجل آخر غير علي >عليه السلام<، بل ويحاولون التشكيك في ما ثبت لعلي أيضاً، حتى لقد قال في كتاب النور:
>حكيم بن حزام ولد في جوف الكعبة، ولا يعرف ذلك لغيره، وأما ما روي من أن علياً ولد فيها فضعيف عند العلماء<([457]).
وقال المعتزلي: >كـثـير من الشيعة يـزعمون: أنـه ولد في الكعبة، والمحدّثون لا يعترفون بذلك، ويزعمون: أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام<([458]).
ثم حاول الحلبي والديار بكري الجمع والصلح بين الفريقين، باحتمال ولادة كليهما فيها([459]).
ولكن كيف يصح هذا الجمع، ونحن نجد عدداً ممن قدمنا أسماءهم، وغيرهم ممن ذكرهم العلامة الأميني في كتاب الغدير، وغيره، يصرون على أنه لم يولد في جوف الكعبة سوى علي، لا قبله ولا بعده؟! وأن تلك فضيلة اختصه الله بها دون غيره من العالمين؟!
وكيف يقبل ذلك الجمع، ونحن نجد الحاكم يصرح بتواتر الأخبار في ولادة أمير المؤمنين >عليه السلام< في جوف الكعبة؟!.
فهل الحاكم بنظر المعتزلي جاهل بالحديث؟!
ومن أين لحديث ولادة حكيم بن حزام حتى خصوصية صحة سنده، فضلاً عن أن يكون متواتراً ومقطوعاً به؟!.
لماذا حكيم بن حزام؟!
وإنما أثبتت هذه الفضيلة لحكيم بن حزام؛ لأنه كان للزبيريين فيه هوى، فإنه ابن عم الزبير، وابن عم أولاده؛ فهو حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى، والزبيريون ينتهون أيضاً إلى أسد بن عبد العزى.
ولم يسلم حكيم إلا عام الفتح، وهو من المؤلفة قلوبهم([460])، وكان يحتكر الطعام على عهد رسول الله >صلى الله عليه وآله<([461]).
وعن المامقاني: نقل الطبري: أنه كان عثمانياً متصلباً تلكأ عن علي([462])، ولم يشهد شيئاً من حروبه([463]).
وإذن فمن الطبيعي أن يروي الزبير بن بكار، ومصعب بن عبد الله،([464]) وهما لا شك في كونهما زبيريي الهوى:
أنه لم يولد في جوف الكعبة سواه، وذلك على خلاف جميع الأخبار المتواترة، ومخالفة لكل من نص على أنه لم يولد فيها سوى أمير المؤمنين >عليه السلام< لا قبله ولا بعده؟!.
سر ولادة علي × في الكعبة:
إننا قبل أن ندخل في الإجابة على السؤال المذكور، نحب التذكير بأن بين النبوة والإمامة، والنبي والإمام فرقاً، فيما يرتبط بترتيب الأحكام الظاهرية على من يؤمن بذلك وينكر، ومن يتيقن ويشك، ومن يحب ويبغض..
فأما بالنسبة للنبوة والنبي >صلى الله عليه وآله<، فإن أدنى شك أو شبهة بها، وكذلك أدنى ريب في الرسول >صلى الله عليه وآله< يوجب الكفر، كما أن بغض الرسول >صلى الله عليه وآله< بأي مرتبة كان، يخرج الإنسان من الإسلام واقعاً، وتلحقه وتترتب عليه أحكام الكفر، في مرحلة الظاهر أيضاً، فيحكم عليه بالنجاسة، وبأنه لا يرث من المسلم وغير ذلك..
وأما الإمامة والإمام >عليه السلام<، فإن الحكمة والرحمة الإلهية، وحب الله تعالى للناس، ورفقه بهم، قد اقتضى:
أن لا تترتب الأحكام الظاهرية على من أنكر الإمامة، أو شك فيها، أو في الإمام >عليه السلام<، أو قصر في حبه.. ولكن بشرطين:
أحدهما: أن يكون ذلك الإنكار، أو الشك، أو التقصير ناشئاً عن شبهة، إذ مع عدم الشبهة في ثبوت النص أو في دلالته، يكون المنكر أو الشاك مكذباً لرسول الله صلى الله عليه وآله، راداً على الله سبحانه، ومن كان كذلك فهو كافر جزماً..
الثاني: أن لا يكون معلناً ببغض الإمام، ناصباً العداء له، لأن الناصب حكمه حكم الكافر أيضاً..
النبي ' لا يقتل أحداً؛ لماذا؟
وبعدما تقدم نقول:
إذا كان قيام الإسلام وحفظه يحتاج إلى جهاد وتضحيات، ثم إذا كان في الجهاد قتل ويتم، ومصائب ومصاعب.
ولم يكن يمكن لرسول الله أن يتولى بنفسه كسر شوكة الشرك، وقتل فراعنته وصناديده.. لأن ذلك يوجب أن ينصب الحقد عليه، وأن تمتلئ نفوس ذوي القتلى ومحبيهم، ومن يرون أنفسهم في موقع المهزوم بغضاً له، وحنقاً عليه..
وهذا يؤدي إلى حرمان هؤلاء من فرصة الفوز بالتشرف بالإسلام، وسيؤثر ذلك على تمكّن بنيهم، وسائر ذويهم ومحبيهم من ذلك أيضاً.. فقضت الرحمة الإلهية أن يتولى مناجزتهم من هو كنفس الرسول >صلى الله عليه وآله<، الذي يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، ألا وهو أمير المؤمنين >عليه السلام<..
واقتضت هذه الرحمة أيضاً رفع بعض الأحكام الظاهرية ـ دون الواقعية ـ المرتبطة بحبه وبغضه، وبأمر إمامته >عليه السلام<، تسهيلاً من الله على الناس، ورفقاً بهم ـ رفعها عن مُنكِر إمامته >عليه السلام<، وعن المقصر في حبه، ولكن بالشرطين المتقدمين وهما:
وجود الشبهة وعدم النصب، لأنه مع عدم الشبهة ومع نصب العداء للإمام >عليه السلام< يكون من قبيل تعمد تكذيب الرسول >صلى الله عليه وآله<، والتمرد والرد على الله سبحانه، كما قلنا..
معالجة قضايا الروح والنفس:
وفي سياق آخر نقول أيضاً:
إن معالجة قضايا الحب والبغض، والرضا والغضب، والإنفعالات النفسية، تحتاج إلى اتصال بالروح، وبالوجدان، وإلى إيقاظ الضمير، وإثارة العاطفة، بالإضافة إلى زيادة البصيرة في الدين، وترسيخ اليقين بحقائقه..
وهذا بالذات هو ما يتراءى لنا في مفردات السياسة الإلهية، في معالجة الأحقاد التي علم الله سبحانه أنها سوف تنشأ، وقد نشأت بالفعل كنتيجة لجهاد الإمام علي >عليه السلام<، في سبيل هذا الدين..
ونحن نعتقد: أن قضية ولادة الإمام علي >عليه السلام< في جوف الكعبة، واحدة من مفردات هذه السياسة الربانية، الحكيمة، والرائعة..
ولادة علي × في الكعبة صنع الله:
ويمكن توضيح ذلك بأن نقول:
إن ولادته >عليه السلام<، في الكعبة المشرفة، إنما هي أمر صنعه الله تعالى له، لأنه يريد أن تكون هذه الولادة رحمة للأمة، وسبباً من أسباب هدايتها.. وليست أمراً صنعه الإمام علي >عليه السلام< لنفسه، ولا هي مما سعى إليه الآخرون، ليمكن اتهامهم بأنهم يدبرون لأمر قد لا يكون لهم الحق به، أو التأييد لمفهوم اعتقادي، أو لواقع سياسي، أو الانتصار لجهة أو لفريق بعينه، في صراع ديني، أو اجتماعي، أو غيره..
ويلاحظ: أن الله تعالى قد شق جدار الكعبة لوالدته >عليه السلام< حين دخلت، وحين خرجت، بعد أن وضعته في جوف الكعبة، وقد جرى هذا الصنع الإلهي له حيث كان >عليه السلام< لا يزال في طور الخلق والنشوء في هذا العالم الجديد.. ليدل دلالة واضحة على اصطفائه له، وعلى عنايته به..
وذلك من شأنه أن يجعل أمر الاهتداء إلى نور ولايته أيسر، وليكون الإنسان في إمامته أبصر..
ويتأكد هذا الأمر بالنسبة لأولئك الذي سوف تترك لمسات ذباب سيفه >ذي الفقار< آثارها في المستكبرين والطغاة من إخوانهم، وآبائهم، وعشائرهم، أو من لهم بهم أية صلة أو رابطة..
الرصيد الوجداني آثار وسمات:
إن هذا الرصيد الوجداني الذي هيأ الله لهم أن يختزنوه في قلوبهم وعقولهم من خلال النصوص القرآنية والنبوية التي تؤكد فضله وإمامته، ثم يأتي الواقع العلمي ليعطيها المزيد من الرسوخ والتجذر في قلوبهم وعقولهم من خلال مشاهداتهم، ومعرفتهم بتلك الألطاف الإلهية به >عليه السلام<، وإحساسهم بعمق وجدانهم بأنه وليد مبارك، وبأنه من صفوة خلق الله ومن عباده المخلصين، سيجعلهم يدركون:
أنه >عليه السلام<، لا يريد بما بذله من جهد وجهاد في مسيرة الإسلام، إلا رضا الله سبحانه، وإلا حفظ مسيرة الحياة الإنسانية، على حالة السلامة، وفي خط الاعتدال.. لأنها مسيرة سيكون جميع الناس ـ بدون استثناء ـ عناصر فاعلة ومؤثرة فيها، ومتأثرة بها..
وبذلك يصبح الذين يريدون الكون في موقع المخاصم له >عليه السلام<، أو المؤلب عليه، أمام صراع مع النفس ومع الوجدان، ومع الضمير، وسيرون أنهم حين يحاربونه إنما يحاربون الله ورسوله.. ويسعون في هدم ما شيده للدين من أركان، وما أقامه من أجل سعادتهم، وسلامة حياتهم، من بنيان..
ولادة علي × في الكعبة لطف بالأمة:
فولادة الإمام علي >عليه السلام< في الكعبة المشرفة، هي لطف بالأمة بأسرها، حتى أولئك الذين وترهم الإسلام منها، وسبيل هداية لهم ولها، وهو سبب انضباط وجداني، ومعدن خير وصلاح، ينتج الإيمان، والعمل الصالح، ويكف من يستجيب لنداء الوجدان عن الامعان في الطغيان، والعدوان، وعن الانسياق وراء الأهواء، والعواطف، من دون تأمل وتدبر..
وغني عن البيان، أن مقام الإمام علي >عليه السلام< وفضله، أعظم وأجل من أن تكون ولادته >عليه السلام< في الكعبة سبباً أو منشأ لإعطاء المقام والشرف له.. بل الكعبة هي التي تتشرف به وتعتز، وتزيد قداستها، وتتأكد حرمتها بولادته فيها صلوات الله وسلامه عليه..
وأما رسول الله >صلى الله عليه وآله<، فإن معجزته الظاهرة ـ التي تهدي الناس إلى الله تعالى، وصفاته، وإلى النبوة والنبي، وتدلهم عليه، وتؤكد صدقه، ولزوم الإيمان به، وتأخذ بيدهم إلى الإيمان باليوم الآخر ـ.
إن هذه المعجزة هي هذا القرآن العظيم، الذي يهدي إلى الرشد من أراده، والذي لا بد أن يدخل هذه الحقائق إلى القلوب والعقول أولاً، من باب الاستدلال، والانجذاب الفطري إلى الحق بما هو حق.. من دون تأثر بالعاطفة، وبعيداً عن احتمالات الإنبهار بأية مؤثرات أخرى مهما كانت..
إذ إن القضية هي قضية إيمان وكفر، وحق وباطل، لا بد لإدراكهما من الكون على حالة من الصفاء والنقاء، وتفريغ القلب من أي داع آخر، قد يكون سبباً في التساهل في رصد الحقيقة، أو في التعامل مع وسائل الحصول عليها، والوصول إليها..
فالله لا يريد أن تكون مظاهر الكرامة سبباً في إعاقة العقل عن دوره الأصيل في إدراك الحق، وفي تحديد حدوده، وتَلَمُّس دقائقه، وحقائقه والتبيُّن لها إلى حد تصير معه أوضح من الشمس، وأبين من الأمس..
ولذلك فـإن الله تعالى لم يصنع لرسوله ما يدعوهم إلى تقديسه كشخص، ولا ربط الناس به قبل بعثته بما هو فرد بعينه لا بد لهم من الخضوع والبخوع له، وتمجيد مقامه، لأن هذا قد لا يكون هو الأسلوب الأمثل، ولا الطريقة الفضلى في سياسة الهداية إلى الأمور الإعتقادية، التي هي أساس الدين، والتي تحتاج إلى تفريغ النفس وإعطاء الدور، كل الدور، للدليل وللبرهان، وللآيات والبينات، وإلى أن يكون التعاطي مع الآيات والدلائل بسلامة تامة، وبوعي كامل، وتأمل عميق، وملاحظة دقيقة..
وهذا هو ما نلاحظه في إثارات الآيات القرآنية لقضايا الإيمان الكبرى، خصوصاً تلك التي نزلت في الفترة المكية للدعوة، فإنها إثارات جاءت بالغة الدقة، رائعة في دلالاتها وبياناتها، التي تضع العقل والفطرة أمام الأمر الواقع الذي لا يمكن القفز عنه إلا بتعطيل دورهما، وإسقاط سلطانهما، لمصلحة سلطان الهوى، ونزوات الشهوات، والغرائز..
وهذا الذي قلناه لا ينسحب ولا يشمل إظهار المعجزات والآيات الدالة على الرسولية، وعلى النبوة، فإنها آيات يستطيع العقل أن يتخذ منها وسائل وأدوات ترشده إلى الحق، وتوصله إليه.. وتضع يده عليه.. وليست هي فوق العقل، ولا هي من موجبات تعطيله، أو إضعافه.
تجديد بناء الكعبة أعزها الله تعالى:
ويقولون: إن الكعبة قد جاءها سيل جارف تجاوز الردم الذي كان قد وضع ليمنع من مثل ذلك؛ فدخلها، وصدع جدرانها.
ويقال أيضاً: إنها كانت قد احترقت حينما أرادت إحدى النساء تبخيرها فطارت شرارة إلى ثياب الكعبة فاحترقت جدرانها([465])، ثم جاء السيل بعد ذلك فزاد في تصدعها حتى خاف الناس عليها.
ويرى البعض: أن هذا الحريق كان في زمان ابن الزبير.
ورفع الحلبي التنافي باحتمال حصول الحريق مرتين([466]).
ونحن نقول: إنه يبدو أن دعوى احتراقها على هذا النحو الاتفاقي، إنما صيغت للتخفيف من الامتعاض الناشئ من جرأة الأمويين على بيت الله الحرام، حيث إنها قد تصدعت حينما ضربت بالمنجنيق وبالنار من قبلهم، وتركها ابن الزبير ليراها الناس محترقة، يحرضهم على أهل الشام([467]).
ومهما يكن من أمر: فقد اتفقت قريش قبل بعثة النبي >صلى الله عليه وآله< على هدمها، وإعادة بنائها، وأن يرفع بابها، حتى لا يدخلها إلا من شاؤوا، وأعدوا لذلك نفقة طيبة، ليس فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة مما أخذوه غصباً، أو قطعوا فيه رحماً، أو انتهكوا فيه حرمة، أو ذمة([468]).
وبدأت كل قبيلة تجمع الحجارة على حدة، ويقولون: إنه >صلى الله عليه وآله< قد شارك في جمع الحجارة، وكان أول من جرأهم على هدمها هو الوليد بن المغيرة.
وتجزأت قريش الهدم والبناء، لكل قبيلة شق، وجهة معينة، وقد اختلف المؤرخون في اختصاصات هذه القبائل بتلك الجهات والأجزاء([469])، ولا مجال لتأكيد أو نفي أي من الأقوال في ذلك، ولا سيما في موارد كهذه، يجهد فيها كل فريق أن ينيل من يميل إليهم بعض الشرف، ومواقف الكرامة.
وأما عن تاريخ بناء البيت فقد اختلفت كلمات المؤرخين فيه، فهذا يقول:
إن بناءه كـان حين بلـوغه >صلى الله عليه وآلـه< الحلم، أي بعد الفيـل ب 15 سنة([470]).
وآخر يقول: إنه بُني بعد الفيل بخمس وعشرين سنة([471]).
وثالث يقول: إنه كان بعد الفيل بخمس وثلاثين سنة، أي قبل البعثة بخمس سنين([472]).
ولعل هذا الأخير هو الأشهر.
وضع الحجر الأسود:
ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختصموا: كل قبيلة تريد هي أن تنال شرف رفعه إلى موضعه، وكاد أن يؤدي الأمر بهم إلى السيف، حتى جاء بنو عبد الدار، وبنو عدي بإناء فيه دم؛ فوضعوا أيديهم فيه، ومعهم بنو سهم، وبنو مخزوم([473])، وتحالفوا على الموت ـ فسُموا: >لعقة الدم<([474])، حتى أشار أبو أمية بن المغيرة ـ والد أم سلمة، أم المؤمنين، وأحد أجواد قريش، ويقول البلاذري: >أبو مهشم بن المغيرة< ـ بأن يحكموا أول داخل عليهم من باب السلام، وهو باب بني شيبة، أو من باب الصفا على الاختلاف.
فكان الرسول >صلى الله عليه وآله< أول داخل، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد.
ويقول البعض: إنهم كانوا يتحاكمون إلى النبي >صلى الله عليه وآله< في الجاهلية؛ لأنه كان لا يداري، ولا يماري([475]).
فلما أخبروه بـالأمر طـلب ثوباً، أو بسط إزاره ـ على الاخـتـلاف ـ ثم أخذ الحجر؛ فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعاً، ففعلوا، فلما حاذوا موضعه أخذه رسول الله >صلى الله عليه وآله< بيده الشريفة، فوضعه مكانه.
ملاحظات هامة:
1 ـ إن بني عبد الدار، ومعهم بنو سهم، ومخزوم وعدي قد جاؤوا بالدم، فوضعوا أيديهم فيه، وتحالفوا على الموت، ونجد في مقابل ذلك: أن بني عبد مناف قد جاؤوا بالغالية ـ وهي نوع من الطيب ـ فوضعوا أيديهم فيها، حينما تحالفوا زمن قصي في مقابل بني عبد الدار؛ فسموا حلف المطيبين.
ولبني عبد مناف حلف آخر هو أكرم وأشرف حلف سمع به في العرب([476])، وهو حلف الفضول الذي أمضاه الإسلام، حسبما تقدم، وكان في مقابلهم حلف الأحلاف، من قبل بني عبد الدار، وسهم، وجمح، ومخزوم، وعدي، ولا يقصد في حلفهم إلا الشرف الدنيوي، ولو أريقت الدماء، وأزهقت النفوس.
ولعل هذا يعكس بوضوح الفرق بين الاتجاهين، ونوعية التفكير، ومستوى الوعي، والنظرة للحياة لدى كل من الفريقين.
ولا نبالغ إذا قلنا: إن من الممكن أن نفهم من مراجعة كتب التاريخ والأنساب: أن بني عبد مناف، ولاسيما آل أبي طالب كانوا هم رجالات الإسلام، والهداة إلى الحق، والمجاهدين في سبيل الدين.
بينما نجد بني عبد الدار، والمتحالفين معهم أقل تحمساً للدين، وتضحية في سبيله، بل ويكثر فيهم المناوئون له، والحاقدون عليه.
2 ـ إن اشتراط قريش: أن تكون نفقة الكعبة طيبة، لا ربا فيها، ولا مظلمة لأحد إلخ.. إن دل على شيء فإنما يدل ولا شك على شعور حقيقي بقبح هذه الأمور، وعدم رضا الله والوجدان بها.
وقد يفسر ذلك أيضاً باقتضاء الفطرة لذلك، وحكم العقل بقبحه.
ونحن، وإن كنا نعترف بأن ذلك كذلك، بل إن كل أحكام الدين موافقة للفطرة، ولأحكام العقل، إلا أننا لا بد أن نضيف هنا:
أنه يدل أيضاً على بقاء شيء من تعاليم الحنيفية فيهم، خصوصاً عند قريش، وبني عبد مناف، ولذلك يلاحظ كثرة الإشارات إلى دين إبراهيم، وما يدل على إيمانهم بالله في كلمات عبد المطلب، وأبي طالب >عليهما السلام< كثير، وما الخطبة التي ألقاها أبو طالب حينما طلب يد خديجة للنبي >صلى الله عليه وآله< عنا ببعيدة.
3 ـ إن ما تقدم يدل على أن أهل مكة كانوا يتعاملون بالمنطق القبلي حتى في تعاونهم على بناء البيت، وحمل الحجارة له، وهو أقدس مقدساتهم، ورمز عزهم ومجدهم وكرامتهم، بل وعليه تقوم حياتهم، وإن تحالف لعقة الدم حين الاختصام فيمن يرفع الحجر إلى موضعه، ليعتبر الذروة في هذا الأمر، الذي يمجه الذوق، وتنبو عنه الفطرة، ويرفضه العقل السليم.
4 ـ وبعد هذا، فإن ما يلفت نظرنا: هو فرح قريش حينما رأوا النبي >صلى الله عليه وآله< أول داخل عليهم، ثم وصفهم له بأنه >الأمين<، مما يعني أنه >صلى الله عليه وآله< كان يحتل مكانة خاصة في نفوس الناس في مكة، حيث تسكن قريش سيدة القبائل العربية كلها، حتى إنهم كانوا يحكّمونه في كثير مما كان يشجر بينهم، ويضعون كل ثقتهم فيه، حتى لقبوه بـ >الأمين<.
بل إننا نجد: في كلمات أبي طالب المتقدمة، خير شاهد على مكانته >صلى الله عليه وآله<، وعلو منزلته، وشرفه، وسؤدده.
وفي موقف أمية بن خلف في غزوة بدر دلالة على ذلك أيضاً([477]) فراجع.
خرافة انحلال الإزار:
هذا، وبعد كل ما تقدم، فإننا نواجه هنا أكذوبة مفضوحة، ليس الهدف منها إلا الحط من كرامة النبي >صلى الله عليه وآله<، والإساءة لمقامه الأقدس، من أولئك الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم، ولم يسلموا وإنما استسلموا، وأقسموا على العمل على دفن ذكر محمد، وطمس اسمه ودينه، ولكن الله سبحانه وتعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وتلك الأكذوبة التي هي واحدة من مئات أمثالها، مما تقشعر له الا بدان، ويشتد له غضب الرحمن، هي التالية: روى الشيخان، وغيرهما من المؤلفين في التاريخ والحديث، ممن تجمعهم معهما رابطة الدين، والسياسة، والصنعة ـ والنص للبخاري ـ: >أن رسول الله >صلى الله عليه وآله< كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة؟..
قال: فحلّه، فجعله على منكبيه؛ فسقط مغشياً عليه، فما رؤي بعد ذلك عرياناً<([478]).
وفي رواية أخرى للبخاري في كتاب الحج: >فخر إلى الأرض، فطمحت عيناه، فقال: أرني إزاري، فشده عليه<.
ونحن لا نشك أن ذلك مختلق ومفتعل، ونكتفي بالإشارة هنا إلى ما يلي:
أولاً: إن ثمة تناقضاً ظاهراً بين هذه الروايات، الأمر الذي يذكرنا بالمثل المشهور: >لا حافظة لكذوب<، وكمثال على ذلك نذكر:
أن رواية تقول: إن تعريه >صلى الله عليه وآله< كان وهو صغير، حينما كان يلعب مع الصغار، وكلهم قد تعرى، وهم أيضاً ينقلون الحجارة للعب، فلكمه لاكم لا يراه، وقال: شد عليك إزارك([479]).
وفي أخرى: أن ذلك كان حينما كان عمه أبو طالب يصلح زمزم، فأُمر بالستر، من قبل متكلم لا يراه([480]).
وثالثة تذكر: أن ذلك كان حين بناء البيت، وهي المتقدمة، ومعنى ذلك أن عمره كان 35 سنة.
ونوع آخر من الاختلاف، وهو: أن النمرة([481]) قد ضاقت عليه، فذهب يضعها على عاتقه، فبدت عورته، لصغر النمرة؛ فنودي: يا محمد، خمر([482]) عورتك، فلم ير عرياناً بعد ذلك([483]).
وأخرى تقول: إن العباس طلب منه أن يضع إزاره عن عاتقه([484]).
ورواية تقول: صُرع.
وأخرى: لُكم.
وثالثة: أغمي عليه.
إلى آخر ما هنالك من وجوه الاختلاف.
طريق جمع فاشل:
وقد حاول العسقلاني والحلبي الجمع بين الروايات:
فقال العسقلاني: إن النهي السابق لم يكن يفهم منه الشمول لصورة الاضطرار العادي، وحين بناء البيت اضطر إلى ذلك، فرأى أن لا مانع من التعري حينئذٍ([485]).
وهكذا يبذل هؤلاء المحاولات لإثبات هذا الأمر الشنيع على الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<، لأن ذلك قد ورد في صحيح البخاري، وهو الكتاب المقدس عندهم، بل هو أصح شيء بعد القرآن، بل إن القرآن فيه تحريف ونسخ للتلاوة وغيرها عندهم، أما البخاري فيجل عن ذلك!!
مع أنه قد فات العسقلاني هنا: أنه قد جاء في رواية أبي الطفيل: >فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد<([486]).
هذا كله عدا عن أنه هو نفسه يذكر: أنه >صلى الله عليه وآله< كان مصوناً عما يستقبح قبل البعثة وبعدها([487])
ثم جاء الحلبي، وقال: إن من الممكن أن تكون عورته >صلى الله عليه وآله< قد انكشفت، لكن لم يرها أحد حتى العباس([488]).
ولكن ما يصنع الحلبي بعبارة البخاري وغيره، والتي تنص على أنه: ما رؤي بعد ذلك عرياناً.
وعبارة أبي الطفيل: ما رئيت له عورة قبل ولا بعد.
ثانياً: ومما يكذب ذلك:
ما ورد عنه >صلى الله عليه وآله< ـ وكأنه تنبأ عما سوف يقال زوراً وبهتاناً عنه ـ : من كرامتي على ربي: أن أحداً لم ير عورتي، أو ما هو قريب من هذا([489]).
ثالثاً: لقد قال عنه أبو طالب >عليه السلام<، قبل بناء البيت بعشر سنوات: إنه >صلى الله عليه وآله< لا يوزن برجل إلا رجح به، ولا يقاس به أحد إلا وعظم عنه إلخ، فكيف إذاً يقدم هذا الرجل العظيم على التعري أمام الناس حين حمله الحجارة للكعبة؟!. خصوصاً في ذلك المكان المقدس عند قريش والعرب.
رابعاً: إن ثمة روايات تفيد: أنه >صلى الله عليه وآله< كان مصوناً من رؤية عورته حتى بالنسبة لأزواجه؛ فعن عائشة: ما رأيت عورة رسول الله >صلى الله عليه وآله< قط، أو نحو ذلك([490]).
وإن كانت قد عادت فذكرت: أن زيد بن حارثة قرع الباب، فقام إليه رسول الله يجر ثوبه عرياناً، قالت: >والله ما رأيته عرياناً قبله ولا بعده، فاعتنقه، وقبّله<([491]).
لكن نصاً آخر يقول: >فما رأيت جسمه قبلها<([492])، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، بملاحظة ما قدمناه وما سيأتي.
خامساً: في حديث الغار: أن رجلاً كشف عن فرجه، وجلس يبول، فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله، قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه ([493]).
وهذا يدل على أن المشركين كانوا يستقبحون أمراً كهذا، ولا يقدمون عليه، فكيف فعله الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<؟!
سادساً: لقد روي أنه >صلى الله عليه وآله< كان أشد حياءً من العذراء في خدرها([494])، فهل العذراء الخجول تستسيغ لنفسها التعري أمام الناس؟
سابعاً: عن ابن عباس: كان رسول الله >صلى الله عليه وآله< يغتسل وراء الحجرات، وما رأى أحد عورته قط([495]).
ثامناً: وقد عد من خصائصه >صلى الله عليه وآله<: أنه لم ترَ عورته قط، ولو رآها أحد لطمست عيناه([496]).
فلماذا لم تطمس عينا العباس، الذي كان حاضراً وناظراً، وشد عليه إزاره، وكذا أعين سائر من رآه حين بناء البيت؟! وكذلك لماذا لم تطمس أعين رفقائه الصغار، الذين رأوا منه ذلك وهم يلعبون؟! فإن كانوا قد رأوا، فاللازم هو طمس أعينهم، وإن لم يكونوا قد رأوا، فلماذا هذا الكذب والافتراء، وسوء الأدب، والجرأة على مقام النبي الأقدس >صلى الله عليه وآله<، والتفوّه بما يتنافى مع شرفه، وعلو منزلته وكرامته، وسؤوده، وتسديد الله له؟ نعوذ بالله من الخذلان، ومن وساوس الشيطان.
تاسعاً: لقد روي عن أمير المؤمنين >عليه السلام< قوله: ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه، ويجلس بين قوم([497]).
فكيف إذن يكشف النبي الأعظم عورته أمام الناس يا ترى؟
وأخيراً، فإن ثمة نصوصاً أكثر شناعة وقباحة من ذلك، نجلّ مقام النبي >صلى الله عليه وآله< الأقدس عن ذكرها.
ثوبي حجر!!
وبالمناسبة، فإن أمثال هذه الافتراءات قد تعدت نبينا الأكرم >صلى الله عليه وآله< إلى نبي الله موسى >عليه السلام< ولكن بنحو أكثر شناعة، وأشد قباحة، حيث نسبت ذلك إلى فعل الله سبحانه به.
فلقد روى البخاري وغيره: >أن بني إسرائيل اتهموا موسى بأنه آدر (أي مصاب بانتفاخ في خصيته بسبب الفتق) فنزع ثوبه؛ ووضعه على حجر واغتسل، فلما أراد أن يأخذ ثوبه عدا الحجر بثوبه، فأخذ موسى عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول:
ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى، فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه، فطفق بالحجر ضرباً.
قال أبو هريرة: فوالله، إن بالحجر لندباً: ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً، فذلك قوله تعالى: {لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً}([498])<([499]).
ونقول: لا ندري كيف لم يلتفت موسى إلى نفسه، حتى بلغ مجالس بني إسرائيل؟! وما هو الذي أفقده صوابه حتى خرج عن حيائه وسجيته التي ذكرتها الرواية: أنه كان حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء استحياءً منه؟!.
ولا ندري ما هي حقيقة هذا الحجر العبقري! الذي يهرب من موسى، ويتركه يعدو خلفه؟! ولا ندري كذلك كيف التفت موسى إلى عصاه قبل أن يلحق بالحجر، وما الذي خطر في باله آنئذٍ؟!.
وإذا لم يكن الحجر مأموراً، فما الذي جعله يقوم بهذه العملية، ويخرجه عن وضعه الطبيعي؟! وإذا كان ماموراً، فلماذا لم يدرك موسى ذلك بمجرد تحرك الحجر بثوبه الذي هو أمر خارق للعادة؟. هذا مع كونه يناديه ويخاطبه، حتى كأنه عاقل مدرك لما يقول!!
وأخيراً، فإنني لا أدري ما هو ذنب هذا الحجر، حتى استحق هذا الضرب الوجيع الذي أثر فيه وجعل فيه ندباً؟! ولماذا لم يعين لنا عدد تلك الندب، فذكرت على نحو الترديد: ثلاثاً، أو أربعاً، أو خمساً؟!.
وفي بعض الروايات: ستاً، وسبعاً؟!.
وإذا كان أبو هريرة قد بلغ به النسيان هذا الحد، فكيف استطاع أن يحفظ تلك التفاصيل الدقيقة للقصة نفسها؟!.
ثم كيف استطاع أن يحفظ هذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث عن رسول الله >صلى الله عليه وآله<؟!.
هذا، وتحسن الإشارة هنا إلى أنه لا يرد كثير مما ذكرنا على رواية القمي التي لم تذكر عصاه ومناداته، وضربه للحجر، ولعلها أقرب إلى الاعتبار من تلك الرواية البخارية.
وقد جاء أن آية إيذاء موسى قد نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون: لأنه توجه معه إلى زيارة، فمات هارون؛ فدفنه موسى؛ فاتهمه بعض بني إسرائيل بقتله، فبرأه الله تعالى بأن أخبرهم جسد هارون بأنه مات ولم يقتل([500]).
هذا.. وقد أشرنا في موضوع آخر إلى ما ورد في كتب أهل الكتاب حول تعري الأنبياء >عليهم السلام<، وأنها هي الأصل في أمثال هذه الترهات.
حياء عثمان:
هذا، ولا بأس بالمقارنة بين ما يذكر هنا عن نبينا الأعظم >صلى الله عليه وآله< وبين ما يذكر عن حياء عثمان، حتى إن أبا بكر وعمر ليدخلان على النبي >صلى الله عليه وآله<، وفخذه مكشوفة، فلا يسترها، حتى إذا دخل عليه عثمان جلس، وستر فخذه، وسوَّى عليه ثيابه؛ فتسأله عائشة؛ فيجيبها بأنه: ألا يستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ أو ما هو قريب من هذا([501]).
هذا، مع أن هذا النبي >صلى الله عليه وآله< نفسه يأمر ويؤكد باستمرار بالحياء، ويحث عليه، فيقول: إذا لم تستح، فاصنع ما شئت.
ويقول: الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة عنه >صلى الله عليه وآله< ولا مجال لتتبعها.
كما أن أبا سعيد الخدري قد وصف النبي >صلى الله عليه وآله< بأنه: أشد حياءً من العذراء في خدرها([502]).
وأيضاً، فإنهم ينقلون عنه >صلى الله عليه وآله<: أنه أمر رجلاً بستر فخذه؛ فإنها من العورة([503]).
وأما ما يدل على أن ما بين السرة والركبة عورة، فكثير أيضاً([504]).
وعن حياء أبي موسى وأبي بكر، والخدري([505]) هناك نصوص لا مجال لإيرادها فعلاً.
وقد قال العلامة الأميني: >هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي، إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة، ومن لوازم الوقار، ومقارنات الأبهة، ورسول الله >صلى الله عليه وآله< أولى برعاية هذا الأدب الذي صدع به هو الخ..<([506]).
أهل الكتاب، وتعري الأنبياء ^:
ولا بد أن نشير أخيراً: إلى أننا نجد لهذا الأمر أصلاً عند أهل الكتاب، فلعل الخطة الأموية الملعونة قد استفادت أصل هذا الموضوع من أهل الكتاب!!.
فقد جاء في أخريات العشرين من أشعيا: أن الله أمر نبيه أشعيا: أن يمشي عرياناً وحافياً بين الناس ثلاث سنين، ليبلغ الناس، ويقول لهم: هكذا يسوق ملك آشور سبي مصر، وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة، ومكشوفي الأستاه، خزياً لمصر.
وجاء في تاسع التكوين الفقرة (21): وشرب نوح من الخمر فسكر، وتعرى داخل جنانه.
وفي صموئيل الأولى، الإصحاح التاسع عشر، الفقرة 23/24: >فكان يذهب ويتنبأ، حتى جاء نايوت في الرامة، فخلع هو أيضاً ثيابه، وتنبأ هو أيضاً أمام صموئيل، وانطرح عرياناً ذلك النهار كله، وكل الليل، لذلك يقولون: أشاول أيضاً بين الأنبياء<.
ولادة الزهراء ÷:
يذكر البعض: أن فاطمة الزهراء >عليها السلام<، بنت الرسول الأكرم >صلى الله عليه وآله<، قد ولـدت قبـل البعثة، ثم يختلفون ـ أولئك البعض ـ فيما بينهم في تحديد سنة ولادتها، فبعضهم يقول: إنها ولدت سنة بناء الكعبة، أي قبل البعثة بخمس سنين([507]).
وبعضهم يقول: إنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين([508])؛ وقيل([509]): باثنتي عشرة سنة([510]).
والقائلون بأنها ولدت بعد البعثة اختلفوا أيضاً، بين قائل: إنها ولدت سنة البعثة([511]).
وقيل: في الثانية([512]).
وقيل: سنة إحدى وأربعين من عمره الشريف([513]).
القول الحق:
والقول الحق هو ما عليه شيعة أهل البيت تبعاً لأئمتهم >عليهم السلام<، وأهل البيت أدرى بما فيه، وتابعهم عليه جماعة من غيرهم، وهو أنها قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة، وتوفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً([514]).
ويدل على ذلك ويؤيده، ما يلي:
1 ـ قول أمير المؤمنين "عليه السلام"، وهو يتحدث عن بعثة النبي "صلى الله عليه وآله": "ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذٍ في الإسلام غير رسول الله "صلى الله عليه وآله"، وخديجة، وأنا ثالثهما.
أرى نور الوحي والرسالة، وأشم ريح النبوة، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه "صلى الله عليه وآله"، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الرنة؟
فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي. ولكنك وزير، وإنك لعلى خير"([515]).
فقد دلت هذه الفقرة على:
أولاً: أن الوحي قد نزل على النبي، وأصبح "صلى الله عليه وآله" رسولاً، وبزغ فجر الإسلام في حضور علي "عليه السلام"، وكان أول بيت تكوَّن في الإسلام يضم رسول الله "صلى الله عليه وآله" وخديجة، وعلياً "عليه السلام" فقط، فلو كانت فاطمة "عليها السلام" قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات، وكذلك لو كان أحد من أولاد النبي "صلى الله عليه وآله" غيرها قد ولد آنئذٍ، لم يصح حصره "عليه السلام" أهل ذلك البيت بالنبي "صلى الله عليه وآله"، وبخديجة، بالإضافة إليه "عليه السلام".
ثانياً: إن هذا النص يدل على عدم صحة ما يدَّعونه: من أنه "صلى الله عليه وآله" كان وحده في غار حراء، وأنه قد خاف، وعاد إلى خديجة يرجف فؤاده، وأنها عرضت أمره على ورقة بن نوفل، فأخبرها أن الذي يأتيه هو الناموس الأكبر..
فإن علياً "عليه السلام" كان حاضراً، وقد سمع رنة الشيطان، وسأل النبي "صلى الله عليه وآله" عنها، فأجابه بما تقدم.
هذا.. وتقدم حين الحديث عن ولادة فاطمة "عليها السلام": أن علياً "عليه السلام" كان حاضراً حين نزول الوحي، وأنه سمع رنة الشيطان، فسأل النبي "صلى الله عليه وآله" عنها، فأخبره بأنه يئس من أن يعبد، فراجع.
2 ـ ما تقدم في البحث عن أولاد خديجة، من أن البعض قد ذكر أنهم كلهم قد ولدوا بعد الإسلام باستثناء عبد مناف([516])، مع العلم بأن فاطمة >عليها السلام< كانت أصغر أولاده >صلى الله عليه وآله<.
ويدل على ذلك: أنه قد ذكر في الإستيعاب في ترجمة خديجة: أن الطيِّب قد ولد بعد النبوة، وولدت بعده أم كلثوم، ثم فاطمة "عليها السلام".
3 ـ ويدل على أنها قد ولدت بعد البعثة روايات كثيرة، أوردها جماعة من العلماء، على اختلاف نحلهم ومشاربهم، تدل على أن نطفتها قد انعقدت من ثمر جاء به جبرئيل "عليه السلام" إلى النبي >صلى الله عليه وآله< من الجنة، حين الإسراء والمعراج، وذلك مروي عن عدد من الصحابة، منهم: عائشة، وعمر بن الخطاب، وسعد بن مالك، وابن عباس، وغيرهم([517]).
وإذا أمكنت المناقشة في بعض تلك الروايات، فإن البعض الآخر لا مجال للنقاش فيه.
ويؤيد ذلك أيضاً: أن النسائي قد روى: أنه لما خطب أبو بكر وعمر فاطمة "عليها السلام" ردهما >صلى الله عليه وآله<، وقال لهما: إنها صغيرة([518])، فلو كان عمرها سبع عشرة سنة أو أكثر، فلا يقال: إنها صغيرة.
ويؤيده أيضاً: ما روي من أن خديجة >رحمها الله< كانت قد هجرتها نساء قريش، فلما حملت بفاطمة "عليها السلام" كانت تحدثها من بطنها، وتصبّرها([519]).
بقي أن نشير إلى: أن استبعاد حمل خديجة بفاطمة في السنة الخامسة من البعثة؛ لأن سن خديجة كان حينئذٍ عالياً ـ هذا الاستبعاد ـ في غير محله؛ لما تقدم: من أن سن خديجة حينئذٍ كان ما بين 45 حتى 50 سنة بناءً على عدد من الأقوال في مقدار عمرها، ولعل من بينها ما هو الأقوى، وإن كان المشهور خلافه.
وحتى على هذا المشهور؛ فإن عمر خديجة حينئذٍ كان لا يأبى عن الحمل، فإن القرشية يستمر حيضها إلى الستين، كما هو مقرر في الفقه، وهذا يعني: أن قابلية الحمل موجودة أيضاً، كما هو ظاهر.
ومما ذكرناه، ومن قول المصباح: >والعامة تروي: أن مولدها كان قبل المبعث بخمس سنين<([520])، نعرف: أن المسعودي قد اشتبه في نسبة القول بالتسع والعشرين إلى أكثر أهل البيت وشيعتهم([521])، ولعله سهو من قلمه، أو عمد أو سهو من النساخ، بحيث كان في الأصل تسع عشرة، فبدل إلى تسع وعشرين.
وبعد كل ما تقدم؛ فإنه إذا كانت فاطمة قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة؛ فإنها تكون قد توفيت وعمرها ثمانية عشر عاماً فقط، كما هو ظاهر.
القسم الثالث:
من البعثة حتى الهجرة
الباب الأول: من البعثة إلى الإعلات بالدعوة
الباب الثاني: حتى وفاة أبي طالب
الباب الثالث: من وفاة أبي طالب حتى الهجرة إلى المدينة
الباب الرابع: من مكة إلى المدينة
الباب الأول:
من البعثة إلى الإعلان بالدعوة
الفصل الأول: البعثة والمعجزة
الفصل الثاني: روايات بدء الوحي
الفصل الثالث: الدعوة في مراحلها الأولى
الفصل الأول:
البعثة والمعجزة
عمر النبي ' حين البعثة:
لقد بعث الله تعالى محمداً >صلى الله عليه وآله< رسولاً للناس أجمعين بعد عام الفيل بأربعين عاماً، أي حينما بلغ الأربعين من عمره الشريف، على قول أكثر أهل السير، والعلم بالأثر، وكان قبل ذلك يسمع الصوت ولا يرى الشخص حتى تراءى له جبرائيل وهو في سن الأربعين.
وقيل: بل كان عمره >صلى الله عليه وآله< حين بعثته اثنين، وقيل: ثلاثاً، وقيل: خمساً وأربعين سنة([522]).
وربما لا يكون بين هذه الأقوال منافاة إذا كان القائلون بها يأخذ بعضهم، وبعضهم الآخـر لا يأخذ السنوات الأولى، وهي فترة الـدعوة الاختيارية، أو فقل: السرية بنظر الاعتبار والتي قد اختلف في مقدارها من ثلاث إلى خمس سنوات([523]).
أو لعل بعضهم لم يكن يرى أن النبي >صلى الله عليه وآله< مرسل في تلك الفترة إلى الناس كافة، أو أنه كان مكلفاً بدعوة الأقربين فقط.
كما أن ذلك لعله هو سبب الاختلاف الظاهري في مدة بقاء النبي >صلى الله عليه وآله< في مكة داعياً إلى الله فيها قبل الهجرة، حيث قال بعضهم إنه: >صلى الله عليه وآله< بقي عشر سنين، وقال آخرون: ثلاث عشرة سنة.
تاريخ البعثة، وكيفية نزول القرآن:
والمروي عن أهل البيت >عليهم السلام< ـ وأهل البيت أدرى بما فيه وأقرب إلى معرفة شؤون النبي >صلى الله عليه وآله< الخاصة ـ: أن بعثة النبي >صلى الله عليه وآله< كانت في السابع والعشرين من شهر رجب وهذا هو المشهور، بل ادعى المجلسي الإجماع عليه عند الشيعة، وروي عن غيرهم أيضاً([524]).
وقيل: إنه >صلى الله عليه وآله< بعث في شهر رمضان المبارك، واختلفوا في أي يوم منه([525]) وقيل في شهر ربيع الأول، واختلف أيضاً في أي يوم منه([526]).
واستدل القائلون: بأنه >صلى الله عليه وآله< قد بعث في شهر رمضان المبارك، وليس في رجب بأن النبي >صلى الله عليه وآله< إنما بعث بالقرآن، والقرآن قد أنزل في شهر رمضان، قال تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}([527])، وقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}([528]).
ثم إن هنا إشكالاً آخر لا بد من الإشارة إليه، وحاصله:
أن الآيتين المتقدمتين، وإن كانتا تدلان على نزول القرآن دفعة واحدة على أحد الاحتمالين في معنى الآيتين، إلا أن قوله تعالى: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً}([529]) يدل على نزول القرآن متفرقاً، لأنه عبَّر فيها بـ (نزل)، الدال على النزول التدريجي، وفيما تقدم عبر بأنزل، الدال على النزول الدفعي ثم هو يقول فيها: {فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}([530]).
يضاف إلى ذلك قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}([531]) حيث دلت الآية على نزول القرآن تدريجاً.
وأيضاً، يجب أن لا ننسى هنا: أن بعض الآيات مرتبط بحوادث آنية، مقيدة بالزمان، كقوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}([532]) وكاعتراض الكفار الآنف على رسول الله >صلى الله عليه وآله< وغير ذلك.
هذا كله عدا عن أن التاريخ المتواتر يشهد بأن نزول القرآن كان تدريجاً، في مدة ثلاث وعشرين سنة، وهي مدة الدعوة.
وقد أجيب عن إشكال التنافي بين ما دل على النزول الدفعي والنزول التدريجي؛ بأن النزول الدفعي كان إلى البيت المعمور؛ حسبما نطقت به الروايات الكثيرة، ثم صار ينزل تدريجاً على الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<([533]).
وإذن، فليكن نزوله الدفعي كان في ليلة القدر ونزوله التدريجي قد بدأ في السابع والعشرين من شهر رجب، ويرتفع الإشكال بذلك.
وجواب آخر، يعتمد على القول بأن القرآن قد نزل أولاً دفعة واحدة على قلب النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، لكنه لم يؤمر بتبليغه، ثم صار ينزل تدريجاً بحسب المناسبات.
وربما يستأنس لهذا الرأي ببعض الشواهد التي لا مجال لها([534]).
ورأي ثالث يقول: إن بدء نزول القرآن كان بعد البعثة بثلاث سنوات، أي بعد انتهاء الفترة السرية للدعوة، كما ورد في عدد من الروايات، ونص عليه بعضهم([535])، وعلى هذا فلا يبقى تناف بين بعثته >صلى الله عليه وآله< في شهر رجب، وبين نزول القرآن في شهر رمضان المبارك([536]).
أما نحن فنقول:
أولاً: قال الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً}([537]) فاستعمل التنزيل وأريد بـه النزول جملة واحدة؛ فقولهم: >تستعمل نزل في خصوص التدريجي< لا يصح.
إلا أن يقال: إن المراد التنزيل التدريجي للقرآن كله، من سماء إلى سماء، أو من مرتبة إلى مرتبة، حتى وصل إلى رسول الله >صلى الله عليه وآله<.
ولكن هذا خلاف الظاهر، فلا يصار إليه إلا بدليل.
وقد يقال: إن الدليل موجود، وهو الروايات التي تقول:
نزل إلى البيت المعمور، ثم إلى السماء الدنيا، ثم على قلب رسول الله >صلى الله عليه وآله< كما في قوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ}([538]).
ثانياً: إن تتبع الآيات القرآنية يعطي عدم ثبوت الفرق المذكور بين: >الإنزال< و >التنزيل< مثلاً قد ورد في القرآن قوله تعالى: {وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ}([539]) مع أن الكتاب المقروء إنما ينزل دفعة واحدة، ويمكن أن يجاب عنه بما قدمناه آنفاً.
كما ويلاحظ: أنه يستعمل كلمة >نَزَّلَ< تارة، وكلمة >أَنزَلَ< {مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً}([540]).
ومثل ذلك كثير، لا مجال لنا لتتبعه فعلاً، وكله يدل على عدم صحة هذا الفرق بين هاتين الصيغتين وقد أشار إلى هذا الجواب بعض المحققين أيضاً([541]).
غير أننا نقول في جوابه: إن هناك حيثيتين لنزول الماء من السماء.
فإذا لوحظت حيثية نزوله متفرقاً على شكل مطر فإنه يعبر بكلمة نزل، الدالة على التدرج.
وإذا لوحظ مجموع ما نزل من ماء طاهر عبر بأنزل، حيث لا يريد الإلماح إلى طريقة النزول، بل المراد الحديث عن النازل..
ثالثاً: قولهم: إن النبي >صلى الله عليه وآله< قد بعث بالقرآن غير مسلم، ولتكن الروايات الواردة عن أهل البيت، والقائلة بأنه >صلى الله عليه وآله< قد بعث في شهر رجب موجبة لوهن قولهم هذا.
فإن البعثة تتحقق بنزول جبرئيل ببلاغ عن الله تعالى، سواء أكان البلاغ آية، أم كان أوامر من أي نوع كانت.
رابعاً: يقول الشيخ المفيد >رحمه الله<: إن روايات نزول القرآن إلى البيت المعمور لا مجال لإثباتها من طريق أهل البيت >عليهم السلام<، ولا إلى الاطمينان إلى صحتها([542]).
وأما نزول القرآن أولاً دفعة واحدة على قلبه >صلى الله عليه وآله<، فإن إثباته مشكل، ولا يمكن المصير إليه إلا بحجة.
ولكن عدم القدرة على إثبات ذلك بصورة قاطعة لا يعني أنه غير واقع أصلاً، وهذا كاف في زوال الإشكال، ولزوم القبول بما ورد عن أهل البيت >عليهم السلام< من أن البعثة كانت في شهر رجب، فلعل للقرآن نزولات متعددة، باختلاف ما يقتضي ذلك.
خامساً: حديث نزول القرآن بعد البعثة بثلاث سنوات، استناداً إلى ما ورد من أن القرآن قد نزل خلال عشرين سنة، لا يمكن الاطمينان إليه، إذ يمكن أن يكون ذلك قد جاء على نحو التقريب والتسامح، ولم يرد في مقام التحديد الدقيق ـ ومن عادة الناس:
أن يسقطوا الزائد القليل، أو أن يضيفوه في إخباراتهم، وليس في ذلك أخبار بخلاف الواقع؛ لأن المقصود هو الإخبار بما هو قريب من الحد، لا بالحد نفسه، مع إدارك السامع لذلك، والتفاته إليه.
نعم، يمكن أن تكون معاني القرآن وحقائقه قد نزلت على قلبه الشريف لكي يستفيد منها الرسول >صلى الله عليه وآله< في نيل مقامات القرب منه تعالى.
والنتيجة هي: أنه لا مانع من أن يكون >صلى الله عليه وآله< قد بعث وصار رسولاً في شهر رجب، كما أخبر به أهل البيت >عليهم السلام< وهيئ ليتلقى الوحي القرآني.
{إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}([543])، ثم بدأ نزول القرآن عليه تدريجاً في شهر رمضان المبارك.
كما أنه لا مانع من أن تكون حقائق القرآن ومعانيه قد نزلت عليه >صلى الله عليه وآله< دفعة واحدة، ثم صار ينزل عليه تدريجاً.
ويؤيد هذا الاحتمال الأخير رواية رواها المفضل عن الإمام الصادق >عليه السلام< تفيد ذلك فلتراجع([544]) ويؤيده أيضاً:
ما ورد من أنه كان له ملك يسدده، ويأمره بمحاسن الأخلاق، وأن الملك كان يتراءى له، قبل أن ينزل عليه القرآن([545]) وأن جبرئيل قد لقيه إلخ..
ويرى بعض المحققين([546]): أنه يمكن الجمع بين الآيات، بأن يقال:
إن شروع نزول القرآن كان في ليلة مباركة، هي ليلة القدر من شهر رمضان، {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}([547])، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}([548]). وكان أول ما نزل حسب روايات أهل البيت >عليهم السلام<، {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}([549]).
لا يصح الاستدلال بهذه الآيات: على أن القرآن نزل أولاً دفعة إلى البيت المعمور أو على قلب النبي، ثم صار ينزل تدريجاً طيلة أيام البعثة، وذلك إعتماداً على قرينة الحال، وهي رؤية الناس نزوله تدريجاً.
نعم، لا يصح هذا الاستدلال، لإمكان أن يكون المراد بالإنـزال والتنزيل واحد، وهو بدء النزول، فإنه إذا شرع نزول المطر في اليوم الفلاني، واستمر لعدة أيام، فيصح أن يقال مثلاً:
سافـرت يوم أمطرت السماء، أي في اليوم الأول من بدء نزوله، وكذلك الحال بالنسبة للقرآن، فإنه إذا بدأ نزوله في شهر رمضان، في ليلة القدر، فيصح أن يقال مجازاً مع وجود القرينة، وهي النزول التدريجي: نزل القرآن في شهر رمضان، ويكون المراد أنه قد بدأ نزوله التدريجي فيه.
وقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} محتف بقرينة حالية؛ يعلمها كل أحد، وهي نزول خصوص أول سورة >إقرأ<، واستمر ينزل تدريجاً بعد ذلك، وكل حادث خطير له امتداد زمني إنما يسجل يوم شروعه.
وأما حديث البخاري في بدء الوحي والدال على اقتران نزول القرآن بالنبوة فسيأتي أنه باطل لا يصح.
ثم إنه يمكن تقريب كلام هذا المحقق بأن يقال: إن قوله تعالى: {أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} إنما هو حكاية عن أمر سابق، ولا يشمل هذا الكلام الحاكي له إلا بضرب من العناية والتجوز، ولا الذي يأتي بعده، وإلا لجاء التعبير بصيغة المضارع، أو الوصف فإنه يكون حينئذٍ هو الأوفق([550]).
ولعل ابن شهر آشوب كان ينظر إلى هذا حين قال في متشابهات القرآن:
>والصحيح: أن القرآن في هذا الوضع لا يفيد العموم، وإنما يفيد الجنس، فأي شيء نزل فيه؛ فقد طابق الظاهر<([551]).
هذا.. ولكن ما قدمناه يوضح: أن الالتزام بهذا التوجيه ليس ضرورياً، ونعود فنذكر القارئ الكريم بأنه قد ورد ما يؤيد نزول القرآن دفعة واحدة أولاً، ثم صار ينزل تدريجاً بعد ذلك؛ فقد روي عن الإمام الصادق >عليه السلام< قوله: >يا مفضل، إن القرآن نزل في ثلاث وعشرين سنة، والله يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}.
وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ}([552]).
وقال: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ}([553]).
قال المفضل: يا مولاي فهذا تنزيله الذي ذكره الله في كتابه، وكيف ظهر الوحي في ثلاث وعشرين سنة؟
قال: نعم يا مفضل، أعطاه الله القرآن في شهر رمضان وكان لا يبلغه إلا في وقت استحقاق الخطاب، ولا يؤديه إلا في وقت أمر ونهي، فيهبط جبرائيل بالوحي، فيبلغ ما يؤمر به وقوله: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ}([554])<([555]).
وقد قلنا فيما سبق: إن للقرآن عدة نزولات، نزول إلى البيت المعمور، ونزول إلى السماء الدنيا، ثم نزول على قلب رسول الله >صلى الله عليه وآله< في رمضان.. ثم صار ينزل سورة سورة، ثم صارت تنزل الآيات في المناسبات المختلفة، وقد أوضحنا ذلك في كتابنا مختصر مفيد حين الكلام حول نزول آية بلغ ما أنزل إليك من ربك، وآية اليوم أكملت([556])..
بدء الوحي وأول ما أنزل:
لقد كان بدء الوحي في غار حراء، وهو جبل على ثلاثة أميال من مكة ويقال:
هو جبل فاران، الذي ورد ذكره في التوراة إلا إن الظاهر هو أن فاران اسم لجبال مكة، كما صرح به ياقوت الحموي، حسبما تقدم، لا لخصوص حراء.
وكان >صلى الله عليه وآله< يتعبد في حراء هذا، على النحو الذي ثبتت له مشروعيته، وكان قبل ذلك يتعبد فيه عبد المطلب.
وأول ما نزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو قوله تعالى: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}([557]).
وهذا هو المروي عن أهل البيت >عليهم السلام<([558])، وروي أيضاً عن غيرهم بكثرة، ويدل عليه أيضاً سياق الآيات المذكورة.([559])
وربما يقال: إن أول ما نزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو فاتحة الكتاب([560])، ولا سيما بملاحظة:
أنه قد صلى في اليوم الثاني هو >صلى الله عليه وآله< وعلي >عليه السلام<، وخديجة >عليها السلام<، حسبما ورد في الروايات.
ولكن من الواضح: أن ذلك لا يثبت شيئاً؛ إذ يمكن أن تنزل الفاتحة بعد سورة إقرأ، بلا فصل، ثم يصلي ويقرؤها في صلاته، كما أن من الممكن أن تكون صلاتهم آنئذٍ غير مشتملة على فاتحة الكتاب، ثم وجبت بعد ذلك وإن كان لم يذكر أحد ذلك.
أما قوله: عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب: لا صلاة له([561]) وقوله >صلى الله عليه وآله<: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج([562]).
فهو لا ينافي ذلك إذ يمكن أن يكون ذلك تشريعاً حادثاً بعد ذلك.
هذا كله عدا عن أنهم يروون: أن سورة الفاتحة قد نزلت بعد المدثر([563]) أي بعد عدة سنوات من البعثة.
هذا، وثمة قول آخر، وهو أن أول ما نزل عليه >صلى الله عليه وآله< هو سورة المدثر([564])، وستأتي الإشارة إلى أنها قد نزلت بعد المرحلة الاختيارية أو فقل: السرية، كما أنهم يروون روايات عديدة تنافي قولهم هذا([565]).
وعلى كل حال، فإن تحقيق هذا الأمر لا يهمنا كثيراً، فلا بد من توفير الفرصة للحديث عن الأهم فالأهم.
ولا بأس بأن نعطف الكلام هنا إلى الحديث عن معجزته >صلى الله عليه وآله<، وهي:
القرآن، وسر إعجازه، فإن ذلك ربما تكون له أهميته البالغة لمن يريد أن يقرأ سيرة النبي >صلى الله عليه وآله<، ويستفيد منها: عقيدة، وشريعة، وأدباً، وسلوكاً.
مع العلم بأن كثيراً من الأحداث قد جاءت مرتبطة بالقرآن، وكانت سبباً في نزول طائفة من آياته ولا بد من الاستدلال به عليها، فنقول:
إعجاز القرآن:
لقد تحدى الله أعداء الإسلام بأن يأتوا بمثل القرآن، فلما عجزوا تحداهم بأن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، فعجزوا عن ذلك أيضاً، ثم صعَّد تحديه لهم، وطلب منهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فلو أنهم استطاعوا أن يأتوا ولو بقدر سورة الكوثر، التي هي سطر واحد، لثبت بطلان هذا الدين الجديد من أساسه، ما دام أنه هو قد قبل بهذا التحدي مسبقاً، ولكانوا قد وفروا على أنفسهم الكثير من الويلات، التي أقدموا عليها بإعلانهم الحرب على النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، والتي أدت إلى إزهاق النفوس الكثيرة، وهدر الطاقات العظيمة، وغير ذلك من مصائب وكوارث، انتهت بهزيمتهم، وانتصار الإسلام وقائده الأعظم >صلى الله عليه وآله<.
فما هي تلك الخصيصة التي في القرآن، والتي جعلتهم يعجزون عن مجاراته، وحتى عن أن يأتوا ب {بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}؟!([566]).
بل ما هي تلك الخصيصة التي سوغت التحدي بالقرآن للإنس والجن معاً دون اختصاص بزمان دون زمان، قال تعالى:
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}([567]).
ربما يقال: إنها إخباراته الغيبية الصادقة، سواء بالنسبة إلى الماضين كقوله تعالى:
{تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا}([568]).
أو بالنسبة لتنبؤاته المستقبلية، كقوله تعالى:
{الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}([569]). وكإخباره بنتائج حرب بدر العظمى، وغير ذلك([570]).
وربما يقال: إنه لتضمن القرآن للمعارف العلمية، التي تنسجم مع العقل والبرهان، وإخباراته عن سنن الكون وأسرار الخليقة، وأحوال النظام الكوني، وغير ذلك من أمور لا يمكن الوصول إليها إلا بالعلم والمعرفة الشاملة والواسعة، الأمر الذي لم يكن متوفراً في البيئة التي عاش فيها النبي >صلى الله عليه وآله< كقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ}([571]) وغير ذلك من الآيـات التي تشير إلى دقائق وحقائق علمية في مختلف العلوم والفنون.
وربما يقال: إن إعجازه إنما هو في نظامه التشريعي الذي جاء به، والذي لا يمكن لرجل عاش في بيئة كالبيئة التي عاش فيها الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله< وعانى من الظروف والأحوال الاجتماعية، ومستوى الثقافة في ذلك العصر، أن يأتي بمثل ذلك مهما كان عظيماً في فكره، وذكائه، وسعة أفقه.
ولربما نجد الإشارة إلى هذين الرأيين في قوله تعالى:
{قُل لَّوْ شَاء اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}([572]).
وأخيراً، فلربما يقال: إن إعجاز القرآن هو في عدم وجود الاختلاف فيه، ولذلك ترى أنه قد تحداهم بذلك فقال:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً}([573]).
وثمة إشارات أخرى لجزئيات ربما يدخل أكثرها فيما قدمناه.. ولعل فيما ذكرناه كفاية.
وثمة قول آخر، أكثر شيوعاً ومعروفية ولا سيما بين القدماء، وهو إعجاز القرآن في الفصاحة والبلاغة، وقد كتبوا في هذا الموضوع الشيء الكثير قديماً وحديثاً.
أما نحن فنقول: إن هذا الأخير هو السر الأعظم في إعجاز القرآن الكريم حقاً، وهو يستبطن سائر الجوانب الإعجازية المذكورة آنفاً وغيرها مما لم نذكره([574]).
لماذا الأخير فقط؟!
وأما لماذا هذا الأخير فقط دون سواه؟! فإن ذلك واضح، حيث إننا نقصد ب >البلاغة< معنى أوسع مما يقصده علماء المعاني والبيان، وهذا المعنى يستبطن جميع وجوه الإعجاز وينطبق عليها، وبيان ذلك يحتاج إلى شيء من البسط في البيان فنقول:
إنه إذا كان الرسول >صلى الله عليه وآله< قد أرسل للناس كافة فلا بد أن تكون معجزته بحيث يستطيع كل من واجهها:
أن يدرك إعجازها، وأنها أمر خارق للعادة وأنها صادرة عن قدرة عليا، وقوة قاهرة، تهيمن على النواميس الطبيعية، وتقهرها، وإلا فإنه إذا جاء شخص مثلاً إلى بلد، وادَّعى أنه يعرف اللغة الفلانية، ولم يكن أحد في البلد يعرف شيئاً من تلك اللغة، ولا سمع بها، فإنهم لا يستطيعون أن يحكموا بصدقه ولا بكذبه، إذ ليس لهم طريق لإثبات هذا الصدق أو الكذب.
وأما إذا ادَّعى أمراً لهم خبرة فيه، واستطاعوا أن يتلمسوا فيه مواقع خرقه للنواميس الطبيعية فلا بد لهم من التسليم له والقبول بدعوته؛ لأن ذلك يكون قاطعاً لعذرهم، وموجباً لخضوع عقولهم لما يأتي به.
وبكلمة موجزة نقول: لا بد أن تكون معجزة النبي في كل عصر متناسبة مع خبرات ذلك العصر، ولكل من أرسل إليهم؛ ليمكن إثبات إعجازها لهم، وإقامة الحجة عليهم.
وإذا كان القرآن قد تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فلا بد أن يكون وجه الإعجاز فيه سارياً ليصل حتى إلى أصغر سورة فيه.
وإذا نظرنا إلى ما ذكروه آنفاً، فإننا نجد أن بعض السور لا تشتمل على شيء مما ذكروه، مع أن التحدي به وارد.
أضف إلى ذلك: أن الإخبار بالغيب مثلاً لا يمكن أن يكون قاطعاً لعذر من ألقي إليهم إلا بعد تحقق المخبر عنه، وقد يطول ذلك إلى سنوات عديدة، أما من يأتون بعد ذلك فلربما يصعب عليهم الجزم بتحقق ما أخبر به.
أما القضايا العلمية، فلربما لا يكون من بينهم من له الخبرات اللازمة في تلك العلوم؛ ليمكن إدراك الإعجاز فيها؛ فإن ذلك رهن بتقدم العلم، وتمكن العلماء من استجلاء تلك الحقائق من القرآن.
وحتى لو أدرك ذلك بعضهم، فلربما يحمله اللجاج، أو غير ذلك من مصالحه الشخصية (بنظره) على إنكار ذلك وإخفائه.
كما كان الحال بالنسبة إلى أهل الكتاب، الذين كانوا يعرفون النبي >صلى الله عليه وآله< كما يعرفون أبناءهم، ويجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل، ولكن الأحبار والرهبان أخفوا ذلك وأنكروه لمصالح شخصية، أو لغير ذلك، مما وجدوا فيه مبرراً للإقدام على خداع أنفسهم، وخداع غيرهم، وهكذا يقال بالنسبة للإعجاز التشريعي، وغير ذلك من أمور.
ويبقى سؤال:
ما هو وجه الإعجاز في القرآن إذاً؟
وفي مقام الإجابة على هذا السؤال نقول:
بلاغة القرآن:
قبل كل شيء ينبغي التذكير بأن ما ذكرناه آنفاً، لا يعني أن الإخبار بالغيب، وغير ذلك مما ذكرناه، ومما لم نذكره، غير موجود في القرآن، بل هو موجود فيه بأجلى مظاهره وأعظمها، وهي معجزات أيضاً لكل أحد، ولكننا نقول:
إن ذلك ليس هو الملاك الأول والأخير لإعجاز القرآن، وإنما ملاك الإعجاز فيه هو أمر يستطيع كل أحد أن يدركه، وأن يفهمه، وهو أمر تشتمل عليه حتى السورة التي لا تزيد على السطر الواحد، كسورة الكوثر مثلاً. وهو أيضاً أمر يجده كل أحد، مهما كان تخصصه، ومهما كـان مستواه الفكري، وأياً كان نوع ثقافته، وفي أي عصر، وفي أي ظرف، وهو كذلك أمر يشمل كل ما تقدم وسواه مما لم نذكره، ويضمه تحت جناحيه؛ وذلك الأمر هو:
البلاغة:
فأما أن ما تقدم يرجع: إلى البلاغة؛ فلأن حقيقة البلاغة ـ كما عرفوها ـ هي: مطابقة الكلام لمقتضى الحال، أو للاعتبار المناسب، والقرآن مطابق لمقتضى الحال دائماً وفي كل زمان، وإلى الا بد ومع كل شخص؛ لأنه خطاب لهم جميعاً، ومعجز لهم جميعاً؛ فحين يخبر عن الغيب، فإنما اقتضى الحال ذلك. وكذلك حين يكشف عن أسرار الكون، وخفايا الطبيعة، ويشير إلى بعض الحقائق العلمية، وكذلك أيضاً حين يضع أعظم تشريع، وأروع نظام عرفته الإنسانية، إلى غير ذلك مما تقدم ذكره وما لم نذكره.
بل أن تكون ظروف نشأة الرسول الأعظم هي تلك، فإن ذلك له أهمية كبرى في قبول الدعوة، والإذعان لها، وكذلك فإن الكلام الذي يختلف صدره وذيـلـه، أو يختلف من وقت لآخر، مع كون الهدف واحداً، والمخاطب والمتكلم واحداً، لا يمكن أن يكون بليغاً، ولا مطابقاً لمقتضى الحال، كما يقولون.
الإعجاز بالبلاغة كيف؟ ولماذا؟!
وأما كيف عجزت الإنس والجن عن مجاراة هذا القرآن؟ وكيف أمكن اعتبار البلاغة القرآنية هي سر الإعجاز فيه؟ فإن ذلك يحتاج إلى توسع في القول، وبسط في البيان، فنقول:
إن لدلالة الكلام على المعنى في مقام التفهم والتفهيم شروطاً:
منها: أن يكون اللفظ الذي يلقيه المتكلم قادراً على تحمل المعنى المطلوب، بأي نحو من أنحاء التحمل، سواء من حيث مفردات الجملة، أو من حيث نوعية تركيبها، أو من جهة المقايسة بينها وبين غيرها.
ومنها: أن يكون المستوى الفكري والثقافي للمتكلم بحيث يستطيع أن يقصد تلك المعاني التي يقدر اللفظ على تحملها.
ومنها: أن يكون ذلك المعنى منسجماً أيضاً مع نوعية اختصاص ذلك المتكلم، ومع مراميه وأهدافه.
ومنها: قدرة المخاطب أو المخاطبين على استيعاب مقصود المتكلم، ولو على امتداد الزمن.
هذه هي الشروط التي لا بد أن تتوفر في عملية التفهم والتفهيم بين كل متكلم ومخاطب.
ولكن ذلك يحتاج إلى توضيح وتطبيق بالنسبة لما نحن بصدده، فنقول:
التوضيح والتطبيق:
وفي مجال التوضيح والتطبيق نقول:
إن اللغة العربية بما لها من خصائص ومميزات أقدر اللغات إطلاقاً على تحمل المعاني، فنجد أنهم يذكرون للجملة المؤلفة من كلمتين فقط عشرات الخصائص والمميزات التي تشير كل منها إلى العديد من الآثار المحتملة، التي يمكن للفظ أن يتحملها بالنسبة للمعنى المدلول، فالمسند إليه مثلاً تارة يكون اسماً جامداً وأخرى مشتقاً، وتارة يكون ظاهراً، وأخرى مضمراً، مقدماً أو مؤخراً، محذوفاً أو مذكوراً، منكراً أو معرفاً، والتعريف لكل واحد منها له أنحاء، لكل منها آثار وإشارات لخصوصيات في المعنى.
وكذا الحال في جانب المسند، الذي تارة يكون فعلاً ـ بأقسامه الثلاثة ـ وأخرى اسماً، جامداً، أو مشتقاً، معرفاً أو منكراً، مقدماً أو مؤخراً، مذكوراً أو محذوفاً، إلى آخر ما هنالك، وكل واحدة من هذه لها آثار مختلفة ومتعددة يحتمل إرادتها أيضاً.
فمثلاً قد يكون ذكره للتحقير أو عكسه، أو للتبرك به، أو إيهام استلذاذه، أو للتنبيه على غباوة السامع، أو للتقرير، أو للإيضاح، إلى غير ذلك.
وقد يحذف للتعظيم، أو للتحقير، أو للاستغناء عنه، أو لإيقاع السامع في حيرة، إلى غير ذلك مما هو مذكور في محله.
وكذا سائر الخصوصيات التي ذكرناها، وما لم نذكره أكثر بكثير.
هذا بالإضافة: إلى الاستـعارات، والكنايات، والتعريضات، والإشارات، وغير ذلك مما تكفل لبيانه علم المعاني والبيان والبديع.
حتى إنهم ليذكرون العديد من الامتيازات لقوله تعالى: {فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}([575]) على ما كان أبلغ كلام عند العرب، وهو قولهم: >القتل أنفى للقتل<.
ويكفي أن نشير: إلى أن جملة زيد قائم، إذا لوحظ المسند إليه فيها فإنه ظاهر، ومقدم، ومعرف بالعلمية، وكل من هذه الثلاثة يقع على حالات كثيرة، وكذا الحال بالنسبة للمسند وهو كلمة: قائم.
ثم لا بد من ملاحظة الهيئة التركيبية، وموقعها من غيرها، ومع ما لها من متعلقات.
وهكذا يتضح: أن الجملة الواحدة ربما تفيد معنى له العديد من الخصوصيات الهامة، فكيف إذا لوحظت تلك الجملة مع غيرها من الهيئات التركيبية الأخرى، ثم أريد استخلاص المعاني من المجموع؟
هذا كله، بالإضـافـة إلى لزوم معرفة أساليب العرب، وطرائق استعمالاتهم للكلام ومقاماتها، فإن ذلك يفيد كثيراً في الوقوف على معاني القرآن، وفهم مراميه.
وقد روي: أن بعضهم كان في مجلس الإمام السجاد >عليه السلام<؛ فقال له: يا ابن رسول الله، كيف يعاتب الله، ويوبخ هؤلاء الأخلاف على قبائح أتاها أسلافهم، وهو يقول: {لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}؟!([576]).
فقال زين العابدين >عليه السلام<: >إن القرآن نزل بلغة العرب، فهو يخاطب فيه أهل اللسان بلغتهم؛ يقول الرجل التميمي، قد أغار قومه على بلد، وقتلوا من فيه: أغرتم على بلد كذا، وفعلتم كذا؟!
ويقول العربي: نحن فعلنا ببني فلان، ونحن سبينا آل فلان، ونحن خربنا بلد كذا، لا يريد أنهم باشروا ذلك، ولكن يريد هؤلاء بالعذل، وأولئك بالافتخار: أن قومهم فعلوا كذا.
وقول الله عز وجل هذه الآيات إنما هو توبيخ لأسلافهم، وتوبيخ العذل على هؤلاء الموجودين؛ لأن ذلك هو اللغة التي نزل بها القرآن؛ ولأن هؤلاء الأخلاف أيضاً راضون بما فعل أسلافهم، مصوبون لهم؛ فجاز أن يقال: أنتم فعلتم؛ إذ رضيتم قبح فعلهم<([577]).
ولا بد أيضاً من معرفة خصوصيات الألفاظ وأسرار اختياراتها لمواقعها، وقد روي: أنه لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}([578]).
قال ابن الزبعرى: فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيراً، والنصارى تعبد عيسى >عليه السلام< فأخبر النبي >صلى الله عليه وآله< فقال: يا ويل أمه، أما علم إن >ما< لما لا يعقل و >من< لمن يعقل إلخ([579]).
هذا، ولقدرة اللغة العربية على تحمل المعاني الدقيقة والعميقة، نجد أن الله تعالى قد اختارها لتكون لغة القرآن، وقد نوه بذلك، ووجه إليه الأنظار والأفكار، ودعا إلى استخلاص المعاني الدقيقة من كتابه الكريم فقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([580]) وقال: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}([581]) وقال: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}([582]) إلى غير ذلك من الآيات، فلننظر بدقة إلى قوله: {لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} وإلى قوله: {لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} وإلى قوله: {مُّبِينٍ} فإنه كله يشير إلى ما ذكرنا.
وبالنسبة للمستوى الفكري، وهو الشرط الثاني نقول:
لو قال شخص عادي لا اطلاع له على شيء من العلوم: >كل شيء يحتاج إلى علة<، فإننا لا نفكر في مقصوده كثيراً، بل ينتقل ذهننا مباشرة إلى أن مراده هو المؤثر الظاهري في وجود الشيء؛ فإذا أراد شخص أن يقول:
لعله أراد العلة الغائية أو المادية، أو الصورية، أو قصد بالعلة السبب، أو العلة التامة ونحو ذلك.
فإننا نقول له فوراً: لا، إن كلامه لا يدل على ذلك ولا ينظر إليه، ولكن لو قال نفس هذه الكلمة ابن سينا مثلاً؛ فإننا لا بد أن نفكر لنعرف: هل أراد بالعلة واحداً مما تقدم أم لا؟.
وهل أراد بالشيء البسيط أم المركب؟!
وهل؟ وهل؟ إلى آخر ما هنالك من احتمالات يمكن لابن سينا أن يقصدها من كلمة كهذه.
وإذا كان القائل طبيباً مثلاً فإننا لا بد أن نفتش عن معان تتناسب مع اختصاصه ونوع ثقافته، وحتى أهدافه، فإن كل ذلك يؤثر تأثيراً كبيراً في تفهيم المعنى، ومعرفة نوعه ومستواه، حيث لا بد أن ينسجم مع تلك الأهداف، ويتلاءم مع المستوى الثقافي والفكري للمتكلم.
وأما إذا كان القائل يمتاز بسعة الأفق والشمولية، كأمير المؤمنين >عليه السلام<؛ فإننا لا بد أن نُعِد أنفسنا لطرح أي احتمال يتناسب مع شخصية ومستوى وثقافة وأهداف أمير المؤمنين >عليه السلام<، ولا بد أن نبحث الأعوام والسنين لنتمكن من التقرب ـ ولو بشكل محدود ـ إلى مراميه وأهدافه؛ لأن فهم جميع الخصوصيات التي يرمي إليها المتكلم لا يمكن إلا من قبل من يداني ذلك المتكلم في سعة الأفق، والشمولية، وعمق الفكر، والغوص في لجج الحقائق، وأين يمكن أن يوجد من هو مثل علي >عليه السلام< في مستواه العلمي الشامخ، سوى معلمه وأستاذه، النبي الأعظم >صلى الله عليه وآله<، ثم الأئمة >عليهم السلام< من ولده؟
ولعل إلى هذا يشير ما روي عنه >صلى الله عليه وآله<: يا علي، ما عرف الله إلا أنا وأنت، ولا عرفني إلا الله وأنت، ولا عرفك إلا الله وأنا([583]).
وبعد هذا فقد أصبح من الواضح: أن الله سبحانه وتعالى، وهو محيط بالكائنات، ومهيمن على كل الموجودات، وليس لعلمه حد محدود، ولا لصفته نعت موجود، إذا اختار اللغـة العربية ليحملها بعض مراميه وأهدافه ـ وهي اللغة القادرة على التحمل بشكل مذهل وهائل، ولا تضارعها في ذلك أية لغة أخرى ـ فإن هذا الإنسان المحدود في ملكاته، وقدراته، وطاقاته النفسية، والفكرية، وغيرها، لا يمكنه حتى ولو بقي أبد الدهر، وحتى لو استعان بكل مخلوق وموجود، وسخر كل ما لديه من طاقات وإمكانات ـ لا يمكنه ـ أن يكتشف إلا القليل القليل من المعارف القرآنية، ولن يكون بإمكانه أن يأتي هو وكل من معه بمثل هذا القرآن، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
إذن، فلا بد أن نبقى ننتظر ـ باستمرار ـ أن يكتشف الإنسان كل جديد في هذا القرآن، تبعاً لتقدم معارفه، ونمو قدراته الفكرية والثقافية.
وهذا تاريخ القرآن عبر القرون والأجيال، خير شاهد ودليل على ما نقول؛ حيث إننا نلاحظ:
أن كل عصر يمتاز بتقدم علم أو علوم، ويتألق فيه نجمها، ويقوى سلطانها، ثم تعود تدريجاً لتتراجع أمام زحف علم أو علوم أخرى لتحتل هي بدورها أيضاً مكان الصدارة في البحث والعمق والتحقيق وهكذا، ولكن هذا القرآن العظيم يبقى هو المهيمن في العصور كلها على العلوم والعلماء جميعاً، ويدرك الكل أنه فوق مستواهم، ولا تبلغه عقولهم، ولا تناله قدراتهم، ويجدون فيه ما يوجب خضوعهم لعظمته، ويدركون أنه لا يزال فيه ما يعجزون عن إداركه، والإحاطة به، فضلاً عن مجاراته.
كما أنه مع اختلاف الثقافات، والاتجاهات، والمستويات على مر العصور؛ فإن الكل يجدون هذا القرآن مطابقا لمقتضى الحال دائماً ومنسجماً معه، وهذا هو الإعجاز حقاً!!
وخلاصة الأمر: هذه المئات من السنين تمر، والأجيال تأتي وتذهب، والإنسان لا يزال يكتشف المزيد من معارف القرآن، وأسراره، ومراميه، وكلما توصل إلى شيء، فإنه يجد أن هذا القرآن ليس فقط قد جاء بمعارف ومرام لا تتناسب مع عقلية وثقافة عصر نزوله ـ الأمر الذي يؤكد على أنه من عند الله تعالى ـ وإنما يتجاوز ذلك كله، ليثبت لكل أحد: أن أغواره لا تزال تحتضن المزيد من المعاني والأسرار، التي يرى هذا الإنسان نفسه عاجزاً عن الوصول إليها والحصول عليها.
وأكثر من ذلك، فلقد أصبح معروفاً: أن الإنسان كلما أعاد قراءة هذا القرآن؛ فإنه يجده جديداً عليه في معانيه ومراميه، وذلك بسبب اختلاف حالات وتوجهات الإنسان، ونوعية الصور الحاضرة آنياً لديه، والأجواء والحالات النفسية المهيمنة عليه.
وهذه خصوصية ثابتة في القرآن لا تتغير ولا تتبدل على مر الدهور والعصور، وسيأتي أنه كلما ذهب قرن يأتي قرن آخر؛ فيطلعون على معنى جديد للآيات القرآنية ولا يزال الناس على ذلك إلى يوم القيامة، على اعتبار أنه كلما ترقت البشرية في مداركها ومعارفها، كلما كانت أقدر على اكتشاف معارف القرآن، واستكناه أسراره.
وعن أمير المؤمنين >عليه السلام< حول القرآن: >فيه علم ما مضى، وعلم ما يأتي إلى يوم القيامة، وحكم ما بينكم، وبيان ما أصبحتم فيه تختلفون<([584]).
وعنه >عليه السلام<: >لو شئت لأوقرت سبعين بعيراً من تفسير فاتحة الكتاب<([585]).
وعنهم >عليهم السلام<: >ظاهره أنيق، وباطنه عميق<.
وعنهم >عليهم السلام<: >ظاهره حكم، وباطنه علم<([586])، وما يشير إلى هذا المعنى كثير جداً لا مجال لاستقصائه.
ولعل إلى جميع ذلك يشير ما ورد عن الإمام الصادق وعن الإمام الحسين >عليهما السلام<:
>كتاب الله على أربعة أشياء، على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق؛ فالعبارة للعوام، والإشارة للخواص، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء<([587]).
ترجمة القرآن وتفسيره:
ومما تقدم نعرف: أن ترجمة القرآن وتفسيره غير ممكنين لهذا الإنسان المحدود بحدود الزمان والمكان، وغير المحيط بكل العلاقات الكونية، ولا المطَّلع على النواميس الطبيعية، في مختلف المجالات.
نعم، يمكن لمن يتصدى لترجمة القرآن أو لتفسيره أن يقول: هذا ما فهمته من القرآن، بحسب ما توفر لدي من أدوات تساعد على اكتشاف المعاني، من المفردات والهيئات التركيبية، وبحسب مستوى ثقافتي ومعارفي وقدراتي المحدودة بالنسبة إلى الله الذي ليس لعلمه حد.
للقرآن ظهر وبطن:
قد تقدم آنفاً عن أمير المؤمنين >عليه السلام<: لو أردت أن أوقر على الفاتحة سبعين بعيراً لفعلت أو بما معناه، ويظهر صدق قوله هذا مما ذكرناه.
ويمكن بعد هذا: أن نفهم معنى قولهم >عليهم السلام<: إن للقرآن ظهراً وبطناً، أو أكثر، وقد روي هذا المعنى من طرق غير الشيعة أيضاً، وفسر بما يشير إلى ما ذكرناه.
ففي خطبة منسوبة له >صلى الله عليه وآله<: >له ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، لا تحصى عجائبه، ولا يشبع منه علماؤه<([588]).
وعنه >صلى الله عليه وآله<: >ما في كتاب الله آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حد مطلع<([589]).
قال ابن المبارك: >سمعت غير واحد في هذا الحديث:
ما في كتاب الله آية إلا ولها ظهر وبطن، يقول: لها تفسير ظاهر، وتفسير خفي، ولكل حد مطلع، يقول:
يطلع عليه قوم فيستعملونه على تلك المعاني، ثم يذهب ذلك القرن، فيجيء قرن آخر، فيطلعون منها على معنى آخر، فيذهب عليه ما كان عليه من كان قبلهم؛ فلا يزال الناس على ذلك إلى يوم القيامة<([590]).
وعن ابن عباس قال: >إن القرآن ذو شجون، وفنون، وبطون، ومحكم، ومتشابه، وظهر وبطن، فظهره التلاوة، وبطنه التأويل<([591]).
وعن الحسن البصري: ما أنزل الله عز وجل آية إلا ولها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، وكل حد مطلع([592]).
وعن ابن مسعود: >إن القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله ظهر وبطن وإن علي بن أبي طالب عنده منه الظاهر والباطن<([593]).
وأوضح من ذلك في الدلالة على ما ذكرناه، ما نقل عن أبي الدرداء: >لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهاً كثيرة<([594]).
وقال علي >عليه السلام< لابن عباس، حينما أرسله لحجاج الخوارج: >القرآن حمال ذو وجوه<([595]). وراجع ما يروى عن الإمام أبي جعفر >عليه السلام< حول أن للقرآن ظهراً وبطناً في المصادر المعدة لذلك([596]).
بل قال بعضهم: إن الأخبار تدل على أن >للقرآن بطوناً سبعة أو سبعين<([597]).
وقد ألفوا كتباً فيما تضمنه القرآن من علم الباطن([598]).
وإذن فلماذا ينسب القول بأن للقرآن بطناً وظهراً إلى الشيعة فقط؟!
ولماذا أيضاً يشنعون على الشيعة إذا تفوهوا بهذا الأمر، أو كتبوه، إذا كانت الروايات الدالة عليه موجودة عند غيرهم، كما هي موجودة عندهم؟!
وإذا كان معنى الظهر والبطن: هو أن يكون ذلك المعنى الذي يزاح عنه الستار مما يمكن للفظ أن يتحمله، وللمتكلم أن يقصده ليكون بالنسبة للبعض بمنزلة البطن لهذا المعنى المكشوف؛ فأي محذور عقلي أو شرعي يحصل من الالتزام بهذا؟!
وليكن للقرآن بطون سبعة أو سبعون، أو أكثر، يكتشفها هذا الإنسان كلما ترقى في مدارج المعرفة، أو يكشفها له الأئمة الراسخون في العلم، الذين أشار إليهم القرآن الكريم.
التقوى تعين على فهم القرآن:
وبعد، فإن من الواضح: أن الطهارة من الذنوب تعين على فهم القرآن، ففي دعاء ختم القرآن عن زين العابدين >عليه السلام< قال: >واجعل القرآن لنا في ظلم الليالي مؤنساً، ومن نزغات الشيطان، وخطرات الوساوس حارساً، ولأقدامنا عن نقلها إلى المعاصي حابساً، ولألسنتنا عن الخوض في الباطل من غير ما آفة مخرساً، ولجوارحنا عن اقتراف الآثام زاجراً، ولما طوت الغفلة عنا من تصفح الاعتبار ناشراً، حتى توصل إلى قلوبنا فهم عجائبه، وزواجر أمثاله إلخ<([599]).
المحكم والمتشابه:
هذا وقد أشير إلى وجود المحكم والمتشابه في القرآن في قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ}([600]).
هذا، مع العلم بأن الله تعالى لا يريد أن ينزل لعباده كتاباً فيه الألغاز والأحاجي، بل هو كما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}([601]). وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([602]).
إذن، فلا بد أن يراد بالمتشابه معنى ينسجم مع واقع القرآن وأهدافه، ولعل التأمل فيما قدمناه يسهل علينا فهم المراد منه، ولأجل إيضاح ذلك نقول:
إن المتشابه هو الكلام الذي لا ينبئ ظاهره عن المراد، بل يحتمل من لم يكن راسخاً في العلم فيه وجوهاً من المعاني، التي لا يكون بعضها منسجماً مع أهداف ومبادئ المتكلم، ولكن لو دقق في اللفظ وفي خصوصياته، وجمع بين بعضها البعض لأمكنه إدراك عدم إمكان تحملها لذلك المعنى الفاسد.
ولأجل ذلك، نجد الذين في قلوبهم زيغ يحاولون انتهاز الفرصة للتشبث بهذا النوع من الآيات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وعطف اتجاهه؛ ليلائم أهواءهم، ومن أجل الطعن في القرآن والإسلام {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ}([603])، لأنهم يردون المتشابه إلى المحكم الذي يبين أهداف ومرامي الله تعالى، ويوجه التعبير في المتشابهات ليفيد المعنى المقصود، ويبين بعض ما خفي من وجوهه وخصوصياته.
لا بد من وجود المتشابه في القرآن:
وينقل الرازي: أن من الملاحدة من طعن في القرآن لاشتماله على المتشابه، إذ كيف يكون مرجعاً للناس في كل عصر، مع وفرة دواعي الاختلاف فيه؛ حيث يجد كل صاحب مذهب فيه مأربه؛ فإن هذا لا يصدر عن الحكيم([604]).
ولعل ما ذكرناه فيما تقدم يكفي في الإجابة عن هذه الترهات. ونزيد هنا ما ذكره العلامة الطباطبائي، فإنه قال ما حاصله:
إنه كان لا محيص عن وقوع التشابه في القرآن، لأنه كان يجري في تعابيره الرقيقة مع أساليب القوم، مع سمو معناه، وعمق مغزاه، في مقابل انحطاطهم في المستوى الفكري والثقافي.
وقد جاء القرآن بمفاهيم جديدة، كانت غريبة عن نوعية أفكار ومفاهيم المجتمع البشري آنذاك، ولا سيما في جزيرة العرب، البعيدة عن الثقافة والمعرفة، في حين التزامه في التعبير عن تلك المقاصد العالية بنفس الأساليب التي كانت معروفة في ذلك العهد، الأمر الذي ضاق بتلك الألفاظ التي كانت موضوعة للتعبير عن معانٍ محسوسة، أو قريبة من الحس، ومحدودة في نطاق ضيق، تتناسب مع ذهنية العربي وثقافته والتعبير عن معانٍ مبتذلة ـ لقد ضاق الأمر بتلك الألفاظ ـ عن أن تحيط بتلك المفاهيم الرحبة الآفاق، البعيدة الأغوار، وجاء استعمال تلك الألفاظ للتعبير عن هذه المقاصد العالية غريباً عن المألوف العام، وعن ذهنية الإنسان العادي.
ومن ثم، فقد قصرت أفهامهم عن إدراك حقائقها ودقائقها، ولا سيما حين رأوا:
أن القرآن يستعمل في التعبير عن مقاصده صنوف المجاز، والاستعارات، والتشبيهات، والكنايات، ودقائق الإشارات، واستعمل مختلف خصائص اللغة العربية، سواء منها ما يتعلق بالمفردات، أو بالهيئات التركيبية؛ ليمكن إخضاع تلك المعاني السامية للقوالب اللفظية المحدودة والمألوفة.
وكان ذلك سبباً في تقريب تلك المعاني إلى أفهام العامة، من حيث أنه أخضعها للقوالب اللفظية، المأنوسة والمألوفة لديهم، وسبباً في بعدها، من حيث عدم قدرة تلك القوالب اللفظية على استيعاب معانٍ لم تكن هي مستعدة للتعبير عن مثلها([605])، إلا بالتوسل بلطائف الإشارات والكنايات، ودقائق الخصائص اللفظية للتعبير عنها، حسبما أشرنا إليه من قبل، فصعب على الإنسان العادي إدراك تلك المقاصد العالية، واشتبه عليه الأمر؛ فكان لا بد له من الاستعانة بالراسخين في العلم، الذين اختصهم الله بفضله وكرمه لإيضاح مقاصده وأهدافه ومراميه، ممن كانوا على مستوى رفيع من عمق الفهم، وسلامة التفكير، ونفذت بصيرتهم إلى الحقائق الراهنة، فنالوها، وهم أئمة أهل البيت الأطهار >عليهم السلام<.
الـتـأويـل:
لقد أشير إلى التأويل في القرآن الكريم، وأن ثمة من يعرف هذا التأويل، وهم الراسخون في العلم، وإن كانوا يعترفون بعجزهم عن إدراك كل الملابسات التي يمكن أن تكتنف هذا المعنى المقصود، إلا إذا أوقفهم الله تعالى على ذلك.
قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا}([606]).
وقد رأينا: أن بعض الفئات الضالة تحاول الاستفادة من موضوع التأويل بما يخدم أهدافها الهدامة، ومذاهبها الضالة، فجاؤوا بالتأويلات التي تضحك الثكلى، حتى إنك لتجد بعض الأحزاب المنحرفة من الذين يعتنقون الماركسية، ويتظاهرون بالإسلام، يحاولون تفسير الإسلام والقرآن بحيث ينسجم مع الماركسية التي تناقضه أساساً، فيقولون ـ مثلاً ـ في قوله تعالى: {قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرَّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ}([607]).
ـ يقولون ـ : إن المراد بهذا اليوم ليس هو يوم القيامة، وإنما المراد به اليوم الذي تتحقق فيه الاشتراكية، ويزول النظام الطبقي، وتنتفي فيه الملكية الشخصية([608]).
بل قالوا: إن المقصود بالمعاد في الإسلام والقرآن، هو القضاء على النظام الطبقي في المجتمع ليس إلا، إلى غير ذلك من ترهاتٍ بعيدة عن روح الإسلام والقرآن، جاء بها هؤلاء وغيرهم من الفئات الضالة.
والحقيقة هي: أن هذا ليس هو التأويل الذي أشار إليه القرآن، وإنما هو التفسير بالرأي الذي ورد النهي عنه بشدة من قبل المعصومين >عليهم السلام<، وهذا بعينه هو اتباع ما تشابه من القرآن، ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله.
أما التأويل الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، الذين هم أهل البيت >عليهم السلام<، حسب نص الروايات([609])، فهو معرفة ما يؤول إليه الأمر، بحسب ما تضمنه الكلام من إشارات ودلالات؛ كقوله: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ}([610]).
وبعبارة أخرى: التأويل هو الكشف عن المرامي والمعاني التي يشير إليها اللفظ، بما له من خصوصيات في مفرداته، وهيئاته التركيبية، وبعد مقايسته بغيره وملاحظة مدى انسجام ذلك المعنى مع مبادئ وأهداف المتكلم نفسه.
وإذا ما أريد الوصول إلى واقع المعنى من الآيات القرآنية بما له من خصوصيات وأحوال؛ فلا بد من الرجوع إلى من يتمكن بما أوتي من معارف وعلوم، حتى أصبح من الراسخين في العلم، للكشف عن المعاني القرآنية الدقيقة، التي يخفى على غير الراسخين كيفية تحمل اللفظ لها، وإن كان بالنسبة إليهم ربما يكون من البديهات، فيرجعون ذلك المتشابه إلى ذلك المحكم.
ومن هنا تبرز الحاجة المستمرة إلى هؤلاء الراسخين في العلم، الذين ورد في الروايات أنهم ـ بالذات ـ أئمة أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالتأويل هو الكشف عما تؤول إليه المعاني، بواسطة معرفة سائر خصوصياتها ومراميها.
الحروف المقطعة في القرآن:
وقد كثر الحديث عن الحروف المقطعة الواردة في فواتح السور القرآنية، وتعددت وتشعبت الأقوال في ذلك، حتى عد المفسرون ما يقرب من عشرين قولاً حول المراد منها، نذكر منها ما يلي:
1 ـ هي من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله سبحانه.
2 ـ هي أسماء للسور التي وقعت في أوائلها.
3 ـ إنها أسماء لمجموع القرآن.
4 ـ إنها أسماء لله سبحانه ف >ألم< معناها: أنا الله العالم و >ألمر< معناها: أنا الله أعلم وأرى. وهكذا.
5 ـ إنهـا أسـماء لله مقطعة لـو أحسن تأليفهـا لعلم اسم الله الأعظم، ف (ألر، وحم، ون). تصير: الرحمن. وهكذا.
6 ـ إن هذه الحروف شريفة لكونها مباني كتبه المنزلة وأسمائه الحسنى وصفاته العليا، وأصول لغات الأمم.. وقد أقسم الله تعالى بهذه الحروف.
7 ـ إنها إشارات إلى آلائه سبحانه، وبلائه، ومدة الأقوام وأعمارهم وآجالهم! ([611]).
8 ـ إنها إشارة إلى بقاء هذه الأمة بحسب حساب الجمل.
9 ـ إنها تسكيت للكفار الذين تواصوا فيما بينهم أن: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيه}([612])؛ فكانوا إذا سمعوا هذه الحروف استغربوها، وتفكروا فيها، فيقرع القرآن مسامعهم.
10 ـ إنها للإشارة إلى معانٍ في السورة؛ فكلمة >ن< إشارة إلى ما تشتمل عليه السورة من النصر المـوعود وكلمة >ق< إشارة إلى القرآن، أو إلى القهر([613]).
إلى غير ذلك من أقوال لا مجال لتتبعها.
ولعل آخر ما يمكن أن يعتبر رأياً في هذا المجال.. هو ما ذكره بعض المتأخرين، واعتبر بمثابة >إعجاز مدهش جديد للقرآن الكريم يكتشفه عالم مصري<، وهو: أن هذه الحروف المقطعة تدخل كعنصر هام وحاسم في موضوع الإعجاز العددي للقرآن..
ونحن لا نريد أن نسيء الظن فيما يتعلق بهذا الرأي، على اعتبار أنه يعتمد الرقم (19)، ويتخذه محوراً في مجمل استنتاجاته، وهو الرقم المقدس عند طائفة البهائية الضالة..
كما أننا لا نريد المبالغة في التشاؤم إلى حد أن نعتبر أن ذلك يهدف إلى صرف الأنظار عن دقائق المعاني القرآنية الباهرة إلى الاهتمام بالظواهر والقوالب اللفظية.
لا.. لا نريد ذلك.. فإننا نأمل أن يكون ثمة قدر كبير من حسن النية، وسمو الهدف.
وإنما نريد أن نؤكد على أن بعض الباحثين([614]) قد تتبع هذه النظرية بالبحث والتمحيص، حتى خرج بنتيجة حاسمة، مفادها: الجزم بخطأ هذه النظرية، وذلك لعدم صحة الأرقام التي قدمتها، واعتبرتها أساساً صالحاً للتدليل على قيمتها العلمية، فقد قال هذا المحقق الذي رمز لنفسه ب >أبو محمد<: قولهم: كلمة >اسم< تتكرر 19 مرة بالضبط.
أقول: ذكر في المعجم المفهرس عدد 19 تحت كلمة اسم وذكر أن كلمة >بسم< تكررت ثلاث مرات في قوله تعالى: {بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا}([615])، {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}([616]). و {إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ}([617]).
وذكر كلمة >اسمه<.
وقال: إنها تكررت خمس مرات.
وقولهم: إن كلمة >الرحيم< تتكرر 114 مرة نقول: بل تتكرر 115 مرة بالضبط.
وقالوا: إن حرف >ن< قد تكرر في سورة القلم 133 أي أنه حاصل 19 ضرب 7.
ونقول: بل يتكرر 129 مرة فقط، ولو كررنا المشددات مثل أن فإن المجموع يصير أكثر من ذلك بكثير.
وقالوا: إن حرف >ص< يتكرر في كل من: سورة الأعراف التي أولها >ألمص< وسورة >ص<، وسورة >مريم< التي أولها >كهيعص< 153 أي أنه حاصل 19 ضرب 8.
ونقول: إن عدد الصادات في سورة الأعراف هو 90 صاداً، ولعله قد اشتبه علي واحد أو اثنان، وفي سورة >مريم< 24 >كذلك< وفي سورة >ص< 27 مرة فليس المجموع153 ولا في كل واحدة منها 153 أيضاً([618]).
أما العلامة الطباطبائي قدس سره، فقد أورد على الأقوال التي سلفت باستثناء هذا الأخير، حيث لم يذكره >قدس سره< .. بأن:
دعوى كون الحروف المقطعة من المتشابهات لا يصح، وذلك لأن التشابه من صفات الآيات التي لها دلالة لفظية على مداليلها، وليست الحروف المقطعة من هذا القبيل.
وأما سائر الأقوال، فإنما هي تصويرات لا تتعدى الاحتمال، ولا دليل يدل على شيء منها، وأما الروايات التي ربما يستظهر منها بعض التأييد لبعض تلك الأقوال، فقد ردها >رحمه الله< بضعف السند تارة ولضعف الدلالة أخرى، حيث لا يوجد فيها تقرير من النبي >صلى الله عليه وآله< لما فهمه الآخرون منها أو لأن مفاد الرواية أن هذه الحروف من قبيل الرمز لمعانٍ تكرر بيانها، ولا حاجة لاستعمال الرمز في التعبير عنها.
ثم استظهر >رحمه الله<: أن هذه الحروف هي رمز بين الله سبحانه وبين رسوله، خفي عنا، لا سبيل لأفهامنا العادية إليها إلا بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطاً خاصاً، حيث وجد >رحمه الله< تشابهاً في سياق وفي مضامين السور التي اشتركت حروف معينة في فواتحها، كالطواسين والحواميم، والميمات والراءات ونحو ذلك.
ونقول:
إننا لا نستطيع الموافقة على ما ذكره رحمه الله تعالى، فإن القرآن ليس كتاب ألغاز، أو أحاجٍ، وإنما أنزله الله تعالى:
{هُدىً لِّلنَّاسِ}([619]).
{لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}([620]).
{بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}([621]).
{قُرْآناً عَرَبِيَّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([622]).
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}([623]).
وقد لاحظ بعض المحققين: أن تعقيب هذه الأحرف بأن هذا الكتاب >مبين< وواضح، و >أنه قرآن عربي لقوم يعلمون<، أو >لعلكم تعقلون< لا يناسب كون تلك الألفاظ رموزاً، أو من قبيل الألغاز والأحاجي، قال تعالى في سورة يوسف:
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}([624]).
ومهما يكن من أمر، فإن لدينا من الشواهد والدلائل ما يكفي لإعطاء فكرة عن المراد من هذه الحروف، ونستطيع بيان ذلك في ضمن النقاط التالية:
1 ـ إننا في نفس الوقت الذي نعتبر فيه أن ما سنذهب إليه ليس هو المقصود النهائي من هذه الأحرف، فإننا نؤكد على أننا لا نستبعد إرادة سائر المعاني، مما ذكر أو لم يذكر منها، إذا دلَّ الدليل على إرادتها أيضاً، فإن للقرآن ظهراً وبطناً، ولعل لاختلاف الأزمنة، وتقدم الفكر والعلم، تأثيراً في فهم الكثير من المعاني الأخرى، التي يمكن أن تكون هذه الأحرف مشيرة إليها، أو دالة عليها، بنحو من أنحاء الإشارة والدلالة.
2 ـ إننا نلاحظ: أننا لم نجد في التاريخ ما يشير إلى أن أياً من الصحابة أو من غيرهم من المشركين أو من أعداء الإسلام قد تصدى للسؤال أو الاستفهام عن معاني هذه الأحرف، وعما ترمي إليه..
ولو سلمنا جدلاً أن سكوت الصحابة يمكن أن يكون ناشئاً عن إيمانهم العميق، وعن وصولهم إلى درجة التسليم والخضوع لكل ما يأتي به النبي >صلى الله عليه وآله< نتيجة لما رأوه من الآيات الباهرة، والمعجزات القاهرة ـ رغم أن ذلك لا ينطبق على كثيرين غيرهم.. ورغم عدم منافاة ذلك للسؤال الاستفهامي عن أمر كهذا ـ فإننا لا نستطيع أن نفسر سكوت المشركين وغيرهم من أعداء الإسلام عن أمر كهذا، وهم في موقع التحدي والمجابهة، ويحاولون التشبث ولو بالطحلب للطعن في الإسلام والنبوة والقرآن، فسكوتهم هذا ـ والحالة هذه ـ لا يعني إلا أنهم قد فهموا منها معنى قريباً إلى أذهانهم، وأن ذلك المعنى الذي فهموه كان يكفي للإجابة عما يمكن أن يراود أذهانهم من تساؤلات..
3 ـ إننا نجد: أن هذه الحروف قد وردت في تسع وعشرين سورة، ستة وعشرون منها نزلت في مكة، وثلاث منها نزلت في المدينة.
وحتى هذه السور التي نزلت في المدينة يلاحظ: أن اثنتين منها قد نزلتا في أوائل الهجرة، حيث كان الوضع الديني والإيماني فيها لا يختلف كثيراً عنه في مكة، ولا سيما مع وجود اليهود وشبهاتهم ومؤامراتهم إلى جانب المشركين فيها.
وواحدة منها وهي سورة الرعد قد نزلت بعد أن كثر الداخلون في الإسلام رغباً أو رهباً، وكثر المنافقون حتى ليرجع ابن أبي بثلث الجيش في غزوة أحد..
وأصبح اليهود وغيرهم ممن وترهم الإسلام يهتمون بالكيد للإسلام من الداخل، بعد أن عجزوا عن مقاومته عسكرياً وفكرياً، وعقائدياً بشكل سافر..
فجاءت سورة الرعد لتكرر التحدي بهذه المعجزة: القرآن، كأسلوب أمثل لبعث عمق عقيدي وإيماني جديد في المسلمين، ومواجهة غيرهم بالواقع الذي لا يجدون لمواجهته سبيلاً إلا بالتسليم والبخوع والانقياد له.
وهذا ما يفسر لنا السر في أننا نجد أسلوب وأجواء سورة الرعد لا تختلف كثيراً عن أجواء وأسلوب غيرها من السور المكية، وأن هنالك توافقاً فيما بينها في إدانة وضرب كل أساليب التضليل أو التزوير، والصدود عن الحق..
ونستطيع بعد كل ما تقدم أن نصل إلى النتيجة التالية، وهي:
أن ورود هذه الحروف في خصوص السور المكية، وفي ثلاث سور نزلت في أجواء لا تخلتف كثيراً عن أجواء مكة ليدل دلالة قاطعة على أنها إنما جاءت في مقام التحدي للمشركين، ولأعداء الإسلام.. وأن عدم اعتراض هؤلاء، أو حتى عدم سؤالهم، وكذلك عدم سؤال أي من الصحابة المؤمنين عن معاني هذه الحروف إنما يشير إلى أنهم إنما فهموا منها معانيَ قريبة إلى أذهانهم، كافية للإجابة على ما ربما يختلج في نفوسهم من أسئلة حولها.
وليس ذلك إلا ما ذكرنا من التحدي بهذا القرآن، المركب من أمثال هذه الحروف التي هي تحت اختيار الجميع، مع أنه يعجز عن مجاراته والإتيان بمثله وحتى بسورة من مثله.
4 ـ إننا إذا راجعنا الآيات التي وقعت بعد هذه الحروف، فإننا نجد:
ألف: أن جميع السور التي وقعت الحروف المقطعة في فواتحها باستثناء سورتين أو ثلاث نجد الآيات التي وقعت بعد هذه الحروف تتحدث عن الكتاب وآياته، أو القلم أو القرآن، ونحو ذلك كقوله تعالى:
{المص، كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ} [الأعراف].
{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم].
{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف].
{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود].
{حم، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان].
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص].
{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم].
وحتى تلك السور الاثنتان أو الثلاث فإنه يمكن أن يكون في تلك القصة، أو الإخبارات الغيبية أو الحِكم التي تذكر بعد هذه الحروف، من الإعجاز ما يكفي لأن يجعل تركيبها من أمثال تلك الحروف المذكورة، وعجز الالجن والإنس عن الإتيان بمثلها كافياً عن التصريح في ذلك..
ب: إننا نجد أن الآيات التي وقعت بعد الأحرف المقطعة قد صُدّرت باسم الإشارة ليكون خبراً عن الحروف المقطعة، لأنه إشارة لما قبله.
ولا يصح أن يكون إشارة لما بعده لأن ما بعده ليس الألف ليكون بدلاً أو عطف بيان له.. وذلك مثل قوله تعالى:
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيَّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف].
{الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ} [الحجر].
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الحَكِيمِ} [يونس].
وكذلك الحال بالنسبة لسورة الرعد، والحجر وغيرهما من السور.
أما مثل قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} [البقرة] فالكتاب بدل أو عطف بيان.
ج: ما هو من قبيل قوله تعالى:
{حم، تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [فصلت]. فإن قوله تنزيل خبر لقوله: {حم} كما قاله الفراء، وكما هو الظاهر..
وجعل كتاب خبراً لتنزيل، لا يستسيغه الذوق السليم، ولا ينسجم مع المعنى المقصود، ولاسيما مع تنوين كلمة تنزيل وتنكيرها، وكذلك الحال في قوله تعالى:
{الم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ} [السجدة].
{حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [المؤمن/ غافر].
وكذا الحال فيما ورد في أول سورة الجاثية والأحقاف..
وقد أعرب المفسرون وغيرهم هذه الموارد على أن كلمة >تَنزِيلُ< خبر لمبتدأ محذوف، أو نحو ذلك مع أن إعرابها على النحو الذي ذكرناه هو الأنسب والأظهر، وإن كان إعرابهم لا ينافي ما ذكرناه أيضاً، فإن تقدير كلمة >هو<، أو كلمة: >هذا< المقدرة مبتدأ ظاهرها الإشارة إلى ما قبلها أيضاً..
د: قوله تعالى:
{حم، عسق، كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الشورى].
فإن قوله: >كَذَلِكَ< يشار بها في القرآن عادة إلى ما قبلها، أي كتلك الحروف التي سبقت يوحي إليك الله تعالى، أي إن آيات الله هي من جنس هذه الأحرف.
هـ: وبعد، فلقد جاء في رواية عن الإمام العسكري صلوات الله وسلامه عليه، أنه قال: كذبت قريش واليهود بالقرآن، وقالوا: سحر مبين تَقَوَّلَه.
فقال الله: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ} أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك هو الحروف المقطعة التي منها >ألف، لام، ميم< وهو بلغتكم وحروف هجائكم، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم.
ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله:
{قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}([625])<([626]).
وضعف هذه الرواية لا يضر ما دامت مؤيدة بما قدمناه من الشواهد والدلائل..
هذا على الرغم من أننا نجد في كلام المجلسي ما يشير إلى إمكان الاعتماد على روايات تفسير العسكري.. مع أننا لا نجد ما يبرر الوضع والجعل في أمر كهذا..
آخر ما نقوله حول الحروف المقطعة:
وأخيراً.. فإنه يمكن أن تكون في القصة التي تذكر بعد هذه الحروف المقطعة، أو في الحِكم، أو التنبؤات من الإعجاز ما يكفي لأن يجعل تركبها من الحروف المذكورة في بداية السورة، وعجز الغير عن الإتيان بمثلها كافياً في ذلك.
ومع كل ما قدمناه، فإننا نعود ونؤكد على أن ما ذكرناه ليس هو كل المراد من هذه الحروف، فقد تكون لها إشارات ومرامٍ أخرى تضاف إلى ما ذكرناه، ولا مانع من صحة كثير من الاحتمالات التي ذكرت في معانيها، ولربما يكون لاختلاف الأزمنة تأثير في فهم هذه المعاني، كما أشرنا إليه حين الكلام حول أن للقرآن ظهراً وبطناً.
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي
2 ـ الفهرس التفصيلي
1 ـ الفهرس الإجمالي
القسم الثاني: ما قبل البعثة
الباب الأول: البداية الطبيعية
الفصل الأول: ما قبل ميلاد النبي ' ..........................15 ـ 70
الفصل الثاني: بحوث تسبق السيرة ............................71 ـ 136
الباب الثاني: من الميلاد إلى البعثة
الفصل الأول: عهد الطفولة ................................ 139 ـ 186
الفصل الثاني: خديجة في بيت النبي .......................... 187 ـ 222
الفصل الثالث: البعثة ...................................... 223 ـ 282
القسم الثالث: من البعثة حتى الهجرة
الباب الأول: من البعثة إلى الإعلان بالدعوة
الفصل الأول: البعثة والمعجزة .............................. 287 ـ 338
الفهارس.................................................. 339 ـ 351
2 ـ الفهرس التفصيلي
TOC \o "1-1" \u \t "عنوان 2;1;عنوان 3;1;عنوان 4;1;عنوان 5;1;عنوان 6;1" إيضاحات ضرورية:............................................................. PAGEREF _Toc98740619 \h 5
القسم الثاني: ما قبل البعثة
الباب الأول: البداية الطبيعية للسيرة
الفصل الأول: ما قبل ميلاد النبي '
البداية الطبيعية:................................................................. PAGEREF _Toc98740627 \h 17
الوضع الجغرافي لشبه جزيرة العرب:..................................... PAGEREF _Toc98740628 \h 17
الحضر في شبه جزيرة العرب:.............................................. PAGEREF _Toc98740629 \h 19
الحالة الاجتماعية عند العرب:............................................... PAGEREF _Toc98740630 \h 20
المرأة في الجاهلية:............................................................. PAGEREF _Toc98740631 \h 21
شواهد عن حالة العرب في الجاهلية:....................................... PAGEREF _Toc98740632 \h 22
علوم العرب:..................................................................... PAGEREF _Toc98740633 \h 24
ميزات وخصائص:............................................................ PAGEREF _Toc98740634 \h 27
من امتيازات العرب:........................................................... PAGEREF _Toc98740635 \h 27
الإسلام وتلك الصفات:........................................................ PAGEREF _Toc98740636 \h 32
متى كان بناء مكة؟!............................................................ PAGEREF _Toc98740637 \h 34
ألف: بناء الكعبة:...................................................... PAGEREF _Toc98740638 \h 35
ب: دعاء إبراهيم ×:................................................. PAGEREF _Toc98740639 \h 36
ج: تقديس الكعبة:..................................................... PAGEREF _Toc98740640 \h 37
الأصنام، والكعبة:.............................................................. PAGEREF _Toc98740641 \h 40
ولاية الكعبة:..................................................................... PAGEREF _Toc98740642 \h 43
مكانة قريش:..................................................................... PAGEREF _Toc98740643 \h 45
أنا ابن الذبيحين:................................................................. PAGEREF _Toc98740644 \h 47
من هو الذبيح:................................................................... PAGEREF _Toc98740645 \h 48
خلاصة وبيان:.................................................................. PAGEREF _Toc98740646 \h 52
أهل الكتاب هم الداء الدوي:................................................... PAGEREF _Toc98740647 \h 52
ملاحظات هامة:................................................................ PAGEREF _Toc98740648 \h 54
النسخ في قصة إبراهيم ×:.................................................... PAGEREF _Toc98740649 \h 62
البداء عند الشيعة:............................................................... PAGEREF _Toc98740650 \h 63
التوضيح والتطبيق:............................................................. PAGEREF _Toc98740651 \h 64
إشكال.. وجوابه:................................................................ PAGEREF _Toc98740652 \h 66
اليهود، والبداء:.................................................................. PAGEREF _Toc98740653 \h 68
الفصل الثاني: بحوث تسبق السيرة
البحث الأول:
إيمان آباء النبي ' إلى آدم ×:................................................ PAGEREF _Toc98740655 \h 73
بعض الأدلة على إيمانهم:..................................................... PAGEREF _Toc98740656 \h 75
إستغفار إبراهيم × لأبيه:...................................................... PAGEREF _Toc98740657 \h 78
إن أبي وأباك في النار:........................................................ PAGEREF _Toc98740658 \h 81
غريـبـة:........................................................................... PAGEREF _Toc98740659 \h 83
ملاحظة:.......................................................................... PAGEREF _Toc98740660 \h 84
البحث الثاني:
بماذا كان يدين النبي ' قبل البعثة:.......................................... PAGEREF _Toc98740661 \h 87
ملة أبيكم إبراهيم:............................................................... PAGEREF _Toc98740662 \h 90
ووجدك ضالاً فهدى:........................................................... PAGEREF _Toc98740663 \h 92
أولو العزم:....................................................................... PAGEREF _Toc98740664 \h 93
من الأساطير:.................................................................... PAGEREF _Toc98740665 \h 94
إستلام الأصنام:................................................................. PAGEREF _Toc98740666 \h 97
البحث الثالث:
شروط النهضة:................................................................. PAGEREF _Toc98740667 \h 99
البحث الرابع:
العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره:..................... PAGEREF _Toc98740668 \h 100
1 ـ منطلق الدعوة: مكة:.......................................... PAGEREF _Toc98740669 \h 100
2 ـ خصائص شخصية الرسول ':............................ PAGEREF _Toc98740670 \h 100
3 ـ الحالة الاجتماعية:............................................. PAGEREF _Toc98740671 \h 100
4 ـ نوع معجزته ':............................................... PAGEREF _Toc98740672 \h 100
5 ـ بشائر اليهود والنصاري به ':............................. PAGEREF _Toc98740673 \h 100
مناطق سكنى أهل الكتاب:.............................. PAGEREF _Toc98740674 \h 100
أهل الكتاب وهيمنتهم العلمية على العرب:........... PAGEREF _Toc98740675 \h 100
6 ـ الفراغ العقائدي والسياسي:.................................. PAGEREF _Toc98740676 \h 100
أ ـ الفراغ العقائدي:....................................... PAGEREF _Toc98740677 \h 100
ب ـ الفراغ السياسي:..................................... PAGEREF _Toc98740678 \h 100
7 ـ الحياة الصعبة، والتضحية بالنفس:......................... PAGEREF _Toc98740679 \h 100
8 ـ بقايا الحنيفية في العرب:..................................... PAGEREF _Toc98740680 \h 100
9 ـ الخصائص والعادات العربية:............................... PAGEREF _Toc98740681 \h 100
10 ـ دور أبي طالب:.............................................. PAGEREF _Toc98740682 \h 100
11ـ أموال خديجة ÷:............................................. PAGEREF _Toc98740683 \h 100
12ـ جهاد علي ×:................................................. PAGEREF _Toc98740684 \h 100
تنبيه هام وضروري:........................................................ PAGEREF _Toc98740685 \h 100
الباب الثاني: من الميلاد إلى البعثة
الفصل الأول: عهد الطفولة
نسب النبي ':................................................................. PAGEREF _Toc98740688 \h 100
مولد النبي ':.................................................................. PAGEREF _Toc98740689 \h 100
تعقيب هام وضروري:...................................................... PAGEREF _Toc98740690 \h 100
قصة كاذبة:.................................................................... PAGEREF _Toc98740691 \h 100
مصير الدار التي ولد فيها ':.............................................. PAGEREF _Toc98740692 \h 100
رضاعه ':.................................................................... PAGEREF _Toc98740693 \h 100
لماذا الرضاع في البادية؟!:................................................. PAGEREF _Toc98740694 \h 100
أخوا النبي ' من الرضاعة:................................................ PAGEREF _Toc98740695 \h 100
إرضاع ثويبة للرسول ' لا يصح:....................................... PAGEREF _Toc98740696 \h 100
مع أبي عمر في ترجيحه للقول الثاني:................................... PAGEREF _Toc98740697 \h 100
توجيه غير وجيه:............................................................ PAGEREF _Toc98740698 \h 100
مناقشة غير موفقة:........................................................... PAGEREF _Toc98740699 \h 100
عدد أولاد عبد المطلب:...................................................... PAGEREF _Toc98740700 \h 100
أبو لهب وعتق ثويبة:........................................................ PAGEREF _Toc98740701 \h 100
شرك أبي لهب:............................................................... PAGEREF _Toc98740702 \h 100
تنازع الظئر في رضاعه:................................................... PAGEREF _Toc98740703 \h 100
حديث شق الصدر:........................................................... PAGEREF _Toc98740704 \h 100
توجيه غير وجيه:............................................................ PAGEREF _Toc98740705 \h 100
رأينا في الرواية:.............................................................. PAGEREF _Toc98740706 \h 100
المسيحيون وحديث شق الصدر:........................................... PAGEREF _Toc98740707 \h 100
أصل الرواية جاهلي:........................................................ PAGEREF _Toc98740708 \h 100
فقد النبي ' لأبويه:........................................................... PAGEREF _Toc98740709 \h 100
كفيل النبي ' :................................................................ PAGEREF _Toc98740710 \h 100
الرحلة الأولى إلى الشام، وبحيرا:......................................... PAGEREF _Toc98740711 \h 100
رواية مكذوبة:................................................................. PAGEREF _Toc98740712 \h 100
سر الوضع والاختلاق:...................................................... PAGEREF _Toc98740713 \h 100
إشارات خاطفة في قصة بحيرا:........................................... PAGEREF _Toc98740714 \h 100
رعيه ' الغنم:................................................................. PAGEREF _Toc98740715 \h 100
الفصل الثاني: خديجة في بيت النبي '
السفر الثاني إلى الشام:....................................................... PAGEREF _Toc98740717 \h 100
زواجه ' بخديجة:........................................................... PAGEREF _Toc98740718 \h 100
خطبة أبي طالب &:.......................................................... PAGEREF _Toc98740719 \h 100
نظرة في كلمات أبي طالب &:............................................. PAGEREF _Toc98740720 \h 100
ودين شائع:.................................................................... PAGEREF _Toc98740721 \h 100
مهر خديجة:................................................................... PAGEREF _Toc98740722 \h 100
عمر خديجة حين الزواج:................................................... PAGEREF _Toc98740723 \h 100
يتيم قريش، أكذوبة مفضوحة:............................................. PAGEREF _Toc98740724 \h 100
هل تزوج ' خديجة طمعا في مالها؟!.................................... PAGEREF _Toc98740725 \h 100
خديجة مثل أعلى:............................................................ PAGEREF _Toc98740726 \h 100
خديجة بين نساء قريش:..................................................... PAGEREF _Toc98740727 \h 100
هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي '؟!................................. PAGEREF _Toc98740728 \h 100
زوجتا عثمان، هل هما ابنتا النبي '؟!................................... PAGEREF _Toc98740729 \h 100
هل زينب بنت الرسول ' أم ربيبته؟..................................... PAGEREF _Toc98740730 \h 100
منافسون لعلي ×:............................................................. PAGEREF _Toc98740731 \h 100
خؤولة هند بن أبي هالة للإمام الحسن ×:................................ PAGEREF _Toc98740732 \h 100
الفصل الثالث: حـتى الـبـعـثــــة
حضور النبي ' حرب الفجار:............................................ PAGEREF _Toc98740734 \h 100
سر التلاعب في الروايات هنا:............................................. PAGEREF _Toc98740735 \h 100
حلف الفضول:................................................................ PAGEREF _Toc98740736 \h 100
سبب هذا الحلف:.............................................................. PAGEREF _Toc98740737 \h 100
بنو أمية وحلف الفضول:................................................... PAGEREF _Toc98740738 \h 100
ملاحظة:............................................................. PAGEREF _Toc98740739 \h 100
ملاحظات هامة على حلف الفضول:........................... PAGEREF _Toc98740740 \h 100
تاريخ ولادة أمير المؤمنين ×:............................................. PAGEREF _Toc98740741 \h 100
أول هاشمي ولد من هاشميين:............................................. PAGEREF _Toc98740742 \h 100
ولادة أمير المؤمنين × في الكعبة:........................................ PAGEREF _Toc98740743 \h 100
لماذا حكيم بن حزام؟!........................................................ PAGEREF _Toc98740744 \h 100
سر ولادة علي × في الكعبة:............................................... PAGEREF _Toc98740745 \h 100
النبي ' لا يقتل أحداً؛ لماذا؟................................................ PAGEREF _Toc98740746 \h 100
معالجة قضايا الروح والنفس:............................................. PAGEREF _Toc98740747 \h 100
ولادة علي × في الكعبة صنع الله:........................................ PAGEREF _Toc98740748 \h 100
الرصيد الوجداني آثار وسمات:............................................ PAGEREF _Toc98740749 \h 100
ولادة علي × في الكعبة لطف بالأمة:.................................... PAGEREF _Toc98740750 \h 100
تجديد بناء الكعبة أعزها الله تعالى:........................................ PAGEREF _Toc98740751 \h 100
وضع الحجر الأسود:........................................................ PAGEREF _Toc98740752 \h 100
ملاحظات هامة:.............................................................. PAGEREF _Toc98740753 \h 100
خرافة انحلال الإزار:....................................................... PAGEREF _Toc98740754 \h 100
طريق جمع فاشل:............................................................ PAGEREF _Toc98740755 \h 100
ثوبي حجر!!................................................................... PAGEREF _Toc98740756 \h 100
حياء عثمان:................................................................... PAGEREF _Toc98740757 \h 100
أهل الكتاب، وتعري الأنبياء ^:........................................... PAGEREF _Toc98740758 \h 100
ولادة الزهراء ÷:............................................................. PAGEREF _Toc98740759 \h 100
القول الحق:.................................................................... PAGEREF _Toc98740760 \h 100
القسم الثالث: من البعثة حتى الهجرة
الباب الأول: من البعثة إلى الإعلان بالدعوة
الفصل الأول: البعثة والمعجزة
عمر النبي ' حين البعثة:................................................... PAGEREF _Toc98740771 \h 100
تاريخ البعثة، وكيفية نزول القرآن:....................................... PAGEREF _Toc98740772 \h 100
بدء الوحي وأول ما أنزل:.................................................. PAGEREF _Toc98740773 \h 100
إعجاز القرآن:................................................................. PAGEREF _Toc98740774 \h 100
لماذا الأخير فقط؟!........................................................... PAGEREF _Toc98740775 \h 100
بلاغة القران:.................................................................. PAGEREF _Toc98740776 \h 100
البلاغة:......................................................................... PAGEREF _Toc98740777 \h 100
الإعجاز بالبلاغة كيف؟ ولماذا؟!......................................... PAGEREF _Toc98740778 \h 100
التوضيح والتطبيق:.......................................................... PAGEREF _Toc98740779 \h 100
ترجمة القرآن وتفسيره:..................................................... PAGEREF _Toc98740780 \h 100
للقرآن ظهر وبطن:........................................................... PAGEREF _Toc98740781 \h 100
التقوى تعين على فهم القرآن:.............................................. PAGEREF _Toc98740782 \h 100
المحكم والمتشابه:............................................................. PAGEREF _Toc98740783 \h 100
لا بد من وجود المتشابه في القرآن:....................................... PAGEREF _Toc98740784 \h 100
التأويل:......................................................................... PAGEREF _Toc98740785 \h 100
الحروف المقطعة في القرآن:.............................................. PAGEREF _Toc98740786 \h 100
آخر ما نقوله حول الحروف المقطعة:.......................... PAGEREF _Toc98740787 \h 100
الفهارس:
1 ـ الفهرس الإجمالي.................................................. 341
2 ـ الفهرس التفصيلي.................................................. 343
--------------------------------------------------------------------------------
([1]) راجع: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ج1 ص140 فما بعدها.
([2]) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام: ج1 ص157 فما بعدها.
([3]) البيت منسوب لقريط بن أنيف العنبري راجع تفسير جامع الجوامع ج2 ص682 عن خزانة الأدب ج7 ص441.
([4]) الضباب إسم قبيلة. والحلال: المجاور.
([5]) راجع شرح النهج للمعتزلي ج13 ص174.
([6]) الآية 151 من سورة الأنعام.
([7]) الآيتان 8 و 9 من سورة التكوير.
([8]) فتح الباري ج1 ص61.
([9]) راجع: النظم الإسلامية ص442 ـ 443.
([10]) الآيتان 58 و 59 من سورة النحل.
([11]) محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ص17 و2.
([12]) صحيح البخاري ط سنة 1309: ج3 ص133.
([13]) نهج البـلاغـة الـذي بهامشـه شـرح الشيخ محمد عبـده الخطبة 91. والإمـامـة والسياسة: ج1 ص154.
([14]) تنيخون: تقيمون.
([15]) الصمة: الذكر من الحيات.
([16]) الجشب: الغيظ.
([17]) نهج البلاغة، شرح عبده، الخطبة 25.
([18]) نهج البلاغة، شرح عبده، الخطبة 187.
([19]) البداية والنهاية ج7 ص42 والطبري ج3 ص18، وحياة الصحابة ج1 ص220 ولكلامه هذا نص آخر ذكره في الأخبار الطوال ص121.
([20]) مجمع الزوائد ج8 ص237، عن الطبراني وحياة الصحابة ج3 ص770 عن المجمع.
([21]) الموفقيات ص362 ـ 363.
([22]) مجمع الزوائد ج5 ص305، وقال: إن رجاله رجال الصحيح، عن أحمد، والبزار، وأبي يعلى، والطبراني في الصغير، عن أنس، ومرثد بن ظبيان. وراجع: كشف الأستار، عن مسند البزار ج2 ص266. والمعجم الصغير ج1 ص111.
([23]) فتوح البلدان ط أوروبا ص471 فما بعدها، وص 80 في القسم الثالث من الطبعة التي حققها صلاح الدين المنجد، وإن كنا نناقش في بعض من عدهم في من يكتب أو يقرأ كعمر بن الخطاب، الذي سيأتي في قضية إسلامه: أنه لم يكن يعرف حتى القراءة.
([24]) العقد الفريد: ج4 ص157.
([25]) الشعر والشعراء لابن قتيبة ص334، والتراتيب الإدارية: ج2 ص248.
([26]) مشكل الآثار: ج3 ص56.
([27]) الجذور: النياق المذبوحة ـ البعير الأكوم: الضخم السنام.
([28]) البداية والنهاية: ج4 ص6، والسيرة النبوية لابن كثير: ج3 ص11. ومصادر ذلك كثيرة ستأتي في أول غزوة الخندق إن شاء الله.
([29]) الأغاني (ط دار إحياء التراث العربي بيروت): ج17 ص255.
([30]) الآية 26 من سورة الفتح.
([31]) الآيتان 8 و9 من سورة الإنسان.
([32]) الآية 9 من سورة الحشر.
([33]) الآية 29 من سورة الفتح.
([34]) الآية 73 من سورة التوبة.
([35]) الآية 123 من سورة التوبة.
([36]) الآية 35 من سورة إبراهيم.
([37]) راجع: الآية 96 من سورة آل عمران.
([38]) نهج البلاغة بشرح عبده، الخطبة المعروفة بالقاصعة رقم 187.
([39]) راجع على سبيل المثال: تفسير نور الثقلين ج1 ص126 ـ 129، والطبري، والدر المنثور، وشرح النهج، وأخبار مكة للأزرقي: ج1 ص3 ـ 30، وتفسير البرهان: ج1 ص300 وغير ذلك.
([40]) الآية 127 من سورة البقرة.
([41]) الآية 37 من سورة إبراهيم.
([42]) البيوت السبعة هي: الكعبة، ومارس: على رأس جبل بأصفهان. وهندوستان: ببلاد الهند. ونوبهار: بمدينة بلخ. وبيت غمدان: بمدينة صنعاء. وكاوسان: بمدينة فرغانة من خراسان، وبيت بأعالي بلاد الصين.
([43]) راجع الميزان ج3 ص361 و362، وما ذكره يحتاج إلى تحقيق، وإثبات بالأدلة والشواهد.
([44]) الآية 67 من سورة العنكبوت.
([45]) حياة محمد لمحمد حسنين هيكل ص63. وراجع: الأصنام ص45.
([46]) معجم البلدان لياقوت الحموي ج5 ص268. وراجع: الأصنام ص44 ـ 45.
([47]) البداية والنهاية ج2 ص192.
([48]) البداية والنهاية ج2 ص192.
([49]) الأصنام: ص45.
([50]) الأصنام: ص47.
([51]) سورة الفيل راجع في هذه القضية البحار: ج15 ص140 و136 و131 و72 و69 و66، وأمالي الطوسي: ص78 ـ 79، وأنساب الأشراف: ج1 ص68، وتاريخ ابن الوردي: ج1 ص127، والسيرة النبوية لابن كثير: ج1 ص34، والسيرة النبوية لابن هشام: ج1 ص51، والبداية والنهاية: ج2 ص172، وتاريخ الخميس: ج1 ص189، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية): ج1 ص31، والسيرة الحلبية: ج1 ص59 ـ 61.
([52]) ثمرات الأوراق ص287 وراجع: تاريخ الخميس: ج1 ص191.
([53]) البداية والنهاية ج2 ص187 والسيرة الحلبية: ج1 ص10 و11، وراجع: الأصنام ص9.
([54]) تاريخ اليقعوبي ج1 ص255.
([55]) راجع: السيرة الحلبية: ج1 ص10 و11.
([56]) راجع: البداية والنهاية ج2 ص188، والمستطرف ج2 ص75 عن ابن إسحاق، والأصنام ص6 وغير ذلك.
([57]) الأصنام: ص6.
([58]) الأصنام: ص53.
([59]) يقال: إن زوجة إسماعيل كانت جرهمية. وهم في الأصل يمنيون قحطانيون، لا من عدنان.
([60]) راجع تاريخ اليعقوبي ج1 ص239 و 240.
([61]) البداية والنهاية ج2 ص210، وغيره.
([62]) تاريخ اليعقوبي ج1 ص240 والبداية والنهاية ج2 ص207 عن ابن إسحاق.
([63]) تاريخ اليعقوبي ج1 ص239 والبداية والنهاية ج2 ص205 عن ابن إسحاق.
([64]) راجع السيرة الحلبية: ج1 ص8، وتاريخ الخميس: ج1 ص155، وتاريخ الأمم والملوك: ج2 ص16.
([65]) السيرة الحلبية: ج1 ص9، وراجع: تاريخ الأمم والملوك: ج2 ص17.
([66]) تاريخ الخميس ج1 ص19.
([67]) راجع: السيرة الحلبية: ج1 ص12 و 15، وراجع: تاريخ الخميس: ج1 ص155، وتاريخ الأمم والملوك: ج2 ص18 ـ 19.
([68]) تاريخ اليعقوبي ج1 ص239.
([69]) ستأتي بعض المصادر لذلك إن شاء الله تعالى حين الكلام عن زواج النبي >صلى الله عليه وآله< بخديجة >عليها السلام<.
([70]) سيأتي الحديث عن ذلك مفصلاً في فصل: من الميلاد إلى البعثة.
([71]) راجع: السيرة الحلبية: ج1 ص38 والمواهب اللدنية ج1 ص18.
([72]) السيرة الحلبية: ج1 ص35 ـ 38 وراجع المواهب اللدنية ج1 ص17 والسيرة النبوية لدحلان ط دار المعرفة ج1 ص16.
([73]) راجـع ابن إسحاق، والسهيلي وبه جزم ابن سلام الجمحي في كتاب طبقات الشعراء ص107، وحكـاه عن: عمر، والعبـاس، وابن مسعـود، ومسروق، = = وعـكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعطاء، والشعبي، ومقاتـل وعبيد الله بن عمر، وأبي ميسرة، وزيد بن أسلم، وعبد الله بن شقيق، والـزهري، والقاسم، وابن أبي بردة، ومكحول، وعثمان، والسدي، والحسن وقتادة، من السلف وغيره قالوا بذلك. كل ذلك في: البداية والنهاية ج1 ص59، والبحار: ج12 ص132، وتاريخ الخميس ج1 ص95 وراجع ص139 ومفاتيح الغيب: ج25 ص153، ولكنه ذكر معهم علياً >عليه السلام< وابن عباس، ونحن نجلهما عن الالتزام بأمر يخالف القرآن. بل إنه هو نفسه قد ذكر عنهما أنهما قالا: إسماعيل، ونجد في الكافي: ج4 ص206 و 208 ـ 209 ط الآخندي، وكذا في ج1 ص117 ط الإسلامية، وعنه في البحار: ج12 ص135 ما يدل على أن الذبيح هو إسحاق، ولكن في ص205 ـ 209 ج4 من الكافي ما يدل على التردد في ذلك، حيث ذكر ما معناه: أن إبراهيم قد حج بأهله، فالذي كان مع إبراهيم من أهله كان هو الذبيح، وقد أشارت بعض الأخبار إلى أن إسحاق قد تمنى الذبح أيضاً.
([74]) البحار: ج12 ص134.
([75]) المواهب اللدنية ج1 ص17.
([76]) الآية 112 من سورة الصافات.
([77]) الآية 71 من سورة هود.
([78]) راجع: الميزان ج17 ص155 والبداية والنهاية ج1 ص161 و 159.
([79]) الآية 39 من سورة إبراهيم.
([80]) الآية 112 من سورة الصافات.
([81]) الآية 71 من سورة هود.
([82]) راجع: الدر المنثور للعاملي ج1 ص161.
([83]) البحار ج12 ص132 ومفاتيح الغيب ج25 ص153.
([84]) المصدران السابقان ومجمع البيان ج8 ص453 والدر المنثور للعاملي ج1 ص161 والمواهب اللدنية ج1 ص18 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص16 وتاريخ الخميس ج1 ص95.
([85]) البداية والنهاية ج1 ص161 و159 وراجع السيرة الحلبية ج1 ص38 عن ابن تيمية.
([86]) سفر التكوين: الإصحاح22، الفقرة 1 ـ 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضاً.
([87]) سفر التكوين الإصحاح16 الفقرة 15 ـ 16 نص على أن عمر إبراهيم حين ولادة إسماعيل 86 سنة، وفي سفر التكوين الإصحاح 17 والإصحاح 18 نص على أنه ولد له إسماعيل وهو ابن 99، أو مئة سنة، وراجع: البداية والنهاية ج1 ص153، والسيرة الحلبية: ج1 ص38.
([88]) البداية والنهاية ج1 ص157، وراجع: البحار: ج12 ص134.
([89]) البحار: ج12 ص134، ومجمع البيان: ج8 ص453، والسيرة الحلبية: ج1 ص38، وتاريخ الخميس ج1 ص95 ـ 96 والمواهب اللدنية ج1 ص18.
([90]) الآية 102من سورة الصافات.
([91]) لقد أشار في كتاب: في ظلال القرآن إلى بعض ما ذكرناه أيضاً.
([92]) الآية 24 من سورة التوبة.
([93]) الآية 105 من سورة الصافات.
([94]) الآية 106 من سورة الصافات.
([95]) الآية 124 من سورة البقرة.
([96]) راجع: الميزان ج1 ص267 ـ 268.
([97]) وهذا لا ينافي ما سيأتي إن شاء الله، من أن جميع آباء النبي >صلى الله عليه وآله< كانوا مؤمنين موحدين؛ إذ قد يقال: إن المهم هو وصولهم جميعاً إلى درجة الإيمان ولو بصورة تكاملية وتدريجية.
بل قد يقال: إنه لم يثبت أنه >عليه السلام< هو الذي سمى أبناءه بعبد العزى، وعبد مناف. ولعلها أسماء قد لحقتهم بعد أن كبروا، وظهر شركهم بالله، واهتمامهم بالعزى، وبغيرها من الأصنام.
([98]) السيرة الحلبية: ج1 ص4، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج1 ص21.
([99]) الآية 260 من سورة البقرة.
([100]) الآيات من 76 ـ 78 من سورة الأنعام.
([101]) الآية 83 من سورة الأنعام.
([102]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص4، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية): ج1 ص21، ومسالك الحنفا ص41، عن الملل والنحل للشهرستاني، وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص237.
([103]) البحار: ج77 ص56.
([104]) الآية 102 من سورة الصافات.
([105]) الآية 105 من سورة الصافات.
([106]) معالم الدين: ص208، وراجع: البحار ج12 ص137، ومفاتيح الغيب، ج25 ص155.
([107]) الآية 39 من سورة الرعد.
([108]) أجوبة موسى جار الله ص86 ـ 87. وقد ذكر مصادر ما أشار اليه ثمة؛ فراجع. ونظير ذلك ما قاله المجلسي أيضاً، فراجع: سفينة البحار: ج1 ص62، وقد أوضحه أيضاً بصورة جيدة.
([109]) البحار: ج4 ص111، والاعتقادات للصدوق، باب الاعتقاد بالبداء، وميزان الحكمة ج1 ص389.
([110]) الاعتقادات للصدوق رحمه الله ـ باب الاعتقاد بالبداء، وراجع: هامش البحار: ج4 ص125.
([111]) الآية 39 من سورة الرعد.
([112]) سفينة البحار: ج1 ص62.
([113]) الآية 12 من سورة الكهف.
([114]) الآية 31 من سورة محمد.
([115]) الآية 143 من سورة البقرة.
([116]) الآية 48 من سورة الزمر.
([117]) الآية 64 من سورة المائدة.
([118]) الملل والنحل: ج1 ص211.
([119]) سفينة البحار ج1 ص61.
([120]) سفينة البحار ج1 ص62.
([121]) راجع: أوائل المقالات ص12، وتصحيح الاعتقاد ص67، وتفسير الرازي ج24 ص173 ط دار الكتب العلمية بطهران وفي طبعة أخرى ج4 ص103، والبحار ج15 ص117، ومجمع البيان ج4 ص322، وليراجع البداية والنهاية ج2 ص281.
([122]) البحار ج15 ص117.
([123]) نفس المصدر.
([124]) تفسير البحر المحيط ج7 ص47.
([125]) رسائل السيوطي، هي التالية:
1 ـ مسالك الحنف
2 ـ الدرج المنيفة في الآباء الشريفة
3 ـ المقامة السندسية في النسبة المصطفوية
4 ـ التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله >صلى الله عليه وآله< في الجنة
5 ـ السبل الجلية في الآباء العلية
6 ـ نشر العلمين المنيفين في إثبات عدم وضع حديث إحياء أبويـه >صلى الله عليه وآله< وإسلامهما على يديه >صلى الله عليه وآله<.
([126]) ذكر طائفة منها العلامة المجلسي رحمه الله في البحار: ج15، والسيوطي في رسائله المشار إليها، فراجع رسالة السبل الجلية: ص10 فما بعدها، وراجع أيضاً: السيرة الحلبية، وغير ذلك وتاريخ الخميس ج1 ص234 فما بعدها.
([127]) مجمع البيان ج4 ص322، والبحار ج15 ص117 و118 وتفسير الرازي ج24 ص174 والسيرة الحلبية ج1 ص30، والدر المنثور ج5 ص98، وسيرة دحلان ج1 ص18 وتصحيح الاعتقاد ص67 وتاريخ الخميس ج1 ص234 وتفسير البحر المحيط ج7 ص47.
([128]) الآية 28 من سورة التوبة.
([129]) راجع: المصادر المتقدمة.
([130]) الشعراء 218 ـ 219 وراجع تاريخ الخميس ج1 ص234 و 235 وتفسير البحر المحيط ج7 ص47.
([131]) الآية 128 من سورة البقرة.
([132]) الآية 28 من سورة الزخرف.
([133]) الآية 35 من سورة إبراهيم.
([134]) الآية 4 من سورة إبراهيم.
([135]) الآية 114 من سورة التوبة.
([136]) راجع: السيرة النبوية لدحلان ج1 ص37، وراجع: الدر المنثور للعاملي: ج1 ص160.
([137]) الدر المنثور للعاملي: ج1 ص160 وتاريخ الخميس ج1 ص235 و 236.
([138]) الآية 133 من سورة البقرة.
([139]) الآية 41 من سورة إبراهيم.
([140]) راجع: تفسير الميزان ج12 ص78 ـ 79.
([141]) هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني.
([142]) راجع بالإضافة إلى صحيح مسلم: صفة الصفوة ج1 ص172 عن مسلم والإصابة ج1 ص337 عن ابن خزيمة، وسنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود ج12 ص494، والبداية والنهاية ج2 ص280 عن مسلم ومسالك الحنفا ص54 عن مسلم وتاريخ الخميس ج1 ص232.
([143]) السيرة الحلبية ج1 ص50 ـ 51، ومسالك الحنفا ص54 ـ 55.
([144]) السيرة الحلبية ج1 ص51، ومقدمة فتح الباري ص397، وتهذيب التهذيب ج3 ص12 ـ 15. ومسالك الحنفا ص55.
([145]) السيرة الحلبية ج1 ص51 عن البزار، والطبراني، والبيهقي، والبداية والنهاية ج2 ص280 عن البيهقي، ومسالك الحنفا ص55 عنهم وص56 عن ابن ماجة.
([146]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج10 ص454.
([147]) سيأتي بعض الحديث عن ورقة حين الكلام على روايات بدء الوحي فانتظر.
([148]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص39 و 168 والبداية والنهاية ج2 ص237 ـ 241.
([149]) الأغاني (ط ساسي) ج3 ص190.
([150]) عون المعبود ج12 ص494، والبداية والنهاية ج2 ص281 عن دلائل النبوة للبيهقي.
([151]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص32 ـ 33، والسيرة الحلبية ج1 ص106 و107، وهذا هو رأي ابن حجر الهيثمي، والمناوي، والسيوطي.
([152]) عون المعبود ج12 ص494 ـ 495 عن السندي، والسيرة الحلبية ج1 ص51، ومسالك الحنفا ص58.
([153]) عون المعبود ج12 ص495.
([154]) السيرة الحلبية ج1 ص106 ومسالك الحنفا ص52.
([155]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص254.
([156]) وكان عيسى أيضاً مؤيداً بروح القدس؛ قال تعالى: {وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ} ولو لم يكن نبينا >صلى الله عليه وآله< مؤيداً بروح القدس، لكان يحيى وعيسى أفضل منه >صلى الله عليه وآله<.
([157]) البحار ج18 ص277.
([158]) الآيتان 30 و 31 من سورة مريم.
([159]) الآية 12 من سورة مريم.
([160]) راجع: البحار ج18 ص278 ـ 279.
([161]) راجع: البحار: ج18 ص277 ـ 281.
([162]) راجع: الغدير: ج9 ص287.
([163]) الآية 78 من سورة الحج.
([164]) الآية 125 من سورة النساء.
([165]) الآية 95 من سورة آل عمران.
([166]) الآية 68 من سورة آل عمران.
([167]) الآية 135 من سورة البقرة.
([168]) الآية 123 من سورة النحل.
([169]) الآية 161 من سورة الأنعام.
([170]) الآية 52 من سورة الشورى.
([171]) الآية 7 من سورة الضحى.
([172]) راجع: مختصر مفيد ج1 ص179.
([173]) الآية 115 من سورة طه.
([174]) الآية 35 من سورة الأحقاف.
([175]) راجع: صحيح البخاري ط مشكول المصرية ج5 ص50 وج7 ص118 باب ما ذبح على النصب والأصنام، والسيرة الحلبية ج1 ص12، ومسند أحمد ج1 ص189 وراجع فتح الباري ج7 ص108و109 والروض الأنف ج1 ص256 والبداية والنهاية ج2 ص238 و 239 و 240 وراجع ص237.
([176]) فتح الباري ج7 ص109.
([177]) البداية والنهاية ج2 ص237.
([178]) تاريخ الخميس ج1 ص254.
([179]) الروض الأنف ج1 ص256، وراجع: السيرة الحلبية ج1 ص123 عنه، وفتح الباري ج7 ص109.
([180]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص86 .
([181]) راجع السيرة النبوية لدحلان ج1 ص50 ـ 51 والسيرة الحلبية ج1 ص125 و270.
([182]) راجع: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج1 ص157 فما بعدها.
([183]) راجع: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج5 ص413 و414 و420، وراجع: تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الأول، الجزء الأول ص70 وحياة محمد لهيكل ص39 ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج1 ص33.
([184]) فقه السيرة ص35.
([185]) سيتأتي مصادره في الجزء الرابع من هذا الكتاب، في فصل: حتى بيعة العقبة.
([186]) الآية 84 من سورة العنكبوت.
([187]) الآية 4 من سورة القلم، وثمة احتمال آخر في الآية الشريفة. راجع مقالاً لنا بعنوان: فلسفة الأخلاق في الإسلام في كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([188]) البخاري هامش فتح الباري ج1 ص139 ـ 141، وليراجع فتح الباري نفسه أيضاً، للاطلاع على العديد من المصادر، والبداية والنهاية ج5 ص60 عن ابن إسحاق وتاريخ الأمم والملوك، للطبري ج2 ص384.
([189]) لنا بحث حول المراد من كونه >صلى الله عليه وآله< أمياً.. وأن المراد أنه أمي بحسب معرفة الناس به، ولكنه كان قارئاً وكاتباً بالإعجاز الذي فاجأهم وبهرهم، راجع: مختصر مفيد ج1 ص10.
([190]) راجع تاريخ الخميس ج1 ص290 وقاموس الرجال ج2 ص371 والبداية والنهاية ج3 ص73 و74.
([191]) تاريخ الخميس ج1 ص290 وراجع: البداية والنهاية ج3 ص73 و74.
([192]) البحار ج19 ص8 و 9 و 10 وإعلام الورى ص55.
([193]) الآية 14 من سورة النمل.
([194]) الآية 30 من سورة الروم.
([195]) سفر التثنية، الإصحاح 33 الفقرة 1.
([196]) معجم البلدان للحموي ج4 ص225.
([197]) سفر التكوين الإصحاح 17 الفقرة 8.
([198]) كما يفهم من مراجعة تاريخ حياته في كتب التاريخ؛ فراجع على سبيل المثال كتاب: قصص الأنبياء لطبارة.
([199]) إنجيل يوحنا الإصحاح الأول، الفقرة 19 ـ 21.
([200]) راجع كتاب: أنيس الأعلام (فارسي)، والرحلة المدرسية والهدى إلى دين المصطفى، ورسول الإسلام في الكتب السماوية، وغير ذلك.
([201]) الآية 146 من سورة البقرة.
([202]) الآية 157 من سورة الأعراف.
([203]) البحار ج15 ص231.
([204]) راجع: سيرة مغلطاي ص7.
([205]) الثقات، لابن حبان ج1 ص90.
([206]) راجع: حياة محمد، لمحمد حسنين هيكل ص65 و 66.
([207]) راجع: البداية والنهاية ج3 ص145، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص102.
([208]) دلائل النبوة لأبي نعيم ص103.
([209]) سيأتي ذلك في الجزء الرابع في فصل: حتى بيعة العقبة حين الكلام حول دخول الإسلام إلى المدينة.
([210]) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص109 عن أبي داود وقال: وانظر تفسير ابن كثير ج1 ص261.
([211]) الإصابة ج3 ص298 عن البغوي، وابن شاهين، وابن السكن، وابن يونس في تاريخ مصر، وأبي نعيم.
([212]) سيأتي ذلك في فصل: غدر اليهود، والاغتيالات عن البداية والنهاية ج4 ص6 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص11.
([213]) سيرة ابن هشام ص225 ـ 226. وستأتي بقية المصادر في غزوة الخندق.
([214]) الآية 14 من سورة النمل.
([215]) السيرة الحلبية ج1 ص310، وسيرة ابن هشام ج1 ص321.
([216]) راجع: البيان والتبيين للجاحظ ج3 ص127.
([217]) الآية 22 من سورة الزخرف.
([218]) راجع: البداية والنهاية ج2 ص237 ـ 238 وحياة محمد لهيكل ص89، وغير ذلك.
([219]) راجع: مختصر تاريخ العرب، للسيد أمير علي ص8.
([220]) المصنف للصنعاني ج6 ص72 وج 7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص284.
([221]) المصنف للصنعاني ج6 ص72 و73 وج7 ص186 والسنن الكبرى ج9 ص217.
([222]) شرح النهج للمعتزلي ج7 ص51.
([223]) الآية 14 من سورة النمل.
([224]) الآية 78 من سورة الحج.
([225]) ذكر اليعقوبي في تاريخه (ط صادر) ج1 ص254 ـ 257 تلبيات كل قبيلة، وأعطى نبذة عن شعائرهم في مكة، فمن أراد فليراجع.
([226]) راجع: الاحتجاج، للطبرسي ج2 ص91 ـ 92 والبحار ط مؤسسة الوفاء ج78 ص8.
([227]) تاريخ الطبري ط الاستقامة ج2 ص184 د وراجع الكامل لابن الأثير ط صادر ج2 ص146.
([228]) البحار ج19 ص16 وأموال خديجة أمرها أشهر من أن يذكر فراجع أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص81 ـ 82 والبحار ج19 ص61 و 62.
([229]) ستأتي مصادر ذلك في فصل: هجرة الرسول الأعظم >صلى الله عليه وآله<، حين الكلام حول ثروة أبي بكر.
([230]) قاموس الرجال ج10 ص380 وحياة الصحابة ج1 ص361 والبداية والنهاية ج4 ص205 وصحيح مسلم ج7 ص172 وفتح الباري ج7 ص372 وصحيح البخاري (ط سنة 1309 ه ) ج3 ص35 وكنز العمال ج22 ص206 عن أبي نعيم، والطيالسي، ومسند أحمد ج4 ص395 والأوائل ج1 ص314.
([231]) وإن كان دين اليهود مقصوراً عليهم ولا يتعداهم إلى غيرهم من الأممم.
([232]) كشف الغمة للإربلي ج1 ص15.
([233]) راجع: سيرة مغلطاي ص6 ـ 7 وتاريخ الخميس ج1 ص195، وغير ذلك وحكي الاتفاق عليه.
([234]) أصول الكافي ج1 ص364 ط المكتبة الإسلامية بطهران سنة 1388.
([235]) أصول الكافي ج1 ص364، وليراجع: تاريخ الخميس ج1 ص196.
([236]) كشف الغمة ج1 ص15.
([237]) صحيح البخاري (ط سنة 1309 ه ) ج1 ص90 و93، ومسند أحمد بن حنبل ج6 ص395 وج5 ص209 و182 و112 وجواهر الأخبار والآثار (مطبوع بهامش البحر الزخار): ج2 ص247 عن الانتصار، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، والبخاري والسنن الكبرى للبيهقي ج2 ص37 و54 عن الصحيحين والبحر الزخار ج2 ص247.
([238]) روضة الواعظين ص64 ـ 65.
([239]) الإصابة ج2 ص271.
([240]) أصول الكافي: ج1 ص264. وقيل: إن زبيدة قد فعلت ذلك، راجع التبرك: ص243 و255، وراجع تاريخ الخميس ج1 ص198 وراجع أيضاً: الروض الأنف ج1 ص184 والمواهب اللدنية ج1 ص25، وتاريخ الأمم والملوك ج1 ص571، والكامل في التاريخ ج1 ص458 وأخبار مكة للأزرقي ج1 ص433.
([241]) أعيان الشيعة ج2 ص7.
([242]) قاموس الرجال ج10 ص417 ترجمة ثويبة، عن البلاذري.
([243]) صفة الصفوة ج1 ص51 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص16.
([244]) راجع: أسد الغابة ج3 ص95 وج 2 ص46 والبدء والتاريخ ج5 ص8 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص9، وبهجة المحافل ج1 ص41 وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص67 والإصابة ج4 ص258 وج 2 ص335 عن الصحيحين، والاستيعاب بهامشها ج2 ص338 وج 1 ص16 و271 والبحار ج15 ص384 عن المنتقى للكازروني، وقاموس الرجال ج10 ص417.
وراجع: الكامل لابن الأثير ج1 ص459 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص172 والبداية والنهاية ج4 ص90 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص18 و19 وقسم المغازي ص209 وتاريخ الخميس ج1 ص222 والوفاء ج1 ص107 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص131.
وراجع: دلائل النبوة لأبي نعيم ص113 وصفة الصفوة ج1 ص56 و57 وزاد المعاد ج1 ص19 وذخائر العقبى ص259 و172 وإعلام الورى ص6 وكشف الغمة ج1 ص15 والأنس الجليـل ج1 ص176 وأنسـاب الأشـراف (قسـم السيرة) ص 94 والسيرة الحلبية ج3 ص164 وفي الروض الأنف: ج1 ص186 لكن فيه بدل أبي سلمة، عبد الله بن جحش والمعجم الصغير ج2 ص86.
([245]) الإصابة ج4 ص258 والبحار ج 15 ص337، وفي هامشه عن المناقب ج1 ص119 وكشف الغمة ج1 ص15 ونور الأبصار ص10 وتهذيب الأسماء ج1 ص24 وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص67 والوفاء ج1 ص107 و106 والأنس الجليل ج1 ص176 وصفة الصفوة ج1 ص56 و57 وزاد المعاد ج1 ص19 وتاريخ الخميس ج1 ص222 والسيرة الحلبية ج1 ص88 والرصف ج1 ص22.
([246]) تاريخ الخميس ج1 ص222 عن شواهد النبوة.
([247]) تاريخ الخميس ج1 ص222 والسيرة الحلبية ج1 ص88 ونور الأبصار ص10.
([248]) تاريخ الخميس ج1 ص222 ونور الأبصار ص10.
([249]) السيرة الحلبية ج1 ص88.
([250]) السيرة الحلبية ج1 ص88 عن الإمتاع.
([251]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص9 وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص8 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص113.
([252]) مختصر التاريخ لابن الكازروني ص38.
([253]) راجع: الأنس الجليل ج1 ص176 وصفة الصفوة ج1 ص56 ـ 57 ودلائل النبوة، لأبي نعيم ص113 والكامل في التاريخ ج1 ص459 وطبقات ابن سعد ج1 قسم1 ص67 وأنساب الأشراف (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ج1 ص94 والبحار ج15 ص384 عن المنتقى للكازروني، والبدء والتاريخ ج5 ص8 والإصابة ج4 ص258 والوفاء ج1 ص106 والسيرة الحلبية ج1 ص88 و85 وذكر عن ابن المحدث: أن أوّل لبن نزل جوفه >صلى الله عليه وآله<، هو لبن ثويبة.
([254]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص88 عن الإمتاع، واحتمل الحلبي: أن يكون المراد: أن ثويبة أول من أرضعه بعد أمه، ولكن قول ابن المحدث، أول لبن نزل جوفه >صلى الله عليه وآله< هو لبن ثويبة لا يناسب هذا الاحتمال.
([255]) إعلام الورى ص7 وكشف الغمة ج1 ص15 وتهذيب الأسماء ج1 ص168، بلفظ قيل، وأنساب الأشراف ج1 (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص84 و79 وذخائر العقبى ص172 والسيرة الحلبية ج1 ص85 والإصابة ج1 ص354 كلاهما بلفظ قيل، والاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص271 وأسد الغابة ج2 ص46 و49، بلفظ قيل: أيضاً.
([256]) تهذيب الأسماء ج1 ص168 والإصابة ج1 ص354 والاستيعاب بهامشه ج1 ص271 عن البكائي واختاره في أسد الغابة ج2 ص46 و49 والسيرة الحلبية ج1 ص85 وذخائر العقبى ص172 بلفظ: قيل.
([257]) الاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص271.
([258]) راجع في ذلك: ذخائر العقبى ص172 و259 والوفاء ج1 ص107 وبهجة المحافل ج1 ص41 وزاد المعاد ج1 ص19 وتاريخ ابن الوردي ج1 ص231 وإن كان ربما يناقش في ظهور كلامه. وراجع: طبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص67 والاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص16 والسيرة الحلبية ج1 ص85 و86.
([259]) راجع ذخائر العقبى ص172.
([260]) راجع البداية والنهاية ج2 ص248 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص174 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص160 وراجع: السيرة الحلبية ج1 ص36 وفي السيرة النبوية لدحلان ج1 ص15 وإن كان لم يذكر: أن عبد الله كان أصغر = = ولده، ولكنه ذكر حمزة والعباس في جملة أولاد عبد المطلب حين قضية الذبح.. وذكر في الكامل لابن الأثير ج2 ص6 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص4 ط الاستقامة: أن عبد الله كان أصغر ولده، وأحبهم، لكنه لم يسم أولاد عبد المطلب.
([261]) مع أن المفترض أن يقال له قبل ابن أخيك، فإن العباس كان عم النبي >صلى الله عليه وآله<.
([262]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص36 وشرح بهجة المحافل ج1 ص35 والروض الأنف ج1 ص176.
([263]) وفي غير السيرة أيضاً؛ فراجع: تهذيب التهذيب ج9 ص39/46 ترجمة: ابن إسحاق.
([264]) في أنساب الأشراف ج1 (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص79: قال الواقدي: كان نحر الإبل قبل الفيل بخمس سنين.
([265]) الأنس الجليل ج1 ص176 وراجع: صفة الصفوة ج1 ص56 ـ 57 وإعلام الورى ص6 وكشف الغمة ج1 ص15 والكامل في التاريخ ج1 ص459 وطبقات ابن سعد ج1 ص67 وأنساب الأشراف ج1 ص94 (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) والبحار ج15 ص384 عن المنتقى للكازروني وتاريخ الخميس ج1 ص222 ودلائل النبوة لأبي نعيم ص113 والإصابة ج4 ص258 والاستيعاب بهامش الإصابة ج2 ص338 وأسد الغابة ج3 ص195 والسيرة الحلبية ج1 ص85 و87 وقاموس الرجال ج10 ص417.
([266]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص16 وراجع، الاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص272.
([267]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص11 وراجع، الاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص272.
([268]) راجع: السيرة لابن كثير ج1 ص224. والبداية والنهاية ج2 ص273، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص9 وفتح الباري ج9 ص124 وعمدة القاري ج20 ص95 والسيرة الحلبية ج1 ص84 و85 والسيرة النبويه لدحلان ج1 ص25 ورسالة حسن المقصد للسيوطي، المطبوعة مع: النعمة الكبرى على العالم ص90 وإرشاد الساري ج8 ص31 وجواهر البحار ج3 ص338 ـ 339 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص19 والوفاء ج1 ص107 ودلائل النبوة للبيهقي ج1 ص120 وبهجة المحافل ج1 ص41، وطبقات ابن سعد ج1 قسم 1 ص67 و68 والمواهب اللدنية ج1 ص27 وتاريخ الخميس ج1 ص222 وسيرة مغلطاي ص8 وصفة الصفوة ج1 ص62 ونور الأبصار ص10 وإسعاف الراغبين بهامشه ص8 وهو ظاهر صحيح البخاري ج1 ص157 ط سنة 1309 ه. ق.
([269]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص27 وتاريخ الخميس ج1 ص222 ورسالة حسن المقصد للسيوطي المطبوعة مع النعمة الكبرى على العالم ص90 ـ 91.
([270]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص25 ورسالة حسن المقصد، للسيوطي، المطبوعة مع النعمة الكبرى ص91.
([271]) أنساب الأشراف ج1 ص95 ـ 96 والكامل في التاريخ ج1 ص459 وطبقات ابن سعد ج1 ق 1 ص67 و 68 والإصابة ج4 ص258 والاستيعاب بهامش الإصابة ج1 ص16 وإرشاد الساري ج8 ص31 والسيرة الحلبية ج1 ص85 وراجع: الوفاء ج1 ص107 وفتح الباري ج9 ص124 وذخائر العقبى ص259 وتاريخ الخميس ج1 ص222، وسيرة مغلطاي ص8 وقاموس الرجال ج10 ص417.
([272]) السيرة الحلبية ج1 ص85.
([273]) الآية 23 من سورة الفرقان.
([274]) مستدرك الحاكم ج3 ص484 وتلخيصه للذهبي بهامشه، والمصنف لعبد الرزاق ج1 ص446 و447 وفي الهامش عن مغازي ابن عقبة، وعن الترمذي ج2 ص389 وعن أبي داود وأحمد، وكنز العمال ج6 ص57 و59 وج 3 ص177 عن ابي داود، والترمذي، وصححه، وأحمد، والطيالسي، والبيهقي وابن عساكر، والطبراني وسعيد بن منصور.
([275]) راجع: أبو طالب مؤمن قريش للخنيزي.
([276]) راجع: سيرة مغلطاي ص8 وتاريخ الخميس ج1 ص222 والوفاء ج1 ص107 وذخائر العقبى ص259 والسيرة الحلبية ج1 ص87، وفتح الباري ج9 ص124 والإصابة ج4 ص257 وإرشاد الساري ج8 ص31 وصفة الصفوة ج1 ص62 وزاد المعاد ج1 ص19 وشرح الأشخر اليمني على بهجة المحافل ج1 ص41 وأسد الغابة ج5 ص414 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص25 وقاموس الرجال ج10 ص417.
([277]) راجع: إعلام الورى ص6 وكشف الغمة ج1 ص15 والبحار ج15 ص337 وبهامشه عن: المناقب ج1 ص119 عن كتاب العروس للطبري.
([278]) راجع: ذخائر العقبى ص259 وصفة الصفوة ج1 ص62.
([279]) الإصابة ج4 ص257.
([280]) البحار ج15 ص385.
([281]) البحار ج15 ص371.
([282]) البحار ج15 ص373.
([283]) البحار ج15 ص341 و 342.
([284]) صحيح مسلم ج1 ص101 ـ 102 وفيه ثمة روايات أخرى عن شق صدره >صلى الله عليه وآله< فليراجع من أراد.
([285]) سيرة ابن هشام ج1 ص174 ـ 175، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص10، وغير ذلك.
([286]) راجع: أضواء على السنة المحمدية ص187.
([287]) فقه السيرة للبوطي ص53، وراجع سيرة المصطفى للحسني ص46.
([288]) الآيتان 1 و2 من سورة الإنشراح.
([289]) راجع حياة محمد لمحمد حسنين هيكل ص73 والنبي محمد للخطيب ص197.
([290]) الميزان ج13 ص34، عن مجمع البيان.
([291]) النبي محمد لعبد الكريم الخطيب ص196.
([292]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص177 وتاريخ الطبري ج1 ص575.
([293]) السيرة الحلبية ج1 ص368.
([294]) الآيات 39 إلى 41 من سورة الحجر.
([295]) الآية 65 من سورة الإسراء.
([296]) الآية 99 من سورة النحل.
([297]) سيرة المصطفى ص46.
([298]) مسند أحمد: ج1 ص301، وراجع: المصنف ج11 ص184.
([299]) البخاري ط سنة 1309هـ ج2 ص143.
([300]) مسند أحمد ج2 ص274 ـ 275.
([301]) أضواء على السنة المحمدية ص186، عن: المسيحية في الإسلام طبعة ثالثة ص127 تأليف إبراهيم لوقا.
([302]) أضواء على السنة المحمدية ص187.
([303]) راجع الأغاني ج3 ص188 و 189 و 190.
([304]) وبذلك يعلم: أن ما ورد في كشف الغمة ج1 ص16 من أنه عاش >صلى الله عليه وآله< مع أبيه سنتين وأربعة أشهر لا يمكن المساعدة عليه.. رغم أن الإربلي رحمه الله قد نص بعد ذلك بصفحات أي في ص22 على أن أباه قد توفي وأمه حبلى به >صلى الله عليه وآله<.. فراجع..
وليراجع تاريخ الخميس ص258 ج1 وتاريخ الطبري ج2 ص33، وسيرة ابن هشام ج1 ص193.
([305]) كشف الغمة ج1 ص16 عن مسلم، وصحيح مسلم ط سنة 1334هـ ج3 ص65، وتاريخ الخميس ج1 ص335 والحديث موجود في مصادر عديدة كما يظهر من مراجعة كتاب الجنائز في كتب الحديث..
([306]) أصول الكافي ج1 ص372 ط سنة 1388 هـ.
([307]) راجع: البداية والنهاية: ج2 ص329 ـ 330.
([308]) وإن كنا نعتقد أنه حتى ولو كان سنه إلى الحد الذي يتمكن فيه من كفالته >صلى الله عليه وآله< فإن عبد المطلب لا يعهد به إليه؛ فإنه هو الذي احتفظ بالسقاية، دون الرفادة، بسبب حرصه على المال، وضنه به، وهو الذي كان يحاول أن يحصل على فضلة من المال من عمر بأسلوب عاطفي، وبطريقة لا يتبعها إلا من يهتم بالمال وبجمعه بشكل ظاهر.
([309]) الثقات لابن حبان ج1 ص44، والبداية والنهاية ج2 ص285، وتاريخ الطبري ج2 ص34 وط الاستقامة، وتاريخ الخميس ج2 ص258، والسيرة الحلبية ج2 ص120 ومستدرك الحاكم، والبيهقي، وابن عساكر، والترمذي، وقال: حسن غريب، وفي سيرة دحلان ج1 ص49 أنه رجع إلى مكة، ومعه أبو بكر وبلال.
([310]) راجع: الطبري ج2 ص33، والبداية والنهاية ج2 ص286 والسيرة الحلبية ج1 ص120، وقال: إن صاحب كتاب الهدى قد رجح هذا القول..
([311]) نعم قد ذكر ابن حبان، والإصابة ج1 ص165 عن أبي نعيم: أن بلالاً كان ترباً لأبي بكر.. لكن الأشهر والأكثر: على أن أبا بكر كان يكبره بعدة سنين كما ذكرنا. راجع: السيرة الحلبية ج1 ص120.
([312]) وقد أشار إلى ذلك الحافظ الدمياطي على ما في تاريخ الخميس ج1 ص259 عن حياة الحيوان.. وكذا في سيرة مغلطاي ص11 وزاد قوله: >بايعوه على أي شيء<.
([313]) سيأتي الحديث عنه في الجزء الثالث من هذا الكتاب؛ الفصل الأول من الباب الثالث.
([314]) تاريخ الخميس ج1 ص259، والسيرة الحلبية ج1 ص120.
([315]) الغدير ج7 ص272 عنه.
([316]) نزهة المجالس ج2 ص147.
([317]) تاريخ الخميس ج1 ص261.
([318]) السيرة الحلبية ج1 ص119، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص48.
([319]) سيرة مغلطاي ص11، وتاريخ الخميس ج1 ص259 عن الحافظ الدمياطي.
([320]) طبقات ابن سعد ج1 ص120 ط صادر، وج 1 قسم 1 ص76 ط ليدن والبداية والنهاية ج2 ص286.
([321]) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج5 ص318 وسيرة ابن هشام ج1 ص194.
([322]) البخاري هامش فتح الباري ج4 ص363، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص51، والسيرة الحلبية ج1 ص125.
([323]) السيرة النبوية ج1 ص51 لزيني دحلان، والسيرة الحلبية ج1 ص125 وفتح الباري ج4 ص364.
([324]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص21 ط صادر.
([325]) فتح الباري ج4 ص364 عن إبراهيم الحربي، وصوَّبه ابن الجوزي تبعاً لابن ناصر والسيرة الحلبية ج1 ص126 ويؤيد أن العرب ما كانت تعرف القراريط، ما جاء في الصحيح، يفتحون أرضاً يذكر فيها القيراط، فتح الباري ج4 ص364، وقولهم لا يعرف مكان في مكة بهذا الاسم محل نظر لأن عدم معروفيته الآن لا يستلزم عدم معروفيته في ذلك الزمان.
([326]) السيرة الحلبية ج1 ص126، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص51، وليراجع: فتح الباري ج4 ص364.
([327]) تقدم الكلام عنها في أوائل هذا الفصل.
([328]) نهج البلاغة، الخطبة القاصعة رقم192 ص300 ضبط صبحي الصالح، والبحار ج15 ص361 ـ 362.
([329]) وفي البحار ج16 ص9 عن بعضهم: أن سفره كان إلى سوق حباشة بتهامة، وكذا في كشف الغمة ج2 ص135 عن الجنابذي في معالم العترة..
([330]) سيأتي إن شاء الله بعض الكلام حول بعض ما يقال عن ورقة بن نوفل، ودوره في بدء الوحي.
([331]) راجع: البداية والنهاية ج2 ص296 والسيرة الحلبية ج1 ص136.
([332]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص21 ونقل عن سفر السعادة: أنه >صلى الله عليه وآله< بعد البعثة، وقبل الهجرة كان يشتري أكثر مما يبيع، وبعد الهجرة لم يبع إلا ثلاث مرات، أما شراؤه فكثير.. وأما شراكته مع غيره ففيها كثير من الاضطراب، وليس لنا مجال لتحقيق ذلك.
([333]) البحارج 16 ص9، وكشف الغمة ج2 ص134 عن معالم العترة للجنابذي.
([334]) البحارج16 ص22 عن البكري وص3 عن الخرائج والجرائح ص186 و187.
([335]) راجع الإصابة ج4 ص281 ـ 282 والبداية والنهاية ج2 ص294 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 الترجمة النبوية ص152 وقسم السيرة النبوية ص237 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 والاستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص279 والإصابة ج4 ص281 وسيرة مغلطاي ص12 وسير أعلام النبلاء ج2 ص111 والمواهب اللدنية ج1 ص38 و200 والروض الأنف ج1 ص215 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وأسد الغابة ج7 ص78 ط دار الشعب والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55 والثقات ج1 ص46.
([336]) راجع: البداية والنهاية ج2 ص294 وبهجة المحافل ج1 ص7، والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص201 وتاريخ الخميس ج1 ص263 وطبقات ابن سعد ج1 ص131 ط دار صادر والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55.
([337]) البحار ج16 ص22.
([338]) كشف الغمة ج2 ص139، والبحار ج16 ص12 عنه وص 19 عن الواقدي، وراجع: الأوائل ج1 ص160 وفي السيرة الحلبية ج1 ص138: أن المحفوظ عن أهل العلم أنه مات قبل الفجار، وتاريخ الخميس ج1 ص264، وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 عن الواقدي، والإصابة ج4 ص282 والبداية والنهاية ج2 ص296.
([339]) البحار ج16 ص19 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج1 ص129 والكافي ج5 ص374 ـ 375، وفيه أن ورقة كان عم خديجة وكذا في البحار ج16 ص14 و21 عنه وعن البكري، وهو غير صحيح لأن ورقة هو ابن نوفل بن أسد وخديجة هي بنت خويلد بن أسد.
([340]) السيرة الحلبية ج1 ص137.
([341]) راجع المصادر المتقدمة والآتية.
([342]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص201 والسيرة الحلبية ج1 ص138 ونقل أيضاً عن المحب الطبري.
([343]) تقدمت مصادر ذلك حين الحديث حول إرضاع ثويبة لرسول الله >صلى الله عليه وآله<.
([344]) السيرة الحلبية ج1 ص139.
([345]) الكافي ج5 ص374 ـ 375، والبحار ج16 ص14 عنه وص 16 عمن لا يحضره الفقيه ص413، وفي ص5 عن شرف المصطفى، والكشاف، وربيع الأبرار والإبانة لابن بطة، والسيرة للجويني، عن الحسن والواقدي، وأبي صالح والعتبي، والمناقب ج1 ص42، والسيرة الحلبية ج1 ص139، وتاريخ اليعقوبي = = ج2 ص20، والأوائل لأبي هلال ج1 ص162 وتاريخ الخميس ج1 ص264 والمواهب اللدنية ج1 ص39 وبهجة المحافل ج1 ص48 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص55.
([346]) الآية 52 من سورة الشورى.
([347]) الآية 86 من سورة القصص.
([348]) راجع: تفسير الميزان ج18 ص77.
([349]) السيرة الحلبية ج1 ص138 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص265 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص201 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص263 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص107.
([350]) السيرة الحلبية ج1 ص139 عن الفسوي في كتاب: ما روى أهل الكوفة مخالفاً لأهل المدينة، وسيرة مغلطاي ص12، والأوائل ج1 ص161.
([351]) سيرة مغلطاي ص12.
([352]) الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص161.
([353]) راجع تاريخ الخميس ج1 ص264، وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص219. وذكرت بعض الأقوال في التبيين في أنساب القرشيين ص62 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 قيل: تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة وكذا في الاستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص288 وسيرة مغلطاي ص12 ومثله في المواهب اللدنية ج1 ص38 و 202 والروض الأنف ج1 ص216.
([354]) الأوائل ج1 ص161.
([355]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص138 و 139.
([356]) دلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج2 ص71 والبداية والنهاية ج2 ص294 و 295 ومحمد رسول الله، سيرته وأثره في الحضارة ص45 وراجع: السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص265 والسيرة الحلبية ج1 ص140.
([357]) شذرات الذهب ج1 ص14 واقتصر عليه في بهجة المحافل ج1 ص48. ورواه عن ابن عباس كل من: أنساب الأشراف (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص98 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 وسير أعلام النبلاء ج2 ص111 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275، والبحار ج16 ص12 عن الجنابذي، كلهم عن ابن عباس.
ورواه في مستدرك الحاكم ج3 ص182 عن ابن إسحاق، دون أن يذكر له قولاً آخر، وراجع سيرة مغلطاي ص12 والمحبر ص79 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 وتاريخ الخميس ج1 ص264 والسيرة الحلبية ج1 ص140.
([358]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص140 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وسيرة مغلطاي ص12 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303.
([359]) البداية والنهاية ج2 ص295 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص265 وراجع: السيرة الحلبية ج1 ص140.
([360]) أنساب الأشراف (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص98 وسيرة مغلطاي ص12 والمحبر ص49 والمواهب اللدنية ج1 ص38 و202 وشذرات الذهب ج1 ص14 وتاريخ الخميس ج1 ص264 وأسد الغابة (دار الشعب) ج7 ص80 والسيرة الحلبـيـة ج1 ص140 والسيرة النبويـة لدحـلان ج1 ص55 ط دار المعرفة وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص152 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 وتهذيب الأسماء ج2 ص342 والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ـ ج1 ص132، والبحار ج16 ص19 و12 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303، عن حكيم بن حزام.
([361]) تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص303 عن الواقدي.
([362]) تهذيب الأسماء ج2 ص342 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص275 عن الواقدي والسيرة الحلبية ج1 ص140 وراجع: سيرة مغلطاي ص12 وتاريخ الخميس ج1 ص301.
([363]) راجع: أنساب الأشراف (قسم حياة النبي >صلى الله عليه وآله<) ص98.
([364]) دلائل النبوة ج2 ص71.
([365]) دلائل النبوة ج2 ص72 ط دار الكتب العلمية والبداية والنهاية ج2 ص295، وغير ذلك كثير.
([366]) محمد رسول الله: سيرته، وأثره في الحضارة ص45.
([367]) مستدرك الحاكم ج3 ص182.
([368]) السيرة الحلبية ج1 ص138.
([369]) الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص160 ـ 161.
([370]) السيرة الحلبية ج1 ص138.
([371]) هذا ما ذكره المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني حفظه الله.
([372]) السيرة الحلبية ج1 ص138 وتاريخ الإسلام (السيرة النبوية) ص65 ط دار الكتاب العربي، ومسند أحمد ج1 ص312 ومجمع الزوائد ج9 ص220.
([373]) السيرة الحلبية ج1 ص140.
([374]) النبوة، للشيخ محمد حسن آل ياسين ص63.
([375]) البداية والنهاية ج2 ص294 والسيرة الحلبية ج1 ص137 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص200 ـ 201 وتاريخ الخميس ج1 ص264.
([376]) كتاب النبوة ص63.
([377]) سيأتي لذلك مزيد توضيح في فصل: حتى بيعة العقبة، من هذا الكتاب.
([378]) راجع الأوائل ج1 هامش ص159.
([379]) راجع: الأوائل ج1 ص159 وقال: إن هنداً هذه قد تزوجت من صيفي بن عائذ فولدت محمد بن صيفي.
([380]) للاطلاع على هذه الاختلافات وغيرها راجع المصادر التالية، وقارن بينها: الإصابة ج3 ص611 ـ 612، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص22، والسيرة الحلبية ج1 ص140، وقاموس الرجال ج10 ص431، ونقل عن البلاذري وأسد الغابة ج5 ص12 ـ 13 و 71، وغير ذلك.
([381]) مناقب آل أبي طالب ج1 ص159، والبحار، ورجال المامقاني، وقاموس الرجال كلهم عن المناقب.
([382]) الإستغاثة ج1 ص70.
([383]) الأوائل لأبي هلال العسكري ج1 ص311 ـ 312 والإصابة ج1 ص293 عنه وعن ابن الكلبي وابن حزم ومحاضرة الأوائل ص46.
([384]) الإصابة ج4 ص335 وطبقات ابن سعد ج8 ص193 ط ليدن.
([385]) الاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص331.
([386]) صفين للمنقري ص325.
([387]) الآية 30 من سورة النور.
([388]) الآية 31 من سورة النور.
([389]) لها ذكر في كتب الأنساب، فراجع على سبيل المثال: نسب قريش لمصعب الزبيري.
([390]) راجع: الاستغاثة ج1 ص68 ـ 69، ورسالة حول بنات النبي >صلى الله عليه وآله<، مطبوعة ط حجرية في آخر مكارم الأخلاق ص6.
([391]) البدء والتاريخ ج5 ص16 وج 4 ص139.
([392]) المواهب اللدنية ج1 ص196.
([393]) راجع: الإصابة ج4 ص304 عن الجرجاني، والاستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص299، 282. وفي ص281 عن الزبير بن بكار: أن عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية كلهم ولدوا بعد الإسلام، وكذا في البداية والنهاية ج2 ص294. ونسب قريش صفحة 21.
([394]) البدء والتاريخ ج5 ص17 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص298.
([395]) الآية 1 من سورة المسد.
([396]) نسب قريش لمصعب الزبيري ص22 وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص293 و298 وأسد الغابة ج5 ص456 والاستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص299 والدر المنثور ج6 ص409 عن الطبراني.
([397]) الدر المنثور ج6 ص408 عن أبى نعيم في الدلائل.
([398]) الآية 3 من سورة الكوثر.
([399]) راجع تهذيب تاريخ دمشق ج1 ص294 والدر المنثور ج6 ص404.
([400]) راجع: المواهب اللدنية ج1 ص197.
([401]) سيرة مغلطاي ص12.
([402]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج5 ص224.
([403]) أسد الغابة ج5 ص467، ونهاية الإرب ج18 ص211، والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص311.
([404]) راجع: كتاب النبوة هامش ص65.
([405]) راجع هامش كتاب النبوة للشيخ محمد حسن آل ياسين ص65.
([406]) سيرة المصطفى ص259، والسيرة الحلبية ج2 ص53.
([407]) نهج البلاغة ج2 ص85 وأنساب الأشراف ج5 ص60 والعقد الفريد ج3 ص376 والجمل ص100 عن المدائني والغدير ج9 ص74 عن بعض من تقدم وعن تاريخ الأمم والملوك ج5 ص96 وعن الكامل في التاريخ ج3 ص63 وعن البداية والنهاية ج7 ص168.
([408]) راجع التراتيب الإدارية ج2 ص448 و 449 فما بعدها ودلائل النبوة ج2 ص286 ط دار الكتب العلمية.
([409]) المصدر السابق ص447.
([410]) راجع: البحار: ج15 ص117، وستأتي مصادر أخرى في فصل: بحوث تسبق السيرة، حين الكلام حول إيمان آباء النبي >صلى الله عليه وآله<.
([411]) الغدير: ج7 ص394، والكافي: ج1 ص445، والدر المنثور للعاملي: ج1 ص49.
([412]) راجع السيرة الحلبية ج1 ص128، فإنه قد ذكر أن سبب الفجار قد كان في الأشهر الحرم أما نفس الحرب فكانت في شعبان، وأقول: ولكن ما معنى تسميتها حينئذٍ بحرب الفجار؟.. هذا بالإضافة إلى تصريح اليعقوبي في تاريخه بأن حرب الفجار كانت في رجب فراجع.
([413]) تاريخ اليعقوبي ط صادر ج2 ص15.
([414]) سيرة ابن هشام ج1 ص198، وتاريخ الخميس ج1 ص259.
([415]) السيرة النبوية لدحلان ج1 ص51، والسيرة الحلبية ج1 ص127.
([416]) المصدران المتقدمان.
([417]) المصادر الأربعة المتقدمة إلا أن صفحة ابن هشام هي 195.
([418]) تاريخ اليعقوبي ج2 ص16 ط صادر.
([419]) تاريخ الخميس ج1 ص259، وسيرة ابن هشام ج1 ص195 و 198.
([420]) هو غير الزبير بن العوام، الذي حارب أمير المؤمنين عليه السلام في وقعه الجمل، وقتل وهو منهزم.
([421]) راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص129، ونسب قريش لمصعب ص383 فإنه قد شرح كلا الحلفين: حلف الأحلاف، لعقة الدم، وحلف المطيبين، وراجع: البداية والنهاية ج2 ص293، والأغاني: ج16 ص66 و 65.
([422]) الأغاني: ج16 ص66.
([423]) الأغاني: ج16 ص70.
([424]) أعيان الشيعة ج2 ص13، وسيرة ابن هشام ج1 ص142، والبداية والنهاية ج2 ص293 و291، وتاريخ الخميس ج1 ص261، والسيرة الحلبية ج1 ص131، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53 والأغاني: ج16 ص66 و 67.
([425]) البداية والنهاية ج2 ص291، 292 والسيرة الحلبية ج1 ص132، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53.
([426]) البداية والنهاية ج2 ص291، والسيرة الحلبية ج1 ص131 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53، والسنن الكبرى للبيهقي.
([427]) السيرة الحلبية ج1 ص132 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53، وكان سن العباس حينئذٍ لا يساعد على دعوة كهذه لأن عمره حينئذٍ كان لا يزيد على ثمانية عشر عاماً، كما يفهم من تاريخ عقد حلف الفضول.
([428]) سيرة ابن هشام ج1 ص143، وشرح النهج للمعتزلي ج15 ص226 عن الزبير بن بكار، والأغاني: ج16 ص68 و 70، لكن في ص69: أن ذلك قد كان بين معاوية وجبير بن مطعم.
([429]) الأغاني: ج16 ص66 و 70.
([430]) سيرة ابن هشام ج1 ص142 والسيرة الحلبية ج1 ص132، والكامل لابن الأثير ط صادر ج2 ص42، والبداية والنهاية ج2 ص293 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص53 عن سيرة الحافظ الدمياطي وأنساب الأشراف ج2 ص14، والأغاني: ج16 ص68.
([431]) الصليم: السيف.
([432]) الأوائل ج1 ص73 ـ 74 والأغاني: ج16 ص68.
([433]) الأغاني ط ساسي ج8 ص108.
([434]) المصنف للحافظ عبد الرزاق ج10 ص306 ـ 370 وفي هامشه عن مسلم والترمذي ج4 ص146 ط المكتبة الإسلامية وعن سعيد بن منصور وعن فتح الباري ج8 ص173 والدارمي.
([435]) سيأتي الحديث عن ذلك في فتح مكة إن شاء الله تعالى.
([436]) النزاع والتخاصم للمقريزي ص28، وشرح النهج للمعتزلي ج7 ص159، ومروج الذهب ج3 ص33، وعن دعواهم الخلافة بالقرابة من رسول الله >صلى الله عليه وآله< راجع: العقد الفريد ط دار الكتاب العربي ج2 ص120؛ والحياة السياسية للإمام الرضا >عليه السلام< للمؤلف ص54 ـ 55.
([437]) الفتوح لابن أعثم ج3 ص196 ووقعة صفين لنصر بن مزاحم ص354 وشرح النهج للمعتزلي ج8 ص36 والكامل لابن الأثير ج3 ص313، وتاريخ الطبري ج4 ص30، والغديرج 9 ص122 عن بعضهم.
([438]) راجع كتابنا: سلمان الفارسي في مواجهة التحدي.
([439]) الثقات: ج2 ص295.
([440]) سنن البيهقي ج6 ص349 والغدير ج8 ص240 عنه. وراجع: أنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي: ج2 ص141، والغارات: ج1 ص74 ـ 77، وحياة الصحابة: ج2 ص112 عن البيهقي، وتاريخ اليعقوبي: ج2 ص183، والبحار ج41 ص137.
([441]) كشف القناع عن حجية الإجماع: ص64، وراجع: تنقيح المقال: ج2 ص83، وقاموس الرجال: ج5 ص67.
([442]) راجع: شرح النهج للمعتزلي: ج2 ص283 وج 1 ص269، والصراط المستقيم: ج3 ص26، والكافي ج8 ص63 وتلخيص الشافي: ج4 ص58، والبحار ط حجرية: ج8 ص284، وراجع: الجواهر: ج21 ص337، والوسائل: باب (10) من أبواب نوافل شهر رمضان، كتاب الصلاة، وكشف القناع: ص65 ـ 66 وسليم بن قيس ص126 ط مؤسسة البعثة.
([443]) راجع: قاموس الرجال: ج5 ص67.
([444]) الكامل للمبرد ج1 ص144 ط دار نهضة مصر. وراجع الكافي: ج8 ص59، وشرح النهج: ج1 ص269، والكامل في التاريخ: ج3 ص343، والأخبار الطوال: ص207، وأنساب الأشراف، بتحقيق المحمودي: ج2 ص370 ـ 371، وتنقيح المقال: ج2 ص83.
([445]) البحار ج92 ص36 عن معاني الأخبار.
([446]) الكافي ج8 ص59 ـ 63 وسليم بن قيس ص125 ـ 126.
([447]) راجع مقالنا عن أبي ذر في الجزء الأول من كتابنا: دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.
([448]) راجع: تهذيب تاريخ دمشق: ج4 ص230، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج2 ص314.
([449]) ترجمة الإمام الحسين >عليه السلام< من تاريخ دمشق (تحقيق المحمودي): ص197.
([450]) الأخبار الطوال: ص221 ـ 222.
([451]) راجع: العقد الفريد ج4 ص413 ط دار الكتاب العربي، وشرح النهج للمعتزلي ج20 ص127 وغير ذلك، وأنساب الأشراف ج4 ص28 وقاموس الرجال ج5 ص452، ومقاتل الطالبيين ص474.
([452]) راجع الأقوال المذكورة كلاً أو بعضاً في الكتب التالية: المصنف لعبد الرزاق ج5 والعقد الفريد ج4 ص311، وأنساب الأشراف، ومقاتل الطالبيين ص26، والأنس الجليل ج1 ص178، والتهذيب ج7 ص336، والأوائل، وتاريخ الخميس ج1 ص279 عن شواهد النبوة، وطبقات ابن سعد ط ليدن ج3 ص13، والمعارف لابن قتيبة ص51، وحياة الحيوان ج1 ص54، والبحار، وينابيع المودة، وتاريخ بغداد ج1 ص134، وذخائر العقبى ص58، والاستيعاب، وسنن البيهقي ج6 ص206، ونزهة المجالس، ومناقب الخوارزمي وأسد الغابة ج4 ص16 ـ 18، والبداية والنهاية، ومجمع الزوائد ج9 ص102، وفتح الباري ج7 ص57، وإحقاق الحق ج7 ص538 ـ 554، والقول بالعشر موجود في: الفصول المهمة لابن الصباغ ص12 والاستيعـاب ج3 ص30 ط صـادر، وطبقـات ابـن سعـد ط مصـر ج3 ص21، = = وسيرة ابن هشام ج1 ص262، والكافي ج1 ص376، وإرشاد المفيد ص9، وإعلام الـورى ص153، ومناقب آل أبي طـالـب ج2 ص78، وتـاريـخ الخميس ج1 ص286، ومستدرك الحاكم ج3 ص111، وتلخيصه بهامشه للذهبي، ومناقب الخوارزمي ص17، وتاريخ الخلفاء ص166 والبداية والنهاية ج3 ص26، وذخائر العقبى، وأنساب الأشراف، وملحقات إحقاق الحق ج7 عن بعض من تقدم.
وللقول بالاثني عشر راجع: البحار ج35 ص7 وإحقاق الحق ج7 ص549، عن نهاية الإرب ج8 ص181 والاستيعاب ج3 ص30.
ونُقِلَت كثير من الأقوال عن المصادر التالية: إكمال الرجال ص687 والروضة الندية ص13، وإحكام الأحكام ج1 ص190، وأنباه الرواة في أنباء النحاة ج1 ص11، ونهاية الارب ج8 ص181، والمختصر في أخبار البشر ج1 ص115، ونظم درر السمطين ص81 و82، والرياض النضرة ج2 ص156 والغرة المنيفة ص176 وشرح المواهب للزرقاني ج1 ص242، والطبقات المالكية ج2 ص71، والمصباح الكبير ج560.
([453]) الكافي ج1 ص376، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص17، والتهذيب للشيخ ج6 ص19 والبحار ج35 ص5 عنه وعن الكافي، وأسد الغابة ج4 ص16 وج 5 ص517 والفصول المهمة لابن الصباغ ص13.
([454]) راجع: البحار ج35 ص6.
([455]) البحار ج35 ص6 عن الدروس للشهيد، وشرح النهج للمعتزلي ج1 ص13 وج 15 ص278 والبدء والتاريخ ج5 ص71، ونسب قريش لمصعب ص40، ونزهة المجالس ج2 ص165، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم 1 ـ 497 أ الورقة 19 وذخائر العقبى ص55 والمعارف لابن قتيبة ص88.
([456]) راجع مستدرك الحاكم ج3 ص483، وتلخيصه للذهبي هامش نفس الصفحة، ونور الأبصار ص76، والفصول المهمة لابن الصباغ ص12، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي ص406 و 407 ومناقب الإمام أمير المؤمنين لابن المغازلي ص7 وذكر ولادته فيها أيضاً: أسد الغابة ج4 ص31 والسيرة الحلبية ج1 ص139 ونزهة المجالس ج2 ص204. وتذكرة الخواص ص10 ونقله صاحب الغدير ج6 ص22 ـ 38 عن عشرات المصادر مثل: إزالة الخفاء للدهلوي، والآلوسي في شرح الخريدة الغيبية، ص15 ومروج الذهب ج2 ص2 وشرح الشفا ج1 ص151، والمناقب لمحمد صالح الترمذي، وآئينه تصوَّف ص1311 وروائح المصطفى ص10 وكتاب الحسين للسيد علي جلال الدين ج1 ص16، ونقله أيضاً عن عشرات المؤلفات للإمامية فليراجع. وحياة أمير المؤمنين لمحمد صادق الصدر ص30 عن غاية الاختصار ص97 وعن مصادر أخرى، وليراجع إحقاق الحق بتعليقات السيد النجفي ج7 ص486 ـ 490 عن أرجح المطالب ص388، ومحاضرة الأوائل ص79، والبلخي في كتابه على ما في تلخيصه ص11 طبع بمبئى، وعن مطالب السؤل لابن طلحة ص11، وفضائل أمير المؤمنين للقفال الشافعي، مخطوط، ومفتاح النجا ص20 مخطوط وإعلام الورى ص93، ونقل أيضاً عن الاستيعاب وشواهد النبوة وكنوز الحقائق، واستقصاء مصادر هذه القضية متعذر وما ذكرناه كاف لمن ألقى السمع وهو شهيد.
([457]) راجع: السيرة الحلبية ج1 ص139، وذكر ولادته فيها في أسد الغابة ج2 ص40 والإصابة ج1 ص349 والاستيعاب هامش الإصابة ج1 ص320.
([458]) شرح النهج ج1 ص14.
([459]) تاريخ الخميس ج1 ص279، والسيرة الحلبية ج1 ص129.
([460]) الإصابة ج1 ص349، والاستيعاب ج1 ص320 هامش الإصابة.
([461]) وسائل الشيعة كتاب التجارة ص316.
([462]) قاموس الرجال ج3 ص387 عن تنقيح المقال.
([463]) قاموس الرجال ج3 ص387.
([464]) راجع: الإصابة ج1 ص349، ومستدرك الحاكم ج3 ص483.
([465]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص319، والبداية والنهاية ج2 ص300 كلاهما عن الزهري.
([466]) السيرة الحلبية ج1 ص141.
([467]) صحيح مسلم هامش القسطلاني ج6 ص18، والكامل لابن الأثير ج4 ص124 ط صادر وذكر في الكامل عن البخاري قولاً آخر، وهو أنها احترقت في زمن ابن الزبير، بسبب نار أوقدها أصحابه حولها، وأقول: الظاهر أن الأمويين أرادوا رد التهمة في جنايتهم على ابن الزبير وأصحابه.
([468]) سيرة ابن هشام ج1 ص206 والبداية والنهاية ج2 ص301، والسيرة الحلبية ج1 ص141.
([469]) راجع: سيرة ابن هشام ج1 ص207، والبداية والنهاية ج2 ص302، والسيرة الحلبية ج1 ص144.
([470]) مصنف عبد الرزاق ج5 ص318، والبداية والنهاية ج2 ص300 عن الزهري.
([471]) البداية والنهاية ج2 ص300 عن موسى بن عقبة، عن مجاهد، وعروة ومحمد بن جبير بن مطعم، وتاريخ الخميس ج1 ص279 عن تاريخ يعقوب.
([472]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص204، والبداية والنهاية ج2 ص300.
([473]) شرح النهج للمعتزلي ج14 ص129.
([474]) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص209، والبداية والنهاية ج2 ص303.
([475]) السيرة الحلبية ج1 ص145.
([476]) البداية والنهاية ج2 ص291.
([477]) سيأتي ذلك في أوائل غزوة بدر إن شاء الله.
([478]) البخاري، باب كراهية التعري في الصلاة ط سنة 1309هـ ج1 ص50 وص 181 وج 2 ص203، وصحيح مسلم ط سنة 1334 ه ج1 ص184، ومسند أحمد ج3 ص295 و310 و333، وج5 ص454 و455، والمصنف ج5 ص103 والبداية والنهاية ج2 ص287 عن الصحيحين وعن البيهقي. وراجع: مرآة الجنان ج1 ص19 والغدير ج9 ص285 و286 عن البخاري ومسلم وعن السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص197.
([479]) السيرة الحلبية ج1 ص122 وفتح الباري ج7 ص111 عن ابن إسحاق وسيرة ابن هشام ج1 ص194 والبداية والنهاية ج2 ص287.
([480]) السيرة الحلبية ج1 ص142 و 122.
([481]) النَمِرَة: شملة (كساء) من صوف فيها خطوط بيض وسود.
([482]) خَمَرَ: ستر.
([483]) مسند أحمد ج5 ص455، ومصنف عبد الرزاق ج5 ص103.
([484]) ربما يجاب عن ذلك بأن العباس حين رأى ضيق النمرة طلب منه ذلك فأجاب، فنودي.
([485]) فتح الباري ج1 ص401.
([486]) فتح الباري ج7 ص111.
([487]) فتح الباري ج1 ص401.
([488]) السيرة الحلبية ج1 ص142.
([489]) السيرة الحلبية ج1 ص53 و 54 و 142. وكنز العمال ج12 ص83 عن الطيالسي والخطيب وابن عساكر، والطبراني وتهذيب تاريخ دمشق ج1 ص350 والمعجم الصغير ج2 ص59.
([490]) الشفاء لعياض ج1 ص95 وشرحه للقاري عن ابن ماجة، والترمذي في شمائله وحياة الصحابة ج2 ص611 عن الترمذي في الشمائل ص26، ولسان الميزان ج2 ص9 والسيرة الحلبية ج1 ص142، وسنن ابن ماجة ج1 ص619 وراجع: صيد الخاطر ص481 والمعجم الصغير ج1 ص53.
([491]) حياة الصحابة ج2 ص544 ـ 545 عن الترمذي ج2 ص97 وقال: حسن غريب.
([492]) صيد الخاطر ص481.
([493]) فتح الباري ج7 ص10، والسيرة الحلبية ج2 ص37، والبحار ج19 ص78 عن المناقب لابن شهر آشوب ج1 ص111.
([494]) راجع الغدير ج9 ص281، وعن البخاري ومسلم.
([495]) الغدير ج9 ص288 عن شرح المواهب للزرقاني ج4 ص284، وعن فتح الباري ج6 ص450.
([496]) الشفاء للقاضي عياض ج1 ص95 وتاريخ الخميس ج1 ص214.
([497]) البحار ج75 ص466.
([498]) الآية 69 من سورة الأحزاب.
([499]) البخاري ط سنة 1309هـ ج1 ص40 وج 2 ص158، ومسند أحمد ج2 ص315 والدر المنثور ج5 ص223 عنه وعن عبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وابن الأنباري في المصاحف، = = والبزار، والحاكم وصححه، وابن أبي شيبة، عن أبي هريرة، وأنس، وابن عباس، وتفسير الميزان ج16 ص353، وتفسير القمي ج2 ص19 بسند حسن ولكن نسبة التفسير إلى القمي مشكوك فيها ومشكل الآثار ج1 ص11 وتفسير نور الثقلين ج4 ص309 وتفسير البرهان ج3 ص339، وكشف الأستار ج3 ص66 ومجمع الزوائد ج7 ص93.
([500]) فتح الباري ج6 ص313 عن ابن مردويه والطحاوي، وابن منيع بسند حسن، والدر المنثور ج5 ص223 عن هؤلاء وعن ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن ابن عباس، ومشكل الآثار ج1 ص12.
([501]) مجمع الزوائد ج9 ص82، والبداية والنهاية ج7 ص202 عن الطبراني في الكبير، والأوسط، ومسند أحمد، وأبي يعلى، وتاريخ جرجان ص416، والمصنف ج11 ص232 ـ 233 والمحاسن والمساوئ ج1 ص61 وحياة الصحابة ج2 ص611 و612 عن الأولين ومشكل الآثار ج2 ص283 ـ 284، ومسند أحمد ج1 ص71 وج 6 ص62 و155 و167 وصحيح مسلم ج7 ص116 ـ 177، والغدير ج9 ص274 و275 و287 وص290 عن الأخيرين وعن: مصابيح السنة ج2 ص273، والرياض النضرة ج2 ص88.
وراجع: تأويل مختلف الحديث ص323 والتراتيب الإدارية ج2 ص383 و384 وفيه أحاديث أخرى عن حياء الملائكة من عثمان وراجع أيضاً: مسند أبي يعلى ج7 ص415.
([502]) البداية والنهاية ج6 ص36، ومجمع الزوائد ج9 ص17، عن الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح، وصحيح مسلم ج7 ص87، والغدير ج9 ص281 عن البخاري باب صفة النبي >صلى الله عليه وآله< وعن مسلم، وحياة الصحابة عن بعض من تقدم وعن الترمذي ص26.
([503]) مسند أحمد ج5 ص290 وج 1 ص275، وصحيح البخاري ج1 ص51 وسنن البيهقي ج2 ص228، والإصابة ج3 ص448، وفتح الباري ج1 ص403، ونيل الأوطار ج2 ص50، ومستدرك الحاكم ج4 ص180 ـ 181، ومجمع الزوائد ج2 ص52 عن أحمد والطبراني في الكبير والغدير ج9 ص282 فما بعدها عن من تقدم وعن إرشاد الساري، وابن حبان في صحيحه وليراجع: موطأ مالك، والترمذي، وأبو داود، ومشكل الآثار ج2 ص284 و 285 و 286 وحتى ص293، والمصنف ج11 ص27 وتأويل مختلف الحديث ص323 ـ 324.
([504]) راجع: الغدير ج9 ص285 و 284 و 288 ـ 290 و291 و292، والمعجم الصغير ج2 ص96، وحياة الصحابة ج2 ص612 ـ 613 تجد كثيراً من أقوال العلماء والنصوص حول ذلك.
([505]) راجع: طبقات ابن سعد ج4 ص113 و114 والزهد والرقائق ص107 وربيع الأبرار ج1 ص760 وحياة الصحابة ج3 ص482 عن كنز العمال ج8 ص306 وج 5 ص124 وعن حلية الأولياء ج1 ص34، والغدير ج7 ص248 وج 9 ص281.
([506]) الغدير ج9 ص285.
([507]) راجع: تاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص52 ومقاتل الطالبيين ص48، وسيرة مغلطاي ص17 عن ابن الجوزي. والبحار ج43 ص9.
([508]) تاريخ الخميس ج1 ص278، وذخائر العقبى ص52.
([509]) المصدران السابقان.
([510]) تاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص52، والمواهب اللدنية ج1 ص198 والاستيعاب هامش الإصابة ج4 ص374، واختاره الحاكم في المستدرك ج3 ص161.
([511]) البحار ج43 ص8 عن إقبال الأعمال، عن حدائق الرياض، للشيخ المفيد رحمه الله وتاريخ الخلفاء ص75، وهو مقتضى كلام العسقلاني في تهذيب التهذيب: ج2 ص441 حيث قال: إنها تزوجت في السنة الثانية من الهجرة وعمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفاً.
([512]) البحار: ج43 ص9، وفي الاستيعاب (بهامش الإصابة): ج4 ص374 أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي >صلى الله عليه وآله< ونهاية الإرب ج18 ص213.
([513]) في مستدرك الحاكم ج3 ص163 ذكر أنها ماتت وعمرها (21) سنة وولدت على رأس (41) من مولده >صلى الله عليه وآله<، وكذا في نهاية الإرب ج18 ص213 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص71 والتبيين في أنساب القرشيين ص91 ومختصر تاريخ دمشق ج2 ص269 والمواهب اللدنية ج1 ص198 والاستيعاب بهامش الإصابة ج4 ص374، وسيرة مغلطاي ص17، والبحار ج43 ص8، وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ج10 ص11 عن الثغور الباسمة للسيوطي وراجع: البصائر والذخائر ج1 ص193 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص20.
([514]) ذخائر العقبى ص52 وتاريخ الخميس ج1 ص278 نقلاً عن الإمام أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع في كتاب تاريخ مواليد أهل البيت ومروج الذهب: ج2 ص289، والبحار ج43 ص1 ـ 10 عن الكافي بسند صحيح، والمصباح الكبير، ودلائل الإمامة، ومصباح الكفعمي، والروضة، ومناقب ابن شهر آشوب، وفي الأخيرين: أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وبعد الإسراء بثلاث سنين، وكذا في كشف الغمة ج2 ص75، وإثبات الوصية للمسعودي، وغيره.
([515]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص157 الخطبة رقم (191)، وهي المساماة بـ "القاصعة".
([516]) راجع: البدء والتاريخ ج5 ص16، والمواهب اللدنية ج1 ص196، وتاريخ الخميس ج1 ص272.
([517]) تجد بعض هذه الروايات في كتب الشيعة، مثل: البحار ج43 ص4 و 5 و 6 عن أمالي الصدوق، وعيون أخبار الرضا، ومعـاني الأخبار، وعلـل الشرائع، وتفسير القمي، = = والإحتجاج وغير ذلك، والأنوار النعمانية ج1 ص80، وفي كتب غيرهم مثل: المستدرك على الصحيحين ج3 ص156، وتلخيصه للذهبي (مطبوع بهامشه)، ونزل الأبرار ص88، والدر المنثور ج4 ص153، وتاريخ بغداد ج5 ص87، والمناقب لابن المغازلي ص357، وتاريخ الخميس ج1 ص277، وذخائر العقبى ص36 ولسان الميزان ج1 ص134 واللآلي المصنوعة ج1 ص392 ـ 394، ونقله النجفي في ملحقات إحقاق الحق ج10 ص1 ـ 10 عن بعض من تقدم، وعن ميزان الإعتـدال والروض الفائق، ونزهة المجالس، ومجمع الزوائد، وكنز العمال، ومنتخبه، ومحاضرة الأوائل، ومقتل الحسين للخوارزمي، ومفتاح النجاة، والمناقب لعبد الله الشافعي، وإعراب ثلاثين سورة، وأخبار الدول، وستأتي بقية المصادر حين الكلام حول تاريخ الإسراء والمعراج.
([518]) راجع: خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" ص114، والمناقب لابن شهرآشوب ج3 ص345، وتذكرة الخواص ص306 ـ 307.
([519]) البحار ج43 ص2.
([520]) البحار ج43 ص2 وليراجع حتى ص10.
([521]) التنبيه والأشراف ص250.
([522]) راجع في ذلك كلاً أو بعضاً: سيرة مغلطاي ص14، والسيرة الحلبية ج1 ص224، وتاريخ الطبري ج2 ص42 و 43، والبداية والنهاية ج3 ص4، وفي الطبري ج2 ص42 رواية تفيد: أن عمره >صلى الله عليه وآله< كان حينئذٍ عشرين سنة، وهي رواية لا يرتاب أحد في بطلانها وراجع مشاهير علماء الأمصار ص3.
([523]) البحار ج18 ص177 و194 عن إكمال الـديـن ص197 والتمهيد في علـوم = = القرآن ج1 ص81 ـ 82 وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص19 وسيرة ابن هشام ج1 ص280، والمناقب لابن شهر آشوب ج1 ص43.
([524]) راجع السيرة الحلبية ج1 ص238 عن أبي هريرة، وسيرة مغلطاي ص14 عن كتاب العتقي عن الحسين، ومنتخب كنز العمال هامش مسند أحمد ج3 ص362، ومناقب ابن شهر آشوب ج1 ص173 والبحار ج18 ص204 و190.
([525]) راجع: تاريخ الطبري ج2 ص44 وسيرة ابن هشام ج1 ص256، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص22 ـ 23 ط صادر والبداية والنهاية ج3 ص6.
([526]) المواهب اللدنية ج1 ص39، وسيرة مغلطاي ص14، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص22 والتنبيه والإشراف ص198، ومروج الذهب ج2 ص287، والسيرة الحلبية ج1 ص238.
([527]) الآية الأولى من سورة القدر.
([528]) الآية 185 من سورة البقرة.
([529]) الآية 106 من سورة الإسراء.
([530]) الآية 106 من سورة الإسراء.
([531]) الآية 32 من سورة الفرقان.
([532]) الآية الأولى من سورة المجادلة.
([533]) راجع: تفسير الميزان ج2 ص15.
([534]) راجع: تفسير الميزان ج2 ص18 وتفسير الصافي ج1 المقدمة التاسعة، وتاريخ القرآن للزنجاني ص10.
([535]) راجع: التمهيد في علوم القرآن ج1 ص82 ـ 83 عن الكافي ج2 ص460، وتفسير العياشي ج1 ص80 والاعتقادات للصدوق ص101، والبحار ج18 ص253، = = ومستدرك الحاكم ج2 ص610 والإتقان ج1 ص39 وتفسير شبر ص350، والبداية والنهاية ج3 ص4 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص34.
([536]) التمهيد ج1 ص81 و 83.
([537]) الآية 32 من سورة الفرقان.
([538])الآية 193 من سورة الشعراء.
([539]) الآية 93 من سورة الإسراء.
([540]) الآية 48 من سورة الفرقان.
([541]) هو العلامة السيد مهدي الروحاني رحمه الله.
([542]) تصحيح الإعتقاد ص58.
([543]) الآية 5 من سورة المزمل.
([544]) البحار ج92 ص38.
([545]) التمهيد في علوم القرآن ج1 ص83 ويحتمل أيضاً: أن يكون القرآن قد نزل في شهر رمضان في ليلة القدر دفعة، لكنه لم يؤمر بتبليغه، ثم صار ينزل عليه تدريجاً لأجل التبليغ في المناسبات المقتضية لذلك.
([546]) هو العلامة السيد مهدي الروحاني (رحمه الله)..
([547]) الآية 1 من سورة القدر.
([548]) الآية 185 من سورة البقرة.
([549]) الآيتان 1 و 2 من سورة العلق.
([550]) قد أشار إلى ذلك في: التمهيد في علوم القرآن ج1 ص84.
([551]) التمهيد في علوم القرآن ج1 ص85.
([552]) الآيات 3 ـ 5 من سورة الدخان.
([553]) الآية 32 من سورة الفرقان.
([554]) الآية 16 من سورة القيامة.
([555]) البحار ج89 ص38.
([556]) مختصر مفيد ج4 ص45.
([557]) الآيتان 1 و 2 من سورة العلق، وراجع تفسير البرهان.
([558]) تفسير البرهان ج1 ص29.
([559]) الدر المنثور ج6 ص368 والإتقان ج1 ص23.
([560]) الدر المنثور ج1 ص24.
([561]) الوسائل ج4 ص732.
([562]) الوسائل ج4 ص733.
([563]) الإتقان ج1 ص24.
([564]) الإتقان ج1 ص23، والبخاري، وغيره والأوائل للطبراني ص43 وستأتي الرواية.
([565]) راجع تفسير الميزان ج2 ص22.
([566]) الآية 23 من سورة البقرة.
([567]) الآية 88 من سورة الإسراء.
([568]) الآية 49 من سورة هود. وليراجع أيضاً الآية 102 من سورة يوسف، والآية 44 من سورة آل عمران وغير ذلك.
([569]) الآيات الأول من سورة الروم.
([570]) راجع: البيان للسيد الخوئي ص81 ـ 84.
([571]) الآية 22 من سورة الحجر.
([572]) الآية 16 من سورة يونس.
([573]) الآية 82 من سورة النساء.
([574]) حيث يجد كل فريق في هذا القرآن ما يناسب فكره وعقليته ويراه معجزاً حقاً، فالإخبارات الغيبية والنظام الكامل الذي أتى به وغير ذلك من أمور لا تخفى مما يمكن لأهل كل لغة أن يدركوها هي من مصاديق البلاغة لهم، وحتى الفصاحة والبلاغة فإن بالإمكان لغير العربي أن يدركها أيضاً بتعلم اللغة العربية ومعرفة سر القرآن أو الاعتماد على النقل القطعي ممن قد اطلع على بعض جوانب إعجاز القرآن.
([575]) الآية 179 من سورة البقرة.
([576]) الآية 15 من سورة الإسراء.
([577]) الإحتجاج ج2 ص41 والبحار ج45 ص296.
([578]) الآية98 من سورة الأنبياء.
([579]) راجع: الكنى والألقاب ج1 ص294.
([580]) الآية 2 من سورة يوسف.
([581]) الآية 3 من سورة فصلت.
([582]) الآيات 193ـ 195 من سورة الشعراء.
([583]) مدينة المعاجز ص116 عن تأويل الآيات الباهرة في الأئمة الطاهرة ومستدرك البحار ج7 ص181 و 180 والبحار ج39 ص84.
([584]) البحار ج92 ص82 عن تفسير القمي ج1 ص4.
([585]) البحار ج92 ص103 عن أسرار الصلاة وص 104 عن الغزالي: أنه >عليه السلام< لو أذن له الله ورسوله لشرح معاني ألف الفاتحة حتى يبلغ أربعين وقراً أو جملاً.
([586]) أصول الكافي ج2 ص438.
([587]) البحار ج92 ص103 و 20 وج 78 ص278 عن كتاب الأربعين، وعن الدرة الباهرة، وجامع الأخبار ص48 ـ 49.
([588]) كنز العمال ج2 ص186، وليراجع ج1 ص337، وحياة الصحابة ج3 ص456 عنه وعن العسكري، وراجع: نور القبس ص268 ـ 269.
([589]) الزهد والرقائق، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص23 وفي الهامش عن المشكاة ص27، وراجع: الإتقان ج2 ص184 و 128، والموافقات للشاطبي ج3 ص382 وفي الهامش عن روح المعاني وعن المصابيح. وراجع غرائب القرآن (مطبوع بهامش جامع البيان) ج1 ص23 و21 ولباب التأويل للخازن ج1 ص10 والفائق ج2 ص381 وراجع التراتيب الإدارية ج2 ص176.
([590]) الزهد والرقائق، قسم ما رواه نعيم بن حماد ص23.
([591]) الإتقان ج2 ص185 عن ابن أبي حاتم.
([592]) كنز العمال ج1 ص488 عن أبي عبيد في فضائله، وعن أبي نصر السجزي في الإبانة.
([593]) حلية الأولياء ج1 ص65 والإتقان ج2 ص187، وهامش الموافقات ج3 ص382 عن كتاب المصابيح، ومصابيح السنة ج1 ص176 وفي هامشه عن موارد الظمآن ص440 ـ 441 وعن غيره وجامع البيان ج1 ص9 وكشف الأستار ج3 ص90 ونزل الأبرار ص73 وأسمى المناقب ص82، ومجمع الزوائد ج7 ص152 عن البزار، وأبي يعلى، والطبراني في الأوسط ولم يذكر الهيثمي قول ابن مسعود في علي >عليه السلام< وراجع: الغدير ج7 ص108 عن الحلية ومشكل الآثار ج4 ص172 و182، وترجمة الإمام علي >عليه السلام< من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج3 ص25 وفي الهامش عن الحلية وفرائد السمطين، والغدير ج7 ص107 ـ 108 وج 2 ص45 عن الحلية وج 3 ص99 و224 عن مفتاح السعادة ج1 ص400.
([594]) المصنف للصنعاني ج11 ص255، والإتقان ج2 ص185 عن ابن سبع في شفاء الصدور، وحلية الأولياء ج1 ص211 والطبقات الكبرى ج2 قسم 2 ص114 والغدير ج3 ص99 وج 2 ص45 عن أبي نعيم وعن مفتاح السعادة ج1 ص100.
([595]) نهج البلاغة ج2 ص150 بشرح عبده قسم الكتب والوصايا رقم 77.
([596]) المحاسن للبرقي ص270 والبحار ج92 ص78 ـ 106 وتفسير العياشي ج1 ص11 وتفسير البرهان ج1 ص19 ـ 21 وتفسير الصافي ج1 ص29 و 31 ومعاني الأخبار ص259 والغدير ج7 ص108 عن ابن مسعود، وميزان الحكمة ج1 ص95.
([597]) كفاية الأصول آخر مبحث استعمال اللفظ في أكثر من معنى ووسائل الشيعة للكاظمي ص13.
([598]) التراتيب الإدارية ج2 ص179.
([599]) الصحيفة السجادية ص136 الدعاء عند ختم القرآن.
([600]) الآية 7 من سورة آل عمران.
([601]) الآية 29 من سورة ص.
([602]) الآية 2 من سورة يوسف.
([603]) الآية 83 من سورة النساء.
([604]) تفسير الرازي ج7 ص171.
([605]) راجع: التمهيد في علوم القرآن ج3 ص19 ـ 22 والميزان للعلامة الطباطبائي ج3 ص58 ـ 62 وعن تفسير المنار ج3 ص170 وقد نقلنا كلامهم بتصرف، فليلاحظ ذلك.
([606]) الآية 7 من سورة آل عمران.
([607]) الآية 31 من سورة إبراهيم.
([608]) راجع كتاب: توحيد عاشوري(فارسي).
([609]) راجع تفسير نور الثقلين: ج1 ص260 ـ 262، وتفسير البرهان: ج1 ص270.
([610]) الآية 100 من سورة.
([611]) هناك رواية تشير إلى شيء من ذلك أيضاً، فراجع: المحاسن للبرقي ص270 والبحار ج92 ص90.
([612]) الآية 26 من سورة فصلت.
([613]) تفسير الميزان ج18 ص6، 7.
([614]) هو العلامة المحقق السيد مهدي الروحاني.
([615]) الآية 41 من سورة هود.
([616]) الآية 1 من سورة الحمد.
([617]) الآية 30 من سورة النمل.
([618]) راجع مجلة المنطلق اللبنانية سنة 1399 ه العدد الخامس ص82.
([619]) الآية 185 من سورة البقرة.
([620]) الآية 38 من سورة ص.
([621]) الآية 199 من سورة الشعراء.
([622]) الآية 2 من سورة يوسف.
([623]) الآية 3 من سورة فصلت.
([624]) الآيتان 1 و2 من سورة يوسف.
([625]) الآية 88 من سورة الإسراء.
([626]) معاني الأخبار ص22، وتفسير البرهان ج1 ص54 وتفسير نور الثقلين ج1 ص43 والبحار ج92 ص377 وتفسير الميزان ج18 ص16.