بسم الله الرحمن الرحيم
المهدي المنتظر (عج)
في
حديث السنة المعتبر

الشيخ عادل الحريري
المقدمة

الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا محمد و آله الطاهرين و صحبه المنتجبين .

ان قضية المهدي المخلص (عج) من أهم القضايا التي نعيش مسؤولية التحرك نحوها ، فلم يكن المسلم في عصر النبي محمدٍ (ص) ليعيش فكرة تحمل المسؤولية تجاه المهدي المخلص (ع) إلا عبر الايمان بها كنموذج غيبي من النماذج الغيبية التي أخبر عنها الرسول (ص) . .

و هكذا بقيت هذه الفكرة في ذلك العصر تبرز يوماً و تخبو آخر ، حتى جاء ذلك اليوم الذي احتاجت فيه البشرية إلى ذلك اليعسوب الذي يرشدها و يعلمها و يخرجها من تلك الظلمات بعد أن فقدت الأمة تلك الأنوار و الحجج التي سبقته . . .

فبدأ الهمُّ نحو الرسالة من اولئك الفتية الخُلّص الذين آمنوا بها و استيقنتها أنفسهم . . . انهم الطليعة الواعية التي قامت الرسالة الإلهية على اعتاق امثالهم . . . انهم الخواصُ الذين أطاعوا الله و اطاعوا الرسول و اولي الامر منهم . . . و هكذا بدت معالم الدرب ، و بدأت الخطة انها قضية التمهيد لقدوم المخلٍّص . . .

انها انتظار القائم من آل محمد (ص) . . . ذلك الفرد هو بصيص الامل الذي تتطلع اليه البشرية بكل دياناتها و مختلف تفكيرها . . انه الرجل المسدد الذي يمكن الوثوق به ، و الوقوف إلى جانبه ، و العمل معه قبل بروزه الى ساحة العمل . . .

انه المنقذ الذي يمسح دموع اليتامى و المضطهدين ، انه سيف الله الذي يقتص من كل الظالمين الذين أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم . . .

انه الماضي و الحاضر و المستقبل . . انه عصارة الماضين ، و سلالة الأنبياء و المرسلين حجة الله على خلقه أجمعين محمد بن الحسن المهدي ( عليه السلام ) . . اقدم بين يديه هذه الوريقات التي اخذتها عن كبار مصادر علماء أهل السنة راجياً منه قبولها و من الله التوفيق .

اللهم إنا نسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب . . .

عادل الحريري
تقسيم البحث

- هل المهدي حقيقة ؟!

- من هو المهدي ؟

-آراء أساطين العلم من السنة في نسب و ولادة الامام المهدي (ع)

- حقيقة العمر الطويل علمياً و عملياً ؟

- حقيقة الغيبة ؟ و لماذا غاب القائد عن أمته ؟

- متى يظهر الغائب ؟ و هل لظهوره وقت أو علامة ؟

هل المهدي حقيقة

لقد وردت الروايات حول المهدي بشكل كثير بلغ حد التواتر1 ، ما لم يبق مجالاً للشك في هذه العقيدة ، و الطرق المتعددة باختلاف الرواة زاد في قوة هذا التواتر .

فأجمعت فرق المسلمين كلها ، بخروج المهدي في آخر الزمان ، حيث الظلم و الاضطهاد ، من قتلٍ و سجنٍ و سلبٍ و غيره مما ملأ المعمورة ليغير ذلك كله الى العدل والامان و القسط.

إلا أنه قد روى بعض من شذّ و ندر بأن المهدي ليس له وجود آخر غير وجود عيسى حيث لا مهدي إلا عيسى ( حديث ابن ماجه ) و قد رذّه أحمد بن محمد الصديق قائلاً :

( ففي التذكرة للامام القرطبي ، و فتح الباري لامير الحفاظ العسقلاني ، نقلاً عن الحافظ ابي الحسين الآبري انه قال : رداً لحديث ابن ماجه الموضوع الآتي فيه انه ( لا مهدي إلى عيسى) ما نصه : قد تواتر الاخبار و استفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى (ص) في المهدي و انه من اهل بيته ، و انه يملأ الأرض عدلاً و أن عيسى عليه الصلاة و السلام يخرج فيساعده على قتل الدجال ، و انه يؤم هذه الامة و عيسى خلفه . . . ) 1 .

و عليه فمن ينكر ذلك التواتر المنقول عن خيرة صحابة الرسول 2 ، لا يمكن وصفه إلا كمن أنكر الشمس في وضح النهار ، و قد كتب الاستاذ ناصر الدين الالباني في رده على سؤال رده على سؤال ورده من مجلة التمدن الاسلامي قال :

و خلاصة القول : ان عقيدة خروج المهدي عقيدة ثابتة متواترة عنه (ص) يجب الايمان بها لانها من امور الغيب ، و الايمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى : { الم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب } و ان انكارها لا يصدر الا من جاهل أو مكابر ، أسأل الله ان يتوفانا على الايمان بها . . . 1 .

و الآن نبقى مع بعض الأحاديث التي اعتمد عليها الرواة في اثبات تواترهم في عقيدة المهدي .
جاء في سنن ابي داود عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله (ص) يقول : ( المهدي من عترتي ، من ولد فاطمة )./ سنن ابي داود : حديث رقم 4284 ج4 ص 107 )

و جاء في الجامع الصحيح قال : قال رسول الله (ص) : ( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ) . / سنن الترمذي : حديث رقم 2230ج 4 ص 505 ط مصر .

وجاء في المعجم الكبير قال : عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : ( لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، يملأ الأرض عدلاً و قسطاً ، كما ملئت ظلماً و جوراً ) . / المعجم للحافظ : حديث 10214 ج10 .

و عليه فلا مجال للشك في هذا الاعتقاد عند فرق المسلمين اجمع .

بل إن بعض الديانات الغير اسلامية ، تؤمن بفكرة المهدي كفكرة عامة .

يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : ان مسيحيي الأحباش ينتظرون عودة مليكهم ( تيودور ) كمهدي في آخر الزمان . . . و يعتقد المغول ان ( تيمورلنك ) أو ( جنكيز خان ) قد وعد قبل موته بعودته الى الدنيا لتخليص قومه من الحكم الصيني ، و في الأساطير الفارسية : ينتظر المجوس ( اشيد ربابي ) احد أعقاب ( زرادشت ) ، وفي الديانات المصرية القديمة و كتب الصينين و عقائد الهنود القدامى المتعلقة بتناسخ الأرواح عقائد مماثلة لما عند الفرس القدامى / ( كتابه : نظرية الامامة ) .

فمن هو هذا الرجل المخلص الذي تنتظره البشرية عبر كل تلك السنين ؟
آراء أساطين العلم من السنة في نسب و ولادة الامام المهدي (ع)

نسبه و مولده :

لقد سلم من آمن بعقيدة المهدي ، بأنه من نسل النبي محمد (ص) حيث نصَّ (ص) على ذلك و انه من ولد فاطمة الزهراء (ع) و أنّ جده الحسين بن علي (ع) و الروايات في ذلك كثيرة[1] .

ولكنهم اختلفوا في ولادته ، فذهب بعض بالقول بانه سيولد في آخر الزمان ، و ذهب البعض الآخر- و هم الأكثر- بانه ولد و ان أباه الحسن بن علي العسكري ، و يشير إلى هذا الخلاف الشيخ ابوبكر النيسابوري الشافعي حيث قال :

" اختلف الناس في امر المهدي فتوقف جماعة و أحالوا العلم إلى عالمه و اعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (ص) يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرةَ لدينه .

و طائفة يقولون : ان المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين ، و هو الامام الملقب بالحجة القائم محمد بن الحسن العسكري ". / راجع كتاب شعب الايمان .

و لا يمكننا نحن اثبات شيء إلا من خلال نقل آراء اساطين العلم و جهابذته الذين يشار لهم بالبنان حيث يمكن الوثوق بقولهم للتواتر الذي سوف تراه في أقوالهم .

1-يقول العلامة أبو سالم الشافعي في مطالب السؤال : " . . . فهو من ولد الطهر البتول ، المجزوم بكونها بضعة من الرسول . . . فأما مولده فبسر من رأى (سامراء) في ثالث و عشرين سنة ثمان و خمسين و مائتين للهجرة ، و أما نسبه اباً و اماً ، فأبوه الحسن الخالص بن علي المتوكل ، بن محمد القانع ، بن علي الرضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ، بن محمد الباقر ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين الزكي ، بن علي المرتضى أمير المؤمنين . . . " ./ مطالب السؤال : ج2 الباب 12 .

و جاء في ينابيع المودة قال : و منها ( أي من الروايات في المهدي ) عن حذيفة بن اليمان قال : خطبنا رسول الله (ص) فذكر ما هو كائن ثم قال : " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله تعالى ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي .
فقال سلمان : يا رسول الله : من أي ولدك هو ؟
قال : من ولدي هذا ( و ضرب بيده على رأس الحسين عليه السلام ) . / ينابيع المودة : من الاربعين حديثاً الذي جمعه ابو نعيم في المهدي ص 490 .

2-و يؤيد انه قد ولد و ان اباه الحسن العسكري ما ذهب اليه الشيخ القطب الفوثي محي الدين بن العربي في الفتوحات قائلاً : " اعلموا انه لا بد من خروج المهدي و هو من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة (رض) جده الحسين بن علي بن ابي طالب ، و والده الامام حسن العسكري ، ابن الامام محمد التقي ، ابن الامام علي الرضا ، ابن الامام موسى الكاظم ، ابن الامام جعفر الصادق ، ابن الامام محمد الباقر ، ابن الامام زين العابدين علي ، ابن الامام الحسين ، ابن الامام علي بن ابي طالب رضي الله تعالى عنه . . . " . / مشارق الانوار للشيخ حسن الحمزاوي ص 112 طبع 1307 هـ .

3-وهذا ما ذهب اليه ايضاً العلامة سبط ابن الجوزي حيث قال : " هو : محمد بن الحسن ، بن علي ، بن محمد ، بن علي ، بن موسى ، بن جعفر ، بن محمد ، بن علي ، بن الحسين ، بن علي بن ابي طالب ، و كنيته ابو عبدالله و ابو القاسم و هو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم و المنتظر و التالي ، و هو آخر الأئمة ، انبأنا عبدالعزيز بن محمود بن البزاز عن ابن عمر قال : قال رسول الله (ص) يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي ، اسمه كاسمي ، و كنيته ككنيتي ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً فذلك هو المهدي ، و هذا حديث مشهور . / تذكرة الخواص : ص 363 طبع 1964 م النجف .

و كذا روى ابراهيم الجويني عن عبد الله بن عباس قال : " سمعت رسول الله (ص) يقول : انا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولدي مطهرون معصومون " . / فرائد السمطين : المجلد الثاني .

4-و يقول ابن الصباغ : " ولد ابو القاسم محمد بن الحجة بن الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس و خمسين و مائتين للهجرة ، و اما نسبه اباً و اماً فهو : ابو القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص ، بن علي الهادي ، بن محمد الجواد ، بن علي الرضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ، بن محمد الباقر ، بن علي زين العابدين ، بن الحسين بن علي بن علي بن ابي طالب صلوات الله عليهم اجمعين و امه : ام ولد يقال لها نرجس . . . " . / الفصول المهمة : الباب الثاني عشر .

5-و يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي في كتابه ( الاتحاف بحب الأشراف ) في معرض حديثه عن الامام الحسن العسكري ( عليه السلام ) : " و يكفيه شرفاً ان الامام المهدي المنتظر من اولاده ، فلله دُر هذا البيت الشريف ، و النسب الخضم المنيف ، ناهيك به فخاراً ، و حسبك فيه من علوه مقداراً ، فهم جميعاً في كرم الارومة (الأصل) ، متعادلون ، و لسهام المجد مقتسمون قيل له من بيت عالي الرتبة ، يامي المحلة ، فلقد طال السمّاك عُلاً و نبلاً ، و سما على الفرقدين منزلة و محلاً ، و استغرق صفات الكمال ، فلا يستثنى فيه بِغيرٍ ، انتظم في المجد هؤلاء الأئمة ، انتظام اللآلئ ، و تناسقوا الشرف ، فاستوى الأول و التالي ، و كم اجتهد قوم في خفض منارهم ، و الله يرفعه ، و ركبوا الصعب و الذلول في تشتيت شملهم ، و الله يجمعه ، و كم ضيعوا من حقوقهم ، ما لا يهمله الله ، و لا يضيّعه ، احيانا الله على حبهم ، و أماتنا عليه ، و ادخلنا في شفاة من ينتمون في الشرف اليه (ص) ، و خلّف بعده ( أي الحسن العسكري ) ولده و هو الثاني عشر من الأئمة ، ابو القاسم ، محمد الحجة ، ولد بسر من رأى ، ليلة النصف من شعبان سنة (255) قبل موت ابيه بخمس سنين ، و كان ابوه قد أخفاه حين ولد ، و ستر أمره ، لصعوبة الوقت ، و خوفه من الخلفاء ، فانهم كانوا في ذلك الوقت يتطلبون الهاشميين ، و يقصدونهم بالحبس و القتل ، و يرون اعدامهم سلطنة الظالمين ، و هو الامام المهدي ( عليه السلام ) كما عرفوا ذلك من الأحاديث التي وصلت اليهم من الرسول الأكرم (ص) و أخبرَتْهم ان الامام المهدي الموعود المنتظر ( عليه السلام ) يقطع دابر الظالمين ، و يستولي على الدنيا ، و لا يترك احداً منهم في الأرضين .

ثم قال بعد ذلك :

و قد اشرق نور هذه السلسلة الهاشمية ، و البيضة الطاهرة النبوية ، و العصابة العلوية ، و هم اثنا عشر اماماً ، مناقبهم علية ، و صفاتهم سنية ، و نفوسهم شريفة أبية ، و ارومتهم كريمة محمدية ، وهم ، محمد الحجة بن الحسن الخالص ، بن علي الهادي ، بن محمد الجواد ، بن علي الرضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصادق ، بن محمد الباقر ، بن علي زين العابدين ، بن الامام الحسين ، اخو الامام الحسن ، ولدي الليث الغالب علي بن أبي طالب ( رضي الله عنهم اجمعين ) . / الاتحاف بحب الأشراف : ص 178 ، طبع مصر ( 1316 هـ ) .

6-و يقول الشيخ حسين بن محمد بن الحسن الديار بكري المالكي في كتابه تاريخ الخميس :
" الثاني عشر (من الأئمة) محمد ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا يكنى ابا القاسم . . . ولد في سر من رأى في الثالث و العشرين من رمضان سنة ثمان و خمسين و مائتين هـ . " / تاريخ الخميس الجزء 2 ص 321 .

7-و يقول الشيخ المحدث الفقيه محمد بن ابراهيم الجويني الحمويني الشافعي في فرائد السمطين ، قال : " و اما شيخ المشايخ العظام اعني حضرات : شيخ الاسلام احمد الجامي النامقي ، و الشيخ عطار النيسابوري ، و الشيخ شمس الدين التبريزي ، و جلال الدين مولانا الرومي ، و السيد نعمة الله الولي ، و السيد النسيمي ، و غيرهم ذكروا في اشعارهم في مدايح الأئمة من أهل البيت الطيبين ( رضي الله عنهم ) مدح المهدي في آخرهم متصلاً بهم فهذه ادلة ( واضحة ) على أن المهدي ولد أولاً . . . و من تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاً عيانا ً" . / فرائد السمطين .

8-و يقول الشيخ محمد بن محمد بن محمود النجار المعروف بـ(خواجا يارسا) في كتابه ( فصل الخطاب) في حديثه عن الامام الحسن العسكري (ع) : " و كان مدة بقاء الحسن العسكري بعد ابيه ست سنين ، و لم يخلف ولداً غير ابي القاسم ، محمد المنتظر ، المسمى بالقائم ، و الحجة و المهدي ، و صاحب الزمان ، و خاتم الأئمة الاثنى عشر عند الامامية ، و كان مولد المنتظر ليلة النصف من شعبان ، سنة خمس و خمسين و مائتين ، امه ام ولد يقال لها نرجس ، توفى ابوه و هو ابن خمس سنين ، فاختفى إلى الآن . . . و طول الله تبارك و تعالى عمره كما طول عمر الخضر (عليه السلام ) .

9-و يقول الشيخ ابو المعالي ، سراج الدين الرفاعي في كتابه ( صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار ) : " و أما الحسن العسكري فأعقب الحجة المنتظر ولي الله الامام المهدي ( عليه السلام ) " .

10-و يقول الشيخ المحقق بهلول بهجت افندي مؤلف كتاب ( المحاكمة في تاريخ آل محمد ) ( مترجم بالتركية و الفارسية ) : " ولد في الخامس عشر من شعبان سنة (255) و ان اسم امه نرجس " .

11-و يقول الشيخ الفاضل البارع عبد الله بن محمد ، المطيري شهرةً ، و المدني مسكناً ، و الشافعي مذهباً ، في كتابه ( الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي و عترته الطاهرة ) : " ان ابنه ( اي ابن الامام الحسن العسكري ) الامام الثاني عشر محمد القائم المهدي . . . و قد ورد النص عليه في الأحاديث من جده علي بن أبي طالب ( عليهما السلام ) و من بقية آبائه الكرام ، اهل الشرف و المقام و هو صاحب السيف ، القائم المنتظر كما ورد في الصحيح من الخبر . . . و له غيبتان . . . " .

12-و يقول الشيخ ابو المواهب الشيخ عبدالوهاب بن أحمد بن علي الشعراني في كتابه ( اليواقيت و الجواهر ) : " و هو ( المهدي ) من اولاد الامام حسن العسكري ، و مولده 0 عليه السلام ) ليلة النصف من شعبان ، سنة خمس و خمسين و مائتين ، و هو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم ( عليه السلام ) فيكون عمره إلى وقتنا و هو سنة ( 958 هـ) سبعمائة و ست و ستين سنة " / اليواقيت و الجواهر ص 142 ط مصر 1307 هـ .

13-و يقول الشيخ شهاب الدين احمد بن حجر الهيثمي ، الشافعي ، في كتابه ( الصواعق المحرقة ) : " و لم يخلِّف ( اي الامام الحسن العسكري) غير ولده ( ابي القاسم محمد الحجة ) و عمره عند وفاة ابيه ، خمس سنين ، آتاه الله الحكمة و يسمى القائم و المنتظر ، قيل : لانه سُتر و غاب " . / الصواعق المحرقة ، ص127 ، ط مصر 1308 هـ .

وهناك جمع غفير من علماء المسلمين ، ذهبوا الى انه من ولد في الخامس عشر من شهر شعبان عام 255 هـ و حيث لا مجال لذكر كل اقوالهم فنكتفي بذكر اسماءهم
و محل حديثهم :

14-سيد مؤمن الشبلنجي في كتابه نور الأبصار .

15-سيد علي الخواص في اسعاف الراغبين لابو العرفان ص 35 .

16-الشيخ شمس الدين محمد بن طولون ، و ابن الازرق في تاريخ ( ميّافارقين ) في كتاب ابن طولون - الأئمة طبع بيروت 1958 مـ .

17-الشيخ شهاب الدين ابوعبد الله ياقوت الحموي الرومي البغدادي في معجم البلدان ج6 ص 175 طبع مصر 1324 هـ .

18-الشيخ العارف فريد الدين العطار في كتابه مظهر الصفات .

19-الشيخ جلال محمد العارف البلخي الرومي المعروف بالمولوي ، ذكر ذلك في ديوانه الكبير .

20-الشيخ الكامل صلاح الدين الصفدي ، في كتابه شرح الدائرة .

21- الشيخ جمال الدين بن علي بن مهناّ ، في كتابه عمدة الطالب ص 186 طبع النجف 1323 هـ .

22-الشيخ ابو عبد الله بن عفيف الدين اليافعي اليمني المكي الشافعي ، في كتابه مرآة الجنان جزء رقم (2) ص 107 - 172 طبع ايران 1328 هـ .

23-الشيخ شهاب الدين و الدولة أبادي في كتابه هداية السعداء .

24-الشيخ شمس الدين بن احمد الذهبي الشافعي ، في كتابه دولة الاسلام جزء (1) ص 122 طبع حيدر آباد 1377 هـ .

25-الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كرم الريش المطل على بركة الرطل بمصر .

26-الشيخ نور الدين بن احمد بن قوام الدين المعروف بجاني الشافعي الشاعر المعروف ، في كتابه شواهد النبوة .

27-الشيخ نور عبد الرحمن مؤلف كتاب مرآة الأسرار .

28-الشيخ مير خواند ، المؤرخ المشهور في كتابه روضة الصفا ج 3 .

29-الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي ، في كتابه معراج الوصول إلى فضيلة آل الرسول .

30-الشيخ حسين بن معين الدين الميبدي ، في شرح الديوان ص 123 - 371 .

31-الشيخ الجليل عبد الكريم اليماني ذكر ذلك في شعره ( راجع ينابيع المودة الطبعة القديمة ص 466 ) .

32-الشيخ عبد الرحمن البسطامي في كتابه درة المعارف .

33-الشيخ سعد الدين الحموي ( راجع الينابيع الطبعة القديمة ص 477 ) .

34-الشيخ صدر الدين القونوي ( راجع الينابيع ص 468 ) .

35-العلامة ابو المجد عبد الحق الدهلوي البخاري في كتابه المناقب .

36-العلامة الشيخ حسن العدوي الحمزاوي ، مشارق الانوار .

37-العلامة ابن الاثير الخدري ، في تاريخ الكامل ج7 ص 90 .

38-العلامة أبي فداء اسماعيل بن محمود الشافعي ، في كتابه تاريخ أبي الفداء ج2 ص 52 .

39-الشيخ محمد أمين البغدادي أبو الفوز السوري ، في كتابه سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص 77 باب 6 .

40-الشيخ علي الهروي القاري ، في كتابه الموافاة في شرح المشكاة .

41-الشيخ موفق الخوازمي الحنفي ، في المناقب .

42-الشيخ عامر البصري ، في قصيدته المسماة بذات الأنوار .

43-الشيخ جواد الساباطي ، في كتابه البراهين الساباطية .

44-الشيخ نظر بن علي الحظمي النصري .

45- الشيخ حسين بن علي الكاشفي ، مؤلف جواهر التفسير .

46-الخليفة العباسي الناصر لدين الله احمد بن المستضيء بنور الله .

47-العلامة الشيخ احمد الفاروقي النقشبندي المعروف بالمجدد .

48-العلامة ابو الوليد محمد بن شحنة الحنفي ، في كتابه روضة المناظر .

49-القاضي فضل بن روزبهان ، شارح الشمائل للترمذي .

50-الشيخ بن همدان الحصيني .

51-العلامة شمس الدين التبريزي ، استاذ المولوي الرومي .

52-العلامة الشيخ ابو الفتح بن ابي الفوارس ، في اربعينه .

53-العلامة الشيخ عماد الدين الحنفي .

54-الشيخ وليُّ الله الدهلوي في النزهة .

55-الشيخ رشيد الدين الدهلوي الهندي ، في كتابه ايضاح لطافة المقال .

56-الشيخ مير خواند المؤرخ المشهور محمد بن خاوند شاه بن محمود في كتابه ( روضة الصفا ) الجزء الثالث .

و غيرهم ممن فاتنا ذكرهم رحمهم الله جميعاً .

و اختم هذا البحث برواية ينابيع المودة نقلاً عن كتاب فرائد السمطين حيث اخرج بسنده عن مجاهد عن ابن عباس قال : " قدم يهودي يقال له نعثل الى رسول الله (ص) فقال : يا محمد اسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك .
قال (ص) : سل يا أبا عمارة .
فقال : يا محمد صف لي ربك .

فقال (ص) : إن الله لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، و كيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه ، و الأوهام ان تناله ، و الخطوات ان تحده ، و الأبصار ان تحيط به ، جلًّ و علا عما يصفه الواصفون ، ناءٍ في قربه ، قريبٌ في نأيه ، و هو كيّف الكيف و أيّن الأين ، فلا يقال له أين هو ، منقطع الكيفية و الأينونية ، فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه ، و الواصفون لا يبلغون نعته ، لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفواً احد .

فقال نعثل : صدقت يا محمد ، فأخبرني عن قولك إنه واحد لا شبيه له أليس الإله واحد و الإنسان واحد ؟

فقال (ص) : الله عزُّ و علا واحدٌ حقيقيٌ أحديُّ المعنى أي لا جزء له و لا تركيب له ، و الإنسان واحدٌ ثنائيُّ المعنى ، مركبٌ من روحٍ و بدن .

فقال نعثل : صدقت ، فأخبرني عن وصييك من هو ، فما من نبي إلا و له وصي ، و إنا نبينا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون .

قال (ص) : إن وصيي علي بن أبي طالب و بعده سبطاي الحسن و الحسين ، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين .

فقال نعثل : فسمهم لي .

قال (ص) : إذا مضى الحسين ، فابنه علي ، فإذا مضى علي ، فابنه محمد ، فإذا مضى محمد ، فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر ،فابنه موسى ، فإذا مضى موسى ، فابنه علي ، فإذا مضى علي ، فابنه محمد ، فإذا مضى محمد ، فابنه علي ، فإذا مضى علي ، فابنه الحسن ،فإذا مضى الحسن ، فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء إثنا عشر .

قال نعثل : أخبرني عن كيفية موت علي والحسن و الحسين .

قال (ص) : يقتل عليّ بضربة على قرنه و الحسن يقتل بالسم ، و الحسين بالذبح .

قال نعثل : فأين مكانهم ؟

قال (ص) : في الجنة في درجتي .

قال نعثل : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أنك رسول الله ، و أشهد أنهم الاوصياء بعدك ، و لقد وجدت في كتب الأنبياء المتقدمة ، و فيما عهد إلينا موسى بن عمران (عليه السلام ) ، أنه اذا كان آخر الزمان ، يخرج نبيُّ يقال أحمد و محمد و هو خاتم الانبياء ، و لا نبيُّ بعده ، فيكون أوصياؤه بعده إثنا عشر أولهم ابن عمه و ختنه- (الختن : زوج البنت ) .

ثم سأله النبي (ص) فقال له : أتعرف الأسباط ؟

قال نعثل : نعم ثم عدًّدهم . . .

فقال (ص) : كائنٌ في أمتي ما كان في بني اسرائيل حذو النعل بالنعل ، و القذّة بالقذة و إنّ الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى و يأتي على أمتي بزمنٍ لا يبقى من الاسلام إلا اسمه و لا يبقى من القرآن إلا رسمه . فحينئذٍ يأذن الله تبارك و تعالى بالخروج ، فيظهر الله الاسلام به و يجدده ، طوبى لمن أحبهم و اتبعهم و الويل لمن أبغضهم و خالفهم ، طوبى لمن تمسك بهداهم .

فأنشأ نعثل هذه الأبيات :

صلى الإله العلى عليك يا خير البشر * انت النبي المصطفى و الهاشمي المفتخر
بكم هدانا الله ربنا و فيك نرجو ما أمر * و معشر سميتهم أئمةً اثنا عشـــــر
حباهم رب العلى ثم اصطفاهم من كدر * قد فاز من والاهم و خاب من عادى الزُّهر
آخرهم يسقي الظما و هو الامام المنتظر * عترتك الأخيار لي و التابعين ما أمـــــر
من كان عنه معرضاً فسوف تصلاه سقر

ينابيع المودة الجزء الثاني باب 31 ص 440 .
و عليه فلا يبقى مجالاً للشك في انه ابن الامام الحسن العسكري (ع) ، و ثبت عبر الروايات السالفة الذكر و لكن هل يعق بقاءه حياً إلى يومنا هذا .

اذ يفترض لحد الأن قد عاش اكثر من الف سنة ؟! و هل حدث هذا العمر الطويل لغيره ممن سبقه في الخلق ؟

هذا ما سنجيب عليه في البحث القادم انشاء الله تعالى .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] الا بعض الروايات النادرة التي تدل على انه من ولد العباس عم النبي (ص) او انه من ولد الحسن بن علي و لم يأخذ بها الأصحاب لتواتر ما دلّ على انه من ولد فاطمة و من ولد الحسين عليهم جميعاًُ سلام الله .
العمر الطويل علمياً و عملياً
هل يمكن لانسان ان يعيش قروناً كثيرة حيث يتجاوز عمره عمر الانسان العادي اضعاف الاضعاف ؟

ان المؤمن اذا أتينا له بدليل قرآني أو روائي فانه يسلّم بذلك ، و لكن بعض من -في قلوبهم مرض و بعض من لم يؤمن بالكتاب و السنة - يحتاج إلى دليل من نوع آخر و هو ما يطلقون عليه اسم الدليل العلمي ، و نرى لزوماً علينا من باب اكمال الحجة و البرهان ان نذكر بعض ما يطلبوه فنقول : لقد اثبت الأطباء امكانية بقاء الانسان حياً لفترة طويلة من الزمن و كمثال على ذلك فلقد اجريت بعض التجارب على بعض الحيوانات فامتد عمرها اكثر باضعاف عن عمرها الطبيعي ، والى هذا اشار الأطباء اصحاب مجلة المقتطف قائلين : " . . . العلماء الموثوق بعلمهم يقولون : ان كل الانسجة الرئيسية في جسم الحيوان يقبل البقاء الى ما لا نهاية له ، و انه بالامكان ان يبقى الانسان الوفاً من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته ، و قولهم هذا ليس مجرد ظن ، بل هو نتيجة علمية مؤيدة بالامتحان . .

و غاية ما ثبت الآن ( اي قبل 34 عاماً ) من التجارب المذكورة ان الانسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثمانين او مائة سنة بل لان العوارض - كالصدمات التي تحصل للانسان بسبب فقد حبيب على نفسه من مال أو أخ أو زوج أو . . . - تنتاب بعض اعضائه فتتلفها ، و لارتباط اعضائه ، بعضها ببعض تموت كلها ، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض ، او يمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين . . . " / مجلة المقتطف المصرية من المجلد 59 ص 239-240 طبع عام 1379 هـ .

و عليه فالامكانية العلمية موجودة و مجربة و لا مانع منها سوى عدم استطاعة العلم لحد الآن ان يزيل تلك العوارض ، هذا من ناحية العلم .

و أما من ناحية الواقع العملي ، فان العمر الطويل لم يكن مستهجناً في العصور السالفة بل كان امراً عادياً طبيعياً ، و لهذا نرى الشيخ ابوعبدالله محمد بن يوسف الكنجي ( في كتابه البيان في اخبار صاحب الزمان ) يستدل على كون المهدي ابن الامام الحسن العسكري و بالتالي فهو مولود و هو لا يزال حياً حيث يقول : " من الادلة على كون المهدي حياً باقياً بعد غيبته و الى الآن ، وانه لا امتناع في بقائه : بقاء عيسى بن مريم ، و الخضر ، و الياس من اولياء الله تعالى ، و بقاء الاعور الدجال و ابليس اللعين ، من اعداء الله تعالى ، و هؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب و السنة .

اما عيسى : فالدليل على بقاءه قوله تعالى : " و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته" / سورة النساء آية 159 . و لم يؤمن به مذ نزول هذه الآية إلى يومنا هذا أحد ، فلا بد أن يكون في آخر الزمان . . .

و أما الخضر و الياس (ع) ، فقال ابن جرير الطبري : الخضر و الياس باقيان يسيران في الأرض . . .

و اما الدجال : فقد روى مسلم في صحيحه عن ابي سعيد الخدري حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدّثنا انه قال : " يأتي ( الدجال ) و هو مُحرمٌ عليه ان يدخل عتبات المدينة ، فينتهي الى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج اليه رجل هو خير الناس . . . فيقول الدجال : ان قتلتُ هذا و احييته أتشكو في الأمر ، فيقولون لا ، فيقتله ثم يحيه ، فيقول ( المقتول) حين يحييه : و الله ما كنت فيك قط اشد بصيرةً مني الآن ، فيريد الدجال ان يقتله ، فلن يسلط عليه ، قال ابراهيم ابن سعيد : يقال ان هذا الرجل هو الخضر . . .

و اما الدليل على بقاء اللعين ابليس ، فالكتاب و هو قوله : " انك من المنظرين " .

و اما بقاء المهدي ، فقد جاء في تفسير الكتاب عن سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى : "لُيظهره على الدين كله و لو كره المشركون " . سورة الصف ، آية 9 .
قال هو المهدي من ولد فاطمة رضي الله عنها ، و اما من قال انه عيسى ، فلا منافات بين القولين ، اذ هو مساعد المهدي ، و قد قال مقاتل بن سليمان و من تابعه من المفسرين في تفسير قوله تعالى : " و إنه لعلمٌ للساعة " ./ سورة الزخرف ، آية 61 .

هو المهدي يكون في آخر الزمان ، و بعد خروجه تكون امارات الساعة و قيامها . / نور الابصار للسيد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي ".

و كمثال آخر ما ذهب اليه العلامة سبط ابن الجوزي حيث قال : " و في التوراة : ان ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة و ستمائة سنة ، ولد في حجر آدم و عناق امه ، و قتله موسى بن عمران ، و ابوه سيحان ، و عاش الضحاك وهو ( بيورسب ) الف سنة ، و كذلك ( طهمورث ) و اما من الانبياء فخلق كثير بلغوا الالف ، و زادوا عليها ، كآدم ، و نوح ، و شيت ، و نحوهم . . . " . / تذكرة الخواص ص 364 طبع النجف 1964 م .

و بقي ان نذكر بعض الآيات القرآنية الحاكية عن نوح عليه السلام و عن يونس عليه السلام : يقول الله تعالى : " و لقد ارسلنا نوحاً الى قومه فلبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً ، فأخذهم الطوفان و هم ظالمون " . /سورة العنكبوت ، آية 14 .

فهذه الأية تشير ان دعوة نوح لقومه كانت (950 ) عام ، فكم كان عمره قبل البعثة ؟ و كم عاش بعد الطوفان ؟ فعن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) بسند صحيح انه قال : " ان نوحاً عاش الفي و ثلاثمائة سنة ، منها ثمنامائة و خمسون قبل البعثة ، و الف الا خمسين مع قومه يدعوهم ، و خمسمائة بعد نزوله من السفينة " .
و يقول الله تعالى حكاية عن وضع يونس (ع) : " و لولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون " . / سورة الصافات ، آية 143 .
فيونس عليه السلام لو لم يكن من المسبحين لله تعالى و هو في جوف ذلك الحوت لبقي حياً كما قال تعالى إلى يوم البعث و هو يوم القيامة .

و عليه فان كان هذا العمر الطويل طبيعياً فلماذا نستغربه في المهدي المخلٍّص .

و فوق كل ما تقدم من دليل نقول : ان العظمة الالهية ، و القدرة التي لا يردها شيء ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، و الذي قال للنار كوني برداً و سلاماً فكانت كذلك لابراهيم (ع) و الذي نصر دينه مع قلة الناصر و كثرة العدو . . اليس بقادر ان يمد في عمر المهدي ؟ بلى ، انه لقادر على كل شيء .

و بعد هذا يتبادر السؤال عن غيبة المهدي عن امته ، ترى ما هي اسباب غيبته عنا ؟

و هذا ما سنجيب عليه في البحث القادم انشاء الله تعالى .

الغيبة اقسامها و اسبابها

عن جابر بن عبدالل الأنصاري (رض) قال : قال رسول الله (ص) : " المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، و كنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً و خلقاً ، تكون له غيبة و حيرة ، يضلُ فيها الامم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، يملؤها عدلاً و قسطاً ، كما ملئت جوراً و ظلماً " ./فرائد السمطين للجويني المجلد 2 الباب 16 ص 335 طبع بيروت 1398 هـ .

و جاء ايضاً في فرائد السمطين بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله (ص) : " . . . و من ولده ( أي علي عليه السلام ) القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض عدلاً و قسطاً ، كما ملئت ظلماً و جوراً ، و الذي بعثني بالحق بشيراً ، ان الثابتين على القول بامامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر .

فقام اليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال : يا رسول الله (ص) و للقائم من ولدك غيبة ؟ فقال (ص) : اي و ربي ليمحص الله الذين آمنوا و ليمحق الكافرين ، يا جبر ان هذا لأمرٌ من الله ، و سر من سر الله ، مطوية عن عباده ، فإياك و الشك ، فان الشك في امر الله كفر . " / فرائد السمطين : آخر الجزء الثاني ، و اخرجه ينابيع المودة ص 489 مع اختلاف ببعض الفاظه ، و نقله في المناقب للخوارزمي الحنفي .

اما معنى الغَيبة : فنريد بها الاسلوب الذي يتبعه الامام لاحتجاجه عن الناس ، فله صورتان :

الصورة الأولى : و هي الصورة المتعارفة في اذهان الناس و التي تقول : ان المهدي يختفي بجسمه عن الأنظار فهو (ع) يرى الناس و لا يرونه - الا في بعض الحالات التي تكون هناك مصلحة في ظهوره على بعض الناس من اجل توجيههم او انذارهم - .

الصورة الثانية : و هي صورة خفاء العنوان و التي تقول : ان الناس يرون الامام المهدي (ع) بشخصه من دون ان يكونوا عارفين او ملتفتين لحقيقته .

و يظهر من كلام كبار العلماء و الذي سندوه ببعض الروايات ان الصورة الثانية هي الأصح اذ ورد ان الامام يحضر بعض الاماكن فقد ورد الحديث عن النائب الثاني الشيخ محمد بن عثمان العمري انه قال : " و الله ان صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس و يعرفهم ، و يرونه و لا يعرفونه " .

و لعل السبب في ذلك عدم كشف شخصه ( سلام الله عليه ) .

سبب الغيبة :

لقد علَّل بعض من كتب عن المهدي المخلص في بيان سبب الغيبة بان الظروف القاسية التي كان يعيشها المجتمع في ظل العباسيين ، من قتلٍ و نهبٍ و سجنٍ و إرهاب هي التي دعت الامام المهدي إلى الغيبة .

و ذكر البعض مميزاً بين الغيبة الكبرى و الصغرى بأن الغيبة الصغرى - و التي استمرت حوالي السبعين عاماً- كان سببها الحكم الظالم في ذلك الوقت ، أما الغيبة الكبرى- و التي هي مستمرة الى يومنا هذا بل الى أن يأذن الله تعالى - فجاءت لتمحيص الناس و تمييزهم المؤمن من الكافر من الفاسق الخ . . . و قد قيل غير ذلك مما يطول الكلام بذكره .

فهل هذه اسباب الغيبة ؟! و لبيان ذلك لابد من مقدمة صغيرة .

فنقول : صحيح ان الوضع الذي كان في عصر الامام الحسن العسكري و ولده الحجة ( عليهما سلام الله ) و انصارهم كان لا يحتمل ، فمن قتلٍ الى سجنٍ الى تشريدٍ الى تجويع ٍ الى تخويفٍ .

إلا أن هذا كله لا يستدعي ان يغيب الامام عن أنظار الناس لانه عاش ذلك و عرفه و صبر عليه من خلال سيرة اجداده الكرام حيث انه : ما منهم إلا مقتول أو مسموم .
و الإجابة عن سبب الغيبة تقتضي بيان أمرين :

الأمر الأول : إن التخطيط الالهي اقتضى الغيبة ، و بمعنى آخر كانت مشيئة الله سبحانه و تعالى و حكمته ان يغيب القائد الأخير عن انظار أمته و جماعته لفترةٍ معينة من الزمن ، و هذه الغيبة هي سرٌ من الأسرار الغيبي التي لا يعلمها إلا الله عز و جل و من ارتضى ...

أما السبب الواقعي للغيبة فلا نعلمه ، نعم نستفيد ظناً و لا دليل على ذلك بأن الامتحان و الاختيار و ان لا يكون لأحد في عنقه بيعة هي بعض اسباب الغيبة اما السبب الحقيقي فهو سرٌ من أسرار الله تعالى و لهذا نجد الرواية عن الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) و التي نقلها عبد الواحد بن محمد الميدايني عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سمعت الصادق جعفر بن محمد (ع) يقول :

إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها ، يرتاب فيها كل مُبطل .
فقلت : و لم جعلت فداك ؟
قال : لأمرٍ لم يؤذن لنا في كشفه .
قلت : فما وجه الحكمة في غيبته ؟
قال : وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره ، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر- من خرق السفينة ، و قتل الغلام ، و إقامة الجدار - لموسى (ع) إلا وقت إفتراقهما . يا بن الفضل : إن هذا الامر أمرٌ من أمر الله تعالى ، و سرٌ من أسراره ، و غيبٌ من غيب الله ، و متى علمنا أنه عز و جل حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله و أقواله كلها حكمة ، و إن كان وجهه غير منكشف لنا .
/ منتخب الأثر : باب 28 ص 271 عن كمال الدين .

و في رواية اخرى عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن اسحاق بن يعقوب محمد بن الحسن المهدي (ع) ، في آخر التوقيع الوارد عن أحمد بن عثمان العمري ، يسأله عن هذا الأمر أجاب (ع) : " إن الله عز و جل يقول : " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤءكم " .( سورة المائدة/ آية 101 ) .
فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ، و لا تكلفوا علم ما قد كفيتم ، و أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم و السلام عليك يا إسحاق بن يعقوب الكليني و على من اتبع الهدى "

و بالتمعن بهاتين الروايتين نجد أن الامامين عليهما السلام يريدان من أتباعهما و من السائلين عدم الخوض نجد أن الامامين عليهما السلام يريدان من أتباعهما و من السائلين عدم الخوض في هذا الأمر ، و أرجع ذلك إلى علم الله تعالى و حكمته ، بل إن الامام الصادق (ع) قد ضرب مثالاً توضيحياً عن عدم كشف هذا السر الغيبي كما انه لن يكشف سر خرق السفينة و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى (ع) إلا بعد انقضاء الأجل المضروب من الحكيم ( عز و علا ) لهذا الأمر .

و تأكيداً لمسألة الغيبة و أنها من الغيبيات و الاسرار حديث النبي الذي دار بينه و بين نعثل فراجع ما تقدم .

الأمر الثاني : فإذا كانت الغيبة مخطط لها منذ زمن النبي (ص) و هي سرُ من اسرار الله تعالى فلماذا تنقسم الى صغرى و كبرى ؟!

نقول : إن الغيبة الصغرى تعبر عن المرحلة الاولى من إمامة المهدي (ع) ، فقد قدر لهذا الامام- كما يرى بعض الكتاب المعاصرين- أن يستتر عن المسرح العام و يظل بعيداً باسمه عن الأحداث و إن كان قريباً منها بقلبه و عقله .

و الغيبة الكبرى من دون الصغرى تكون صدمة كبيرة للقواعد الشعبية في الامة الاسلامية لأن هذه القواعد إعتادت ان تكون متصلة دائماً بقيادتها الشرعية و الرجوع لها في كل الأمور ، و هذا يعني أن الغيبة الكبرى من دون الصغرى فراغ دفعي هائل يعصف بالكيان الشعبي .

فكان لا بد من التمهيد لهذه الغيبة الكبرى لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج ، و تكيف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها و كان هذا التمهيد هو عبارة عن الغيبة الصغرى و التي اختفى بها الامام المهدي عن المسرح العام غير أنه كان دائم الصلة بقواعده ىالشعبية و ذلك عن طريق وكلائه و نوابه الثقاة من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه و بين الناس المؤمنين بخطه الامامي .

و قد استغل مركز النيابة عن الامام في غيبته الصغرى اربعة ممن اجمعت تلك القواعد الشعبية من تقواهم و ورعهم و نزاهتهم التي عاشوا ضمنها .

و كانوا على الترتيب فاذا مات احدهم خلفه الآخر بأمر من الامام المهدي و هو كما يلي :

1-عثمان بن سعيد العمري .
2-محمد بن عثمان بن سعيد العمري .
3-ابو القاسم الحسين بن روح .
4-ابو الحسن علي بن محمد السمري .

و هؤلاء النواب كانوا همزة الوصل بين الناس و الامام المهدي فكانوا يحملون اسئلة و مشاكل الناس إلى الامام و يحملون الأجوبة و الحلول من الامام إلى الناس ، و لقد وجدت القواعد الشعبية بهذه النيابة العزاء و السلوة عن فقدهم الامام مباشرة ، و كانوا يلاحظون توقيعات الامام و خط يده منذ اول نائب و حتى الأخير و استمرت هذه الغيبة الصغرى حوالي سبعين عام و كان السمري هو آخر النواب حيث أعلن عن قرب أجله حيث أخبره الامام عن بدء مرحلة الغيبة الكبرى و انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى ، و كان ذلك عام 329 هـ ، و كان عمر الامام المهدي آنذاك اربع و سبعون عاماً قضى منها اربع سنين و نصف مع والده و تسعة و ستون عاماً و نصف العام في غيبته الصغرى و كان آخر حديث له : " و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم ، و انا حجتة الله عليهم . . . " .

و تميزت الغيبة الكبرى عن الصغرى ان لا أشخاص معينون بالذات للوساطة بين الامام القائد و شعبه .

فتبين مما تقدم ان الغيبة الصغرى كانت مهمتها تحصين الامة تدريجياً عن الصدمة و الشعور بالفراغ الهائل الذي يسببه غياب الامام القائد .

و إذا عرفنا الغيبة و زمنها فيأتي السؤال متى تنتهي هذه الغيبة و متى يظهر الامام المهدي (ع) ؟

و هذ ما سنجيب عليه في البحث القادم إنشاء الله .
متى يظهر الامام ؟

و للاجابة عن هذا السؤال نطرح تساؤلين و نجيب عليهما :

-السؤال الأول : هل لظهوره وقت محدد مؤرخ نعرفه نحن ؟

-السؤال الثاني : هل هناك علامات و امور تدل على قرب ظهوره (ع) ؟

أما الإجابة عن السؤال الأول فنقول :

إن لظهور المهدي عليه السلام وقت محدد لا نعلمه نحن و كل الروايات التي وردت في هذا الموضوع أكدت على كذب من يحدد وقتا تاريخياً معيناً .

و أما الإجابة على السؤال الثاني فانه قد وردت روايات كثيرة تشير الى بعض العلامات التي تسبق المهدي و تشير الى بعض آخر تظهر مع المهدي (ع) .

و يمكن تقسيم كل هذه العلامات الى قسمين :

-القسم الأول : العلامات العامة ، و التي تشير الى الانحرافات التي تنتشر في الأوساط الاسلامية و غيرها ، و تتلوث بها المجتمعات البشرية ، و هذه العلامات تكون قبل ظهور المهدي (ع) بفترةٍ زمنية و ربما تكون قبل ظهور المهدي (ع) بسنوات طويلة فسي ليست ملازمة مباشرةً لظهوره (ع) و نذكر هنا بعض الروايات التي تشير الى ذلك .

جاء في حديث قُرّة بن أياس المزني بسنده عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : قال رسول الله (ص) : " لتملأن الأرض جوراً و ظلماً ، فإذا ملأت ظلماً و جوراً ، بعث الله عزّوجل رجلاً مني ، اسمه اسمي . . . " / مسند الحرث بن ابي اسامة .

و هذه الحالة - الجور و الظلم- لا يمكن أن تكون إلا عبر فترةٍ زمنية ٍ طويلةٍ حيث يتمكن الظلمة من السيطرة على العروش فيفسدون المجتمعات و يمنعون اعلان الايمان و يقلبون المجتمع الاسلامي رأساً على عقب و ساعتئذٍ يمكن ان نقول ملئت بالجور و الظلم لكل الأرض .

يقول الحاكم : . . . عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (ص) : "لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جوراً و عدواناً ، ثم يخرج رجل من أهل بيتي ، يملئها قسطاً و عدلاً كما ملأت ظلماً و عدواناً " .

و جاء في عقد الدرر و قد أخرج بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) انه قال : " لا يخرج المهدي حتى يقتل ثلث ، و يموت ثلث ، و يبقى ثلث " / عقد الدرر حديث 101 الباب اربعين و قد أخرجه المقري في سننه و الحافظ نعيم بن حماد في كتاب الفتن و اخرجه العرف الوردي ج 2 ص 68 و اخرجه كنز العمال ج 7 ص 268 مع اخلاف يسير في اللفظ .
و جاء في عقد الدرر حيث أخرج بسنده عن أبي عبدالله الحسين بن علي عليه السلام قال : " لا يكون الامر الذي تنتظرونه - يعني ظهور المهدي (ع) - حتى يبرأ بعضكم من بعض ، و يشهد بعضكم على بعض ، و يلعن بعضكم بعضاً .
فقلت : أفي ذلك الزمان من خير ؟
فقال (ع) : الخير كله في ذلك الزمان ، يخرج المهدي فيرفع ذلك " . / عقد الدرر حديث 103 الباب الرابع .

و عن اسعاف الراغبين قال : و في الفتوحات لمحي الدين : أن ظهور المهدي (ع) بعد أن يخسف القمر في اول ليلةٍ من شهر رمضان و تنكسف الشمس في النصف منه ، فإن مثل ذلك لم يوجد منذ خلق الله السموات و الارض .

و نلاحظ أن هذه المسألة إعجازية لعدم امكان ذلك فلكياً إذ المعتمد و الجاري حسب تنظيم الله تعالى عكس ذلك تماما ً .

وفي بعض الروايات علاماتٍ اخرى حصل بعضها و لم يحصل البعض الأخر و نذكرها اجمالاً : " إذا أمات الناس الصلاة ، و أضاعوا الأمانة ، و استحلوا الكذب ، و أكلوا الربا ، و أخذوا الرشا ، و باعوا الدين بالدنيا و استعملوا السفهاء ، و قطعوا الارحام ، و اتبعوا الاهواء ، و استخفوا بالدماء ، . . . و منها : نزول الترك الجزيرة ، و نزول الروم الرملة ، نار تظهر بالمشرق طولاً و تبقى في الجو ثلاثة ايام أو سبعة ايام ( هذا الترديد الى الشك من الراوي ) ، و قتل مصر أميرهم و خراب الشام ، و موت ذريع ، و نقص في الاموال و الانفس و الثمرات ، و اختلاف صنفين من العجم ( كل ما هو غير عربي ) و سفك دماء كثيرة بينهم و تشبه النساء بالرجال و الرجال بالنساء ، و اكتفاء النساء بالنساء و الرجال بالرجال .

و غير ذلك في العلامات العامة التي حصل قسم منها .

أما القسم الثاني و هي العلامات التي تظهر في سنة خروج المهدي (ع) أو في ايام خروجه و نستطيع القول بأن هذه العلامات حتمية الوقوع لكثرة الروايات المؤكدة لذلك و هي خمسة علامات : السفياني ، اليماني ، النداء ، خسف في البيداء ، قتل النفس الزكية .

عن عقد الدرر عن ابي عبدالله الحسين بن علي (ع) انه قال : " للمهدي ( أي لخروجه ) خمس علامات : السفياني ، و اليماني ، و الصيحة من السماء ، و الخسف في البيداء ، و قتل النفس الزكية " . / عقد الدرر حديث 157 من الفصل الثالث .

و سنعرض عرضاً موجزاً لهذه العلامات الخمسة .

السفياني

و هو الرجل الذي يقود جيش الضلالة و الفتنة و يحكم بعض المناطق و يقود جيشه بعدئذٍ لمحاربة الامام المهدي (ع) و وردت به روايات عديدة .

أما من جهة نسبه فهو من ذرية أبي سفيان بن حرب ، ففي عقد الدرر أخرج بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله (ص) : " يخرج رجلٌ يقال له السفياني في عمق دمشق ، و عامة من يتبعه من كلب ( اسم احدى القبائل ) فيقتل حتى يبقر بطون النساء و يقتل الصبيان " ./ عقد الدرر حديث 143 الباب 4 واخرجه ايضاً كنز العمال ج 7 ص 188 نقلاً عن المستدرك للحاكم .

و في العرف الوردي للسيوطي قال : قال حذيفة : حتى انه يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في الثواب ( أي من غير ستر ) على مجلسِ مجلس ، حتى تأتي فخذ السفياني و هو في المحراب قاعد ، فيقوم رجلٌ مسلم من المسلمين فيقول : ويحكم إنّ هذا لا يحل فيقوم فيضرب عنقه و يقتل كل من شايعه على ذلك . / العرف الوردي ج2 ص 81 .

و أما أوصافه : فقد قال ابن الصباغ : . . . إن السفياني رجل من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان ، ضخم الهامة ، بوجهه أثر الجدري ، بعينه نكته بيضاء . . . / إسعاف الراغبين المطبوع بهامش نور الأبصار ص 127 .

و أما موطنه : فقد أخرج في عقد الدرر بسنده عن أمير المؤمنين (ع) قال : " السفياني . . . يخرج من ناحية مدينة دمشق في وادٍ يقال له الوادي اليابس " . / عقد الدرر حديث 122 باب 4 و في حديث آخر بسنده عن علي (عليه السلام) من قرية يقال لها حرستا و هي موجودة الأن ، و قد ذكرت مسألة السفياني في : تفسير القرآن الطبري و تفسير القرآن للثعلبي الشافعي و في كتب أخرى كثيرة .

و أما حركته العسكرية : فبعد استيلائه على الكور الخمسة : دمشق ، حمص ، فلسطين ، الاردن ، قنسرين ، و بعد القتل و الحرق و العقر و ..... و ...... و ..... يجهز جيشاً لمحاربة الامام المهدي بعد أن يسمع بظهوره و يجهز جيشاً آخراً لسحق حركة التمرد و العصيان في العراق .

يقول ابو اسحاق الثعلبي في تفسيره : قال رسول الله (ص) و ذكر فتنة تكون بين المشرق و المغرب ، : فبينما هم كذلك ، إذْ خرج السفياني ، من الوادي اليابس ، في فورة ذلك ، حتى ينزل دمشق ضحى ، فيبعث جيشين ، جيشاً إلى الشرق ، و جيشاً الى المدينة ، حتى اذا نزلوا بأرض بابل ، بالمدينة الملعونة ، و البقعة الخبيثة ، فيقتلون اكثر من ثلاثة آلاف و يبقرون بها اكثر من مائة امرأة ، و يقتلون بها ثلاثمائة كبش من بني العباس ، ثم ينحدرون الى الكوفة ، فيخربون ما حولها ، ثم يخرجون متوجهين الى الشام ، فتخرج راية من الكوفة ، فيلحق ذلك الجيش منهم مسيرة ليلتين ، فيقتلونهم ، فلا يفلت منهم إلا مخبر ، و يستنقذون ، ما بأيديهم من السبي و الغنائم . . . " ./ راجع عقد الدرر : عن ابو اسحاق في تفسير الآية 8 من سورة سبأ .

و تكون نهاية السفياني على يدي الامام المهدي (ع) و يساعده في ذلك عيسى (ع) حيث انه ينزل و يصلي خلف المهدي (ع) كما اشارت الروايات ، و كل حركة السفياني لا تدوم أكثر من خمسة عشر شهراً .

اليماني
ان الأحاديث التي وردت في اليماني لم تكن مفصلة بما فيه الكفاية و يمكن تلخيص ما تشير اليه الأحاديث بأنه :

رجل من أهل اليمن ، يظهر من اليمن و معه قومه ، و يكون ظهوره قبل السفياني بفترة وجيزة ، أو مقارناً للسفياني ،
و رايته راية حق و هدى ، يناصر الدين ، و يدعو إلى راية المهدي ، و يقاتل السفياني و على من يشهده ان ينضم لنصرته .

الصيحة

و هذه العلامة الحتمية الثالثة ، و لعلها من أبرز الآيات ، و أوضح البراهين و العلامات على ظهور المهدي (ع) ، و من ميزات هذه الآية : انها تؤثر في نفوس البشرية لغرابتها ، و قد وصفت روايات كثيرة هذه الصيحة بانها توجب اضطراب النفوس ، و تسلب الناس صفائهم و استقرارهم ، و جاء في بعض الأحاديث ان هذه الصيحة ، توقظ النائم ، و تفزع اليقظان ، و تخرج الفتاة من خدرها من شدة الذهول الذي يصيبها ، حيث انها خارقة لقوانين الطبيعة ، و قد تكون الانذار الأخير لكثيرٍ من الناس ، للعودة الى رشدهم و هديهم .

و طبيعة النداء : ان نسمع صوتاً يعم الكون كله ، و كلٌ يفهمه بلغته ، في منتصف شهر رمضان المبارك أو آخره بأنه : ظهر الامام محمد بن الحسن المهدي (ع) و ان رايته راية حق .

قال في عقد الدرر : عن ابي عبدالله الحسين بن علي (ع) انه قال : " . . . و ينادي من السماء منادٍ ، باسم المهدي ، فيسمع من بالمشرق و المغرب ، حتى لا يبقى راقد الا استيقظ ، و لا قائم الا قعد و لا قاعد الا قام على رجليه فزعاً ، فرحم الله من سمع ذلك الصوت فأجاب ، فإن الصوت الأول صوت جبرائيل الروح الأمين (ع) " ./ عقد الدرر : حديث 148 الباب الرابع .

و أخرج عقد الدرر ايضاً بسنده عن المعجم الطبراني و من مناقب المهدي (ع) لأبي نعيم ، و رواه الحافظ ابو نعيم بن حمّاد في كتاب الفتن قال : اذا نادى منادٍ من السماء ، ان الحقّ في آل محمد ، فعند ذلك يخرج المهدي (ع) ./ عقد الدرر : حديث 183 الباب السادس .
الخسف في البيداء

و هي من الحتمية الرابعة ، والتي تكون بعد ظهور السفياني و بعد ظهور الامام (ع) و بعد الصيحة أيضاً .

فعند ظهور السفياني و استيلائه على عدة مناطق و مدن ، يسمع بظهور الامام المهدي (ع) ، وانه اقام في المدينة ، و هو المنازع الوحيد له فيرسل جيشاً جراراً لقتل المهدي ، و عند وصول الجيش إلى المدينة ، يعرفون أن المهدي قد خرج الى مكة ، فيستبيحون المدينة ثلاثة أيام ، ثم يخرجون متجهين الى مكة لطلب الامام و عند وصولهم منتصف الطريق بين مكة و المدينة ،: ينادي منادٍ : يا بيداء ابيدي القوم فيخسف بهم فلا يبقى منهم احداً .

و أشارت بعض الروايات الى بقاء شخصين احدهما يذهب الى السفياني ليخبره و آخر يذهب الى الامام المهدي (ع) ليبشره .

عن مسلم في صحيحه ، في حديث عن ام سلمة ، ان رسول الله (ص) قال : " سيعوذ بهذا البيت - يعني الكعبة - قوم ليست لهم منعة و لا عدد و لا عدة ، يبعث اليهم جيش ، حتى إذا كانوا ببيداء الأرض خسف بهم " ./ رواه مسلم في صحيحه : ج2 ص 494 .

و في عقد الدرر قال : ذكر ابو اسحاق الثعلبي ، في تفسير قوله تعالى من سورة سبأ : " إن نشأ نخسف بهم الأرض " ./ سورة سبأ ، آية 8 .
قال : قال رسول الله (ص) : و ذكر فتنة تكون بين أهل المشرق و المغرب . . . فيرحل جيشهم (جيش السفياني ) الى المدينة ، فينهبونها ثلاثة أيام و لياليها ، ثم يخرجون متوجهين الى مكة ، حتى اذا كانوا بالبيداء ، بعث الله عزوجل لهم جبرائيل ، فيقول : يا جبرائيل اذهب قاتلهم ، فيضربها ( الأرض) برجله ضربةً فيخسف الارض بهم ، و ذلك قوله في سورة سبأ .

قتل النفس الزكية

النفس الزكية هو رجل يقتل بلا ذنب ، و تشير الروايات بأنه من آل الرسول (ص) إما حسني أو حسيني .

يرسله الامام المهدي (ع) إلى أهل مكة ليستنصرهم إلى جانبه ، فلا يجيبوه بل ينقضون عليه و يقتلون ذبحاً بين الركن و المقام .

و يكون بين ذبحه و بين قيام المهدي (ع) خمسة عشر يوماً .

فعن عقد الدرر قال : قال الراوي : سألت عبدالله بن مسعود ، عن النفس الزكية قال : هو من أهل البيت ، و عند قتله ظهور المهدي (ع) . /عقد الدرر : الفصل الرابع حديث 158 .

و عن السيوطي قال : اخرج ابن أبي شيبه عن مجاهد قال : حدثني فلان رجل من اصحاب النبي (ص) : ان المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية ، فإذا قتلت النفس الزكية ، غضب عليهم من في السماء ، و من في الأرض فأتى ( فيأتي) الناس المهدي (ع) فزفوه كما تزف العروس الى زوجها ليلة عرسها ، و هو يملأ الأرض قسطاً و عدلاً ، و تخرج الأرض نباتها ، و تمطر السماء مطرها ، و تنعم امتي في ولايته نعمةً لم تنعمها قط . / العرف الوردي في أخبار المهدي : جزء 2 ص 65 .

و تدل بعض الروايات بان هذه الحادثة تكون قبل الصيحة السماوية .

جاء في الملاحم و الفتن بسنده عن عمار بن ياسر قال : " اذا قتل النفس الزكية و اخوه يقتل بمكة ضيعة نادى منادٍ من السماء ، أن اميركم فلان ( المهدي ) و ذلك المهدي الذي يملأ الأرض ( حقاً أو ) خصباً و عدلاً ./ الملاحم و الفتن : ج1 ص 37 ، و أخرجه عقد الدرر باب 1 من الفصل الثالث ، حديث 109 .

و آخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة و السلام على محمد وآله و صحبه المنتجبين
* * *