الثقات
ابن حبان ج 2

[ 1 ]
السلسلة الجديدة من مطبوعات دائرة المعارف العثمانية 4 / 16 / 4 كتاب الثقات للامام الحافظ محمد بن حبان بن أحمد ابي حاتم التميمي البستي (المتوفى سنة 354 ه‍ = 965 م) الجزء الثاني طبع باعانة وزارة المعارف للحكومة العالية الهندية تحت ادارة السيد شرف الدين احمد مدير دائرة المعارف العثمانية قاضى المحكمة العليا سابقا الطبعة الاولى بمطبعة المجلس دائرة المعارف العثمانية بحيد آباد الدكن الهند 1395 ه‍ = 1975 م.
[ 1 ]
بسم الله الرحمن الرحيم السنة السابعة من الهجرة أخبرنا محمد بن حسين بن قتيبة نا بن أبى السرى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله عن عبد الله عن بن عباس حدثني أبو سفيان بن حرب من فيه إلى في قال انطلقت في المدة التي كانت بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أنا بالشام إذ جئ بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل جاء به دحية الكلبي فدفعه إلى عظم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل هل هنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قالوا نعم فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فأجلسوا أصحابي خلفي ثم دعا بترجمانه فقال قل لهم إني سائل هذا الرجل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فان كذبني فكذبوه قال أبو سفيان والله لو لا مخافة أن يؤثروا عني
[ 2 ]
كذبا لكذبته ثم قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قلت هو فينا ذو حسب قال فهل كان من آبائه من مالك فقلت لا قال فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال من يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال فهل يزيدون أم ينقصون قال قلت بل يزيدون قال فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قال قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إياه قلت
[ 3 ]
يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدو قال قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها قال والله فما امكني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه قال فهل قال هذا القول أحد قبله قلت لا ثم قال لترجمانه قل له إني سألتك عن حسبه فيكم قلت إنه ذو حسب وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملك فزعمت أن لا فقلت إن كان في آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه وسألتك عن أتباعه ضعفاء الناس أم أشرافهم قلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس فيذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتد أحد منهم عن
[ 4 ]
دينه بعد أن يدخله سخطه له فزعمت أن لا فكذلك الايمان إذا خالط بشاشته القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك أمر الايمان حتى يتم وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فزعمت أن الحرب بينكم وبينه سجال تنالون منه وينال منكم وكذلك الرسل تبتلي ثم تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدو فزعمت أن لا وكذلك الرسل لا تغدو وسألتك هل قال هذا القول قبله أحد فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحد قبله لقلت رجل يأتم بقول قيل قبله ثم سألتك بما يأمركم قلت بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف قال إن يكن ما تقول فيه فإنه نبي وقد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم
[ 5 ]
ولو أني أعلم أني أخلص إليه لاحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمى فقال ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل ملك الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فاني أدعوك بدعاية الاسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين فان توليت فان عليك إثم الاريسين ويأهل الكتب تعالوا إلى قوله بانا مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الاصوات عنده وكثر اللغظ وأمر بنا فأخرجنا فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر حتى أدخل الله على الاسلام
[ 6 ]
قال في أول هذه السنة كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وبعث إليهم يدعوهم إلى الله فقيل إنهم لا يقرؤون كتابا إلا بخاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من فضة نقش فيه محمد رسول الله ليختم به الصحف فكان يلبسه تاره في يمينه وتارة في يساره فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذاقة السهمي إلى كسرى بكتاب فأمره أن يدفعة إلى عظيم البحرين ليدفعه إلى عظيم البحرين إلى كسرى وبعث دحيه بن خليفة الكلبي إلى قيصر وهو هرقل ملك الروم وأمره أن يدفع الكتاب إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل وبعث حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الاسكندرية وبعث عمرو بن أمية الضمري إلى أصحم بن أبحر النجاشي وبعث شجاع بن وهب الاسدي إلى المنذر بن الحارث بن أبي شمر الغساني صاحب دمشق
[ 7 ]
وبعث عامر بن لؤي إلى هوذة بن على الحنفي صاحب اليمامة فأما كسرى فمزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك مزق الله ملكه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده وأما قيصر فسأل أبا سفيان عما سأل ثم قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خلا بدحية الكلبي وقال إني أعلم أن صاحبكم نبي مرسل وأنه الذي كنا ننتظره ونجده في كتابنا ولكن أخاف الروم على نفسي ولو لا ذاك لا تبعته ولكن اذهب إلى ضغاطر الاسقف فاذكر له أمر صاحبكم وانظر ماذا يقول فجاء دحية وأخبره مما جاء به من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وبما يدعو إليه فقال ضغاطر صاحبك والله نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا باسمه ثم دخل فألقى ثيابا كانت عليه سوداء ولبس ثيابا بيضاء ثم أخذ عصاه وخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال للروم إنه قد أتانا كتاب من أحمد يدعو فيه إلى الله وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وضربوه حتى قتلوه فرجع دحية إلى هرقل وأخبره الخبر قال قلت لك إنا نخافهم على أنفسنا فضغاطر كان
[ 8 ]
والله أعظم عندهم وأجوز قولا منى وأما النجاشي فكان كتابه من محمد رسول الله إلى النجاشي الاصحم ملك الحبشة سلم أنت فاني أحمد إليك الله الملك القدوس السلا المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر وأشهد أن عيسى روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده ونفخه وإني أدعوك إلى الله وقد بعثت إليك بن عمى جعفرا ومعه نفر من المسلمين فدع التجبر فاني أدعوك إلى الله وقد بلغت ونصحت فاقبل نصيحتي
[ 9 ]
والسلام على من اتبع الهدى فقرأ النجاشي الكتاب وكتب جوابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم إلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من النجاشي الاصحم أبحر سلام عليك يا نبي الله ورحمة الله وبركاته من الله الذي لا إله إلا هو الذي هداني إلى الاسلام أما بعد فقد بلغني كتابك يا رسول الله فيما ذكرت من أمر عيسى فورب السماء والارض أن عيسى لا يزيد على ما ذكرت ثفروقا إنه كما قلت ولقد عرفنا ما بعثت به إلينا وقد قرينا بن عمك وأصحابه وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ادقا مصدقا وقد بايعتك وبايعت بن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين وبعثت إليك يا نبي أرها بن الاصحم فاني لا أملك إلا نفسي وإن شئت أن آتيك يا رسول الله فعلت فاني أشهد أن ما تقوله حق والسلام عليك يا رسول الله فخرج ابنه في ستين نفسا من الحبشة في سفينة البحر فلما توسطوا ولججوا أصابتهم شدة وغرقوا كلهم
[ 10 ]
وأما المقوقس فأهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع جوار فيهن مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك سائر الملوك أهدى إليه الهدايا فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية ويثيب عليها ثم كانت غزوة خيبر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بقية المحرم إلى خيبر واستعمل على المدينة سباع بن عرفطة الغفاري وقدم عينا له ليجيئه بالخبر وأخرج من نسائه أم سلمة وخرج على الاموال بجيشه فلا يمر بمال إلا أخذه ويقتل من فيه ويفتتحها حصنا حصنا فأول ما أصاب 73 منها حصن ناعم ثم حصن الصعب بن معاذ ثم حصن القموص فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حصنهم الوطيح والسلالم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح قوما أو غزا
[ 11 ]
لم يغر عليهم حتى يصبح فان سمع أذانا أمسك وإن لم يسمع أذانا أغار فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلهم عمال خيبر بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأو النبي صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم والجيش قالوا محمد والله والخميس وأدبروا هرابا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرج مرحب اليهودي من الحصن يرتجز ويطلب البراز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا فقال محمد بن سلمة أنا رسول الله فلما دنا أحدهم من صاحبه بادر مرحب بالسيف فاتقاه محمد بن مسلمة بدرقته فوقع سيفه فيها وعضت به الدرقة فأمسكت فضربه محمد بن مسلمة فقتله ثم بعث رسول الله
[ 12 ]
صلى الله عليه وسلم رجلا يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا ثم بعث آخر يقاتل فمر ورجع ولم يكن فتحا وحمى الحرب بينهم وتقاعسوا فقال صلى الله عليه وسلم لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله
[ 13 ]
ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار فلما أصبح دعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه فبرأ ثم قال خذ هذه الراية واقبض بها حتى يفتح الله عليك فخرج على يهرول والمسلمين خلفه حتى ركز رايته في رضم من حجارة فاطلع عليه يهودي من رأس الحصن وقال من أنت فقال أنا على بن أبي طالب فقال اليهودي علوتم وما أنزل على موسى فلم يزل على يقاتل حتى سقط ترسه من يده ثم تناول بابا صغيرا كان عند الحصن فاترس به فلم يزل في يده وهو يقالتل حتى فتح الله عليه
[ 14 ]
ثم ألقاه من يده فلما أيقن اليهود بالهلكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحقن دماؤهم وأن يسيرهم ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فنزلوا على ذلك وقالوا يا محمد إنا نحن أرباب الاموال 74 الف بها منكم ونحن أعلم النصف فلما فعل ذلك أهل خيبر سمع بذلك أهل فدك بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم محيصة بن مسعود فنزلوا على ما نزلت عليه اليهود بخيبر على أن يسيرهم ويحقن دماؤهم فعاملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على مثل معاملة أهل خيبر فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 15 ]
وسلم خالصة وذلك أنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر على ألفف وثمانمائة سهم وكان الرجال بها ألفا وأربعمائة والفرس مائتي فرس فقسم للفارس ثلاثة أسهم سهمين لفرسه وسهما له وللرجل سهما فكان للافراس أربعمائة ولركابها ولرجالهم ألف وأربعمائة سهم وكان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عاصم بن عدي ثم أطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك في الصلح وأعطى محيصة بن مسعود ثلاثين وسقا من شعير وثلاثين وسقا من تمر وقسم سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب فكانت قسمة خيبر على ما وصفنا وكانت صفية بنت حي بن أخطب في السبى أخرجوها
[ 16 ]
من حصن القموص فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آنية المشركين فقال اغسلوها وكلوا فيها وأطعموا وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسل تسعا من نسأله اللاتي توفى وهن عنده تسعمائة وسق تمر ومن القمح مائة وثمانين ه وسقا فلما فرغوا من الغنائم وقسمها أكل المسلمون لحوم الحمر الاهلية فأمر مناديا فنادى في الناس إن الله ورسوله ينهياكم عن المتعة وأمر بالقور أن تكفأ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم خطيبا فقال لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماءه زرع غيره يعنى إتيان الحبائل من السبايا ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة ثيبا من السبى حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنما حتى يقسم ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من غنيمة المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده ثم اطمأن الناس وأهدت زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم لرسول الله
[ 17 ]
صلى الله عليه وسلم شاة وأكثرت فيها من السم فلما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن هذا العظم يخبرني أنه مسموم ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك فقالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان ملكا استرحت منه وإن كان نبيا فسيخبر فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان بشر بن البراء بن معرور يأكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل منها قطعة وكان ذلك سبب موته وقتل من المسلمين بخيبر ربيعة بن أكثم بن سخبرة وثقف بن عمرو بن سميط ورفاعة بن مسروح وعبد الله بن الهبيب ومسعود بن قيس بن خلدة ومحمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة وأبو الضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية ومبشر بن عبد المنذر بن الزبير بن زيد بن أمية بن سفيان بن الحارث بن حاط وعروة بن مرة بن سراقة أوس
[ 18 ]
بن القائد وأنيف بن حبيب وثابت بن أثلة وعمارة بن عقبة بن حارثة بن غفار وبشر بن البراء بن معرور وكان سبب موته أكله من الشاة المسمومة وعند فراغ المسلمين من خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من أرض ه الحبشة فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما أدري بأي الامرين أنا أشد فرحا بفتح خيبر أو قدوم جعفر ثم قام إليه فقبل ما بين عينيه فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى وادى القرى فحاصر أهله ليلى ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له أهداه رفاعة بن زيد الجذامي فبينما هو يضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم 0 1 إذ أتاه سهم غرب فقتله فقال المسلمون هنيئا له الجنة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كلا والذي نفسي بيده إن شملته الآن تحترق عليه في النار وكان غلها من فيئ المسلمين فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أصبت شراكين لنعلين لي وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدلك الله مثلها في النار
[ 19 ]
ثم أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي وقال يارسول الله إن لنا مالا بمكة فأذن لي فأذن له فقال يا رسول الله وأن أقول قال فقل قدم الحجاج بمكة وإذا قريش بثينة البيضاء يستمعون الاخبار وقد بلغهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار إلى خيبر وقد كانوا عرفوا أنها أكثر أرض الحجاز ريفا ومنعه ورجالا فلما رآه قالوا يا حجاج أخبرنا فإنه قد بلغنا أن القاطع سار إلى خيبر فقال الحجاج عندي من الخبر ما يسركم قالوا ما هي يا حجاج فقال هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وأسر محمد أسرا فقالوا لن نقتله حتى نبعث به إلى مكة فيقتلونه بين أظهرهم
[ 20 ]
بمن كان قتل من رجالهم فقاموا وساحوا بمكة جاءكم الخبر وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم فقال الحجاج أعينوني على مالي بمكة وعلى غرمائي فأنى أقدم خيبر فأصيب من فيئ محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجاز فلما سمع العباس بن عبد المطلب الخبر أقبل حتى ه وقف على جنب الحجاج بن علاط قال يا حجاج ما هذا الخبر الذي جئتنا به قال وهل عندك تحفظا لما وضعت عندك قال نعم قال استأخر عنى حتى ألقاك على خلاء فأنى في جمع مالي كما ترى فانصرف حتى إذا فرغ الحجاج من جمع ماله وأراد الخروج لقى العباس فقال أحفظ على حديثي فأنى أخشى الطلب قال أفعل قال والله إني
[ 21 ]
تركت بن أخيك عروسا على ابنة ملكهم صفية بنت حي ولقد افتتح خيبر فصارت له ولاصحابه قال ما تقول يا حجاج قال إى والله فاكتم على ثلاثا ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي فرقا من أن أغلب عليه فإذا مضى ثلاث فأظهر أمرك فان الامر والله على ما تحب ثم خرج الحجاج بماله فلما كان اليوم الثالث من خروجه لبس العباس حلة وتخلق وأخذ عصاه ثم خرج حتى طاف بالكعبة فلما رأوه قالوا يا أبا الفضل هذا والله التجلد لحر المصيبة قال كلا والذي حلفتم به لقد افتتح محمد خيبر وأصبح عروسا على ابنة ملكهم وأحرز أموالهم وما فيها قالوا من جاء بهذا الخبر قال الرجل الذي جاءكم بما جاءكم به ولقد دخل عليكم وأخذ ماله وانطلق فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه ويكون معه قالوا يا لعباد الله انفلت عدو الله والله لو علمنا لكان لنا وله شأن فلم يلبثوا أن جاءهم الخبر بذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في رجوعه من خيبر إلى المدينة
[ 22 ]
نزل بعض المنازل ثم قال من يكلؤنا الليلة فقال بلال أنا يارسول الله فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وناموا وقام بلال يصلي فصلى ما شاء الله أن يصلي ثم استند إلى بعيره واستقبل الفجر يرمقه فغلبته عيناه فلم يوقظهم إلا حر الشمس وكان رسول الله صلى الله ه عليه وسلم أول أصحابه هبا فقال ماذا صنعت يا بلال فقال يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك قال صدقت ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ثم أناخ فتوضأ وتوضأ الناس معه ثم أمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بالناس فلما سلم أقبل على الناس فقال إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها فان الله يقول أقم الصلاة لذكرى ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأبو هريرة أسلم وقدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وعليها سباع بن عرفطة الغفاري فصلى مع سباع الغداة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه يقرأ ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا الآية وكان عمرو بن أمية الضمري خطب أم حبيبة بنت أبى سفيان إلى النجاشي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بأرض الحبشة حيث حمل كتاب النبي صلى الله
[ 23 ]
عليه وسلم فزوجها النجاشي من رسول الله صلى الله عليه وسلم على مهر أربعمائة من عنده وكان الذي زوجها خالد بن سعيد بن العاص وبعثها النجاشي مع من بقى من المسلمين بأرض الحبشة إلى المدينة في سفينتين فلما بلغوا الجار ركبوا الظهر حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من خيبر ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 24 ]
ابنته على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الاول وقدم عمرو بن العاص زائرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومسلما عليه من عند النجاشي وكان قد أسلم بأرض الحبشة ومعه عثمان بن طلحة العبدري وخالد بن الوليد بن المغيرة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد سرية إلى بني مرة في ثلاثين رجلا فقتلوا ورجع وحده إلى المدينة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق سرية إلى نجد ومعه سلمة بن الاكوع وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب تبن عبد الله الليث إلى بني الملوح في رمضان في مائة وثلاثين رجلا فأغاروا عليهم واستاقوا النعم
[ 25 ]
والشاه وجاءوا بها إلى المدينة ونذروا لخروج العدو خلفهم فجاء السيل وحال الوادي بينهم آمسلمين ورجعوا إلى المجينة بالغنائم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب سرية في ثلاثين رجلا إلى أرض هوازن فخرج معه بدليل من بني هلال فكانوا يسيرون بالليل ويكمنون بالنهار حتى ملكوا هوازن ونذر القوم وهربوا ولم يلق عمر كيدا ثم رجع ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشير بن سعد إلى جناب في شوال معه حسيل بن نوبرة فأصابوا نعما وانهزم جمع عيينة بن حصين إلى المدينة
[ 26 ]
ثم أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعتمر في ذي القعدة عمرة القضاء لما فاتهم من العام الاول من عمرة الحديبية وعزم أن ينكح ميمونة فيعث أبا رافع ورجلا من الانصار من المدينة إلى ميمونة ليخطبها له ثم أحرم وساق سبعين بدنة في سبعمائة رجل واستعمل على المدينة ه ناجية بن جندب الاسلمي وتحدثت قريش أن محمدا وأصحابه في عسر وجهد وحاجة فقدم صلى الله عليه وسلم مكة وعبد الله بن رواحة أخذ بخطام ناقته يقول خلوا بني الكفار عن سبيله خلوا فكل الخير في رسوله يا رب إني مؤمن بقلبه أعرف حق الله في قبوله نحن قتلناكم على تأويله كما قتلناكم على تنزيله
[ 27 ]
ضربا يزيل الهام عن مقبله ويذهل الخليل عن خليله واصطفت قريش عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه وأخرج عضده اليمنى وقال رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ثم استلم الركن فخب ثلاثا ومشى أربعا بين الصفا ليرى المشركون أن به قوة ثم حلق ونحر البدن فكانت البدنة عن عشرة وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا وتزوج ميمونة بها وهى حل وهو حرام فأتاه حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود في نفر من قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة وقالوا إنه قد انقضى أجلك فاخرج عنا فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة بالمسلمين وخلف
[ 28 ]
أبا رافع مولاه على ميمونة حتى أتاه بها بسرف فبنى بها وهما حلالان ثم رجع إلى المدينة ثم بعث صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من مكة بخمسين رجلا بن أبى العوجاء السلمي في سرية إلى بنى سليم فلقيهم بنو سليم على حرة فأصيب أصحابه ونجا هو بنفسه فقدم المدينة
[ 29 ]
السنة الثامنة من الهجرة حدثنا أحمد بن على بن المثتى التميمي بالموصل ثنا عبد الواحد بن غياث ثنا حماد بن سلمة بن قتادة وثابت وحميد عن أنس قال غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله سعر لنا فقال إن الله هو القابض والباسط المسعر الرزاق وإني أرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلة في نفس ولا مال قال في أول هذه السنة غلا السعر المسلمين فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم يسعر لهم فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ثم قال لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ثم قال لا يسوم الرجل على سوم أخيه ولا حاضر لباد دعو الناس يرزق بعضهم من بعض ثم طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة فقعدت له على طريقة بين المغرب والعشاء ثم قالت يا رسول الله ارجعني فوالله ما بي حب الرجال لكني أحب أن أحشر في أزواجك ويومى لعائشة فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توفيت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلتها سودة
[ 30 ]
بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبد الله لليثى سرية إلى بني ليث في بضعة عشر رجلا فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وساق نعمهم ومواشيهم إلى المدينة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى جيفر وعباد لبنى الجليد بن بعمان فصدقا بلنبي صلى الله عليه وسلم وأقرأ بما جاء به وصدق عمرو بن العاص أموالهم وأخذ الجزية من المجوس ثم صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن ساوى العبدي وكتب إليه كتابا مع العلاء بن الحضرمي بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوى سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فان كتابك جاءني ورسلك وأنه من صلى صلاتنا ومن أبي فعليه الجزية فصالحهم العلاء بن الحضرمي على أن
[ 31 ]
على المجوس الجزية لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن عمير الغفاري سرية في خمسة عشر رجلا حتى انتهى إلى ذات أطلاح من ناحية الشام قريبا من مغار وكانوا من قضاعة فوجد بها جمعا كثيرا فدعاهم إلى الاسلام فأبوا أن يجيبوا وقتلوا أصحاب كعب جميعا ونجا هو بنفسه حتى قدم المدينة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب سرية إلى بنى عامر قبل نجد في أربعة وعشرين رجلا فأغار عليهم فجاؤوا نعما وشاء فكانت سهمانهم بعيرا ونفلهم النبي صلى الله عليه وسلم بعيرا بعيرا
[ 32 ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة إلى مؤتة ناحية الشام فأوصاه بمن من المسلمين خيرا وقال إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس وإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة على الناس وتجهز الناس معه فخرج معه قريبا من ثلاثة آلاف من المسلمين ومضى حتى نزل ه معان أرض الشام فبلغهم أن هرقل قد نزل مآ من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم فأقام المسلمون بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم فشجع الناس عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون هي التي انما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فانما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة فقال الناس قد والله
[ 33 ]
صدق بن رواحة ثم رحلوا فلما كانوا بالقرب من بلقاء لقيهم جموع هرقل من الروم فلما دنا العدو انحاز المسلمون إلى قربة يقال لها مؤتة فتعبأ لهم المسلمون وجعلوا على ميمنتهم رجلا من بني عذرة يقال له قطبة بن قتادة وعلى ميسرتهم رجلا من الانصار من بني سعد بن هريم يقال له عبادة بن مالك ك ثم التقى الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى ألحمه القتال فاقتحم عن فرسه السقراء وعرقبها وقاتل حتى قتل وفيه اثنتان وسبعون ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ثم أخذ عبد الله بن رواحة الراية وتقدم بها وهو على فرسه فقاتل حتى قتل وأخذ الراية ثابت بن أقرم وقال يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت قال ما أنا بفاعل فاصطلح الناس على خالد بن الوليد فأخذ خالد الراية ودافع القوم وحاشى
[ 34 ]
بهم ثم انصرف بالناس فنعى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة قبل أن يجئ خبرهم ثم قال صلى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم زقدم خالد بن الوليد بالمسلمين فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون والصبيان يحثون على الجيش التراب ويقولون أفررتم في سبيل الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليسوا بالفرارين ولكنهم الكرارون ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل وهم قضاعة وكانت أم العاص بن وائل قضاعية فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتألفهم بذلك فخرج في سراة المهاجرين
[ 35 ]
والانصار ثم استمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي عبيدة عامر بن الجراح على المهاجرين والانصار فيهم أبو بكر وعمر فلما اجتمعوا واختلف أبو عبيدة وعمرو بن العاص في الامامة فقال المهاجرين أنت أمير أصحابك وأبو عبيدة أميرنا فأبى عمر بن العاص وقال وقال أنتم لي مدد فقال أبو عبيدة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي إذا قمتم على أصحابك فتطاوعا وإنك إن عصيتني لاطيعنك فأطاعه أبو عبيدة بن الجراح وكانوا يصلون خلف عمرو بن العاص وفيها صلى بهم وهو جنب فلما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر فقال عمر لقيت من البرد شدة وإني لو اغتسلت خشيت الموت فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله ولا تقتلوا أنفسكم الآية وفي هذا الشهر كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خزاعة بن
[ 36 ]
بديل وبشر وسروات بنى عمرو يدعوهم إلى الله ويعرض عليهم الاسلام ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا قتادة سرية إلى غطفان في ستة عشر رجلا فبيتوهم وأصابوا نعما وشياه ورجعوا إلى المدينة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في ه ثلاثمائة من المهاجرين والانصار جوع شديد أبو عبيدة يعطيهم جفنة جفنة ثم أعطاهم تمرة تمرة ثم ضرب لهم البحر بدابة يقال لها العنبر فأكلوا منها شهرا ثم أخذ أبو عبيدة ضلعا فنصبه فمر راكب البعير تحته فلما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه فقال هو رزق رزقتموه من الله هل عندكم منه شئ وسمى هذا الجيش جيش الخبط وذلك أنهم جاعوا فكانوا يأكلون الخبط حتى صارت أشداقهم كأشداق الابل
[ 37 ]
ثم استشار عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لي أرضا بخيبر لم أصب مالا قط هو أنفس عندي منه فما تأمرني قال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فحبس عمر أصلها وتصدق بها لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء والغرباء وما بقي أنفق في سبيل الله وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف وأن يعطي طريفا عنه غير متمول فيه ثم إن بكر بن عبد مناة بن كنانة خرجت على خزاعة وهم على ماء لهم بأسفل مكة فقاتلوا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قال للمسلمين كأنكم بأبي سفيان قد قدم لتجديد العهد بيننا وكان بديل بن ورقاء
[ 38 ]
بالمدينة فخرج إلى مكة راجعا فلما بلغ عسفان لقيه أبو سفيان وكانت قريش قد بعثه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتجديد العهد فقال له أبو سفيان من أين أقبلت يا بديل قال سرت إلى خزاعة قال جزت بمحمد قال لا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم المدينة فدخل على ابنته ه أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته فقال يا بنيتي ما أدري أرغبت بهذا الفراش عنى أم رغبت بي عنه قالت هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس فلم أحب أن تجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ثم خرج أبو سفيان حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئا فذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 39 ]
فقال ما أنا بفاعل ثم خرج حتى أتى عمر فكلمه فقال عمر أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو لم أجد إلا الذرة لجاهدتكم بهم ثم خرج أبو سفيان حتى دخل على على بن أبي طالب وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها الحسن ابنها يدب فقال يا على إنك أمس القوم بي رحما وأقربهم منى قرابة وقد جئت في حاجة فلا أرجعين كما جئت اشفع لي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه فالتفت إلى فاطمة فقال هل لك أن تأمرني ابنك هذا أن يجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر قالت ما بلغ ذلك ابني أن يجير بين الناس قال يا أبا الحسن إني أرى الامور قد اشتدت على ما تنصح لي قال والله ما أعلم شيئا يغنى عنك ولكن قم فأجر بين الناس والحق بأرضك قال
[ 40 ]
وترى ذلك يغنى عني شيئا قال والله ما أدرى فقام أبو سفيان في المسجد فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم خرج فلما قدم على قريش مكة قالوا ما وراءك قال جئت محمدا فكلمته قال فوالله ما رد على بشئ ثم جئت بن أبي قحافة فلم أجد فيه خيرا ثم جئت بن الخطاب فوجدته أعدى العدو ثم جئت عليا فوجدته ألين القوم وقد أشار على برأى صنعته فوالله ما أدرى هل يغنينى شيئا أم لا قالوا وبما ذا أمرك قال أمرني أن أجير بين الناس ففعلت قالوا فهل أجاز محمد ذلك قال لا قالوا ويحك والله إن زاد على بن أبي طالب على أن لعب بك والله ما يغنى عنك ما فعلت ثم عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسير إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيؤ وقال اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش
[ 41 ]
فلما صح ذلك منه ومن المسلمين كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابا إلى قريش يخبر بالذي قد أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أعطاه امرأة من مزينة وجعل لها على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثم فتلت عليه قرونها ثم خرجت وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب والزبير بن العوام وقال أدركا امرأة من مزينة قد كتب معها حاطب بكتاب إلى قريش يحذرهم ما قدمنا عليه فخرجا حتى أدركاها بالحليفة فاستزلا والتمسا في رحلها فلم يجدا شيئا فقال لها على إني أحلف بالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كذب ولا كذبنا إما أن تخرجة الكتاب وإلا نكشفنك فلما رأت الجد قالت أعرض عنى فأعرض عنها على فحلت قرون رأسها واستخرجت الكتاب فدفعته إليه فجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا فقال
[ 42 ]
يا حاطب ما حملك على هذا قال يا رسول الله والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل ولا عشيرة وكان لي بينهم أهل وولد فقال عمر دعني أضرب عنقه فان الرجل قد نافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع يوم بدر إلى أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين بن عبيد بن خلف الغفاري وذلك لعشر مضين من رمضان فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصام المسلمون ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف من المسلمين ولم يعقد
[ 43 ]
الاولوية ولا نشر الرايات فلما بلغ الكديد والكديد ما بين عسفان وأمج أفطر وأفطر المسلمون وقد كان عيينة بن حصن الفزاري لحق رسول الله بالعرج ولحقه الاقرع بن حابس التميمي في نفر من أصحابها فقال عيينة يا رسول الله والله ما أرى آلة الحرب ولا تهيئة الاحرام فأين تتوجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث شاء الله فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران وقد عميت الاخبار على قريش فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يتجسسون الاخبار وينظرون هل يرون خبرا أو يسمعون به فقال العباس بن عبد المطلب يا صباح قريش والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنوة قبل أن يأتوه فاستأمنوه إنه لهلاك قريش إلى لآخر الدهر فركب العباس بغلة رسول الله صلى الله
[ 44 ]
عليه وسلم البيضاء ومضى عليها حتى أتى الاراك وقال هل أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة فبخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه سلم ليخرجوا إليه ويستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة فبينما هو يسير إذ سمع كلام أبي سفيان وهو يقول والله ما رأيت كالليلة ه نيرانا قط وعسكرا فقال بديل بن ورقاء هذه والله نيران خزاعة فقال أبو سفيان خزاعة والله الام وأذل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها فلما عرف العباس صوتهم قال يا أبا حنظلة فعرف أبو سفيان صوته فقال أبو الفضل قال نعم قال ما لك قال فداك أبى وأمى ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 45 ]
قال واصباح قريش قال فما الحيلة فداك أبى وأمى قال العباس أما والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول االه صلى الله عليه وسلم فركب أبو سفيان خلف العباس ورجع صاحباه إلى مكة فكلما مر العباس بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا وإذا رأوه قالوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس عليها عمه فلما مر بنار عمر بن الخطاب قال من هذا وقام إليه فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة قال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك من غير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم وركض العباس بالبغلة فسبقه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقتحم العباس على باب القبة ودخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله هذا أو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعى أضرب عنقه فقال العباس يا رسول الله إني قد أجرته ثم جلس العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر
[ 46 ]
عمر في شأن أبى سفيان فقال العباس مهلا يا عمر أما والله لو كان من رجال بنى عدى بن كعب ما قلت هذا ولكنك قد عرفت أنه من رجال بنى عبد مناف فقال عمر مهلا يا عباس فوالله لاسلامك يوم أسلمت أحب إلى من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أنى عرفت ه أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك إذا أصبحت فأتني به فذهب به العباس إلى رحله فبات عنده فلما أصبح غدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله قال بأبي أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى شيئا قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنى رسول الله قال بأبي أنت وأمى ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما هذه فأن في النفس منها شيئا حتى الآن فقال العباس ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك فتشهد أبو سفيان شهادة وأسلم فقال العباس يا رسول الله إن أبا سفيان رجل
[ 47 ]
يحب الفخر فاجعل له شيئا قال نعم من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فلما أراد أبو سفيان أن ينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عباس احبسه احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها فخرج به العباس فحبسه حيث أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرت القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال أبو سفيان من هؤلاء يا عباس فيقول العباس سليم فيقول أبو سفيان ما لي ولسليم ثم مرت به القبيلة فقال من هؤلاء فقال العباس مزينة قال ما لي ولمزينة حتى مرت القبائل لا تمر به إلا سأله عنها فإذا أخبره قال ما لي ولبنى فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء كتيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المهاجرين والانصار لا يرى منهم ألا الحدق من الحديد قال سبحان الله يا عباس من هؤلاء قال هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والانصار قال ولا حد بها ولا قبل ولا طاقة يا أبا الفضل لقد أصبح ملك بن أخيك
[ 48 ]
الغداة عظيما فقال العباس يا أبا سفيان إنه لنبوة قال نعم فنعم إذا قال العباس ارحلك إلى قومك فخرج أبو سفيان حتى إذا دخل مكة صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبى سفيان فهو آمن فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشار به وقالت اقتلوا الحميت الدسم الاحمش فقال أبو سفيان لا يغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به من دخل دار أبى سفيان فهو آمن قالوا قبحك الله وما تغنى دارك قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا طوى فرق جنوده فبعث عليا من ثنية المدنيين وبعث الزبير من الثنية التي تطلع على الحجون
[ 49 ]
وبعث خالد بن الوليد من الليط وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم طريق أذاخر أمرهم أن لا يقاتلوا أحدا إلا من قاتلهم فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صفوان بن أمية عكرمة بن أبى جهل وعبد الله بن زمعة وسهيل بن عمرو قد جمعوا جماعة من القريش والاحابيش بالخندمة ليقاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيهم خالد بن الوليد بمن معه من المسلمين ناوشوهم فقتل منهم خالد بن الوليد ثلاثة
[ 50 ]
وعشرين رجلا وهو معهم وقتل من المشركين كرز بن جابر الفهري فمن ههنا اختلف الناس في فتح مكة عنوة كان أم صلحا فلما بلغ أبا قحافة قدوم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال لابنة له من أصغر ولده أي بنيتي اظهري بي على ظهر قبيس وكان نظره قد كف
[ 51 ]
إذ ذلك فقال أي بنية ما ترين قالت أرى سوادا مجتمعا قال تلك الخيل ثم قالت والله قد انتشر السواد فقال والله لقد دفعت الخيل سرعى إلى بيتي فانحبطت به وتلقته الخيل قبل أن يصل إلى بيته ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذذذاخر مكة على رأسه
[ 52 ]
مغفر من حديد عليه عمامة سوداء ولم يلق أحد من المسلمين قتالا إلا ما كان من خالد بن الوليد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل ستة أنفس من المشركين قبل قدومهم إلى مكة وقال أي موضع رأيتم هؤلاء فاقتلوهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح وعبد الله بن خطل رجل ه من بني تميم بن غالب والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ومقيس بن صبابة الليثي وسارة مولاة كانت لبعض بنى عبد المطلب فأما عبد الله بن سعد بن أبى سرح ففر إلى عثمان بن عفان
[ 53 ]
وكان أخاه من الرضاعة فغيبه عثمان حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه وأما الحويرث بن نقيذ فقتله على بن أبى طالب وأما بن خطل فتعلق بأستار الكعبة يلوذ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم اقتلوه فقتله سعيد بن الحريث المخزومي وأبو برزة تحت الاستار اشتركا في دمه وأما مقيس فقتله نميلة بن عبد الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل قرشي صبرا بعد اليوم ونزل النبي صلى الله عليه وسلم الايطح وضرب لنفسه فيه قبة وجاءته أم هانئ بنت أبى طالب فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل في جفنه فيها أثر العجين وفاطمة ابنته تستر بثوب فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح
[ 54 ]
به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إليها فقال مرحبا وأهلا بأم هانئ ما جاء بك قالت رجلان من أصهاري من بنى مخزوم وقد أجرتهما وأراد على قتلهما وكانت أم هانئ تحت هبيرة بن أبى وهب المخزومي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرنا من أجرت يا أم هانئ ثم إن عمير بن وهب قال يا رسول الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فآمنه قال هو آمن قال يا رسول الله أعطى شيئا يعرف به أمانك فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة فخرج عمير بها حتى أدرك صفوان بن أمية بجدة وهو يريد أن يركب البحر فقال يا صفولن فداك أبى وأمى أذكرك الله في نفسك أن تهلكها فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم جئتك به قال ويلك أغرب عنى قال أي صفوان فداك أبى وأمى أوصل الناس وأبر الناس وأحلم الناس وخير بن الناس بن عمتك رسول الله صلى الله عليه وسلم عزه
[ 55 ]
عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك قال صفوان ويلك إني أخاف على نفسي فأعطاه العمامة وخرج به معه فلما وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله هذا زعم أنك قد آمننتني قال صدق قال فاجعلني بالخيار شهرين قال أنت بالخيار أربعة أشهر ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف بالبيت سبعا على بعيره يستلم الركن بمحجنه ثم طاف بين الصفا والمروة ثم دعا عثمان بن طلحة الحجبي مفتاح الكعبة وفتحه ثم دخله وصلى فيه ركعتين بين الاسطوانتين بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع ثم خرج فوقف على بابها وهو يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الاحزاب وحده ألا كل مأثرة أو مال يدعى فهو تحت قدمى هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج ألا وقتيل الخطأ مثل العمد بالسوط والعصا فيه الديا مغلظة مائة ناقة منها أربعون في بطونها أولادها يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية
[ 56 ]
وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب ثم تلا هذه الآية يأيها الناس أنا خلقنكم من ذكر ة انثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقكم الآية ثم قال يا أهل مكة ما ترون أنى فاعل بكم قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم ثم قال أذهبوا فأنتم الطلقاء فقام إليه عسلى بن أبى طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال يا رسول الله اجعل الحجابة مع السقاية فلتكن إلينا جميعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين عثمان بن طلحة الحجبي فدعاه
[ 58 ]
فقال هل لك مفتاحك فدفعه إليه فلما كان الغد من فتح مكة عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك فقال لم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال
[ 59 ]
أيها الناس إن الله حرم عليكم خلق السماوات والارض فهى حرام إلى يوم القيامة لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلك عليها رسوله وإنها لم تحل لاحد قبلى وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لاحد بعدي لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا يحل ساقطتها إلا لمنشد فقال العباس إلا الاذخر فانا نجعله في بيوتنا وقبورنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الاذخر وكانت أم حكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبى جهل وفاختة بنت الوليد تحت صفوان
[ 60 ]
بن أمية فلما أسلمتا قالت أم حكيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته أن يستأمن عكرمة فآمنه وقد كان خرج إلى اليمن فلحقه باليمن حتى جاءت به وأسلم عكرمة صفوان فأقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندهما على النكاح الاول الذي كانا عليه ه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من كان في بيته صنم أن يكسره فكسروا الاصنام كلها وكسر خالد بن الوليد العزى ببطن نخلة وهدم بيته فقال النبي صلى الله عليه وسلم تلك العزى لا تعبد أبدا وكسر عمرو بن العاص سواع ثم قال للسادن كيف
[ 61 ]
رأيت قال أسلمت لله وكسر بن زيد الاشهلي الناة المشلل ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مكة الناس يدعون إلى الله ولم يأمرهم بقتال وكان بمن بعث خالد بن الوليد وأمره أن يسير باسفل تهامة داعيا ولم يبعثه مقاتلا ومعه سليم مدلج وقبائل من غيرهم فلما نزلوا بغميصاء وهى من مياه بني جذيمة وكانت بنو جذيمة قد أصابوا في الجاهلية عوف بن عبد أبا عبد الرحمن بن عوف والفاكه بن المغيرة كانا أقبلا تاجرين من اليمن حتى إذا نزلا بهم قتلوهم وأخذوا أموالهم فلما كان الاسلام بلغ خالد بن الوليد إليهم ورآه القوم
[ 62 ]
أخذوا السلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فان القوم أسلموا فوضع القوم السلاح لقول خالد فلما وضعوها أمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء وقال اللهم أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب فقال يا على اخرج إلى هؤلاء القوم وانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك فخرج على حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه به رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودى لهم الدماء وما أصيب من الاموال حتى لم يبق لهم سئ من دم ولا مال إلا وداه وبقيت معه بقية فقال لهم
[ 63 ]
على بقى لكم من دم أو مال لم يود اليكم قالوا لا قال فأنى أعطيكم هذه البقية من المال أحتياطا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره قال أصبت ثم إن هوزان لما سمعت بجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخوله مكة اجتمعت مع ثقيف وجشم وسعد بن بكر وكان في بنى جشم دريد بن الصمة وهو شيخ كبير ليس فيه إلا التيمن برأيه وبعلمه بالحرب وفى ثقيف قارب بن الاسود بن مسعود وفى بني بكر سبيع بن الحارث وكان جماع أمر الناس إلى
[ 64 ]
مالك بن عوف فأجمع مالك بالناس على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساروا حتى إذا أتوا بأوطاس ومعه الاموال والابناء والنساء فقال دريد بن الصمة بأي واد أنتم قالوا بأوطاس قال نعم مجال الخيل لا حزن ولا سهل دهس ما لي أسمع رغاء الابل ونهاق الحمير وبكاء الصغير ويعار الشاء قالوا ساق مالك بن عوف بأوطاس مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم فقال أين مالك فقيل هذا مالك فقال دريد يا مالك إنك أصبحت رئيس قومك وإن هذا يوم له ما بعد من الايام ومالك سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم قال ولم قال أردت أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم فأنقض به
[ 65 ]
فقال وهل يرد القوم شئ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ما فعلت كعب وكلاب قال مالك لم يشهد منهم أحد قال غاب الحد والجد لو كان علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب يا مالك لا تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ارفعهم في متمنع بلادهم وعليا قومهم ثم ألق الصباء على متون الخيل فان كانت لك لحق بك من وراءك وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد احرزت مالك وأهلك قال تلك والله لا أفعل لتطيعننى يا معشر هوازن أو لاتكبن على هذا السيف حتى
[ 66 ]
يخرج من ظهري وكره أن يكون فيها لدريد ذكر ورأى قالوا أطعناك فقال مالك إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ثم شدوا عليهم شد رجل واحد وجاء الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث عبد الله بن أبى حدرد الاسلمي فدخل في الناس فأقام فيهم حتى سمع وعلم من كلام مالك وأمر هوازن ما كان وما اجمعوا له ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فأجمع على المسير إلى هوازن وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عند صفوان بن أمية أدراعا فأرسل إليه فقال يا أبا أمية أعرنا سلاحك نلقى فيها
[ 67 ]
عدونا فقال صفوان أغصبا قال لا بل عارية مضمونة حتى نؤديها إليك قال ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يصلحها من السلاح وسأله النبي صلى الله عليه وسلم أن يكفيه حملها صفوان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة معه ألفان من أهل مكة وعشرة الآف من أصحاب الذين فتح الله بهم مكة واستعمل على مكة عتاب بن أسيد بن أبى العيص بن أمية أميرا وكان مقامه صلى الله عليه وسلم بمكة خمس عشرة ليلة يقصر فيها الصلاة فبينا الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرون إذا مروا بسدرة قال أبو قتادة الليثي يا رسول الله اجعل هذه ذات أنواط كما للكفار ذات أنواط وكان للكفار سدرة يأتونها كل سنة ويعلقون عليها أسلحتهم ويعكفون عليها ويذبحون عندها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل اجعل لنا إلها كما لهم لتركبن سنن من قبلكم
[ 68 ]
فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وادى حنين وانحدر المسلمون
[ 69 ]
في الوادي قرب الصبح وهو واد أجوف وقد كمن المشركون لهم في شعابه ومفارقه فأعدو للقتال فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ينحدر والمسلمون بالوادي إذ اشتدت عليهم الكتائب من المشركين شد رجل واحد وانهزم السلمون راجعين لا يعرج أحد وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمين ثم قال أين أيها الناس هلموا أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله واحتملت الابل بعضها بعضا ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رهط من المهاجرين والانصار وأهل بيته فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لا يعطفون على سئ قال يا عباس اصرخ يا معشر الانصار يا أصحاب السمرة فنادى العباس وكان امرأ جسيما شديد الصوت يا معشر الانصار يا أصحاب السمرة فأجابوا لبيك لبيك وكان الرجل من المسلمين يذهب ليثنى بعيره فلا يقدر على ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ثم يأخذ سيفه وترسه ثم يقتحم عن بعيره فيخلى سبيل بعيره ويؤم الصوت حتى ينتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة رجل واستقبلوا الناس وقاتلوا وكانتت الدعوة أول ما كانت يا للانصار ثم جعلت أخيرا فقالوا يا للخروج وكانوا صبرا عند
[ 70 ]
الحرب فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركابه ونظر إلى مجتلد القوم فقال الآن حمى الوطيس وإذا رجل من هوازن على جمل أحمر في يده راية سوداء وفى رأسه رمح طويل أمام الناس وهوازن خلفه فإذا أدرك طعن برمهه وإذا فاته رفعه لمن وراءه ويتبعونه فأهوى إليه على بن أبى طالب ورجل من الانصار يريدانه فأتاه على من خلفه فضرب عرقوبى الجمل فوقع على عجزه وثبت الانصار على الرجل فضربوه ضربة أطن بها قدمه بنصف ساقه واختلف الناس وكان شعار المهاجرين يومئذ يا بني عبد الرحمن وشعار الخزرج يا بني عبد الله وشعار الاوس يا بني عبيد الله
[ 71 ]
وكانت أم سليم بنت ملحان مع زوجها أبى طلحة فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى حازمة وسطها ومعها جمل أبى طلحة فقالت بأبي أنت وأمى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل هؤلاء الذين يقاتلونك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يكفي الله يا أم سليم وإنها يومئذ لحبلى بعبد الله بن أبى طلحة ومعها خنجر فقال لها أبو طلحة ما هذا الخنجر معك يا أم سليم قالت خنجر أخذته إن دنا منى أحد من المشركين بعجت بطنه فقال أبو طلحة يا رسول الله ألا تسمع ما تقوله أم سليم ورأى أبو قتادة رجلين يقتتلان مسلم ومشرك فإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه فأتاه أبو قتادة فضرب يده فقطعها فاعتنقه المشرك بيده الثانية وصدره فقال أبو قتادة والله ما تركني حتى وجدت ريح الموت فلو لا أن الدم نزفه يقتلنى فسقط وضربته فقتلته
[ 72 ]
ثم انهزم المشركون وأخذ المسلمون يكتفون الاسارى فلما وضعت الحرب أوزارها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتل قتيلا فله سلبه فقال رجل من أهل مكة يا رسول الله لقد قتلت قتيلا ذا سلب وأجهضني عنه القتال فلا أدرى من سلبه فقال رجل من أهل مكة يا رسول الله أنا سلبته فأرضه منى عن سلبه فقال أبو بكر الصديق أيعمد إلى من أسد الله يقاتل عن الله تقاسمه سلبه رد عليه سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبو بكر رد عليه سلبه فرد عليه قال أبو قتادة فبعته فاشتريت به مخرفا في المدينة لانه أول مال تأثلته في الاسلام
[ 73 ]
وكان على راية الاحلاف من ثقيف يوم حنين قارب بن الاسود فلما رأى الهزيمة أسند رايته إلى شجرة وهرب وكان على رأية بنى مالك ذو الخمار فلما أخذها عثمان بن عبد الله وأقامها للمشركين فقتل عثمان وانحاز المشركون منهزمين إلى الطائف وعسكر بعضهم بأوطاس وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيول في آثارهم فأدرك ربيعة بن رفيع دريد بن الصمة وهو في شجار على راحلته فأخذ
[ 74 ]
بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة فلما أنخه إذا شيخ كبير وإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام فكان ربيعة غلاما قال دريد ما ذا تريد بي قال أقتلك قال ومن أنت قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي وضربه ربيعة بسيف فلم يقدر شيئا فقال له دريد بئس ما أسلحتك أمك خذ سيفي هذا من مؤخر رحلى في الشجار ثم أضرب وارفع عن العظام واخفض عن الدماغ فانى كذلك كنت أقتل الرجال ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة بسيفه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والاموال فجمعت بالجعرانة وبعث في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الاشعري فأدرك الناس بعض من انهزم فساروا يرمون كل من لقوه ورمى أبا عامر بسهم فقتل وأخذ برايته بعده أبو موسى فقاتلهم ففتح له وهزمهم الله
[ 75 ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف وفيها مالك بن عوف وقد عسكر جماعة من المشركين وعلى مقدمة خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مقتولة فقال من قتل هذه قال خالد بن الوليد فقال لرجل أدرك خالدا وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتلوا امرأة ولا ولدا ولا عسيفا فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف نزل قريبا فلم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطا فضرب
[ 76 ]
معسكره رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسجده وحاصرهم بضع عشرة ليلة وأمر بقطع أعنابهم وقاد رجلا من هذيل من بني ليث وهو أول دم أقيد في الاسلام ثم نصب المنجيق على حصنهم حتى فتحه الله عليه وكان في أيامه يقصر الصلاة وقد كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مولى لخالته فاختة بنت عمرو بن عائذ يقال له ماتع مخنث يدخل على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لخالد بن الوليد يا خالد إن فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا فلا تفلتن منك بادية بنت غيلان فانها تقبل بأربع وتدر بثمان فقال
[ 77 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا يفطن لما سمع به ثم قال لنسائه لا يدخلن عليكن فحجب عن بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف رسسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف إلى الجعرانة فقال له سراقة بن جعشم المدلجي يا رسول الله ترد الضالة حوضى فهل فيه أ جر ان ان سقيتها حرى أجر ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطأ الحبالى حتى يضعن وبينما النبي صلى الله عليه وسلم قاعد بالجعرانة ومعه ثوب
[ 78 ]
وقد أظل به معه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى برجل أحرم بعمرة في جبة بعد ما تضمخ بطيب وإذا النبي صلى الله عليه وسلم مخمر الوجه يغط فلما سرى عنه قال أين الذي سألني عن العمرة آنفا فأتى به فقال أما الطيب فاغسله عنك وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم بالجعرانة بين المسلمين فأصاب كل رجل أربعا من الابل وأربعين شاة ومن كان فارسا أخذ سهمه وسهمي فرسه ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرة من سنام بعيره ثم قال أيها الناس إني ما لي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدو الخيط والمخيط
[ 79 ]
فان الغلول يكون على أهله نارا وشنارا يوم القيامة فجاءه رجل من الانصار بكبة خيوط من شعر قال يا رسول الله أخذت هذه الكبة أخيط بها بردعة بعير لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما نصيبي منها فلك فقال أما إذا بلغت هذه فلا حاجة لي فيها ثم أسلم مالك بن عوف وقال يا رسول الله ابعثنى أضيق على ثقيف فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه من تلك القبائل ومن تبعه من بنى سليم فكان يقاتل ثقيفا لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليهم ثم جاء وفد هوازن راغبين في الاسلام بعد أن قسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم السبى فأسلموا ثم أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم تألفا فأعطى حويطب بن عبد العزى مائة من الابل وأعطى الاقرع بن حابس مائة من الابل وأعطى صفوان بن أمية مائة من الابل وأعطى حكيم بن حزام مائة من الابل وأعطى مالك بن عوف مائة من الابل وأعطى
[ 80 ]
عباس بن مرداس السلمي شيئا دونهم فقال فيه أبياتا ولم يعط الانصار منها شيئا فقال قائل الانصار ألا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لقى قومه فانطلق سعد بن عبادة فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله الانصار قد وجدوا في أنفسهم مما مما رأوك صنعت في هذه العطايا قال فأين أنت من ذلك يا سعد قال ما أنا إلا رجل من قومي قال فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة فخرج سعد فنادى في قومه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تجتمعوا في هذه الحظيرة فقاموا سراعا وقام سعد على باب الحظيرة فلم يدخلها إلا رجل من الانصار وقد رد أناسا ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال هذه الانصار قد اجتمعت لك فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ة قال يا معشر الانصار ما مقالة بلغتني عنكم أكثرتم فيها
[ 81 ]
ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله ألم تكونوا عالة فأغناكم الله ألم تكونوا أعداء فألف الله بينكم قالوا بلا قال أفلا تجيبونني قالوا إليك المن والفضل قال نأما والله لو شئتم لقلتم وصدقتم جئتنا طريدا فآويناك ومخذولا فنصرناك وعائلا فآسيناك ومكذبا فصدقناك أوجتم في أنفسكم من لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما أسلموا ووكلتم إلى إيمانكم أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون برسول الله إلى رحالكم فالذي نفس محمد بيده لو سلك الناس وايا وسلكت الانصار شعبا لسلكت شعب الانصار ولو لا الهجرة لكنت أمرأ من الانصار إن الانصار كرشى وعيبتى اللهم اغفر للانصار وأبناء الانصار ولابناء أبناءهم فبكى القوم حتى أخضلوا لحهم وقالوا رضينا بالله وبرسوله حظا وقسما ونصيبا ثم تفرق الانصار وفى هذه المقالة قال ذو الخويصرة يا رسول الله أعدل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيت إن لم أعدل ثم علقت الاعراب برسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 82 ]
يسألونه حتى ألجأوه إلى شجرة عظيمة وخطفت رداءه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردوا على دائي فوالذي نفس محمد بيده لو كانت عدد هذه العضاة نعما لقسمته بينكم ثم لا تجونى كذوبا ولا جبانا ولا بخيلا ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمرا فاعتمر منها فبات بالجعرانة واستخلف على مكة عتاب بن أسيد أميرا وخلف معه معاذ بن جبل يفقه الناس ويعلمهم القرآن وكانت هذه العمرة في ذي القعدة ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة يريد المدينة فسلك في وادى سرف حتى خرج على سرف ثم على مر الظهران حتى قدم المدينة في بقية ذي القعدة
[ 83 ]
ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عذت بعظيم الحقى بأهلك وفارقها وحج بالناس عتاب بن أسيد وولد إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ماريا القبطية في ذي الحجة فوقع في قلب النبي صلى الله عليه وسلم منه شئ فجاء جبريل عليه السلام فقال السلام عليك يا إبراهيم فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتنافست نساء الانصار فيه أيتهن ترضعه فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد وزوجها بن مبذول فكانت ترضعه وحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه يوم السابع وتصدق بوزن شعره فضة على المساكين وعق عنه بكبشين وعاش ستة عشر شهرا
[ 84 ]
السنة التاسعة من الهجرة أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن التوكل بن أبى السرى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبى ثورة عن بن عباس قال لم أزل حريصا أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللتين قال الله لهما ان تتوبا إلى الله فقد صنعت قلوبكما فقال عمر واعجبا لك يا بن عباس ثم قال هي عائشة وحفصة ثم أنشأ يسوق الحديث فقال كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدناهم قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم وكان منزلي في بنى أمية بن زيد في العوالي قال فتغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت
[ 85 ]
أن تراجعني فقالت ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعين على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت نعم وتهجره إحدانا اليوم إلى الليل قال قلت قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عيها لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي هلكتفلا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا ذلك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة قال وكان لي جار من الانصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا قال فنزل صاحبي يوما أتاني عشاء فضرب على بأبي ثم نادانى فخرجت إليه فقال حدث أمر عظيم فقلت وماذا أجاءت غسان قال لابل أعظم من ذلك وأطول طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه فقلت خابت حفصة وخسرت قد كنت أظن هذا كائبا فلما صلبت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة فإذا هي تبكي
[ 86 ]
فقلت أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت لا أدرى هو ذا معتزل في هذه المشربة قال فأتيت غلاما له أسود فقلت استأذن لعمر فدخل الغلام إلى وقال قد ذكرتك له ولم يقل سيئا فانطلقت حتى تى أتيت المسجد فإذا قوم حول النبر جلوس يبكى بعضهم إلى بعض قال فجلست قليلا ثم غلبنى ما أجد فأتيت الغلام فقلت استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى وقال قد ذكرتك له فصمت فرجعت ثم جلست إلى المنبر ثم غلبى ما أجد فأتيت الغلام فقلت أستأذن لعمر فدخل ثم خرج إلى فقال قد ذكرتك له فسكت فوليت مدبرا فإذا الغلام يدعوني ويقول أدخل قد أذن لك فدخلت فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو متكى على رمل حصير قد أثر بجنبه فقلت أطلقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءك قال فرفع رأسه إلى وقال لا فقلت الله أكبر لو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك عليها فقالت لي أتنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليلة قال فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي هلكت قال فتبسم رسول الله صلى الله
[ 87 ]
عليه وسلم فقلت يا رسول الله فدخلت على حفصة فقلت لها لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك قال فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرى فقلت أستأنس يا رسول الله قال نعم قال فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر إلا أهبه ثلاثة فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع الله على فارس والروم وهم لا يعبدونه قال فاستوى جالسا ثم قال أوفى شك أنت يا بن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا فقلت استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم أن لا يدخلن عليهن شهرا من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله قال الزهري فاخبرني عروة بن عائشة قالت فلما مضى تسع وعشرون ليلة دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرون أعدهن فقال إن الشهر تسع وعشرون ثم قال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا أراك أن تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك قالت ثم قرأ على الآية يا أيها النبي قل لازواجك ان كنتن
[ 88 ]
تردن الحيوة الدنيا وزينتها إلى قوله عظيما قالت عائشة قد علم والله أن أبوي لم يكونا بفراقه فقلت افي هذا أستأمر أبوي فانى أريد الله ورسوله والدار الآخرة قال في أول هذه السنة هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا وكان السبب في ذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح ذبحا فأمر عائشة أن تقيم بين أزواجه فأرسلت إلى زينب بنت جحش نصيبها فردته قال زبديها فزادتها ثلاثا كل ذلك ترده فقالت عائشة قد أقمأت وجهك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتن أهون على الله من أن تغضبن لا أدخل عليكن شهرا فدخل عليهن بعد مضى تسع وعشرون يوما ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز في صفر إلى الحبشة فانصرف ولم يلق كيدا
[ 89 ]
وفى هذه السرية أمر علقمة أصحابه أن يوقدوا نارا عظيما ثم أمرهم أن يقتحموا فيها فتحرزوا وأبو ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بلى في ربيع الاول ونزل على رويفع بن ثابت البلوى وقدم وفد نبي ثعلبة بن منقذ وفيها وفد سعد هذيم وقدم الداريون من لخم عشرة أنفس هانئ بن حبيب والفاكه
[ 90 ]
بن النعمان وحبلة بن مالك وأبو هند بن بر وأخوه الطيب بن بر وتميم بن أوس ونعيم بن أوس ويزيد بن قيس وعروة بن مالك وأخوه مرة بن مالك وأهدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد حرم الخمر فأمروا بيعها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها وقدم وفد بنى أسد فقالوا يا رسول الله قدمنا عليك قبل أن ترسل إلينا رسولا فنزلت هذه الآية يمنون عليك ان أسلموا وقدم عروة بن مسعود بن معتب الثقفى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم ثم استأذن أن يرجع إلى قومه فيدعوهم إلى الاسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قاتلوك قال أنا أحب إليهم من أبكار أولادهم فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى قومه ودعاهم إلى الاسلام وأذن بالصبح على غرفة فرماه رجل من بنى ثقيف
[ 91 ]
بسهم فقتله وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحاك بن سفيان الكلابي إلى القرطاء سرية فأصابهم بغدير الزج وقد كتب إليهم النبي صلى الله عليه وسلم كتابا فآبوا ورقعوا كتابهم بأسفل دلوهم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب سرية إلى الفلس من بلاد طئ‌في ربيع فأغار عليهم وسبى نمنهم نساء فيهن أخت عدى بن حاتم ثم نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم النجاشي للناس في رجب وقال صلوا على صاحبكم فقام فصلى هو وأصحابه وصفوا خلفه وكبر عليه أربعا ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لغزوة الروم في شدة الحر وجدب من البلاد حين طالب الثمار وأحبت
[ 92 ]
الظلال وكان رسول اله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلا ورى بغيرها غير غزوة تبوك هذه فإنه أمر التأهب لبعد الشقة وشدة الزمان وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ورغبهم في ذلك وحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا وأنفق عثمان بن عفان تفى ذلك نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم من نفقة ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم البكاؤن وهم سبعة نفر فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا أهل حاجة فقال لا أجد ما احملكم عليه واعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم فاعتذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعذرهم وهم بنو غفار وقد كان تنفر من المسلمين أبطأ بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تخلفوا عنه من غير شك ولا ارتياب منهم كعب بن مالك أخو بنى سلمة ومرارو بن الربيع أخو بنى عمرو بن عوف وهلال بن أمية أخو بنى واقف وأبو خيثمة أخو بنى سالم وكانوا نفر صدق ولا يتهمون في إسلامهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة وضرب معسكره على ثنية الوداع ضرب عبد الله بن أبى بن سلول معسكره أسفل منه وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب على
[ 93 ]
أهله وأمره بالاقامة فيهم واستخلف على المدينة سباع بن عرفطة أخا بنى غفار فقال المنافقون والله ما خلفه علينا إلا استثقالا له فلما سمع ذلك على أخذ سلاحه ثم خرج حتى لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف وقال يا بنى الله زعم المنافقون أنك إنما خلفتني استثقالا فقال كذبوا ولكني خلفتك لما تركت ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ألا ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فرجع على ألى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف عنه عبد الله بن أبى فيمن تخلف من المنافقين فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر استقى الناس من بترها فلما راحو منها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضأوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الابل ولا تأكلوا منه شيئا ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله السحاب فأمطر حتى أرتوى الناس وتوضأوا ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل في بعض المنازل فضلت ناقته فخرج أصحابه في طلبها فقال بعض المنافقين أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم بخبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما أعلم
[ 94 ]
إلا ما علمني الله وقد علمني أنها في الوادي بين شعب كذا وكذا قد حبستها شجرة بزمامها قال فانطلقوا حتى تأتوا بها فذهبوا فجاؤوا بها ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يتخلف عنه الرجل فيقولون والله يا رسول الله تخلف فلان فيقول دعوه فان يكن فيه خبر فسيلحقه الله بكم حتى قيل له يا رسول الله تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره فقال دعوه فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم فلما أبطأ على أبى ذر بعيره أخذ متاعه على ظهره وترك بعيره ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشيا ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض منازله فنظر ناظر من المسلمين فقال يا رسول الله رجل على الطريق يمشى وحده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا ذر فلما تأمله القوم قالوا يا رسول الله هذا والله أبا ذر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم رحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك فلما أتاها أتاه يحنة بن رؤبة صاحب أيلة وصالح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية وأتاه جرباء وأذرح فأعطوا الجزية وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا وهو عندهم فكتب
[ 95 ]
ليحنة بن رؤبة بسم الله الرحمن االرحيم هذه أمنة ومن محمد النبي صلى الله عليه وسلم ليحنة بن روبة اه واهل بلده وسيارتة في البر والبحر فهم في ذمة الله وذمة محمدالنى صلى الله عليه وسلم ومن كان معهم من اهل الشام واهل اليمن واهل البحر فمن أحدث منهم حدثافانه لا يحول ماله دون نفسه وانه طيب للناس ممن اخذه وانه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ولا طريق يردونه من بر وبحر وكتب جهيم بن الصلت بامر رسول الله صلى عيه وسلم وكتب لاهل جرباء وأذرح بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمدالنى صلى عليه وسلم لأهل أذرح أنهم امنون بأمان الله وأمان محمد وأن عليهم مائة دينار فيكل رجب وافيه طيبة والله كفيل عليهم بالنصح والاحسان ومن لجااليهم من المسلمين وقد كان خثيمه أحد بنى سالم رجع بعدأن خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة الى أهله في يوم حار فوجد امرأتين له في عريشن لهما في حائط قدرشت كل واحدة منهما عريشها وبردت له فيه ماء وهيأت له فيه طعاما فلما دخل أبوخثمه قام على باب العرشين ونظر الى إلى امرأتيه وما صنعتا له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في
[ 96 ]
الريح والحر وأبو خيثمة في ظلال باردة وطعام مهيأ وامرأة حسناء في ماله مقيم ما هذا بالنصف ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى الحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فهيأ له زادا ثم قدم ناضحة فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا أبو خيثمة يسير إذ لحقه عمير بن وهب الجمحي في الطريق يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا حتى إذا دنوا من تبوك قال أبو خيثمة لعمير بن وهب إن لي ذنبا فلا عليك أن تخلف عنى حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل عمير ثم سار أبو خيثمة حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك قال الناس هذا راكب على الطريق مقبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن أبا خيثمة فقالوا يا رسول الله هو والله أبو خيثمة فلما أناخ أقبل وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخبره الخبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له بخير ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد وبعثه
[ 97 ]
إلى أكيدر دومة وهو أكيدر بن عبد الملك رجل من كندة وكان ملكا عليهم وكان نصرانيا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد إنك ستجده يصيد بقر الوحش فخرج خالد بن الوليد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين في ليلة مقمرة صائفة وهو على سطح له ومعه امرأته فباتت البقر تحك قرونها بباب القصر فقالت له امرأة هل رأيت مثل هذا قط قال لا والله فمن يترك هذا قال لا أحد فنزل أكيدر دومة وأمر بفرسه فأسرج وركب في نفر من أهل بيته ومعه أخوه حسان فلما خرجوا بمطاردهم تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم خالد بن الوليد فقتلوا أخاه حسانا وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب فاستلبه خالد وبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويعجبون منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتعجبون من هذا والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ثم خلى سبيله ورجع
[ 98 ]
إلى قريته وافتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك فقال مما فعل كعب بن مالك فقال رجل من بنى سلمة يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه فقال له معاذ بن جبل بئس والله ما قلت والله يا رسول الله ما علمنا منه إلا خيرا فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة يقصر الصلاة ولم يجاوزها ثم انصرف قافلا إلى المدينة وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ما يروى الراكب والراكبين والثلاثة بواد يقال له المشقق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى أتيه فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده فيها ينصب في يده ما شاء الله أن ينصب ثم مجه فيه ودعا الله بما شاء الله أن يدعو فانخرق من الماء فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن بقيتم أو بقى منكم لتسمهن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه
[ 99 ]
وذاك الماء فوارة تبوك اليوم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بعض النازل ومات عبد الله بن البجادين فحفروا له ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته وأبز بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول أدليا لي أخاكما فأدلوه إليه فلما هيأه لشقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه فقال عبد الله بن مسعود يا ليتني كنت صاحب الحفرة وكان المسلمون يقولون لا جهاد بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة مساجد في منازله معروقة إلى اليوم فأولها مسجد بثينة مدران ومسجد بذات الزراب ومسجد بالاخضر ومسجد بذات الخطمي ومسجد بذات البتراء ومسجد بالشق ومسجد بذي الجيفة
[ 100 ]
ومسجد بالصدر ومسجد وادى القرى ومسجد الرقعة ومسجد بذي مروة ومسجد بالفيفاء ومسجد بذي خشب ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان إذا قدم من سفر بدأ في المسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس فلما فعل ذلك جاء المخلفون فيهم كعب بن مالك ومراوة بن الربيع وهلال بن أمية وغيرهم فجعلوا يعتذرون إليه ويحلفون له وكانوا بضعة وثمانين رجلا فكان لاسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منهم على نيتهم ويكل سرائرهم إلى الله حتى جاء كعب بن مالك فسلم عليه فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم تبسم المغضب ثم قال له تعال فجاء كعب بن مالك يمشى حتى جلس بين يديه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما خلفك ألم تكن ابتعت ظهرك قال بلى يا رسول الله والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أنى سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدك وإن لي لسانا ولكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كاذبا لترضين به عنى وليوشكن الله أن يسخطك على ولئن حدثتك حديثا صادقا تجد على فيه وإني لارجو عقبى الله فيه لا والله ما كان لي عذر ووالله ما كنت قط
[ 101 ]
أقوى وأيسر منى حين تخلفت عنك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد صدقت قم قم حتى يقضى الله فيك فقام وثار معه رجال من بنى سلمة واتبعوه وقالوا ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ولقد عجزت أن لا تكون أعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أعتذر إليه المخلفون وقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك وجعلوا ينوبونه حتى أراد أن يرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكذب نفسه ثم قال لهم هل لقى هذا أحد غيرى قالوا نعم رجلان قالا مثل ما قلت وقال لهما مثل ما قال لك قال ومن هما قالوا مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفى ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلام هؤلاء الثلاثة فأما مرارة وهلال فقعدا في بيوتهما وأما كعب بن مالك فكان أشب القوم وأجلدهم وكان يخرج ويشهد الصلاة مع المسلمين ويطوف في الاسواق ولا يكلمه أحد وبأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ويقول في نفسه هل حرك شفتيه يرد السلام على أم لا ثم يصلى قريبا منه ويسارقه النظر فإذا أقبل كعب على صلاته
[ 102 ]
نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا التفت نحوه أعرض عنه حتى طال ذلك عليه من جفوة المسلمين ثم مر كعب تسور جدار أبى قتادة وهو بن عمه وأحب الناس إليه فسلم عليه فلم يرد عليه السلام فقال له يا أبا قتادة أنشدك الله هل تعلم أنى أحب الله ورسوله فسكت فعاد ينشده فسكت فعاد ينشده فقال الله ورسوله أعلم ففاضت عينا كعب ووثب قنسور الجدار ثم غدا إلى السوق فبينا هو يمشى وإذا نبطى من نبط الشام يسأل عنه ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة وهو يقول من يدل على كعب بن مالك فجعل الناس يشيرون إليه جاء كعبا فدفع إليه كتابا من مالك غسان في سرقة حرير فيه أما بعد فإنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك فلما قرأ كعب الكتاب قال وهذا من البلاء أيضا قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ثم عمد بالكتاب إلى تنور فسجره به ثم أقام عليه ذلك حتى إذا مضى أربعون ليلة أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك فقال كعب أطلقها أم ماذا قال بل أعتزلها ولا تقربها وأرسل
[ 103 ]
إلى مرارة وهلال بمثل ذلك فقال كعب لامرأته الحقى بأهلك فكوني عندهم حتى يقضى الله في هذا الامر ما هو قاض وجاءت امرأة هلال بن أمية فقالت يارسول الله إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع لا خادم له أفتكره أن أخدمه قال لا ولكن يقربنك قالت والله يا رسول الله ما به من حركة والله ما زال يبكى منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا والله لقد تخوفت على بصره فلبثوا بعد ذلك عشر ليال حتى كمل خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامهم فصلى كعب بن مالك الصبح على ظهر بيت من بيوته على الحال التي ذكر الله منه ضاقت عليه الارض برحبها وضاقت عليه نفسه إذ سمع صوت صارخ أوفى على سلعه يقول بأعلى صوته يا كعب بن مالك فخر كعب لله ساجدا وعرف أنه قد جاء الفرج وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله عليهم حين صلى الصبح ثم جاء كعبا الصارخ بالبشرى فنزع ثوبيه فكساهما إياه ببشارته واستعار ثوبين فلبسهما ثم انطلق يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاه الناس يتهنأونه بالتوبة ويقولون ليهنك توبة الله عليك حتى دخل المسجد
[ 104 ]
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس فقام إليه طلحة بن عبيد الله فحياه وهنأه فلما سلم كعب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجهه يبرق بالسرور أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك فقال كعب أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله قال بل من عند الله ثم جلس بين يديه فقال يا رسول الله إن من توبى أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسك عليك مالك فهو خير لك فقال إني ممسك سهمي الذي بخيبر ثم قال يا رسول الله إن الله قد نجاني بالصدق فان توبتي إلى الله أن لا أحدث إلا صدقا ما بقيت فتلا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والانصار إلى قوله ان الله هو التواب الرحيم ثم لاعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عويمر بن الحارث بن عجلان وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد
[ 105 ]
في شعبان وذلك أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لو أن أحدنا رأى امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فلم يجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان بعد ذلك أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول إن الذي قد سألتك عنه قد ابتليت به فأنزل الله هذه الآيات والذين يرمون ازواجهم حتى ختم الآيات فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصما فتلا عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال عاصم لا والذي بعثك ما كذبت عليها ثم دعا بامرأته فوعظها وذكرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قالت لا والذي بعثك بالحق فبدأ بعاصم فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وأمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده على فيه عند الخامسة وقال احذر فإنها موجبة ثم ثنى بأمرأته فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كانت من الصادقين ثم فرق بينهما وألحق الولد بالام وماتت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان وغسلتها صفية بنت عبد المطلب ونزل في حفرتها على والفضل وأسامة
[ 106 ]
وورد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير في رمضان مقرين بالاسلام فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب جوابهم وبعثه مع عمرو بن حزم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان أما بعد فقد رفع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله وما كتب الله على المؤمنين من العشر في العقار وما سقت السماء إذا كان سيحا أو بعلا ففيه العشر إذا بلغ خمسة أو سق وما سقى بالرشاء والدالية ففيه نصف العشر إذا بلغ خمسة أو سق وفى كل خمس من الابل سائمة شاة إلى أن تبلغ أربعا وعشرين فإذا زادت واحدة على أربع وعشرين ففيها ابنة مخاض فان لم توجد بنت مخاض فابن لبون ذكر إلى أن تبلغ خمسا وثلاثين فان زادت واحدة على خمس وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين فان زادت واحدة على خمس وأربعين ففيها حقه طروقة الجمل إلى
[ 107 ]
أن تبلغ ستين فان زادت على الستين واحدة ففيها جذعة إلى أن تبلغ خمسا وسبعين فان زادت واحدة على خمس وسبعون ففيها ابنتا لبون إلى أن تبلغ تسعين فان زادت واحدة على التسعين ففيها حقتان طروقتا الجمل إلى أن تبلغ عشرين ومائة فما زاد على عشرين ومائة ففي كل أربعين بين لبون وفى كل خمسين حقة طروقة الجمل وفى كل ثلاثين باقورة تبيع جذع أو جذعة وفى كل أربعين باقورة بقرة وفى كل أربعين شاة سائمة شاة إلى أن تبلغ عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين فان زادت واحدة فثلاث إلى أن تبلغ ثلاثمائة فان زادت ففي كل مائة شاة شاة ولا تؤخذ بالصدقة بهرمة ولا عجفاء ولا ذات عوار ولا تيس الغنم ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما أخذ من الخليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ففى كل أربعين درهما درهم وليس فيما دون خمس أواق شئ وفى كل أربعين دينارا دينارا وإن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لاهل بيته إنما
[ 108 ]
هي الزكاة يزكى بها أنفعهم في فقراء المؤمنين وفى سبيل الله وليس في رقيق ولا مزرعة ولا عمالها شئ إذا كانت تؤدى صدقتها من العشر وليس في عبد المسلم ولا فرسه شئ وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الاشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار في سبيل الله يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمى المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وإن العمرة هي الحج الصغر ولا يمس القرآن إلا طاهر ولا طلاق قبل إملاك ولا عتاق يبتاع ولا يصلين أحد منكم في ثوب واحد ليس على منكبية شئ ولا يحتبين في ثوب واحد ليس بين فرجه وبين السماء شئ ولا يصلين أحدكم في ثوب واحد وشقة باد ولا يصلين أحد منكم عاقصا شعره وإن من أعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فهو قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وإن في النفس الدية مائة من الابل وفى الانف إذا أوعب جدعه الدية وفى اللسان الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى البيضتين الدية وفى الذكر الدية وفى المأمومة ثلث الدية وفى الجائفة ثلث الدية
[ 109 ]
وفى الرجل الواحدة نصف الدية وفى الصلب الدية وفى العينين الدية وفى المنقلة خمسة عشر من الابل وفى السن خمس من الابل وفى الموضحة خمس من الابل وإن الرجل يقل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار فقرئ الكتاب على أهل اليمن ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن وذكر أنه صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ثم أقبل على الناس بوجهه فقال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب إلى اليمن فقام عمر بن الخطاب فقال أنا يا رسول الله فسكت عنه ثم قال يا معشر المهاجرين والانصار أيكم ينتدب إلى اليمن فقام معاذ بن جبل فقال أنا يا رسول الله فقال يا معاذ أنت لها يا بلال ائتنى بعمامتي فأتاه بعمامته فعمم بها رأسه ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والانصار يشيعون معاذا وهو راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى إلى جانب راحلته ثم قال يا معاذ أوصيك بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الامانة وترك الخيانة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وخفض الجناح وحفظ
[ 110 ]
الجار ولين الكلام ورد السلام والتفقة في القرآن والجزع من الحساب وحب الآخرة على الدنيا يا معاذ لا تفسد أرضا ولا تشتم مسلما ولا تصدق كاذبا ولا تكذب صادقا ولا تعص إماما وإنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوت في يومهم وليلتهم فإذا فعلوا ذلك فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لها يا معاذ إذا أحدثت ذنبا فأحدث له توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية يا معاذ يسر ولا تعسر واذكر الله عند كل حجر ومدر يشهد لك يوم القيامة يا معاذ عد المريض وأسرع في حوائج الارامل والضعفاء وجالس المساكين والفقراء وأنصف الناس من نفسك وقل الحق حيث كان ولا يأخذك في الله لومة لائم والقنى على الحال التي فارقتني عليها فقال معاذ بأبي وأمى أنت يا رسول الله لقد حملتني أمرا عظيما فادع الله لي على ما قلدتني عليه فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ودعه وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأصحابه ثم أردفه
[ 111 ]
بأبي موسى الاشعري فلما قدم صنعاء منبرها فحمد الله وأثنى عليه ثم قرأ عليهم عهد ثم نزل فأتاه صناديد صنعاء فقالوا يا معاذ هذا نزل قد هيأناه لك وهذا منزل قد فرغناه لك قال بهذا أوصاني حبيبي أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تأخذني بالله لومة لائم وخلع رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل من ماله لغلرمائه حيث اشتدوا عليه وبعثه إلى اليمن وقال لعل الله يجيرك وقدم وفد كلاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر نفر فيهم لبيد بن ربيعة ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية مع جماعة من العرب ليس فيهم من المهاجرين أحد ولا من الانصار إلى بنى تميم فأغار عليهم وسبى منهم النساء والولدان وأخذ منهم عشرين رجلا فقدم بهم المدينة
[ 112 ]
فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان منبرا فقام عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يؤيد حسانا بروح القدس فقال القوم شاعرهم أشعر من شاعرنا وخطيبهم أخطب من خطيبنا وقدم وفد الطائف ونزلوا دار المغيرة بن شعبة وطلبوا الصلح فأمر النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص أن يكتب لهم كتاب الصلح ومرض عبد الله بن أبى سلول في ليال بقين من شوال ومات في ذي القعدة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فلما مات جاء ابنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أعطني قميصك أكفنه فيه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصه وأتى قبره فصلى عليه فنزلت الآية ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره وقدم وفد بنى فزارة وهم بضعة عشر رجلا فيهم خارجة بن حصن
[ 113 ]
وقدم وفد بنى عذرة ثلاثة عشر رجلا ونزلوا على المقداد بن عمرو وفرض الله تعالى الحج على من استطاع إليه سبيلا فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر يحج بالناس من المدينة في ثلاثمائة نفس وبعث معه عشرين بدنة مفتولة قلائدها ففتلها عائشة بيدها وقلدها وأشعرها وساق أبو بكر لنفسه خمس بدنات وحج معه عبد الرحمن بن عوف فلما بلغ العرج وثوب بالصبح سمع أبو بكر خلفه رغوة وأراد أن يكبر الصلاة فوقف عن التكبير وقال هذه رغوة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجدعاء لقد بدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج فلعله أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصلى فإذا على عليها فقال أبو بكر أمير أم رسول فقال لا بل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرأة أقرأها على الناس في مواقف الحج فقدموا مكة فقرأ على الناس سورة براءة حتى ختمها فلما كان يوم عرفة قام أبو بكر فخطب الناس وعرفهم مناسكهم حتى إذا فرغ قام على فقرأها على الناس حتى ختمها فلما كان يوم النحر خطب أبو بكر الناس وحدثهم عن إفاضتهم
[ 114 ]
ونحرهم ومناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها لينبذ إلى كل حق حقه وذى عهد عهده وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فلما كان يوم النفر الاول قام أبو بكر وخطب الناس وحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون فعلمهم مناسكهم فلما فرغ قام على فقرأ على الناس براءة حتى ختمها ثم رجعوا إلى المدينة السنة العاشرة للهجرة حدثنا محمد بن إسحاق عن خزيمة ثنا محمد بن بشار ثنا أبو عامر ثنا قرة بن خالد عن أبى جمرة الضبعي قال قلت لابن عباس إن لي جرة ينيذ لي فيها أطلت الجلوس مع القوم خشيت أن
[ 115 ]
أفتضح من حلاوته قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مرحبا بالوفد غير خزايا ولا ندامى قالوا يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين من مضر وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم فحدثنا جمل من الامر إذا أخذنا به دخلنا الجنة وندعو إليه من وراءنا فقال آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع الايمان بالله وهل تدرون ما الايمان بالله فقالوا الله ورسوله أعلم قال شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن الخمس من المغنم وأنهاكم عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت قال في أول هذه السنة قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دنو من المدينة تركوا رواحلهم وبادروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزل عبد الله بن الاشبح العبدي فعقل راحلته ونزع ثيابه فلبسها ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والاناة سألوه عما ذكرنا
[ 116 ]
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن بيالوليد إلى بنى عبد المدان في شهر ربيع الاول وهم بنو تالحارث بن كعب وأسلموا وأخذ الصدقة من أغنيائهم وردها على فقرائهم ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن حزم عاملا على نجران فخرج وأقام عندهم يعلمهم السنة ومعالم الاسلام إلى أن توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على نجران وقدم عدى بن حاتم الطائي ومعه صليب من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله وقدم بعده وفد طئ فيهم زيد الخيل وهو رأسهم ثم قدم جرير بن عبد الملك البجلي فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هدم ذي الخلصة فهدمها
[ 117 ]
ثم قدم وفد الازد رأسهم صرد بن عبد الله في بضعة عشر رجلا وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جرش فافتتحها وكان عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم وولد محمد بن عمرو بن حزم بنجران فكتب عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأخبره أنه سماه محمد وكناه أبا سليمان وقدم وفد سلامان وهم سبعة نفر رأسهم حبيب السلامانى وقدم وفد بنى حنيفة فيهم مسيلمة فقال محمد إن جعلت لي الامر بعدك آمنت بك وصدقتك وفى بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جريدة فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو سألتنى هذه الجريدة ما أعطيتكها ولن تعدو أمر الله فيك ولئن أدبرت ليعقرنك الله إني لارااك الذي أريت وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمنى شأنهما فأوحى إلى في المنام أن انفخهما فنفختهما فطارا فأولتهما الكذابين أحدهما العنسى ولآخر
[ 118 ]
مسيلمة صاحب اليمامة وقدم وفد غسان ووفد عبس ووفد كندة ووفد محارب ووفد خولان وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم عليه الوفود لبس أحسن ثيابه وأمر أحبابه بذلك وقدم وفد مراد رأسهم فروة بن مسيك المرادي واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراد ومذحج وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد على الصدقات إليهم وكتب لهم كتابا بذلك ودخل أبو ذر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وحده فقال يا أبا ذر إن للمسجد تحية قال وما تحيته يا رسول الله قال ركعتان فقام فركعهما ثم قال إنك أمرتنى بالصلاة فما الصلاة قال خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر فقال يا رسول الله أي الاعمال أحب إلى الله قال إيمان بالله وجهاد في سبيله قال فأى المؤمنين أكملهم ايمانا قال أحسنهم خلقا قال
[ 119 ]
فأى المسلمين أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه ويده قال فأى الهجرة أفضل قال من هجر السوء قال فأى الليل أفضل قال جوف الليل الغاير قال فأى الصلاة أفضل قال طول القنوت قال فأى الرقاب أفضل قال أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قال فأى الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأهريق دمه قال فأى الصدقة أفضل قال جهد من مقل إلى فقير في سر قال فما الصوم أفضل قال فرض مجزى وعند الله أفضل قال قال آية الكرسي قال يا رسول الله كم النبيون قال مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي قال كم المرسلون منهم قال ثلاثمائة وثلاثة عشر جما غفيرا قال من كان أول الانبياء قال آدم قال وكان من الانبياء مرسلا قال نعم خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم سواه وكله قبلا قال يا أبا ذر أربعة من الانبياء سريانيون آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بالقلم ونوح وأربعة من العرب هود وصالح وشعيب ونبيك محمد وأول الانبياء آدم وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم وأول نبي من الانبياء بنى إسرائيل موسى وآخرهم عيسى وبينهما ألف نبي
[ 120 ]
قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كم أنزل الله من كتاب قال مائة كتاب وأربعة كتب أنزل على شيث خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وأنزل على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والانجيل والزبور والفرقان قال يا رسول الله فما كانت صحف إبراهيم قال كانت أمثالا كلها أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فأنى لا أراها ولو كانت من كافر وعلى العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه وساعة سحاسب فيها نفسه وساعة يتفكر فيها في صنع الله عزوجل وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال فان هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه فإنه من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث مرمة لمعاش وتزود لمعاد وتلذذ في غير محرم وقال
[ 121 ]
يا رسول الله فما كانت صحف موسى قال كانت عبرا كلها عجبت لمن أيقن بالموت ثم يفرح وعجبت لمن أيقن بالقدر ثم ينصب وعجبت لمن أيقن بالحسان غدا ثم لا يعمل قال هل أنزل الله عليك شيئا مما كان في صحف إبراهيم ومويى قال يا ظأبا ذر تقرأ قد أفلح من تزكى وذكر أسم ربه فصلى قال يا رسول الله أوصني قال أوصيك بتقوى الله فإنه زين لامرك قال زدني قال عليك بطول الصمت فإنه مطردة للشيطان عنك وعون لك على أمر دينك وإياك والضحك فإنه يميت القلوب ويذهب نور الوجه قال زدني قال أحب المساكين ومجالستهم قال زدني قال قل الحق ولو كان مرا قال زدني قال لا تخف في الله لومة لائم قال زدني قال ليحجزنك عن الناس ما تعلم من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي ثم قال يا أبا ذر كفى للمرء غيا أن يكون فيه خصال يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ويتجسس لهم ما هو فيه ويؤذى جليسه فيما لا يعنيعه يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق
[ 122 ]
ثم بعث على رضي الله تعالى عنه سرية إلى اليمن في شهر رمضان قال يا رسول الله كيف أصنع قال إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلونك فان قاتلوك فلا تقاتلهم حتى يقتلوا منكم قتيلا فلا تقاتلوهم حتى تروهم أناة فإذا أتيتهم فقل لهم هل لكم إلى أن تخرجوا من أموالكم صدقة فتردونها على فقرائكم فان قالوا نعم فلا تبغ منهم غير ذلك ولان يهدي الله الله على يديك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستوي القعدون من المؤمنين والمجهدون فجاء عبد الله بن أم مكتوم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحب الجهاد في سبيل الله ولكن بي ما ترى قد ذهب بصرى قال زيد بن ثابت فثقلت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها ثم قال غير أولى الضرر وقدم العاقب والسيد من نجران فكتب لهم رسول الله صلى الله
[ 123 ]
عليه وسلم كتابا صالحهم عليه فهو في أيديهم إلى اليوم وقالا يا رسول الله أبعث علينا رجلا أمينا نعطه ما سألتنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لابعثن لكم رجل أمينا حق أمين فاستشرف لها الناس فبعث أبا عبيدة عامر بن الجراح ومات أبو عامر الراهب عند هرقل فاختلف كنانة بن عبد ياليل وعلقمة بن علانة في ميراثه فقضى برسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة بن عبد ياليل وقدم الاشعث بن قيس وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه فبعث معه رسول الله صلى الله عليه وسلم زياد بن لبيد البياضي إلى البحرين ليأخذ منهم الصدقات وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا مع أصحابه إذ طلع عليهم رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منهم أحد حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فوضع
[ 124 ]
ركبته إلى ركبته ووضع كفه على فخذه ثم قال يا محمد أخبرني عن الاسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت فعجب المسلمون منه يسأله ويصدقه ثم قال أخبرني عن الايمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت قال أخبرني عن الاحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فإنه يراك قال فاخبرني عن الساعة قال ما المسؤل عنها بأعلم بها من السائل قال فاخبرني عن أمارتها قال أن تلد الامة ربتها وأن ترى الحفاة العراة يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحج حجة الوداع فأذن في الناس أنه خارج فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى ذا الحليفة فولدت أسماء بنت
[ 125 ]
عميس محمد بن أبى بكر فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف أصنع قال أغتسلي واستثفرى بثوب أخرى ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وأمر ببدنة أن تشعر وسلت عنها الدم ثم ركب القصواء فلما استوت به ناقته على البيداء أهل وإن بين يديه وخلفه وعن يمينه ويساره من الناس ما بين راكب وماش ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم فأهل لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وأهل الناس معه فمنهم من أهل مفردة ومنهم من أهل قارنا حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من الثنية فلما دخل مكة توضأ إلى الصلاة ثم دخل من باب بنى شيبة فلما أتى الحجر استلمه ورمل ثلاثا ومشى أربعا ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وجعل المقام بينه وبين البيت وصلى ركعتين قرأ فيهما قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه ثم خرج من البا إلى الصفا فلما رقى على لصفا والمروة من شعائر الله وقال أبدأ بما بدأ الله فلما رقى عليها ة رأى البيت استقبل القبلة قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحده أنجز وعده وهزم الاحزاب وحده قال ذلك ثلاث مرات فلما نزل إلى المروة حتى انصبت قدماه في بطن الوادي
[ 126 ]
خب حتى إذا صعد مشى فلما أتى المروة صعد عليها وفعل عليها ما فعل على الصفا حتى إذا كان آخر طواف على المروة فقال لو استقبلت ما استدبرت لم اسق الهدى ولجعلتها عمرة فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة فقال سراقة بن مالك بن جعشم يا رسول الله لعامنا هذا أو للابد فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه وقال دخلت العمرة في الحج مرتين لا بل للابد وقدم على من اليمن فوجد فاطمة قد لبست ثياب صبع واكتحلت فأنكر ذلك عليها فقالت أبى أمرني بهذا ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بم فرضت الحج قال قلت اللهم إني أهل بما أهل به رسولك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان معي الهدى فلا تحل فكان الهدى الذي قدم به على بن أبى طالب من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم مائه فحل الناس وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدى واعتل سعد بن أبى وقاص فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى سعد فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك فقال خشيت أن أموت بالارض التي هاجرت منها كما مات سعد بن
[ 127 ]
خولة فقال النبي صلى الله عليه وسلم للهم اشف سعدا ثلاثا فقال يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وأنعما ومورثتي بنت للا واحدة أفأوصى بمالى كله قال لا قال فالنصف قال لا قال الثلث قال الثل والثلث كثير إنك إن صدقت مالك صدقة وإن نفقتك على عيالك صدقة وما تأكل امرأتك من طعامك صدقة وأن تدع أهلك بخير خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس اللهم أمض لاصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة فلما كان يوم التروية توجهوا إلى منى وأهل الناس بالحج فصلى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له فضربت له بنمرة ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فلما أتى بطن الوادي خطب الناس وقال في خطبته إن دماءكم وأموالكم لكم حرام كحرمة
[ 128 ]
يوكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع ودماء الجاهلية موضوعة فاتقوا الله في النساء فانكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فماذا أنتم قائلون قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء اللهم اشهد ثم أذن وأقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم صل بينهما شيئا ثم ركب حتى أتى الموقف فجعل بطن القصواء إلى الصخرة وجعل جبل الشاة بين يديه واستقبل القبلة فلم يزل واقفا والمسلمون معه حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلا ثم أردف أسامة بن زيد خلفه ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شفق للقصواء الزمام ويقول بيده اليمنى أيها الناس السكينة كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد فلما أتى المزدلفة صلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم اضطجع حتى طلع الفجر وصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل
[ 129 ]
القبلة ودعا وكبر وهلل ثم لم يزل واقفا حتى أسفر جدا ثم دفع قبل أن تطلع الشمس وأردف الفضل بن عباس حتى أتى محسر فسلك الطريق الوسطى التي تخرج إلى الجمرة الكبرى فلما أتى الجمرة رماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة رماها من بطن الوادي بمثل حصى الخذف ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستن بدنة بيده ثم أعطى فنحر ما غبر منها وأشركه في هديه وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها ثم ركب رسول الله صلى الله عله وسلم القصواء فأتى البيت فطاف طواف الزيارة ثم قال يا بنى عبد المطلب انزعوا فلولا أن يغلبكم الناس لنزعت منكم فناولوه دلوا من زمزم فشرب منه ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى منى وصلى الظهر بها ثم أقام بها أيام منى ثم ودع البيت وخرج إلى المدينة حتى دخلها والمسلمون معه فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وبعض صفر (0) ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو يعلى حدثنا أحمد بن جميل المروزي ثنا عبد الله بن المبارك
[ 130 ]
أنا معمر عن يونس عن الزهري أخبرني أنس بن مالك أن المسلمين بينما هم في صلاة الفجر يوم الاثنين وأبو بكر يصلى لهم لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم وهم صفوف في صلاتهم ثم تبسم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه فأشار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اقضوا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر بينه وبينهم وتوفى في ذلك اليوم قال أول ما اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ذلك يوم الاربعاء لليلتين بقيتا من صفر وهو في بيت ميمونة حتى أغمى عليه من شدة الوجع فاجتمع عنده نسوة من أزواجه والعباس بن عبد المطلب وأم سلمة وأسماء بنت عميس الخثعمية وهى أم عبد الله بن جعفر وأم الفضل بنت الحارث وهى أخت ميمونة فتشاوروا في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أغمى عليه فلدوه وهو مغمر فلما أفاق قال من فعل بي هذا قالوا يا رسول الله عمك العباس قال هذا عمل
[ 131 ]
نساء جئن من ههنا وأشار إلى أرض الحبشة فقالوا يا رسول الله أشفقن أن يكون بك ذات الجنب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان الله ليعذبني بذلك الداء ثم قال لا يبقين أحد في الدار إلا لد إلا العباس فلما ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم العلة استأذنت عائشة أزواجه أن تمرضه في بيتها فأذن لها فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين رجلين تخط رجلاه في الارض بين عباس وعلى حتى دخل بيت عائشة فلما دخل بيتها اشتد وجعه فقال أهريقوا على من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن لعلي أعهد إلى الناس فأجلسوه في مخضب لحفصة ثم صب عليه من تلك القرب حتى جعل يشير إليهن بيده أنن قد فعلتن ثم قال ضعوا لي في المخضب ماء ففعلوا فذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق قال ضعوا لي في المخضب ماء ففعلوا ثم ذهب لينوء فأغمى عليه فأفاق وقال أصلى الناس يعد فقالوا لا يا رسول الله وهم ينتظرونك والناس عكفون ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى بهم العشاء الآخرة فقال مروا أبا بكر أن يصلى بالناس فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إذا قام مقامك بكى فقال مروا أبا بكر يصلى بالناس ثم أرسل إلى أبى بكر فأتاه الرسول فقال
[ 132 ]
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلى بالناس فقال أبو بكر يا عمر صل بالناس فقال أنت أحق إنما أرسل إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم أبو بكر تلك الايام ثم وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فخرج لصلاة الظهر بين العباس وعلى وقال لهما أجلساني عن يساره فكان أبو بكر يصلى بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس والناس يصلون بصلاة أبى بكر ثم وجد خفة صلى الله عليه وسلم فخرج فصلى خلف أبى بكر قاعدا في ثوب واحد ثم قام وهو عاصب رأسه بخرقة حتى صعد المنبر ثم قال والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة ثم قال إن عبدا عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة فلم يفطن لقوله إلا أبو بكر فذرفت عيناه وبكى وقال بأبي وأمى نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمن الناس على في بدنه ودينه وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الاسلام سدجوا كل خوخة في المسجد إلا خوخة أبى بكر ثم نزل ودخل البيت وهى آخر خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 133 ]
فلما كان يوم الاثنين كشف الستارة من حجرة عائشة والناس صفوف خلف أبى بكر وكأن وجهه ورقة مصحف فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليهم أن مكانكم وألقى السجف وتوفى آخر ذلك اليوم وكان ذلك اليوم لاثنتي عشرة خلون من شهر ربيع الاول وكان مقامه بالمدينة عشر حجج سواء وكانت عائشة تقول توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ويومى وبين سحري ونحرى وكان أحدنا يدعو بدعاء إذا مرض فذهبت أعوذ فرفع رأسه إلى السماء وقال في الرفيق الاعلى ومر عبد الرحمن بن أبى بكر وفى يده جريدة خضراء رطبة فنظر إليه فظننت أن له بها حاجة فأخذتها فمضغت رأسها ثم دفعتها إليه فاستن بها ثم ناولنيها وسقطت من يده فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة وكان أبو بكر في ناحية المدينة فجاء فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى فوضع فاه على جبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل يقبله ويبكى ويقول بأبي وأمى طبت حيا وطبت ميتا فلما خرج ومر بعمر بن الخطاب وعمر يقول ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يموت حتى يقتل المنافقين ويخزيهم وكانوا قد
[ 134 ]
رفعوا رؤوسهم لما رأوا أبا بكر فقال أبو بكر أيها الرجل أربع على نفسك فان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ألم تسمع الله يقول انك ميت وانهم ميتون وقال وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد افائن مت فهم الخلدون ثم أتى أبو بكر المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إن كان محمد الهكم الذي تعبدونه فان إلهكم قد مات وإن كان إلهكم الذي في السماء فان إلهكم لم يمت ثم تلا وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افائن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم حتى ختم الآية وقد استيقن المؤمنون بموت محمد صلى الله عليه وسلم وقد كان لعبد المطلب بن هاشم من الاولاد ستة عشر ولدا عشرة ذكور منهم تسعة عمومة رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد والد رسول الله صلى الله عليه وسلم وست من الاناث عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما أولاد عبد المطلب الذكور منهم عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم والزبير بن عبد المطلب وأبو طالب بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب وضرار بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب والمقوم بن عبد المطلب وأبو لهب بن عبد المطلب والحارث بن عبد المطلب والغيداق بن عبد المطلب
[ 135 ]
فأما عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن له ولد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ذكر ولا أنثى وتوفى قبل أن يولد رسول صلى الله عليه وسلم وأما الزبير بن عبد المطلب فكنيت أبو الطاهر من أجلة القريش وفرسانها من المبارزين وكان متعالما يقول الشعر فيجيد وأما أبو طالب بن عبد المطلب فان اسمه عبد مناف وكان هو و عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم لام واحدة وكان أبو طالب وصى عبد المطلب لابنه في ماله بعده وفى حفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعهده على من كان يتعهده عبد المطلب في حياته ومات أبو طالب قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين وأربعة أشهر وأما العباس فكنيته أبو الفضل وكان إليه السقاية وزمزم في الجاهلية فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دفعها إليه يوم الفتح وجعلها إليه ومات العباس بن عبد المطلب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وأما ضرار فإنه كان يقول الشعر ويجيده ومات قبل الاسلام ولا عقب له
[ 136 ]
وأما خمزة فكنيته أبو يعلى وقد قيل أبو عمارة واستشهد يوم أحد قتلة وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم في شوال سنة ثلاث من الهجرة وكان حمزة أكبر من النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأما المقوم فكان من رجالات قريش وأشدائها هلك قبل الاسلام ولم يعقب وأما أبو لهب فان اسمه عبد العزى وكنيته أبو عتبة وإنما كنى أبا لهب لجماله وكان أحول يعادى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين عمومته ويظهر له حسده إلى أن مات عليه وأما الحارث وهو أكبر ولد عبد المطلب اسمه كنيته وهو ممن شهد حخفر زمزم مع عبد المطلب قديما وأما الغيداق فإنه كان من أسد قريش وأجلادها مات قبل الوحي ولم يعقب وأما بنات عبد المطلب فان إحداهن عاتكة بنت عبد المطلب وأميمة بنت عبد المطلب والبيضاء وهى أم حكيم وأروى بنت عبد المطلب وصفية بنت عبد المطلب وبرة بنت عبد المطلب وأما عاتكة فانها كانت عند أبى أمية بن المغيرة المخزومي
[ 137 ]
وأما أميمة فانها كانت عند جحش بن رئاب الاسدي وأما البضاء فانها كانت عند كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأما صفية فكانت عند العوام بن خويلد بن أسد وأما برة فانها كانت عند عبد الاسد بن هلال المخزومي وأما أروى فكانت عند عمير بن عبد مناف بن قصي ولم يسلم من عمات النبي صلى الله عليه وسلم إلا صفية وهى والدة الزبير بن العوام وتوفيت صفية في خلافة عمر بن الخطاب فهذا ما يجب أن يعلم من ذكر عمات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم فان رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلم تزوج خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بمكة قبل الوحي ورسول الله صلى الله عليه وسلم بن خمس وعشرين سنة وكانت خديجة قبله تحت عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وولد له منها أولاده إلا إبراهيم وتوفيت خديجة بمكة قبل الهجرة
[ 138 ]
ثم تزوج بعد موت خديجة سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي وأمها الشموس بنت قيس بن زيد بن عمرو بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمها وقدان بن عبد شمس وكانت قبل ذلك تحت السكران بن عمرو أخى سهيل بن عمرو من بنى عامر بن لؤي وكانت امرأة ثقيلة ثبطة وهى التي وهبت يومها لعائشة وقالت لا أريد مثل ما تريد النساء وتوفيت سودة سنة خمسين ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبى بكر بن أبى قحافة الصديق في شوال وهى بنت ست وبنى بها وبنت تسع بعد الهجرة وتوفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة سبع وخمسين وصلى عليها أبو هريرة ودفنت بالبقيع ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب في شعبان أمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن
[ 139 ]
جمح وكانت قبل ذلك تحت خنيس بن حذافة بن قيس وذلك في سنة ثلاث من الهجرة وتوفيت حفصة بنت عمر سنة خمس وأربعين ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السنة في شهر رمضان زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة التي يقال لها أم المساكين وكانت قبله تحت الطفيل بن الحارث وهى أول من لحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم من نسائه ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة من الهجرة أم سلمة بنت أبى أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمربن مخزوم وماتت أم سلمة سنة تسع وخمسين ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة خمس زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة وكانت قبل ذلك عند زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت زينب هذه سنة عشرين ثم اصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب في سنة سبع وهى من بنى إسرائيل وكانت قبله عند كنانة بن أبى الحقيق سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاصطفاها وكانت ممن اصطفاها
[ 140 ]
وأعتقها وتزوج بها وماتت صفية بنت حيي سنة خمسين ثم تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر هذه السنة أم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش وكانت بأرض الحبشة مع زوجها مهاجرة فمات زوجها عبيد الله بن جحش فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطبها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان وليها في تلك الناحية إذ كان سلطانا ولم يكن ولى بتلك الناحية والسلطان ولى من لا ولى له وكان الذي تولى الخطبة عليها والسعى في أمرها سعيد بن العاص وكان وليها حينئذ بالبعد فخرجت أم حبيبة مع جعفر بن أبى طالب من أرض الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وماتت أم حبيبة سنة أربع وأربعين وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهرم بن رويبة بن عبد الله بن عامر بن صعصعة وكانت قبله تحت أبى رهم بن عبد العزى من بنى عامر بن لؤي وماتت ميمونة سنة ثمان وثمانين وهى خالة عبد الله بن عباس لان أم عباس أم الفضل
[ 141 ]
أخت ميمونة وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبى ضرار المصطلقية وكانت قبله عند صفوان بن تميم سباها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بنى المصطلق فصارت لثابت بن قيس بن الشماس فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها وتوفيت جويرية في شهر ربيع الاول سنة ست وخمسين فصلى عليها مروان بن الحكم وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية ولم يدخل بها ثم طلقها وردها إلى أهلها وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة بنت يزيد الكلابية وطلقها قبل أن يدخل بها وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابية فاستعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تعوذت بعظيم فالحقي بأهلك وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت عمرو القرظية
[ 142 ]
فرأى بها بياضا قدر الدرهم ثم طلقها ولم يدخل بها فماتت بعد ذلك بأربعة أشهر وقد أعطى المقوقس ملك الاسكندرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم جارية يقال لها مارية القبطية فأولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم ابنه وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا يوم خرج وعنده تسع نسوة عائشة بنت أبى بكر الصديق وحفصة بنت عمر بن الخطاب وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس وأم حبيبة بنت أبى سفيان بن حرب وزينب بنت جحش بن رئاب وأم سلمة بنت أبى أمية بن المغيرة و وميمونة بنت الحارث بن حزن وجويرية بنت الحارث بن أبى ضرار وصفية بنت حيي بن أخطب وأما أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم كلهم من خديجة بنت خويلد بن أسد إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية وأما أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأولهم عبد الله وهو أكبرهم والطاهر والطيب والقاسم وقد قيل إن عبد الله هو الطاهر وهو أول مولود ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قالت قريش صار محمد أبتر لان ابنه توفى أنزل الله إن شانئك هو الابتر
[ 143 ]
وبنات رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة فأما زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبى العاص بن الربيع فولدت له أمامة بنت أبى العاص وهى التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى وهو رافعها على عاتقه فإذا ركع وضعها وإذا قام رفعها وماتت أمامة ولم تعقب وأما رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت عند عتبة بن أبى لهب وأما أم كلثوم فكانت عند عتيبة بن أبى لهب فلما نزلت تبت يدا أبى لهب أمرهما أبوهما أن يفارقاهما وحينئذ لم يحرم الله تزويج المسلمين من نساء المشركين ولا حرم على المسلمات أن يتزوجهن المشركون ثم حرم الله ذلك على المسلمين والمسلمات ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم رقية بنته عثمان بن عفان ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة وخرجت معه إلى أرض الحبشة وولدت له هناك عبد الله بن عثمان وبه يكنى عثمان ثم توفيت
[ 144 ]
رقية عند عثمان بن عفان مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر ودفنت بالمدينة وذلك أن عثمان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في التخلف عند خروجه إلى بدر لمرض ابنته رقية وتوفيت رقية يوم قدوم زيد بن حارثة العقيلي من قبل يوم بدر ثم زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ابنته أم كلثوم فماتت ولم تلد وزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة على بن أبى طالب بالمدينة فولدت من على الحسن والحسين ومحسنا وأم كلثوم وزينب ليس لعلي من فاطمة إلا الخمس فأما أم كلثوم فزوجها على من عمر فولدت لعمر زيدا ورقية وأما زيد فأتاه حجر فقتله وأما رقية بنت عمر فولدت لابراهيم بن نعيم بن عبد الله النحام جارية فتوفيت ولم تعقب وأما زينب بنت على فولدت لعبد الله بن جعفر بن أبى طالب جعفرا وكان يكنى به الاكبر وأم كلثوم وأم عبد الله وكان ولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصدقات حتى
[ 145 ]
توفى عدى بن حاتم على قومه ومالك بن نويرة على بنى الحنظلة وقيس بن عاصم على بنى منقر والزبرقان بن بدر على بنى سعد وكعب بن مالك بن أبى القيس على أسلم وغفار وجهينة والضحاك بن سفيان على بنى كلاب وعمرو بن العاص على عمان والمهاجر بن أبى أمية على صنعاء وزياد بن لبيد على حضرموت ذكر وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا عمر بن سعيد بن سنان الطائي يخبر بإسناد ليس له في القلب وقع ثنا سفيان بن وكيع بن الجراح ثنا جميع بن عمر بن عبد الرحمن العجلي أملاه علينا من كتابه ثنا رجل من بنى تميم من ولد أبى هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن بن لابي هالة عن الحسن بن على قال سألت خالي هند بن أبى هالة وكان وصافا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم وأنا اشتهى أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخما مفخما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب
[ 146 ]
سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم أشنب مفلج الاسنان دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجرى كالخط عرى اليدين والبطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين والمنكبين وأعالى الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائر أو سائل شك بن سعيد الاطراف خمصان الاخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا زال زال قلعا يخطو تكيفا ويمشى هونا ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعا خافض الطرف نظره إلى الارض أكثر من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه يبدأ من لقى بالسلام قال قلت صف لي منطقه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الاحزان دائم الفكرة ليست له راحة طويل السكت
[ 147 ]
لا يتكلم في غير حاجة يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم فضل لا فضول ولا تقصير دمث ليس بالجافى ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت لا يذم شيئا غير أنه لا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها فإذا نوزع الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر لا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث اتصل بها فضرب براحته اليمنى باطن كفه اليسرى وإذا غضب أعرض وأشاح وإذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم ويفتر عن مثل حب الغمام قال الحسن فكتمها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبق إليه وسأله عما سألته قال الحسين فسألت أبى عن دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك كان إذا أوى إلى منزله جزأ نفسه ثلاثة أجزاء جزء لله وجزءا لاهله وجزءا لنفسه ثم جزأ جزءا بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئا وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بأذنه
[ 148 ]
وقسمه على قدر فضلهم في الديم فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم وإلا معه من مسألتهم يلائمهم ويخبرهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد منكم الغائب وأبلغوا في حاجة من لا يستطيع إبلاغها فان من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع ابلاغها يثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون روادا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أذلة قال فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال كان يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم القوم ويوليه عليهم ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يظهر على أحد بسره ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه معتدل الامر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكل حال عنده عتاد ولا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة
[ 149 ]
وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مؤاساة ومؤازرة قال فسألته عن مجلسه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر لا يوطن الاماكن وينهى عن إيطانها وإذا جلس إلى قوم جلس حيث انتهى المجلس ويأمر بذلك ويعطى كل جلسائه نصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه من جالسه أو قاومه لحاجة صابرة حتى يكون هو المتصرف ومن سأله عن حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطة وخلقة فصار للناس أبا وصاروا في الحق عنده سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع يه الاصوات ولا تؤبن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون الكبير ويرحمون الصغير ويؤثرون ذوى الحاجة ويحفظون الغريب قال فسألته عن سيرته في جلسائه فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مزاح يتغافل عما لا يشتهى
[ 150 ]
ولا يؤنس معه ولا يخيب فئة قد نزه نفسه من ثلاث كان لا يذم أحدا ولا يعيره ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث من تكلم صمتوا له حتى يفرغ جل حديثه عندهم حديث أوليهم يضحك مما يضحكون منه يتعجب مما يعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه حتى أن كان أصحابه يستجلبونهم ويقول إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فارفدوه ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوره فيقطعه بنهي أو قيام قال وسألته كيف كان سكوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كان سكوته على أربعة على الحلم والحذر والتقدير والتفكر فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى وجمع له الحلم في الصبر فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه وجمع له الحذر في أربعة أخذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح ليتناهى عنه وإجهاده الرأي فيما يصلح أمته والقيام فيما يجمع لهم فيه
[ 151 ]
خير الدنيا والآخرة قال أبو حاتم قد ذكر جمل ما يحتاج إليه من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه وأيامه وهجرته إلى أن قبضه الله إلى جنته ثم إنا ذاكرون بعده الخلفاء الاربعة بأيامهم وجمل ما يحتاج إليه من أخبارهم ليكون ذلك طريقا للمتأسين بهم إذ المصطفى صلى الله عليه وسلم أمر بذلك الحديث حيث قال عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وعضوا عليها بالنواجد وإياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة جعلنا الله وإياكم من المتبعين لسنته المبادرين إلى لزوم طاعته إنه الفعال لما يريد بكم آخر مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه ويتلوه كتاب الخلفاء إن شاء الله تعالى استخلاف أبى بكر بن أبى قحافة الصديق رضي الله تعالى عنه قال الشيخ أبو حاتم محمد بن حبان أبو أحمد النميمى واسمه عبد الله ولقبه عتيق واسم أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان وأم أبى بكر أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب أخو عمرو بن
[ 152 ]
كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن لؤي بن غالب أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة اللخمي بعسقلان ثنا محمد بن المتوكل ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن بن عباس قال كنت عند عبد الرحمن بن عوف في خلافة عمر بن الخطاب فلما كان في آخر حجة حجها عمر أتاني عبد الرحمن بن عوف في منزلي عشاء فقال لو شهدت أمير المؤمنين اليوم وجاءه رجل وقال يا أمير المؤمنين إني سمعت فلانا يقول لو مات أمير المؤمنين لبايعت فلانا فقال عمر إني لقائم العشية في الناس ومحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغتصبوا المسلمين أمرهم فقلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وإنهم الذين يغلبون على مجلسك وإني أخشى أن تقول فيهم اليوم مقالة لا يعونها ولا يضعونها مواضعها وأن يطيروا بها كل مطير ولكن أمهل يا أمير المؤمنين حتى تقدم المدينة فانها دار السنة ودار الهجرة فتخلص بالمهاجرين والانصار وتقول ما قلت متمكنا فيعون مقالتك ويضعونها مواضعها قال عمر أما والله لاقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة قال بن عباس فلما قدمنا المدينة وجاء يوم الجمعة هجرت لما حدثني عبد الرحمن بن عوف فوجدت سعيد بن زيد بن نفيل قد سبقني بالهجرة جالسا إلى جنب المنبر فجلست إلى جنبه تمس ركبتي ركبته فلما زالت الشمس خرج علينا عمر فقلت وهو مقبل أما والله
[ 153 ]
ليقولن اليوم أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالة لم يقل عليه أحد قبله قال فغضب سعيد بن زيد فقال وأي مقال يقول لم يقل قبله فلما ارتقى عمر المنبر أخذ المؤذن في أذانه فلما فرغ من أذانه قام عمر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فانى أريد أن أقول مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدرى لعلها بين يدي أجلى فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث تنتهى به راحلته ومن خشي أن لا يعيها فانى لا أحل لاحد أن يكذب على إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب وكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم رجمنا بعده وإني خائف أن يطول بالناس زمان فيقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم على من أحصن إذا زنى وقامت عليه البينة أو كان الحمل أو الاعتراف ثم إنا قد كنا نقرأ ولا ترغبوا عن ابائكم ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطرونى كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فانما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله ثم إنه بلغني أن فلانا منكم يقول لو قد مات أمير المؤمنين لقد بايعت فلانا فلا يغتر امرؤ أن يقول إن بيعة أبى بكر كانت فلتة فد كانت كذلك ألا وإن الله وقى شرها ودفع عن الاسلام والمسلمين ضرها وليس فيكم من تقطع إليه الاعناق مثل أبى بكر وإنه كان من خيرنا حين توفى
[ 154 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عليا والزبير ومن تبعهما تخلفوا عنا في بيت فاطمة وتخلفت عنا الانصار في سقيفة بنى ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبى بكر فقلت يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الانصار فانطلقنا نؤمهم فلقين رجلين صالحينن من الانصار شهدا بدرا فقالا أين تريدون يا معشر المهاجرين قلنا نريد إخوننا هؤلاء الانصار قالا فأرجعوا فأمضوا أمركم بينكم فقلت والله لنأتينهم فأتيناهم فإذا هم مجتمعون في سقيفة بنى ساعدة بين أظهرهم رجل مزمل قلت من هذا قالوا سعد بن عبادة قال قلت ما شأنه قالوا وجع فقام خطيب الانصار فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فنحن الانصار وكتيبة الاسلام وأنتم يا معشر قريش رهط منا وقد دفت إلينا دافة منكم وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا بأمر دوننا وقد كنت زورت في نفسي مقالة أريد أن أقوم بها بين يدي أبى بكر وكنت أدارئ من أبى بكر بعض الحد وكان أوقر منى وأحلم فلما أردت الكلام قال على رسلك فكرهت أن أغضبه فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ووالله ما ترك كلمة قد كنت زورتها إلا جاء بها أو بأحسن منها في بديهته ثم قال أما بعد وأما ما ذكرتم فيكم من خير يا معشر الانصار
[ 155 ]
فأنتم له أهل ولم تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب داراونسا ولقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم وأخذ بيدى ويد أبى عبيدة بن الجراح فوالله ما كرهت مما قال شيئا غير هذه الكلمة كنت لان أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى أثم أحب إلى من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر فلما قضى أبو بكر مقالته قام رجل من اأنصار فقال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش وإلا أجلنا الحرب فيما بيننا وبينكم خدعة قال معمر فقال قتادة قال عمر فإنه لا يصلح سيفان في غمد ولكن منا الامراء ومنكم الوزراء قال معمر عن الزهري في حديثه فارتفعت الاصوات بيننا وكثر اللغط حتى اشفقت الاختلاف فقلت يا أبا بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعه الانصار قال ونزونا على سعد بن عبادة حتى قال قائل منهم قتلتم سعدا قال قلت قتل الله سعدا وأنا والله ما رأينا فيما حضرنا أمرا كان أقوى من مبايعة أبى بكر
[ 156 ]
خشينا أن فارقنا القوم أن يحدثوا بعدنا بيعة فاما أن نتابعهم على ما لا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فسادا فلا يغرن امرأ يقول كانت بيعة أبى بكر فلتة وقد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها وليس فيكم من يقطع إليه الاعناق مثل أبى بكر فمن بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فإنه لا يبايع هو ولا الذي بايعه بعده قال الزهري وأخبرني عروة أن الرجلين الذين لقياهما من الانصار عويم بن ساعدة ومعن بن عدى والذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب الحباب بن المنذر قال أبو حاتم نظر المسلمون إلى أعظم أركان الدين وعماد الاسلام للمؤمنين فوجدوها الصلاة المفروضة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولى أبا بكر إقامتها في الاوقات المعلومات فرضى المسلمون للمسلمين ما رضى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه طائعين في سائر الاركان وبايعوه في السر والاعلان فلما كان اليوم الثاني قام عمر بن الخطاب على المنبر فتكلم قبل أبى بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني قد قلت لكم بالامس مقالة ما كانت إلا منى وما وجدتها في كتاب الله ولا كانت
[ 157 ]
عهدا عده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيأمرنا بقول يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى رسوله فان اعتصمتم به هداكم الله لما كان قد هدى به أهله وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا إليه فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فانى قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوى عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوى فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم بالبلاء ولا تشيع الفاحشة في قوم إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله فلما فرغ الناس من بيعة أبى بكر وهو يوم الثلاثاء أقبلوا على جهازه صلى الله عليه وسلم فاختلفوا في غسله فقالوا والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابهكما نجرد موتانا أو نغسله وعليه ثيابه فلما اختلفوا ألقى الله عليهم السبات حتى ما منهم أحد إلا وذقنه في صدره
[ 158 ]
ثم كلمهم متكلم من ناحية البيت لا يدرى من هو أن اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه فقاموا فغسلوه وعليه قميصه فأسنده على إلى صدره فكان العباس والفضل والقثم يقلبونه وكان أسامة بن زيد وشقران مولياه يصبان عليه الماء وعلى يغسله ويدلكه من ورائه لا يفضى بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول بأبي أنت وأمى ما أطيبك حيا وميتا ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شئ مما يرى من الميت ثم كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أبواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة أدرج فيها إدراجا ثم دخل الناس يصلون عليه أرسالا بدأ به الرجال حتى إذا فرغغوا أدخل النساء ثم أدخل الصبيان ثم أدخل العبيد ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وكان أبو عبيدة بن الجراح يحفر كحفر أهل مكة وكان أبو طلحة زيد بن سهل يحفر كحفر أهل المدينة وكان يلحد فدعا العباس بن عبد المطلب رجلين فقال لاحدهما اذهب إلى أبى عبيدة وقال للآخر اذهب إلى أبى طلحة فقال اللهم خر لرسولك فوجد صاحب أبى طلحة أبا طلحة فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون اختلفوا في دفنه فقائل يقول ندفنه في مسجده وقائل يقول ندفنه مع أصحابه فقال أبو بكر سمعت
[ 159 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفى عليه فحفر أبو طلحة تحته ثم دفن صلى الله عليه وسلم ليلة الاربعاء حين زاغت الشمس ونزل في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب والفضل بن العباس وقثم بن العباس وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطرح تحته قطيفة وكان آخرهم عهدا به قثم بن العباس وكان المغيرة بن شعبة يقول لا بل أنا وكان يحكى قصة ثم قام أبو بكر في الناس خطيبا بعد خطبته الاولى فقال الحمد لله ا حمده وأومن بوحدانيته وأستعينه على أمركم كله سره وعلانيته ونعوذ بالله مما يأتي به الليل والنهار وترتكب عليه السر والجهار وأشهد أن لا إله إلا الله حافظا ونصيرا وأن محمدا عبده ورسوله بالحق بشيرا ونذيرا قدام الساعة فمن أطاعه رشد ومن عصاه هلك وشرد فعليكم أيها الناس بتقوى الله فان أكيس الكيس التقوى وإن أحمق الحمق الفجور فاتبعوا كتاب الله واقبلوا نصيحته واقتدوا بسنة رسوله وخذوا شريعته فان الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيآت وهو الحكيم
[ 160 ]
العليم وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا الآية واحذروا ا الخطايا التي لكل بنى آدم فيها نصيب ة وتزودوا للآخرة فان المصير إليها قريب ولكن خيركم من اتبع طاعة الله واجتنب معصيته فاحذروا يوما لا ينفع فيه من حميم ولا شفيع ولا حميم يطاع وليعمل عامل ما استطاع من عمل يقربه إلى ربه واعملوا من قبل أن لا تقدروا على العمل وإن الله لو شاء خلقكم سدى ولكن جعلكم أئمة هدى فاتبعوا ما أمركم الله به واجتنبوا ما نهاكم عنه واعملوا الخير فان قليله كثير نام مبارك واتقوا الله حق تقاته واحذروا ما حذركم في كتابه وتوقوا معصيته خشية من عقابه فليس فيها رغبة لاحد واستعفوا عما حرم الله وأمر باجتنابه وإياكم والمحقرات فانها تقرب إلى الموجبات واعملوا قبل أن لا تعملوا وتوبوا من الخطايا التي لا يغسلها إلا الله برحمته وصلوا على نبيكم كما أمركم ربكم ثم قال أيها الناس إن الذي رأيتم منى لم يكن على حرص على ولايتكم ولكني خفت الفتنة والاختلاف فدخلت فيها وهأنذا وقد رجع الامر إلى أحسنه وكفى الله تلك الثائرة وهذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم من الناس وأنا أجيبكم على ذلك وأكون كأحدكم فأجابه الناس رضينا بك قسما وحظا إذ أنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر اللهم صل على محمد والسلام على محمد ورحمة الله وبركاته اللهم إنا نستعينك
[ 161 ]
ونستغفرك ونثنى عليك ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع من يكفرك ثم نزل واستقام له الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعه الناس ورضوا به وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شرذمة مع على بن أبى طالب تخلفوا عن بيعته وكان أسامة بن زيد يقول أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغير صباحا على أهل أننى ثم أمر أبو بكر أن يبعثوا بعث أسامة بن زيد فقال له الناس إن العرب قد انتقضت عليك وإنك لا تصنع بتفرق المسلمين عنك شيئا قال والذي نفس أبى بكر بيده لو ظننت أن السباع أكلتنى بهذه القية لانفذت هذا البعث الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بانفاذه ثم قال أبو بكر لاسامة إن تخلف معي عمر بن الخطاب فافعل فأذن له أسامة فتخلف عمر مع أبى بكر ومضى أسامة حتى أوطأهم ثم رجع فسمع به المسلمون فخرجوا مسرورين بقدومه ولواءه معقود حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم دخل بيته ولواءه معقود ويقال إنه لم يحل اللواء حتى توفى ووضعه في بيته
[ 162 ]
ثم كتب أبو بكر الصديق كتابا إلى معاذ بن جبل يخبره بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثه مع عمار بن ياسر وقد كان معاذ أتى اليمن فينا هو ذات ليلة على فراشه إذا هو بهاتف يهتف عند رأسه يا معاذ كيف يهنئك العيش ومحمد في سكرات الموت فوقف فزعا ما ظن إلا أن القيامة قد قامت فلما رأى السماء مصحية والنجوم ظاهرة استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم نودى الليلة الثانية يا معاذ كيف يهنئك العيش ومحمد بين أطباق الثرى فجعل معاذ يده على رأسه وجعل يتردد في سكك صنعاء وينادى بأعلى صوته يا أهل اليمن ذروني لا حاجة لي في جواركم فما شر الايام يوم جئتكم وفارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج الشبان من الرجال والعواتق من النساء وقالوا يا معاذ ما الذي دهاك فلم يلتفت إليهم وأتى منزله وشد على راحلته وأخذ جرابا فيه سويق وأداوة من ماء ثم قال لا أنزل عن ناقتي هذه إن شاء الله إلا لوقت صلاة حتى آتى المدينة فبينا هو على ثلاثة مراحل من المدينة إذ لقيه عمار فعرفه بالبعير قال اعلم يا معاذ أن محمدا قد ذاق الموت وفارق الدنيا فقال معاذ يا أيها الهاتف في هذا الليل القار من أنت يرحمك الله قال أنا عمار بن ياسر قال وأين تريد قال هذا كتاب أبى بكر إلى معاذ يعلمه أن محمدا قد مات وفارق الدنيا قال معاذ فالى من المهتدى والمشتكى فمن لليتامى والارامل والضعفاء
[ 163 ]
ثم سار ورجع عمار معه وجعل يقول نشدتك بالله كيف أصحاب محمد قال تركتهم كغنم بلا راع قال كيف تركت المدينة قال تركتها وهى أضيق على أهلها من الخاتم فلما كان قريبا من المدينة سمعت عجوزا وهى تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكي فقالت يا عبد الله لو رأيت ابنته فاطمة وهى تبكي وتقول يا أبتاه إلى جبريل ننعاه يا أبتاه انقطع عنا أخبار السماء ولا ينزل الوحي إلينا من عند الله أبدا فدخل معاذ المدينة ليلا وأتى باب عائشة فدق عليها الباب فقالت من هذا الذي يطرق بنا ليلا قال أنا معاذ بن جبل ففتحت الباب فقال يا عائشة كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شدة وجعه قالت يا معاذ لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفار مرة ويحمار أخرى يرفع يدا ويضع أخرى لما هنأك العيش طول أيام الدنيا فبكى معاذ حتى خشي أن يكون الشيطان قد استفزه ثم استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وأتى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم ظهر طليحة في أرض بنى أسد ومالت فزارة فيها عيينة بن حصن بن بدر مرتدين عن الاسلام وبايعه بنو عامر على مثل ذلك وتربصوا ينظرون الوقعة بين المسلمين وبين بنى أسد وفزارة وقد كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بعثهم على الصدقات قد جمعوا
[ 164 ]
ما كان على الناس منها فلما بلغهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما عدى بن حاتم فتمسك بالاسلام وبقى في يده الصدقات وكذلك الزبرقان بن بدر وأما مالك بن نويرة فأرسل ما في يده وقال لقومه قد هلك هذا الرجل فشأنكم بأموالكم وقد كانت طئ وبنو سعد كلمهما عدى بن حاتم والزبرقان بن بدر فقالا وهما كانا أحزم رأيا وأفضل في الاسلام رغبة من مالك بن نويرة لقومهما لا تعجلوا فإنه ليكونن لهذا الامر قائم فان كان ذلك كذلك ألقاكم ولم تبدلوا دينكم ولم تعزلوا أمركم وإن كان الذي تطلبون فلعمري إن ذلك أموالكم بأيديكم لا يغلبنكم عليها أحد غيركم وسكناهم بذلك حتى أتاهم خبر الناس واجتماعهم على أبى بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيعة المسلمين إياه فبعثا ما بأيديهم من الصدقة إلى أبى بكر فلم يزل أبو بكر يعرف فضلهما على من سواهما من المسلمين وجاء العباس وفاطمة إلى أبى بكر يلتمسان ميراثهما من النبي صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر فقال لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركناه صدقة إنما يأكل محمد من هذا المال وإني والله لا أدع أمرا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته فيه فهجرته
[ 165 ]
فاطمة ولم تكلمه حتى ماتت ثم جهز أبو بكر الجيش ليقاتل من كفر من العرب فترك إعطاء الصدقات وارتد عن الاسلام فقال له عمر كيف تقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله فقال أبو بكر والله لاقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والذي نفس أبى بكر بيده لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه حتى آخذها قال عمر فلما رأيت شرح صدر أبى بكر لقتالهم علمت أنه الحق فأمر أبو بكر على الناس خالد بن الوليد وأمر ثابت بن قيس بن شماس على الناس الانصار وجمع أمر الناس إلى خالد بن الوليد ثم أمرهم أن يسيروا وسار معهم مشيعا حتى نزل ذا القصة من المدينة على بريد وأميال فضرب معسكره وعبأ جيشه ثم تقدم إلى خالد بن الوليد وقال إذا عشيتم دار من دور الناس فسمعتم أذانا للصلاة فأمسكوا عنها حتى تسألوهم ما الذي يعلمون وإن لم تسمعوا الاذان فشنوا الغارة واقتلوا وحرقوا ثم أمر خالد بن الوليد أن يصمد لطليحة وهو على
[ 166 ]
ماء من مياه بنى أسد وكان طليحة يدعى النبوة وينسج للناس الاكاذيب والاباطيل ويزعم أن جبريل يأتيه وكان يقول للناس أيها الناس إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم وقبح أدباركم شيئا واذكروا الله قعودا وقياما وجعل يعيب الصلاة ويقول إن الصريح تحت الرغوة وكان أول ما ابتلى من الناس طليحة أنه أصلب هو وأصحابه العطش في منزلهم فيه فقال طليحة فيما شجع لهم من أباطيله اركبوا علالا يعنى فرسا واضربوا أميالا تجدوا قلالا ففعلوا فوجدوا ماء فافتتن الاعراب به ثم قال أبو بكر لخالد بن الوليد لآتيك من ناحية خيبر إن شاء الله فيمن بقى من المسلمين وأراد بذلك أبو بكر أن يبلغ الخبر الناس بخروجه إليهم ثم ودع خالدا ورجع إلى المدينة ومضى خالد بالناس وكانت بنو فزارة وأسد يقولون والله لا نبايع أبا الفصيل يعنون أبا بكر وكانت طئ‌على إسلامها لم تزل عنه مع عدى بن حاتم ومكنف بن زيد الخيل فكانا يكالبانها ويقولان لبنى فزارة والله لا نزال نقاتلكم إن شاء الله فلما قرب خالد بن الوليد من القوم وبعث عكاشة
[ 167 ]
بن محصن وثابت بن أقرم أخا بنى العجلان طليعة أمامه وخرج طليحة بن خويلد المتنبئ وأخوه سلمة بن خويلد أيضا طليعة لمن وراءهما فالتقيا عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم فانفرد طليحة بعكاشة وسلمة بن خويلد بثابت فأما سلمة فلم يلبث ثابتا أن قتله ثم صرخ طليحة وقال يا سلمة أعنى على الرجل فإنه قاتلي فاكتنفا عكاشة حتى قتلاه وكرا راجعين إلى من وراءهما فلما وصل خالد والمسلمون إلى ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن وهما قتيلان عظم ذلك على المسلمين وراءهم ثم مضى خالد حتى نزل على طئ في خللهم سلمى فضرب معسكره وانضم إليه من كان من المسلمين في تلك القبائل ثم تهيأ للقتال وسار إلى طليحة وهو على مائه والتقى معه طليحة في سبعمائة رجل من بنى فزارة فاقتتلوا قتالا شديدا وطليحة متلفف في كساء له بفناء بيت له من شعر يتنبأ ويسجع فهز عيينة بن حصن الحرب وشد القتال ثم كر على طليحة فقال هل جاءك جبريل بعد قال لا فرجع عيينة وقاتل حتى إذا هزته الحرب كر عليه ثانيا وقال لا أبا لك هل جاءك جبريل بعد قال نعم قال فماذا قال لك قال قال لي إن لك
[ 168 ]
رحى كرحاه وحديثا لا تنساه قال عيينة أظن الله أنه قد علم أنه سيكون لك حديث لا تنساه يا بنى فزارة هكذا فانصرفوا فهذا والله كذاب فانصرف وانصرفت معه فزارة وانهزم الناس وكان طليحة قد أعد فرسا له عنده وهيأ بعيرا لامرأته النوار ثم اجتمعت إليه فزارة وهم مبارزون فقالوا ما تأمرنا فلما سمع منهم ذلك استوى على فرسه وحمل امرأته على البعير ثم نجا بها وقال لهم من استطاع منكم أن يفعل كما فعلت وينجو بأهله فليفعل ثم سلك الحوشية حتى لحق بالشام وانصرفت فزارة وقتل منهم من قتل ثم دخلت القبائل في الاسلام على ما كانوا عليه من قبل فلما فرغ خالد من بيعتهم أوثق عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة بن سلمة وبعث بهما إلى أبى بكر فلما قدما عليه قال قرة يا خليفة رسول الله إني كنت مسلما وإن عند عمرو بن العاص من إسلامى شهادة قد مر بي فأكرمته وقربته وكان عمرو بن العاص هو الذي جاء بخبر الاعراب وذلك أن عمرا كان على عمان فلما أقبل راجعا إلى المدينة مر بهوازن وقد انتقضوا وفيهم سيدهم قرة بن هبيرة فنزل عليه عمرو بن العاص فنحر له وأقراه وأكرمه فلما أراد عمرو الرحيل خلى به قرة بن هبيرة وقال يا عمرو إنكم معشر قريش إن أنتم كففتم
[ 169 ]
عن أموال الناس وتركتموها لهم يريد الصدقات فقمن ان يسمع لكم الناس ويطيعوا فان أنتم ابيتم إلا أخذ أماولهم فانى والله ما أرى العرب مقرة بذلك لكم ولا صابرة عليه حتى تنازعكم أمركم ويطلبوا ما في أيديكم فقال عمرو بن العاص أبالعرب تخوفنا موعدك أقسم الله لاوطئنه عليك الخيل ثم مضى عمرو حتى قدم المدينة على أبى بكر وأخبره الخبر قبل خروج خالد إليهم فتجاوز أبو بكر عن قرة بن هبيرة وعيينة بن حصن وحقن لهما دماءهما ولما فرغ خالد بن الوليد من بيعة بنى عامر وبنى أسد قال إن الخليفة قد عهد إلى أن أسير إلى أرض بنى غانم فسار حتى نزل بأرضهم وبث فيها السرايا فلم يلق بها جمعا وأتى بمالك بن نويرة في رهط من بنى تميم وبنى خنظلة فأمر بهم فضربت أعناقهم وتزوج مكانه أم تميم امرأة مالك بن نويرة فشهد أبو قتادة لمالك بن نويرة بالاسلام عند أبى بكر ثم رجع خالد يؤم المدينة فلما قدمها دخل المسجد وعليه درع معتجرا بعمامة وعليه قباء عليه صدأ الحديد قد غرز في عمامته أسهما فقام إليه عمر بن الخطاب فانتزع الاسهم من رأسه فحطمها ثم قال أقتلت امرأ مسلما مالك بن نويرة ثم تزوجت امرأته والله لنرجمنك بأحجارك وخالد
[ 170 ]
بن الوليد لا يكلمه ولا يظن إلا أن رأى أبى بكر على مثل رأى عمر حتى دخل على أبى بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه أنه لم يعلم فعذره أبو بكر وتجاوز عنه ما كان منه في حربه تلك فخرج خالد من عنده وعمر جالس في المسجد فقال هلم إلى بن أم شملة فعرف أن أبا بكر قد رضى عنه فلم يكلمه فقام فدخل بيته ثم ماتت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبيها بستة أشهر فدفنها على ليلا ولم يؤذن به أبا بكر ولا عمر وكان لعلي جهة من الناس حياة فاطمة فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن على فلما رأى انصراف الناس ضرع على إلى مصالحة أبى بكر فأرسل إلى أبى بكر أن ائتنا ولا تأتنا معك بأحد وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدته فقال عمر لا تأتهم وحدك فقال أبو بكر والله لآتينهم وحدي وما عسى أن يصنعوا بي فانطلق أبو بكر وحده حتى دخل على على وقد جمع بنى هاشم عنده فقام على وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنه لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ولا نفاسة عليك بخير ساقه الله إليك ولكنا كنا نرى أن لنا في هذا الامر حقا
[ 171 ]
فاستبددت به علينا ثم ذكر قرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم ولم يزل على يذكر ذلك حتى بكى أبو بكر فلما صمت على تشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتي وإني والله ما أعلم في هذه الامور التي كانت بيني وبين على إلا الخير ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا نورث ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد من هذه المال قوتا وإني والله لا أدع أمرا صنع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صنعته إن شاء الله ثم قال موعدك العشية للبيعة فلما صلى أبو بكر الظهر أقبل على الناس ثم عذر عليا ببعض ما اعتذر به ثم قام على فعظم من حق أبى بكر وذكر فضيلته وسابقته ثم مضى إلى أبى بكر فبايعه وأقبل الناس على على فقالوا أصبت وأحسنت ثم توفى عبد الله بن أبى بكر الصديق وكطان أصابه سهم بالطائف مع النبي صلى الله عليه وسلم رماه بن محجن ثم دمل الجرح فمات في شوال بعد الظهر ونزل حفرته عبد الرحمن بن أبى بكر وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله ودخل عمر على أبى بكر وهو آخذ بلسانه ينصنصه
[ 172 ]
فقال له عمر يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الله الله فقال أبو بكر هذا أوردني الموارد فلما دخل شهر ذي الحجة حج عمر بن الخطاب سنة إحدى عشرة واشترى مولاه أسلم في حجته تلك ثم رجع إلى المدينة ثم وجه أبو بكر خالد بن الوليد إلى اليمامة وكان مسيلمة قد تنبأ بها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أمره ضعيفا ثم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه فشهد رجال بن عنفوة لاهل اليمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشركه في الامر فعظم فتنة عليهم وخرج خالد بن الوليد بالمهاجرين والانصار حتى إذا دنا من اليمامة نزل واديا من أوديتهم فأصاب في ذلك الوادي مجاعة بن مرارة في عشرين رجلا منهم كانوا خرجوا يطلبون رجلا من بنى تميم وكان أصاب لهم دما في الجاهلية فلم يقدروا عليه فباتوا بذلك الوادي فلم ينبههم إلا خيل المسلمين قد وقفت عليهم فقالوا من القوم فقالوا بنو حنيفة قال فلا أنعم لكم علينا ثم نزلوا فاستوثقوا منهم فلما أصبح دعاهم خالد بن الوليد فقال يا بنى حنيفة ما تقولون فقالوا منا نبئ ومنكم نبئ
[ 173 ]
فعرضهم خالد على السيف حتى بقى سارية بن عامر ومجاعة بن مرارة فقال له سارية يا أيها الرجل إن كنت تريد هذه القرية فاستبق هذا الرجل وأوثق مجاعة في الحديد ودفعه إلى أم تميم امرأته وقال استوصى به خيرا وضرب عنق سارية بن عامر ثم سار بالمسلمين حتى نزل على كثيب مشرف على اليمامة وضرب معسكره هناك وخرج أهل اليمامة مع مسيلمة وتصاف الناس وكان خالد جالسا على سريره ومجاعة مكبل عنده والناس على مصافهم إذ رأى بارقة في بنى حنيفة فقال خالد أبشروا يا معشر المسلمين قد كفاكم الله عدوكم واختلف القوم فكر مجاعة إليه وهو مكبل فقال كلا والله إنها الهندوانية خشوا من تحطمها فأبرزوها للشمس لتلين لهم فكان كما قال فلما التقى الناس كان أول من خرج رجال بن عنفوة فقتل واقتتل المسلمون قتالا شديدا حتى انهزم المسلمون وخلص أصحاب مسيلمة إلى الرحال ودخلوا فسطاط خالد بن الوليد وفيه مجاعة مكبلا عند أم تميم امرأة خالد فحمل عليها رجل بالسيف فقال مجاعة أنا لها جار فنعمت الحرة عليكم بالرجال فرحبلوا الفسطاط بالسيف ثم إن المسلمين تداعوا فقال ثابت بن قيس
[ 174 ]
بن شماس بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء المسلمون ثم أخذ سيفه حتى جالد به حتى قتل ورأى زيد بن الخطاب انكشاف المسلمين عن رحالهم فتقدم فقاتل حتى قتل وقام البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان البراء فيما يقال إذا حضر البأس أخذه انتفاض حتى يقعد عليه الرجال ثم يبول في سراويله فإذا بال صار مثل السبع فلما رأى ما صنع المسلمون من الانكشاف وما رأى من أهل اليمامة أخذه الذي كان يأخذه حتى قعد عليه الرجال فلما بال وثب فقال أين يا معشر المسلمين أنا البراء بن مالك هلموا إلى فاجتمع عنده جماعة من المسلمين فقاتل القوم قتالا شديدا حتى خلصوا إلى محكم اليمامة وهو محكم بن الطفيل فلما بلغه القتال قال يا معشر بنى حنيفة الآن والله تستحقب الكرائم غير رضيات وينكحن غير حظيات فما كان عندكم من حسب فأخرجوه ثم تقدم فقاتل قتالا شديدا فرماه عبد الرحمن بن أبى بكر بسهم فوضعه في نحره فقتله وزحف المسلمون حتى ألجأوهم إلى الحديقة وفيها مسيلمة فقال البراء بن مالك يا معشر المسلمين ارمونى عليهم في الحديقة فقال الناس لا تفعل يا براء فقال والله
[ 175 ]
أفعل فاحتمل حتى أشرف على الجدار فاقتحم فقاتلهم حتى فتحها الله للمسلمين ودخل عليهم المسلمون وقتل مسيلمة اشترك وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم ورجل من الانصار في قتله فرماه وحشي بحربته وضربه الانصاري بسيفه فكان وحشي يقول ربك أعلم أينا قتله قلت خير الناس وشر الناس فلما فرغ المسلمون من مسيلمة وأتى خالدا الخبر فخرج بمجاعة في الحديد يرسف معه ليدله على مسيلمة وكان يكشف القتلى حتى مر بمحكم بن الطفيل وكان رجلا جسيما وسيما فقال خالد هذا صاحبكم فقال مجاعة لا هذا والله خير منه وأكرم هذا محكم اليمامة ثم دخلوا الحديقة وقلبا القتلى فإذا رويجل أصيفر أخينس فقال مجاعة انه والله ما جاءك إلا سرعان الناس في الحصون قال ويلك ما تقول قال والله إن ذلك لحق فهلم أصالحك على قومي فصالحه خالد بن الوليد على الصفراء والبيضاء والحلقة ونصف السبى ثم قال لمجاعة امض إلى القوم فاعرض ما صنعت فانطلق إليهم ثم قال للنساء البسن الحديد ثم أشرفن على الحصون ثم انتهى إلى خالد قال إنهم لم يرضوا على مصالحتك عليه ولكن إن شئت شيئا صنعت وعرضت على القوم قال ما هو قال تأخذ ربع السبى ربعا قال خالد
[ 176 ]
قد فعلت قال قد صالحتك فلما فرغا دخلوا الحصن فإذا ليس رجل واحد رماهم إلا النساء والصبيان فقال خالد لمجاعة خدعتني قال قومي ثم بعث أبو بكر إلى خالد بن الوليد بسلمة بن سلامة بن وقش يأمره أن لا يستبقى من بنى حنيفة رجلا قد أنبت فأتاه سلمة وقد فرغ خالد من الصلح ثم إن خالدا قد بعث وفدا من بنى حنيفة إلى أبى بكر فقدموا عليه فقال أبو بكر ويحكم ما هذا الرجل الذي استنزل منكم ما استنزل قالو يا خليفة رسول الله قد كان الذي بلغك وكاتن امرأ لم يبارك الله له ولا لعشيرته فيه قال أبو بكر على ذلك ما دعاكم إليه قالوا كان يقول يا ضفدع نقى نقى لا الشراب تمنعين ولا الماء تكدرين لنا نصف الارض ولقريش نصف الارض ولكن قريشا قوم يعتدون فقال أبو بكر سبحان الله سبحان الله فلما فرغ خالد من الصلح نزل واديا من أودية اليمامة فبينما هو قاعد
[ 177 ]
إذ دخل عليه رجل من بنى حنيفة يقال له سلمة بن عمير فقال لمجاعة استأذن لي على الامير فان لي إليه حاجة فأتى عليه مجاعة ثم قال مجاعة إني والله لا أعرف الشر في وجهه ثم نظر فإذا هو مشتمل على السيف فقال ما لك لعنك الله أردت أن تستأصل بنى حنيفة والله لئن قتلته ما ترك في بنى حنيفة صغير ولا كبير إلا قتل فانقلب الرجل ومعه سيفه فوقع في حائط من حوائط اليمامة وحبس به المسلمون فدخلوا خلف الحائط فقتل وكان من استشهد من المسلمين يوم اليمامة من قريش ممن يحضرنا ذكرهم أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة وسالم مولى أبى حذيفة وشجاع بن وهب بن ربيعة ومالك بن عمرو ويزيد بن قيس وصفوان بن أمية بن عمرو وأخوه مالك بن أمية والطفيل بن عمرو الدوسي وجبير بن مالك وأمه بحينة وة يزيد بن أوس وحيى بن حارثة والوليد بن عبد شمس بن المغيرة وحكيم بن حزام بن أبى وهب وزيد بن الخطاب بن نفيل وعبد الله بن عمرو بن بجرة وعبد الله بن الحارث بن قيس وأبو قيس بن الحارث وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى وعبد الله
[ 178 ]
بن سهل بن عمرو وسليط بن سليط بن عمرو وعمرو بن أوس بن سعد بن أبى سرح وربيعة بن أبى خرشة ومنقذ بن عمرو بن عطية وعبد الله بن الحارث بن رحضة واستشهد من الانصار يوم اليمامة ثابت بن قيس بن شماس وعباد بن بشر بن وقش ورافع بن سهل وعبد الله بن عتيك وحاجب بن زيد وسهل بن عدى ومالك بن أوس ومعن موليان لهم وفروة بن العباس وكليب بن تميم وعامر بن ثابت وبشر بن عبد الله وعبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول وعبد الله بن عتبان وثابت بن هزال وأسيد بن يربوع وأوس بن ورقة وسعد بن حارثة بن لوذان وسماك بن خرشة أبو دجانة وسعد بن حمار وعقبة بن عامر بن نابى وضمرة بن عياض وعبد الله بن أنيس ومسعود بن سنان وحبيب بن زيد وأبو حبة بن غزية بن عمرو وعمارة بن حزم بن زيد
[ 179 ]
ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد رمى بسهم فمات في الطريق وثابت بن خالد بن عمرو بن خنساء وفروة بن النعمان بن الحارث وعائذ بن ماعص الزرقي وحبيب بن عمرو بن محصن ثم انصرف خالد بن الوليد بالمسلمين حتى قدم المدينة على أبى بكر وارتدت ربيعة بالبحرين فيمن ارتد من العربإلا الجارود بن عمرو بن خنش بن معلى فإنه ثبت على الاسلام فيمن تبعه من قومه وقالت ربيعة بعضها لبعض نرد الملك إلى المنذر بن ساوى وكان المنذر ملكهم في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي فأسلم المنذر وأقام العلاء بها إلى أن قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فملك ربيعة المنذر بن النعمان بن المنذر بن ساوى وجمع جمعهم على الارتداد فلما بلغ أبا بكر خبرهم بعث إليهم العلاء بن الحضرمي وأمره بثمامة بن أثال الحنفي وكان قد أسلم ثمامة وأسلم بنو سحيم معه فلما مر العلاء بثمامة بن أثال معه من اتبعه من قومه من بنى سحيم وسارت ربيعة إليهم فحاصروهم بجواثا
[ 180 ]
حصن بالبحرين وأصاب المسلمون شهدا شديدا من الجوع حتى كادوا أن يهلكوا فخرج عبد الله بن حذف ليلة من الليالي يتجسس أخبارهم ويجئ المسلمين بالخبر فأتى الحصن واحتال في دخوله فوجدهم سكارى فرجع فأخبر المسلمين أن القوم سكارى لا عناء بهم فبيتهم العلاء بن الحضرمي فيمن معه من المسلمين وقاتلوهم قتالا شديدا حتى فتح الله على المسلمين حصنهم وقسم العلاء بن الحضرمي الغنيمة بالبحرين وجمع بها صلاة الجمعة وخرج الاسود بن كعب العنسى في كندة فباع الناس والمهاجر بن أبى أمية أميرها وسمعت كندة بذلك واتفقت أيضا مع من اتبع الاسود على نصره وكان على حضرموت زياد بن لبيد البياضي فلما رأى ذلك منهم بيتهم بالليل وقتل منهم أربعة من الملوك في محاجرهم جمدا ومحوصا ومشرحا وأبضعة ثم كتب المهاجر بن أبى أمية إلى أبى بكر يخبره بانتقاض الناس ويستم منه فبعث أبو بكر عكرمة بن أبى جهل في حبيش معه إلى المدينة وكانت قطعة من كندة ثبتت على الاسلام مع زياد بن لبيد وقطعة مع المهاجر بن أبى أمية وزياد
[ 181 ]
بن أبى لبيد بالحرب فلما اشتد عليهم الحصار نزل إليهم الاشعث بن قيس وسألهم الامان على دمه وأهله وماله وحتى يقدموه على أبى بكر فيرى فيه رأيه وأن يفتح النجير ففعلوا ذلك وفتح النجير واستنزلوا من فيه من الملوك وضربت أعناقهم واستوثقوا من الاشعث بن قيس وبعثوا به إلى أبى بكر مع السبى وقتل الاسود بن كعب العنسى في بيته فلما قدم الاشعث على أبى بكر قال أبو بكر فما تأمرني أن أصنع فيك فإنك فعلت ما علمت قال الاشعث تمن على وتفكني من الحديد وتزوجني أختك فانى قد راجعت وأسلمت قال أبو بكر قد فعلت فزوجه أخته فروة بنت أبى قحافة ثم قدم أهل البحرين على أبى بكر يفتدون سباياهم أربعمائة فخطب أبو بكر الناس فقال أيها الناس ردوا على الناس سباياهم لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغيب عنه منهم أحد ثم جاء جابر بن عبد الله أبا بكر فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن جاءنا مال من البحرين أعطيناك هكذا وهكذا فحرز له أبو بكر هكذا خمسمائة درهم فأعطاه من مال البحرين ألفا وخمسمائة درهم ثم اعتمر أبو بكر في رجب وخرج هو و عبد الرحمن بن صبيحة على راحلتين واستخلف
[ 182 ]
على المدينة عمر بن الخطاب وقدما مكة ضحوة وخرج منها قبل الليل ومات أبو مرثد الغنوي حليف حمزة بن عبد المطلب وتزوج عمر بن الخطاب عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ثم خرج أبو بكر سنة اثنتي عشرة واستخلف على المدينة عثمان بن عفان وخرج لليلتين بقيتا من ذي القعدة وأحرم من ذي الحليفة وقدم مكة لسبع خلون من ذي الحجة وكان قد ساق معه عشر بدنات فخطبهم قبل التروية بيوم في مسجد الحرام وأمرهم بتقوى الله ونهاهم عن معصيته وعظم عليهم حرمة الاسلام وأمرهم بالقصد في مسيرهم والترفق وتلا عليهم آيات من القرآن ثم قال من استطاع منكم أن يصلى الظهر بمنى غدا فليفعل ثم حج لهم ونحر البدن ورمى الجمار ماشيا ذاهبا وجائيا ومات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة وكان يسمى جرو البطحاء وأوصى إلى الزبير بن العوام فزوج الزبير ابنته على بن أبى طالب ثم قفل أبو بكر من الحج إلى المدينة فلما قدمها كتب إلى خالد بن الوليد يريد العراق وقد قيل إنه قد قدم المدينة ثم خرج إلى العراق فلما بلغ خالد بن الوليد إلى قريات من السواد يقال لهن بانقياء باروسما وأليبس صالح أهلها وكان الذي صالحه عليها بن صلوبا
[ 183 ]
فقبل منهم الجزية وكتب له كتابا بسم الله الرحمن الرخحيم هذا كتاب من خالد بن الوليد لابن صلوبا السوادى ومنزله بشاطئ الفرات أنك آمن بأمان الله ممن حقن دمه بإعطاء الجزية وقد أعطيت عن نفسك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلناها ورضى من معي من المسلمين بها عنك فلك ذمة الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وذمم المسلمين على ذلك وشهد هشام بن الوليد ثم أقبل خالد حتى نزل الحيرة وكان عليها قبيصة بن إياس بن حية الطائي أمير الكسرى فخرج إليه بأشرافهم فقال لهم خالد أدعوكم إلى الله وإلى الاسلام فان أجبتم إليه فأنتم من المسلمين لكم ما لهم وعليكم ما عليهم وإن أبيتم فالجزية فان أبيتم الجزية فقد أتيتكم بأقوام أحرص على الموت منكم على الحياة جاهدناكم حتى يحكم الله بيننا وبينكم فقال له قبيصة بن إياس ما لنا بحربك من حاجة بل نقيم على ديننا ونعطيك الجزية فصالحهم على تسعين ألف درهم كل سنة فكانت أول جزية وقعت بالعراق هذه والتي صالح عليها بن صلوبا وبعث أبو بكر بعد قفوله من الحج الجنود إلى الشام فبعث عمرو
[ 184 ]
بن العاص إلى فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبى سفيان وعبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة إلى الشام وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشام وبعث خالد بن سعيد بن العاص على ربع من الارباع فلم يزل عمر بن الخطاب بأبي بكر حتى عزله وأمر مكانه بن أبى سفيان وخرج أبو بكر مع يزيد بن أبى سفيان يوصيه ويزيد راكب قال أيه الامير إما أن تركب وإما أن أنزل فقال ما أنت بنازل ولا أنا براكب أليست خطاى هذه في سبيل الله ثم قال يا يزيد إنكم ستقدمون بلادا فإذا أكلتم الطعام فسموا الله على أولها واحمدوه على آخرها وستجدون قوما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم وستجدون أقواما قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعنى الشمامسة فاضربوا تلك الاعناق ولا تقتلن كبيرا هرما ولا امرأة ولا وليدا ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع ولا تخربن عمرانا ولا تقطعن بحرا إلا لنفع ولا تغل
[ 185 ]
ولا تغدر ولا تخن ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز أقرئك السلام وأستودعك الله ثم انصرف أبو بكر ومضى يزيد بن أبى سفيان وتبعه شرحبيل بن حسنة وأبو عبيدة بن الجراح فردا فردا ونزل عمرو بن العاص في قصره بغمر العربات ونزل الروم بثنية جلق بأعلى فلسطين في سبعين ألفا عليهم تذارق أخو هرقل لابيه وأمه فكتب عمرو بن العاص إلى أبى بكر يذكر له أمر الروم ويستمده فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد وهو يأمره أن يمد أهل الشام فيمن معه من أهل القوة ويستخلف على ضعفة الناس رجلا منهم فلما أتاه كتاب أبى بكر قال خالد هذا عمل الاعيسر بن أم شملة يعنى عمر بن الخطاب حسدني أن يكون فتح العراق على يدي فسار خالد بأهل القوة من الناس ورد الضعفاء والنساء إلى المدينة وأمر عليهم عمير بن سعد الانصاري واستخلف على من أسلم بالعراق من ربيعة
[ 186 ]
وغيرهم المثنى بن حارثة الشيباني فلما بلغ خالد بمن معه عين التمر أغار على أهلها فأصاب منهم ورابط حصنا بها فيه مقاتلة لكسرى حتى استنزلهم وضرب أعناقهم وسبى منهم سبايا كثيرة وكان من تلك السبايا أبو عمرة والد عبد الاعلى بن أبى عمرة ويسار جد محمد بن إسحاق وحمران بن أبان مولى عثمان وأبو عبيد مولى المعلى وخير مولى أبى داود الانصاري وأبو عبد الله مولى زهرة فأراد خالد المسير والتمس دليلا فدل على رافع بن عميرة الطائي فقال له خالد انطلق بالناس فقال له رافع إنك لا تطيق ذلك بالجنود والاثقال والله إن الراكب المفرذ ليخافها على نفسه وما يسلكها إلا مغررا إنها لخمس ليال جياد ولا يصاب فيها ماء مع مضلتها قال له خالد ويحك ألا بد لي منها إنه قد أتاني من الامير عزمة بذلك فمر بأمرك فقال رافع استكثروا من الماء من استطاع منكم أن يصر أذن ناقته على ماء فليفعل فانها المهالك إلا ما دفع الله فتأهب المسلمون وسار خالد بمن معه فلما بلغوا آخر يوم
[ 187 ]
من المفازة قال خالد لرافع بن عميرة ويحك يا رافع ما عندك قال أدركت الري إن شاء الله فلما دنا من العلمين قال رافع للناس انظروا هل ترون شجيرة من عوسج كعقدة الرجل فلم يروا شيئا فقال إنا لله وإنا إليه راجعون هلكتم والله إذا وهلكت انظروا فاطلبوها فطلبوا فوجدوها قد قطعت وبقى منها بقية فلما رآها المسلمون كبروا وكبر رافع بن عميرة ثم قال احفروا في أصلها فحفروا فاستخرجوا عينا فشربوا حتى روى الناس ثم اتصل بعد ذلك لخالد المنازل فقال رافع فوالله ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة وردتها مع أبى وأنا غلام فلما بلغ لخالد والمسلمون إلى سوى أغار على أهله وهم بهراء قبيل الصبح وإذا جماعة منهم يشربون الخمر في جفنة لهم قد اجتمعوا عليها ومغنيهم يقول إلا عللاني قبل جيش أبى بكر لعل منايانا قريب ولا ندري فقتلهم خالد بن الوليد وقتل مغنيهم وسال دمه في تلك الجفنة ثم سار خالد حتى أغار على غسان بمرج راهط حتى نزل على قناة بصرى وعليها
[ 188 ]
أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان وخرج خالد بن سعيد بن العاص بمرج الصفر في يوم مطير يستمطر فيه فتعاوى عليه أعلاج الروم فقتلوه واجتمع خالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان معهم حتى صالحته بصرى على الجزية وفتحها الله للمسلمين فكانت تلك أول مدينة فتحت بالشام ثم ساروا جميعا إلى فلسطين مددا لعمرو بن العاص وعمرو مقيم بالعربات من غور فلسطين وسمع الروم باجتماع المسلمين لعمرو بن العاص فانكشفوا عن جلق إلى أجنادين وأجنادين بلد بين الرملة وبيت جبرين من أرض فلسطين وسار المسلمون إلى أجنادين وكان الامراء أربعة والناس أرباعا إلا عمرو بن العاص كان يزعم أنه جميعهم فلما اجتمعت العساكر وتدانت بعث صاحب الروم رجلا عربيا ليأتي بخبر المسلمين فخرج الرجل ودخل مع المسلمين
[ 189 ]
وأقام فيهم يوما وليلة لا ينكر ثم أتى الروم فقالوا له ما وراءك فقال أما بالليل فرهبان وأما بالنهار ففرسان ولو سرق بن ملكهم قطعوا يده ولو زنى رجموه لاقامة الحق فيهم ثم تزاحف الناس فاقتتلوا قتالا شديدا فقال صاحبهم لهم لفوا رأسي في ثوب قالوا له ولم قال يوم موقف البئيس لا أحب أن أراه ما رأيت في الدنيا أشد منه وكانت الهزيمة على الروم فلقد قتل صاحبهم وإنه لملفف في ثوبه وكان لليلتين بقيتا من جمادى الاولى سنة ثلاث عشرة فقتل بأجنادين من المسلمين نعيم بن عبد الله النحام وهشام بن العاصى بن وائل وعمرو بن عكرمة والطفيل بن عمرو الدوسي وعبد الله بن عمرو حليف لهم وجندب بن عمرو بن حممسة الدوسي وضرار بن
[ 190 ]
الازور وطليب بن عمرو بن وهب ومسلمة بن هشام بن المغيرة وجار بن سفيان بن الاسود والحارث بن الحارث والحجاج بن الحارث وقيس بن صخر ونعيم بن عامر استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو حفص العدوى وأم عمر حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم أخت أبى جهل بن هشام حدثنا محمد بن القاسم الدقاق بالمصيصة ثنا يوسف بن سعيد بن مسلم ثنا هارون بن زياد الحنائي ثنا الحارث بن عمير عن حميد عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اقتدوا باللذين من بعدي أبى كر وعمر
[ 191 ]
قال أبو حاتم فلما حانت منية أبى بكر رحمة الله عليه أغتسل قبلها يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة وكان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما حتى قطعته العلة عن حضور الصلاة وكان يأمر عمر بن الخطاب أن يصلى بالناس وكان الناس يعودونه وهو في منزله الذي أقطع له النبي صلى الله عليه وسلم وسلو وجاه دار عثمان بن عفان اليوم فبينا هو في ليلة من الليالي عند نسائه أسماء بنت عميس وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبى زهير وبناته أسماء وعائشة وابنه عبد الرحمن بن أبى بكر إذ قالت عائشة أتريد أن تعهد إلى الناس عهدا قال نعم قالت فبين للناس حتى يعرفوا الوالى بعدك قال نعم قالت عائشة إن أولى الناس بهذا الامر بعدك عمر وقال عبد الرحمن بن أبى بكر إن قريشا تحب ولاية عثمان بن عفان وتبغض ولاية عمر لغلظه فقال أبو بكر نعم الوالى عمر وم هو بخير له أن يلي مر أمة محمد أما إنه لا يقوى عليهم غيره إن عمر رآني لينا فاشتد ولو كان واليا للان لاهل اللين واشتد على هل الريب فلما أصبح دعا نفرا من المهاجرين ولانصار يستشيرهم في عمر منهم عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبى وقاص وسعيد بن زيد فقال لعبد الرحمن بن عوف
[ 192 ]
يا أبا محمد أخبرني عن عمر فقال يا خليفة رسول الله هو والله أفضل من رأيك فيه من رجل ولكن فيه غلظة فقال لعبد الرحمن بن عوف ذلك لانه رآني لينا فاشتد ولو آل إليه الامر لترك كثيرا مما هو عليه اليوم إني إذا غضبت على الرجل أرانى الرضا عنه وإذا لنت له أرانى الشدة عليه لا تذكر يا أبا محمد مما ذكرت لك شيئا قال نعم ثم دعا عثمان بن عفان فقال يا أبا عبد الله أخبرني عن عمر فقال أنت أخبر به فقال أبو بكر فعلى ذلك قال إن علمي أن سريرته خير من عى لانيته وأن ليس فينا مثله قال يرحمك الله يا أبا عبد الله لا تذكر مما ذكرت لك شيئا قال أفعل فقال له أبو بكر لو تركته ما عدوتك وما أدرى لعلي تاركه والخيرة له أن لا يلي أمركم ولوددت أنى خلو من أمركم وأنى كنت فيمن مضى من سلفكم ثم قال لعثمان اكتب هذا ما عهد عليه أبو بكر بن أبى قحافة إلى المسلمين أما بعد ثم أغمى عليه فذهب عنه فكتب عثمان أما بعد فقد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب ولم الكم خيرا ثم أفاق أبو بكر فقال اقرأ على فقرأ عليه ذكر عمر فكبر أبو بكر فقال جزاك الله عن الاسلام خيرا ثم رفع أبو بكر يديه
[ 193 ]
فقال اللهم وليته بغير أمر نبيك ولم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به وقد حضر من أمرى ما قد حضر فاجتهدت لهم الرأ فوليت عليهم خيرهم لهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على رشدهم ولم أرد محاماة عمر فاجعله من خلفائك الراشدين يتبع هدى بنى الرحمة وهدى الصالحين بعده وأصلح له رعيته وكتب بهذا العهد إلى الشام إلى المسلمين إلى أمراء الاجناد أن قد وليت عليكم خيركم ولم آل لنفسي ولا للمسلمين خيرا وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس ثم نادى عمر بن الخطاب فقال له إني مستخلفك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عمر إن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار وحقا في النهار لا يقبله في الليل وإنها لا تقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة يا عمر إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه غير الحق أن يكون ثقيلا يا عمر
[ 194 ]
إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وحق لميزان لا يوضع فيه غير الباطل أن يكون خفيفا يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء ليكون المؤمن راغبا راهبا فلا ترغب رغبة فتتمنى على الله فيها ما ليس لك ولا ترهب رهبة تلقى فيها يديك يا عمر إنما ذكر الله أهل النار بأسوإ أعمالهم ردا عليهم ما كان من خير فإذا ذكرتهم قلت لارجو أن لا أكون منهم وإنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لانه تجاوز لهم عما كان من سئ فإذا ذكرتهم قلت أي عمل من أعمالهم أعمل فان حفظت وصيتى فلا يكونن غائب أحب إليك من الحاضر من الموت ولست بمعجزه وتوفى أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليلة الاثنين لسبع عشرة خلت من جمادى الآخرة وله يوم مات اثنتان وستون سنة وكتانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنان وعشرون يوما وكان مرضه خمس عشرة
[ 195 ]
ليلة وغسلته أسماء بنت عميس وكفن في ثلاثة أثواب ونزل في قبره عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن أبى بكر ودفن ليلا بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد بن عمر أن ينزل قبر أبى بكر مع أبيه فقال له عمر قد كفيت وكان أبو قحافة بمكة فسمع الهائعة فقال ما هذا فقيل مات ابنك فقال رزء جليل فالى من عهد قالوا لعمر قال صاحبه وورثه أبو قحافة السدس وكان من عمال أبى بكر يوم توفى عتاب بن أسيد على مكة وعثمان بن أبى العاص على الطائف والعلاء بن الحضرمي على البحرين ويعلى بن أمية على خولان ومهاجر بن أبى أمية على صنعاء وزياد بن لبيد على حضرموت وعمرو بن العاص على فلسطين وعلى الشام أربعة نفر من الاجناد خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبى سفيان ومات أبو كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي دفن فيه أبو بكر
[ 196 ]
ثم قام عمر بن الخطاب في الناس خطيبا وهى أول خطبة خطبها بعد ما استخلف فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أيها الناس إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه أنا عمر بن الخطاب وقد علمتم من هيئتي وشأني وإن بلاء الله عندي في الامور كلها حسن وقد فارقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنى راض بحمد الله لم يجد على في شئ من خلقي وأنا أسعد الناس بذلك إن شاء الله وقمت لخليفته من بعده بحق الطاعة وأحسنت له المؤازرة ولم أحرص على القيام عليكم كالذى حرص على ولكن خليفتكم المتوفى أوصى إلى بالخلافة عليكم برضى منكم وآلوه الهمة ذلكم وإياكم ولولا الذي أرجو أن يأجرني الله في قيامى عليكم لم أقم عليكم ولنحيته عن نفسي ووليته غيرى وقد كنت أرى فيكم أمورا على عهد نبيكم صلى الله عليه وسلم كدت أكرهها ويسؤني منكم فقد رأيتم تشددى فيها والامر الذي أمر به من فوقى أريد طاعة الله وإقامة الدين فأطعتكم قد علمتم أو من علم ذلك منكم أنى قد كنت أفعل ذلك وليس لي عليكم من سلطاتن وأكن أهن في شئ منه وقد ولانى الله اليوم أمركم ولقد علمت أنى أنفع بحضرتكم لكم فانى أسأل الله ربي أن يعيننى عليه
[ 197 ]
وأن يحرسنى عند ما بقى كما حرسني عند غيره وأن يلقنني العقل في قسمكم كالذى أمر به ثم إني مسلم وعبد من عبيده ضعيف إلا ما أعان الله ولن يغير الذي وليت من خلافتكم من خلقي شيئا إن شاء الله وإنما العظمة لله ليس للعباد منها شئ فلا يقولن أحد منكم إن عمر بن الخطاب تغير لما ولى أمر المسلمين فمن ظلمته مظلمة فانى أعطيه الحق من نفسي وأتقدم عليكم وأبين لكم أمرى أيما رجل كانت له حاجة إلى أمير المؤمنين أو ظلم بمظلمة أو عتب علنيا في حق فليؤذني فانما أنا امرؤ منكم ولم يحملنى سلطاني الذي أنا عليه أن أتعظم عليكم وأغلق بأبي دونكم وأترك مظالمكم بينكم وإذا منع الله أهل الفاقة منكم اليوم شيئا بعد اليوم فانما هو فيئ الله الذي افاءه عليكم لست وإن كنت أمير المؤمنين ولن أخفى إبقاء إمن كان بيني وبين أحد منكم خصومة أقاضيه إلى أحدكم ثم أقنع بالذي يقضى بيننا فاعلموا ذاك وإنكم قوم مسلمون على شريعة الاسلام ثم عليكم بتقوى الله في سركم وعلانيتكم وحرماتكم التي حرم الله عليكم من دمائكم وأموالكم وأعراضكم وأعطوا الحق من أنفسكم ولا يحملن بعضكم بعضا إلى أن يوقع إلى السلطان شأنه فليستعذ بي فإنه ليس بيني وبين أحد من الناس هوادة من
[ 198 ]
منع من نفسه حقا واجبا عليه أو استحل من دماء المسلمين واعراضهم وأبشارهم فأنا أقتص منه وإن كان يدلى إلى بقرابة قريبة ثم إنكم معشر العرب في كثير منكم جفاء في الدين وخرق في الامور إلا من عصمه الله برحمة وإني قد جعلت بسبيل أمانة عظيمة انا مسؤل عنها وإنكم أيها الناس لن تغنوا عنى من الله شيئا وإني حثيث على صلاحكم عزيز على ما عنتم حريص على معافاتكم وإقامة أموركم وإنكم إناء من حصل في سبيل الله عامتكم أهل بلد لا زرع فيها ولا ضرع إلا ما جاء الله به إليه وإن الله قد وعدكم كرامة كبيرة ودنيا بسيطة لكم وإنني مسؤل عن أمانتى وما أنا فيه ولا أستطيع ما بعد منها إلا بالامناء وأهل النصح منكم للشاهد والغائب ولست أجعل أمانتى إلى أحد ليس لها بأهل ولن أوليه ذلك ولا أجعله إلا من تكون رغبته في أداء الامانة والتوقير للمسلمين أولئك أحق بها ممن سواهم اللهم صل على محمد عبدك ورسولك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ولما ورد كتاب أبى بكر الشام على أمراء الاجناد باستخلاف عمر بايعوه وأطاعوه ثم ساروا إلى فحل من أرض الردن وقد اجتمع
[ 199 ]
بها الروم والمسلمون عليهم الامراء الاربعة وخالد بن الوليد على مقدمة الناس فلما نزلت الروم بيسان بثقوا أنهارها وهى أرض سبخة فكانت وحلة فغشيها المسلمون ولم يعلموا بما فعلت الروم فزلقت فيها خيولهم ثم سلمهم الله والتقوا هم والروم بفحل فاقتتلوا فهربت الروم ودخل المسلمون فحلا وانكشفت الروم إلى دمشق وغنم المسلمون غنائم كثيرة وكتب خالد بن الوليد إلى عمر أن الناس قد اجترؤا على الشراب فاستشار عمر أصحابه عليا وعثمان والزبير وسعدا فال على إذا شرب سكر وإذا سكر افترى وإذا افترى فعليه ثمانون فأثبت عمر الحد ثمانين ثم كانت وقعة الجسر وذلك أن المثنى بن حارثة الشيباني قدم على عمر بن الخطاب من العراق وقال يا أمير المؤمنين إنا بأرض فارس قد نلنا منهم واجترأنا عليهم ومعي من قومي جماعة فابعث معي ناسا من المجاهدين والانصار يجاهدون في سبيل الله فقام عمر بن الخطاب
[ 200 ]
فحمد الله وأثنى عليه ثم دعا الناس إلى الجهاد ورغبهم فيه وقال إنكم أيها الناس قد أصبحتم في دار غير مقام بالحجاز وقد وعدكم الله على لسان نبيه كنوز كسرى وقيصر فسيروا إلى أرض فارس فسكت الناس لما ذكرت فارس فقام أبو عبيد بن مسعود الثقفى فقال يا أمير المؤمنين أنا أول من انتدب من الناس حتى اجتمعوا وأجمعوا على المسير ثم قال يا أمير المؤمنين اجتمع الناس أمر عليهم رجلا من المهاجرين أو من الانصار فقال لا أومر عليهم إلا أول من انتدب منهم فأمر أبا عبيدة فقال إنه لم يمنعني أن أستعمل عليهم سليط بن قيس إلا أنه رجل فيه عجلة إلى القتال فأخاف ان يوقع الناس موقعا يهلككم فاستشره ثم سار أبو عبيد مع المثنى بن حارثة الشيباني والمسلمون معهما حتى إذا انتهى إلى بلاد قومه قام معه ربيعة فسار بهم وسار أبو عبيد بالناس حتى نزلوا باليمن وفيها مصلحة الاعاجم فاقتتلوا بها قتالا شديدا فانهزمت العجم ثم بعث أبو عبيدة بمن معه من المسلمين فالتقيا فاقتتلوا فهزم الجالنوس وأصحابه ودخل أبو عبيد باروسما حصنا لهم ونزل هو وأصحابه فيه
[ 201 ]
ثم بعث الاعاجم ذا الحاجب وكان رئيس الاعاجم رستم فلما بلغ أبا عبيد مسيرهم إليه انحاز بالناس حتى عبر الفرات فنزل في المروحة وأقبلت الاعاجم حتى نزلت خلف الفرات ثم إن أبا عبيد حلف ليقطعن إليهم الفرات فناشده سليط بن قيس وقال أنشدك الله في المسلمين في تدخلهم هذا المدخل فان العرب تفر وتكر فاجعل للناس مجالا فأبى أبو عبيد وقال جبنت والله يا سليط قال والله ما جبنت ولكن قد أشرت عليك بالرأى فاصنع بما بدا لك فعمد أبو عبيد إلى الجسر الذي عقد له بن صلوبا فعبر عليه المسلمون فلما التقوا شد عليهم الفيل فلما رأى أبو عبيد ما يصنع الفيل قال هل لهذه الدابة من مقتل قالوا نعم إذا قطع مشفرها ماتت فشد على الفيل فضرب مشفره فبرك عليه الفيل فقتله وهرب المسلمون منهزمين فسبقهم عبد الله بن مرثد الخثعمي إلى الجسر فقطعه فقال له الناس لم فعلت هذا قال لتقاتلوا عن أميركم ولما قتل أبو عبيد أخذ الراية المثنى بن حارثة فانحازوا ورجعت الفرس ونزل المثتى بن حارثة أليس وتفرق الناس ولحقوا بالمدينة
[ 202 ]
فأول من قدم المدينة بخبز الناس عبد الله بن حصين الخطمي فجزع المسلمون من المهاجرين والانصار بالفرار وكان عمر يقول لا تجزعوا أنا فئتكم إنما انحرتم إلى وكان ممن قتل بالجسر أبو عبيد بن مسعود الثقفى وابنه جبر بن أبى عبيد وأسعد بن سلامة وسلمة بن أسلم بن حريش والحارث بن عدى بن مالك والحارث بن مسعود بن عبدة ومسلم بن أسلم وخزيمة بن أوس وأنيس بن أوس بن عتيك بن عامر وعمر بن أبى اليسر وسلمة بن قيس وزيد بن سراقة بن كعب والمنذر بن قيس وضمرة بن غزية بن عمرو وسهل بن عتيك وثعلبة بن عمرو بن محصن وحج بالناس عمر بن الخطاب السنة الرابعة عشرة فلما دخلت السنة الرابعة عشرة سار المسلمون إلى دمشق وخالد بن الوليد على مقدمة الناس وقد اجتمعت الروم إلى رجل منهم يقال له باهان بدمشق فعزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد وأمر أبا عبيدة
[ 203 ]
بن الجراح على جميع الناس فاستحى أبو عبيدة أن يقرى خالدا الكتاب وقال أصبر حتى يفتح الله دمشق فاقتتلوا قتالا شديدا وانهزم الروم وتحصنوا فرابطها المسلمون حتى فتحت صلحا وأعطوا الجزية وكان قد أخذ الابواب عنوة وجرى الصلح على يدي خالد وكتب الكتاب ولحق باهان بهرقل وكان ذلك في رجب ومدة حصاره دمشق ستة اشهر فلما فرغ المسلمون من دمشق أقرأ أبو عبيدة خالدا الكتاب فانصرف خالد إلى المدينة وقد قيل إن الصلح جرى على يد أبى عبيدة ثم خرج عمر على الناس فقال إني وجدت من عبيد الله ابني ريح شراب وإني سائل عنه فان كان مسكرا جلدته قال السائب بن يزيد فشهدته بعد ذلك يحده وكان الذي حده عبد الرحمن بن عبد ثم ضرب أبا محجن الثقفى وربيعة بن أمية بن خلف المخزومي وحدهم في الخمر ثم أمرعدمر من كان بالبلدان التي افتتحت أن يصلوا فيها التراويح في شهر رمضان وصلى بالناس بالمدينة كذلك ثم قدم جرير بن عبد الله البجلي من اليمن على عمر في ركب من
[ 204 ]
بجيلة فقال لهم عمر إنكم قد علمتم ما كان من المصيبة في إخوانكم بالعراق فسيروا إليهم وأنا أخرج لكم من كان منكم في قبائل العرب قالوا نفعل يا أمير المؤمنين فأخرج إليهم قيسا وكندة وعرينة وأمر عليهم جرير بن عبد الله البجلي فسار بهم إلى الكوفة فلما بلغ قريبا من المثنى بن حارثة كتب له المثنى أقبل إلى إنما أنت لي مدد فكتب إليه جرير إني لست فاعلا إلا أن يأمرنى بذلك أمير المؤمنين أنت أمير وأنا أمير ثم سار جرير نحو الجسر فلقيه مهران بن باذان عند النخيلة فاقتتلوا قتالا شديدا وشد المنذر بن حسان على مهران فطعنه فوقع عن دابته واقتحم عليه جرير بن عبد الله فاحتز رأسه فاشتركا جميعا في سلبه ثم إن عمر بن الخطاب أمر سعد بن أبى وقاص على العراق ومعه ستة آلاف رجل وكتب إلى المثنى بن حارثة وجرير بن عبد الله أن اجتمعا إلى سعد فسار سعد بالمسلمين وسار المنذر وجرير إليه حتى نزل سعد بشراف وشتا بها واجتمع إليه الناس وتزوج سعد امرأة المثنى سلمى بنت حفصة ثم حج بالناس عمر بن الخطاب
[ 205 ]
فلما دخلت السنة الخامسة عشرة كان فيها وقعة اليرموك وذلك أن الروم سار بهم هرقل حتى نزل أنطاكية ومعه من المستعربة لخم وجذام وبلقين وبلى وعاملة وغسان ومن معه من أهل أرمينية بشر كثير فأقام بأنطاكية وسار أبو عبيدة بن الجراح في المسلمين إليهم في أربعة وعشرين ألفا وكان الروم مائة ألف فالتقوا باليرموك فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كانت نساء قريش يضربن باتلسيوف وكان أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه يزيد فجعل ينادى في المعركة يا نصر الله اقترب حتى أنزل الله نصره وهزم الروم فقتل من الروم ومن معه من أهل أرمينية والمستعربة سبعون ألفا وقتل الله الصقلار وباهان رئيسين لهم ثم بعث أبو عبيدة بن الجراح عياض بن غنم في طلبهم فسلك الاعماق حتى بلغ ملطية فصالح أهلها على الجزية فسمع هرقل بذلك فبعث إلى ملطية فساق من فيها من المقاتلة وأمر بها فأحرقت
[ 206 ]
وكان ممن قتل باليرموك من المسلمين عمرو بن سعيد بن العاص وأبان بن سعيد بن العاص وعبد الله بن سفيان بن عبد الاسد وسعيد بن الحارث بن قيس ولما حسر عن سعد بن أبى وقاص الشتاء سار بالمسلمين يريد القادسية وكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه يستمده فبعث إليه عمر المغيرة بن شعبة في أربعمائة رجل مددا لسعد من المدينة وكتب إلى أبى عبيدة بن الجراح أن أمد سعدا بألف رجل من عندك ففعل أبو عبيدة ذلك وأمر عليهم عياض بن غنم الفهري وسمع بذلك رستم فخرج بنفسه مع من عنده من الاعاجم يريد سعدا وحج عمر بالناس فلما كانت السنة السادسة عشرة أراد عمر بن الخطاب أن يكتب التأريخ فاستشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم من قال من النبوة ومنهم من قال من الهجرة ومنهم من قال من الوفاة فأجمعوا على الهجرة وكتب التأريخ لسنة ست عشرة من الهجرة فلما وصل إلى سعد بن أبى وقاص المغيرة بن شعبة سار بالمسلمين إلى رستم حتى نزل قادس قرية إلى جنب العذيب وأقبل
[ 207 ]
رستم في ستين ألفا من الجموع ممن أحصى في ديوانه سوى التبع والرقيق حتى نزل القادسية وبينهم وبين المسليمن جسر القادسية وسعد في منزله وجع قد خرج به قرح شديد فبعث رستم إلى سعد أن ابعث إلى رجلا جلدا أكلمه فبعث إليه المغيرة بن شعبة ففرق المغيرة رأسه أربع فرق ثم عقص شعره ولبس برديه وأقبل حتى انتهى إلى رستم من وراء الجسر مما يلي العراق والمسلمون من الناحية الآخرى مما يلي الحجاز فلما دخل عليه المغيرة قال له رستم إنكم معشر العرب كنتم أهل شقاء وجهد وكنتم تأتوننا من بين تاجر وأجير ووافد فأكلتم من طعامنا وشربتم من شرابنا واستظللتم بظلالنا فذهبتم فدعوتم أصحابكم وجئتم تؤذوننا وإنما مثلكم مثل رجل له حائط من عنب فرأى فيه أثر ثعلب فقال وما بثعلب واحد فانطلق ذلك الثعلب حتى دعا الثعالب كلها إلى ذلك الحائط فلما اجتمعن فيه جاء صاحب الحائط فرآهن فسد الحجر الذي دخلن منه ثم قتلهن جميعا وأنا أعلم إنما حملكم على هذا معشر العرب الجهد الذي أصابكم فارجعوا عنا عامكم هذا فانكم شغلتمونا عن عمارة بلادنا ونحن نوقر لكم ركائبكم قمحا وتمرا ونأمر لكم بكسوة فارجعوا عنا فقال
[ 208 ]
المغيرة بن شعبة لا يذكر منا جهد إى وقد كنا في مثله أو أشد أفضلنا في أنفسنا عيشا الذي يقتل بن عمه ويأخذ ماله فيأكله نأكل الميتة والدم والعظام فلم نزل على ذلك حتى بعث الله فينا نبينا وأنزل عليه الكتاب فدعانا إلى الله وإلى ما بعثه به فصدقه به منا مصدق وكذبه به منا مكذب فقاتل من صدقه من كذبه حتى دخلنا في دينه منن بين موقن ومقهور حتى استبان لنا أنه صادق وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا أن نقاتل من خالفنا وأخبرنا أنه من قتل منا على ذلك فله الجنة ومن عاش ملك وظهر على من خالفه ونحن ندعوك إلى أن تؤمن بالله وبرسوله وتدخل في ديننا فان فعلت كانت لك بلادك ولا يدخل عليك فيها إلا من أحببت وعليك الزكاة والخمس وإن أبيت ذلك فالجزية وإن أبيت ذلك قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك قال له رستم ما كنت أظن أن أعيش حتى أسمع هذا منكم معشر العرب لا أمسى غدا حتى أفرغ منكم وأقتلكم كلكم ثم أمر بالمعبر أن يسكر فبات ليلته يسكر بالزرع والقصب والتراب حتى أصبح وقد تركه جسرا وعبأ سعد بن أبى وقاص الجيش فجعل خالد بن عرفطة على جماعة الناس وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي
[ 209 ]
وعلى الميسرة قيس بن مكشوح المرادي وزحف إليهم رستم وزحف إليه المسلمون وكان سعد في الحصن معه أبو محجن الثقفى محبوس حبسه سعد في شرب الخمر فاقتتل المسلمون قتالا شديدا والخيول تجول وكان مع سعد أم ولده فقال لها أبو محجن وسعد في رأس الحصن ينظر إلى الجيش كيف يقاتلون أطلقيني ولك عهد الله وميثاقه لئن لم أقتل لارجعن إليك حتى تجعلي الحديد في رجلي فأطلقته وحملته على فرس لسعد بلقاء وخلت سبيله فجعل أبو محجن يشد على العدو ويكر وسعد ينظر فوق الحصن يعرف فرسه وينكره وكان همرو بن معد يكرب مع المسلمين فجعل يحرض على الناس القتال ويقول يا معشر المسلمين كونوا أسودا إن الفارسي تيس وكان في الاعلاج رجل لا يكاد يسقط له نشابة فقيل لعمرو بن معد يكرب يا أبا ثور اتق ذلك الفارسي فإنه لا تسقط له نشابة فقصد نحوه وجاءه الفارسي ورماه بنشابة فأصابت ترسه وحمل عليه عمرو فاعتنقه وذبحه فاستلبه سوارين من ذهب ومنطقة من ذهب ويلمقا من ديباج وحمل رستم على المسلمين فقصده هلال بن علقمة التميمي
[ 210 ]
فرماه رستم بنشابة فأصاب قدمه فشكها إلى ركاب سرجه وحمل عليه هلال بن علقمة فضربه فقتله واحتز رأسه وولت الفرس واتبعتهم المسلمون يقتلونهم فلما رأى أبو محجن الهزيمة رجع إلى القصر وأدخل رجليه في قيده فلما نزل سعد من رأس الحصن رأى فرسه قد عرفت فعرف أنها قد ركبت فسأل أم ولده عن ذلك فأخبرته خبر أبى محجن فخلى سبيله ونهض سعد بالمسلمين خلفهم وانتهى الفرس إلى دير قرة فنزل عليهم سعد بالمسلمين ووافى عياض بن غنم في مدده من أهل الشام وهم ألف رجل فأسهم له سعد ولاصحابه من المسلمين مما أصابوا بالقادسية وكان الناس قد أجبنوا سعدا وقالوا أجبنت عن محاربة الاعداء فاعتذر إلى الناس وأراهم ما به من القروح في فخذيه حتى سكت الناس ثم انهزم الفرس من دير قرة إلى المدائن وحملوا ما معهم من الذهب والفضة والحرير والديباج والسلاح وخلوا ما سوى ذلك فبعث سعد خالد بن عرفطة في طلبهم معه أصحابه وأردفه بعياض بن غنم في أصحابه وجعل على مقدمة الناس هاشم بن عتبة بن أبى وقاص وعلى ميمنتهم جرير بن عبد الله البجلي وعلى ميسرتهم زهرة بن حوية التميمي وتخلف عنهم بنفسه لما به من الوجع ثم أفاق سعد من وجعه وبرئ واتبع الناس بمن معه من المسلمين فأدركهم دون دجلة على
[ 211 ]
بهرسير فطلبوا المخاضة فلم يهتدوا لها فقال علج من أهل المدائن لسعد أنا أدلكم على مخاضة تدركونهم قبل أن يمنعوا السير فخرج بهم على مخاضة فكان أول من خاض المخاضة هاشم بن عتبة بن أبى وقاص في رجله فلما جاز تبعه خيله ثم أحاز عياض بن غنم بخيله ثم تتابع الناس فخاضوا حتى جاوزوا ويقال إن تلك المخاضة لم تعرف إلى الساعة فبلغ المسلمون إلى ساباط طويل مظلم وخشوا أن يكون فيه كمين للعدو فأخذوا يتجابنون فكان أول من دخله بجيشه هاشم بن عتبة بن أبى وقاص فلما جاز لاح للناس بسيفه فعرفوا أنه ليس فيه شئ يخافونه ثم أجاز خالد بن عرفطة بخيله ثم لحق سعد بالناس حتى انتهوا إلى جلولاء وبها جماعة من الفرس وكانت بها وقعة جلولاء وهزم الله الفرس وأصاب المسلمون بها من الغنائم أكثر مما أصابوا بالقادسية وكتب سعد إلى عمر بن الخطاب يخبر بفتح الله على المسلمين فكتب إليه عمر أن قف مكانك ولا تطلب غيرذلك فكتب إليه سعد إنما هي سربة أدركناها والارض بين أيدينا فكتب إليه عمر أقم
[ 212 ]
مكانك ولا تتبعهم وأعد للمسلمين دار هجرة ومنزل جهاد ولا تجعل بيني وبين المسلمين بحرا فنزل سعد بالانبار فاجتووها وأصابهم بها الحمى فكتب إلى عمر يخبره بذلك فكتب إلى سعد أنه لا يصلح العرب إلا حيث يصلح البعير والشاء في منابت العشب فانظر فلاة إلى جنب بحر فأنزل المسلمين بها واجعلها دار هجرة فسار سعد حتى نزل بكويفة فلم يوافق الناس الكون بها من كثرة الذباب والحمى فبعث سعد عثمان بن حنيف فارتاد لهم موضع الكوفة اليوم فنزلها سعد بالناس وخط مسجدها واختلط فيها للناس الخطط وكوف الكوفة واستعمل سعد على المدائن رجلا من كندة يقال له شرحبيل بن السمط ثم كتب عمر إلى سعد أن ابعث إلى أرض الهند يريد البصرة جندا لينزلوها فبعث إليها سعد عتبة بن غزوان في ثمانمائة رجل حتى نزلها وهو الذي بصر البصرة واختلط المنازل وبنى مسجد الجامع بالقصب وكان فتح البصرة صلحا وافتتح عتبة بن غزوان الابلة والفرات
[ 213 ]
وميسان ومن سبى ميسان والد الحسن وأرطبان جد بن عون ثم خرج عتبة حاجا وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلى بالناس إلى أن يرجع فحج ورجع فمات في الطريق قبل أن يصل إلى البصرة فأقر عمر المغيرة بن شعبة على الصلاة وولد عبد الرحمن بن أبى بكرة بالبصرة وهو أول مولود ولد بها وخرج عمر بن الخطاب وخلف عثمان بن عفان على المدينة فلما قدم الشام نزل بالجابية فقام فيها خطيبا لهم ثم أراد عمر الرجوع إلى الحجاز فقال له رجل من اليهود يا أمير المؤمنين لا ترجع إلى بلادك حتى يفتح الله عليك إيلياء فبينا عمر كذلك إذ نظر إلى كردوس خيل مقبل فلما دنوا من المسلمين سلوا السيوف فقال عمر هم قوم يستأمنون فآمنهوهم فأقبلوا وإذا هم أهل إيلياء فصالحوه على الجزية وفتحوها له وكتب لهم عمر كتاب عهد بذلك ورجم بالجابية امرأة أقرت على نفسها بالزنا ثم رجع إلى المدينة ودون لهم الديوان وغرب أبا محجن الثقفى إلى باضع وتزوج عمر صفية بنت أبى عبيد على مهر أربعمائة
[ 214 ]
درهم وحج بالناس عمر استخلف على المدينة زيد بن ثابت فلما دخلت السنة السابعة عشرة كتب عمر إلى البلدان بمواقيت الصلاة ووضع ما بين مكة والمدينة مياها للسابلة واتخذ دارا بالمدينة وجعل فيها الدقيق والسويق للمتقطع والضيف إذا نزل وولى عمر المغيرة على البصرة فسار المغيرة إلى الاهواز فصالحوه على ألفى ألف درهم وثمانمائة ألف درهم ثم ارتدوا فغزاهم بعد ذلك أبو موسى الاشعري إلى أن افتتحها يقال عنوة وقد قيل صلحا وبعث أبو عبيدة بن الجراح عمرو بن العاص غلى قنسرين فصالح أهل حلب ومنبج وأنطاكية وافتتح سائر أرض قيصر عنوة ويقال إن في هذه السنة افتتح أبو موسى الاشعري الرهاء وسميساط صلحا ثم أراد عمر الخروج إلى الشام فخرج حتى إذا بلغ سرغ لقيه أمراء الاجناد أبو عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبى سفيان وشرحبيل بن حسنة وأخبروه أن الارض وبية فقال عمر لابن عباس ا جمع إلى المهاجرين الاولين فجمعهم له واستشارهم فاختلفوا
[ 215 ]
عليه فمنهم القائل خرجت لوجه تريد فيه الله والدار الآخرة ولا نرى أن نصدك عنه ومنهم من يقول لا نرى أن تقدم عليه وتقدم الناس فلما اختلفوا عليه قال قوموا عنى ثم جمع الانصار واستشارهم فسلكوا طريق المهاجرين فلما اختلفوا عليه قال قوموا عنى ثم جمع مهاجرة الفتح فاستشارهم فلم يختلف عليه منهم اثنان قالوا جميعا ارجع بالناس فإنه بلاء وفناء فقال عمر لابن عباس أخبر الناس أن أمير المؤمنين يقول إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه فأصبح عمر على ظهر وأصبح الناس عليه فقال أيها الناس إني راجع فارجعوا فقال له أبو عبيدة بن الجراح يا أمير المؤمنين افرارا من قدر الله قال نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله لو غيرك قالها يا أبا عبيدة أرأيت لو أن رجلا هبط واديا له عدو ثان إحداهما خصبة والاخرى جدبة أليس يرعى من يرعى الجدبة بقدر الله ويرعى من يرعى الخصبة بقدر الله ثم خلا به بناحية دون الناس فبينا الناس على ذلك إذ لحقهم عبد الرحمن بن عوف وكان متحنفا ولم يشهد معهم يومهم بالامس فقال ما شأن الناس فأخبره الخبر فقال عندي من هذا علم فقال عمر ما عندك فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم بهذا الوباء ببلد فلا تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم به فلا تخرجوا فرارا منه لا يخرجنكم إلا ذلك فقال عمر فلله الحمد فانصرفوا
[ 216 ]
أيها الناس فانصرف بهم ورجع أمراء الاجناد إلى أعمالهم ثم اعتمر عمر في رجب وأمر بتوسيع المسجد وتجديد أنصاب الحرم وتزوج بمكة بنت حفص بن المغيرة فأخبر أنها عاقر فطلقها قبل أن يدخل بها وأقام بمكة عشرين ليلة ورجع إلى المدينة وبعث أبو عبيدة خالد بن الوليد فغلب على أرض البقاع فصالحه أهل بعلبك ثم خرج أبو عبيدة يريد حمص وقدم خالدا أمامه فقاتلوا قتالا شديدا ثم هزمت الروم حتى دخلوا مدينتهم فحاصرهم المسلمون فسألوه الصلح عن أموالهم وأنفسهم وكنائسهم فصالح المسلمون حمص على مائة ألف دينار وسبعين ألف دينار وأخذ سائر مدائن حمص عنوة وبعد موت عتبة بن غزوان والى البصرة أمر عمر على البصرة أبا موسى الاشعري وكان المغيرة على الصلاة بها فشهد أبو بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد على المغيرة بما شهدوا فبعث عمر إلى أبى موسى الاشعري أن أشخص إلى المغيرة ففعل ذلك أبو موسى ثم تزوج عمر أم كلثوم بنت على بن أبى طالب وهى من فاطمة ودخل بها في شهر ذي القعدة ثم حج واستخلف على المدينة زيد بن ثابت
[ 217 ]
فلما دخلت السنة الثامنة عشرة أصاب الناس مجاعة شديدة فاستسقى لهم عمر وأخذ يد العباس وقال اللهم إنا نستسقي بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال العباس قائما إلى جنبه وعيناه تهملان وعمر يلح في الدعاء حتى سقوا فسمى هذه السنة سنة الرمادة وأجرى عمر الاقوات على المسلمين وكان يرزق الضعفاء القوت ونهاى عن الحكرة حاطبا وغيره وكان طاعون عمواس فتفانى الناس فيه فكتب عمر إلى أبى عبيدة إنك أنزلت الناس أرضا عميقة فارفعهم إلى أرض مرتفعة فسار أبو عبيدة بالناس حتى نزل بالجابية ثم قام أبو عبيدة خطيبا فقال أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم وإن أبا عبيد يسأل الله أن يقسم له منه حظه فمات من يومه واستخلف على الناس معاذ بن جبل فقام معاذ خطيبا بعده فقال أيها الناس إن هذا الوجع رحمة ربكم ودعوة نبيكم وموت الصالحين قبلكم إن معاذا يسأل الله أن يقسم له حظه ثم لاهل بيته فطعن ابنه عبد الرحمن بن معاذ فمات ثم طعن معاذ في راحته فكان يقبل ظهر كفه وكان يقول ما أحب أن لي بما فيك من الدنيا شيئا ثم مات واستخلف على الناس عمرو بن العاص فقام فيهم خطيبا فقال أيها الناس إن هذا
[ 218 ]
الوجع إذا وقع يشتعل اشتعال النار فارتفعوا عنه في الجبال فمات في طاعون عمواس يزيد بن أبى سفيان والحارث بن هشام بن المغيرة وسهيل بن عمرو وعتبة بن سهيل فلما بلغ عمر بن الخطاب موت أبى عبيدة بن الجراح ويزيد بن أبى سفيان أمر معاوية بن أبى سفيان على جند دمشق وخراجها وأمر شرحبيل بن حسنة على جند الاردن وخراجها وغرب عمر بن ربيعة بن أمية إلى خيبر ولحق بأرض الروم وتنصر فلم يغرب عمر بعد ذلك في رجلا شئ من عمله ولا عن عمر بين رجل وامرأته ورجع ساحرا بالبقيع ثم حج عمر بالناس فلما قدم بمكة أخر المقام مقام إبراهيم وكان ملصقا بالبيت في موضعه الذي هو فيه اليوم ورجع إلى المدينة فلما دخلت السنة التاسعة عشرة كتب عمر إلى سعد بن أبى وقاص أن ابعث من عندك جندا إلى الجزيرة وأمر عليهم أحد الثلاثة خالد بن عرفطة أو هاشم بن عتبة بن أبى وقاص أو عياض بن غنم فلما قرأ سعد الكتاب قال لم يؤخر أمير المؤمنين عياض بن غنم آخر الثلاثة إلا أن له فيه هوى فولاه جيشا وبعث معه عمر بن سعد وعثمان بن أبى العاص فخرج عياض بن غنم إلى الجزيرة ونزل بجنده
[ 219 ]
على الرهاء وصالح أهلها على الجزيرة وصالحت حران حين صالحه الرهاء ووجه عياض عمر بن سعد إلى رأس العين وسار بنفسه في بقية الناس إلى دارا ونصيبين فنزل عليهما حتى افتتحهما ثم افتتح الموصل صالحه عليها أهلها وزاد عمر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد فيه من ناحية دار مروان وأدخل فيه دار العباس وسوى أعمدته وسقفه وبعث سعد جرير بن عبد الله البجلي إلى حلوان فافتتحها عنوة وافتتح هاشم بن عتبة ماسبذان عنوة وفى هذه السنة فتح أبو موسى جنديسابور والسوس صلحا ثم أمر عمر أبا موسى بجرير بن عبد الله فافتتحوا رامهرمز صلحا ثم سار أبو موسى إلى التستر حتى فتحها وافتتح فم وقاشان ثم افتتح معاوية بن أبى سفيان قيسارية والرملة وما بينهما فأقره عمر عليهما وحج بالناس عمر وفى هذه السنة افتتحت تكريت فلما دخلت سنة عشرين رجفت المدينة بالزلزلة وشكى أهل الكوفة
[ 220 ]
سعدا وزعموا أنه لا يحسن يصلى فاستقدمه عمر وسأله فقال إني أركن في الاوليين وأحذف في الآخرتين فقال كذاك الظن فيك يا أبا إسحاق ثم عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين ودخل أبو بحرية الكندي عبد الله بن قيس بلاد الروم وأغار وهو أول من دخلها وافتتح مصر والاسكندرية عمرو بن العاص عنوة وقد فتحت سنة إحدى وعشرين وغنم بها غنائم كثيرة ثم رجع فلما بلغ بلهيب قرية من قرى الريف أرسل صاحب الاسكندرية إلى عمرو بن العاص أنى قد كنت أخرج الجزية إلى من هو أبغض غلى منكم فارس والروم فان أحببت أن أعطيك الجزية على أن ترد على من السبى فعلت فبعث إليه عمرو بن العاص أن من ورائي أميرا لا أستطيع أن أنفذ أمرا دونه فان شئت أن أمسك عنك وتمسك عنى حتى أكتب إليه بالذي عرضت على فعلت فان قبل ذلك قبلته وإن أمرني بغير ذلك مضيت لامره فقال نعم فكتب عمرو إلى عمر فكتب إليه عمر أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه أن صاحب الاسكندرية عرض عليك الجزية على أن ترد عليه ما أصبت من سبى أرضه ولعمري
[ 221 ]
لجزية قائمة تكون لنا ولمن بعدنا من المسلمين أحب إلى من فيئ يقسم ثم كأنه لم يكن فاعرض على صاحب الاسكندرية أن يعطيك الجزية على ان تخيروا من في أيديكم من سبيهم بين الاسلام وبين دين قومهم فمن اختار الاسلام فهو من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم ومن اختار دين قومه وضع عليه من الجزية ما يوضع على أهل دينه وأما من تفرق من سبيهم فبلغ المدينة ومكة واليمن فانا لا نقدر على ردهم فلا نحب أن نصالحهم على ما لا نفى به فبعث عمرو بن العاص غلى صاحب الاسكندرية يعلمه بالذي كتب أمير المؤمنين فقال قد قبلت فجمعوا ما بأيديهم من السبى واجتمعت النصارى فكانوا يخيرون الرجل بين الاسلام والنصرانية فان اختار الاسلام كبر المسلمون وانحاز إليهم وإن اختار النصرانية نخرت النصارى ثم حازوه إليهم ووضعوا عليهم الجزية ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر أما بعد يا أمير المؤمنين فانا قدرنا على البحر وإن شئت أن تركبه ركبت فكتب إليه عمر أن صف لي كيف حاله وحال من ركبه فكتب إليه عمرو بن العاص أنه خلق شديد يحل فيه خلق ضعيف دود على عود إن استمسك به فزع وإن خر غرق فكتب إلى عمرو بن العاص ما كان الله ليسألنى عن أمرى من المسلمين الذين حملتهم فيه لا حاجة لنا به
[ 222 ]
وتوفى بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمشق ودفن في المقبرة عند باب الصغير ثم أخرج عمر يهود الحجاز من نجران إلى الكوفة وقال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لئن عشت لاخرجن اليهود من جزيرة العرب ثم قال لهم من كان له منكم عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت بعهده حتى ننفذه ومن لم يكن له عهد فانى أجليه لان النبي صلى الله عليه وسلم قال أقركم ما أقركم الله وقد أذن الله باجلائكم إلا أن يأتي رجل منكم بعهد أو بينة من النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقره فأقره وقد فعلتم بمظهر بن رافع الحارثى ما فعلتم وذلك أن مظهر بن رافع خرج بأعلاج له من الشام حتى إذا كان بخيبر دخل قوم من اليهود وأعطوا غلمانه السلاح وحرضوهم على قتله فقتلوه فأجلى عمر اليهود من الحجاز وقسم خيبر على ثمانية عشر سهما ثم بعث إلى فدك أبا حبيبة الحارثى ومضى إلى وادى القرى وأنفذ ظعن خيبر ووادى القرى على ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماها إلا أنه فرقها وصارت في أيدى أهلها تباع وتورث بدأ بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ففرض لكل امرأة منهن
[ 223 ]
اثنى عشر ألفا وفرض لاهل بدر صبيهم وحليفهم ومولاهم خمسة آلاف خمسة آلاف وفرض للانصار صبيهم وحليفهم ومولاهم أربعة آلاف أربعة آلاف ثم مات أسيد بن حضير في شعبان ودفن بالبقيع ومات هرقل ملك الروم وأقعد مكانه قسطنطين ثم أغارت الحبشة على أهل بلجة فأصابوهم وقدم الصريخ على عمر فبعث علقمة بن مجزر المدلجي في عشرين مركبا إلى إلى الحبشة فأغاروا عليهم ولم يحمل بعدها مسلما في البحر ثم عزل عمر أبا موسى عن البصرة وولاها عثمان بن أبى العاص وأمرهما أن يطاوعا فنزل عثمان توج ومصرها وبعث سوار بن همام العبدي إلى سابور فقتل بعقبة الطين ثم ماتت زينب بنت جحش زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر من يغسلها فقالت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نحن نغسلها فغسلناها وصلى عليها عمر وكبر أربعا فلما أتى بسريرها أمر عمر بثوب فمد على قبرها وأمر أسامة بن زيد وابن أخيها محمد بن عبد الله بن
[ 224 ]
جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله فدخلوا قبرها ولحدوا لها وقام عمر على قبرها حتى سوى عليها ورش على قبرها الماء ثم انصرف وحج عمر بالناس فلما دخلت السنة الحادية والعشرون مات خالد بن الوليد بحمص وأوصى إلى عمر بن الخطاب ثم كان فتح نهاوند وأميرها النعمان بن مقرن وذلك أن أهل الري وأصبهان وهمذان ونهاوند تعاقدوا وتعاهدوا وقالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي العرب الذي أقام لها دينها مات وإن ملكهم من بعده ملك يسيرا يعنى أبا بكر ثم هلك وإن عمر قد طال ملكه ومكثه وتأخر أمره حتى جيش إليكم الجيوش في بلادكم وليس بمنقطع عنكم حجتى تسيروا إليهم في بلادهم فتقتلوهم فلما بلغ الخبر أهل الكوفة من المسلمين كتبوا إلى عمر فلما أخذ عمر الصحيفة مشى بها إلى منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو باك وجعل ينادى أين المسلمون أين المهاجرون والانصار من ههنا من المسلمين فلم يزل ينادى حتى امتلا عليه المسجد رجالا ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فان الشيطان قد جمع لكم جموعا كثيرة
[ 225 ]
وأقبل بها عليكم ألا وإن أهل الري وأصبهان وأهل همذان وأهل نهاوند أمم مختلفة ألوانها وأديانها ألا وإنهم تعاقدوا وتعاهدوا على أن يسيروا إليكم فيقتلوكم ألا وإن هذا يوم له ما بعده من الايام ألا فأشيروا على برأيكم فقام طلحة بن عبيد الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فقد حنكتك البلايا وعجمتك التجارب وقد ابتليت يا أمير المؤمنين واختبرت فلم ينكشف شئ من عواقب قضاء الله لك إلا عن خيار وأنت يا أمير المؤمنين ميمون النقيبة مبارك الامر فمرنا نطع وادعنا نجب واحملنا نركب فأثنى عمر على طلحة خيرا ثم جلس فقام عثمان بن عفان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أمير المؤمنين إني أرى أن تكتب إلى أهل الشام فيسيرون إليك من شامهم وتكتب إلى أهل اليمن فيسيرون من يمنهم وتسير أنت بمن معك من أهل هذين الحرمين إلى هذين المصرين فإنك لو فعلت ذلك كنت أنت الاعز والاكبر وإن هذا يوم له ما بعده من الايام وأثنى عليه عمر فجلس فقام على بن أبى طالب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد يا أمير المؤمنين فإنك إن تكتب إلى أهل الشام أن يسيروا
[ 226 ]
إليك من شامهم إذا تسير الروم إلى ذراريهم فتسبيهم وإن تكتب إلى أهل اليمن أن يسيروا إليك من يمنهم إذا تسير الحبشة إلى ذراريهم فتسبيهم وإن سرت أنت بمن معك من أهل هذين الحرمين إلى هذين المصرين إذا والله انتقضت عليك الارض من أقطارها وأكنافها وكان والله يا أمير المؤمنين من تخلف وراءك من العورات والعيالات أهم إليك مما بين يديك من العجم ولا لله يا أمير المؤمنين لو أن العجم نظروا إليك عيانا إذا لقالوا هذا عمر هذا إريس العرب وكان والله أشد لحربهم وجرأتهم عليك وأما ما كرهت من مسير هؤلاء القوم فان الله أكره لمسيرهم منك وهو أقدر على تغيير ما كره وأما ما ذكرت من كثرتهم فانا كنا ما نقاتل مع نبينا بالكثرة ولكنا نقاتل معه بالنصرة من السماء وأنا أرى يا أمير المؤمنين رأيا من تلقاء نفسي رأيي أن تكتب إلى أهل البصرة فيفترقوا على ثلاث فرق فرقة تقيم في أهل عهودهم بأن لا ينتقضوا عليهم وفرقة تقيم من ورائهم في ذراريهم وفرقة تسير إلى إخوانهم بالكوفة مددا لهم فطبق عمر ثم أهل مكبرا يقول الله أكبر الله أكبر هذا رأى هذا رأى كنت أحب أن أتابع صدق بن أبى طالب لو خرجت بنفسى لنقضت على
[ 227 ]
الارض من أقطارها ولو أن العجم نظروا إلى عيانا ما رالوا عن العرص حتى يقتلوني أو أقتلهم أشر على يا على بن أبى طالب برجل أوليه هذا الامر قال مالي ولهم هم أهل العراق وفدوا عليك ورأوك ورأيتهم وتوسمتهم وأنت أعلمنا بهم قال عمر إن شاء الله لاولين الراية غدا رجلا يكون لاول أسنة يلقاها وهو النعمان بن مقرن المزني ثم دعا عمر السائب بن الاقرع الكندي فقال يا سائب أنت حفيظ على الغنائم بأن تقاسمها فان الله أغنم هذا الجيش شيئا فلا تمنعوا أحدا حقا هو له ثكلتك أمك يا سائب وإن هذا الجيش هلك فاذهب عنى في عرض الارض فلا أنظر إليك بواحدة فإنك تجيئني بذكر هذا الجيش كلما رأيتك ثم كتب إلى أهل الكوفة سلام عليكم أما بعد فقدج استعملت عليكم النعمان بن مقرن المزني فان قتل النعمان فعليكم حذيفة بن اليمان العبسي فان قتل حذيفة فعليكم عبد الله بن قيس الاشعري أبو موسى فان قتل أبو موسى فعليكم جرير بن عبد الله البجلي فان قتل جرير فعليكم المغيرة بن شعبة الثقفى فان قتل المغيرة فعليكم الاشعث بن قيس الكندي ثم كتب عمر إلى النعمان بن مقرن فان في جندك رجلين عمرو بن معد يكرب المدحجى وطليحة بن خويلد الاسدي فأحضرهما
[ 228 ]
وشاورهما في الحرب وإياك أن توليهما عملا فان كل صانع أعلم بصناعته فلما ورد عليه الكتاب سار بالناس فالتقى المسلمون والمشركون بنهاوند فأقبل المشركون يحمون أنفسهم وخيولهم ثلاثا ثم نهض إليهم المسلمون يوم الاربعاء فاقتتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى وفشت الجرخى والصرعى في الفريقين جميعا ثم حجز بينهما الليل ورجع الفريقان إلى عسكريهما وبات المسلمون ولهم أنين من الجراحات يعصبون بالخرق ويبكون حول مصاحفهم وبات المشركون في معازفهم وخمورهم ثم غدوا يوم الخميس فاقتتل المشركون وقاتلوا قتالا شديدا حتى كثرت القتلى وفشت الجرحى في الفريقين جميعا ثم حجز بينهما الليل ورجع الفريقان إلى عسكريهما وبات المسلمون لهم أنين من الجراحات يعصبون بالخرق ويبكون حول مصاحفهم وبات المشركون في معازفهم وخمورهم ثم غدا النعمان بن مقرن يوم الجمعة وكان رجلا قصيرا أبيض على برذون أبيض قد أعلم بالبياض فجعل يأتي راية راية يحرضهم على القتال
[ 229 ]
ويقول الله الله في الاسلام أن تخذلوه فانكم باب بين المسلمين وبين المشركين فان كسر هذا الباب دخلوا على المسلمين يا أيها الناس إني هاز لكم الراية مرة فليتعاهد الرجل الخيل في حزمها وأعنتها ألا وإني هاز لكم الثانية فلينظر كل رجل منكم إلا موقف فرسه ومضرب رمحه ووجه مقاتله ألا وإني هاز لكم الثالثة ومكبر فكبروا الله واذكروه ومستنصر فاستنصروه ألا فحامل فاحملوا فقال رجل قد سمعنا مقالتك وحفظنا وصيتك فأخبرنا بأي النهار يكون ذلك حتى يكونوا على آلة وعدة قال النعمان ليس بمعنى أن يكون ذلك من أول النهار إلا شئ شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل بالقتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح ويطيب القتال وتحضر الصلاة وينزل النصر من السماء مع مواقيت الصلاة في الارض فمكث المسلمون ينظرون إلى الراية ويراعونها حتى إذا زالت الشنس عن كبد السماء هز النعمان الراية هزة فانتزعوا المخالى عن الخيول وقرطوها الاعنة وأخذوا أسيافهم بأيمانهم والاترسة بشمائلهم وصلى كل رجل منهم ركعتين يبادر بهما ثم هز النعمان الراية ثانيا فوضع كل رجل منهم رمحه بين أذنى فرسه ولزمت
[ 230 ]
الرجال منهم نحور الخيل وجعل كل رجل يقول لصاحبه أي فلان تنح عنى لاوطئك بفرسي إني أرى وجه مقاتلي إني غير راجع إن شاء الله حتى أقتل أو يفتح الله على ثم هز الثالثة فكبر فجعل الناس يكبرون الاول فالاول الادنى فالادنى وقذف الله الرعب في قلوب المشركين حتى أن أرجلهم كانت تخفق في الركب فلم يستطع منهم أحد أن يوتر قوسه ثم ولوا مدبرين وحمل النعمان وحمل الناس فكان النعمان أول قتيل قتل من المسلمين جاءه سهم فقتله فجاء أخوه معقل بن مقرن فغطى عليه بردا له ثم أخذ الراية وإنها لتنضح دما من دماء من قتله بها النعمان قبل أن يقتل فهزم الله المشركين وفتح على المسلمين وبايع الناس لحذيفة بن اليمان فجمع السائب بن الاقرع الغنائم كأنها الآكام فجاءه دهقان من دهاقينهم فقال هل لك أن تؤمنني على دمى ودم أهل بيتي ودم كل ذي رحم لي وأدلك على كنز عظيم قال نعم قال خذوا المكاتل والمعاول فامشوا فمشوا معه حتى انتهى إلى مكان قال احفروا فحفروا فإذا هم بصخرة قال اقلعوها فقلعوا فإذا هم بسفطين من فصوص يضئ ضوءها كأنها شهب تتلألأ فأعطى السائب كل ذي حق حقه من الغنائم وحمل السفطين
[ 231 ]
حتى قدم بهما على عمر فلما نظر عمر إلى السائب ولى باكيا ثم أقبل يقول يا سائب ويحك ما وراءك ما فعلت ما فعل المسلمون قال السائب خير يا أمير المؤمنين هزم الله المشركين وفتح للمسلمين قال ويحك يا سائب والله ما أتت ليلة بعد ليلة بات فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا ميتا مثل البارحة لا والله ما بت البارحة إلا تقديرا فما فعل النعمان بن مقرن قال استشهد يا أمير المؤمنين فبكى عمر ثم قال يرحم الله النعمان ثلاثا ثم قال مه قال لا والذي أكرمك بالخلافة وساقها إليك ما قتل بعد النعمان أحد نعرفه فبكى عمر بكاء شديدا ثم قال الضعفاء لكن الله أكرمهم بالشهادة وساقها إليهم أدفنتم إخوانكم لعلكم غلبتم على أجسادهم وخليتم بين لحومهم والكلاب والسباع أخشى أن يكونوا أصيبوا بأرض مضيعة قال السائب هون عليك يا أمير المؤمنين فقد أكرمهم الله بالشهادة وساقها إليهم ثم قال عمر أعطيت كل ذي حق حقه فقال نعم فنفض عمر رداءه ثم ولى باكيا فأخذ السائب بطرف ردائه ثم قال اجلس يا أمير المؤمنين فان لي إليك حاجة قال وما حاجتك ألم تخبرني أنك أعطيت كل ذي حق حقه قال بلى قال فما حاجتك إلى فابدى له عن السفطين فصوصهما كأنها شهب تتلألأ فقال عمر
[ 232 ]
ما هذا فأخبره السائب خبر الدهقان فصعد فيها بصره وخفضه ثم قال ادع لي عليا وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود وعبد الله بن الارقم فلما اجتمعوا عنده قال السائب لم يكن لي هم إلا أن أنفلت من عمر فركبت راحلة لي وأتيت الكوفة فوالله ما جفت بردعة راحلتي حتى أتاني كتاب عمر عزمت عليك إن كنت قاعدا لا قمت وإن كنت قائما لا قعدت إلا على راحلتك ثم العجل العجل فقلت للرسول هل كان في الاسلام حدث قال لا قلت فما حاجته إلى قال لا أدرى فركبت راحلتي حتى أتيت عمر فلما نظر إلى أقبل على بدرته يضربني بها حتى سبقته إلى غيره وهو يقول ما لي ولك يا بن أم مليكة أعن ديني تفارقني أم النار توردنى قلت دعني عنك يا أمير المؤمنين لا تقتلني غما قال عمر فإنك لما خرجت من عندي فأويت إلى فراشي جاءني ملائكة من عند ربي في جوف الليل فرمونى بسفطين هذين فإذا حملتهما فإذا نار توقد على جنبي فجعلت أتأخر وجعلوا يدفعونني إليهما حتى تعاهدت ربي في هذا إن هو تركني حتى أصبح لاقسمن على من أفاء الله عليه أخرج بهما من عندي لا حاجة لي بهما
[ 233 ]
بعهما بعطية المقاتلة والذرية فان لم تصب إلا عطية أحد الفريقين فبع ثم اقسمهما على من أفاء الله عليه والله لئن شكا المسلمون قبل أن تقسم بينهم لاجعلنك نكالا لمن بعدك قال السائب فخرجت بهما من عنده حتى قدمت الكوفة فأخرجتهما إلى الزحمة فأبديت عنهما فلاح ضوءهما كأنهما شهب تتلألأ فجعل لا يأتي عليهما قوم إلا صفقوا تعجبا منهما حتى أتاني عمرو بن حريث فلما نظر إليهما استامني بهما فقلت بعطية المقاتلة والذرية فما كلمني حتى صفق على يدي وأوجبت له البع فخرج بهما إلى الحيرة فباع أحدهما بعطية المقاتلة والذرية واستفضل الآخر ربحا فكان أول شئ اعتقله بالكوفة مالا ثم سار المغيرة بالمسلمين إلى مدينة أذربيجان فصالحه أهلها على ثمانمائة ألف درهم في كل سنة ثم غزا حذيفة بن اليمان الدينور فافتتحها عنوة وكانت قبل ذلك
[ 234 ]
فتحت لسعد فانتقضت ثم غزا حذيفة ماء سندان فافتتحها عنوة وكانت قبل ذلك فتح لسعد فانتقضت ثم غزا حذيفة همذان فافتتحها عنوة ثم ولى عمر عمار بن ياسر الكوفة على الصلاه والحرب وعبد الله بن مسعود على بيت المال وعثمان بن حنيف على مساحة الارض فشكا أهل الكوفة عمارا وقالوا رجل لا يعلم فاستعفي عمار ودعا عمر جبير بن مطعم خاليا ليوليه الكوفة وقال له لا تذكره لاحد فبلغ المغيرة بن شعبة أن عمر قد خلا بجبير بن مطعم فرجع إلى امرأته وقال لها اذهبي إلى امرأة جبير بن مطعم فاعرضي عليها متاع السفر فأتتها فعرضت عليها فاستعجمت عليها ثم قالت ائتينى به فلما استيقن المغيرة بذلك جاء إلى عمر وقال بارك الله لك فيمن وليت وأخبره أنه ولى جبير بن مطعم فقال عمر لا أدرى ما أصنع فولى المغيرة بن شعبة الكوفة فلم يزل عليها إلى أن مات عمر ثم مضى عمرو بن العاص إلى برقة طرابلس ففتحها وصالح أهل برقة على اثنى عشر ألف دينار وبعث عقبة بن نافع الفهري فافتتح
[ 235 ]
لعمر زويلة بالصلح وكان بين برقة وزويلة صلح للمسلمين وحج عمر بالناس واستخلف على المدينة زيد بن ثابت فلما دخلت السنة الثانية والعشرين فتح المغيرة بن شعبة أذربيجان صلحا على ثمانمائة ألف درهم ودخل معاوية أرض الروم الصائفة في عشرة آلاف ثم اعتمر عمر وساق معه عشر بدنات ونحرها في منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه من الصحابة عبادة بن الصامت وأبو ذر وأبو أيوب وشداد بن أوس وكان نافع بن عبد الحارث عامله على مكة فتلقاه نافع فقال عمر من خلفت على أهل الوادي فقال بن رجل من الموالي قال عمر أمولى أيضا قال يا أمير المؤمنين إنه قارئ للقرآن عالم بالفرائض فقال عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عزوجل يرفع بهذا القرآن أقواما ويضع به آخرين فلما دخلت السنة الثالثة والعشرون فتح معاوية عسقلان صلحا وقد قيل إن الذي فتح في هذه السنة فتحها قرظة بن
[ 236 ]
كعب الانصاري لعمر ولا يصح عندي ثم كان غزوة أصطخر الاولى وذلك أن عثمان بن أبى العاص أقام يتوج وتوفى قتادة بن النعمان الظفري فصلى عليه عمر ونزل حفرته أخوه لامه أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزمة ثم حج بالناس عمر وأذن لازواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يحججن معه فبينا هو بالابطح إذ أقبل راكب يسأل عن عمر فدل عليه فلما رآه بكى وجعل يقول جزى الله خيرا من أمير وباركت يد الله في ذاك الاديم الممزق قضيت أمورا ثم غادرت بعدها بوائج في أكمامها لم تفتق أبعد قتيل بالمدينة أظلمت له الارض تهتز العضاه بأسوق فمن يسع أو يركب جناحى نعامة ليدرك ما قدمت بالامس يسبق فما كنت أخشى أن تكون وفاته بكفى سبنتى أزرق العين مطرق
[ 237 ]
وكان جبير بن مطعم يقول بينا أنا واقف مع عمر بعرفات إذ قال رجل يا خليفة الله فقال رجل خلفي قطع الله لحيتك والله لا يقف أمير المؤمنين بعد هذا العام أبدا قال جبير فالتفت فإذا هو رجل من لهب ولهب بطن من الازد وبينا نحن نرمى الجمار وإذا رمى إنسان فأصاب رأس عمر فشجه فقال رجل خلفي قطع الله لحيتك ما أرى أمير المؤمنين إلا سيقتل قال جبير فالتفت فإذا هو ذلك اللهبى ثم رجع عمر من مكة إلى المدينة وقام في الناس فقال إني رأيت كأن ديكا أحمر نقرني نقرتين ولا أراه إلا لحضور أجلى ثم خرج يوما إلى السوق وهو متكئ على يد عبد الله بن الزبير إذ لقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال لعمر ألا تكلم مولاي أن يضع عنى من خراجي قال وكم خراجك قال دينار قال ما أفعل إنك لعامل وإن هذا لشئ يسير ثم قال له عمر ألا تعمل لي رحى قال بلى فلما ولى عمر قال أبو لؤلؤة
[ 238 ]
أعمل لك رحى يتحدث بها من بين المشرق والمغرب قال بن الزبير فوقع في قلبي قوله ذلك فلما كان وقت النداء بالفجر خرج عمر إلى الصلاة وذلك يوم الاربعاء لاربع ليال بقين من ذي الحجة واضطجع له أبو لؤلؤة فقام عمر فجعل يقول بين الصفوف فاستووا استووا فلما كبر طعنه أبو لؤلؤة ثلاث طعنات في وتينه فقال عمر قتلني الخبيث ثم أخذ بيد عبد الرحمن فقدمه فصلى عبد الرحمن بالناس الصبح وقرأ انا اعطينك الكوثر وإذا جاء نصر الله ثم دخل عبد الرحمن على عمر وعنده على وعثمان وسعد وابن عباس فقال يا بن عباس من قتلني قال أبو لؤلؤة قال عمر الحمد لله الذي لم يجعل موتى برجل يدعى الاسلام ثم سكت عمر كالمطرق فقالوا ألا ننبه للصلاة فقيل الصلاة يا أمير المؤمنين فقال نعم ولا حظ في الاسلام لمن ترك الصلاة ثم صلى وجرحه يثعب دما ثم أقبل على على فقال اتق الله يا على إن وليت من أمور الناس شيئا فلا تحملن بنى هاشم على رقاب الناس وأنت يا عثمان إن وليت من أمور الناس شيئا فلا تحملن بنى أبى معيط على رقاب الناس وأنت يا زبير ويا سعد إن وليتما من أمر الناس فلا تحملن أقاربكما على رقاب الناس ثم قال إني
[ 239 ]
نظرت في أمر الناس فلم أر عندهم شقاقا إلا أن يكون فيكم وإن الامر إلى الستة نفر عثمان وعلى وعبد الرحمن وسعد وطلحة والزبير فتشاوروا ثلاثا وكان طلحة غائبا في مال له فقال عمر إني مصرت لكم الامصار ودونت لكم الدواوين وإني تركتكم على الواضحة إنما أتخوف أحد رجلين إما رجل يرى أنه أحق بالملك من صاحبه فيقاتله أو رجل يتأول القرآن في كتاب الله الشيخ والشيخة ا ذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ألا فلا تهلكوا عن آية الرجم فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا معه ولولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدى فقد قرأناها بكتاب الله ثم دعا بكتاب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى الخليفة من بعدي سلام عليك فانى احمد الله الذلا لا إله إلا هو أما بعد فانى أوصيك بتقوى الله وبالمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم الآية فتعرف فضيلتهم وتقسم عليهم فيئهم وأوصيك بالذين تبوؤا الدار والايمان الآية فهؤلاء الانصار تعرف فضلهم وتقسم عليهم فيئهم وأولئك الذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا الآية
[ 240 ]
وخرج أبو لؤلؤة على وجه يريد البقيع وطعن في طريقه اثنى عشر رجلا فخرج خلفه عبيد الله بن عمر فرأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة وكان نصرانيا وهو يتناجون بالبقيع فسقط منهم خنجر له رأسان ونصابه في وسطه فقتل عبيد الله أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة ثلاثتهم فجرى بين سعد بن أبى وقاص وبين عبيد الله في شأن جفينة ملاحاة وكذلك بين على بن أبى طالب وبينه في شأن الهرمزان حتى قال على بن أبى طالب إن وليت من هذا الامر شيئا قتلت عبيد الله بالهرمزان ثم أرسل عمر إلى عائشة يستأذنها في أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر فأذنت له فقال عمر أنا أخشى أن يكون ذلك لمكان السلطان منى فإذا مت فاغسلوني فكفنوني ثم قفوا بي على بيت عائشة وقولوا أيلج عمر فان قالت نعم فأدخلوني وإن أبت فادفنوني بالبقيع ثم أرسل عمر فجئ بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلم أنه الموت فقال لعبد الله بن عمر انظر ما على مكن الدين فاحسبه فقال ستة وثمانون ألفا إن وفى لها مال آل عمر فأدها عنى من أموالهم
[ 241 ]
وإلا فسل بنى عدى بن كعب فان لم تف من أموالهم فسل قريشا ولا تعدهم إلى غيرهم وأدها عنى فتوفى عمر رضي الله تعالى عنه وله خمسة وستون سنة وفعل به ما أمر فأذنت له عائشة وصلى عليه صهيب ودخل حفرته عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وكانت الخلافة عشر سنين وستة أشهر وأربع ليال وكان له من العمال وقت ما توفى على الكوفة المغيرة بن شعبة وعلى البصرة أبو موسى وعلى حمص أعمالها عمير بن سعد الضمري وعلى دمشق معاوية بن أبى سفيان وعلى صنعاء يعلى بن منية وعلى الجند عبد الله بن أبى ربيعة وعلى الطائف سفيان بن عبد الله الثقفى وعلى مكة نافع بن عبد الحارث وعلى مصر عمرو بن العاص رحمهم الله تعالى أجمعين آمين استخلاف عثمان بن عفان رضى اللع تعالى عنه وهو عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن
[ 242 ]
مضر بن نزار بن معد بن عدنان وكنيته أبو عمرو وقد قيل أبو عبد الله ويقال أبو ليلى وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي بالبصرة ثنا على بن هاشم عن جعفر بن نجيح المديني ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أبى حازم عن سهل بن سعد الساعدي أن أحدا ارتج وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان فقا النبي صلى الله عليه وسلم اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان قال أبو حاتم لما دفن عمر رضي الله تعالى عنه تعمد عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وطلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وعبد الرحمن وسعد يتشاورون فأشار عثمان على عبد الرحمن بالدخول في الامر فأبى عبد الرحمن وقال لست بالذي أنافسكم على هذا الامر وإن شئتم
[ 243 ]
اخترت لكم منكم واحدا فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن بن عوف فلما ولى ذلك مال الناس كلهم إليه وتركوا أولئك الآخرين فأخذ عبد الرحمن يتشاور في تلك الليالي الثلاث حتى إذا كان من الليلة التي بايع عثمان بن عفان من غدها جاء إلى باب المسور بن مخرمة بعد هوى من الليل فضرب الباب وقال ألا أراك نائما والله ما كحلت منذ الليلة بكثير نوم ادع لي الزبير وسعدا فدعاهما فشاورهما ثم أرسله إلى عثمان بن عفان فدعاه فناجاه حتى فرقف بينهما المؤذن فلما صلوا الصبح اجتمعوا وأرسل عبد الرحمن إلى من حضر من المهاجرين والانصار وأمراء الاجناد ثم خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فانى نظرت في أحوال الناس وشاورتهم فلم أجدهم يعدلون بعثمان ثم قال يا عثمان نبايعك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده قال نعم فبايعه عبد الرحمن وبايعه المهاجرون والانصار وأمراء الاجناد والمسلمون وذلك لغرة المحرم وبعد دفن عمر بثلاثة أيام في هذه السنة كان فتح همذان ثانيا وكانت قد انتقضت على أميرها المغيرة بن شعبة على رأس ستة أشهر من مقتل عمر وفى هذه السنة سار إليها أبو موسى الاشعري بأهل البصرة
[ 244 ]
حتى فتحها صلحا مكعه البراء بن عازب وقرظة بن كعب وكان عمر بن الخطاب قد قتل وحذيفة قد افتتحها وجيشه كان عليها ثم انتقضوا حتى غزاهم أبو موسى وخرج عثمان بن عفان يوم الفطر إلى المصلى يكبر ويجهر بالتكبير حتى صلى العيد وانصرف وبعث على الحج عبد الرحمن بن عوف فخطبهم عبد الرحمن قبل التروية بيوم مكة بعد الظهر فلما زاغت الشمس خرج إلى منى وحج ونفر النفر الاول وكان قد ساق معه بدنات فنحرها في منحر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دخلت السنة الخامسة والعشرون غزا معاوية أرض الروم وفتح الحصون وولد له ابنه يزيد بن معاوية ثم نقضت الاسكندرية الصلح الذي صالحهم عمرو بن العاص عليه فغزاهم عمرو وظفر بهم وسباهم وبعث السبى إلى المدينة فردهم عثمان إلى ذمتهم وقال إنهم كانوا صلحا والذرية لا تنقض الصلح وإنما تنقض الصلح المقاتلة ونقض المقاتلة الصلح ليس يوقع السبى على ذراريهم ثم عزل عثمان بن عفان عمرو بن العاص عن الاسكندرية ومصر وولاهما عبد الله بن سعد بن أبى سرح فوجد عمرو من ذلك وكان بدء الشر بينه وبين عثمان عزله عن مصر والاسكندرية وكان عمرو قد بعث جيشه إلى المغرب فأصابوا غنائم كثيرة فلما دخل عبد الله بن سعد مصر واليا بعث جرائد الخيل إلى المغرب واستشار عثمان في إفريقية
[ 245 ]
وعزل عثمان سعدا عن الكوفة وولى عليها الوليد بن عقبة بن أبى معيط فبعث الوليد سلمان بن ربيعة الباهلى في اثنى عشر ألفا إلى برذعة فافتتحها عنوة وقتل وسبى وغزا البيلقان فصالحوه قبل أن يجئ إلى برذعة وبعث خيله إلى جرزان فصالحوه وفى هذه السنة كانت غزوة سابور الاولى ثم حج عثمان بالناس فلما دخلت السنة السادسة والعشرون قدم معاوية المدينة وافدا على عثمان وبعث عثمان بن عفان عثمان بن أبى العاص إلى فارس ففتح سائر الجنود وغزا عبد الله بن سعد بن أبى سرح الافريقية ومعه العبادلة عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو فلقى جرجير في مائتي ألف بموضع يقال له سبيطلة على سبعين ميلا من القيروان فقتل جرجير وسبوا وغنموا فبلغ سهم الفارس ثلاثة آلاف مثقال ذهب وسهم الراجل ألف مثقال وصالحه أهل تلك المدن إلى قيروان على مائة ألف رطل من ذهب واعتمر عثمان ودخل مكة ليلا وكان بين الصفا والمروة وحل
[ 246 ]
قبل أن يصبح ثم رجع إلى المدينة وأمر بتوسعة المسجد الحرام وتجديد أنصاب الحرم وتزوج عثمان بنت خالد بن أسيد ثم اعتمر عثمان في رجب وخرج معه عبد الله بن جعفر والحسين بن على فمرض الحسين بن على فأقام عبد الله بن جعفر عليه بالسقيا وبعث إلى على يخبره بذلك فخرج على في نفر من بنى هاشم إلى السقيا فلما دخلها دعا ببدنة فنحرها وحلق رأسه وأقام على الحسين يمرضه فلما فرغ عثمان من عمرته كلموه بأن يحول الساحل إلى جدة وكانوا قبل ذلك في الجاهلية يرسون بالشعيبة وقالوا جدة أقرب إلى مكة وأوسع وأقرب من كل ناحية فخرج عثمان إلى جدة فرآها ورأى موضعها وأمرهم أن يجعلوها بمكان الشعيبة فحول الساحل إلى جدة ودخل البحر وقال إنه مبارك وقال لمن معه ادخلوا ولا يدخلها إلا بمئزر ثم خرج عثمان من جدة على طريق يخرجه إلى عسفان ثم مضى إلى الجار فأقام بها يوما وليلة ثم انصرف فمر بعلي بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه في منصرفه وهو يمرض الحسين مع جماعة من بنى هاشم فقال عثمان قد أردت المقام عليه حتى تقدم ولكن الحسين عزم على وجعل يقول امض لرهطك فقال على ما كان ذلك بشئ يفوتك هل كانت إلا عمرة إنما يخاف الانسان فوت الحج فأما العمرة فلا فقال عثمان إني أحببت أن أدرك عمرة
[ 247 ]
في رجب فقال على بن أبى طالب ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب قط وما اعتمر عمراته الثلاث إلا في ذي القعدة ثم رجع عثمان إلى المدينة ثم مضى على مع الحسين إلى مكة وافتتح عثمان بن أبى العاص سابور الثانية على ثلاثة آلاف ألف وثلاثمائة ألف صلحا ودخل في صلحهم كازرون وبعث عثمان بن أبى العاص هرم بن حيان العبدي إلى قلعة بجرة على ذلك وهى يقال لها قلعة الشيوخ فافتتحها عنوة وسبى أهلها وحج بالناس عثمان بن عفان فلما دخلت السنة السابعة والعشرون استشار عثمان بن عفان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في إفريقية فأشاروا عليه بذلك وكان عثمان يكره ذلك لان عمر كان يكرهه ويقول إنها لا تحمل واليا مقتصدا فخرج عبد الله بن أبى سرح وجلب عثمان إبلا كثيرة من الربذة وسرف وحمل عليها سلاحا كثيرا وسار المسلمون معها يلحقون بعبد الله بن سعد بن أبى سرح فلما التقى المسلمون والمشركون ألقى الله في قلوبهم الرعب وفض ذلك الجمع حتى طلبوا الصلح فصالحهم عبد الله بن أبى سرح على ألفى ألف وخمسمائة ألف وعشرين ألفا فلما كان العيد خطبهم عثمان وكان صادف العيد يوم الجمعة فقال من كان من أهل العالية وأحب أن يجتمع معنا فعل وإلا فليجلس
[ 248 ]
في موضعه فافتتح عثمان بن أبى العاص أرجان ودارابجرد وصالح أهلها على ألفى ألف ومائة فلما دخلت السنة الثامنة والعشرون تزوج عثمان نائلة بنت الفرافصة وكانت على دين النصرانية فلما دخلت عليه قال لها عثمان إني شيخ كبير كما ترين قالت أنا من نساء أحب الازواج إليهن الكهول قال تقومين إلى أو آتيك قالت ما جئت من سماوة كلب إليك إلا وأنا أريد القيام إليك وغزا معاوية البحر ومعه عبادة بن الصامت معه امرأته أم حرام بنت ملحان الانصارية فاتى قبرس فتوفيت أم حرام بها وقبرها هناك ثم كان فتح فارس الاول على يدي هشام بن عامر وغزا معاوية قبرس فلحقه عبد الله بن أبى سرح وأهل مصر وغنموا غنائم كثيرة وغزا حبيب بن مسلمة سورية من أرض الروم ثم كانت قبرس الآخرة
[ 249 ]
أميرها هشام بن عامر واعتمر عثمان في رجب ومعه عمرو بن العاص فأتى عثمان بلحم صيد فأمرهم بأكله فقال له عمرو بن العاص لا تأكل ولا تأمرنا به فقال عثمان لست آكل منه شيئا لانه صيد من أجلى فكان بين عثمان وعمرو كلام كان ذلك أول ملاحاة كانت بينهما وفى هذه السنة بنى عثمان داره بالزوراء ثم حج عثمان بالناس فلما دخلت السنة التاسعة والعشرون عزل عثمان أبا موسى الاشعري عن البصرة وكان عاملا عليها سبع سنين وعزل عثمان بن أبى العاص عن فارس وولى ذلك كله عبد الله بن عامر بن كريز وهو يومئذ بن خمس وعشرين سنة فقدم البصرة ثم خرج عبد الله بن عامر إلى فارس على مقدمته عبيد الله بن معمر التيمى فقتل عبيد الله وفتح إصطخر الثانية عنوة فقتل وسبى فكان ذلك إصطخر الآخرة وقد قيل في هذه السنة فتح سارية بن زنيم الدئلى أصبهان صلحا وعنوة بأهل البصرة بعثه بن عامر وضاق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فكلموا
[ 250 ]
عثمان في توسعته فأمر بتوسعته فكان عثمان يركب على راحلته ويقوم على العمال وهم يعملون حتى يجئ وقت الصلاة فيترك ويصلى بهم وربما قال في المسجد ونام فيه حتى جعل أعمدته من حجارة وفرش فيها الرضراض وبناه بالحجارة المنقوشة والساج وجعل له ستة أبواب ثم نقضت حلوان الصلح فافتتحها بن عامر عنوة ورجم عثمان امرأة من جهينة أدخلت على زوجها فولدت في ستة أشهر من يوم أدخلت عليه فأمر بها عثمان فرجمت فدخل على على عثمان فقال له إن الله يقول حمله وفصله ثلثون شهرا فأرسل عثمان في طلبها فوجدوها قد رجمت فاعترف الرجل بالغلام وكان من أشبه الناس به وفى السنة الثلاثين زاد عثمان النداء الثاني على الزوراء حيث كثر الناس وانتقضت أذربيجان فغزاها سعيد بن العاص ففتحها ثم غزا جرجان ففتحها ومات الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف وسقط خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في بئر أريس على ميلين من المدينة وكانت
[ 251 ]
من أقل تلك الآبار ماء فطلب فلم يوجد إلى الساعة وغزا بن عامر في هذه السنة جور فافتتحها وأصاب بها غنائم كثيرة وافتتح الكاريان والفنسجان من دارابجرد ولم يكونا أدخلا في علم عثمان بن أبى العاص ثم افتتح بن عامر أردشير خرة عنوة فقتل وسبى وهرب يزدجرد فاتبعه بن عامر مجاشع بن مسعود السلمي حتى نزل على السيرجان وبعث راشد بن عمرو الجديدى ففتح هرمز ووجه بن عامر زياد بن الربيع الحارثى إلى سجستان فافتتح زالق وناشروذ ثم بعث زياد بن الربيع إبراهيم بن بسام مولى بنى ليث حتى حاصر مدينة زرنج فصالحوه على ألف وصيف
[ 252 ]
مع كل وصيف جام من ذهب ومات مسعود بن الربيع وكان من أهل بدر ومات الحصين بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف أخو الطفيل بن الحارث ثم حج عثمان بالناس وصلى بمنى أربعا وفى السنة الحادية والثلاثين فتحت أرمينية الآخرة وأميرها حبيب بن مسلمة الفهري وذلك أن عثمان كتب إلى حبيب بن مسلمة أن سر من الشام في جيش إلى أرمينية فمضى حبيب بن مسلمة من ناحية درب الحدث فافتتح خلاط وسراج ووادى المطامير ومات أبو سفيان بن حرب وهو بن ثمان وثمانين سنة ثم خرج بن عامر إلى خراسان وعلى مقدمته الاحنف بن قيس فلقى أهل هراة فهزمهم وافتتح أبر شهر صلحا وقد قيل عنوة ثم افتتح طوس وما حولها ثم صالح أهل سرخس على مائة ألف وخمسين ألفا
[ 253 ]
وبعث أبو عامر الاسود بن كلثوم العدوى إلى بيهق فافتتحها وقتل بها وبعث أهل مرو يطلبون الصلح فصالحهم بن عامر على ألفى ألف ومائتي ألف وكان الذي صالحه ماهويه بن أوزمهر مرزبان مرو ثم بعث بن عامر الاحنف بن قيس إلى مرو الروذ والفارياب والطالقان وافتتح طخارستان وقتل منهم ثلاثة عشر نفسا ثم خرج الاحنف إلى بلخ فصالحوه على أربعمائة ألف درهم ثم أتى خوارزم فلم يطقها فرجع وبعث بن عامر خليد بن عبد الله بن زهير الحنفي إلى باذغيس وهراة فافتتحها ثم ارتدوا بعد وغزا عبد الله بن سعد بن أبى سرح أرض الروم في ناحية المصيصة وغنم ثم رجع وحج بالناس عثمان وفى السنة الثانية والثلاثين مات عبد الله بن مسعود بالمدينة ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان بن عفان ومات عبد الرحمن بن عوف وهو بن خمس
[ 254 ]
وسبعين سنة ومات العباس بن عبد المطلب وهو بن خمس وثمانين سنة لان العباس ولد قبل الفيل بثلاثة سنين ومات عبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي أرى النداء ومات أبو طلحة الانصاري زيد بن سهل وغزا معاوية غزوة مضيق القسطنطينية ومعه امرأته عاتكة بنت قرظة بن عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف وقد قيل إن اسمها فاختة وفيها غزا سعيد بن العاص طبرستان وفى السنة الثالثة والثلاثين مات المقداد بن عمرو بن ثعلبة على ثلاثة أميال من المدينة وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة وصلى عليه عثمان بن عفان ودفن بالبقيع وغزا معاوية ملطية وقرطبة من أرض الروم وجمع قارن جمعا كثيرا بباذغيس وهراة وأقبل في أربعين ألفا وقام
[ 255 ]
بأمر الناس عبد الله بن خازم السلمي فلقى قارن وهزم أصحابه وأصابوا سبيا كثيرا ثم بعث بن عامر عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب إلى سجستان فصالحه صاحب زرنج فأقام عبد الرحمن بها وتحرك أهل إفريقية فزحف إليهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح فكانت إفريقية الثانية وغزا معاوية حصن المرأة من بلاد الروم من ناحية ملطية وحج بالناس عثمان وفى السنة الرابعة والثلاثين مات مسطح بن أثاثة من أهل بدر وغزا عبد الله بن سعد بن أبى صرح الصوارى من أرض مصر وقاتل منهم مقتلة عظيمة وذلك أن المسلمين وعدوهم جميعا كانوا في البحر فالتقوا فاقتتلوا قتالا شديدا من غير رمى بالسهم ولا طعن بالرمح إنما كان الضرب بالسيف أو الطعن بالخنجر حتى قتل من أرض الروم خلق كثير وهزم الله الروم منكوبين وانصرف المسلمون غانمين ومات
[ 256 ]
عبادة بن الصامت بالرملة وهوالن اثنتين وسبعين سنة ومات عاقل بن البكير من بنى سعد بن الليث من أهل بدر ومات أبو عبس بن جبر بالمدينة وهو من أهل بدر وحج عثمان بالناس وفى السنة الخامسة والثلاثين خرج جماعة من أهل مصر إلى عثمان يشكون بن أبى سرح ويتكلمون منه فكتب إليه عثمان كتابا وهدده فيه فأبى بن أبى السرح أن يقبل من عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان متظلما وقتل رجلا من المتظلمة فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل فيهم أربعة من الرؤساء عبد الرحمن بن عديس البلوى وعمرو بن الحمق الخزاعي وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي وسودان بن حمران المرادي فساروا حتى قدموا المدينة ونزلوا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكوا إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في مواقيت الصلاة ما صنع بهم بن أبى سرح فقام طلحة بن عبيد الله إلى عثمان بن عفان وكلمه الكلام الشديد وارسلت إليه عائشة قدم عليك أصحاب محمد وسألوك
[ 257 ]
عزل هذا الرجل فأبيت ذلك بواحدة وهذا قد قتل منهم رجلا فأنصفهم من عاملك وكان عثمان يحب قومه ثم دخل عليه على بن أبى طالب فقال سألوك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دما فاعزله عنهم واقض بينهم فان وجب عليه حق فأنصفهم منه فقال لهم عثمان اختاروا رجلا أوليه عليكم مكانه فأشار الناس عليه بمحمد بن أبى بكر فقالوا لعثمان استعمل علينا محمد بن أبى بكر فكتب عهده وولاه مصر فخرج محمد بن أبى بكر واليا على مصر بعهده ومعه عدة من المهاجرين والانصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين بن أبى سرح فلما بلغوا مسيرة ثلاثة ليال من المدينة إذا هم بغلام أسود على بعير له يخبط البعير خبطا كأنه رجل يطلب أو يطلب فقالوا له ما قصتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب قال أنا غلام أمير المؤمنين وجهنى إلى عامل مصر قالوا هذا عامله معنا قال ليس هذا أريد ومضى فأخبر محمد بن أبى بكر بأمره فبعث في طلبه أقواما فردوه فلما جاؤوا به قال له محمد غلام من أنت فأقبل مرة يقول أنا غلام أمير المؤمنين ومرة يقول أنا غلام مروان فعرفه رجل منهم أنه لعثمان فقال له محمد بن أبى بكر لمن أرسلت قال إلى عامل مصر قال بماذا قال برسالة قال أمعك كتاب قال
[ 258 ]
لا ففتشوه فلم يجدوا معه كتابا وكتان معه إداوة قد يبست وفيها شئ يتقلقل فحركوه ليخرج فلم يخرج فشقوا الاداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى بن أبى سرح فجمع محمد بن أبى بكر من كان معه من المهاجرين والانصار وغيرهم ثم فك الكتاب بحضرتهم فإذا فيه إذا أتاك محمد بن أبى بكر وفلان وفلان فاحتل لقتلهم وأبطل كتابه وقر على عملك واحبس من يجئ إلى يتظلم منك حتى يأتيك رأيي في ذلك إن شاء الله فلما قرؤوا الكتاب فزعوا وأزمعوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمد بن أبى بكر الكتاب بخواتم جماعة من المهاجرين معه ودفع الكتاب إلى رجل منهم وانصرفوا إلى المدينة فلما قدموها جمع محمد بن أبى بكر عليا وطلحة والزبير وسعدا وكان بها من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم فك الكتاب بحضرتهم عليه خواتم من معه من المهاجرين وأخبرهم بقصة الغلام فلم يبق أحد من المدينة إلا حنق على عثمان وقام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلا هو مغتم وكانت هذيل وبنو زهرة في قلوبها ما فيها على عثمان لحال بن مسعود وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر وكانت بنو غفار وأحلافها
[ 259 ]
ومن غضب لابي ذر في قلوبهم ما فيها وأجلب عليه محمد بن أبى بكر من بنى تيم وأعانه على ذلك طلحة بن عبيد الله وعائشة فلما رأى ذلك على وصح عنده الكتاب بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمار ونفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم بدريون ثم جاء معهم حتى دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير فقال له هذا الغلام غلامك قال نعم قال والبعير بعيرك قال نعم قال فأنت كتبت هذا الكتاب قال لا وحلف بالله أنه ما كتب هذا الكتاب ولا أمر به فقال له على فالخاتم خاتمك قال نعم قال على فكيف يخرج غلامك على بعيرك بكتاب عليه خاتمك لا تعلم به فحلف عثمان بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام قط إلى مصر وأما الخط فعرفوا أنه خط مروان فلما شكوا في أمر عثمان سألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى وكان مروان عنده في الدار وكان خشي عليه القتل فخرج من عنده على وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلموا أن عثمان لا يحلف باطلا ثم قالوا لا نسكت إلا أن يدفع إلينا مروان حتى نبحث ونتعرف منه ذلك الكتاب وكيف يؤمر بقتل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير حق فان يك عثمان كتب ذلك عزلناه وإن يك مروان كتبه على لسان عثمان نظرنا
[ 260 ]
ما يكون في أمر مروان ولزموا بيوتهم وفشا الخبر في المسلمين من أمر الكتاب وفقد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عثمان وخرج من الكوفة عدى بن حاتم الطائي والاشتر مالك بن الحارث النخعي في مائتي رجل وخرج من البصرة حكيم بن جبلة العبدي في مائة رجل حتى قدموا المدينة يريدون خلع عثمان وحوصر عثمان قبل هلال ذي القعدة بليلة وضيق عليه المصريون والبصريون وأهل الكوفة بكل حيلة ولم يدعوه يخرج ولا يدخل إليه أحد إلا أن يأتيه المؤذن فيقول الصلاة وقد منعوا المؤذن أن يقول يا أمير المؤمنين فكان إذا جاء وقت الصلاة بعث أبا هريرة يصلى بالناس وربما أمر بن عباس بذلك فصعد يوما عثمان على السطح فسمع بعض الناس يقول ابتغوا إلى قتله سبيلا فقال والله ما أحل الله ولا رسوله قتلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إسلام أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير نفس وما فعلت من ذلك شيئا ثم قال لا أخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته بإراقة محجمة دم حتى ألقاه يا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 261 ]
أحبكم إلى من كف عنا لسانه وسلاحه ثم أشرف غليهم فقال أفيكم على قالوا لا قال أفيكم سعد قالوا لا فقال أذكركم بالله هل تعلمون أن رومة لم يكن يشرب منها أحد إلا بشئ فاتبعتها من مالي وجعلتها للغنى والفقير وابن السبيل فقالوا نعم قال فاسقوني منها ثم قال ألا أحد يبلغ عليا فيسقينا ماء فبلع ذلك عليا فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة فما كادت تصل إليه حتى خرج في سببها عدة من بنى هاشم وبنى أمية حتى وصل الماء إليه ثم قال عثمان والله لو كنت في أقصى داري ما طلبوا غيرى ولو كنت أدناهم ما جازوني إلى غيرى سنجتمع نحن وهم عند الله وسترون بعدي أمورا تتمنون أنى عشت فيهم ضعف أمرى والله ما أرغب في إمارتهم ولولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي إذا ألبسك الله قميصا وأرادوك على خلعه فلا تخلعه لحبست في بيتي وتركتكم وإمارتكم ووالله لو فعلت ما تركوني وإنهم قد خدعوا وغروا والله لو أقتل لمت لقد كبر سنى ورق عظمي وجاوزت أسنان أهل بيتي وهم على هذا لا يريدون اللهم فشتت
[ 262 ]
أمرهم وخالف بين كلمتهم وانتقم لي منهم واطلبهم لي طلبا حثيثا وقد استجيب دعاءه في كل ذلك ثم أمر عثمان بن عفان عبد الله بن عباس على الحج فحج بالناس فأمره وبعث إلى الاشتر فدعاه فقال يا أشتر ما يريد الناس قال ثلاث ليس من إحداهن بد إما أن تخلع أمرهم وتقول هذا أمركم فاختاروا له من شئتم وإما أن تقص من نفسك فان أبيتهما فالقوم قاتلوك قال عثمان أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لاخلع سربالا سربلنيه الله والله لان أقدم فتضرب عنقي أحب إلى من أن أخلع أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعضها على بعض وأما أن أقص من نفسي فوالله لقد علمتم أنى لم آت شيئا يجب على القصاص فيه وأما أن تقتلوني فوالله إن تقتلوني لا تتحابون بعدي ولا تقتلون بعدي عدوا جميعا ولتختلفن حتى تصيروا هكذا يقوم لا يجرمنكم شقاقي ان يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح الآية ثم أرسل إلى
[ 263 ]
عبد الله بن سلام فجاءه فقال الكف الكف ثم جاءه زيد بن ثابت فقال يا أمير المؤمنين هذه الانصار بالباب فقال عثمان إن شاؤوا أن يكونوا أنصار الله منكم وإلا فلا ثم جاءه عبد الله بن الزبير فقال يا أمير المؤمنين اخرج فقاتلهم فان معك من قد نصر الله بأقل منهم فلم يعرج على قول بن الزبير ثم قال ائتونى برجل منهم أقرأ عليه كتاب الله فأتوه بصعصعة بن صوحان وكان شابا فقال ما وجدتم أحدا تأتوني به غير هذا الشاب فتكلم صعصعة بكلام فقال عثمان اذن للذين يقتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير فلما اشتد بعثمان الامر أصبح صائما يوم الجمعة وقال إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا عثمان إنك تفطر عندنا الليلة ثم قال على للحسن والحسين اذهبا بسيفكما حتى تقفا على باب عثمان ولا تدعا أحدا يصل إليه وبعث الزبير ابنه وبعث طلحة ابنه وبعث عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم يمنعون الناس أن يدخلوا على عثمان ورماه الناس بالسهام حتى خضب الحسن بالدماء وتخضب محمد بن
[ 264 ]
طلحة وشج قنبر مولى على ثم أخذ محمد بن أبى بكر بيد جماعة وتسور الحائط من غير أن يعلم به أحد من دار رجل من الانصار حتى دخلوا على عثمان وهو قاعد والمصحف في حجره ومعه امرأته والناس فوق السطح لا يعلم أحد بدخولهم فقال عثمان لمحمد بن أبى بكر والله لو رآك أبوك لساءه مكانك منى فرجع محمد وتقدم إليه سودان بن رومان المرادي ومعه مشقص فوجأه حتى قتله وهو صائم ثم خرجوا هاربين من حيث دخلوا وذلك يوم الجمعة لثمان عشرة ليلة مضت من ذي الحجة وكان تمام حصاره خمسة وأربعين يوما وكانت امرأته تقول إن شئتم قتلتموه وإن شئتم تركتموه فإنه كان يختم القرآن كل ليلة في ركعة ثم صعدت إلى الناس تخبرهم وهمر الناس عليه فدخلوا وأول من دخل عليه الحسن والحسين فزعين وهما لا يعلمان بالكائنة وكانا مشغولين على الباب ينصرانه ويمنعان الناس عنه فلما دخلوا وجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون ودخل الناس فوجا فوجا
[ 265 ]
وبلغ الخبر على بن أبى طالب وطلحة والزبير وسعدا فخرجوا مذهلين كادت عقولهم تذهب لعظم الخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا واسترجعوا وقال على لابنيه كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب قالا لم نعلم قال فرفع يده ولطم الحسن وضرب صدر الحسين وشتم محمد بن طلحة وعبد الله بن الزبير ثم خرج وهو غضبان يسترجع فلقيه طلحة بن عبيد الله فقال ما لك يا أبا الحسين فقال على يقتل أمير المؤمنين رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من غير أن تقوم عليه بينة ولا حجة فقال له طلحة لو دفعه مروان إليهم لم يقتلوه فقال على لو خرج مروان إليكم لقتلتموه قبل أن يثبت عليه حكومة ثم أتى على منزله يسترجع فاشتغل الناس بعضهم ببعض وفزعوا ولم يتوهموا بأن هذه الكائنة تكون ثم حمل على سريره بين المغرب والعشاء وصلى عليه جبير بن مطعم ودلته في قبره نائلة بنت الفرافصة وأم البنين بنت عيينة بن حصن بن بدر الفزاري ودفن ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة إلا اثنى عشر يوما وقتل يوم قتل عثمان من قريش عبد الله بن وهب بن زمعة الاسدي وعبد الله بن عبد الرحمن بن العوام والمغيرة بن الاخنس بن شريق الثقفى
[ 266 ]
وقتل معهم غلام لعثمان أسود أربعة أنفس وكان عمال عثمان حين قتل على البصرة عبد الله بن عامر بن كريز وعلى الكوفة سعد بن أبى وقاص وعلى الشام معاوية بن أبى سفيان وعلى مصر محمد بن أبى حذيفة وعلى مكة عبد الله بن الحضرمي وعلى الطائف القاسم بن ربيعة الثقفى وعلى صنعاء يعلى بن منبه وعلى الجند عبد الله بن أبى ربيعة استخلاف على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان أبو الحسن الهاشمي وأمه فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف وهاشم أخو هشام ومن زعم أنه أسد بن هاشم بن عبد مناف فقد وهم أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفى ثنا قتيبة بن سعيد ثنا حاتم بن إسماعيل
[ 267 ]
عن يزيد بن أبى عبيد عن سلمة بن الاكوع قال كان على قد تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيبر وكان به رمد فقال أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فلما كان مساء الليلة التي فتحها الله في صباحها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله يفتح الله عليه فإذا نحن بعلي وما نرجوه فقالوا هذا على فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ففتح الله عليه قال أبو حاتم لما كان من أمر من عثمان ما كان قعد على في بيته وأتاه الناس يهرعون إليه كلهم يقولون أمير المؤمنين على حتى دخلوا عليه داره وقالوا نبايعك فإنه لا بد من أمير وأنت أحق فقال على ليس ذلك إليكم إنما ذلك لاهل بدر فمن رضى به أهل بدر فهو خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا يطلبون البيعة وهو يأبى عليهم فجاء الاشتر مالك بن الحارث النخعي إلى على فقال له ما يمنعك أن تجيب هؤلاء إلى البيعة فقال لا أفعل إلا عن ملا وشورى وجاء أهل مصر فقالوا ابسط يدك نبايعك فوالله لقد قتل عثمان وكان قتله لله رضى فقال على كذبتم والله ما كان قتله لله رضى لقد قتلتموه بلا قود ولا أحد ولا غيره وهرب مروان
[ 268 ]
فطلب فلم يقدر عليه فلما رأى ذلك على منهم خرج إلى المسجد وصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال يا أيها الناس رضيتم منى أن أكون عليكم أميرا فكان أول من صعد إليه المنبر طلحة فبايعه بيده وكان إصبع طلحة شلاء فرآه أعرابي يبايع فقال يد شلاء وأمر لا يتم فتطير على منها وقال ما أخلفه أن يكون كذلك ثم بايعه الزبير وسعد وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بلغ عليا أن سعدا وابن عمر ومحمد بن مسلمة يذكرون هنات فقام على خطيبا فحمد الله وأثنى عليه فقال أيها الناس إنكم بايعتموني على ما بايعتم عليه أصحابي فإذا بايعتموني فلا خيار لكم على وعلى الامام الاستقامة وعلى الرعية التسليم وهذه بيعة عامة فمن ردها رغب عن دين المسلمين واتبع غير سبيلهم ولم تكن بيعته إياى فلتة وليس أمرى وأمركم واحدا أريد الله وتريدونني لانفسكم وأيم الله لانصحن الخصم ولانصفن المظلوم وقد أكثر الناس في قتل عثمان فمنهم من قد زعم أنه قتل ظالما ومنهم من قد زعم أنه قتل مظلوما وكان الاكثار في ذلك على طلحة والزبير قالت قريش أيها الرجلان إنكما قد وقعتما في ألسن الناس في أمر عثمان فيما وقعتما فيه فقام طلحة في الناس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال أيها الناس ما قلنا
[ 269 ]
في عثمان أمس إلا نقول لكم فيه اليوم مثله أنه خلف الدنيا بالتوبة ومال عليه قوم فقتلوه وأمره إلى الله ثم قام الزبير فحمد اتلله وأثنى عليه بما هو أهله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال يا أيها الناس إن الله اختار من كل شئ شيئا واختار من الناس محمدا صلى الله عليه وسلم أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون واختار من الشهور رمضان وأنزل فيه القرآن وفرض فيه الصيام واختار من الايام يوم الجمعة فجعله عيدا لاهل الاسلام واختار من البلدان هذين الحرمين مكة والمدينة فجعل بمكة البيت الحرام وجعل بالمدينة حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ما بين قبره ومنبره روضة من رياض الجنة واختار من الشورى التسليم كما اختار هذه الاشياء فأذهبت الشورى بالهوى والتسليم بالشك وقد تشاورنا فرضينا عليا وأما إن قتل عثمان فأمره إلى الله فلما رأى على اختلاف الناس في قتل عثمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس أقبلوا على بأسماعكم وأبصاركم إن الناس بين حق وباطل فلئن عي أمر الباطل لقديما ما فعل وإن يكن الحق قد غاب فلعل وإني أخاف أن أكون أنا وأنتم قد أصبحنا في فتنة وما علينا فيها إلا الاجتهاد الناس اثنان وثلاثة لا سادس لهم ملك
[ 270 ]
طار بجناحيه أو نبي أخذ الله بيده أو عامل مجتهد أو مؤمل يرجو أو مقصر في النار وإن الله أدب هذه الامة بأدبين بالسيف والسوط لا هوادة عند السلطان فيهما فاستتروا واستغفروا الله فأصلحوا ذات بينكم ثم نزل وعمد إلى بيت المال وأخرج ما فيه وفرقه على المسلمين ثم بعث إلى سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة فقال لقد بلغني عنكم هنات فقال سعد صدقوا لا أبايعك ولا أخرج معك حيث تخرج حتى تعطيني سيفا يعرف المؤمن من الكافر وقال له بن عمر أنشدك الله والرحم أن تحملني على ما لا أعرف والله لا أبايع حتى يجتمع المسلمون على من جمعهم الله عليه وقال محمد بن مسلمة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني إذا اختلف أصحابه ألا أدخل فيما بينهم وأن أضرب بسيفي صخر أحد فإذا انقطع أقعد في بيتي حتى يأتيني يد خاطئة أو منية قاضية وقد فعلت ذلك ثم دعا على أسامة بن زيد وأراده على البيعة فقال أسامة أما البيعة فانني أبايعك أنت أحب الناس إلى وآثرهم عندي وأما القتال فانى عاهدت
[ 271 ]
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أقاتل رجلا يشهد أن لا إله إلا الله فلما رآهم على مختلفين قال أخرجوني من هذه البيعة واختاروا لانفسكم من أحببتم فسكتوا وقاموا وخرجوا فدخل عليه المغيرة بن شعبة فقال يا أمير المؤمين إني مشير عليك بخلال ثلاث فافعل أيها شئت فقال ما هي يا أعو فقال إني أرى من الناس بعض التثاقل فيك فأرى أن تأتي بحمل ظهر فتركبه وتركض في الارض هاربا من الناس فانهم إذا رأوا ذلك منك ابتاعوا جمالا أظهر من جمالك وخيولا ثم ركضوا في أثرك حتى يدركوك حيث ما كنت ويقلدوك هذا الامر على اجتماع منهم شئت أو أبيت فان لم تفعل هذا فأقر معاوية على الشام كله واكتب إليه كتابا بذلك تذكر فيه من شرفه وشرف آبائه وأعلمه أنك ستكون له خيرا من عمر وعثمان واردد عمرو بن العاص على مصر واذكر في كتابك شرفه وقدمه فإنه رجل يقع الذكر منه موقعا فإذا ثبت الامر أذنت لهما حينئذ في القدوم عليك تستخبرهما عن البلاد والناس ثم تبعث بعاملين وتقرهما عندك فان أبيت فاخرج من هذه البلاد فانها ليست ببلاد كراع وسلاح فقال على أما ما ذكرت من فرارى من الناس فطيف أفر منهم وقد بايعوني وما أمر معاوية وعمرو بن العاص فلا يسألني الله عن إقرارهما ساعة واحدة في سلطاني وما كنت متخذ المضلين عضدا وأما خروجي من هذه البلاد إلى غيرها فانى ناظر في ذلك فخرج من عنده المغيرة ثم عاد وهو عازم على الخروج إلى الشام واللحوق بمعاوية فقال له
[ 272 ]
يا أمير المؤمنين أشرت عليك بالامس في رأيي بمعاوية وعمرو إن الرأي أن تعاجلهم بالنزع فقد عرف السامع من غيره وتستقبل أمرك ثم خرج من عنده فلقيه بن عباس خارجا وهو داخل فلما انتهى إليه قال رأيت المغيرة خارجا من عندك فيم جاءك قال جاءني أمس برأى واليوم برأى وأخبره بالرأيين فقال بن عباس أما أمس فقد نصحك وأما اليوم فقد غشك قال فما الرأي قال بن عباس كان الرأي قبل اليوم قال على على ذلك قال كان الرأي أن تخرج إلى مكة حتى تدخلها دارا من دورها وتغلق عليك بابك فان الناس لم يكونوا ليدعوك وإن قريشا كانت تضرب الصعب والذلول في طلبك لانها لا تجد غيرك فأما اليوم فان بنى أمية يستحسنون الطلب بدم صاحبهم ويشبهون على الناس بأن يلزموك شعبة من أمره ويلطخونك من ذلك ببعض اللطخ فهم على بالنهوض إلى الشام ليزور أهلها وينظر ما رأى معاوية وما هو صانع فجاءه أبو أيوب الانصاري فقا له يا أمير المؤمنين لو أقمت بهذه البلاد لانها الدرع الحصينة ومهاجرة للنبي صلى الله عليه وسلم وبها قبره ومنبره ومادة الاسلام
[ 273 ]
فان استقامت لك العرب كنت فيها كمن كان وإن تشعب عليك قوم رميتهم بأعدائهم وإن ألجئت حينئذ إلى المسير سرت وقد أعذرت فقال على إن الرجال والاموال بالعراق ولن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ثم أخذ بما أشار عليه أبو أيوب الانصاري وعزم على المقام بالمدينة وبعث العمال على الامصار فبعث عثمان بن حنيف على البصرة أميرا وعمارة بن حسان بن شهاب على الكوفة وعبيد الله بن عباس على اليمن وقيس بن سعد على مصر وسهل بن حنيف على الشام فأما سهل بن حنيف فإنه خرج حتى إذا كان بتبوك لقيه خيل من أهل الشام فقالوا له من أنت قال أمير قالوا على أي شئ قال على الشام قالوا إن كان عثمان بعثك فحى هلا بك وإن كان بعثك غيره فارجع قال ما سمعتم بالذي كان قالوا بلى ولكن ارجع إلى بلدك فرجع إلى على وإذا القوم أصحاب وأما قيس بن سعد فإنه انتهى إلى أيلة فلقيه طلائع فقالوا له من أنت فقال أنا من الاصحاب الذين قتلوا وشردوا من البلاد فأنا أطلب مدينة آوى إليها فقالوا من أنت قال أنا قيس بن سعد بن عبادة فقالوا امض بنا فمضى قيس حتى دخل مصر وأظهر لهم حاله وأخبرهم أنه ولى على مصر فافترق عليه أهل مصر فرقا فرقة
[ 274 ]
دخلت في الجماعة وبايعت وفرقة أمسكت واعتزلت وفرقة قالت إن قيد من قتله عثمان فنحن معه وإلا فلا فكتب قيس بن سعد بجميع ما رأى من أهل مصر إلى على وأما عبيد الله بن عباس فإنه خرج منطلقا إلى اليمن لم يعانده أحد ولم يصده عنها صاد حتى دخلها فضبطها لعلي وأما عمارة بن حسان بن شهاب فإنه أقبل عامدا إلى الكوفة حتى إذا كان بزبالة لقيه طليحة بن خويلد الاسدي وهو خارج إلى المدينة يطلب دم عثمان فقال طليحة من أنت قال أنا عمارة بن حسان بن شهاب قال ما جاء بك قال بعثت إلى الكوفة أميرا قال ومن بعثك قال أمير المؤمنين على قال الحق بطيتك فان القوم لا يريدون بأميرهم أبى موسى الاشعري بدلا فرجع عمارة إلى على وأخبره الخبر وأقام طليحة بزبالة وأما عثمان بن حنيف فإنه مضى يريد البصرة وعليها عبد الله بن عامر بن كريز وبلغ أهل البصرة قتل عثمان فقام بن عامر فصعد المنبر وخطب وقال إن خليفتكم قتل مظلوما وبيعته في أعناقكم ونصرته ميتا كنصرته حيا واليوم ما كان أمس وقد بايع الناس عليا ونحن طالبون بدم عثمان فأعدوا للحرب عدتها فقال له حارثة بن قدامة يا بن عامر إنك لم تملكنا عنوة وقد قتل عثمان بحضرة المهاجرين والانصار وبايع الناس عليا فان أقرك أطعناك وإن عزلك عصيناك فقال بن عامر موعدك الصبح فلما أمسى تهيأ للخروج وهيأ مراكبه
[ 275 ]
وما يحتاج إليه واتخذ الليل جملا يريد المدينة واستخلف عبد الله بن عامر الحضرمي على البصرة فأصبح الناس يتشاورون في بن عامر وأخبروا بخروجه فلما قدم بن عامر المدينة أتى طلحة والزبير فقالا له لا مرحبا بك ولا أهلا تركت العراق والاموال وأتيت المدينة خوفا من على ووليتها غيرك واتخذت الليل جملا فهلا أقمت حتى يكون لك بالعراق فئة قال بن عامر فأما إذا قلتما هذا فلكما على مائة ألف سيف وما أردتما من المال ثم أتت أم كلثوم بنت على أباها وتحت عمر بن الخطاب فقالت له إن عبد الله بن عمر رجل صالح وأنا أتكفل ما يجئ منه لك فلما كان من قدوم بن عامر المدينة جاء بن إليها فقال يا أماه نك قد كفلت في وأنا أريد الخروج إلى العمرة الساعة ولست بداخل في شئ يكرهه أبوك غير أنى ممسك حتى يجتمع الناس فان شئت فأذنى وإن شئت فابعثيني إلى أبيك قالت لا بل اذهب في حفظ الله وتحت كنفه وانطلق بن عمر معتمرا فلما أصبح الناس أتوا عليا فقالوا قد حدث البارحة حدث هو أشد من طلحة والزبير ومعاوية قال على وما ذاك قالوا خرج بن عمر إلى الشام فأتى على السوق وجعل يعد طلابا ليرد بن عمر فسمعت
[ 276 ]
أم كلثوم بذلك فركبت بغلتها حتى أتت أباها فقالت إن الامر على غير ما بلغك وحدثته بما ذكر لها بن عمر فطابت نفس على بذلك فما انصرفوا من السوق حتى جاءهم بعض القدام من العمرة وأخبروه أنهم رأوا بن عمر وآخر معه على حمارين محرمين بكساءين ثم كتب على غلى معاوية يسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبى سفيان سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان وما اجتمع الناس عليه من بيعتى فادخل في السلام كما دخل الناس وإلا فأذن بحرب كما يؤذن أهل الفرقة والسلام وبعث كتابه مع سبرة الجهني والربيع بن سبرة فلما قدم سبرة بكتاب على ودفعه إلى معاوية جعل يتردد في الجواب مدة فلما طال ذلك عليه دعا معاوية رجلا من عبس يدعى قبيصة فدفع إليه طومارا مختوما عنوانه من معاوية بن أبى سفيان إلى على بن أبى طالب وقال له إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار وأبرزه وأوصاه بما يقول ويعثه مع سبرة رسول على فقدما المدينة فرفع العبسي الطومار كما أمر معاوية فخرج الناس ينظرون إليه وعلموا حينئذ أن معاوية معترض معاند فلما دخلا على على دفع إليه العبسي الطومار ففض عن خاتمه فلم يجد في جوفه شيئا فقال لسبرة ما وراءك قال تركت قوما لا يرضون إلا بالقود وقد تركت ستين ألف شيخ يبكون تحت قميص عثمان
[ 277 ]
فقال على أمنى يطلبون دم عثمان ث م كتب إلى أبى موسى الاشعري وهو على الكوفة بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الاشعري سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد بلغك ما كان من مصاب عثمان وما اجتمع الناس عليه من بيعتى فادخل فيما دخل فيه الناس ورغب أهل ملكك في السمع والطاعة واكتب إلى بما كان منك ومنهم إن شاء الله والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وبعث الكتاب مع معبد الاسلمي فلما قدم معبد الكوفة دعا أبو موسى الاشعري الناس إلى طاعة على فأجابوه طائعين وكتب إلى على بن أبى طالب بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله على أمير المؤمنين من عبد الله بن قيس سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد قرأت كتابك ودعوت من قبلى المسلمين فسمعوا وأطاعوا والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ودفع كتابه إلى معبد وكانت عائشة خرجت معتمرة فلما قضت عمرتها نزلت على باب المسجد واجتمع إليها الناس فقالت أيها الناس إن الغوغاء من أهل الامصار وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المقتول بالامس ظلما واستحلوا البلد الحرام وسفكوا الدم الحرام فقال عبد الله بن عامر ها أنا ذا أول طالب بدمه فكان أول من انتدب لذلك ولما كثر الاختلاف بالمدينة استأذن طلحة والزبير عليا في العمرة
[ 278 ]
فقال لهما ما العمرة تريدان وقد قلت لكما قبل بيعتكما لي أيكما شاء بايعته فأبيتما إلا بيعتى وقد أذنت لكما فاذهبا راشدين فخرجا إلى مكة وتبعهما عبد الله بن عامر بن كريز فلما لحقهما قال لهما ارتحلا فقد بلغتما حاجتكما فاجتمعوا مع عائشة بمكة وبها جماعة من بنى أمية ثم جمع معاوية أهل الشام على محاربة على والطلب بالقود من الدم عثمان واحتال في قيس بن سعد بن عبادة وكان واليا على مصر وكتب إلى على كتابا يمرغ فيه معاوية فلما قرأ على الكتاب عزل قيسا وولى عليها محمد بن أبى بكر وخرج قسطنطين بن هرقل بالمراكب يريد المسلمين فسلط الله عليهم ريحا قاصفا فغرقهم ونجا قسطنطين بن هرقل حتى انتهى إلى سقلية فصنعت الروم حماما فلما دخلوه قتلوه فيه وقالوا له قتلت رجالنا ثم حج بالناس عبد الله بن عباس أمره على على الحج فلما انصرف أجمع طلحة والزبير على المسير بعائشة فقال طلحة ما لنا أمر أبلغ في استمالة الناس إلينا من شخوص بن عمر معنا وكان من أمره في عثمان وخلافه له على ما يعلمه من يعلمه فأتاه طلحة
[ 279 ]
فقال يا أبا عبد الرحمن إن عائشة قصدت الاصلاح بين الناس فاشخص معنا فان لنا بك أسوة فقال بن عمر أتخدعونني لتخرجوني كما تخرج الارنب من جحرها إن الناس إنما يخدعون بالوصيف والوصيفة والدنانير والدراهم ولست من أولئك قد تركت هذا الامر عيانا وأنا أدعى إليه في عافية فاطلبوا لامركم غيرى فقال طلحة يغنى الله عنك وقدم يعلى بن أمية من اليمن وقد كان عاملا عليها بأربعمائة من الابل فدعاهم إلى الحملان فقال له الزبير دعنا من إبلك هذه ولكن أقرضنا من هذا المال فأعطاه ستين ألف دينار وأعطى طلحة أربعين ألف دينار فتجهزوا وأعطوا من خف معهم فلما دخلت السنة السادسة والثلاثون تشاوروا في مسيرهم فقال الزبير عليكم بالشام بها الاموال والرجال وقال بن عامر البصرة فان غلبتهم عليها فلكم الشام إن معاوية قد سبقكم إلى الشام وهو بن عم عثمان وإن البصرة لي بها صنائع ولاهلها في طلحة هوى وكانت عائشة تقول نقصد المدينة فقالوا لها
[ 280 ]
يا أم المؤمنين دعى المدينة فان من معك لا يقرنون لتلك الغوغاء واشخصى معنا إلى البصرة فان أصلح الله هذا الامر كان الذي نريد وإلا فقد بلغنا ويقضى الله فيه ما أحب وكلموا حفصة ابنة عمر أن تخرج معهم فقالت رأيي تبع لرأى عائشة فأتاها عبد الله بن عمر فناشدها الله أن تخرج فقعدت وبعث إلى عائشة أن أخى حال بيني وبين الخروج فقالت يغفر الله لابن عمر ثم نادى منادى طلحة والزبير من كان عنده مركب وجهاز وإلا فهذا جهاز ومركب فحملوا على ستمائة ناقة سوى من كان له مركب وكانوا نحو ألف نفس وتجهزوا بالمال وشيعهم نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكان كلهن بمكة حاجات إلا أم سلمة فانها سارت إلى المدينة فلما بلغوا ذات عرق ودعت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبكين وبكى الناس فما رأوا بكاء أكثر من ذلك اليوم وسمى يوم النحيب وجعلن يدعون على قتلة عثمان الذين سفكوا في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم الحرام ثم انصرفن ومضت عائشة وهى تقول اللهم إنك تعلم أنى لا أريد إلا الاصلاح فأصلح بينهم وبعثت أم الفضل حين خرجت عائشة ومن معها من مكة إلى على رجلا من جهينة قالت اقتل في كل مرحلة بعيرا وعلى ثمنه
[ 281 ]
وهذه مائة دينار وكسوة وكتبت معه أما بعد فان طلحة والزبير وعائشة خرجوا من مكة يريدون البصرة فقدم المدينة وأعطى عليا الكتاب فدعى على محمد بن أبى بكر فقال له ألا ترى إلى أختك خرجت مع طلحة والزبير فقال محمد بن أبى بكر إن الله معك ولن يخذلك والناس ناصروك ثم قام على فحمد الله وأثنى عليه ثم قال يا أيها الناس تهيؤا للخروج إلى قتال أهل الفرقة فانى سائر إن شاء الله إن الله بعث رسولا صادقا بكتاب ناطق وأمر واضح لا يهلك عنه إلا هالك وإن في سلطان الله عصمة أمركم فأعطوه طاعتكم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الاسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها انهضوا إلى هؤلاء الذين يريدون تفريق جماعتكم لعل الله يصلح بكم ذات البين وبعث على الحسين بن على وعمار بن ياسر إلى الكوفة لاستنفارهم فلما قدموا الكوفة قام أبو موسى الاشعري في الناس وكان واليا عليها وأخبرهم بقدوم الحسن واستنفاره إياهم إلى أمير المؤمنين
[ 282 ]
على إصلاح البين وقدم زيد بن صوحان من عند عائشة معه كتابان من عائشة إلى أبى موسى والى الكوفة وإذا في كل كتاب منهما بسم الله الرحمن الرحيم من عائشة أم المؤمنين إلى عبد الله بن قيس الاشعري سلام عليك فانى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنه قد كان من قتل عثمان ما قد علمت وقد خرجت مصلحة بين الناس فمر من قبلك بالقرار في منازلهم والرضا بالعافية حتى يأتيهم ما يحبون من صلاح أمر المسلمين فان قتلة عثمان فارقوا الجماعة وأحلوا بأنفسهم البوار فلما قرأ الكتابين وثب عمار بن ياسر فقال أمرت عائشة بأمر وأمرنا بغيره أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة فهو ذا تأمرنا بما أمرت وركبت ما أمرنا به ثم قال هذا بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخرجوا إليه ثم انظروا في الحق ومن الحق معه ثم قام الحسن بن على فقال يا أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم لعل الله يصلح بينكم ثم قام هند بن عمرو البجلي فقال إن أمير المؤمنين قد دعانا وأرسل إلينا ابنه فاتبعوا قوله وانتهوا إلى أمره فقام حجر بن عدى الكندي فقال أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين وانفروا خفافا وثقالا بأموالكم وأنفسكم ثم قال الحسن أ
[ 283 ]
يها الناس إني غاد فمن شاء منكم فليخرج معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء فأجابوه وخرج معه تسعة آلاف نفس بعضهم على البر وبعضهم على الماء وساروا حتى بلغوا ذا قار وخرج على من المدينة معه ستمائة رجل وخلف على المدينة سهل بن حنيف فالتقى هو وابنه الحسن مع من خرج معه من الكوفة بذي قار فخرجوا جميعا إلى البصرة ولم يدخل على الكوفة وكتب إلى المدينة إلى سهل بن حنيف أن يقدم عليه ويولى على المدينة أبا حسن المازني والتقى مع طلحة والزبير وعائشة بالجلحاء على فرسخين من البصرة وذلك لخمس خلون من جمادى الآخرة وكان على كثيرا ما يقول يا عجب كل العجب من جمادى ورجب فكان من أمرهم ما كان وقتل بن جرموز الزبير ثم أتى عليا يخبره فقال على سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قاتل بن صفية بالنار فقال بن جرموز إن قتلنا معكم فنحن في النار وإن قاتلناكم فنحن في النار ثم بعج بطنه بسيفه فقتل نفسه وأما طلحة فرماه مروان بن الحكم بسهم من ورائه فأثبته فيه وقتله وحمله إلى البصرة فمات بها
[ 284 ]
فقبر طلحة بالبصرة وقتل الزبير بوادي السباع وكان كعهب بن سور قد علق المصحف في عنقه ثم يأتي هؤلاء فيذكرهم ويأتي هؤلاء فيذكرهم حتى قتل وكان على ينادى مناديه لا تقتل مدبرا ولا تذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن طرح السلاح فهو آمن ولم يقتل بعد آن واحدا فلما اطمأن الناس بعث على بعائشة مع نساء من أهل العراق إلى المدينة وأقام بالبصرة خمسة عشر يوما ثم خرج إلى الكوفة وولى على البصرة عبد الله بن عباس وولى الولاة في البلدان وكتب إلى المدن بالقرار والطاعة ثم إن أبا مسلم الخولاني قال لمعاوية على ما تقاتل عليا وهو بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وله من القدم والسابقة ما ليس لك وإنما أنت رجل من الطلقاء فقال له معاوية أجل والله ما نقاتل عليا وأنا لست أدعى في الاسلام مثل الذي له ولكن أقاتله على دم أمير المؤمنين عثمان بن عفان وأنا أطلبه بدمه فقال أبو مسلم إني
[ 285 ]
أستخرل لك عن ذلك فركب راحلته وانتهى إلى الكوفة ثم نزل عن راحلته وأتى عليا ماشيا والناس عنده ولا يعرفه أحد فقال من قتل عثمان فقال على الله قتل عثمان وأما معه فخرج أبو مسلم ولم يتكلم ومضى حتى انتهى إلى راحلته فركبها ولحق بالشام فانتهى إلى معاوية وهو يثقل فقيل له هذا أبو مسلم قد جاء فعانقه معاوية وسأله عن سفره وخاف أن يكون قد جاء بشئ مما يكره فقال أبو مسلم والله لتقاتلن عليا أو لنقاتلنه فإنه قد أقر بقتل أمير المؤمنين عثمان فقام معاوية فرحا وصعد المنبر واجتمع إليه الناس وحمد الله وأثنى عليه وقام أبو مسلم خطيبا وحرض الناس على قتال على فصح خروج أهل الشام قاطبة على على وطلبهم إياه بدم عثمان ثم إن حجر بن الادبر قدم على على فقال يا أمير المؤمنين الجماعة والعدد والمال مع الاشعث بن قيس بأذربيجان فابعث إليه فليقدم فكتب إليه على بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى الاشعث بن قيس أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم واحمل ما غللت من المال فكتب إليه الاشعث بن قيس أما بعد فقد جاءني كتابك بأن أقدم عليك وأحمل ما غللت من مال الله
[ 286 ]
فما أنت وذاك والسلام ثم قال الاشعث والله لادعنه بحال مضيعة ولافسدن عليه الكوفة ثم ارتحل من أذربيجان وهو يريد معاوية وبلغ ذلك عليا وشق عليه خروجه إلى معاوية فقال حجر بن الادبر يا أمير المؤمنين ابعثنى إلى الاشعث بن قيس فأنا أعرف به وأرفق وإن هو خوشن لم يجب أحدا قال له على سر إليه فسار حجر إليه فأدركه بشهرزور فقال له حجر يا أبا محمد أنشدك الله أن تأتي معاوية وتدع بن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الاشعث أوما سمعت كتابه إلى فقال حجر إنك إن أتيت معاوية أقبلنا جميعا إلى الشام وأنشدك الله ألا نظرت إلى أيتام قومك وأياماهم فانى لا آمن أن يفتضحوا غدا قال فما تريد يا حجر قال تنحدر معي إلى الكوفة فإنك شيخ العرب وسيدها والمطاع في قومك وسيصير إليك الامر فلم يزل به حجر حتى قال ليصرفوا صدور الركائب إلى الكوفة فتقدم على على فسر على بمجيئه فقال مرحبا وأهلا بأبي محمد على عجلته فقال أمير المؤمنين إن هذا ليس بيوم عتاب ثم أقام مع على بالكوفة وحج بالناس عبد الله بن عباس بأمر على ولاه فلما دخلت السنة السابعة والثلاثون كتب معاوية إلى على بن أبى طالب أما بعد فان الله اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم بعلمه وجعله الامين على وحيه والرسول إلى
[ 287 ]
خلقه واختار له من المسلمين أعوانا فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الاسلام كان أفضلهم في الاسلام وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة بعده وخليفة خليفته المظلوم المقتول رحمة الله عليهم وقد ذكر لي أنك تنتفى من دمه فان كنت صادقا فأمكنا ممن قتله حتى نقتله به ونحن أسرع إليك إجابة وأطوعهم طاعة وإى فإنه ليس لك ولا لاحد من أصحابك عندنا إلا السيف والذي لا إله غيره لنطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال حتى يقتلهم الله أو تلحق أرواحنا بعثمان والسلام فكتب إليه على بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله على أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبى سفيان أما بعد فان أخا خولان قدم على بكتاب منك يذكر فيه محمد صلى الله عليه وسلم وما أنعم الله عليه من الهدى والحمد لله على ذلك وأما ما ذكرت من ذكر الخلفاء فلعمري إن مقامهم في الاسلام كان عظيما وإن المصاب بهم لجرح عظيم في الاسلام وأما ما ذكرت من قتلة عثمان فانى قد نظرت في هذا الامر فلم يسعنى دفعهم إليك وقد كان أبوك أتاني حين ولى الناس أبا بكر فقال لي يا على أنت أحق الناس بهذا الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهات يدك حتى أبايعك
[ 288 ]
فلم أفعل مخافة الفرقة في الاسلام فأبوك أعرف بحقى منك فان كنت تعرف من حقى ما كان يعرفه أبوك فقد قصدت رشدك وإن لم تفعل فسيغنى الله عنك والسلام فلما قرأ معاوية الكتاب تهيأ هو ومن معه على المسير إلى على ثم سار يريد العراق وسار على من العراق وصلى الظهر بين القنطرة والجسر ركعتين وبعث على مقدمته شريح بن هانئ وزياد بن النضر بن مالك أمر أحدهما أن يأخذ على شط دجلة والآخر على شط الفرات معهما أكثر من عشرة آلاف نفس واستخلف على الكوفة أبا مسعود الانصاري ثم أخذ على طريق الفرات وجعل يقول إذا سمعتموني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما أقول وإذا لم أقل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فانما الحرب خدعة فالتقى على وأهل الشام بصفين لسبع بقين من المحرم فقام على خطيبا في الناس فقال الحمد لله الذي لا يبرم ما نقض وإن أبرم أمرا لم ينقضه الناقضون مع أن الله وله الحمد لو شاء لم يختلف اثنان من خلقه ولا تنازعت الامة في شئ من أمره ولا جحد المفضول ذا الفضل فضله ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد وقد ساقتنا وهؤلاء المقادير حتى جمعت بيننا في هذا المكان فنحن من ربنا بمنظر ومستمع ولو
[ 289 ]
شاء الله لجعل الانتقام وكان منه التغيير حتى يتبين أهل الباطل ويعلم أهل الحق أين مصيره ولكنه جعل الدنيا دار الاعمال وجعل الآخرة هي دار القرار ليجزى الذين اساءوا الآية ألا إنكم تلقون عدوكم غدا فأطيلوا الليلة القيام وأكثروا فيها تلاوة القرآن وسلوه النصر وعليكم بالجد والحزم وكونوا صادقين ثم قعد فوثب الناس إلى سيوفهم يهيؤنها وإلى رماحهم يثقفونها وإلى نبالهم يريشونها ثم جعل على مقدمته شريح بن هانئ الحارثى والاشتر وعلى الميمنة الاشعث بن قيس وعلى الميسرة عبد الله بن عباس وعلى الرجالة عبد الله بن بديل بن ورقاء وعلى الساقة زياد بن النضر وعلى ميمنة الرجالة سليمان بن صرد الخزاعي ثم قام معاوية خطيبا في أهل الشام واجتمع الناس فقال الحمد لله الذي دنا في علوه وعلا في دنوه وظهر وبطن فارتفع فوق كل منظر أولا وآخرا وظاهرا وباطنا يقضى فيفصل ويقدر فيغفر ويفعل ما يشاء وإذا أراد أمرا أمضاه وإذا عزم على أمر قضاه لا يؤامر أحدا فيما يملك ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون والحمد لله رب العالمين على ما أحببنا وكرهنا ثم كانت من قضاء الله أن ساقتنا المقادير إلى
[ 290 ]
هذه الرقعة من الارض ولقت بيننا وبين أهل العراق فنحن من الله بمنظر ومستمع وقد قال الله ولو شاء الله ما اقتتلوا الآية فانظروا يا لاهل الشام فانما تلقون غدا العدو فكونوا على إحدى ثلاث خلال إما قوما تطلبون ما عند الله بقتالكم قوما بغوا عليكم وإما قوما تطلبون بدم الخليفة عثمان فإنه خليفتكم وصهر نبيكم وإما قوما تدفعون عن نسائكم وذراريكم وعليكم بتقوى الله والصبر الجميل نسأل الله لنا ولكم النصر وأن يفرغ علينا وعليكم الصبر وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين فأجابه أهل الشام طب نفسا نموت معك ونحيى معك ثم جعل معاوية أبا الاعور عمرو بن سفيان السلمي على مقدمته وحبيب بن مسلمة الفهري على ميمنته وبسر بن أرطاة على ميسرته ومسلم بن عقبة على رجالة العسكر فلما كان الغد اقتتلوا قتالا شديدا فحجز بينهم الليل حتى قاتلوا ثلاثة أيام فقتل من أصحاب على بالمبارزة هاشم بن عتبة بن أبى وقاص ة عمار بن ياسر وعبد الله بن بديل بن ورقاء وعمار بن حنظلة الكندي وبشر بن زهير ومالك بن كعب العامري وطالب بن كلثوم الهمداني والمرتفع
[ 291 ]
بن وضاح الزبيدي وشريح بن طارق البكري وأسلم بن يزيد الحارثى والحارث بن اللجاج الحكمى وعائذ بن كريب الهلالي وواصل بن ربيعة الشيباني وعائذ بن مسروق الهمداني ومسلم بن سعيد الباهلى ومحارب بن ضرار المرادي وسليمان بن الحارث الجعفي وشرحبيل بن يزيد الحضرمي وقتل من أصحاب معاوية في المبارزة شرحبيل بن منصور وعبد الرزاق بن خالد العبسي وشريح بن الحارث الكلابي وصالح بن المغيرة الجمحي وحريث بن الصباح الحميري والحارث بن وداعة الحميري وروق بن الحارث العكي والمطاع بن المطلب القينى وجلهمة بن هلال الكلبي والوضاح بن أزهر السكسكي ووازع بن سلامان الغساني والمهاجر بن حنظلة الجعفي وعبد الله بن جرير العكي ومالك بن وديعة القرشي سوى من قتل من الفريقين من غير براز ولما قتل عمار أتى عبد الله بن عمرو معاوية فقال قتل عمار فقال عمرو بن العاص قتل عمار فما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية فقال معاوية أنحن قتلناه إنما قتله أهل العراق جاؤوا به فطرحوه في سيوفنا ورماحنا وقد قيل إنه قتل بصفين سبعون ألفا من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا
[ 292 ]
ومن أهل الشام خمسة وأربعون ألفا فلما اشتدت البلاء بالفريقين وكثر بينهم القتلى قال عمرو بن العاص لمعاوية إن هذا الامر لا يزداد إلا شدة فهل لك إلى أمر لا يزداد القوم به إلا فرقة إن أعطونا اختلفوا وإن منعونا اختلفوا فقال معاوية ما هو فقال المصاحف نرفعها وندعوهم بما فيها فانهم لا يقاتلون إلا على ما قد علمت فقال معاوية افعل ما رأيت فأمر بالمصاحف فرفعت في الرماح ثم جعلوا ينادون ندعوكم إلى كتاب الله والحكم بما فيه فسر الناس به وكرهوا القتال وأجابوا إلى الصلح وأنابوا إلى الحكومة وقالوا لعلي إن القوم يدعونك إلى الحق وإلى كتاب الله فان كرهنا ذلك فنحن إذا مثلهم فقال على ويحكم ما ذلك يريدون ولا يفعلون ثم مشى الناس بعضهم إلى بعض وأجابوا الصلح والحكومة وتفرقوا إلى دفن قتلاهم ولم يجد على بدا من أن يقبل الحكومة لما رأى من أصحابه فحكم أهل الشام عمرو بن العاص وأراد على أن يحكم بن عباس فقال الاشعث بن قيس وهو يومئذ سيد الناس لا يحكم في هذا الامر رجلان من قريش ولا افترق الفريقان على هذا الجمع على حكومة بعد أن كان من القتال بينهما ما كان إلا وأحد الحكمين منا وتبعه أهل اليمن على ذلك ثم قال الاشعث لا نرضى إلا بأبي موسى الاشعري وكتبوا بينهم كتابي الصلح
[ 293 ]
بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان قاضى على على أهل العراق ومن كان معه من شيعته من المؤمنين وقاضي معاوية على أهل الشام ومن كان معه من شيعته من المسلمين أنا ننزل على حكم الله وكتابه فما وجد الحكمان في كتاب الله فهما يتبعانه وما لم يجدا في كتاب الله فالسنة العادلة تجمعهما وهما آمنان على أموالهما وأنفسهما وأهاليهما والامة أننصار لهما على الذي يقضيان عليه وعلى المؤمنين والمسلمين والطائفتان كلتاهما عليهما عهد الله وميثاقه أن يفيا بما في هذه الصحيفة على أن بين المسلمين الامن ووضع السلاح وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه ليحكما بين الناس بما في هذه الصحيفة على أن الفريقين جميعا يرجعان سنة فإذا انقضت السنة ان أحبا أن يردا ذلك ردا وإن أحبا زادا فيهما ما شاء الله اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة وشهد على الصحيفة فريق عشرة أنفس فشهد من أصحاب على
[ 294 ]
الاشعث بن قيس وعبد الله بن عباس وسعيد بن قيس الهمداني وحجر بن الادبر الكندي وعبد الله بن الطفيل العامري وعبد الله بن محل العجلي ووقاء بن سمى البجلي وعقبة بن زيد الانصاري ويزيد بن حجية التيمى ومالك بن أوس الرحبي وشهد من الشام أبو الأعور السلمي وحبيب بن مسلمة الفهري والمخارق بن الحارث الزبيدي وعلقمة بن يزيد الحضرمي وسبيع بن يزيد الحضرمي وزمل بن عمرو العذري ويزيد بن الحر العبسي وحمزة بن مالك الهمداني وعبد الرحمن بن الخالد بن الوليد وعتبة بن أبى سفيان وكتب يوم الاربعاء سنة سبع وثلاثين فانصرف على بمن معه من أهل العراق وانصرف معاوية بمن معه إلى الشام فقال عبد الله بن وهب الحرمي وكان من أصحاب على
[ 295 ]
لا حكم إلا لله فقال على هذه كلمة حق أريد بها باطل فلما دخل على الكوفة خرج من كان يقول لا حكم إلا لله ونزلوا بحروراء وهم قريب من اثنى عشر ألفا فسموا الحرورية ومناديهم ينادى أمير القتال شبث بن ربعى التميمي والامر بعد الفتح شورى والبيعة لله ومات خباب بن الارت بالكوفة فخرج على من صفين وولى على سهل بن حنيف فارس فأخرجه أهل فارس فوجه زيادا فرضوا وصالحوه وأدوا إليه الخراج ثم إن الخوارج اجتمعت على ويد بن حصين وقالوا له أنت سيدنا وشيخنا وعامل عمر بن الخطاب على الكوفة تول أمرنا وجهروا به فقال ما كنت لافعلها فلما أبى عليهم ذلك ذهبوا إلى يزيد بن عاصم المحاربي فعرضوا عليه أمرهم فأبى عليهم ذلك ثم ذهبوا إلى سعد بن وائل التميمي فأبى عليهم فأتوا عبد الله بن وهب الراسبي واجتمعوا عنده بقرب النهروان وخرج إليهم على في جمعية فلما أتاهم حمد الله وأثنى عليه ثم قال إنكم أيها القوم قد علمتم وعلم الله أنى كنت
[ 296 ]
للحكومة كارها حتى أشرتم على بها وغلبتمونى عليها والله بيني وبينكم شهيد ثم كتبنا بيننا وبينهم كتابا وأنتم على ذلك من الشاهدين فقالت طائفة من القوم صدقت ورجعوا إلى الجماعة وبقيت طائفة منهم على قولهم فقال على هل انبئكم بالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحيوة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا منهم أهل النهروان ورب الكعبة ثم إنهم عبروا الجسر إلى على ليحاربوه فلما عبروا الجسر نادى على في العسكر استقبلوهم فاستقبلوهم والتقطوهم بالرماح فكان مع على جمعية يسيرة إنما جاء على أن يردهم بالكلام وقد كانت الخوارج قريبا من حمسة آلاف فلما فرغوا من قتلهم قال على اطلبوا لي المخدع فكلبوه فلم يجدوه فقال اطلبوا المخدع فوالله ما كذبت ولا كذبت ثم دعا ببغلته البيضاء فركبها وجعل يقلب القتلى حتى أتى على فضاء من الارض فقال قلبوا هؤلاء فإذا هم برجل ليس له ساعد بين جنبيه ثدى فيه شعرات إذا مدت امتدت وإذا تركت قلصت فقال على الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرج قوم فيهم رجل مخدع اليد ولولا أن تنكلوا عن العمل لانبأتكم بما وعد الله
[ 297 ]
الذين يقاتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ثم حج بالناس عبد الله بن عباس فلما دخلت السنة الثامنة والثلاثون اجتمعوا لميعادهم مع الحكمين بأذرح وحضر فيهم من أهل المدينة سعد بن أبى وقاص وعبد الله بن الزبير وابن عمر ولم يخرج على بنفسه ووافى معاوية في أهل الشام وكان بينه وبين أبى موسى الاشعري ما كان وافترق الناس ورجعوا إلى أوطانهم وندم عبد الله بن عمر على حضوره أذرح فأحرم من بيت المقدس تلك السنة ورجع إلى مكة واستشار معاوية أصحابه في محمد بن أبى بكر وكان واليا على مصر فأجمعوا على المسير إليه فخرج عمرو بن العاص في أربعة آلاف فيهم أبو الأعور السلمي ومعاوية بن حديج فالتقوا بالمسناة وقاتلوا قتالا شديدا وقتل كنانة بن بشر بن عتاب التجيبي وانهزم محمد بن أبى بكر وقاتل حتى قتل وقد قيل إنه أدخل في جوف حمار ميت
[ 298 ]
ثم أحرق بالنار فلما بلغ عليا سرور معاوية بقتله قال لقد حزنا عليه بقدر سرورهم بقتله ثم ولى على الاشتر على مصر ومات صهيب بن سنان فلما بلغ معاوية خبر مسير الاشتر إلى مصر قال إنه ليأتي وعامة أهل مصر أهل اليمن وهو يماني وكتب إلى دهقان بالعريش إن احتلت في الاشتر فلك على أن أخرج خراجك عشرين سنة فقدم ا لاشتر على امرأة من حمير يقال لها ليلى بنت النعمان فتلطف له الدهقان وسأله أي الشراب أحب إليك قال العسل قال عندي عسل من عسل برقة لم ير مثله ثم قدمته إليه فسقته منه فمات من ساعته فبلغ ذلك معاوية فقال إن لله جنودا في العسل ومات صفوان بن بيضاء في رمضان وكان قد شهد بدرا ومات سهل بن حنيف بالكوفة وصلى عليه وحج بالناس قثم بن العباس فلما دخلت السنة التاسعة والثلاثون استعمل على يزيد بن حجية التميمي على الري ثم كتب إليه بعد مدة أن اقدم فقدم على على فقال له أين ما غللت من مال الله قال ما غللت فخفقه بالدرة خفقات وحبسه في داره فلما كان في بعض الليالي
[ 299 ]
قرب يزيد البواب وما حله ولحق بالرقة وأقام بها حتى أتاه إذن معاوية فلما بلغ عليا لحوقه معاوية قال اللهم إن يزيد أذهب بمال المسلمين ولحق بالقوم الظالمين اللهم فاكفنا مكره وكيده ثم وجه معاوية خيلا فيهم الضحاك بن قيس الفهري وسفيان بن عوف الدابرى فأغار سفيان على الانبار وفيها مسلحة لعلي فلما بلغ عليا خروجهم خرج من بيته والناس في المسجد فلما رأوه صاحوا قال اسكتوا اسكتوا فلما سكتوا قال شاهدت الوجوه شاهدت الوجوه إن قلت نعم قلتم لا وإن قلت لا قلتم نعم إن استنفرتكم في الحر قلتم الحر شديد فإذا جاء الشتاء نفرنا وإذا جاء الشتاء واستنفرتكم قلتم البرد شديد وإذا كان الصيف نفرنا إن عدوكم يجد من الهناء ما تجدون ولكن لا أرى لمن لا يطاع وددت أن لي بجماعتكم ألف فارس ثم بعث معاوية بسر بن أرطاة أحد بنى عامر بن لؤي في جيش من أهل الشام إلى المدينة وعليها أبو أيوب الانصاري فهرب منه
[ 300 ]
أبو أيوب ولحق عليا بالكوفة ولم يقاتله أحد بالمدينة حتى دخلها فصعد منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ينادى يا أهل المدينة والله لولا ما عهد إلى أمير المؤمنين معاوية ما تركت فيها محتلما إلا قتلته فبايع أهل المدينة معاوية وأرسل إلى بنى سلمة ما لكم عندي أمان حتى تأتوني بجابر بن عبد الله فدخل جابر بن عبد الله على أم سلمة وقال يا أماه إني خشيت على دمى وهذه بيعة ضلالة فقالت أرى ان تبايع فخرج جابر بن عبد الله فبايع بسر بن أرطاة لمعاوية كارها ثم خرج بسر حتى أتى مكة فخافه أبو موسى الاشعري وكان والى مكة لعلي وتنحى عن مكة حتى دخلها ثم مضى إلى اليمن وعليها عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب عامل عللا فلما سمع به عبيد الله هرب واستخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان وكانت ابنته تحت عبيد الله بن عباس فلما قدم بسر اليمن قتل عبد الله بن عبد المدان وأخذ ابنين لعبيد الله بن عباس بن عبد المطلب من أحسن الصبيان صغيرين كأنهما درتان ففعل بهما ما فعل فلما حضر الموسم بعث على على الحج عبد الله بن عباس وبعث
[ 301 ]
معاوية يزيد بن شجرة الرهاوي فاجتمعا بمكة وتنازعا وأبى كل واحد منهما أن يسلم لصاحبه إقامة الحج فاجتمع الناس على شيبة بن عثمان بن أبى طلحة فحج بالناس شيبة بن عثمان فلما دخلت السنة الاربعون وبلغ الخبر عليا بما فعل بسر بن أرطاة بالسمن وما كان من أمر بنى عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب خطبهم وقال لقد خفت أن يظهر مولى القوم عليكم وما يظهرون عليكم بأن يكونوا بالحق أولى منكم ولكن بصلحهم في بلادهم وفسادكم في بلادكم واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم وأدائهم الامانة وخيانتكم والله والله لو استعملت فلانا لخان وغدر ثلاثا ولو بعثه معاوية لم يخنه ولا غدره اللهم قد مللتهم وملوني وسئمتهم وسئموني وكرهتهم وكرهوني فأرخى منهم وأرحهم منى وأبدلني بمن هو خير لي منهم وأبدلهم بمن هو شر لهم منى
[ 302 ]
ثم كان قتل على بن أبى طالب وكان السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم المرادي أبصرلا امرأة من بنى تيم الرباب يقال لها قطام وكانت من أجمل أهل زمانها وكانت ترى رأى الخوارج فولع بها فقالت لا أتزوج بك إلا على ثلاثة آلاف وقتل على لن أبى طالب فقال لها لك ذلك فتزوجها وبنى بها فقالت له يا هذا قد عرفت الشرط فخرج عبد الرحمن بن ملجم ومعه سيف مسلول حتى أتى مسجد الكوفة وخرج على من داره وأتى المسجد وهو يقول أيها الناس الصلاة الصلاة أيها الناس الصلاة الصلاة وكانت تلك ليلة الجمعة لسبع عشرة خلت من رمضان فصادفه عبد الرحمن بن ملجم من خلفه ثم ضربه بالسيف ضربة من قرنه إلى جبهته وأصاب السيف الحائط فثلم فيه ثم ألقى السيف من يده وأقبل الناس عليه فجعل بن ملجم يقول للناس إياكم والسيف فإنه مسموم وقد سمه شهرا فأخذوه ورجع على بن أبى طالب إلى داره ثم أدخل عليه عبد الرحمن بن ملجم فقالت له أم كلثوم بنت على يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين فقال لم أقتل إلا أباك فقالت إني لارجو أن لا يكون على أمير المؤمنين من بأس فقال عبد الرحمن بن ملجم فلم تبكين إذا فوالله سممته شهرا فان أخلفني أبعده الله وأسحقه فقال على
[ 303 ]
احبسوه وأطيبوا طعامه وألينوا فراشه فان أعش فعفو أو قصاص وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين فمات على بن أبى طالب غداة يوم الجمعة فأخذ عبد الله بن جعفر والحسن بن على ومحمد بن الحنفية عبد الرحمن بن ملجم فقطعوا يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم ثم كحلوا عينيه بملمول محمى ثم قطعوا لسانه وأحرقوه بالنار وكان لعلي يوم مات اثنتان وستون سنة وكانت خلافته خمس سنين وثلاثة أشهر واختلفوا في موضع قبره ولم يصح عندي شئ من ذلك فأذكره وقد قيل إنه دفن بالكوفة في قصر الامارة عند مسجد الجماعة وهو بن ثلاث وستين ثم قام الحسن بعد دفن أبيه خطيبا في الناس فحمد الله وأثنى عليه
[ 304 ]
ثم قال والله لقد مات فيكم رجل ما سبقه الاولون ولا يدركه الآخرون لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالبعث ويعطيه الراية فما يرجع حتى يفتح الله عليه يقاتل جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ولا ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادما وكان لعلي بن أبى طالب خمسة وعشرون ولدا من الولد الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى وهؤلاء الخمسة من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان له من غيرها محمد بن على وعبيد الله وعمر وأبو بكر ويحيى وجعفر والعباس وعبد الله ورقية ورملة وأم الحسن وأم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وأم الكرا وأم سلمة عنهم أجمعين ذكر البيان بان من ذكرناهم كانوا خلفاء ومن بعدهم كانوا ملوكا أخبرنا أحمد بن على بن المثنى بالموصل ثنا على بن الجعد الجوهري ثنا حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكا قال
[ 305 ]
أمسك خلافة أبى بكر سنتين وعمر عشرا وعثمان اثنتي عشرة وعلى ستا قال على بن الجعد فقلت لحماد بن سلمة سفينة القائل أمسك قال نعم قال أبو حاتم ولى أهل الكوفة بعد على بن أبى طالب الحسن بن على ولما اتصل الخبر بمعاوية ولى أهل الشام معاوية بن أبى سفيان واسم أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأم معاوية هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فكان معاوية نافذ الامور بالشام والاردن وفلسطين ومصر وكان الحسن بن على يمشى الامور بالعراق إلى أن دخلت سنة إحدى وأربعين فاحتال معاوية في الحسن بن على وتلطف له وخوفه هراقه دماء المسلمين وهتك حرمهم وذهاب أموالهم إن لم يسلم الامر لمعاوية فاختار الحسن ما عند الله على ما في الدنيا وسلم الامر إلى معاوية يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ربيع الاول سنة إحدى وأربعين واستوى الامر لمعاوية حينئذ وسميت هذه السنة سنة الجماعة وبقى معاوية في إمارته تلك إلى أن مات يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين وقد قيل إن معاوية مات
[ 306 ]
للنصف من رجب من هذه السنة وكان له يوم توفى ثمان وسبعون سنة وصلى عليه بن قيس الفهري وقد قيل إن يزيد بن معاوية هو الذي صلى عليه وكانت مدة معاوية تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر واثنتين وعشرين ليلة وكان معاوية يخضب بالحناء والكتم وكان نقش خاتمه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم وقبره بدمشق خارج باب الصغير في المقبرة محوط عليه قد زرته مرارا عند قصرى رمادة أبى الدرداء يزيد بن معاوية أبو خالد ثم تولى يزيد بن معاوية بن أبى سفيان يوم الخميس من شهر رجب في اليوم الذي مات فيه أبوه وكنية يزيد أبو خالد وكان ليزيد بن معاوية يوم ولى أربع وثلاثون وشهر كانت أمه ميسون بنت بحدل بن الانيف بن ولجة بن قنافة الكلبي وكان نقش خاتمه آمنت بالله مخلصا ولما بايع أهل الشام يزيد بن معاوية واتصل الخبر بالحسين بن على جمع شيعته واستشارهم وقالوا إن الحسن لما سلم الامر لمعاوية
[ 307 ]
سكت وسكت معاوية فالآن قد مضى معاوية ونحب أن نبايعك فبايعته الشيعة ووردت على الحسين كتب أهل الكوفة من الشيعة يستقدمونه إياها فأنفذ الحسين بن على مسلم بن عقيل إلى الكوفة لاجل البيعة على أهلها فخرج مسلم بن عقيل من المدينة معه قيس بن مسهر الصيداوي يريدان الكوفة ونالهما في الطريق تعب شديد وجهد جهيد لانهما أخذا دليلا تنكب بهما الجادة فكاد مسلم بن عقيل أن يموت عطشا إلى أن سلمه الله ودخل الكوفة فلما نزلها دخل دار المختار بن أبى عبيد واختلفت إليه الشيعة يبايعونه أرسالا ووالى الكوفة يومئذ النعمان بن بشير ولاه يزيد بتن معاوية الكوفة ثم تحول مسلم بن عقيل من دار المختار إلى دار هانئ بن عروة وجعل الناس يبايعونه في دار هانئ حتى بايع ثمانية عشر ألف رجل من الشيعة فلما اتصل الخبر بيزيد بن معاوية أن مسلما يأخذ البيعة بالكوفة للحسين بن على كتب يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد وهو إذ ذلك بالبصرة وأمره بقتل مسلم بن عقيل أو بعثه إليه فدخل عبيد الله بن زياد الكوفة حتى نزل القصر واجتمع إليه أصحابه وأخبر عبيد الله بن زياد أن مسلم بن عقيل في دار هانئ بن عروة فدعا هانئا وسأله فأقر به فهشم عبيد الله وجه هانئ بقضيب كان في يده حتى تركه وبه رمق
[ 308 ]
ثم ركب مسلم بن عقيل في ثلاثة آلا ف فارس يريد عبيد الله بن زياد فلما قرب من قصر عبيد الله نظر فإذا معه مقدار ثلاثمائة فارس فوقف يلتفت يمنة ويسرة فإذا أصحابه يتخلفون عنه حتى بقى معه عشرة أنفس فقال يا سبحان الله غرنا هؤلاء بكتبهم ثم أسلمونا إلى أعدائنا هكذا فولى راجعا فلما بلغ طرف الزقاق التفت فلم ير خلفه أحدا وعبيد الله بن زياد في القصر متحصن يدبر في أمر مسلم بن عقيل فمضى مسلم بن عقيل على وجهه وحده فرأى امرأة على باب دارها فاستسقاها ماء وسألها مبيتا فأجابته إلى ما سأل وبات عندها وكانت للمرأة بن فذهب الابن وأعلم عبيد الله بن زياد أن مسلما في دار والدته فأنفذ عبيد الله بن زياد إلى دار المرأة محمد بن الاشعث بن قيس في ستين رجلا من قيس فجاءوا حتى أحاطوا بالدار فجعل مسلم يحاربهم عن نفسه حتى كل ومل فآمنوه فأخذوه وأدخلوه على عبيد الله فأصعد القصر وهو يقرأ ويسبح ويكبر ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غزونا وكذبونا ثم خذلونا حتى دفعنا إلى ما دفعنا إليه ثم أمر عبيد الله بضرب رقبة مسلم بن عقيل فضرب رقبة مسلم بن عقيل بكير بن حمران الاحمري على طرف الجدار فسقطت جثته ثم أتبع رأسه جسده ثم أمر عبيد الله
[ 309 ]
بإخراج هانئ بن عروة إلى السوق وأمر بضرب رقبته في السوق ثم بعث عبيد الله بن زياد برأسي مسلم بن عقيل بن أبى طالب وهانى بن عروة مع هانئ بن أبى حية الوداعي والزبير بن الا روح التميمي إلى يزيد بن معاوية فلما بلغ الحسين بن على الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل خرج بنفسه يريد الكوفة وأخرج عبيد الله بن زياد عمر بن سعد إليه فقاتله بكربلاء قتالا شديدا حتى قتل عطشانا وذلك يوما عاشوراء يوم الاربعاء سنة إحدى وستين وقد قيل إن ذلك اليوم كان يوم السبت والذي قتل الحسين بن على هو سنان بن أنس النخعي وقتل معه من أهل بيته في ذلك اليوم العباس بن على بن أبى طالب وجعفر بن على بن أبى طالب وعبد الله بن على بن أبى طالب الاكبر وعبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب والقاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب وعون بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وعبد الله بن عقيل بن أبى طالب ومحمد بن أبى سعيد بن عقيل بن أبى طالب واستصغر على بن الحسين بن على فلم يقتل
[ 310 ]
انفلت في ذلك اليوم من القتل لصغره وهو والد محمد بن على الباقر واستصغر في ذلك اليوم أيضا عمرو بن الحسن بن على بن أبى طالب فلن يقتل لصغره وجرح في ذلك اليوم الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب جراحة شديدة حتى حسبوه قتيلا ثم عاش بعد ذلك وقتل في ذلك اليوم سليمان مولى الحسن بن على بن أبى طالب ومنجح مولى الحسين بن على بن أبى طالب وقتل في ذلك اليوم الخلق من أولاد المهاجرين والانصار وقبض على عبد الله بن بقطر رضيع الحسين بن على بن أبى طالب في ذلك اليوم وقيل حمل إلى الكوفة ثم رمى به من فوق القصر أو قيد فانكسرت رجله فقام إليه رجل من أهل الكوفة وضرب عنقه وكانت أم الحسين بن على بن أبى طالب فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم العباس بن على بن أبى طالب أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة والعباس يقال له السقاء لان الحسين طلب الماء في عطشه وهو يقاتل فخرج العباس وأخوه واحتال حمل إداوة ماء ودفعها إلى الحسين فلما أراد الحسين أن يشرب من تلك الاداوة جاء سهم فدخل حلقه فحال بينه وبين ما أراد من الشرب فاحترشته السيوف حتى قتل فسمى العباس بن على السقاء لهذا السبب وكانت
[ 311 ]
والدة جعفر بن على بن أبى طالب وعبد الله بن على بن أبى طالب الاكبر ليلى بنت أبى مرة بن عروة بن مسعود بنت معتب وكان أم عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب الرباب بنت القاسم بن أوس بن عدى بن أوس بن جابر بن كعب وكانت أم القاسم بن الحسن بن على بن أبى طالب أم ولد وكانت أم عون بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب جمانة بنت المسيب بن نجبة بن ربيعة وكانت أم محمد بن عبد الله بن جعفر بن عقيل بن أبى طالب أم ولد وكانت أم عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبى طالب رقية بنت على بن أبى طالب وكانت أم الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب خولة بنت منظور بن زيان الفزاري وكانت أم عمرو بن الحسن بن على بن أبى طالب أم ولد وقد قيل إن أبا بكر بن على بن أبى طالب قتل في ذلك اليوم وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن مالك بن ربعى والذي تولى في ذلك اليوم حز رأس الحسين بن على بن أبى طالب شمر بن ذي الجوشن
[ 312 ]
ثم أنفذ عبيد الله بن زياد رأس الحسين بن على إلى الشام مع أسارى النساء والصبيان من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على أقتاب مكشفات الوجوه والشعور فكانوا إذا نزلوا منزلا أخرجوا الرأس من الصندوق وجعلوه في رمح وحرسوه إلى وقت الرحيل ثم أعيد الرأس إلى الصندوق ورحلوا فبيناهم كذلك إذ نزلوا بعض المنازل وإذا فيه دير راهب فأخرجوا الرأس على عادتهم وجعلوه في الرمح وأسندوا الرمح إلى الدير فرأى الديرانى بالليل نورا ساطعا من ديره إلى السماء فأشرف على القوم وقال لهم من أنتم قالوا نحن أهل الشام قال وهذا رأس من هو قالوا رأس الحسين بن على قال بئس القوم أنتم والله لو كان لعيسى ولد لادخلناه أحداقنا ثم قال يا قوم عندي عشرة آلاف دينار ورثتها من أبى وأبى من أبيه فهل لكم أن تعطوني هذا الرأس ليكون عندي الليلة وأعطيكم هذه العشرة آلاف دينار قالوا بلى فأحدر إليهم الدنانير فجاؤوا بالنقاد ووزنت الدنانير ونقدت ثم جعلت في جراب وختم عليه ثم أدخل الصندوق وشالوا إليه الرأس فغسله الديرانى ووضعه على فخذه وجعل يبكى الليل كله عليه فلما أن أسفر عليه الصبح قال يا رأس لا أملك إلا نفسي وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن جدك رسول الله
[ 313 ]
فأسلم النصراني وصار مولى للحسين ثم أحدر الرأس إليهم فأعادوه إلى الصندوق ورحلوا فلما قربوا مكن دمشق قالوا نحب أن نقسم تلك الدنانير لان يزيد إن رآها أخذها منا ففتحوا الصندوق وأخرجوا الجرا ب بختمه وفتحوه فإذا الدنانير كلها قد تحولت خزفا وإذا على جانب من الجانبين من السكة مكتوب ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون وعلى الجانب الآخر سيعلم الذين ظلموا الا منقلب ينقلبون قالوا قد افتضحنا والله ثم رموها في بردى نهر لهم فمنهم من تاب من ذلك الفعل لما رأى ومنهم من بقى على إصراره وكان رئيس من بقى على ذلك الاصرار سنان بن أنس النخعي ثم أركب الاسارى من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من النساء والصبيان أقتابا يابسة مكشفات الشعور وأدخلوا دمشق كذلك فلما وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ويقول ما أحسن ثناياه قد ذكرت كيفية هذه القصة وباليتها في أيام بنى أمية وبنى العباس في كتاب الخلفاء فأغنى عن إعادة مثلها في هذا الكتاب لاقتصارنا على ذكر الخلفاء الراشدين منهم في أول هذا الكتاب وقد بعث يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة المزني إلى المدينة لست
[ 314 ]
ليال بقين من ذي الحجة سنة ست وستين فقتل مسلم بن عقبة بالمدينة خلقا من أولاد المهاجرين والانصار واستباح المدينة ثلاثة أيام نهبا وقتلا فسميت هذه الوقعة وقعة الحرة وتوفى يزيد بن معاوية بحوارين قرية من قرى دمشق لاربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول سننة أربع وستين وهو يومئذ بن ثمان وثلاثين وقد قيل إن يزيد بن معاوية سكر ليلة وقام يرقص فسقط على رأسه وتناثر دماغه فمات وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد وكان نقش خاتم يزيد آمنت بالله مخلصا وقبره بدمشق معاوية بن يزيد أبو ليلى وولى معاوية بن يزيد بن معاوية يوم النصف من شهر ربيع الاول سنة أربع وستين وأمه أم خالد بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان له يوم ولى إحدى وعشرون سنة وقد قيل لا بل سبع عشرة سنة وكان من خير أهل بيته فلما حضرته الوفاة قالوا له بايع لرجل بعدك واعهد إليه قال ما أصبت من دنياكم شيئا فأتقلد مأثمها ومات معاوية بن يزيد اليوم الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر
[ 315 ]
سنة أربع وستين وكانت إمارته أربعين ليلة وصلى عليه عثمان بن عنبسة بن أبى سفيان وكان نقش خاتمه يا الله نستعين معاوية وقبره بدمشق مروان بن الحكم وولى مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بايعه أهل الشام بالجابية وأمه آمنة بنت علقمة بن صفوان بن أمية بن مخدش الكعبي ولما وصل الخبر بموت معاوية الحجاز بايعوا عبد الله بن الزبير بن العوام وكنية بن الزبير أبو خبيب وبايع له أهل العراق وأهل الحجاز وأم عبد الله بن الزبير أسماء بنت أبى بكر فكان يخطب لابن الزبير بالحجاز والعراق ويخطب بالشام إلى المغرب لمروان بن الحكم إلى أن مات مروان بن الحكم في شهر رمضان سنة خمس وستين بدمشق وقد قيل إن مروان مات بين دمشق وفلسطين وكان له يوم مات ثلاث وستون سنة وكانت ولايته عشرة أشهر إلا ثلاث ليال وصلى عليه ابنه عبد الملك بن مروان قد عهد إليه في حياته وكان نقش خاتم مروان آمنت بالعزيز الحكيم وقد قيل إن نقش خاتم مروان كان العزة لله
[ 316 ]
عبد الملك بن مروان أبو الوليد ثم بايع أهل الشام عبد الملك بن مروان بن الحكم وكان يكنى أبا الذبان لبخر كان في فمه وذلك في اليوم الذي مات فيه أبوه وأم عبد الملك بن مروان عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية وأنفذ عبد الله بن الزبير أخاه مصعب بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان محاربا له وسار عبد الملك إلى العراق يريد مصعبا فالتقوا بدير الجاثليق وكان بينهما وقعات إلى أن كانت الهزيمة على أصحاب مصعب وقتل مصعب بن الزبير ثم رجع عبد الملك إلى دمشق وجمع الناس واستشارهم في أمر عبد الله بن الزبير وقال من له فقام الحجاج بن يوسف فقال أنا وكان أصغر القوم وأقلهم نباهة فقال له عبد الملك وما يدريك فقال له إني رأيت في المنام أنى خلعت ثوبه فقال أنت له فأخرجه في جماعة من أهل الاردن والشام لمحاربة بن الزبير فوافى الحجاج مكة وحاصر الحرم ونصب المنجنيق على الكعبة أياما إلى أن ظفر بعبد الله بن الزبير فقتله وذلك يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الاولى سنة ثلاث وسبعين وصلبه على جذع منكسا واستقر الامر حينئذ لعبد الملك بن مروان ومات
[ 317 ]
عبد الملك بن مروان بدمشق لاربع ليال خلون من شوال سنة ست وثمانين وكانت أم عبد الملك بن مروان عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبى العاص بن أمية وصلى عليه ابنه الوليد وكان له يوم توفى اثنتان وستون سنة وكان نقش خاتمه آمنت بالله وليد بن عبد الملك أبو العباس وبايع الناس الوليد بن عبد الملك في اليوم الذي توفى أبوه بدمشق وأم الوليد بنت عبد الملك ليلى بنت العباس بن الحسين بن الحارث بن زهير وتوفى الوليد بن عبد الملك بدمشق للنصف من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين بموضع يقال له دير مروان وكان له يوم مات تسع وأربعون سنة وكان نقش خاتمه يا وليد مات وصلى عليه سليمان بن عبد الملك وحمل من دير مروان على أعناق الرجال إلى دمشق ودفن في باب الصغير وفى ولاية الوليد بن عبد الملك مات الحجاج بن يوسف في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وهو بن ثلاث وخمسين سنة وهو الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبى عقيل بن عامر بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه
[ 318 ]
بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان سليمان بن عبد الملك أبو أيوب وولى سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي مات فيه وليد بن عبد الملك وأمه ليلى بنت العباس بن الحسين وكنية سليمان بن عبد الملك أبو أيوب مات سليمان بموضع يقال له دابق يوم الجمعة لعشر ليال خلون من صفر وقد قيل لعشر بقين من صفر سنة تسع وتسعين وكان له يوم توفى خمسة وأربعون سنة وكان نقش خاتمه أو من بالله عمر بن عبد العزيز أبو حفص واستخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم أبو حفص بدير سمعان في اليوم الذي توفى فيه سليمان بن عبد الملك وأم عمر بن عبد العزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب واسمها ليلى فلما ولى عمر جمع وكلاءه ونساءه وجواريه فطلقهن وأعتقهن وأمر بثيابه فبيعت كلها وتصدق بأثمانها ولزم طريقة الخلفاء الراشدين المهديين الذين هو من جملتهم لا تأخذه في الله لومة لائم وتوفى عمر بن عبد العزيز
[ 319 ]
بدير سمعان يوم الجمعة لخمس ليال بقين من رجب سنة إحدى ومائة وكان له يوم مات إحدى وأربعون سنة وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمس ليال وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك وقيل صلى عليه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وكان نقش خاتم عمر بن عبد العزيز بالله مخلصا يزيد بن عبد الملك أبو خالد وولى أهل الشام يزيد بن عبد الملك بن مروان بعد دفن عمر بن عبد العزيز وكنية يزيد بن عبد الملك أبو خالد وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان توفى يزيد بن عبد الملك بحوران من أرض دمشق يوم الجمعة أو الخميس لخمس ليال بقين من شعبان سنة خمس ومائة وكان له يوم توفى تسع وعشرون سنة وكانت ولايته أربع سنين وشهرا لانه مات بسواد الاردن وصلى عليه ابنه الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان نقش خاتم بن عبد الملك رب قنى الحساب
[ 320 ]
هشام بن عبد الملك أبو الوليد وولى هشام بن عبد الملك بن مروان في اليوم الذي توفى فيه أخوه وأمه عائشة بنت هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي ومات هشام بن عبد الملك بالرصافة من أرض قنسرين يوم الاربعاء لست ليال خلون من شهر ربيع الآخر سنة خمس وعشرين ومائة وكان له يوم توفى ست وحمسون سنة وكانت ولايته تسع عشرة سنة وستة أشهر وإحدى عشرة ليلة وصلى عليه الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان نقش خاتم هشام بن عبد الملك للحكم الحكيم وكان هشام أحول الوليد بن يزيد بن عبد الملك أبو العباس وولى الوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد دفن هشام بن عبد الملك وأمه أم محمد واسمها عائشة بنت محمد بن يوسف الثقفى أخو الحجاج بن يوسف وكنية الوليد بن يزيد أبو العباس وقتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة قتله يزيد الناقص بالبخراء من أرض دمشق وكانت
[ 321 ]
ولايته سنة وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما يزيد بن الوليد بن عبد الملك أبو خالد وولى يزيد بن الوليد بعد قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك وأمه هند بنت عبد العزيز بن مروان ومات يزيد بن الوليد لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة وكانت ولايته خمسة أشهر وقد قيل خمسة أشهر وليلتين وصلى عليه أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك وكان يقال له يزيد الناقص وإنما سمى بذلك لانه نقص عطاء الجند عما زاده الوليد فسمى بذلك الناقص إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك أبو إسحاق وولى إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان في اليوم الذي مات فيه أخوه وكانت أمه أم ولد وكان يلقب بصلبان باسم مجنون
[ 322 ]
وكان عندهم بدمشق وبقى في العمل ثلاثة أشهر ثم قدم مروان بن محمد دمشق وراوده على أن يخلع نفسه بعد أن قاتله مروان فسمى المخلوع وبقى بعد ذلك مدة إلى أن مات بدمشق وقد قيل إن مروان بن محمد هو الذي قتله وصلبه وكان اليوم الذي خلع فيه إبراهيم بن الوليد يوم الاثنين لاربع عشرة ليلة خلت من شهر صفر سنة سبع وعشرين ومائة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم أبو عبد الملك وولى مروان بن محمد في اليوم الذي خلع فيه إبراهيم بن الوليد نفسه وذلك يوم الاثنين وكان يقال له مروان الحمار وإنما عرف بالحمار لقلة عقله وأمه أم ولد جارية كردية كان يقال لها لبابة وظهر أبو مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم أحد بنى جندع بن ليث بن بكر بن عبد مناف بخراسان يوم الخميس لعشر بقين من رمضان سنة تسع وعشرين ومائة فأظهر الدعوة للرضا من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل مرو وفض الجموع التي كانت بها مع نصر بن سيار وهرب نصر بن سيار بن أبى مسلم يريد العراق فمات
[ 323 ]
بساوة وخرج أبو مسلم من مرو إلى نيسابور ثن قصد الري ثم خرج منها إلى الكوفة فدخلها وأنفذ عبد الله بن على بن العباس وأهل بيته وهم بالمدينة فاستقدمهم الكوفة وأنفذ عبد الله بن على مع جيش جرار إلى دمشق يريد مروان بن محمد فأنفذ عبد الله بن على على مقدمته صالح بن على فجعل صالح بن على على مقدمته أبا عون عبد الملك بن يزيد فواقع بن عون مروان بن محمد بموضع يقال له أبوصير من رستاق يدعى من صعيد مصر لانه هرب إلى الصعيد فتل مروان الحمار عامر بن إسماعيل المروزي وذلك يوم الخميس لست ليال بقين من ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين ومائة وقد قيل إن مروان بن محمد قتل في بعض نواحى دمشق وانقضت مدة ملك بنى أمية على رأسه السفاح أبو العباس وولى أبو مسلم أبا العباس واسمه عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن العباس وذلك يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الاول سنة اثنتين وثلاثين ومائة وأمه رائطة بنت عبيد الله بن عبد الله
[ 324 ]
بن عبد المدان الحارثى وهو أول عباسي تولى الخلافة وتحول أبو العباس من الحيرة إلى الانبار وبنى مدينتها للنصف من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين ومائة وتوفى أبو العباس يوم الاحد بالانبار ليلة عشر خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وصلى عليه عيسى بن على بن عبد الله بن عباس وكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر وكان مولده بالشام بالحميمة وكان نقش خاتم أبى العباس الله ثقة عبد الله وبه يؤمن المنصور أبو جعفر أخوه وولى أبو جعفر المنصور واسمه عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس في اليوم الذي مات فيه أخوه وأمه أم ولد اسمها سلامة وتوفى أبو جعفر بالابطح بمكة لتسع خلون من ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ودفن ببئر ميمون وصلى عليه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن على وقد قيل لا بل صلى عليه عيسى بن محمد بن على والمنصور
[ 325 ]
هو قاتل أبى مسلم وكان أبو مسلم مولده بكرخ أصبهان واسمه عبد الرحمن بن مسلم قتله المنصور في آخر شعبان سنة سبع وثلاثين ومائة وطواه في بساط لانه ترك الرأي بالرأى وكان للمنصور يوم ولى ثلاث وستون سنة وكانت ولايته اثنتين وعشرين سنة غير يوم وكان نقش خاتم المنصور الله ثقة عبد الله المهدى بن المنصور أبو عبد الله وولى محمد بن عبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس في اليوم الذي توفى فيه أبوه وأمه أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن سهم بن يزيد الحميري ومات المهدى بما سبذان بقرية يقال لها السواد وذلك في المحرم ليلة الخميس لثمان بقين منه سنة تسع وستين ومائة وكان له يوم توفى ثلاث وأربعون سنة وكانت ولايته عشر سنين وشهرا وأربع عشرة ليلة وصلى عليه ابنه هارون وقد كان نقش خاتمه أستقدر الله تعالى
[ 326 ]
الهادي بن مهدى أبو محمد وولى موسى بن محمد بن أبى جعفر المنصور في اليوم الذي مات فيه أبوه وكان موسى يومئذ بجرجان وأمه الخيزران أم ولد بويع ببغداد وأنفذت البيعة إليه وهو بجرجان ثم قدم الهادي ببغداد وتوفى موسى الهادي يوم الجمعة بموضع يقال له عيسى أباذ من سواد العراق وذلك يوم الجمعة لاربع عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الاول سنة سبعين ومائة وكان له يوم توفى خمس وعشرون سنة وكانت ولايته أربعة عشر شهرا إلا ست ليال وصلى عليه أخوه هارون الرشيد بن الهادي وكان نقش خاتم الهادي الله ربي الرشيد بن المهدى أبو جعفر وولى هارون بن محمد بن أبى جعفر المنصور في اليوم الذي توفى فيه أخوه موسى وكنية هارون أبو جعفر وأمه أم ولد وتوفى هارون الرشيد بطوس بموضع يقال له سناباذ بخارج النوقان وكان قد خرج من جرجان إليها
[ 327 ]
وذلك في جمادى الاولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وكان مولده بمدينة السلام وكان نقش خاتم هارون بالله ثقتى ورأيت قبر هارون الرشيد تحت قبر على بن موسى الرضا بينهما مقدار ذراعين في رأى العين على في القبلة وهارون في المشرق مما يليه وكان لهارون يوم توفى تسع وأربعون سنة وكانت ولايته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما الامين بن الرشيد أبو عبد الله وولى محمد بن هارون وأمه زبيدة وهى أم جعفر بنت جعفر بن أبى جعفر المنصور ومحمد يومئذ ببغداد فوقعت البيعة عليه بطوس وهو غائب ببغداد ثم أخذ بيعة الناس لابنه محمد بعده ثم أخذ بيعة الناس لابنه عبد الله بن محمد فلما مات هارون وولى محمد جعل عبد الله بن هارون المأمون ينفذ الاعمال بطوس وخراسان بعد موت أبيه وأنفذ طاهر بن الحسين الاعور لمحاربة أخيه ببغداد فوافى طاهر ببغداد وحاصر
[ 328 ]
الامين بها وقاتله إلى أن قتله وأنفذ رأسه إلى المأمون وكان ذلك يوم الاحد لسبع بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وكان نقش خاتم الامين قاصده لا يخيب المأمون بن الرشيد أبو العباس وولى عبد الله بن هارون المأمون أخو محمد ببغداد في اليوم الذي قتل فيه أخوه وبايعه الناس بيعة العامة وكانت أمه أم ولد اسمها مراجل توفى المأمون بالبذندون خارج طرسوس على طريق الروم في شهر رجب لاحدى عشرة ليلة خلت منه سنة ثمان عشرة ومائتين وحمل إلى طرسوس وصلى عليه أخوه أبو إسحاق المعتصم ودفن بطرسوس وكان له يوم مات ثمان وأربعون سنة وثلاثة أشهر وكانت ولايته عشرين سنة وستة أشهر وستة عشر يوما وكان مولده بمدينة السلام وكان نقش خاتمه الله ثقة عبد الله وبه يؤمن المعتصم بن الرشيد أبو إسحاق وولى محمد بن هارون أبو إسحاق المعتصم أخو المأمون بعد دفن أخيه
[ 329 ]
بطرسوس وأمه أم ولد اسمها ماردة فأخذ المعتصم في إجبار ما لا يحتاج إليه وضرب أحمد بن حنبل بالسياط وقتل أحمد بن نصر الخزاعي حتى بقى الناس في تلك الفتنة إلى أن مات المعتصم بسر من رأى من أرض القاطول ليلة الخميس لثمان عشرة خلت من شهر ربيع الاول سنة سبع وعشرين ومائتين وقد قيل لثمان بقين من شهر ربيع الاول وصلى عليه ابنه الواثق وكان له يوم توفى سبع وأربعون سنة وثلاثة عشر يوما وكانت ولايته ثمان سنين وثمانية أشهر وكان نقش خاتمه الحمد لله الذي ليس كمثله شئ الواثق بن المعتصم أبو جعفر وولى هارون وأبوه أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد بعد دفن أبيه وأمه أم ولد تدعى قراطيس وكان للواثق يوم ولى ستة وعشرون سنة وشهران وثمانية أيام وتوفى الواثق يوم الاربعاء لست بقين من ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وكانت ولايته خمس سنين
[ 330 ]
وستة أشهر وثلاثة عشر يوما وصلى عليه أخوه جعفر المتوكل وكان مولد الواثق بمدينة السلام ونقش خاتمه الله ثقة الواثق المتوكل بن المعتصم أبو الفضل وولى جعفر بن محمد بن هارون بعد دفن أخيه الواثق بن المعتصم وأم المتوكل أم ولد اسمها شجاع وكان له يوم ولى ثمان وعشرون سنة فأظهر المتوكل محبة السنة والميل إليها وأنكر ما كان يفعله أبوه وأخوه في هذا الشأن ورفع من شأن أهل العلم ومرهم على أحمد بن نصر فمالت قلوب العوام إليه وقتل المتوكل يوم الاربعاء لخمس خلون أو لسبع خلون من شهر شوال سنة سبع وأربعين ومائتين قتله ابنه المنتصر وهو الذي صلى عليه وكان نقش خاتم المتوكل لا إله إلا الله المتوكل على الله وكانت ولايته خمس عشرة سنة وشهرين المنتصر بن المتوكل أبو جعفر وولى محمد بن جعفر بن محمد بن هارون المنتصر بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد في اليوم الذي قتل فيه أبوه وبايعه أخواه المعتز والمؤيد وكانت أم المنتصر أم ولد يقال لها حبشية ومات المنتصر بن المتوكل
[ 331 ]
يوم الاثنين لاربع خلون من شهر ربيع الاول سنة ثمان وأربعين ومائتين وصلى عليه المستعين بن المعتصم عمه وكان نقش خاتم المنتصر محمد بالله ينتصر المستعين بن المعتصم أبو عبد الله وولى أحمد بن محمد بن هارون وهو أخو جعفر المتوكل وعم المنتصر بن المتوكل وأم المستعين اسمها مخارق أم ولد وبويع في اليوم الذي توفى فيه المنتصر فلما دخلت سنة إحدى وخمسين ومائتين وقع بين المعتز والمستعين الفتن الكثيرة والمناوشات الشديدة إلى أن خلع المستعين نفسه في آخر سنة إحدى وخمسين ومائتين وذلك يوم الاربعاء للنصف من المحرم وكان نقش خاتم المستعين أحمد بن محمد المعتز بن المتوكل أبو عبد الله وبايع الناس بعد خلع المستعين نفسه الزبير بن جعفر بن محمد بن محمد بن هارون وهو المعتز بن المتوكل أمه أم الولد اسمها قبيحة وقتل المعتز في شهر رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وكان نقش خاتمه المعتز بالله
[ 332 ]
المهتدى بن الواثق أبو عبد الله وولى محمد بن هارون بن محمد بن هارون وهو المهتدى الواثق بن المعتصم بن الرشيد بسر من رأى ليومين بقيا من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وغلب عليه الاتراك إلى أن قتلوه لثلاث عشرة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين وكانت أمه أم ولد ونقش خاتم المهتدى محمد أمير المؤمنين المعتمد بن المتوكل أبو العباس وولى أحمد بن جعفر وهو المعتمد بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد في اليوم الذي قتل فيه المهتدى وأمه أم ولد اسمها فتيان فجعل المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق ولى عهده يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة سنة إحدى وستين ومائتين فجعل الموفق يبعد ويحجب الناس عن المعتمد واعتل أنه مزحور وكان للمتوكل ثلاثة بنين أكبرهم محمد بن جعفر وهو المنتصر والاوسط منهم أحمد بن جعفر وهو المعتمد والاصغر طلحة بن جعفر وهو الموفق أبو أحمد وتوفى
[ 333 ]
أبو أحمد الموفق من علة صعبة كانت به يوم الخميس لثمان خلون من صفر سنة ثمان وسبعين ومائتين وتوفى المعتمد لاحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين وكان له يوم توفى ستون سنة المعتضد بن الموفق بن المتوكل أبو العباس وولى أحمد بن طلحة بن جعفر وهو بن أبى أحمد الموفق في اليوم الذي توفى فيه المعتمد وكانت أمه أم ولد وتوفى المعتضد ببغداد ليلة الاثنين لثمان بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين وقد قيل إن المعتضد توفى يوم الاربعاء لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة تسع وثمانين ومائتين وقد قيل غسله أبو عمر محمد بن يوسف بن يعقوب وصلى عليه أبو يوسف وكان له يوم توفى ست وأربعون سنة وكان نقش خاتمه المعتز بالله المكتفي بن المعتضد أبو محمد وولى على بن أحمد بن طلحة بن جعفر بعد دفن أبيه أمه أم ولد جارية
[ 334 ]
تركية وتوفى المكتفي ليلة الاحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين وغسله أبو عمر وهو الذي صلى عليه وكان للمكتفى يوم توفى إحدى وثلاثون سنة المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل أبو الفضل وولى جعفر أخو المكتفي في اليوم الذي توفى فيه أخوه المكتفي وأم المقتدر أم ولد يقال لها شغب وكان مولد المقتدر سنة اثنتين وثمانين ومائتين وبايع الخاص لعبد الله بن المعتز في شهر ربيع الاول سنة ست وتسعين ومائتين وبقى مع المقتدر الحجرية وجماعة من الحشم وعوام الناس فركب الحسين بن حمدان في جماعة معه من الاعراب وجاء إلى باب المقتدر ثم ذهب قاصدا دار بن المعتز فحارب أصحاب بن المعتز وقتل ظاهرا مكشوفا والعباس بن الحسن بن أيوب وكان كاتب بن المعتز وظفر بأصحاب بن المعتز فهزمهم وقبض على عبد الله بن المعتز وقتله واستوى أمر المقتدر وهدأت أمور الناس وصار الناس كأنهم نيام لا يحسبون بفتنة وعمرت والدته الحرمين وأنفقت عليهما في كل سنة أموالا خطيرة وكذلك عمرت بيت المقدس وكانت تنفق عليها وعلى الثغور في كل سنة أموالا خطيرة وارتفع
[ 335 ]
أهل العلم في كل بلد من الدنيا ورأيت بغداد في تلك الايام أطيب ما كانت وأجلها وأعمرها ثم أناءت أمور المقتدر عليه سنة ست عشرة وثلاثمائة واتفق الناس على خلعه فخلعوه وأقعدوا أخاه القاهر مكانه بعد أن خلع المقتدر نفسه فبقي القاهر ثلاثة أيام كذلك ثم خلع القاهر نفسه وبايع الناس المقتدر ثانيا وعمل المقتدر إلى آخر سنة عشرين وثلاثمائة ثم اضطرب الجيش وهيجهم مؤنس على المقتدر فركب المقتدر بنفسه ليسكن القوم وعليه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هو واقف ومعه الخلق من الجند إذ جاءه رجل بربرى لا يعرف من هو فتوهموا أنه يريد أن يسلم عليه فلما دنا منه رماه بحربته فقتله وذلك يوم الثلاثاء لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاثمائة القاهر بن المعتضد أبو العباس وولى محمد بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو أخ المقتدر والمكتفى في اليوم الذي قتل فيه أخوه المقتدر وبقى في الولاية سنة وستة أشهر ثم كحل وخلع وتوفى القاهر سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة
[ 336 ]
الراضي بن المقتدر أبو العباس وولى محمد بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو الراضي بن المقتدر بن المعتضد بن الموفق بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدى بن المنصور بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ومات الراضي في أول سنة سبع وعشرين وثلاثمائة المتقى بن المقتدر وولى إبراهيم بن جعفر بن أحمد بن طلحة بن جعفر في أول سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة وتوفى سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة المطيع بن المقتدر وولى الفضل بن جعفر بن محمد بن أحمد بن طلحة بن جعفر وهو بن المقتدر بعد دفن المستكفى هو باق لا أدرى ما الله صانع به إلا أنه خليفة يموت أو يقتل لا محالة لان له أسوة بمن فقدهم والله أعلم
[ 337 ]
ذكر الخلفاء الراشدين والملوك الراغبين أخبرنا عبد الله بن محمد الازدي ثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الاوزاعي حدثني الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون ويفعلون ما يؤمرون ثم يكون بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن أنكر عليهم فقد برئ ولكن من رغب وتابع قال أبو حاتم قد ذكرنا جمل ما يحتاج إليه من الحوادث التي كانت في أيام الخلفاء الاربعة الراشدين المهديين وأومأنا إلى ذكر من كان بعدهم من بنى أمية وبنى العباس وأغضينا عن ذكر ما لو لم يذكر من أخبارهم لم يلتفت الناظر في كتابنا هذا عليه لامعاننا في ذكرها في كتاب الخلفاء من بنى أمية وبنى العباس من كتبنا وإنا سنذكر بعد هذا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب واحدا واحدا بأنسابهم وقبائلهم وما يعرف من أنسابهم وأوقاتهم كيلا يتعذر على سالك سبيل العلم الوقف على أنبائهم إن أراد الله ذلك وشاء نسأل الله العون على ما يقربنا إليه ويزلفنا لديه إنه جواد كريم رؤف رحيم أول كتاب الصحابة أجمعين بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد
[ 338 ]
خاتم النبيين وعلى آله وأزواجه وذريته وأصحابه أجمعين قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي رضي الله تعالى عنه أخبرنا أبو يعلى أحمد بن على بن المثنى ثنا خلف بن هشام البزار و عبد الواحد بن غياث قالا ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن عمران بن حضين قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير أمتى القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم قال أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد التميمي خير هذه الامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين صحبوه ونصروه وبذلوا له أنفسهم وأموالهم ابتغاء مرضاة الله من المهاجرين والانصار ومن آمن به وصدقه من غيرهم فمنهم العشرة الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وقد ذكرناهم بأيامهم وما يجب من الوقوف على أخبارهم فيما قبل في أجزاء أفردتها في أخبارهم وما كان في مددهم من الفتوح وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم
[ 339 ]
بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قرشي وكنيته أبو محمد وكان يقال له الفياض لكثرة بذله الاموال لحق النبي صلى الله عليه وسلم ببدر بعد فراغه من بدر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حوراء ليتجسس أخبار العير فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره قتله المروان بن الحكم بسهم رماه ومات سنة ست وثلاثين يوم الجمل لعشر ليال خلون من جمادى الاولى وهو بن أربع وستين سنة وقد قيل في شهر رجب وقبره بالبصرة مشهور يزار وأم طلحة الصعبة بنت عبد الله بن عماد بن مالك بن حضرموت والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قرشي وكنيته أبو عبد الله كان من حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ 340 ]
وأم الزبير صفية بنت عبد المطلب بن هاشم وأمها هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة شهد بدرا وهو بن تسع وعشرين سنة وقتل في شهر رجب سنة ست وثلاثين قتله عمرو بن جرموز وكان له يوم مات أربع وستون سنة وأوصى إلى ابنه عبد الله صبيحة يوم الجمل فقال يا بنى ما من عضو منى إلا وقد جرح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهى ذلك إلى فرجى فقتل من آخر يومه وقبره بوادي السباع من أرض بنى تميم مشهور يعرف وللزبير عشرة من البنين وابنتان عبد الله وعاصم وعروة والمنذر ومصعب وحمزة وخالد وعمرو وعبيدة وجعفر والابنتان رملة وخديجة وسعد بن أبى وقاص وهو سعد بن مالك بن وهيب ويقال أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وكنيته أبو إسحاق
[ 341 ]
وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف مات في قصره بالعقيق وحمل على أعناق الرجال إلى المدينة عشرة أميال سنة خمس وخمسين وقد قيل سنة ثمان وخمسين وصلى عليه مروان بن الحكم وكان واليها في أمارة معاوية وله يوم مات أربع وسبعون سنة وكان قد أسلم وهو بن تسع عشرة سنة وحمل من أولاد سعد العلم عمر ومحمد وعامر وموسى ومصعب وعائشة وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر كنيته أبو الأعور قدم من الحوراء مع طلحة بعدما انصرف النبي
[ 342 ]
صلى الله عليه وسلم من بدر فضرب له النبي صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره مات سنة إحدى وخمسين وهو بن بضع وسبعين سنة ودفن بالمدينة ودخل قبره سعد بن أبى وقاص وابن عمر أمه فاطمة بنت بعجة بن أمية بن خويلد بن خالد لن خزاعة و عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر كنيته أبو محمد وكان اسمه في الجاهلية عبد عمرو فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب من المهاجرات مات لست بقين من خلافة عثمان وهو بن خمس وسبعين سنة ودفن بالبقيع ولعبد الرحمن بن عوف عشرة بنين محمد وإبراهيم وحميد وزيد وأبو سلمة ومصعب وسهيل وعثمان وعمر والمسور سوى البنات اللائى كن له
[ 343 ]
وعامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر كنيته أبو عبيدة وتوفى في طاعون عمواس بالشام سنة ثمان عشرة في خلافة عمر وهو بن ثمان وخمسين سنة وكان قد شهد بدرا وهو بن إحدى وأربعين سنة وهو من جلة الصحابة وأمه بنت عبد العزى بن شقيق بن سلامان من بنى فهر
[ 344 ]
خاتمة الطبع اكتمل بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الثاني من كتاب الثقات للحافظ ابي حاتم محمد بن حبان بن احمد البستي التميمي رحمه الله تعالى يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1395 - نهاية ديسمبر سنة 1975 م. الصحابة وأمه بنت عبد العزى بن شقيق بن سلامان من بنى فهر
[ 344 ]
خاتمة الطبع اكتمل بحمد الله وحسن توفيقه طبع الجزء الثاني من كتاب الثقات للحافظ ابي حاتم محمد بن حبان بن احمد البستي التميمي رحمه الله تعالى يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة سنة 1395 - نهاية ديسمبر سنة 1975 م. وقد اعتني بتصحيحه والتعليق عليه مصحح الدائرة الحافظ السيد عزيز بيك (كامل الحديث من الجامعة النظامية) ثم تولى مسؤلية التصحيح ثانيا من ص 78 مصحح الدائرة السيد محمد عمران الاعظمي العمرى (افضل العلماء من جامعة مدارس) حفظهما الله تعالى. واهتم بشأن تنقيحه واعادة النظر فيه كاتب هذه الخاتمة تحت ادارة السيد شرف الدين احمد مدير الدائرة وسكرتيرها وقاضي المحكمة العليا سابقا - ابقاه الله تعالى رمزا حيا لصالح العلم والعلماء، ويليه الجزء الثالث ان شاء الله واوله " قال أبو حاتم ". ونهائيا ندعوا الله سبحانه وتعالى ان يجعل مجهوداتنا في قائمة المشكورات ويوفقنا للحجة القويمة، فصلى الله تعالى على خير خلقه سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه اجمعين، وآخز دعوانا ان الحمد لله رب العالمين. الفقير الى رحمة الله الغني الحميد السيد محمد حبيب الله القادري الرشيد كامل الجامعة النظامية رئيس قسم التصحيح بدائرة المعارف العثمانية