جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 30
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القران تأليف ابي جعفر محمد بن جرير الطبري
[ 2 ]
جميع حقوق اعادة الطبع محفوظ للناشر 1415 ه - 1995 م
[ 3 ]
سورة النبإ مكية وآياتها أربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (عم يتساءلون ئ عن النبإ العظيم ئ الذي هم فيه مختلفون ئ كلا سيعلمون ئ ثم كلا سيعلمون) *. يقول تعالى ذكره: عن أي شئ يتسأل هؤلاء المشركون بالله ورسوله من قريش يا محمد ؟ وقيل ذلك له (ص)، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذكر عنها تختصم وتتجادل، في الذي دعاهم إليه رسول الله (ص) من الاقرار بنبوته، والتصديق بما جاء به من عند الله، والايمان بالبعث، فقال الله لنبيه: فيم يتسأل هؤلاء القوم ويختصمون ؟ وفي وعن في هذا الموضع بمعنى واحد. ذكر من قال ما ذكرت: 27889 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع بن الجراح، عن مسعر، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، قال: لما بعث النبي (ص) جعلوا يتساءلون بينهم، فأنزل الله: عم يتساءلون عن النبأ العظيم يعني: الخبر العظيم. قال أبو جعفر: ثم أخبر الله نبيه (ص) عن الذي يتساءلونه، فقال: يتساءلون عن النبأ العظيم: يعني: عن الخبر العظيم. واختلف أهل التأويل في المعني بالنبأ العظيم، فقال بعضهم: أريد به القرآن. ذكر من قال ذلك:
[ 4 ]
27890 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: عن النبأ العظيم قال: القرآن. وقال آخرون: عني به البعث. ذكر من قال ذلك: 27891 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: عن النبأ العظيم وهو البعث بعد الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة عن النبأ العظيم قال: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون قال: يوم القيامة قال: قالوا هذا اليوم الذي تزعمون أنا نحيا فيه وآباؤنا، قال: فهم فيه مختلفون، لا يؤمنون به، فقال الله: بل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون، يوم القيامة لا يؤمنون به. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: عم يتحدث به قريش في القرآن، ثم أجاب فصارت عم كأنها في معنى: لاي شئ يتساءلون عن القرآن، ثم أخبر فقال: الذي هم فيه مختلفون بين مصدق ومكذب، فذلك إخلافهم، وقوله: الذي هم فيه مختلفون يقول تعالى ذكره: الذي صاروا هم فيه مختلفون فريقين: فريق به مصدق، وفريق به مكذب. يقول تعالى ذكره: فتساؤلهم بينهم في النبأ الذي هذه صفته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27892 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة عن النبأ الذي هم فيه مختلفون البعث بعد الموت، فصار الناس فيه فريقين: مصدق ومكذب، فأما الموت فقد أقروا به لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذي هم فيه مختلفون: صار الناس فيه رجلين: مصدق، ومكذب، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم، لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الذي هم فيه مختلفون قال: مصدق ومكذب.
[ 5 ]
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما الامر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث الله إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: سيعلمون يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المنكرون وعيد الله أعداءه، ما الله فاعل بهم يوم القيامة، ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الامر كما يزعمون من أن الله غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقوا الله، وأفضوا إلى ما قدموا من سيئ أعمالهم. وذكر عن الضحاك بن مزاحم في ذلك ما: 27893 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك كلا سيعلمون الكفار ثم كلا سيعلمون المؤمنون، وكذلك كان يقرؤها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم نجعل الارض مهادا ئ والجبال أوتادا ئ وخلقناكم أزواجا ئ وجعلنا نومكم سباتا ئ وجعلنا الليل لباسا ئ وجعلنا النهار معاشا) *. يقول تعالى ذكره معددا على هؤلاء المشركين نعمه وأياديه عندهم، وإحسانه إليهم، وكفرانهم ما أنعم به عليهم، ومتوعدهم بما أعد لهم عند ورودهم عليه، من صنوف عقابه، وأليم عذابه، فقال لهم: ألم نجعل الارض لكم مهادا تمتهدونها وتفترشونها. 27894 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ألم نجعل الارض مهادا: أي بساطا والجبال أوتادا يقول: والجبال للارض أوتادا أن تميد بكم وخلقناكم أزواجا ذكرانا وإناثا، وطوالا وقصارا، أو ذوي دمامة وجمال، مثل قوله: الذين ظلموا وأزواجهم يعني به: صيرناهم. وجعلنا نومكم سباتا يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودعة، تهدؤن به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الارواح والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لانه يوم راحة ودعة. وجعلنا الليل لباسا يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوب لابسه، لتسكنوا فيه عن التصرف لما كنتم تتصرفون له نهارا ومنه قول الشاعر:
[ 6 ]
فلما لبسن الليل أو حين نصبت له من خذا آذانها وهو دالج يعني بقوله لبسن الليل: أدخلن في سواده فاستترن به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27895 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قتادة وجعلنا الليل لباسا قال: سكنا. وقوله: وجعلنا النهار معاشا يقول: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم، وتتصرفوا فيه لمصالح دنياكم، وابتغاء فضل الله فيه، وجعل جل ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرف عباده لطلب المعاش فيه معاشا، كما في قول الشاعر: وأخو الهموم إذا الهموم تحضرت جنح الظلام وساده لا يرقد فجعل الوساد هو الذي لا يرقد، والمعنى لصاحب الوساد. 27896 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: النهار معاشا قال: يبتغون فيه من فضل الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (وبنينا فوقكم سبعا شدادا ئ وجعلنا سراجا وهاجا ئ وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا) *. يقول تعالى ذكره: وبنينا فوقكم: وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت، وهي سماؤها بناء، وكانت السماء للارض سقفا، فخاطبهم بلسانهم، إذ كان التنزيل بلسانهم، وقال: سبعا شدادا إذ كانت وثاقا محكمة الخلق، لا صدوع فيهن ولا فطور، ولا يبليهن مر الليالي والايام. وقوله: وجعلنا سراجا وهاجا يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس. وقوله وهاجا يعني: وقادا مضيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 7 ]
27897 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وجعلنا سراجا وهاجا يقول: مضيئا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وجعلنا سراجا وهاجا يقول: سراجا منيرا. 27898 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سراجا وهاجا قال: يتلالا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة سراجا وهاجا قال: الوهاج: المنير. 27899 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان سراجا وهاجا قال: يتلالا ضوءه. وقوله: وأنزلنا من المعصرات اختلف أهل التأويل في المعني بالمعصرات، فقال بعضهم: عني بها الرياح التي تعصر في هبوبها. ذكر من قال ذلك: 27900 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنزلنا من المعصرات فالمعصرات: الريح. 27901 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، أنه كان يقرأ: وأنزلنا بالمعصرات يعني: الرياح. 27902 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من المعصرات قال: الريح. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 27903 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: هي في بعض القراءات: وأنزلنا بالمعصرات: الرياح. 27904 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 8 ]
وأنزلنا من المعصرات قال: المعصرات: الرياح، وقرأ قول الله: الذي يرسل الرياح فتثير سحابا... إلى آخر الآية. وقال آخرون: بل هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولما تمطر، كالمرأة المعصر التي قد دنا أوان حيضها ولم تحض. ذكر من قال ذلك: 27905 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان من المعصرات قال: المعصرات: السحاب. 27906 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وأنزلنا من المعصرات يقول: من السحاب. 27907 - قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع المعصرات: السحاب. وقال آخرون: بل هي السماء. ذكر من قال ذلك: 27908 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول: وأنزلنا من المعصرات قال: من السماء. 27909 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنزلنا من المعصرات قال: من السموات. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: وأنزلنا من المعصرات قال: من السماء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه أنزل من المعصرات، وهي التي قد تحلبت بالماء من السحاب ماء. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان القول في ذلك على أحد الاقوال الثلاثة التي ذكرت، والرياح لا ماء فيها، فينزل منها، وإنما ينزل بها، وكان يصح أن تكون الرياح، ولو كانت القراءة: وأنزلنا بالمعصرات فلما كانت القراءة: من المعصرات علم أن المعني بذلك ما وصفت. فإن ظن ظان أن الباء قد تعقب في مثل هذا الموضع من قيل ذلك، وإن كان كذلك،
[ 9 ]
فالاغلب من معنى من غير ذلك، والتأويل على الاغلب من معنى الكلام. فإن قال: فإن السماء قد يجوز أن تكون مرادا بها. قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإن الاغلب من نزول الغيث من السحاب دون غيره. وأما قوله: ماء ثجاجا يقول: ماء منصبا يتبع بعضه بعضا، كثج دماء البدن، وذلك سفكها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27910 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ماء ثجاجا قال: منصبا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ماء ثجاجا ماء من السماء منصبا. 27911 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ماء ثجاجا قال: منصبا. 27912 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: ماء ثجاجا قال: الثجاج: المنصب. 27913 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع: ماء ثجاجا قال: منصبا. 27914 - قال: ثنا مهران، عن سفيان ماء ثجاجا قال: متتابعا. وقال بعضهم: عني بالثجاج: الكثير. ذكر من قال ذلك: 27915 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ماء ثجاجا قال: كثيرا. ولا يعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثج، وإنما الثج: الصب المتتابع. ومنه قول النبي (ص): أفضل الحج العج والثج: يعني بالثج: صب دماء الهدايا والبدن بذبحها، يقال منه: ثججت دمه، فأنا أثجه ثجا، وقد ثج الدم، فهو يثج ثجوجا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 10 ]
* (لنخرج به حبا ونباتا ئ وجنات ألفافا ئ إن يوم الفصل كان ميقاتا ئ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا ئ وفتحت السماء فكانت أبوابا ئ وسيرت الجبال فكانت سرابا) *. يقول تعالى ذكره: لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصرات إلى الارض حبا والحب كل ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد، وهي جمع حبة، كما الشعير جمع شعيرة، وكما التمر جمع تمرة. وأما النبات فهو الكلا الذي يرعى، من الحشيش والزروع. وقوله: وجنات ألفافا يقول: ولنخرج بذلك الغيث جنات وهي البساتين وقال: وجنات، والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. وقوله: ألفافا يعني: ملتفة مجتمعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27916 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وجنات ألفافا قال: مجتمعة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وجنات ألفافا يقول: وجنات التف بعضها ببعض. 27917 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وجنات ألفافا قال: ملتفة. 27918 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجنات ألفافا قال: التف بعضها إلى بعض. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله وجنات ألفافا قال: التف بعضها إلى بعض. 27919 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وجنات ألفافا قال: ملتفة. 27920 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجنات ألفافا قال: هي الملتفة، بعضها فوق بعض.
[ 11 ]
واختلف أهل العربية في واحد الالفاف، فكان بعض نحويي البصرة يقول: واحدها: لف. وقال بعض نحويي الكوفة: واحدها: لف ولفيف قال: وإن شئت كان الالفاف جمعا، واحده جمع أيضا، فتقول: جنة لفاء، وجنات لف، ثم يجمع اللف ألفافا. وقال آخر منهم: لم نسمع شجرة لفة، ولكن واحدها لفاء، وجمعها لف، وجمع لف: ألفاف، فهو جمع الجمع. والصواب من القول في ذلك أن الالفاف جمع لف أو لفيف، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه: ملتفة، واللفاء: هي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شئ، إلا أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف، فيكون ذلك حينئذ وجها. وقوله: إن يوم الفصل كان ميقاتا يقول تعالى ذكره: إن يوم يفصل الله فيه بين خلقه، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، كان ميقاتا لما أنفذ الله لهؤلاء المكذبين بالبعث، ولضربائهم من الخلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27921 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن يوم الفصل كان ميقاتا وهو يوم عظمه الله، يفصل الله فيه بين الاولين والآخرين بأعمالهم. وقوله: يوم ينفخ في الصور ترجم بيوم ينفخ، عن يوم الفصل، فكأنه قيل: يوم الفصل كان أجلا لما وعدنا هؤلاء القوم، يوم ينفخ في الصور. وقد بينت معنى الصور فيما مضى قبل، وذكرت اختلاف أهل التأويل فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، وهو قرن ينفخ فيه عندنا، كما: 27922 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيمي، عن أسلم، عن بشر بن شغاف، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي (ص)، قال: الصور: قرن. 27923 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم ينفخ في الصور والصور: الخلق. وقوله: فتأتون أفواجا يقول: فيجيئون زمرا زمرا، وجماعة جماعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 12 ]
27924 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أفواجا قال: زمرا زمرا. وإنما قيل: فتأتون أفواجا لان كل أمة أرسل الله إليها رسولا تأتي مع الذي أرسل إليها، كما قال: يوم ندعو كل أناس بإمامهم. وقوله: وفتحت السماء فكانت أبوابا يقول تعالى ذكره: وشققت السماء فصدعت، فكانت طرقا، وكانت من قبل شدادا لا فطور فيها ولا صدوع. وقيل: معنى ذلك: وفتحت السماء فكانت قطعا كقطع الخشب المشققة لابواب الدور والمساكن. قالوا: ومعنى الكلام: وفتحت السماء فكانت قطعا كالابواب، فلما أسقطت الكاف صارت الابواب الخبر، كما يقال في الكلام: كان عبد الله أسدا، يعني: كالاسد. وقوله: وسيرت الجبال فكانت سرابا يقول: ونسفت الجبال فاجتثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر، كالسراب الذي يظن من يراه من بعد ماء، وهو في الحقيقة هباء. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن جهنم كانت مرصادا ئ للطاغين مآبا ئ لابثين فيها أحقابا ئ لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا ئ إلا حميما وغساقا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: إن جهنم كانت ذات رصد لاهلها، الذين كانوا يكذبون في الدنيا بها، وبالمعاد إلى الله في الآخرة، ولغيرهم من المصدقين بها. ومعنى الكلام: إن جهنم كانت ذات ارتقاب، ترقب من يجتازها وترصدهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27925 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، عن عبد الله بن بكر بن عبد الله المازني، قال: كان الحسن إذا تلا هذه الآية: إن جهنم كانت مرصادا قال: ألا إن على الباب الرصد، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجئ بجواز احتبس.
[ 13 ]
27926 - حدثني يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله إن جهنم كانت مرصادا قال: لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار. 27927 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن جهنم كانت مرصادا يعلمنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يقطع النار. 27928 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان إن جهنم كانت مرصادا قال: عليها ثلاث قناطر. وقوله: للطاغين مآبا يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طغوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود الله، استكبارا على ربهم، كانت منزلا ومرجعا يرجعون إليه، ومصيرا يصيرون إليه يسكنونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27929 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة للطاغين مآبا: أي منزلا ومأوى. 27930 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران عن سفيان مآبا يقول: مرجعا ومنزلا. وقوله: لابثين فيها أحقابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقابا. واختلفت القراء في قراءة قوله: لابثين، فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض قراء الكوفة: لابثين بالالف. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: لبثين بغير ألف وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجا في العربية، قراءة من قرأ ذلك بالالف وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على فعيل، فتعملها في شئ، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بخل بماله، ولا عسر علينا، ولا هو خصم لنا، لان فعل لا يأتي صفة إلا مدحا أو ذما، فلا يعمل المدح والذم في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه فاعلا، فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن لابثين أصح مخرجا في العربية وأفصح، ولم أحل قراءة من قرأ: لبثين وإن كان غيرها أفصح، لان العرب ربما أعملت المدح في الاسماء، وقد ينشد بيت لبيد:
[ 14 ]
أو مسحل عمل عضادة سمحج بسراتها ندب له وكلوم فأعمل عمل في عضادة، ولو كانت عاملا كانت أفصح، وينشد أيضا: وبالفأس ضراب رؤوس الكرانف ومنه قول عباس بن مرداس: أكر وحمى للحقيقة منهم وأضرب منا بالسيوف القوانسا وأما الاحقاب فجمع حقب، والحقب: جمع حقبة، كما قال الشاعر: عشنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل لن نتصدعا فهذه جمعها حقب، ومن الاحقاب التي جمعها حقب قول الله: أو أمضي حقبا فهذا واحد الاحقاب. وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ مدة الحقب، فقال بعضهم: مدة ثلاثمائة سنة. ذكر من قال ذلك: 27931 - حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا إسحاق بن سويد، عن بشير بن كعب، في قوله: لابثين فيها أحقابا قال: بلغني أن الحقب ثلاثمائة سنة، كل سنة ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم ألف سنة. وقال آخرون: بل مدة الحقب الواحد: ثمانون سنة. ذكر من قال ذلك:
[ 15 ]
27932 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: ثني عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لهلال الهجري: ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. 27933 - حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أنه قال: الحقب: ثمانون سنة، والسنة: ستون وثلاثمائة يوم، واليوم: ألف سنة. 27934 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ابن عباس، قال: الحقب: ثمانون سنة. 27935 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا الاعمش، عن سعيد، بن جبير، في قوله: لابثين فيها أحقابا قال: الحقب: ثمانون سنة، السنة: ثلاثمائة وستون يوما، اليوم: سنة أو ألف سنة الطبري يشك. 27936 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال الله: لابثين فيها أحقابا وهو ما لا انقطاع له، كلما مضى حقب جاء حقب بعده. وذكر لنا أن الحقب ثمانون سنة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أحقابا قال: بلغنا أن الحقب ثمانون سنة من سني الآخرة. 27937 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس لابثين فيها أحقابا لا يعلم عدة هذه الاحقاب إلا الله، ولكن الحقب الواحد: ثمانون سنة، والسنة: ثلاثمائة وستون يوما، كل يوم من ذلك ألف سنة. وقال آخرون: الحقب الواحد: سبعون ألف سنة. ذكر من قال ذلك: 27938 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن سالم، قال: سمعت الحسن يسأل عن قول الله: لابثين فيها أحقابا قال: أما الاحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار ولكن ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة، كل يوم من تلك الايام السبعين ألفا، كألف سنة مما تعدون.
[ 16 ]
27939 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا أبو أسامة، عن هشام، عن الحسن، في قوله: لابثين فيها أحقابا قال: أما الاحقاب، فلا يدري أحد ما هي، وأما الحقب الواحد: فسبعون ألف سنة، كل يوم كألف سنة. وروي عن خالد بن معدان في هذه الآية، أنها في أهل القبلة. ذكر من قال ذلك: 27940 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عامر بن جشب، عن خالد بن معدان في قوله: لابثين فيها أحقابا، وقوله: إلا ما شاء ربك إنهما في أهل التوحيد من أهل القبلة. فإن قال قائل: فما أنت قائل في هذا الحديث ؟ قيل: الذي قاله قتادة عن الربيع بن أنس في ذلك أصح. فإن قال: فما للكفار عند الله عذاب إلا أحقابا قيل: إن الربيع وقتادة قد قالا: إن هذه الاحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع. وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقابا، في هذا النوع من العذاب، هو أنهم: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا فإذا انقضت تلك الاحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال جل ثناؤه في كتابه: وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية. وقد روي عن مقاتل بن حيان في ذلك ما: 27941 - حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سألت أبا معاذ الخراساني، عن قول الله: لابثين فيها أحقابا فأخبرنا عن مقاتل بن حيان في ذلك ما: حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمر بن أبي سلمة، قال: سألت أبا معاذ الخراساني، عن قول الله (لابثين فيها أحقابا) فأخبرنا عن مقاتل بن حيان، قال: منسوخة، نسختها: فلن نزيدكم إلا عذابا ولا معنى لهذا القول، لان قوله: لابثين فيها أحقابا خبر، والاخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الامر والنهي. وقوله: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا يقول: لا يطعمون فيها بردا يبرد حر السعير عنهم، إلا الغساق، ولا شرابا يرويهم من شدة العطش الذي بهم، إلا الحميم. وقد زعم
[ 17 ]
بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام: لا يذوقون فيها نوما ولا شرابا، واستشهد لقيله ذلك بقول الكندي: بردت مراشفها علي فصدني عنها وعن قبلاتها البرد يعني بالبرد: النعاس والنوم إن كان يبرد غليل العطش، فقيل له من أجل ذلك البرد، فليس هو باسمه المعروف، وتأويل كتاب الله على الاغلب من معروف كلام العرب، دون غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27942 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا فاستثنى من الشراب الحميم، ومن البرد: الغساق. وقوله: إلا حميما وغساقا يقول تعالى ذكره: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما قد أغلي حتى انتهى حره، فهو كالمهل يشوي الوجوه، ولا برد إلا غساقا. واختلف أهل التأويل في معنى الغساق، فقال بعضهم: هو ما سال من صديد أهل جهنم. ذكر من قال ذلك: 27943 - حدثنا أبو كريب ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية بن سعد، في قوله: حميما وغساقا قال: هو الذي يسيل من جلودهم. 27944 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو عمرو، قال: زعم عكرمة أنه حدثهم في قوله: وغساقا قال: ما يخرج من أبصارهم من القيح والدم. 27945 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن قال: ثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم وأبي رزين إلا حميما وغساقا قالا: غسالة أهل النار لفظ ابن بشار وأما ابن المثنى فقال في حديثه: ما يسيل من صديدهم. وحدثنا ابن بشار مرة أخرى عن عبد الرحمن، فقال كما قال ابن المثنى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين وغساقا قال: ما يسيل من صديدهم.
[ 18 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور وأبي رزين، عن إبراهيم مثله. 27946 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: غساقا كنا نحدث أن الغساق: ما يسيل من بين جلده ولحمه. 27947 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، أنه قال: بلغني أنه ما يسيل من دموعهم. 27948 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم وغساقا قال: ما يسيل من صديدهم من البرد، قال سفيان وقال غيره: الدموع. 27949 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلا حميما وغساقا قال: الحميم: دموع أعينهم في النار، يجتمع في خنادق النار فيسقونه، والغساق: الصديد الذي يخرج من جلودهم، مما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيسقونه. 27950 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم إلا حميما وغساقا قال: الغساق: ما يقطر من جلودهم، وما يسيل من نتنهم. وقال آخرون: الغساق: الزمهرير. ذكر من قال ذلك: 27951 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس إلا حميما وغساقا يقول: الزمهرير. 27952 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب وابن المثنى، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، في قوله: إلا حميما وغساقا قال: الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده. قال: ثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد إلا حميما وغساقا قال: الذي لا يستطيعونه من برده. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: الغساق: الذي لا يستطاع من برده. 27953 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع قال: الغساق: الزمهرير.
[ 19 ]
27954 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: الغساق: الزمهرير. وقال آخرون: هو المنتن، وهو بالطخارية. ذكر من قال ذلك: 27955 - حدثت عن المسيب بن شريك، عن صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة، قال: الغساق: بالطخارية: هو المنتن. والغساق عندي: هو الفعال، من قولهم: غسقت عين فلان: إذا سالت دموعها، وغسق الجرح: إذا سال صديده، ومنه قول الله: ومن شر غاسق إذا وقب يعني بالغاسق الليل إذا لبس الاشياء وغطاها وإنما أريد بذلك هجومه على الاشياء، هجوم السيل السائل فإذا كان الغساق هو ما وصفت من الشئ السائل، فالواجب أن يقال: الذي وعد الله هؤلاء القوم، وأخبر أنهم يذوقونه في الآخرة من الشراب، هو السائل من الزمهرير في جهنم، الجامع مع شدة برده النتن، كما: 27956 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يعمر بن بشر، قال: ثنا ابن المبارك، قال: ثنا رشدين بن سعد، قال: ثنا عمرو بن الحرث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص)، قال: لو أن دلوا من غساق يهراق إلى الدنيا، لانتن أهل الدنيا. 27957 - حدثت عن محمد بن حرب، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن أبي مالك، عن عبد الله بن عمرو، أنه قال: أتدرون أي شئ الغساق ؟ قالوا: الله أعلم، قال: هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب، لانتن أهل المشرق، ولو تهراق بالمشرق، لانتن أهل المغرب فأن قال قائل: فإنك قد قلت: إن الغساق: هو الزمهرير، والزمهرير: هو غاية البرد، فكيف يكون الزمهرير سائلا ؟ قيل: إن البرد الذي لا يستطاع ولا يطاق، يكون في صفة السائل من أجساد القوم من القيح والصديد. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 20 ]
* (جزاء وفاقا ئ إنهم كانوا لا يرجون حسابا ئ وكذبوا بآياتنا كذابا ئ وكل شئ أحصيناه كتابا ئ فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) *. يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الذي عوقب به هؤلاء الكفار في الآخرة، فعله بهم ربهم جزاء، يعني: ثوابا لهم على أفعالهم وأقوالهم الرديئة التي كانوا يعملونها في الدنيا، وهو مصدر من قول القائل: وافق هذا العقاب هذا العلم وفاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27958 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: جزاء وفاقا يقول: وافق أعمالهم. 27959 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: جزاء وفاقا وافق الجزاء أعمال القوم أعمال السوء 27960 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع جزاء وفاقا قال: بحسب أعمالهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، في قوله: جزاء وفاقا قال: ثواب وافق أعمالهم. 27961 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: جزاء وفاقا قال: عملوا شرا، فجزوا شرا، وعملوا حسنا، فجزوا حسنا، ثم قرأ قول الله: ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: جزاء وفاقا قال: جزاء وافق أعمال القوم. 27962 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد جزاء وفاقا قال: وافق الجزاء العمل.
[ 21 ]
وقوله: إنهم كانوا لا يرجون حسابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الكفار كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة الله إياهم في الآخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27963 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يرجون حسابا قال: لا يبالون فيصدقون بالغيب. 27964 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنهم كانوا لا يرجون حسابا أي لا يخافون حسابا. 27965 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنهم كانوا لا يرجون حسابا قال: لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب، وكيف يرجو الحساب من لا يوقن أنه يحيا، ولا يوقن بالبعث وقرأ قول الله: بل قالوا مثل ما قال الاولون قالوا أئذا متنا وكنا ترابا... إلى قوله أساطير الاولين، وقرأ: هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق... إلى قوله جديد فقال بعضهم لبعض: ماله أفترى على الله كذبا أم به جنة الرجل مجنون حين يخبرنا بهذا. وقوله: وكذبوا بآياتنا كذابا يقول تعالى ذكره: وكذب هؤلاء الكفار بحججنا وأدلتنا تكذيبا. وقيل: كذابا، ولم يقل تكذيبا، تصديرا على فعله. وكان بعض نحويي البصرة يقول: قيل ذلك لان فعل منه على أربعة، فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالا، فقال: كذابا، فجعله على عدد مصدره، قال: وعلى هذا القياس تقول: قاتل قتالا، قال: وهو من كلام العرب. وقال بعض نحويي الكوفة: هذه لغة يمانية فصيحة، يقولون: كذبت به كذابا، وخرقت القميص خراقا، وكل فعلت، فمصدرها فعال بلغتهم مشددة. قال: وقال لي أعرابي مرة على المروة يستفتيني: ألحلق أحب إليك أم القصار ؟ قال: وأنشدني بعض بني كلاب:
[ 22 ]
لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي وعن حوج قضاؤها من شفائيا وأجمعت القراء على تشديد الذال من الكذاب في هذا الموضع. وكان الكسائي خاصة يخفف الثانية، وذلك في قوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا ويقول: وهو من قولهم: كاذبته كذابا ومكاذبة، ويشدد هذه، ويقول قوله كذبوا يقيد الكذاب بالمصدر. وقوله: وكل شئ أحصيناه كتابا يقول تعالى ذكره: وكل شئ أحصيناه فكتبناه كتابا، كتبنا عدده ومبلغه وقدره، فلا يغرب عنا علم شئ منه ونصب كتابا، لان في قوله: أحصيناه مصدر أثبتناه وكتبناه، كأنه قيل: وكل شئ كتبناه كتابا. وقوله: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا يقول جل ثناؤه: يقال هؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغساق: ذوقوا أيها القوم من عذاب الله الذي كنتم به في الدنيا تكذبون، فلن نزيدكم إلا عذابا على العذاب الذي أنتم فيه لا تخفيفا منه، ولاترفها. وقد 27966 -: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي أيوب الازدي، عن عبد الله بن عمرو، قال: لم تنزل على أهل النار آية أشد من هذه: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا: ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول: ما نزلت على أهل النار آية أشد منها فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا فهم في مزيد من الله أبدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن للمتقين مفازا ئ حدائق وأعنابا ئ وكواعب أترابا ئ وكأسا دهاقا ئ لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا) *. يقول: إن للمتقين منجى من النار إلى الجنة، ومخلصا منهم لهم إليها، وظفرا بما طلبوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27967 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إن للمتقين مفازا قال: فازوا بأن نجوا من النار.
[ 23 ]
27968 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن للمتقين مفازا: إي والله مفازا من النار إلى الجنة، ومن عذاب الله إلى رحمته. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إن للمتقين مفازا قال: مفازا من النار إلى الجنة. 27969 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن للمتقين مفازا يقول: منتزها. وقوله: حدائق والحدائق: ترجمة وبيان عن المفاز، وجاز أن يترجم بها عنه، لان المفاز مصدر من قوالقائل: فاز فلان بهذا الشئ: إذا طلبه فظفر به، فكأنه قيل: إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب والحدائق: جمع حديقة، وهي البساتين من النخل والاعناب والاشجار المحوط عليها الحيطان المحدقة بها، لاحداق الحيطان بها تسمى الحديقة، فإن لم تكن الحيطان بها محدقة، لم يقل لها حديقة، وإحداقها بها: اشتمالها عليها. وقوله: وأعنابا يعني: وكروم أعناب، واستغنى بذكر الاعناب عن ذكر الكروم. وقوله: وكواعب أترابا يقول: ونواهد في سن واحدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27970 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي عن ابن عباس، قوله: وكواعب يقول: ونواهد. وقوله: أترابا يقول: مستويات. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله وكواعب أترابا يعني: النساء المستويات. 27971 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وكواعب أترابا قال: نواهد أترابا، يقول: لسن واحدة.
[ 24 ]
27972 - حدثنا عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: الكواعب: النواهد 27973 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكواعب أترابا قال: الكواعب: التي قد نهدت وكعب ثديها، وقال: أترابا: مستويات، فلانة تربة فلانة، قال: الاتراب: اللدات. 27974 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا يحيى بن سليمان، عن ابن جريج، عن مجاهد وكواعب أترابا لدات. وقوله: وكأسا دهاقا يقول: وكأسا ملاى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء وأصله من الدهق: وهو متابعة الضغط على الانسان بشدة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27975 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا مروان، قال: ثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن نسطاس، قال: قال ابن عباس لغلامه: اسقني دهاقا، قال: فجاء بها الغلام ملاى، فقال ابن عباس: هذا الدهاق. حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قوله: كأسا دهاقا قال: ملاى. 27976 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس يسئل عن كأسا دهاقا قال: داركا، قال يونس، قال ابن وهب: الذي يتبع بعضه بعضا. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وكأسا دهاقا يقول: ممتلئا. 27977 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا حميد الطويل، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، في قوله: كأسا دهاقا قال: دمادم.
[ 25 ]
27978 - قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: وكأسا دهاقا قال: ملاى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن يونس، عن الحسن وكأسا دهاقا قال: الملاى. 27979 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وكأسا دهاقا قال: ملاى. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبي عدي، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 27980 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، في قوله: وكأسا دهاقا قال: مترعة ملاى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكأسا دهاقا قال: الدهاق: الملاى المترعة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: كأسا دهاقا قال: الدهاق: الممتلئة. 27981 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كأسا دهاقا قال: الدهاق المملوءة. وقال آخرون: الدهاق: الصافية ذكر من قال ذلك: 27982 - حدثنا محمد بن يحيى الازدي وعباس بن محمد، قالا: ثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: ثنا عمر بن عطاء، عن عكرمة، في قوله: وكأسا دهاقا قال: صافية. وقال آخرون: بل هي المتتابعة. ذكر من قال ذلك: 27983 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال سعيد بن جبير في قوله: وكأسا دهاقا دهاقا: المتتابعة. 27984 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وكأسا دهاقا قال: المتتابع.
[ 26 ]
27985 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا جرير، عن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وكأسا دهاقا قال الملاى المتتابعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وكأسا دهاقا قال: المتتابعة. وقوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا، يعني باطلا من القول، ولا كذابا، يقول: ولا مكاذبة، أي لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأت القراء في الامصار بتشديد الذال على ما بينت في قوله: وكذبوا بآياتنا كذابا سوى الكسائي فإنه خففها لما وصفت قبل، والتشديد أحب إلي من التخفيف، وبالتشديد القراءة، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لاجماع الحجة من القراء على خلافه ومن التخفيف قول الاعشى: فصدقتها وكذبتها والمرء ينفعه كذابه وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27986 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لغوا ولا كذابا قال: باطلا وإثما. 27987 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا قال: وهي كذلك ليس فيها لغو ولا كذاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (جزاء من ربك عطاء حسابا ئ رب السماوات والارض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا ئ يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا) *. يعني بقوله جل ثناؤه: جزاء من ربك عطاء أعطى الله هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الآيات ثوابا من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا.
[ 27 ]
وقوله: عطاء يقول: تفضلا من الله عليهم بذلك الجزاء، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشرا في بعض، وفي بعض بالواحد سبعمائة، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء فعطاء من الله. وقوله: حسابايقول: محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال $ أهالتأويل. ذكر من قال ذلك: 27988 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (جزاء من ربك عطاء حسابا). * قال عطاء حسابا لما علموا.. 27989 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة جزاء من ربك عطاء حسابا: أي عطاء كثيرا، فجزاهم بالعمل اليسير، الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: عطاء حسابا قال: عطاء كثيرا وقال مجاهد: عطاء من الله حسابا بأعمالهم 27990 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: جزاء من ربك عطاء حسابا فقرأ: إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا... إلى عطاء حسابا قال: فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم، عملوا له واحدة، فجزاهم عشرا، وقرأ قول الله: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، وقرأ قول الله: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء قال: يزيد من يشاء، كان هذا كله عطاء، ولم يكن أعمالا يحسبه لهم، فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له، قال: ولم يعمل وإنما عملوا عشرا، فأعطاهم مائة، وعملوا مئة، فأعطاهم ألفا، هذا كله عطاء، والعمل الاول، ثم حسب ذلك حتى كأنهم عملوا، فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا. وقوله: رب السموات والارض وما بينهما الرحمن يقول جل ثناؤه: جزاء من ربك رب السموات السبع والارض وما بينهما من الخلق.
[ 28 ]
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة: رب السموات والارض وما بينهما الرحمن بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعض أهل البصرة وبعض الكوفيين: رب خفضا والرحمن رفعا ولكل ذلك عندنا وجه صحيح، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب، غير أن الخفض في الرب، لقربه من قوله جزاء من ربك: أعجب إلي، وأما الرحمن بالرفع، فإنه أحسن، لبعده من ذلك. وقوله: الرحمن لا يملكون منه خطابا يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم، وقال صوابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 27991 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يملكون منه خطابا قال: كلاما. 27992 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يملكون منه خطابا: أي كلاما. 27993 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يملكون منه خطابا قال: لا يملكون أن يخاطبوا الله، والمخاطب: المخاصم الذي يخاصم صاحبه. وقوله: يوم يقوم الروح اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو ملك من أعظم الملائكة خلقا. ذكر من قال ذلك: 27994 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رواد بن الجراح، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: الروح ملك في السماء الرابعة، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، يسبح الله يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق الله من كل تسبيحة ملكا من الملائكة، يجئ يوم القيامة صفا وحده. 27995 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم يقوم الروح والملائكة قال: هو ملك أعظم الملائكة خلقا.
[ 29 ]
وقال آخرون: هو جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 27996 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك يوم يقوم الروح قال جبريل عليه السلام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك يوم يقوم الروح قال: الروح: جبريل عليه السلام. 27997 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رواد بن الجراح، عن أبي حمزة عن الشعبي يوم يقوم الروح قال: الروح جبريل عليه السلام. وقال آخرون: خلق من خلق الله في صورة بني آدم. ذكر من قال ذلك: 27998 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال الروح خلق على صورة بني آدم، يأكلون ويشربون. 27999 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم، عن مجاهد، قال الروح: خلق لهم أيد وأرجل وأراه قال: ورؤوس يأكلون الطعام، ليسوا ملائكة. 28000 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: يشبهون الناس، وليسوا بالناس. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، قال الروح: خلق كخلق آدم. 28001 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، في قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال: الروح خلق من خلق الله يضعفون على الملائكة أضعافا، لهم أيد وأرجل. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن إسماعيل، عن أبي
[ 30 ]
صالح مولى أم هانئ يوم يقوم الروح والملائكة قال: الروح: خلق كالناس، وليسوا بالناس. وقال آخرون: هم بنو آدم. ذكر من قال ذلك: 28002 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يقوم الروح قال: هم بنو آدم، وهو قول الحسن. 28003 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: يوم يقوم الروح: قال: الروح بنو آدم. وقال قتادة: هذا مما كان يكتمه ابن عباس. وقال آخرون: قيل: ذلك أرواح بني آدم. ذكر من قال ذلك: 28004 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون قال: يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة، فيما بين النفختين، قبل أن ترد الارواح إلى الاجساد. وقال آخرون: هو القرآن. ذكر من قال ذلك: 28005 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، كان أبي يقول: الروح: القرآن، وقرأ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان. والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن خلقه لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الروح، والروح: خلق من خلقه. وجائز أن يكون بعض هذه الاشياء التي ذكرت، والله أعلم أي ذلك هو ؟ ولا خبر بشئ من ذلك أنه المعني به دون غيره، يجب التسليم له، ولا حجة تدل عليه، وغير ضائر الجهل به. وقيل: إنه يقول: سماطان. ذكر من قال ذلك: 28006 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال أخبرنا منصور بن
[ 31 ]
عبد الرحمن، عن الشعبي، في قوله: يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن قال: هما سماطان لرب العالمين، يوم القيامة: سماط من الروح، وسماط من الملائكة. وقوله: لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن قيل: إنهم يؤذن لهم في الكلام، حين يؤمر بأهل النار إلى النار، وبأهل الجنة إلى الجنة. 28007 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثنا أبو عمرو، الذي يقص في طئ عن عكرمة، وقرأ هذه الآية: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا قال: يمر بأناس من أهل النار على ملائكة، فيقولون: أين تذهبو بهؤلاء ؟ فيقال: إلى النار، فيقولون: بما كسبت أيديهم، وما ظلمهم الله، ويمر بأناس من أهل الجنة على ملائكة، فيقال: أين تذهبون بهؤلاء ؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: برحمة الله دخلتم الجنة، قال: فيؤذن لهم في الكلام، أو نحو ذلك. وقال آخرون: إلا من أذن له الرحمن بالتوحيد وقال صوابا في الدنيا، فوحد الله. ذكر من قال ذلك: 28008 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا يقول: إلا من أذن له الرب بشهادة أن لا إله إلا الله، وهي منتهى الصواب. 28009 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وقال صوابا قال حقا في الدنيا، وعمل به. 28010 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: إلا من أذن له الرحمن، وقال صوابا قال: لا إله إلا الله. قال أبو حفص: فحدثت به يحيى بن سعيد، فقال: أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهدي، عن أبي معاوية.
[ 32 ]
28011 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، قال: ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا قال: لا إله إلا الله. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن، وقال صوابا، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله، أنه عنى بذلك نوعا من أنواع الصواب، والظاهر محتمل جميعه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك اليوم الحق فمن شآء اتخذ إلى ربه مآبا ئ إنآ أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يليتني كنت ترابا) *. يقول تعالى ذكره: ذلك اليوم يعني: يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا الحق: يقول: إنه حق كائن، لا شك فيه. وقوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحق، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله مآبا، يعني: مرجعا وهو مفعل، من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عبيد: وكل ذي غيبة يؤب وغائب الموت لا يؤب وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28012 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا قال: اتخذوا إلى الله مآبا بطاعته، وما يقربهم إليه. 28013 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلى ربه مآبا قال: سبيلا. 28014 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان مآبا يقول: مرجعا منزلا.
[ 33 ]
وقوله: إنا أنذرناكم عذابا قريبا يقول: إنا حذرناكم أيها الناس عذابا قد دنا منكم وقرب، وذلك يوم ينظر المرء المؤمن ما قدمت يداه من خير اكتسبه في الدنيا، أو شرك سلف، فيرجو ثواب الله على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28015 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن يوم ينظر المرء ما قدمت يداه قال: المرء المؤمن يحذر الصغيرة، ويخاف الكبيرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جحادة، عن الحسن يوم ينظر المرء ما قدمت يداه قال: المرء المؤمن. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، في قوله: يوم ينظر المرء ما قدمت يداه قال: المرء المؤمن. وقوله: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذ تمنيا لما يلقى من عذاب الله الذي أعده لاصحابه الكافرين به: يا ليتني كنت ترابا، كالبهائم التي جعلت ترابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28016 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، قالا: ثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد الله بن عمرو، قال: إذا كان يوم القيامة، مد الاديم، وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب، قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. 28017 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر قال: وحدثني جعفر بن برقان، عن يزيد بن الاصم، عن أبي هريرة، قال: إن الله يحشر الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. 28018 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي عبد الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من
[ 34 ]
الانصار، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: يقضي الله بين خلقه الجن والانس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لاخرى، قال الله: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. 28019 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وهو الهالك المفرط العاجز، وما يمنعه أن يقول ذلك وقد راج عليه عورات عمله، وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان، فتمنى الموت يومئذ، ولم يكن في الدنيا شئ أكره عنده من الموت. 28020 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن أبي الزناد عبد الله بن ذكوان، قال: إذا قضي بين الناس، وأمر بأهل النار إلى النار قيل لمؤمني الجن ولسائر الامم سوى ولد آدم: عودوا ترابا، فإذا نظر الكفار إليهم قد عادوا ترابا، قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا. 28021 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا: قال: إذا قيل للبهائم: كونوا ترابا، قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا.
[ 35 ]
سورة النازعات مكية أو آياتها ست وأربعونا بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (والنازعات غرقا ئ والناشطات نشطا ئ والسابحات سبحائ فالسابقات سبقا ئ فالمدبرات أمرا ئ يوم ترجف الراجفة ئ تتبعها الرادفة ئ قلوب يومئذ واجفة ئ أبصارها خاشعة) *. أقسم ربنا جل جلاله بالنازعات، واختلف أهل التأويل فيها، وما هي ؟ وما تنزع ؟ فقال بعضهم: هم الملائكة التي تنزع نفوس بني آدم، والمنزوع نفوس الآدميين. ذكر من قال ذلك: 28022 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: ثنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت أبا الضحى، عن مسروق، عن عبد الله والنازعات غرقا قال: الملائكة. 28023 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق: أنه كان يقول في النازعات: هي الملائكة. 28024 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يوسف بن يعقوب، قال: ثنا شعبة، عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في النازعات، قال: حين تنزع نفسه. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والنازعات غرقا قال: تنزع الانفس.
[ 36 ]
28025 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والنازعات غرقا قال: نزعت أرواحهم، ثم غرقت، ثم قذف بها في النار. وقال آخرون: بل هو الموت ينزع النفوس. ذكر من قال ذلك: 28026 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والنازعات غرقا قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. 28027 - حدثنا الفضل بن إسحاق، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا أبو العوام، أنه سمع الحسن في النازعات غرقا قال: النجوم. 28028 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والنازعات غرقا قال: النجوم. وقال آخرون: هي القسي تنزع بالسهم. ذكر من قال ذلك: 28029 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والنازعات غرقا قال القسي. وقال آخرون: هي النفس حين تنزع. ذكر من قال ذلك: 28030 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي والنازعات غرقا قال: النفس حين تغرق في الصدر. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالنازعات غرقا، ولم يخصص نازعة دون نازعة، فكل نازعة غرقا، فداخلة في قسمه، ملكا كان أو موتا، أو نجما، أو قوسا، أو غير ذلك. والمعنى: والنازعات إغراقا، كما يغرق النازع في القوس.
[ 37 ]
وقوله: والناشطات نشطا اختلف أهل التأويل أيضا فيهن، وما هن، وما الذي ينشط، فقال بعضهم: هم الملائكة، تنشط نفس المؤمن فتقبضها، كما ينشط العقال من البعير إذا حل عنه. ذكر من قال ذلك: 28031 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والناشطات نشطا قال: الملائكة. وكان الفراء يقول: الذي سمعت من العرب أن يقولوا: أنشطت، وكأنما أنشط من عقال، وربطها: نشطها، والرابط: الناشط قال: وإذا ربطت الحبل في يد البعير فقد نشطته تنشطه، وأنت ناشط، وإذا حللته فقد أنشطته. وقال آخرون: الناشطات نشطا هو الموت ينشط نفس الانسان. ذكر من قال ذلك: 28032 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والناشطات نشطا قال: الموت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 28033 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يوسف بن يعقوب، قال: ثنا شعبة عن السدي، عن أبي صالح، عن ابن عباس والناشطات نشطا قال: حين تنشط نفسه. 28034 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي والناشطات نشطا قال: نشطها: حين تنشط من القدمين. وقال آخرون: هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق. ذكر من قال ذلك: 28035 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: والناشطات نشطا قال: النجوم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والناشطات نشطا قال: هن النجوم.
[ 38 ]
وقال آخرون: هي الاوهاق. ذكر من قال ذلك: 28036 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والناشطات نشطا قال: الاوهاق. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أقسم بالناشطات نشطا، وهي التي تنشط من موضع إلى موضع، فتذهب إليه، ولم يخصص الله بذلك شيئا دون شئ، بل عم القسم بجميع الناشطات، والملائكة تنشط من موضع إلى موضع، وكذلك الموت، وكذلك النجوم والاوهاق وبقر الوحش أيضا تنشط، كما قال الطرماح: وهل بحليف الخيل ممن عهدته به غير أحدان النواشط روع يعني بالنواشط: بقر الوحش، لانها تنشط من بلدة إلى بلدة، كما قال رؤبة بن العجاج: تنشطته كل مغلاة الوهق أ والهموم تنشط صاحبها، كما قال هميان بن قحافة: أمست همومي تنشط المناشطا الشأم بي طورا وطورا واسطا فكل ناشط فداخل فيما أقسم به، إلا أن تقوم حجة يجب التسليم لها، بأن المعني بالقسم من ذلك، بعض دون بعض. وقوله: والسابحات سبحا يقول تعالى ذكره: واللواتي تسبح سبحا. واختلف أهل التأويل في التي أقسم بها جل ثناؤه من السابحات، فقال بعضهم: هي الموت تسبح في نفس ابن آدم. ذكر من قال ذلك:
[ 39 ]
28037 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والسابحات سبحا قال: الموت، هكذا وجدته في كتابي وقد: حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد والسابحات سبحا قال: الملائكة، وهكذا وجدت هذا أيضا في كتابي. فإن يكن ما ذكرنا عن ابن حميد صحيحا، فإن مجاهدا كان يرى أن نزول الملائكة من السماء سباحة، كما يقال للفرس الجواد: إنه لسابح إذا مر يسرع. وقال آخرون: هي النجوم تسبح في فلكها. ذكر من قال ذلك: 28038 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والسابحات سبحا قال: هي النجوم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقال آخرون: هي السفن. ذكر من قال ذلك: 28039 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء والسابحات سبحا قال: السفن. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أقسم بالسابحات سبحا من خلقه، ولم يخصص من ذلك بعضا دون بعض، فذلك كل سابح، لما وصفنا قبل في النازعات. وقوله: فالسابقات سبقا اختلف أهل التأويل فيها، فقال بعضهم: هي الملائكة. ذكر من قال ذلك: 28040 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد فالسابقات سبقا قال: الملائكة. وقد: 28041 - حدثنا بهذا الحديث أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فالسابقات سبقا قال: الموت.
[ 40 ]
وقال آخرون: بل هي الخيل السابقة. ذكر من قال ذلك: 28042 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل بن السائب، عن عطاء فالسابقات سبقا. قال: الخيل. وقال آخرون: بل هي النجوم يسبق بعضها بعضا في السير. ذكر من قال ذلك: 28043 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالسابقات سبقا قال: هي النجوم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. والقول عندنا في هذه، مثل القول في سائر الاحرف الماضية. وقوله: فالمدبرات أمرا يقول: فالملائكة المدبرة ما أمرت به من أمر الله، وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28044 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالمدبرات أمرا قال: هي الملائكة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. وقوله: يوم ترجف الراجفة يقول تعالى ذكره: يوم ترجف الارض والجبال للنفخة الاولى تتبعها الرادفة تتبعها أخرى بعدها، وهي النفخة الثانية التي ردفت الاولى، لبعث يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 28045 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم ترجف الراجفة يقول: النفخة الاولى. وقوله: تتبعها الرادفة يقول: النفخة الثانية. حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة يقول: تتبع الآخرة الاولى، والراجفة: النفخة الاولى، والرادفة: النفخة الاخرة. 28046 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله:
[ 41 ]
يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قال: هما النفختان: أما الاولى فتميت الاحياء، وأما الثانية فتحيي الموتى ثم تلا الحسن: ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون. 28047 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قال: هما الصيحتان، أما الاولى فتميت كل شئ بإذن الله، وأما الاخرى فتحيي كل شئ بإذن الله إن نبي الله (ص) كان يقول: بينهما أربعون قال أصحابه: والله ما زادنا على ذلك. وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: يبعث في تلك الاربعين مطر يقال له الحياة، حتى تطيب الارض وتهتز، وتنبت أجساد الناس نبات البقل، ثم تنفخ النفخة الثانية، فإذا هم قيام ينظرون. 28048 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد، عن رجل، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الانصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص)، وذكر الصور، فقال أبو هريرة: يا رسول الله، وما الصور ؟ قال: قرن، قال: فكيف هو ؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الاولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام، فيفزع أهل السموات والارض إلا من شاء الله، ويأمر الله فيديمها، ويطولها، ولا يفتر، وهي التي تقول: ما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة مالها من فواق، فيسير الله الجبال، فتكون سرابا، وترج الارض بأهلها رجا، وهي التي يقول: يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة. 28049 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي، عن أبيه، قال: قرأ رسول الله (ص): يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة فقال: جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه. 28050 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
[ 42 ]
الضحاك يقول في قوله: يوم ترجف الراجفة: النفخة الاولى، تتبعها الرادفة: النفخة الاخرى. وقال آخرون في ذلك ما: 28051 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: يوم ترجف الراجفة قال: ترجف الارض والجبال، وهي الزلزلة. وقوله: الرادفة قال: هو قوله: إذا السماء انشقت فدكتا دكة واحدة. وقال آخرون: ترجف الارض، والرادفة: الساعة. ذكر من قال ذلك: 28052 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم ترجف الراجفة الارض، وفي قوله: تتبعها الرادفة قال: الرادفة: الساعة. واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: والنازعات غرقا فقال بعض نحويي البصرة: قوله والنازعات غرقا: قسم والله أعلم على إن في ذلك لعبرة لمن يخشى وإن شئت جعلتها على يوم ترجف الراجفة قلوب يومئذ واجفة وهو كما قال الله وشاء أن يكون في كل هذا، وفي كل الامور. وقال بعض نحويي الكوفة: جواب القسم في النازعات: ما ترك، لمعرفة السامعين بالمعنى، كأنه لو ظهر كان لتبعثن ولتحاسبن قال: ويدل على ذلك أئذا كنا عظاما نخرة ألا ترى أنه كالجواب لقوله: لتبعثن إذ قال: أئذا كنا عظاما نخرة. وقال آخر منهم نحو هذا، غير أنه قال: لا يجوز حذف اللام في جواب اليمين، لانها إذا حذفت لم يعرف موضعها، وذلك أنها تلي كل كلام. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جواب القسم في هذا الموضع، مما استغني عنه بدلالة الكلام، فترك ذكره.
[ 43 ]
وقوله: قلوب يومئذ واجفة يقول تعالى ذكره: قلوب خلق من خلقه يومئذ خائفة من عظيم الهول النازل. ذكر من قال ذلك: 28053 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قلوب يومئذ واجفة يقول: خائفة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: واجفة: خائفة. 28054 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في واجفة، قال: خائفة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله قلوب يومئذ واجفة يقول: خائفة، وجفت مما عاينت يومئذ. 28055 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قلوب يومئذ واجفة قال: الواجفة: الخائفة. وقوله: أبصارها خاشعة يقول: أبصار أصحابها ذليلة مما قد علاها من الكآبة والحزن من الخوف والرعب الذي قد نزل بهم، من عظيم هول ذلك اليوم، كما: 28056 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أبصارها خاشعة قال: خاشعة للذل الذي قد نزل بها. 28057 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أبصارها خاشعة يقول: ذليلة. القول في تأويل قوله تعالى: * (يقولون أإنا لمردودون في الحافرة ئ أإذا كنا عظاما نخرة ئ قالوا تلك إذا كرة خاسرة ئ فإنما هي زجرة واحدة ئ فإذا هم بالساهرة) *. يقول تعالى ذكره: يقول هؤلاء المكذبون بالبعث من مشركي قريش إذا قيل لهم: إنكم مبعوثون من بعد الموت: أئنا لمردودون إلى حالنا الاولى قبل الممات، فراجعون أحياء كما كنا قبل هلاكنا، وقبل مماتنا ؟ وهو من قولهم: رجع فلان على حافرته: إذا رجع من حيث جاء ومنه قول الشاعر:
[ 44 ]
أحافرة على صلع وشيب معاذ الله من سفه وطيش وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28058 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الحافرة: يقول: الحياة. 28059 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله أئنا لمردودون في الحافرة يقول: أئنا لنحيا بعد موتنا، ونبعث من مكاننا هذا ؟ 28060 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يقول: أئنا لمردودون في الحافرة: أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ؟ حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في الحافرة قال: أي مردودون خلقا جديدا. 28061 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس أو محمد بن كعب القرظي أئنا لمردودون في الحافرة قال: في الحياة. 28062 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي أئنا لمردودون في الحافرة قال: في الحياة. وقال آخرون: الحافرة: الارض المحفورة التي حفرت فيها قبورهم، فجعلوا ذلك نظير قوله: من ماء دافق يعني مدفوق، وقالوا: الحافرة بمعنى المحفورة، ومعنى الكلام عندهم: أئنا لمردودون في قبورنا أمواتا ؟ 28063 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الحافرة قال: الارض، نبعث خلقا جديدا، قال: البعث. حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أئنا لمردودون في الحافرة قال: الارض، نبعث خلقا جديدا.
[ 45 ]
وقال آخرون: الحافرة: النار. ذكر من قال ذلك: 28064 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول الله: أئنا لمردودون في الحافرة: قال: الحافرة: النار، وقرأ قول الله: تلك إذا كرة خاسرة قال: ما أكثر أسماءها، هي النار، وهي الجحيم، وهي سقر، وهي جهنم، وهي الهاوية، وهي الحافرة، وهي لظى، وهي الحطمة. وقوله: أئذا كنا عظاما نخرة اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والحجاز والبصرة نخرة بمعنى: بالية. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ناخرة بألف، بمعنى: أنها مجوفة، تنخر الرياح في جوفها إذا مرت بها. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الناخرة والنخرة: سواء في المعنى، بمنزلة الطامع والطمع، والباخل والبخل وأفصح اللغتين عندنا وأشهرهما عندنا: نخرة، بغير ألف، بمعنى: بالية، غير أن رؤوس الآي قبلها وبعدها جاءت بالالف، فأعجب إلي لذلك أن تلحق ناخرة بها، ليتفق هو وسائر رؤوس الآيات، لولا ذلك كان أعجب القراءتين إلي حذف الالف منها. ذكر من قال نخرة: بالية: 28065 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس أئذا كنا عظاما نخرة فالنخرة: الفانية البالية. 28066 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عظاما نخرة قال: مرفوتة. 28067 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أئذا كنا عظاما: تكذيبا بالبعث، ناخرة: بالية. قالوا تلك إذا كرة خاسرة يقول جل ثناؤه عن قيل هؤلاء المكذبين بالبعث، قالوا: تلك، يعنون تلك الرجعة، أحياء بعد الممات، إذا: يعنون الآن كرة، يعنون رجعة خاسرة، يعنون غابنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 46 ]
28068 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذا كرة خاسرة: أي رجعة خاسرة. 28069 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تلك إذاكرة خاسرة. قال وأي كرة أخسر منها، أحيوا ثم صاروا إلى النار، فكانت كرة سوء. وقوله: فإنما هي زجرة واحدة يقول تعالى ذكره: فإنما هي صيحة واحدة، ونفخة تنفخ في الصور، وذلك هو الزجرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28070 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: زجرة واحدة قال: صيحة. 28071 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: زجرة واحدة قال: الزجرة: النفخة في الصور. وقوله: فإذا هم بالساهرة يقول تعالى ذكره: فإذا هؤلاء المكذبون بالبعث، المتعجبون من إحياء الله إياهم من بعد مماتهم، تكذيبا منهم بذلك، بالساهرة، يعني بظهر الارض. والعرب تسمي الفلاة ووجه الارض: ساهرة، وأراهم سموا ذلك بها، لان فيه نوم الحيوان وسهرها، فوصف بصفة ما فيه ومنه قول أمية بن الصلت: وفيها لحم ساهرة وبحروما فاهوا به لهم مقيم ومنه قول أخي نهم يوم ذي قار لفرسه: أقدم محاج إنها الاساورة ولا يهولنك رجل نادره فإنما قصرك ترب الساهره ثم تعود بعدها في الحافره من بعد ما كنت عظاما ناخرهأ
[ 47 ]
واختلف أهل التأويل في معناها، فقال بعضهم مثل الذي قلنا. ذكر من قال ذلك: 28072 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: فإذا هم بالساهرة قال: على الارض، قال: فذكر شعرا قاله أمية بن أبي الصلت، فقال: عندنا صيد بحر وصيد ساهرة أ 28073 - حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا أبو محصن، عن حصين، عن عكرمة، في قوله: فإذا هم بالساهرة قال: الساهرة: الارض، أما سمعت: لهم صيد بحر، وصيد ساهرة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله فإذا هم بالساهرة يعني: الارض. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة، في قوله فإذا هم بالساهرة قال: فإذا هم على وجه الارض، قال: أو لم تسمعوا ما قال أمية بن أبي الصلت لهم: وفيها لحم ساهرة وبحر أ حدثنا عمارة بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة، عن عكرمة، في قوله: فإذا هم بالساهرة قال: فإذا هم على وجه الارض، قال أمية: وفيها لحم ساهرة وبحر أ 28074 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن فإذا هم بالساهرة فإذا هم على وجه الارض. 28075 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 48 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بالساهرة قال: المكان المستوي. 28076 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، لما تباعد البعث في أعين القوم، قال الله فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة يقول: فإذا هم بأعلى الارض، بعد ما كانوا في جوفها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بالساهرة قال: فإذا هم يخرجون من قبورهم فوق الارض، والارض: الساهرة، قال: فإذا هم يخرجون. 28077 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة وأبي الهيثم، عن سعيد بن جبير فإذا هم بالساهرة قال: بالارض. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن عكرمة، مثله. 28078 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فإذا هم بالساهرة: وجه الارض. 28079 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإذا هم بالساهرة قال: الساهرة: ظهر الارض فوق ظهرها. وقال آخرون: الساهرة: اسم مكان من الارض بعينه معروف. ذكر من قال ذلك: 28080 - حدثني علي بن سهل، قال: ثني الوليد بن مسلم، عن عثمان بن أبي العاتكة، قوله: فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة قال: بالصقع الذي بين جبل حسان، وجبل أريحاء، يمده الله كيف يشاء. 28081 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فإذا هم بالساهرة قال: أرض بالشام. وقال آخرون: هو جبل بعينه معروف. ذكر من قال ذلك: 28082 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا الحسن بن بلال، قال: ثنا حماد، قال:
[ 49 ]
أخبرنا أبو سنان، عن وهب ابن منبه، قال في قول الله: فإذا هم بالساهرة قال: الساهرة: جبل إلى جنب بيت المقدس. وقال آخرون: هي جهنم. ذكر من قال ذلك: 28083 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: ثني سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة فإذا هم بالساهرة قال: في جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هل أتاك حديث موسى ئ إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ئ اذهب إلى فرعون إنه طغى ئ فقل هل لك إلى أن تزكى) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): هل أتاك يا محمد حديث موسى بن عمران، وهل سمعت خبره حين ناجاه ربه بالواد المقدس، يعني بالمقدس: المطهر المبارك. وقد ذكرنا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع، وكذلك بينا معنى قوله: طوى وما قال فيه أهل التأويل، غير أنا نذكر بعض ذلك هاهنا. وقد اختلف أهل التأويل في قوله: طوى فقال بعضهم: هو اسم الوادي. ذكر من قال ذلك: 28084 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طوى اسم الوادي. 28085 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنك بالواد المقدس طوى قال: اسم المقدس طوى. 28086 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى كنا نحدث أنه قدس مرتين، واسم الوادي طوى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: طأ الارض حافيا. ذكر بعض من قال ذلك:
[ 50 ]
28087 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد إنك بالواد المقدس طوى قال: طأ الارض بقدمك. وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الوادي قدس طوى: أي مرتين، وقد بينا ذلك كله ووجوهه، فيما مضى بما أغني عن إعادته في هذا الموضع. وقرأ ذلك الحسن بكسر الطاء، وقال: بثت فيه البركة والتقديس مرتين. 28088 - حدثنا بذلك أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة طوى بالضم ولم يجروه وقرأ ذلك بعض أهل الشام والكوفة: طوى بضم الطاء والتنوين. وقوله: اذهب إلى فرعون إنه طغى يقول تعالى ذكره: نادى موسى ربه: أن اذهب إلى فرعون، فحذفت أن، إذ كان النداء قولا، فكأنه قيل لموسى قال ربه: اذهب إلى فرعون. وقوله: إنه طغى يقول: عتا وتجاوز حده في العدوان، والتكبر على ربه. وقوله: فقل هل لك إلى أن تزكى يقول: فقل له: هل لك إلى أن تتطهر من دنس الكفر، وتؤمن بربك ؟ كما: 28089 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هل لك إلى أن تزكى قال: إلى أن تسلم. قال: والتزكي في القرآن كله: الاسلام وقرأ قول الله وذلك جزاء من تزكى قال: من أسلم، وقرأ: وما يدريك لعله يزكى قال: يسلم، وقرأ: وما عليك ألا يزكى أن لا يسلم. 28090 - حدثني سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكيم بن أبان، عن عكرمة، قول موسى لفرعون: هل لك إلى أن تزكى هل لك إلى أن تقول لا إله إلا الله.
[ 51 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: تزكى فقرأته عامة قراء المدينة: تزكى بتشديد الزاي، وقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة: إلى أن تزكى بتخفيف الزاي. وكان أبو عمرو يقول، فيما ذكر عنه: تزكى بتشديد الزاي، بمعنى: تتصدق بالزكاة، فتقول: تتزكى، ثم تدغم وموسى لم يدع فرعون إلى أن يتصدق وهو كافر، إنما دعاه إلى الاسلام، فقال: تزكى: أي تكون زاكيا مؤمنا، والتخفيف في الزاي هو أفصح القراءتين في العربية. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأهديك إلى ربك فتخشى ئ فأراه الآية الكبرى ئ فكذب وعصى ئ ثم أدبر يسعى ئ فحشر فنادى ئ فقال أنا ربكم الاعلى) *. يقول تعالى ذكره لنبيه موسى: قل لفرعون: هل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضي ربك عنك، وذلك الدين القيم فتخشى يقول: فتخشى عقابه بأ داء ما ألزمك من فرائضه، واجتناب ما نهاك عنه من معاصيه. وقوله: فأراه الآية الكبرى يقول تعالى ذكره: فأرى موسى فرعون الآية الكبرى، يعني الدلالة الكبرى على أنه لله رسول أرسله إليه، فكانت تلك الآية يد موسى إذ أخرجها بيضاء للناظرين، وعصاه إذا تحولت ثعبانا مبينا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28091 - حدثني أبو زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، عن محمد بن سيف أبي رجاء، هكذا هو في كتابي، وأظنه عن نوح بن قيس، عن محمد بن سيف، قال: سمعت الحسن يقول في هذه الآية: فأراه الآية الكبرى قال: يده وعصاه. 28092 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فأراه الآية الكبرى قال: عصاه ويده. 28093 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأراه الآية الكبرى قال: رأى يد موسى وعصاه، وهما آيتان.
[ 52 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الآية الكبرى قال: عصاه ويده. 28094 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد، في قوله: فأراه الآية الكبرى قال: العصا والحية. وقوله: فكذب وعصى يقول: فكذب فرعون موسى فيما أتاه من الآيات المعجزة، وعصاه فيما أمره به من طاعته ربه، وخشيته إياه. وقوله: ثم أدبر يسعى يقول: ثم ولى معرضا عما دعاه إليه موسى من طاعته ربه، وخشيته وتوحيده يسعى يقول: يعمل في معصية الله، وفيما يسخطه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28095 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. قوله: ثم أدبر يسعى قال: يعمل بالفساد. وقوله: فحشر فنادى يقول: فجمع قومه وأتباعه. فنادى فيهم فقال لهم: أنا ربكم الاعلى الذي كل رب دوني، وكذب الاحمق. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28096 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فحشر فنادى قال: صرخ وحشر قومه، فنادى فيهم، فلما اجتمعوا قال: أنا ربكم الاعلى، فأخذه الله نكال الآخرة والاولى. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأخذه الله نكال الآخرة والاولى ئ إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ئ أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ئ رفع سمكها فسواها) *. يعني تعالى ذكره بقوله: فأخذه الله فعاقبه الله نكال الآخرة والاولى يقول عقوبة الآخرة من كلمتيه، وهي قوله: أنا ربكم الاعلى، والاولى قوله: ما علمت لكم من إله غيري. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 53 ]
28097 - حدثنا أبو كريب، قال: سمعت أبا بكر، وسئل عن هذا، فقال: كان بينهما أربعون سنة، بين قوله: ما علمت لكم من إله غيري، وقوله: أنا ربكم الاعلى، قال: هما كلمتاه، فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قيل له: من ذكره ؟ قال: أبو حصين، فقيل له: عن أبي الضحى، عن ابن عباس ؟ قال: نعم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: أما الاولى فحين قال: ما علمت لكم من إله غيري، وأما الآخرة فحين قال: أنا ربكم الاعلى. 28098 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن أبي الوضاح، عن عبد الكريم الجزري، عن مجاهد، في قوله: فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: هو قوله: ما علمت لكم من إله غيري، وقوله: أنا ربكم الاعلى، وكان بينهما أربعون سنة. 28099 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبو عوانة، عن إسماعيل الاسدي، عن الشعبي، بمثله. 28100 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن زكريا، عن عامر نكال الآخرة والاولى قال: هما كلمتاه: ما علمت لكم من إله غيري وأنا ربكم الاعلى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: نكال الآخرة والاولى: فذلك قوله: ما علمت لكم من إله غيري، والآخرة في قوله: أنا ربكم الاعلى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني من سمع مجاهدا يقول: كان بين قول فرعون: ما علمت لكم من إله غيري، وبين قوله: أنا ربكم الاعلى أربعون سنة. 28101 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: نكال الآخرة والاولى أما الاولى فحين قال فرعون:
[ 54 ]
ما علمت لكم من إله غيري، وأما الآخرة فحين قال: أنا ربكم الاعلى، فأخذه الله بكلمتيه كلتيهما، فأغرقه في اليم. 28102 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: اختلفوا فيها، فمنهم من قال: نكال الآخرة من كلمتيه، والاولى قوله: ما علمت لكم من إله غيري، وقوله: أنا ربكم الاعلى. وقال آخرون: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، عجل الله له الغرق، مع ما أعد له من العذاب في الآخرة. 28103 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن خيثمة الجعفي، قال: كان بين كلمتي فرعون أربعون سنة، قوله: أنا ربكم الاعلى، وقوله: ما علمت لكم من إله غيري. 28104 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن ثوير، عن مجاهد، قال: مكث فرعون في قومه بعدما قال: أنا ربكم الاعلى أربعين سنة. وقال آخرون: بل عني بذلك: فأخذه الله نكال الدنيا والآخرة. ذكر من قال ذلك: 28105 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: الدنيا والآخرة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: عقوبة الدنيا والآخرة، وهو قول قتادة. وقال آخرون: الاولى عصيانه ربه وكفره به، والآخرة قوله: أنا ربكم الاعلى. ذكر من قال ذلك: 28106 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي رزين فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: الاولى تكذيبه وعصيانه، والآخرة قوله: أنا ربكم الاعلى، ثم قرأ: فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الاعلى، فهي الكلمة الآخرة.
[ 55 ]
وقال آخرون: بل عني بذلك أنه أخذه بأول عمله وآخره. ذكر من قال ذلك: 28107 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: أول عمله وآخره. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد فأخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: أول أعماله وآخرها. 28108 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور. عن معمر، عن الكلبي: أخذه الله نكال الآخرة والاولى قال: نكال الآخرة من المعصية والاولى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قوله: نكال الآخرة والاولى قال: عمله للآخرة والاولى. وقوله: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى يقول تعالى ذكره: إن في العقوبة التي عاقب الله بها فرعون في عاجل الدنيا، وفي أخذه إياه، نكال الآخرة والاولى: عظة ومعتبرا لمن يخاف الله. ويخشى عقابه، وأخرج نكال الآخرة مصدرا من قوله فأخذه الله لان قوله: فأخذه الله نكل به، فجعل نكال الآخرة مصدرا من معناه، لا من لفظه. وقوله: أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها يقول تعالى ذكره للمكذبين بالبعث من قريش، القائلين أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة: أأنتم أيها الناس أشد خلقا، أم السماء بناها ربكم ؟ فإن من بنى السماء فرفعها سقفا، هين عليه خلقكم وخلق أمثالكم، وإحياؤكم بعد مماتكم. وليس خلقكم بعد مماتكم بأشد من خلق السماء. وعني بقوله: بناها: رفعها، فجعلها للارض سقفا. وقوله: رفع سمكها فسواها يقول تعالى ذكره: فسوى السماء، فلا شئ أرفع من شئ، ولا شئ أخفض من شئ، ولكن جميعها مستوي الارتفاع والامتداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رفع سمكها فسواها يقول: رفع بناءها فسواها. 28110 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رفع سمكها فسواها قال: رفع بناءها بغير عمد.
[ 56 ]
28111 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: رفع سمكها يقول: بنيانها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ئ والارض بعد ذلك دحاها ئ أخرج منها ماءها ومرعاها ئ والجبال أرساها) *. وقوله: وأغطش ليلها يقول تعالى ذكره: وأظلم ليل السماء، فأضاف الليل إلى المساء، لان الليل غروب الشمس، وغروبها وطلوعها فيها، فأضيف إليها لما كان فيها، كما قيل نجوم الليل، إذ كان فيه الطلوع والغروب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28112 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأغطش ليلها يقول: أظلم ليلها. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وأغطش ليلها يقول: أظلم ليلها. 28113 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: وأغطش ليلها قال: أظلم. 28114 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأغطش ليلها قال: أظلم ليلها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأغطش ليلها قال: أظلم. 28115 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأغطش ليلها قال: الظلمة. 28116 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأغطش ليلها يقول: أظلم ليلها.
[ 57 ]
28117 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا حفص بن عمر، قال: ثنا الحكم عن عكرمة وأغطش ليلها قال: أظلم ليلها. وقوله: وأخرج ضحاها يقول: وأخرج ضياءها، يعني: أبرز نهارها فأظهره، ونور ضحاها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28118 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأخرج ضحاها نورها. 28119 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأخرج ضحاها يقول: نور ضيائها 28120 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأخرج ضحاها قال: نهارها. 28121 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأخرج ضحاها قال: ضوء النهار. وقوله: والارض بعد ذلك دحاها: اختلف أهل التأويل في معنى قوله بعد ذلك فقال بعضهم: دحيت الارض من بعد خلق السماء. ذكر من قال ذلك: 28122 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله حيث ذكر خلق الارض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الارض، وذلك أن الله خلق الارض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الارض بعد ذلك، فذلك قوله: والارض بعد ذلك دحاها. 28123 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها يعني: أن الله خلق السموات والارض، فلما فرغ من السموات قبل أن يخلق أقوات الارض فيها، بعد خلق السماء، وأرسى الجبال، يعني بذلك دحوها الاقوات، ولم تكن تصلح أقوات الارض ونباتها إلا بالليل والنهار، فذلك قوله: والارض بعد ذلك دحاها ألم تسمع أنه قال: أخرج منها ماءها ومرعاها.
[ 58 ]
28124 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: وضع البيت على الماء على أربعة أركان قبل أن يخلق الدنيا بألفي عام، ثم دحيت الارض من تحت البيت. 28125 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن بكير بن الاخنس، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، قال: خلق الله البيت قبل الارض بألفي سنة، ومنه دحيت الارض. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والارض مع ذلك دحاها، وقالوا: الارض خلقت ودحيت قبل السماء، وذلك أن الله قال: هو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات قالوا: فأخبر الله أنه سوى السموات بعد أن خلق ما في الارض جميعا، قالوا فإذا كان ذلك كذلك، فلا وجه لقوله: والارض بعد ذلك دحاها إلا ما ذكرنا، من أنه مع ذلك دحاها، قالوا: وذلك كقول الله عز وجل: عتل بعد ذلك زنيم بمعنى: مع ذلك زنيم، وكما يقال للرجل: أنت أحمق، وأنت بعد هذا لئيم الحسب، بمعنى: مع هذا، وكما قال جل ثناؤه: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر: أي من قبل الذكر، واستشهد بقول الهذلي: حمدت إلهي بعد عروة إذ نجا خراش وبعض الشر أهون من بعض وزعموا أن خراشا نجا قبل عروة. 28126 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد والارض بعد ذلك دحاها قال: مع ذلك دحاها. 28127 - حدثني ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مجاهد، أنه قال: والارض عند ذلك دحاها. حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا علي بن معبد، قال:
[ 59 ]
ثنا محمد بن سلمة، عن خصيف، عن مجاهد والارض بعد ذلك دحاها قال: مع ذلك دحاها. 28128 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رواد بن الجراح، عن أبي حمزة، عن السدي، في قوله: والارض بعد ذلك دحاها قال: مع ذلك دحاها. والقول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن الله تعالى خلق الارض، وقدر فيها أقواتها، ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات، ثم دحا الارض بعد ذلك، فأخرج منها ماءها ومرعاها، وأرسى جبالها، أشبه بما دل عليه ظاهر التنزيل، لانه جل ثناؤه قال: والارض بعد ذلك دحاها، والمعروف من معنى بعد أنه خلاف معنى قبل، وليس في دحو الله الارض بعد تسويته السموات السبع، وإغطاشه ليلها، وإخراجه ضحاها، ما يوجب أن تكون الارض خلقت بعد خلق السموات لان الدحو إنما هو البسط في كلام العرب، والمد يقال منه: دحا يدحو دحوا، ودحيت أدحي دحيا لغتان ومنه قول أمية بن أبي الصلت: دار دحاها ثم أعمرنا بها وأقام بالاخرى التي هي أمجد وقول أوس بن حجر في نعت غيث: ينفي الحصى عن جديد الارض مبترك كأنه فاحص أو لاعب داحي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28129 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والارض بعد ذلك دحاها: أي بسطها. 28130 - حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا رواد، عن أبي حمزة، عن السدي دحاها قال: بسطها.
[ 60 ]
28131 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان: دحاها: بسطها. وقال ابن زيد في ذلك ما: 28132 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: دحاها قال: حرثها شقها وقال: أخرج منها ماءها ومرعاها، وقرأ: ثم شققنا الارض شقا... حتى بلغ وفاكهة وأبا، وقال حين شقها أنبت هذا منها، وقرأ: والارض ذات الصدع. وقوله: أخرج منها ماءها يقول: فجر فيها الانهار. ومرعاها يقول: أنبت نباتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28133 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ومرعاها ما خلق الله فيها من النبات، وماءها: ما فجر فيها من الانهار. وقوله: والجبال أرساها يقول: والجبال أثبتها فيها، وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فيها، وذلك أن معنى الكلام: والجبال أرساها فيها. 28134 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والجبال أرساها: أي أثبتها لا تميد بأهلها. 28135 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي قال: لما خلق الله الارض قمصت وقالت: تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم، ويعملون علي بالخطايا فأرساها الله، فمنها ما ترون، ومنها ما لا ترون، فكان أول قرار الارض كلحم الجزور إذا نخر يختلج لحمها. القول في تأويل قوله تعالى: * (متاعا لكم ولانعامكم ئ فإذا جاءت الطامة الكبرى ئ يوم يتذكر الانسان ما سعى ئ وبرزت الجحيم لمن يرى) *.
[ 61 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: متاعا لكم ولانعامكم أنه خلق هذه الاشياء، وأخرج من الارض ماءها ومرعاها، منفعة لنا، ومتاعا إلى حين. وقوله: فإذا جاءت الطامة الكبرى يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت التي تطم على كل هائلة من الامور، فتغمر ما سواها بعظيم هولها، وقيل: إنها اسم من أسماء يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 28136 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فإذا جاءت الطامة الكبرى من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده. 28137 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك بن مغول، عن القاسم بن الوليد، في قوله: فإذا جاءت الطامة الكبرى قال: سيق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار. وقوله: يويتذكر الانسان ما سعى يقول: إذا جاءت الطامة يوم يتذكر الانسان ما عمل في الدنيا من خير وشر، وذلك سعيه وبرزت الجحيم يقول: وأظهرت الجحيم، وهي نار الله لمن يراها. يقول: لابصار الناظرين. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأما من طغى ئ وآثر الحياة الدنيا ئ فإن الجحيم هي المأوى ئ وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى ئ فإن الجنة هي المأوى) *. يقول تعالى ذكره: فأما من عتا على ربه، وعصاه واستكبر عن عبادته. 28138 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قا: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: طغى قال: عصى. قوله: وآثر الحياة الدنيا يقول: وآثر متاع الحياة الدنيا على كرامة الآخرة، وما أعد الله فيها لاوليائه، فعمل للدنيا، وسعى لها، وترك العمل للآخرة فإن الجحيم هي المأوى يقول: فإن نار الله التي اسمها الجحيم، هي منزله ومأواه، ومصيره الذي يصير إليه يوم القيامة
[ 62 ]
وقوله: وأما من حاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى يقول: وأما من خاف مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه، فاتقاه، بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه ونهى النفس عن الهوى يقول: ونهى نفسه عن هواها فيما يكرهه الله، ولا يرضاه منها، فزجرها عن ذلك، وخالف هواها إلى ما أمره به ربه فإن الجنة هي المأوى يقول: فإن الجنة هي مأواه ومنزله يوم القيامة. وقد ذكرنا أقوال أهل التأويل في معنى قوله: ولمن خاف مقام ربه فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها ئ فيم أنت من ذكراها ئ إلى ربك منتهاها ئ إنما أنت منذر من يخشاها ئ كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) * . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يسألك يا محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبع ث فيها الموتى من قبورهم أيان مرساها، متى قيامها وظهورها ؟ وكان الفراء يقول: إن قال قائل: إنما الارساء للسفينة، والجبال الراسية وما أشبههن، فكيف وصف الساعة بالارساء ؟ قلت: هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست، ورسوها: قيامها قال: وليس قيامها كقيام القائم، إنما هي كقولك: قد قام العدل، وقام الحق: أي ظهر وثبت. قال أبو جعفر رحمه الله: يقول الله لنبيه: فيم أنت مذكراها يقول: في أي شئ أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها. وذكر أن رسول الله (ص) كان يكثر ذكر الساعة، حتى نزلت هذه الآية. 28139 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: لم يزل النبي (ص) يسأل عن الساعة، حتى أنزل الله عز وجل: فيم أنت من ذكراها ؟ إلى ربك منتهاها. 28140 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن طارق بن شهاب، قال: كان النبي (ص) لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت يسئلونك عن الساعة أيان مرساها ؟... إلى من يخشاها.
[ 63 ]
28141 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فيم أنت من ذكراها قال: الساعة. وقوله: إلى ربك منتهاها يقول: إلى ربك منتهى علمها، أي إليه ينتهي علم الساعة، لا يعلم وقت قيامها غيره. وقوله: إنما أنت منذر من يخشاها يقول تعالى ذكره لمحمد: إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه، ولم تكلف علم وقت قيامها، يقول: فدع ما لم تكلف علمه، واعمل بما أمرت به، من إنذار من أمرت بإنذاره. واختلف القراء في قراءة قوله: منذر من يخشاها فكان أبو جعفر القارئ وابن محيصن يقرآن: منذر بالتنوين، بمعنى: أنه منذر من يخشاها وقرأ ذلك سائر قراء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة منذر إلى من. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهم قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها يقول جل ثناؤه: كأن هؤلاء المكذبين بالساعة، يوم يرون أن الساعة قد قامت، من عظيم هولها، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم، أو ضحا تلك العشية والعرب تقول: آتيك العشية أو غداتها، وآتيك الغداة أو عشيتها، فيجعلون معنى الغداة، بمعنى أول النهار، والعشية: آخر النهار، فكذلك قوله: إلا عشية أو ضحاها إنما معناها إلا آخر يوم أو أوله، وينشد هذا البيت: نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها يعني: عشية الهلال، أو عشية سرار العشية. 28142 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة.
[ 64 ]
سورة عبس مكية وآياتها ثنتان وأربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (عبس وتولى ئ أن جاءه الاعمى ئ وما يدريك لعله يزكى ئ أو يذكر فتنفعه الذكرى) *. يعني تعالى ذكره بقوله: عبس: قبض وجهه تكرها، وتولى يقول: وأعرض أن جاءه الاعمى يقول: لان جاءه الاعمى. وقد ذكر عن بعض القراء أنه كان يطول الالف ويمدها من أن جاءه فيقول: آن جاءه، وكأن معنى الكلام كان عنده: أأن جاءه الاعمى عبس وتولى ؟ كما قرأ من قرأ: أن كان ذا مال وبنين بمد الالف من أن وقصرها. وذكر أن الاعمى الذي ذكره الله في هذه الآية، هو ابن أم مكتوم، عوتب النبي (ص) بسببه. ذكر الاخبار الواردة بذلك: 28143 - حدثنا سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثنا أبي، عن هشام بن عروة مما عرضه عليه عروة، عن عائشة قالت: أنزلت عبسى وتولى في ابن أم مكتوم، قالت: أتى إلى رسول الله (ص) فجعل يقول: أرشدني، قالت: وعند رسول الله (ص) من عظماء المشركين، قالت: فجعل النبي (ص) يعرض عنه، ويقبل على الآخر، ويقول: أترى بما أقوله بأسا ؟ فيقول: لا ففي هذا أنزلت: عبس وتولى.
[ 65 ]
28143 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: عبس وتولى أن جاءه الاعمى قال: بينا رسول الله (ص) يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب، وكان يتصدى لهم كثيرا، ويحرص عليهم أن يؤمنوا، فأقبل إليه رجل أعمى، يقال له عبد الله بن أم مكتوم، يمشي وهو يناجيهم، فجعل عبد الله يستقرئ النبي (ص) آية من القرآن، وقال: يا رسول الله، علمني مما علمك الله، فأعرض عنه رسول الله (ص)، وعبس في وجهه وتولى، وكره كلامه، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله (ص)، وأخذ ينقلب إلى أهله، أمسك الله بعض بصره، ثم خفق برأسه، ثم أنزل الله: عبس وتولى أن جاءه الاعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله (ص) وكلمه، وقال له: ما حاجتك، هل تريد من شئ ؟ وإذا ذهب من عنده قال له: هل لك حاجة في شئ ؟ وذلك لما أنزل الله: أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى. 28144 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام، عن أبيه، قال: نزلت في ابن أم مكتوم عبس وتولى أن جاءه الاعمى. 28145 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله أن جاءه الاعمى قال: رجل من بني فهر، يقال له ابن أم مكتوم. 28146 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة عبس وتولى أن جاءه الاعمى: عبد الله بن زائدة، وهو ابن أم مكتوم، وجاءه يستقرئه، وهو يناجي أمية بن خلف، رجل من علية قريش، فأعرض عنه نبي الله (ص)، فأنزل الله فيه ما تسمعون عبس وتولى أن جاءه الاعمى إلى قوله: فأنت عنه تلهى ذكر لنا أن نبي الله (ص) استخلفه بعد ذلك مرتين على المدينة، في غزوتين غزاهما يصلي بأهلها. 28147 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء، وعليه درع له.
[ 66 ]
28148 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: جاء ابن أم مكتوم إلى النبي (ص) وهو يكلم أبي بن خلف، فأعرض عنه، فأنزل الله عليه: عبس وتولى، فكان النبي (ص) بعد ذلك يكرمه. قال أنس: فرأيته يوم القادسية عليه درع، ومعه راية سوداء 28149 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عبس وتولى تصدى رسول الله (ص) لرجل من مشركي قريش كثير المال، ورجا أن يؤمن، وجاء رجل من الانصار أعمى، يقال له عبد الله بن أم مكتوم، فجعل يسأل نبي الله (ص)، فكرهه نبي الله (ص) وتولى عنه، وأقبل على الغني، فوعظ الله نبيه، فأكرمه نبي الله (ص)، واستخلفه على المدينة مرتين، في غزوتين غزاهما. 28150 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسألته عن قول الله عز وجل: عبس وتولى أن جاءه الاعمى قال: جاء ابن أم مكتوم إلى رسول الله (ص) وقائده يبصر، وهو لا يبصر، قال: ورسول الله (ص) يشير إلى قائده يكف، وابن أم مكتوم يدفعه ولا يبصر قال: حتى عبس رسول الله (ص)، فعاتبه الله في ذلك، فقال: عبس وتولى أن جاءه الاعمى وما يدريك لعله يزكى... إلى قوله: فأنت عنه تلهى قال ابن زيد: كان يقال: لو أن رسول الله (ص) كتم من الوحي شيئا، كتم هذا عن نفسه قال: وكان يتصدى لهذا الشريف في جاهليته، رجاء أن يسلم، وكان عن هذا يتلهى. وقوله: وما يدريك لعله يزكى يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما يدريك يا محمد، لعل هذا الاعمى الذي عبست في وجهه يزكى: يقول: يتطهر من ذنوبه. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 28151 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لعله يزكى: يسلم. وقوله: أو يذكر فتنفعه الذكرى يقول: أو يتذكر فتنفعه الذكرى: يعني يعتبر
[ 67 ]
فينفعه الاعتبار والاتعاظ، والقراءة على رفع: فتنفعه عطفا به على قوله: يذكر، وقد روي عن عاصم النصب فيه والرفع، والنصب على أن تجعله جوابا بالفاء للعل، كما قال الشاعر: عل صروف الدهر أو دولاتها يدلننا اللمة من لماتها فتستريح النفس من زفراتها وتنقع الغلة من غلاتها وتنقع يروى بالرفع والنصب. القول في تأويل قوله تعالى: * (أما من استغنى ئ فأنت له تصدى ئ وما عليك ألا يزكى ئ وأما من جاءك يسعى ئ وهو يخشى ئ فأنت عنه تلهى) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أما من استغنى بماله، فأنت له تتعرض رجاء أن يسلم. 28152 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان أما من استغنى فأنت له تصدى قال: نزلت في العباس. 28153 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أما من استغنى قال: عتبة بن ربيعة وشبية بن ربيعة وما عليك ألا يزكى يقول: وأي شئ عليك أن لا يتطهر من كفره فيسلم ؟ وأما من جاءك يسعى وهو يخشى يقول: وأما هذا الاعمى الذي جاءك سعيا، وهو يخشى الله ويتقيه، فأنت عنه تلهى يقول: فأنت عنه تعرض، وتشاغل عنه بغيره وتغافل. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إنها تذكرة ئ فمن شآء ذكره ئ في صحف مكرمة ئ مرفوعة مطهرة ئ بأيدي سفرة ئ كرام بررة ئ قتل الانسان مآ أكفره) *.
[ 68 ]
يقول تعالى ذكره: كلا ما الامر كما تفعل يا محمد، من أن تعبس في وجه من جاءك يسعى وهو يخشى، وتتصدى لمن استغنى إنها تذكرة يقول: إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة يقول: عظة وعبرة فمن شاء ذكره يقول: فمن شاء من عباد الله ذكره، يقول: ذكر تنزيل الله ووحيه، والهاء في قوله إنها للسورة، وفي قوله ذكره للتنزيل والوحي في صحف يقول إنها تذكرة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة يعني في اللوح المحفوظ، وهو المرفوع المطهر عند الله. وقوله: بأيدي سفرة يقول: الصحف المكرمة بأيدي سفرة، جمع سافر. واختلف أهل التأويل فيهم ما هم ؟ فقال بعضهم: هم كتبة. ذكر من قال ذلك: 28154 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: بأيدي سفرة يقول: كتبة. 28155 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بأيدي سفرة قال: الكتبة. وقال آخر: هم القراء. ذكر من قال ذلك: 28156 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة، قوله: فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة قال: هم القراء. وقال آخرون: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك: 28157 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس بأيدي سفرة كرام بررة يعني الملائكة. 28158 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: بأيدي سفرة كرام بررة قال: السفرة: الذين يحصون الاعمال. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: هم الملائكة الذين يسفرون بين الله ورسله بالوحي. وسفير القوم: الذي يسعى بينهم بالصلح، يقال: سفرت بين القوم: إذا أصلحت بينهم ومنه قول الشاعر: وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت
[ 69 ]
وإذا وجه التأويل إلى ما قلنا، احتمل الوجه الذي قاله القائلون هم الكتبة، والذي قاله القائلون هم القراء، لان الملائكة هي التي تقرأ الكتب، وتسفر بين الله وبين رسله. وقوله: كرام بررة والبررة: جمع بار، كما الكفرة جمع كافر، والسحرة جمع ساحر، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا: رجل بر، وامرأة برة، وإذا جمعوا ردوه إلى جمع فاعل، كما قالوا: رجل سري، ثم قالوا في جمعه: قوم سراة، وكان القياس في واحده أن يكون ساريا. وقد حكي سماعا من بعض العرب: قوم خيرة بررة، وواحد الخيرة: خير، والبررة: بر. وقوله: قتل الانسان ما أكفره يقول تعالى ذكره: لعن الانسان الكافر ما أكفره وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد. 28159 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن الاعمش، عن مجاهد، قال: ما كان في القرآن قتل الانسان أو فعل بالانسان، فإنما عني به الكافر. 28160 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان قتل الانسان ما أكفره بلغني أنه الكافر. وفي قوله: أكفره وجهان. أحدهما: التعجب من كفره، مع إحسان الله إليه، وأياديه عنده. والآخر: ما الذي أكفره، أي أي شئ أكفره ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (من أي شئ خلقه ئ من نطفة خلقه فقدره ئ ثم السبيل يسره ئ ثم أماته فأقبره ئ ثم إذا شآء أنشره ئ كلا لما يقض مآ أمره) *. يقول تعالى ذكره: من أي شئ خلق الانسان الكافر ربه حتي يتكبر. ويتعظم عن طاعة ربه، والاقرار بتوحيده ثم بين جل ثناؤه الذي منه خلقه، فقال: من نطفة خلقه فقدره أحوالا: نطفة تارة، ثم علقة أخرى، ثم مضغة، إلى أن أتت عليه أحواله، وهو في رحم أمه ثم السبيل يسره يقول: ثم يسره للسبيل، يعني للطريق. واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسره لها، فقال بعضهم: هو خروجه من بطن أمه. ذكر من قال ذلك:
[ 70 ]
28161 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ثم السبيل يسره يعني بذلك: خروجه من بطن أمه يسره له. 28162 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح ثم السبيل يسره قال: سبيل الرحم. 28163 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي ثم السبيل يسره قال: خروجه من بطن أمه. 28164 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر عن قتادة ثم السبيل يسره قال: خروجه من بطن أمه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم السبيل يسره قال: أخرجه من بطن أمه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: طريق الحق والباطل، بيناه له وأعملناه، وسهلنا له العمل به. ذكر من قال ذلك: 28165 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ثم السبيل يسره قال: هو كقوله: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: السبيل يسره قال: على نحو إنا هديناه السبيل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: سبيل الشقاء والسعادة، وهو كقوله: إنا هديناه السبيل. 28166 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن، في قوله: ثم السبيل يسره قال: سبيل الخير. 28167 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثم السبيل يسره قال: هداه للاسلام الذي يسره له، وأعلمه به، والسبيل سبيل الاسلام
[ 71 ]
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب. قول من قال: ثم الطريق، وهو الخروج من بطن أمه يسره. وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب، لانه أشبههما بظاهر الآية، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه، وتدبيره جسمه، وتصريفه إياه في الاحوال، فالاولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وبعده. وقوله: ثم أماته فأقبره يقول: ثم قبض روحه، فأماته بعد ذلك. يعني بقوله: أقبره: صيره ذا قبر، والقابر: هو الدافن الميت بيده، كما قال الاعشى: لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر والمقبر: هو الله، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته، فصيره ذا قبر. والعرب تقول فيما ذكر لي: بترت ذنب البعير، والله أبتره وعضبت قرن الثور والله أعضبه وطردت عني فلانا، والله أطرده، صيره طريدا. وقوله: ثم إذا شاء أنشره يقول: ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه، يقال: أنشر الله الميت، بمعنى: أحياه، ونشر الميت بمعنى حيي هو بنفسه ومنه قول الاعشى: حتى يقول الناس مما رأوايا عجبا للميت الناشر وقوله: كلا لما يقض ما أمره يقول تعالى ذكره: كلا ليس الامر كما يقول هذا الانسان الكافر، من أنه قد أدى حق الله عليه، في نفسه وماله، لما يقض ما أمره: لم يؤد ما فرض عليه من الفرائض ربه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28168 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لما يقض ما أمره قال: لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه. وقال الحرث: كل ما افترض عليه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 72 ]
* (فلينظر الانسان إلى طعامه ئ أنا صببنا الماء صبا ئ ثم شققنا الارض شقا ئ فأنبتنا فيها حبا ئ وعنبا وقضبا ئ وزيتونا ونخلا ئ وحدائق غلبا) *. يقول تعالى ذكره: فلينظر هذا الانسان الكافر المنكر توحيد الله إلى طعامه كيف دبره ؟ كما: 28169 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فلينظر الانسان إلى طعامه وشرابه، قال: إلى مأكله ومشربه. 28170 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فلينظر الانسان إلى طعامه: آية لهم. واختلفت القراء في قراءة قوله: أنا صببنا الماء صبا فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة بكسر الالف من أنا، على وجه الاستئناف، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة أنا بفتح الالف، بمعنى: فلينظر الانسان إلى أنا، فيجعل أنا في موضع خفض، على نية تكرير الخافض، وقد يجوز أن يكون رفعا إذا فتحت، بنية طعامه أنا صببنا الماء صبا. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان: فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: أنا صببنا الماء صبا يقول: أنا أنزلنا الغيث من السماء إنزالا، وصببناه عليها صبا ثم شققنا الارض شقا يقول: ثم فتقنا الارض، فصدعناها بالنبات فأنبتنا فيها حبا: يعني حب الزرع، وهو كل ما أخرجته الارض من الحبوب، كالحنطة والشعير وغير ذلك وعنبا يقول: وكرم عنب. وقضبا يعني بالقضب: الرطبة، وأهل مكة يسمون القت القضب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28171 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وقضبا يقول: الفصفصة. 28172 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقضبا قال: والقضب: الفصافص. قال أبو جعفر رحمه الله: الفصفصة: الرطبة.
[ 73 ]
28173 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وقضبا يعني الرطبة. 28174 - حدثنا بشر، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وقضبا قال: القضب: العلف. وقوله: وزيتونا وهو الزيتون الذي منه الزيت ونخلا وحدائق غلبا وقد بينا أن الحديقة البستان المحوط عليه. وقوله: غلبا يعني: غلاظا. ويعني بقوله: غلبا أشجارا في بساتين غلاظ. والغلب: جمع أغلب، وهو الغليظ الرقبة من الرجال ومنه قول الفرزدق: عوى فأثار أغلب $ ضيغميافويل ابن المراغة ما استثارا ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في البيان عنه، فقال بعضهم: هو ما التف من الشجر واجتمع. ذكر من قال ذلك: 28175 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: وحدائق غلبا قال: الحدائق: ما التف واجتمع. 28176 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وحدائق غلبا قال: طيبة. وقال آخرون: الحدائق: نبت الشجر كله. ذكر من قال ذلك: 28177 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا عصام، عن أبيه: الحدائق: نبت الشجر كلها. 28178 - حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس: وحدائق غلبا قال: الشجر يستظل به في الجنة. وقال آخرون: بل الغلب: الطوال. ذكر من قال ذلك: 28179 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وحدائق غلبا يقول: طوالا.
[ 74 ]
وقال آخرون: هو النخل الكرام. ذكر من قال ذلك: 28180 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وحدائق غلبا والغلب: النخل الكرام. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وحدائق غلبا قال: النخل الكرام. 28181 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وحدائق غلبا: عظام النخل العظيمة الجذع، قال: والغلب من الرجال: العظام الرقاب، يقال: هو أغلب الرقبة: عظيمها. 28182 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة حدائق غلبا قال: عظام الاوساط. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفاكهة وأبا ئ متاعا لكم ولانعامكم ئ فإذا جاءت الصاخة ئ يوم يفر المرء من أخيه ئ وأمه وأبيه ئ وصاحبته وبنيه ئ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ئ وجوه يومئذ مسفرة ئ ضاحكة مستبشرة ئ ووجوه يومئذ عليها غبرة ئ ترهقها قترة ئ أولئك هم الكفرة الفجرة) *. يقول تعالى ذكره: وفاكهة: ما يأكله الناس من ثمار الاشجار، والاب: ما تأكله البهائم من العشب والنبات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28183 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن وفاكهة قال: ما يأكل ابن آدم. 28184 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وفاكهة قال: ما أكل الناس. 28185 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وفاكهة قال: أما الفاكهة فلكم.
[ 75 ]
28186 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وفاكهة قال: الفاكهة لنا. 28187 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا حميد، قال: قال أنس بن مالك: قرأ عمر: عبس وتولى حتى أتى على هذه الآية: وفاكهة وأبا قال: قد علمنا ما الفاكهة، فما الاب ؟ ثم أحسبه شك الطبري قال: إن هذا لهو التكلف. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبس وتولى فلما أتى على هذه الآية وفاكهة وأبا قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الاب ؟ قال: لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن موسى بن أنس، عن أنس، قال: قرأ عمر: وفاكهة وأبا قال: قد عرفنا الفاكهة، فما الاب ؟ ثم قال: بحسبنا ما قد علمنا، وألقى العصا من يده. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن خليد بن جعفر، عن أبي إياس معاوية بن قرة، عن أنس، عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إن هذا هو التكلف. قال: وحدثني قتادة، عن أنس، عن عمر بنحو هذا الحديث كله. 28188 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب ويعقوب، قالوا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت عاصم بن كليب، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: عد سبعا، جعل رزقه في سبعة، وجعله من سبعة، وقافي آخر ذلك: الاب ما أنبتت الارض، مما لا يأكل الناس. حدثنا أبو هشام، قا: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا عاصم، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الاب: نبت الارض مما تأكله الدواب، ولا يأكله الناس. 28189 - حدثنا أبو كرب وأبو السائب، قالا ثنا ابن إدريس، قال: ثنا عبد الملك، عن سعيد بن جبير، قال: عد ابن عباس، وقال: الاب: ما أنبتت الارض للانعام، وهذا لفظ حديث أبي كريب. وقال أبو السائب في حديثه، قال: ما أنبتت الارض مما يأكل الناس وتأكل الانعام.
[ 76 ]
28190 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الاب: الكلا والمرعى كله. 28191 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، قال: الاب النبات. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، مثله 28192 -. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش أو غيره، عن مجاهد، قال: الاب: المرعى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد وأبا: المرعى. 28193 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن وأبا قال: الاب: ما تأكل الانعام. 28194 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأبا قال: الاب: ما أكلت الانعام 28195 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: أما الاب: فلانعامكم نعم من الله متظاهرة. 28196 - حدثنا ابن بشر، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا يونس، عن الحسن، في قوله: وأبا قال: الاب: العشب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، وقتادة، في قوله: وأبا قال: هو ما تأكله الدواب. 28197 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأبا يعني: المرعى. 28198 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأبا قال: الاب لانعامنا، قال: والاب: ما ترعى. وقرأ: متاعا لكم ولانعامكم.
[ 77 ]
قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس وعمرو بن الحرث، عن ابن شهاب أن أنس بن مالك حدثه أنه سمع عمربن الخطاب رضي الله عنه يقول: قال الله: وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا كل هذا قد علمناه، فما الاب ؟ ثم ضرب بيده، ثم قال: لعمرك إن هذا لهو التكلف، واتبعوا ما يتبين لكم في هذا الكتاب. قال عمر: وما يتبين فعليكم به، وما لا فدعوه. وقال آخرون: الاب: الثمار الرطبة. ذكر من قال ذلك 28199 -: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأبا يقول: الثمار الرطبة. وقوله: متاعا لكم يقول: أنبتنا هذه الاشياء التي يأكلها بنو آدم متاعا لكم أيها الناس، ومنفعة تتمتعون بها، وتنتفعون، والتي يأكلها الانعام لانعامكم، وأصل الانعام الابل، ثم تستعمل في كل راعية. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28200 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: متاعا لكم ولانعامكم قال: متاعا لكم الفاكهة، ولانعامكم العشب. وقوله: فإذا جاءت الصاخة ذكر أنها اسم من أسماء القيامة، وأحسبها مأخوذة من قولهم: صاخ فلان لصوت فلان: إذا استمع له، إلا أن هذا يقال منه: هو مصيخ له، ولعل الصوت هو الصاخ، فإن يكوذلك كذلك، فينبغي أن يكون قيل ذلك لنفخة الصور. ذكر من قال: هو اسم من أسماء القيامة: 28201 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله فإذا جاءت الصاخة قال: هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله، وحذره عباده. وقوله: يوم يفر المرء من أخيه يقول: فإذا جاءت الصاخة، في هذا اليوم الذي يفر فيه المرء من أخيه. ويعني بقوله: يفر من أخيه: يفر عن أخيه وأمه وأبيه وصاحبته يعني زوجته التي كانت زوجته في الدنيا وبنيه حذرا من مطالبتهم إياه، بما بينه وبينهم من التبعات والمظالم. وقال بعضهم: معنى قول: يفر المرء من أخيه: يفر عن أخيه لئلا يراه، وما ينزل به، لكل امرئ منهم يعين من الرجل وأخيه وأمه وأبيه، وسائر من ذكر في هذه الآية
[ 78 ]
يومئذ يعني يوم القيامة إذا جاءت الصاخة يوم القيامة شأن يغنيه يقول: أمر يغنيه، ويشغله عن شأن غيره، كما: 28202 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أفضي إلى كل إنسان ما يشغله عن الناس. 28203 - حدثنا أبو عمارة المروزي الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن عائذ بن شريح، عن أنس قال: سألت عائشة رسول الله (ص) قالت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي، إني سائلتك عن حديث أخبرني أنت به، قال: إن كان عندي منه علم قالت: يا نبي الله، كيف يحشر الرجال ؟ قال: حفاة عراة. ثم انتظرت ساعة فقالت: يا نبي الله كيف يحشر النساء ؟ قال: كذلك حفاة عراة. قالت: واسوءتاه من يوم القيامة قال: وعن ذلك تسأليني، إنه قد نزلت علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أم لا، قالت: أي آية هي يا نبي الله ؟ قال: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. 28204 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه قال: شأن قد شغله عن صاحبه. وقوله: وجوه يومئمسفرة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ مشرقة مضيئة، وهي وجوه المؤمنين الذين قرضي الله عنهم. يقال: أسفر وجه فلان: إذا حسن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وكل مضئ فهو مسفر وأما سفر بغير ألف، فإنما يقال للمرأة إذا ألقت نقابها عن وجهها أو برقعها، يقال: قد سفرت المرأة عن وجهها، إذا فعلت ذلك، فهي سافرومنه قول توبة بن الحمير: وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها يعني بقوله سفورها: إلقاءها برقعها عن وجهها. ضاحكة يقول: ضاحكة من السرور بما أعطاها الله من النعيم والكرامة مستبشرة لما ترجو من الزيادة. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله مسفرة قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 79 ]
28205 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مسفرة يقول: مشرقة. 28206 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة قال: هؤلاء أهل الجنة. وقوله: ووجوه يومئذ عليها غبرة يقول تعالى ذكره: ووجوه وهي وجوه الكفار يومئذ عليها غبرة. ذكر أن البهائم التي يصيرها الله ترابا يومئذ بعد القضا بينها، يحول ذلك التراب غبرة في وجوه أهل الكفر ترهقها قترة يقول: يغشى تلك الوجوه قترة، وهي الغبرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر مقال ذلك: 28207 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ترهقها قترة يقول: تغشاها ذلة. 28208 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ترهقها قترة قال: هذه وجوه أهل النار قال: والقترة من الغبرة، قال: وهما واحد قال: فأما في الدنيا فإن القترة: ما ارتفع، فلحق بالسماء، ورفعته الريح، تسميه العرب القترة، وما كان أسفل في الارض فهو الغبرة. وقوله: أولئك هم الكفرة الفجرة يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين هذه صفتهم يوم القيامة هم الكفرة بالله، كانوا في الدنيا الفجرة في دينهم، لا يبالون ما أتوا به من معاصي الله، وركبوا من محارمه، فجزاهم الله بسوء أعمالهم ما أخبر به عباده.
[ 80 ]
سورة التكوير مكية وآياتها تسع وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا الشمس كورت ئ وإذا النجوم انكدرت ئ وإذا الجبال سيرت ئ وإذا العشار عطلت) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إذا الشمس كورت فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا الشمس ذهب ضوؤها. ذكر من قال ذلك: 28209 - حدثنا الحسين بن الحريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبي بن كعب قال: ست آيات قبل يوم القيامة: بينا الناس في أسواقهم، إذ ذهب ضوء الشمس، فبينما هم كذلك، إذ تناثرت النجوم، فبينما هم كذلك، إذ وقعت الجبال على وجه الارض، فتحركت واضطربت واحترقت، وفزعت الجن إلى الانس، والانس إلى الجن، واختلطت الدواب والطير والوحش، وماجوا بعضهم في بعض وإذا الوحو ش حشرت قال: اختلطت وإذا العشار عطلت قال: أهملها أهلها وإذا البحار سجرت قال: قالت الجن للانس: نحن نأتيكم بالخبر قال: فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي نار تأجج قال: فبينما هم كذلك إذ تصدعت الارض صدعة واحدة، إلى الارض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا قال: فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فأماتتهم.
[ 81 ]
28210 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إذا الشمس كورت يقول: أظلمت. 28211 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله إذا الشمس كورت يعني: ذهبت. 28212 - حدثني محمد بن عمارة، حدثني عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد إذا الشمس كورت قال: اضمحلت وذهبت. 28213 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، في قوله: إذا الشمس كورت قال: ذهب ضوءها فلا ضوءلها 28214 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: إذا الشمس كورت قال: غورت، وهي بالفارسية، كور تكور. 28215 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذا الشمس كورت أما تكوير الشمس: فذهابها. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله إذا الشمس كورت قال: كورت كورا بالفارسية. وقال آخرون: معنى ذلك: رمي بها. ذكر من قال ذلك: 28216 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: إذا الشمس كورت قال: نكست. حدثني محمد بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح مثله. 28217 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت إسماعيل، سمع أبا صالح في قوله إذا الشمس كورت قال: ألقيت. 28218 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم إذا الشمس كورت قال: رمي بها. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم، مثله.
[ 82 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال كورت كما قال الله جل ثناؤه والتكوير في كلام العرب: جمع بعض الشئ إلى بعض، وذلك كتكوير العمامة، وهو لفها على الرأس، وكتكوير الكار، وهي جمع الثياب بعضها إلى بعض، ولفها، وكذلك قوله: إذا الشمس كورت إنما معناه: جمع بعضها إلى بعض، ثم لفت فرمي بها، وإذا فعل ذلك بها ذهب ضوءها. فعلى التأويل الذي الذي تأولناه وبيناه لكلا القولين اللذين ذكرت عن أهل التأويل، وجه صحيح، وذلك أنها إذا كورت ورمي بها، ذهب ضوءها. وقوله: وإذا النجوم انكدرت يقول: وإذا النجوم تناثرت من السماء فتساقطت، وأصل الانكدار: الانصباب، كما قال العجاج: أبصر خربان فضاء فانكدر أ يعني بقوله: انكدر: انصب. ذكر من قال ذلك: 28219 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم وإذا النجوم انكدرت قال: تناثرت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم، مثله. 28220 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وإذا النجوم انكدرت قال: تناثرت 28221 -. حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله وإذا النجوم انكدرت قال: انتثرت. 28222 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا النجوم انكدرت قال تساقطت وتهافتت. 28223 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا النجوم انكدرت قال: رمي بها من السماء إلى الارض. وقال آخرون: انكدرت: تغيرت. ذكر من قال ذلك:
[ 83 ]
28224 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وإذا النجوم انكدرت يقول: تغيرت. وقوله: وإذا الجبال سيرت يقول: وإذا الجبال سيرها الله، فكانت سرابا، وهباء منبثا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28225 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد وإذا الجبال سيرت قال: ذهبت. قوله: وإذا العشار عطلت والعشار: جمع عشراء، وهي التي قد أتى عليها عشرة أشهر من حملها. يقول تعالى ذكره: وإذا هذه الحوامل التي يتنافس أهلها فيها أهملت فتركت، من شدة الهول النازل بهم، فكيف بغيرها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28226 - حدثنا الحسين بن الحريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبي بن كعب وإذا العشار عطلت قال: إذا أهملها أهلها. 28227 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم وإذا العشار عطلت قال: خلا منه أهلها لم تحلب ولم تصر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم وإذا العشار عطلت قال: لم تحلب ولم تصر، وتخلى منها أربابها. 28228 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد، في قول الله: وإذا العشار عطلت قال: سيبت: تركت 28229 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وإذا العشار عطلت قال: عشار الابل. 28230 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة قال: ثنا عوف، عن الحسن وإذا
[ 84 ]
العشار عطلت قال: سيبها أهلها فلم تصر، ولم تحلب، ولم يكن في الدنيا مال أعجب إليهم منها. 28231 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإذا العشار عطلت قال: عشار الابل سيبت. 28232 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإذا العشار عطلت يقول: لا راعي لها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا الوحوش حشرت ئ وإذا البحار سجرت ئ وإذا النفوس زوجت ئ وإذا الموءودة سئلت ئ بأى ذنب قتلت ئ وإذا الصحف نشرت) *. اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وإذا الوحوش حشرت فقال بعضهم: معنى ذلك: ماتت. ذكر من قال ذلك: 28233 - حدثني علي بن مسلم الطوسي، قال: ثنا عباد بن العوام، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله: وإذا الوحوش حشرت قال: حشر البهائم: موتها، وحشر كل شئ: الموت، غير الجن والانس، فإنهما يوقفان يوم القيامة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم وإذا الوحوش حشرت قال: أتى عليها أمر الله، قال سفيان، قال أبي، فذكرته لعكرمة، فقال: قال ابن عباس: حشرها: موتها. 28234 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم، بنحوه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا الوحوش اختلطت. ذكر من قال ذلك: 28235 - حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس عن أبي العالية، قال: ثني أبي بن كعب وإذا الوحوش حشرت قال: اختلطت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: جمعت. ذكر من قال ذلك:
[ 85 ]
28236 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا الوحوش حشرت إن هذه الخلائق موافية يوم القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى حشرت: جمعت، فأميتت لان المعروف في كلام العرب من معنى الحشر: الجمع ومنه قول الله والطير محشورة يعني: مجموعه. وقوله: فحشر فنادى وإنما يحمل تأويل القرآن على الاغلب الظاهر من تأويله، لا على الانكر المجهول. وقوله: وإذا البحار سجرت اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وإذا البحار اشتعلت نارا وحميت. ذكر من قال ذلك 28237 -: حدثنا الحسين بن حريث، قال: ثنا الفضل بن موسى، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: ثني أبي بن كعب وإذا البحار سجرت قال: قالت الجن للانس: نحن نأتيكم بالخبر، فانطلقوا إلى البحار، فإذا هي تأجج نارا. 28238 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم ؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقا والبحر المسجور وإذا البحار سجرت مخففة. 28239 - حدثني حوثرة بن محمد المنقري، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا مجالد، قال: أخبرني شيخ من بجيلة عن ابن عباس، في قوله: إذا الشمس كورت قال: كور الله الشمس والقمر والنجوم في البحر، فيبعث عليها ريحا دبورا، فتنفخه حتى يصير نارا، فذلك قوله: وإذا البحار سجرت. 28240 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا البحار سجرت قال: إنها توقد يوم القيامة، زعموا ذلك التسجير في كلام العرب.
[ 86 ]
28241 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله: والبحر المسجور قال: بمنزلة التنور المسجور وإذا البحار سجرت مثله. 28242 - قال: ثنا مهران، عن سفيان وإذا البحار سجرت قال: أوقدت. وقال آخرون: معنى ذلك: فاضت. ذكر من قال ذلك: 28243 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم وإذا البحار سجرت قال: فاضت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع، مثله. 28244 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: وإذا البحار سجرت قال: ملئت، ألا ترى أنقال: والبحر المسجور. 28245 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإذا البحار سجرت يقول: فجرت. وقال آخرون: بل عني بذلك أنه ذهب ماؤها. ذكر من قال ذلك: 28246 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا البحار سجرت قال: ذهب ماؤها فلم يبق فيها قطرة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإذا البحار سجرت قال: غار ماؤها فذهب. 28247 - حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحسين، في هذا الحرف وإذا البحار سجرت قال: يبست. 28248 - حدثنا الحسين بن محمد، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، بمثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وإذا البحار سجرت قال: يبست.
[ 87 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: ملئت حتى فاضت، فانفجرت وسالت كما وصفها الله به في الموضع الآخر، فقال: وإذا البحار فجرت والعرب تقول للنهر أو للركي المملوء: ماء مسجور ومنه قول لبيد: فتوسطا عرض السرى وصدعا مسجور متجاورا قلامها ويعني بالمسجورة: المملوءة ماء. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة: سجرت: بتشديد الجيم. وقرأ ذلك بعض قراء البصرة: بتخفيف الجيم. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وإذا النفوس زوجت اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: ألحق كل إنسان بشكله، وقرن بين الضرباء والامثال. ذكر من قال ذلك: 28249 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن عمر رضي الله عنه وإذا النفوس زوجت قال: هما الرجلان يعملان العمل الواحد يدخلان به الجنة، ويدخلان به النار 28250 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا النفوس زوجت قال: هما الرجلان يعملان العمل، فيدخلان به الجنة، وقال: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم، قال: ضرباءهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب، عن النعمان بن بشير، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإذا النفوس زوجت قال: هما الرجلان يعملان العمل، يدخلان به الجنة أو النار. 28251 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب أنه سمع النعمان بن بشير يقول: سمعت عمر بن الخطاب وهو يخطب،
[ 88 ]
قال: وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحا ب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون ثم قال: وإذا النفوس زوجت قال: أزواج في الجنة، وأزواج في النار. 28252 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن النعمان بن بشير، قال: سئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن قول الله: وإذا النفوس زوجت قال: يقرن بين الرجل الصالح مع الرجل الصالح في الجنة، وبين الرجل السوء مع الرجل السوء في النار. 28253 - حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا محمد بن الصباح الدولابي، عن الوليد، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن النبي (ص) والنعمان عن عمر قال: وإذا النفوس زوجت قال: الضرباء كل رجل مع كل قوم كانوا يعملون عمله، وذلك أن الله يقول: وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون قال: هم الضرباء. 28254 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وإذا النفوس زوجت قال: ذلك حين يكون الناس أزواجا ثلاثة. 28255 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وإذا النفوس زوجت قال: ألحق كل أمرئ بشيعته. 28256 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإذا النفوس زوجت قال: الامثال من الناس جمع بينهم. 28257 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة وإذا النفوس زوجت قال: لحق كل إنسان بشيعته، اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى. 28258 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم وإذا النفوس زوجت قال: يحشر المرء مع صاحب عمله.
[ 89 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع، قال: يجئ المرء مع صاحب عمله. وقال آخرون: بل عني بذلك أن الارواح ردت إلى الاجساد فزوجت بها: أي جعلت لها زوجا. ذكر من قال ذلك: 28259 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن أبي عمرو، عن عكرمة وإذا النفوس زوجت قال: الارواح ترجع إلى الاجساد. 28260 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن الشعبي أنه قال في هذه الآية: وإذا النفوس زوجت قال: زوجت الاجساد فردت الارواح في الاجساد. حدثني عبيد بن أسباط بن محمد، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن عكرمة وإذا النفوس زوجت قال: ردت الارواح في الاجساد. حدثني الحسن بن زريق الطهوي، قال: ثنا أسباط، عن أبيه، عن عكرمة، مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود، عن الشعبي، في قوله: وإذ النفوس زوجت قال: زوجت الارواح الاجساد. وأولى التأويلين في ذلك بالصحة، الذي تأوله عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعلة التي اعتل بها، وذلك قول الله تعالى ذكره: وكنتم أزواجا ثلاثة، وقوله: احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وذلك لا شك الامثال والاشكال، في الخير والشر، وكذلك قوله: وإذا النفوس زوجت بالقرناء والامثال في الخير والشر. 28261 - وحدثني مطر بن محمد الضبي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله: إذا الشمس كورت قال: سيأتي أولها والناس ينظرون، وسيأتي آخرها إذا النفوس زوجت. وقوله: وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ؟: اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه أبو الضحى مسلم بن صبيح: وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلت ؟ بمعنى: سألت الموءودة الوائدين: بأي ذنب قتلوها. ذكر الرواية بذلك:
[ 90 ]
28262 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، في قوله: وإذا الموءودة سئلت ؟ قال: طلبت بدمائها. حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن الاعمش، قال: قال أبو الضحى: وإذا الموءودة سألت ؟ قال: سألت قتلتها. ولو قرأ قارئ ممن قرأ سألت بأي ذنب قتلت كان له وجه، وكان يكون معنى ذلك معنى من قرأ بأي ذنب قتلت غير أنه إذا كان حكاية جاز فيه الوجهان، كما يقال: قال عبد الله بأي ذنب ضرب كما قال عنترة: الشاتمي عرضي ولم أشتمهما والناذرين إذا لقيتهما دمي وذلك أنهما كانا يقولان: إذا لقينا عنترة لنقتلنه. فحكى عنترة قولهما في شعره وكذلك قول الآخر: رجلان من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا بمعنى: أخبرانا أنهما، ولكنه جرى الكلام على مذهب الحكاية. وقرأ ذلك بعض عامة قراء الامصار: وإذا الموءدة سئلت بأي ذنب قتلت بمعنى: سئلت الموءودة بأي ذنب قتلت، ومعنى قتلت: قتلت، غير أن ذلك رد إلى الخبر على وجه الحكاية على نحو القول الماضي قبل، وقد يتوجه معنى ذلك إلى أن يكون: وإذا الموءودة سئلت قتلتها ووائدوها، بأي ذنب قتلوها ؟ ثم رد ذلك إلى ما لم يسم فاعله، فقيل: بأي ذنب قتلت. وأولى القراءتين في ذلك عندنا بالصواب: قراءة من قرأ ذلك سئلت بضم السين بأي ذنب قتلت على وجه الخبر، لاجماع الحجة من القراء عليه. والموءودة: المدفونة حية وكذلك كانت العرب تفعل ببناتها ومنه قول الفرزدق بن غالب: ومنا الذي أحيا الوئيد وغائب وعمرو، ومنا حاملون ودافع
[ 91 ]
يقال: وأده فهو يئده وأدا، ووأدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28263 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا الموءودة سئلت: هي في بعض القراءات: سألت بأي ذنب قتلت ؟ لا بذنب، كان أهل الجاهلية يقتل أحدهم ابنته، ويغذو كلبه، فعاب الله ذلك عليهم. 28264 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي (ص) فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية، قال: فأعتق عن كل واحدة بدنة. 28265 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم وإذا الموءودة سئلت قال: كانت العرب من أفعل الناس لذلك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن ربيع بن خيثم بمثله. 28266 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا الموءودة سئلت قال: البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهن، وقرأ: بأي ذنب قتلت. وقوله: وإذا الصحف نشرت يقول تعالى ذكره: وإذا صحف أعمال العباد نشرت لهم، بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب، من الحسنات والسيئات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28267 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا الصحف نشرت صحيفتك يا بن آدم، تملى ما فيها، ثم تطوى، ثم تنشر عليك يوم القيامة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة نشرت بتخفيف الشين، وكذلك قرأه أيضا بعض الكوفيين، وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء الكوفة، بتشديد الشين. واعتل من اعتل منهم لقراءته ذلك كذلك، بقول الله: أن يؤتى صحفا منشرة
[ 92 ]
ولم يقل منشورة، وإنما حسن التشديد فيه، لانه خبر عن جماعة، كما يقال: هذه كباش مذبحة، ولو أخبر عن الواحد بذلك كانت مخففة، فقيل مذبوحة، فكذلك قوله منشورة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا السماء كشطت ئ وإذا الجحيم سعرت ئ وإذا الجنة أزلفت ئ علمت نفس مآ أحضرت ئ فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس) *. يقول تعالى ذكره: وإذا السماء نزعت وجذبت، ثم طويت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28268 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كشطت قال: جذبت. وذكر في قراءة عبد الله: قشطت بالقاف، والقشط والكشط: بمعنى واحد، وذلك تحويل من العرب الكاف قافا، لتقارب مخرجيهما، كما قيل للكافور قافور، وللقسط: كسط، وذلك كثير في كلامهم، إذا تقارب مخرج الحرفين، أبدلوا من كل واحد منهما صاحبه، كقولهم للاثافي: أثاثي، وثوب فرقبي وثرقبي. وقوله وإذا الجحيم سعرت يقول تعالى ذكره: وإذا الجحيم أوقد عليها فأحميت. 28269 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذا الجحيم سعرت: سعرها غضب الله، وخطايا بني آدم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة سعرت بتشديد عينها، بمعنى أوقد عليها مرة بعد مرة، وقرأته عامة قراء الكوفة بالتخفيف. والقول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وإذا الجنة أزلفت يقول تعالى ذكره: وإذا الجنة قربت وأدنيت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 93 ]
28270 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع بن خيثم: وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت قال: إلى هذين ما جرى الحديث: فريق في الجنة، وفريق في السعير. حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي يعلى، عن الربيع وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت قال: إلى هذين ما جرى الحديث: فريق إلى الجنة، وفريق إلى النار. يعني الربيع بقوله: إلى هذين ما جرى الحديث أن ابتداء الخبر إذا الشمس كورت... إلى قوله: وإذا الجحيم سعرت إنما عددت الامور الكائنة التي نهايتها أحد هذين الامرين، وذلك المصير إما إلى الجنة، وإما إلى النار. وقوله: علمت نفس ما أحضرت يقول تعالى ذكره: علمت نفس عند ذلك ما أحضرت من خير، فتصير به إلى الجنة، أو شر فتصير به إلى النار، يقول: يتبين له عند ذلك ما كان جاهلا به، وما الذي كان فيه صلاحه من غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28271 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة علمت نفس ما أحضرت من عمل، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وإلى هذا جرى الحديث. وقوله: علمت نفس ما أحضرت جواب لقوله: إذا الشمس كورت وما بعدها، كما يقال: إذا قام عبد الله قعد عمرو. وقوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس. اختلف أهل التأويل في الخنس الجوار الكنس. فقال بعضهم: هي النجوم الدراري الخمسة، تخنس في مجراها فترجع، وتكنس فتستتر في بيوتها، كما تكنس الظباء في المغار، والنجوم الخمسة: بهرام، وزحل، وعطارد، والزهرة، والمشتري. ذكر من قال ذلك: 28272 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قام إلى علي رضي الله عنه، فقال: ما الجوار الكنس ؟ قال: هي الكواكب.
[ 94 ]
28273 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن حعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا عليه السلام، وسئل عن لا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: هي النجوم تخنس بالنهار، وتكنس بالليل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه، قال: النجوم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل من مراد، عن علي: أنه قال: هل تدرون ما الخنس ؟ هي النجوم تجري بالليل، وتخنس بالنهار. 28274 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني جرير بن حازم، أنه سمع الحسن يسأل، فقيل: يا أبا سعيد ما الجواري الكنس ؟ قال: النجوم. 28275 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن بكر بن عبد الله، في قوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: هي النجوم الدراري، التي تجري تستقبل المشرق. 28276 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مجاهد، قال: هي النجوم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن رجل من مراد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: يعني النجوم، تكنس بالنهار، وتبدو بالليل. 28277 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار. 28278 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: هي النجوم تخنس بالنهار، والجوار الكنس: سيرهن إذا غبن. 28279 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الخنس الجوار الكنس قال: الخنس والجواري الكنس: النجوم الخنس، إنها تخنس
[ 95 ]
تتأخر عن مطلعها، هي تتأخر كل عام لها في كل عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه. والكنس: تكنس بالنهار فلا ترى. قال: والجواري تجري بعد، فهذا الخنس الجواري الكنس. وقال آخرون: هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها. ذكر من قال ذلك: 28280 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا هشيم بن بشير، عن زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي ميسرة، عن عبد الله بن مسعود أنه قال لابي ميسرة: ما الجواري الكنس ؟ قال: فقال بقر الوحش قال: فقال: وأنا أرى ذلك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عبد الله، في قوله الجواري الكنس: قال: بقر الوحش. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو ابن شرحبيل، قال: قال ابن مسعود: يا عمرو ما الجواري الكنس، أو ما تراها ؟ قال عمرو: أراها البقر، قال عبد الله: وأنا أراها البقر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، قال: سألت عنها عبد الله، فذكر نحوه. 28281 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني جرير بن حازم، قال: ثني الحجاج بن المنذر، قال: سألت أبا الشعثاء جابر بن زيد، عن الجواري الكنس، قال: هي البقر إذا كنست كوانسها. قال يونس: قال لي عبد الله بن وهب: هي البقر إذا فرت من الذئاب، فذلك الذي أراد بقوله: كنست كوانسها. 28282 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال جرير، وحدثني الصلت بن راشد، عن مجاهد مثل ذلك. 28283 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، في قوله: الجوار الكنس قال: هي بقر الوحش. 28284 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: سئل مجاهد ونحن عند إبراهيم، عن قوله الجوار الكنس قال: لا أدري، فانتهره إبراهيم وقال: لم
[ 96 ]
لا تدري ؟ فقال: إنهم يروون عن علي رضي الله عنه، وكنا نسمع أنها البقر، فقال إبراهيم: هي البقر. الجواري الكنس: جحرة بقر الوحش التي تأوي إليها، والخنس الجواري: البقر. 28285 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الآية فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس فقال إبراهيم لمجاهد: قل فيها ما سمعت، قال: فقال مجاهد: كنا نسمع فيها شيئا وناس يقولون: إنها النجوم قال: فقال إبراهيم: إنهم يكذبون على علي رضي الله عنه، هذا كما رووا عن علي رضي الله عنه، أنه ضمن الاسفل الاعلى، والاعلى الاسفل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن المغيرة، قال: سئل مجاهد عن الجواري الكنس قال: لا أدري، يزعمون أنها البقر قال: فقال إبراهيم: ما لا تدري هي البقر قال: يذكرون عن علي رضي الله عنه أنها النجوم، قال: يكذبون على علي عليه السلام. وقال آخرون: هي الظباء. ذكر من قال ذلك: 28286 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس يعني: الظباء. 28287 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جبير فلا أقسم بالخنس قال: الظباء. 28288 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس قال: كنا نقول: أظنه قال: الظباء، حتى زعم سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عنها، فأعاد عليه قراءتها 28289 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الخنس الجوار الكنس يعني الظباء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا: أي تغيب وتجري أحيانا وتكنس أخرى، وكنوسها: أن تأوي في مكانسها، والمكانس عند العرب، هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء، واحدها مكنس وكناس، كما قال الاعشى:
[ 97 ]
فلما لحقنا الحي أتلع أنس كما أتلعت تحت المكانس ربرب فهذه جمع مكنس، وكما قال في الكناس طرفة بن العبد: كأن كناسي ضالة يكنفانها وأطر قسي تحت صلب مؤيد وأما الدلالة على أن الكناس قد يكون للظباء، فقول أوس بن حجر: ألم تر أن الله أنزل مزنة وعفر الظباء في الكناس تقمع فالكناس في كلام العرب ما وصفت، وغير منكر أن يستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء، فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن في الآية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر، ولا البقر دون الظباء، فالصواب أن يعم بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانا، والجري أخرى، والكنوس بآنات على ما وصف جل ثناؤه من صفتها. القول في تأويل قوله تعالى: * (والليل إذا عسعس ئ والصبح إذا تنفس ئ إنه لقول رسول كريم ئ ذي قوة عند ذي العرش مكين) *. أقسم ربنا جل ثناؤه بالليل إذا عسعس، يقول: وأقسم بالليل إذا عسعس. واختلف أهل التأويل في قوله والليل إذا عسعس فقال بعضهم: عنى بقوله: إذا عسعس: إذا أدبر. ذكر من قال ذلك: 28290 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والليل إذا عسعس يقول: إذا أدبر.
[ 98 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والليل إذا عسعس يعني: إذا أدبر. 28291 - حدثنا عبد الحميد بن بيان اليشكري، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن رجل عن أبي ظبيان، قال: كنت أتبع علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو خارج نحو المشرق، فاستقبل الفجر، فقرأ هذه الآية والليل إذا عسعس. 28292 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن، قال: خرج علي عليه السلام مما يلي باب السوق، وقد طلع الصبح أو الفجر، فقرأ: والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس أين السائل عن الوتر ؟ نعم ساعة الوتر هذه 28293 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والليل إذا عسعس قال: إقباله، ويقال: إدباره. 28294 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله والليل إذا عسعس: إذا أدبر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذا عسعس قال: إذا أدبر. 28295 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذا عسعس: إذا أدبر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مسعر، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، قال: خرج علي عليه السلام بعد ما أذن المؤذن بالصبح، فقال: والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس أين السائل عن الوتر ؟ قال: نعم ساعة الوتر هذه. 28296 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والليل إذا عسعس قال: عسعس: تولى، وقال: تنفس الصبح من هاهنا، وأشار إلى المشرق اطلاع الفجر. وقال آخرون: عنى بقوله: إذا عسعس: إذا أقبل بظلامه. ذكر من قال ذلك:
[ 99 ]
28297 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن والليل إذا عسعس قال: إذا غشي الناس. 28298 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي، قال: ثني أبي، عن الفضيل، عن عطية والليل إذا عسعس قال: أشار بيده إلى المغرب. وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: معنى ذلك: إذا أدبر، وذلك بقوله: والصبح إذا تنفس فدل بذلك على أن القسم بالليل مدبرا، وبالنهار مقبلا، والعرب تقول: عسعس الليل، وسعسع الليل: إذا أدبر، ولم يبق منه إلا اليسير ومن ذلك قول رؤبة بن العجاج: يا هند ما أسرع متسعسعا ولو رجا تبع الصبا تتبعا فهذه لغة من قال: سعسع وأما لغة من قال: عسعس، فقول علقمة بن قرط: حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا يعني أدبر. وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب، يزعم أن عسعس: دنامن أوله وأظلم. وقال الفراء: كان أبو البلاد النحوي ينشد بيتا: عسعس حتى لو يشاء إدناكان له من ضوئه مقبس يقول: لو يشاء إذ دنا، ولكنه أدغم الذال في الدال، قال الفراء: فكانوا يرون أن هذا البيت مصنوع. وقوله: والصبح إذا تنفس يقول: وضوء النهار إذا أقبل وتبين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28299 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والصبح إذا تنفس قال: إذا نشأ. 28300 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والصبح إذا تنفس: إذا أضاء وأقبل.
[ 100 ]
وقوله: إنلقول رسول كريم يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن لتنزيل رسول كريم، يعني جبر، نزله على محمد بن عبد الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28301 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أنه كان يقول: إنه لقول رسول كريم يعني: جبريل. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أنه كان يقول إنه لقول رسول كريم قال: هو جبريل. وقوله: ذي قوة عند ذي العرش مكين يقول تعالى ذكره: ذي قوة، يعني جبرائيل على ما كلف من أمر غير عاجز عند ذي العرش مكين يقول: هو مكين عند رب العرش العظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (مطاع ثم أمين ئ وما صاحبكم بمجنون ئ ولقد رآه بالافق المبين ئ وما هو على الغيب بضنين ئ وما هو بقول شيطان رجيم ئ فأين تذهبون) *. يقول تعالى ذكره: مطاع ثم يعني جبريل (ص)، مطاع في السماء تطيعه الملائكة أمين يقول: أمين عند الله على وحيه ورسالته، وغير ذلك مما ائتمنه عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28302 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا عمر بن شبيب المسلي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح: مطاع ثم أمين قال: جبريل عليه السلام، أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن. حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا عمر بن شبيب، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: لا أعلمه إلا عن أبي صالح، مثله. 28303 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد الاقطع، قال: ثني أبي عمر بن خالد، عن معقل بن عبيدالله الجزري، قال: قال ميمون بن مهران في قوله: مطاع ثم أمين قال: ذاكم جبريل عليه السلام. 28304 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 101 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين قال: يعني جبريل. 28305 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع مطاع عند الله ثم أمين. 28306 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مطاع ثم أمين يعني جبريل عليه السلام. وقوله: وما صاحبكم بمجنون يقول تعالى ذكره: وما صاحبكم أيها الناس محمد بمجنون، فيتكلم عن جنة، ويهذي هذيان المجانين، بل جاء بالحق، وصدق المرسلين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28307 - حدثنا سليمان بن عمر بن خالد البرقي، قال: ثنا أبي عمرو بن خالد، عن معقل بن عبد الله الجزري، قال: قال ميمون بن مهران: وما صاحبكم بمجنون قال: ذاكم محمد (ص). وقوله: ولقد رآه بالافق المبين يقول تعالى ذكره: ولقد رآه أي محمد جبريل (ص) في صورته بالناحية التي تبين الاشياء، فترى من قبلها، وذلك من ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28308 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بالافق المبين الاعلى. قال: بأفق من نحو أجياد. 28309 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بالافق المبين قال: كنا نحدث أن الافق حيث تطلع الشمس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد رآه بالافق المبين كنا نحدث أنه الافق الذي يجئ منه النهار. 28310 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد رآه بالافق المبين قال: رأى جبريل بالافق المبين.
[ 102 ]
28311 - حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن الوليد بالعيزار، قال: سمعت أبا الاحوص يقول من قول الله: ولقد رآه بالافق المبين قال: رأى جبريل له ست مئة جناح في صورته. 28312 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر، قال: ما رأى جبريل النبي (ص) في صورته إلا مرة واحدة، وكايأتيه في صورة رجل يقال له دحية، فأتاه يوم رآه في صورته قد سد الافق كله عليه سندس أخضر معلق الدر، فذلك قول الله: ولقد رآه بالافق المبين وذكر أن هذه الآية في: إذا الشمس كورت إنه لقول رسول كريم في جبريل، إلى قوله: وما هو على الغيب بضنين يعني النبي (ص). وقوله: وما هو على الغيب بضنين اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة بضنين بالضاد، بمعنى أنه غير بخيل عليهم بتعليمهم ما علمه الله، وأنزل إليه من كتابه. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين وبعض الكوفيين: بظنين بالظاء، بمعنى أنه غير متهم فيما يخبرهم عن الله من الانباء. ذكر من قال ذلك بالضاد، وتأوله على ما وصفنا من التأويل من أهل التأويل: 28313 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن زر وما هو على الغيب بظنين قال: الظنين: المتهم. وفي قراءتكم: (بضنين) والضنين: البخيل، والغيب: القرآن. 28314 - حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا مغيرة، عن إبراهيم وما هو على الغيب بضنين ببخيل. 28315 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى: وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما هو على الغيب بضنين قال: ما يضن عليكم بما يعلم. 28316 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما هو على الغيب بضنين قال: إن هذا القرآن غيب، فأعطاه الله محمدا، فبذله وعلمه ودعا إليه، والله ما ضن به رسول الله (ص). حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زر وما هو على الغيب بظنين قال: في قراءتنا بمتهم، ومن قرأها بضنين يقول: ببخيل.
[ 103 ]
28317 - حدثنا مهران، عن سفيان وما هو على الغيب بضنين قال: ببخيل. 28318 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما هو على الغيب بضنين الغيب: القرآن، لم يضن به على أحد من الناس أداه وبلغه، بعث الله به الروح الامين جبريل إلى رسول الله (ص)، فأدى جبريل ما استودعه الله إلى محمد، وأدى محمد ما استودعه الله وجبريل إلى العباد، ليس أحد منهم ضن، ولا كتم، ولا تخرص. 28319 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن عامر وما هو على الغيب بضنين يعني النبي (ص). ذكر من قال ذلك بالظاء، وتأوله على ما ذكرنا من أهل التأويل: 28320 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، أنه قرأ: بظنين قال: ليس بمتهم. 28321 - حدثنا بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير: أنه كان يقرأ هذا الحرف وما هو على الغيب بظنين فقلت لسعيد بجبير: ما الظنين ؟ قال: ليس بمتهم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير أنه قرأ وما هو على الغيب بظنين قلت: وما الظنين: قال المتهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما هو على الغيب بظنين يقول: ليس بمتهم على ما جاء به، وليس يظن بما أوتي. 28322 - حدثنا بشر، قال: ثنا خالد بن عبد الله الواسطي، قال: ثنا المغيرة، عن إبراهيم وما هو على الغيب بظنين قال: بمتهم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زر: وما هو على الغيب بظنين قال: الغيب: القرآن... وفي قراءتنا بظنين متهم. 28323 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بظنين قال: ليس على ما أنزل الله بمتهم.
[ 104 ]
وقد تأول ذلك بعض أهل العربية أن معناه: وما هو على الغيب بضعيف، ولكنه محتمل له مطيق، ووجهه إلى قول العرب للرجل الضعيف: هو ظنون. وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك بضنين بالضاد، لان ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك تأويل من تأوله: وما محمد على ما علمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلموه. وقوله: وما هو بقول شيطان رجيم يقول تعالى ذكره: وما هذا القرآن بقول شيطان ملعون مطرود، ولكنه كلام الله ووحيه. وقوله: فأين تذهبون يقول تعالى ذكره: فأين تذهبون عن هذا القرآن، وتعدلون عنه ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28324 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأين تذهبون يقول: فأين تعدلون عن كتابي وطاعتي. وقيل: فأين تذهبون ولم يقل: فإلى أين تذهبون، كما يقال: ذهبت الشأم، وذهبت السوق. وحكي عن العرب سماعا: انطلق به الغور، على معنى إلغاء الصفة، وقد ينشد لبعض بني عقيل: تصح بنا حنيفة إذ رأتناوأي الارض تذهب للصياح بمعنى: إلى أي الارض تذهب ؟ واستجيز إلغاء الصفة في ذلك للاستعمال. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن هو إلا ذكر للعالمين ئ لمن شآء منكم أن يستقيم ئ وما تشاءون إلا أن يشآء الله رب العالمين) *.
[ 105 ]
يقول تعالى ذكره: إن هذا القرآن، وقوله: هو من ذكر القرآن إلا ذكر للعالمين يقول: إلا تذكرة وعظة للعالمين من الجن والانس لمن شاء منكم أن يستقيم فجعل ذلك تعالى ذكره، ذكرا لمن شاء من العالمين أن يستقى، ولم يجعله ذكرا لجميعهم، فاللام في قوله: لمن شاء منكم إبدال من اللام في للعالمين. وكان معنى الكلام: إن هو إلا ذكر لمن شاء منكم أن يستقيم على سبيل الحق فيتبعه، ويؤمن به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28325 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لمن شاء منكم أن يستقيم قال: يتبع الحق. وقوله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين يقول تعالى ذكره: وما تشاءون أيها الناس الاستقامة على الحق، إلا أن يشاء الله ذلك لكم. وذكر أن السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية ما: 28326 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، لما نزلت لمن شاء منكم أن يستقيم قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، فنزلت: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، قال: لما نزلت هذه الآية: لمن شاء منكم أن يستقيم قال أبو جهل: الامر إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. حدثني ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، عن سليمان بن موسى، قال: لما نزلت هذه الآية: لمن شاء منكم أن يستقيم قال أبو جهل: ذلك إلينا، إن شئنا استقمنا، وإن شئنا لم نستقم، فأنزل الله: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين.
[ 106 ]
سورة الانفطار مكية أو آياتها تسع عشرة أ بسم الله الرحمن الرحيم أ القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا السماء انفطرت ئ وإذا الكواكب انتثرت ئ وإذا البحار فجرت ئ وإذا القبور بعثرت ئ علمت نفس ما قدمت وأخرت) *. يقول تعالى ذكره: إذا السماء انفطرت: انشقت، وإذا كواكبها انتثرت منها فتساقطت، وإذا البحار فجرت يقول: فجر الله بعضها في بعض، فملا جميعها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في بعض ذلك. ذكر من قال ذلك: 28327 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وإذا البحار فجرت يقول: بعضها في بعض. 28328 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذا البحار فجرت فجر عذبها في مالحها، ومالحها في عذبها. 28329 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وإذا البحار فجرت قال: فجر بعضها في بعض، فذهب ماؤها. وقال الكلبي: ملئت. وقوله: وإذا القبور بعثرت يقول: وإذا القبور أثيرت، فاستخرج من فيها من الموتى أحياء. يقال: بعثر فلان حوض فلان: إذا جعل أسفله أعلاه، يقال: بعثره وبحثره: لغتان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28330 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وإذا القبور بعثرت يقول: بحثت.
[ 107 ]
وقوله: علمت نفس ما قدمت وأخرت يقول تعالى ذكره: علمت كل نفس ما قدمت لذلك اليوم من عمل صالح ينفعه، وأخرت وراءه من شئ سنه فعمل به. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم بنحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: 28331 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: ثني عن القرظي، أنه قال في: علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: ما قدمت مما عملت، وأما ما أخرت فالسنة يسنها الرجل، يعمل بها من بعده. وقال آخرون: عني بذلك: ما قدمت من الفرائض التي أدتها، وما أخرت من الفرائض التي ضيعتها. ذكر من قال ذلك: 28332 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن عكرمة علمت نفس ما قدمت قال: ما افترض عليها وما أخرت قال: مما افترض عليها. 28333 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: تعلم ما قدمت من طاعة الله، وما أخرت مما أمرت به من حق لله عليه لم تعمل به. 28334 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: ما قدمت من خير، وأخرت من حق الله عليها لم تعمل به. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، ما قدمت وأخرت قال: ما قدمت من طاعة الله وما أخرت من حق الله. 28335 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: ما قدمت: عملت، وما أخرت: تركت وضيعت، وأخرت من العمل الصالح الذي دعاها الله إليه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما قدمت من خير أو شر، وأخرت من خير أو شر. ذكر من قال ذلك: 28336 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام، عن إبراهيم
[ 108 ]
التيمي، قال: ذكروا عند هذه الآية علمت نفس ما قدمت وأخرت قال: أنا مما أخر الحجاج. وإنما اخترنا القول الذي ذكرناه، لان كل ما عمل العبد من خير أو شر فهو مما قدمه، وأن ما ضيع من حق الله عليه وفرط فيه فلم يعمله، فهو مما قد قدم من شر، وليس ذلك مما أخر من العمل، لان العمل هو ما عمله، فأما ما لم يعمله فإنما هو سيئة قدمها، فلذلك قلنا: ما أخر: هو ما سنه من سنة حسنة وسيئة، مما إذا عمل به العامل كان له مثل أجر العامل بها أو وزره. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الانسان ما غرك بربك الكريم ئ الذي خلقك فسواك فعدلك ئ في أي صورة ما شآء ركبك) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الانسان الكافر، أي شئ غرك بربك الكريم، غر الانسان به عدوه المسلط عليه، كما: 28337 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ما غرك بربك الكريم شئ ما غر ابن آدم هذا العدو الشيطان. وقوله: الذي خلقك فسواك يقول: الذي خلقك أيها الانسان فسوى خلقك فعدلك. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والشام والبصرة: فعدلك بتشديد الدال، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بتخفيفها وكأن من قرأ ذلك بالتشديد، وجه معنى الكلام إلى أنه جعلك معتدلا معدل الخلق مقوما، وكأن الذين قرؤوه بالتخفيف، وجهوا معنى الكلام إلى صرفك، وأما لك إلى أي صورة شاء، إما إلى صورة حسنة، وإما إلى صورة قبيحة، أو إلى صورة بعض قراباته. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، غير أن أعجبهما إلي أن أقرأ به، قراءة من قرأ ذلك بالتشديد، لان دخول في للتعديل أحسن في العربية من دخولها للعدل، ألا ترى أنك تقول: عدلتك في كذا، وصرفتك إليه، ولا تكاد تقول: عدلتك إلى كذا وصرفتك فيه، فلذلك اخترت التشديد.
[ 109 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك وذكرنا أن قارئي ذلك تأولوه، جاءت الرواية عن أهل التأويل أنهم قالوه. ذكر الرواية بذلك: 28338 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: في أي صورة ما شاء ركبك قال: في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم. 28339 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن إسماعيل، في قوله: ما شاء ركبك قال: إن شاء في صورة كلب، وإن شاء في صورة حمار. 28340 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح في أي صورة ما شاء ركبك قال: خنزيرا أو حمارا. 28341 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: في أي صورة ما شاء ركبك قال: إن شاء في صورة قر، وإن شاء في صورة خنزير. 28342 - حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا مطهر بن الهيثم، قال: ثنا موسى بن علي بن أبي رباح اللخمي، قال: ثني أبي، عن جدي، أن النبي (ص) قال له: ما ولد لك ؟ قال: يا رسول الله، ما عسى أن يولد لي، إما غلام، وإما جارية، قال: فمن يشبه ؟ قال: يا رسول الله من عسى أن يشبه ؟ إما أباه، وإما أمه فقال النبي (ص) عندها: مه، لا تقولن هكذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر الله كل نسب بينها وبين آدم، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله في أي صورة ما شاء ركبك قال: سلكك. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا بل تكذبون بالدين ئ وإن عليكم لحافظين ئ كراما كاتبين ئ يعلمون ما تفعلون ئ إن الابرار لفي نعيم) *. يقول تعالى ذكره: ليس الامر أيها الكافرون كما تقولون، من أنكم على الحق في
[ 110 ]
عبادتكم غير الله، ولكنكم تكذبون بالثواب والعقاب والجزاء والحساب. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله بل تكذبون بالدين قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28343 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قا: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بل تكذبون بالدين قال: بالحساب. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: تكذبون بالدين قال: بيوم الحساب. 28344 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: بل تكذبون بالدين قال: يوم شدة، يوم يدين الله العباد بأعمالهم. وقوله: وإن عليكم لحافظين يقول: وإن عليكم رقباء حافظين يحفظون أعمالكم، ويحصونها عليكم كراما كاتبين يقول: كراما على الله كاتبين، يكتبون أعمالكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28345 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: قال بعض أصحابنا، عن أيوب، في قوله: وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين قال: يكتبون ما تقولون وما تعنون. وقوله: يعلمون ما تفعلون يقول: يعلم هؤلاء الحافظون ما تفعلون من خير أو شر، يحصون ذلك عليكم. وقوله: إن الابرار لفي نعيم يقول جل ثناؤه: إن الذين بروا بأداء فرائض الله، واجتناب معاصيه لفي نعيم الجنان ينعمون فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن الفجار لفي جحيم ئ يصلونها يوم الدين ئ وما هم عنها بغآئبين ئ وما أدراك ما يوم الدين ئ ثم مآ أدراك ما يوم الدين ئ يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله) *. يقول تعالى ذكره: وإن الفجار الذين كفروا بربهم لفي جحيم. وقوله: يصلونها يوم الدين يقول جل ثناؤه: يصلى هؤلاء الفجار الجحيم يوم
[ 111 ]
القيامة، يوم يدان العباد بالاعمال، فيجازون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28346 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم الدين من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. وقوله: وما هم عنها بغائبين يقول تعالى ذكره: وما هؤلاء الفجار من الجحيم بخارجين أبدا فغائبين عنها، ولكنهم فيها مخلدون ماكثون، وكذلك الابرار في النعيم، وذلك نحو قوله: وما هم منها بمخرجين. وقوله: وما أدراك ما يوم الدين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما أدراك يا محمد، أي وما أشعرك ما يوم الدين ؟ يقول: أي شئ يوم الحساب والمجازاة، معظما شأنه جل ذكره، بقيله ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28347 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أدراك ما يوم الدين تعظيما ليوم القيامة، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم. وقوله: ثم ما أدراك ما يوم الدين ؟ يقول: ثم أي شئ أشعرك أي شئ يوم المجازاة والحساب يا محمد، تعظيما لامره ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال: يوم لا تملك نفس لنفس شيئا: يقول: ذلك اليوم، يوم لا تملك نفس، يقول: يوم لا تغني نفس عن نفس شيئا، فتدفع عنها بلية نزلت بها، ولا تنفعها بنافعة، وقد كانت في الدنيا تحميها، وتدفع عنها من بغاها سوءا، فبطل ذلك يومئذ، لان الامر صار لله الذي لا يغلبه غالب، ولا يقهره قاهر، واضمحلت هنالك الممالك، وذهبت الرياسات، وحصل الملك للملك الجبار، وذلك قوله: والامر يومئذ لله يقول: والامر كله يومئذ، يعني الدين لله دون سائر خلقه، ليس لاحد من خلقه معه يومئذ أمر ولا نهي. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28348 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والامر يومئذ لله قال: ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا، ولا يصنع شيئا إلا رب العالمين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله والامر والله اليوم لله ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد.
[ 112 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: يوم لا تملك نفسفقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة بنصب يوم إذ كانت إضافته غير محضة. وقرأه بعض قراء البصرة بضم يوم ورفعه ردا على اليوم الاول، والرفع فيه أفصح في كلا العرب، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أيفعل أو أفعل رفعوه فقالوا: هذا يوم أفعل كذا، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه ومنه قول الشاعر: على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع ؟
[ 113 ]
سورة المطففين مكية أو آياتها ست وثلاثونأ بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (ويل للمطففين ئ الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ئ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ئ ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ئ ليوم عظيم ئ يوم يقوم الناس لرب العالمين) *. يقول تعالى ذكره: الوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم في أسفلها للذين يطففون، يعني: للذين ينقصون الناس، ويبخسونهم حقوقهم في مكاييلهم إذا كالوهم، أو موازينهم إذا وزنوا لهم عن الواجب لهم من الوفاء وأصل ذلك من الشئ الطفيف، وهو القليل النزر، والمطفف: المقلل حق صاحب الحق عما له من الوفاء والتمام في كيل أو وزن ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء في حسبة أو عدد: هم سواء كطف الصاع، يعني بذلك: كقرب الممتلئ منه ناقص عن المل ء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28349 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ضرار، عن عبد الله، قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن أهل المدينة ليوفون الكيل، قال: وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل، وقد حدثنا ابن قال الله: ويل للمطففين حتى بلغ: يوم يقوم الناس لرب العالمين
[ 114 ]
28350 - حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لما قدم النبي (ص) المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا، فأنزل الله: ويل للمطففين فأحسنوا الكيل. 28351 - حدثني محمد بن خالد بن خداش، قال: ثنا سلم بن قتيبة، عن قسام الصيرفي، عن عكرمة قال: أشهد أن كل كيال ووزان في النار، فقيل له في ذلك، فقال: إنه ليس منهم أحد يزن كما يتزن، ولا يكيل كما يكتال، وقد قال الله: ويل للمطففين. وقوله: الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون يقول تعالى ذكره: الذين إذا اكتالوا من الناس ما لهم قبلهم من حق، يستوفون لانفسهم فيكتالونه منهم وافيا وعلى ومن في هذا الموضع يتعاقبان غير أنه إذا قيل: اكتلت منك، يراد: استوفيت منك. وقوله: وإذا كالوهم أو وزنوهم يقول: وإذا هم كالوا للناس أو وزنوا لهم. ومن لغة أهل الحجاز أن يقولوا: وزنتك حقك، وكلتك طعامك، بمعنى: وزنت لك وكلت لك. ومن وجه الكلام إلى هذا المعنى، جعل الوقف على هم، وجعل هم في موضع نصب. وكان عيسى بن عمر فيما ذكر عنه يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا، وعلى وزنوا، ثم يبتدئ: هم يخسرون. فمن وجه الكلام إلى هذا المعنى، جعل هم في موضع رفع، وجعل كالوا ووزنوا مكتفيين بأنفسهما. والصواب في ذلك عندي: الوقف على هم، لان كالوا ووزنوا لو كانا مكتفيين، وكانت هم كلاما مستأنفا، كانت كتابة كالوا ووزنوا بألف فاصلة بينها وبين هم مع كل واحد منهما، إذ كان بذلك جرى الكتاب في نظائر ذلك، إذا لم يكن متصلا به شئ من كنايات المفعول، فكتابهم ذلك في هذا الموضع بغير ألف أوضح الدليل على أن قوله: هم إنما هو كناية أسماء المفعول بهم. فتأويل الكلام إذ كان الامر على ما وصفنا، على ما بينا. وقوله: يخسرون يقول: ينقصونهم. وقوله: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يقول تعالى ذكره: ألا يظن هؤلاء المطففون الناس في مكاييلهم وموازينهم، أنهم مبعوثون من قبورهم بعد مماتهم، ليوم عظيم شأنه، هائل أمره، فظيع هوله ؟
[ 115 ]
. وقوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين فيوم يقوم تفسير عن اليوم الاول المخفوض، ولكنه لما لم يعد عليه اللام، رد إلى مبعوثون، فكأنه قال: ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون يوم يقوم الناس ؟ وقد يجوز نصبه وهو بمعنى الخفض، لانها إضافة غير محضة، ولو خفض ردا على اليوم الاول لم يكن لحنا، ولو رفع جاز، كما قال الشاعر: وكنت كذي رجلين: رجل صحيحة ورجل رمى فيها الزمان فشلت وذكر أن الناس يقومون لرب العالمين يوم القيامة، حتى يلجمهم العرق، فبعض يقول: مقدار ثلاثمائة عام، وبعض يقول: مقدار أربعين عاما. ذكر من قال ذلك: 28352 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (ص)، في قوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقوم أحدكم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (ص) يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا ابن عون، عن نافع، قال: قال ابن عمر: يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. 28353 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال النبي (ص): إن الناس يوقفون يوم القيامة لعظمة الله، حتى إن العرق ليلجمهم إلى أنصاف آذانهم.
[ 116 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي (ص) يقول: يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم القيامة لعظمة الرحمن، ثم ذكر مثله. حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال: تلا رسول الله (ص) هذه الآية يوم يقوم الناس لرب العالمين: يوم القيامة حتى يغيب أحدهم إلى أنصاف أذنيه في رشحه. حدثنا أحمد بن محمد بن حبيب، قال: ثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبي، عن صالح، قال: ثنا نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): يوم يقوم الناس لرب العالمين: يوم القيامة، حتى يغيب أحدهم إلى أنصاف أذنيه في رشحه. 28354 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة بن سعيد، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، في قوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقومون مئة سنة. حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (ص)، قال: سمعت النبي (ص) يقول: يوم يقوم الناس لرب العالمين يوم القيامة، حتى إن العرق ليلجم الرجل إلى أنصاف أذنيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن المثنى وابن وكيع، قالا: ثنا يحيى، عن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (ص) قال: يقوم الناس لرب العالمين حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. 28355 - حدثني محمد بن إبراهيم السليمي المعروف بابن صدران، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق، قال: ثنا عبد السلام بن عجلان، قال: ثنيزيد المدني، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال لبشير الغفاري: كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس لرب العالمين مقدار ثلاث مئة سنة من أيام الدنيا، لا يأتيهم خبر من السماء، ولا يؤمر فيهم بأمر ؟ قال بشير: المستعان الله يا رسول الله، قال: إذا أنت أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة، وسوء الحساب.
[ 117 ]
28356 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا شريك، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن مسعود في قوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يمكثون أربعين عاما رافعي رؤوسهم إلى السماء، لا يكلمهم أحد، قد ألجم العرق كل بر وفاجر، قال: فينادي مناد: أليس عدلا من ربكم أن خلقكم ثم صوركم، ثم رزقكم، ثم توليتم غيره، أن يولي كل عبد منكم ما تولى في الدنيا ؟ قالوا: بلى. ثم ذكر الحديث بطوله. 28357 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن قيس بن سكن، قال: حدث عبد الله، وهو عند عمر يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: إذا كان يوم القيامة يقوم الناس بين يدي رب العالمين أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء، حفاة عراة يلجمهم العرق، ولا يكلمهم بشر أربعين عاما، ثم ذكر نحوه. 28358 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثن سعيد، عن قتادة، قوله: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: ذكر لنا أن كعكان يقول: يقومون ثلاثمائة سنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وسعيد، عن قتادة يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: كان كعب يقول: يقومون مقدار ثلاثمائة سنة. 28359 - قال: قتادة: وحدثنا العلاء بن زياد العدوي، قال: بلغني أن يوم القيامة يقصر على المؤمن، حتى يكون كإحدى صلاته المكتوبة. قال: ثنا مهران، قال: ثنا العمري، عن نافع، عن ابن عمر، قال: سمعت النبي (ص) يقول: يوم يقوم الناس لرب العالمين قال: يقوم الرجل في رشحه إلى أنصاف أذنيه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر، قال: يقوم الناس لرب العالمين حتى يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه. 28360 - قال يعقوب، قال إسماعيل: قلت لابن عون: ذكر النبي (ص) في هذا الحديث ؟ قال: نعم إن شاء الله. حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمي، قال: أخبرني مالك بن أنس،
[ 118 ]
عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي (ص) قال: يقوم الناس لرب العالمين، حتى إن أحدهم ليغيب في رشحه إلى نصف أذنيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إن كتاب الفجار لفي سجين ئ وما أدراك ما سجين ئ كتاب مرقوم ئ ويل يومئذ للمكذبين ئ الذين يكذبون بيوم الدين) *. يقول تعالى ذكره: كلا، أي ليس الامر كما يظن هؤلاء الكفار، أنهم غير مبعوثين ولا معذبين، إن كتابهم الذي كتب فيه أعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا لفي سجين وهي الارض السابعة السفلى، وهو فعيل من السجن، كما قيل: رجل سكير من السكر، وفسيق من الفسق. وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: مثل الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك 28361 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سمي: إن كتاب الفجار لفي سجين قال: في الارض السابعة. 28362 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن مغيث بن سمي، قال: إن كتاب الفجار لفي سجين قال: الارض السفلى، قال: إبليس موثق بالحديد والسلاسل في الارض السفلى. 28363 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن سليمان الاعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خيثم وخالد بن عرعرة، ورهط من أصحابنا، فأقبل ابن عباس، فجلس إلى جنب كعب، فقال: يا كعب، أخبرني عن سجين، فقال كعب: أما سجين: فإنها الارض السابعة السفلى، وفيها أرواح الكفار تحت حد إبليس 28364 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن كتاب الفجار لفي سجين: ذكر أن عبد الله بن عمرو كان يقول: هي الارض السفلى، فيها أرواح الكفار، وأعمالهم أعمال السوء.
[ 119 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في سجين قال: في أسفل الارض السابعة. 28365 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فقوله: إن كتاب الفجار لفي سجين يقول: أعمالهم في كتاب في الارض السفلى 28366 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: في سجين قال: عملهم في الارض السابعة لا يصعد. حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا مطرف بن مازن: قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة قال: سجين: الارض السابعة. 28367 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لفي سجين يقول: في الارض السفلى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: إن كتاب الفجار لفي سجين قال: الارض السابعة السفلى. 28368 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين قال: يقال سجين: الارض السافلة، وسجين: بالسماء الدنيا. وقال آخرون: بل ذلك حد إبليس. ذكر من قال ذلك: 28369 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الاحبار، فقال له ابن عباس: حدثني عن قول الله: إن كتاب الفجار لفي سجين... الآية، قال كعب: إن روح الفاجر يصعد بها إلى
[ 120 ]
السماء، فتأبى السماء أن تقبلها، ويهبط بها إلى الارض، فتأبى الارض أن تقبلها، فتهبط فتدخل تحت سبع أرضين، حتى ينتهي بها إلى سجين، وهو حد إبليس، فيخرج لها من سجين من تحت حد إبليس رق، فيرقم ويختم، يوضع تحت حد إبليس بمعرفتها الهلاك إلى يوم القيامة. 28370 - حدثنا أبو كريب ب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: إن كتاب الفجار لفي سجين قال: تحت حد إبليس. وقال آخرون: هو جب في جهنم مفتوح، ورووا في ذلك خبرا عن رسول الله (ص). 28371 - حدثنا به إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا مسعود بن موسى بن مسكان الواسطي، قال: ثنا نضر بن خزيمة الواسطي، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص)، قوله: قال: الفلق جب في جهنم مغطى، وأما سجين فمفتوح. وقال بعض أهل العربية: ذكروا أن سجين: الصخرة التي تحت الارض، قال: ويرى أن سجين صفة مصفاتها، لانه لو كان لها اسما لم يجر، قال: وإن قلت أجريته لاني ذهبت بالصخرة إلى أنها الحجر الذي فيه الكتاب كان وجها. وإنما اخترت القول الذي اخترت في معنى قوله: سجين لما: 28372 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، قال: ثنا الاعمش، قال: ثنا المنهال بن عمرو، عن زاذان أبي عمرو، عن البراء، قال: سجين: الارض السفلى. 28373 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، عن الاعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء، أن رسول الله (ص)، قال: وذكر نفس الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء، قال: فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث ؟ قال: فيقولون فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله (ص): لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى تلج الجمل في سم الخياط فيقول الله: اكتبوا كتابه في أسفل الارض في سجين في الارض السفلى
[ 121 ]
28374 -. حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا يحيى بن سليم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين قال: سجين: صخرة في الارض السابعة، فيجعل كتاب الفجار تحتها. وقوله: وما أدراك ما سجين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وأي شئ أدراك يا محمد، أي شئ ذلك الكتاب ثم بين ذلك تعالى ذكره، فقال: هو كتاب مرقوم، وعنى بالمرقوم: المكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28375 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في كتاب مرقوم قال: كتاب مكتوب. 28376 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما أدراك ما سجين كتاب مرقوم قال: رقم لهم بشر. 28377 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله: كتاب مرقوم قال: المرقوم: المكتوب. وقوله: ويل يومئذ للمكذبين يقول تعالى ذكره: ويل يومئذ للمكذبين بهذه الآيات، الذين يكذبون بيوم الدين، يقول: الذين يكذبون بيوم الحساب والمجازاة. 28378 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين يكذبون بيوم الدين قال أهل الشرك يكذبون بالدين، وقرأ: وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم... إلى آخر الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ئ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الاولين ئ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) *. يقول تعالى ذكره: وما يكذب بيوم الدين إلا كل معتد اعتدى على الله في قوله، فخالف أمره، أثيم بربه، كما:
[ 122 ]
28379 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويل يومئذ للمكذبين قال الله: وما يكذب به إلا كل معتد أثيم: أي بيوم الدين، إلا كل معتد في قوله، أثيم بربه. إذا تتلى عليه آياتنا يقول تعالى ذكره: إذا قرئ عليه حججنا وأدلتنا التي بيناها في كتابنا الذي أنزلناه إلى محمد (ص)، قال أساطير الاولين يقول: قال: هذا ما سطره الاولون فكتبوه، من الاحاديث والاخبار. وقوله: كلا بل ران على قلوبهم يقول تعالى ذكره مكذبا لهم في قيلهم ذلك: كلا، ما ذلك كذلك، ولكنه ران على قلوبهم يقول: غلب على قلوبهم وغمرها، وأحاطت بها الذنوب فغطتها يقال منه: رانت الخمر على عقله، فهي ترين عليه رينا، وذلك إذا سكر، فغلبت على عقله ومنه قول أبي زبيد الطائي: ثم لما رآه رانت به الخمر وأن لا ترينه باتقاء يعني ترينه بمخافة، يقول: سكر فهو لا ينتبه ومنه قول الراجز: لم نرو حتى هجرت ورين بي ورين بالساقي الذي أمسى معي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الاثر عن رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 28380 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو خالد، عن ابن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب صقل منها فإن عاد عادت حتى تعظم في قلبه، فذلك الران الذي قال الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: ثنا ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن المؤمن إذا أذنب
[ 123 ]
ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقلت قلبه، فإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. حدثني علي بن سهيل، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن محمد بن عجلان، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، قال: إن العبد إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب منها صقل قلبه، فإن زاد زادت، فذلك قول الله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. حدثني أبو صالح الضراري محمد بن إسماعيل، قال: أخبرني طارق بن عبد العزيز، عن ابن عجلان، عن القعقاع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن العبد إذا أخطأ خطيئة كانت نكتة في قلبه، فإن تاب واستغفر ونزع صقلت قلبه، وذلك الران الذي ذكر الله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال أبو صالح: كذا قال: صقلت، وقال غيره: سقلت. 28381 - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا الوليد، عن خليد، عن الحسن، قال: وقرأ بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: الذنب على الذنب حتى يموت قلبه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت. 28382 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مجاهد كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: العبد يعمل بالذنوب، فتحيط بالقلب، ثم ترتفع، حتى تغشى القلب. حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن الاعمش، قال: أرانا مجاهد بيده، قال، كانوا يرون القلب في مثل هذا، يعني الكف، فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه، وقال بأصبعه الخنصر هكذا، فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى، فإذا أذنب ضم أصبعا أخرى، حتى ضم أصابعه كلها، ثم يطبع عليه بطابع، قال مجاهد: وكانوا يرون أن ذلك الرين.
[ 124 ]
حدثنا أبو كريب، قال ثنا وكيع، عن الاعمش، عن مجاهد، قال: القلب مثل الكف، فإذا أذنب الذنب قبض أصبعا، حتى يقبض أصابعه كلها، وإن أصحابنا يرون أنه الران. حدثنا أبو كريب مرة أخرى بإسناده عن مجاهد، قال: القلب مثل الكف، وإذا أذنب انقبض، وقبض أصبعه، فإذا أذنب انقبض، حتى ينقبض كله، ثم يطبع عليه، فكانوا يرون أن ذلك هو الران كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله بل ران على قلوبهم قال: الخطايا حتى غمرته. حدثنا الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بل ران على قلوبهم انبثت على قلبه الخطايا حتى غمرته. 28384 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كلا بل ران على قلوبهم يقول: يطبع. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: طبع على قلوبهم ما كسبوا. 28385 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن طلحة، عن عطاء كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: غشيت على قلوبهم فهوت بها فلا يفزعون، ولا يتحاشون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحسن كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: هو الذنب حتى يموت القلب قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد كلا بل ران على قلوبهم قال: الران: الطبع يطبع القلب مثل الراحة، فيذنب الذنب، فيصير هكذا، وعقد سفيان الخنصر، ثم يذنب الذنب فيصير هكذا، وقبض سفيان كفه، فيطبع عليه. 28386 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون أعمال السوء، إي والله ذنب على ذنب، وذنب على ذنب حتى مات قلبه واسود.
[ 125 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله كلا بل ران على قلوبهم قال: هذا الذنب على الذنب، حتى يرين على القلب فيسود. 28387 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: كلا بل ران على قلوبهم قال: غلب على قلوبهم ذنوبهم، فلا يخلص إليها معها خير. 28388 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون قال: الرجل يذنب الذنب، فيحيط الذنب بقلبه، حتى تغشى الذنوب عليه. قال مجاهد: وهي مثل الآية التي في سورة البقرة بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ئ ثم إنهم لصالو الجحيم ئ ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) *. يقول تعالى ذكره: ما الامر كما يقول هؤلاء المكذبون بيوم الدين، من أن لهم عند الله زلفة، إنهم يومئذ عن ربهم لمحجوبون، فلا يرونه، ولا يرون شيئا من كرامته يصل إليهم. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فقال بعضهم: معنى ذلك: إنهم محجوبون عن كرامته. ذكر من قال ذلك: 28389 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا الوليد مسلم، عن خليد، عن قتادة كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون هو لا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم. 28390 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا جرير، قال: ثني نمران أبو الحسن الذماري، عن ابن أبي مليكة أنه كان يقول في هذه الآية إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال: المنان، والمختال، والذي يقتطع أموال الناس بيمينه بالباطل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنهم محجوبون عن رؤية ربهم. ذكر من قال ذلك:
[ 126 ]
28391 - حدثني محمد بن عمار الرازي، قال: ثنا أبو معمر المنقري، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن في قوله: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال: يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كل يوم غدوة وعشية، أو كلاما هذا معناه. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنهم عن رؤيته محجوبون. ويحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته، وأن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كله، ولا دلالة في الآية تدل على أنه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى، ولا خبر به عن رسول الله (ص) قامت حجته. فالصواب أن يقال: هم محجوبون عن رؤيته، وعن كرامته، إذ كان الخبر عاما، لا دلالة على خصوصه. وقوله: إنهم لصالوا الجحيم يقول تعالى ذكره: ثم إنهم لواردو الجحيم، فمشوون فيها، ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون يقول جل ثناؤه: ثم يقال لهؤلاء المكذبين بيوم الدين: هذا العذاب الذي أنتم فيه اليوم، هو العذا ب الذي كنتم في الدنيا تخبرون أنكم ذائقوه، فتكذبون به، وتنكرونه، فذوقوه الآن، فقد صليتم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلا إن كتاب الابرار لفي عليين ئ وما أدراك ما عليون ئ كتاب مرقوم ئ يشهده المقربون ئ إن الابرار لفي نعيم) *. يقول تعالى ذكره: كلا إن كتاب الابرار لفي عليين والابرار: جمع بر، وهم الذين بروا الله بأداء فرائضه، واجتناب محارمه. وقد كان الحسن يقول: هم الذين لا يؤذون شيئا حتى الذر. 28392 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا هشام، عن شيخ، عن الحسن، قال: سئل عن الابرار، قال: الذين لا يؤذون الذر. حدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابي، عن السري بن يحيى، عن الحسن، قال: الابرار: هم الذين لا يؤذون الذر. وقوله: لفي عليين اختلف أهل التأويل في معنى عليين، فقال بعضهم: هي السماء السابعة. ذكر من قال ذلك:
[ 127 ]
28393 - حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن الاعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن العليين، فقال كعب: هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين. 28394 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن قتادة، في قوله إن كتاب الابرار لفي عليين قال: في السماء العليا. 28395 - حدثني علي بن الحسين الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، في قوله: إن كتاب الابرار لفي عليين قال: في السماء السابعة. 28396 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عليون قال: السماء السابعة. 28397 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لفي عليين: في السماء عند الله. وقال آخرون: بل العليون: قائمة العرش اليمنى. ذكر من قال ذلك: 28398 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كلا إن كتاب الابرار لفي عليين ذكر لنا أن كعبا كان يقول: هي قائمة العرش اليمنى. حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا مطرف بن مازن، قاضي اليمن، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إن كتاب الابرار لفي عليين قال: عليون: قائمة العرش اليمنى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في عليين قال: فوق السماء السابعة، عند قائمة العرش اليمنى. 28399 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص، عن شمر، عن عطية، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الاحبار، فسأله، فقال: حدثني عن قول الله إن كتاب الابرار لفي عليين... الآية، فقال كعب: إن الروح المؤمنة إذا قبضت، صعد بها، ففتحت لها أبواب السماء، وتلقتها الملائكة بالبشرى، ثم عرجوا معها حتى ينتهوا إلى العرش، فيخرج لها من عند العرش رق، فيرقم، ثم يختم بمعرفتها النجاة بحساب يوم القيامة، وتشهد الملائكة المقربون.
[ 128 ]
وقال آخرون: بل عني بالعليين: الجنة. ذكر من قال ذلك: 28400 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إن كتاب الابرار لفي عليين قال: الجنة. وقال آخرون: عند سدرة المنتهى. ذكر من قال ذلك: 28401 - حدثني جعفر بن محمد البزوري من أهل الكوفة، قال: ثنا يعلى بن عبيد، عن الاجلح، عن الضحاك قال: إذا قبض روح العبد المؤمن عرج به إلى السماء، فتنطلق معه المقربون إلى السماء الثانية، قال الاجلح: قلت: وما المقربون ؟ قال: أقربهم إلى السماء الثانية، فتنطلق معه المقربون إلى السماء الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، حتى تنتهي به إلى سدرة المنتهى. قال الاجلح: قلت للضحاك: لم تسمى سدرة المنتهى ؟ قال: لانه ينتهي إليها كل شئ من أمر الله لا يعدوها، فتقول: رب عبدك فلان، وهو أعلم به منهم، فيبعث الله إليهم بصك مختوم يؤمنه من العذاب، فذلك قول الله: كلا إن كتاب الابرار لفي عليين وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون. وقال آخرون: بل عني بالعليين: في السماء عند الله. ذكر من قال ذلك: 28402 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن كتاب الابرار لفي عليين يقول: أعمالهم في كتاب عند الله في السماء. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن كتاب الابرار في عليين والعليون: جمع، معناه: شئ فوق شئ، وعلو فوق علو، وارتفاع بعد ارتفاع، فلذلك جمعت بالياء والنون، كجمع الرجال، إذا لم يكن له بناء من واحده واثنيه، كما حكي عن بعض العرب سماعا: أطعمنا مرقة مرقين: يعن اللحم المطبوخ كما قال الشاعر: قد رويت إلا الدهيد هينا قليصات وأبيكرينا
[ 129 ]
فقال: وأبى كرينا، فجمعها بالنون إذ لم يقصد عددا معلوما من البكارة، بل أراد عددا لا يحد آخره، وكما قال الآخر: فأصبحت المذاهب قد أذاعت بها الاعصار بعد الوابلينا يعني: مطرا بعد مطر غير محدود العدد، وكذلك تفعل العرب في كل جمع لم يكن بناء له من واحده واثنيه، فجمعه في جميع الاناث، والذكران بالنون على ما قد بينا، ومن ذلك قولهم للرجال والنساء: عشرون وثلاثون. فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبين أن قوله: لفي عليين معناه: في علو وارتفاع، في سماء فوق سماء، وعلو فوق علو، وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معني به بعض ذلك دون بعض. والصواب أن يقال في ذلك، كما قال جل ثناؤه: إن كتاب أعمال الابرار لفي ارتفاع إلى حد قد علم الله عزوجل منتهاه، وعلم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة، لاجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وقوله: وما أدراك ما عليون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد الله، معجبه من عليين: وأي شئ أشعرك يا محمد ما عليون ؟. وقوله: كتاب مرقوم يقول جل ثناؤه: إن كتاب الابرار لفي عليين، كتاب مرقوم: أي مكتوب بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الاحبار والضحاك بن مزاحم، وكما: 28403 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كتاب مرقوم رقم. وقوله: يشهده المقربون يقول: يشهد ذلك الكتاب المكتوب بأمان الله للبر من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقربون من ملائكته من كل سماء من السموات السبع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 130 ]
28404 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ى شهده المقربون قال: كل أهل السماء 28405 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يشهده المقربون من ملائكة الله. 28406 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يشهده المقربون قال: يشهده مقربو أهل كل سماء. 28407 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يشهده المقربون قال: الملائكة. وقوله: إن الابرار لفي نعيم يقول تعالى ذكره: إن الابرار الذين بروا باتقاء الله، وأداء فرائضه، لفي نعيم دائم، يزول يوم القيامة، وذلك نعيمهم في الجنان. القول في تأويل قوله تعالى: * (على الارائك ينظرون ئ تعرف في وجوههم نضرة النعيم ئ يسقون من رحيق مختوم ئ ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) *. يعني تعالى ذكره بقوله: على الارائك ينظرون: على السرر في الحجال، من اللؤلؤ والياقوت، ينظرون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم، والحبرة في الجنان. 28408 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: على الارائك قال: من اللؤلؤ والياقوت. 28409 - قال: ثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس الارائك: السرر في الحجال. وقوله: تعرف في وجوههم نضر النعيم يقول تعالى ذكره: تعرف في الابرار الذين وصف الله صفتهم نضرة النعيم يعني حسنه وبريقه وتلالؤه. واختلفت القراء في قراءة قوله: تعرف فقرأته عامة قراء الامصار سوى أبي جعفر القارئ تعرف في وجوههم بفتح التاء من تعرف على وجه الخطاب نضرة النعيم
[ 131 ]
بنصب نضرة. وقرأ ذلك أبو جعفر: يعرف بضم التاء على وجه ما لم يسم فاعله، في وجوههم نضرة النعيم، برفع نضرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: ما عليه قراء الامصار، وذلك فتح التاء من تعرف، ونصب نضرة. وقوله: يسقون من رحيق مختوم يقول: يسقى هؤلاء الابرار من خمر صرف لا غش فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28410 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: يسقون من رحيق مختوم قال: من الخمر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يسقون من رحيق مختوم يعني بالرحيق: الخمر. 28411 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله: يسقون من رحيق مختوم قال: خمر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الرحيق: الخمر. 28412 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة رحيق قال: هو الخمر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يسقون من رحيق مختوم يقول: الخمر. 28413 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يسقون من رحيق مختوم الرحيق المختوم: الخمر قال حسان: يسقون من ورد البريص عليهم بردى يصفق بالرحيق السلسل
[ 132 ]
28414 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: يسقون من رحيق مختوم قال: هو الخمر. 28415 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرحيق: الخمر. وأما قوله: مختوم ختامه مسك فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: ممزوج مخلوط، مزاجه وخلطه مسك. ذكر من قال ذلك: 28416 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، وعلقمة عن عبد الله بن مسعود ختامه مسك قال: ليس بخاتم، ولكن خلط. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن أشعث بن سليم، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود ختامه مسك قال: أما إنه ليس بالخاتم الذي يختم، أما سمعتم المرأة من نسائكم تقول: طيب كذا وكذا خلطه مسك. 28417 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أيوب، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عمن ذكره، عن علقمة، في قوله: ختامه مسك قال: خلطه مسك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله مختوم قال: ممزوج ختامه مسك قال: طعمه وريحه. قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن يزيد بن معاوية، عن علقمة ختامه مسك قال: طعمه وريحه مسك. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن آخر شرابهم يختم بمسك يجعل فيه. ذكر من قال ذلك: 28418 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: رحيق مختوختامه مسك يقول: الخمر: ختم بالمسك. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ختامه مسك قال: طيب الله لهم الخمر، فكان آخر شئ جعل فيها حتى تختم، المسك.
[ 133 ]
28419 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ختامه مسك قال: عاقبته مسك، قوم تمزج لهم بالكافور، وتختم بالمسك. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ختامه مسك قال: عاقبته مسك. 28420 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ختامه مسك قال طيب الله لهم الخمر، فوجدوا فيها في آخر شئ منها، ريح المسك. 28421 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا حاتم بن وردان، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم والحسن في هذه الآية: ختامه مسك قال: عاقبته مسك. 28422 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بواضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن جابر عن عبد الرحمن بن سابط، عن أبي الدرداء ختامه مسك فالشراب أبيض مثل الفضة، يختمون به شرابهم، ولو أن رجلا من أهل الدنيا أدخل أصبعه فيه ثم أخرجها، لم يبق ذو روح إلا وجد طيبها. وقال آخرون: عني بقوله: مختوم مطين ختامه مسك طينه مسك. ذكر من قال ذلك: 28423 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مختوم ختامه مسك قال: طينه مسك. 28424 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: مختوم الخمر ختامه مسك: ختامه عند الله مسك، وختامها اليوم في الدنيا طين. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: آخره وعاقبته مسك: أي هي طيبة الريح، إن ريحها في آخر شربهم، يختم لها بريح المسك. وإنما قلنا: ذلك أولى الاقوال في ذلك بالصحة، لانه لا وجه للختم في كلام العرب إلا الطبع، والفراغ كقولهم: ختم فلان القرآن: إذا أتى على آخره، فإذا كان لا وجه للطبع على شراب أهل الجنة، يفهم إذا كان شرابهم جاريا جري الماء في الانهار، ولم يكن معتقا
[ 134 ]
في الدنان، فيطين عليها وتختم، تعين أن الصحيح من ذلك الوجه الآخر، وهو العاقبة والمشروب آخرا، وهو الذي ختم به الشراب. وأما الختم بمعنى المزج، فلا نعلمه مسموعا من كلام العرب. وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: ختامه مسك سوى الكسائي، فإنه كان يقرؤه: خاتمه مسك. والصواب من القول عندنا في ذلك: ما عليه قرأة الامصار، وهو ختامه، لاجماع الحجة من القراء عليه، والختام والخاتم، وإن اختلفا في اللفظ، فإنهما متقاربان في المعنى، غير أن الخاتم اسم، والختام مصدر ومنه قول الفرزدق: فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام ونظير ذلك ك قولهم: هو كريم الطبائع والطباع. وقوله: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون يقول تعالى ذكره: وفي هذا النعيم الذي وصف جل ثناؤه أنه أعطى هؤلاء الابرار في القيامة، فلينتافس المتنافسون. والتنافس: أن ينفس الرجل على الرجل بالشئ يكون له، ويتمنى أن يكون له دونه، وهو مأخوذ من الشئ النفيس، وهو الذي تحرص عليه نفوس الناس، وتطلبه وتشتهيه، وكان معناه في ذلك: فليجد الناس فيه، وإليه فليستبقوا في طلبه، ولتحرص عليه نفوسهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومزاجه من تسنيم ئ عينا يشرب بها المقربون ئ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون) *. يقول تعالى ذكره: ومزاج هذا الرحيق من تسنيم والتسنيم: التفعيل من قول القائل: سنمتهم العين تسنيما: إذا أجريتها عليهم من فوقهم، فكان معناه في هذا الموضع: ومزاجه من ماء ينزل عليهم من فوقهم فينحدر عليهم. وقد كان مجاهد والكلبي يقولان في ذلك كذلك.
[ 135 ]
28425 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تسنيم قال: تسنيم: يعلو. 28426 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، في قوله: تسنيم قال: تسنيم ينصب عليهم من فوقهم، وهو شراب المقربين. وأما سائر أهل التأويل، فقالوا: هو عين يمزج بها الرحيق لاصحاب اليمين، وأما المقربون، فيشربونها صرفا. ذكر من قال ذلك: 28427 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله في قوله: من تسنيم قال: عين في الجنة يشربها المقربون، وتمزج لاصحاب اليمين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله ومزاجه من تسنيم قال: يشربه المقربون صرفا، ويمزج لاصحاب اليمين. 28428 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحرث، عن مسرو، ومزاجه من تسنيم قال: عين في الجنة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لاصحاب اليمين. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق عينا يشرب بها المقربون قال: يشرب بها المقربون صرفا، وتمزج لاصحاب اليمين. 28429 - حدثني طلحة بن يحيى اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن مالك بن الحرث، في قوله: ومزاجه من تسنيم قال: في الجنة عين يشرب منها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة. 28430 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله: ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج فيها لمن دونهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مالك بن الحارث، في
[ 136 ]
قوله: ومزاجه من تسنيم قال: التسنيم: عين في الجنة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قوله ومزاجه من تسنيم قال: عين يشرب بها المقربون، ويمزج فيها لمن دونهم. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون عينا من ماء الجنة، تمزج به الخمر. 28431 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ومزاجه من تسنيم قال: خفايا أخفاها الله لاهل الجنة. 28432 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا عمران بن عيينة، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: ومزاجه من تسنيم قال: هو أشرف شراب في الجنة، هو للمقربين صرف، وهو لاهل الجنة مزاج 28433 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ومزاجه من تسنيم يشراب شريف، عين في الجنة يشربها المقربون صرفا، وتمزج لسائر أهل الجنة 28434 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من تسنيم عينا يشرب بها المقربون قال: بلغنا أنها عين تخرج من تحت العرش، وهي مزاج هذه الخمر: يعني مزاج الرحيق. 28435 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من تسنيم شراب اسمه تسنيم، وهومن أشرف الشراب. فتأويل الكلام: ومزاج الرحيق من عين تسنم عليهم من فوقهم، فتنصب عليهم يشرب بها المقربون من الله صرفا، وتمزج لاهل الجنة. واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: عينا فقال بعض نحويي البصرة: إن شئت جعلت نصبه على يسقون عينا، وإن شئت جعلته مدحا، فيقطع من أول الكلام، فكأنك تقول: أعني عينا.
[ 137 ]
وقال بعض نحويي الكوفة: نصب العين على وجهين: أحدهما: أن ينوى من تسنيم عين، فإذا نونت نصبت، كما قال: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما، وكما قال: ألم نجعل الارض كفاتا أحياء. والوجه الآخر: أن ينوى من ماء سنم عينا، كقولك: رفع عينا يشرب بها. قال: وإن لم يكن التسنيم اسما للماء، فالعين نكرة، والتسنيم معرفة، وإن كان اسما للماء، فالعين نكرة فخرجت نصبا. وقال آخر من البصريين: من تسنيم معرفة، ثم قال عينا فجاءت نكرة، فنصبتها صفة لها. وقال آخر نصبت بمعنى: من ماء يتسنم عينا. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن التسنيم اسم معرفة، والعين نكرة، فنصبت لذلك إذ كانت صفة له وإنما قلنا: ذلك هو الصواب لما قد قدمنا من الرواية عن أهل التأويل، أن التسنيم هو العين، فكان معلوما بذلك أن العين إذ كانت منصوبة وهي نكرة، أن التسنيم معرفة. وقوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون يقول تعالى ذكره: إن الذين اكتسبوا المآثم، فكفروا بالله في الدنيا، كانوا فيها من الذين أقروا بوحدانية الله، وصدقوا به، يضحكون، استهزاء منهم بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28436 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون في الدنيا، يقولون: والله إن هؤلاء لكذبة، وما هم على شئ، استهزاء بهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا مروا بهم يتغامزون ئ وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين ئ وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ئ وما أرسلوا عليهم حافظين) *.
[ 138 ]
يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أجرموا إذا مر الذين آمنوا بهم يتغامزون يقول: كان بعضهم يغمز بعضا بالمؤمن، استهزاء به وسخرية. وقوله: وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين يقول: وكان هؤلاء المجرمون إذا انصرفوا إلى أهلهم من مجالسهم انصرفوا ناعمين معجبين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28437 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس انقلبوا فاكهين قال: معجبين. 28438 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين قال: انقلب ناعما، قال: هذا في الدنيا، ثم أعقب النار في الآخرة. وقد كان بعض أهل العلم بكلام العرب يفرق بين معنى فاكهين وفكهين، فيقول: معنى فاكهين ناعمين، وفكهين: مرحين. وكاغيره يقول: ذلك بمعنى واحد، وإنما هو بمنزلة طامع وطمع، وباخل وبخل. وقوله: وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون يقول تعالى ذكره: وإذا رأى المجرمون المؤمنين قالوا لهم: إن هؤلاء لضالون، عن محجة الحق، وسبيل القصد وما أرسلوا عليهم حافظين يقول جل ثناؤه: وما بعث هؤلاء الكفار القائلون للمؤمنين إن هؤلاء لضالون، حافظين عليهم أعمالهم يقول: إنما كلفوا الايمان بالله، والعمل بطاعته، ولم يجعلوا رقباء على غيرهم يحفظون عليهم، أعمالهم ويتفقدونها. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ئ على الارائك ينظرون ئ هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون) *. يقول تعالى ذكره: فاليوم وذلك يوم القيامة الذين آمنوا بالله في الدنيا من الكفار فيها يضحكون على الارائك ينظرون يقول: على سررهم التي في الحجال ينظرون إليهم، وهم في الجنة، والكفار في النار يعذبون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك
[ 139 ]
28439 -: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه عن ابن عباس، قوله: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون قال: يعني السرر المرفوعة عليها الحجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقر الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم. 28440 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون ذكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: فاطلع فرآه في سواء الجحيم: أي في وسط النار. وذكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال كعب: إن بين أهل الجنة وبين أهل النار كوى، لا يشاء رجل من أهل الجنة أن ينظر إلى غيره من أهل النار إلا فعل. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون كان ابن عباس يقول: السور بين أهل الجنة والنار، فيفتح لاهل الجنة أبواب، فينظرون وهم على السرر إلى أهل النار كيف يعذبون، فيضحكون منهم، ويكون ذلك مما يقر الله به أعينهم أن ينظروا إلى عدوهم كيف ينتقم الله منهم. 28441 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون قال: يجاء بالكفار، حتى ينظروا إلى أهل الجنة في الجنة، على سرر، فحين ينظرون إليهم تغلق دونهم الابواب، ويضحك أهل الجنة منهم، فهو قوله: فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الارائك ينظرون.
[ 140 ]
وقوله: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون يقول تعالى ذكره: هل أثيب الكفار وجزوا ثواب ما كانوا في الدنيا يفعلون بالمؤمنين من سخريتهم منهم، وضحكهم بهم، بضحك المؤمنين منهم في الآخرة، والمؤمنون على الارائك ينظرون، وهم في النار يعذبون. وثوب فعل من الثواب والجزاء، يقال منه: ثوب فلان فلانا على صنيعه، وأثابه منه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28442 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون قال: جزي. 28443 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان: هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون حين كانوا يسخرون.
[ 141 ]
سورة الانشقاق مكية وآياتها خمس وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا السماء انشقت ئ وأذنت لربها وحقت ئ وإذا الارض مدت ئ وألقت ما فيها وتخلت ئ وأذنت لربها وحقت) *. يقول تعالى ذكره: إذا السماء تصدعت وتقطعت فكانت أبوابا. وقوله: وأذنت لربها وحقت يقول: وسمعت السموات في تصدعها وتشققها لربها، وأطاعت له في أمره إياها. والعرب تقول: أذن لك في هذا الامر أذنا بمعنى: استمع لك، ومنه الخبر الذي روي عن النبي (ص): ما أذن الله لشئ كأذنه لنبي يتغنى بالقرآن يعني بذلك: ما استمع الله لشئ كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن ومنه قول الشاعر: صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا وأصل قولهم في الطاعة: سمع له من الاستماع، يقال منه: سمعت لك، بمعنى سمعت قولك وأطعت، فيما قلت وأمرت. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: وأذنت لربها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28444 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأذنت لربها وحقت قال: سمعت لربها. 28445 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: وأذنت لربها وحقت قال: سمعت أوطاعت.
[ 142 ]
28446 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأذنت لربها وحقت قال: سمعت. حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 28447 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله وأذنت لربها وحقت قال: سمعت وأطاعت. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وأذنت لربها وحقت: أي سمعت وأطاعت 28448 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأذنت لربها وحقت قال: سمعت وأطاعت. وقوله: وحقت يقول: وحقق الله عليها الاستماع بالانشقاق، والانتهاء إلى طاعته في ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28449 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله وحقت قال: حققت لطاعة ربها. 28450 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد بن جبير وحقت وحق لها. وقوله: وإذا الارض مدت يقول تعالى ذكره: وإذا الارض بسطت، فزيد في سعتها كالذي: حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن علي بن حسين، أن النبي (ص) قال: إذا كان يوم القيامة مد الله الارض حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه، فأكون أول من يدعى، وجبريل عن يمين الرحمن، والله ما رآه قبلها، فأقول: يا رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي، فيقول: صدق، ثم أشفع فأقول: يا رب عبادك عبدوك في أطراف الارض، قال: وهو المقام المحمود. 28452 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 143 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مدت قال: يوم القيامة. وقوله: وألقت ما فيها وتخلت يقول جل ثناؤه: وألقت الارض ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها وتخلت منهم إلى الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28453 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وألقت ما فيها وتخلت قال: أخرجت ما فيها من الموتى. 28454 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وألقت ما فيها وتخلت قال: أخرجت أثقالها وما فيها. وقوله: وأذنت لربها وحقت يقول: وسمعت الارض في لقائها ما في بطنها من الموتى إلى ظهرها أحياء، أمر ربها وأطاعت وحقت يقول: وحققها الله للاستماع لامره في ذلك، والانتهاء إلى طاعته. واختلف أهل العربية في موقع جواب قوله: إذا السماء انشقت، وقوله: وإذا الارض مدت، فقال بعض نحويي البصرة: إذا السماء انشقت على معنى قوله: يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت، على التقديم والتأخير. وقال بعض نحويي الكوفة: قال بعض المفسرين: جواب إذا السماء انشقت قوله: وأذنت قال: ونرى أنه رأي ارتآه المفسر، وشبهه بقول الله تعالى: حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها لانا لم نسمع جوابا بالواو في إذا مبتدأة، ولا كلام قبلها، ولا في إذا، إذا ابتدئت قال: وإنما تجيب العرب بالواو في قوله: حتى إذا كان، وفلما أن كان، لم يجاوزوا ذلك قال: والجواب في إذا السماء انشقت وفي إذا الارض مدت كالمتروك، لان المعنى معروف قد تردد في القرآن معناه، فعرف، وإن شئت كان جوابه: يا أيها الانسان، كقول القائل: إذا كان كذا وكذا، فيا أيها الناس ترون ما عملتم من خير
[ 144 ]
أو شر، تجعل يا أيها الانسان هو الجواب، وتضمر فيه الفاء، وقد فسر جواب إذا السماء انشقت فيما يلقى الانسان من ثواب وعقاب، فكأن المعنى: ترى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن جوابه محذوف، ترك استغناء بمعرفة المخاطبين به بمعناه. ومعنى الكلام: إذا السماء انشقت رأى الانسان ما قدم من خير أو شر، وقد بين ذلك قوله: يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه والآيات بعدها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ع 49 س 84 ش 6 / ش 9 >) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الانسان إنك عامل إلى ربك عملا فملاقيه به: خير كان عملك ذلك أو شرا يقول: فليكن عملك مما ينجيك من سخطه، ويوجب لك رضاه، ولا يكن مما يسخطه عليك فتهلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك: 28455 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه يقول: تعمل عملا تلقى الله به خيرا كان أو شرا. 28456 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها الانسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه إن كدحك يا ابن آدم لضعيف، فمن استطاع أن يكون كدحه في طاعة الله فليفعل، ولا قوة إلا بالله. 28457 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إنك كادح إلى ربك كدحا قال: عامل له عملا. 28458 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسمعته يقول في ذلك إنك كادح إلى ربك كدحا قال: عامل إلى ربك عملا، قال: كدحا: العمل.
[ 145 ]
وقوله: فأما من أوتي كتابه بيمينه يقول تعالى ذكره: فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، فسوف يحاسب حسابا يسيرا بأن ينظر في أعماله، فيغفر له سيئها، ويجازى على حسنها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 28459 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الواحد بن حمزة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، قالت: سمعت النبي (ص) يقول: اللهم حاسبني حسابا يسيرا قلت: يا رسول الله ما الحساب اليسير ؟ قال: أن ينظر في سيئاته فيتجاوز عنه، إنه من نوقش الحساب يومئذ هلك. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني عبد الواحد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول في بعض صلاته: اللهم حاسبني حسابا يسيرا، فلما انصرف قلت: يا رسول الله، ما الحساب اليسير ؟ قال: ينظر في كتابه، ويتجاوز له عنه، إنه من نوقش الحساب يومئذ يا عائشة هلك. حدثنا نصر بن علي الجهضمي، قال: ثنا مسلم، عن الحريش بن الخريت أخي الزبير، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: من نوقش الحساب، أو من حوسب عذب، قال: ثم قالت: إنما الحساب اليسير: عرض على الله وهو يراهم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة: أن رسول الله (ص)، قال: من حوسب يوم القيامة عذب، فقلت: أليس الله يقول: فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال: ليس ذلك الحساب، إنما ذلك العرض، ولكن من نوقش الحساب يوم القيامة عذب.
[ 146 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا روح بن عبادة، قال: ثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): إنه ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا معذبا، فقلت: أليس يقول الله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال: ذلك العرض، إنه من نوقش الحساب عذب، وقال بيده على أصبعه كأنه ينكته. 28460 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال: الحساب اليسير: الذي يغفر ذنوبه، ويتقبل حسناته، ويسير الحساب: الذي يعفى عنه، وقرأ: ويخافون سوء الحساب، وقرأ: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الاسود، قال: ثني ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: يا رسول الله فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال: ذلك العرض يا عائشة، من نوقش الحساب هلك. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عثمان بن عمرو وأبو داود، قالا: ثنا أبو عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال رسول الله (ص): من حوسب عذب، قالت: فقلت: أليس الله يقول: فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال: ذلك العرض يا عائشة، ومن نوقش الحساب عذب. إن قال قائل: وكيف قيل: فسوف يحاسب والمحاسبة لا تكون لا من اثنين، والله القائم بأعمالهم، ولا أحد له قبل ربه طلبة فيحاسبه ؟ قيل: إن ذلك تقرير من الله للعبد بذنوبه، وإقرار من العبد بها، وبما أحصاه كتاب عمله، فذلك المحاسبة على ما وصفنا، ولذلك قيل: يحاسب. حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن أبي يونس القشيري، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله (ص): ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك قالت: فقلت: يا رسول الله فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا فقال: ذلك العرض، ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك.
[ 147 ]
وقوله: وينقلب إلى أهله مسرورا يقول: وينصرف هذا المحاسب حسابا يسيرا إلى أهله في الجنة مسرورا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28461 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وينقلب إلى أهله مسرورا قال: إلى أهل أعد الله لهم الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره ئ فسوف يدعو ثبورا ئ ويصلى سعيرا ئ إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور ئ بلى إن ربه كان به بصيرا) *. يقول تعالى ذكره: وأما من أعطي كتابه منكم أيها الناس يومئذ وراء ظهره، وذلك أن جعل يده اليمنى إلى عنقه، وجعل الشمال من يديه وراء ظهره، فيتناول كتابه بشماله من وراء ظهره، ولذلك وصفهم جل ثناؤه أحيانا، أنهم يؤتون كتبهم بشمائلهم، وأحيانا أنهم يؤتونها من وراء ظهورهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28462 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأما من أوتي كتابه وراء ظهره قال: يجعل يده من وراء ظهره. وقوله: فسوف يدعو ثبورا يقول: فسوف ينادي بالهلاك، وهو أن يقول: واثبوراه، واويلاه، وهو من قولهم: دعا فلان لهفه: إذا قال: والهفاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا معنى الثبور فيما مضى بشواهده، وما فيه من الرواية. 28463 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يدعو ثبورا قال: يدعو بالهلاك. وقوله: ويصلى سعيرا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء مكة والمدينة والشام: ويصلى بضم الياء وتشديد اللام، بمعنى: أن الله يصليهم تصلية بعد تصلية، وإنضاجة بعد إنضاجة، كما قال تعالى: كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك، بقوله: ثم الجحيم صلوه وقرأ ذلك بعض المدنيين وعامة قراء الكوفة والبصرة: ويصلى بفتح الياء وتخفيف
[ 148 ]
اللام، بمعنى: أنهم يصلونها ويردونها، فيحترقون فيها، واستشهدوا لتصحيح قراءتهم ذلك كذلك، بقول الله: يصلونها وإلا من هو صال الجحيم. والصواب من القول في ذلك عندي: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: إنه كان في أهله مسرورا يقول تعالى ذكره: إنه كان في أهله في الدنيا مسرورا، لما فيه من خلافه أمر الله، وركوبه معاصيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنه كان في أهله مسرورا: أي في الدنيا. وقوله: إنه ظن أن لن يحور بلى يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أوتي كتابه وراء ظهره يوم القيامة، ظن في الدنيا أن لن يرجع إلينا، ولن يبعث بعد مماته، فلم يكن يبالي ما ركب من المآثم، لانه لم يكن يرجو ثوابا، ولم يكن يخشى عقابا يقال منه: حار فلان عن هذا الامر: إذا رجع عنه، ومنه الخبر الذي روي عن رسول الله (ص) أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور يعني بذلك: من الرجوع إلى الكفر، بعد الايمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28465 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنه ظن أن لن يحور يقول: يبعث. 28466 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنه ظن أن لن يحور بلى قال: أن لا يرجع إلينا. 28467 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنه ظن أن لن يحور: أن لا معاد له ولا رجعة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أن لن يحور قال: أن لن ينقلب: يقول: أن لن يبعث.
[ 149 ]
28468 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، ظن أن لن يحور قال: يرجع. 28469 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أن لن يحور قال: أن لن ينقلب. وقوله: بلى يقول تعالى ذكره: بلى ليحورن وليرجعن إلى ربه حيا، كما كان قبل مماته. وقوله: إن ربه كان به بصيرا يقول جل ثناؤه: إن رب هذا الذي ظن أن لن يحور، كان به بصيرا، إذ هو في الدنيا، بما كان يعمل فيها من المعاصي، وما إليه يصير أمره في الآخرة، عالم بذلك كله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا أقسم بالشفق ئ والليل وما وسق ئ والقمر إذا اتسق ئ لتركبن طبقا عن طبق ئ فما لهم لا يؤمنون ئ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) *. وهذا قسم أقسم ربنا بالشفق، والشفق: الحمرة في الافق من ناحية المغرب من الشمس في قول بعضهم. واختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هو الحمرة كما قلنا، وممن قال ذلك جماعة من أهل العراق. وقال آخرون: هو النهار. ذكر من قال ذلك: 28470 - حدثني محمد بن إسماعيل الاحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا العوام بن حوشب، قال: قلت لمجاهد: الشفق، قال: لا تقل الشفق، إن الشفق من الشمس، ولكن قل: حمرة الافق. 28471 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: الشفق، قال: النهار كله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد فلا أقسم بالشفق قال: النهار. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
[ 150 ]
وقال آخرون: الشفق: هو اسم للحمرة والبياض، وقالوا: هو من الاضداد. والصواب من القول في ذلك عندي: أن يقال: إن الله أقسم بالنهار مدبرا، والليل مقبلا. وأما الشفق الذي تحل به صلاة العشاء، فإنه للحمرة عندنا، للعلة التي قد بيناها في كتابنا كتاب الصلاة. وقوله: والليل وما وسق يقول: والليل وما جمع، مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يدب نهارا، يقال منه: وسقته أسقه وسقا، ومنه: طعام موسوق، وهو المجموع في غرائر أو وعاء، ومنه الوسق، وهو الطعام المجتع الكثير، مما يكال أو يوزن، يقال: هو ستون صاعا، وبه جاء الخبر عن رسول الله (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28472 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وما وسق يقول: وما جمع. 28473 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية والليل وما وسق قال: وما جمع. وقال ابن عباس: مستوسقات لو يجدن سائقا 28474 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن عن قوله: والليل وما وسق قال: وما جمع. 28475 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والليل وما وسق قال: وما جمع، يقول: ما آوى فيه من دابة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد والليل وما وسق: وما لف.
[ 151 ]
28476 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد والليل وما وسق قال: وما أظلم عليه، وما أدخل فيه. وقال ابن عباس: مستوسقات لو يجدن حاديا 28477 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والليل وما وسق يقول: وما جمع من نجم أو دابة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما وسق قال: وما جمع. 28478 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والليل وما وسق قال: وما جمع، مجتمع فيه الاشياء التي يجمعها الله، التي تأوي إليه، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار، ما جمع مما فيه ما يأوي إليه، فهو مما جمع. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد والليل وما وسق يقول: ما لف عليه. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد والليل وما وسق قال: وما دخل فيه. 28479 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير والليل وما وسق: وما جمع. قال: ثنا وكيع، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس وما وسق: وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر: مستوسقات لم يجدن سائقا 28480 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: والليل وما وسق قال: ما حاز إذا جاء الليل. وقال آخرون: معنى ذلك: وما ساق. ذكر من قال ذلك: 28481 - حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: ثنا
[ 152 ]
حسين، قال: سمعت عكرمة وسئل والليل وما وسق قال: ما ساق من ظلمة، فإذا كان الليل، ذهب كل شئ إلى مأواه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن عكرمة والليل وما وسق يقول: ما ساق من ظلمة، إذا جاء الليل ساق كل شئ إلى مأواه. 28482 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: والليل وما وسق قال: ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل. 28483 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله والليل وما وسق يعني: وما ساق الليل من شئ جمعه النجوم، ويقال: والليل وما جمع. وقوله: والقمر إذا اتسق يقول: وبالقمر إذا تم واستوى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28484 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله والقمر إذا اتسق يقول: إذا استوى. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والقمر إذا اتسق قال: إذا اجتمع واستوى. 28485 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة والقمر إذا اتسق قال: إذا استوى. 28486 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن، عن قوله: والقمر إذا اتسق قال: إذا اجتمع، إذا امتلا. 28487 - حدثني أبو كدينة، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد، في قوله: والقمر إذا اتسق قال: لثلاث عشرة. 28488 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
[ 153 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد، مثله. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. 28489 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله إذا اتسق قال: إذا استوى. 28490 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير والقمر إذا اتسق: إذا استوى. 28491 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذا اتسق: إذا استدار. 28492 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والقمر إذا اتسق: إذا استوى. 28493 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والقمر إذا اتسق قال: إذا اجتمع فاستوى. 28494 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والقمر إذا اتسق قال: إذا استوى. وقوله: لتركبن طبقا عن طبق اختلفت القراء في قراءته، فقرأه عمر بن الخطاب وابن مسعود وأصحابه، وابن عباس وعامة قراء مكة والكوفة: لتركبن بفتح التاء والباء. واختلف قارئو ذلك كذلك في معناه، فقال بعضهم: لتركبن يا محمد أنت حالا بعد حال، وأمرا بعد أمر من الشدائد. ذكر من قال ذلك: 28495 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن مجاهد، أن ابن عباس كان يقرأ: لتركبن طبقا عن طبق يعني نبيكم (ص) حالا بعد حال. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل حدثه، عن ابن عباس في لتركبن طبقا عن طبق قال: منزلا بعد منزل.
[ 154 ]
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: لتركبن طبقا عن طبق يقول: حالا بعد حال. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: لتركبن طبقا عن طبق يعني: منزلا بعد منزل، ويقال: أمرا بعد أمر، وحالا بعد حال. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سمعت مجاهدا، عن ابن عباس لتركبن طبقا عن طبق قال: محمد (ص). 28496 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا بعد حال. 28497 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا بعد حال. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سأل حفص الحسن عن قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: منزلا عن منزل، وحالا عن حال. 28498 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شريك، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت مرة عن قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا بعد حال. 28499 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا بعد حال. 28500 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد لتركبن طبقا عن طبق قال: حالا عن حال. قال: ثنا وكيع، عن نصر، عن عكرمة، قال: حالا بعد حال. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: لتركبن الامور حالا بعد حال. 28501 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لتركبن طبقا عن طبق يقول: حالا بعد حال، ومنزلا عن منزل.
[ 155 ]
28502 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لتركبن طبقا عن طبق منزلا بعد منزل، وحالا بعد حال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد لتركبن طبقا عن طبق قال: أمرا بعد أمر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: أمرا بعد أمر. وقال آخرون ممن قرأ هذه المقالة، وقرأ هذه القراءة عني بذلك: لتركبن أنت يا محمد سماء بعد سماء. ذكر من قال ذلك: 28503 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن وأبو العالية لتركبن يعني محمدا (ص) طبقا عن طبق السموات. 28504 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن أبي الضحى، عن مسروق لتركبن طبقا عن طبق قال: أنت يا محمد سماء عن سماء. 28505 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن الشعبي، قال: سماء بعد سماء. 28506 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن عامر، عن علقمة، عن عبد الله، قال: سماء فوق سماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لتركبن الآخرة بعد الاولى. ذكر من قال ذلك: 28507 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: الآخرة بعد الاولى. وقال آخرون ممن قرأ هذه القراءة: إنما عني بذلك أنها تتغير ضروبا من التغيير، وتشقق بالغمام مرة، وتحمر أخرى، فتصير وردة كالدهان، وتكون أخرى كالمهل. ذكر من قال ذلك: 28508 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن مرة، عن ابن مسعود لتركبن طبقا عن طبق قال: السماء مرة كالدهان، ومرة تشقق.
[ 156 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: سمعت أبا الزرقاء الهمداني، وليس بأبي الزرقاء الذي يحدث في المسح على الجوربين، قال: سمعت مرة الهمداني، قال: سمعت عبد الله يقول في هذه الآية: لتركبن طبقا عن طبق قال: السماء. حدثني علي بن سعيد الكندى، قال: ثنا علي بن غراب، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله في قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: هي السماء تغبر وتحمر وتشقق. حدثنا أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، في قوله: لتركبن طبقا عن طبق قال: هي السماء تشقق، ثم تحمر، ثم تنفطر قال: وقال ابن عباس: حالا بعد حال. حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن إبراهيم قال: قرأ عبد الله هذا الحرف: لتركبن طبقا عن طبق قال: السماء حالا بعد حال، ومنزلة بعد منزلة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله لتركبن طبقا عن طبق قال: هي السماء. حدثنا مهران، عن سفيان، عن أبي فروة، عن مرة، عن ابن مسعود أنه قرأها نصبا، قال: هي السماء. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال: هي السماء تغير لونا بعد لون. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين: لتركبن بالتاء، وبضم الياء، على وجه الخطاب للناس كافة، أنهم يركبون أحوال الشدة حالا بعد حال. وقد ذكر بعضهم أنه قرأ ذلك بالياء، وبضم الباء، على وجه الخبر عن الناس كافة، أنهم يفعلون ذلك. وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب: قراءة من قرأ بالتاء وبفتح الباء، لان تأويل أهل التأويل من جميعهم بذلك ورد وإن كان للقراءات الاخر وجوه مفهومة. وإذا كان الصواب من القراءة في ذلك ما ذكرنا، فالصواب من التأويل قول من قال: لتركبن أنت يا محمد حالا بعد حال، وأمرا بعد أمر من الشدائد. والمراد بذلك، وإن كان الخطاب إلى رسول الله (ص) موجها، جميع الناس، أنهم يلقون من شدائد يوم القيامة وأهواله أحوالا.
[ 157 ]
وإنما قلنا: عني بذلك ما ذكرنا، أن الكلام قبل قوله: لتركبن طبقا عن طبق جرى بخطاب الجميع، وكذلك بعده، فكان أشبه أن يكون ذلك نظير ما قبله وما بعده. وقوله: طبقا عن طبق من قول العرب: وقع فلان في بنات طبق: إذا وقع في أمر شديد. وقوله: فمالهم لا يؤمنون يقول تعالى ذكره: فما لهؤلاء المشركين لا يصدقون بتوحيد الله، ولا يقرون بالبعث بعد الموت، وقد أقسم لهم ربهم بأنهم راكبون طبقا عن طبق، مع ما قد عاينوا من حججه بحقيقة توحيده. وقد: 28509 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فمالهم لا يؤمنون: قال: وبهذا الحديث، وبهذا الامر. وقوله: وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون يقول تعالى ذكره: وإذا قرئ عليهم كتاب ربهم لا يخضعون ولا يستكينون وقد بينا معنى السجود قبل بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل الذين كفروا يكذبون ئ والله أعلم بما يوعون ئ فبشرهم بعذاب أليم ئ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) *. قوله: بل الذين كفروا يكذبون يقول تعالى ذكره: بل الذين كفروا يكذبون بآيات الله وتنزيله. وقوله: والله أعلم بما يوعون يقول تعالى ذكره: والله أعلم بما توعيه صدور هؤلاء المشركين، من التكذيب بكتاب الله ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28510 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يوعون قال: يكتمون. 28511 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والله أعلم بما يوعون قال: المرء يوعي متاعه وماله هذا في هذا، وهذا في هذا، هكذا
[ 158 ]
يعرف الله ما يوعون من الاعمال، والاعمال السيئة مما توعيه قلوبهم، ويجتمع فيها من هذه الاعمال الخير والشر، فالقلوب وعاء هذه الاعمال كلها، الخير والشر، يعلم ما يسرون وما يعلنون، ولقد وعى لكم ما لا يدري أحد ما هو من القرآن وغير ذلك، قاتقوا الله وإياكم أن تدخلوا على مكارم هذه الاعمال، بعض هذه الخبث ما يفسدها. 28512 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: يوعون قال في صدورهم. وقوله: فبشرهم بعذاب أليم: يقول جل ثناؤه: فبشر يا محمد هؤلاء المكذبين بآيات الله، بعذاب أليم لهم عند الله موجع إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول: إلا الذين تابوا منهم وصدقوا، وأقروا بتوحيده، ونبوة نبيه محمد (ص)، وبالبعث بعد الممات. وعملوا الصالحات يقول: وأدوا فرائض الله، واجتنبوا ركوب ما حرم الله عليهم ركوبه. وقوله: لهم أجر غير ممنون يقول تعالى ذكره: لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثواب غير محسوب ولا منقوص. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28513 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: لهم أجر غير ممنون يقول: غير منقوص. 28514 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: أجر غير ممنون يعني: غير محسوب. آخر تفسير سورة إذا السماء انشقت
[ 159 ]
سورة البروج مكية وآياتها ثنتان وعشرون بسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (والسماء ذات البروج ئ واليوم الموعود ئ وشاهد ومشهود ئ قتل أصحاب الاخدود ئ النار ذات الوقود) *. قال أبو جعفر رحمه الله: قوله: والسماء ذات البروج أقسم الله جل ثناؤه بالسماء ذات البروج. واختلف أهل التأويل في معنى البروج في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني بذلك: والسماء ذات القصور. قالوا: والبروج: القصور. ذكر من قال ذلك: 28515 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والسماء ذات البروج قال ابن عباس: قصور في السماء، قال غيره: بل هي الكواكب. 28516 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: البروج يزعمون أنها قصور في السماء، ويقال: هي الكواكب. وقال آخرون: عني بذلك: والسماء ذات النجوم، وقالوا: نجومها: بروجها. ذكر من قال ذلك: 28517 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ذات البروج قال: البروج: النجوم.
[ 160 ]
28518 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح والسماء ذات البروج قال: النجوم. 28519 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والسماء ذات البروج وبروجها: نجومها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والسماء ذات الرمل والماء. ذكر من قال ذلك: 28520 - حدثني الحسن بن قزعة، قال: ثنا حصين بن نمير، عن سفيان بن حسين، في قوله: والسماء ذات البروج قال: ذات الرمل والماء. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس والقمر، وذلك أن البروج: جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الارض مرتفعة، ومن ذلك قول الله: ولو كنتم في بروج مشيدة، وهي منازل مرتفعة عالية في السماء، وهي اثنا عشر برجا، فمسير القمر في كل برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية وعشرون منزلا، ثم يستسر ليلتين، ومسير الشمس في كل برج منها شهر. وقوله: واليوم الموعود يقول تعالى ذكره: وأقسم باليوم الذي وعدته عبادي، لفصل القضاء بينهم، وذلك يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاء الخبر عن رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 28521 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وإسحاق الرازي، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) اليوم الموعود: يوم القيامة. قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، مثله. حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا يونس، قال أنبأني عمار، قال: قال أبو هريرة: اليوم الموعود: يوم القيامة. قال يونس، وكذلك الحسن.
[ 161 ]
28522 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واليوم الموعود يعني: يوم القيامة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله واليوم الموعود قال: القيامة. 28523 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد اليوم الموعود يوم القيامة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن عبيد، عن عمار بن أبي عمار، مولى بني هاشم، عن أبي هريرة واليوم الموعود يوم القيامة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، عن النبي (ص): اليوم الموعود: يوم القيامة. 28524 - حدثنا محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الاشعري، قال: قال رسول الله (ص): اليوم الموعود: يوم القيامة. وقوله: وشاهد ومشهود: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: وأقسم بشاهد، قالوا: وهو يوم الجمعة، ومشهود، قالوا: وهو يوم عرفة. ذكر من قال ذلك: 28525 - حدثني يعقوب، قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا يونس، قال: أنبأني عمار، قال: قال أبو هريرة: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة قال يونس، وكذلك قال الحسن. 28526 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت حارثة بن مضرب، يحدث عن علي رضي الله عنه، أنه قال في هذه الآية: وشاهد ومشهود قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة. 28527 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وشاهد ومشهود قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة ويقال: الشاهد: الانسان، والمشهود: يوم القيامة.
[ 162 ]
28528 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وشاهد ومشهود: يومان عظيمان من أيام الدنيا، كنا نحدث أن الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وشاهد ومشهود قال: الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه: وشاهد ومشهود قال: الشاهد يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة. 28529 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وشاهد يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة. 28530 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): وشاهد: يوم الجمعة، ومشهود: يوم عرفة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير وإسحاق الرازي، عن موسى بن عبيدة، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة. 28531 - حدثنا سهل بن موسى، قال: ثنا ابن أبي فديك، عن ابن حرملة، عن سعيد: أنه قال: قال رسول الله (ص): إن سيد الايام يوم الجمعة، وهو الشاهد، والمشهود: يوم عرفة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيد، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: المشهود: يوم عرفة، والشاهد: يوم الجمعة، فيه ساعة لا يوافقها مؤمن يدعو الله بخير إلا استجاب له، ولا يستعيذه من شر إلا أعاذه.
[ 163 ]
28532 - حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا محمد بن إسماعيل، قال: ثني أبي، قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الاشعري، قال: قال رسول الله (ص): إن الشاهد يوم الجمعة، وإن المشهود يوم عرفة، فيوم الجمعة خيرة الله لنا. حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب، قال: سيد الايام يوم الجمعة، وهو شاهد. وقال آخرون: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 28533 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف المكي، عن ابن عباس قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة، ثم قرأ ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. 28534 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، قال: سأل رجل الحسن بن علي، عن وشاهد ومشهود قال: سألت أحدا قبلي ؟ قال: نعم سألت ابن عمر وابن الزبير، فقالا: يوم الذبح ويوم الجمعة قال: لا، ولكن الشاهد: محمد، ثم قرأ: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود: يوم القيامة، ثم قرأ: ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن أبي الضحى، عن الحسن بن علي، قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم القيامة. 28535 - حدثني سعيد بن الربيع، قال: ثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب: ومشهود: يوم القيامة. وقال آخرون: الشاهد: الانسان، والمشهود: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك:
[ 164 ]
28536 حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أسباط، عن عبد الملك، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وشاهد ومشهود قال: الشاهد: ابن آدم، والمشهود يوم القيامة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله وشاهد ومشهود قال: الانسان، وقوله ومشهود قال: يوم القيامة. 28537 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، قال: الشاهد: الانسان، والمشهود: يوم القيامة. 28538 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، في قوله: وشاهد ومشهود قال: شاهد: ابن آدم، ومشهود: يوم القيامة. 28539 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وشاهد يعني الانسان ومشهود يوم القيامة، قال الله: وذلك يوم مشهود. وقال آخرون: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم الجمعة. ذكر من قال ذلك: 28540 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: وشاهد ومشهود قال: الشاهد: محمد، والمشهود: يوم الجمعة، فذلك قوله: فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. وقال آخرون: الشاهد الله، والمشهود: يوم القيامة. ذكر من قال ذلك: 28541 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله وشاهد يقول الله ومشهود يقول: يوم القيامة. وقال آخرون: الشاهد: يوم الاضحى، والمشهود: يوم الجمعة. ذكر من قال ذلك:
[ 165 ]
28542 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن شباك، قال: سأل رجل الحسن بن علي، عن شاهد ومشهود قال: سألت أحدا قبلي ؟ قال: نعم، سألت ابن عمر وابن الزبير، فقالا: يوم الذبح، ويوم الجمعة. وقال آخرون: الشاهد: يوم الاضحى، والمشهود، يوم عرفة. ذكر من قال ذلك: 28543 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس: وشاهد ومشهود قال: الشاهد: يوم عرفة، والمشهود: يوم القيامة. وقال آخرون: المشهود: يوم الجمعة، ورووا ذلك عن رسول الله (ص). ذكر الرواية بذلك: 28544 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثني عمي عبد الله بن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن زيد بن أيمن، عن عبادة بن نسي، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): أكثروا علي الصلاة يوم الجمعة، فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن يقال: إن الله أقسم بشاهد شهد، ومشهود شهد، ولم يخبرنا مع إقسامه بذلك أي شاهد وأي مشهود أراد، وكل الذي ذكرنا أن العلماء قالوا: هو المعني مما يستحق أن يقال له شاهد ومشهود. وقوله: قتل أصحاب الاخدود يقول: لعن أصحاب الاخدود. وكان بعضهم يقول: معنى قوله: قتل أصحاب الاخدود خبر من الله عن النار أنها قتلتهم. وقد اختلف أهل العلم في أصحاب الاخدود من هم ؟ فقال بعضهم: قوم كانوا أهل كتاب من بقايا المجوس. ذكر من قال ذلك: 28545 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر عن ابن أبزى، قال: لما رجع المهاجرون من بعض غزواتهم، بلغهم نعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال
[ 166 ]
بعضهم لبعض: أي الاحكام تجري في المجوس، وإنهم ليسوا بأهل كتاب، وليسوا من مشركي العرب، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قد كانوا أهل كتاب، وقد كانت الخمر أحلت لهم، فشربها ملك من ملوكهم، حتى ثمل منها، فتناول أخته فوقع عليها، فلما ذهب عنه السكر قال لها: ويحك فما المخرج مما ابتليت به ؟ فقالت: اخطب الناس، فقل: يا أيها الناس إن الله قد أحل نكاح الاخوات، فقام خطيبا، فقال: يا أيها الناس إن الله قد أحل نكاح الاخوات، فقال الناس: إنا نبرأ إلى الله من هذا القول، ما أتانا به نبي، ولا وجدناه في كتاب الله، فرجع إليها نادما، فقال لها: ويحك إن الناس قد أبوا علي أن يقروا بذلك، فقالت: ابسط عليهم السياط، ففعل، فبسط عليهم السياط، فأبوا أن يقروا، فرجع إليها نادما، فقال: إنهم أبوا أن يقروا، فقالت: اخطبهم فإن أبوا فجرد فيهم السيف، ففعل، فأبى عليه الناس، فقال لها: قد أبى علي الناس، فقالت: خد لهم الاخدود، ثم اعرض عليها أهل مملكتك، فمن أقر، وإلا فاقذفه في النار، ففعل، ثم عرض عليها أهل مملكته، فمن لم يقر منهم قذفه في النار، فأنزل الله فيهم: قتل أصحاب الاخدود النار ذات الوقود إلى أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات حرقوهم ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق فلم يزالوا منذ ذلك يستحلون نكاح الاخوات والبنات والامهات. 28546 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قتل أصحاب الاخدود قال: حدثنا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول: هم ناس بمذارع اليمن، اقتتل مؤمنوها وكفارها، فظهر مؤمنوها على كفارها، ثم اقتتلوا الثانية، فظهر مؤمنوها على كفارها، ثم أخذ بعضهم على بعض عهدا ومواثيق أن لا يغدر بعضهم ببعض، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أخذا ثم إن رجلا من المؤمنين قال لهم: هل لكم إلى خير، توقدون نارا ثم تعرضوننا عليها، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون، ومن لا، اقتحم النار فاسترحتم منه قال: فأججوا نارا وعرضوا عليها، فجعلوا يقتحمونها صناديدهم، ثم بقيت منهم عجوز كأنها نكصت، فقال لها طفل في حجرها: يا أماه، امضي ولا تنافقي، قص الله عليكم نبأهم وحديثهم.
[ 167 ]
28547 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: قتل أصحاب الاخدود قال: يعني القاتلين الذين قتلوهم يوم قتلوا. 28548 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: قتل أصحاب الاخدود النار ذات الوقود قال: هم ناس من بني إسرائيل، خدوا أخدودا في الارض، ثم أوقدوا فيها نارا، ثم أقاموا على ذلك الاخدود رجالا ونساء، فعرضوا عليها، وزعموا أنه دانيال وأصحابه. 28549 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قتل أصحاب الاخدود قال: كان شقوق في الارض بنجران، كانوا يعذبون فيها الناس. 28550 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: قتل أصحاب الاخدود يزعمون أن أصحاب الاخدود من بني إسرائيل، أخذوا رجالا ونساء، فخدوا لهم أخدودا، ثم أوقدوا فيها النيران، فأقاموا المؤمنين عليها، فقالوا: تكفرون أو نقذفكم في النار. 28551 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: ثنا حماد بن سلمة، قال: ثنا ثابت البناني، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن صهيب، قال: قال رسول الله (ص): كان فيمن كان قبلكم ملك، وكان له ساحر، فأتى الساحر الملك، فقال: قد كبرت سني، ودنا أجلي، فادفع لي غلاما أعلمه السحر قال: فدفع إليه غلاما يعلمه السحر، قال: فكان الغلام يختلف إلى الساحر، وكان بين الساحر وبين الملك راهب قال: فكان الغلام إذا مر بالراهب قعد إليه، فسمع من كلامه، فأعجب بكلامه، فكان الغلام إذا أتى الساحر ضربه وقال: ما حبسك ؟ وإذا أتى أهله قعد عند الراهب يسمع كلامه، فإذا رجع إلى أهله ضربوه وقالوا: ما حبسك ؟ فشكا ذلك إلى الراهب، فقال له الراهب: إذا قال لك الساحر: ما حبسك ؟ قل حبسني أهلي، وإذا قال أهلك: ما حبسك ؟ فقل حبسني الساحر.
[ 168 ]
فبينما هو كذلك إذ مر في طريق وإذا دابة عظيمة في الطريق قد حبست الناس لا تدعهم يجوزون فقال الغلام: الآن أعلم أمر الساحر أرضى عند الله أم أمر الراهب ؟ قال: فأخذ حجرا، قال: فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فإني أرمي بحجري هذا فيقتله ويمر الناس. قال: فرماها فقتلها، وجاز الناس فبلغ ذلك الراهب قال: وأتاه الغلام فقال الراهب للغلام: إنك خير مني، وإن ابتليت فلا تدلن علي قال: وكان الغلام، يبرئ الاكمه والابرص، وسائر الادواء وكان للملك جليس، قال: فعمي قال: فقيل له: إن هاهنا غلاما يبرئ الاكمه والابرص، وسائر الادواء، فلو أتيته ؟ قال: فاتخذ له هدايا قال: ثم أتاه فقال: يا غلام إن أبرأتني فهذه الهدايا كلها لك، فقال: ما أنا بطبيب يشفيك، ولكن الله يشفي، فإذا آمنت دعوت الله أن يشفيك قال: فآمن الاعمى، فدعا الله فشفاه، فقعد الاعمى إلى الملك كما كان يقعد، فقال له الملك: أليس كنت أعمى ؟ قال: نعم قال: فمن شفاك ؟ قال: ربي قال: ولك رب غيري ؟ قال: نعم، ربي وربك الله قال: فأخذه بالعذاب فقال: لتدلنني على من علمك هذا، قال: فدل على الغلام، فدعا الغلام فقال: ارجع عن دينك، قال: فأبى الغلام قال: فأخذه بالعذاب قال: فدل على الراهب، فأخذ الراهب، فقال: ارجع عن دينك فأبى قال: فوضع المنشار على هامته فشقه حتى بلغ الارض، قال: وأخذ الاعمى فقال: لترجعن أو لاقتلنك قال: فأبى الاعمى، فوضع المنشار على هامته، فشقه حتى بلغ الارض، ثم قال للغلام: لترجعن أو لاقتلنك قال: فأبى قال: فقال: اذهبوا به حتى تبلغوا به ذروة الجبل، فإن رجع عن دينه، وإلا فدهدهوه، فلما بلغوا به ذروة الجبل فوقعوا فماتوا كلهم. وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك، فقال: أين أصحابك ؟ قال: كفانيهم الله قال: فاذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه قال: فذهبوا به، فلما توسطوا به البحر قال الغلام: اللهم اكفنيهم، فانكفأت بهم السفينة. وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال الملك: أين أصحابك ؟ فقال: دعوت الله فكفانيهم، قال: لاقتلنك، قال: ما أنت بقاتلي حتى تصنع ما آمرك، قال: فقال الغلام للملك: اجمع الناس في صعيد واحد، ثم اصلبني، ثم خذ سهما من كنانتي فارمني وقل: باسم رب الغلام، فإنك ستقتلني قال: فجمع الناس في صعيد واحد قال: وصلبه وأخذ سهما من كنانته، فوضعه في كبد القوس،
[ 169 ]
ثم رمى، فقال: باسم رب الغلام، فوقع السهم في صدغ الغلام، فوضع يده هكذا على صدغه، ومات الغلام، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فقالوا للملك: ما صنعت، الذي كنت تحذر قد وقع، قد آمن الناس، فأمر بأفواه السكك فأخذت، وخد الاخدود وضرم فيه النيران، وأخذهم وقال: إن رجعوا وإلا فألقوهم في النار قال: فكانوا يلقونهم في النار قال: فجاءت امرأة معها صبي لها، قال: فلما ذهبت تقتحم وجدت حر النار، فنكصت، قال: فقال لها صبيها يا أماه، امضي فإنك على الحق، فاقتحمت في النار. وقال آخرون: بل الذين أحرقتهم النار هم الكفار الذين فتنوا المؤمنين. ذكر من قال ذلك: 28552 - حدثت عن عمار، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس، قال: كان أصحاب الاخدود قوما مؤمنين، اعتزلوا الناس في الفترة، وإن جبارا، من عبدة الاوثان أرسل إليهم، فعرض عليهم الدخول في دينه، فأبوا، فخد أخدودا، وأوقد فيه نارا، ثم خيرهم بين الدخول في دينه، وبين إلقائهم في النار، فاختاروا إلقاءهم في النار، على الرجوع عن دينهم، فألقوا في النار، فنجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق، بأن قبض أرواحهم، قبل أن تمسهم النار، وخرجت النار إلى من على شفير الاخدود من الكفار فأحرقتهم، فذلك قول الله: فلهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا. واختلف في موضع جواب القسم بقوله: والسماء ذات البروج فقال بعضهم: جوابه: إن بطش ربك لشديد. ذكر من قال ذلك: 28553 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم هاهنا إن بطش ربك لشديد. وقال بعض نحويي البصرة: موضع قسمها والله أعلم، على قتل أصحاب الاخدود، أضمر اللام كما قال: والشمس وضحاها قد أفلح من زكاها يريد: إن شاء
[ 170 ]
الله: لقد أفلح من زكاها، فألقى اللام، وإن شئت قلت على التقديم، كأنه قال: قتل أصحاب الاخدود، والسماء ذات البروج. وقال بعض نحويي الكوفة: يقال في التفسير: إن جواب القسم في قوله: قتل كما كان قسم والشمس وضحاها في قوله: قد أفلح هذا في التفسير قالوا: ولم نجد العرب تدع القسم بغير لام يستقبل بها أو لا أو إن أو ما، فإن يكن ذلك كذلك، فكأنه مما ترك فيه الجواب، ثم استؤنف موضع الجواب بالخبر، كما قيل: يا أيها الانسان، في كثير من الكلام. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: جواب القسم في ذلك متروك، والخبر مستأنف لان علامة جواب القسم لا تحذفها العرب من الكلام إذا أجابته. وأولى التأويلين بقوله: قتل أصحاب الاخدود: لعن أصحاب الاخدود الذين ألقوا المؤمنين والمؤمنات في الاخدود. وإنما قلت: ذلك أولى التأويلين بالصواب للذي ذكرنا عن الربيع من العلة، وهو أن الله أخبر أن لهم عذاب الحريق مع عذاب جهنم، ولو لم يكونوا أحرقوا في الدنيا لم يكن لقوله ولهم عذاب الحريق معنى مفهوم، مع إخباره أن لهم عذاب جهنم، لان عذاب جهنم هو عذاب الحريق مع سائر أنواع عذابها في الآخرة والاخدود: الحفرة تحفر في الارض. وقوله: النار ذات الوقود فقوله النار: رد على الاخدود، ولذلك خفضت، وإنما جاز ردها عليه وهي غيره، لانها كانت فيه، فكأنها إذ كانت فيه هو، فجرى الكلام عليه لمعرفة المخاطبين به بمعناه وكأنه قيل: قتل أصحاب النار ذات الوقود. ويعني بقوله: ذات الوقود ذات الحطب الجزل، وذلك إذا فتحت الواو، فأما الوقود بضم الواو، فهو الاتقاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ هم عليها قعود ئ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ئ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد) *. يقول تعالى ذكره: النار ذات الوقود، إذ هؤلاء الكفار من أصحاب الاخدود عليها،
[ 171 ]
يعني على النار، فقال عليها، والمعنى أنهم قعود على حافة الاخدود، فقيل: على النار، والمعنى: لشفير الاخدود، لمعرفة السامعين معناه: وكان قتادة يقول في ذلك ما: 28554 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود يعني بذلك المؤمنين. وهذا التأويل الذي تأوله قتادة على مذهب من قال: قتل أصحاب الاخدود من أهل الايمان. وقد دللنا على أن الصواب من تأويل ذلك غير هذا القول الذي وجه تأويله قتادة قبل. وقوله: وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود يعني: حضور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28555 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود يعني بذلك الكفار. وقوله: وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد يقول تعالى ذكره: وما وجد هؤلاء الكفار الذين فتنوا المؤمنين على المؤمنين والمؤمنات بالنار في شئ، ولا فعلوا بهم ما فعلوا بسبب إلا من أجل أنهم آمنوا بالله، وقال: إلا أن يؤمنوا بالله، لان المعنى إلا إيمانهم بالله، فلذلك حسن في موضعه يؤمنوا، إذ كان الايمان لهم صفة. العزيز يقول: الشديد في انتقامه ممن انتقم منه الحميد يقول: المحمود بإحسانه إلى خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذي له ملك السماوات والارض والله على كل شئ شهيد ئ إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) *. يقول تعالى ذكره: الذي له سلطان السموات السبع والارضين وما فيهن والله على كل شئ شهيد يقول تعالى ذكره: والله على فعل هؤلاء الكفار من أصحاب الاخدود بالمؤمنين الذين فتنوهم شاهد، وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع خلقه، وهو مجازيهم جزاءهم. وقوله: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات يقول: إن الذين ابتلوا المؤمنين
[ 172 ]
والمؤمنات بالله بتعذيبهم، وإحراقهم بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28556 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات: حرقوا المؤمنين والمؤمنات. 28557 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إن الذين فتنوا قال: عذبوا. 28558 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات قال: حرقوهم بالنار. 28559 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فتنوا المؤمنين والمؤمنات يقول: حرقوهم. 28560 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات حرقوهم. وقوله: ثم لم يتوبوا يقول: ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم، الذي فعلوا بالمؤمنين والمؤمنات من أجل إيمانهم بالله فلهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا، كما: 28561 - حدثت عن عمار، قال: ثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع فلهم عذاب جهنم في الآخرة، ولهم عذاب الحريق في الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الانهار ذلك الفوز الكبير ئ إن بطش ربك لشديد) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين أقروا بتوحيد الله، وهم هؤلاء القوم الذين حرقهم أصحاب الاخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد وعملوا الصالحات يقول: وعملوا
[ 173 ]
بطاعة الله، وأتمروا لامره، وانتهوا عما نهاهم عنه لهم جنات تجري من تحتها الانهار يقول: لهم في الآخرة عند الله بساتين تجري من تحتها الانهار والخمر واللبن والعسل ذلك الفوز الكبير يقول: هذا الذي هو لهؤلاء المؤمنين في الآخرة، هو الظفر الكبير بما طلبوا والتمسوا بإيمانهم بالله في الدنيا، وعملهم بما أمرهم الله به فيها ورضيه منهم. وقوله: إن بطش ربك لشديد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن بطش ربك يا محمد لمن بطش به من خلقه، وهو انتقامه ممن انتقم منه لشديد، وهو تحذير من الله لقوم رسوله محمد (ص)، أن يحل بهم من عذابه ونقمته، نظير الذي حل بأصحاب الاخدود على كفرهم به، وتكذيبهم رسوله، وفتنتهم المؤمنين والمؤمنات منهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنه هو يبدئ ويعيد ئ وهو الغفور الودود ئ ذو العرش المجيد ئ فعال لما يريد ئ هل أتاك حديث الجنود ئ فرعون وثمود) *. اختلف أهل التأويل في معنى قوله: إنه هو يبدئ ويعيد فقال بعضهم: معنى ذلك: إن الله أبدى خلقه، فهو يبتدئ، بمعنى: يحدث خلقه ابتداء، ثم يميتهم، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم، كهيئتهم. قبل مماتهم. ذكر من قال ذلك: 28562 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يبدئ ويعيد يعني: الخلق. 28563 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يبدئ ويعيد قال: يبدئ الخلق حين خلقه، ويعيده يوم القيامة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه هو يبدئ العذاب ويعيده. ذكر من قال ذلك: 28564 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس إنه هو يبدئ ويعيد قال: يبدئ العذاب ويعيده. وأولي التأويلين في ذلك عندي بالصواب، وأشبههما بظاهر ما دل عليه التنزيل، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أنه يبدئ العذاب لاهل الكفر به ويعيد، كما قال جل ثناؤه: فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق في الدنيا، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا، وهو يعيده لهم في الآخرة.
[ 174 ]
وإنما قلت: هذا أولى التأويلين بالصواب، لان الله أتبع ذلك قوله إن بطش ربك لشديد فكان للبيان عن معنى شدة بطشه الذي قد ذكره قبله، أشبه به بالبيان عما لم يجر له ذكر ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحا وصحة، قوله: وهو الغفور الودود فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدة عقابه. وقوله: وهو الغفور الودود يقول تعالى ذكره: وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه، وذو المحبة له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28565 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الغفور الودود يقول: الحبيب. 28566 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: الغفور الودود قال الرحيم. وقوله: ذو العرش المجيد يقول تعالى ذكره: ذو العرش الكريم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28567 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ذو العرش المجيد يقول: الكريم. واختلفت القراء في قراءة قوله: المجيد فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين رفعا، ردا على قوله: ذو العرش على أنه من صفة الله تعالى ذكره. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة خفضا، على أنه من صفة العرش. والصواب من القول في ذلك عندنا: أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: فعال لما يريد يقول: هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها، معاقب من أصر عليها وأقام، لا يمنعه مانع من فعل أراد أن يفعله، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل، لان له ملك السموات والارض، وهو العزيز الحكيم. وقوله: هل أتاك حديث الجنود يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): هل جاءك يا محمد حديث الجنود، الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم يقول: قد أتاك ذلك وعلمته، فاصبر لاذى قومك إياك، لما نالوك به من مكروه، كما صبر الذين تجند
[ 175 ]
هؤلاء الجنود عليهم من رسلي، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي، كما لم يثن الذين أرسلوا إلى هؤلاء، فإن عاقبة من لم يصدقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك، كالذي كان من هؤلاء الجنود، ثم بين جل ثناؤه عن الجنود من هم ؟ فقال: فرعون وثمود يقول: فرعون، فاجتزئ بذكره، إذ كان رئيس جنده، من ذكر جنده وتباعه. وإنما معنى الكلام: هل أتاك حديث الجنود فرعون وقومه وثمود وخفض فرعون ردا على الجنود، على الترجمة عنهم، وإنما فتح لانه لا يجرى وثمود. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل الذين كفروا في تكذيب ئ والله من ورائهم محيط ئ بل هو قرآن مجيد ئ في لوح محفوظ) *. يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء القوم الذين يكذبون بوعيد الله، أنهم لم يأتهم أنباء من قبلهم من الامم المكذبة رسل الله، كفرعون وقومه، وثمود وأشكالهم، وما أحل الله بهم من النقم، بتكذيبهم الرسل، ولكنهم في تكذيب بوحي الله وتنزيله، إيثارا منهم لاهوائهم، واتباعا منهم لسنن آبائهم والله من ورائهم محيط بأعمالهم، محص لها، لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيهم على جميعها. وقوله: بل هو قرآن مجيد يقول، تكذيبا منه جل ثناؤه للقائلين للقرآن هو شعر وسجع: ما ذلك كذلك، بل هو قرآن كريم. 28568 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة بل هو قرآن مجيد يقول: قرآن كريم. 28569 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: بل هو قرآن مجيد قال: كريم. وقوله: في لوح محفوظ يقول تعالى ذكره: هو قرآن كريم، مثبت في لوح محفوظ. واختلفت القراء في قراءة قوله: محفوظ فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز، أبو جعفر القارئ، وابن كثير. ومن قرأه من قراء الكوفة عاصم والاعمش وحمزة والكسائي، ومن البصريين أبو عمرو محفوظ خفضا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان التأويل في لوح محفوظ من الزيادة فيه، والنقصان منه، عما أثبته الله
[ 176 ]
فيه. وقرأ ذلك من المكيين ابن محيصن، ومن المدنيين نافع محفوظ رفعا، ردا على القرآن، على أنه من نعته وصفته. وكان معنى ذلك على قراءتهما: بل هو قرآن مجيد، محفوظ من التغيير والتبديل في لوح. والصواب من القول في ذلك عندنا: أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار، صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وإذ كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فتأويل القراءة التي يقرؤها على ما بينا. وقد: 28570 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد في لوح قال: في أم الكتاب. 28571 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في لوح محفوظ عند الله. وقال آخرون: إنما قيل محفوظ، لانه من جبهة إسرافيل. ذكر من قال ذلك: 28572 - حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت قرة بن سليمان، قال: ثنا حرب بن سريج، قال: ثنا عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، في قوله: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ قال: إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله، بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ في جبهة إسرافيل. آخر تفسير سورة البروج
[ 177 ]
سورة الطارق مكية أو آياتها سبع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والسماء والطارق ئ وما أدراك ما الطارق ئ النجم الثاقب ئ إن كل نفس لما عليها حافظ ئ فلينظر الانسان مم خلق ئ خلق من ماء دافق ئ يخرج من بين الصلب والترائب ئ إنه على رجعه لقادر ئ يوم تبلى السرائر ئ فما له من قوة ولا ناصر) *. أقسم ربنا بالسماء وبالطارق الذي يطرق ليلا من النجوم المضيئة، ويخفى نهارا، وكل ما جاء ليلا فقد طرق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28573 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والسماء والطارق قال: السماء وما يطرق فيها. 28574 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق قال: طارق يطرق بليل، ويخفى بالنهار. 28575 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والطارق قال: ظهور النجوم، يقول: يطرقك ليلا. 28576 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الطارق النجم. وما أدراك ما الطارق يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما أشعرك يا محمد ما الطارق الذي أقسمت به ؟ ثم بين ذلك جل ثناؤه، فقال: هو النجم الثاقب، يعني: يتوقد ضياؤه ويتوهج. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 178 ]
28577 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: النجم الثاقب يعني: المضئ. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس النجم الثاقب قال: هي الكواكب المضيئة، وثقوبه: إذا أضاء. 28578 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: النجم الثاقب قال: الذي يثقب. 28579 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: الثاقب قال: الذي يتوهج. 28580 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: ثقوبه: ضوءه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة النجم الثاقب: المضئ. 28581 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: النجم الثاقب قال: كانت العرب تسمي الثريا النجم، ويقال: إن الثاقب النجم الذي يقال له زحل. والثاقب أيضا: الذي قد ارتفع على النجوم، والعرب تقول للطائر: إذا هو لحق ببطن السماء ارتفاعا: قد ثقب، والعرب تقول: أثقب نارك: أي أضئها. وقوله: إن كل نفس لما عليها حافظ اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من قراء المدينة أبو جعفر، ومن قراء الكوفة حمزة لما عليها بتشديد الميم. وذكر عن الحسن أنه قرأ ذلك كذلك. 28582 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن الحسن أنه كان يقرؤها: إن كل نفس لما عليها حافظ مشددة، ويقول: إلا عليها حافظ، وهكذا كل شئ في القرآن بالتثقيل. وقرأ ذلك من أهل المدينة نافع، ومن أهل البصرة أبو عمرو: لما بالتخفيف، بمعنى: إن كل نفس لعليها حافظ. وعلى أن اللام جواب إن وما التي بعدها صلة. وإذا كان ذلك كذلك لم يكن فيه تشديد.
[ 179 ]
والقراءة التي لا أختار غيرها في ذلك: التخفيف، لان ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، وقد أنكر التشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب، أن يكون معروفا من كلام العرب، غير أن الفراء كان يقول: لا نعرف جهة التثقيل في ذلك، ونرى أنها لغة من هذيل، يجعلون إلا مع إن المخففة لما، ولا يجاوزون ذلك، كأنه قال: ما كل نفس إلا عليها حافظ، فإن كان صحيحا ما ذكر الفراء، من أنها لغة هذيل، فالقراءة بها جائزة صحيحة، وإن كان الاختيار أيضا إذا صح ذلك عندنا، القراءة الاخرى، وهي التخفيف، لان ذلك هو المعروف من كلام العرب، ولا ينبغي أن يترك الاعرف إلى الانكر. وقد: 28583 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا معاذ، عن ابن عون، قال: قرأت عند ابن سيرين: إن كل نفس لما عليها حافظ فأنكره، وقال: سبحان الله، سبحان الله. فتأويل الكلام: إذن: إن كل نفس لعليها حافظ من ربها، يحفظ عملها، ويحصي عليها ما تكسب من خير أو شر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28584 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن كل نفس لما عليها حافظ قال: كل نفس عليها حفظة من الملائكة. 28585 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن كل نفس لما عليها حافظ: حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا بن آدم قبضت إلى ربك. وقوله: فلينظر الانسان مم خلق ؟ يقول تعالى ذكره: فلينظر الانسان المكذب بالبعث بعد الممات، المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته، مم خلق يقول: من أي شئ خلقه ربه ؟ ثم أخبر جل ثناؤه عما خلقه منه، فقال: خلق من ماء دافق يعني: من ماء مدفوق، وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل، وهو بمعنى المفعول، ويقال: إن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب، سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت، كقولهم: هذا سر كاتم، وهم ناصب، ونحو ذلك.
[ 180 ]
وقوله: يخرج من بين الصلب والترائب يقول: يخرج من بين ذلك، ومعنى الكلام منهما، كما يقال: سيخرج من بين هذين الشيئين خير كثير، بمعنى: يخرج منهما. واختلف أهل التأويل في معنى الترائب وموضعها، فقال بعضهم: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة. ذكر من قال ذلك: 28586 - حدثني عبد الرحمن بن الاسود الطفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية العوفي، عن ابن عباس الصلب والترائب قال: الترائب: موضع القلادة. 28587 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يخرج من بين الصلب والترائب يقول: من بين ثدي المرأة. 28588 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة عن الترائب، فقال: هذه، ووضع يده على صدره بين ثدييه. 28589 - حدثني ابن المثنى، قال: ثني سلم بن قتيبة، قال: ثني عبد الله بن النعمان الحداني أنه سمع عكرمة يقول: يخرج من بين الصلب والترائب قال: صلب الرجل، وترائب المرأة. 28590 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، قال: الترائب: الصدر. 28591 - قال: ثنا ابن يمان، عن مسعر، عن الحكم، عن أبي عياض، قال: الترائب: الصدر. 28592 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يخرج من بين الصلب والترائب قال: الترائب: الصدر، وهذا الصلب، وأشار إلى ظهره. وقال آخرون: الترائب: ما بين المنكبين والصدر. ذكر من قال ذلك: 28593 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن إسرائيل، عن ثوير، عن مجاهد، قوله: الترائب ما بين المنكبين والصدر.
[ 181 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الترائب قال: أسفل من التراقي. 28594 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: الصلب للرجل، والترائب للمرأة، والترائب فوق الثديين. وقال آخرون: هو اليدان والرجلان والعينان. ذكر من قال ذلك: 28595 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يخرج من بين الصلب والترائب قال: فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان، فتلك الترائب. 28596 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي روق، عن الضحاك يخرج من بين الصلب والترائب قال: الترائب: اليدان والرجلان. 28597 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال غيره: الترائب: ماء المرأة وصلب الرجل. 28598 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يخرج من بين الصلب والترائب: عيناه ويداه ورجلاه. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه يخرج من بين صلب الرجل ونحره. ذكر من قال ذلك: 28599 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يخرج من بين الصلب والترائب يقول: يخرج من بين صلب الرجل ونحره. وقال آخرون: هي الاضلاع التي أسفل الصلب. ذكر من قال ذلك: 28600 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: يخرج من بين الصلب والترائب قال: الترائب: الاضلاع التي أسفل الصلب. وقال آخرون: هي عصارة القلب. ذكر من قال ذلك: 28601 - حدثني محمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني الليث أن
[ 182 ]
معمر بن أبي حبيبة المديني حدثه، أنه بلغه في قول الله: يخرج من بين الصلب والترائب قال: هو عصارة القلب، ومنه يكون الولد. والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: هو موضع القلادة من المرأة، حيث تقع عليه من صدرها، لان ذلك هو المعروف في كلام العرب، وبه جاءت أشعارهم، قال المثقب العبدي: ومن ذهب يسن على تريب كلون العاج ليس بذي غضون وقال آخر: والزعفران على ترائبها شرقا به اللبات والنحر وقوله: إنه على رجعه لقادر يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرا سويا، بعد أن كنتم ماء مدفوقا، على رجعه لقادر. واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله: على رجعه على ما هي عائدة، فقال بعضهم: هي عائدة على الماء. وقالوا: معنى الكلام: إن الله على رد النطفة في الموضع التي خرجت منه لقادر. ذكر من قال ذلك: 28602 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن عكرمة، في قوله: إنه على رجعه لقادر قال: إنه على رده في صلبه لقادر. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرمة في قوله: إنه على رجعه لقادر قال: للصلب. 28603 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن ليث، عن مجاهد في قوله: إنه على رجعه لقادر قال: على أن يرد الماء في الاحليل. حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي الوشاء، قال: ثنا أبو قطن عمرو بن
[ 183 ]
الهيثم، عن ورقاء، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله: إنه على رجعه لقادر قال: على رد النطفة في الاحليل. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إنه على رجعه لقادر قال: في الاحليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد إنه على رجعه لقادر قال: رده في الاحليل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على رد الانسان ماء كما كان قبل أن يخلقه منه. ذكر من قال ذلك: 28604 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إنه على رجعه لقادر إن شئت رددته كما خلقته من ماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنه على حبس ذلك الماء لقادر. ذكر من قال ذلك: 28605 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنه على رجعه لقادر قال: على رجع ذلك الماء لقادر، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق، قادر على أن يرجعه. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الانسان من حال الكبر إلى حال الصغر. ذكر من قال ذلك: 28606 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك قال: سمعته يقول في قوله: إنه على رجعه لقادر يقول: إن شئت رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة. وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله: على رجعه من ذكر الانسان. وقال آخرون ممن زعم أن الهاء للانسان معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر. ذكر من قال ذلك: 28607 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنه على رجعه لقادر إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر.
[ 184 ]
وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال معنى ذلك: إن الله على رد الانسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيا، كهيئته قبل مماته لقادر. وإنما قلت هذا أولى الاقوال في ذلك بالصواب، لقوله: يوم تبلى السرائر فكان في إتباعه قوله: إنه على رجعه لقادر نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضا منه، ومنه يوم تبلى السرائر يقول تعالى ذكره: إنه على إحيائه بعد مماته لقادر، يوم تبلى السرائر فاليوم من صفة الرجع، لان المعنى: إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر. وعني بقوله: يوم تبلى السرائر يوم تختبر سرائر العباد، فيظهر منها يومئذ ما كان في الدنيا مستخفيا عن أعين العباد، من الفرائض التي كان الله ألزمه إياها، وكلفه العمل بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28608 - حدثت عن عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، في قوله: يوم تبلى السرائر قال: ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة، وهو السرائر ولو شاء أن يقول: قد صمت وليس بصائم، وقد صليت ولم يصل، وقد اغتسلت ولم يغتسل. 28609 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم تبلى السرائر إن هذه السرائر مختبرة، فأسروا خيرا وأعلنوه إن استطعتم، ولا قوة إلا بالله. 28610 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان يوم تبلى السرائر قال: تختبر. وقوله: فما له من قوة ولا ناصر يقول تعالى ذكره: فما للانسان الكافر يومئذ من قوة يمتنع بها من عذاب الله، وأليم نكاله، ولا ناصر ينصره، فيستنقذه ممن ناله بمكروه، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوة من عشيرته، يمتنع بهم ممن أراده بسوء، وناصر من حليف ينصره على من ظلمه واضطهده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28611 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما له من قوة ولا ناصر ينصره من الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ولا ناصر قال: من قوة يمتنع بها، ولا ناصر ينصره من الله.
[ 185 ]
28612 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن سفيان الثوري، في قوله: من قوة ولا ناصر قال: القوة: العشيرة، والناصر: الحليف. القول في تأويل قوله تعالى: * (والسماء ذات الرجع ئ والارض ذات الصدع ئ إنه لقول فصل ئ وما هو بالهزل ئ إنهم يكيدون كيدا ئ وأكيد كيدا ئ فمهل الكافرين أمهلهم رويدا) *. يقول تعالى ذكره: والسماء ذات الرجع ترجع بالغيوم وأرزاق العباد كل عام ومنه قول المتنخل في صفة سيف: أبيض كالرجع رسوب إذاما ثاخ في محتفل يختلي وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28613 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس. والسماء ذات الرجع قال: السحاب فيه المطر. حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: والسماء ذات الرجع قال: ذات السحاب فيه المطر. 28614 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والسماء ذات الرجع يعني بالرجع: القطر والرزق كل عام. 28615 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: والسماء ذات الرجع قال: ترجع بأرزاق الناس كل عام قال أبو رجاء: سئل عنها عكرمة، فقال: رجعت بالمطر. 28616 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ذات الرجع قال: السحاب يمطر، ثم يرجع بالمطر.
[ 186 ]
28617 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والسماء ذات الرجع قال: ترجع بأرزاق العباد كل عام، لولا ذلك هلكوا وهلكت مواشيهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: والسماء ذات الرجع قال: ترجع بالغيث كل عام. 28618 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والسماء ذات الرجع يعني: المطر. وقال آخرون: يعني بذلك: أن شمسها وقمرها يغيب ويطلع. ذكر من قال ذلك: 28619 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والسماء ذات الرجع قال: شمسها وقمرها ونجومها يأتين من ها هنا. وقوله: والارض ذات الصدع يقول تعالى ذكره: والارض ذات الصدع بالنبات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28620 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس والارض ذات الصدع قال: ذات النبات. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والارض ذات الصدع يقول: صدعها إخراج النبات في كل عام. 28621 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن والارض ذات الصدع قال: هذه تصدع عما تحتها قال أبو رجاء: وسئل عنها عكرمة، فقال: هذه تصدع عن الرزق. 28622 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، عن ابن أبي نجيح، قال مجاهد والارض ذات الصدع مثل المأزم مأزم منى. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والارض ذات الصدع قال: الصدع: مثل المأزم، غير الاودية وغير الجرف.
[ 187 ]
28623 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والارض ذات الصدع تصدع عن الثمار وعن النبات، كما رأيتم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والارض ذات الصدع قال: تصدع عن النبات. 28224 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والارض ذات الصدع وقرأ: ثم شققنا الارض شقا فأنبتنا فيه حبا وعنبا وقضبا إلى آخر الآية، قال: صدعها للحرث. 28625 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والارض ذات الصدع: النبات. وقوله: إنه لقول فصل يقول تعالى ذكره: إن هذا القول وهذا الخبر لقول فصل: يقول: لقول يفصل بين الحق والباطل ببيانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف منهم في العبارة عنه، فقال بعضهم: لقول حق. وقال بعضهم: لقول حكم. ذكر من قال ذلك: 28626 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنه لقول فصل يقول: حق. 28627 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنه لقول فصل: أي حكم. وقوله: وما هو بالهزل يقول: وما هو باللعب ولا الباطل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28628 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وما هو بالهزل يقول: بالباطل. 28629 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما هو بالهزل قال: باللعب.
[ 188 ]
وقوله: إنهم يكيدون كيدا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء المكذبين بالله ورسوله والوعد والوعيد يمكرون مكرا. وقوله: وأكيد كيدا يقول: وأمكر مكرا ومكره جل ثناؤه بهم: إملاؤه إياهم على معصيتهم وكفرهم به. وقوله: فمهل الكافرين يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فمهل يا محمد الكافرين ولا تعجل عليهم أمهلهم رويدا يقول: أمهلهم آنا قليلا، وأنظرهم للموعد الذي هو وقت حلول النقمة بهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28630 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أمهلهم رويدا يقول: قريبا. 28631 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أمهلهم رويدا الرويد: القليل. 28632 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فمهل الكافرين أمهلهم رويدا قال: مهلهم، فلا تعجل عليهم تركهم، حتى لما أراد الانتصار منهم، أمره بجهادهم وقتالهم، والغلظة عليهم. آخر تفسير سورة والسماء والطارق
[ 189 ]
سورة الاعلى مكية وآياتها تسع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (سبح اسم ربك الاعلى ئ الذي خلق فسوى ئ والذي قدر فهدى ئ والذي أخرج المرعى ئ فجعله غثاء أحوى ئ سنقرئك فلا تنسى ئ إلا ما شآء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: سبح اسم ربك الاعلى فقال بعضهم: معناه: عظم ربك الاعلى، لا رب أعلى منه وأعظم. وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال: سبحان ربي الاعلى. ذكر من قال ذلك: 28633 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر أنه كان يقرأ: سبح اسم ربك الاعلى: سبحان ربي الاعلى الذي خلق فسوى قال: وهي في قراءة أبي بن كعب كذلك. 28634 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن عبد خير، قال: سمعت عليا رضي الله عنه قرأ: سبح اسم ربك الاعلى فقال: سبحان ربي الاعلى. 28635 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن أبي إسحاق الهمداني، أن ابن عباس كان إذا قرأ: سبح اسم ربك الاعلى يقول: سبحان ربي الاعلى، وإذا قرأ: لا أقسم بيوم القيامة فأتى على آخرها أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ يقول: سبحانك اللهم وبلى.
[ 190 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سبح اسم ربك الاعلى ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الاعلى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن داود، عن زياد بن عبد الله، قال: سمعت ابن عباس يقرأ في صلاة المغرب سبح اسم ربك الاعلى سبحان ربي الاعلى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: نزه يا محمد اسم ربك الاعلى، أن تسمي به شيئا سواه، ينهاه بذلك أن يفعل ما فعل من ذلك المشركون، من تسميتهم آلهتهم بعضها اللات، وبعضها العزى. وقال غيرهم: بل معنى ذلك: نزه الله عما يقول فيه المشركون كما قال: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم. وقالوا: معنى ذلك: سبح ربك الاعلى قالوا: وليس الاسم معنى. وقال آخرون: نزه تسميتك يا محمد ربك الاعلى وذكرك إياه، أن تذكره إلا وأنت له خاشع متذلل قالوا: وإنما عني بالاسم: التسمية، ولكن وضع الاسم مكان المصدر. وقال آخرون: معنى قوله: سبح اسم ربك الاعلى: صل بذكر ربك يا محمد، يعني بذلك: صل وأنت له ذاكر، ومنه وجل خائف. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب: قول من قال: معناه: نزه اسم ربك أن تدعو به الآلهة والاوثان، لما ذكرت من الاخبار، عن رسول الله (ص)، وعن الصحابة أنهم كانوا إذا قرأوا ذلك قالوا: سبحان ربي الاعلى، فبين بذلك أن معناه كان عندهم معلوما: عظم اسم ربك، ونزهه. وقوله: الذي خلق فسوى يقول: الذي خلق الاشياء فسوى خلقها، وعدلها والتسوية التعديل. وقوله: والذي قدر فهدى يقول تعالى ذكره: والذي قدر خلقه فهدى. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عني بقوله: فهدى، فقال بعضهم: هدى الانسان لسبيل الخير والشر، والبهائم للمراتع. ذكر من قال ذلك:
[ 191 ]
28637 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قدر فهدى قال: هدى الانسان للشقوة والسعادة، وهدى الانعام لمراتعها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: هدى الذكور لمأتى الاناث. وقد ذكرنا الرواية بذلك فيما مضى. والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله عم بقوله فهدى الخبر عن هدايته خلقه، ولم يخصص من ذلك معنى دون معنى، وقد هداهم لسبيل الخير والشر، وهدى الذكور لمأتى الاناث، فالخبر على عمومه، حتى يأتي خبر تقوم به الحجة، دال على خصوصه. واجتمعت قراء الامصار على تشديد الدال من قدر، غير الكسائي فإنه خففها. والصواب في ذلك التشديد، لاجماع الحجة عليه. وقوله: والذي أخرج المرعى يقول: والذي أخرج من الارض مرعى الانعام، من صنوف النبات وأنواع الحشيش. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28638 - حدثني يعقوب بن مكرم، قال: ثنا الحفري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين أخرج المرعى قال: النبات. 28639 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذي أخرج المرعى... الآية، نبت كما رأيتم، بين أصفر وأحمر وأبيض. وقوله: فجعله غثاء أحوى يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعى غثاء، وهو ما جف من النبات ويبس، فطارت به الريح وإنما عني به ههنا أنه جعله هشيما يابسا متغيرا إلى الحوة، وهي السواد، من بعد البياض أو الخضرة، من شدة اليبس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28640 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: غثاء أحوى يقول: هشيما متغيرا. 28641 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غثاء أحوى قال: غثاء السيل أحوى، قال: أسود.
[ 192 ]
28642 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: غثاء أحوى قال: يعود يبسا بعد خضرة. 28643 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فجعله غثاء أحوى قال: كان بقلا ونباتا أخضر، ثم هاج فيبس، فصار غثاء أحوى، تذهب به الرياح والسيول. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى: أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتل لقوله ذلك بقول ذي الرمة: حواء قرحاء أشراطية وكفت فيها الذهاب وحفتها البراعيم وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلا بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فإما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير. وقوله: سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله يقول تعالى ذكره: سنقرئك يا محمد هذا القرآن فلا تنساه، إلا ما شاء الله. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله فلا تنسى إلا ما شاء الله فقال بعضهم: هذا إخبار من الله نبيه عليه الصلاة والسلام أنه يعلمه هذا القرآن، ويحفظه عليه، ونهي منه أن يعجل بقراءته، كما قال جل ثناؤه: لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه. ذكر من قال ذلك: 28644 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 193 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سنقرئك فلا تنسى قال: كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى. فقال قائلو هذه المقالة: معنى الاستثناء في هذا الموضع على النسيان، ومعنى الكلام: فلا تنسى، إلا ما شاء الله أن تنساه، ولا تذكره، قالوا: ذلك هو ما نسخه الله من القرآن، فرفع حكمه وتلاوته. ذكر من قال ذلك: 28645 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سنقرئك فلا تنسى كان (ص) لا ينسى شيئا إلا ما شاء الله. وقال آخرون: معنى النسيان في هذا الموضع: الترك وقالوا: معنى الكلام: سنقرئك يا محمد فلا تترك العمل بشئ منه، إلا ما شاء الله أن تترك العمل به، مما ننسخه. وكان بعض أهل العربية يقول في ذلك: لم يشأ الله أن تنسى شيئا، وهو كقوله: خالدين فيها ما دامت السموات والارض إلا ما شاء ربك ولا يشاء. قال: وأنت قائل في الكلام: لاعطينك كل ما سألت إلا ما شئت، وإلا أن أشاء أن أمنعك، والنية أن لا تمنعه، ولا تشاء شيئا. قال: وعلى هذا مجاري الايمان، يستثنى فيها، ونية الحالف: اللمام. والقول الذي هو أولى بالصواب عندي، قول من قال: معنى ذلك: فلا تنسى إلا أن نشاء نحن أن ننسيكه بنسخه ورفعه. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لان ذلك أظهر معانيه. وقوله: إنه يعلم الجهر وما يخفى يقول تعالى ذكره: إن الله يعلم الجهر يا محمد من عملك، ما أظهرته وأعلنته وما يخفى يقول: وما يخفى منه فلم تظهره، مما كتمته، يقول: هو يعلم جميع أعمالك، سرها وعلانيتها يقول: فاحذره أن يطلع عليك وأنت عامل في حال من أحوالك بغير الذي أذن لك به. القول في تأويل قوله تعالى: * (ونيسرك لليسرى ئ فذكر إن نفعت الذكرى ئ سيذكر من يخشى ئ ويتجنبها الاشقى ئ الذى يصلى النار الكبرى ئ ثم لا يموت فيها ولا يحيا) *. يقول تعالى ذكره: ونسهلك يا محمد لعمل الخير، وهو اليسرى واليسرى: هو الفعلى من اليسر.
[ 194 ]
وقوله: فذكر إن نفعت الذكرى يقول تعالى ذكره: فذكر عباد الله يا محمد عظمته، وعظهم، وحذرهم عقوبته إن نفعت الذكرى يقول: إن نفعت الذكرى الذين قد آيستك من إيمانهم، فلا تنفعهم الذكرى. وقوله فذكر أمر من الله لنبيه (ص) بتذكير جميع الناس، ثم قال: إن نفعت الذكرى هؤلاء الذين قد آيستك من إيمانهم. وقوله: سيذكر من يخشى يقول جل ثناؤه: سيذكر يا محمد إذا ذكرت الذين أمرتك بتذكيرهم من يخشى الله، ويخاف عقابه ويتجنبها يقول: ويتجنب الذكرى الاشقى يعني: أشقى الفريقين الذي يصلى النار الكبرى وهم الذين لم تنفعهم الذكرى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28646 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى فاتقوا الله، ما خشي الله عبد قط إلا ذكره ويتجنبها الاشقى فلا والله لا يتنكب عبد هذا الذكر زهدا فيه وبغضا لاهله، إلا شقي بين الشقاء. وقوله: الذي يصلى النار الكبرى يقول: الذي يرد نار جهنم، وهي النار الكبرى، ويعني بالكبرى لشدة الحر والالم. وقوله: ثم لا يموت فيها ولا يحيا يقول: ثم لا يموت في النار الكبرى ولا يحيا، وذلك أن نفس أحدهم تصير فيها في حلقه، فلا تخرج فتفارقه فيموت، ولا ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا. وقيل: لا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة تنفعه. وقال آخرون: قيل ذلك، لان العرب كانت إذا وصفت الرجل بوقوع في شدة شديدة، قالوا: لا هو حي، ولا هو ميت، فخاطبهم الله بالذي جرى به ذلك من كلامهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد أفلح من تزكى ئ وذكر اسم ربه فصلى ئ بل تؤثرون الحياة الدنيا ئ والآخرة خير وأبقى ئ إن هذا لفي الصحف الاولى ئ صحف إبراهيم وموسى) *. يقول تعالى ذكره: قد نجح وأدرك طلبته من تطهر من الكفر ومعاصي الله، وعمل بما أمره الله به، فأدى فرائضه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 195 ]
28647 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: قد أفلح من تزكى يقول: من تزكى من الشرك. 28648 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن عبد الله الانصاري، قال: ثنا هشام، عن الحسن، في قوله قد أفلح من تزكى قال: من كان عمله زاكيا. 28649 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قد أفلح من تزكى قال: يعمل ورعا. 28650 - حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم، عن عكرمة، في قوله: قد أفلح من تزكى من قال: لا إله إلا الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: قد أفلح من أدى زكاة ماله. ذكر من قال ذلك: 28651 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن علي بن الاقمر، عن أبي الاحوص قد أفلح من تزكى قال: من استطاع أن يرضخ فليفعل، ثم ليقم فليصل. حدثنا محمد بن عمارة الرازي، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا سفيان، عن علي بن الاقمر، عن أبي الاحوص قد أفلح من تزكى قال: من رضخ. 28652 - حدثنا محمد بن عمارة، قال: ثنا عثمان بن سعيد بن مرة، قال: ثنا زهير، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، قال: إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة، فليقدم بين يدي صلاته زكاته، فإن الله يقول: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى فمن استطاع أن يقدم بين يدي صلاته زكاة فليفعل. 28653 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قد أفلح من تزكى تزكى رجل من ماله، وأرضى خالقه. وقال آخرون: بل عنى بذلك زكاة الفطر. ذكر من قال ذلك: 28654 - حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن أبي خلدة، قال: دخلت على أبي العالية، فقال لي: إذا غدوت غدا إلى العيد فمر بي، قال:
[ 196 ]
فمررت به، فقال: هل طعمت شيئا ؟ قلت: نعم، قال: أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني ما فعلت بزكاتك ؟ قلت: قد وجهتها، قال: إنما أردتك لهذا، ثم قرأ: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها، ومن سقاية الماء. وقوله: وذكر اسم ربه فصلى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وذكر اسم ربه فصلى فقال بعضهم: معنى ذلك: وحد الله. ذكر من قال ذلك: 28655 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وذكر اسم ربه فصلى يقول: وحد الله سبحانه وتعالى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وذكر الله ودعاه ورغب إليه. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: وذكر الله فوحده، ودعاه ورغب إليه، لان كل ذلك من ذكر الله، ولم يخصص الله تعالى من ذكره نوعا دون نوع. وقوله: فصلى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عني به: فصلى الصلوات الخمس. ذكر من قال ذلك: 28656 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فصلى يقول: صلى الصلوات الخمس. وقال آخرون: عني به: صلاة العيد يوم الفطر. وقال آخرون: بل عني به: وذكر اسم ربه فدعا وقالوا: الصلاة ههنا: الدعاء. والصواب من القول أن يقال: عني بقوله: فصلى: الصلوات، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء. وقوله: بل تؤثرون الحياة الدنيا يقول للناس: بل تؤثرون أيها الناس زينة الحياة الدنيا على الآخرة والآخرة خير لكم وأبقى يقول: وزينة الآخرة خير لكم أيها الناس وأبقى بقاء، لان الحياة الدنيا فانية، والآخرة باقية، لا تنفد ولا تفنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28657 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة بل تؤثرون الحياة
[ 197 ]
الدنيا فاختار الناس العاجلة إلا من عصم الله. وقوله: والآخرة خير في الخير وأبقى في البقاء. 28658 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن عطاء، عن عرفجة الثقفي، قال: استقرأت ابن مسعود سبح اسم ربك الاعلى، فلما بلغ: بل تؤثرون الحياة الدنيا ترك القراءة، وأقبل على أصحابه، وقال: آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال: آثرنا الدنيا لانا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل، وتركنا الآجل. واختلفت القراء في قراءة قوله: بل تؤثرون الحياة الدنيا فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: بل تؤثرون بالتاء، إلا أبا عمرو، فإنه قرأه بالياء، وقال: يعني الاشقياء. والذي لا أوثر عليه في قراءة ذلك التاء، لاجماع الحجة من القراء عليه. وذكر أن ذلك في قراءة أبي: بل أنتم تؤثرون فذلك أيضا شاهد لصحة القراءة بالتاء. وقوله: إن هذا لفي الصحف الاولى اختلف أهل التأويل في الذي أشير إليه بقوله هذا، فقال بعضهم: أشير به إلى الآيات التي في سبح اسم ربك الاعلى. ذكر من قال ذلك: 28659 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة إن هذا لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى يقول: الآيات التي في سبح اسم ربك الاعلى. وقال آخرون: قصة هذه السورة. ذكر من قال ذلك: 28660 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية إن هذا لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى قال: قصة هذه السورة لفي الصحف الاولى. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن هذا الذي قص الله تعالى في هذه السورة لفي الصحف الاولى. ذكر من قال ذلك:
[ 198 ]
28661 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إن هذا لفي الصحف الاولى قال: إن هذا الذي قص الله في هذه السورة، لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى. وقال آخرون: بل عني بذلك في قوله: والآخرة خير وأبقى في الصحف الاولى. ذكر من قال ذلك: 28662 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن هذا لفي الصحف الاولى قال: تتابعت كتب الله كما تسمعون، أن الآخرة خير وأبقى. 28663 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن هذا لفي الصحف الاولى صحف إبراهيم وموسى قال: في الصحف التي أنزلها الله على إبراهيم وموسى: أن الآخرة خير من الاولى. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: إن قوله: قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى: لفي الصحف الاولى، صحف إبراهيم خليل الرحمن، وصحف موسى بن عمران. وإنما قلت: ذلك أولى بالصحة من غيره، لان هذا إشارة إلى حاضر، فلان يكون إشارة إلى ما قرب منها، أولى من أن يكون إشارة إلى غيره. وأما الصحف: فإنها جمع صحيفة، وإنما عني بها: كتب إبراهيم وموسى. 28664 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أبي الخلد، قال: نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست ليال خلون من رمضان، وأنزل الزبور لاثنتي عشرة ليلة، وأنزل الانجيل لثماني عشرة، وأنزل الفرقان لاربع وعشرين. آخر تفسير سورة سبح اسم ربك الاعلى
[ 199 ]
سورة الغاشية مكية وآياتها ست وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (هل أتاك حديث الغاشية ئ وجوه يومئذ خاشعة ئ عاملة ناصبة ئ تصلى نارا حامية ئ تسقى من عين آنية ئ ليس لهم طعام إلا من ضريع ئ لا يسمن ولا يغني من جوع) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): هل أتاك يا محمد حديث الغاشية يعني: قصتها وخبرها. واختلف أهل التأويل في معنى الغاشية، فقال بعضهم: هي القيامة تغشى الناس بالاهوال. ذكر من قال ذلك: 28665 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس الغاشية من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. 28666 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل أتاك حديث الغاشية قال: الغاشية: الساعة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: هل أتاك حديث الغاشية قال: الساعة. وقال آخرون: بل الغاشية: النار تغشى وجوه الكفرة. ذكر من قال ذلك: 28667 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن سعيد، في قوله: هل أتاك حديث الغاشية قال: غاشية النار....
[ 200 ]
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله قال لنبيه (ص): هل أتاك حديث الغاشية ولم يخبرنا أنه عنى غاشية القيامة، ولا أنه عنى غاشية النار، وكلتاهما غاشية، هذه تغشى الناس بالبلاء والاهوال والكروب، وهذه تغشى الكفار باللفح في الوجوه، والشواظ والنحاس، فلا قول في ذلك أصح من أن يقال كما قال جل ثناؤه، ويعم الخبر بذلك كما عمه. وقوله: وجوه يومئذ خاشعة يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ، وهي وجوه أهل الكفر به. خاشعة: يقول: ذليلة. ذكر من قال ذلك: 28668 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجوه يومئذ خاشعة: أي ذليلة. 28669 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: خاشعة قال: خاشعة في النار. وقوله: عاملة يعني: عاملة في النار. وقوله: ناصبة يقول: ناصبة فيها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28670 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عاملة ناصبة فإنها تعمل وتنصب في النار. 28671 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن، قرأ: عاملة ناصبة قال: لم تعمل لله في الدنيا، فأعملها في النار. 28672 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة عاملة ناصبة تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: عاملة ناصبة قال: عاملة ناصبة في النار. 28673 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عاملة ناصبة قال: لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار. وقوله: تصلى نارا حامية يقول تعالى ذكره: ترد هذه الوجوه نارا حامية قد حميت واشتد حرها.
[ 201 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة تصلى بفتح التاء، بمعنى: تصلى الوجوه. وقرأ ذلك أبو عمرو: تصلى بضم التاء اعتبارا بقوله: تسقى من عين آنية، والقول في ذلك أنهما قراءتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: تسقى من عين آنية يقول: تسقى أصحاب هذه الوجوه من شراب عين قد أنى حرها، فبلغ غايته في شدة الحر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28674 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: تسقى من عين آنية قال: هي التي قد أطال أنيها. 28675 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: تسقى من عين آنية قال: أنى طبخها منذ يوم خلق الله الدنيا. 28676 - حدثني به يعقوب مرة أخرى، فقال: منذ يوم خلق الله السموات والارض. 28677 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: من عين آنية قال: قد بلغت إناها، وحان شربها. 28678 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: تسقى من عين آنية يقول: قد أنى طبخها منذ خلق الله السموات والارض. 28679 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: من عين آنية قال: من عين أنى حرها: يقول: قد بلغ حرها. وقال بعضهم: عني بقوله: من عين آنية من عين حاضرة. ذكر من قال ذلك: 28680 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تسقى من عين آنية قال: آنية: حاضرة. وقوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول: ليس لهؤلاء الذين هم أصحاب الخاشعة العاملة الناصبة يوم القيامة، طعام إلا ما يطعمونه من ضريع. والضريع عند العرب: نبت يقال له الشبرق، وتسميه أهل الحجاز الضريع إذا يبس، ويسميه غيرهم: الشبرق، وهو سم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 202 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الضريع: الشبرق. 28682 - حدثني محمد بن عبيدة المحاربي، قال: ثنا عباد بن يعقوب الاسدي، قال محمد: ثنا، وقال عباد: أخبرنا محمد بن سليمان، عن عبد الرحمن الاصبهاني، عن عكرمة في قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الشبرق. 28683 - حدثني يعقوب، قال: ثنا إسماعيل بن علية، عن أبي رجاء، قال: ثني نجدة، رجل من عبد القيس عن عكرمة، في قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: هي شجرة ذات شوك، لاطئة بالارض، فإذا كان الربيع سمتها قريش الشبرق، فإذا هاج العود سمتها الضريع. 28684 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الشبرق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ضريع قال: الشبرق اليابس. 28685 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلا من ضريع قال: هو الشبرق إذا يبس يسمى الضريع. 28686 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول: من شر الطعام، وأبشعه وأخبثه. 28687 - حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا شريك بن عبد الله، في قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الشبرق. وقال آخرون: الضريع: الحجارة. ذكر من قال ذلك: 28688 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الحجارة. وقال آخرون: الضريع: شجر من نار. ذكر من قال ذلك:
[ 203 ]
28689 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع يقول: شجر من نار. 28690 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ليس لهم طعام إلا من ضريع قال: الضريع: الشوك من النار. قال: وأما في الدنيا فإن الضريع: الشوك اليابس الذي ليس له ورق، تدعوه العرب الضريع، وهو في الآخرة شوك من نار. وقوله: لا يسمن ولا يغني من جوع يقول: لا يسمن هذا الضريع يوم القيامة أكلته من أهل النار، ولا يغني من جوع يقول: ولا يشبعهم من جوع يصيبهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وجوه يومئذ ناعمة ئ لسعيها راضية ئ في جنة عالية ئ لا تسمع فيها لاغية ئ فيها عين جارية ئ فيها سرر مرفوعة ئ وأكواب موضوعة ئ ونمارق مصفوفة ئ وزرابي مبثوثة) *. يقول تعالى ذكره: وجوه يومئذ يعني: يوم القيامة ناعمة يقول: هي ناعمة بتنعيم الله أهلها في جناته، وهم أهل الايمان بالله. وقوله: لسعيها راضية يقول: لعملها الذي عملت في الدنيا من طاعة ربها راضية. وقيل: لسعيها راضية والمعنى: لثواب سعيها في الآخرة راضية. وقوله: في جنة عالية وهي بستان. عالية: يعني رفيعة. وقوله: لا تسمع فيها لاغية يقول: لا تسمع هذه الوجوه، المعنى لاهلها، فيها في الجنة العالية لاغية. يعني باللاغية: كلمة لغو. واللغو: الباطل، فقيل للكلمة التي هي لغو لاغية، كما قيل لصاحب الدرع: دارع، ولصاحب الفرس: فارس، ولقائل الشعر شاعر وكما قال الحطيئة: أغررتني وزعمت أن ك لابن بالصيف تامر
[ 204 ]
يعني: صاحب لبن، وصاحب تمر. وزعم بعض الكوفيين أن معنى ذلك: لا تسمع فيها حالفة على الكذب، ولذلك قيل لاغية ولهذا الذي قاله مذهب ووجه، لولا أن أهل التأويل من الصحابة والتابعين على خلافه، وغير جائز لاحد خلافهم فيما كانوا عليه مجمعين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28691 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لا تسمع فيها لاغية يقول: لا تسمع أذى ولا باطلا. 28692 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا تسمع فيها لاغية قال: شتما. 28693 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا تسمع فيها لاغية: لا تسمع فيها باطلا، ولا شاتما. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض قراء المدينة وهو أبو جعفر لا تسمع بفتح التاء، بمعنى: لا تسمع الوجوه. وقرأ ذلك ابن كثير ونافع وأبو عمرو: لا تسمع بضم التاء، بمعنى ما لم يسم فاعله، ويؤنث تسمع، لتأنيث لاغية. وقرأ ابن محيصن بالضم أيضا، غير أنه كان يقرؤها بالياء، على وجه التذكير. والصواب من القول في ذلك عندي، أن كل ذلك قراءات معروفات صحيحات المعاني، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب. وقوله: فيها عين جارية يقول: في الجنة العالية عين جارية في غير أخدود. وقوله: فيها سرر مرفوعة والسرر: جمع سرير، مرفوعة ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من النعيم والملك فيها، ويلحق جميع ذلك بصره. وقيل: عني بقول مرفوعة: موضونة. ذكر من قال ذلك: 28694 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فيها سرر مرفوعة يعني: موضونة، كقوله: سرر مصفوفة، بعضها فوق بعض.
[ 205 ]
وقوله: وأكواب موضوعة وهي جمع كوب، وهي الاباريق التي لا آذان لها. وقد بينا ذلك فيما مضى، وذكرنا ما فيه من الرواية، بما أغنى عن إعادته. وعني بقوله: موضوعة: أنها موضوعة على حافة العين الجارية، كلما أرادوا الشرب، وجدوها ملاى من الشراب. وقوله: ونمارق مصفوفة يعني بالنمارق: الوسائد والمرافق والنمارق: واحدها نمرقة، بضم النون. وقد حكي عن بعض كلب سماعا نمرقة، بكسر النون والراء. وقيل: مصفوفة لان بعضها بجنب بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28695 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ونمارق مصفوفة يقول: المرافق. 28696 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ونمارق مصفوفة يعني بالنمارق: المجالس. 28697 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ونمارق مصفوفة والنمارق: الوسائد. وقوله: وزرابي مبثوثة يقول تعالى ذكره: وفيها طنافس وبسط كثيرة مبثوثة مفروشة، والواحدة: زربية، وهي الطنفسة التي لها خمل رقيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28698 - حدثنا أحمد بن منصور، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن سفيان، قال: ثنا توبة العنبري، عن عكرمة بن خالد، عن عبد الله بن عمار، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي على عبقري، وهو الزرابي. 28699 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وزرابي مبثوثة: المبسوطة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت ئ وإلى السماء كيف رفعت ئ وإلى الجبال كيف نصبت ئ وإلى الارض كيف سطحت) *.
[ 206 ]
يقول تعالى ذكره لمنكري قدرته على ما وصف في هذه السورة، من العقاب والنكال الذي أعده لاهل عداوته، والنعيم والكرامة التي أعدها لاهل ولايته: أفلا ينظر هؤلاء المنكرون قدرة الله على هذه الامور، إلى الابل كيف خلقها، وسخرها لهم وذللها، وجعلها تحمل حملها باركة، ثم تنهض به، والذي خلق ذلك غير عزيز عليه أن يخلق ما وصف من هذه الامور في الجنة والنار، يقول جل ثناؤه: أفلا ينظرون إلى الابل، فيعتبرون بها، ويعلمون أن القدرة التي قدر بها على خلقها، لن يعجزه خلق ما شابهها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28700 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: لما نعت الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل الله: أفلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت فكانت الابل من عيش العرب ومن خولهم. 28701 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عمن سمع شريحا يقول: اخرجوا بنا ننظر إلى الابل كيف خلقت. وقوله: وإلى السماء كيف رفعت يقول جل ثناؤه: أفلا ينظرون أيضا إلى السماء كيف رفعها الذي أخبركم أنه معد لاوليائه ما وصف، ولاعدائه ما ذكر، فيعلموا أن قدرته القدرة التي لا يعجزه فعل شئ أراد فعله. وقوله: وإلى الجبال كيف نصبت يقول: وإلى الجبال كيف أقيمت منتصبة لا تسقط، فتنبسط في الارض، ولكنها جعلها بقدرته منتصبة جامدة، لا تبرح مكانها، ولا تزول عن موضعها. وقد: 28702 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإلى الجبال كيف نصبت تصاعد إلى الجبل الصيخود عامة يومك، فإذا أفضيت إلى أعلاه، أفضيت إلى عيون متفجرة، وثمار متهدلة ثم لم تحرثه الايدي ولم تعمله، نعمة من الله، وبلغة الاجل. وقوله: وإلى الارض كيف سطحت يقول: وإلى الارض كيف بسطت، يقال: جبل مسطح: إذا كان في أعلاه استواء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 207 ]
28703 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإلى الارض كيف سطحت: أي بسطت، يقول: أليس الذي خلق هذا بقادر على أن يخلق ما أراد في الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (فذكر إنما أنت مذكر ئ لست عليهم بمسيطر ئ إلا من تولى وكفر ئ فيعذبه الله العذاب الاكبر ئ إن إلينآ إيابهم ئ ثم إن علينا حسابهم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فذكر يا محمد عبادي بآياتي، وعظهم بحججي، وبلغهم رسالتي إنما أنت مذكر يقول: إنما أرسلتك إليهم مذكرا، لتذكرهم نعمتي عندهم، وتعرفهم اللازم لهم، وتعظهم. وقوله: لست عليهم بمسيطر يقول: لست عليهم بمسلط، ولا أنت بجبار، تحملهم على ما تريد. يقول: كلهم إلي، ودعهم وحكمي فيهم يقال: قد تسيطر فلان على قومه: إذا تسلط عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28704 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لست عليهم بمسيطر يقول: لست عليهم بجبار. 28705 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لست عليهم بمسيطر: أي كل إلي عبادي. 28706 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بمسيطر قال: جبار. 280707 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر قال: لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الايمان، قال: ثم جاء بعد هذا: جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وقال اقعدوا لهم كل مرصد وارصدوهم لا يخرجوا في البلاد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم قال: فنسخت لست عليهم بمسيطر
[ 208 ]
قال: جاء اقتله أو يسلم قال: والتذكرة كما هي لم تنسخ. وقرأ: فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله، عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وحسابهم على الله ثم قرأ: إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي الزبير محمد بن مسلم، قال: سمعت جابر ابن عبد الله، يقول: سمعت النبي (ص) يقول، فذكر مثله، إلا أنه قال: قال أبو الزبير: ثم قرأ إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر. حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي الزبير، عن جابر، عن رسول الله (ص) مثله. وقوله: إلا من تولى وكفر يتوجه لوجهين: أحدهما: فذكر قومك يا محمد، إلا من تولى منهم عنك، وأعرض عن آيات الله فكفر، فيكون قوله إلا استثناء من الذين كان التذكير عليهم، وإن لم يذكروا، كما يقال: مضى فلان، فدعا إلا من لا ترجى إجابته، بمعنى: فدعا الناس إلا من لا ترجى إجابته. والوجه الثاني: أن يجعل قوله: إلا من تولى وكفر منقطعا عما قبله، فيكون معنى الكلام حينئذ: لست عليهم بمسيطر، إلا من تولى وكفر، يعذبه الله، وكذلك الاستثناء المنقطع يمتحن بأن يحسن معه إن، فإذا حسنت معه كان منقطعا، وإذا لم تحسن كان استثناء متصلا صحيحا، كقول القائل: سار القوم إلا زيدا، ولا يصلح دخول إن ههنا لانه استثناء صحيح. وقوله: فيعذبه الله العذاب الاكبر: هو عذاب جهنم، يقول: فيعذبه الله العذاب الاكبر على كفره في الدنيا، وعذاب جهنم في الآخرة. وقوله: إن إلينا إيابهم يقول: إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم ثم إن علينا
[ 209 ]
حسابهم يقول: ثم إن على الله حسابه، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه، يعلم بذلك نبيه محمدا (ص) أنه المتولي عقوبته دونه، وهو المجازي والمعاقب، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28709 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا من تولى وكفر قال: حسابه على الله. 28710 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم يقول: إن إلى الله الاياب، وعليه الحساب. آخر تفسير سورة الغاشية
[ 210 ]
سورة الفجر مكية وآياتها ثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والفجر ئ وليال عشر ئ والشفع والوتر ئ والليل إذا يسر ئ هل في ذلك قسم لذى حجر) *. هذا قسم أقسم ربنا جل ثناؤه بالفجر، وهو فجر الصبح. واختلف أهل التأويل في الذي عني بذلك، فقال بعضهم: عني به النهار. ذكر من قال ذلك: 28711 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاغر المنقري، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس، قوله: والفجر قال: النهار. وقال آخرون: عني به صلاة الصبح. ذكر من قال ذلك: 28712 - حدثني محمد بن سعيد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والفجر يعني: صلاة الفجر. وقال آخرون: هو فجر الصبح. ذكر من قال ذلك: 28713 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عاصم الاحول، عن عكرمة، في قوله: والفجر قال: الفجر: فجر الصبح. 28714 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن
[ 211 ]
محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير أنه قال: والفجر قال: الفجر: قسم أقسم الله به. وقوله: وليال عشر اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أي ليال هي ؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة. 28715 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، و عبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن زرارة، عن ابن عباس، قال: إن الليالي العشر التي أقسم الله بها، هي ليالي العشر الاول من ذي الحجة. 28716 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وليال عشر: عشر الاضحى قال: ويقال: العشر: أول السنة من المحرم. 28717 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير وليال عشر: أول ذي الحجة إلى يوم النحر. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عوف، قال: ثنا زرارة بن أوفى، قال: قال ابن عباس: إن الليالي العشر اللاتي أقسم الله بهن: هن الليالي الاول من ذي الحجة. 28718 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن مسروق وليال عشر قال: عشر ذي الحجة، وهي التي وعد الله موسى (ص). 28719 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عاصم الاحول، عن عكرمة وليال عشر قال: عشر ذي الحجة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاغر المنقري، عن خليفة بن حصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس وليال عشر قال: عشر الاضحى. 28720 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وليال عشر قال: عشر ذي الحجة.
[ 212 ]
28721 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وليال عشر قال: كنا نحدث أنها عشر الاضحى. 28722 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، قال: ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر، وهي عشر موسى التي أتمها الله له. 28723 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أبي إسحاق، عن مسروق، قال: ليال العشر، قال: هي أفضل أيام السنة. 28724 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وليال عشر يعني: عشر الاضحى. 28725 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وليال عشر قال: أول ذي الحجة وقال: هي عشر المحرم من أوله. والصواب من القول في ذلك عندنا: أنها عشر الاضحى، لاجماع الحجة من أهل التأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القطواني: 28726 - حدثني قال: ثني زيد بن حباب، قال: أخبرني عياش بن عقبة، قال: ثني جبير بن نعيم، عن أبي الزبير، عن جابر، أن رسول الله (ص) قال: والفجر وليال عشر، قال: عشر الاضحى. وقوله: والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم اختلف أهل التأويل في الذي عني به من الوتر بقوله: والوتر فقال بعضهم: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة. ذكر من قال ذلك: 28727 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر، عن عوف، عن زرارة بن أوفى، عن ابن عباس، قال: الوتر: يوم عرفة، والشفع: يوم الذبح. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عوف، قال: ثنا زرارة بن أوفى، قال: قال ابن عباس: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة.
[ 213 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، قال: قال عكرمة، عن ابن عباس: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة. 28728 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، عن عكرمة والشفع والوتر قال: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة. 28729 - وحدثنا به مرة أخرى، فقال: الشفع: أيام النحر، وسائر الحديث مثله. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عاصم الاحول، عن عكرمة في قوله: والشفع قال: يوم النحر والوتر قال: يوم عرفة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، قال: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة. 28730 - قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن الضحاك وليال عشر، والشفع والوتر قال: أقسم الله بهن لما يعلم من فضلهن على سائر الايام، وخير هذين اليومين لما يعلم من فضلهما على سائر هذه الليالي. والشفع والوتر قال: الشفع: يوم النحر، والوتر: يوم عرفة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان عكرمة يقول: الشفع: يوم الاضحى، والوتر: يوم عرفة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال عكرمة: عرفة وتر، والنحر شفع، عرفة يوم التاسع، والنحر يوم العاشر. 28731 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة. وقال آخرون: الشفع: اليومان بعد يوم النحر، والوتر: اليوم الثالث. ذكر من قال ذلك: 28732 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والشفع والوتر قال: الشفع: يومان بعد يوم النحر، والوتر: يوم النفر الآخر، يقول الله: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه.
[ 214 ]
وقال آخرون: الشفع: الخلق كله، والوتر: الله. ذكر من قال ذلك: 28733 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والشفع والوتر قال: الله وتر وأنتم شفع، ويقال الشفع صلاة الغداة، والوتر صلاة المغرب. 28734 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والشفع والوتر قال: كل خلق الله شفع، السماء والارض، والبر والبحر، والجن والانس، والشمس والقمر، والله الوتر وحده. 28735 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: قال مجاهد، في قوله: ومن كل شئ خلقنا زوجين قال: الكفر والايمان: والسعادة والشقاوة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والارض، والجن والانس، والوتر: الله قال: وقال في الشفع والوتر مثل ذلك. 28736 - حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله والشفع والوتر قال: خلق الله من كل شئ زوجين، والله وتر واحد صمد. حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد والشفع والوتر قال: الشفع: الزوج، والوتر: الله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن جابر، عن مجاهد والشفع والوتر قال: الوتر: الله، وما خلق الله من شئ فهو شفع. وقال آخرون: عني بذلك الخلق، وذلك أن الخلق كله شفع ووتر. 28737 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله والشفع والوتر قال: الخلق كله شفع ووتر، وأقسم بالخلق. 28738 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن في ذلك: الخلق كله شفع
[ 215 ]
والشفع والوتر قال: كان أبي يقول: كل شئ خلق الله شفع ووتر، فأقسم بما خلق، وأقسم بما تبصرون وبما لا تبصرون. وقال آخرون: بل ذلك: الصلاة المكتوبة، منها الشفع كصلاة الفجر والظهر، ومنها الوتر كصلاة المغرب. ذكر من قال ذلك: 28739 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: كان عمران بن حصين يقول: الشفع والوتر: الصلاة. 28740 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والشفع والوتر قال عمران: هي الصلاة المكتوبة فيها الشفع والوتر. 28741 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس والشفع والوتر قال: ذلك صلاة المغرب، الشفع: الركعتان، والوتر: الركعة الثالثة. وقد رفع حديث عمران بن حصين بعضهم. ذكر من قال ذلك: 28742 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثني أبي، قال: ثني خالد بن قيس، عن قتادة، عن عمران بن عصام، عن عمران بن حصين، عن النبي (ص) في الشفع والوتر، قال: هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، أنه سئل عن الشفع والوتر، فقال: أخبرني عمران بن عصام الضبعي، عن شيخ من أهل البصرة، عن عمران بن حصين، عن النبي (ص)، قال: هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا همام بن يحيى، عن عمران بن عصام، عن شيخ من أهل البصرة، عن عمران بن حصين: أن رسول الله (ص) قال في هذه الآية والشفع والوتر قال: هي الصلاة منها شفع، ومنها وتر. 28743 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والشفع والوتر إن من الصلاة شفعا، وإن منها وترا. 28744 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا همام، عن قتادة، أنه سئل عن الشفع والوتر، فقال: قال الحسن: هو العدد.
[ 216 ]
وروي عن النبي (ص) خبر يؤيد القول الذي ذكرنا عن أبي الزبير. ذكر من قال ذلك: 28745 - حدثنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، قال: ثنا زيد بن حباب، قال: أخبرني عياش بن عقبة، قال: ثني جبير بن نعيم، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله (ص) قال: الشفع: اليومان، والوتر: اليوم الواحد. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالشفع والوتر، ولم يخصص نوعا من الشفع ولا من الوتر دون نوع بخبر ولا عقل، وكل شفع ووتر فهو مما أقسم به، مما قال أهل التأويل إنه داخل في قسمه هذا، لعموم قسمه بذلك. واختلفت القراء في قراءة قوله: والوتر فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض قراء الكوفة بكسر الواو. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قرأة الامصار، ولغتان مشهورتان في العرب، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: والليل إذا يسر يقول: والليل إذا سار فذهب، يقال منه: سرى فلان ليلا يسري: إذا سار. وقال بعضهم: عني بقوله والليل إذا يسر ليلة جمع، وهي ليلة المزدلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28746 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمر بن قيس، عن محمد بن المرتفع، عن عبد الله بن الزبير والليل إذا يسر حتى يذهب بعضه بعضا. 28747 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والليل إذا يسر يقول: إذا ذهب. 28748 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد والليل إذا يسر قال: إذا سار. 28749 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية والليل إذا يسر قال: والليل إذا سار.
[ 217 ]
28750 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والليل إذا يسر يقول: إذا سار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله والليل إذا يسر قال: إذا سار. 28751 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والليل إذا يسر قال: الليل إذا يسير. 28752 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة والليل إذا يسر قال: ليلة جمع. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الشام والعراق يسر بغير ياء. وقرأ ذلك جماعة من القراء بإثبات الياء وحذف الياء في ذلك أعجب إلينا، ليوفق بين رؤوس الآي إذ كانت بالراء. والعرب ربما أسقطت الياء في موضع الرفع مثل هذا، اكتفاء بكسرة ما قبلها منها، من ذلك قول الشاعر: ليس تخفى يسارتي قدر يوم ولقد يخف شيمتي إعساري وقوله: هل في ذلك قسم لذي حجر يقول تعالى ذكره: هل فيما أقسمت به من هذه الامور مقنع لذي حجر. وإنما عني بذلك: إن في هذا القسم مكتفى لمن عقل عن ربه، مما هو أغلظ منه في الاقسام. فأما معنى قوله: لذي حجر: فإنه لذي حجى وذي عقل يقال للرجل إذا كان مالكا نفسه قاهرا لها ضابطا: إنه لذو حجر، ومنه قولهم: حجر الحاكم على فلان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28753 - حدثنا أبو كريب وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: لذي حجر قال: لذي النهى والعقل. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله لذي حجر قال: لاولي النهى.
[ 218 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: هل في ذلك قسم لذي حجر قال: ذو الحجر والنهى والعقل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس قسم لذي حجر قال: لذي عقل، لذي نهى. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاغر المنقري، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر، عن ابن عباس قسم لذي حجر قال: لذي لب، لذي حجى. 28754 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله هل في ذلك قسم لذي حجر قال: لذي عقل. حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: لذي عقل لذي رأي. حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد هل في ذلك قسم لذي حجر قال: لذي لب، أو نهى. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن هلال بن خباب، عن مجاهد، في قوله قسم لذي حجر قال: لذي عقل. 28755 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن هل في ذلك قسم لذي حجر قال: لذي حلم. 28756 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: لذي حجر قال: لذي حجى وقال الحسن: لذي لب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله هل في ذلك قسم لذي حجر لذي حجى، لذي عقل ولب. 28757 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هل في ذلك قسم لذي حجر قال: لذي عقل، وقرأ: لقوم يعقلون ولاولي الالباب، وهم الذين عاتبهم الله، وقال: العقل واللب واحد، إلا أنه يفترق في كلام العرب. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 219 ]
* (ألم تر كيف فعل ربك بعاد ئ إرم ذات العماد ئ التي لم يخلق مثلها في البلاد ئ وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ئ وفرعون ذى الاوتاد ئ الذين طغوا في البلاد) *. وقوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى كيف فعل ربك بعاد ؟. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إرم فقال بعضهم: هي اسم بلدة، ثم اختلف الذين قالوا ذلك في البلدة التي عنيت بذلك، فقال بعضهم: عنيت به الاسكندرية. ذكر من قال ذلك: 28758 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني يعقوب بن عبد الرحمن الزهري، عن أبي صخر، عن القرظي، أنه سمعه يقول: إرم ذات العماد الاسكندرية. قال أبو جعفر، وقال آخرون: هي دمشق. ذكر من قال ذلك: 28759 - حدثني محمد بن عبد الله الهلالي من أهل البصرة، قال: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري بعاد إرم ذات العماد قال: دمشق. وقال آخرون: عني بقوله: إرم: أمة. ذكر من قال ذلك: 28760 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله: إرم قال: أمة. وقال آخرون: معنى ذلك: القديمة. ذكر من قال ذلك: 28761 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إرم قال: القديمة. وقال آخرون: تلك قبيلة من عاد. ذكر من قال ذلك: 28762 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم تر
[ 220 ]
كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد قال: كنا نحدث أن إرم قبيلة من عاد، بيت مملكة عاد. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إرم قال: قبيلة من عاد، كان يقال لهم: إرم، جد عاد. ذكر من قال ذلك: 28763 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم يقول الله: بعاد إرم، إن عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح. وقال آخرون إرم: الهالك. ذكر من قال ذلك: 28763 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم يعني بالارم: الهالك ألا ترى أنك تقول: أرم بنو فلان. 28765 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: بعاد إرم الهلاك ألا ترى أنك تقول: أرم بنو فلان: أي هلكوا. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن إرم إما بلدة كانت عاد تسكنها، فلذلك ردت على عاد للاتباع لها، ولم يجر من أجل ذلك، وإما اسم قبيلة فلم يجر أيضا، كما لا يجرى أسماء القبائل، كتميم وبكر، وما أشبه ذلك إذا أرادوا به القبيلة. وأما اسم عاد فلم يجر، إذ كان اسما أعجميا. فأما ما ذكر عن مجاهد، أنه قال: عني بذلك القديمة، فقول لا معنى له، لان ذلك لو كان معناه لكان مخفوضا بالتنوين، وفي ترك الاجراء الدليل على أنه ليس بنعت ولا صفة. وأشبه الاقوال فيه بالصواب عندي: أنها اسم قبيلة من عاد، ولذلك جاءت القراءة بترك إضافة عاد إليها، وترك إجرائها، كما يقال: ألم تر ما فعل ربك بتميم نهشل ؟ فيترك إجراء نهشل، وهي قبيلة، فترك إجراؤها لذلك، وهي في موضع خفض بالرد على تميم، ولو كانت إرم اسم بلدة أو اسم جد لعاد لجاءت القراءة بإضافة عاد إليها، كما يقال: هذا عمرو زبيد وحاتم طئ وأعشى همدان، ولكنها اسم قبيلة منها، فيما أرى، كما قال قتادة، والله أعلم، فلذلك أجمعت القراء فيها على ترك الاضافة، وترك الاجراء.
[ 221 ]
وقوله: ذات العماد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذات العماد في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: ذات الطول، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب للرجل الطويل: رجل معمد، وقالوا: كانوا طوال الاجسام. ذكر من قال ذلك: 28766 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ذات العماد يعني: طولهم مثل العماد. 28767 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد قوله: ذات العماد قال: كان لهم جسم في السماء. وقال بعضهم: بل قيل لهم ذات العماد لانهم كانوا أهل عمد، ينتجعون الغيوث، وينتقلون إلى الكلا حيث كان، ثم يرجعون إلى منازلهم. ذكر من قال ذلك: 28768 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: العماد قال: أهل عمود لا يقيمون. 28769 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذات العماد قال: ذكر لنا أنهم كانوا أهل عمود لا يقيمون، سيارة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ذات العماد قال: كانوا أهل عمود. وقال آخرون: بل قيل ذلك لهم لبناء بناه بعضهم، فشيد عمده، ورفع بناءه. ذكر من قال ذلك: 28770 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إرم ذات العماد قال: عاد قوم هود، بنوها وعملوها حين كانوا في الاحقاف، قال: لم يخلق مثلها مثل تلك الاعمال في البلاد. قال: وكذلك في الاحقاف في حضرموت، ثم كانت عاد قال: وثم أحقاف الرمل كما قال الله بالاحقاف من الرمل، رمال أمثال الجبال، تكون مظلة مجوفة. وقال آخرون: قيل ذلك لهم لشة أبدانهم وقواهم. ذكر من قال ذلك:
[ 222 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ذات العماد يعني: الشدة والقوة. وأشبه الاقوال في ذلك بما دل عليه ظاهر التنزيل: قول من قال: عني بذلك أنهم كانوا أهل عمود سيارة، لان المعروف في كلام العرب من العماد، ما عمد به الخيام من الخشب، والسواري التي يحمل عليها البناء، ولا يعلم بناء كان لهم بالعماد بخبر صحيح، بل وجه أهل التأويل قوله: ذات العماد إلى أنه عني به طول أجسامهم، وبعضهم إلى أنه عني به عماد خيامهم، فأما عماد البنيان، فلا يعلم كثير أحد من أهل التأويل وجهه إليه، وتأويل القرآن إنما يوجه إلى الاغلب الاشهر من معانيه، ما وجد إلى ذلك سبيل، دون الانكر. وقوله: التي لم يخلق مثلها في البلاد يقول جل ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك بعاد، إرم التي لم يخلق مثلها في البلاد، يعني: مثل عاد، والهاء عائدة على عاد. وجائز أن تكون عائدة على إرم، لما قد بينا قبل أنها قبيلة. وإنما عني بقوله: لم يخلق مثلها في العظم والبطش والايد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28772 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: التي لم يخلق مثلها في البلاد: ذكر أنهم كانوا اثني عشر ذراعا طولا في السماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد، لم يخلق مثل الاعمدة في البلاد، وقالوا: التي لم يخلق مثلها من صفة ذات العماد، والهاء التي في مثلها إنما هي من ذكر ذات العماد. ذكر من قال ذلك: 28773 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله، فذكر نحوه. وهذا قول لا وجه له، لان العماد واحد مذكر، والتي للانثى، ولا يوصف المذكر بالتي، ولو كان ذلك من صفة العماد لقيل: الذي لم يخلق مثله في البلاد، وإن جعلت التي لارم، وجعلت الهاء عائدة في قوله: مثلها عليها وقيل: هي دمشق أو إسكندرية، فإن بلاد عاد هي التي وصفها الله في كتابه فقال: واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالاحقاف
[ 223 ]
والاحقاف: هي جمع حقف، وهو ما انعطف من الرمل وانحنى، وليست الاسكندرية ولا دمشق من بلاد الرمال، بل ذلك الشحر من بلاد حضرموت، وما والاها. وقوله: وثمود الذين جابوا الصخر بالواد يقول: وبثمود الذي خرقوا الصخر ودخلوه، فاتخذوه بيوتا، كما قال جل ثناؤه وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين والعرب تقول: جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا: إذا دخلها وقطعها ومنه قول نابغة: أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى دجى الليل جواب الفلاة عميم يعني بقوله: يجوب: يدخل ويقطع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28774 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وثمود الذين جابوا الصخر بالواد يقول: فخرقوها. 28775 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وثمود الذين جابوا الصخر بالواد يعني: ثمود قوم صالح، كانوا ينحتون من الجبال بيوتا. 28776 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد في قوله: الذين جابوا الصخر بالواد قال: جابوا الجبال، فجعلوها بيوتا. 28777 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: وثمود الذين جابوا الصخر بالواد: جابوها ونحتوها بيوتا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: جابوا الصخر قال: نقبوا الصخر. 28778 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: جابوا الصخر بالواد يقول: قدوا الحجارة.
[ 224 ]
28779 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين جابوا الصخر بالواد: ضربوا البيوت والمساكن في الصخر في الجبال، حتى جعلوا فيها مساكن، جابوا: جوبوها، تجوبوا البيوت في الجبال قال قائل: ألا كل شئ ما خلا الله بائدكما باد حي من شنيق ومارد هم ضربوا في كل صلاء صعدة بأيد شداد أيدات السواعد وقوله: وفرعون ذي الاوتاد يقول جل ثناؤه: ألم تر كيف فعل ربك أيضا بفرعون صاحب الاوتاد. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: ذي الاوتاد ولم قيل له ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ذي الجنود الذي يقوون له أمره، وقالوا: الاوتاد في هذا الموضع: الجنود. ذكر من قال ذلك: 28780 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وفرعون ذي الاوتاد قال: الاوتاد: الجنود الذين يشدون له أمره، ويقال: كان فرعون يوتد في أيديهم وأرجلهم أوتادا من حديد، يعلقهم بها. وقال آخرون: بل قيل له ذلك لانه كان يوتد الناس بالاوتاد. ذكر من قال ذلك: 28781 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ذي الاوتاد قال: كان يوتد الناس بالاوتاد. وقال آخرون: كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها. ذكر من قال ذلك: 28782 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وفرعون ذي الاوتاد ذكر لنا أنها كانت مظال وملاعب يلعب له تحتها، من أوتاد وحبال. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ذي الاوتاد قال: ذي البناء كانت مظال يلعب له تحتها، وأوتادا تضرب له.
[ 225 ]
28783 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، قال: أوتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد، ثم جعل على ظهرها رحا عظيمة حتى ماتت. وقال آخرون: بل ذلك لانه كان يعذب الناس بالاوتاد. ذكر من قال ذلك: 28784 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن محمود، عن سعيد بن جبير وفرعون ذي الاوتاد قال: كان يجعل رجلا ههنا، ورجلا ههنا، ويدا ها هنا، ويدا ههنا بالاوتاد. 28785 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ذي الاوتاد قال: كان يوتد الناس بالاوتاد. وقال آخرون: إنما قيل ذلك لانه كان له بنيان يعذب الناس عليه. ذكر من قال ذلك: 28786 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن رجل، عن سعيد بن جبير وفرعون ذي الاوتاد قال: كان له منارات يعذبهم عليها. وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب، قول من قال: عني بذلك: الاوتاد التي توتد، من خشب كانت أو حديد، لان ذلك هو المعروف من معاني الاوتاد، ووصف بذلك، لانه إما أن يكون كان يعذب الناس بها، كما قال أبو رافع وسعيد بن جبير، وإما أن يكون كان يلعب له بها. وقوله: الذين طغوا في البلاد يعني بقوله جل ثناؤه الذين عادا وثمود وفرعون وجنده. ويعني بقوله: طغوا: تجاوزوا ما أباحه لهم ربهم، وعتوا على ربهم إلى ما حظره عليهم من الكفر به وقوله في البلاد: التي كانوا فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأكثروا فيها الفساد ئ فصب عليهم ربك سوط عذاب ئ إن ربك لبالمرصاد ئ فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن) *. يقول تعالى ذكره: فأكثروا في البلاد المعاصي، وركوب ما حرم الله عليهم فصب عليهم ربك سوط عذاب يقول تعالى ذكره: فأنزل بهم يا محمد ربك عذابه، وأحل بهم نقمته، بما أفسدوا في البلاد، وطغوا على الله فيها. وقيل: فصب عليهم ربهم سوط
[ 226 ]
عذاب. وإنما كانت نقما تنزل بهم، إما ريحا تدمرهم، وإما رجفا يدمدم عليهم، وإما غرقا يهلكهم، من غير ضرب بسوط ولا عصا، لانه كان من أليم عذاب القوم الذين خوطبوا بهذا القرآن، الجلد بالسياط، فكثر استعمال القوم الخبر عن شدة العذاب الذي يعذب به الرجل منهم، أن يقولوا: ضرب فلان حتى بالسياط، إلى أن صار ذلك مثلا، فاستعملوه في كل معذب بنوع من العذاب شديد، وقالوا: صب عليه سوط عذاب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28787 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سوط عذاب قال: ما عذبوا به. 28788 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فصب عليهم ربك سوط عذاب قال: العذاب الذي عذبهم به سماه: سوط عذاب. وقوله: إن ربك لبالمرصاد يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إن ربك يا محمد لهؤلاء الذين قصصت عليك قصصهم، ولضربائهم من أهل الكفر به، لبالمرصاد يرصدهم بأعمالهم في الدنيا وفي الآخرة، على قناطر جهنم، ليكردسهم فيها إذا وردوها يوم القيامة. واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: لبالمرصاد بحيث يرى ويسمع. ذكر من قال ذلك: 28789 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن ربك لبالمرصاد يقول: يرى ويسمع. وقال آخرون: يعني بذلك أنه بمرصد لاهل الظلم. ذكر من قال ذلك: 28790 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهد، عن جويبر، عن الضحاك في هذه الآية، قال: إذا كان يوم القيامة، يأمر الرب بكرسيه، فيوضع على النار، فيستوي عليه، ثم يقول: وعزتي وجلالي، لا يتجاوزني اليوم ذو مظلمة، فذلك قوله: لبالمرصاد.
[ 227 ]
28791 - قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، قال: بلغني أن على جهنم ثلاث قناطر: قنطرة عليها الامانة، إذا مروا بها تقول: يا رب هذا أمين، يا رب هذا خائن وقنطرة عليها الرحم، إذا مروا بها تقول: يا رب هذا واصل، يا رب هذا قاطع وقنطرة عليها الرب إن ربك لبالمرصاد. 28792 - قال: ثنا مهران، عن سفيان إن ربك لبالمرصاد يعني: جهنم عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرحمة، وقنطرة فيها الامانة، وقنطرة فيها الرب تبارك وتعالى. 28793 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن إن ربك لبالمرصاد قال: مرصاد عمل بني آدم. وقوله: فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه يقول تعالى ذكره: فأما الانسان إذا ما امتحنه ربه بالنعم والغنى فأكرمه بالمال، وأفضل عليه، ونعمه بما أوسع عليه من فضله فيقول ربي أكرمن فيفرح بذلك، ويسر به ويقول: ربي أكرمني بهذه الكرامة، كما: 28794 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وحق له. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأمآ إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن ئ كلا بل لا تكرمون اليتيم ئ ولا تحاضون على طعام المسكين ئ وتأكلون التراث أكلا لما) *. وقوله: وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه يقول: وأما إذا ما امتحنه ربه بالفقر فقدر عليه رزقه يقول: فضيق عليه رزقه وقتره، فلم يكثر ماله، ولم يوسع عليه فيقول ربي أهانن يقول: فيقول ذلك الانسان: ربي أهانني، يقول: أذلني بالفقر، ولم يشكر الله على ما وهب له من سلامة جوارحه، ورزقه من العافية في جسمه.
[ 228 ]
28795 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأما إذا ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني ما أسرع كفر ابن آدم. 28796 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله: فقدر عليه رزقه قال: ضيقه. واختلفت القراء في قراءة قوله فقدر عليه رزقه فقرأت عامة قراء الامصار ذلك بالتخفيف، فقدر: بمعنى فقتر، خلا أبي جعفر القارئ، فإنه قرأ ذلك بالتشديد: فقدر. وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: قدر، بمعنى يعطيه ما يكفيه، ويقول: لو فعل ذلك به ما قال ربي أهانني. والصواب من قراءة ذلك عندنا بالتخفيف، لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: كلا بل لا تكرمون اليتيم اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: كلا في هذا الموضع، وما الذي أنكر بذلك، فقال بعضهم: أنكر جل ثناؤه أن يكون سبب كرامته من أكرم كثرة ماله، وسبب إهانته من أهان قلة ماله. ذكر من قال ذلك: 28797 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني ما أسرع ما كفر ابن آدم يقول الله جل ثناؤه: كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلتها، ولكن إنما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأهين من أهنت بمعصيتي. وقال آخرون: بل أنكر جل ثناؤه حمد الانسان ربه على نعمه دون فقره، وشكواه الفاقة. وقالوا: معنى الكلام: كلا، أي لم يكن ينبغي أن يكون هكذا، ولكن كان ينبغي أن يحمده على الامرين جميعا، على الغنى والفقر. وأولى القولين في ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه عن قتادة، لدلالة قوله بل لا تكرمون اليتيم والآيات التي بعدها، على أنه إنما أهان من أهان بأنه لا يكرم اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، وسائر المعاني التي عدد، وفي إبانته عن السبب الذي من أجله أهان من أهان، الدلالة الواضحة على سبب تكريمه من أكرم، وفي تبيينه ذلك عقيب قوله: فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن بيان واضح عن الذي أنكر من قوله ما وصفنا. وقوله: بل لا تكرمون اليتيم يقول تعالى ذكره: بل إنما أهنت من أهنت من أجل
[ 229 ]
أنه لا يكرم اليتيم، فأخرج الكلام على الخطاب، فقال: بل لستم تكرمون اليتيم، فلذلك أهنتكم ولا تحاضون على طعام المسكين. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من أهل المدينة أبو جعفر وعامة قراء الكوفة بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون بالتاء أيضا وفتحها، وإثبات الالف فيها، بمعنى: ولا يحض بعضكم بعضا على طعام المسكين. وقرأ ذلك بعض قراء مكة وعامة قراء المدينة، بالتاء وفتحها وحذف الالف: ولا تحضون بمعنى: ولا تأمرون بإطعام المسكين. وقرأ ذلك عامة قراء البصرة: يحضون بالياء وحذف الالف، بمعنى: ولا يكرم القائلون إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه ربي أكرمني، وإذا قدر عليه رزقه ربي أهانني اليتيم، ولا يحضون على طعام المسكين وكذلك يقرأ الذين ذكرنا من أهل البصرة يكرمون وسائر الحروف معها بالياء، على وجه الخبر عن الذين ذكرت. وقد ذكر عن بعضهم أنه قرأ: تحاضون بالتاء وضمها وإثبات الالف، بمعنى: ولا تحافظون. والصواب من القول في ذلك عندي: أن هذه قراءات معروفات في قراءة الامصار، أعني القراءات الثلاث صحيحات المعاني، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وتأكلون التراث أكلا لما يقول تعالى ذكره: وتأكلون أيها الناس الميراث أكلا لما، يعني: أكلا شديدا، لا تتركون منه شيئا، وهو من قولهم: لممت ما على الخوان أجمع، فأنا ألمه لما: إذا أكلت ما عليه، فأتيت على جميعه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28798 - حدثني عمرو بن سعيد بن يسار القرشي، قال: ثنا الانصاري، عن أشعث، عن الحسن وتأكلون التراث أكلا لما قال: الميراث. 28799 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتأكلون التراث أي الميراث. وكذلك في قوله: أكلا لما. ذكر من قال ذلك: 28800 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، وتأكلون التراث أكلا لما يقول: تأكلون أكلا شديدا. 28801 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، في قوله: وتأكلون التراث أكلا لما قال: نصيبه ونصيب صاحبه.
[ 230 ]
28802 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: أكلا لما قال: اللم: السف، لف كل شئ. 38803 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أكلا لما: أي شديدا. 38804 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أكلا لما يقول: أكلا شديدا. 28805 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: وتأكلون التراث أكلا لما قال: الاكل اللم: الذي يأكل كل شئ يجده ولا يسأل، فأكل الذي له، والذي لصاحبه. كانوا لا يورثون النساء، ولا يورثون الصغار، وقرأ: يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان: أي لا تورثونهن أيضا أكلا لما يأكل ميراثه، وكل شئ لا يسأل عنه، ولا يدري أحلال أو حرام. 28806 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس تأكلون التراث أكلا لما. يقول: سفا. 28807 - حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة البستي، عن زهير، عن سالم، قال: قد سمعت بكر بن عبد الله يقول في هذه الآية: وتأكلون التراث أكلا لما قال: اللم: الاعتداء في الميراث، يأكل ميراثه وميراث غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (وتحبون المال حبا جما ئ كلا إذا دكت الارض دكا دكا ئ وجاء ربك والملك صفا صفا ئ وجئ يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى) *.
[ 231 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: وتحبون المال حبا جما وتحبون جمع المال أيها الناس واقتناءه حبا كثيرا شديدا من قولهم: قد جم الماء في الحوض: إذا اجتمع، ومنه قول زهير بن أبي سلمى: فلما وردن الماء زرقا جمامه وضعن عصي الحاضر المتخيم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28808 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: وتحبون المال حبا جما يقول: شديدا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وتحبون المال حبا جما فيحبون كثرة المال. 28809 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: حبا جما قال: الجم: الكثير. 28810 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتحبون المال حبا جما: أي حبا شديدا. 28811 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حبا جما: يحبون كثرة المال. 28812 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وتحبون المال حبا جما قال: الجم: الشديد. ويعني جل ثناؤه بقوله: كلا: ما هكذا ينبغي أن يكون الامر. ثم أخبر جل ثناؤه عن ندمهم على أفعالهم السيئة في الدنيا، وتلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم الندم، فقال جل ثناؤه: إذا دكت الارض دكا دكا يعني: إذا رجت وزلزلت زلزلة، وحركت تحريكا بعد تحريك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 232 ]
28813 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إذا دكت الارض دكا دكا يقول: تحريكها. 28814 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني حرملة بن عمران، أنه سمع عمر مولى غفرة يقول: إذا سمعت الله يقول كلا، فإنما يقول: كذبت. وقوله: وجاء ربك والملك صفا صفا يقول تعالى ذكره: وإذا جاء ربك يا محمد وأملاكه صفوفا صفا بعد صف، كما: 28815 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر وعبد الوهاب، قالا: ثنا عوف، عن أبي المنهال، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إذا كان يوم القيامة مدت الارض مد الاديم، وزيد في سعتها كذا وكذا، وجمع الخلائق بصعيد واحد، جنهم وإنسهم. فإذا كان ذلك اليوم قيضت هذه السماء الدنيا عن أهلها على وجه الارض، ولاهل السماء وحدهم أكثر من أهل الارض جنهم وإنسهم بضعف، فإذا نثروا على وجه الارض فزعوا منهم، فيقولون: أفيكم ربنا: فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا، وهو آت ثم تقاض السماء الثانية، ولاهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع أهل الارض بضعف جنهم وإنسهم، فإذا نثروا على وجه الارض فزع إليهم أهل الارض، فيقولون: أفيكم ربنا ؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا ليس فينا، وهو آت ثم تقاض السموات سماء سماء، كلما قيضت سماء عن أهلها كانت أكثر من أهل السموات التي تحتها، ومن جميع أهل الارض بضعف، فإذا نثروا على وجه الارض، فزع إليهم أهل الارض، فيقولون لهم مثل ذلك، ويرجعون إليهم مثل ذلك، حتى تقاض السماء السابعة، فلاهل السماء السابعة أكثر من أهل ست سموات، ومن جميع أهل الارض بضعف، فيجئ الله فيهم والامم جثي صفوف، وينادي مناد: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون لله على كل حال قال: فيقومون فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي الثانية: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم، أين الذين كانت تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفا وطمعا، ومما رزقناهم ينفقون ؟ فيسرحون إلى الجنة ثم ينادي الثالثة: ستعلمون اليوم من أصحاب الكرم: أين الذين لا تلهيهم تجارة
[ 233 ]
ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والابصار، فيقومون فيسرحون إلى الجنة فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة خرج عنق من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت منكم بثلاثة: بكل جبار عنيد، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانية فيقول: إني وكلت منكم بمن آذى الله ورسوله فيلقطهم لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، قال عوف، قال أبو المنهال: حسبت أنه يقول: وكلت بأصحاب التصاوير، فيلتقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعي الخلائق للحساب. 28816 - حدثني موسى بن عبد الرحمن قال: ثنا أبو أسامة، عن الاجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول: إذا كان يوم القيامة، أمر الله السماء الدنيا بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، وأحاطوا بالارض ومن عليها، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الاعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الارض ندوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الارض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قول الله: إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم، وذلك قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم وقوله: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان، وذلك قول الله: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها. 28817 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن رافع المدني، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن كعب القرظي، عن رجل من الانصار، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): توقفون موقفا واحدا يوم القيامة مقدار سبعين عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم. قد حصر عليكم، فتبكون حتى ينقطع
[ 234 ]
الدمع، ثم تدمعون دما، وتبكون حتى يبلغ ذلك منكم الاذقان، أو يلجمكم فتضجون، ثم تقولون من يشفع لنا إلى ربنا، فيقضي بيننا، فيقولون من أحق بذلك من أبيكم ؟ جعل الله تربته، وخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وكلمه قبلا، فيؤتى آدم صلى الله عليه وسلم فيطلب ذلك إليه، فيأبى، ثم يستقرون الانبياء نبيا نبيا، كلما جاءوا نبيا أبى قال رسول الله (ص): حتى يأتوني، فإذا جاءوني خرجت حتى آتي الفحص. قال أبو هريرة: يا رسول الله، ما الفحص ؟ قال: قدام العرش، فأخر ساجدا، فلا أزال ساجدا حتى يبعث الله إلي ملكا، فيأخذ بعضدي، فيرفعني ثم يقول الله لي: محمد، وهو أعلم، فأقول: نعم، فيقول: ما شأنك ؟ فأقول: يا رب وعدتني الشفاعة، شفعني في خلقك فاقض بينهم، فيقول: قد شفعتك، أنا آتيكم فأقضي بينكم. قال رسول الله (ص): فانصرف حتى أقف مع الناس، فبينا نحن وقوف، سمعنا حسا من السماء شديدا، فهالنا، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلي من في الارض من الجن والانس، حتى إذا دنوا من الارض، أشرقت الارض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا ؟ قالوا: لا، وهو آت. ثم ينزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة، وبمثلي من فيها من الجن والانس، حتى إذا دنوا من الارض، أشرقت الارض بنورهم، وأخذوا مصافهم، وقلنا لهم: أفيكم ربنا: قالوا: لا، وهو آت. ثم نزل أهل السموات على قدر ذلك من الضعف، حتى نزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم، يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت سبحان رب العرش ذي الجبروت سبحان الحي الذي لا يموت سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح قدوس قدوس، سبحان ربنا الاعلى سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والسلطان والعظمة سبحانه أبدا أبدا يحمل عرشه يومئذ ثمانية، وهم اليوم أربعة، أقدامهم على تخوم الارض السفلى والسموات إلى حجزهم، والعرش على مناكبهم، فوضع الله عرشه حيث شاء من الارض، ثم ينادي بنداء يسمع الخلائق، فيقول: يا معشر الجن والانس، إني قد أنصت منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا، أسمع كلامكم، وأبصر أعمالكم، فأنصتوا إلي، فإنما هي صحفكم وأعمالكم تقرأ عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. ثم يأمر الله جهنم فتخرج منها عنقا ساطعا مظلما، ثم يقول الله: ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان...، إنه لكم عدو مبين إلى قوله: هذه جهنم التي كنتم توعدون
[ 235 ]
وامتازوا اليوم أيها المجرمون فيتميز الناس ويجثون، وهي التي يقول الله: وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها، اليوم... الآية، فيقضي الله بين خلقه، الجن والانس والبهائم، فإنه ليقيد يومئذ للجماء من ذات القرون، حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لاخرى، قال الله: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا، ثم يقضي الله سبحانه بين الجن والانس. 28818 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا: صفوف الملائكة. وقوله: وجئ يومئذ بجهنم يقول تعالى ذكره: وجاء الله يومئذ بجهنم، كما: 28819 - حدثنا الحسن بن عرفة قال: ثنا مروان الفزاري، عن العلاء بن خالد الاسدي، عن شقيق بن سلمة، قال: قال عبد الله بن مسعود، في قوله: وجئ يومئذ بجهنم قال: جئ بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يقودونها. 28820 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن عاصم قال: بهدلة، عن أبي وائل: وجئ يومئذ بجهنم قال: يجاء بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك. 28821 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس، عن قتادة، قال: جنبتيه: الجنة والنار قال: هذا حين ينزل من عرشه إلى كرسيه، لحساب خلقه، وقرأ: وجئ يومئذ بجهنم. 28822 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وجئ يومئذ بجهنم قال: جئ بها مزمومة. وقوله: يومئذ يتذكر الانسان يقول تعالى ذكره: يومئذ يتذكر الانسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله، وفيما يقرب إليه من صالح الاعمال وأنى له الذكرى يقول: من أي وجه له التذكير. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 236 ]
28823 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأنى له الذكرى ؟ يقول: وكيف له ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (يقول يليتني قدمت لحياتي ئ فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ئ ولا يوثق وثاقه أحد ئ يأيتها النفس المطمئنة ئ ارجعي إلى ربك راضية مرضية ئ فادخلي في عبادي ئ وادخلي جنتي) *. وقوله: يا ليتني قدمت لحياتي يقول تعالى ذكره مخبرا عن تلهف ابن آدم يوم القيامة، وتندمه على تفريطه في الصالحات من الاعمال في الدنيا التي تورثه بقاء الابد، في نعيم لا انقطاع له: يا ليتني قدمت لحياتي في الدنيا من صالح الاعمال لحياتي هذه، التي لا موت بعدها، ما ينجيني من غضب الله، ويوجب لي رضوانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28824 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: يومئذ يتذكر الانسان وأنى له الذكرى يقول يا ليتني قدمت لحياتي قال: علم الله أنه صادق، هناك حياة طويلة لا موت فيها آخر ما عليه. 28825 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا ليتني قدمت لحياتي: هناكم والله الحياة الطويلة. 28826 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يا ليتني قدمت لحياتي قال: الآخرة. وقوله: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد أجمعت القراء قراء الامصار في قراءة ذلك على على كسر الذال من يعذب، والثاء من يوثق، خلا الكسائي، فإنه قرأ ذلك بفتح الذال والثاء، اعتلالا منه بخبر روي عن رسول الله (ص) أنه قرأه كذلك، واهي الاسناد. 28827 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، قال: ثني من أقرأه النبي (ص): فيومئذ لا يعذب عذابه أحد.
[ 237 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا: ما عليه قراء الامصار، وذلك كسر الذال والثاء، لاجماع الحجة من القراء عليه. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: فيومئذ لا يعذب بعذاب الله أحد في الدنيا، ولا يوثق كوثاقه يومئذ أحد في الدنيا. وكذلك تأوله قارئو ذلك كذلك من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28828 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق كوثاق الله أحد. 28829 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد قال: قد علم الله أن في الدنيا عذابا ووثاقا، فقال: فيومئذ لا يعذب عذابه أحد في الدنيا، ولا يوثق وثاقه أحد في الدنيا. وأما الذي قرأ ذلك بالفتح، فإنه وجه تأويله إلى: فيومئذ لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله يومئذ، ولا يوثق أحد في الدنيا كوثاقه يومئذ. وقد تأول ذلك بعض من قرأ ذلك كذلك بالفتح من المتأخرين: فيومئذ لا يعذب عذاب الكافر أحد ولا يوثق وثاق الكافر أحد. وقال: كيف يجوز الكسر، ولا معذب يومئذ سوى الله وهذا من التأويل غلط. لان أهل التأويل تأولوه بخلاف ذلك. مع إجماع الحجة من القراء على قراءته بالمعنى الذي جاء به تأويل أهل التأويل، وما أحسبه دعاه إلى قراءة ذلك كذلك، إلا ذهابه عن وجه صحته في التأويل. وقوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل الملائكة لاوليائه يوم القيامة: يا أيتها النفس المطمئنة، يعني بالمطمئنة: التي اطمأنت إلى وعد الله الذي وعد أهل الايمان به، في الدنيا من الكرامة في الآخرة، فصدقت بذلك. وقد اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 28830 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس يا أيتها النفس المطمئنة يقول: المصدقة. 28831 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيتها النفس المطمئنة هو المؤمن اطمأنت نفسه إلى ما وعد الله.
[ 238 ]
28832 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن، في قوله يا أيتها النفس المطمئنة قال: المطمئنة إلى ما قال الله، والمصدقة بما قال. وقال آخرون: بل معنى ذلك: المصدقة الموقنة بأن الله ربها، المسلمة لامره فيما هو فاعل بها. ذكر من قال ذلك: 28833 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: يا أيتها النفس المطمئنة قال: النفس التي أيقنت أن الله ربها، وضربت جأشا لامره وطاعته. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة قال: أيقنت بأن الله ربها، وضربت لامره جأشا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة قال: المنيبة المخبتة التي قد أيقنت أن الله ربها، وضربت لامره جأشا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة قال: أيقنت بأن الله ربها، وضربت لامره جأشا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: المطمئنة قال: المخبتة والمطمئنة إلى الله. حدثنا أبو كريب قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة قال: التي قد أيقنت بأن الله ربها، وضربت لامره جأشا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله يا أيتها النفس المطمئنة قال: المخبتة. حدثني سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد يا أيتها النفس المطمئنة قال: التي أيقنت بلقاء الله، وضربت له جأشا. وذكر أن ذلك في قراءة أبي: يا أيتها النفس الآمنة. ذكر الرواية بذلك:
[ 239 ]
28834 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، عن هارون القاري، قال: ثني هلال، عن أبي شيخ الهنائي في قراءة أبي: يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة وقال الكلبي: إن الآمنة في هذا الموضع، يعني به المؤمنة. وقيل: إن ذلك قول الملك للعبد عند خروج نفسه مبشره برضا ربه عنه، وإعداده ما أعد له من الكرامة عنده. ذكر من قال ذلك: 28835 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن جعفر، عن سعيد، قال: قرئت: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية عند النبي (ص)، فقال أبو بكر: إن هذا لحسن، فقال رسول الله (ص): أما إن الملك سيقولها لك عند الموت. 28836 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ارجعي إلى ربك راضية مرضية قال: هذا عند الموت فادخلي في عبادي قال هذا يوم القيامة. وقال آخرون في ذلك بما: 28837 - حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أسامة بن زيد، عن أبيه، في قوله: يا أيتها النفس المطمئنة قال: بشرت بالجنة عند الموت، ويوم الجمع، وعند البعث. وقوله: ارجعي إلى ربك اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: هذا خبر من الله جل ثناؤه عن قيل الملائكة لنفس المؤمن عند البعث، تأمرها أن ترجع في جسد صاحبها قالوا: وعني بالرد هاهنا صاحبها. ذكر من قال ذلك: 28838 - حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية قال: ترد الارواح المطمئنة يوم القيامة في الاجساد. 28839 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فادخلي في عبادي وادخلي جنتي يأمر الله الارواح يوم القيامة أن ترجع إلى الاجساد، فيأتون الله كما خلقهم أول مرة.
[ 240 ]
28840 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرمة في هذه الآية: ارجعي إلى ربك راضية مرضية إلى الجسد. وقال آخرون: بل يقال ذلك لها عند الموت. ذكر من قال ذلك: 28841 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح ارجعي إلى ربك راضية مرضية قال: هذا عند الموت فادخلي في عبادي قال: هذا يوم القيامة. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس والضحاك، أن ذلك إنما يقال لهم عند رد الارواح في الاجساد يوم البعث لدلالة قوله: فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فادخلي في عبادي الصالحين، وادخلي جنتي. ذكر من قال ذلك: 28842 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فادخلي في عبادي قال: ادخلي في عبادي الصالحين وادخلي جنتي. وقال آخرون: معنى ذلك: فادخلي في طاعتي وادخلي جنتي. ذكر من قال ذلك: 28843 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن نعيم بن ضمضم، عن محمد بن مزاحم أخي الضحاك بن مزاحم: فادخلي في عبادي قال: في طاعتي وادخلي جنتي قال: في رحمتي. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يوجه معنى قوله: فادخلي في عبادي إلى: فادخلي في حزبي. وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يتأول ذلك يا أيتها النفس المطمئنة بالايمان، والمصدقة بالثواب والبعث ارجعي، تقول لهم الملائكة: إذا أعطوا كتبهم بأيمانهم ارجعي إلى ربك إلى ما أعد الله لك من الثواب قال: وقد يكون أن تقول لهم شبه هذا القول: ينوون ارجعوا من الدنيا إلى هذا المرجع قال: وأنت تقول للرجل: ممن أنت ؟ فيقول: مضري، فتقول: كن تميميا أو قيسيا، أي أنت من أحد هذين، فتكون كن
[ 241 ]
صلة، كذلك الرجوع يكون صلة، لانه قد صار إلى القيامة، فكان الامر بمعنى الخبر، كأنه قال: أيتها النفس، أنت راضية مرضية. وقد روي عن بعض السلف أنه كان يقرأ ذلك: فادخلي في عبدي، وادخلي جنتي. ذكر من قال ذلك: 28844 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن أبان بن أبي عياش، عن سليمان بن قتة، عن ابن عباس، أنه قرأها: فادخلي في عبدي على التوحيد. 28845 - حدثني خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، عن هارون القاري، قال: ثني هلال، عن أبي الشيخ الهنائي: فادخلي في عبدي. وفي قول الكلبي: فادخلي في عبدي، وادخلي في جنتي يعني: الروح ترجع في الجسد. والصواب من القراءة في ذلك فادخلي في عبادي بمعنى: فادخلي في عبادي الصالحين. لاجماع الحجة من القراء عليه. آخر تفسير سورة والفجر
[ 242 ]
سورة البلد مكية وآياتها عشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (لا أقسم بهذا البلد ئ وأنت حل بهذا البلد ئ ووالد وما ولد ئ لقد خلقنا الانسان في كبد ئ أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ئ يقول أهلكت مالا لبدا ئ أيحسب أن لم يره أحد) *. يقول تعالى ذكره: أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام، وهو مكة، وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28846 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: لا أقسم بهذا البلد يعني: مكة. 28847 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد لا أقسم بهذا البلد قال: مكة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد لا أقسم بهذا البلد قال: الحرام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد لا أقسم بهذا البلد قال: مكة. 28848 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة لا أقسم بهذا البلد قال: البلد مكة.
[ 243 ]
28849 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الملك، عن عطاء، في قوله: لا أقسم بهذا البلد يعني: مكة. 28850 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: لا أقسم بهذا البلد قال: مكة. وقوله: وأنت حل بهذا البلد يعني: بمكة يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): وأنت يا محمد حل بهذا البلد، يعني بمكة يقول: أنت به حلال تصنع فيه من قتل من أردت قتله، وأسر من أردت أسره، مطلق ذلك لك يقال منه: هو حل، وهو حلال، وهو حرم، وهو حرام، وهو محل، وهو محرم، وأحللنا، وأحرمنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28851 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وأنت حل بهذا البلد يعني بذلك: نبي الله (ص)، أحل الله له يوم دخل مكة أن يقتل من شاء، ويستحيي من شاء فقتل يومئذ ابن خطل صبرا وهو آخذ بأستار الكعبة، فلم تحل لاحد من الناس بعد رسول الله (ص) أن يقتل فيها حراما حرمه الله، فأحل الله له ما صنع بأهل مكة، ألم تسمع أن الله قال في تحريم الحرم: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا يعني بالناس أهل القبلة. 28852 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وأنت حل بهذا البلد قال: ما صنعت فأنت في حل من أمر القتال. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وأنت حل بهذا البلد قال: أحل لرسول الله (ص) ما صنع فيه ساعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد وأنت حل بهذا البلد قال: أحل له أن يصنع فيه ما شاء. 28853 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور وأنت حل بهذا البلد قال: أحلت للنبي (ص)، قال: اصنع فيها ما شئت.
[ 244 ]
حدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد، في قول الله وأنت حل بهذا البلد قال: أنت حل مما صنعت فيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد وأنت حل بهذا البلد قال: أحل الله لك يا محمد ما صنعت في هذا البلد من شئ، يعني مكة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأنت حل بهذا البلد قال: لا تؤاخذ بما عملت فيه، وليس عليك فيه ما على الناس. 28854 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأنت حل بهذا البلد يقول: برئ عن الحرج والاثم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وأنت حل بهذا البلد يقول: أنت به حل لست بآثم. 28855 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنت حل بهذا البلد قال: لم يكن بها أحد حلا غير النبي (ص)، كل من كان بها حراما، لم يحل لهم أن يقاتلوا فيها، ولا يستحلوا حرمه، فأحله الله لرسوله، فقاتل المشركين فيه. 28856 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عبد الملك، عن عطاء وأنت حل بهذا البلد قال: إن الله حرم مكة، لم تحل لنبي إلا نبيكم ساعة من نهار. 28857 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأنت حل بهذا البلد يعني محمدا، يقول: أنت حل بالحرم، فاقتل إن شئت، أو دع. وقوله: ووالد وما ولد يقول تعالى ذكره: فأقسم بوالد وبولده الذي ولد. ثم اختلف أهل التأويل في المعني بذلك من الوالد وما ولد، فقال بعضهم: عني بالوالد: كل والد، وما ولد: كل عاقر لم يلد. ذكر من قال ذلك: 28858 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس في: ووالد وما ولد قال: الوالد: الذي يلد، وما ولد: العاقر الذي لا يولد له.
[ 245 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس ووالد وما ولد قال: العاقر، والتي تلد. 28859 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن عكرمة ووالد وما ولد قال: العاقر، والتي تلد. 28860 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ووالد وما ولد قال: هو الوالد وولده. وقال آخرون: عني بذلك: آدم وولده. ذكر من قال ذلك: 28861 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ووالد وما ولد قال: الوالد: آدم، وما ولد: ولده. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ووالد وما ولد قال: ولده. 28862 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ووالد وما ولد قال: آدم وما ولد. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ووالد وما ولد قال: آدم وما ولد. 28863 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح في قول الله ووالد وما ولد قال: آدم وما ولد. 28864 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ووالد وما ولد قال: الوالد: آدم، وما ولد: ولده. 28865 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: ووالد وما ولد قال: آدم وما ولد. 28866 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله: ووالد وما ولد قال: آدم وما ولد.
[ 246 ]
وقال آخرون: عني بذلك: إبراهيم وما ولد. ذكر من قال ذلك: 28867 - حدثني محمد بن موسى الحرشي، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت أبا عمران الجوني يقرأ: ووالد وما ولد قال: إبراهيم وما ولد. والصواب من القول في ذلك: ما قاله الذي قالوا: إن الله أقسم بكل والد وولده، لان الله عم كل والد وما ولد. وغير جائز أن يخص ذلك إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر، أو عقل، ولا خبر بخصوص ذلك، ولا برهان يجب التسليم له بخصوصه، فهو على عمومه كما عمه. وقوله: لقد خلقنا الانسان في كبد وهذا هو جواب القسم. 28868 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع ههنا القسم لقد خلقنا الانسان في كبد. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لقد خلقنا ابن آدم في شدة وعناء ونصب. ذكر من قال ذلك: 28869 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لقد خلقنا الانسان في كبد يقول: في نصب. 28870 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، أنه قال في هذه الآية: لقد خلقنا الانسان في كبد يقول: في شدة. 28871 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لقد خلقنا الانسان في كبد حين خلق في مشقة لا يلفى ابن آدم إلا مكابد أمر الدنيا والآخرة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: في كبد قال: يكابد أمر الدنيا والآخرة. وقال بعضهم: خلق خلقا لم نخلق خلقه شيئا. ذكر من قال ذلك: 28872 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن علي بن رفاعة، قال: سمعت الحسن يقول: لم يخلق الله خلقا يكابد ما يكابد ابن آدم.
[ 247 ]
28873 - قال: ثنا وكيع، عن علي بن رفاعة، قال: سمعت سعيد بن أبي الحسن يقول: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة. 28874 - قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرمة قال: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في شدة. 28875 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في شدة. 28876 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: في شدة معيشته، وحمله وحياته، ونبات أسنانه. 28877 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد الانسان في كبد قال: شدة خروج أسنانه. 28878 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: الانسان في كبد قال: شدة. وقال آخرون: معنى ذلك أنه خلق منتصبا معتدل القامة. ذكر من قال ذلك: 28879 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في انتصاب، ويقال: في شدة. 28880 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة، في قوله: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في انتصاب، يعني القامة. 28881 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم لقد خلقنا الانسان في كبد قال: منتصبا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. 28882 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل بن أبي خالد،
[ 248 ]
عن عبد الله بن شداد، في قوله: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: معتدلا بالقامة، قال أبو صالح: معتدلا في القامة. حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: ثنا يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل، عن أبي صالح خلقنا الانسان في كبد قال: قائما. 28883 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: في كبد خلق منتصبا على رجلين، لم تخلق دابة على خلقه. 28884 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في صعد. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنه خلق في السماء. ذكر من قال ذلك: 28885 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لقد خلقنا الانسان في كبد قال: في السماء، يسمى ذلك الكبد. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: معنى ذلك أنه خلق يكابد الامور ويعالجها، فقوله: في كبد معناه: في شدة. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لان ذلك هو المعروف في كلام العرب من معاني الكبد ومنه قول لبيد بن ربيعة: عين هلا بكيت أربد إذ قمنا وقام الخصوم في كبد وقوله: أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ذكر أن ذلك نزل في رجل بعينه من بني جمح، كان يدعى أبا الاشدين، وكان شديدا، فقال جل ثناؤه: أيحسب هذا القوي بجلده وقوته، أن لن يقهره أحد ويغلبه، فالله غالبه وقاهره. وقوله: يقول أهلكت مالا لبدا يقول هذا الجليد الشديد: أهلكت مالا كثيرا، في عداوة محمد (ص)، فأنفقت ذلك فيه، وهو كاذب في قوله ذلك وهو فعل من التلبد، وهو الكثير، بعضه على بعض، يقال منه: لبد بالارض يلبد: إذا لصق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 249 ]
28886 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: مالا لبدا يعني باللبد: المال الكثير. 28887 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مالا لبدا قال: كثيرا. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: أهلكت مالا لبدا. قال: مالا كثيرا. 28888 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أهلكت مالا لبدا: أي كثيرا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 28889 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مالا لبدا قال: اللبد: الكثير. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: مالا لبدا بتخفيف الباء. وقرأه أبو جعفر بتشديدها. والصواب بتخفيفها، لاجماع الحجة عليه. وقوله: أيحسب أن لم يره أحد يقول تعالى ذكره: أيظن هذا القائل أهلكت مالا لبدا أن لم يره أحد في حال إنفاقه ما يزعم أنه أنفقه. 28890 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أيحسب أن لم يره أحد ابن آدم إنك مسئول عن هذا المال، من أين اكتسبته، وأين أنفقته. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم نجعل له عينين ئ ولسانا وشفتين ئ وهديناه النجدين ئ فلا اقتحم العقبة ئ وما أدراك ما العقبة ئ فك رقبة ئ أو إطعام في يوم ذي مسغبة ئ يتيما ذا مقربة ئ أو مسكينا ذا متربة) *.
[ 250 ]
يقول تعالى ذكره: ألم نجعل لهذا القائل أهلكت مالا لبدا عينين يبصر بهما حجج الله عليه، ولسانا يعبر به عن نفسه ما أراد، وشفتين، نعمة منا بذلك عليه. 28891 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين نعم من الله متظاهرة، يقررك بها كيما تشكره. وقوله: وهديناه النجدين يقول تعالى ذكره: وهديناه الطريقين، ونجد: طريق في ارتفاع. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: عني بذلك: نجد الخير، ونجد الشر، كما قال: إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا. ذكر من قال ذلك: 28892 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله وهديناه النجدين قال: الخير والشر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، مثله. 28893 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن منذر، عن أبيه، عن الربيع بن خثيم، قال: ليسا بالثديين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمران جميعا، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله وهديناه النجدين قال: نجد الخير، ونجد الشر. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عاصم، قال: سمعت أبا وائل يقول: كان عبد الله يقول في: وهديناه النجدين قال: نجد الخير، ونجد الشر. 28894 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وهديناه النجدين يقول: الهدى والضلالة. 28895 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وهديناه النجدين يقول: سبيل الخير والشر.
[ 251 ]
28896 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: وهديناه النجدين قال: الخير والشر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن الربيع بن خثيم، عن أبي بردة قال: مر بنا الربيع بن خثيم، فسألناه عن هذه الآية: وهديناه النجدين فقال: أما إنهما ليسا بالثديين. 28897 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الخير والشر. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وهديناه النجدين قال: سبيل الخير والشر. 28898 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وهديناه النجدين نجد الخير، ونجد الشر. 28899 - حدثنا عمران بن موسى، قال: ثنا عبد الوارث، قال: ثنا يونس، عن الحسن، قال: قال رسول الله (ص): هما نجدان: نجد خير، ونجد شر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير ؟. حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عطية أبو وهب، قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله (ص): ألا إنما هما نجدان: نجد الخير، ونجد الشر، فما يجعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الملك، قال: ثنا شعبة، عن حبيب، عن الحسن، عن النبي (ص)، نحوه. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول وهديناه النجدين قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: ] يا أيها الناس إنما هما النجدان: نجد الخير، ونجد الشر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.
[ 252 ]
28900 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهديناه النجدين: ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: أيها الناس إنما هما النجدان، نجد الخير، ونجد الشر، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: وهديناه النجدين قال: قال النبي (ص): إنما هما نجدان، فما جعل نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير. 28901 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: وهديناه النجدين قاطع طريق الخير والشر. وقرأ قول الله: إنا هديناه السبيل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وهديناه الثديين: سبيلي اللبن الذي يتغذى به، وينبت عليه لحمه وجسمه. ذكر من قال ذلك: 28902 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا عيسى بن عقال، عن أبيه، عن ابن عباس وهديناه النجدين قال: هما الثديان. 28903 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن المبارك بن مجاهد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الثديان. وأولى القولين بالصواب في ذلك عندنا: قول من قال: عني بذلك طريق الخير والشر، وذلك أنه لا قول في ذلك نعلمه غير القولين اللذين ذكرنا والثديان، وإن كانا سبيلي اللبن، فإن الله تعالى ذكره إذ عدد على العبد نعمه بقوله: إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إنما عدد عليه هدايته إياه إلى سبيل الخير من نعمه، فكذلك قوله: وهديناه النجدين. وقوله: فلا اقتحم العقبة يقول تعالى ذكره: فلم يركب العقبة، فيقطعها ويجوزها. وذكر أن العقبة: جبل في جهنم. ذكر من قال ذلك:
[ 253 ]
28904 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن كثير، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قول الله: فلا اقتحم العقبة قال: عقبة في جهنم. 28905 - حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر، في قوله: فلا اقتحم العقبة جبل من جهنم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: فلا اقتحم العقبة قال: جهنم. 28906 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلا اقتحم العقبة إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله. 28907 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلا اقتحم العقبة قال: للنار عقبة دون الجسر. 28908 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب، عن شعيب بن زرعة، عن حنش، عن كعب، أنه قال: فلا اقتحم العقبة قال: هو سبعون درجة في جهنم. وأفرد قوله: فلا اقتحم العقبة بذكر لا مرة واحدة، والعرب لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع، حتى يكرروها مع كلام آخر، كما قال: فلا صدق ولا صلى ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وإنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع، استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه، من إعادتها مرة أخرى، وذلك قوله إذ فسر اقتحام العقبة، فقال: فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا، ففسر ذلك بأشياء ثلاثة، فكان كأنه في أول الكلام، قال: فلا فعل ذا ولا ذا ولا ذا. وتأول ذلك ابن زيد، بمعنى: أفلا، ومن تأوله كذلك، لم يكن به حاجة إلى أن يزعم أن في الكلام متروكا. ذكر الخبر بذلك عن ابن زيد: 28909 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول الله: فلا اقتحم العقبة قال: أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير، ثم قال: وما أدراك ما العقبة ؟.
[ 254 ]
وقوله: وما أدراك ما العقبة ؟ يقول تعالى ذكره: وأي شئ أشعرك يا محمد ما العقبة ؟. ثم بين جل ثناؤه له، ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها ؟ فقال: اقتحامها وقطعها فك رقبة من الرق، وأسر العبودة، كما: 28910 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن وما أدراك ما العقبة فك رقبة قال: ذكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة، إلا كانت فداءه من النار. 28911 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أدراك ما العقبة فك رقبة ذكر لنا أن نبي الله (ص) سئل عن الرقاب أيها أعظم أجرا ؟ قال: أكثرها ثمنا. 28912 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا سالم بن أبي الجعد، عن معدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: أيما مسلم أعتق رجلا مسلما، فإن الله جاعل وفاء كل عظيم من عظامه، عظما من عظام محرره من النار وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فإن الله جاعل وفاء كل عظم من عظامها، عظما من عظام محررها من النار. 28913 - قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن قيس الجذامي، عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله (ص) قال: من أعتق رقبة مؤمنة، فهي فداؤه من النار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما أدراك ما العقبة ثم أخبر عن اقتحامها فقال: فك رقبة أو أطعم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء مكة وعامة قراء البصرة، عن ابن أبي إسحاق، ومن الكوفيين: الكسائي: فك رقبة أو أطعم. وكان أبو عمرو بن العلاء يحتج
[ 255 ]
فيما بلغني فيه بقوله: ثم كان من الذين آمنوا كأن معناه: كان عنده، فلا فك رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والشأم فك رقبة على الاضافة أو إطعام على وجه المصدر. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، وتأويل مفهوم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فقراءته إذا قرئ على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فك رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا، وما أدراك ما العقبة على التعجب والتعظيم. وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية، لان الاطعام اسم، وقوله: ثم كان من الذين آمنوا فعل، والعرب تؤثر رد الاسماء على الاسماء مثلها، والافعال على الافعال، ولو كان مجئ التنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالاطعام والفك من ثم كان، ولذلك قلت: فك رقبة أو أطعم أوجه في العربية من الآخر، وإن كان للآخر وجه معروف، ووجهه أن تضمر أن ثم تلقى، كما قال طرفة بن العبد: ألا أيهاذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: أن أشهد الدلالة البينة على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وجه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: فك رقبة أو إطعام تفسيرا لقوله: وما أدراك ما العقبة كأنه قيل: وما أدراك ما العقبة ؟ هي فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة كما قال جل ثناؤه: وما أدراك ماهيه، ثم قال: نار حامية مفسرا لقوله: وأمه هاوية، ثم قال: وما أدراك ما الهاوية ؟ هي نار حامية. وقوله: أو أطعم في يوم ذي مسغبة يقول: أو أطعم في يوم ذي مجاعة، والساغب: الجائع.
[ 256 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28914 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس أو أطعم في يوم ذي مسغبة: يوم مجاعة. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني خالد بن حيان الرقي أبو يزيد، عن جعفر بن برقان، عن عكرمة في قول الله: أو أطعم في يوم ذي مسغبة قال: ذي مجاعة. 28916 - حدثني محمد بن عمر، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: في يوم ذي مسغبة قال: الجوع. 28917 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أو أطعم في يوم ذي مسغبة يقول: يوم يشتهى فيه الطعام. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عثمان الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس في يوم ذي مسغبة قال: مجاعة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. 28918 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في يوم ذي مسغبة قال: مجاعة. وقوله: يتيما ذا مقربة يقول: أو أطعم في يوم مجاعة صغيرا لا أب له من قرابته، وهو اليتيم ذو المقربة وعني بذي المقربة: ذا القرابة، كما: 28919 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: يتيما ذا مقربة قال: ذا قرابة. وقوله: أو مسكينا ذا متربة اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذا متربة فقال بعضهم: عني بذلك: ذو اللصوق بالتراب. ذكر من قال ذلك: 28920 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، قال: أخبرني المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب.
[ 257 ]
حدثنا مطرف بن محمد الضبي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شعبة، عن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قول الله: أو مسكينا ذا متربة قال: الذي لا يواريه إلا التراب. حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن شعبة، عن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ذا متربة قال: الذي لا يواريه إلا التراب. حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن شعبة، عن المغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس ذا متربة قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب. حدثنا ابن حميد، قال: ثني جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، عن ابن عباس مسكينا ذا متربة قال: الذي ليس له مأوى إلا التراب. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: المسكين المطروح في التراب. 28921 - حدثني أبو حصين قال: ثنا عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: الذي لا يقيه من التراب شئ. 28922 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين والمغيرة كلاهما، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قال في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: هو اللازق بالتراب من شدة الفقر. 28923 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة قال: التراب الملقى على الطريق على الكناسة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة قال: هو المسكين الملقى بالطريق بالتراب. 28924 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد أو مسكينا ذا متربة قال: المطروح في الارض، الذي لا يقيه شئ دون التراب.
[ 258 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة قال: هو الملزق بالارض، لا يقيه شئ من التراب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حصين وعثمان بن المغيرة، عن مجاهد عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة قال الذي ليس له شئ يقيه من التراب. 28925 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ذا متربة قال: ساقط في التراب. 28926 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن جعفر بن برقان، قال: سمع عكرمة أو مسكينا ذا متربة قال: الملتزق بالارض من الحاجة. 28927 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرمة، في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: التراب اللاصق بالارض. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عثمان بن المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الملقى في الطريق الذي ليس له بيت إلا التراب. وقال آخرون: بل هو المحتاج، كان لاصقا بالتراب، أو غير لاصق وقالوا: إنما هو من قولهم: ترب الرجل: إذا افتقر. ذكر من قال ذلك: 28928 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: أو مسكينا ذا متربة يقول: شديد الحاجة. 28929 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن عكرمة، في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: هو المحارف الذي لا مال له. 28930 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: ذا حاجة، الترب: المحتاج. وقال آخرون: بل هو ذو العيال الكثير الذين قد لصقوا بالتراب من الضر وشدة الحاجة. ذكر من قال ذلك:
[ 259 ]
28931 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس أو مسكينا ذا متربة يقول: مسكين ذو بنين وعيال، ليس بينك وبينه قرابة. 28932 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، في قوله: أو مسكينا ذا متربة قال: ذا عيال. 28933 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أو مسكينا ذا متربة كنا نحدث أن الترب هو ذو العيال الذي لا شئ له. 28934 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أو مسكينا ذا متربة ذا عيال لاصقين بالارض، من المسكنة والجهد. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة قول من قال: عني به: أو مسكينا قد لصق بالتراب من الفقر والحاجة، لان ذلك هو الظاهر من معانيه. وأن قوله: متربة إنما هي مفعلة من ترب الرجل: إذا أصابه التراب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ئ أولئك أصحاب الميمنة ئ والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة ئ عليهم نار مؤصدة) *. يقول تعالى ذكره: ثم كان هذا الذي قال: أهلكت مالا لبدا من الذين آمنوا بالله ورسوله، فيؤمن معهم كما آمنوا وتواصوا بالصبر يقول: وممن أوصى بعضهم بعضا بالصبر على ما نابهم في ذات الله وتواصوا بالمرحمة يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالمرحمة، كما: 28935 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس وتواصوا بالمرحمة قال: مرحمة الناس. وقوله: أولئك أصحاب الميمنة يقول: الذين فعلوا هذا الافعال التي ذكرتها، من فك الرقاب، وإطعام اليتيم، وغير ذلك، أصحاب اليمين، الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة.
[ 260 ]
وقوله: والذين كفروا بآياتنا يقول: والذين كفروا بأدلتنا وأعلامنا وحججنا من الكتب والرسل وغير ذلك هم أصحاب المشأمة يقول: هم أصحاب الشمال يوم القيامة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال. وقد بينا معنى المشأمة، ولم قيل لليسار المشأمة فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: عليهم نار مؤصدة يقول تعالى ذكره: عليهم نار جهنم يوم القيامة مطبقة يقال منه: أوصدت وآصدت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28936 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: عليهم نار مؤصدة قال: مطبقة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عليهم مؤصدة قال: مطبقة. 28937 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عليهم نار مؤصدة: أي مطبقة أطبقها الله عليهم، فلا ضوء فيها ولا فرح، ولا خروج منها آخر الابد. 28938 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مؤصدة: مغلقة عليهم. آخر تفسير سورة لا أقسم بهذا البلد
[ 261 ]
سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والشمس وضحاها ئ والقمر إذا تلاها ئ والنهار إذا جلاها ئ والليل إذا يغشاها ئ والسماء وما بناها ئ والارض وما طحاها ئ ونفس وما سواها ئ فألهمها فجورها وتقواها) *. قوله: والشمس وضحاها قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها ومعنى الكلام: أقسم بالشمس، وبضحى الشمس. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: وضحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والشمس والنهار، وكان يقول: الضحى: هو النهار كله. ذكر من قال ذلك: 28939 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والشمس وضحاها قال: هذا النهار. وقال آخرون: معنى ذلك: وضوئها. ذكر من قال ذلك: 28940 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: والشمس وضحاها قال: ضوئها. والصواب من القول في ذلك أن يقال: أقسم جل ثناؤه بالشمس ونهارها، لان ضوء الشمس الظاهرة هو النهار.
[ 262 ]
وقوله: والقمر إذا تلاها يقول تعالى ذكره: والقمر إذا تبع الشمس، وذلك في النصف الاول من الشهر، إذا غربت الشمس، تلاها القمر طالعا. ذكر من قال ذلك: 28941 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس والقمر إذا تلاها قال: يتلو النهار. 28942 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عبد الملك، عن قيس بن سعد، عن مجاهد، قوله: والقمر إذا تلاها يعني: الشمس إذا تبعها القمر. 28943 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والقمر إذا تلاها قال: تبعها. 28944 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والقمر إذا تلاها يتلوها صبيحة الهلال فإذا سقطت الشمس رؤي الهلال. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والقمر إذا تلاها قال: إذا تلاها ليلة الهلال. 28945 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها قال: هذا قسم، والقمر يتلو الشمس نصف الشهر الاول، وتتلوه النصف الآخر، فأما النصف الاول فهو يتلوها، وتكون أمامه وهو وراءها، فإذا كان النصف الآخر كان هو أمامها يقدمها، وتليه هي. وقوله: والنهار إذا جلاها يقول: والنهار إذا جلاها، قال: إذا أضاء. 28946 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والنهار إذا جلاها قال: إذا غشيها النهار. وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك بمعنى: والنهار إذا جلا الظلمة، ويجعل الهاء والالف من جلاها كناية عن الظلمة، ويقول: إنما جاز الكناية عنها، ولم يجر لها ذكر قبل، لان معناها معروف، كما يعرف معنى قول القائل: أصبحت باردة، وأمست باردة، وهبت شمالا، فكنى عن مؤنثات لم يجر لها ذكر، إذ كان معروفا معناهن.
[ 263 ]
والصواب عندنا في ذلك: ما قاله أهل العلم الذين حكينا قولهم، لانهم أعلم بذلك، وإن كان للذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربية وجه. وقوله: والليل إذا يغشاها يقول تعالى ذكره: والليل إذا يغشى الشمس، حتى تغيب فتظلم الآفاق. وكانت قتادة يقول في ذلك ما: 28947 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والليل إذا يغشاها: إذا غشاها الليل. وقوله: والسماء وما بناها يقول جل ثناؤه: والسماء ومن بناها، يعني: ومن خلقها، وبناؤه إياها: تصييره إياها للارض سقفا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28948 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والسماء وما بناها وبناؤها: خلقها. 28949 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والسماء وما بناها قال: الله بنى السماء. وقيل: وما بناها وهو جل ثناؤه بانيها، فوضع ما موضع من، كما قال ووالد وما ولد، فوضع ما في موضع من، ومعناه، ومن ولد، لانه قسم أقسم بآدم وولده، وكذلك: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء، وقوله: فانكحوا ما طاب لكم وإنما هو: فانكحوا من طاب لكم. وجائز توجيه ذلك إلى معنى المصدر، كأنه قال: والسماء وبنائها، ووالد وولادته. وقوله: والارض وما طحاها وهذه أيضا نظير التي قبلها، ومعنى الكلام: والارض ومن طحاها. ومعنى قوله: طحاها: بسطها يمينا وشمالا، ومن كل جانب. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: طحاها فقال بعضهم: معنى ذلك: والارض وما خلق فيها. ذكر من قال ذلك:
[ 264 ]
28950 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: والارض وما طحاها يقول: ما خلق فيها. وقال آخرون: يعني بذلك: وما بسطها. ذكر من قال ذلك: 28951 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والارض وما طحاها قال: دحاها. 28952 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما طحاها قال: بسطها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما قسمها. ذكر من قال ذلك: 28953 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والارض وما طحاها يقول: قسمها. وقوله: ونفس وما سواها يعني جل ثناؤه بقوله: وما سواها نفسه، لانه هو الذي سوى النفس وخلقها، فعدل خلقها، فوضع ما موضع من، وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر، فيكون تأويله: ونفس وتسويتها، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها. وقوله: فألهمها فجورها وتقواها يقول تعالى ذكره: فبين لها ما ينبغي لها أن تأتي أو تذر من خير، أو شر أو طاعة، أو معصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28954 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فألهمها فجورها وتقواها يقول: بين الخير والشر. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فألهمها فجورها وتقواها يقول: بين الخير والشر. 28955 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فألهمها فجورها وتقواها قال: علمها الطاعة والمعصية. 28956 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 265 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فألهمها فجورها وتقواها قال: عرفها. 28957 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فألهمها فجورها وتقواها: فبين لها فجورها وتقواها. 28958 - وحدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فألهمها فجورها وتقواها، بين لها الطاعة والمعصية. 28959 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فألهمها فجورها وتقواها قال: أعلمها المعصية والطاعة. 28960 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك بن مزاحم فألهمها فجورها وتقواها قال: الطاعة والمعصية. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن الله جعل فيها ذلك. ذكر من قال ذلك: 28961 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فألهمها فجورها وتقواها قال: جعل فيها فجورها وتقواها. 28962 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا صفوان بن عيسى وأبو عاصم النبيل، قالا: ثنا عزرة بن ثابت، قال: ثني يحيى بن عقيل، عن يحيى بن يعمر، عن أبي الاسود الديلي، قال: قال لي عمران بن حصين: أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون فيه، أشئ قضي عليهم، ومضى عليهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون، مما أتاهم به نبيهم عليه الصلاة والسلام، وأكدت عليهم الحجة ؟ قلت: بل شئ قضي عليهم، قال: فهل يكون ذلك ظلما ؟ قال: ففزعت منه فزعا شديدا، قال: قلت له: ليس شئ إلا وهو خلقه، وملك يده، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. قال: سددك الله، إنما سألتك أظنه أنا لاخبر عقلك. إن رجلا من مزينة أو جهينة، أتى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس فيه ويتكادحون: أشئ قضي عليهم، ومضى عليهم من قدر سبق، أو فيما يستقبلون، مما أتاهم به نبيهم عليه السلام، وأكدت به عليهم الحجة ؟ قال: في شئ قد قضي عليهم قال: ففيم نعمل ؟ قال: من كان الله خلقه لاحدى المنزلتين يهيئه لها، وتصديق ذلك في
[ 266 ]
كتاب الله: ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها. القول في تأويل قوله تعالى: * (قد أفلح من زكاها ئ وقد خاب من دساها ئ كذبت ثمود بطغواهآ ئ إذ انبعث أشقاها ئ فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها ئ فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ئ ولا يخاف عقباها) *. قوله: قد أفلح من زكاها يقول: قد أفلح من زكى الله نفسه، فكثر تطهيرها من الكفر والمعاصي، وأصلحها بالصالحات من الاعمال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28963 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قد أفلح من زكاها يقول: قد أفلح من زكى الله نفسه. 28964 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة: قد أفلح من زكاها قالوا: من أصلحها. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جبير، ولم يذكر عكرمة. 28965 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قد أفلح من زكاها من عمل خيرا زكاها بطاعة الله. 28966 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قد أفلح من زكاها قال: قد أفلح من زكى نفسه بعمل صالح. 28967 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قد أفلح من زكاها يقول: قد أفلح من زكى الله نفسه. وهذا هو موضع القسم، كما:
[ 267 ]
28968 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قد وقع القسم ها هنا قد أفلح من زكاها. وقد ذكرت ما تقول أهل العربية في ذلك فيما مضى من نظائره قبل. وقوله: وقد خاب من دساها يقول تعالى ذكره: وقد خاب في طلبته، فلم يدرك ما طلب والتمس لنفسه من الصلاح من دساها يعني: من دسس الله نفسه فأحملها، ووضع منها، بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي، وترك طاعة الله. وقيل: دساها وهي دسسها، فقلبت إحدى سيناتها ياء، كما قال العجاج: تقضي البازي إذا البازي كسرأ يريد: تقضض. وتظنيت هذا الامر، بمعنى: تظننت، والعرب تفعل ذلك كثيرا، فتبدل في الحرف المشدد بعض حروفه، ياء أحيانا، وواوا أحيانا ومنه قول الآخر: يذهب بي في الشعر كل فن حتى يرد عني التظني يريد: التظنن: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28969 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وقد خاب من دساها يقول: وقد خاب من دسى الله نفسه فأضله. 28970 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: وقد خاب من دساها يعني: تكذيبها. 28971 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وسعيد بن جبير وقد خاب من دساها قال أحدهما: أغواها، وقال الآخر: أضلها.
[ 268 ]
28972 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد وقد خاب من دساها قال: أضلها، وقال سعيد: من أغواها. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من دساها قال: أغواها. 28973 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وقد خاب من دساها قال: أثمها وأفجرها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 28974 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقد خاب يقول: وقد خاب من دسى الله نفسه. وقوله: كذبت ثمود بطغواها يقول: كذبت ثمود بطغيانها، يعني: بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جل ثناؤه: فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل. ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك: 28975 - حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا الوليد بن سلمة الفلسطيني، قال: ثني يزيد بن سمرة المذحجي عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، في قول الله: كذبت ثمود بطغواها قال: اسم العذاب الذي جاءها، الطغوى، فقال: كذبت ثمود بعذابها. 28976 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كذبت ثمود بطغواها: أي بالطغيان. وقال آخرون: كذبت ثمود بمعصيتهم الله. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كذبت ثمود بطغواها قال: معصيتها.
[ 269 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كذبت ثمود بطغواها قال: بطغيانهم وبمعصيتهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها. ذكر من قال ذلك: 28979 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القرظي، عن محمد بن كعب، أنه قال: كذبت ثمود بطغواها قال: بأجمعها. حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: ثني عمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القرظي، عن محمد بن كعب، مثله. وقيل طغواها بمعنى: طغيانهم، وهما مصدران، للتوفيق بين رؤوس الآي، إذ كانت الطغوى أشبه بسائر رؤوس الآيات في هذه السورة، وذلك نظير قوله: وآخر دعواهم بمعنى: وآخر دعائهم. وقوله: إذ انبعث أشقاها يقول: إذ ثار أشقى ثمود، وهو قدار بن سالف، كما: 28980 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا الطفاوي، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة، قال: خطب رسول الله (ص)، فذكر في خطبته الناقة، والذي عقرها، فقال: إذ انبعث أشقاها: انبعث لها رجل عزيز عارم، منيع في رهطه، مثل أبي زمعة. 28981 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: إذ انبعث أشقاها يعني أحيمر ثمود. وقوله: فقال لهم رسول الله يعني بذلك جل ثناؤه: صالحا رسول الله (ص)، فقال لثمود صالح: ناقة الله وسقياها احذروا ناقة الله وسقياها، وإنما حذرهم سقيا الناقة، لانه كان تقدم إليهم عن أمر الله، أن للناقة شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر، غير يوم الناقة، على ما قد بينت فيما مضى قبل، وكما:
[ 270 ]
28982 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها قسم الله الذي قسم لها من هذا الماء. وقوله: فكذبوه فعقروها يقول: فكذبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به، من أن الله الذي جعل شرب الناقة يوما، ولهم شرب يوم معلوم، وأن الله يحل بهم نقمته، إن هم عقروها، كما وصفهم جل ثناؤه فقال: كذبت ثمود وعاد بالقارعة، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقر. وإذا كان ذلك كذلك، جاز تقديم التكذيب قبل العقر، والعقر قبل التكذيب، وذلك أن كل فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده، كقول القائل: أعطيت فأحسنت، وأحسنت فأعطيت، لان الاعطاء: هو الاحسان، ومن الاحسان الاعطاء، وكذلك لو كان العقر هو سبب التكذيب، جاز تقديم أي ذلك شاء المتكلم. وقد زعم بعضهم أن قوله: فكذبوه كلمة مكتفية بنفسها، وأن قوله: فعقروها جواب لقوله: إذ انبعث أشقاها كأنه قيل: إذ انبعث أشقاها فعقرها، فقال: وكيف ؟ قيل فكذبوه فعقروها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مسلمين، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر. قيل: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك، أجمعوا على منعها الشرب، ورضوا بقتلها، وعن رضا جميعهم قتلها قاتلها، وعقرها من عقرها ولذلك نسب التكذيب والعقر إلى جميعهم، فقال جل ثناؤه: فكذبوه فعقروها. وقوله: فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها يقول تعالى ذكره: فدمر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحا، وعقرهم ناقته فسواها يقول: فسوى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يفلت منهم أحد، كما: 28983 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ذكر لنا أن أحيمر ثمود أبى أن يعقرها، حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم، وذكرهم وأنثاهم، فلما اشترك القوم في عقرها دمدم الله عليهم بذنبهم فسواها. 28984 - حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا قتيبة، قال: ثنا أبو هلال، قال: سمعت الحسن يقول: لما عقروا الناقة طلبوا فصيلها، فصار في قارة الجبل، فقطع الله قلوبهم. وقوله: ولا يخاف عقباها اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دمدمته عليهم. ذكر من قال ذلك:
[ 271 ]
27985 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولا يخاف عقباها قال: لا يخاف الله من أحد تبعة. 28986 - حدثني إبراهيم بن المستمر، قال: ثنا عثمان بن عمرو، قال: ثنا عمر بن مرثد، عن الحسن، في قوله: ولا يخاف عقباها قال: ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعة مما صنع بهم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن عمرو بن منبه، هكذا هو في كتابي، سمعت الحسن قرأ: ولا يخاف عقباها قال: ذلك الرب صنع ذلك بهم، ولم يخف تبعة. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: ولا يخاف عقباها قال: لا يخاف تبعتهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولا يخاف عقباها يقول: لا يخاف أن يتبع بشئ مما صنع بهم. 28988 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولا يخاف عقباها قال محمد بن عمرو في حديثه، قال: الله لا يخاف عقباها. وقال الحرث في حديثه: الله لا يخاف عقباها. 28989 - حدثني محمد بن سنان، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا رزين بن إبراهيم، عن أبي سليمان، قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول في قوله: ولا يخاف عقباها قال: لا يخاف الله التبعة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخف الذي عقرها عقباها: أي عقبى فعلته التي فعل. ذكر من قال ذلك: 28990 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، قال: ثنا أبوروق، قال: ثنا الضحاك ولا يخاف عقباها قال: لم يخف الذي عقرها عقباها. 28991 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي: ولا يخاف عقباها قال: لم يخف الذي عقرها عقباها.
[ 272 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي ولا يخاف عقباها قال: الذي لا يخاف الذي صنع، عقبى ما صنع. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والشام: فلا يخاف عقباها بالفاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم، وقرأته عامة قراء العراق في المصرين بالواو ولا يخاف عقباها وكذلك هو في مصاحفهم. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، غير مختلفي المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. واختلفت القراء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها، كقوله: والقمر إذا تلاها وما طحاها ونحو ذلك، فكان يفتح ذلك كله عامة قراء الكوفة، ويميلون ما كان من ذوات الياء، غير عاصم والكسائي، فإن عاصما كان يفتح جميع ذلك، ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء، لا يضجع منه شيئا. وكان الكسائي يكسر ذلك كله. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رؤوس الآي، فإن كانت متسقة على شئ واحد، أمال جميعها. وأما عامة قراء المدينة، فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الامالة الشديدة، ولا يفتحونه الفتح الشديد، ولكن بين ذلك وأفصح ذلك وأحسنه: أن ينظر إلى ابتداء السورة، فإن كانت رؤوسها بالياء، أجري جميعها بالامالة غير الفاحشة، وإن كانت رؤوسها بالواو، فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش، وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع، أميل ذوات الياء الامالة المعتدلة، وفتح ذوات الواو الفتح المتوسط، وإن أميلت هذه، وفتحت هذه لم يكن لحنا، غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته. آخر تفسير سورة والشمس وضحاها
[ 273 ]
سورة الليل مكية وآياتها إحدى وعشرون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والليل إذا يغشى ئ والنهار إذا تجلى ئ وما خلق الذكر والانثى إن سعيكم لشتى ئ فأما من أعطى واتقى ئ وصدق بالحسنى ئ فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى ئ فسنيسره للعسرى) *. يقول تعالى ذكره مقسما بالليل إذا غشى النهار بظلمته، فأذهب ضوءه، وجاءت ظلمته: والليل إذا يغشى النهار والنهار إذا تجلى وهذا أيضا قسم، أقسم بالنهار إذا هو أضاء فأنار، وظهر للابصار، ما كانت ظلمة الليل قد حالت بينها وبين رؤيته وإيتانه إياها عيانا. وكان قتادة يذهب فيما أقسم الله به من الاشياء أنه إنما أقسم به لعظم شأنه عنده، كما: 28992 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى قال: آيتان عظيمتان يكورهما الله على الخلائق. وقوله: وما خلق الذكر والانثى يحتمل الوجهين اللذين وصفت في قوله: والسماء وما بناها والارض وما طحاها وهو أن يجعل ما بمعنى من، فيكون ذلك قسما من الله جل ثناؤه بخالق الذكر والانثى، وهو ذلك الخلق، وأن تجعل ما مع ما بعدها بمعنى المصدر، ويكون قسما بخلقه الذكر والانثى.
[ 274 ]
وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء: أنهما كانا يقرآن ذلك والذكر والانثى ويأثره أبو الدرداء عن رسول الله (ص). ذكر الخبر بذلك: 28993 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: في قراءة عبد الله: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى. 28994 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا هشام بن عبد الملك، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني المغيرة، قال: سمعت إبراهيم يقول: أتى علقمة الشأم، فقعد إلى أبي الدرداء، فقال: ممن أنت ؟ فقلت: من أهل الكوفة، فقال: كيف كان عبد الله يقرأ هذه الآية والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى فقلت: والذكر والانثى قال: فما زال هؤلاء حتى كادوا يستضلونني وقد سمعتها من رسول الله (ص). حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا حاتم بن وردان، قال: ثنا أبو حمزة، عن إبراهيم، عن علقمة قال: أتينا الشام، فدخلت على أبي الدرداء، فسألني فقال: كيف سمعت ابن مسعود يقرأ هذه الآية: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى قال: قلت: والذكر والانثى قال: كفاك، سمعتها من رسول الله (ص) يقرؤها. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية وحدثني إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله عن داود، عن عامر، عن علقمة، قال: قدمت الشام، فلقيت أبا الدرداء، فقال: من أين أنت ؟ فقلت من أهل العراق ؟ قال: من أيها ؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: هل تقرؤه قراءة ابن أم عبد ؟ قلت: نعم، قال: اقرأ والليل إذا يغشى قال: فقرأت: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى قال: فضحك، ثم قال: هكذا سمعت من رسول الله (ص). حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثني داود، عن عامر، عن علقمة، عن أبي الدرداء، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: قدمت الشام، فأتى أبو الدرداء، فقال: فيكم أحد يقرأ على قراءة عبد الله ؟
[ 275 ]
قال: فأشاروا إلي، قال: قلت أنا، قال: فكيف سمعت عبد الله يقرأ هذه الآية: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والانثى قال: وأنا هكذا سمعت رسول الله (ص) يقول: فهؤلاء يريدوني على أن أقرأ وما خلق الذكر والانثى فلا أنا أتابعهم. 28995 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما خلق الذكر والانثى قال: في بعض الحروف: والذكر والانثى. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. 28996 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، عن إسماعيل، عن الحسن أنه كان يقرؤها وما خلق الذكر والانثى يقول: والذي خلق الذكر والانثى قال هارون قال أبو عمرو: وأهل مكة يقولون للرعد: سبحان ما سبحت له. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن مقسم الضبي، عن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران، عن علقمة بن قيس أبي شبل: أنه أتى الشام، فدخل المسجد فصلى فيه، ثم قام إلى حلقة فجلس فيها قال: فجاء رجل إلي، فعرفت فيه تحوش القول وهيبتهم له، فجلس إلى جنبي، فقلت: الحمد لله إني لارجو أن يكون الله قد استجاب دعوتي، فإذا ذلك الرجل أبو الدرداء، قال: وما ذاك ؟ فقال علقمة: دعوت الله أن يرزقني جليسا صالحا، فأرجو أن يكون أنت، قال: من أين أنت ؟ قلت: من الكوفة، أو من أهل العراق من الكوفة. قال أبو الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب النعلين والوساد والمطهرة، يعني ابن مسعود، أو لم يكن فيكم من أجير على لسان النبي (ص) من الشيطان الرجيم، يعني عمار بن ياسر، أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، أو أحد غيره، يعني حذيفة بن اليمان، ثم قال: أيكم يحفظ كما كان عبد الله يقرأ ؟ قال: فقلت: أنا، قال: اقرأ: والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى قال علقمة: فقرأت: الذكر والانثى، فقال أبو الدرداء: والذي لا إله إلا هو، كذا أقرأنيها رسول الله (ص) فوه إلى في، فما زال هؤلاء حتى كادوا يردونني عنها. وقوله: إن سعيكم لشتى يقول: إن عملكم لمختلف أيها الناس، لان منكم الكافر بربه، والعاصي له في أمره ونهيه، والمؤمن به، والمطيع له في أمره ونهيه، كما:
[ 276 ]
28997 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن سعيكم لشتى يقول: لمختلف. وقوله: إن سعيكم لشتى جواب القسم، والكلام: والليل إذا يغشى إن سعيكم لشتى، وكذا قال أهل العلم. ذكر من قال ذلك: 28998 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم ههنا إن سعيكم لشتى. وقوله: فأما من أعطى واتقى يقول تعالى ذكره: فأما من أعطى واتقى منكم أيها الناس في سبيل الله، ومن أمره الله بإعطائه من ماله، وما وهب له من فضله، واتقى الله واجتنب محارمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 28999 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: فأما من أعطى واتقى قال: أعطى ما عنده واتقى، قال: اتقى ربه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس فأما من أعطى من الفضل واتقى: اتقى ربه. 29000 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأما من أعطى حق الله واتقى محارم الله التي نهى عنها. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فأما من أعطى واتقى يقول: من ذكر الله، واتقى الله. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: وصدق بالحسنى فقال بعضهم: معنى ذلك: وصدق بالخلف من الله، على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعطى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه. ذكر من قال ذلك: 29001 - حدثني حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا دواد، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وصدق بالحسنى قال: وصدق بالخلف من الله.
[ 277 ]
حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس: وصدق بالحسنى يقول: وصدق بالخلف من الله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس وصدق بالحسنى بالخلف. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله. حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الاحمسي، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن ابن عباس وصدق بالحسنى قال: أيقن بالخلف. 29002 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرمة فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى قال: بالخلف. 29003 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن عكرمة وصدق بالحسنى قال: بأن الله سيخلف له. 29004 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي هاشم المكي، عن مجاهد وصدق بالحسنى قال بالخلف. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: وصدق بالحسنى قال: بالخلف. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن نضر بن عربي، عن عكرمة، قال: بالخلف. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدق بأن الله واحد لا شريك له. ذكر من قال ذلك: 29005 - حدثني محمد بن عمر بن علي المقدمي، قال: ثنا أشعث السجستاني، قال: ثنا مسعر وحدثنا أبو كريب قال: ثنا وكيع، عن مسعر عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن وصدق بالحسنى قال: بلا إله إلا الله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن مثله.
[ 278 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي حصين، عن أبي عبد الرحمن، مثله. 29006 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وصدق بالحسنى: بلا إله إلا الله. 29007 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وصدق بالحسنى: يقول: صدق بلا إله إلا الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وصدق بالجنة. ذكر من قال ذلك: 29008 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وصدق بالحسنى قال: بالجنة. حدثنا ابن بشار، قال: ثني محمد بن محبب، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل معناه: وصدق بموعود الله. ذكر من قال ذلك: 29009 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وصدق بالحسنى قال: بموعود الله على نفسه، فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله وصدق بالحسنى قال: صدق المؤمن بموعود الله الحسن. وأشبه هذه الاقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل، وأولاها بالصواب عندي: قول من قال: عني به التصديق بالخلف من الله على نفقته. وإنما قلت: ذلك أولى الاقوال بالصواب في ذلك، لان الله ذكر قبله منفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخلف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه، مع أن الخبر عن رسول الله (ص) بنحو الذي قلنا في ذلك ورد. ذكر الخبر الوارد بذلك: 29010 - حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة، قال: ثنا عبد الملك بن عمرو،
[ 279 ]
قال: ثنا عباد بن راشد، عن قتادة قال: ثني خليد العصري، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله (ص): ما من يوم غربت فيه شمسه، إلا وبجنبيها ملكان يناديان، يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا فأنزل الله في ذلك القرآن فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى... إلى قوله للعسرى. وذكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ذكر الخبر بذلك: 29011 - حدثني هارون بن إدريس الاصم، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، قال: كان أبو بكر الصديق يعتق على الاسلام بمكة، فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن، فقال له أبوه: أي بني، أراك تعتق أناسا ضعفاء، فلو أنك أعتقت رجالا جلدا يقومون معك، ويمنعونك، ويدفعون عنك، فقال: أي أبت، إنما أريد أظنه قال: ما عند الله، قال: فحدثني بعض أهل بيتي، أن هذه الآية أنزلت فيه: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى. وقوله: فسنيسره لليسرى يقول: فسنهيئه للخلة اليسرى، وهي العمل بما يرضاه الله منه في الدنيا، ليوجب له به في الآخرة الجنة. وقوله: وأما من بخل واستغنى يقول تعالى ذكره: وأما من بخل بالنفقة في سبيل الله، ومنع ما وهب الله له من فضله، من صرفه في الوجوه التي أمر الله بصرفه فيها، واستغنى عن ربه، فلم يرغب إليه بالعمل له بطاعته، بالزيادة فيما خوله من ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29012 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: وأما من بخل واستغنى قال: بخل بما عنده، واستغنى في نفسه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس وأما من بخل واستغنى وأما من بخل بالفضل، واستغنى عن ربه.
[ 280 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وأما من بخل واستغنى يقول: من أغناه الله، فبخل بالزكاة. 29013 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وأما من بخل واستغنى: وأما من بخل بحق الله عليه، واستغنى في نفسه عن ربه. وأما قوله: وكذب بالحسنى فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: وصدق بالحسنى وأما نحن فنقول: معناه: وكذب بالخلف، كما: 29014 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس: وكذب بالحسنى: وكذب بالخلف. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس وكذب بالحسنى بالخلف من الله. 29015 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكذب بالحسنى وكذب بموعود الله الذي وعد، قال الله: فسنيسره للعسرى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وكذب بالحسنى وكذب الكافر بموعود الله الحسن. وقال آخرون: معناه: وكذب بتوحيد الله. ذكر من قال ذلك: 29016 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وكذب بالحسنى: وكذب بلا إله إلا الله. 29017 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وكذب بالحسنى بلا إله إلا الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وكذب بالجنة. ذكر من قال ذلك: 29018 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وكذب بالحسنى قال: بالجنة. وقوله: فسنيسره للعسرى يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخلة العسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر:
[ 281 ]
هما سيدانا يزعمان وإنما يسوداننا أن يسرت غنماهما وقيل: فسنيسره للعسرى ولا تيسر في العسرى للذي تقدم في أول الكلام من قوله: فسنيسره لليسرى وإذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والآخر ذكر الشر، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا والعسرى التي أخبر الله جل ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الاثر عن رسول الله (ص). ذكر الخبر بذلك: 29019 - حدثني واصل بن عبد الاعلى وأبو كريب، قالا: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال: كنا جلوسا عند النبي (ص)، فنكت الارض، ثم رفع رأسه فقال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قلنا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا زائدة بن قدامة، عن منصور، عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، قال: كنا في جنازة في البقيع، فأتانا رسول الله (ص) فجلس وجلسنا معه، ومعه عود ينكت في الارض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: ما منكم من نفس منفوسة إلا قد كتب مدخلها، فقال القول: يا رسول الله ألا نتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء، فقال: بل اعملوا فكل ميسر فأما من كان من أهل السعادة فإنه ييسر لعمل السعادة وأما من كان من أهل الشقاء فإنه ييسر للشقاء، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، عن النبي (ص) بنحوه.
[ 282 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور والاعمش: أنهما سمعا سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي، عن النبي (ص) أنه كان في جنازة، فأخذ عودا فجعل ينكت في الارض، فقال: ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار أو من الجنة، فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل ؟ قال: اعملوا فكل ميسر فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور والاعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه قال: كنا جلوسا مع النبي (ص)، فتناول شيئا من الارض بيده، فقال: ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة والنار قالوا: يا نبي الله، أفلا نتكل ؟ قال: لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى... الآيتين. 29020 - قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن سمرة بن أبي زائدة، عن النزال بن سبرة، قال: قال النبي (ص): ما من نفس منفوسة إلا قد كتب الله عليها ما هي لاقيته وأعرابي عند النبي (ص) مرتاد، فقال الاعرابي: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا، إن كان قد فرغ من الامر ؟ فنكت النبي (ص) في الارض، حتى ظن القوم أنه ود أنه لم يكن تكلم بشئ منه، فقال النبي (ص): كل ميسر لما خلق له، فمن يرد الله به خيرا يسره لسبيل الخير، ومن يرد به شرا يسره لسبيل الشر، فلقيت عمرو بن مرة، فعرضت عليه هذا الحديث، فقال: قال النبي (ص)، وزاد فيه: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. 29021 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: ثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: لما نزلت هذه الآية: إنا كل شئ خلقناه بقدر قال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل ؟ أفي شئ نستأنفه، أو في شئ قد فرغ منه ؟ فقال رسول الله (ص): اعملوا فكل ميسر: سنيسره لليسرى، وسنيسره للعسرى.
[ 283 ]
حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي، قال: ثنا محمد بن عبيدة، قال: ثنا الجراح، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحجاج بن أرطأة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سليمان الاعمش، رفع الحديث إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: كان رسول الله (ص) ذات يوم جالسا وبيده عود ينكت به في الارض، فرفع رأسه فقال: ما منكم من أحد ولا من الناس، إلا وقد علم مقعده من الجنة أو النار، قلنا: يا رسول الله أفلا نتوكل ؟ قال لهم: اعملوا فكل ميسر لما خلق له، ثم قال: أما سمعتم الله في كتابه يقول: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى. 29022 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس فسنيسره للعسرى: للشر من الله. 29023 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله أنه قال: يا رسول الله، أنعمل لامر قد فرغ منه، أو لامر نأتنفه ؟ فقال (ص): كل عامل ميسر لعمله. 29024 - حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب، عن بشير بن كعب، قال: سأل غلامان شابان النبي (ص)، فقالا: يا رسول الله، أنعمل فيما جفت به الاقلام، وجرت به المقادير، أو في شئ يستأنف ؟ فقال: بل فيما جفت به الاقلام، وجرت به المقادير قالا: ففيم العمل إذن ؟ قال: اعملوا، فكل عامل ميسر لعمله الذي خلق له، قالا: فالآن نجد ونعمل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما يغني عنه ماله إذا تردى ئ إن علينا للهدى ئ وإن لنا للآخرة والاولى ئ فأنذرتكم نارا تلظى ئ لا يصلاها إلا الاشقى ئ الذي كذب وتولى ئ وسيجنبها الاتقى ئ الذى يؤتي ماله يتزكى) *.
[ 284 ]
يعني جل ثناؤه بقوله: وما يغني عنه ماله: أي شئ يدفع عن هذا الذي بخل بماله، واستغنى عن ربه، ماله يوم القيامة إذا هو تردى ؟. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إذا تردى فقال بعضهم: تأويله: إذا تردى في جهنم: أي سقط فيها فهوى. ذكر من قال ذلك: 29025 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن ابن أبي خالد، عن أبي صالح وما يغني عنه ماله إذا تردى قال: في جهنم. قال أبو كريب: قد سمع الاشجعي من إسماعيل ذلك. 29026 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: إذا تردى قال: إذا تردى في النار. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا مات. ذكر من قال ذلك: 29027 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد وما يغني عنه ماله إذا تردى قال: إذا مات. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إذا تردى قال: إذا مات. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: إذا مات. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إذا تردى في جهنم، لان ذلك هو المعروف من التردي فأما إذا أريد معنى الموت، فإنه يقال: ردي فلان، وقلما يقال: تردى. وقوله: إن علينا للهدى يقول تعالى ذكره: إن علينا لبيان الحق من الباطل، والطاعة من المعصية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29028 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إن علينا للهدى يقول: على الله البيان، بيان حلاله وحرامه، وطاعته ومعصيته. وكان بعض أهل العربية يتأوله بمعنى: أنه من سلك الهدى فعلى الله سبيله، ويقول:
[ 285 ]
وهو مثل قوله: وعلى الله قصد السبيل ويقول: معنى ذلك: من أراد الله فهو على السبيل القاصد، وقال: يقال معناه: إن علينا للهدى والاضلال، كما قال: سرابيل تقيكم الحر وهي تقي الحر والبرد. وقوله: وإن لنا للآخرة والاولى يقول: وإن لنا ملك ما في الدنيا والآخرة، نعطي منهما من أردنا من خلقنا، ونحرمه من شئنا. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحب من خلقه، فيكرمه بها في الدنيا، ويهيئ له الكرامة والثواب في الآخرة، ويخذل من يشاء خذلانه من خلقه عن طاعته، فيهينه بمعصيته في الدنيا، ويخزيه بعقوبته عليها في الآخرة. ثم قال جل ثناؤه: فأنذرتكم نارا تلظى يقول تعالى ذكره: فأنذرتكم أيها الناس نارا تتوهج، وهي نار جهنم، يقول: احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا، وتكفروا به، فتصلونها في الآخرة. وقيل: تلظى، وإنما هي تتلظى، وهي في موضع رفع، لانه فعل مستقبل، ولو كان فعلا ماضيا لقيل: فأنذرتكم نارا تلظت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29029 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: نارا تلظى قال: توهج. وقوله: لا يصلاها إلا الاشقى يقول جل ثناؤه: لا يدخلها فيصلى بسعيرها إلا الاشقى، الذي كذب وتولى يقول: الذي كذب بآيات ربه، وأعرض عنها، ولم يصدق بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29030 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي هريرة، قال: لتدخلن الجنة إلا من يأبى، قالوا: يا أبا هريرة: ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال: فقرأ: الذي كذب وتولى. 29031 - حدثني الحسن بن ناضح، قال: ثنا الحسن بن حبيب ومعاذ بن معاذ، قالا: ثنا الاشعث، عن الحسن في قوله: لا يصلاها إلا الاشقى قال معاذ: الذي كذب وتولى، ولم يقله الحسن، قال: المشرك.
[ 286 ]
وكان بعض أهل العربية يقول: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكن قصر عما أمر به من الطاعة، فجعل تكذيبا، كما تقول: لقي فلان العدو، فكذب إذا نكل ورجع. وذكر أنه سمع بعض العرب يقول: ليس لحدهم مكذوبة، بمعنى: أنهم إذا لقوا صدقوا القتال، ولم يرجعوا قال: وكذلك قول الله: ليس لوقعتها كاذبة. وقوله: وسيجنبها الاتقى يقول: وسيوقى صلي النار التي تلظى التقي، ووضع أفعل موضع فعيل، كما قال طرفة: تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد وقوله: الذي يؤتي ماله يتزكى يقول: الذي يعطي ماله في الدنيا في حقوق الله التي ألزمه إياها، يتزكى: يعني: يتطهر بإعطائه ذلك من ذنوبه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما لاحد عنده من نعمة تجزى ئ إلا ابتغآء وجه ربه الاعلى ئ ولسوف يرضى) *. كان بعض أهل العربية يوجه تأويل ذلك إلى: وما لاحد من خلق الله عند هذا الذي يؤتى ماله في سبيل الله يتزكى من نعمة تجزى يعني: من يد يكافئه عليها، يقول: ليس ينفق ما ينفق من ذلك، ويعطى ما يعطى، مجازاة إنسان يجازيه على يد له عنده، ولا مكافأة له على نعمة سلفت منه إليه، أنعمها عليه، ولكن يؤتيه في حقوق الله ابتغاء وجه الله. قال: وإلا في هذا الموضع بمعنى لكن وقال: يجوز أن يكون الفعل في المكافأة مستقبلا، فيكون معناه: ولم يرد بما أنفق مكافأة من أحد، ويكون موقع اللام التي في أحد في الهاء التي خفضتها عنده، فكأنك قلت: وما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها، قال: وقد تضع العرب الحرف في غير موضعه إذا كان معروفا، واستشهدوا لذلك ببيت النابغة: وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعل في ذي المطارة عاقل والمعنى: حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي وهذا الذي قاله الذي حكينا قوله من
[ 287 ]
أهل العربية، وزعم أنه مما يجوز هو الصحيح الذي جاءت به الآثار عن أهل التأويل وقالوا: نزلت في أبي بكر بعتقه من أعتق. ذكر من قال ذلك: 29032 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى يقول: ليس به مثابة الناس ولا مجازاتهم، إنما عطيته لله. 29033 - حدثني محمد بن إبراهيم الانماطي، قال: ثنا هارون بن معروف. قال: ثنا بشر بن السري، قال: ثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد الله عن أبيه، قال: نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق: وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى ولسوف يرضى. 29034 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: أخبرني سعيد، عن قتادة، في قوله: وما لاحد عنده من نعمة تجزى قال: نزلت في أبي بكر، أعتق ناسا لم يلتمس منهم جزاء ولا شكورا، ستة أو سبعة، منهم بلال، وعامر بن فهيرة. وعلى هذا التأويل الذي ذكرناه عن هؤلاء، ينبغي أن يكون قوله: إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى نصبا على الاستثناء من معنى قوله: وما لأحد عنده من نعمة تجزى لان معنى الكلام: وما يؤتي الذي يؤتي من ماله ملتسما من أحد ثوابه، إلا ابتغاء وجه ربه. وجائز أن يكون نصبه على مخالفة ما بعد إلا ما قبلها، كما قال النابغة: وما بالربع من أحد إلا أواري لاياما أبينها وقوله: ولسوف يرضى يقول: ولسوف يرضى هذا المؤتي ماله في حقوق الله عز وجل، يتزكى بما يثيبه الله في الآخرة عوضا مما أتى في الدنيا في سبيله، إذا لقي ربه تبارك وتعالى. آخر تفسير سورة والليل إذا يغشى
[ 288 ]
سورة الضحى مكية وآياتها إحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والضحى ئ والليل إذا سجى ئ ما ودعك ربك وما قلى ئ وللآخرة خير لك من الاولى ئ ولسوف يعطيك ربك فترضى ئ ألم يجدك يتيما فآوى ئ ووجدك ضالا فهدى ئ ووجدك عائلا فأغنى) *. أقسم ربنا جل ثناؤه بالضحى، وهو النهار كله، وأحسب أنه من قولهم: ضحى فلان للشمس: إذا ظهر منه ومنه قوله: وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى: أي لا يصيبك فيها الشمس. وقد ذكرت اختلاف أهل العلم في معناه، في قوله: والشمس وضحاها مع ذكري اختيارنا فيه. وقيل: عني به وقت الضحى. ذكر من قال ذلك: 29035 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والضحى ساعة من ساعات النهار. وقوله: والليل إذا سجى اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معناه: والليل إذا أقبل بظلامه. ذكر من قال ذلك: 29036 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس. والليل إذا سجى يقول: والليل إذا أقبل.
[ 289 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قول الله: والليل إذا سجى قال: إذا لبس الناس، إذا جاء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا ذهب. ذكر من قال ذلك: 29038 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس والليل إذا سجى يقول: إذا ذهب. وقال آخرون: معناه: إذا استوى وسكن. ذكر من قال ذلك: 29039 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع جميعا، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والليل إذا سجى قال: إذا استوى. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والليل إذا سجى قال: إذا استوى. 29040 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والليل إذا سجى سكن بالخلق. 29041 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: والليل إذا سجى يعني: استقراره وسكونه. 29042 - حدثني يونس، قال: أخبرني ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والليل إذا سجى قال: إذا سكن، قال: ذلك سجوه، كما يكون سكون البحر سجوه. وأولى هذه الاقوال بالصواب عندي في ذلك قول من قال معناه: والليل إذا سكن بأهله، وثبت بظلامه، كما يقال: بحر ساج: إذا كان ساكنا ومنه قول أعشى بني ثعلبة. فما ذنبنا إن جاشع بحر ابن عمكم وبحرك ساج ما يواري الدعامصا وقول الراجز:
[ 290 ]
يا حبذا القمراء والليل الساج وطرق مثل ملاء النساج وقوله: ما ودعك ربك وما قلى وهذا جواب القسم، ومعناه: ما تركك يا محمد ربك وما أبغضك. وقيل: وما قلى ومعناه: وما قلاك، اكتفاء بفهم السامع لمعناه، إذ كان قد تقدم ذلك قوله: ما ودعك فعرف بذلك أن المخاطب به نبي الله (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29043 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ما ودعك ربك وما قلى يقول: ما تركك ربك، وما أبغضك. 29044 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ما ودعك ربك وما قلى قال: ما قلاك ربك وما أبغضك قال: والقالي: المبغض. وذكر أن هذه السورة نزلت على رسول الله (ص) تكذيبا من الله قريشا في قيلهم لرسول الله، لما أبطأ عليه الوحي: قد ودع محمدا ربه وقلاه. ذكر الرواية بذلك: 29045 - حدثني علي بن عبد الله الدهان، قال: ثنا مفضل بن صالح، عن الاسود بن قيس العبدي، عن ابن عبد الله، قال: لما أبطأ جبريل على رسول الله (ص)، فقالت امرأة من أهله، أو من قومه: ودع الشيطان محمدا، فأنزل الله عليه: والضحى... إلى قوله: ما ودعك ربك وما قلى. قال أبو جعفر: ابن عبد الله: هو جندب بن عبد الله البجلي. حدثني محمد بن عيسى الدامغاني، ومحمد بن هارون القطان، قالا: ثنا سفيان، عن الاسود بن قيس سمع جندبا البجلي يقول: أبطأ جبريل على النبي (ص) حتى قال المشركون: ودع محمدا ربه، فأنزل الله: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الاسود بن
[ 291 ]
قيس، أنه سمع جندبا البجلي قال: قالت امرأة لرسول الله (ص): ما أرى صاحبك إلا قد أبطأ عنك، فنزلت هذه الآية: ما ودعك ربك وما قلى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاسود بن قيس، قال: سمعت جندب بن عبد الله يقول: إن امرأة أتت النبي (ص) فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى. 29046 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي (ص): ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى. 29047 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ما ودعك ربك وما قلى قال: إن جبريل عليه السلام أبطأ عليه بالوحي، فقال ناس من الناس، وهم يومئذ بمكة، ما نرى صاحبك إلا قد قلاك فودعك، فأنزل الله ما تسمع: ما ودعك ربك وما قلى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ما ودعك ربك وما قلى قال: أبطأ عليه جبريل، فقال المشركون: قد قلاه ربه وودعه، فأنزل الله: ما ودعك ربك وما قلى. 29048 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما ودعك ربك وما قلى مكث جبريل عن محمد (ص)، فقال المشركون: قد ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله هذه الآية. 29049 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ما ودعك ربك وما قلى قال: لما نزل عليه القرآن، أبطأ عنه جبريل أياما، فعير بذلك، فقال المشركون: ودعه ربه وقلاه، فأنزل الله: ما ودعك ربك وما قلى. 29050 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أبطأ جبريل على النبي (ص)، فجزع جزعا شديدا، وقالت خديجة: أرى ربك قد قلاك، مما
[ 292 ]
نرى من جزعك، قال: فنزلت والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى... إلى آخرها. وقوله: وللآخرة خير لك من الاولى يقول تعالى ذكره: وللدار الآخرة، وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها يقول: فلا تخزن على ما فاتك منها، فإن الذي لك عند الله خير لك منها. وقوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى يقول تعالى ذكره: ولسوف يعطيك يا محمد ربك في الآخرة من فواضل نعمه، حتى ترضى. وقد اختلف أهل العلم في الذي وعده من العطاء، فقال بعضهم: هو ما: 29051 - حدثني به موسى بن سهل الرملي، قال: ثنا عمرو بن هاشم، قال: سمعت الاوزاعي يحدث، عن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي، عن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، قال: عرض على رسول الله (ص) ما هو مفتوح على أمته من بعده، كفرا كفرا، فسر بذلك، فأنزل الله ولسوف يعطيك ربك فترضى فأعطاه في الجنة ألف قصر، في كل قصر، ما ينبغي من الازواج والخدم. حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثني رواد بن الجراح، عن الاوزاعي، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن علي بن عبد الله بن عباس، في قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى قال: ألف قصر من لؤلؤ، ترابهن المسك، وفيهن ما يصلحهن. 29052 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولسوف يعطيك ربك فترضى، وذلك يوم القيامة. وقال آخرون في ذلك ما: 29053 - حدثني به عباد بن يعقوب، قال: ثنا الحكم بن ظهير، عن السدي، عن ابن عباس، في قوله: ولسوف يعطيك ربك فترضى قال: من رضا محمد (ص) ألا يدخل أحد من أهل بيته النار.
[ 293 ]
وقوله: ألم يجدك يتيما فآوى يقول تعالى ذكره معددا على نبيه محمد (ص) نعمه عنده، ومذكره آلاءه قبله: ألم يجدك يا محمد ربك يتيما فآوى، يقول: فجعل لك مأوى تأوي إليه، ومنزلا تنزله ووجدك ضالا فهدى ووجدك على غير الذي أنت عليه اليوم. وقال السدي في ذلك ما: 29054 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن السدي ووجدك ضالا قال: كان على أمر قومه أربعين عاما. وقيل: عني بذلك: ووجدك في قوم ضلال فهداك. وقوله: ووجدك عائلا فأغنى يقول: ووجدك فقيرا فأغناك، يقال منه: عال فلان يعيل عيلة، وذلك إذا افتقر ومنه قول الشاعر: فما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل يعني: متى يفتقر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29055 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ووجدك عائلا فقيرا. وذكر أنها في مصحف عبد الله: ووجدك عديما فآوى. 29056 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى قال: كانت هذه منازل رسول الله (ص)، قبل أن يبعثه الله سبحانه وتعالى. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأما اليتيم فلا تقهر ئ وأما السائل فلا تنهر ئ وأما بنعمة ربك فحدث) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فأما اليتيم يا محمد فلا تقهر يقول: فلا تظلمه، فتذهب بحقه، استضعافا منك له، كما: 29057 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأما اليتيم فلا تقهر: أي لا تظلم.
[ 294 ]
29058 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فأما اليتيم فلا تقهر قال: تغمصه وتحقره. وذكر أن ذلك في مصحف عبد الله: فلا تكهر. وقوله: وأما السائل فلا تنهر يقول: وأما من سألك من ذي حاجة فلا تنهره، ولكن أطعمه واقض له حاجته وأما بنعمة ربك فحدث: يقول: فاذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29059 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن مجاهد، في قوله: وأما بنعمة ربك فحدث قال: بالنبوة. 29060 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا سعيد بن إياس الجريري، عن أبي نضرة، قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدث بها. آخر تفسير سورة الضحى، ولله الحمد والشكر
[ 295 ]
سورة الشرح مكية وآياتها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم نشرح لك صدرك ئ ووضعنا عنك وزرك ئ الذي أنقض ظهرك ئ ورفعنا لك ذكرك ئ فإن مع العسر يسرا ئ إن مع العسر يسرا ئ فإذا فرغت فانصب ئ وإلى ربك فارغب) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، مذكره آلاءه عنده، وإحسانه إليه، حاضا له بذلك على شكره على ما أنعم عليه، ليستوجب بذلك المزيد منه: ألم نشرح لك يا محمد، للهدى والايمان بالله ومعرفة الحق صدرك فنلين لك قلبك، ونجعله وعاء للحكمة ووضعنا عنك وزرك يقول: وغفرنا لك ما سلف من ذنوبك، وحططنا عنك ثقل أيام الجاهلية التي كنت فيها وهي في قراءة عبد الله فيما ذكر: وحللنا عنك وقرك الذي أنقض ظهرك يقول: الذي أثقل ظهرك فأوهنه، وهو من قولهم للبعير إذا كان رجيع سفر، قد أوهنه السفر، وأذهب لحمه: هو نقض سفر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29061 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: ووضعنا عنك وزرك قال: ذنبك. وقوله: أنقض ظهرك قال: أثقل ظهرك. 29062 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم نشرح
[ 296 ]
لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك: كانت للنبي (ص) ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أنقض ظهرك قال: كانت للنبي (ص) ذنوب قد أثقلته، فغفرها الله له. 29063 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ووضعنا عنك وزرك يعني: الشرك الذي كان فيه. 29064 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك قال: شرح له صدره، وغفر له ذنبه الذي كان قبل أن ينبأ، فوضعه. وفي قوله: الذي أنقض ظهرك قال: أثقله وجهده، كما ينقض البعير حمله الثقيل، حتى يصير نقضا بعد أن كان سمينا ووضعنا عنك وزرك قال: ذنبك الذي أنقض ظهرك: أثقل ظهرك، ووضعناه عنك، وخففنا عنك ما أثقل ظهرك. وقوله: ورفعنا لك ذكرك يقول: ورفعنا لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وذلك قول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29065 - حدثنا أبو كريب وعمرو بن مالك، قالا: ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ورفعنا لك ذكرك قال: لا أذكر إلا ذكرت معي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله. 29066 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ورفعنا لك ذكرك قال النبي (ص): ابدؤوا بالعبودة، وثنوا بالرسالة فقلت لمعمر، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده، فهو العبودة، ورسوله أن تقول: عبده ورسوله. 29067 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتاة ورفعنا لك ذكرك رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب، ولا متشهد، ولا صاحب صلاة، إلا ينادي بها: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله.
[ 297 ]
29068 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحرث، عن دراج، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (ص)، أنه قال: أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول: كيف رفعت لك ذكرك ؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي. وقوله: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فإن مع الشدة التي أنت فيها، من جهاد هؤلاء المشركين، ومن أوله: ما أنت بسبيله، رجاء وفرجا بأن يظفرك بهم، حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به طوعا وكرها. وروي عن النبي (ص) أن هذه الآية لما نزلت، بشر بها أصحابه وقال: لن يغلب عسر يسرين. ذكر من قال ذلك: 29069 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت يونس، قال: قال الحسن: لما نزلت هذه الآية فإن مع العسر يسرا قال رسول الله (ص): أبشروا أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن، مثله، عن النبي (ص). حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا عوف، عن الحسن، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، قال: خرج النبي (ص) يوما مسرورا فرحا وهو يضحك، وهو يقول: لن يغلب عسر يسرين، لن يغلب عسر يسرين فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا. 29070 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإن مع العسر يسرا ذكر لنا أن رسول الله (ص) بشر أصحابه بهذه الآية، فقال: لن يغلب عسر يسرين.
[ 298 ]
29071 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا سعيد، عن معاوية بن قرة أبي إياس، عن رجل، عن عبد الله بن مسعود، قال: لو دخل العسر في جحر، لجاء اليسر حتى يدخل عليه، لان الله يقول: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن رجل، عن عبد الله، بنحوه. 29072 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن مع العسر يسرا قال: يتبع اليسر العسر. وقوله: فإذا فرغت فانصب اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: فإذا فرعت من صلاتك، فانصب إلى ربك في الدعاء، وسله حاجاتك. ذكر من قال ذلك: 29073 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فإذا فرغت فانصب يقول: في الدعاء. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فإذا فرغت فانصب يقول: فإذا فرغت مما فرض عليك من الصلاة فسل الله، وارغب إليه، وانصب له. 29074 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فإذا فرغت فانصب قال: إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك إلى ربك. 29075 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: فإذا فرغت فانصب يقول: من الصلاة المكتوبة قبل أن نسلم، فانصب.
[ 299 ]
29076 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب قال: أمره إذا فرغ من صلاته أن يبالغ في دعائه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فإذا فرغت من صلاتك فانصب في الدعاء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فإذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك. ذكر من قال ذلك: 29077 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن في قوله: فإذا فرغت فانصب قال: أمره إذا فرغ من غزوه، أن يجتهد في الدعاء والعبادة. 29078 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإذا فرغت فانصب قال عن أبيه: فإذا فرغت من الجهاد، جهاد العرب، وانقطع جهادهم، فانصب لعبادة الله وإلى ربك فارغب. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فإذا فرغت من أمر دنياك، فانصب في عبادة ربك. ذكر من قال ذلك: 29079 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فإذا فرغت فانصب قال: إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب، قال: فصل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فإذا فرغت فانصب قال: إذا فرغت من أمر دنياك فانصب، فصل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: فإذا فرغت قال: إذا فرغت من أمر الدنيا، وقمت إلى الصلاة، فاجعل رغبتك ونيتك له. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: إن الله تعالى ذكره، أمر نبيه أن يجعل فراغه من كل ما كان به مشتغلا، من أمر دنياه وآخرته، مما أدى له الشغل به، وأمره بالشغل به إلى النصب في عبادته، والاشتغال فيما قربه إليه، ومسألته حاجاته، ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال، فسواء كل أحوال فراغه، من صلاة كان
[ 300 ]
فراغه، أو جهاد، أو أمر دنيا كان به مشتغلا، لعموم الشرط في ذلك، من غير خصوص حال فراغ، دون حال أخرى. وقوله: وإلى ربك فارغب يقول تعالى ذكره: وإلى ربك يا محمد فاجعل رغبتك، دون من سواه من خلقه، إذ كان هؤلاء المشركون من قومك قد جعلوا رغبتهم في حاجاتهم إلى الآلهة والانداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29080 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإلى ربك فارغب قال: اجعل نيتك ورغبتك إلى الله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإلى ربك فارغب قال: اجعل رغبتك ونيتك إلى ربك. 29081 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وإلى ربك فارغب قال: إذا قمت إلى الصلاة. آخر تفسير سورة ألم نشرح
[ 301 ]
سورة التين مكية وآياتها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والتين والزيتون ئ وطور سينين ئ وهذا البلد الامين ئ لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ئ ثم رددناه أسفل سافلين ئ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والتين والزيتون فقال بعضهم: عني بالتين: التين الذي يؤكل، والزيتون: الزيتون الذي يعصر. ذكر من قال ذلك: 29082 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قول الله: والتين والزيتون قال: تينكم هذا الذي يؤكل، وزيتونكم هذا الذي يعصر. 29083 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الحكم يحدث، عن عكرمة، قال: التين: هو التين، والزيتون: الذي تأكلون. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والتين والزيتون قال: تينكم وزيتونكم. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة عن قوله: والتين والزيتون قال: التين تينكم هذا، والزيتون: زيتونكم هذا. 29084 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والتين والزيتون قال: التين الذي يؤكل، والزيتون: الذي يعصر.
[ 302 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، جميعا عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله والتين والزيتون قال: الفاكهة التي تأكل الناس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سلام بن سليم، عن خصيف، عن مجاهد والتين والزيتون قال: هو تينكم وزيتونكم. 29085 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: والتين والزيتون قال: التين الذي يؤكل، والزيتون الذي يعصر. 29086 - حدثنا بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي التين والزيتون هو الذي ترون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن، في قوله: والتين والزيتون: التين تينكم، والزيتون زيتونكم هذا. وقال آخرون: التين: مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس. ذكر من قال ذلك: 29087 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن يزيد أبي عبد الله، عن كعب أنه قال في قول الله: والتين والزيتون قال: التين: مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس. 29088 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والتين قال: الجبل الذي عليه دمشق والزيتون: الذي عليه بيت المقدس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والتين والزيتون ذكر لنا أن التين الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الذي عليه بيت المقدس. 29089 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وسألته عن قول الله: والتين والزيتون قال: التين: مسجد دمشق، والزيتون، مسجد إيلياء.
[ 303 ]
29090 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر، عن عكرمة والتين والزيتون قال: هم جبلان. وقال آخرون: التين: مسجد نوح، والزيتون: مسجد بيت المقدس. ذكر من قال ذلك: 29091 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والتين والزيتون يعني مجسد نوح الذي بني على الجودي، والزيتون: بيت المقدس قال: ويقال: التين والزيتون وطور سينين: ثلاثة مساجد بالشام. والصواب من القول في ذلك عندنا: قول من قال: التين: هو التين الذي يؤكل، والزيتون: هو الزيتون الذي يعصر منه الزيت، لان ذلك هو المعروف عند العرب، ولا يعرف جبل يسمى تينا، ولا جبل يقال له زيتون، إلا أن يقول قائل: أقسم ربنا جل ثناؤه بالتين والزيتون. والمراد من الكلام: القسم بمنابت التين، ومنابت الزيتون، فيكون ذلك مذهبا، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك، دلالة في ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه، لان دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس منابت الزيتون. وقوله: وطور سينين اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده. ذكر من قال ذلك: 29092 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، عن قزعة، قال: قلت لابن عمر: إني أريد أن آتي بيت المقدس وطور سينين فقال: لا تأت طور سينين، ما تريدون أن تدعوا أثر نبي إلا وطئتموه. قال قتادة وطور سينين: مسجد موسى (ص). 29093 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وطور سينين قال: جبل موسى. 29094 - قال: ثنا عوف، عن يزيد أبي عبد الله، عن كعب، في قوله: وطور سينين قال: جبل موسى (ص). 29095 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وطور سينين قال: هو الطور.
[ 304 ]
29096 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وطور سينين قال: مسجد الطور. وقال آخرون: الطور: هو كل جبل ينبت. وقوله سينين: حسن. ذكر من قال ذلك: 29097 - حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا عمارة، عن عكرمة، في قوله: وطور سينين قال: هو الحسن، وهي لغة الحبشة، يقولون للشئ الحسن: سينا سينا. حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله وطور سينين قال: طور: جبل، وسينين: حسن بالحبشية. 29098 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الصباح بن محارب، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغرب، فقرأ في أول ركعة والتين والزيتون وطور سينين قال: هو جبل. 29099 - حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت الحكم يحدث، عن عكرمة وطور سينين قال: سواء علي نبات السهل والجبل. 29100 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطور سينين قال: الجبل. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطور سينين: جبل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطور سينين الجبل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن النضر، عن عكرمة، قال: الطور: الجبل، والسينين: الحسن، كما ينبت في السهل، كذلك ينبت في الجبل.
[ 305 ]
29101 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي، أما وطور سينين فهو الجبل ذو الشجر. وقال آخرون: هو الجبل، وقالوا: سينين: مبارك حسن. ذكر من قال ذلك: 29102 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وطور: الجبل وسينين قال: المبارك. 29103 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وطور سينين قال: جبل مبارك بالشام. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وطور سينين قال: جبل بالشام، مبارك حسن. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: طور سينين: جبل معروف، لان الطور هو الجبل ذو النبات، فإضافته إلى سينين تعريف له، ولو كان نعتا للطور، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك، لكان الطور منونا، وذلك أن الشئ لا يضاف إلى نعته، لغير علة تدعو إلى ذلك. وقوله: وهذا البلد الامين يقول: وهذا البلد الآمن من أعدائه أن يحاربوا أهله، أو يغزوهم. وقيل: الامين، ومعناه: الآمن، كما قال الشاعر: ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني حلفت يمينا لا أخون أميني يريد: آمني، وهذا كما قال جل ثناؤه: أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم. وإنما عني بقوله: وهذا البلد الامين: مكة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29104 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وهذا البلد الامين قال: مكة.
[ 306 ]
29105 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن يزيد أبي عبد الله، عن كعب، في قول الله وهذا البلد الامين قال: البلد الحرام. 29106 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا روح، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله وهذا البلد الامين قال: البلد الحرام. 29107 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وهذا البلد الامين قال مكة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سلام بن سليم، عن خصيف، عن مجاهد: وهذا البلد الامين: مكة. 29108 - حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت الحكم يحدث عن عكرمة وهذا البلد الامين: قال: البلد الحرام. قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله وهذا البلد الامين قال: مكة. 29109 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهذا البلد الامين يعني: مكة. 29110 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وهذا البلد الامين قال: المسجد الحرام. 29111 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم وهذا البلد الامين: مكة. وقوله: لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم وهذا جواب القسم، يقول تعالى ذكره: والتين والزيتون، لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 307 ]
29112 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: وقع القسم هاهنا لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم.. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم فقال بعضهم: معناه: في أعدل خلق، وأحسن صورة. ذكر من قال ذلك: 29113 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس في أحسن تقويم قال: في أعدل خلق. 29114 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: في أحسن صورة. قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم في أحسن تقويم قال: خلق. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: في أحسن صورة. 29115 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية في أحسن تقويم يقول: في أحسن صورة. 29116 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في أحسن تقويم: في أحسن صورة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: أحسن خلق. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله في أحسن تقويم قال: في أحسن خلق. 29117 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في أحسن تقويم يقول: في أحسن صورة.
[ 308 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، هو والكلبي في أحسن تقويم قالا: في أحسن صورة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لقد خلقنا الانسان، فبلغنا به استواء شبابه وجلده وقوته، وهو أحسن ما يكون، وأعدل ما يكون وأقومه. ذكر من قال ذلك: 29119 - حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت الحكم يحدث، عن عكرمة، في قوله: لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: الشاب القوي الجلد. 29120 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: شبابه أول ما نشأ. وقال آخرون: قيل ذلك لانه ليس شئ من الحيوان إلا وهو منكب على وجهه غير الانسان. ذكر من قال ذلك: 29121 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم قال: خلق كل شئ منكبا على وجهه، إلا الانسان. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن معنى ذلك: لقد خلقنا الانسان في أحسن صورة وأعدلها لان قوله: أحسن تقويم إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن تقويم، فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم. وقوله: ثم رددناه أسفل سافلين اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ثم رددناه إلى أرذل العمر. ذكر من قال ذلك: 29122 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس ثم رددناه أسفل سافلين قال: إلى أرذل العمر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس ثم رددناه أسفل سافلين قال: إلى أرذل العمر. 29123 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ثم رددناه أسفل سافلين يقول: يرد إلى أرذل العمر، كبر حتى
[ 309 ]
ذهب عقله، وهم نفر ردوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله (ص)، فسئل رسول الله (ص) حين سفهت عقولهم، فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم. 29124 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله: ثم رددناه أسفل سافلين قال: ردوا إلى أرذل العمر. 29125 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين: قال: إلى أرذل العمر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، مثله. 29126 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ثم رددناه أسفل سافلين قال: رددناه إلى الهرم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الهرم. 29127 - حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت الحكم يحدث، عن عكرمة ثم رددناه أسفل سافلين قال: الشيخ الهرم، لم يضره كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة. ذكر من قال ذلك: 29128 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية ثم رددناه أسفل سافلين قال: في شر صورة في صورة خنزير. 29129 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ثم رددناه أسفل سافلين قال: النار. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إلى النار. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: في النار. قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: إلى النار.
[ 310 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم رددناه أسفل سافلين قال: (قال) الحسن: جهنم مأواه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال الحسن، في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين قال: في النار. 29131 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين قال: إلى النار. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصحة، وأشبهها بتأويل الآية، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلى عمر الخرفى، الذين ذهبت عقولهم من الهرم والكبر، فهو في أسفل من سفل: في إدبار العمر وذهاب العقل. وإنما قلنا: هذا القول أولى بالصواب في ذلك: لان الله تعالى ذكره، أخبر عن خلقه ابن آدم، وتصريفه في الاحوال، احتجاجا بذلك على منكري قدرته على البعث بعد الموت. ألا ترى أنه يقول: فما يكدبك بعد بالدين يعني: بعد هذه الحجج. ومحال أن يحتج على قوم كانوا منكرين معنى من المعاني، بما كانوا له منكرين. وإنما الحجة على كل قوم بما لا يقدرون على دفعه، مما يعاينونه ويحسونه، أو يقرون به، وإن لم يكونوا له محسين. وإذ كان ذلك كذلك، وكان القوم للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة منكرين، وكانوا لاهل الهرم والخرف من بعد الشباب والجلد شاهدين، علم أنه إنما احتج عليهم بما كانوا له معاينين، من تصريفه خلقه، ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد، إلى الهرم والضعف وفناء العمر، وحدوث الخرف. وقوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات اختلف أهل التأويل في معنى هذا الاستثناء، فقال بعضهم: هو استثناء صحيح من قوله ثم رددناه أسفل سافلين قالوا: وإنما جاز استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهم جمع، من الهاء في قوله ثم رددناه وهي كناية الانسان، والانسان في لفظ واحد، لان الانسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه في معنى الجمع، لانه بمعنى الجنس، كما قيل: والعصر إن الانسان لفي خسر
[ 311 ]
قالوا: وكذلك جاز أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين فيضاف أفعل إلى جماعة، وقالوا: ولو كان مقصودا به قصد واحد بعينه، لم يجز ذلك، كما لا يقال: هذا أفضل قائمين، ولكن يقال: هذا أفضل قائم ذكر من قال ذلك: 29132 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سعيد بن سابق، عن عاصم الاحول، عن عكرمة، قال: (كان يقال): من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر، ثم قرأ: لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: لا يكون حتى لا يعلم من بعد علم شيئا. فعلى هذا التأويل قوله: ثم رددناه أسفل سافلين لخاص من الناس، غير داخل فيهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لانه مستثنى منهم. وقال آخرون: بل الذين آمنوا وعملوا الصالحات قد يدخلون في الذين ردوا إلى أسفل سافلين، لان أرذل العمر قد يرد إليه المؤمن والكافر. قالوا: وإنما استثنى قوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات من معنى مضمر في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين قالوا: ومعناه: ثم رددناه أسفل سافلين، فذهبت عقولهم وخرفوا، وانقطعت أعمالهم، فلم تثبت لهم بعد ذلك حسنة. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الذي كانوا يعملونه من الخير، في حال صحة عقولهم، وسلامة أبدانهم، جار لهم بعد هرمهم وخرفهم. وقد يحتمل أن يكون قوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطعا، لانه يحسن أن يقال: ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، لهم أجر غير ممنون، بعد أن يرد أسفل سافلين. ذكر من قال معنى هذا القول: 29133 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون قال: فأيما رجل كان يعمل عملا صالحا وهو قوي شاب، فعجز عنه، جرى له أجر ذلك العمل حتى يموت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون يقول: إذا كان يعمل بطاعة الله في شبيبته كلها، ثم كبر حتى ذهب عقله، كتب له مثل عمله الصالح، الذي كان يعمل في شبيبته، ولم يؤاخذ بشئ مما عمل في كبره، وذهاب عقله، من أجل أنه مؤمن، وكان يطيع الله في شبيبته.
[ 312 ]
29134 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين قال: إلى أرذل العمر، فإذا بلغ المؤمن إلى أرذل العمر، كتب له كأحسن ما كان يعمل في شبابه وصحته، فهو قوله: فلهم أجر غير ممنون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنه يكتب له من الاجر، مثل ما كان يعمل في الصحة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن حماد، عن إبراهيم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: إذا بلغ من الكبر ما يعجز عن العمل، كتب له ما كان يعمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنه يكتب لهم حسناتهم. ويتجاوز لهم عن سيئاتهم. ذكر من قال ذلك: 29135 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: هم الذين أدركهم الكبر، لا يؤاخذون بعمل عملوه في كبرهم، وهم هرمى لا يعقلون. 29136 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون قال: يوفيه الله أجره أو عمله، ولا يؤاخذه إذا رد إلى أرذل العمر. حدثني يعقوب، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت الحكم يحدث، عن عكرمة ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: الشيخ الهرم لم يضره كبره إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل. 29137 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال: من أدركه الهرم، وكان يعمل صالحا، كان له مثل أجره إذا كان يعمل.
[ 313 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم رددناه أسفل سافلين في جهنم، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فلهم أجر غير ممنون، فعلى هذا التأويل: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات مستثنون من الهاء في قوله: ثم رددناه، وجاز استثناؤهم منها إذ كانت كناية للانسان، وهو بمعنى الجمع، كما قال: إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. ذكر من قال ذلك: 29138 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا: إلا من آمن. 29139 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: ثم رددناه أسفل سافلين: في النار إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات قال الحسن: هي كقوله: والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصحة، قول من قال: معناه: ثم رددناه إلى أرذل العمر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات في حال صحتهم وشبابهم، فلهم أجر غير ممنون بعد هرمهم، كهيئة ما كان لهم من ذلك على أعمالهم، في حال ما كانوا يعملون وهم أقوياء على العمل. وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة لما وصفنا من الدلالة على صحة القول بأن تأويل قوله: ثم رددناه أسفل سافلين إلى أرذل العمر. واختلفوا في تأويل قوله: غير ممنون فقال بعضهم: معناه: لهم أجر غير منقوص. ذكر من قال ذلك: 29140 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فلهم أجر غير ممنون يقول: غير منقوص. وقال آخرون: بل معناه: غير محسوب. ذكر من قال ذلك:
[ 314 ]
29141 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن مجاهد فلهم أجر غير ممنون: غير محسوب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فلهم أجر غير ممنون قال: غير محسوب. 29142 - قال: ثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم فلهم أجر غير ممنون قال: غير محسوب. وقد قيل: إن معنى ذلك: فلهم أجر غير مقطوع. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: قول من قال: فلهم أجر غير منقوص، كما كان له أيام صحته وشبابه، وهو عندي من قولهم: جبل منين: إذا كان ضعيفا ومنه قول الشاعر: أعطوا هنيدة يحدوها ثمانية ما في عطائهم من ولا سرف يعني: أنه ليس فيه نقص، ولا خطأ. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما يكذبك بعد بالدين ئ أليس الله بأحكم الحاكمين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فما يكذبك بعد فقال بعضهم معناه: فمن يكذبك يا محمد بعد هذه الحجج التي احتججنا بها، بالدين، يعني: بطاعة الله، وما بعثك به من الحق، وأن الله يبعث من في القبور ؟ قالوا: ما في معنى من، لانه عني به ابن آدم، ومن بعث إليه النبي (ص). وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما يكذبك أيها الانسان بعد هذه الحجج بالدين. ذكر من قال ذلك:
[ 315 ]
29143 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، قال: قلت لمجاهد: فما يكذبك بعد بالدين عني به النبي (ص) ؟ قال: معاذ الله عني به الانسان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عمن سمع مجاهدا يقول: فما يكذبك بعد بالدين قلت: يعني به: النبي (ص) ؟ قال: معاذ الله إنما يعني به الانسان. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد فما يكذبك بعد بالدين أعني به النبي (ص) ؟ قال: معاذ الله إنما عني به الانسان. 29144 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي فما يكذبك بعد بالدين ؟ إنما يعني الانسان، يقول: خلقتك في أحسن تقويم، فما يكذبك أيها الانسان بعد بالدين. وقال آخرون: إنما عني بذلك رسول الله (ص)، وقيل له: استيقن مع ما جاءك من الله من البيان، أن الله أحكم الحاكمين. ذكر من قال ذلك: 29145 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما يكذبك بعد بالدين أي استيقن بعد ما جاءك من الله البيان أليس الله بأحكم الحاكمين ؟. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ما معنى من. ووجه تأويل الكلام إلى: فمن يكذبك يا محمد بعد الذي جاءك من هذا البيان من الله بالدين ؟ يعني: بطاعة الله، ومجازاته العباد على أعمالهم. وقد تأول ذلك بعض أهل العربية بمعنى: فما الذي يكذبك بأن الناس يدانون بأعمالهم ؟ وكأنه قال: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب، بعد ما تبين له خلقنا الانسان على ما وصفنا. واختلفوا في معنى قوله: بالدين فقال بعضهم: بالحساب. ذكر من قال ذلك: 29146 - حدثنا عبد الرحمن بن الاسود الطفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن النضر بن عربي، عن عكرمة، في قوله: فما يكذبك بعد بالدين قال: الحساب. وقال آخرون: معناه: بحكم الله. ذكر من قال ذلك:
[ 316 ]
29147 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فما يكذبك بعد بالدين يقول: ما يكذبك بحكم الله. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: الدين في هذا الموضع: الجزاء والحساب، وذلك أن أحد معاني الدين في كلام العرب: الجزاء والحساب ومنه قولهم: كما تدين تدان. ولا أعرف من معاني الدين الحكم في كلامهم، إلا أن يكون مرادا بذلك: فما يكذبك بعد بأمر الله الذي حكم به عليك أن تطيعه فيه ؟ فيكون ذلك. وقوله: أليس الله بأحكم الحاكمين يقول تعالى ذكره: أليس الله يا محمد بأحكم من حكم في أحكامه، وفصل قضائه بين عباده ؟ وكان رسول الله (ص) إذا قرأ ذلك فيما بلغنا قال: بلى. 29148 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أليس الله بأحكم الحاكمين ؟ ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان إذا قرأها قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين. 29149 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، قال: كان ابن عباس إذا قرأ: أليس الله بأحكم الحاكمين ؟ قال: سبحانك اللهم، وبلى. 29150 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان قتادة إذا تلا: أليس الله بأحكم الحاكمين ؟ قال: بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين، أحسبه كان يرفع ذلك وإذا قرأ: أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ قال: بلى، وإذا تلا: فبأي حديث بعده يؤمنون قال: آمنت بالله، وبما أنزل. آخر تفسير سورة والتين
[ 317 ]
سورة العلق مكية وآياتها تسع عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (اقرأ باسم ربك الذي خلق ئ خلق الانسان من علق ئ اقرأ وربك الاكرم ئ الذى علم بالقلم ئ علم الانسان ما لم يعلم ئ كلا إن الانسان ليطغى ئ أن رآه استغنى ئ إن إلى ربك الرجعى) *. يعني جل ثناؤه بقوله: اقرأ باسم ربك محمدا (ص) يقول: اقرأ يا محمد بذكر ربك الذي خلق، ثم بين الذي خلق فقال: خلق الانسان من علق يعني: من الدم، وقال: من علق والمراد به من علقة، لانه ذهب إلى الجمع، كما يقال: شجرة وشجر، وقصبة وقصب، وكذلك علقة وعلق. وإنما قال: من علق والانسان في لفظ واحد، لانه في معنى جمع، وإن كان في لفظ واحد، فلذلك قيل: من علق. وقوله: اقرأ وربك الاكرم يقول: اقرأ يا محمد وربك الاكرم الذي علم بالقلم: خلقه الكتاب والخط، كما: 29151 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة اقرأ باسم ربك الذي خلق قرأ حتى بلغ علم بالقلم قال: القلم: نعمة من الله عظيمة، لولا ذلك لم يقم، ولم يصلح عيش. وقيل: إن هذه أول سورة نزلت في القرآن على رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 29152 - حدثني أحمد بن عثمان البصري، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا
[ 318 ]
أبي، قال: سمعت النعمان بن راشد يقول عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أنها قالت كان أول ما ابتدئ به رسول الله (ص) من الوحي الرؤيا الصادقة كانت تجئ مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان بغار حراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق، فأتاه فقال: يا محمد أنت رسول الله، قال رسول الله (ص): فجثوت لركبتي وأنا قائم، ثم رجعت ترجف بوادري، ثم دخلت على خديجة، فقلت: زملوني زملوني، حتى ذهب عني الروع، ثم أتاني فقال: يا محمد، أنا جبريل وأنت رسول الله، قال: فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل، فتمثل إلي حين هممت بذلك، فقال: يا محمد، أنا جبريل وأنت رسول الله، ثم قال: اقرأ، قلت: ما أقرأ ؟ قال: فأخذني فغطني ثلاث مرات، حتى بلغ مني الجهد، ثم قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق فقرأت، فأتيت خديجة، فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري، فقالت: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، ووالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الامانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، قالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني، فأخبرته خبري، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم، ليتني فيها جذع ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك، قلت: أو مخرجي هم ؟ قال: نعم، إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به، إلا عودي، ولئن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم كان أول ما نزل علي من القرآن بعد اقرأ: ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لاجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون، ويا أيها المدثر قم فأنذر، والضحى والليل إذا سجى.
[ 319 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: ثني عروة أن عائشة أخبرته، وذكر نحوه، غير أنه لم يقل: ثم كان أول ما أنزل علي من القرآن... الكلام إلى آخره. 29153 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: ثنا عبد الله بن شداد، قال: أتى جبريل محمدا، فقال: يا محمد اقرأ، فقال: وما أقرأ ؟ قال: فضمه، ثم قال: يا محمد اقرأ، قال: وما أقرأ ؟ قال: باسم ربك الذي خلق حتى بلغ علم الانسان ما لم يعلم. قال: فجاء إلى خديجة، فقال: يا خديجة ما أراه إلا قد عرض لي، قالت: كلا، والله ما كان ربك يفعل ذلك بك، وما أتيت فاحشة قط قال: فأتت خديجة ورقة، فأخبرته الخبر، قال: لئن كنت صادقة إن زوجك لنبي، وليلقين من أمته شدة، ولئن أدركته لاومنن به قال: ثم أبطأ عليه جبريل، فقالت له خديجة: ما أرى ربك إلا قد قلاك، فأنزل الله: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى. 29154 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قال إبراهيم: قال سفيان: حفظه لنا ابن إسحاق: إن أول شئ أنزل من القرآن: اقرأ باسم ربك الذي خلق. حدثنا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، قال: ثنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، أن أول سورة أنزلت من القرآن اقرأ باسم ربك. 29155 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، قال: أول سورة نزلت على رسول الله (ص) اقرأ باسم ربك الذي خلق.
[ 320 ]
قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: فذكر نحوه. 29156 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: ثنا قرة، قال: أخبرنا أبو رجاء العطاردي، قال: كنا في المسجد الجامع، ومقرئنا أبو موسى الاشعري، كأني أنظر إليه بين بردين أبيضين قال أبو رجاء: عنه أخذت هذه السورة: اقرأ باسم ربك الذي خلق وكانت أول سورة نزلت على محمد. 29157 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: أول سورة نزلت من القرآن اقرأ باسم ربك. 29158 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى و عبد الرحمن بن مهدي، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: أول ما نزل من القرآن: اقرأ باسم ربك وزاد ابن مهدي: ن والقلم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت عبيد بن عمير يقول: أول ما أنزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق. قال: ثنا وكيع، عن قرة بن خالد، عن أبي رجاء العطاردي، قال: إني لانظر إلى أبي موسى وهو يقرأ القرآن في مسجد البصرة، وعليه بردان أبيضان، فأنا أخذت منه اقرأ باسم ربك الذي خلق، وهي أول سورة أنزلت على محمد (ص). قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: إن أول سورة أنزلت: اقرأ باسم ربك الذي خلق. ثم ن والقلم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وقوله: علم الانسان ما لم يعلم يقول تعالى ذكره: علم الانسان الخط بالقلم، ولم يكن يعلمه، مع أشياء غير ذلك، مما علمه ولم يكن يعلمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29159 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: علم الانسان ما لم يعلم قال: علم الانسان خطا بالقلم.
[ 321 ]
وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن يكون الانسان أن ينعم عليه ربه بتسويته خلقه، وتعليمه ما لم يكن يعلم، وإنعامه بما لا كفؤ له، ثم يكفر بربه الذي فعل به ذلك، ويطغى عليه، أن رآه استغنى. وقوله: إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى يقول: إن الانسان ليتجاوز حده، ويستكبر على ربه، فيكفر به، لان رأى نفسه استغنت. وقيل: أن رآه استغنى لحاجة رأى إلى اسم وخبر، وكذلك تفعل العرب في كل فعل اقتضى الاسم والفعل، إذا أوقعه المخبر عن نفسه على نفسه، مكنيا عنها فيقول: متى تراك خارجا ؟ ومتى تحسبك سائرا ؟ فإذا كان الفعل لا يقتضي إلا منصوبا واحدا، جعلوا موضع المكنى نفسه، فقالوا: قتلت نفسك، ولم يقولوا: قتلتك ولا قتلته. وقوله: إن إلى ربك الرجعى: يقول: إن إلى ربك يا محمد مرجعه، فذائق من أليم عقابه ما لا قبل له به. القول في تأويل قوله تعالى: * (أرأيت الذي ينهى ئ عبدا إذا صلى) *. ذكر أن هذه الآية وما بعدها نزلت في أبي جهل بن هشام، وذلك أنه قال فيما بلغنا: لئن رأيت محمدا يصلي، لاطأن رقبته وكان فيما ذكر قد نهى رسول الله (ص) أن يصلي، فقال الله لنبيه محمد (ص): أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك أن تصلي عند المقام، وهو معرض عن الحق، مكذب به، يعجب جل ثناؤه نبيه والمؤمنين من جهل أبي جهل، وجراءته على ربه، في نهيه محمدا عن الصلاة لربه، وهو مع أياديه عنده مكذب به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29160 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد. في قول الله: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى قال: أبو جهل، ينهى محمدا (ص) إذا صلى. 29161 - حدثنا بشر. قال: ثنا يزيد. قال: ثنا سعيد. عن قتادة أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى نزلت في عدو الله أبي جهل، وذلك لانه قال: لئن رأيت محمدا يصلي لاطأن على عنقه. فأنزل الله ما تسمعون. 29162 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قول
[ 322 ]
الله: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا (ص) يصلي، لاطأن على عنقه قال: وكان يقال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الامة أبو جهل. 29163 - حدثنا إسحاق بن شاهين الواسطي، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله (ص) يصلي، فجاءه أبو جهل، فنهاه أن يصلي، فأنزل الله: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى... إلى قوله: كاذبة خاطئة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أرأيت إن كان على الهدى ئ أو أمر بالتقوى) *. يقول تعالى ذكره: أرأيت إن كان محمد على الهدى يعني: على استقامة وسداد في صلاته لربه أو أمر بالتقوى أو أمر محمد هذا الذي ينهى عن الصلاة، باتقاء الله، وخوف عقابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29164 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى قال محمد: كان على الهدى، وأمر بالتقوى. القول في تأويل قوله تعالى: * (أرأيت إن كذب وتولى) *. يقول تعالى ذكره: أرأيت إن كذب أبو جهل بالحق الذي بعث به محمدا وتولى يقول: وأدبر عنه، فلم يصدق به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29165 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أرأيت إن كذب وتولى يعني: أبا جهل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يعلم بأن الله يرى ئ كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ئ ناصية كاذبة خاطئة ئ فليدع ناديه ئ سندعو الزبانية ئ كلا لا تطعه واسجد واقترب) *.
[ 323 ]
يقول تعالى ذكره: ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له، بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه. وقيل: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، أرأيت إن كان على الهدى، فكررت أرأيت مرات ثلاثا على البدل. والمعنى: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى، وهو مكذب متول عن ربه، ألم يعلم بأن الله يراه. وقوله: كلا لئن لم ينته يقول: ليس كما قال: إنه يطأ عنق محمد، يقول: لا يقدر على ذلك، ولا يصل إليه. وقوله: لئن لم ينته يقول: لئن لم ينته أبو جهل عن محمد لنسفعا بالناصية يقول: لنأخذن بمقدم رأسه، فلنضمنه ولنذلنه يقال منه: سفعت بيده: إذا أخذت بيده. وقيل: إنما قيل لنسفعا بالناصية والمعنى: لنسودن وجهه، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه. وقيل: معنى ذلك: لنأخذن بناصيته إلى النار، كما قال: فيؤخذ بالنواصي والاقدام. وقوله: ناصية كاذبة خاطئة فخفض ناصية ردا على الناصية الاولى بالتكرير، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة، والمعنى لصاحبها. وقوله: فليدع ناديه يقول تعالى ذكره: فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره، من عشيرته وقومه، والنادي: هو المجلس. وإنما قيل ذلك فيما بلغنا، لان أبا جهل لما نهى النبي (ص) عن الصلاة عند المقام، انتهره رسول الله (ص)، وأغلظ له، فقال أبو جهل: علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي ناديا ؟ فقال الله جل ثناؤه: لئن لم ينته لنسفعا بالناصية، فليدع حينئذ ناديه، فإنه إن دعا ناديه، دعونا الزبانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الاخبار، وقال أهل التأويل. ذكر الآثار المروية في ذلك: 29166 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر وحدثنا أبو كريب، قال: ثنا الحكم بن جميع، قال: ثنا علي بن مسهر، جميعا عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن
[ 324 ]
ابن عباس قال: كان رسول الله (ص) يصلي عند المقام، فمر به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد، ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعده، فأغلظ له رسول الله (ص) وانتهره، فقال: يا محمد بأي شئ تهددني ؟ أما والله إني لاكثر هذا الوادي ناديا، فأنزل الله: فليدع ناديه سندع الزبانية قال ابن عباس: لو دعا ناديه، أخذته زبانية العذاب من ساعته. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان رسول الله (ص) يصلي، فجاءه أبو جهل، فنهاه أن يصلي، فأنزل الله: أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى... إلى قوله: كاذبة خاطئة فقال: لقد علم أني أكثر هذا الوادي ناديا، فغضب النبي (ص)، فتكلم بشئ، قال داود: ولم أحفظه، فأنزل الله: فليدع ناديه سندع الزبانية فقال ابن عباس: فوالله لو فعل لاخذته الملائكة من مكانه. 29167 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن أبيه، قال: ثنا نعيم بن أبي هند، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال: فقيل نعم، قال: فقال: واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك، لاطأن على رقبته، لاعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول الله (ص) وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه قال: فقيل له: مالك ؟ قال: فقال: إن ببني وبينه خندقا من نار، وهولا وأجنحة قال: فقال رسول الله (ص): لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا قال: وأنزل الله، لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا: كلا إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى يعني أبا جهل ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه يدعو قومه سندع الزبانية الملائكة كلا لا تطعه واسجد واقترب. 29168 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: أخبرنا يونس بن أبي
[ 325 ]
إسحاق، عن الوليد بن العيزار، عن ابن عباس، قال: قال أبو جهل: لئن عاد محمد يصلي عند المقام لاقتلنه، فأنزل الله: اقرأ باسم ربك حتى بلغ هذه الآية: لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية، فجاء النبي (ص) وهو يصلي، فقيل له: ما يمنعك ؟ قال: قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب.. قال ابن عباس: والله لو تحرك لاخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. 29169 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا زكريا بن عدي، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله (ص) يصلي عند الكعبة، لآتينه حتى أطأ على عنقه، فقال رسول الله (ص): لو فعل لاخذته الملائكة عيانا. وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29170 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: فليدع ناديه يقول: فليدع ناصره. 29171 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد سندع الزبانية قال: الملائكة. 29172 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل: الزبانية أرجلهم في الارض، ورؤوسهم في السماء. 29173 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن قتادة، في قوله: سندع الزبانية قال النبي (ص): لو فعل أبو جهل لاخذته الزبانية الملائكة عيانا. 29174 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة سندع الزبانية قال: الملائكة.
[ 326 ]
29175 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبانية، قال: الملائكة. وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ليس الامر كما يقول أبو جهل، إذ ينهى محمدا عن عبادة ربه، والصلاة له لا تطعه يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): لا تطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك واسجد لربك واقترب منه، بالتحبب إليه بطاعته، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرك، ونحن نمنعك منه. 29176 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كلا لا تطعه واسجد واقترب ذكر لنا أنها نزلت في أبي جهل، قال: لئن رأيت محمدا يصلي لاطأن عنقه، فأنزل الله: كلا لا تطعه واسجد واقترب قال نبي الله (ص) حين بلغه الذي قال أبو جهل، قال: لو فعل لاختطفته الزبانية. آخر تفسير سورة اقرأ باسم ربك، والحمد لله وحده
[ 327 ]
سورة القدر مكية وآياتها خمس بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر ئ وما أدراك ما ليلة القدر ئ ليلة القدر خير من ألف شهر ئ تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ئ سلام هي حتى مطلع الفجر) *. يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وهي ليلة الحكم التي يقضي الله فيها قضاء السنة وهو مصدر من قولهم: قدر الله علي هذا الامر، فهو يقدر قدرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29177 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الارض شيئا أنزله منه حتى جمعه. 29178 - حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان الله إذا أراد أن يوحى منه شيئا أوحاه، فهو قوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر. قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه، وزاد فيه. وكان بين أوله وآخره عشرون سنة. 29179 - قال: ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيمي،
[ 328 ]
قال: ثنا عمران أبو العوام، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، أنه قال في قول الله: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: نزل أول القرآن في ليلة القدر. 29180 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين وتلا ابن عباس هذه الآية: فلا أقسم بمواقع النجوم قال: نزل متفرقا. 29181 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، في قوله: إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا. 29182 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن سعيد بن جبير: أنزل القرآن جملة واحدة، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر: فيها يفرق كل أمر حكيم. 29183 - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينزله على رسوله، بعضه في إثر بعض، ثم قرأ: وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29184 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ليلة القدر: ليلة الحكم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنا أنزلناه في ليلة القدر قال: ليلة الحكم. 29185 - قال: ثنا وكيع. عن سفيان، عن محمد بن سوقة، عن سعيد بن جبير: يؤذن للحجاج في ليلة القدر، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، فلا يغادر منهم أحد، ولا يزاد فيهم، ولا ينقص منهم.
[ 329 ]
29186 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: رأيت ليلة القدر في كل رمضان هي ؟ قال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفى كل رمضان، وإنها لليلة القدر، فيها يفرق كل أمر حكيم، فيها يقضي الله كل أجل وعمل ورزق، إلى مثلها. 29187 - حدثنا أبو كريب. قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر. قال: ليلة القدر في كل رمضان. وقوله: وما أدراك ما ليلة القدر يقول: وما أشعرك يا محمد أي شئ ليلة القدر خير من ألف شهر. اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: العمل في ليلة القدر بما يرضي الله، خير من العمل في غيرها ألف شهر. ذكر من قال ذلك: 29188 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: بلغني عن مجاهد ليلة القدر خير من ألف شهر قال: عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر. 29189 - قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو بن قيس الملائي، قوله: خير من ألف شهر قال: عمل فيها خير من عمل ألف شهر. وقال آخرون: معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. ذكر من قال ذلك: 29190 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقال آخرون في ذلك ما: 29191 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن المثنى بن الصباح، عن مجاهد قال: كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتي يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية: ليلة القدر خير من ألف شهر قيام تلك الليلة خير من عمر ذلك الرجل. وقال آخرون في ذلك ما: 29192 - حدثني أبو الخطاب الجارودي سهيل، قال: ثنا سلم بن قتيبة، قال: ثنا
[ 330 ]
القاسم بن الفضل، عن عيسى بن مازن، قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنه: يا مسود وجوه المؤمنين، عمدت إلى هذا الرجل، فبايعت له، يعني معاوية بن أبي سفيان فقال: إن رسول الله (ص) أري في منامه بني أمية يعلون منبره خليفة خليفة، فشق ذلك عليه، فأنزل الله: إنا أعطيناك الكوثر وإنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر يعني ملك بني أمية قال القاسم: فحسبنا ملك بني أمية، فإذا هو ألف شهر. وأشبه الاقوال في ذلك بظاهر التنزليل قول من قال: عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر. وأما الاقوال الاخر، فدعاوى معان باطلة، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التنزيل. وقوله: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: تنزل الملائكة وجبريل معهم، وهو الروح، في ليلة القدر بإذن ربهم من كل أمر يعني بإذن ربهم، من كل أمر قضاه الله في تلك السنة، من رزق وأجل وغير ذلك. ذكر من قال ذلك: 29193 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: من كل أمر قال: يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها. فعلى هذا القول منتهى الخبر، وموضع الوقف من كل أمر. وقال آخرون: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم لا يلقون مؤمنا ولا مؤمنة إلا سلموا عليه. ذكر من قال ذلك: 29194 - حدثت عن يحيى بن زياد الفراء، قال: ثني أبو بكر بن عياش، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: من كل امرئ سلام وهذه القراءة من قرأ بها وجه معنى من كل امرئ: من كل ملك كان معناه عنده: تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل ملك يسلم على المؤمنين والمؤمنات ولا أرى القراءة بها جائزة، لاجماع الحجة من القراء على خلافها، وأنها خلاف لما في مصاحف المسلمين، وذلك أنه ليس في مصحف من مصاحف المسلمين في قوله أمر ياء، وإذا قرئت: من كل امرئ لحقتها همزة، تصير في الخط ياء.
[ 331 ]
والصواب من القول في ذلك: القول الاول الذي ذكرناه قبل، على ما تأوله قتادة. وقوله: سلام هي حتى مطلع الفجر سلام ليلة القدر من الشر كله من أولها إلى طلوع الفجر من ليلتها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29195 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة سلام هي قال: خير حتى مطلع الفجر. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من كل أمر سلام هي أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر. 29196 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن مجاهد سلام هي حتى مطلع الفجر قال: من كل أمر سلام. 29197 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: سلام هي قال: ليس فيها شئ، هي خير كلها حتى مطلع الفجر. 29198 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن الاعمش، عن المنهال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، في قوله: من كل أمر سلام هي قال: لا يحدث فيها أمر. وعني بقوله: حتى مطلع الفجر: إلى مطلع الفجر. واختلفت القراء في قراءة قوله: فقرأت ذلك عامة قراء الامصار، سوى يحيى بن وثاب والاعمش والكسائي مطلع الفجر بفتح اللام، بمعنى: حتى طلوع الفجر تقول العرب: طلعت الشمس طلوعا ومطلعا. وقرأ ذلك يحيى بن وثاب والاعمش والكسائي: حتى مطلع الفجر بكسر اللام، توجيها منهم ذلك إلى الاكتفاء بالاسم من المصدر، وهم ينوون بذلك المصدر. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: فتح اللام لصحة معناه في العربية، وذلك أن المطلع بالفتح هو الطلوع، والمطلع بالكسر: هو الموضع الذي تطلع منه، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع. آخر تفسير سورة القدر
[ 332 ]
سورة البينة مدنية وآياتها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة ئ رسول من الله يتلو صحفا مطهرة ئ فيها كتب قيمة ئ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة فقال بعضهم: معنى ذلك: لم يكن هؤلاء الكفار من أهل التوراة والانجيل، والمشركون من عبدة الاوثان منفكين يقول: منتهين، حتى يأتيهم هذا القرآن. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29199 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: منفكين قال: لم يكونوا لينتهوا حتى يتبين لهم الحق. 29200 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: منفكين قال: منتهين عما هم فيه. 29201 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله منفكين حتى تأتيهم البينة: أي هذا القرآن.
[ 333 ]
29202 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: والمشركين منفكين قال: لم يكونوا منتهين حتى يأتيهم ذلك المنفك. وقال آخرون: بل معنى ذلك أن أهل الكتاب وهم المشركون، لم يكونوا تاركين صفة محمد في كتابهم، حتى بعث، فلما بعث تفرقوا فيه. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة أن يقال: معنى ذلك: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مفترقين في أمر محمد، حتى تأتيهم البينة، وهي إرسال الله إياه رسولا إلى خلقه، رسول من الله. وقوله: منفكين في هذا الموضع عندي من انفكاك الشيئين أحدهما من الآخر، ولذلك صلح بغير خبر ولو كان بمعنى ما زال، احتاج إلى خبر يكون تماما له، واستؤنف قوله رسول من الله وهي نكرة على البينة، وهي معرفة، كما قيل: ذو العرش المجيد فعال فقال: حتى يأتيهم بيان أمر محمد أنه رسول الله، ببعثه الله إياه إليهم، ثم ترجم عن البينة، فقال: تلك البينة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة يقول: يقرأ صحفا مطهرة من الباطل فيها كتب قيمة يقول: في الصحف المطهرة كتب من الله قيمة عادلة مستقيمة، ليس فيها خطأ، لانها من عند الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29203 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة رسول من الله يتلو صحفا مطهرة يذكر القرآن بأحسن الذكر، ويثني عليه بأحسن الثناء. وقوله: وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة يقول: وما تفرق اليهود والنصارى في أمر محمد (ص)، فكذبوا به، إلا من بعد ما جاءتهم البينة، يعني: من بعد ما جاءت هؤلاء اليهود والنصارى البينة يعني: بيان أمر محمد، أنه رسول بإرسال الله إياه إلى خلقه يقول: فلما بعثه الله تفرقوا فيه، فكذب به بعضهم، وآمن بعضهم، وقد كانوا قبل أن يبعث غير مفترقين فيه أنه نبي. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) *.
[ 334 ]
يقول تعالى ذكره: وما أمر الله هؤلاء اليهود والنصارى الذين هم أهل الكتاب إلا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين يقول: مفردين له الطاعة، لا يخلطون طاعتهم ربهم بشرك، فأشركت اليهود بربها بقولهم إن عزيرا ابن الله، والنصارى بقولهم في المسيح مثل ذلك، وجحودهم نبوة محمد (ص). وقوله: حنفاء قد مضى بياننا في معنى الحنيفية قبل، بشواهده المغنية عن إعادتها، غير أنا نذكر بعض ما لم نذكر قبل من الاخبار في ذلك. ذكر من قال ذلك: 29204 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: مخلصين له الدين حنفاء يقول: حجاجا مسلمين غير مشركين، يقول: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويحجوا وذلك دين القيمة. 29205 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء والحنيفية: الختان، وتحريم الامهات والبنات والاخوات والعمات، والخالات، والمناسك. وقوله: ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة يقول: وليقيموا الصلاة، وليؤتوا الزكاة. وقوله: وذلك دين القيمة يعني أن هذا الذي ذكر أنه أمر به هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هو الدين القيمة، ويعني بالقيمة: المستقيمة العادلة، وأضيف الدين إلى القيمة، والدين هو القيم، وهو من نعته لاختلاف لفظيهما. وهي في قراءة عبد الله فيما أرى فيما ذكر لنا: وذلك الدين القيمة وأنثت القيمة، لانها جعلت صفة للملة، كأنه قيل: وذلك الملة القيمة، دون اليهودية والنصرانية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29206 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وذلك دين القيمة هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وشرع لنفسه، ورضي به. 29207 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كتب قيمة وذلك دين القيمة قال: هو واحد قيمة: مستقيمة معتدلة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 335 ]
* (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية ئ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين كفروا بالله ورسوله محمد (ص)، فجحدوا نبوته، من اليهود والنصارى والمشركين جميعهم في نار جهنم خالدين فيها يقول: ماكثين، لابثين فيها أبدا لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها أولئك هم شر البرية يقول جل ثناؤه: هؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، هم شر من برأه الله وخلقه والعرب لا تهمز البرية، وبترك الهمز فيها قرأتها قراء الامصار، غير شئ يذكر عن نافع بن أبي نعيم، فإنه حكى بعضهم عنه أنه كان يهمزها، وذهب بها إلى قول الله: من قبل أن نبرأها وأنها فعيلة من ذلك. وأما الذين لم يهمزوها، فإن لتركهم الهمز في ذلك وجهين: أحدهما أن يكونوا تركوا الهمز فيها، كما تركوه من الملك، وهو مفعل من ألك أو لاك، ومن يرى، وترى، ونرى، وهو يفعل من رأيت. والآخر: أن يكونوا وجهوها إلى أنها فعيلة من البرى وهو التراب. حكي عن العرب سماعا: بفيك البرى، يعني به: التراب. وقوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله ورسوله محمد، وعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأطاعوا الله فيما أمر ونهى أولئك هم خير البرية يقول: من فعل ذلك من الناس فهم خير البرية. وقد: 29208 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا عيسى بن فرقد، عن أبي الجارود، عن محمد بن علي أولئك هم خير البرية فقال النبي (ص): أنت يا علي وشيعتك. القول في تأويل قوله تعالى: * (جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) *. يقول تعالى ذكره: ثواب هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم يوم القيامة جنات عدن: يعني بساتين إقامة لاظعن فيها، تجري من تحت أشجارها الانهار
[ 336 ]
خالدين فيها أبدا يقول: ماكثين فيها أبدا، لا يخرجون عنها، ولا يموتون فيها رضي الله عنهم بما أطاعوه في الدنيا، وعملوا لخلاصهم من عقابه في ذلك ورضوا عنه بما أعطاهم من الثواب يومئذ، على طاعتهم ربهم في الدنيا، وجزاهم عليها من الكرامة. وقوله: ذلك لمن خشي ربه يقول تعالى ذكره: هذا الخير الذي وصفته، ووعدته الذين آمنوا وعملوا الصالحات يوم القيامة، لمن خشي ربه يقول: لمن خاف الله في الدنيا في سره وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، وبالله التوفيق. آخر تفسير سورة لم يكن
[ 337 ]
سورة الزلزلة مدنية وآياتها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا زلزلت الارض زلزالها ئ وأخرجت الارض أثقالها ئ وقال الانسان ما لها ئ يومئذ تحدث أخبارها ئ بأن ربك أوحى لها ئ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ئ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ئ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) *. يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الارض لقيام الساعة زلزالها فرجت رجا والزلزال: مصدر إذا كسرت الزاي، وإذا فتحت كان اسما وأضيف الزلزال إلى الارض وهو صفتها، كما يقال: لاكرمنك كرامتك، بمعنى: لاكرمنك كرامة. وحسن ذلك في زلزالها، لموافقتها رؤوس الآيات التي بعدها. 29209 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، قال: زلزلت الارض على عهد عبد الله، فقال لها عبد الله: مالك ؟ أما إنها لو تكلمت قامت الساعة. وقوله: وأخرجت الارض أثقالها يقول: وأخرجت الارض ما في بطنها من الموتى أحياء، والميت في بطن الارض ثقل لها، وهو فوق ظهرها حيا ثقل عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29210 - حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس وأخرجت الارض أثقالها قال: الموتى.
[ 338 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، وأخرجت الارض أثقالها قال: يعني الموتى. 29211 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأخرجت الارض أثقالها من في القبور. وقوله: وقال الانسان مالها يقول تعالى ذكره: وقال الناس إذا زلزلت الارض لقيام الساعة: ما للارض وما قصتها يومئذ تحدث أخبارها. كان ابن عباس يقول في ذلك ما: 29212 - حدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس، وقال الانسان ما لها قال: الكافر. يومئذ تحدث أخبارها يقول: يومئذ تحدث الارض أخبارها. وتحديثها أخبارها، على القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود، أن تتكلم فتقول: إن الله أمرني بهذا، وأوحى إلي به، وأذن لي فيه. وأما سعيد بن جبير، فإنه كان يقول في ذلك ما: 29213 - حدثنا به أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن عبد الملك، قال: سمعت سعيد بن جبير يقرأ في المغرب مرة: يومئذ تنبئ أخبارها ومرة: تحدث أخبارها. فكأن معنى تحدث كان عند سعيد: تنبئ، وتنبيئها أخبارها: إخراجها أثقالها من بطنها إلى ظهرها. وهذا القول قول عندي صحيح المعنى، وتأويل الكلام على هذا المعنى: يومئذ تبين الارض أخبارها بالزلزلة والرجة، وإخراج الموتى من بطونها إلى ظهورها، بوحي الله إليها، وإذنه لها بذلك، وذلك معنى قوله: بأن ربك أوحى لها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29214 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن. قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وأخرجت الارض أثقالها بأن ربك أوحى لها قال: أمرها، فألقت ما فيها وتخلت.
[ 339 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بأن ربك أوحى لها قال: أمرها. وقد ذكر عن عبد الله أنه كان يقرأ ذلك: يومئذ تنبئ أخبارها وقيل: معنى ذلك أن الارض تحدث أخبارها من كان على ظهرها من أهل الطاعة والمعاصي، وما عملوا عليها من خير أو شر. ذكر من قال ذلك: 29215 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان يومئذ تحدث أخبارها قال: ما عمل عليها من خير أو شر، بأن ربك أوحى لها، قال: أعلمها ذلك. 29216 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يومئذ تحدث أخبارها قال: ما كان فيها، وعلى ظهرها من أعمال العباد. 29217 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يومئذ تحدث أخبارها قال: تخبر الناس بما عملوا عليها. وقيل: عني بقوله: أوحى لها: أوحى إليها. ذكر من قال ذلك: 29218 - حدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس أوحى لها قال: أوحى إليها. وقوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا قيل: إن معنى هذه الكلمة التأخير بعد ليروا أعمالهم قالوا: ووجه الكلام: يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها. ليروا أعمالهم، يومئذ يصدر الناس أشتاتا. قالوا: ولكنه اعترض بين ذلك بهذه الكلمة. ومعنى قوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا عن موقف الحساب فرقا متفرقين، فآخذ ذات اليمين إلى الجنة، وآخذ ذات الشمال إلى النار. وقوله: ليروا أعمالهم يقول: يومئذ يصدر الناس أشتاتا متفرقين، عن اليمين وعن الشمال، ليروا أعمالهم، فيرى المحسن في الدنيا، المطيع لله عمله وما أعد الله له يومئذ من الكرامة، على طاعته إياه كانت في الدنيا، ويرى المسيئ العاصي لله عمله. وجزاء عمله، وما أعد الله له من الهوان والخزي في جهنم، على معصيته إياه كانت في الدنيا، وكفره به.
[ 340 ]
وقوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره يقول: فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير، يرى ثوابه هنالك ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره يقول: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر يرى جزاءه هنالك، وقيل: ومن يعمل، والخبر عنها في الآخرة، لفهم السامع معنى ذلك، لما قد تقدم من الدليل قبل، على أن معناه: فمن عمل ذلك دلالة قوله: يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم على ذلك. ولكن لما كان مفهوما معنى الكلام عند السامعين. وكان في قوله: يعمل حث لاهل الدنيا على العمل بطاعة الله، والزجر عن معاصيه، مع الذي ذكرت من دلالة الكلام قبل ذلك، على أن ذلك مراد به الخبر عن ماضي فعله، وما لهم على ذلك، أخرج الخبر على وجه الخبر عن مستقبل الفعل. وبنحو الذي قلنا من أن جميعهم يرون أعمالهم، قال: أهل التأويل ذكر من قال ذلك: 29219 - حدثني علي، قال: ثنا بو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره قال: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا ولا شرا في الدنيا، إلا أتاه الله إياه. فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته. وأما الكافر فيرد حسناته، ويعذبه بسيئاته. وقيل في ذلك غير هذا القول، فقال بعضهم: أما المؤمن، فيعجل له عقوبة سيئاته في الدنيا، ويؤخر له ثواب حسناته، والكافر يعجل له ثواب حسناته، ويؤخر له عقوبة سيئاته. ذكر من قال ذلك: 29220 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: حدثنيه محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن قتادة، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي، وهو يفسر هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة قال: من يعمل مثقال ذرة من خير من كافر ير ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عنده خير ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره من مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس عنده شئ. حدثني محمود بن خداش، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، قال: ثنا محمد بن مسلم الطائفي، عن عمرو بن دينار، قال: سألت محمد بن كعب القرظي، عن هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال: من يعمل مثقال ذرة من خير من كافر، ير ثوابها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج من الدنيا وليس له خير ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن، ير عقوبتها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج وليس له شر.
[ 341 ]
29221 - حدثني أبو الخطاب الحساني، قال: ثنا الهيثم بن الربيع، قال: ثنا سماك بن عطية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يأكل مع النبي (ص)، فنزلت هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فرفع أبو بكر يده من الطعام، وقال: يا رسول الله إني أجزى بما عملت من مثقال ذرة من شر ؟ فقال: يا أبا بكر، ما رأيت في الدنيا مما تكره فمثاقيل ذر الشر، ويدخر لك الله مثاقيل الخير حتى توفاه يوم القيامة. 29222 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبوب، قال: وجدنا في كتاب أبي قلابة، عن أبي إدريس: أن أبا بكر كان يأكل مع النبي (ص)، فأنزلت هذه الآية: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره فرفع أبو بكر يده من الطعام، وقال: إني لراء ما عملت، قال: لا أعلمه إلا قال: ما عملت من خير وشر، فقال النبي (ص): إن ما ترى مما تكره فهو مثاقيل ذر شر كيير، ويدخر الله لك مثاقيل ذر الخير حتى تعطاه يوم القيامة وتصديق ذلك في كتاب الله: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال: نزلت فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وأبو بكر يأكل مع النبي (ص)، فأمسك وقال: يا رسول الله، إني لراء ما عملت من خير وشر ؟ فقال: أرأيت ما رأيت مما تكره، فهو من مثاقيل ذر الشر، ويدخر مثاقيل ذر الخير، حتى تعطوه يوم القيامة قال أبو إدريس: فأرى مصداقها في كتاب الله، قال: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير. 29223 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، قال: قالت عائشة: يا رسول الله، إن عبد الله بن جدعان كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل، هل ذاك نافعه ؟ قال: لا، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين.
[ 342 ]
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه ؟ قال: لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر الشعبي، أن عائشة أم المؤمنين قالت: يا رسول الله، إن عبد الله بن جدعان، كان يصل الرحم، ويقري الضيف، ويفك العاني، فهل ذلك نافعه شيئا ؟ قال: لا، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين. 29224 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن عامر، عن علقمة، أن سلمة بن يزيد الجعفي، قال: يا رسول الله، إن أمنا هلكت في الجاهلية، كانت تصل الرحم، وتقري الضيف، وتفعل وتفعل، فهل ذلك نافعها شيئا ؟ قال: لا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثنا داود، عن الشعبي، عن علقمة بن قيس، عن سلمة بن يزيد الجعفي، قال: ذهبت أنا وأخي إلى رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله، إن أمنا كانت في الجاهلية تقري الضيف، وتصل الرحم، هل ينفعها عملها ذلك شيئا ؟ قال: لا. حدثني محمد بن إبراهيم بن صدران وابن عبد الاعلى، قالا: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة، عن سلمة بن يزيد، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن محمد بن كعب، أنه قال: أما المؤمن فيرى حسناته في الآخرة، وأما الكافر فيرى حسناته في الدنيا. 29225 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا أبو نعامة، قال: ثنا عبد العزيز بن بشير الضبي جده سلمان بن عامر أن سلمان بن عامر جاء رسول الله (ص)، فقال: إن أبي كان يصل الرحم، ويفي بالذمة، ويكرم الضيف، قال: مات قبل الاسلام ؟ قال: نعم، قال: لن ينفعه ذلك، فولى، فقال رسول الله (ص): علي
[ 343 ]
بالشيخ، فجاء، فقال رسول الله (ص): إنها لن تنفعه، ولكنها تكون في عقبه، فلن تخزوا أبدا، ولن تذلوا أبدا، ولن تفتقروا أبدا. 29226 - حدثنا ابن المثنى وابن بشار، قالا: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله (ص) قال: إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيعطيه بها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة، لم تكن له حسنة. 29227 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ليث، قال: ثني المعلي، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال رسول الله (ص): ما أحسن من محسن مؤمن أو كافر إلا وقع ثوابه على الله في عاجل دنياه، أو آجل آخرته. 29228 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: أنزلت: إذا زلزلت الارض زلزالها وأبو بكر الصديق قاعد، فبكى حين أنزلت، فقال له رسول الله (ص): ما يبكيك يا أبا بكر ؟ قال: يبكيني هذه السورة، فقال له رسول الله (ص): لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر الله لكم، لخلق الله أمة يخطئون ويذنبون فيغفر لهم. فهذه الاخبار عن رسول الله (ص) تنبئ عن أن المؤمن إنما يرى عقوبة سيئاته في الدنيا، وثواب حسناته في الآخرة، وأن الكافر يرى ثواب حسناته في الدنيا، وعقوبة سيئاته في الآخرة، وأن الكافر لا ينفعه في الآخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كفره. 29229 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن علي، عن الاعمش، عن إبراهيم التيمي، قال: أدركت سبعين من أصحاب عبد الله، أصغرهم الحارث بن سويد، فسمعته يقرأ: إذا زلزلت الارض زلزالها حتى بلغ إلى: فمن يعمل مثقال ذرة شرا يره قال: إن هذا إحصاء شديد.
[ 344 ]
وقيل: إن الذرة دودة حمراء ليس لها وزن. ذكر من قال ذلك: 29230 حدثني إسحاق بن وهب العلاف ومحمد بن سنان القزاز، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: مثقال ذرة قال ابن سنان في حديثه: مثقال ذرة حمراء. وقال ابن وهب في حديثه: نملة حمراء. قال إسحاق، قال يزيد بن هارون: وزعموا أن هذه الدودة الحمراء ليس لها وزن. آخر تفسير سورة إذا زلزلت الارض
[ 345 ]
سورة العاديات مكية وآياتها إحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والعاديات ضبحا ئ فالموريات قدحا ئ فالمغيرات صبحا ئ فأثرن به نقعا ئ فوسطن به جمعا ئ إن الانسان لربه لكنود ئ وإنه على ذلك لشهيد ئ وإنه لحب الخير لشديد ئ أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور ئ وحصل ما في الصدور ئ إن ربهم بهم يومئذ لخبير) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والعاديات ضبحا فقال بعضهم: عني بالعاديات ضبحا: الخيل التي تعدوها، وهي تحمحم. ذكر من قال ذلك: 29231 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله والعاديات ضبحا قال: الخيل، وزعم غير ابن عباس أنها الابل. 29232 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: والعاديات ضبحا قال ابن عباس: هو في القتال. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله: والعاديات ضبحا قال الخيل. 29233 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله: والعاديات ضبحا قال: ألم تر إلى الفرس إذا جرى كيف يضبح.
[ 346 ]
حدثني إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: ليس شئ من الدواب يضبح غير الكلب والفرس. 29236 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله الله: والعاديات ضبحا قال: الخيل تضبح. 29237 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والعاديات ضبحا قال: هي الخيل، عدت حتى ضبحت. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله والعاديات ضبحا قال: هي الخيل تعدو حتى تضبح. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة مثل حديث بشر، عن يزيد. 29238 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سعيد، قال: سمعت سالما يقرأ: والعاديات ضبحا قال: هي الخيل عدت ضبحا. 29239 - قال: ثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء والعاديات ضبحا قال: الخيل. 29240 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان بن عيينة عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: ما ضبحت دابة قط إلا كلب أو فرس. 29241 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والعاديات ضبحا قال: هي الخيل. حدثني سعيد بن الربيع الرازي. قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: هي الخيل. وقال آخرون: هي الابل. ذكر من قال ذلك: 29242 - حدثني أبو السائب. قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله والعاديات ضبحا قال: هي الابل. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله.
[ 347 ]
حدثني عيسى بن عثمان الرملي، قال: ثني عمي يحيى بن عيسى الرملي، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله والعاديات ضبحا قال: هي الابل إذا ضبحت تنفست. 29243 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، حدثه قال: بينما أنا في الحجر جالس، أتاني رجل يسأل عن العاديات ضبحا فقلت له: الخيل حين تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم، ويورون نارهم. فانفتل عني، فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن العاديات ضبحا فقال: سألت عنها أحدا قبلي ؟ قال: نعم، سألت عنها ابن عباس، فقال: الخيل حين تغير في سبيل الله، قال: اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال: تفتي الناس بما لا علم لك به، والله لكانت أول غزوة في الاسلام لبدر، وما كان معنا إلا فرسان: فرس للزبير، وفرس للمقداد، فكيف تكون العاديات ضبحا إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى مزدلفة إلى منى قال ابن عباس: فنزعت عن قولي، ورجعت إلى الذي قال علي رضي الله عنه. 29244 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم والعاديات ضبحا قال: الابل. 29245 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: والعاديات ضبحا قال: قال ابن مسعود: هو في الحج. 29246 - حدثنا سعيد بن الربيع الرازي، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير، قال: هي الابل، يعني والعاديات ضبحا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم والعاديات ضبحا قال: قال ابن مسعود: هي الابل. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب: قول من قال: عني بالعاديات: الخيل، وذلك أن الابل لا تضبح، وإنما تضبح الخيل، وقد أخبر الله تعالى أنها تعدو ضبحا، والضبح: هو ما قد ذكرنا قبل. وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 348 ]
29247 - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: قال علي رضي الله عنه: الضبح من الخيل: الحمحمة، ومن الابل: النفس. 29248 - قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعت ابن عباس يصف الضبح: أح أح. وقوله: فالموريات قدحا اختلف أهل التأويل، في ذلك، فقال بعضهم: هي الخيل توري النار بحوافرها. ذكر من قال ذلك: 29249 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله: فالموريات قدحا قال: أورت وقدحت. 29250 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فالموريات قدحا قال: هي الخيل وقال الكلبي: تقدح بحوافرها حتى يخرج منها النار. 29251 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء فالموريات قدحا قال: أورت النار بحوافرها. 29252 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فالموريات قدحا توري الحجارة بحوافرها. وقال آخرون: بل معنى ذلك أن الخيل هجن الحرب بين أصحابهن وركبانهن. ذكر من قال ذلك: 29253 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالموريات قدحا قال: هجن الحرب بينهم وبين عدوهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فالموريات قدحا قال: هجن الحرب بينهم وبين عدوهم. وقال آخرون: بل عني بذلك: الذين يورون النار بعد انصرافهم من الحرب. ذكر من قال ذلك: 29254 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي
[ 349 ]
معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سألني علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن العاديات ضبحا فالموريات قدحا فقلت له: الخيل تغير في سبيل الله، ثم تأوي إلى الليل، فيصنعون طعامهم ويورون نارهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: مكر الرجال. ذكر من قال ذلك: 29255 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فالموريات قدحا قال: المكر. 29256 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد، في قول الله: فالموريات قدحا قال: مكر الرجال. وقال آخرون: هي الالسنة ذكر من قال ذلك: 29257 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا يونس بن محمد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن سماك بن حرب، عن عكرمة قال: يقال في هذه الآية فالموريات قدحا قال: هي الالسنة. وقال آخرون: هي الابل حين تسير تنسف بمناسمها الحصى. ذكر من قال ذلك: 29258 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله: فالموريات قدحا قال: إذا تسفت الحصى بمناسمها، فضرب الحصى بعضه بعضا، فيخرج منه النار. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بالموريات التي توري النيران قدحا فالخيل توري بحوافرها، والناس يورونها بالزند، واللسان مثلا يوري بالمنطق، والرجال يورون بالمكر مثلا، وكذلك الخيل تهيج الحرب بين أهلها: إذا التقت في الحرب ولم يضع الله دلالة على أن المراد من ذلك بعض دون بعض فكل، ما أورت النار قدحا، فداخلة فيما أقسم به، لعموم ذلك بالظاهر. وقوله: فالمغيرات صبحا اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فالمغيرات صبحا على عدوها علانية. ذكر من قال ذلك: 29259 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي
[ 350 ]
معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: سألني رجل عن المغيرات صبحا، فقال: الخيل تغير في سبيل الله. 29260 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، قال: سألت عكرمة، عن قوله فالمغيرات صبحا قال: أغارت على العدو صبحا. 29261 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فالمغيرات صبحا قال: هي الخيل. 29262 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالمغيرات صبحا قال: هي الخيل. 29263 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فالمغيرات صبحا قال: أغار القوم بعدما أصبحوا على عدوهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ثور، عن معمر، عن قتادة فالمغيرات صبحا قال: أغارت حين أصبحت. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فالمغيرات صبحا قال: أغار القوم حين أصبحوا. وقال آخرون: عني بذلك الابل حين تدفع بركبانها من جمع يوم النحر إلى منى. ذكر من قال ذلك: 29264 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله فالمغيرات صبحا حين يفيضون من جمع. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله جل ثناؤه أقسم بالمغيرات صبحا، ولم يخصص من ذلك مغيرة دون مغيرة، فكل مغيرة صبحا، فداخلة فيما أقسم به وقد كان زيد بن أسلم يذكر تفسير هذه الاحرف ويأباها، ويقول: إنما هو قسم أقسم الله به.
[ 351 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والعاديات ضبحا فالموريات قدحا قال: هذا قسم أقسم الله به. وفي قوله: فوسطن به جمعا قال: كل هذا قسم، قال: ولم يكن أبي ينظر فيه إذا سئل عنه، ولا يذكره، يريد به القسم. وقوله: فأثرن به نقعا يقول تعالى ذكره: فرفعن بالوادي غبارا والنقع: الغبار، ويقال: إنه التراب. والهاء قوله به كناية اسم الموضع، وكنى عنه، ولم يجر له ذكر، لانه معلوم أن الغبار لا يثار إلا من موضع، فاستغنى بفهم السامعين بمعناه من ذكره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29266 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فأثرن به نقعا قال: الخيل. 29267 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء وابن زيد، قال: النقع: الغبار. 29268 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة فأثرن به نقعا قال: هي أثارت الغبار، يعني الخيل. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله فأثرن به نقعا قال: أثارت التراب بحوافرها. 29269 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فأثرن به نقعا قال: أثرن بحوافرها نقع التراب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فأثرن به نقعا قال: أثرن به غبارا. 29270 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال لي علي: إنما العاديات ضبحا من عرفة إلى المزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى فأثرن به نقعا: الارض حين تطؤها بأخفافها وحوافرها.
[ 352 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله فأثرن به نقعا قال: إذا سرن يثرن التراب. وقوله: فوسطن به جمعا يقول تعالى ذكره: فوسطن بركبانهن جمع القوم، يقال: وسطت القوم بالتخفيف، ووسطته بالتشديد، وتوسطته: بمعنى واحد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29272 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، قال: سئل عكرمة، عن قوله: فوسطن به جمعا قال: جمع الكفار. حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة فوسطن به جمعا قال جمع القوم. 29274 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: فوسطن به جمعا قال: هو جمع القوم. 29275 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن واصل، عن عطاء فوسطن به جمعا قال: جمع العدو. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فوسطن به جمعا قال: جمع هؤلاء وهؤلاء. 29276 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فوسطن به جمعا فوسطن جمع القوم. 29277 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة فوسطن به جمعا فوسطن بالقوم جمع العدو. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فوسطن به جمعا قال: وسطن جمع القوم. 29278 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فوسطن به جمعا الجمع: الكتيبة. وقال آخرون: بل عني بذلك فوسطن به مزدلفة. ذكر من قال ذلك:
[ 353 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله فوسطن به جمعا يعني: مزدلفة. وقوله: إن الانسان لربه لكنود يقول: إن الانسان لكفور لنعم ربه. والارض الكنود: التي لا تنبت شيئا، قال الاعشى: أحدث لها تحدث لوصلك إنهاكند لوصل الزائر المعتاد وقيل: إنما سميت كندة: لقطعها أباها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29280 - حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: إن الانسان لربه لكنود قال: لكفور. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إن الانسان لربه لكنود قال: لربه لكفور. 29281 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد إن الانسان لربه لكنود قال: لكفور. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 29282 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مهدي بن ميمون، عن شعيب بن الحبحاب، عن الحسن البصري: إن الانسان لربه لكنود قال: هو الكفور الذي يعد المصائب، وينسى نعم ربه.
[ 354 ]
29283 - حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، قال: الكنود: الكفور. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الحسن: إن الانسان لربه لكنود يقول: لوام لربه يعد المصائب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن لكنود قال: لكفور. 29284 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الانسان لربه لكنود قال: لكفور. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة، مثله. 29285 - حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن سماك أنه قال: إنما سميت كندة: أنها قطعت أباها إن الانسان لربه لكنود قال: لكفور. 29286 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله (ص): إن الانسان لربه لكنود قال: لكفور، الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده. 29287 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن الانسان لربه لكنود قال: الكنود: الكفور، وقرأ: إن الانسان لكفور. حدثنا الحسن بن علي بن عياش، قال: ثنا أبو المغيرة عبد القدوس، قال: ثنا حريز بن عثمان، قال: ثني حمزة بن هانئ، عن أبي أمامة أنه كان يقول: الكنود: الذي ينزل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده. حدثني محمد بن إسماعيل الصواري، قال: ثنا محمد بن سوار، قال: أخبرنا أبو اليقظان، عن سفيان عن هشام، عن الحسن، في قوله إن الانسان لربه لكنود قال: لوام لربه، يعد المصائب، وينسى النعم.
[ 355 ]
وقوله: وإنه على ذلك لشهيد يقول تعالى ذكره: إن الله على كنوده ربه لشهيد: يعني لشاهد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29288 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن قتادة وإنه على ذلك لشهيد قال: يقول: إن الله على ذلك لشهيد. 29289 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإنه على ذلك لشهيد في بعض القراءات إن الله على ذلك لشهيد. 29290 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وإنه على ذلك لشهيد يقول: وإن الله عليه شهيد. وقوله: وإنه لحب الخير لشديد يقول تعالى ذكره: وإن الانسان لحب المال لشديد. واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حب الخير لشديد: أي لبخيل قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طرفة بن العبد اليشكري: أرى الموت يعتام النفوس ويصطفي عقيلة مال الباخل المتشدد وقال آخرون: معناه: وإنه لحب الخير لقوي. وقال بعض نحويي الكوفة: كان موضع لحب أن يكون بعد شديد، وأن يضاف شديد إليه، فيكون الكلام: وإنه لشديد حب الخير فلما تقدم الحب في الكلام، قيل: شديد، وحذف من آخره، لما جرى ذكره في أوله ولرؤوس الآيات، قال: ومثله في سورة إبراهيم: كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف والعصوف لا يكون لليوم، إنما يكون للريح فلما جرى ذكر الريح قبل اليوم طرحت من آخره، كأنه قال: في يوم عاصف الريح، والله أعلم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29291 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإنه لحب الخير لشديد قال: الخير: الدنيا وقرأ: إن ترك خيرا الوصية قال:
[ 356 ]
فقلت له: إن ترك خيرا: المال ؟ قال: نعم، وأي شئ هو إلا المال ؟ قال: وعسى أن يكون حراما، ولكن الناس يعدونه خيرا، فسماه الله خيرا، لان الناس يسمونه خيرا في الدنيا، وعسى أن يكون خبيثا، وسمي القتال في سبيل الله سوءا، وقرأ قول الله: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء قال: لم يمسهم قتال قال: وليس هو عند الله بسوء، ولكن يسمونه سوءا. وتأويل الكلام: إن الانسان لربه لكنود، وإنه لحب الخير لشديد، وإن الله على ذلك من أمره لشاهد. ولكن قوله: وإنه على ذلك لشهيد قدم، ومعناه التأخير، فجعل معترضا بين قوله: إن الانسان لربه لكنود، وبين قوله: وإنه لحب الخير لشديد وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29292 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة إن الانسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد قال: هذا في مقاديم الكلام، قال: يقول: إن الله لشهيد أن الانسان لحب الخير لشديد. وقوله: أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور يقول: أفلا يعلم هذا الانسان الذي هذه صفته، إذا أثير ما في القبر، وأخرج ما فيها من الموتى وبحث. وذكر أنها في مصحف عبد الله: إذا بحث ما في القبور، وكذلك تأول ذلك أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29293 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: بعثر ما في القبور بحث. وللعرب في بعثر لغتان: تقول: بعثر، وبحثر، ومعناهما واحد. وقوله: وحصل ما في الصدور يقول: وميز وبين، فأبرز ما في صدور الناس من خير وشر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29294 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وحصل ما في الصدور يقول: أبرز.
[ 357 ]
29295 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وحصل ما في الصدور يقول: ميز. وقوله: إن ربهم بهم يومئذ لخبير يقول: إن ربهم بأعمالهم، وما أسروا في صدورهم، وأضمروه فيها، وما أعلنوه بجوارحهم منها، عليم لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيهم على جميع ذلك يومئذ. آخر تفسير سورة: والعاديات
[ 358 ]
سورة القارعة مكية وآياتها إحدى عشرة بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (القارعة ئ ما القارعة ئ وما أدراك ما القارعة ئ يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ئ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ئ فأما من ثقلت موازينه ئ فهو في عيشة راضية ئ وأما من خفت موازينه ئ فأمه هاوية ئ وما أدراك ما هيه ئ نار حامية) *. يقول تعالى ذكره: القارعة: الساعة التي يقرع قلوب الناس هو لها، وعظيم ما ينزل بهم من البلاء عندها، وذلك صبيحة لا ليل بعدها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29296 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: القارعة من أسماء يوم القيامة، عظمه الله وحذره عباده. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله القارعة ما القارعة قال: هي الساعة. 29297 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: القارعة ما القارعة قال: هي الساعة. 29298 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: سمعت أن القارعة والواقعة والحاقة: القيامة.
[ 359 ]
وقوله: ما القارعة يقول تعالى ذكره معظما شأن القيامة والساعة التي يقرع العباد هولها: أي شئ القارعة ؟ يعني بذلك: أي شئ الساعة التي يقرع الخلق هولها: أي ما أعظمها وأفظعها وأهولها. وقوله: وما أدراك ما القارعة ؟ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): وما أشعرك يا محمد أي شئ القارعة. وقوله: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث يقول تعالى ذكره: القارعة يوم يكون الناس كالفراش، وهو الذي يتساقط في النار والسراج، ليس ببعوض ولا ذباب، ويعني بالمبثوث: المفرق. وكالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29299 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث هذا الفراش الذي رأيتم يتهافت في النار. 29300 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم يكون الناس كالفراش المبثوث قال: هذا شبه شبهه الله. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: كغوغاء الجراد، يركب بعضه بعضا، كذلك الناس يومئذ، يجول بعضهم في بعض. وقوله: وتكون الجبال كالعهن المنفوش يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش والعهن: هو الالوان من الصوف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29301 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وتكون الجبال كالعهن المنفوش قال: الصوف المنفوش. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هو الصوف. وذكر أن الجبال تسير على الارض وهي في صورة الجبال كالهباء. وقوله: فأما من ثقلت موازينه يقول: فأما من ثقلت موازين حسناته، يعني بالموازين: الوزن، والعرب تقول: لك عندي درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك ووزن دارك، يراد: حذاء دارك. قال الشاعر:
[ 360 ]
قد كنت قبل لقائكم ذا مرة عندي لكل مخاصم ميزانه يعني بقوله: لكل مخاصم ميزانه: كلامه، وما ينقض عليه حجته. وكان مجاهد يقول: ليس ميزان، إنما هو مثل ضرب. 29302 - حدثنا بذلك أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد. فهو في عيشة راضية يقول: في عيشة قد رضيها في الجنة، كما: 29303 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فهو في عيشة راضية يعني: في الجنة. وقوله: وأما من خفت موازينه فأمه هاوية يقول: وأما من خف وزن حسناته، فمأواه ومسكنه الهاوية، التي يهوي فيها على رأسه في جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29304 حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وهي النار، هي مأواهم. 29305 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فأمه هاوية قال: مصيره إلى النار، هي الهاوية. قال قتادة: هي كلمة عربية، كان الرجل إذا وقع في أمر شديد، قال: هوت أمه. 29306 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الاشعث بن عبد الله الاعمى، قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين، فيقولون: روحوا أخاكم، فإنه كان في غم الدنيا قال: ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول: مات، أو ما جاءكم ؟ فيقولون: ذهبوا به إلى أمه الهاوية. 29307 - حدثني إسماعيل بن سيف العجلي، قال: ثنا علي بن مسهر، قال: ثنا إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله فأمه هاوية قال: يهوون في النار على رؤوسهم.
[ 361 ]
29308 - حدثنا ابن سيف، قال: ثنا محمد بن سوار، عن سعيد، عن قتادة فأمه هاوية قال: يهوى في النار على رأسه. 29309 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأمه هاوية قال: الهاوية: النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها، ويأوي إليها، وقرأ: ومأواهم النار. 29310 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فأمه هاوية وهو مثلها، وإنما جعل النار أمه، لانها صارت مأواه، كما تؤوي المرأة ابنها، فجعلها إذ لم يكن له مأوى غيرها، بمنزلة أم له. قوله: وما أدراك ماهيه يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): وما أشعرك يا محمد ما الهاوية، ثم بين ما هي، فقال: هي نار حامية، يعني بالحامية: التي قد حميت من الوقود عليها. آخر تفسير سورة القارعة
[ 362 ]
سورة التكاثر مكية وآياتها ثمان بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ألهاكم التكاثر ئ حتى زرتم المقابر ئ كلا سوف تعلمون ئ ثم كلا سوف تعلمون ئ كلا لو تعلمون علم اليقين ئ لترون الجحيم ئ ثم لترونها عين اليقين ئ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) *. يقول تعالى ذكره: ألهاكم أيها الناس المباهاة بكثرة المال والعدد عن طاعة ربكم، وعما ينجيكم من سخطه عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29311 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر قال: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلان، ونحن أعد من بني فلان، وهم كل يوم يتساقطون إلى آخرهم، والله ما زالوا كذلك حتى صاروا من أهل القبور كلهم. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ألهاكم التكاثر قالوا: نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، ألهاهم ذلك حتى ماتوا ضلالا. وروى عن النبي (ص) كلام يدل على أن معناه التكاثر بالمال. ذكر الخبر بذلك: 29312 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن قتادة، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير، عن أبيه أنه انتهى إلى النبي (ص)، وهو يقرأ: ألهاكم
[ 363 ]
التكاثر حتى زرتم المقابر قال: ابن آدم، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت. 29313 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن أبي بن كعب، قال: كنا نرى أن هذا الحديث من القرآن: لو أن لابن آدم واديين من مال، لتمنى واديا ثالثا، ولا يملا جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب حتى نزلت هذه السورة: ألهاكم التكاثر إلى آخرها. وقوله (ص) بعقب قراءته: ألهاكم: ليس لك من مالك إلا كذا وكذا، ينبئ أن معنى ذلك عنده: ألهاكم التكاثر: المال. وقوله: حتى زرتم المقابر يعني: حتى صرتم إلى المقابر فدفنتم فيها وفي هذا دليل على صحة القول بعذاب القبر، لان الله تعالى ذكره، أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاهم التكاثر، أنهم سيعلمون ما يلقون إذا هم زاروا القبور وعيدا منه لهم وتهددا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29314 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن حجاج، عن المنهال، عن زر، عن علي، قال: كنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت هذه الآية: ألهاكم التكاثر... إلى: كلا سوف تعلمون في عذاب القبر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زر، عن علي، قال: نزلت ألهاكم التكاثر في عذاب القبر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن الحجاج، عن المنهال بن عمرو، عن زر، عن علي، قال: ما زلنا نشك في عذاب القبر، حتى نزلت: ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر. وقوله: كلا سوف تعلمون يعني تعالى ذكره بقوله: كلا: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التكاثر.
[ 364 ]
وقوله: سوف تعلمون يقول جل ثناؤه: سوف تعلمون إذا زرتم المقابر، أيها الذين ألهاهم التكاثر، غب فعلكم، واشتغالكم بالتكاثر في الدنيا عن طاعة الله ربكم. وقوله: ثم كلا سوف تعلمون يقول: ثم ما هكذا ينبغي أن تفعلوا أن يلهيكم التكاثر بالاموال، وكثرة العدد، سوف تعلمون إذا زرتم المقابر، ما تلقون إذا أنتم زرتموها، من مكروه اشتغالكم عن طاعة ربكم بالتكاثر. وكرر قوله: كلا سوف تعلمون مرتين، لان العرب إذا أرادت التغليظ في التخويف والتهديد، كرروا الكلمة مرتين. وروي عن الضحاك في ذلك ما: 29315 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك كلا سوف تعلمون قال: الكفار ثم كلا سوف تعلمون قال: المؤمنون. وكذلك كان يقرؤها. وقوله: كلا لو تعلمون علم اليقين يقول تعالى ذكره: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا، أن يلهيكم التكاثر أيها الناس، لو تعلمون أيها الناس علما يقينا، أن الله باعثكم يوم القيامة من بعد مماتكم، من قبوركم، ما ألهاكم التكاثر عن طاعة الله ربكم، ولسارعتم إلى عبادته، والانتهاء إلى أمره ونهيه، ورفض الدنيا إشفاقا على أنفسكم من عقوبته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29316 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كلا لو تعلمون علم اليقين كنا نحدث أن علم اليقين، أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت. وقوله: لترون الجحيم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته قراء الامصار: لترون الجحيم بفتح التاء من لترون في الحرفين كليهما، وقرأ ذلك الكسائي بضم التاء من الاولى، وفتحها من الثانية. والصواب عندنا في ذلك الفتح فيهما كليهما، لاجماع الحجة عليه. وإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: لترون أيها المشركون جهنم يوم القيامة، ثم لترونها عيانا لا تغيبون عنها. 29317 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: ثم لترونها عين اليقين يعني: أهل الشرك. وقوله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم يقول: ثم ليسألنكم الله عزوجل عن النعيم
[ 365 ]
الذي كنتم فيه في الدنيا: ماذا عملتم فيه، من أين وصلتم إليه، وفيم أصبتموه، وماذا عملتم به ؟. واختلف أهل التأويل في ذلك النعيم ما هو ؟ فقال بعضهم: هو الامن والصحة. ذكر من قال ذلك: 29318 - حدثني عباد بن يعقوب، قال: ثنا محمد بن سليمان، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن ابن مسعود، في قوله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: الامن والصحة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حفص، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عبد الله، مثله. 29319 - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا محمد بن مروان، عن ليث، عن مجاهد ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: الامن والصحة. 29320 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، قال: بلغني في قوله: لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: الامن والصحة. 29321 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد العزيز بن عبد الله، قال: سمعت الشعبي يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: الامن والصحة. قال: ثنا مهران، عن خالد الزيات، عن ابن أبي ليلى، عن عامر الشعبي، عن ابن مسعود، مثله. قال: ثنا مهران، عن سفيان ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: الامن والصحة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم ليسئلن يومئذ عما أنعم الله به عليهم مما وهب لهم من السمع والبصر وصحة البدن. ذكر من قال ذلك: 29322 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: النعيم: صحة الابدان والاسماع
[ 366 ]
والابصار، قال: يسأل الله العباد فيم استعملوها، وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله: إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا. 29323 - حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا عمر بن شاكر، عن الحسن قال: كان يقول في قوله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: السمع والبصر، وصحة البدن. وقال آخرون: هو العافية. ذكر من قال ذلك: 29324 - حدثني عباد بن يعقوب، قال: ثنا نوح بن دراج، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: العافية. وقال آخرون: بل عني بذلك: بعض ما يطعمه الانسان، أو يشربه. ذكر من قال ذلك: 29325 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن بكير بن عتيق، قال: رأيت سعيد بن جبير أتي بشربة عسل، فشربها، وقال: هذا النعيم الذي تسئلون عنه. 29326 - حدثني علي بن سهل الرملي، قال: ثنا الحسن بن بلال، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبي (ص) وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فأطعمناهم رطبا، وسقيناهم ماء، فقال رسول الله (ص): هذا من النعيم الذي تسئلون عنه. حدثنا جابر بن الكردي، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: أتانا النبي (ص)، فذكر نحوه. 29327 - حدثني الحسن بن علي الصدائي، قال: ثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: بينما أبو بكر وعمر رضي الله عنهما
[ 367 ]
جالسان، إذ جاء النبي (ص)، فقال: ما أجلسكما ههنا ؟ قالا: الجوع، قال: والذي بعثني بالحق ما أخرجني غيره، فانطلقوا حتى أتوا بيت رجل من الانصار، فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النبي (ص): أين فلان ؟ فقالت: ذهب يستعذب لنا ماء، فجاء صاحبهم يحمل قربته، فقال: مرحبا، ما زار العباد شئ أفضل من شئ زارني اليوم، فعلق قربته بكرب نخلة، وانطلق فجاءهم بعذق، فقال النبي (ص): ألا كنت اجتنيت ؟ فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم، ثم أخذ الشفرة، فقال النبي (ص): إياك والحلوب، فذبح لهم يومئذ، فأكلوا، فقال النبي (ص): لتسئلن عن هذا يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتى أصبتم هذا، فهذا من النعيم. 29328 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال: ثنا شيبان بن عبد الرحمن، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال النبي (ص) لابي بكر وعمر: انطلقوا بنا إلى أبي الهيثم بن التيهان الانصاري، فأتوه، فانطلق بهم إلى ظل حديقته، فبسط لهم بساطا، ثم انطلق إلى نخلة، فجاء بقنو، فقال رسول الله (ص): فهلا تنقيت لنا من رطبه ؟ فقال: أردت أن تخيروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من الماء فلما فرغ رسول الله (ص)، قال: هذا والذي نفسي بيده من النعيم، الذي أنتم فيه مسئولون عنه يوم القيامة، هذا الظل البارد، والرطب البارد، عليه الماء البارد. حدثني صالح بن مسمار المروزي، قال: ثنا آدم بن أبي إياس، قال: ثنا شيبان، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص) بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: ظل بارد، ورطب بارد، وماء بارد. 29329 - حدثنا علي بن عيسى البزاز، قال: ثنا سعيد بن سليمان، عن حشرج بن نباتة، قال: ثنا أبو بصيرة عن أبي عسيب، مولى رسول الله (ص)، قال: مر النبي (ص) حتى دخل حائطا لبعض الانصار، فقال لصاحب الحائط: أطعمنا بسرا، فجاءه بعذق فوضعه فأكل رسول الله (ص) وأصحابه، ثم دعا بماء بارد فشرب، فقال: لتسئلن عن هذا يوم
[ 368 ]
القيامة، فأخذ عمر العذق، فضرب به الارض، حتى تناثر البسر، ثم قال: يا رسول الله، إنا لمسؤولون عن هذا ؟ قال: نعم، إلا من كسرة يسد بها جوعة، أو جحر يدخل فيه من الحر والقر. حدثني سعيد بن عمرو السكوني، قال: ثنا بقية، عن حشرج بن نباتة، قال: حدثني أبو بصيرة، عن أبي عسيب مولى رسول الله (ص)، قال: مر بي النبي (ص)، فدعاني وخرجت ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فدخل حائطا لبعض الانصار، فأتي ببسر عذق منه، فوضع بين يديه، فأكل هو وأصحابه، ثم دعا بما بارد، فشرب، ثم قال: لتسئلن عن هذا يوم القيامة، فقال عمر: عن هذا يوم القيامة ؟ فقال: نعم، إلا من ثلاثة: خرقة كف بها عورته، أو كسرة سد بها جوعته، أو جحر يدخل فيه من الحر والقر. 29330 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن الجريري، عن أبي بصيرة، قال: أكل رسول الله (ص) وناس من أصحابه أكلة من خبز شعير لم ينخل، بلحم سمين، ثم شربوا من جدول، فقال: هذا كله من النعيم الذي تسئلون عنه يوم القيامة. 29331 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن صفوان بن سليم، عن محمد بن محمود بن لبيد، قال: لما نزلت ألهاكم التكاثر فقرأها حتى بلغ: لتسئلن يومئذ عن النعيم قالوا: يا رسول الله عن أي النعيم نسأل وإنما هو الاسودان: الماء، والتمر، وسيوفنا على عواتقنا، والعدو حاضر، قال: إن ذلك سيكون. 29332 - حدثني يعقوب بن إبراهيم والحسين بن علي الصدائي، قالا: ثنا شبابة بن سوار، قال: ثني عبد الله بن العلاء أبو رزين الشامي، قال: ثنا الضحاك بن عرزم، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله (ص): إن أول ما يسئل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك، وترو من الماء البارد ؟. 29333 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ليث، عن مجاهد، قال:
[ 369 ]
قال أبو معمر: عبد الله بن سخبرة: ما أصبح أحد بالكوفة إلا ناعما وإن أهونهم عيشا الذي يأكل خبز البر، ويشرب ماء الفرات، ويستظل من الظل، وذلك من النعيم. 29334 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن الحرث التميمي، عن ثابت البناني، عن النبي (ص) قال: النعيم: المسئول عنه يوم القيامة: كسرة تقويه، وماء يرويه، وثوب يواريه. 29335 - قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن عياش، عن بشر بن عبد الله بن بشار، قال: سمعت بعض أهل اليمن يقول: سمعت أبا أمامة يقول: النعيم المسئول عنه يوم القيامة: خبز البر، والماء العذب. 29336 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن بكير بن عتيق العامري، قال: أتي سعيد بن جبير بشربة عسل، فقال: أما إن هذا النعيم الذي نسأل عنه يوم القيامة ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم. 29337 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن بكير بن عتيق، عن سعيد بن جبير، أنه أتي بشربة عسل، فقال: هذا من النعيم الذي تسألون عنه. وقال آخرون: ذلك كل ما التذه الانسان في الدنيا من شئ. ذكر من قال ذلك: 29338 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: عن كل شئ من لذة الدنيا. 29339 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ثم لتسئلن يومئذ عن النعيم: إن الله عزوجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لتسئلن يومئذ عن النعيم قال: إن الله تعالى ذكره سائل كل ذي نعمة فيما أنعم عليه. وكان الحسن وقتادة يقولان: ثلاث لا يسئل عنهن ابن آدم، وما خلاهن فيه المسألة والحساب، إلا ما شاء الله: كسوة يواري بها سوءته، وكسرة يشد بها صلبه، وبيت يظله.
[ 370 ]
والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله أخبر أنه سائل هؤلاء القوم عن النعيم، ولم يخصص في خبره أنه سائلهم عن نوع من النعيم دون نوع، بل عم بالخبر في ذلك عن الجميع، فهو سائلهم كما قال عن جميع النعيم، لا عن بعض دون بعض. آخر تفسير سورة ألهاكم
[ 371 ]
سورة العصر مكية وآياتها ثلاث بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والعصر ئ إن الانسان لفى خسر ئ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والعصر فقال بعضهم: هو قسم أقسم ربنا تعالى ذكره بالدهر، فقال: العصر: هو الدهر. ذكر من قال ذلك: 29340 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والعصر قال: العصر: ساعة من ساعات النهار. 29341 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن والعصر قال: هو العشي. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن ربنا أقسم بالعصر والعصر اسم للدهر، وهو العشي والليل والنهار، ولم يخصص مما شمله هذا الاسم معنى دون معنى، فكل ما لزمه هذا الاسم، فداخل فيما أقسم به جل ثناؤه. وقوله: إن الانسان لفي خسر يقول: إن ابن آدم لفي هلكة ونقصان. وكان علي رضي الله عنه يقرأ ذلك: إن الانسان لفي خسر، وإنه فيه إلى آخر الدهر. 29342 - حدثني ابن عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين،
[ 372 ]
قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمر ذي مر، قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقرأ هذا الحرف: والعصر ونوائب الدهر، إن الانسان لفي خسر، وإنه فيه إلى آخر الدهر. 29343 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الانسان لفي خسر ففي بعض القراءات: وإنه فيه إلى آخر الدهر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي مر، أن عليا رضي الله عنه قرأها: والعصر ونوائب الدهر، إن الانسان لفي خسر. 29344 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إن الانسان لفي خسر إلا من آمن. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات يقول: إلا الذين صدقوا الله ووحدوه، وأقروا له بالوحدانية والطاعة، وعملوا الصالحات، وأدوا ما لزمهم من فرائضه، واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه، واستثنى الذين آمنوا عن الانسان، لان الانسان بمعنى الجمع، لا بمعنى الواحد. وقوله: وتواصوا بالحق يقول: وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه، من أمره، واجتناب ما نهى عنه فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29345 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتواصوا بالحق والحق: كتاب الله. 29346 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وتواصوا بالحق قال: الحق كتاب الله. حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح السكوني، حمصي لقيته بإرمينية، قال: سمعت الحسن يقول في وتواصوا بالحق قال: الحق: كتاب الله.
[ 373 ]
وقوله: وتواصوا بالصبر يقول: وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29347 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتواصوا بالصبر قال: الصبر: طاعة الله. 29348 - حدثني عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا خطاب بن عثمان، قال: ثنا عبد الرحمن بن سنان أبو روح، قال: سمعت الحسن يقول في قوله وتواصوا بالصبر قال: الصبر: طاعة الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن وتواصوا بالصبر قال: الصبر: طاعة الله. آخر تفسير سورة والعصر
[ 374 ]
سورة الهمزة مكية وآياتها تسع بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يل لكل همزة لمزة ئ الذى جمع مالا وعدده ئ يحسب أن ماله أخلده ئ كلا لينبذن في الحطمة ئ وما أدراك ما الحطمة ئ نار الله الموقدة ئ التي تطلع على الافئدة ئ إنها عليهم مؤصدة ئ في عمد ممددة) *. يعني تعالى ذكره بقوله: ويل لكل همزة الوادي يسيل من صديد أهل النار وقيحهم، لكل همزة: يقول: لكل مغتاب للناس، يغتابهم ويغضهم، كما قال زياد الاعجم: تدلي بودي إذا لاقيتني كذبا وإن أغيب فأنت الهامز اللمزه ويعني باللمزة: الذي يعيب الناس، ويطعن فيهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29349 - حدثنا مسروق بن أبان، قال: ثنا وكيع، عن رجل لم يسمه، عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء هم الذين بدأهم الله بالويل ؟ قال: هم المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة، الباغون أكبر العيب.
[ 375 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن رجل من أهل البصرة، عن أبي الجوزاء، قال: قلت: لابن عباس: من هؤلاء الذين ندبهم الله إلى الويل ؟ ثم ذكر نحو حديث مسروق بن أبان. 29350 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ويل لكل همزة لمزة قال: الهمزة يأكل لحوم الناس، واللمزة: الطعان. وقد روي عن مجاهد خلاف هذا القول، وهو ما: 29351 - حدثنا به أو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ويل لكل همزة قال: الهمزة: الطعان، واللمزة: الذي يأكل لحوم الناس. حدثنا مسروق بن أبان الحطاب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. وروي عنه أيضا خلاف هذين القولين، وهو ما: 29352 - حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ويل لكل همزة لمزة قال: أحدهما الذي يأكل لحوم الناس، والآخر الطعان. وهذا يدل على أن الذي حدث بهذا الحديث قد كان أشكل عليه تأويل الكلمتين، فلذلك اختلف نقل الرواة عنه ما رووا على ما ذكرت. 29353 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويل لكل همزة لمزة أما الهمزة: فآكل لحوم الناس، وأما اللمزة: فالطعان عليهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: الهمزة: آكل لحوم الناس: واللمزة: الطعان عليهم. 29354 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ويل لكل همزة لمزة قال: ويل لكل طعان مغتاب. 29355 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: الهمزة: يهمزه في وجهه، واللمزة: من خلفه.
[ 376 ]
29356 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم. 29357 - حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الهمزة باليد، واللمزة باللسان. وقال آخرون في ذلك ما: 29358 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ويل لكل همزة لمزة قال: الهمزة: الذي يهمز الناس بيده، ويضربهم بلسانه، واللمزة: الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم. واختلف في المعني بقوله: ويل لكل همزة فقال بعضهم: عني بذلك: رجل من أهل الشرك بعينه، فقال بعض من قال هذا القول: هو جميل بن عامر الجمحي. وقال آخرون منهم: هو الاخنس بن شريق. ذكر من قال: عني به مشرك بعينه: 29359 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ويل لكل همزة لمزة قال: مشرك كان يلمز الناس ويهمزهم. 29360 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن رجل من أهل الرقة قال: نزلت في جميل بن عامر الجمحي. 29361 - حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، في قوله همزة لمزة قال: ليست بخاصة لاحد، نزلت في جميل بن عامر قال ورقاء: زعم الرقاشي. وقال بعض أهل العربية: هذا من نوع ما تذكر العرب اسم الشئ العام، وهي تقصد به الواحد، كما يقال في الكلام، إذا قال رجل لاحد: لا أزورك أبدا: كل من لم يزرني، فلست بزائره، وقائل ذلك يقصد جواب صاحبه القائل له: لا أزورك أبدا. وقال آخرون: بل معني به، كل من كانت هذه الصفة صفته، ولم يقصد به قصد آخر. ذكر من قال ذلك: 29362 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 377 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ويل لكل همزة لمزة قال: ليست بخاصة لاحد. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن الله عم بالقول كل همزة لمزة، كل من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها، سبيله سبيله كائنا من كان من الناس. وقوله: الذي جمع مالا وعدده يقول: الذي جمع مالا وأحصى عدده، ولم ينفقه في سبيل الله، ولم يؤد حق الله فيه، ولكنه جمعه فأوعاه وحفظه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه من قراء أهل المدينة أبو جعفر، وعامة قراء الكوفة سوى عاصم: جمع بالتشديد، وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والحجاز، سوى أبي جعفر وعامة قراء البصرة، ومن الكوفة عاصم، جمع بالتخفيف، وكلهم مجمعون على تشديد الدال من عدده، على الوجه الذي ذكرت من تأويله. وقد ذكر عن بعض المتقدمين بإسناد غير ثابت، أنه قرأه: جمع مالا وعدده بتخفيف الدال، بمعنى: جمع مالا، وجمع عشيرته وعدده. هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها، بخلافها قراءة الامصار، وخروجها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك. وأما قوله: جمع مالا فإن التشديد والتخفيف فيهما صوابان، لانهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: يحسب أن ماله أخلده يقول: يحسب أن ماله الذي جمعه وأحصاه، وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا، فمزيل عنه الموت. وقيل: أخلده، والمعنى: يخلده، كما يقال للرجل الذي يأتي الامر الذي يكون سببا لهلاكه: عطب والله فلان، وهلك والله فلان، بمعنى: أنه يعطب من فعله ذلك، ولما يهلك بعد ولم يعطب وكالرجل يأتي الموبقة من الذنوب: دخل والله فلان النار. وقوله: كلا يقول تعالى ذكره: ما ذلك كما ظن، ليس ماله مخلده، ثم أخبر جل ثناؤه أنه هالك ومعذب على أفعاله ومعاصيه، التي كان يأتيها في الدنيا، فقال جل ثناؤه: لينبذن في الحطمة: يقول: ليقذفن يوم القيامة في الحطمة، والحطمة: اسم من أسماء النار، كما قيل لها: جهنم وسقر ولظى، وأحسبها سميت بذلك لحطمها كل ما ألقي فيها، كما يقال للرجل الاكول: الحطمة.
[ 378 ]
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: لينبذان في الحطمة يعني: هذا الهمزة اللمزة وماله، فثناه لذلك. وقوله: وما أدراك ما الحطمة يقول: وأي شئ أشعرك يا محمد ما الحطمة، ثم أخبره عنها ما هي، فقال جل ثناؤه: هي نار الله الموقدة التي تطلع على الافئدة يقول: التي يطلع ألمها ووهجها القلوب والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى. حكي عن العرب سماعا: متى طلعت أرضنا وطلعت أرضي: بلغت. وقوله: إنها عليهم مؤصدة يقول تعالى ذكره: إن الحطمة التي وصفت صفتها عليهم، يعني: على هؤلاء الهمازين اللمازين مؤصدة: يعني: مطبقة وهي تهمز ولا تهمز وقد قرئتا جميعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29363 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق، عن ابن ظهير، عن السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس في مؤصدة: قال: مطبقة. 29364 - حدثني عبيد بن أسباط، قال: ثني أبي، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، في قوله: إنها عليهم مؤصدة قال: مطبقة. 29365 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: في النار رجل في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف عام: يا حنان يا منان، فيقول رب العزة لجبريل: أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة، فيرجع فيقول: يا رب إنها عليهم مؤصدة فيقول: يا جبريل فكها، وأخرج عبدي من النار، فيفكها، ويخرج مثل الخيال، فيطرح على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعرا ولحما ودما. 29366 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: إنها عليهم مؤصدة قال: مطبقة. 29367 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مضرس بن عبد الله، قال: سمعت الضحاك إنها عليهم مؤصدة قال: مطبقة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إنها عليهم مؤصدة قال: عليهم مغلقة.
[ 379 ]
29368 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنها عليهم مؤصدة: أي مطبقة. 29369 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنها عليهم مؤصدة قال: مطبقة. والعرب تقول: أوصد الباب: أغلق. وقوله: في عمد ممددة اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: في عمد بفتح العين والميم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: في عمد بضم العين والميم. والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، ولغتان صحيحتان. والعرب تجمع العمود: عمدا وعمدا، بضم الحرفين وفتحهما، وكذلك تفعل في جمع إهاب، تجمعه: أهبا، بضم الالف والهاء، وأهبا بفتحهما، وكذلك القضم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة: أي مغلقة مطبقة عليهم، وكذلك هو في قراءة عبد الله فيما بلغنا. 29370 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قتادة، في قراءة عبد الله: إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنما دخلوا في عمد، ثم مدت عليهم تلك العمد بعماد. ذكر من قال ذلك: 29371 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في عمد ممددة قال: أدخلهم في عمد، فمدت عليهم بعماد، وفي أعناقهم السلاسل، فسدت بها الابواب. 29372 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في عمد من حديد مغلولين فيها، وتلك العمد من نار قد احترقت من النار، فهي من نار ممددة لهم. وقال آخرون: هي عمد يعذبون بها. ذكر من قال ذلك: 29373 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في عمد ممددة كنا نحدث أنها عمد يعذبون بها في النار، قال بشر: قال يزيد: في قراءة قتادة: عمد.
[ 380 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة في عمد ممددة قال: عمود يعذبون به في النار. وأولى الاقوال بالصواب في ذلك قول من قال: معناه: أنهم يعذبون بعمد في النار، والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها، ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها، ولا وضع لنا عليها دليل، فندرك به صفة ذلك، فلا قول فيه، غير الذي قلنا يصح عندنا، والله أعلم. آخر تفسير سورة الهمزة
[ 381 ]
سورة الفيل مكية وآياتها خمس بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ئ ألم يجعل كيدهم في تضليل ئ وأرسل عليهم طيرا أبابيل ئ ترميهم بحجارة من سجيل ئ فجعلهم كعصف مأكول) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تنظر يا محمد بعين قلبك، فترى بها كيف فعل ربك بأصحاب الفيل الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة ورئيسهم أبرهة الحبشي الاشرم ألم يجعل كيدهم في تضليل يقول: ألم يجعل سعي الحبشة أصحاب الفيل في تخريب الكعبة في تضليل يعني: في تضليلهم عما أرادوا وحاولوا من تخريبها. وقوله: وأرسل عليهم طيرا أبابيل يقول تعالى ذكره: وأرسل عليهم ربك طيرا متفرقة، يتبع بعضها بعضا من نواح شتى وهي جماع لا واحد لها، مثل الشماطيط والعباديد ونحو ذلك. وزعم أبو عبيدة معمر بن المثنى، أنه لم ير أحدا يجعل لها واحدا. وقال الفراء: لم أسمع من العرب في توحيدها شيئا. قال: وزعم أبو جعفر الرؤاسي، وكان ثقة، أنه سمع أن واحدها: إبالة. وكان الكسائي يقول: سمعت النحويين يقولون: أبول، مثل العجول. قال: وقد سمعت بعض النحويين يقول: واحدها: أبيل. وبنحو الذي قلنا في الابابيل: قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29374 - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله، في قوله: طيرا أبابيل قال: فرق.
[ 382 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن، قالا: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: الفرق. 29375 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: طيرا أبابيل قال: يتبع بعضها بعضا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأرسل عليهم طيرا أبابيل قال: هي التي يتبع بعضها بعضا. 29376 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل، أنه قال في: طيرا أبابيل قال: هي الاقاطيع، كالابل المؤبلة. 29377 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى طيرا أبابيل قال: متفرقة. 29378 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا الفضل، عن الحسن طيرا أبابيل قال: الكثيرة. 29379 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن ابن سابط، عن أبي سلمة، قالا: الابابيل: الزمر. 29380 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: أبابيل قال: هي شتى متتابعة مجتمعة. 29381 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قال: الابابيل: الكثيرة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة قال: الابابيل: الكثيرة. 29382 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: طيرا أبابيل يقول: متتابعة. بعضها على أثر بعض. 29383 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 383 ]
طيرا أبابيل قال: الابابيل: المختلفة، تأتي من ههنا، وتأتي من ههنا، أتتهم من كل مكان. وذكر أنها كانت طيرا أخرجت من البحر. وقال بعضهم: جاءت من قبل البحر. ثم اختلفوا في صفتها، فقال بعضهم: كانت بيضاء. وقال آخرون: كانت سوداء. وقال آخرون: كانت خضراء، لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. 29384 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد بن سيرين، في قوله: طيرا أبابيل قال: قال ابن عباس: هي طير، وكانت طيرا لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. حدثني الحسن بن خلف الواسطي، قال: ثنا وكيع وروح بن عبادة، عن ابن عون، عن ابن سيرين عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن عون، عن ابن عباس، نحوه. 29385 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حسين، عن عكرمة، في قوله: طيرا أبابيل قال: كانت طيرا خضرا، خرجت من البحر، لها رؤوس كرؤوس السباع. 29386 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير طيرا أبابيل قال: هي طير سود بحرية، في مناقرها وأظفارها الحجارة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير: طيرا أبابيل قال: سود بحرية، في أظافيرها ومناقيرها الحجارة. قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكف كأكف الكلاب. 29387 - حدثنا يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، في قوله: طيرا أبابيل قال: طير خضر، لها مناقير صفر، تختلف عليهم.
[ 384 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي سفيان، عن عبيد بن عمير، قال: طيرا سودا تحمل الحجارة في أظافيرها ومناقيرها. وقوله: ترميهم بحجارة من سجيل يقول تعالى ذكره: ترمي هذه الطير الابابيل التي أرسلها الله على أصحاب الفيل، بحجارة من سجيل. وقد بينا معنى سجيل في موضع غير هذا، غير أنا نذكر بعض ما قيل من ذلك في هذا الموضع، من أقوال من لم نذكره في ذلك الموضع. ذكر من قال ذلك: 29388 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس حجارة من سجيل قال: طين في حجارة. 29389 - حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس ترميهم بحجارة من سجيل قال: من طين. 29390 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس حجارة من سجيل قال: سنك وكل. 29391 - حدثني الحسين بن محمد الذارع، قال: ثنا يزيد بن زريع، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، في قوله: ترميهم بحجارة من سجيل قال: من طين. 29392 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، قال: سمعت عكرمة يقول: ترميهم بحجارة من سجيل قال: سنك وكل. 29393 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن عكرمة، قال: كانت ترميهم بحجارة معها، قال: فإذا أصاب أحدهم خرج به الجدري، قال: كان أول يوم رؤي فيه الجدري قال: لم ير قبل ذلك اليوم، ولا بعده. 29394 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: ذكر أبوالكنود، قال: دون الحمصة وفوق العدسة. 29395 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: كانت الحجارة التي رموا بها أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة.
[ 385 ]
قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا إسرائيل، عن موسى بن أبي عائشة، عن عمران، مثله. 29397 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن عكرمة، عن ابن عباس: سجيل بالفارسية: سنك وكل، حجر وطين. 29398 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر بن سابط، قال: هي بالاعجمية: سنك وكل. 29399 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كانت مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها. 29400 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة حجارة من سجيل قال: هي من طين. 29401 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: هي طير بيض، خرجت من قبل البحر، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، ولا يصيب شيئا إلا هشمه. 29402 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث بن يعقوب أن أباه أخبره أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة، كانت تحملها بأفواهها، ثم إذا ألقتها نفط لها الجلد. وقال آخرون: معنى ذلك: ترميهم بحجارة من سماء الدنيا. ذكر من قال ذلك: 29403 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ترميهم بحجارة من سجيل قال: السماء الدنيا، قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل، وهي التي أنزل الله عز وجل على قوم لوط. 29404 - قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، أنه بلغه أن الطير التي رمت بالحجارة، أنها طير تخرج من البحر، وأن سجيل: السماء الدنيا. وهذا القول الذي قاله ابن زيد لا نعرف لصحته وجها في خبر ولا عقل، ولا لغة، وأسماء لا تدرك إلا من لغة سائرة، أو خبر من الله تعالى ذكره.
[ 386 ]
وكان السبب الذي من أجله حلت عقوبة الله تعالى بأصحاب الفيل، مسير أبرهة الحبشي بجنده معه الفيل، إلى بيت الله الحرام لتخريبه. وكان الذي دعاه إلى ذلك فيما: 29405 - حدثنا به ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثنا ابن إسحاق، أن أبرهة بنى كنيسة بصنعاء، وكان نصرانيا، فسماها القليس لم ير مثلها في زمانها بشي من الارض وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إن قد بنيت لك أيها الملك كنيسة، لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حاج العرب. فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك للنجاشي، غضب رجل من النسأة أحد بن فقيم، ثم أحد بني ملك، فخرج حتى أتى القليس، فقعد فيها، ثم خرج فلحق بأرضه، فأخبر أبرهة بذلك، فقال: من صنع هذا ؟ فقيل: صنعه رجل من أهل هذا البيت، الذي تحج العرب إليه بمكة، لما سمع من قولك: أصرف إليه حاج العرب، فغضب، فجاء فقعد فيها، أي أنها ليست لذلك بأهل فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف ليسيرن إلى البيت فيهدمه، وعند أبرهة رجال من العرب قد قدموا عليه يلتمسون فضله، منهم محمد بن خزاعي بن حزابة الذكواني، ثم السلمي، في نفر من قومه، معه أخ له يقال له قيس بن خزاعي فبينما هم عنده، غشيهم عبد لابرهة، فبعث إليهم فيه بغذائه، وكان يأكل الخصى فلما أتى القوم بغذائه، قالوا: والله لئن أكلنا هذا لا تزال تسبنا به العرب ما بقينا، فقام محمد بن خزاعي، فجاء أبرهة فقال: أيها الملك، إن هذا يوم عيد لنا، لا نأكل فيه إلا الجنوب والايدي، فقال له أبرهة: فسنبعث إليكم ما أحببتم، فإنما أكرمتكم بغذائي، لمنزلتكم عندي.
[ 387 ]
ثم إن أبرهة توج محمد بن خزاعي، وأمره على مضر، أن يسير في الناس، يدعوهم إلى حج القليس، كنيسته التي بناها، فسار محمد بن خزاعي، حتى إذا نزل ببعض أرض بني كنانة، وقد بلغ أهل تهامة أمره، وما جاء له، بعثوا إليه رجلا من هذيل يقال له عروة بن حياض الملاصي، فرماه بسهم فقتله وكان مع محمد بن خزاعي أخوه قيس بن خزاعي، فهرب حين قتل أخوه، فلحق بأبرهة فأخبره بقتله، فزاد ذلك أبرهة غضبا وحنقا، وحلف ليغزون بني كنانة، وليهدمن البيت. ثم إن أبرهة حين أجمع السير إلى البيت، أمر الحبشان فتهيأت وتجهزت، وخرج معه بالفيل، وسمعت العرب بذلك، فأعظموه، وفظعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا أنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام، فخرج رجل كان من أشراف أهل اليمن وملوكهم، يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب، إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله، وما يريد من هدمه وإخرابه، فأجابه من أجابه إلى ذلك، وعرض له، وقاتله، فهزم وتفرق أصحابه، وأخذ له ذو نفر أسيرا فلما أراد قتله، قال ذو نفر: أيها الملك لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيرا لك من قتلي فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق. وكان أبرهة رجلا حليما. ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خثعم، عرض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قبيلي خثعم: شهران، وناهس، ومن معه من قبائل العرب، فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له أسيرا، فأتي به فلما هم بقتله، قال له نفيل: أيها الملك لا تقتلني، فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران، وناهس، بالسمع والطاعة فأعفاه وخلى سبيله، وخرج به معه، يدله على الطريق حتى إذا مر بالطائف، خرج إليه مسعود بن معتب في رجال ثقيف، فقال: أيها الملك، إنما نحن عبيدك، سامعون لك مطيعون، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد يعنون اللات إنما تريد البيت الذي بمكة يعنون الكعبة ونحن نبعث معك من يدلك، فتجاوز عنهم، وبعثوا معهم أبا رغال فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المغمس، فلما أنزله به مات أبو رغال هناك، فرجمت العرب قبره، فهو القبر الذي ترجم الناس بالمغمس.
[ 388 ]
ولما نزل أبرهة المغمس، بعث رجلا من الحبشة، يقال له الاسود بن مقصود، على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال أهل مكة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مئتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها وهمت قريش وكنانة وهذيل ومن كان معهم بالحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك، وبعث أبرهة حناطة الحميري إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قل له: إن الملك يقول لكم: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن لم يرد حربي فأتني به. فلما دخل حناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل: عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي، فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم عليه السلام أو كما قال فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا له من دافع عنه، أو كما قال فقال له حناطة: فانطلق إلى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك. فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نفر، وكان له صديقا، فدل عليه، فجاءه وهو في محبسه، فقال: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر، وكان له صديقا: وما غناء رجل أسير في يدي ملك، ينتظر أن يقتله غدوا أو عشيا ما عندي غناء في شئ مما نزل بك، إلا أن أنيسا سائق الفيل لي صديق، فسأرسل إليه، فأوصيه بك، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما تريد، ويشفع لك عنده بخير، إن قدر على ذلك. قال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنيس، فجاء به، فقال: يا أنيس إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عير مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، وقد أصاب الملك له مئتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت، فقال: أفعل. فكلم أنيس أبرهة، فقال: أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك، يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رؤوس الجبال، فأذن له عليك، فليكلمك بحاجته، وأحسن إليه. قال: فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب رجلا عظيما وسيما جسيما فلما رآه أبرهة أجله وأكرمه أن يجلس تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، فأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك إلى الملك ؟ فقال له ذلك الترجمان، فقال له عبد
[ 389 ]
المطلب: حاجتي إلى الملك أن يرد علي مئتي بعير أصابها لي فلما قال له ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مئتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه فلا تكلمني فيه ؟ قال له عبد المطلب: إني أنا رب الابل، وإن للبيت ربا سيمنعه، قال: ما كان ليمنع مني، قال: فأنت وذاك، اردد إلي إبلي. وكان فيما زعم بعض أهل العلم قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة، حين بعث إليه حناطة، يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل بن بكر بن عبد مناف بن كنانة، وهو يومئذ سيد بني كنانة، وخويلد بن واثلة الهذلي وهو يومئذ سيد هذيل، فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة، على أن يرجع عنهم، ولا يهدم البيت، فأبي عليهم، والله أعلم. وكان أبرهة، قد رد على عبد المطلب الابل التي أصاب له، فلما انصرفوا عنه انصرف عبد المطلب إلى قريش، فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرز في شعف الجبال والشعاب، تخوفا عليهم من معرة الجيش ثم قام عبد المطلب، فأخذ بحلقة الباب، باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله، ويستنصرونه على أبرهة وجنده، فقال عبد المطلب، وهو آخذ بحلقة باب الكعبة: يا رب لا أرجو لهم سواكايا رب فامنع منهم حماكا إن عدو البيت من $ عاداكا امنعهم أن يخربوا قراكا وقال أيضا: لا هم إن العبد يم نع رحله فامنع حلالك لا يغلبن صليبهم ومحالهم غدوا محالك فلئن فعلت فربما أولى فأمر ما بدا لك
[ 390 ]
ولئن فعلت فإنه أمر تتم به فعالك وقال أيضا: وكنت إذا أتى باغ بسلم نرجي أن تكون لنا كذلك فولوا لم ينالوا غير خزى وكان الحين يهلكهم هنالك ولم أسمع بأرجس من رجال أرادوا العز فانتهكوا حرامك جروا جموع بلادهم والفيل كي يسبوا عيالك ثم أرسل عبد المطلب حلقة باب الكعبة، وانطلق هو ومن معه من قريش إلى شعف الجبال، فتحرزوا فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل بمكة إذا دخلها فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيأ فيله، وعبأ جيشه، وكان اسم الفيل محمودا، وأبرهة مجمع لهدم البيت، ثم الانصراف إلى اليمن. فلما وجهوا الفيل، أقبل نفيل بن حبيب الخثعمي، حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمود، وارجع راشدا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل أذنه، فبرك الفيل، وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل. وضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم، فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه، فبزغوه بها ليقوم، فأبى، فوجهوه راجعا إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق، ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك، وأرسل الله عليهم طيرا من البحر، أمثال الخطاطيف، مع كل طير ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحدا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق
[ 391 ]
الذي منه جاؤوا، ويسألون عن نفيل بن حبيب، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فقال نفيل بن حبيب حين رأى ما أنزل الله بهم من نقمته: أين المفر والاله الطالب والاشرم المغلوب غير الغالب فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، فأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، فسقطت أنامله أنملة أنملة، كلما سقطت أنملة أتبعتها مدة تمث قيحا ودما، حتى قدموا به صنعاء، وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون. 29406 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الاخنس، أنه حدث، أن أول ما رؤيت الحصبة والجدري بأرض العرب ذلك العام، وأنه أول ما رؤي بها مرار الشجر: الحرمل والحنظل والعشر ذلك العام. 29407 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل أقبل أبرهة الاشرم من الحبشة يوما ومن معه من عداد أهل اليمن، إلى بيت الله ليهدمه من أجل بيعة لهم أصابها العرب بأرض اليمن، فأقبلوا بفيلهم، حتى إذا كانوا بالصفاح برك فكانوا إذا وجهوه إلى بيت الله ألقى بجرانه الارض، وإذا وجهوه إلى بلدهم انطلق وله هرولة، حتى إذا كان بنخلة اليمانية بعث الله عليهم طيرا بيضا أبابيل. والابابيل: الكثيرة، مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه، وحجر في منقاره، فجعلت ترميهم بها حتى جعلهم الله عزوجل كعصف مأكول قال: فنجا أبو يكسوم وهو أبرهة، فجعل كلما قدم أرضا تساقط بعض لحمه، حتى أتى قومه، فأخبرهم الخبر ثم هلك.
[ 392 ]
وقوله: فجعلهم كعصف مأكول يعني تعالى ذكره: فجعل الله أصحاب الفيل كزرع أكلته الدواب فراثته، فيبس وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم بالعقوبة التي نزلت بهم، وتفرق آراب أبدانهم بها، بتفرق أجزاء الروث، الذي حدث عن أكل الزرع. وقد كان بعضهم يقول: العصف: هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة من خارج، كهيئة الغلاف لها. ذكر من قال: عني بذلك ورق الزرع: 29408 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كعصف مأكول قال: ورق الحنطة. 29409 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كعصف مأكول قال: هو التبن. 29410 - وحدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، قال: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كعصف مأكول: كزرع مأكول. 29411 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا زريق بن مرزوق، قال: ثنا هبيرة، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، في قوله كعصف مأكول قال: هو الهبور بالنبطية، وفي رواية: المقهور. 29412 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فجعلهم كعصف مأكول قال: ورق الزرع وورق البقل، إذا أكلته البهائم فراثته، فصار روثا. ذكر من قال: عني به قشر الحب: 29413 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس كعصف مأكول قال: البر يؤكل ويلقى عصفه الريح. والعصف: الذي يكون فوق البر: هو لحاء البر. وقال آخرون في ذلك بما: 29414 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن حبيب بن أبي ثابت: كعصف مأكول قال: كطعام مطعوم. آخر تفسير سورة الفيل
[ 393 ]
سورة قريش مكية وآياتها أربع بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (لايلاف قريش ئ إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ئ فليعبدوا رب هذا البيت ئ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) *. اختلفت القراء في قراءة: لايلاف قريش إيلافهم، فقرأ ذلك عامة قراء الامصار بياء بعد همز لايلاف وإيلافهم، سوى أبي جعفر، فإنه وافق غيره في قوله لايلاف فقرأه بياء بعد همزة، واختلف عنه في قوله إيلافهم فروي عنه أنه كان يقرؤه: إلفهم على أنه مصدر من ألف يألف إلفا، بغير ياء. وحكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه: إلافهم بغير ياء مقصورة الالف. والصواب من القراءة في ذلك عندي: من قرأه: لايلاف قريش إيلافهم بإثبات الياء فيهما بعد الهمزة، من آلفت الشئ أولفه إيلافا، لاجماع الحجة من القراء عليه. وللعرب في ذلك لغتان: آلفت، وألفت فمن قال: آلفت بمد الالف قال: فأنا أؤالف إيلافا ومن قال: ألفت بقصر الالف قال: فأنا آلف إلفا، وهو رجل آلف إلفا. وحكي عن عكرمة أنه كان يقرأ ذلك: لتألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف. 29415 - حدثني بذلك أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي مكين، عن عكرمة. وقد روي عن النبي (ص) في ذلك، ما: 29416 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن شهر بن
[ 394 ]
حوشب، عن أسماء بنت يزيد، قالت: سمعت النبي (ص) يقرأ: إلفهم رحلة الشتاء والصيف. واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله: لايلاف قريش، فكان بعض نحويي البصرة يقول: الجالب لها قوله: فجعلهم كعصف مأكول فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم، فالواجب على هذا القول، أن يكون معنى الكلام: ففعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل، نعمة منا على أهل هذا البيت، وإحسانا منا إليهم، إلى نعمتنا عليهم في رحلة الشتاء والصيف، فتكون اللام في قوله لايلاف بمعنى إلى، كأنه قيل: نعمة لنعمة وإلى نعمة، لان إلى موضع اللام، واللام موضع إلى. وقد قال معنى هذا القول بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29417 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قال: إيلافهم ذلك فلا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف. 29418 - حدثني إسماعيل بن موسى السدي، قال: أخبرنا شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد لايلاف قريش قال: نعمتي على قريش. حدثني محمد بن عبد الله الهلالي، قال: ثنا فروة بن أبي المغراء الكندي، قال: ثنا شريك، عن إبراهيم بن المهاجر، عن مجاهد، مثله. 29419 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عامر بن إبراهيم الاصبهاني، قال: ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، قال: ثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: لايلاف قريش قال: نعمتي على قريش. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: قد قيل هذا القول، ويقال: إنه تبارك وتعالى عجب نبيه (ص) فقال: اعجب يا محمد لنعم الله على قريش، في إيلافهم رحلة الشتاء
[ 395 ]
والصيف. ثم قال: فلا يتشاغلوا بذلك عن الايمان واتباعك يستدل بقوله: فليعبدوا رب هذا البيت. وكان بعض أهل التأويل يوجه تأويل قوله: لايلاف قريش إلى ألفة بعضهم بعضا. ذكر من قال ذلك: 29420 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: لايلاف قريش فقرأ: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل إلى آخر السورة، قال: هذا لايلاف قريش، صنعت هذا بهم لالفة قريش، لئلا أفرق ألفتهم وجماعتهم، إنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم، فصنع الله ذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام: اعجبوا لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف. والعرب إذا جاءت بهذه اللام، فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلا على التعجب من إظهار الفعل الذي يجلبها، كما قال الشاعر: أغرك أن قالوا لقرة شاعرافيال أباه من عريف وشاعر فاكتفى باللام دليلا على التعجب من إظهار الفعل وإنما الكلام: أغرك أن قالوا: اعجبوا لقرة شاعرا فكذلك قوله: لايلاف. وأما القول الذي قاله من حكينا قوله، أنه من صلة قوله: فجعلهم كعصف مأكول فإن ذلك لو كان كذلك، لوجب أن يكون لايلاف بعض ألم تر، وأن لا تكون سورة منفصلة من ألم تر وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان كل واحدة منهما منفصلة عن الاخرى، ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: لايلاف قريش من صلة قوله: فجعلهم كعصف مأكول لم تكن ألم تر تامة حتى توصل بقوله: لايلاف قريش لان الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 396 ]
29421 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: إلفهم رحلة الشتاء والصيف يقول: لزومهم. 29422 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: لايلاف قريش قال: نهاهم عن الرحلة، وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت، وكفاهم المؤنة وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف، فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف، فأطعمهم بعد ذلك من جوع، وآمنهم من خوف، وألفوا الرحلة، فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا، وإذا شاءوا أقاموا، فكان ذلك من نعمة الله عليهم. 29423 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة قال: كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن، يختلفون إلى هذه في الشتاء، وإلى هذه في الصيف فليعبدوا رب هذا البيت فأمرهم أن يقيموا بمكة. 29424 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح لايلاف قريش إيلافهم قال: كانوا تجارا، فعلم الله حبهم للشام. 29425 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لايلاف قريش قال: عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف. 29426 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لايلاف قريش كانوا ألفوا الارتحال في القيظ والشتاء. وقوله: إيلافهم مخفوضة على الابدال، كأنه قال: لايلاف قريش لايلافهم، رحلة الشتاء والصيف. وأما الرحلة فنصبت بقوله: إيلافهم، ووقوعه عليها. وقوله: رحلة الشتاء والصيف يقول: رحلة قريش الرحلتين، إحداهما إلى الشام في الصيف، والاخرى إلى اليمن في الشتاء. 29427 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: رحلة الشتاء والصيف قال: كانت لهم رحلتان: الصيف إلى الشام، والشتاء إلى اليمن في التجارة، إذا كان الشتاء امتنع الشأم منهم لمكان البرد، وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن.
[ 397 ]
29428 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان رحلة الشتاء والصيف قال: كانوا تجارا. 29429 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، ثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الكلبي رحلة الشتاء والصيف قال: كانت لهم رحلتان: رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشأم. 29430 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عامر بن إبراهيم الاصبهاني، قال: ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة قال: ثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس إيلافهم رحلة الشتاء والصيف قال: كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف. وقوله: فليعبدوا رب هذا البيت يقول: فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة، وليعبدوا رب هذا البيت، يعني بالبيت: الكعبة، كما: 29431 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، صلى المغرب بمكة، فقرأ: لايلاف قريش فلما انتهى إلى قوله: فليعبدوا رب هذا البيت أشار بيده إلى البيت. 29432 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عامر بن إبراهيم الاصبهاني، قال: ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، قال: ثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله فليعبدوا رب هذا البيت قال الكعبة. وقال بعضهم: أمروا أن يألفوا عبادة رب مكة كإلفهم الرحلتين. ذكر من قال ذلك: 29433 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان، عن عاصم الاحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قول الله: لايلاف قريش قال: أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت، كإلفهم رحلة الشتاء والصيف. وقوله: الذي أطعمهم من جوع يقول: الذي أطعم قريشا من جوع، كما: 29434 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الذي أطعمهم من جوع يعني: قريشا أهل مكة، بدعوة إبراهيم (ص) حيث قال: وارزقهم من الثمرات.
[ 398 ]
وآمنهم من خوف اختلف أهل التأويل في معنى قوله: وآمنهم من خوف فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه آمنهم مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم، من الغارات والحروب والقتال، والامور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض. ذكر من قال ذلك: 29435 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس وآمنهم من خوف حيث قال إبراهيم عليه السلام: رب اجعل هذا البلد آمنا. 29436 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وآمنهم من خوف قال: آمنهم من كل عدو في حرمهم. 29437 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لايلاف قريش إيلافهم قال: كان أهل مكة تجارا، يتعاورون ذلك شتاء وصيفا، آمنين في العرب، وكانت العرب يغير بعضها على بعض، لا يقدرون على ذلك، ولا يستطيعونه من الخوف، حتى إن كان الرجل منهم ليصاب في حي من أحياء العرب، وإذا قيل حرمي خلي عنه وعن ماله، تعظيما لذلك فيما أعطاهم الله من الامن. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وآمنهم من خوف قال: كانوا يقولون: نحن من حرم الله، فلا يعرض لهم أحد في الجاهلية، يأمنون بذلك، وكان غيرهم من قبائل العرب إذا خرج أغير عليه. 29438 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وآمنهم من خوف قال: كانت العرب يغير بعضها على بعض، ويسبي بعضها بعضا، فأمنوا من ذلك لمكان الحرم، وقرأ: أو لم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شئ. وقال آخرون: عني بذلك: وآمنهم من الجذام. ذكر من قال ذلك:
[ 399 ]
29439 - حدثنا الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، قال: قال الضحاك: وآمنهم من خوف قال: من خوفهم من الجذام. 29440 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وآمنهم من خوف قال: من الجذام وغيره. 29441 - حدثنا أبو كريب، قال: قال وكيع: سمعت أطعمهم من جوع، قال: الجوع وآمنهم من خوف الخوف: الجذام. 29442 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عامر بن إبراهيم الاصبهاني، قال: ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، قال: ثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وآمنهم من خوف قال: الخوف: الجذام. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه آمنهم من خوف والعدو مخوف منه، والجذام مخوف منه، ولم يخصص الله الخبر عن أنه آمنهم من العدو دون الجذام، ولا من الجذام دون العدو، بل عم الخبر بذلك فالصواب أن يعم كما عم جل ثناؤه، فيقال: آمنهم من المعنيين كليهما. آخر تفسير سورة قريش
[ 400 ]
سورة الماعون مكية وآياتها سبع بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (أرأيت الذي يكذب بالدين ئ فذلك الذي يدع اليتيم ئ ولا يحض على طعام المسكين ئ فويل للمصلين ئ الذين هم عن صلاتهم ساهون ئ الذين هم يرآءون ئ ويمنعون الماعون) *. يعني تعالى ذكره بقوله: أرأيت الذي يكذب بالدين أرأيت يا محمد الذي يكذب بثواب الله وعقابه، فلا يطيعه في أمره ونهيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29443 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: أرأيت الذي يكذب بالدين قال: الذي يكذب بحكم الله عز وجل. 29444 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جريج يكذب بالدين قال: بالحساب. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: أرأيت الذي يكذب الدين فالباء في قراءته صلة، دخولها في الكلام وخروجها واحد. وقوله: فذلك الذي يدع اليتيم يقول: فهذا الذي يكذب بالدين، هو الذي يدفع اليتيم عن حقه، ويظلمه. يقال منه: دععت فلانا عن حقه، فأنا أدعه دعا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 401 ]
29445 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، فذلك الذي يدع اليتيم قال: يدفع حق اليتيم. 29446 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: يدع اليتيم قال: يدفع اليتيم فلا يطعمه. 29447 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فذلك الذي يدع اليتيم: أي يقهره ويظلمه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة يدع اليتيم قال: يقهره ويظلمه. 29448 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يدع اليتيم قال: يقهره. 29449 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان في قوله: يدع اليتيم قال: يدفعه. وقوله: ولا يحض على طعام المسكين يقول تعالى ذكره: ولا يحث غيره على إطعام المحتاج من الطعام. وقوله: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من صديد أهل جهنم للمنافقين الذين يصلون، لا يريدون الله عز وجل بصلاتهم، وهم في صلاتهم ساهون إذا صلوها. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: عن صلاتهم ساهون فقال بعضهم: عني بذلك أنهم يؤخرونها عن وقتها، فلا يصلونها إلا بعد خروج وقتها. ذكر من قال ذلك: 29450 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سكن بن نافع الباهلي، قال: ثنا شعبة، عن خلف بن حوشب، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، قال: قلت لابي، أرأيت قول الله عز وجل: الذين هم عن صلاتهم ساهون: أيه تركها ؟ قال: لا، ولكن تأخيرها عن وقتها. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن هشام الدستوائي، قال: ثنا
[ 402 ]
عاصم بن بهدلة. عن مصعب بن سعد، قال: قلت لسعد: الذين هم عن صلاتهم ساهون: أهو ما يحدث به أحدنا نفسه في صلاته ؟ قال: لا، ولكن السهو أن يؤخرها عن وقتها. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن مصعب بن سعد الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: السهو: الترك عن الوقت. 29451 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عمران بن تمام البناني، قال: ثنا أبو جمرة الضبعي نصر بن عمران، عن ابن عباس، في قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: الذين يؤخرونها عن وقتها. 29452 - وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: الذين يؤخرون الصلاة المكتوبة، حتى تخرج من الوقت أو عن وقتها. 29453 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: الترك لوقتها. حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، في قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: تضييع ميقاتها. 29454 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي الضحى عن صلاتهم ساهون قال: ترك المكتوبة لوقتها. 29455 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: أخبرني ابن زحر، عن الاعمش، عن مسلم بن صبيح عن صلاتهم ساهون الذين يضيعونها عن وقتها. وقال آخرون: بل عني بذلك أنهم يتركونها فلا يصلونها. ذكر من قال ذلك: 29456 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون فهم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا، ويمنعونهم العارية بغضا لهم، وهو الماعون.
[ 403 ]
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: هم المنافقون يتركون الصلاة في السر، ويصلون في العلانية. 29457 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد عن صلاتهم ساهون قال: الترك لها. وقال آخرون: بل عني بذلك أنهم يتهاونون بها، ويتغافلون عنها ويلهون. ذكر من قال ذلك: 29458 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عن صلاتهم ساهون قال: لاهون. 29459 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذين هم عن صلاتهم ساهون: غافلون. 29460 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عن صلاتهم ساهون قال: ساه عنها، لا يبالي صلى أم لم يصل. 29461 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون يصلون، وليست الصلاة من شأنهم. 29462 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: يتهاونون. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب بقوله: ساهون: لاهون يتغافلون عنها وفي اللهو عنها والتشاغل بغيرها، تضييعها أحيانا، وتضييع وقتها أخرى. وإذا كان ذلك كذلك صح بذلك قول من قال: عني بذلك ترك وقتها، وقول من قال: عني به تركها، لما ذكرت من أن في السهو عنها المعاني التي ذكرت. وقد روي عن رسول الله (ص) بذلك خبران يؤيدان صحة ما قلنا في ذلك: أحدهما ما: 29463 - حدثني به زكريا بن أبان المصري، قال: ثنا عمرو بن طارق، قال: ثنا عكرمة بن إبراهيم، قال: ثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي
[ 404 ]
وقاص، قال: سألت النبي (ص)، عن الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها. والآخر منهما ما: 29464 - حدثني به أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن شبيان النحوي، عن جابر الجعفي، قال: ثني رجل، عن أبي برزة الاسلمي، قال: قال رسول الله (ص)، لما نزلت هذه الآية: الذين هم عن صلاتهم ساهون: الله أكبر هذه خير لكم من أن لو أعطي كل رجل منكم مثل جميع الدنيا هو الذي إن صلى لم يرج خير صلاته، وإن تركها لم يخف ربه. 29465 - حدثني أبو عبد الرحيم البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سمعت عمر بن سليمان يحدث عن عطاء بن دينار أنه قال: الحمد لله الذي قال: الذين هم عن صلاتهم ساهون. وكلا المعنيين اللذين ذكرت في الخبرين اللذين روينا عن رسول الله (ص) محتمل عن معنى السهو عن الصلاة. وقوله: الذين هم يراءون يقول: الذين هم يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا، لانهم لا يصلون رغبة في ثواب، ولا رهبة من عقاب، وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنونهم منهم، فيكفون عن سفك دمائهم، وسبي ذراريهم، وهم المنافقون الذين كانوا على عهد رسول الله (ص)، يستبطنون الكفر، ويظهرون الاسلام، كذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29466 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر ومؤمل، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: الذين هم عن صلاتهم ساهون قال: هم المنافقون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
[ 405 ]
29467 - حدثني يونس، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي بن أبي طالب عليه السلام في قوله: يراءون ويمنعون الماعون قال: يراؤون بصلاتهم. 29468 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءون يعني المنافقين. 29469 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: هم المنافقون كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا، ويتركونها إذا غابوا. 29470 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني ابن زيد: ويصلون، وليس الصلاة من شأنهم رياء. وقوله: ويمنعون الماعون يقول: ويمنعون الناس منافع ما عندهم وأصل الماعون من كل شئ منفعته يقال للماء الذي ينزل من السحاب: ماعون ومنه قول أعشى بني ثعلبة. بأجود منه بماعونه إذا ما سماؤهم لم تغم وقال آخر يصف سحابا: يمج صبيره الماعون صبا
[ 406 ]
وقال عبيد الراعي: قوم على الاسلام لما يمنعواما عونهم ويضيعوا التهليلا يعني بالماعون: الطاعة والزكاة. واختلف أهل التأويل في الذي عني به من معاني الماعون في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به الزكاة المفروضة. ذكر من قال ذلك: 29471 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه، في قوله: ويمنعون الماعون قال: الزكاة. حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال علي رضي الله عنه: الماعون: الزكاة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح، عن علي رضي الله عنه قال: الماعون: الزكاة. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي رضي الله عنه ويمنعون الماعون قال: يمنعون زكاة أموالهم. حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام قالا: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي عن أبي صالح، عن علي رضي الله عنه ويمنعون الماعون قال: الزكاة. 29472 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الماعون قال: الزكاة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن علي، مثله.
[ 407 ]
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أن عليا رضي الله عنه كان يقول الماعون: الصدقة المفروضة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ويمنعون الماعون أن عليا رضي الله عنه قال: هي الزكاة. 29473 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: الماعون: الزكاة. 29474 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المغيرة، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، قال: هو المال الذي لا يؤدى حقه قال: قلت: إن ابن أم عبد يقول: هو المتاع الذي يتعاطاه الناس بينهم، قال: هو ما أقول لك. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا وهب بن جرير، قال: ثنا شعبة، عن سلمة، قال: سمعت أبا المغيرة قال: سألت ابن عمر، عن الماعون، فقال: هو منع الحق. 29475 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن سلمة بن كهيل، قال: سئل ابن عمر عن الماعون، فقال: هو الذي يسأل حق ماله ويمنعه، فقال: إن ابن مسعود يقول: هو القدر والدلو والفأس، قال: هو ما أقول لكم. حدثني هارون بن إدريس الاصم، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، أن ابن عمر سئل عن قول الله: ويمنعون الماعون قال: الذي يسأل مال الله فيمنعه، فقال الذي سأله، فإن ابن مسعود يقول: هو الفأس والقدر، قال ابن عمر: هو ما أقول لك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن إسماعيل بن خالد، عن سلمة بن كهيل، قال: سأل رجل ابن عمر عن الماعون، فذكر مثله. حدثني سليمان بن محمد بن معدي كرب الرعيني، قال: ثنا بقية بن الوليد، قال: ثنا شعبة، قال: ثني سلمة بن كهيل، قال: سمعت أبا المغيرة: رجلا من بني أسد، قال: سألت عبد الله بن عمر عن الماعون، قال: هو منع الحق، قلت: إن ابن مسعود قال: هو منع الفأس والدلو قال: هو منع الحق.
[ 408 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي المغيرة، عن ابن عمر قال: هي الزكاة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح، عن علي، مثله. 29476 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا جابر بن زيد بن رفاعة، عن حسان بن مخارق، عن سعيد بن جبير، قال: الماعون: الزكاة. 29477 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والحسن: الماعون: الزكاة المفروضة. 29478 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسماعيل، عن أبي عمر، عن ابن الحنفية رضي الله عنه قال: هي الزكاة. 29479 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويمنعون الماعون قال: الزكاة. 29480 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ويمنعون الماعون قال: هم المنافقون يمنعون زكاة أموالهم. 29481 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: الماعون: الزكاة المفروضة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن عقبة، قال: سمعت الحسن يقول: ويمنعون الماعون قال: منعوا صدقات أموالهم، فعاب الله عليهم. 29482 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن الذين هم يراءون ويمنعون الماعون قال: هو المنافق الذي يمنع زكاة ماله، فإن صلى رأى، وإن فاتته لم يأس عليها. 29483 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سلمة، عن الضحاك، قال: هي الزكاة.
[ 409 ]
وقال آخرون: هو ما يتعاوره الناس بينهم من مثل الدلو والقدر ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك: 29484 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا ابن أبي إدريس، عن الاعمش، عن الحكم بن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، أنه قال لعبد الله: أخبرني عن الماعون ؟ قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم. 29485 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال: سمعت يحيى بن الجزار يحدث عن أبي العبيدين: رجل من بني تميم ضرير البصر، وكان يسأل عبد الله بن مسعود، وكان ابن مسعود يعرف له، فسأل عبد الله عن الماعون، فقال عبد الله: إن من الماعون منع الفأس والقدر والدلو، خصلتان من هؤلاء الثلاث قال شعبة: الفأس ليس فيه شك. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا الوليد، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، مثله. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين: رجلا من بني تميم، كان ضرير البصر، سأل ابن مسعود عن الماعون، فقال: هو منع الفأس والدلو، أو قال: منع الفأس والقدر. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، أن أبا العبيدين سأل ابن مسعود، عن الماعون، قال: هو ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو. حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: ثنا أبو الجواب، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، عن عبد الله، كنا أصحاب محمد نحدث أن الماعون: القدر والفأس والدلو. قال أبو بكر: قال أبو الجواب، وخالفه زهير بن معاوية فيما: حدثنا به الحسن الاشيب، قال: ثنا زهير، قال: ثنا أبو إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين، حدثني محمد بن عبيد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن حارثة، عن أبي العبيدين وسعيد بن عياض، عن عبد الله، قال: كنا أصحاب محمد (ص) نتحدث أن الماعون: الدلو والفأس والقدر، لا يستغنى عنهن.
[ 410 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي إسحاق، عن سعد بن عياض قال أبو موسى: هكذا قال غندر عن أصحاب النبي (ص)، قالوا: إن من الماعون: الفأس والدلو والقدر. 29486 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، يحدث عن أصحاب النبي (ص) بمثله. قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت سعد بن عياض، يحدث عن أصحاب النبي (ص)، مثله. حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن أبي العبيدين، قال: قال عبد الله: الماعون: القدر والفأس والدلو. حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا المسعودي، قال: أخبرنا سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، وكانت به زمانة، وكان عبد الله يعرف له ذلك، فقال: يا أبا عبد الرحمن ما الماعون ؟ قال: ما يتعاطى الناس بينهم من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن الماعون، فقال: ما يتعاطاه الناس بينهم. قال: ثنا مهران، عن الحسن وسلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، عن ابن مسعود، قال: الفأس والدلو والقدر وأشباهه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن أبي العبيدين، أنه سأل ابن مسعود، عن قوله: ويمنعون الماعون فذكر نحوه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن ابن مسعود، قال: الفأس والقدر والدلو. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن
[ 411 ]
إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله قال: الماعون منع الفأس والقدر والدلو. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن الحرث بن سويد، عن عبد الله، أنه سئل عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم: الفأس والدلو وشبهه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن مالك بن الحرث، عن ابن مسعود، قال: الدلو والفأس والقدر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن عياض، عن أصحاب النبي (ص) قال: الماعون: الفأس والقدر والدلو. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: سئل عبد الله عن الماعون، قال: ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو وشبهه. 29487 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه قال: هو عارية الناس: الفأس والقدر والدلو ونحو ذلك، يعني الماعون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله، بمثله. 29488 - قال: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، قال: الفأس والدلو. 29489 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت الاسدي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الماعون: العارية. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: هو العارية. 29490 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، نحوه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
[ 412 ]
29491 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: الماعون قال: متاع البيت. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، أراه عن ابن عباس شك أبو كريب ويمنعون الماعون قال: المتاع. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس هو متاع البيت. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: يمنعونهم العارية، وهو الماعون. 29492 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ويمنعون الماعون قال: اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قال: يمنعون الزكاة، ومنهم من قال: يمنعون الطاعة، ومنهم من قال: يمنعون العارية. 29493 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: ويمنعون الماعون قال: لم يجئ أهلها بعد. 29494 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قال ابن عباس: الماعون ما يتعاطى الناس بينهم. 29495 - حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن علية، قال: ثنا ليث، عن أبي إسحاق، عن الحرث، قال: قال علي رضي الله عنه: الماعون: منع الزكاة والفأس والدلو والقدر. 29496 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم النبيل، قال: ثنا سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير قال: الماعون: العارية. 29497 - حدثني أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس، قال: ثنا عبثر، قال: ثنا حصين، عن أبي مالك، في قول الله: ويمنعون الماعون قال: الدلو والقدر والفأس. 29498 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا أبو عوانة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: كنا مع نبينا (ص) ونحن نقول: الماعون: منع الدلو وأشباه ذلك.
[ 413 ]
وقال آخرون: الماعون: المعروف. ذكر من قال ذلك: 29499 - حدثنا محمد بن إبراهيم السلمي، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا محمد بن رفاعة، قال: سمعت محمد بن كعب يقول: الماعون: المعروف. وقال آخرون: الماعون: هو المال. ذكر من قال ذلك: 29500 - حدثني أحمد بن حرب، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، قال: الماعون، بلسان قريش: المال. 29501 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، قال: الماعون: بلسان قريش: المال. وأولى الاقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرا عاما، من غير أن يخص من ذلك شيئا، أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق، لان كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض. آخر تفسير سورة أرأيت
[ 414 ]
سورة الكوثر مكية وآياتها ثلاث بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إنآ أعطيناك الكوثر ئ فصل لربك وانحر ئ إن شانئك هو الابتر) *. يقول تعالى ذكره: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر. واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا (ص). 29502 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر: أنه قال: الكوثر: نهر في الجنة، حافتاه من ذهب وفضة، يجري على الدر والياقوت، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن محارب بن دثار الباهلي، عن ابن عمر، في قوله: إنا أعطيناك الكوثر قال: نهر في الجنة حافتاه الذهب، ومجراه على الدر والياقوت، وماؤه أشد بياضا من الثلج، وأشد حلاوة من العسل، وتربته أطيب من ريح المسك. 29503 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمر بن عبيد، عن عطاء، عن سعيد بن جبير،
[ 415 ]
عن ابن عباس، قال: الكوثر: نهر في الجنة حافتاه من ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر، ماؤه أبيض من الثلج، وأحلى من العسل. 29504 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، عن شقيق أو مسروق، قال: قلت لعائشة: يا أم المؤمنين، وما بطنان الجنة ؟ قالت: وسط الجنة: حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت، ترابه المسك، وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت. 29505 - حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي، قال: ثنا أبو النضر وشبابة، قالا: ثنا أبو جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن رجل، عن عائشة قالت: الكوثر: نهر في الجنة ليس أحد يدخل أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر. 29506 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر وحدثنا ابن أبي سريج، قال: ثنا أبو نعيم، قال: أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن أنس، قال: الكوثر: نهر في الجنة. 29507 - قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة، در مجوف. 29508 - حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة: الكوثر: نهر في الجنة، عليه من الآنية عدد نجوم السماء. 29509 - قال: ثنا وكيع، عن أبي جعفر الرازي، عن ابن أبي نجيح، عن عائشة قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر، فليجعل أصبعيه في أذنيه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قالت: نهر في الجنة، شاطئاه الدر المجوف.
[ 416 ]
29510 - قال: ثنا مهران، عن أبي معاذ عيسى بن يزيد، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر: نهر في بطنان الجنة: وسط الجنة، فيه نهر شاطئاه در مجوف، فيه من الآنية لاهل الجنة، مثل عدد نجوم السماء. 29511 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر قال: نهر أعطاه الله محمدا (ص) في الجنة. 29512 - حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا مسعدة، عن عبد الوهاب، عن مجاهد، قال: الكوثر: نهر في الجنة، ترابه مسك أذفر، وماؤه الخمر. 29513 - حدثنا ابن أبي سريج، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، في قوله: إنا أعطيناك الكوثر قال: نهر في الجنة. 29514 - حدثنا الربيع، قال: أخبرنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا، قال: لما أسري برسول الله (ص)، مضى به جبريل في السماء الدنيا، فإذا هو بنهر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب يشم ترابه، فإذا هو مسك، فقال: يا جبريل، ما هذا النهر ؟ قال: هو الكوثر الذي خبأ لك ربك. وقال آخرون: عني بالكوثر: الخير الكثير. ذكر من قال ذلك: 29515 - حدثني يعقوب، قال: ثني هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر وعطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: فقلت لسعيد بن جبير: فإن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة، قال: فقال سعيد: النهر الذي في الجنة، من الخير الذي أعطاه الله إياه. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن عطاء بن السائب، قال:
[ 417 ]
قال محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قال: قلت: قال: قال ابن عباس: هو الخير الكثير، فقال: صدق والله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الكوثر: الخير الكثير. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، قال: سألت سعيد بن جبير، عن الكوثر، فقال: هو الخير الكثير الذي آتاه الله، فقلت لسعيد: إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة، فقال: هو الخير الذي أعطاه الله إياه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: إنا أعطيناك الكوثر قال: الخير الكثير. 29516 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد، قال: ثنا شعبة، عن عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، قال: هو النبوة، والخير الذي أعطاه الله إياه. 29517 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة في قول الله: إنا أعطيناك الكوثر قال: الخير الكثير، والقرآن والحكمة. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة أنه قال: الكوثر: الخير الكثير. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إنا أعطيناك الكوثر قال: الخير الكثير. 29518 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هلال، قال: سألت سعيد بن جبير إنا أعطيناك الكوثر قال: أكثر الله له من الخير، قلت: نهر في الجنة ؟ قال: نهر وغيره. 29519 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الكوثر: الخير الكثير. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الكوثر: الخير الكثير.
[ 418 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن مجاهد: الكوثر: قال: الخير كله. 29520 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: خير الدنيا والآخرة. 29521 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في الكوثر، قال: هو الخير الكثير. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، قال: الكوثر: الخير الكثير. 29522 - قال: ثنا وكيع، عن بدر بن عثمان، سمع عكرمة يقول في الكوثر: قال: ما أعطي النبي (ص) من الخير والنبوة والقرآن. حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي، قال: ثنا أبو داود، عن بدر، عن عكرمة، قوله: إنا أعطيناك الكوثر قال: الخير الذي أعطاه الله: النبوة والاسلام. وقال آخرون: هو حوض أعطيه رسول الله (ص) في الجنة. ذكر من قال ذلك: 29523 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن مطر، عن عطاء إنا أعطيناك الكوثر قال: حوض في الجنة أعطيه رسول الله (ص). حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا مطر، قال: سألت عطاء ونحن نطوف بالبيت عن قوله: إنا أعطيناك الكوثر قال: حوض أعطيه رسول الله (ص). وأولى هذه الاقوال بالصواب عندي، قول من قال: هو اسم النهر الذي أعطيه رسول الله (ص) في الجنة، وصفه الله بالكثرة، لعظم قدره. وإنما قلنا ذلك أولى الاقوال في ذلك، لتتابع الاخبار عن رسول الله (ص) بأن ذلك كذلك. ذكر الاخبار الواردة بذلك:
[ 419 ]
29524 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس قال: لما عرج بنبي الله (ص) في الجنة، أو كما قال، عرض له نهر حافتاه الياقوت المجوف، أو قال: المجوب، فضرب الملك الذي معه بيده فيه، فاستخرج مسكا، فقال محمد للملك الذي معه: ما هذا ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله قال: ورفعت له سدرة المنتهى، فأبصر عندها أثرا عظيما، أو كما قال. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس، أن رسول الله (ص)، قال: بينما أنا أسير في الجنة، إذ عرض لي نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، فقال الملك الذي معه: أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثر الذي أعطاك الله إياه، وضرب بيده إلى أرضه، فأخرج من طينه المسك. حدثني ابن عوف، قال: ثنا آدم، قال: ثنا شيبان، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله (ص): لما عرج بي إلى السماء، أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف، قلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فأهوى الملك بيده، فاستخرج طينه مسكا أذفر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): دخلت الجنة، فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه، فإذا مسك أذفر قال: قلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الصمد، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص)، فذكر نحو حديث يزيد، عن سعيد. 29525 - حدثنا بشر، قال: ثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو أيوب العباس، قال: ثنا إبراهيم بن سعد، قال: ثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب، عن أبيه، عن أنس، قال: سئل رسول الله (ص) عن الكوثر، فقال: هو نهر أعطانيه الله في
[ 420 ]
الجنة، ترابه مسك أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر، قال أبو بكر: يا رسول الله، إنها لناعمة ؟ قال: آكلها أنعم منها. 29526 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن أبي وقاص الليثي، عن كثير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): دخلت الجنة حين عرج بي، فأعطيت الكوثر، فإذا هو نهر في الجنة، عضادتاه بيوت مجوفة من لؤلؤ. 29527 - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس: أن رجلا جاء إلى النبي (ص)، فقال: يا رسول الله، ما الكوثر ؟ قال: نهر أعطانيه الله في الجنة، لهو أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة، قال: آكلها أنعم منها. حدثنا يونس، قال: ثنا يحيى بن عبد الله، قال: ثني الليث، عن ابن الهاد، عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، عن أنس، أن رجلا جاء إلى النبي (ص)، فذكر مثله. حدثنا عمر بن عثمان بن عبد الرحمن الزهري أن أخاه عبد الله، أخبره أن أنس بن مالك صاحب النبي (ص) أخبره: أن رجلا سأل النبي (ص)، فقال: ما الكوثر ؟ فقال رسول الله (ص): هو نهر أعطانيه الله في الجنة، ماؤه أبيض من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر، فقال عمر: إنها لناعمة يا رسول الله، فقال: آكلها أنعم منها. فقال: عمر بن عثمان: قال ابن أبي أويس وحدثني أبي، عن ابن أخي الزهري، عن أبيه، عن أنس، عن النبي (ص) في الكوثر، مثله. 29528 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا عطاء، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب،
[ 421 ]
ومجراه على الياقوت والدر، تربته أطيب من المسك، ماؤه أحلى من العسل، وأشد بياضا من الثلج. حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، قال: قال لي محارب بن دثار: ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس، أنه قال: هو الخير الكثير، فقال: صدق والله، إنه للخير الكثير، ولكن حدثنا ابن عمر، قال: لما نزلت: إنا أعطيناك الكوثر قال رسول الله (ص): الكوثر نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، يجري على الدر والياقوت. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن النبي (ص) قال: الكوثر نهر في الجنة، قال النبي (ص): رأيت نهرا حافتاه اللؤلؤ، فقلت: يا جبريل ما هذا ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله. 29529 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: أخبرنا حزام بن عثمان، عن عبد الرحمن الاعرج، عن أسامة بن زيد أن رسول الله (ص) أتى حمزة بن عبد المطلب يوما، فلم يجده، فسأل امرأته عنه، وكانت من بني النجار، فقالت: خرج، بأبي أنت آنفا عامدا نحوك، فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار، أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل، فقدمت إليه حيسا، فأكل منه، فقالت: يا رسول الله، هنيئا لك ومريئا، لقد جئت وإني لاريد أن آتيك فأهنيك وأمريك أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهرا في الجنة يدعى الكوثر، فقال: أجل، وعرضه يعني أرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ. وقوله: فصل لربك وانحر اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه (ص) أن يصليها بهذا الخطاب، ومعنى قوله: وانحر فقال بعضهم: حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة، وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله: فصل لربك وانحر. ذكر من قال ذلك:
[ 422 ]
29530 - حدثني عبد الرحمن بن الاسود الطفاوي، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثني يزيد بن أبي زياد بن أبي الجعد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضي الله عنه، في قوله: فصل لربك وانحر قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظبيان، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه فصل لربك وانحر قال: وضع اليد على اليد في الصلاة. 29531 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه فصل لربك وانحر قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى، ثم وضعهما على صدره. 29532 - قال: ثنا مهران، عن حماد بن سلمة، عن عاصم الاحول، عن الشعبي، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن يزيد بن أبي زياد، عن عاصم الجحدري، عن عقبة بن ظهير، عن علي رضي الله عنه: فصل لربك وانحر قال: وضع اليمين على الشمال في الصلاة. 29533 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، يقال: ثنا عوف، عن أبي القموص، في قوله: فصل لربك وانحر قال: وضع اليد على اليد في الصلاة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبو صالح الخراساني، قال: ثنا حماد، عن عاصم الجحدري، عن أبيه، عن عقبة بن ظبيان، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في قول الله: فصل لربك وانحر قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده الايسر، ثم وضعهما على صدره. وقال آخرون: بل عني بقوله: فصل لربك: الصلاة المكتوبة، وبقوله وانحر أن يرفع يديه إلى النحر، عند افتتاح الصلاة والدخول فيها. ذكر من قال ذلك: 29534 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر فصل لربك وانحر الصلاة، وانحر: يرفع يديه أول ما يكبر في الافتتاح.
[ 423 ]
وقال آخرون: عني بقوله: فصل لربك المكتوبة، وبقوله وانحر: نحر البدن. ذكر من قال ذلك: 29535 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم وهارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فصل لربك وانحر قال: الصلاة المكتوبة، ونحر البدن. 29536 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير وحجاج، أنهما قالا في قوله: فصل لربك وانحر قال: صلاة الغداة بجمع، ونحر البدن بمنى. 29537 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن قطر، عن عطاء: فصل لربك وانحر قال: صلاة الفجر، وانحر البدن. 29538 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس فصل لربك وانحر قال: الصلاة المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الاضحى. 29539 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن الحكم، في قوله: فصل لربك وانحر قال: صلاة الفجر. وقال آخرون: بل عني بذلك: صل يوم النحر صلاة العيد، وانحر نسكك. ذكر من قال ذلك: 29540 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا هارون بن المغيرة، عن عنبسة، عن جابر، عن أنس بن مالك، قال: كان النبي (ص) ينحر قبل أن يصلي، فأمر أن يصلي ثم ينحر. 29541 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة: فصل الصلاة، وانحر النسك. 29542 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن ثابت بن أبي صفية، عن أبي جعفر فصل لربك قال: الصلاة وقال عكرمة: الصلاة ونحر النسك. 29543 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع فصل لربك وانحر قال: إذا صليت يوم الاضحى فانحر.
[ 424 ]
29544 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا قطر، قال: سألت عطاء، عن قوله: فصل لربك وانحر قال: تصلي وتنحر. 29545 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عوف، عن الحسن فصل لربك وانحر قال: اذبح. قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا أبان بن خالد، قال: سمعت الحسن يقول فصل لربك وانحر قال: الذبح. 29546 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فصل لربك وانحر قال: نحر البدن، والصلاة يوم النحر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فصل لربك وانحر قال: صلاة الاضحى، والنحر: نحر البدن. 29547 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فصل لربك وانحر قال: مناحر البدن بمنى. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عكرمة فصل لربك وانحر قال: نحر النسك. 29548 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فصل لربك وانحر يقول: اذبح يوم النحر. 29549 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فصل لربك وانحر قال: نحر البدن. وقال آخرون: قيل ذلك للنبي (ص)، لان قوما كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغيره فقيل له: اجعل صلاتك ونحرك لله، إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره. ذكر من قال ذلك: 29550 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني أبو صخر، عن محمد بن كعب القرظي، أنه كان يقول في هذه الآية: إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر يقول: إن ناسا كانوا يصلون لغير الله، وينحرون لغير الله، فإذا أعطيناك الكوثر يا محمد، فلا تكن صلاتك ونحرك إلا لي. وقال آخرون: بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية، حين حصر النبي (ص) وأصحابه،
[ 425 ]
وصدوا عن البيت، فأمره الله أن يصلي، وينحر البدن، وينصرف، ففعل. ذكر من قال ذلك: 29551 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، قال: ثني أبو معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير أنه قال: كانت هذه الآية، يعني قوله: فصل لربك وانحر يوم الحديبية، أتاه جبريل عليه السلام، فقال: انحر وارجع، فقام رسول الله (ص)، فخطب خطبة الفطر والنحر، ثم ركع ركعتين، ثم انصرف إلى البدن فنحرها، فذلك حين يقول: فصل لربك وانحر. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فصل وادع ربك وسله. ذكر من قال ذلك: 29552 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك فصل لربك وانحر قال: صل لربك وسل. وكان بعض أهل العربية يتأول قوله: وانحر واستقبل القبلة بنحرك. وذكر أنه سمع بعض العرب يقول: منازلهم تتناحر: أي هذا بنحر هذا: أي قبالته. وذكر أن بعض بني أسد أنشده: أبا حكم هل أنت عم مجالد وسيد أهل الابطح المتناحر ؟ أي ينحر بعضه بعضا. وأولى هذه الاقوال عندي بالصواب: قول من قال: معنى ذلك: فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الانداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الاوثان، شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كف ء له، وخصك به، من إعطائه إياك الكوثر.
[ 426 ]
وإنما قلت: ذلك أولى الاقوال بالصواب في ذلك، لان الله جل ثناؤه أخبر نبيه (ص) بما أكرمه به من عطيته وكرامته، وإنعامه عليه بالكوثر، ثم أتبع ذلك قوله: فصل لربك وانحر، فكان معلوما بذلك أنه خصه بالصلاة له، والنحر على الشكر له، على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه، بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض، وبعض النحر دون بعض، وجه، إذ كان حثا على الشكر على النعم. فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر، إنعاما منا عليك به، وتكرمة منا لك، فأخلص لربك العبادة، وأفرد له صلاتك ونسكك، خلافا لما يفعله من كفر به، وعبد غيره، ونحر للاوثان. وقوله: إن شانئك هو الابتر يعني بقوله جل ثناؤه: إن شانئك إن مبغضك يا محمد وعدوك هو الابتر يعني بالابتر: الاقل والاذل المنقطع دابره، الذي لا عقب له. واختلف أهل التأويل في المعني بذلك، فقال بعضهم: عني به العاص بن وائل السهمي. ذكر من قال ذلك: 29553 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إن شانئك هو الابتر يقول: عدوك. 29554 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إن شانئك هو الابتر قال: هو العاص بن وائل. 29555 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن هلال بن خباب، قال: سمعت سعيد بن جبير يقول: إن شانئك هو الابتر قال: هو العاص بن وائل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هلال، قال: سألت سعيد بن جبير، عن قوله: إن شانئك هو الابتر قال: عدوك العاص بن وائل انبتر من قومه. 29556 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في
[ 427 ]
قوله: إن شانئك هو الابتر قال: العاص بن وائل، قال: أنا شانئ محمد، ومن شنأه الناس فهو الابتر. 29557 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إن شانئك هو الابتر قال: هو العاص بن وائل، قال: أنا شانئ محمدا، وهو أبتر، ليس له عقب، قال الله: إن شانئك هو الابتر قال قتادة: الابتر: الحقير الدقيق الذليل. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن شانئك هو الابتر هذا العاص بن وائل، بلغنا أنه قال: أنا شانئ محمد. 29558 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن شانئك هو الابتر قال: الرجل يقول: إنما محمد أبتر، ليس له كما ترون عقب، قال الله: إن شانئك هو الابتر. وقال آخرون: بل عني بذلك: عقبة بن أبي معيط. ذكر من قال ذلك: 29559 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، قال: كان عقبة بن أبي معيط يقول: إنه لا يبقى للنبي (ص) ولد، وهو أبتر، فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات: إن شانئك عقبة بن أبي معيط هو الابتر. وقال آخرون: بل عني بذلك جماعة من قريش. ذكر من قال ذلك: 29560 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، في هذه الآية: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا قال: نزلت في كعب بن الاشرف، أتى مكة فقال لها أهلها: نحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه، ونحن أهل الحجيج، وعندنا منحر البدن، قال: أنتم خير. فأنزل الله فيه هذه الآية، وأنزل في الذين قالوا للنبي (ص) ما قالوا: إن شانئك هو الابتر.
[ 428 ]
29561 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن بدر بن عثمان، عن عكرمة إن شانئك هو الابتر. قال: لما أوحي إلى النبي (ص) قالت قريش: بتر محمد منا، فنزلت: إن شانئك هو الابتر قال: الذي رماك بالبتر هو الابتر. 29562 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: أنبأنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما قدم كعب بن الاشرف مكة أتوه، فقالوا له: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه، يزعم أنه خير منا ؟ قال: بل أنتم خير منه، فنزلت عليه: إن شانئك هو الابتر قال: وأنزلت عليه: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب... إلى قوله: نصيرا. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن مبغض رسول الله (ص) هو الاقل الاذل، المنقطع عقبه، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه. آخر تفسير سورة الكوثر
[ 429 ]
سورة الكافرون مكية وآياتها ست بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قل يأيها الكافرون ئ لا أعبد ما تعبدون ئ ولا أنتم عابدون مآ أعبد ئ ولا أنا عابد ما عبدتم ئ ولا أنتم عابدون مآ أعبد ئ لكم دينكم ولي دين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة، على أن يعبد نبي الله (ص) آلهتهم سنة، فأنزل الله معرفه جوابهم في ذلك: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة، على أن يعبدوا إلهك سنة يا أيها الكافرون بالله لا أعبد ما تعبدون من الآلهة والاوثان الآن ولا أنتم عابدون ما أعبد الآن ولا أنا عابد فيما أستقبل ما عبدتم فيما مضى ولا أنتم عابدون فيما تستقبلون أبدا ما أعبد أنا الآن، وفيما أستقبل. وإنما قيل ذلك كذلك، لان الخطاب من الله كان لرسول الله (ص) في أشخاص بأعيانهم من المشركين، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه، فأمر نبيه (ص) أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه، وحدثوا به أنفسهم، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم، في وقت من الاوقات، وآيس نبي الله (ص) من الطمع في إيمانهم، ومن أن يفلحوا أبدا، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعض قبل ذلك كافرا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت به الآثار. ذكر من قال ذلك: 29563 - حدثني محمد بن موسى الحرشي، قال: ثنا أبو خلف، قال: ثنا داود،
[ 430 ]
عن عكرمة، عن ابن عباس: إن قريشا وعدوا رسول الله (ص) أن يعطوه مالا، فيكون أغنى رجل بمكة، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطئوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل، فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح، قال: ما هي ؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزي، ونعبد إلهك سنة، قال: حتى أنظر ما يأتي من عند ربي، فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: قل يا أيها الكافرون السورة، وأنزل الله: قل أفغير ألله تأمروني أعبد أيها الجاهلون... إلى قوله: فاعبد وكن من الشاكرين. 29564 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني سعيد بن ميناء مولى البختري، قال: لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل، والاسود بن المطلب، وأمية بن خلف، رسول الله (ص)، فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشركك في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت منه بحظك، فأنزل الله: قل يا أيها الكافرون حتى انقضت السورة. وقوله: لكم دينكم ولي دين يقول تعالى ذكره: لكم دينكم فلا تتركونه أبدا، لانه قد ختم عليكم، وقضي أن لا تنفكوا عنه، وأنكم تموتون عليه، ولي دين الذي أنا عليه، لا أتركه أبدا، لانه قد مضى في سابق علم الله أني لا أنتقل عنه إلى غيره. 29565 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: لكم دينكم ولي دين قال: للمشركين قال: واليهود لا يعبدون إلا الله ولا يشركون، إلا أنهم يكفرون ببعض الانبياء، وبما جاءوا به من عند الله، ويكفرون برسول الله، وبما جاء به من عند الله، وقتلوا طوائف الانبياء ظلما وعدوانا، قال: إلا العصابة التي بقوا، حتى خرج
[ 431 ]
بختنصر، فقالوا: عزير ابن الله، دعا الله ولم يعبدوه ولم يفعلوا كما فعلت النصارى، قالوا: المسيح ابن الله وعبدوه. وكان بعض أهل العربية يقول: كرر قوله: لا أعبد ما تعبدون وما بعده على وجه التوكيد، كما قال: فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا، وكقوله: لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين. آخر تفسير سورة الكافرون
[ 432 ]
سورة النصر مدينة وآياتها ثلاث بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ئ فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش، والفتح: فتح مكة ورأيت الناس من صنوف العرب وقبائلها أهل اليمن منهم، وقبائل نزار يدخلون في دين الله أفواجا يقول: في دين الله الذي ابتعثك به، وطاعتك التي دعاهم إليها أفواجا، يعني: زمرا، فوجا فوجا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ما قلنا في قوله: إذا جاء نصر الله والفتح: 29566 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: إذا جاء نصر الله والفتح: فتح مكة. 29567 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: إذا جاء نصر الله والفتح النصر حين فتح الله عليه ونصره. 29568 - حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا الحسين بن عيسى الحنفي، عن معمر، عن الزهري، عن أبي حازم، عن ابن عباس، قال: بينا رسول الله (ص) بالمدينة، إذ قال: الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله والفتح، جاء أهل اليمن، قيل: يا رسول الله، وما أهل اليمن ؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الايمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية.
[ 433 ]
29569 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله (ص) يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه قالت: فقلت: يا رسول الله أراك تكثر قول: سبحان الله وبحمده، وأستغفر الله وأتوب إليه، فقال: خبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده، وأستغفره وأتوب إليه، فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح فتح مكة ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، عن عائشة، قالت: كان نبي الله (ص) يكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده ثم ذكر نحوه. حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد، عن داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي (ص)، بنحوه. 29570 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرمة قال: لما نزلت: إذا جاء نصر الله والفتح قال النبي (ص): جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن، قالوا: يا نبي الله، وما أهل اليمن ؟ قال: رقيقة قلوبهم، لينة طباعهم، الايمان يمان، والحكمة يمانية. وأما قوله أفواجا فقد تقدم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل. وقد: 29571 - حدثني الحرث، قال: ثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في دين الله أفواجا قال: زمرا زمرا. وقوله: فسبح بحمد ربك يقول: فسبح ربك وعظمه بحمده وشكره، على ما أنجز لك من وعده. فإنك حينئذ لاحق به، وذائق ما ذاق من قبلك من رسله من الموت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 434 ]
29572 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سألهم عن قول الله تعالى: إذا جاء نصر الله والفتح قالوا: فتح المدائن والقصور، قال: فأنت يا بن عباس ما تقول: قلت: مثل ضرب لمحمد (ص) نعيت إليه نفسه. 29573 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدنيه، فقال له عبد الرحمن: إن لنا أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم، قال: فسأله عمر عن قول الله: إذا جاء نصر الله والفتح السورة، فقال ابن عباس: أجله، أعلمه الله إياه، فقال عمر: ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس، قال: قال عمر رضي الله عنه: ما هي ؟ يعني إذا جاء نصر الله والفتح قال ابن عباس: إذا جاء نصر الله حتى بلغ: واستغفره إنك ميت إنه كان توابا فقال عمر: ما نعلم منها إلا ما قلت. 29574 - قال: ثنا مهران، عن سفيان عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس قال: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح علم النبي أنه نعيت إليه نفسه، فقيل له: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة. 29575 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال رسول الله (ص): نعيت إلي نفسي، كأني مقبوض في تلك السنة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: إذا جاء نصر الله والفتح قال: ذاك حين نعى له نفسه يقول: إذا رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا يعني إسلام الناس، يقول: فذاك حين حضر أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا. حدثني أبو السائب وسعيد بن يحيى الاموي، قالا: ثنا أبو معاوية، عن
[ 435 ]
الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة قالت كان رسول الله (ص) يكثر أن يقول قبل أن يموت: سبحانك اللهم وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك قالت: فقلت: يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك قد أحدثتها تقولها ؟ قال: قد جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة. 29576 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قالت عائشة: ما سمعت رسول الله (ص) منذ أنزلت عليه هذه السورة إذا جاء نصر الله والفتح لا يقول قبلها: سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن نمير، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة، عن النبي (ص)، مثله. 29577 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، يتأول القرآن. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، قال داود: لا أعلمه إلا عن مسروق، وربما قال عن مسروق، عن عائشة قالت: كان رسول الله (ص) يكثر أن يقول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقلت: إنك تكثر من هذا، فقال: إن ربي قد أخبرني أني سأرى علامة في أمتي، وأمرني إذا رأيت تلك العلامة أن أسبح بحمده، وأستغفره إنه كان توابا، فقد رأيتها إذا جاء نصر الله والفتح. 29578 - حدثنا أبو السائب، قال: ثنا حفص، قال: ثنا عاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة، قالت: كان رسول الله (ص) في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد، ولا يذهب ولا يجئ إلا قال: سبحان الله وبحمده، فقلت: يا رسول الله، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده،
[ 436 ]
لا تذهب ولا تجئ، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده، قال: إني أمرت بها، فقال: إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخر السورة. 29579 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت سورة إذا جاء نصر الله والفتح كلها بالمدينة بعد فتح مكة، ودخولها الناس في الدين، ينعي إليه نفسه. 29580 - قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن زياد بن الحصين، عن أبي العالية، قال: لما نزلت: إذا جاء نصر الله والفتح ونعيت إلى النبي (ص) نفسه، كان لا يقوم من مجلس يجلس فيه حتى يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. 29581 - قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا عمرو، قال: لما نزلت: إذا جاء نصر الله والفتح كان النبي (ص) مما يكثر أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفر لي وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم. 29582 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذا جاء نصر الله والفتح قرأها كلها قال ابن عباس: هذه السورة علم وحد حده الله لنبيه (ص)، ونعى له نفسه. أي إنك لن تعيش بعدها إلا قليلا. قال قتادة: والله ما عاش بعد ذلك إلا قليلا، سنتين، ثم توفي (ص). 29583 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي معاذ عيسى بن أبي يزيد، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن ابن مسعود، قال: لما نزلت: إذا جاء نصر الله والفتح كان يكثر أن يقول: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الغفور. 29584 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قول الله: إذا جاء نصر الله والفتح: كانت هذه السورة آية لموت رسول الله (ص).
[ 437 ]
29585 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: واستغفره إنه كان توابا قال: اعلم أنك ستموت عند ذلك. وقوله: واستغفره يقول: وسله أن يغفر ذنوبك. إنه كان توابا: يقول: إنه كان ذا رجوع لعبده، المطيع إلى ما يحب. والهاء من قوله إنه من ذكر الله عز وجل. آخر تفسير سورة النصر
[ 438 ]
سورة المسد مكية وآياتها خمس بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (تبت يدآ أبي لهب وتب ئ مآ أغنى عنه ماله وما كسب ئ سيصلى نارا ذات لهب ئ وامرأته حمالة الحطب ئ في جيدها حبل من مسد) *. يقول تعالى ذكره: خسرت يدا أبي لهب، وخسر هو. وإنما عني بقوله: تبت يدا أبي لهب تب عمله. وكان بعض أهل العربية يقول: قوله: تبت يدا أبي لهب: دعاء عليه من الله. وأما قوله: وتب فإنه خبر. ويذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: تبت يدا أبي لهب وقد تب. وفي دخول قد فيه دلالة على أنه خبر، ويمثل ذلك بقول القائل لآخر: أهلكك الله، وقد أهلكك، وجعلك صالحا وقد جعلك. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: تبت يدا أبي لهب قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29586 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة تبت يدا أبي لهب: أي خسرت وتب. 29587 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: تبت يدا أبي لهب وتب قال: التب: الخسران، قال: قال أبو لهب للنبي (ص): ماذا أعطى يا محمد إن آمنت بك ؟ قال: كما يعطى المسلمون، فقال: مالي عليهم فضل ؟ قال: وأي شئ تبتغي ؟ قال: تبا لهذا من دين تبا، أن أكون أنا وهؤلاء سواء، فأنزل الله: تبت يدا أبي لهب يقول: بما عملت أيديهم.
[ 439 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة تبت يدا أبي لهب قال: خسرت يدا أبي لهب وخسر. وقيل: إن هذه السورة نزلت في أبي لهب، لان النبي (ص) لما خص بالدعوة عشيرته، إذ نزل عليه: وأنذر عشيرتك الاقربين وجمعهم للدعاء، قال له أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا ؟ ذكر الاخبار الواردة بذلك: 29588 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: صعد رسول الله (ص) ذات يوم الصفا، فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: مالك ؟ قال: أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم، أما كنتم تصدقونني ؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك، ألهذا دعوتنا وجمعتنا ؟ فأنزل الله: تبت يدا أبي لهب إلى آخرها. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن نمير، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: لما نزلت وأنذر عشيرتك الاقربين قام رسول الله (ص) على الصفا ثم نادى: يا صباحاه، فاجتمع الناس إليه، فبين رجل يجئ، وبين آخر يبعث رسوله، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبد المطلب، يا بني فهر، يا بني... يا بني أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل يريد تغير عليكم صدقتموني ؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك سائر اليوم، ألهذا دعوتنا ؟ فنزلت: تبت يدا أبي لهب وتب. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو أسامة، عن الاعمش، عن عمرو بن مرة، عن
[ 440 ]
سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الاقربين ورهطك منهم المخلصين، خرج رسول الله (ص)، حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فقالوا: من هذا الذي يهتف ؟ فقالوا: محمد، فاجتمعوا إليه، فقال: يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، فاجتمعوا إليه، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا: ما جربنا عليك كذبا، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب: تبا لك ما جمعتنا إلا لهذا ؟ ثم قام فنزلت هذه السورة: تبت يدا أبي لهب وقد تب كذا قرأ الاعمش إلى آخر السورة. 29589 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: تبت يدا أبي لهب قال: حين أرسل النبي (ص) إليه وإلى غيره، وكان أبو لهب عم النبي (ص)، وكان اسمه عبد العزى، فذكرهم، فقال أبو لهب: تبا لك، في هذا أرسلت إلينا ؟ فأنزل الله: تبت يدا أبي لهب. وقوله: ما أغنى عنه ماله وما كسب يقول تعالى ذكره: أي شئ أغنى عنه ماله، ودفع من سخط الله عليه وما كسب وهم ولده. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأوي لذكر من قال ذلك: 29590 - حدثنا الحسن بن داود بن محمد المنكدر، قال: ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن خيثم، عن أبي الطفيل، قال: جاء بنو أبي لهب إلى ابن عباس، فقاموا يختصمون في البيت، فقام ابن عباس، فحجز بينهم، وقد كف بصره، فدفعه بعضهم حتى وقع على الفراش، فغضب وقال: أخرجوا عني الكسب الخبيث. 29591 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن محمد بن سفيان، عن رجل من بني مخزوم، عن ابن عباس أنه رأى يوما ولد أبي لهب يقتتلون، فجعل يحجز بينهم ويقول: هؤلاء مما كسب. 29592 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ما أغنى عنه ماله وما كسب قال: ما كسب ولده. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 441 ]
الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: وما كسب قال: ولده هم من كسبه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله وما كسب قال: ولده. وقوله: سيصلى نارا ذات لهب يقول: سيصلى أبو لهب نارا ذات لهب. وقوله: وامرأته حمالة الحطب يقول: سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب، نارا ذات لهب. واختلفت القراء في قراءة حمالة الحطب فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة: حمالة الحطب بالرفع، غير عبد الله بن أبي إسحاق، فإنه قرأ ذلك نصبا فيما ذكر لنا عنه. واختلف فيه عن عاصم، فحكي عنه الرفع فيها والنصب، وكأن من رفع ذلك جعله من نعت المرأة، وجعل الرفع للمرأة ما تقدم من الخبر، وهو سيصلى، وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة، وذلك قوله: في جيدها وتكون حمالة نعتا للمرأة. وأما النصب فيه فعلى الذم، وقد يحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة، لان المرأة معرفة، وحمالة الحطب نكرة. والصواب من القراءة في ذلك عندنا: الرفع، لانه أفصح الكلامين فيه، ولاجماع الحجة من القراء عليه. واختلف أهل التأويل، في معنى قوله: حمالة الحطب فقال بعضهم: كانت تجئ بالشوك فتطرحه في طريق رسول الله (ص)، ليدخل في قدمه إذا خرج إلى الصلاة. ذكر من قال ذلك: 29593 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: وامرأته حمالة الحطب قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه على طريق النبي (ص)، ليعقره وأصحابه، ويقال: حمالة الحطب: نقالة للحديث.
[ 442 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجل من همدان يقال له يزيد بن زيد، أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبي (ص) الشوك، فنزلت: تبت يدا أبي لهب وامرأته حمالة الحطب. 29595 - حدثني أبو هريرة الضبعي، محمد بن فراس، قال: ثنا أبو عامر، عن قرة بن خالد، عن عطية الجدلي. في قوله: حمالة الحطب قال: كانت تضع العضاه على طريق رسول الله (ص)، فكأنما يطأ به كثيبا. 29596 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وامرأته حمالة الحطب كانت تحمل الشوك، فتلقيه على طريق نبي الله (ص) ليعقره. 29597 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وامرأته حمالة الحطب قال: كانت تأتي بأغصان الشوك، فتطرحها بالليل في طريق رسول الله (ص). وقال آخرون: قيل لها ذلك: حمالة الحطب، لانها كانت تحطب الكلام، وتمشي بالنميمة، وتعير رسول الله (ص) بالفقر. ذكر من قال ذلك: 29598 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرمة قال: حمالة الحطب: كانت تمشي بالنميمة. 29599 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وامرأته حمالة الحطب قال: كانت تمشي بالنميمة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد حمالة الحطب قال: النميمة.
[ 443 ]
29600 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وامرأته حمالة الحطب: أي كانت تنقل الاحاديث من بعض الناس إلى بعض. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وامرأته حمالة الحطب قال: كانت تحطب الكلام، وتمشي بالنميمة. وقال بعضهم: كانت تعير رسول الله (ص) بالفقر، وكانت تحطب فعيرت بأنها كانت تحطب. 29601 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وامرأته حمالة الحطب قال: كانت تمشي بالنميمة. وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي، قول من قال: كانت تحمل الشوك، فتطرحه في طريق رسول الله (ص)، لان ذلك هو أظهر معنى ذلك. 29602 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عيسى بن يزيد، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيد، وكان ألزم شئ لمسروق، قال: لما نزلت: تبت يدا أبي لهب بلغ امرأة أبي لهب أن النبي (ص) يهجوك، قالت: علام يهجوني ؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحمل حطبا في جيدها حبل من مسد ؟ فمكثت، ثم أتته، فقالت: إن ربك قلاك وودعك، فأنزل الله: والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى. وقوله: في جيدها حبل من مسد يقول: في عنقها والعرب تسمى العنق جيدا ومنه قول ذي الرمة: فعيناك عيناها ولونك لونها وجيدك إلا أنها غير عاطل وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29603 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: في جيدها حبل قال: في رقبتها. وقوله: حبل من مسد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: هي حبال تكون بمكة. ذكر من قال ذلك:
[ 444 ]
29604 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في جيدها حبل من مسد قال: حبل من شجر، وهو الحبل الذي كانت تحتطب به. 29605 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس حبل من مسد قال: هي حبال تكون بمكة ويقال: المسد: العصا التي تكون في البكرة، ويقال المسد: قلادة من ودع. 29606 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: في قوله: حبل من مسد قال: حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد، وكانت تفتل وقال حبل من مسد: حبل من نار في رقبتها. وقال آخرون: المسد: الليف. ذكر من قال ذلك: 29607 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن يزيد، عن عروة في جيدها حبل من مسد قال: سلسلة من حديد، ذرعها سبعون ذراعا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن رجل يقال له يزيد، عن عروة بن الزبير في جيدها حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن يزيد، عن عروة بن الزبير في جيدها حبل من مسد قال: سلسلة ذرعها سبعون ذراعا. 29608 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبيه، عن الاعمش، عن مجاهد من مسد قال: من حديد. 29609 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان في جيدها حبل من مسد قال: حبل في عنقها في النار مثل طوق، طوله سبعون ذراعا. وقال آخرون: المسد: الحديد الذي يكون في البكرة. ذكر من قال ذلك: 29610 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد في جيدها حبل من مسد قال: الحديدة تكون في البكرة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد حبل من مسد قال: عود البكرة من حديد.
[ 445 ]
حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد حبل من مسد قال: الحديدة للبكرة. 29611 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ثنا المعمر بن سليمان، قال: قال أبو المعتمر: زعم محمد أن عكرمة قال: في جيدها حبل من مسد إنه الحديدة التي في وسط البكرة. وقال آخرون: هو قلادة من ودع في عنقها. ذكر من قال ذلك: 29612 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في جيدها حبل من مسد قال: قلادة من ودع. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة حبل من مسد قال: قلادة من ودع. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: هو حبل جمع من أنواع مختلفة، ولذلك اختلف أهل التأويل في تأويله على النحو الذي ذكرنا، ومما يدل على صحة ما قلنا في ذلك قول الراجز: ومسد أمر من أيانق صهب عتاق ذات مخ زاهق فجعل إمراره من شتى، وكذلك المسد الذي في جيد امرأة أبي لهب، أمر من أشياء شتى، من ليف وحديد ولحاء، وجعل في عنقها طوقا كالقلادة من ودع ومنه قول الاعشى: تمسي فيصرف بابها من دوننا غلقا صريف محالة الامساد يعني بالامساد: جمع مسد، وهي الجبال. آخر تفسير سورة تبت
[ 446 ]
سورة الاخلاص مكية وآياتها أربع بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قل هو الله أحد ئ الله الصمد ئ لم يلد ولم يولد ئ ولم يكن له كفوا أحد) *. ذكر أن المشركين سألوا رسول الله (ص) عن نسب رب العزة، فأنزل الله هذا السورة جوابا لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا الله خلق الخلق، فمن خلق الله ؟ فأنزلت جوابا لهم. ذكر من قال: أنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسب لهم الرب تبارك وتعالى. 29613 - حدثنا أحمد بن منيع المروزي ومحمود بن خداش الطالقاني، قالا: ثنا أبو سعيد الصنعاني، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب، قال: قال المشركون للنبي (ص): انسب لنا ربك، فأنزل الله: قل هو الله أحد الله الصمد. 29614 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن
[ 447 ]
يزيد، عن عكرمة، قال: إن المشركين قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أي شئ هو ؟ فأنزل الله: قل هو الله أحد إلى آخر السورة. 29615 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قل هو الله أحد الله الصمد قال: قال ذلك قادة الاحزاب: انسب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه. 29616 - حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا شريح، قال: ثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر قال: قال المشركون: انسب لنا ربك، فأنزل الله قل هو الله أحد. ذكر من قال: نزل ذلك من أجل مسألة اليهود: 29617 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن محمد، عن سعيد، قال: أتى رهط من اليهود النبي (ص)، فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق، فمن خلقه ؟ فغضب النبي (ص) حتى انتقع لونه ثم ساورهم غضبا لربه، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه. قال: يقول الله: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فلما تلا عليهم النبي (ص)، قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه، وكيف عضده، وكيف ذراعه، فغضب النبي (ص) أشد من غضبه الاول، وساورهم غضبا، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه: وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون. 29618 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي (ص)، فقالوا: انسب لنا ربك، فنزلت: قل هو الله أحد حتى ختم السورة. فتأويل الكلام إذا كان الامر على ما وصفنا: قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته، ومن خلقه: الرب الذي سألتموني عنه، هو الله الذي له عبادة كل شئ، لا تنبغي العبادة إلا له، ولا تصلح لشئ سواه. واختلف أهل العربية في الرافع أحد فقال بعضهم: الرافع له الله، وهو
[ 448 ]
عمادا، بمنزلة الهاء في قوله: إنه أنا الله العزيز الحكيم. وقال آخر منهم: بل هو مرفوع، وإن كان نكرة بالاستئناف، كقوله: هذا بعلي شيخ، وقال: هو الله جواب لكلام قوم قالوا له: ما الذي تعبد ؟ فقال: هو الله، ثم قيل له: فما هو ؟ قال: هو أحد. وقال آخرون أحد بمعنى: واحد، وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به، حتى يكون قبله حرف من حروف الشك، كظن وأخواتها، وكان وذواتها، أو إن وما أشبهها، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار أحد الله الصمد بتنوين أحد، سوى نصر بن عاصم، وعبد الله بن أبي إسحاق، فإنه روي عنهما ترك التنوين: أحد الله وكأن من قرأ ذلك كذلك، قال: نون الاعراب إذا استقبلتها الالف واللام أو ساكن من الحروف حذفت أحيانا، كما قال الشاعر: كيف نومي على الفراش ولما تشمل الشام غارة شعواء تذهل الشيخ عن بنيه وتبدي عن خدام العقيلة العذراء يريد: عن خدام العقيلة. والصواب في ذلك عندنا: التنوين، لمعنيين: أحدهما أفصح اللغتين، وأشهر الكلامين، وأجودهما عند العرب. والثاني: إجماع الحجة من قراء الامصار على اختيار التنوين فيه، ففي ذلك مكتفى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وقد بينا معنى قوله أحد فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: الله الصمد يقول تعالى ذكره: المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له الصمد. واختلف أهل التأويل في معنى الصمد، فقال بعضهم: هو الذي ليس بأجوف، ولا يأكل ولا يشرب. ذكر من قال ذلك:
[ 449 ]
حدثنا عبد الرحمن بن الاسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، قال: الصمد: الذي ليس بأجوف. 29620 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الصمد: المصمت الذي لا جوف له. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله سواء. حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الصمد: المصمت الذي ليس له جوف. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ووكيع، قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الصمد: الذي لا جوف له. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعا، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. 29621 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا الربيع بن مسلم، عن الحسن، قال: الصمد: الذي لا جوف له. 29622 - قال: ثنا الربيع بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، قال: أرسلني مجاهد إلى سعيد بن جبير أسأله عن الصمد، فقال: الذي لا جوف له. 29623 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، قال: الصمد الذي لا يطعم الطعام. حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أنه قال: الصمد: الذي لا يأكل الطعام، ولا يشرب الشراب. 29624 - حدثنا أبو كريب وابن بشار، قالا: ثنا وكيع، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: الصمد: الذي لا جوف له. 29625 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن إسماعيل، عن عامر، قال: الصمد: الذي لا يأكل الطعام.
[ 450 ]
29626 - حدثنا ابن بشار وزيد بن أخزم، قالا: ثنا ابن داود، عن المستقيم بن عبد الملك، عن سعيد بن المسيب قال: الصمد: الذي لا حشوة له. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الصمد: الذي لا جوف له. 29627 - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا محمد بن رومي، عن عبيد الله بن سعيد قائد الاعمش، قال: ثني صالح بن حيان، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: لا أعلمه إلا قد رفعه، قال: الصمد الذي لا جوف له. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا بشر بن المفضل، عن الربيع بن مسلم، قال: سمعت الحسن يقول: الصمد: الذي لا جوف له. 29628 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عكرمة، قال: الصمد: الذي لا جوف له. وقال آخرون: هو الذي لا يخرج منه شئ. ذكر من قال ذلك: 29629 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سمعت عكرمة، قال في قوله: الصمد: الذي لم يخرج منه شئ، ولم يلد، ولم يولد. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي رجاء محمد بن يوسف، عن عكرمة قال: الصمد: الذي لا يخرج منه شئ. وقال آخرون: هو الذي لم يلد ولم يولد. ذكر من قال ذلك: 29630 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: الصمد: الذي لم يلد ولم يولد، لانه ليس شئ يلد إلا سيورث، ولا شئ يولد إلا سيموت، فأخبرهم تعالى ذكره أنه لا يورث ولا يموت. 29631 - حدثنا أحمد بن منيع ومحمود بن خداش قالا: ثنا أبو سعيد الصنعاني، قال: قال المشركون للنبي (ص): أنسب لنا ربك، فأنزل الله: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد لانه ليس شئ يولد إلا سيموت، وليس شئ يموت إلا سيورث، وإن الله جل ثناؤه لا يموت ولا يورث ولم يكن له كفوا أحد: ولم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شئ.
[ 451 ]
29632 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب: الصمد: الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. وقال آخرون: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده. ذكر من قال ذلك: 29633 - حدثني أبو السائب، قال: ثني أبو معاوية، عن الاعمش، عن شقيق، قال: الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سؤدده. 29634 - حدثنا أبو كريب وابن بشار وابن عبد الاعلى، قالوا: ثنا وكيع، عن الاعمش، عن أبي وائل، قال: الصمد: السيد الذي قد انتهى سؤدده ولم يقل أبو كريب وابن عبد الاعلى سؤدده. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن أبي وائل مثله. 29635 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: الصمد يقول: السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته، لا تنبغي إلا له. وقال آخرون: بل هو الباقي الذي لا يفنى. ذكر من قال ذلك: 29636 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد قال: كان الحسن وقتادة يقولان: الباقي بعد خلقه، قال: هذه سورة خالصة، ليس فيها ذكر شئ من أمر الدنيا والآخرة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الصمد: الدائم. قال أبو جعفر: الصمد عند العرب: هو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه، وكذلك تسمي أشرافها ومنه قول الشاعر: ألا بكر الناعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
[ 452 ]
وقال الزبرقان: ولا رهينة إلا سيد صمدأ فإذا كان ذلك كذلك، فالذي هو أولى بتأويل الكلمة، المعنى المعروف من كلام من نزل القرآن بلسانه ولو كان حديث ابن بريدة، عن أبيه صحيحا، كان أولى الاقوال بالصحة، لان رسول الله (ص) أعلم بما عنى الله جل ثناؤه، وبما أنزل عليه. وقوله: لم يلد يقول: ليس بفان، لانه لا شئ يلد إلا هو فان بائد ولم يولد يقول: وليس بمحدث لم يكن فكان، لان كل مولود فإنما وجد بعد أن لم يكن، وحدث بعد أن كان غير موجود، ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل، ودائم لم يبد، ولا يزول ولا يفني. وقوله: ولم يكن له كفوا أحد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: ولم يكن له شبيه ولا مثل. ذكر من قال ذلك: 29637 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قوله: ولم يكن له كفوا أحد: لم يكن له شبيه، ولا عدل، وليس كمثله شئ. 29638 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عمرو بن غيلان الثقفي، وكان أمير البصرة، عن كعب، قال: إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع، والارضين السبع، على هذه السورة لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه. 29639 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ولم يكن له كفوا أحد قال: ليس كمثله شئ، فسبحان الله الواحد القهار. 29640 - حدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن جريج ولم يكن له كفوا: مثل. وقال آخرون: معنى ذلك، أنه لم يكن له صاحبة. ذكر من قال ذلك: 29641 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن
[ 453 ]
عبد الملك بن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، قوله: ولم يكن له كفوا أحد قال: صاحبة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبجر، عن رجل عن مجاهد ولم يكن له كفوا أحد قال: صاحبة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الملك بن أبجر، عن طلحة بن مصرف، عن مجاهد ولم يكن له كفوا أحد قال: صاحبة. حدثنا أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن عبد الملك، عن طلحة، عن مجاهد، مثله. والكفؤ والكفئ والكفاء في كلام العرب واحد، وهو المثل والشبه ومنه قول نابغة بني ذبيان: لا تقذفني بركن لا كفاء له ولو تأثفك الاعداء بالرفد يعني: لا كفاء له: لا مثل له. واختلفت القراء في قراءة قوله: كفوا. فقرأ ذلك عامة قراء البصرة: كفوا بضم الكاف والفاء. وقرأه بعض قراء الكوفة بتسكين الفاء وهمزها كفئا. والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان، ولغتان مشهورتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. آخر تفسير سورة الاخلاص
[ 454 ]
سورة الفلق مكية وآياتها خمس بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أعوذ برب الفلق ئ من شر ما خلق ئ ومن شر غاسق إذا وقب ئ ومن شر النفاثات في العقد ئ ومن شر حاسد إذا حسد) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد: أستجير برب الفلق من شر ما خلق من الخلق. واختلف أهل التأويل في معنى الفلق، فقال بعضهم: هو سجن في جهنم يسمى هذا الاسم. ذكر من قال ذلك: 29642 - حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله، عمن حدثه عن ابن عباس قال: الفلق: سجن في جهنم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن رجل، عن ابن عباس، في قوله: الفلق: سجن في جهنم. 29643 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا العوام بن عبد الجبار الجولاني، قال: قدم رجل من أصحاب رسول الله (ص) الشأم، قال: فنظر إلى دور أهل الذمة، وما هم فيه من العيش والنضارة، وما وسع عليهم في دنياهم، قال: فقال: لا أبالك، أليس من ورائهم الفلق ؟ قال: قيل: وما الفلق ؟ قال: بيت في جهنم، إذ فتح هر أهل النار.
[ 455 ]
29644 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت السدي يقول: الفلق: جب في جهنم. حدثني علي بن حسن الازدي، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن السدي، مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، مثله. 29645 - حدثني إسحاق بن وهب الواسطي، قال: ثنا مسعود بن موسى بن مشكان الواسطي، قال: ثنا نصر بن خزيمة الخراساني، عن شعيب بن صفوان، عن محمد بن كعب القرظي، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: الفلق: جب في جهنم مغطى. 29646 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا نافع بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي أسيد، عن ابن عجلان، عن أبي عبيد، عن كعب، أنه دخل كنيسة فأعجبه حسنها، فقال: أحسن عمل وأضل قوم، رضيت لكم الفلق، قيل: وما الفلق ؟ قال: بيت في جهنم إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدة حره. وقال آخرون: هو اسم من أسماء جهنم. ذكر من قال ذلك: 29647 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت خيثم بن عبد الله يقول: سألت أبا عبد الرحمن الحبلي، عن الفلق، قال: هي جهنم. وقال آخرون: الفلق: الصبح. ذكر من قال ذلك: 29648 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه. عن ابن عباس: أعوذ برب الفلق قال: الفلق: الصبح. 29649 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في هذه الآية: قل أعوذ برب الفلق قال: الفلق: الصبح. 29650 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، قال: الفلق الصبح. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران جميعا، عن سفيان، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، مثله.
[ 456 ]
حدثني علي بن الحسن الازدي، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير، مثله. 29651 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر، قال: الفلق: الصبح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا الحسن بن صالح، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، مثله. 29652 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا أبو صخر، عن القرظي، أنه كان يقول في هذه الآية: قل أعوذ برب الفلق يقول: فالق الحب والنوى، قال: فالق الاصباح. 29653 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: قل أعوذ برب الفلق قال: الصبح. 29654 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل أعوذ برب الفلق قال: الفلق: فلق النهار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الفلق: فلق الصبح. 29655 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: قل أعوذ برب الفلق قيل له: فلق الصبح، قال: نعم، وقرأ: فالق الاصباح وجاعل الليل سكنا. وقال آخرون: الفلق: الخلق، ومعنى الكلام: قل أعوذ برب الخلق. ذكر من قال ذلك: 29656 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: الفلق: يعني الخلق.
[ 457 ]
والصواب من القول في ذلك، أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر نبيه محمدا (ص) أن يقول: أعوذ برب الفلق والفلق في كلام العرب: فلق الصبح، تقول العرب: هو أبين من فلق الصبح، ومن فرق الصبح. وجائز أن يكون في جهنم سجن اسمه فلق. وإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن جل ثناؤه وضع دلالة على أنه عني بقوله برب الفلق بعض ما يدعى الفلق دون بعض، وكان الله تعالى ذكره رب كل ما خلق من شئ، وجب أن يكون معنيا به كل ما اسمه الفلق، إذ كان رب جميع ذلك. وقال جل ثناؤه: من شر ما خلق لانه أمر نبيه أن يستعيذ من شر كل شئ، إذ كان كل ما سواه، فهو ما خلق. وقوله: ومن شر غاسق إذا وقب يقول: ومن شر مظلم إذا دخل، وهجم علينا بظلامه. ثم اختلف أهل التأويل في المظلم الذي عني في هذه الآية، وأمر رسول الله (ص) بالاستعاذة منه، فقال بعضهم: هو الليل إذا أظلم. ذكر من قال ذلك: 29657 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ومن شر غاسق إذا وقب قال: الليل. 29658 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، قال: أنبأنا عوف، عن الحسن، في قوله: ومن شر غاسق إذا وقب قال: أول الليل إذا أظلم. 29659 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا أبو صخر، عن القرظي أنه كان يقول في: غاسق أذا وقب يقول: النهار إذا دخل في الليل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب ومن شر غاسق إذا وقب قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وقب. 29660 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غاسق قال: الليل إذا وقب قال: إذا دخل. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ومن شر غاسق إذا وقب قال: الليل إذا أقبل.
[ 458 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن ومن شر غاسق إذا وقب قال: إذا جاء. 29661 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله إذا وقب يقول: إذا أقبل. وقال بعضهم: هو النهار إذا دخل في الليل، وقد ذكرناه قبل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل المدينة، عن محمد بن كعب القرظي ومن شر غاسق إذا وقب قال: هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وجب. وقال آخرون: هو كوكب. وكان بعضهم يقول: ذلك الكوكب هو الثريا. ذكر من قال ذلك: 29662 - حدثنا مجاهد بن موسى، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا سليمان بن حبان، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة في قوله: ومن شر غاسق إذا وقب قال: كوكب. 29663 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن شر غاسق إذا وقب قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا، وكانت الاسقام والطواعين تكثر عند وقوعها، وترتفع عند طلوعها. ولقائلي هذا القول علة من أثر عن النبي (ص)، وهو ما: 29664 - حدثنا به نصر بن علي، قال: ثنا بكار بن عبد الله بن أخي همام، قال: ثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) ومن شر غاسق إذا وقب قال: النجم الغاسق. وقال آخرون: بل الغاسق إذا وقب: القمر، ورووا بذلك عن النبي (ص) خبرا. 29665 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع وحدثنا ابن سفيان، قال: ثنا أبي ويزيد بن هارون به. 29666 - وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، عن خاله الحرث بن عبد الرحمن، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة قالت: أخذ النبي (ص) بيدي، ثم نظر إلى القمر، ثم قال:
[ 459 ]
يا عائشة تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب، وهذا غاسق إذا وقب، وهذا لفظ حديث أبي كريب وابن وكيع. وأما ابن حميد، فإنه قال في حديثه: قالت أخذ النبي (ص) بيدي، فقال: أتدرين أي شئ هذا ؟ تعوذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب. حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحرث بن عبد الرحمن، عن عائشة، عن النبي (ص) نظر إلى القمر. فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإن هذا الغاسق إذا وقب. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب، أن يقال: إن الله أمر نبيه (ص) أن يستعيذ من شر غاسق وهو الذي يظلم، يقال: قد غسق الليل يغسق غسوقا: إذا أظلم. إذا وقب يعني: إذا دخل في ظلامه والليل إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، ولم يخصص بعض ذلك بل عم الامر بذلك، فكل غاسق، فإنه (ص) كان يؤمر بالاستعاذة من شره إذا وقب. وكان قتادة يقول في معنى وقب: ذهب. 29667 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة غاسق إذا وقب قال: إذا ذهب. ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب: دخل. وقوله: ومن شر النفاثات في العقد يقول: ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط، حين يرقين عليها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 29668 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ومن شر النفاثات في العقد قال: ما خالط السحر من الرقى. 29669 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن ومن شر النفاثات في العقد قال: السواحر والسحرة. 29670 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: تلا قتادة: ومن شر النفاثات في العقد قال: إياكم وما خالط السحر من هذه الرقى. 29671 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: ما من شئ أقرب إلى الشرك من رقية المجانين.
[ 460 ]
29672 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول إذا جاز ومن شر النفاثات في العقد قال: إياكم وما خالط السحر. 29673 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد وعكرمة النفاثات في العقد قال: قال مجاهد: الرقى في عقد الخيط وقال عكرمة: الاخذ في عقد الخيط. 29674 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن شر النفاثات في العقد قال: النفاثات: السواحر في العقد. وقوله: ومن شر حاسد إذا حسد: اختلف أهل التأويل في الحاسد الذي أمر النبي (ص) أن يستعيذ من شر حسده به، فقال بعضهم: ذلك كل حاسد أمر النبي (ص) أن يستعيد من شر عينه ونفسه. ذكر من قال ذلك: 29675 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ومن شر حاسد إذا حسد قال: من شر عينه ونفسه، وعن عطاء الخراساني مثل ذلك. قال معمر: وسمعت ابن طاوس يحدث عن أبيه، قال: العين حق، ولو كا 2 شئ سابق القدر، سبقته العين، وإذا استغسل أحدكم فليغتسل. وقال آخرون: بل أمر النبي (ص) بهده الآية أن يستعيذ من شر اليهود الذين حسدوه. ذكر من قال ذلك: 29676 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن شر حاسد إذا حسد قال: يهود، لم يمنعم أن يؤمنوا به إلا حسدهم. وأولى القولين بالصواب في ذلك، قول من قال: أمر النبي (ص) أن يستعيذ من شر كل حاسد إذا حسد، فعابه أو سحره، أو بغاه سوءا. وإنما قلنا: ذلك أولى بالصواب، لان الله عز وجل لم يخصص من قوله ومن شر حاسد إذا حسد حاسدا دون حاسد، بل عم أمره إياه بالاستعاذة من شر كل حاسد، فذلك على عمومه. آخر تفسير سورة الفلق
[ 461 ]
سورة الناس مكية وآياتها ست بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قل أعوذ برب الناس ئ ملك الناس ئ إله الناس ئ من شر الوسواس الخناس ئ الذى يوسوس في صدور الناس ئ من الجنة والناس) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد أستجير برب الناس ملك الناس وهو ملك جميع الخلق: إنسهم وجنهم، وغير ذلك، إعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم، أنه ملك من يعظمه، وأن ذلك في ملكه وسلطانه، تجري عليه قدرته، وأنه أولى بالتعظيم، وأحق بالتعبد له ممن يعظمه، ويتعبد له، من غيره من الناس. وقوله: إله الناس يقول: معبود الناس، الذي له العبادة دون كل شئ سواه. وقوله: من شر الوسواس يعني: من شر الشيطان الخناس الذي يخنس مرة ويوسوس أخرى، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد ربه. ذكر من قال ذلك: 29677 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن عيسى، عن سفيان، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما من مولود إلا على قلبه الوسواس، فإذا عقل فذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس، قال: فذلك قوله: الوسواس الخناس. 29678 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سفيان، عن ابن عباس، في قوله الوسواس الخناس قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس.
[ 462 ]
29679 - قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد الوسواس الخناس قال: ينبسط، فإذا ذكر الله خنس وانقبض، فإذا غفل انبسط. 29680 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله الوسواس الخناس قال: الشيطان يكون على قلب الانسان، فإذا ذكر الله خنس. 29681 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الوسواس قال: قال هو الشيطان، وهو الخناس أيضا، إذا ذكر العبد ربه خنس، وهو يوسوس ويخنس. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من شر الوسواس الخناس يعني: الشيطان، يوسوس في صدر ابن آدم، ويخنس إذا ذكر الله. 29682 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن أبيه، ذكر لي أن الشيطان، أو قال الوسواس، ينفث في قلب الانسان عند الحزن وعند الفرح، وإذا ذكر الله خنس. 29683 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الخناس قال: الخناس الذي يوسوس مرة، ويخنس مرة من الجن والانس، وكان يقال: شيطان الانس أشد على الناس من شيطان الجن، شيطان الجن يوسوس ولا تراه، وهذا يعاينك معاينة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك من شر الوسواس الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس، حتى يستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته، فإذا استجيب له إلى ذلك خنس. ذكر من قال ذلك: 29684 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، شيطان الانس أشد على الناس من شيطان الجن، شيطان الجن يوسوس ولا تراه، وهذا يعاينك معاينة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه كان يقول في ذلك من شر الوسواس الذي يوسوس بالدعاء إلى طاعته في صدور الناس، حتى يستجاب له إلى ما دعا إليه من طاعته، فإذا استجيب له إلى ذلك خنس. ذكر من قال ذلك: 29684 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله الوسواس قال: هو الشيطان يأمره، فإذا أطيع خنس. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله أمر نبيه محمدا (ص) أن يستعيذ به من شر شيطان يوسوس مرة ويخنس أخرى، ولم يخص وسوسته على نوع من أنواعها، ولا خنوسه على وجه دون وجه، وقد يوسوس الدعاء إلى معصية الله، فإذا أطيع فيها خنس، وقد يوسوس بالنهي عن طاعة الله فإذا ذكر العبد أمر به، فأطاعه فيه، وعصى الشيطان خنس، فهو في كل حالتيه وسواس خناس، وهذه الصفة صفته.
[ 463 ]
وقوله: الذي يوسوس في صدور الناس يعني بذلك: الشيطان الوسواس، الذي يوسوس في صدور الناس: جنهم وإنسهم. فإن قال قائل: فالجن ناس، فيقال: الذي يوسوس في صدور الناس: من الجنة والناس. قيل: قد سماهم الله في هذا الموضع ناسا، كما سماهم في موضع آخر رجالا، فقال: وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن، فجعل الجن رجالا، وكذلك جعل منهم ناسا. وقد ذكر عن بعض العرب أنه قال وهو يحدث، إذ جاء قوم من الجن فوقفوا، فقيل: من أنتم ؟ فقالوا: ناس من الجن، فجعل منهم ناسا، فكذلك ما في التنزيل من ذلك. آخر كتاب التفسير، والحمد لله العلي الكبير