جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 27
[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه قدم له ضبط وتوثيق وتخريج صدفي جميل العطار الجزء السابع والعشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم ئ قال فما خطبكم أيها المرسلون ئ قالوا إنآ أرسلنا إلى قوم مجرمين) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل ضيف إبراهيم لزوجته إذ قالت لهم، وقد بشروها بغلام عليم: أتلد عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك يقول: هكذا قال ربك: أي كما أخبرناك وقلنا لك: إنه هو الحكيم العليم والهاء في قوله: إنه من ذكر الرب، هو الحكيم في تدبيره خلقه، العليم بمصالحهم، وبما كان، وبما هو كائن. وقوله: قال فما خطبكم أيها المرسلون يقول: قال إبراهيم لضيفه: فما شأنكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين قد أجرموا لكفرهم بالله. القول في تأويل قوله تعالى: * (لنرسل عليهم حجارة من طين ئ مسومة عند ربك للمسرفين ئ فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين) *. لنرسل عليهم حجارة من طين يقول: لنمطر عليهم من السماء حجارة من طين مسومة يعني: معلمة. كما: 24935 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: مسومة عند ربك للمسرفين قال: المسومة: الحجارة المختومة، يكون الحجر أبيض فيه نقطة سوداء، أو يكون الحجر أسود فيه نقطة بيضاء، فذلك تسويمها عند ربك يا إبراهيم للمسرفين، يعني للمتعدين حدود الله، الكافرين به من قوم لوط فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين يقول تعالى ذكره: فأخرجنا من كان في قرية
[ 4 ]
سدوم، قرية قوم لوط من أهل الايمان بالله وهم لوط وابنتاه، وكنى عن القرية بقوله: من كان فيها ولم يجر لها ذلك قبل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ئ وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم) *. يقول تعالى ذكره: فما وجدنا في تلك القرية التي أخرجنا منها من كان فيها من المؤمنين غير بيت من المسلمين، وهو بيت لوط. 24936 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين قال: لو كان فيها أكثر من ذلك لانجاهم الله، ليعلموا أن الايمان عند الله محفوظ لا ضيعة على أهله. 24937 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين قال: هؤلاء قوم لوط لم يجدوا فيها غير لوط. 24938 - حدثني ابن عوف، قال: ثنا المعتمر، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا أبو المثنى ومسلم أبو الحيل الاشجعي قال الله: فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين لوطا وابنتيه، قال: فحل بهم العذاب، قال الله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم. وقوله: وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الاليم يقول: وتركنا في هذه القرية التي أخرجنا من كان فيها من المؤمنين آية، وقال جل ثناؤه: وتركنا فيها آية والمعنى: وتركناها آية لانها التي ائتفكت بأهلها، فهي الآية، وذلك كقول القائل: ترى في هذا الشئ عبرة وآية ومعناها: هذا الشئ آية وعبرة، كما قال جل ثناؤه لقد كان في يوسف وآخوته آيات للسائلين وهم كانوا الآيات وفعلهم، ويعني بالآية: العظة والعبرة، للذين يخافون عذاب الله الاليم في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين ئ فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون) *.
[ 5 ]
يقول تعالى ذكره وفي موسى بن عمران إذ أرسلناه إلى فرعون بحجة تبين لمن رآها أنها حجة لموسى على حقيقة ما يقول ويدعو إليه. كما: 24939 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إلى فرعون بسلطان مبين يقول: بعذر مبين. وقوله: فتولى بركنه يقول: فأدبر فرعون كما أرسلنا إليه موسى بقومه من جنده وأصحابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظ قائليه فيه. ذكر من قال ذلك: 24940 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فتولى بركنه يقول لقومه، أو بقومه، أنا أشك. 24941 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فتولى بركنه قال: بعضده وأصحابه. 24942 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: فتولي بركنه غلب عدو الله على قومه. 24943 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تبارك وتعالى فتولى بركنه قال: بجموعه التي معه، وقرأ لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد قال: إلى قوة من الناس إلى ركن أجاهدكم به قال: وفرعون وجنوده ومن معه ركنه قال: وما كان مع لوط مؤمن واحد قال: وعرض عليهم أن ينكحهم بناته رجاء أن يكون له منهم عضد يعينه، أو يدفع عنه، وقرأ هؤلاء بناتي هن أطهر لكم قال: يريد النكاح، فأبوا عليه، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد أصل الركن: الجانب والناحية التي يعتمد عليها ويقوى بها. وقوله: وقال ساحر أو مجنون يقول: وقال لموسى: هو ساحر يسحر عيون الناس، أو مجنون، به جنة. وكان معمر بن المثنى يقول: أو في هذا الموضع بمعنى الواو التي للموالاة، لانهم قد قالوهما جميعا له، وأنشد في ذلك بيت جرير الخطفي:
[ 6 ]
أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت بهم طهية والخشابا القول في تأويل قوله تعالى: * (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم) *. يقول تعالى ذكره: فأخذنا فرعون وجنوده بالغضب منا والاسف فنبذناهم في اليم يقول فألقيناهم في البحر، فغرقناهم فيه وهو مليم يقول: وفرعون مليم، والمليم: هو الذي قد أتى ملايلام عليه من الفعل. وكان قتادة يقول في ذلك ما: 24944 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وهو مليم: أي مليم في نعمة الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وهو مليم قال: مليم في عباد الله. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله فأخذناه وجنوده فنبذناه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ئ ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم) *. يقول تعالى ذكره: وفي عاد أيضا، وما فعلنا بهم لهم آية وعبرة إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم يعني بالريح العقيم: التي لا تلقح الشجر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 7 ]
24945 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الريح العقيم: الريح الشديدة التي لا تلقح شيئا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الريح العقيم قال: لا تلقح الشجر، ولا تثير السحاب. 24946 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، هذا الريح العقيم، قال: ليس فيها رحمة ولا نبات، ولا تلقح نباتا. 24947 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا سليمان أبو داود، قال: أخبرنا شعبة، عن شاس، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الريح العقيم قال: لا تلقح. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا شيخ من أهل خراسان من الازد، ويكنى أبا ساسان، قال: سألت الضحاك بن مزاحم، عن قوله: الريح العقيم قال: الريح التي ليس فيها بركة ولا تلقح الشجر. 24948 - حدثنا محمد بن عبد الله الهلالي، قال: ثنا أبو علي الحنفي، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن الحارث بن عبد الرحمن، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: الريح العقيم الجنوب. حدثنا أحمد بن الفرج، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن خاله الحارث بن عبد الرحمن يقول: العقيم: يعني: الجنوب. 24949 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم إن من الريح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة يثير الله تبارك وتعالى بها السحاب، وينزل بها الغيث. وذكر لنا أن رسول الله (ص) كان يقول: نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور.
[ 8 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن ابن عباس، بمثله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: الريح العقيم قال: الريح التي لا تنبت. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الريح العقيم: التي لا تلقح شيئا. 24951 - حدثني ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال الريح العقيم: التي لا تنبت شيئا. 24952 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم قال: إن الله تبارك وتعالى يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته، فيحيي به الاصل والشجر، وهذه لا تلقح ولا تحيى، هي عقيم ليس فيها من الخير شئ، إنما هي عذاب لا تلقح شيئا، وهذا تلقح، وقرأ وأرسلنا الرياح لواقح. وقوله: ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم والرميم في كلام العرب: ما يبس من نبات الارض وديس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه: 24953 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم قال: كالشئ الهالك. 24954 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: كالرميم قال: كالشئ الهالك. 24955 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كالرميم: رميم الشجر. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إلا جعلته كالرميم قال: كرميم الشجر. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 9 ]
* (وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين ئ فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون) *. يقول تعالى ذكره: وفي ثمود أيضا لهم عبرة ومتعظ، إذ قال لهم ربهم، يقول: فتكبروا عن أمر ربهم وعلوا استكبارا عن طاعة الله. كما: 24956 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فعتوا قال: علوا. 24957 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فعتوا عن أمر ربهم قال: العاتي: العاصي التارك لامر الله. وقوله: فأخذتهم الصاعقة يقول تعالى ذكره: فأخذتهم صاعقة العذاب فجأة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24958 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون وهم ينتظرون، وذلك أن ثمود وعدت العذاب قبل نزوله بهم بثلاثة أيام وجعل لنزوله عليهم علامات في تلك الثلاثة، فظهرت العلامات التي جعلت لهم الدالة على نزولها في تلك الايام، فأصبحوا في اليوم الرابع موقنين بأن العذاب بهم نازل، ينتظرون حلوله بهم. وقرات قراء الامصار خلا الكسائي فأخذتهم الصاعقة بالالف. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ ذلك فأخذتهم الصعقة بغير ألف. 24959 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن السدي، عن عمرو بن ميمون الاودي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأ فأخذتهم الصعقة، وكذلك قرأ الكسائي: وبالالف نقرأ الصاعقة لاجماع الحجة من القراء عليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين ئ وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين) *.
[ 10 ]
يقول تعالى ذكره: فما استطاعوا من دفاع لما نزل بهم من عذاب الله، ولا قدروا على نهوض به. كما: 24960 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فما استطاعوا من قيام يقول: ما استطاع القوم نهوضا لعقوبة الله تبارك وتعالى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فما استطاعوا من قيام قال: من نهوض. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى قوله: فما استطاعوا من قيام: فما قاموا بها، قال: لو كانت فما استطاعوا من إقامة، لكان صوابا، وطرح الالف منها كقوله: أنبتكم من الارض نباتا. وقوله: وما كانوا منتصرين يقول: وما كانوا قادرين على أن يستقيدوا ممن أحل بهم العقوبة التي حلت بهم. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما: 24961 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما كانوا منتصرين قال: ما كانت عندهم من قوة يمتنعون بها من الله عز وجل. وقوله: وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين اختلفت القراء في قراءة قوله: وقوم نوح نصبا. ولنصب ذلك وجوه: أحدها: أن يكون القوم عطفا على الهاء والميم في قوله: فأخذتهم الصاعقة إذ كان كل عذاب مهلك تسميه العرب صاعقة، فيكون معنى الكلام حينئذ: فأخذتهم الصاعقة وأخذت قوم نوح من قبل. والثاني: أن يكون منصوبا بمعنى الكلام، إذ كان فيما مضى من أخبار الامم قبل دلالة على المراد من الكلام، وأن معناه: أهلكنا هذه الامم، وأهلكنا قوم نوح من قبل. والثالث: أن يضمر له فعلا ناصبا، فيكون معنى الكلام: واذكر لهم قوم نوح، كما قال: وإبراهيم إذ قال لقومه ونحو ذلك، بمعنى أخبرهم واذكر لهم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة وقوم نوح
[ 11 ]
بخفض القوم على معنى: وفي قوم نوح عطفا بالقوم على موسى في قوله: وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان في قرأة الامصار، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وتأويل ذلك في قراءة من قرأه خفضا وفي قوم نوح لهم أيضا عبرة، إذ أهلكناهم من قبل ثمود لما كذبوا رسولنا نوحا إنهم كانوا قوما فاسقين يقول: إنهم كانوا مخالفين أمر الله، خارجين عن طاعته. القول في تأويل قوله تعالى: * (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ئ والارض فرشناها فنعم الماهدون) *. يقول تعالى ذكره: والسماء رفعناها سقفا بقوة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24962 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والسماء بنيناها بأيد يقول: بقوة. 24963 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بأيد قال: بقوة. 24964 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والسماء بنيناها بأيد: أي بقوة. 24965 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور أنه قال في هذه الآية: والسماء بنيناها بأيد قال: بقوة. 24966 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والسماء بنيناها بأيد قال: بقوة. 24967 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان والسماء بنيناها بأيد قال: بقوة. وقوله: وإنا لموسعون يقول: لذو سعة بخلقها وخلق ما شئنا أن نخلقه وقدرة
[ 12 ]
عليه. ومنه قوله: على الموسع قدره وعن المقتر قدره يراد به القوي. وقال ابن زيد في ذلك ما: 24968 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإنا لموسعون قال: أوسعها جل جلاله. وقوله: والارض فرشناها يقول تعالى ذكره: والارض جعلناها فراشا للخلق فنعم الماهدون يقول: فنعم الماهدون لهم نحن. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) *. يقول تعالى ذكره: وخلقنا من كل شئ خلقنا زوجين، وترك خلقنا الاولى استغناء بدلالة الكلام عليها. واختلف في معنى خلقنا زوجين فقال بعضهم: عنى به: ومن كل شئ خلقنا نوعين مختلفين كالشقاء والسعادة والهدى والضلالة، ونحو ذلك. ذكر من قال ذلك: 24969 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا ابن جريج، قال: قال مجاهد، في قوله: ومن كل شئ خلقنا زوجين قال: الكفر والايمان، والشقاوة والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والارض، والانس والجن. 24970 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا إبراهيم بن أبي الوزير، قال: ثنا مروان بن معاوية الفزاري، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: ومن كل شئ خلقنا زوجين قال: الشمس والقمر. وقال آخرون: عنى بالزوجين: الذكر والانثى. ذكر من قال ذلك: 24971 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن كل شئ خلقنا زوجين قال: ذكرا وأنثى، ذاك الزوجان، وقرأ وأصلحنا له زوجه قال: امرأته. وأولى القولين في ذلك قول مجاهد، وهو أن الله تبارك وتعالى، خلق لكل ما خلق
[ 13 ]
من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه، فكل واحد منهما زوج للآخر، ولذلك قيل: خلقنا زوجين. وإنما نبه جل ثناؤه بذلك من قوله على قدرته على خلق ما يشاء خلقه من شئ، وأنه ليس كالاشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه، إذكل ما صفته فعل نوع واحد دون ما عداه كالنار التي شأنها التسخين، ولا تصلح للتبريد، وكالثلج الذي شأنه التبريد، ولا يصلح للتسخين، فلا يجوز أن يوصف بالكمال، وإنما كمال المدح للقادر على فعل كل ما شاء فعله من الاشياء المختلفة والمتفقة. وقوله: لعلكم تذكرون يقول: لتذكروا وتعتبروا بذلك، فتعلموا أيها المشركون بالله أن ربكم الذي يستوجب عليكم العبادة هو الذي يقدر على خلق الشئ وخلافه، وابتداع زوجين من كل شئ لا ما لا يقدر على ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ئ ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين) *. يقول تعالى ذكره: فاهربوا أيها الناس من عقاب الله إلى رحمته بالايمان به، واتباع أمره، والعمل بطاعته إني لكم منه نذير يقول: إني لكم من الله نذير أنذركم عقابه، وأخوفكم عذابه الذي أحله بهؤلاء الامم الذي قص عليكم قصصهم، والذي هو مذيقهم في الآخرة. وقوله: مبين يقول: يبين لكم نذارته. وقوله: ولا تجعلوا مع الله إلها آخر يقول جل ثناؤه: ولا تجعلوا أيها الناس مع معبودكم الذي خلقكم معبودا آخر سواه، فإنه لا معبود تصلح له العبادة غيره إني لكم منه نذير مبين يقول: إني لكم أيها الناس نذير من عقابه على عبادتكم إلها غيره، مبين قد أبان لكم النذارة. القول في تأويل قوله تعالى: * (كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ئ أتواصوا به بل هم قوم طاغون) *. يقول تعالى ذكره: كما كذبت قريش نبيها محمدا (ص)، وقالت: هو شاعر، أو ساحر أو مجنون، كذلك فعلت الامم المكذبة رسلها، الذين أحل الله بهم نقمته، كقوم نوح وعاد
[ 14 ]
وثمود، وفرعون وقومه، ما أتى هؤلاء القوم الذين ذكرناهم من قبلهم، يعني من قبل قريش قوم محمد (ص) من رسول إلا قالوا: ساحر أو مجنون، كما قالت قريش لمحمد (ص). وقوله: أتواصوا به بل هم قوم طاغون يقول تعالى ذكره: أأوصى هؤلاء المكذبين من قريش محمدا (ص) على ما جاءهم به من الحق أوائلهم وآباؤهم الماضون من قبلهم، بتكذيب محمد (ص)، فقبلوا ذلك عنهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24972 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أتواصوا به بل هم قوم طاغون قال: أوصى أولاهم أخراهم بالتكذيب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أتواصوا به: أي كان الاول قد أوصى الآخر بالتكذيب. وقوله: بل هم قوم طاغون يقول تعالى ذكره: ما أوصى هؤلاء المشركون آخرهم بذلك، ولكنهم قوم متعدون طغاة عن أمر ربهم، لا يأتمرون لامره، ولا ينتهون عما نهاهم عنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (فتول عنهم فما أنت بملوم ئ وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص)، فتول يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله من قريش، يقول: فأعرض عنهم حتى يأتيك فيهم أمر الله، يقال: ولى فلان عن فلان: إذا أعرض عنه وتركه، كما قال حصين بن ضمضم: أما بنو عبس فإن هجينهم ولى فوارسه وأفلت أعوز والاعوز في هذا الوضع: الذي عور فلم تقض حاجته، ولم يصب ما طلب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 15 ]
24973 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد فتول عنهم قال: فأعرض عنهم. وقوله: فما أنت بملوم يقول جل ثناؤه: فما أنت يا محمد بملوم، لا يلومك ربك على تفريط كان منك في الانذار، فقد أنذرت، وبلغت ما أرسلت به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24974 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فتول عنهم فما أنت بملوم قال: محمد (ص). 24975 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فتول عنهم فما أنت بملوم قال: قد بلغت ما أرسلناك به، فلست بملوم، قال: وكيف يلومه، وقد أدى ما أمر به. 24976 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فتول عنهم فما أنت بملوم ذكر لنا أنها لما نزلت هذه الآية، اشتد على أصحاب رسول الله (ص)، ورأوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. 24977 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن مجاهد، قال: خرج علي معتجرا ببرد، مشتملا بخميصة، فقال لما نزلت فتول عنهم فما أنت بملوم أحزننا ذلك وقلنا: أمر رسول الله (ص) أن يتولى عنا حتى نزل وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين. وقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين يقول: وعظ يا محمد من أرسلت إليه، فإن العظة تنفع أهل الايمان بالله. كما:
[ 16 ]
24978 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين قال: وعظهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون ئ مآ أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون فقال بعضهم: معنى ذلك: وما خلقت السعداء من الجن والانس إلا لعبادتي، والاشقياء منهم لمعصيتي. ذكر من قال ذلك: 24979 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون قال: ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم بنحوه. حدثني عبد الاعلى بن واصل، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن جريج، عن زيد بن أسلم، بمثله. حدثنا حميد بن الربيع الخراز، قال: ثنا ابن يمان، قال: ثنا ابن جريج، عن زيد بن أسلم، في قوله: وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون قال: جبلهم على الشقاء والسعادة. 24980 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون قال: من خلق للعبادة. وقال آخرون: بل معنى ذلك. وما خلقت الجن والانس إلا ليذعنوا لي بالعبودة. ذكر من قال ذلك: 24981 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون: إلا ليقروا بالعبودة طوعا وكرها.
[ 17 ]
وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرنا عن ابن عباس، وهو: ما خلقت الجن والانس إلا لعبادتنا، والتذلل لامرنا. فإن قال قائل: فكيف كفروا وقد خلقهم للتذلل لامره ؟ قيل: إنهم قد تذللوا لقضائه الذي قضاه عليهم، لان قضاءه جار عليهم، لا يقدرون من الامتناع منه إذا نزل بهم، وإنما خالفه من كفر به في العمل بما أمره به، فأما التذلل لقضائه فإنه غير ممتنع منه. وقوله: ما أريد منهم من رزق يقول تعالى ذكره: ما أريد ممن خلقت من الجن والانس من رزق يرزقونه خلقي وما أريد أن يطعمون يقول: وما أريد منهم من قوت أن يقوتوهم، ومن طعام أن يطعموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24982 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون قال: يطعمون أنفسهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ئ فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون) *. يقول تعالى ذكره: إن الله هو الرزاق خلقه، المتكفل بأقواتهم، ذو القوة المتين. اختلفت القراء في قراءة قوله: المتين، فقرأته عامة قراء الامصار خلا يحيى بن وثاب والاعمش: ذو القوة المتين رفعا، بمعنى: ذو القوة الشديد، فجعلوا المتين من نعت ذي، ووجهوه إلى وصف الله به. وقرأه يحيى والاعمش المتين خفضا، فجعلاه من نعت القوة، وإنما استجاز خفض ذلك من قرأه بالخفض، ويصيره من نعت القوة، والقوة مؤنثة، والمتين في لفظ مذكر، لانه ذهب بالقوة من قوي الحبل والشئ، المبرم: الفتل، فكأنه قال على هذا المذهب: ذو الحبل القوي. وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده:
[ 18 ]
لكل دهر قد لبست أثؤبامن ريطة واليمنة المعصبا فجعل المعصب نعت اليمنة، وهي مؤنثة في اللفظ، لان اليمنة ضرب وصنف من الثياب، فذهب بها إليه. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ذو القوة المتين رفعا على أنه من صفة الله جل ثناؤه، لاجماع الحجة من القراء عليه وأنه لو كان من نعت القوة لكان التأنيث به أولى، وإن كان للتذكير وجه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24983 - حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ذو القوة المتين يقول: الشديد. وقوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون يقول تعالى ذكره: فإن للذين أشركوا بالله من قريش وغيرهم ذنوبا، وهي الدلو العظيمة، وهو السجل أيضا إذا ملئت أو قاربت المل ء، وإنما أريد بالذنوب في هذا الموضع: الحظ والنصيب ومنه قول علقمة بن عبدة: وفي كل قوم قد خبطت بنعمة فحق لشأس من نداك ذنوب
[ 19 ]
أي نصيب، وأصله ما ذكرت ومنه قول الراجز: لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب ومعنى الكلام: فإن للذين ظلموا من عذاب الله نصيبا وحظا نازلا بهم، مثل نصيب أصحابهم الذين مضوا من قبلهم من الامم، على منهاجهم من العذاب، فلا يستعجلون به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24984 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا يقول: دلوا. 24985 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال: يقول للذين ظلموا عذابا مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون. 24986 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون: سجلا من العذاب.
[ 20 ]
24987 - قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا شهاب بن سريعة، عن الحسن، في قوله: ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال: دلوا مثل دلو أصحابهم. 24988 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ذنوبا قال: سجلا. 24989 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا: سجلا من عذاب الله. 24990 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثني محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال: عذابا مثل عذاب أصحابهم. 24991 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال: يقول ذنوبا من العذاب، قال: يقول لهم سجل من عذاب الله، وقد فعل هذا بأصحابهم من قبلهم، فلهم عذاب مثل عذاب أصحابهم فلا يستعجلون. 24992 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم قال: طرفا من العذاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) *. يقول تعالى ذكره: فالوادي السائل في جهنم من قيح وصديد للذين كفروا بالله وجحدوا وحدانيته من يومهم الذي يوعدون فيه نزول عذاب الله إذا نزل بهم ماذا يلقون فيه من البلاء والجهد. آخر تفسير سورة الذاريات
[ 21 ]
سورة الطور سورة الطور مكية وآياتها تسع وأربعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والطور ئ وكتاب مسطور ئ في رق منشور ئ والبيت المعمور ئ والسقف المرفوع ئ والبحر المسجور ئ إن عذاب ربك لواقع ئ ما له من دافع) *. يعني تعالى ذكره بقوله: والطور: والجبل الذي يدعى الطور. وقد بينت معنى الطور بشواهده، وذكرنا اختلاف المختلفين فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: 24993 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله تبارك وتعالى: والطور قال الجبل بالسريانية. وقوله: وكتاب مسطور يقول: وكتاب مكتوب ومنه قول رؤبة: إني وآيات سطرن سطرا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 22 ]
24994 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وكتاب مسطور قال: صحف. 24995 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وكتاب مسطور والمسطور: المكتوب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: مسطور قال: مكتوب. 24996 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مسطور قال: مكتوب. وقوله: في رق منشور يقول: في ورق منشور. وقوله: في من صلة مسطور، ومعنى الكلام: وكتاب سطر، وكتب في ورق منشور. 24997 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في رق منشور وهو الكتاب. 24998 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في رق قال: الرق: الصحيفة. وقوله: والبيت المعمور يقول: والبيت الذي يعمر بكثرة غاشيته وهو بيت فيما ذكر في السماء بحيال الكعبة من الارض، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ثم لا يعودون فيه أبدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 24999 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، رجل من قومه قال: قال نبي الله (ص): رفع إلي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل ما هذا ؟ قال: البيت المعمور، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم.
[ 23 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، عن النبي (ص)، بنحوه. 25000 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه: ما البيت المعمور ؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح، وهو بحيال الكعبة، من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الارض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد ابن عرعرة، قال: سمعت عليا رضي الله عنه، وخرج إلى الرحبة، فقال له ابن الكواء أو غيره: ما البيت المعمور ؟ قال: بيت في السماء السادسة يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبدا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن عاصم، عن علي بن ربيعة، قال: سأل ابن الكواء عليا، رضي الله عنه عن البيت المعمور، قال: مسجد في السماء يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، قال: سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور، قال: بيت بحيال البيت العتيق في السماء يدخله كل يوم سبعون ألف ملك على رسم راياتهم، يقال له الضراح، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يرجعون فيه أبدا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا بهرام، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه، قال: سأله رجل عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء يقال له الضريح قصد البيت، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون فيه. 25001 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والبيت المعمور قال: هو بيت حذاء العرش تعمره الملائكة، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه. 25002 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: ثنا
[ 24 ]
حسين، قال: سئل عكرمة وأنا جالس عنده عن البيت المعمور، قال: بيت في السماء بحيال الكعبة. 25003 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والبيت المعمور قال: بيت في السماء يقال له الضراح. 25004 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والبيت المعمور ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال يوما لاصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه مسجد في السماء تحته الكعبة لو خر لخر عليها، أو عليه، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم. 25005 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والبيت المعمور يزعمون أنه يروح إليه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس، يقال لهم الجن. 25006 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والبيت المعمور قال: بيت الله الذي في السماء. وقال: قال رسول الله (ص): إن بيت الله في السماء ليدخله كل يوم طلعت شمسه سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون فيه أبدا بعد ذلك. 25007 - حدثنا محمد بن مرزوق، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي (ص)، قال: البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا موسى بن إسماعيل، قال: ثنا سليمان عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): لما عرج بي الملك إلى السماء السابعة
[ 25 ]
انتهيت إلى بناء فقلت للملك: ما هذا ؟ قال: هذا بناء بناه الله للملائكة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، يقدسون الله ويسبحونه، لا يعودون فيه. وقوله: والسقف المرفوع يعني بالسقف في هذا الموضع: السماء، وجعلها سقفا، لانها سماء للارض، كسماء البيت الذي هو سقفه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25008 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه: ما السقف المرفوع ؟ قال: السماء. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سماك، عن خالد بن عرعرة، عن علي، قال: السقف المرفوع: السماء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن خالد بن عرعرة، عن علي رضي الله عنه قال: سأله رجل عن السقف المرفوع، فقال: السماء. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، قال: سمعت خالد بن عرعرة، قال: سمعت عليا يقول: والسقف المرفوع: هو السماء، قال: وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون. 25009 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد السقف المرفوع: قال: السماء. 25010 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والسقف المرفوع سقف السماء. 25011 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والسقف المرفوع: سقف السماء. وقوله: والبحر المسجور اختلف أهل التأويل في معنى البحر المسجور، فقال بعضهم: الموقد. وتأول ذلك: والبحر الموقد المحمي. ذكر من قال ذلك:
[ 26 ]
25012 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود، عن سعيد بن المسيب، قال: قال علي رضي الله عنه لرجل من اليهود: أين جهنم ؟ فقال: البحر، فقال: ما أراه إلا صادقا، والبحر المسجور وإذا البحار سجرت مخففة. 25013 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر بن عطية، في قوله: والبحر المسجور قال: بمنزلة التنور المسجور. 25014 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والبحر المسجور قال: الموقد. 25015 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والبحر المسجور قال: الموقد، وقرأ قول الله تعالى: وإذا البحار سجرت قال: أوقدت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإذا البحار ملئت، وقال: المسجور: المملوء. ذكر من قال ذلك: 25016 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والبحر المسجور الممتلئ. وقال آخرون: بل المسجور: الذي قد ذهب ماؤه. ذكر من قال ذلك: 25017 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: والبحر المسجور قال: سجره حين يذهب ماؤه ويفجر. وقال آخرون: المسجور: المحبوس. ذكر من قال ذلك: 25018 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والبحر المسجور يقول: المحبوس. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: والبحر المملوء
[ 27 ]
المجموع ماؤه بعضه في بعض، وذلك أن الاغلب من معاني السجر: الايقاد، كما يقال: سجرت التنور، بمعنى: أوقدت، أو الامتلاء على ما وصفت، كما قال لبيد: فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامها وكما قال النمر بن تولب العكلي: إذا شاء طالع مسجورة ترى حولها النبع والساسما سقتها رواعد من صيف وإن من خريف فلن يعد ما فإذا كان ذلك الاغلب من معاني السجر، وكان البحر غير موقد اليوم، وكان الله تعالى ذكره قد وصفه بأنه مسجور، فبطل عنه إحدى الصفتين، وهو الايقاد صحت الصفة الاخرى التي هي له اليوم، وهو الامتلاء، لانه كل وقت ممتلئ. وقيل: إن هذا البحر المسجور الذي أقسم به ربنا تبارك وتعالى بحر في السماء تحت العرش. ذكر من قال ذلك: 25019 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، عن علي والبحر المسجور قال: بحر في السماء تحت العرش. 25020 - قال: ثنا مهران، قال: وسمعته أنا من إسماعيل، قال: ثنا مهران عن
[ 28 ]
سفيان، عن ليث، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو والبحر المسجور قال: بحر تحت العرش. 25021 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: والبحر المسجور قال: بحر تحت العرش. وقوله: إن عذاب ربك لواقع يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): إن عذاب ربك لواقع يا محمد، لكائن حال بالكافرين به يوم القيامة. كما: 25022 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن عذاب ربك لواقع وقع القسم ها هنا إن عذاب ربك لواقع وذلك يوم القيامة. وقوله: ماله من دافع يقول: ما لذلك العذاب الواقع بالكافرين من دافع يدفعه عنهم، فينقذهم منه إذا وقع. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم تمور السماء مورا ئ وتسير الجبال سيرا) *. يقول تعالى ذكره: إن عذاب ربك لواقع يوم تمور السماء مورا فيوم من صلة واقع، ويعني بقوله: تمور: تدور وتكفأ. وكان معمر بن المثنى ينشد بيت الاعشى: كأن مشيتها من بيت جارتهامور السحابة لا ريث ولا عجل فالمور على روايته: التكفي والترهيل في المشية، وأما غيره فإنه كان يرويه مر السحابة. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك:
[ 29 ]
25023 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم تمور السماء مورا قال: يقول: تحريكا. 25024 - حدثنا ابن المثنى وعمرو بن مالك، قالا: حدثنا أبو معاوية الضرير، عن سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يوم تمور السماء مورا قال: تدور السماء دورا. حدثنا الحسن بن علي الصدائي، قال: ثنا إبراهيم بن بشار، قال: ثنا سفيان بن عيينة قال: أخبروني عن معاوية الضرير، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يوم تمور السماء مورا قال: تدور دورا. حدثنا هارون بن حاتم المقري، قال: ثنا سفيان بن عيينة، قال: ثني أبو معاوية، عني، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يوم تمور السماء مورا قال: تدور دورا. 25025 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم تمور السماء مورا مورها: تحريكها. 25026 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم تمور السماء مورا يعني: استدارتها وتحريكها لامر الله، وموج بعضها في بعض. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الضحاك يوم تمور السماء مورا قال: تموج بعضها في بعض، وتحريكها لامر الله. 25027 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يوم تمور السماء مورا قال: هذا يوم القيامة، وأما المور: فلا علم لنا به. وقال آخرون: مورها: تشققها. ذكر من قال ذلك: 25028 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم تمور السماء مورا قال: يوم تشقق السماء. وقوله: وتسير الجبال سيرا يقول: وتسير الجبال عن أماكنها من الارض سيرا، فتصير هباء منبثا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 30 ]
* (فويل يومئذ للمكذبين ئ الذين هم في خوض يلعبون ئ يوم يدعون إلى نار جهنم دعا ئ هذه النار التي كنتم بها تكذبون) *. يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم، يوم تمور السماء مورا، وذلك يوم القيامة للمكذبين بوقوع عذاب الله للكافرين، يوم تمور السماء مورا. وكان بعض نحويي البصرة يقول: أدخلت الفاء في قوله: فويل يومئذ لانه في معنى إذا كان كذا وكذا، فأشبه المجازاة، لان المجازاة يكون خبرها بالفاء. وقال بعض نحويي الكوفة: الاوقات تكون كلها جزاء مع الاستقبال، فهذا من ذاك، لانهم قد شبهوا إن وهي أصل الجزاء بحين، وقال: إن مع يوم إضمار فعل، وإن كان التأويل جزاء، لان الاعراب يأخذ ظاهر الكلام، وإن كان المعنى جزاء. وقوله: الذين هم في خوض يلعبون يقول: الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة. وقوله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا يقول تعالى ذكره: فويل للمكذبين يوم يدعون. وقوله: يوم يدعون ترجمة عن قوله: يومئذ وإبدال منه. وعنى بقوله: يدعون يدفعون بإرهاق وإزعاج، يقال منه: دععت في قفاه: إذا دفعت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25029 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا يقول: يدفعون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال: يدفعون فيها دفعا. 25030 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة يوم يدعون إلى نار جهنم دعا يقول: يدفعون إلى نار جهنم دفعا.
[ 31 ]
25031 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: يوم يدعون إلى نار جهنم قال: يدفعون. 25032 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال: يزعجون إليها إزعاجا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بنحوه. 25033 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا الدع: الدفع والارهاق. 25034 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: يوم يدعون إلى نار جهنم دعا قال: يدفعون دفعا، وقرأ قول الله تبارك وتعالى: فذلك الذي يدع اليتيم قال: يدفعه، ويغلظ عليه. وقوله: هذه النار التي كنتم بها تكذبون يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذبون، فتجحدون أن تردوها، وتصلوها، أو يعاقبكم بها ربكم، وترك ذكر يقال لهم، اجتزاء بدلالة الكلام عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ئ اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سوآء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عما يقول لهؤلاء المكذبين الذين وصف صفتهم إذا وردوا جهنم يوم القيامة: أفسحر أيها القوم هذا الذي وردتموه الآن أم أنتم لا تعاينونه ولا تبصرونه ؟ وقيل هذا لهم توبيخا لا استفهاما. وقوله: اصلوها يقول: ذوقوا حر هذه النار التي كنتم بها تكذبون، وردوها فاصبروا على ألمها وشدتها، أو لا تصبروا على ذلك، سواء عليكم صبرتم أو لم تصبروا إنما تجزون ما كنتم تعملون يقول: ما تجزون إلا أعمالكم: أي لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا ربكم وكفركم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 32 ]
* (إن المتقين في جنات ونعيم ئ فاكهين بمآ آتاهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في جنات: يقول في بساتين ونعيم فيها، وذلك في الآخرة. وقوله: فاكهين يقول: عندهم فاكهة كثيرة، وذلك نظير قول العرب للرجل يكون عنده تمر كثير: رجل تامر، أو يكون عنده لبن كثير، فيقال: هو لابن، كما قال الحطيئة: أغررتني وزعمت أنك لابن في الصيف تامر وقوله: بما آتاهم ربهم يقول: عندهم فاكهة كثيرة بإعطاء الله إياهم ذلك ووقاهم ربهم عذاب الجحيم يقول: ورفع عنهم ربهم عقابه الذي عذب به أهل الجحيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون ئ متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين) *. يقول تعالى ذكره: كلوا واشربوا، يقال لهؤلاء المتقين في الجنات: كلوا أيها القوم مما آتاكم ربكم، واشربوا من شرابها هنيئا، لا تخافون مما تأكلون وتشربون فيها أذى ولا غائلة بما كنتم تعملون في الدنيا لله من الاعمال. وقوله: متكئين على سرر مصفوفة قد جعلت صفوفا، وترك قوله: على نمارق، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
[ 33 ]
وقوله: وزوجناهم بحور عين يقول تعالى ذكره: وزوجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء، يقول الرجل: زوج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد، بمعنى: اجعلهما زوجا. وقد بينا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا، والحور: جمع حوراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة. وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك، وبينت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع، والعين: جمع عيناء، وهي العظيمة العين في حسن وسعة. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين) *. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم المؤمنين في الجنة، وإن كانوا لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم، تكرمة لآبائهم المؤمنين، وما ألتنا آباءهم المؤمنين من أجور أعمالهم من شئ. ذكر من قال ذلك: 25035 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في هذه الآية: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان فقال: إن الله تبارك وتعالى يرفع للمؤمن ذريته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقر الله بهم عينه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرية المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقر بهم عينه، ثم قرأ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عمرو بن مرة الجملي، عن
[ 34 ]
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته، ثم ذكر نحوه، غير أنه قرأ وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم. حدثني موسى بن بعد الرحمن المسروقي، قال: ثنا محمد بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، نحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أنه قال في هذه الآية والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان قال: المؤمن ترفع له ذريته، فيلحقون به، وإن كانوا دونه في العمل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم التي بلغت الايمان بإيمان، ألحقنا بهم ذرياتهم الصغار التي لم تبلغ الايمان، وما ألتنا الآباء من عملهم من شئ. ذكر من قال ذلك: 25036 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم يقول: الذين أدرك ذريتهم الايمان، فعملوا بطاعتي، ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة، وأولادهم الصغار نلحقهم بهم. 25037 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم يقول: من أدرك ذريته الايمان، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار أيضا على ذلك. وقال آخرون نحو هذا القول، غير أنهم جعلوا الهاء والميم في قوله: ألحقنا بهم من ذكر الذرية، والهاء والميم في قوله: ذريتهم الثانية من ذكر الذين. وقالوا: معنى الكلام: والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم الصغار، وما ألتنا الكبار من عملهم من شئ. ذكر من قال ذلك: 25038 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال: أدرك أبناؤهم الاعمال التي عملوا، فاتبعوهم عليها واتبعتهم ذرياتهم التي لم يدركوا الاعمال، فقال الله جل ثناؤه
[ 35 ]
وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شئ فننقصهم، فنعطيه ذرياتهم الذين ألحقناهم بهم، الذين لم يبلغوا الاعمال ألحقتهم بالذين قد بلغوا الاعمال. وقال آخرون: بل معنى ذلك والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم فأدخلناهم الجنة بعمل آبائهم، وما ألتنا الآباء من عملهم من شئ. ذكر من قال ذلك: 25039 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت داود يحدث عن عامر، أنه قال في هذه الآية والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ فأدخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة، ولم ينقص الله الآباء من عملهم شيئا، قال: فهو قوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ. 25040 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن داود، عن سعيد بن جبير أنه قال في قول الله: ألحقنا بهم ذرياتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: ألحق الله ذرياتهم بآبائهم، ولم ينقص الآباء من أعمالهم، فيرده على أبنائهم. وقال آخرون: إنما عنى بقوله: ألحقنا بهم ذريتهم: أعطيناهم من الثواب ما أعطينا الآباء. ذكر من قال ذلك: 25041 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، قال: سمعت إبراهيم في قوله: وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال: أعطوا مثل أجور آبائهم، ولم ينقص من أجورهم شيئا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال: أعطوا مثل أجورهم، ولم ينقص من أجورهم. 25042 - قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان يقول: أعطيناهم من الثواب ما أعطيناهم وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. 25043 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والذين
[ 36 ]
آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم كذلك قالها يزيد ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم قال: عملوا بطاعة الله فألحقهم الله بآبائهم. وأولى هذه الاقوال بالصواب وأشبهها بما دل عليه ظاهر التنزيل، القول الذي ذكرنا عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وهو: والذين آمنوا بالله ورسوله، وأتبعناهم ذرياتهم الذين أدركوا الايمان بإيمان، وآمنوا بالله ورسوله، ألحقنا بالذين آمنوا ذريتهم الذين أدركوا الايمان فآمنوا، في الجنة فجعلناهم معهم في درجاتهم، وإن قصرت أعمالهم عن أعمالهم تكرمة منا لآبائهم، وما ألتناهم من أجور عملهم شيئا. وإنما قلت: ذلك أولى التأويلات به، لان ذلك الاغلب من معانيه، وإن كان للاقوال الآخر وجوه. واختلفت القراء في قراءة قوله: وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة واتبعتهم ذريتهم على التوحيد بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم على الجمع، وقرأته قراء الكوفة واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم كلتيهما بإفراد. وقرأ بعض قراء البصرة وهو أبو عمرو وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم. والصواب من القول في ذلك أن جميع ذلك قراءات معروفات مستفيضات في قرأة الامصار، متقاربات المعاني، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول تعالى ذكره: وما ألتنا الآباء، يعني بقوله: وما ألتناهم: وما نقصناهم من أجور أعمالهم شيئا، فنأخذه منهم، فنجعله لابنائهم الذين ألحقناهم بهم، ولكنا وفيناهم أجور أعمالهم، وألحقنا أبناءهم بدرجاتهم، تفضلا منا عليهم. والالت في كلام العرب: النقص والبخس، وفيه لغة أخرى، ولم يقرأ بها أحد نعلمه، ومن الالت قول الشاعر: أبلغ بني ثعل عني مغلغلة جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا
[ 37 ]
يعني: لا نقصان ولا زيادة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25044 - حدثنا ابن بشار قال: ثنا مؤمل قال: ثنا سفيان، عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: ما نقصناهم. حدثني علي قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن ابن عباس قوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول: ما نقصناهم. وحدثني موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا موسى بن بشر، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن سماعة عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: وما نقصناهم. 25045 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: ما نقصنا الآباء للابناء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ما نقصنا الآباء للابناء، وما ألتناهم قال: وما نقصناهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: نقصناهم. 25046 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول: ما نقصنا آباءهم شيئا. قال ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، مثله. 25047 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي المعلى، عن سعيد بن جبير وما ألتناهم قال: وما ظلمناهم.
[ 38 ]
25048 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول: وما ظلمناهم من عملهم من شئ. حدثني محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وما ألتناهم من عملهم من شئ يقول: وما ظلمناهم. 25049 - وحدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وما ألتناهم يقول: وما ظلمناهم. 25050 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وما ألتناهم من عملهم قال: يقول: لم نظلمهم من عملهم من شئ: لم ننتقصهم فنعطيه ذرياتهم الذين ألحقناهم بهم لم يبلغوا الاعمال ألحقهم بالذين قد بلغوا الاعمال وما ألتناهم من عملهم من شئ قال: لم يأخذ عمل الكبار فيجزيه الصغار، وأدخلهم برحمته، والكبار عملوا فدخلوا بأعمالهم. وقوله: كل امرئ بما كسب رهين يقول: كل نفس بما كسبت وعملت من خير وشر مرتهنة لا يؤاخذ أحد منهم بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ئ يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم) *. يقول تعالى ذكره: وأمددنا هؤلاء الذين آمنوا بالله ورسوله، واتبعتهم ذريتهم بإيمان في الجنة، بفاكهة ولحم مما يشتهون من اللحمان. وقوله: يتنازعون فيها كأسا يقول: يتعاطون فيها كأس الشراب، ويتداولونها بينهم، كما قال الاخطل: نازعته طيب الراح الشمول وقد صاح الدجاج وحانت وقعة الساري
[ 39 ]
وقوله: لا لغو فيها يقول: لا باطل في الجنة، والهاء في قوله فيها من ذكر الكأس، ويكون المعنى لما فيها الشراب بمعنى: أن أهلها لا لغو عندهم فيها ولا تأثيم، واللغو: الباطل. وقوله: ولا تأثيم يقول: ولا فعل فيها يؤثم صاحبه. وقيل: عنى بالتأثيم: الكذب. ذكر من قال ذلك: 25051 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا لغو فيها يقول: لا باطل فيها. وقوله: ولا تأثيم يقول: لا كذب. 25052 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا لغو فيها قال: لا يستبون ولا تأثيم يقول: ولا يؤثمون. 25053 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم: أي لا لغو فيها ولا باطل، إنما كان الباطل في الدنيا مع الشيطان. وحدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم قال: ليس فيها لغو ولا باطل، إنما كان اللغو والباطل في الدنيا. واختلفت القراء في قراءة قوله: لا لغو فيها ولا تأثيم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة لا لغو فيها ولا تأثيم بالرفع والتنوين على وجه الخبر، على أنه ليس في الكأس لغو ولا تأثيم. وقرأه بعض قراء البصرة لا لغو فيها ولا تأثيم نصبا غير منون على وجه
[ 40 ]
التبرئة. والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان الرفع والتنوين أعجب القراءتين إلي لكثرة القرأة بها، وأنها أصح المعنيين. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون ئ وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) *. يقول تعالى ذكره: ويطوف على هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في الجنة غلمان لهم، كأنهم لؤلؤ في بياضه وصفائه مكنون، يعني: مصون في كن، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه. وإنما عنى بذلك أن هؤلاء الغلمان يطوفون على هؤلاء المؤمنين في الجنة بكؤوس الشراب التي وصف جل ثناؤه صفتها. وقد: 25054 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون ذكر لنا أن رجلا قال: يا نبي الله هذا الخادم، فكيف المخدوم ؟ قال: والذي نفس محمد بيده، إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب. وحدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: كأنهم لؤلؤ مكنون قال: بلغني أنه قيل: يا رسول الله هذا الخادم مثل اللؤلؤ، فكيف المخدوم ؟ قال: والذي نفسي بيده إن فضل ما بينهما كفضل القمر ليلة البدر على النجوم. وقوله: وأقبل بعضهم على بعض... الآية، يقول تعالى ذكره: وأقبل بعض هؤلاء المؤمنين في الجنة على بعض، يسأل بعضهم بعضا. وقد قيل: إن ذلك يكون منهم عند البعث من قبورهم. ذكر من قال ذلك: 25055 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال: إذا بعثوا في النفخة الثانية. القول في تأويل قوله تعالى: * (قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين ئ فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ئ إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم) *.
[ 41 ]
يقول تعالى ذكره: قال بعضهم لبعض: إنا أيها القوم كنا في أهلنا في الدنيا مشفقين خائفين من عذاب الله وجلين أن يعذبنا ربنا اليوم فمن الله علينا بفضله ووقانا عذاب السموم يعني: عذاب النار، يعني فنجانا من النار، وأدخلنا الجنة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25056 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: عذاب السموم قال: عذاب النار. وقوله: إنا كنا من قبل ندعوه يقول: إنا كنا في الدنيا من قبل يومنا هذا ندعوه: نعبده مخلصين له الدين، لا نشرك به شيئا إنه هو البر يعني: اللطيف بعباده. كما: 25057 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنه هو البر يقول: اللطيف. وقوله: الرحيم يقول: الرحيم بخلقه أن يعذبهم بعد توبتهم. واختلفت القراء في قراءة قوله: إنه هو البر فقرأته عامة قراء المدينة أنه بفتح الالف، بمعنى: إنا كنا من قبل ندعوه لانه هو البر، أو بأنه هو البر. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بالكسر على الابتداء. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون ئ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ئ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فذكر يا محمد من أرسلت إليه من قومك وغيرهم، وعظهم بنعم الله عندهم فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون يقول فلست بنعمة الله عليك بكاهن تتكهن، ولا مجنون له رئي يخبر عنه قومه ما أخبره به، ولكنك رسول الله، والله لا يخذلك، ولكنه ينصرك. وقوله: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون يقول جل ثناؤه: بل يقول المشركون: يا محمد لك: هو شاعر نتربص به حوادث الدهر، يكفيناه بموت أو حادثة
[ 42 ]
متلفة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه، فقال بعضهم فيه كالذي قلنا. وقال بعضهم: هو الموت. ذكر من قال: عنى بقوله: ريب المنون: حوادث الدهر. 25058 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ريب المنون قال: حوادث الدهر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال مجاهد ريب المنون حوادث الدهر. ذكر من قال: عنى به الموت. 25059 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ريب المنون يقول: الموت. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: نتربص به ريب المنون قال: يتربصون به الموت. 25060 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قال: قال ذلك قائلون من الناس تربصوا بمحمد رسول الله (ص)، الموت يكفيكموه، كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ريب المنون قال: هو الموت، نتربص به الموت، كما مات شاعر بني فلان، وشاعر بني فلان. 25061 - وحدثني سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي (ص) قال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، فأنزل الله في ذلك من قولهم: أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. 25062 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نتربص به ريب المنون الموت، وقال الشاعر:
[ 43 ]
تربص بها ريب المنون لعلها سيهلك عنها بعلها أو تسرح وقال آخرون: معنى ذلك: ريب الدنيا، وقالوا: المنون: الموت. ذكر من قال ذلك: 25063 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان ريب المنون قال: ريب الدنيا، والمنون: الموت. وقوله: قل تربصوا يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يقولون لك: إنك شاعر نتربص بك ريب المنون، تربصوا: أي انتظروا وتمهلوا في ريب المنون، فإني معكم من المتربصين بكم، حتى يأتي أمر الله فيكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ئ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ئ فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين) *. يقول تعالى ذكره: أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد (ص): هو شاعر، وأن ما جاء به شعر أم هم قوم طاغون يقول جل ثناؤه: ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم بل هم قوم طاغون قد طغوا على ربهم، فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الايمان إلى الكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25064 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم تأمرهم أحلامهم بهذا قال: كانوا يعدون في الجاهلية أهل الاحلام، فقال الله: أم تأمرهم أحلامهم بهذا أن يعبدوا أصناما بكما. صما، ويتركوا عبادة الله، فلم تنفعهم
[ 44 ]
أحلامهم حين كانت لدنياهم، ولم تكن عقولهم في دينهم، لم تنفعهم أحلامهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يتأول قوله: أم تأمروهم أحلامهم: بل تأمرهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله أم هم قوم طاغون أيضا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25065 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد، في قوله: أم هم قوم طاغون قال: بل هم قوم طاغون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد أم هم قوم طاغون قال: بل هم قوم طاغون. وقوله: أم يقولون تقوله يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: تقول محمد هذا القرآن وتخلقه. وقوله: بل لا يؤمنون يقول جل ثناؤه: كذبوا فيما قالوا من ذلك، بل لا يؤمنون فيصدقوا بالحق الذي جاءهم من عند ربهم. وقوله: فليأتوا بحديث مثله يقول: جل ثناؤه: فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله، فإنهم من أهل لسان محمد (ص)، ولن يتعذر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد (ص) إن كانوا صادقين في أن محمدا (ص) تقوله وتخلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم خلقوا من غير شئ أم هم الخالقون ئ أم خلقوا السماوات والارض بل لا يوقنون) *. يقول تعالى ذكره: أخلق هؤلاء المشركون من غير شئ، أي من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد، لا يعقلون ولا يفهمون لله حجة، ولا يعتبرون له بعبرة، ولا يتعظون بموعظة. وقد قيل: إن معنى ذلك: أم خلقوا لغير شئ، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شئ، بمعنى: لغير شئ. وقوله: أم هم الخالقون يقول: أم هم الخالقون هذا الخلق، فهم لذلك لا
[ 45 ]
يأتمرون لامر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه، لان للخالق الامر والنهي أم خلقوا السموات والارض يقول: أخلقوا السموات والارض فيكونوا هم الخالقين، وإنما معنى ذلك: لم يخلقوا السموات والارض، بل لا يوقنون يقول: لم يتركوا أن يأتمروا لامر ربهم، وينتهوا إلى طاعته فيما أمر ونهى، لانهم خلقوا السموات والارض، فكانوا بذلك أربابا، ولكنهم فعلوا، لانهم لا يوقنون بوعيد الله وما أعد لاهل الكفر به من العذاب في الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ئ أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين) *. يقول تعالى ذكره: أعند هؤلاء المكذبين بآيات الله خزائن ربك يا محمد، فهم لاستغنائهم بذلك عن آيات ربهم معرضون، أم هم المسيطرون. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أم هم المسلطون. ذكر من قال ذلك: 25066 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: أم هم المسيطرون يقول: المسلطون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم المنزلون. ذكر من قال ذلك: 25067 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون قال: يقول أم هم المنزلون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم الارباب، وممن قال ذلك معمر بن المثنى، قال: يقال: سيطرت علي: أي اتخذتني خولا لك. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: أم هم الجبارون
[ 46 ]
المتسلطون المستكبرون على الله، وذلك أن المسيطر في كلام العرب الجبار المتسلط، ومنه قول الله: لست عليهم بمسيطر يقول: لست عليهم بجبار مسلط. وقوله: أم لهم سلم يستمعون فيه يقول: أم لهم سلم يرتقون فيه إلى السماء يستمعون عليه الوحي، فيدعون أنهم سمعوا هنالك من الله أن الذي هم عليه حق، فهم بذلك متمسكون بما هم عليه. وقوله: فليأت مستمعهم بسلطان مبين يقول: فإن كانوا يدعون ذلك فليأت من يزعم أنه استمع ذلك، فسمعه بسلطان مبين، يعني بحجة تبين أنها حق، كما أتى محمد (ص) بها على حقيقة قوله، وصدقه فيما جاءهم به من عند الله. والسلم في كلام العرب: السبب والمرقاة ومنه قول ابن مقبل: لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا تبنى له في السموات السلاليم ومنه قوله: جعلت فلانا سلما لحاجتي: إذا جعلته سببا لها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم له البنات ولكم البنون ئ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ئ أم عندهم الغيب فهم يكتبون) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريش: ألربكم أيها القوم البنات ولكم البنون ؟ ذلك إذن قسمة ضيزى، وقوله: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): أتسأل هؤلاء المشركين الذين أرسلناك إليهم يا محمد على ما تدعوعهم إليه من توحيد الله وطاعته ثوابا وعوضا من أموالهم، فهم من ثقل ما حملتهم من
[ 47 ]
الغرم لا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25068 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون يقول: هل سألت هؤلاء القوم أجرا يجهدهم، فلا يستطيعون الاسلام. 25069 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون قال: يقول: أسألتهم على هذا أجرا، فأثقلهم الذي يبتغى أخذه منهم. وقوله: أم عندهم الغيب فهم يكتبون يقول تعالى ذكره: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للناس، فينبئونهم بما شاؤوا، ويخبرونهم بما أرادوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم المكيدون ئ أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون) *. يقول تعالى ذكره: بل يريد هؤلاء المشركون يا محمد بك، وبدين الله كيدا فالذين كفروا هم المكيدون يقول: فهم المكيدون الممكور بهم دونك، فثق بالله، وامض لما أمرك به. وقوله: أم لهم إله غير الله: يقول جل ثناؤه: أم لهم معبود يستحق عليهم العبادة غير الله، فيجوز لهم عبادته، يقول: ليس لهم إله غير الله الذي له العبادة من جميع خلقه سبحان الله عما يشركون يقول: تنزيها لله عن شركهم وعبادتهم معه غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم ئ فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون) *. يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء المشركون قطعا من السماء ساقطا، والكسف: جمع
[ 48 ]
كسفة، مثل التمر جمع تمرة، والسدر جمع سدرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25070 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: كسفا يقول: قطعا. 25071 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن يروا كسفا يقول: وإن يروا قطعا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم يقول جل ثناؤه: يقولوا لذلك الكسف من السماء الساقط: هذا سحاب مركوم، يعني بقوله مركوم: بعضه على بعض. وإنما عنى بذلك جل ثناؤه المشركين من قريش الذين سألوا رسول الله (ص) الآيات، فقالوا له: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الارض ينبوعا... إلى قوله: علينا كسفا، فقال الله لنبيه محمد (ص): وإن ير هؤلاء المشركون ما سألوا من الآيات، فعاينوا كسفا من السماء ساقطا، لم ينتقلوا عما هم عليه من التكذيب، ولقالوا. إنما هذا سحاب بعضه فوق بعض، لان الله قد حتم عليهم أنهم لا يؤمنون. كما: 25072 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يقولوا سحاب مركوم يقول: لا يصدقوا بحديث، ولا يؤمنوا بآية. 25073 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم قال: حين سألوا الكسف قالوا: أسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين قال: يقول: لو أنا فعلنا لقالوا: سحاب مركوم. وقوله: فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فدع يا محمد هؤلاء المشركين حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يهلكون، وذلك عند النفخة الاولى. واختلفت القراء في قراءة قوله: فيه يصعقون فقرأته عامة قراء الامصار سوى عاصم بفتح الياء من يصعقون، وقرأه عاصم يصعقون بضم الياء، والفتح أعجب
[ 49 ]
القراءتين إلينا، لانه أفصح اللغتين وأشهرهما، وإن كانت الاخرى جائزة، وذلك أن العرب تقول: صعق الرجل وصعق، وسعد وسعد. وقد بينا معنى الصعق بشواهده، وما قال فيه أهل التأويل فيما مضى بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون ئ وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون) *. يعني جل ثناؤه بقوله: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا يوم القيامة، حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون، ثم بين عن ذلك اليوم أي يوم هو، فقال: يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا، يعني: مكرهم أنه لا يدفع عنهم عن عذاب الله شيئا، فاليوم الثاني ترجمة عن الاول. وقوله: ولا هم ينصرون يقول: ولا هم ينصرهم ناصر، فيستقيد لهم ممن عذبهم وعاقبهم. وقوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك اختلف أهل التأويل في العذاب الذي توعد الله به هؤلاء الظلمة من دون يوم الصعقة، فقال بعضهم: هو عذاب القبر. ذكر من قال ذلك: 25074 - حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن البراء عذابا دون ذلك قال: عذاب القبر. 25075 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك يقول: عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، أن ابن عباس كان يقول: إنكم لتجدون عذاب القبر في كتاب الله وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أن ابن عباس كان يقول: إن عذاب القبر في القرآن. ثم تلا وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك. وقال آخرون: عنى بذلك الجوع. ذكر من قال ذلك:
[ 50 ]
25076 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: عذابا دون ذلك قال: الجوع. وقال آخرون: عنى بذلك: المصائب التي تصيبهم في الدنيا من ذهاب الاموال والاولاد. ذكر من قال ذلك: 25077 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك قال: دون الآخرة في هذه الدنيا يعذبهم به من ذهاب الاموال والاولاد، قال: فهي للمؤمنين أجر وثواب عند الله، عدا مصائبهم ومصائب هؤلاء، عجلهم الله إياها في الدنيا، وقرأ فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم... إلى آخر الآية. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أن للذين ظلموا أنفسهم بكفرهم به عذابا دون يومهم الذي فيه يصعقون، وذلك يوم القيامة، فعذاب القبر دون يوم القيامة، لانه في البرزخ، والجوع الذي أصاب كفار قريش، والمصائب التي تصيبهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم دون يوم القيامة، ولم يخصص الله نوعا من ذلك أنه لهم دون يوم القيامة دون نوع بل عم فقال وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك فكل ذلك لهم عذاب، وذلك لهم دون يوم القيامة، فتأويل الكلام: وإن للذين كفروا بالله عذابا من الله دون يوم القيامة ولكن أكثرهم لا يعلمون بأنهم ذائقوا ذلك العذاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ئ ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) واصبر لحكم ربك يا محمد الذي حكم به عليك، وامض لامره ونهيه، وبلغ رسالاته فإنك بأعيننا يقول جل ثناؤه: فإنك بمرأى
[ 51 ]
منا نراك ونرى عملك، ونحن نحوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين. وقوله: وسبح بحمد ربك اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: إذا قمت من نومك فقل: سبحان الله وبحمده. ذكر من قال ذلك: 25078 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، في قوله: وسبح بحمد ربك حين تقوم قال: من كل منامة، يقول حين يريد أن يقوم: سبحانك وبحمدك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عوف بن مالك وسبح بحمد ربك قال: سبحان الله وبحمده. 25079 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وسبح بحمد ربك حين تقوم قال: إذا قام لصلاة من ليل أو نهار. وقرأ يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة قال: من نوم، ذكره عن أبيه. وقال بعضهم: بل معنى ذلك: إذا قمت إلى الصلاة المفروضة فقل: سبحانك اللهم وبحمدك. ذكر من قال ذلك: 25080 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك. وسبح بحمد ربك حين تقوم قال: إذا قام إلى الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك ولا إله غيرك. 25081 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وسبح بحمد ربك حين تقوم إلى الصلاة المفروضة. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: وصل بحمد ربك حين تقوم من منامك، وذلك نوم القائلة، وإنما عنى صلاة الظهر. وإنما قلت: هذا القول أولى القولين بالصواب، لان الجميع مجمعون على أنه غير واجب أن يقال في الصلاة: سبحانك وبحمدك، وما روي عن الضحاك عند القيام إلى
[ 52 ]
الصلاة، فلو كان القول كما قاله الضحاك لكان فرضا أن يقال لان قوله: وسبح بحمد ربك أمر من الله تعالى بالتسبيح، وفي إجماع الجميع على أن ذلك غير واجب الدليل الواضح على أن القول في ذلك غير الذي قاله الضحاك. فإن قال قائل: ولعله أريد به الندب والارشاد. قيل: لا دلالة في الآية على ذلك، ولم تقم حجة بأن ذلك معني به ما قاله الضحاك، فيجعل إجماع الجميع على أن التسبيح عند القيام إلى الصلاة مما خير المسلمون فيه دليلا لنا على أنه أريد به الندب والارشاد. وإنما قلنا: عني به القيام من نوم القائلة، لانه لا صلاة تجب فرضا بعد وقت من أوقات نوم الناس المعروف إلا بعد نوم الليل، وذلك صلاة الفجر، أو بعد نوم القائلة، وذلك صلاة الظهر فلما أمر بعد قوله: وسبح بحمد ربك حين تقوم بالتسبيح بعد إدبار النجوم، وذلك ركعتا الفجر بعد قيام الناس من نومها ليلا، علم أن الامر بالتسبيح بعد القيام من النوم هو أمر بالصلاة التي تجب بعد قيام من نوم القائلة على ما ذكرنا دون القيام من نوم الليل. وقوله: ومن الليل فسبحه يقول: ومن الليل فعظم ربك يا محمد بالصلاة والعبادة، وذلك صلاة المغرب والعشاء. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: 25082 - حدثني به يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن الليل فسبحه قال: ومن الليل صلاة العشاء وإدبار النجوم يعني حين تدبر النجوم للافول عند إقبال النهار. وقيل: عني بذلك ركعتا الفجر. ذكر بعض من قال ذلك: 25083 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فسبحه وإدبار النجوم قال: هما السجدتان قبل صلاة الغداة. 25084 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم كنا نحدث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر. قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لهما أحب إلي من حمر النعم.
[ 53 ]
25085 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن زرارة بن أوفي، عن سعيد بن هشام عن عائشة، أن رسول الله (ص) قال في ركعتي الفجر هما خير من الدنيا جميعا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وإدبار النجوم قال: ركعتان قبل صلاة الصبح. 25086 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي وحماد بن مسعدة قالا: ثنا حميد، عن الحسن، عن علي، في قوله: وإدبار النجوم قال: الركعتان قبل صلاة الصبح. 25087 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، قال: قال علي رضي الله عنه إدبار النجوم الركعتان قبل الفجر. وقال آخرون: عنى بالتسبح إدبار النجوم: صلاة الصبح الفريضة. ذكر من قال ذلك: 25088 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وإدبار النجوم قال: صلاة الغداة. 25089 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإدبار النجوم قال: صلاة الصبح. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بها: الصلاة المكتوبة صلاة الفجر، وذلك أن الله أمر فقال: ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم والركعتان قبل الفريضة غير واجبتين، ولم تقم حجة يجب التسليم لها، أن قوله فسبحه على الندب، وقد دللنا في غير موضع من كتبنا على أمر الله على الفرض حتى تقوم حجة بأنه مراد به الندب، أو غير الفرض بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. آخر تفسير سورة الطور
[ 54 ]
سورة النجم (53) سورة النجم مكية وآياتها ثنتان وستون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى ئ ما ضل صاحبكم وما غوى) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: والنجم إذا هوى فقال بعضهم: عني بالنجم: الثريا، وعني بقوله: إذا هوى: إذا سقط، قالوا: تأويل الكلام: والثريا إذا سقطت. ذكر من قال ذلك: 25090 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: والنجم إذا هوى قال: إذا سقطت الثريا مع الفجر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان والنجم إذا هوى قال: الثريا. وقال مجاهد: والنجم إذا هوى قال: سقوط الثريا. 25091 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والنجم إذا هوى قال: إذا انصب. وقال آخرون: معنى ذلك: والقرآن إذا نزل. ذكر من قال ذلك: 25092 - حدثني زياد بن عبد الله الحساني أبو الخطاب، قال: ثنا مالك بن سعير، قال: ثنا الاعمش، عن مجاهد، في قوله: والنجم إذا هوى قال: القرآن إذا نزل. 25093 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والنجم إذا هوى
[ 55 ]
ما ضل صاحبكم وما غوى قال: قال عتبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم، فقال رسول الله (ص): أما تخاف أن يأكلك كلب الله قال: فخرج في تجارة إلى اليمن، فبينما هم قد عرسوا، إذ سمع صوت الاسد، فقال لاصحابه إني مأكول، فأحدقوا به، وضرب على أصمختهم فناموا، فجاء حتى أخذه، فما سمعوا إلا صوته. 25094 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، قال: ثنا معمر، عن قتادة أن النبي (ص) تلا: والنجم إذا هوى فقال ابن لابي لهب حسبته قال: اسمه عتبة: كفرت برب النجم، فقال النبي (ص): احذر لا يأكلك كلب الله قال: فضرب هامته. قال: وقال ابن طاوس عن أبيه، أن النبي (ص) قال: ألا تخاف أن يسلط الله عليك كلبه ؟ فخرج ابن أبي لهب مع ناس في سفر حتى إذا كانوا في بعض الطريق سمعوا صوت الاسد، فقال: ما هو إلا يريدني، فاجتمع أصحابه حوله وجعلوه في وسطهم، حتى إذا ناموا جاء الاسد فأخذه من بينهم. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: عنى بقوله: والنجم والنجوم. وقال: ذهب إلى لفظ الواحد، وهو في معنى الجميع، واستشهد لقوله ذلك بقول راعي الابل: فباتت تعد النجم في مستحيرة سريع بأيد الآكلين جمودها والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله مجاهد من أنه عنى بالنجم في هذا
[ 56 ]
الموضع: الثريا، وذلك أن العرب تدعوها النجم، والقول الذي قاله من حكينا عنه من أهل البصرة قول لا نعلم أحدا من أهل التأويل قاله، وإن كان له وجه، فلذلك تركنا القول به. وقوله: ما ضل صاحبكم وما غوى يقول تعالى ذكره: ما حاد صاحبكم أيها الناس عن الحق ولا زال عنه، ولكنه على استقامة وسداد. ويعني بقوله: وما غوى: وما صار غويا، ولكنه رشيد سديد يقال: غوى يغوي من الغي، وهو غاو، وغوي يغوى من اللبن: إذا بشم. وقوله: ما ضل صاحبكم جواب قسم والنجم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى ئ إن هو إلا وحي يوحى ئ علمه شديد القوى ئ ذو مرة فاستوى ئ وهو بالافق الاعلى) *. يقول تعالى ذكره: وما ينطق محمد بهذا القرآن عن هواه إن هو إلا وحي يوحى يقول: ما هذا القرآن إلا وحي من الله يوحيه إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25095 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما ينطق عن الهوى: أي ما ينطق عن هواه إن هو إلا وحي يوحى قال: يوحي الله تبارك وتعالى إلى جبرائيل، ويوحي جبريل إلى محمد (ص). وقيل: عنى بقوله: وما ينطق عن الهوى بالهوى. وقوله: علمه شديد القوى: يقول تعالى ذكره: علم محمدا (ص) هذا القرآن جبريل عليه السلام، وعني بقوله: شديد القوى شديد الاسباب. والقوى: جمع قوة، كما الجثى: جمع جثوة، والحبى: جمع حبوة. ومن العرب من يقول: القوى: بكسر القاف، كما تجمع الرشوة رشا بكسر الراء، والحبوة حبا. وقد ذكر عن العرب أنها تقول: رشوة بضم الراء، ورشوة بكسرها، فيجب أن يكون جمع من جمع ذلك رشا بكسر الراء على لغة من قال: واحدها رشوة، وأن يكون جمع من جمع ذلك بضم الراء، من لغة من ضم الراء
[ 57 ]
في واحدها وإن جمع بالكسر من كان لغته من الضم في الواحدة، أو بالضم من كان من لغته الكسر، فإنما هو حمل إحدى اللغتين على الاخرى. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: علمه شديد القوى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25096 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة علمه شديد القوى يعني جبريل. 25097 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع علمه شديد القوى قال: جبرائيل عليه السلام. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، مثله. وقوله: ذو مرة فاستوى اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: ذو مرة فقال بعضهم: معناه: ذو خلق حسن. ذكر من قال ذلك: 25098 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ذو مرة قال: ذو منظر حسن. 25099 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذو مرة فاستوى: ذو خلق طويل حسن. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ذو قوة. ذكر من قال ذلك: 25100 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثني الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ذو مرة فاستوى قال: ذو قوة جبريل. 25101 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ذو مرة قال: ذو قوة. 25102 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ذو مرة فاستوى قال: ذو قوة، المرة: القوة. 25103 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع ذو مرة فاستوى جبريل عليه السلام. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بالمرة: صحة الجسم وسلامته
[ 58 ]
من الآفات والعاهات، والجسم إذا كان كذلك من الانسان، كان قويا، وإنما قلنا إن ذلك كذلك، لان المرة واحدة المرر، وإنما أريد به: ذو مرة سوية. وإذا كانت المرة صحيحة، كان الانسان صحيحا. ومنه قول النبي (ص): لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة سوي. وقوله: فاستوى وهو بالافق الاعلى يقول: فاستوى هذا الشديد القوي وصاحبكم محمد بالافق الاعلى، وذلك لما أسرى برسول الله (ص) استوى هو وجبريل عليهما السلام بمطلع الشمس الاعلى، وهو الافق الاعلى، وعطف بقوله: وهو على ما في قوله: فاستوى من ذكر محمد (ص)، والاكثر من كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه، فيقولوا: استوى هو وفلان، وقلما يقولون استوى وفلان وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده: ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف فرد الخروع على ما في يستوي من ذكر النبع، ومنه قوله الله: أئذا كنا ترابا وآباؤنا فعطف بالآباء على المكني في كنا من غير إظهار نحن، فكذلك قوله: فاستوى وهو، وقد قيل: إن المستوي: هو جبريل، فإن كان ذلك كذلك، فلا مؤنة في ذلك، لان قوله: وهو من ذكر اسم جبريل، وكأن قائل ذلك وجه معنى قوله: فاستوى: أي ارتفع واعتدل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع ذو مرة
[ 59 ]
فاستوى جبريل عليه السلام وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25104 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وهو بالافق الاعلى والافق: الذي يأتي منه النهار. 25105 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: وهو بالافق الاعلى قال: بأفق المشرق الاعلى بينهما. 25106 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع وهو بالافق الاعلى يعني جبريل. قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع وهو بالافق الاعلى قال: السماء الاعلى، يعني جبريل عليه السلام. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم دنا فتدلى ئ فكان قاب قوسين أو أدنى ئ فأوحى إلى عبده مآ أوحى ئ ما كذب الفؤاد ما رأى) *. يقول تعالى ذكره: ثم دنا جبريل من محمد (ص) فتدلى إليه، وهذا من المؤخر الذي معناه القديم، وإنما هو: ثم تدلى فدنا، ولكنه حسن تقديم قوله: دنا، إذ كان الدنو يدل على التدلي والتدلي على الدنو، كما يقال: زارني فلان فأحسن، وأحسن إلي فزارني وشتمني، فأساء، وأساء فشتمني لان الاساءة هي الشتم: والشتم هو الاساءة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25107 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن ثم دنا فتدلى قال: جبريل عليه السلام. 25108 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ثم دنا فتدلى يعني: جبريل. 25109 - حدثنا اين حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع ثم دنا فتدلى قال: هو جبريل عليه السلام.
[ 60 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثم دنا الرب من محمد (ص) فتدلى. ذكر من قال ذلك: 25110 - حدثنا يحيى بن الاموي، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس ثم دنا فتدلى قال: دنا ربه فتدلى. 25111 - حدثنا الربيع، قال: ثنا ابن وهب، عن سليمان بن بلال، عن شريك بن أبي نمر، قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة المسرى برسول الله (ص) أنه عرج جبرائيل برسول الله (ص) إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه ما شاء، فأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة، وذكر الحديث. وقوله: فكان قاب قوسين أو أدنى يقول: فكان جبرائيل من محمد (ص) على قدر قوسين، أو أدنى من ذلك، يعني: أو أقرب منه، يقال: هو منه قاب قوسين، وقيب قوسين، وقيد قوسين، وقاد قوسين، وقدى قوسين، كل ذلك بمعنى: قدر قوسين. وقيل: إن معنى قوله: فكان قاب قوسين أنه كان منه حيث الوتر من القوس. ذكر من قال ذلك: 25112 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قاب قوسين قال: حيث الوتر من القوس. 25113 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن فكان قاب قوسين قال: قيد قوسين. وقال ذلك قتادة. 25114 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد فكان قاب قوسين قال: قيد، أو قدر قوسين. 25115 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية، عن إبراهيم بن طهمان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله فكان قاب قوسين أو أدنى: قال: دنا جبريل عليه السلام منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين.
[ 61 ]
25116 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عاصم، عن أبي رزين قاب قوسين قال: ليست بهذه القوس، ولكن قدر الذراعين أو أدنى والقاب: هو القيد. واختلف أهل التأويل في المعنى بقوله: فكان قاب قوسين أو أدنى فقال بعضهم: في ذلك، بنحو الذي قلنا فيه. 25117 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: ثنا زر بن حبيش، قال: قال عبد الله في هذه الآية فكان قاب قوسين أو أدنى قال: قال رسول الله (ص): رأيت جبريل له ست مئة جناح. 25118 - حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري، قال: ثنا خالد عبد الله، عن الشيباني، عن زر، عن ابن مسعود في قوله: فكان قاب قوسين أو أدنى قال: رأى جبرائيل ست مئة جناح في صورته. حدثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا قبيصة بن ليث الاسدي، عن الشيباني، عن زر بن حبيش، عن عبد الله بن مسعود فكان قاب قوسين أو أدنى قال: رأى النبي (ص) جبريل عليه السلام له ست مئة جناح. 25119 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن وهب، قال: ثنا ابن لهيعة، عن أبي الاسود، عن عروة، عن عائشة قالت: كان أول شأن رسول الله (ص) أنه رأى في منامه جبريل عليه السلام بأجياد، ثم إنه خرج ليقضي حاجته، فصرخ به جبريل: يا محمد فنظر رسول الله (ص) يمينا وشمالا، فلم ير شيئا ثلاثا ثم خرج فرآه، فدخل في الناس، ثم خرج، أو قال: ثم نظر أنا أشك، فرآه، فذلك قوله: والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى... إلى قوله: فتدلى جبريل إلى محمد (ص)، فكان قاب قوسين أو أدنى يقول: القاب: نصب الاصبع. وقال بعضهم: ذراعين كان بينهما. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الشيباني، عن زر بن
[ 62 ]
حبيش، عن ابن مسعود، فكان قاب قوسين أو أدنى قال: له ست مئة جناح، يعني جبريل عليه السلام. 25120 - حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثنا زكريا، عن ابن أشوع، عن عامر، عن مسروق، قال: قلت لعائشة: ما قوله: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى فقالت: إنما ذاك جبريل، كان يأتيه في صورة الرجال، وإنه أتاه في هذه المرة في صورته، فسد أفق السماء. وقال آخرون: بل الذي دنا فكان قاب قوسين أو أدنى: جبريل من ربه. ذكر من قال ذلك: 25121 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فكان قاب قوسين أو أدنى قال الله من جبريل عليه السلام. وقال آخرون: بل كان الذي كان قاب قوسين أو أدنى: محمد من ربه. ذكر من قال ذلك: 25122 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيد الحميري، عن محمد بن كعب القرظي، عن بعض أصحاب النبي (ص) قال: قلنا يا نبي الله: هل رأيت ربك ؟ قال: لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين، ثم: تلا ثم دنى فتدلى. 25123 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، أخبرنا محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي، عن كثير، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): لما عرج بي، مضى جبريل حتى جاء الجنة، قال: فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضى حتى جاء السدرة المنتهى، فدنا ربك فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى. وقوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال
[ 63 ]
بعضهم: معناه: فأوحى الله إلى عبده محمد وحيه، وجعلوا قوله: ما أوحى بمعنى المصدر. ذكر من قال ذلك: 25124 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثنا أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: عبده محمد (ص) ما أوحى إليه ربه. وقد يتوجه على هذا التأويل ما لوجهين: أحدهما: أن تكون بمعنى الذي، فيكون معنى الكلام فأوحى إلى عبده الذي أوحاه إليه ربه. والآخر: أن تكون بمعنى المصدر. ذكر من قال ذلك: 25125 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام قال: ثني أبي، عن قتادة فأوحى إلى عبده ما أوحى، قال الحسن: جبريل. 25126 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: على لسان جبريل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، مثله. 25127 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: أوحى جبريل إلى رسول الله (ص) ما أوحى الله إليه. وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فأوحى جبريل إلى عبده محمد (ص) ما أوحى إليه ربه، لان افتتاح الكلام جرى في أول السورة بالخبر عن رسول الله (ص)، وعن جبريل عليه السلام، وقوله: فأوحى إلى عبده ما أوحى في سياق ذلك ولم يأت ما يدل على انصراف الخبر عنهما، فيوجه ذلك إلى ما صرف إليه. وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأى يقول تعالى ذكره: ما كذب فؤاد محمد محمدا الذي رأى، ولكنه صدقه. واختلف أهل التأويل في الذي رآه فؤاده فلم يكذبه، فقال بعضهم: الذي رآه فؤاده رب العالمين، وقالوا جعل بصره في فؤاده، فرآه بفؤاده، ولم يره بعينه. ذكر من قال ذلك: 25128 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثني عمي سعيد عبد الرحمن بن سعيد، عن
[ 64 ]
إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رآه بقلبه (ص). 25129 - حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبر عباد، يعني ابن منصور، قال: سألت عكرمة، عن قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: أتريد أن أقول لك قد رآه، نعم قد رآه، ثم قد رآه، ثم قد رآه حتى ينقطع النفس. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عيسى بن عبيد، قال: سمعت عكرمة، وسئل هل رأى محمد ربه، قال نعم، قد رأى ربه. قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا سالم مولى معاوية، عن عكرمة، مثله. 25130 - حدثنا أحمد بن عيسى التميمي، قال: ثنا سليمان بن عمرو بن سيار، قال: ثني أبي، عن سعيد بن زربي عن عمرو بن سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملا الاعلى ؟ فقلت لا يا رب فوضع يده بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والارض فقلت: يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الاقدام إلى الجمعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت: يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلا، وكلمت موسى تكليما، وفعلت وفعلت ؟ فقال: ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وزرك ؟ ألم أفعل بك ؟ ألم أفعل. قال: فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها قال: فذلك قوله في كتابه يحدثكموه: ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى. ما كذب الفؤاد ما رأى، فجعل نور بصري في فؤادي، فنظرت إليه بفؤادي. 25131 - حدثني محمد بن عمارة وأحمد بن هشام، قالا: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي صالح ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رآه مرتين بفؤاده. 25131 م - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، عن قيس، عن عاصم الاحول، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة، واصطفى موسى بالكلام، واصطفى محمدا بالرؤية صلوات الله عليهم.
[ 65 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن زياد بن الحصين، عن أبي العالية عن ابن عباس ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رآه بفؤاده. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق عمن سمع ابن عباس يقول ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى محمد ربه. 25132 - قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع ما كذب الفؤاد فلم يكذبه ما رأى قال: رأى ربه. قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع ما كذب الفؤاد ما رأى قال رأى محمد ربه بفؤاده. وقال آخرون: بل الذي رآه فؤاده فلم يكذبه جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك: 25133 - حدثني ابن بزيع البغدادي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، قال: ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى رسول الله (ص) جبريل عليه حلتا رفرف قد ملا ما بين السماء والارض. 25134 - حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: ثنا عمرو بن عاصم، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم عن رز، عن عبد الله، أن النبي (ص) قال: رأيت جبريل عند سدرة المنتهى، له ست مئة جناح، ينفض من ريشه التهاويل الدر والياقوت. حدثنا أبو هشام الرفاعي، وإبراهيم بن يعقوب، قالا: ثنا زيد بن الحباب، أن الحسين بن واقد، حدثه قال: حدثني عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): رأيت جبريل عند سدرة المنتهى له ست مئة جناح زاد الرفاعي في حديثه، فسألت عاصما عن الاجنحة، فلم يخبرني، فسألت أصحابي، فقالوا: كل جناح ما بين المشرق والمغرب. 25135 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في
[ 66 ]
قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى قال: رأى جبريل في صورته التي هي صورته، قال: وهو الذي رآه نزلة أخرى. واختلفت القراء في قراءة قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى فقرأ ذلك عامة قراء المدينة ومكة والكوفة والبصرة كذب بالتخفيف، غير عاصم الجحدري وأبي جعفر القارئ والحسن البصري فإنهم قرأوه كذب بالتشديد، بمعنى: أن الفؤاد لم يكذب الذي رأى، ولكنه جعله حقا وصدقا، وقد يحتمل أن يكون معناه إذا قرئ كذلك: ما كذب صاحب الفؤاد ما رأى. وقد بينا معنى من قرأ ذلك بالتخفيف. والذي هو أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه بالتخفيف لاجماع الحجة من القراء عليه، والاخرى غير مدفوعة صحتها لصحة معناها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفتمارونه على ما يرى ئ ولقد رآه نزلة أخرى ئ عند سدرة المنتهى ئ عندها جنة المأوى ئ إذ يغشى السدرة ما يغشى) *. اختلفت القراء في قراءة أفتمارونه، فقرأ ذلك عبد الله بن مسعود وعامة أصحابه أفتمرونه بفتح التاء بغير ألف، وهي قراءة عامة أهل الكوفة، ووجهوا تأويله إلى أفتجحدونه. 25136 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم أنه كان يقرأ: أفتمرونه بفتح التاء بغير ألف، يقول: أفتجحدونه ومن قرأ أفتمارونه قال: أفتجادلونه. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين أفتمارونه بضم التاء والالف، بمعنى: أفتجادلونه. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، وذلك أن المشركين قد جحدوا أن يكون رسول الله (ص) رأى ما أراه الله ليلة أسري به وجادلوا في ذلك، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: أفتجادلون أيها المشركون محمدا على ما يرى مما أراه الله من آياته. وقوله: ولقد رآه نزلة أخرى يقول: لقد رآه مرة أخرى. واختلف أهل التأويل في الذي رأى محمد نزلة أخرى نحو اختلافهم في قوله: ما كذب الفؤاد ما رأى. ذكر بعض ما روي في ذلك من الاختلاف. ذكر من قال فيه رأى جبريل عليه السلام:
[ 67 ]
25137 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب الثقفي، قال: ثنا داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، أن عائشة قالت: يا أبا عائشة من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله قال: وكنت متكئا، فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين أنظريني ولا تعجليني، أرأيت قول الله ولقد رآه نزلة أخرى ولقد رآه بالافق المبين قالت: إنما هو جبريل رآه مرة على خلقه وصورته التي خلق عليها، ورآه مرة أخرى حين هبط من السماء إلى الارض سادا عظم خلقه ما بين السماء والارض، قالت: أنا أول من سأل النبي (ص) عن هذه الآية، قال: هو جبريل عليه السلام. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي وعبد الاعلى، عن داود، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة بنحوه. حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن الشعبي، عن مسروق، قال: كنت عند عائشة، فذكر نحوه. 25138 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الاعلى، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت له: يا أبا عائشة، من زعم أن محمدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله، والله يقول: لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب قال: وكنت متكئا، فجلست وقلت: يا أم المؤمنين انتظري ولا تعجلي ألم يقل الله ولقد رآه نزلة أخرى ولقد رآه بالافق المبين فقالت: أن أول هذه الامة سألت رسول الله (ص) عن ذلك، فقال: لم أر جبريل على صورته إلا هاتين المرتين منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والارض. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق، قال: كنت متكئا عند عائشة، فقالت: يا أبا عائشة، ثم ذكر نحوه.
[ 68 ]
25139 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبريل في رفرف قد ملا ما بين السماء والارض. 25140 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن مرة، عن ابن مسعود لقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبريل في وبر رجليه كالدر، مثل القطر على البقل. 25141 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن قيس بن وهب، عن مرة في قوله: ولقد رآه نزلة أخرى ثم ذكر نحوه. 25142 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مجاهد ولقد رآه نزلة أخرى قال: رأى جبريل في صورته مرتين. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل الحضرمي، عن مجاهد، قال: رأى النبي (ص) جبريل عليه السلام في صورته مرتين. 25143 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع ولقد رآه نزلة أخرى قال: جبريل عليه السلام. 25144 - حدثنا عبد الحميد بن بيان، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن إسماعيل، عن عامر، قال: ثني عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن كعب أنه أخبره أن الله تبارك وتعالى قسم رؤيته وكلامه بين موسى ومحمد، فكلمه موسى مرتين، ورآه محمد مرتين، قال: فأتى مسروق عائشة، فقال: يا أم المؤمنين، هل رأى محمد ربه، فقالت: سبحان الله لقد قف شعري لما قلت: أين أنت من ثلاثة من حدثك بهن فقد كذب، من أخبرك أن محمدا رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ومن أخبرك ما في غد فقد كذب، ثم تلت آخر سورة لقمان إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث، ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ومن أخبرك
[ 69 ]
أن محمدا كتم شيئا من الوحي فقد كذب، ثم قرأت، يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك قالت: ولكنه رأى جبريل عليه السلام في صورته مرتين. 25145 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن، قال: ثنا أبو أسامة، قال: ثني إسماعيل، عن عامر، قال: ثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعت كعبا، ثم ذكر نحو حديث عبد الحميد بن بيان، غير أنه قال في حديثه فرآه محمد مرة، وكلمه موسى مرتين. ذكر من قال فيه: رأى ربه عز وجل. 25146 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن سماك بن عكرمة، عن ابن عباس أنه قال: ولقد رآه نزلة أخرى قال: إن رسول الله (ص) رأى ربه بقلبه، فقال له رجل عند ذلك: أليس لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ؟ قال له عكرمة: أليس ترى السماء ؟ قال: بلى، أفكلها ترى ؟. 25147 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا أبي، قال: ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن ابن عباس، في قول الله: ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى قال: دنا ربه فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: قال ابن عباس قد رآه النبي (ص). وقوله: عند سدرة المنتهى يقول تعالى ذكره: ولقد رآه عند سدرة المنتهى، فعند من صلة قوله: رآه والسدرة: شجرة النبق. وقيل لها سدرة المنتهى في قول بعض أهل العلم من أهل التأويل، لانه إليها ينتهي علم كل عالم. ذكر من قال ذلك: 25148 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن حفص بن حميد، عن شمر، قال: جاء ابن عباس إلى كعب الاحبار، فقال له: حدثني عن قول الله: عند سدرة المنتهى
[ 70 ]
عندها جنة المأوى فقال كعب: إنها سدرة في أصل العرش، إليها ينتهي علم كل عالم، ملك مقرب، أو نبي مرسل، ما خلفها غيب، لا يعلمه إلا الله. 25149 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال أخبرني جرير بن حازم، عن الاعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبا، عن سدرة المنتهى وأنا حاضر، فقال كعب: إنها سدرة على رؤوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، ثم ليس لاحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى، لانتهاء العلم إليها. وقال آخرون: قيل لها سدرة المنتهى، لانها ينتهي ما يهبط من فوقها، ويصعد من تحتها من أمر الله إليها. ذكر من قال ذلك: 25150 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك، عن الزبير، عن عدي، عن طلحة اليامي، عن مرة، عن عبد الله، قال: لما أسري برسول الله (ص) انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة، إليها ينتهي من يعرج من الارض أو من تحتها، فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها، فيقبض فيها. 25151 - حدثني جعفر بن محمد المروزي، قال: ثنا يعلى، عن الاجلح، قال: قلت للضحاك: لم تسمى سدرة المنتهى ؟ قال: لانه ينتهي إليها كل شئ من أمر الله لا يعدوها. وقال آخرون: قيل لها: سدرة المنتهى، لانه ينتهي إليها كل من كان على سنة رسول الله (ص) ومنهاجه. ذكر من قال ذلك: 25152 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع عند سدرة المنتهى، قال: إليها ينتهي كل أحد، خلا على سنة أحمد، فلذلك سميت المنتهى. 25153 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة، أو غيره شك أبو جعفر الرازي قال: لما أسري بالنبي (ص)، انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن معنى المنتهى الانتهاء، فكأنه قيل: عند سدرة الانتهاء. وجائز أن يكون قيل لها سدرة المنتهى: لانتهاء علم كل عالم من الخلق
[ 71 ]
إليها، كما قال كعب. وجائز أن يكون قيل ذلك لها، لانتهاء ما يصعد من تحتها، وينزل من فوقها إليها، كما روي عن عبد الله. وجائز أن يكون قيل ذلك كذلك لانتهاء كل من خلا من الناس على سنة رسول الله (ص) إليها. وجائز أن يكون قيل لها ذلك لجميع ذلك، ولا خبر يقطع العذر بأنه قيل ذلك لها لبعض ذلك دون بعض، فلا قول فيه أصح من القول الذي قال ربنا جل جلاله، وهو أنها سدرة المنتهى. وبالذي قلنا في أنها شجرة النبق تتابعت الاخبار عن رسول الله (ص)، وقال أهل العلم. ذكر ما في ذلك من الآثار، وقول أهل العلم: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص): انتهيت إلى السدرة فإذا نبقها مثل الجرار، وإذا ورقها مثل آذان الفيلة فلما غشيها من أمر الله ما غشيها، تحولت ياقوتا وزمردا ونحو ذلك. 25154 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد عن قتادة، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه قال: قال نبي الله (ص): لما انتهيت إلى السماء السابعة أتيت على إبراهيم فقلت: يا جبريل من هذا ؟ قال: هذا أبو ك إبراهيم، فسلمت عليه، فقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، قال: ثم رفعت لي سدرة المنتهى فحدث نبي الله أن نبقها مثل قلال هجر، وأن ورقها مثل آذان الفيلة. وحدثنا ابن المثنى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رجل من قومه، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: ثني أبي، عن قتادة، قال: ثنا أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة، أن رسول الله (ص) قال، فذكر نحوه. 25155 - حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا الفضل بن عنبسة، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله (ص): ركبت البراق ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال قال: فلما
[ 72 ]
غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد يستطيع أن يصفها من حسنها، قال: فأوحى الله إلي ما أوحى. حدثنا أحمد بن أبي سريج، قال: ثنا أبو النضر، قال ثنا سليمان بن المغيرة، عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): عرج بي الملك قال: ثم انتهيت إلى السدرة وأنا أعرف أنها سدرة، أعرف ورقها وثمرها قال: فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت حتى ما يستطيع أحد أن يصفها. حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا يونس بن إسماعيل، قال: ثنا سليمان، عن ثابت، عن أنس عن رسول الله (ص) مثله، إلا أنه قال: حتى ما أستطيع أن أصفها. 25156 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر الرازي قال: لما أسري بالنبي (ص) انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها تغطي الامة كلها. 25157 - وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل الحضرمي، عن الحسن العرني، أراه عن الهذيل بن شرحبيل، عن ابن مسعود سدرة المنتهى قال: من صبر الجنة عليها أو عليه فضول السندس والاستبرق، أو جعل عليها فضول. وحدثنا به ابن حميد مرة أخرى، عن مهران، فقال عن الحسن العرني، عن الهذيل، عن ابن مسعود ولم يشك فيه، وزاد فيه: قال صبر الجنة: يعني وسطها وقال أيضا: عليها فضول السندس والاستبرق. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني، عن الهذيل بن شرحبيل، عن عبد الله بن مسعود في قوله: سدرة المنتهى قال: صبر الجنة عليها السندس والاستبرق.
[ 73 ]
25158 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: سمعت رسول الله (ص)، وذكر سدرة المنتهى، فقال: يسير في ظل الفنن منها مئة راكب، أو قال: يستظل في الفنن منها مئة راكب، شك يحيى فيها فراش الذهب، كأن ثمرها القلال. 25159 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن سدرة المنتهى، قال: السدرة: شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، وإن ورقة منها غشت الامة كلها. 25160 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: عند سدرة المنتهى: أن النبي (ص) قال: رفعت لي سدرة منتهاها في السماء السابعة، نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، قال: قلت لجبريل ما هذان النهران أرواح قال: أما النهران الباطنان، ففي الجنة، وأما النهران الظاهران: فالنيل والفرات. وقوله: عندها جنة المأوى يقول تعالى ذكره: عند سدرة المنتهى جنة مأوى الشهداء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25161 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: عندها جنة المأوى قال: هي يمين العرش، وهي منزل الشهداء. 25162 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن داود، عن أبي
[ 74 ]
العالية، عن ابن عباس: عندها جنة المأوى قال: هو كقوله: فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون. 25163 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: عندها جنة المأوى قال: منازل الشهداء. وقوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى يقول تعالى ذكره: ولقد رآه نزلة أخرى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، فإذ من صلة رآه. واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة، فقال بعضهم: غشيها فراش الذهب. ذكر من قال ذلك: 25164 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا مالك، عن الزبير بن عدي، عن طلحة اليامي، عن مرة، عن عبد الله إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها فراش من ذهب. 25165 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم أو طلحة شك الاعمش عن مسروق في قوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها فراش من ذهب. 25166 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (ص): رأيتها بعيني سدرة المنتهى حتى استثبتها ثم حال دونها فراش من ذهب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: قال رسول الله (ص): رأيتها حتى استثبتها، ثم حال دونها فراش الذهب. 25167 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد وإبراهيم، في قوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها فراش من ذهب. 25168 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى، يعني ابن عبيدة، عن
[ 75 ]
يعقوب بن زيد، قال: سئل النبي (ص): ما رأيت يغشى السدرة ؟ قال: رأيتها يغشاها فراش من ذهب. 25169 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: قيل له: يا رسول الله، أي شئ رأيت يغشى تلك السدرة ؟ قال: رأيتها يغشاها فراش من ذهب، ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح الله. وقال آخرون: الذي غشيها رب العزة وملائكته. ذكر من قال ذلك: 25170 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها الله، فرأى محمد من آيات ربه الكبرى. 25171 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا أو زبرجدا، فرآها محمد، ورأى محمد بقلبه ربه. 25172 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع إذ يغشى السدرة ما يغشى قال: غشيها نور الرب، وغشيتها الملائكة من حب الله مثل الغربان حين يقعن على الشجر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع بنحوه. 25173 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر قال: لما أسري بالنبي (ص) انتهى إلى السدرة، قال: فغشيها نور الخلاق، وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر، قال: فكلمه عند ذلك، فقال له: سل. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 76 ]
* (ما زاغ البصر وما طغى ئ لقد رأى من آيات ربه الكبرى) *. يقول تعالى ذكره: ما مال بصر محمد يعدل يمينا وشمالا عما رأى، أي ولا جاوز ما أمر به قطعا، يقول: فارتفع عن الحد الذي حد له. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25174 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين، عن ابن عباس، في قوله: ما زاغ البصر وما طغى قال: ما زاغ يمينا ولا شمالا ولا طغى، ولا جاوز ما أمر به. 25175 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب القرظي ما زاغ البصر وما طغى قال رأى جبرائيل في صورة الملك. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مسلم البطين، عن ابن عباس ما زاغ البصر وما طغى قال: ما زاغ: ذهب يمينا ولا شمالا، ولا طغى: ما جاوز. وقوله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى يقول تعالى ذكره: لقد رأى محمد هنالك من أعلام ربه وأدلته الاعلام والادلة الكبرى. واختلف أهل التأويل في تلك الآيات الكبرى، فقال بعضهم: رأى رفرفا أخضر قد سد الافق. ذكر من قال ذلك: 25176 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو معاوية، قال: ثنا الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال: رفرفا أخضر من الجنة قد سد الافق. حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله، فذكر مثله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود من آيات ربه الكبرى قال: رفرفا أخضر قد سد الافق. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن الاعمش، أن ابن مسعود قال: رأى النبي (ص) رفرفا أخضر من الجنة قد سد الافق. وقال آخرون: رأى جبريل في صورته. ذكر من قال ذلك:
[ 77 ]
25177 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لقد رأى من آيات ربه الكبرى قال: جبريل رآه في خلقه الذي يكون به في السموات، قدر قوسين من رسول الله (ص)، فيما بينه وبينه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفرأيتم اللات والعزى ئ ومناة الثالثة الاخرى ئ ألكم الذكر وله الانثى ئ تلك إذا قسمة ضيزى) *. يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها المشركون اللات، وهي من الله ألحقت فيه التاء فأنثت، كما قيل عمرو للذكر، وللانثى عمرة وكما قيل للذكر عباس، ثم قيل للانثى عباسة، فكذلك سمى المشركون أوثانهم بأسماء الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العزى وزعموا أنهن بنات الله، تعالى الله عما يقولون وافتروا، فقال جل ثناؤه لهم: أفرأيتم أيها الزاعمون أن اللات والعزى ومناة الثالثة بنات الله ألكم الذكر يقول: أتختارون لانفسكم الذكر من الاولاد، وتكرهون لها الانثى، وتجعلون له الانثى التي لا ترضونها لانفسكم، ولكنكم تقتلونها كراهة منكم لهن. واختلفت القراء في قراءة قوله: اللات فقرأته عامة قراء الامصار بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت. وذكر أن اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقال بعضهم: كان بالطائف. ذكر من قال ذلك: 25178 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أفرأيتم اللات والعزى أما اللات فكان بالطائف. 25179 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أفرأيتم اللات والعزى قال: اللات بيت كان بنخلة تعبده قريش. وقرأ ذلك ابن عباس ومجاهد وأبو صالح اللات بتشديد التاء وجعلوه صفة للوثن الذي عبدوه، وقالوا: كان رجلا يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه. ذكر الخبر بذلك عمن قاله:
[ 78 ]
25180 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد أفرأيتم اللات والعزى قال: كان يلت السويق للحاج، فعكف على قبره. قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد أفرأيتم اللات قال: اللات: كان يلت السويق للحاج. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد اللات قال: كان يلت السويق فمات، فعكفوا على قبره. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: اللات قال: رجل يلت للمشركين السويق، فمات فعكفوا على قبره. 25181 - حدثنا أحمد بن هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي صالح، في قوله: اللات قال: اللات: الذي كان يقوم على آلهتهم، يلت لهم السويق، وكان بالطائف. 25182 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثنا عبد الرحمن، عن أبي الاشهب، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، قال: كان يلت السويق للحاج. وأولى القراءتين بالصواب عندنا في ذلك قراءة من قرأه بتخفيف التاء على المعنى الذي وصفت لقارئه كذلك لاجماع الحجة من قراء الامصار عليه. وأما العزى فإن أهل التأويل اختلفوا فيها، فقال بعضهم: كان شجرات يعبدونها. ذكر من قال ذلك: 25183 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد والعزى قال: العزى: شجيرات. وقال آخرون: كانت العزى حجرا أبيض. ذكر من قال ذلك: 25184 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، قال: العزى: حجر أبيض. وقال آخرون: كان بيتا بالطائف تعبده ثقيف. ذكر من قال ذلك: 25185 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والعزى قال: العزى: بيت بالطائف تعبده ثقيف.
[ 79 ]
وقال آخرون: بل كانت ببطن نخلة. ذكر من قال ذلك: 25186 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومناة الثالثة الاخرى قال: أما مناة فكانت بقديد، آلهة كانوا يعبدونها، يعني اللات والعزى ومناة. 25187 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومناة الثالثة الاخرى قال مناة بيت كان بالمشلل يعبده بنو كعب. واختلف أهل العربية في وجه الوقف على اللات ومنات، فكان بعض نحويي البصرة يقول: إذا سكت قلت اللات، وكذلك مناة تقول: منات. وقال: قال بعضهم: اللات، فجعله من اللت الذي يلت ولغة للعرب يسكتون على ما فيه الهاء بالتاء يقولون: رأيت طلحت، وكل شئ مكتوب بالهاء فإنها تقف عليه بالتاء، نحو نعمة ربك وشجرة. وكان بعض نحويي الكوفة يقف على اللات بالهاء أفرأيتم اللاة وكان غيره منهم يقول: الاختيار في كل ما لم يضف أن يكون بالهاء رحمة من ربي، وشجرة تخرج، وما كان مضافا فجائزا بالهاء والتاء، فالتاء للاضافة، والهاء لانه يفرد ويوقف عليه دون الثاني، وهذا القول الثالث أفشى اللغات وأكثرها في العرب وإن كان للاخرى وجه معروف. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعزى ومناة الثالثة: أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها. وقوله: ألكم الذكر وله الانثى يقول: أتزعمون أن لكم الذكر الذي ترضونه، ولله الانثى التي لا ترضونها لانفسكم تلك إذا قسمة ضيزى يقول جل ثناؤه: قسمتكم هذه قسمة جائرة غير مستوية، ناقصة غير تامة، لانكم جعلتم لربكم من الولد ما تكرهون لانفسكم، وآثرتم أنفسكم بما ترضونه، والعرب تقول: ضزته حقه بكسر الضاد، وضزته بضمها فأنا أضيزه وأضوزه، وذلك إذا نقصته حقه ومنعته وحدثت عن معمر بن المثنى قال: أنشدني الاخفش: فإن تنأ عنا ننتقصك وإن تغب فسهمك مضئوز وأنفك راغم
[ 80 ]
ومن العرب من يقول: ضيزى بفتح الضاد وترك الهمز فيها ومنهم من يقول: ضأزى بالفتح والهمز، وضؤزى بالضم والهمز، ولم يقرأ أحد بشئ من هذه اللغات. وأما الضيزى بالكسر فإنها فعلى بضم الفاء، وإنما كسرت الضاد منها كما كسرت من قولهم: قوم بيض وعين، وهي فعل لان واحدها: بيضاء وعيناء ليؤلفوا بين الجمع والاثنين والواحد، وكذلك كرهوا ضم الضاد من ضيزى، فتقول: ضوزى، مخافة أن تصير بالواو وهي من الياء. وقال الفراء: إنما قضيت على أولها بالضم، لان النعوت للمؤنث تأتي إما بفتح، وإما بضم فالمفتوح: سكرى وعطشى والمضموم: الانثى والحبلى فإذا كان اسما ليس بنعت كسر أوله، كقوله: وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين كسر أولها، لانها اسم ليس بنعت، وكذلك الشعرى كسر أولها، لانها اسم ليس بنعت. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: قسمة ضيزى قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنها، فقال بعضهم: قسمة عوجاء. ذكر من قال ذلك: 25188 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: تلك إذا قسمة ضيزى قال: عوجاء. وقال آخرون: قسمة جائرة. ذكر من قال ذلك: 25189 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة تلك إذا قسمة ضيزى يقول: قسمة جائرة. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة قسمة ضيزى قال: قسمة جائرة. 25190 - حدثنا محمد بن حفص أبو عبيد الوصائي، قال: ثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن لهيعة، عن ابن عمرة، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: تلك إذا قسمة ضيزى قال: تلك إذا قسمة جائرة لا حق فيها.
[ 81 ]
وقال آخرون: قسمة منقوصة. ذكر من قال ذلك: 25191 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان تلك إذا قسمة ضيزى قال: منقوصة. وقال آخرون: قسمة مخالفة. ذكر من قال ذلك: 25192 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: تلك إذا قسمة ضيزى قال: جعلوا لله تبارك وتعالى بنات، وجعلوا الملائكة لله بنات، وعبدوهم، وقرأ أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر... الآية، وقرأ ويجعلون لله البنات... إلى آخر الآية، وقال: دعوا لله ولدا، كما دعت اليهود والنصارى، وقرأ كذلك قال الذين من قبلهم قال: والضيزى في كلام العرب: المخالفة، وقرأ إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) *. يقول تعالى ذكره: ما هذه الاسماء التي سميتموها وهي اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى، إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم أيها المشركون بالله، وآباؤكم من قبلكم، ما أنزل الله بها، يعني بهذه الاسماء، يقول: لم يبح الله ذلك لكم، ولا أذن لكم به. كما: 25193 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من سلطان... إلى آخر الآية. وقوله: إن يتبعون إلا الظن يقول تعالى ذكره: ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه الاسماء التي سموا بها آلهتهم إلا الظن بأن ما يقولون حق لا اليقين وما تهوى الانفس يقول: وهوى أنفسهم، لانهم لم يأخذوا ذلك عن وحي جاءهم من الله، ولا عن رسول الله
[ 82 ]
أخبرهم به، وإنما اختراق من قبل أنفسهم، أو أخذوه عن آبائهم الذين كانوا من الكفر بالله على مثل ما هم عليه منه. وقوله: ولقد جاءهم من ربهم الهدى يقول: ولقد جاء هؤلاء المشركين بالله من ربهم البيان مما هم منه على غير يقين، وذلك تسميتهم اللات والعزى ومناة الثالثة بهذه الاسماء وعبادتهم إياها. يقول: لقد جاءهم من ربهم الهدى في ذلك، والبيان بالوحي الذي أوحيناه إلى محمد (ص) أن عبادتها لا تنبغي، وأنه لا تصلح العبادة إلا لله الواحد القهار. وقال ابن زيد في ذلك ما: 25194 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد جاءهم من ربهم الهدى فما انتفعوا به. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم للانسان ما تمنى ئ فلله الآخرة والاولى ئ وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشآء ويرضى) *. يقول تعالى ذكره: أم اشتهى محمد (ص) ما أعطاه الله من هذه الكرامة التي كرمه بها من النبوة والرسالة، وأنزل الوحي عليه، وتمنى ذلك، فأعطاه إياه ربه، فلله ما في الدار الآخرة والاولى، وهي الدنيا، يعطي من شاء من خلقه ما شاء، ويحرم من شاء منهم ما شاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25195 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم للانسان ما تمنى قال: وإن كان محمد تمنى هذا، فذلك له. وقوله: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا يقول تعالى ذكره: وكم من ملك في السموات لا تغني: كثير من ملائكة الله، لا تنفع شفاعتهم عند الله لمن شفعوا له شيئا، إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم بالشفاعة لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضى، يقول: ومن بعد أن يرضى لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ
[ 83 ]
شفاعتهم، وإنما هذا توبيخ من الله تعالى ذكره لعبدة الاوثان والملا من قريش وغيرهم الذين كانوا يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فقال الله جل ذكره لهم: ما تنفع شفاعة ملائكتي الذين هم عندي لمن شفعوا له، إلا من بعد إذني لهم بالشفاعة له ورضاي، فكيف بشفاعة من دونهم، فأعلمهم أن شفاعة ما يعبدون من دونه غير نافعتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الانثى ئ وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ئ فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين لا يصدقون بالبعث في الدار الآخرة، وذلك يوم القيامة، ليسمون ملائكة الله تسمية الاناث، وذلك أنهم كانوا يقولون: هم بنات الله. وبنحو الذي قلنا في قوله: تسمية الانثى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25196 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تسمية الانثى قال: الاناث. وقوله: وما لهم به من علم يقول تعالى: وما لهم يقولون من تسميتهم الملائكة تسمية الانثى من حقيقة علم إن يتبعون إلا الظن يقول: ما يتبعون في ذلك إلا الظن، يعني أنهم إنما يقولون ذلك ظنا بغير علم. وقوله: وإن الظن لا يغني من الحق شيئا يقول: وإن الظن لا ينفع من الحق شيئا فيقوم مقامه. وقوله: فأعرض عمن تولى عن ذكرنا يقول جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): فدع من أدبر يا محمد عن ذكر الله ولم يؤمن به فيوحده. وقوله: ولم يرد إلا الحياة الدنيا يقول: ولم يطلب ما عند الله في الدار الآخرة، ولكنه طلب زينة الحياة الدنيا، والتمس البقاء فيها. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 84 ]
* (ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي يقوله هؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة في الملائكة من تسميتهم إياها تسمية الانثى مبلغهم من العلم يقول: ليس لهم علم إلا هذا الكفر بالله، والشرك به على وجه الظن بغير يقين علم. وكان ابن زيد يقول في ذلك، ما: 25197 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم قال: يقول ليس لهم علم إلا الذي هم فيه من الكفر برسول الله (ص)، ومكايدتهم لما جاء من عند الله، قال: وهؤلاء أهل الشرك. وقوله: إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو أعلم بمن جار عن طريقه في سابق علمه، فلا يؤمن، وذلك الطريق هو الاسلام وهو أعلم بمن اهتدى يقول: وربك أعلم بمن أصاب طريقه فسلكه في سابق علمه، وذلك الطريق أيضا الاسلام. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *. يقول تعالى ذكره: ولله ملك ما في السموات وما في الارض من شئ، وهو يضل من يشاء، وهو أعلم بهم ليجزي الذين أساءوا بما عملوا يقول: ليجزي الذين عصوه من خلقه، فأساءوا بمعصيتهم إياه، فيثيبهم بها النار ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى يقول: وليجزي الذين أطاعوه فأحسنوا بطاعتهم إياه في الدنيا بالحسنى وهي الجنة، فيثيبهم بها. وقيل: عني بذلك أهل الشرك والايمان. ذكر من قال ذلك: 25198 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش،
[ 85 ]
قال: قال زيد بن أسلم في قول الله: ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا المؤمنون. وقوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم يقول: الذين يبتعدون عن كبائر الاثم التي نهى الله عنها وحرمها عليهم فلا يقربونها، وذلك الشرك بالله، وما قد بيناه في قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم. وقوله: والفواحش وهي الزنا وما أشبهه، مما أوجب الله فيه حدا. وقوله: إلا اللمم اختلف أهل التأويل في معنى إلا في هذا الموضع، فقال بعضهم: هي بمعنى الاستثناء المنقطع، وقالوا: معنى الكلام: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش، إلا اللمم الذي ألموا به من الاثم والفواحش في الجاهلية قبل الاسلام، فإن الله قد عفا لهم عنه، فلا يؤاخذهم به. ذكر من قال ذلك: 25199 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم يقول: إلا ما قد سلف. 25200 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: المشركون إنما كانوا بالامس يعملون معناه، فأنزل الله عز وجل إلا اللمم ما كان منهم في الجاهلية. قال: واللمم: الذي ألموا به من تلك الكبائر والفواحش في الجاهلية قبل الاسلام، وغفرها لهم حين أسلموا. 25201 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن ابن عياش، عن ابن عون، عن محمد، قال: سأل رجل زيد بن ثابت، عن هذه الآية الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم فقال: حرم الله عليك الفواحش ما ظهر منها وما بطن. 25202 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في قول الله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: كبائر الشرك والفواحش: الزنى، تركوا ذلك حين دخلوا في الاسلام، فغفر الله لهم ما كانوا ألموا به وأصابوا من ذلك قبل الاسلام.
[ 86 ]
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب ممن يوجه تأويل إلا في هذا الموضع إلى هذا الوجه الذي ذكرته عن ابن عباس يقول في تأويل ذلك: لم يؤذن لهم في اللمم، وليس هو من الفواحش، ولا من كبائر الاثم، وقد يستثنى الشئ من الشئ، وليس منه على ضمير قد كف عنه فمجازه، إلا أن يلم بشئ ليس من الفواحش ولا من الكبائر، قال: الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس واليعافير: الظباء، والعيس: الابل وليسا من الناس، فكأنه قال: ليس به أنيس، غير أن به ظباء وإبلا. وقال بعضهم: اليعفور من الظباء الاحمر، والاعيس: الابيض. وقال بنحو هذا القول جماعة من أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25203 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الاعمش، عن أبي الضحى، أن ابن مسعود قال: زنى العينين: النظر، وزنى الشفتين: التقبيل، وزنى اليدين: البطش، وزنى الرجلين: المشي، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، فإن تقدم بفرجه كان زانيا، وإلا فهو اللمم. 25204 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: وأخبرنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي (ص): إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنى أدركه ذلك لا محالة، فزني العينين
[ 87 ]
النظر، وزني اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. 25205 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق في قوله: إلا اللمم قال: إن تقدم كان زنى، وإن تأخر كان لمما. 25206 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا منصور بن عبد الرحمن، قال: سألت الشعبي، عن قول الله: يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: هو ما دون الزنى، ثم ذكر لنا عن ابن مسعود، قال: زنى العينين، ما نظرت إليه، وزنى اليد: ما لمست، وزنى الرجل: ما مشت والتحقيق بالفرج. 25207 - حدثني محمد بن معمر، قال: ثنا يعقوب، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم بن عمرو القاري، قال: ثني عبد الرحمن بن نافع الذي يقال له ابن لبابة الطائفي، قال: سألت أبا هريرة عن قول الله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: القبلة، والغمزة، والنظرة والمباشرة، إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل، وهو الزنى. وقال آخرون: بل ذلك استثناء صحيح، ومعنى الكلام: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إلا أن يلم بها ثم يتوب. ذكر من قال ذلك: 25208 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا زكريا بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: هو الرجل يلم بالفاحشة ثم يتوب قال: وقال رسول الله (ص): إن تغفر اللهم تغفر جماوأي عبد لك لا ألما حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، أنه قال في هذه الآية إلا اللمم قال: الذي يلم بالذنب ثم يدعه، وقال الشاعر:
[ 88 ]
إن تغفر اللهم تغفر جماوأي عبد لك لا ألما 25209 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا يونس، عن الحسن، عن أبي هريرة، أراه رفعه: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: اللمة من الزنى، ثم يتوب ولا يعود، واللمة من السرقة، ثم يتوب ولا يعود واللمة من شرب الخمر، ثم يتوب ولا يعود، قال: فتلك الالمام. 25210 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، في قول الله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: اللمة من الزنى أو السرقة، أو شرب الخمر، ثم لا يعود. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن أبي عدي عن عوف، عن الحسن، في قول الله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: اللمة من الزنى، أو السرقة، أو شرب الخمر ثم لا يعود. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: قد كان أصحاب النبي (ص) يقولون: هذا الرجل يصيب اللمة من الزنا، واللمة من شرب الخمر، فيخفيها فيتوب منها. 25211 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس إلا اللمم يلم بها في الحين، قلت الزنى، قال: الزنى ثم يتوب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، قال: قال معمر: كان الحسن يقول في اللمم: تكون اللمة من الرجل: الفاحشة ثم يتوب.
[ 89 ]
25212 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح، قال: الزنى ثم يتوب. قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن قتادة، عن الحسن إلا اللمم قال: أن يقع الوقعة ثم ينتهي. 25213 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: اللمم: الذي تلم المرة. 25214 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، أن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: اللمم: ما دون الشرك. 25215 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا مرة، عن عبد الله بن القاسم، في قوله: إلا اللمم قال: اللمة يلم بها من الذنوب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: إلا اللمم قال: الرجل يلم بالذنب ثم ينزع عنه. قال: وكان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت وهم يقولون: إن تغفر اللهم تغفر جماوأي عبد لك لا ألما وقال آخرون ممن وجه معنى إلا إلى الاستثناء المنقطع: اللمم: هو دون حد الدنيا وحد الآخرة، قد تجاوز الله عنه. ذكر من قال ذلك: 25216 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن عطاء، عن ابن الزبير إلا اللمم قال: ما بين الحدين، حد الدنيا، وعذاب الآخرة. 25217 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن الحكم، عن ابن عباس أنه قال: اللمم: ما دون الحدين: حد الدنيا والآخرة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن الحكم وقتادة، عن ابن عباس بمثله، إلا أنه قال: حد الدنيا، وحد الآخرة. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، قال: قال ابن عباس: اللمم ما دون الحدين، حد الدنيا وحد الآخرة.
[ 90 ]
25218 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم قال: كل شئ بين الحدين، حد الدنيا وحد الآخرة، تكفره الصلوات، وهو اللمم، وهو دون كل موجب فأما حد الدنيا فكل حد فرض الله عقوبته في الدنيا وأما حد الآخرة فكل شئ ختمه الله بالنار، وأخر عقوبته إلى الآخرة. 25219 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: إلا اللمم يقول: ما بين الحدين، كل ذنب ليس فيه حد في الدنيا ولا عذاب في الآخرة، فهو اللمم. 25220 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم واللمم: ما كان بين الحدين لم يبلغ حد الدنيا ولا حد الآخرة موجبة، قد أوجب الله لاهلها النار، أو فاحشة يقام عليه الحد في الدنيا. وحدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن قتادة، قال: قال بعضهم: اللمم: ما بين الحدين: حد الدنيا، وحد الآخرة. حدثنا أبو كريب ويعقوب، قالا: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن ابن عباس، قال: اللمم: ما بين الحدين: حد الدنيا، وحد الآخرة. 25221 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الضحاك إلا اللمم قال: كل شئ بين حد الدنيا والآخرة فهو اللمم يغفره الله. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال إلا بمعنى الاستثناء المنقطع، ووجه معنى الكلام إلى الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم بما دون كبائر الاثم، ودون الفواحش الموجبة للحدود في الدنيا، والعذاب في الآخرة، فإن ذلك معفو لهم عنه، وذلك عندي نظير قوله جل ثناؤه: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما فوعد جل ثناؤه باجتناب الكبائر، العفو عما دونها من السيئات، وهو اللمم الذي قال النبي (ص): العينان تزنيان، واليدان تزنيان، والرجلان تزنيان
[ 91 ]
ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه، وذلك أنه لا حد فيما دون ولوج الفرج في الفرج، وذلك هو العفو من الله في الدنيا عن عقوبة العبد عليه، والله جل ثناؤه أكرم من أن يعود فيما قد عفا عنه، كما روي عن النبي (ص) واللمم في كلام العرب: المقاربة للشئ، ذكر الفراء أنه سمع العرب تقول: ضربه ما لمم القتل، يريدون ضربا مقاربا للقتل. قال: وسمعت من آخر: ألم يفعل في معنى: كاد يفعل. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) إن ربك يا محمد واسع المغفرة: واسع عفوه للمذنبين الذين لم تبلغ ذنوبهم الفواحش وكبائر الاثم. وإنما أعلم جل ثناؤه بقوله هذا عباده أنه يغفر اللمم بما وصفنا من الذنوب لمن اجتنب كبائر الاثم والفواحش. كما: 25222 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إن ربك واسع المغفرة قد غفر ذلك لهم. وقوله: هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض يقول تعالى ذكره: ربكم أعلم بالمؤمن منكم من الكافر، والمحسن منكم من المسئ، والمطيع من العاصي، حين ابتدعكم من الارض، فأحدثكم منها بخلق أبيكم آدم منها، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم، يقول: وحين أنتم حمل لم تولدوا منكم، وأنفسكم بعدما، صرتم رجالا ونساء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأول. ذكر من قال ذلك:
[ 92 ]
25223 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض قال: كنحو قوله: وهو أعلم بالمهتدين. 25224 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إذ أنشأكم من الارض قال: حين خلق آدم من الارض ثم خلقكم من آدم، وقرأ وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم. وقد بينا فيما مضى قبل معنى الجنين، ولم قيل له جنين، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: فلا تزكوا أنفسكم يقول جل ثناؤه: فلا تشهدوا لانفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي. كما: 25225 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: سمعت زيد بن أسلم يقول فلا تزكوا أنفسكم يقول: فلا تبرئوها. وقوله: هو أعلم بمن اتقى يقول جل ثناؤه: ربك يا محمد أعلم بمن خاف عقوبة الله فاجتنب معاصيه من عباده. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفرأيت الذي تولى ئ وأعطى قليلا وأكدى ئ أعنده علم الغيب فهو يرى ئ أم لم ينبأ بما في صحف موسى ئ وإبراهيم الذي وفى ئ ألا تزر وازرة وزر أخرى ئ وأن ليس للانسان إلا ما سعى) *. يقول تعالى ذكره: أفرأيت يا محمد الذي أدبر عن الايمان بالله، وأعرض عنه وعن دينه، وأعطى صاحبه قليلا من ماله، ثم منعه فلم يعطه، فبخل عليه. وذكر أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة من أجل أنه عاتبه بعض المشركين،
[ 93 ]
وكان قد اتبع رسول الله (ص) على دينه، فضمن له الذي عاتبه إن هو أعطاه شيئا من ماله، ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الآخرة، ففعل، فأعطى الذي عاتبه على ذلك بعض ما كان ضمن له، ثم بخل عليه ومنعه تمام ما ضمن له. ذكر من قال ذلك: 25226 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وأكدى قال الوليد بن المغيرة: أعطى قليلا ثم أكدى. 25227 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أفرأيت الذي تولى... إلى قوله: فهو يرى قال: هذا رجل أسلم، فلقيه بعض من يعيره فقال: أتركت دين الاشياخ وضللتهم، وزعمت أنهم في النار، كان ينبغي لك أن تنصرهم، فكيف يفعل بآبائك، فقال: إني خشيت عذاب الله، فقال: أعطني شيئا، وأنا احمل كل عذاب كان عليك عنك، فاعطاه شيئا، فقال زدني، فتعاسر حتى أعطاه شيئا، وكتب له كتابا، وأشهد له، فذلك قول الله: أفرأيت الذي تولي وأعطى قليلا وأكدى عاسره أعنده علم الغيب فهو يرى نزلت فيه هذه الآية. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: أكدى قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25228 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان الشيباني، عن ثابت، عن الضحاك، عن ابن عباس أعطى قليلا وأكدى قال: أعطى قليلا ثم انقطع. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى يقول: أعطى قليلا ثم انقطع. 25229 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وأعطى قليلا وأكدى قال: انقطع فلا يعطي شيئا، ألم تر إلى البئر يقال لها أكدت. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأكدى: انقطع عطاؤه.
[ 94 ]
25230 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس وقتادة، في قوله: وأكدى قال: أعطى قليلا، ثم قطع ذلك. 25231 - قال: ثنا ابن ثور، قال: ثنا معمر، عن عكرمة مثل ذلك. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأكدى أي بخل وانقطع عطاؤه. 25232 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأكدى يقول: انقطع عطاؤه. 25233 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأكدى عاسره، والعرب تقول: حفر فلان فأكدى، وذلك إذا بلغ الكدية، وهو أن يحفر الرجل في السهل، ثم يستقبله جبل فيكدي، يقال: قد أكدى كداء، وكديت أظفاره وأصابعه كدى شديدا، منقوص: إذا غلظت، وكديت أصابعه: إذا كلت فلم تعمل شيئا، وكدا النبت إذا قل ريعه يهمز ولا يهمز. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: اشتق قوله: أكدى، من كدية الركية، وهو أن يحفر حتى ييأس من الماء، فيقال حينئذ بلغنا كديتها. وقوله: أعنده علم الغيب فهو يرى يقول تعالى ذكره: أعند هذا الذي ضمن له صاحبه أن يتحمل عنه عذاب الله في الآخرة علم الغيب، فهو يرى حقيقة قوله، ووفائه بما وعده. وقوله: أم لم ينبأ بما في صحف موسى يقول تعالى ذكره: أم لم يخبر هذا المضمون له، أن يتحمل عنه عذاب الله في الآخرة، بالذي في صحف موسى بن عمران عليه السلام. وقوله: وإبراهيم الذي وفى يقول: وإبراهيم الذي وفى من أرسل إليه ما أرسل به. ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذي وفى، فقال بعضهم: وفاؤه بما عهد إليه ربه من تبليغ رسالاته، وهو ألا تزر وازرة وزر أخرى. ذكر من قال ذلك:
[ 95 ]
25234 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس وإبراهيم الذي وفى قال: كانوا قبل إبراهيم يأخذون الولي بالولي، حتى كان إبراهيم، فبلغ ألا تزر وازرة وزر أخرى لا يؤاخذ أحد بذنب غيره. 25235 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن عكرمة وإبراهيم الذي وفى قالوا: بلغ هذه الآيات ألا تزر وازرة وزر أخرى. 25236 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإبراهيم الذي وفى قال: وفى طاعة الله، وبلغ رسالات ربه إلى خلقه. وكان عكرمة يقول: وفى هؤلاء الآيات العشر ألا تزر وازرة وزر أخرى... حتى بلغ وأن عليه النشأة الاخرى. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: وإبراهيم الذي وفى وفى طاعة الله ورسالاته إلى خلقه. 25237 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا أبو بكير، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، في قوله: وإبراهيم الذي وفى قال: بلغ ما أمر به. 25238 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وإبراهيم الذي وفى قال: بلغ. 25239 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وإبراهيم الذي وفى قال: وفى: بلغ رسالات ربه، بلغ ما أرسل به، كما يبلغ الرجل ما أرسل به. وقال آخرون: بل وفى بما رأى في المنام من ذبح ابنه، وقالوا قوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى من المؤخر الذي معناه التقديم وقالوا: معنى الكلام: أم لم ينبأ بما في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى، وبما في صحف إبراهيم الذي وفى. ذكر من قال ذلك: 25240 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى
[ 96 ]
يقول: إبراهيم الذي استكمل الطاعة فيما فعل بابنه حين رأى الرؤيا، والذي في صحف موسى ألا تزر وازرة وزر أخرى... إلى آخر الآية. 25241 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي، وسئل عن هذه الآية وإبراهيم الذي وفى قال: وفى بذبح ابنه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنه وفى ربه جميع شرائع الاسلام. ذكر من قال ذلك: 25242 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبوية، قال: ثنا علي بن الحسن، قال: ثنا خارجة بن مصعب، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: الاسلام ثلاثون سهما. وما ابتلي بهذا الدين أحد فأقامه إلا إبراهيم، قال الله وإبراهيم الذي وفى فكتب الله له براءة من النار. 25243 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: وإبراهيم الذي وفى ما فرض عليه. وقال آخرون: وفى بما روي عن رسول الله (ص) في الخبر الذي: 25244 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا رشدين بن سعد، قال: ثني زيان بن فائد، عن سهل بن معاذ، عن أنس، عن أبيه، قال: كان النبي (ص) يقول: ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى ؟ لانه كان يقول كلما أصبح وأمسى: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون حتى ختم الآية. وقال آخرون: بل وفى ربه عمل يومه. ذكر من قال ذلك: 25245 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الحسن بن عطية، قال: ثنا إسرائيل، عن جعفر بن الزبير عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله (ص): وإبراهيم الذي وفى قال: أتدرون ما وفى ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: وفى عمل يومه أربع ركعات في النهار. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: وفى جميع شرائع الاسلام وجميع
[ 97 ]
ما أمر به من الطاعة، لان الله تعالى ذكره أخبر عنه أنه وفى فعم بالخبر عن توفيته جميع الطاعة، ولم يخصص بعضا دون بعض. فإن قال قائل: فإنه خص ذلك بقوله وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى فإن ذلك مما أخبر الله جل ثناؤه أنه في صحف موسى وإبراهيم، لا مما خص به الخبر عن أنه وفى. وأما التوفية فإنها على العموم، ولو صح الخبران اللذان ذكرناهما أو أحدهما عن رسول الله (ص)، لم نعد القول به إلى غيره ولكن في إسنادهما نظر يجب التثبت فيهما من أجله. وقوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى فإن من قوله: ألا تزر على التأويل الذي تأولناه في موضع خفض ردا على ما التي في قوله أم لم ينبأ بما في صحف موسى يعني بقوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى غيرها، بل كل آثمة فإنما إثمها عليها. وقد بينا تأويل ذلك باختلاف أهل العلم فيه فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25246 - حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو مالك الجنبي، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك الغفاري في قوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للانسان إلا ما سعى... إلى قوله: من النذر الاولى قال: هذا في صحف إبراهيم وموسى. وإنما عني بقوله: ألا تزر وازرة وزر أخرى الذي ضمن للوليد بن المغيرة أن يتحمل عنه عذاب الله يوم القيامة، يقول: ألم يخبر قائل هذا القول، وضامن هذا الضمان بالذي في صحف موسى وإبراهيم مكتوب: أن لا تأثم آثمة إثم أخرى غيرها وأن ليس للانسان إلا ما سعى يقول جل ثناؤه: أو لم ينبأ أنه لا يجازى عامل إلا بعمله، خيرا كان ذلك أو شرا. كما: 25247 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأن ليس للانسان إلا ما سعى، وقرأ إن سعيكم لشتى قال: أعمالكم. وذكر عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية منسوخة.
[ 98 ]
25248 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وأن ليس للانسان إلا ما سعى قال: فأنزل الله بعد هذا والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم فأدخل الابناء بصلاح الآباء الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأن سعيه سوف يرى ئ ثم يجزاه الجزآء الاوفى ئ وأن إلى ربك المنتهى ئ وأنه هو أضحك وأبكى) *. قوله جل ثناؤه: وأن سعيه سوف يرى يقول تعالى ذكره: وأن عمل كل عامل سوف يراه يوم القيامة، من ورد القيامة بالجزاء الذي يجازى عليه، خيرا كان أو شرا، لا يؤاخد بعقوبة ذنب غير عامله، ولا يثاب على صالح عمله عامل غيره. وإنما عني بذلك: الذي رجع عن إسلامه بضمان صاحبه له أن يتحمل عنه العذاب، أن ضمانه ذلك لا ينفعه، ولا يغني عنه يوم القيامة شيئا، لان كل عامل فبعمله مأخوذ. وقوله: ثم يجزاه الجزاء الاوفى يقول تعالى ذكره: ثم يثاب بسعيه ذلك الثواب الاوفى. وإنما قال جل ثناؤه الاوفى لانه أوفى ما وعد خلقه عليه من الجزاء، والهاء في قوله: ثم يجزاه من ذكر السعي، وعليه عادت. وقوله: وأن إلى ربك المنتهى يقول تعالى ذكره لنبيه (ص): وأن إلى ربك يا محمد انتهاء جميع خلقه ومرجعهم، وهو المجازي جميعهم بأعمالهم، صالحهم وطالحهم، ومحسنهم ومسيئهم. وقوله: وأنه هو أضحك وأبكى يقول تعالى ذكره: وأن ربك هو أضحك أهل الجنة في الجنة بدخولهم إياها، وأبكى أهل النار في النار بدخولهموها، وأضحك من شاء من أهل الدنيا، وأبكى من أراد أن يبكيه منهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنه هو أمات وأحيا ئ وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى ئ من نطفة إذا تمنى ئ وأن عليه النشأة الاخرى) *.
[ 99 ]
يقول تعالى ذكره: وأنه هو أمات من مات من خلقه، وهو أحيا من حيي منهم. وعنى بقوله: أحيا نفخ الروح في النطفة الميتة، فجعلها حية بتصييره الروح فيها. وقوله: وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى من نطفة إذا تمنى يقول تعالى ذكره: وأنه ابتدع إنشاء الزوجين الذكر والانثى، وجعلهما زوجين، لان الذكر زوج الانثى، والانثى له زوج فهما زوجان، يكون كل واحد منهما زوجا للآخر. وقوله: من نطفة إذا تمنى ومن من صلة خلق يقول تعالى ذكره: خلق ذلك من نطفة إذا أمناه الرجل والمرأة. وقوله: وأن عليه النشأة الاخرى يقول تعالى ذكره: وأن على ربك يا محمد أن يخلق هذين الزوجين بعد مماتهم، وبلاهم في قبورهم الخلق الآخر، وذلك إعادتهم أحياء خلقا جديدا، كما كانوا قبل مماتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنه هو أغنى وأقنى ئ وأنه هو رب الشعرى ئ وأنه أهلك عادا الاولى ئ وثمود فما أبقى) *. يقول تعالى ذكره: وأن ربك هو أغنى من أغنى من خلقه بالمال وأقناه، فجعل له قنية أصول أموال. واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم بالذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: 25249 - حدثني محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن السدي، عن أبي صالح، قوله: أغنى وأقنى قال: أغنى المال وأقنى القنية. وقال آخرون: عني بقوله: أغنى: أخدم. ذكر من قال ذلك: 25250 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد، في قوله: وأنه هو أغنى وأقنى قال: أغنى: مول، وأقنى: أخدم. 25251 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، قوله: أغنى وأقنى قال: أخدم. 25252 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: أغنى وأقنى قال: أغنى وأخدم.
[ 100 ]
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أغنى وأقنى قال: أعطى وأرضى وأخدم. وقال آخرون: بل عني بذلك أنه أغنى من المال وأقنى: رضي. ذكر من قال ذلك: 25253 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنه هو أغنى وأقنى قال: فإنه أغنى وأرضى. 25254 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد وأنه هو أغنى وأقنى قال: أغنى مول، وأقنى: رضي. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال:: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أغنى قال: مول وأقنى قال رضي. 25255 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وأنه هو أغنى وأقنى يقول: أعطاه وأرضاه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، مثل حديث ابن بشار، عن عبد الرحمن، عن سفيان. وقال آخرون: بل عني بذلك أنه أغنى نفسه، وأفقر خلقه إليه. ذكر من قال ذلك: 25256 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه وأنه هو أغنى وأقنى قال: زعم حضرمي أنه ذكر له أنه أغنى نفسه، وأفقر الخلائق إليه. وقال آخرون: بل عني بذلك أنه أغنى من شاء من خلقه، وأفقر من شاء. ذكر من قال ذلك: 25257 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنه هو أغنى وأقنى قال: أغنى فأكثر، وأقنى أقل، وقرأ يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له. وقوله: وأنه هو رب الشعرى يقول تعالى ذكره: وأن ربك يا محمد هو رب
[ 101 ]
الشعرى، يعني بالشعرى: النجم الذي يسمى هذا الاسم، وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25258 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنه هو رب الشعرى قال: هو الكوكب الذي يدعى الشعرى. 25259 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله: وأنه هو رب الشعرى قال: الكوكب الذي خلف الجوزاء، كانوا يعبدونه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد: وأنه هو رب الشعرى قال: كان يعبد في الجاهلية. 25260 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رب الشعرى قال: مرزم الجوزاء. 25261 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأنه هو رب الشعرى كان حي من العرب يعبدون الشعرى هذا النجم الذي رأيتم، قال بشر، قال: يريد النجم الذي يتبع الجوزاء. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: رب الشعرى قال: كان ناس في الجاهلية يعبدون هذا النجم الذي يقال له الشعرى. 25262 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنه رب الشعرى كانت تعبد في الجاهلية، فقال: تعبدون هذه وتتركون ربها ؟ اعبدوا ربها. قال: والشعرى: النجم الوقاد الذي يتبع الجوزاء، يقال له المرزم. وقوله: وأنه أهلك عادا الاولى يعني تعالى ذكره بعاد الاولى: عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، وهم الذين أهلكهم الله بريح صرصر عاتية، وإياهم عنى بقوله: ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم.
[ 102 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة وبعض قراء البصرة عادا لولى بترك الهمز وجزم النون حتى صارت اللام في الاولى، كأنها لام مثقلة، والعرب تفعل ذلك في مثل هذا، حكي عنها سماعا منهم: قم لان عنا، يريد: قم الآن، جزموا الميم لما حركت اللام التي مع الالف في الآن، وكذلك تقول: صم اثنين، يريدون: صم الاثنين. وأما عامة قراء الكوفة وبعض المكيين، فإنهم قرأوا ذلك بإظهار النون وكسرها، وهمز الاولى على اختلاف في ذلك عن الاعمش، فروى أصحابه عنه غير القاسم بن معن موافقة أهل بلده في ذلك. وأما القاسم بن معن فحكي عنه عن الاعمش أنه وافق في قراءته ذلك قراءة المدنيين. والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما ذكرنا من قراءة الكوفيين، لان ذلك هو الفصيح من كلام العرب، وأن قراءة من كان من أهل السليقة فعلى البيان والتفخيم، وأن الادغام في مثل هذا الحرف وترك البيان إنما يوسع فيه لمن كان ذلك سجيته وطبعه من أهل البوادي. فأما المولدون فإن حكمهم أن يتحروا أفصح القراءات وأعذبها وأثبتها، وإن كانت الاخرى جائزة غير مردودة. وإنما قيل لعاد بن إرم: عاد الاولى، لان بني لقيم بن هزال بن هزيل بن عبيل بن ضد بن عاد الاكبر، كانوا أيام أرسل الله على عاد الاكبر عذابه سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة، ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، ولم يكونوا مع قومهم من عاد بأرضهم، فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم، وهم عاد الآخرة، ثم هلكوا بعد. وكان هلاك عاد الآخرة ببغي بعضهم على بعض، فتفانوا بالقتل فيما: 25263 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق، فيما ذكرنا قيل لعاد الاكبر الذي أهلك الله ذريته بالريح: عاد الاولى، لانها أهلكت قبل عاد الآخرة. وكان ابن زيد يقول: إنما قيل لعاد الاولى لانها أول الامم هلاكا. 25264 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله: أهلك عادا الاولى قال: يقال: هي من أول الامم. وقوله: وثمود فما أبقى يقول تعالى ذكره: ولم يبق الله ثمود فيتركها على طغيانها وتمردها على ربها مقيمة، ولكنه عاقبها بكفرها وعتوها فأهلكها.
[ 103 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء البصرة وبعض الكوفيين وثمودا فما أبقى بالاجراء إتباعا للمصحف، إذ كانت الالف مثبتة فيه، وقرأه بعض عامة الكوفيين بترك الاجراء. وذكر أنه في مصحف عبد الله بغير ألف. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب لصحتهما في الاعراب والمعنى. وقد بينا قصة ثمود وسبب هلاكها فيما مضى بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى ئ والمؤتفكة أهوى ئ فغشاها ما غشى) *. يقول تعالى ذكره: وأنه أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود، إنهم كانوا هم أشد ظلما لانفسهم، وأعظم كفرا بربهم، وأشد طغيانا وتمردا على الله من الذين أهلكهم من بعد من الامم، وكان طغيانهم الذي وصفهم الله به، وأنهم كانوا بذلك أكثر طغيانا من غيرهم من الامم. كما: 25265 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى لم يكن قبيل من الناس هم أظلم وأطغى من قوم نوح، دعاهم نبي الله (ص) نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، كلما هلك قرن ونشأ قرن دعاهم نبي الله حتى ذكر لنا أن الرجل كان يأخذ بيد ابنه فيمشي به، فيقول: يا بني إن أبي قد مشى بي إلى هذا، وأنا مثلك يومئذ تتابعا في الضلالة، وتكذيبا بأمر الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إنهم كانوا هم أظلم وأطغى قال: دعاهم نبي الله ألف سنة إلا خمسين عاما. وقوله: والمؤتفكة أهوى يقول تعالى: والمخسوف بها، المقلوب أعلاها أسفلها، وهي قرية سدوم قوم لولط، أهوى الله، فأمر جبريل (ص)، فرفعها من الارض السابعة بجناحه، ثم أهواها مقلوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25266 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 104 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: والمؤتفكة أهوى قال: أهواها جبريل، قال: رفعها إلى السماء ثم أهواها. 25267 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي عيسى يحيى بن رافع: والمؤتفكة أهوى قال قرية لوط حين أهوى بها. 25268 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والمؤتفكة أهوى قال: قرية لوط. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: والمؤتفكة أهوى قال: هم قوم لوط. 25269 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والمؤتفكة أهوى قال: قرية لوط أهواها من السماء، ثم أتبعها ذاك الصخر، اقتلعت من الارض، ثم هوى بها في السماء ثم قلبت. 25270 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والمؤتفكة أهوى قال: المكذبين أهلكهم الله. وقوله: فغشاها ما غشى يقول تعالى ذكره: فغشى الله المؤتفكة من الحجارة المنضودة المسومة ما غشاها، فأمطرها إياه من سجيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25271 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فغشاها ما غشى غشاها صخرا منضودا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فغشاها ما غشى قال: الحجارة. 25272 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فغشاها ما غشى قال: الحجارة التي رماهم بها من السماء. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 105 ]
* (فبأي آلاء ربك تتمارى ئ هذا نذير من النذر الاولى ئ أزفت الآزفة ئ ليس لها من دون الله كاشفة) *. يقول: فبأي آلاء ربك تتمارى يقول تعالى ذكره: فبأي نعمات ربك يا ابن آدم التي أنعمها عليك ترتاب وتشك وتجادل، والآلاء: جمع إلى. وفي واحدها لغات ثلاثة: إلي على مثال علي، وألي على مثال علي، وألى على مثال علا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25273 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فبأي آلاء ربك تتمارى يقول: فبأي نعم الله تتمارى يا ابن آدم. وحدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فبأي آلاء ربك تتمارى قال: بأي نعم ربك تتمارى. وقوله: هذا نذير من النذر الاولى اختلف أهل التأويل في معنى قوله جل ثناؤه لمحمد (ص) هذا نذير من النذر الاولى ووصفه إياه بأنه من النذر الاولى وهو آخرهم، فقال بعضهم: معنى ذلك: أنه نذير لقومه، وكانت النذر الذين قبله نذرا لقومهم، كما يقال: هذا واحد من بني آدم، وواحد من الناس. ذكر من قال ذلك: 25274 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: هذا نذير من النذر الاولى قال: أنذر محمد (ص) كما أنذرت الرسل من قبله. 25275 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هذا نذير من النذر الاولى إنما بعث محمد (ص) بما بعث الرسل قبله. 25576 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن جابر، عن أبي جعفر هذا نذير من النذر الاولى قال: هو محمد (ص). وقال آخرون: معنى ذلك غير هذا كله، وقالوا: معناه هذا الذي أنذرتكم به أيها القوم من الوقائع التي ذكرت لكم أني أوقعتها بالامم قبلكم من النذر التي أنذرتها الامم قبلكم في صحف إبراهيم وموسى. ذكر من قال ذلك:
[ 106 ]
25277 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي مالك هذا نذير من النذر الاولى قال: مما أنذروا به قومهم في صحف إبراهيم وموسى. وهذا الذي ذكرت، عن أبي مالك أشبه بتأويل الآية، وذلك أن الله تعالى ذكره ذكر ذلك في سياق الآيات التي أخبر عنها أنها في صحف إبراهيم وموسى نذير من النذر الاولى التي جاءت الامم قبلكم كما جاءتكم، فقوله: هذا بأن تكون إشارة إلى ما تقدمها من الكلام أولى وأشبه منه بغير ذلك. وقوله: أزفت الآزفة يقول: دنت الدانية. وإنما يعني: دنت القيامة القريبة منكم أيها الناس يقال منه: أزف رحيل فلان: إذا دنا وقرب، كما قال نابغة بني ذبيان: أزف الترحل غير أن ركابنالما تزل برحالنا وكأن قد وكما قال كعب بن زهير: بان الشباب وأمسى الشيب قد أزفاولا أرى لشباب ذاهب خلفا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 107 ]
25278 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس أزفت الآزفة من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. 25279 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قالا: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: أزفت الآزفة قال: اقتربت الساعة. 25280 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أزفت الآزفة قال: الساعة ليس لها من دون الله كاشفة. وقوله: ليس لها من دون الله كاشفة يقول تعالى ذكره: ليس للآزفة التي قد أزفت، وهي الساعة التي قد دنت من دون الله كاشف، يقول: ليس تنكشف فتقوم إلا بإقامة الله إياها، وكشفها دون من سواه من خلقه، لانه لم يطلع عليها ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا. وقيل: كاشفة، فأنثت، وهي بمعنى الانكشاف كما قيل: فهل ترى لهم من باقية بمعنى: فهل ترى لهم من بقاء وكما قيل: العاقبة وماله من ناهية، وكما قيل ليس لوقعتها كاذبة بمعنى تكذيب، ولا تزال تطلع على خائنة منهم بمعنى خيانة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن هذا الحديث تعجبون ئ وتضحكون ولا تبكون ئ وأنتم سامدون ئ فاسجدوا لله واعبدوا) *. يقول تعالى ذكره لمشركي قريش: أفمن هذا القرآن أيها الناس تعجبون، أن نزل على محمد (ص)، وتضحكون منه استهزاء به، ولا تبكون مما فيه من الوعيد لاهل معاصي الله، وأنتم من أهل معاصيه وأنتم سامدون يقول: وأنتم لاهون عما فيه من العبر والذكر، معرضون عن آياته يقال للرجل: دع عنا سمودك، يراد به: دع عنا لهوك، يقال منه: سمد فلان يسمد سمودا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم
[ 108 ]
بالعبارة عنه، فقال بعضهم: غافلون. وقال بعضهم: مغنون. وقال بعضهم: مبرطمون. ذكر من قال ذلك: 25281 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قوله: سامدون قال: هو الغناء، كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ولعبوا، وهي لغة أهل اليمن، قال اليماني: اسمد. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: سامدون يقول: لاهون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأنتم سامدون يقول: لاهون. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: هي يمانية اسمد تغن لنا. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: هو الغناء، وهي يمانية، يقولون: اسمد لنا: تغن لنا. 25282 - قال: ثنا عبيد الله الاشجعي، عن سفيان، عن حكيم بن الديلم، عن الضحاك، عن ابن عباس وأنتم سامدون قال: كانوا يمرون على النبي (ص) شامخين، ألم تروا إلى الفحل في الابل عطنا شامخا. 25283 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، في قوله: وأنتم سامدون قال: غافلون. 25284 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأنتم سامدون قال: كانوا يمرون على النبي (ص) غضابا مبرطمين. وقال عكرمة: هو الغناء بالحميرية.
[ 109 ]
25285 - قال: ثنا الاشجعي ووكيع، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هي البرطمة. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأنتم سامدون قال: البرطمة. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وأنتم سامدون قال: البرطمة. 25286 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: السامدون: المغنون بالحميرية. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: كان عكرمة يقول: السامدون يغنون بالحميرية، ليس فيه ابن عباس. 25287 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: سامدون: أي غافلون. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: سامدون قال: غافلون. 25288 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وأنتم سامدون السمود: اللهو واللعب. 25289 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سفيان بن سعيد، عن فطر، عن أبي خالد الوالبي، عن علي رضي الله عنه قال: رآهم قياما ينتظرون الامام، فقال: مالكم سامدون. حدثني ابن سنان القزاز، قال: ثنا أبو عاصم، عن عمران بن زائدة بن نشيط، عن أبيه، عن أبي خالد قال: خرج علينا علي رضي الله عنه ونحن قيام، فقال: مالي أراكم سامدين. قال: ثنا أبو عاصم، قال: أخبرنا سفيان، عن فطر، عن زائدة، عن أبي خالد، بمثله.
[ 110 ]
25290 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن أبي معشر، عن إبراهيم، في قوله: وأنتم سامدون قال: قيام القوم قبل أن يجئ الامام. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن عمران الخياط، عن إبراهيم في القوم ينتظرون الصلاة قياما قال: كان يقال: ذاك السمود. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن ليث والعزرمي، عن مجاهد وأنتم سامدون قال: البرطمة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس وأنتم سامدون قال: الغناء باليمانية: اسمد لنا. 25291 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنتم سامدون قال: السامد: الغافل. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كانوا يكرهون أن يقوموا إذا أقام المؤذن للصلاة وليس عندهم الامام، وكانوا يكرهون أن ينتظروه قياما، وكان يقال: ذاك السمود، أو من السمود. وقوله: فاسجدوا لله واعبدوا يقول تعالى ذكره: فاسجدوا لله أيها الناس في صلاتكم دون من سواه من الآلهة والانداد، وإياه فاعبدوا دون غيره، فإنه لا ينبغي أن تكون العبادة إلا له، فأخلصوا له العبادة والسجود، ولا تجعلوا له شريكا في عبادتكم إياه. آخر تفسير سورة النجم
[ 111 ]
سورة القمر (54) سورة القمر مكية وآياتها خمس وخمسون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق القمر ئ وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) *. يعني تعالى ذكره بقوله: اقتربت الساعة: دنت الساعة التي تقوم فيها القيامة، وقوله اقتربت افتعلت من القرب، وهذا من الله تعالى ذكره إنذار لعباده بدنو القيامة، وقرب فناء الدنيا، وأمر لهم بالاستعداد لاهوال القيامة قبل هجومها عليهم، وهم عنها في غفلة ساهون. وقوله: وانشق القمر يقول جل ثناؤه: وانفلق القمر، وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول الله (ص) وهو بمكة، قبل هجرته إلى المدينة، وذلك أن كفار أهل مكة سألوه آية، فأراهم (ص) انشقاق القمر، آية حجة على صدق قوله، وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذبوا، وقالوا: هذا سحر مستمر، سحرنا محمد، فقال الله جل ثناؤه وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار، وقال به أهل التأويل. ذكر الآثار المروية بذلك، والاخبار عمن قاله من أهل التأويل: 25292 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أن أنس بن مالك حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله (ص) أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر مرتين.
[ 112 ]
25293 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث، عن أنس، قال: انشق القمر فرقتين. 25294 - حدثنا ابن المثنى والحسن بن أبي يحيى المقدسي، قالا: ثنا أبو داود، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت أنسا يقول: انشق القمر على عهد رسول الله (ص). حدثني يعقوب الدورقي، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: سمعت أنسا يقول: فذكر مثله. حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: انشق القمر على عهد رسول الله (ص) مرتين. 25295 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله (ص) أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما. 25296 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله، قال: انشق القمر ونحن مع رسول الله (ص) بمنى حتى ذهبت منه فرقة خلف الجبل، فقال رسول الله (ص): اشهدوا. 25297 - حدثني إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: ثنا النضر بن شميل المازني، قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، قال: سمعت إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبد الله، قال تفلق
[ 113 ]
القمر على عهد رسول الله (ص) فرقتين، فكانت فرقة على الجبل، وفرقة من ورائه، فقال رسول الله (ص): اللهم اشهد. 25298 - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، عن ابن عمر، مثل حديث إبراهيم في القمر. حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثني عمي يحيى بن عيسى، عن الاعمش، عن إبراهيم، عن رجل، عن عبد الله، قال: كنا مع رسول الله (ص) بمنى، فانشق القمر، فأخذت فرقة خلف الجبل، فقال رسول الله (ص): اشهدوا. 25299 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط، عن سماك، عن إبراهيم، عن الاسود، عن عبد الله، قال: رأيت الجبل من فرج القمر حين انشق. 25300 - حدثنا الحسن بن يحيى المقدسي، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، قال: انشق القمر على عهد رسول الله (ص)، فقالت قريش: هذا سحر بن أبي كبشة سحركم فسلوا السفار، فسألوهم، فقالوا: نعم قد رأيناه، فأنزل الله تبارك وتعالى: اقتربت الساعة وانشق القمر. 25301 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله قال: قد مضى انشقاق القمر. 25302 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: عبد الله خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم.
[ 114 ]
25303 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أيوب، عن محمد، قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: قد انشق القمر. 25304 - قال: أخبرنا ابن علية، قال: أخبرنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: نزلنا المدائن، فكنا منها على فرسخ، فجاءت الجمعة، فحضر أبي، وحضرت معه، فخطبنا حذيفة، فقال: ألا إن الله يقول اقتربت الساعة وانشق القمر ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار، وغدا السباق، فقلت لابي: أتستبق الناس غدا ؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنما هو السباق بالاعمال، ثم جاءت الجمعة الاخرى، فحضرنا، فخطب حذيفة، فقال: ألا إن الله تبارك وتعالى يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن قال: كنت مع أبي بالمدائن، قال: فخطب أميرهم، وكان عطاء يروي أنه حذيفة، فقال في هذه الآية: اقتربت الساعة وانشق القمر قد اقتربت الساعة وانشق القمر، قد اقتربت الساعة وانشق القمر، اليوم المضمار، وغدا السباق، والسابق من سبق إلى الجنة، والغاية النار قال: فقلت لابي: غدا السباق، قال: فأخبره. 25305 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن فضيل، عن حصين، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: انشق القمر، ونحن مع رسول الله (ص) بمكة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن خارجة، عن الحصين بن عبد الرحمن، عن ابن جبير، عن أبيه وانشق القمر قال: انشق ونحن بمكة. 25306 - حدثنا محمد بن عسكر، قال: ثنا عثمان بن صالح وعبد الله بن عبد
[ 115 ]
الحكم، قالا: ثنا بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس، قال: انشق القمر في عهد رسول الله (ص). 25307 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال: انشق القمر قبل الهجرة، أو قال: قد مضى ذاك. حدثنا إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن علي، عن ابن عباس بنحوه. 25308 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن علي، عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: اقتربت الساعة وانشق القمر قال: ذاك قد مضى كان قبل الهجرة، انشق حتى رأوا شقيه. 25309 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: اقتربت الساعة وانشق القمر... إلى قوله: سحر مستمر قال: قد مضى، كان قد انشق القمر على عهد رسول الله (ص) بمكة، فأعرض المشركون وقالوا: سحر مستمر. 25310 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: اقتربت الساعة وانشق القمر قال: رأوه منشقا. 25311 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور وليث، عن مجاهد اقتربت الساعة وانشق القمر قال: انفلق القمر فلقتين، فثبتت فلقة، وذهبت فلقة من وراء الجبل، فقال النبي (ص): اشهدوا. 25312 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد
[ 116 ]
انشق القمر على عهد رسول الله (ص)، فصار فرقتين، فقال النبي (ص) لابي بكر: اشهد يا أبا بكر فقال المشركون: سحر القمر حتى انشق. 25313 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، قال: قدم رجل المدائن فقام فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: اقتربت الساعة وانشق القمر وإن القمر قد انشق، وقد آذنت الدنيا بفراق، اليوم المضمار، وغدا السباق، والسابق. من سبق إلى الجنة، والغاية النار. 25314 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة اقتربت الساعة وانشق القمر يحدث الله في خلقه ما يشاء. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، قال: سأل أهل مكة النبي (ص) آية، فانشق القمر بمكة مرتين، فقال: اقتربت الساعة وانشق القمر. 25315 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وانشق القمر قد مضى، كان الشق على عهد رسول الله (ص) بمكة، فأعرض عنه المشركون، وقالوا: سحر مستمر. 25316 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن عمرو، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: مضى انشقاق القمر بمكة. وقوله: وإن يروا آية يعرضوا يقول تعالى ذكره. وإن ير المشركون علامة تدلهم على حقيقة نبوة محمد (ص)، ودلالة تدلهم على صدقة فيما جاءهم به عن ربهم، يعرضوا عنها، فيولوا مكذبين بها منكرين أن يكون حقا يقينا، ويقولوا تكذيبا منهم بها، وإنكارا لها أن تكون حقا: هذا سحر سحرنا به محمد حين خيل إلينا أنا نرى القمر منفلقا باثنين بسحره، وهو سحر مستمر، يعني يقول: سحر مستمر ذاهب، من قولهم: قد مر هذا السحر إذا ذهب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25317 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سحر مستمر قال: ذاهب. 25318 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن يروا
[ 117 ]
آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر قال: إذا رأى أهل الضلالة آية من آيات الله قالوا: إنما هذا عمل السحر، يوشك هذا أن يستمر ويذهب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ويقولوا سحر مستمر يقول: ذاهب. 25319 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ويقولوا سحر مستمر كما يقول أهل الشرك إذا كسف القمر يقولون: هذا عمل السحرة. 25320 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قوله: سحر مستمر قال: حين انشق القمر بفلقتين: فلقة من وراء الجبل، وذهبت فلقة أخرى، فقال المشركون حين رأوا ذلك: سحر مستمر. وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يوجه قوله: مستمر إلى أنه مستفعل من الامرار من قولهم: قد مر الجبل: إذا صلب وقوي واشتد وأمررته أنا: إذا فتلته فتلا شديدا، ويقول: معنى قوله: ويقولوا سحر مستمر: سحر شديد. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ئ ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر ئ حكمة بالغة فما تغني النذر) *. يقول تعالى ذكره: وكذب هؤلاء المشركون من قريش بآيات الله بعد ما أتتهم حقيقتها، وعاينوا الدلالة على صحتها برؤيتهم القمر منفلقا فلقتين واتبعوا أهواءهم يقول: وآثروا اتباع ما دعتهم إليه أهواء أنفسهم من تكذيب ذلك على التصديق بما قد أيقنوا صحته من نبوة محمد (ص)، وحقيقة ما جاءهم به من ربهم. وقوله: وكل أمر مستقر يقول تعالى ذكره: وكل أمر من خير أو شر مستقر قراره، ومتناه نهايته، فالخير مستقر بأهله في الجنة، والشر مستقر بأهله في النار. كما: 25321 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكل أمر مستقر: أي بأهل الخير الخير، وبأهل الشر الشر.
[ 118 ]
وقوله: ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر يقول تعالى ذكره: ولقد جاء هؤلاء المشركين من قريش الذين كذبوا بآيات الله، واتبعوا أهواءهم من الاخبار عن الامم السالفة، الذين كانوا من تكذيب رسل الله على مثل الذي هم عليه، وأحل الله بهم من عقوباته ما قص في هذا القرآن ما فيه لهم مزدجر، يعني: ما يردعهم، ويزجرهم عما هم عليه مقيمون، من التكذيب بآيات الله، وهو مفتعل من الزجر. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25322 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مزدجر قال: منتهى. 25323 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر: أي هذا القرآن. 25324 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر قال: المزدجر: المنتهى. وقوله: حكمة بالغة يعني بالحكمة البالغة: هذا القرآن، ورفعت الحكمة ردا على ما التي في قوله: ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر. وتأويل الكلام: ولقد جاءهم من الانباء النبأ الذي فيه مزدجر، حكمة بالغة. ولو رفعت الحكمة على الاستئناف كان جائزا، فيكون معنى الكلام حينئذ: ولقد جاءهم من الانباء النبأ الذي فيه مزدجر، ذلك حكمة بالغة، أو هو حكمة بالغة فتكون الحكمة كالتفسير لها. وقوله: فما تغني النذر وفي ما التي في قوله: فما تغني النذر وجهان: أحدهما أن تكون بمعنى الجحد، فيكون إذا وجهت إلى ذلك معنى الكلام، فليست تغني عنهم النذر ولا ينتفعون بها، لاعراضهم عنها وتكذيبهم بها. والآخر: أن تكون بمعنى: أني، فيكون معنى الكلام إذا وجهت إلى ذلك: فأي شئ تغني عنهم النذر. والنذر: جمع نذير، كالجدد: جمع جديد، والحصر: جمع حصير. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 119 ]
* (فتول عنهم يوم يدعو الداع إلى شئ نكر ئ خشعا أبصارهم يخرجون من الاجداث كأنهم جراد منتشر ئ مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر) *. يعني تعالى ذكره بقوله: فتول عنهم: فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين من قومك، الذين إن يروا آية يعرضوا ويقولوا: سحر مستمر، فإنهم يوم يدعو داعي الله إلى موقف القيامة، وذلك هو الشئ النكر خشعا أبصارهم يقول: ذليلة أبصارهم خاشعة، لا ضرر بها يخرجون من الاجداث وهي جمع جدث، وهي القبور، وإنما وصف جل ثناؤه بالخشوع الابصار دون سائر أجسامهم، والمراد به جميع أجسامهم، لان أثر ذلة كل ذليل، وعزة كل عزيز، تتبين في ناظريه دون سائر جسده، فلذلك خص الابصار بوصفها بالخشوع. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله: خشعا أبصارهم قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25325 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: خاشعا أبصارهم: أي ذليلة أبصارهم. واختلفت القراء في قراءة قوله: خاشعا أبصارهم فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض المكيين الكوفيين خشعا بضم الخاء وتشديد الشين، بمعنى خاشع وقرأه عامة قراء الكوفة وبعض البصريين خاشعا أبصارهم بالالف على التوحيد اعتبارا بقراءة عبد الله، وذلك أن ذلك في قراءة عبد الله خاشعة أبصارهم، وألحقوه وهو بلفظ الاسم في التوحيد، إذ كان صفة بحكم فعل ويفعل في التوحيد إذا تقدم الاسماء، كما قال الشاعر: وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد فوحد حسنا وهو صفة للاوجه، وهي جمع وكما قال الآخر:
[ 120 ]
يرمي الفجاج بها الركبان معترضا أعناق بزلها مرخى لها الجدل فوحد معترضا، وهي من صفة الاعناق، والجمع والتأنيث فيه جائزان على ما بينا. وقوله: كأنهم جراد منتشر يقول تعالى ذكره: يخرجون من قبورهم كأنهم في انتشارهم وسعيهم إلى موقف الحساب جراد منتشر. وقوله: مهطعين إلى الداع يقول: مسرعين بنظرهم قبل داعيهم إلى ذلك الموقف. وقد بينا معنى الاهطاع بشواهده المغنية عن الاعادة، ونذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الرواية. 25326 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عثمان بن يسار، عن تميم بن حذلم قوله: مهطعين إلى الداع قال: هو التحميج. 25327 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سفيان، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحى مهطعين إلى الداع قال: التحميج. 25328 - قال: ثنا مهران، عن سفيان مهطعين إلى الداع قال: هكذا أبصارهم شاخصة إلى السماء. 25329 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مهطعين إلى الداع: أي عامدين إلى الداع. 25330 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مهطعين يقول: ناظرين. وقوله: يقول الكافرون هذا يوم عسر يقول تعالى ذكره: يقول الكافرون بالله يوم يدع الداعي إلى شئ نكر: هذا يوم عسر. وإنما وصفوه بالعسر لشدة أهواله وبلباله. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 121 ]
* (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر ئ فدعا ربه أني مغلوب فانتصر) *. وهذا وعيد من الله تعالى ذكره، وتهديد للمشركين من أهل مكة وسائر من أرسل إليه رسوله محمدا (ص) على تكذيبهم إياه، وتقدم منه إليهم إن هم لم ينيبوا من تكذيبهم إياه، أنه محل بهم ما أحل بالامم الذين قص قصصهم في هذه السورة من الهلاك والعذاب، ومنج نبيه محمدا والمؤمنين به، كما نجى من قبله الرسل وأتباعهم من نقمه التي أحلها بأممهم، فقال جل ثناؤه لنبيه محمد (ص): كذبت يا محمد قبل هؤلاء الذين كذبوك من قومك، الذين إذا رأوا آية أعرضوا وقالوا سحر مستمر، قوم نوح، فكذبوا عبدنا نوحا إذ أرسلناه إليهم، كما كذبتك قريش إذ أتيتهم بالحق من عندنا وقالوا: هو مجنون وازدجر، وهو افتعل من زجرت، وكذا تفعل العرب بالحرف إذا كان أوله زايا صيروا تاء الافتعال منه دالا من ذلك قولهم: ازدجر من زجرت، وازدلف من زلفت، وازديد من زدت. واختلف أهل التأويل في المعني الذي زجروه، فقال بعضهم: كان زجرهم إياه أن قالوا: استطير جنونا. ذكر من قال ذلك: 25331 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وقالوا مجنون وازدجر قال: استطير جنونا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وازدجر قال: استطير جنونا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد في هذه الآية وقالوا مجنون وازدجر قال: استعر جنونا. حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: وأخبرني شعبة بن الحجاج، عن الحكم، عن مجاهد، مثله. وقال آخرون: بل كان زجرهم إياه، وعيدهم له بالشتم والرجم بالقول القبيح. ذكر من قال ذلك:
[ 122 ]
25332 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وقالوا مجنون وازدجر قال: اتهموه وزجروه وأوعدوه لئن لم يفعل ليكونن من المرجومين، وقرأ لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين. وقوله: فدعا ربه أني مغلوب فانتصر يقول تعالى ذكره: فدعا نوح ربه: إن قومي قد غلبوني، تمردا وعتوا، ولا طاقة لي بهم، فانتصر منهم بعقاب من عندك على كفرهم بك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ئ وفجرنا الارض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر) *. يقول تعالى ذكره: ففتحنا لما دعانا نوح مستغيثا بنا على قومه أبواب السماء بماء منهمر وهو المندفق، كما قال امرؤ القيس في صفة غيث: راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25333 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان بماء منهمر قال: ينصب انصبابا. وقوله: وفجرنا الارض عيونا يقول جل ثناؤه: وأسلنا الارض عيون الماء. كما: 25334 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: وفجرنا الارض عيونا قال: فجرنا الارض الماء وجاء من السماء.
[ 123 ]
فالتقى الماء على أمر قد قدر يقول تعالى ذكره: فالتقى ماء السماء وماء الارض على أمر قد قدره الله وقضاه، كما: 25335 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فالتقى الماء على أمر قد قدر قال: ماء السماء وماء الارض. وإنما قيل: فالتقى الماء على أمر قد قدر، والالتقاء لا يكون من واحد، وإنما يكون من اثنين فصاعدا، لان الماء قد يكون جمعا وواحدا، وأريد به في هذا الموضع: مياه السماء ومياه الارض، فخرج بلفظ الواحد ومعناه الجمع. وقيل: التقى الماء على أمر قد قدر، لان ذلك كان أمرا قد قضاه الله في اللوح المحفوظ. كما: 25336 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب قال: كانت الاقوات قبل الاجساد، وكان القدر قبل البلاء، وتلا فالتقى الماء على أمر قد قدر. القول في تأويل قوله تعالى: * (وحملناه على ذات ألواح ودسر ئ تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر) *. يقول تعالى ذكره: وحملنا نوحا إذ التقى الماء على أمر قد قدر، على سفينة ذات ألواح ودسر. والدسر: جمع دسار وقد يقال في واحدها: دسير، كما يقال: حبيك وحباك والدسار: المسمار الذي تشد به السفينة يقال منه: دسرت السفينة إذا شددتها بمسامير أو غيرها. وقد اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم في ذلك بنحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 25337 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن القرظي، وسئل عن هذه الآية وحملناه على ذات ألواح ودسر قال: الدسر: المسامير. 25338 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وحملناه على ذات ألواح ودسر حدثنا أن دسرها: مساميرها التي شدت بها. 25339 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ذات ألواح قال: معاريض السفينة قال: ودسر: قال دسرت بمسامير.
[ 124 ]
25340 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ودسر قال: الدسر: المسامير التي دسرت بها السفينة، ضربت فيها، شدت بها. 25341 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ودسر يقول: المسامير. وقال آخرون: بل الدسر: صدر السفينة، قالوا: وإنما وصف بذلك لانه يدفع الماء ويدسره. ذكر من قال ذلك: 25342 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وحملناه على ذات ألواح ودسر قال: تدسر الماء بصدرها، أو قال: بجؤجؤها. حدثنا بشر. قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول في قوله: ودسر جؤجؤها تدسر به الماء. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن أنه قال: تدسر الماء بصدرها. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ودسر قال: الدسر: كلكل السفينة. وقال آخرون: الدسر: عوارض السفينة. ذكر من قال ذلك: 25343 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد ذات ألواح ودسر قال: ألواح السفينة ودسر عوارضها. وقال آخرون: الالواح: جانباها، والدسر: طرفاها. ذكر من قال ذلك: 25344 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذات ألواح ودسر أما الالواح: فجانبا السفينة. وأما الدسر: فطرفاها وأصلاها.
[ 125 ]
وقال آخرون: بل الدسر: أضلاع السفينة. ذكر من قال ذلك: 25345 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن نجيح، عن مجاهد، قوله: ودسر قال: أضلاع السفينة. وقوله: تجري بأعيننا يقول جل ثناؤه: تجري السفينة التي حملنا نوحا فيها بمرأى منا ومنظر. وذكر عن سفيان في تأويل ذلك ما: 25346 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: تجري بأعيننا يقول: بأمرنا جزاء لمن كان كفر. اختلف أهل التأويل في تأويله: فقال بعضهم: تأويله فعلنا ذلك ثوابا لمن كان كفر فيه، بمعنى: كفر بالله فيه. ذكر من قال ذلك: 25347 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد جزاء لمن كان كفر قال: كفر بالله. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد جزاء لمن كان كفر قال: لمن كان كفر فيه. ووجه آخرون معنى من إلى معنى ما في هذا الموضع، وقالوا: معنى الكلام: جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أهلكهم وغرقهم من قوم نوح. ذكر من قال ذلك: 25348 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: جزاء لمن كان كفر قال: لمن كان كفر نعم الله، وكفر بأياديه وآلائه ورسله وكتبه، فإن ذلك جزاء له. والصواب من القول من ذلك عندي ما قاله مجاهد، وهو أن معناه: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر، وفجرنا الارض عيونا، فغرقنا قوم نوح، ونجينا نوحا عقابا من الله وثوابا للذي جحد وكفر، لان معنى الكفر: الجحود، والذي جحد ألوهته ووحدانتيه قوم نوح، فقال بعضهم لبعض: لا تذرن آلهتكم ولا تذرون ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق
[ 126 ]
ونسرا، ومن ذهب به إلى هذا التأويل، كانت من الله، كأنه قيل: عوقبوا لله ولكفرهم به. ولو وجه موجه إلى أنها مراد بها نوح والمؤمنون به كان مذهبا، فيكون معنى الكلام حينئذ، فعلنا ذلك جزاء لنوح ولمن كان معه في الفلك، كأنه قيل: غرقناهم لنوح ولصنيعهم بنوح ما صنعوا من كفرهم به. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد تركناها آية فهل من مدكر ئ فكيف كان عذابي ونذر ئ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) *. يقول تعالى ذكره: ولقد تركنا السفينة التي حملنا فيها نوحا ومن كان معه آية، يعني عبرة وعظة لمن بعد قوم نوح من الامم ليعتبروا ويتعظوا، فينتهوا عن أن يسلكوا مسلكهم في الكفر بالله، وتكذيب رسله، فيصيبهم مثل ما أصابهم من العقوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25349 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد تركناها آية فهل من مدكر قال: أبقاها الله بباقردي من أرض الجزيرة، عبرة وآية، حتى نظرت إليها أوائل هذه الامة نظرا، وكم من سفينة كانت بعدها قد صارت رمادا. 25350 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ولقد تركناها آية قال: ألقى الله سفينة نوح على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الامة. 25351 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن مجاهد، أن الله حين غرق الارض، جعلت الجبال تشمخ، فتواضع الجودي، فرفعه الله على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه. وقوله: فهل من مدكر يقول: فهل من ذي تذكر يتذكر ما قد فعلنا بهذه الامة التي كفرت بربها، وعصت رسوله نوحا، وكذبته فيما أتاهم به عن ربهم من النصيحة، فيعتبر بهم، ويحذر أن يحل به من عذاب الله بكفره بربه، وتكذيبه رسوله محمدا (ص)، مثل الذي حل بهم، فيتيب إلى التوبة، ويراجع الطاعة. وأصل مدكر: مفتعل من ذكر، اجتمعت فاء الفعل، وهي ذال، وتاء وهي بعد الذال، فصيرتا دالا مشددة، وكذلك تفعل العرب فيما كان
[ 127 ]
أوله ذالا يتبعها تاء الافتعال يجعلونهما جميعا دالا مشددة، فيقولون: ادكرت ادكارا، وإنما هو اذتكرت اذتكارا، وفهل من مذتكر، ولكن قيل: ادكرت ومدكر لما قد وصفت، قد ذكر عن بعض بني أسد أنهم يقولون في ذلك مذكر، فيقلبون الدال ويعتبرون الدال والتاء ذالا مشددة، وذكر عن الاسود بن يزيد أنه قال: قلت لعبد الله بن مسعود: فهل من مدكر، أو مذكر، فقال: أقرأني رسول الله (ص): مذكر يعني بذال مشددة. وبنحو الذي قلنا في ذلك أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25352 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فهل من مدكر قال: المدكر: الذي يتذكر، وفي كلام العرب: المدكر: المتذكر. 25353 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فهل من مدكر قال: فهل من مذكر. وقوله: فكيف كان عذابي ونذر يقول تعالى ذكره: فكيف كان عذابي لهؤلاء الذين كفروا بربهم من قوم نوح، وكذبوا رسوله نوحا، إذ تمادوا في غيهم وضلالهم، وكيف كان إنذاري بما فعلت بهم من العقوبة التي أحللت بهم بكفرهم بربهم، وتكذيبهم رسوله نوحا، صلوات الله عليه، وهو إنذار لمن كفر من قومه من قريش، وتحذير منه لهم، أن يحل بهم على تماديهم في غيهم، مثل الذي حل بقوم نوح من العذاب. وقوله: ونذر يعني: وإنذاري، وهو مصدر. وقوله: ولقد يسرنا القرآن للذكر يقول تعالى ذكره: ولقد سهلنا القرآن، بيناه وفصلناه للذكر، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر ويتعظ، وهوناه. كما: 25354 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يسرنا القرآن للذكر قال: هوناه. 25355 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد يسرنا القرآن للذكر قال: يسرنا: بينا. وقوله: فهل من مدكر يقول: فهل من معتبر متعظ يتذكر فيعتبر بما فيه من العبر والذكر.
[ 128 ]
وقد قال بعضهم في تأويل ذلك: هل من طالب علم أو خير فيعان عليه، وذلك قريب المعنى مما قلناه، ولكنا اخترنا العبارة التي عبرناها في تأويله، لان ذلك هو الاغلب من معانيه على ظاهره. ذكر من قال ذلك: 25356 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر يقول: فهل من طالب خير يعان عليه. حدثنا الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا يعقوب، قال: ثني الحارث بن عبيد الايادي، قال: سمعت قتادة يقول في قول الله: فهل من مدكر قال: هل من طالب خير يعان عليه. 25357 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة أو أيوب بن سويد أو كلاهما، عن ابن شوذب، عن مطر، في قوله: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر قال: هل من طالب علم فيعان عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر ئ إنآ أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر ئ تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ئ فكيف كان عذابي ونذر) *. يقول تعالى ذكره: كذبت أيضا عاد نبيهم هودا (ص) فيما أتاهم به عن الله، كالذي كذبت قوم نوح، وكالذي كذبتم معشر قريش نبيكم محمدا (ص) وعلى جميع رسله، فكيف كان عذابي ونذر يقول: فانظروا معشر كفرة قريش بالله كيف كان عذابي إياهم، وعقابي لهم على كفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله هودا، وإنذاري بفعلي بهم ما فعلت من سلك طرائقهم، وكانوا على مثل ما كانوا عليه من التمادي في الغي والضلالة. وقوله: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا يقول تعالى ذكره: إنا بعثنا على عاد إذ تمادوا في طغيانهم وكفرهم بالله ريحا صرصرا، وهي الشديدة العصوف في برد، التي لصوتها صرير، وهي مأخوذة من شدة صوت هبوبها إذا سمع فيها كهيئة قول القائل: صر، فقيل منه: صرصر، كما قيل: فكبكبوا فيها، من فكبوا، ونهنهت من نههت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25358 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ريحا صرصرا قال: ريحا باردة.
[ 129 ]
25359 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا والصرصر: الباردة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: الصرصر: الباردة. 25360 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ريحا صرصرا باردة. 25361 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ريحا صرصرا قال: شديدة، والصرصر: الباردة. 25362 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ريحا صرصرا قال: الصرصر: الشديدة. وقوله: في يوم نحس مستمر يقول: في يوم شر وشؤم لهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25363 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: النحس: الشؤم. 25364 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: في يوم نحس قال النحس: الشر في يوم نحس في يوم شر. وقد تأول ذلك آخرون بمعنى شديد، ومن تأول ذلك كذلك فإنه يجعله من صفة اليوم، ومن جعله من صفة اليوم، فإنه ينبغي أن يكون قراءته بتنوين اليوم، وكسر الحاء من النحس، فيكون في يوم نحس كما قال جل ثناؤه في أيام نحسات ولا أعلم أحدا قرأ ذلك كذلك في هذا الموضع، غير أن الرواية التي ذكرت في تأويل ذلك عمن ذكرت عنه على ما وصفنا تدل على أن ذلك كان قراءة. ذكر من قال ذلك: 25365 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: في يوم نحس قال: أيام شداد.
[ 130 ]
25366 - وحدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في يوم نحس يوم شديد. وقوله: مستمر يقول: في يوم شر وشؤم، استمر بهم البلاء والعذاب فيه إلى أن وافى بهم جهنم. كما: 25367 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة في يوم نحس مستمر يستمر بهم إلى نار جهنم. وقوله: تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر يقول: تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم، فتندق رقابهم، وتبين من أجسامهم. كما: 25368 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما هاجت الريح قام نفر من عاد سبعة شماليا، منهم ستة من أشد عاد وأجسمها، منهم عمرو بن الحلي والحارث بن شداد والهلقام وابنا تيقن وخلجان بن أسعد، فأدلجوا العيال في شعب بين جبلين، ثم اصطفوا على باب الشعب ليردوا الريح عمن بالشعب من العيال، فجعلت الريح تخفقهم رجلا رجلا، فقالت امرأة من عاد: ذهب الدهر بعمرو بن حلي والهنيات ثم بالحارث والهل قام طلاع الثنيات والذي سد علينا الريح أيام البليات 25369 - حدثنا العباس بن الوليد البيروتي، قال: أخبرني أبي، قال: ثني إسماعيل بن عياش، عن محمد بن إسحاق قال: لما هبت الريح قام سبعة من عاد، فقالوا: نرد الريح، فأتوا فم الشعب الذي يأتي منه الريح، فوقفوا عليه، فجعلت الريح تهب، فتدخل تحت واحد واحد، فتقتلعه من الارض فترمي به على رأسه، فتندق رقبته، ففعلت ذلك بستة منهم، وتركتهم كما قال الله: أعجاز نخل منقعر وبقي الخلجان فأتى هودا
[ 131 ]
فقال: يا هود ما هذا الذي أرى في السحاب كهيئة البخاتي ؟ قال: تلك ملائكة ربي، قال: مالي إن أسلمت ؟ قال: تسلم، قال: أيقيدني ربك إن أسلمت من هؤلاء ؟ فقال: ويلك أرأيت ملكا يقيد جنوده ؟ فقال: وعزته لو فعل ما رضيت. قال: ثم مال إلى جانب الجبل، فأخذ بركن منه فهزه، فاهتز في يده، ثم جعل يقول: لم يبق إلا الخلجان نفسه يا لك من يوم دهاني أمسه بثابت الوطئ شديد وطسه لو لم يجئني جئته أحسه قال: ثم هبت الريح فألحقته بأصحابه. 25370 - حدثني محمد بن إبراهيم، قال: ثنا مسلم بن إبراهيم، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا محمد بن سيف، عن الحسن، قال: لما أقبلت الريح قام إليها قوم عاد، فأخذ بعضهم بأيدي بعض كما تفعل الاعاجم، وغمزوا أقدامهم في الارض وقالوا: يا هود من يزيل أقدامنا عن الارض إن كنت صادقا، فأرسل الله عليهم الريح فصيرتهم كأنهم أعجاز نخل منقعر. 25371 - حدثني محمد بن إبراهيم، قال: ثنا مسلم، قال: ثنا نوح بن قيس، قال: ثنا أشعث بن جابر، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة، قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المصراعين من حجارة، لو اجتمع عليها خمسمائة من هذه الامة لم يستطيعوا أن يحملوها، وإن كان الرجل منهم ليغمز قدمه في الارض، فتدخل في الارض، وقال: كأنهم أعجاز نخل ومعنى الكلام: فيتركهم كأنهم أعجاز نخل منقعر، فترك ذكر فيتركهم استغناء بدلالة الكلام عليه. وقيل: إنما شبههم بأعجاز نخل منقعر، لان رؤوسهم كانت تبين من أجسامهم، فتذهب لذلك رقابهم، وتبقى أجسادهم. ذكر من قال ذلك: 25372 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا خلف بن خليفة، عن هلال بن خباب، عن مجاهد، في قوله: كأنهم أعجاز نخل منقعر قال: سقطت رؤوسهم كأمثال
[ 132 ]
1 الاخبية، وتفردت، أو وتفرقت أعناقهم قال أبو جعفر: أنا أشك، فشبهها بأعجاز نخل منقعر. 25373 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر قال: هم قوم عاد حين صرعتهم الريح، فكأنهم فلق نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر يقول تعالى ذكره: فانظروا يا معشر كفار قريش، كيف كان عذابي قوم عاد، إذ كفروا بربهم، وكذبوا رسوله، فإن ذلك سنة الله في أمثالهم، وكيف كان إنذاري بهم من أنذرت. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ئ كذبت ثمود بالنذر ئ فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنآ إذا لفي ضلال وسعر) *. يقول تعالى ذكره: ولقد سهلنا القرآن وهوناه لمن أراد التذكر به والاتعاظ فهل من مدكر يقول: فهل من متعظ ومنزجر بآياته. وقوله: كذبت ثمود بالنذر يقول تعالى ذكره: كذبت ثمود قوم صالح بنذر الله التي أتتهم من عنده، فقالوا تكذيبا منهم لصالح رسول ربهم: أبشرا منا نتبعه نحن الجماعة الكبيرة، وهو واحد ؟. وقوله: إنا إذا لفي ضلال وسعر يقول: قالوا: إنا إذا باتباعنا صالحا إن اتبعناه وهو بشر منا واحد لفي ضلال: يعنون: لفي ذهاب عن الصواب وأخذ على غير استقامة وسعر: يعنون بالسعر: جمع سعير. وكان قتادة يقول: عنى بالسعر: العناء. 25374 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إنا إذا لفي ضلال وسعر: في عناء وعذاب. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: إنا إذا لفي ضلال وسعر قال: ضلال وعناء. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 133 ]
* (أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر ئ سيعلمون غدا من الكذاب الاشر) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل مكذبي رسوله صالح (ص) من قومه ثمود: أألقي عليه الذكر من بيننا، يعنون بذلك: أنزل الوحي وخص بالنبوة من بيننا وهو واحد منا، إنكارا منهم أن يكون الله يرسل رسولا من بني آدم. وقوله: بل هو كذاب أشر يقول: قالوا: ما ذلك كذلك، بل هو كذاب أشر، يعنون بالاشر: المرح ذا التجبر والكبرياء، والمرح من النشاط. وقد: 25375 - حدثني الحسن بن محمد بن سعيد القرشي، قال: قلت لعبد الرحمن بن أبي حماد: ما الكذاب الاشر ؟ قال: الذي لا يبالي ما قال، وبكسر الشين من الاشر وتخفيف الراء قرأت قراء الامصار. وذكر عن مجاهد أنه كان يقرأه: كذاب أشر بضم الشين وتخفيف الراء، وذلك في الكلام نظير الحذر والحذر والعجل والعجل. والصواب من القراءة في ذلك عندنا، ما عليه قراء الامصار لاجماع الحجة من القراء عليه. وقوله: سيعلمون غدا من الكذاب الاشر يقول تعالى ذكره: قال الله لهم: ستعلمون غدا في القيامة من الكذاب الاشر منكم معشر ثمود، ومن رسولنا صالح حين تردون على ربكم، وهذا التأويل تأويل من قرأه ستعلمون بالتاء، وهي قراءة عامة أهل الكوفة سوى عاصم والكسائي. وأما تأويل ذلك على قراءة من قرأه بالياء، وهي قراءة عامة قراء أهل المدينة والبصرة وعاصم والكسائي، فإنه قال الله: سيعلمون غدا من الكذاب الاشر وترك من الكلام ذكر قال الله، استغناء بدلالة الكلام عليه. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معنييهما، وصحتهما في الاعراب والتأويل. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ئ ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) *.
[ 134 ]
يقول تعالى ذكره: إنا باعثوا الناقة التي سألتها ثمود صالحا من الهضبة التي سألوه بعثتها منها آية لهم، وحجة لصالح على حقيقة نبوته وصدق قوله. وقوله: فتنة لهم يقول: ابتلاء لهم واختبارا، هل يؤمنون بالله ويتبعون صالحا ويصدقونه بما دعاهم إليه من توحيد الله إذا أرسل الناقة، أم يكذبونه ويكفرون بالله ؟ وقوله: فارتقبهم يقول تعالى ذكره لصالح: إنا مرسلو الناقة فتنة لهم، فانتظرهم، وتبصر ما هم صانعوه بها واصطبر وأصل الطاء تاء، فجعلت طاء، وإنما هو افتعل من ا لصبر. وقوله: ونبئهم أن الماء قسمة بينهم يقول تعالى ذكره: نبئهم: أخبرهم أن الماء قسمة بينهم، يوم غب الناقة، وذلك أنها كانت ترد الماء يوما، وتغب يوما، فقال جل ثناؤه لصالح: أخبر قومك من ثمود أن الماء يوم غب الناقة قسمة بينهم، فكانوا يقتسمون ذلك يوم غبها، فيشربون منه ذلك اليوم، ويتزودون فيه منه ليوم ورودها. وقد وجه تأويل ذلك قوم إلى أن الماء قسمة بينهم وبين الناقة يوما لهم ويوما لها، وأنه إنما قيل بينهم، والمعنى: ما ذكرت عندهم، لان العرب إذا أرادت الخبر عن فعل جماعة بني آدم مختلطا بهم البهائم، جعلوا الفعل خارجا مخرج فعل جماعة بني آدم، لتغليبهم فعل بني آدم على فعل البهائم. وقوله: كل شرب محتضر يقول تعالى ذكره: كل شرب من ماء يوم غب الناقة، ومن لبن يوم ورودها محتضر يحتضرونه. كما: 25376 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كل شرب محتضر قال: يحضرون بهم الماء إذا غابت، وإذا جاءت حضروا اللبن. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كل شرب محتضر قال: يحضرون بهم الماء إذا غابت، وإذا جاءت حضروا اللبن. القول في تأويل قوله تعالى: * (فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ئ فكيف كان عذابي ونذر ئ إنآ أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر) *.
[ 135 ]
يقول تعالى ذكره: فنادت ثمود صاحبهم عاقر الناقة قدار بن سالف ليعقر الناقة حضا منهم له على ذلك. وقوله: فتعاطى فعقر يقول: فتناول الناقة بيده فعقرها. وقوله: فكيف كان عذابي ونذر يقول جل ثناؤه لقريش: فكيف كان عذابي إياهم معشر قريش حين عذبتهم ألم أهلكهم بالرجفة. ونذر: يقول: فكيف كان إنذاري من أنذرت من الامم بعدهم بما فعلت بهم وأحللت بهم من العقوبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25377 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فتعاطى فعقر قال: تناولها بيده فكيف كان عذابي ونذر قال: يقال: إنه ولد زنية فهو من التسعة الذين كانوا يفسدون في الارض، ولا يصلحون، وهم الذين قالوا لصالح لنبيتنه وأهله ولنقتلنهم. وقوله: إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة وقد بينا فيما مضى أمر الصيحة، وكيف أتتهم، وذكرنا ما روي في ذلك من الآثار، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: فكانوا كهشيم المحتظر يقول تعالى ذكره فكانوا بهلاكهم بالصيحة بعد نضارتهم أحياء، وحسنهم قبل بوارهم كيبس الشجر الذي حظرته بحظير حظرته بعد حسن نباته، وخضرة ورقه قبل يبسه. وقد اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: كهشيم المحتظر فقال بعضهم: عنى بذلك: العظام المحترقة، وكأنهم وجهوا معناه إلى أنه مثل هؤلاء القوم بعد هلاكهم وبلائهم بالشئ الذي أحرقه محرق في حظيرته. ذكر من قال ذلك: 25378 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، قال: ثنا قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس كهشيم المحتظر قال: كالعظام المحترقة. 25379 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فكانوا كهشيم المحتظر قال: المحترق. ولا بيان عندنا
[ 136 ]
في هذا الخبر عن ابن عباس، كيف كانت قراءته ذلك، إلا أنا وجهنا معنى قوله هذا على النحو الذي جاءنا من تأويله قوله: كهشيم المحتظر إلى أنه كان يقرأ ذلك كنحو قراءة الامصار، وقد يحتمل تأويله ذلك كذلك أن يكون قراءته كانت بفتح الظاء من المحتظر، على أن المحتظر نعت للهشيم، أضيف إلى نعته، كما قيل: إن هذا لهو حق اليقين وقد ذكر عن الحسن وقتادة أنهما كانا يقرآن ذلك كذلك، ويتأولانه هذا التأويل الذي ذكرناه عن ابن عباس. 25380 - حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثني أبي، عن الحسن، قال: كان قتادة يقرأ كهشيم المحتظر يقول: المحترق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فكأنه كهشيم المحتظر يقول: كهشيم محترق. وقال آخرون: بل عنى بذلك التراب. الذي يتناثر من الحائط. ذكر من قال ذلك: 25381 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير كهشيم المحتظر قال: التراب الذي يتناثر من الحائط. وقال آخرون: بل هو حظيرة الراعي للغنم. ذكر من قال ذلك: 25382 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق وأسنده، قال المحتظر حظيرة الراعي للغنم. 25383 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كهشيم المحتظر المحتظر: الحظرة تتخذ للغنم فتيبس، فتصير كهشيم المحتظر، قال: هو الشوك الذي تحظر به العرب حول مواشيها من السباع والهشيم: يابس الشجر الذي فيه شوك ذلك الهشيم. وقال آخرون: بل عني به هشيم الخيمة، وهو ما تكسر من خشبها. ذكر من قال ذلك: 25384 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن مجاهد، في قوله: كهشيم المحتظر قال: الرجل يهشم الخيمة.
[ 137 ]
وحدثني الحارث، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كهشيم المحتظر الهشيم: الخيمة. وقال آخرون: بل هو الورق الذي يتناثر من خشب الحطب. ذكر من قال ذلك: 25385 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان كهشيم قال: الهشيم: إذا ضربت الحظيرة بالعصا تهشم ذاك الورق فيسقط. والعرب تسمي كل شئ كان رطبا فيبس هشيما. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ئ كذبت قوم لوط بالنذر ئ إنآ أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر ئ نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر) *. يقول تعالى ذكره: ولقد هونا القرآن بيناه للذكر: يقول: لمن أراد أن يتذكر به فيتعظ فهل من مدكر يقول: فهل من متعظ به ومعتبر فيعتبر به، فيرتدع عما يكرهه الله منه. وقوله: كذبت قوم لوط بالنذر يقول تعالى ذكره: كذبت قوم لوطبآيات الله التي أنذرهم وذكرهم بها. وقوله: إنا أرسلنا عليهم حاصبا يقول تعالى ذكره: إنا أرسلنا عليهم حجارة. وقوله: إلا آل لوط نجيناهم بسحر يقول: غير آل لوط الذين صدقوه واتبعوه على دينه فإنا نجيناهم من العذاب الذي عذبنا به قومه الذين كذبوه، والحاصب الذي حصبناهم به بسحر: بنعمة من عندنا: يقول: نعمة أنعمناها على لوط وآله، وكرامة أكرمناهم بها من عندنا. وقوله: كذلك نجزي من شكر يقول: وكما أثبنا لوطا وآله، وأنعمنا عليه، فأنجيناهم من عذابنا بطاعتهم إيانا كذلك نثيب من شكرنا على نعمتنا عليه، فأطاعنا وانتهى إلى أمرنا ونهينا من جميع خلقنا. وأجرى قوله بسحر، لانه نكرة، وإذا قالوا: فعلت هذا سحر بغير باء لم يجروه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ئ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر) *.
[ 138 ]
يقول تعالى ذكره: ولقد أنذر لوط قومه بطشتنا التي بطشناها قبل ذلك فتماروا بالنذر يقول: فكذبوا بإنذاره ما أنذرهم من ذلك شكا منهم فيه. وقوله: فتماروا تفاعلوا من المرية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: ذكر من قال ذلك: 25386 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فتماروا بالنذر لم يصدقوه، وقوله: ولقد راودوه عن ضيفه يقول جل ثناؤه: ولقد راود لوطا قومه عن ضيفه الذين نزلوا به حين أراد الله إهلاكهم فطمسنا أعينهم يقول: فطمسنا على أعينهم حتى صيرناها كسائر الوجه لا يرى لها شق، فلم يبصروا ضيفه. والعرب تقول: قد طمست الريح الاعلام: إذا دفنتها بما تسفي عليها من التراب، كما قال كعب بن زهير: من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الاعلام مجهول يعني بقوله: طامس الاعلام: مندفن الاعلام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25387 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم قال: عمى الله عليهم الملائكة حين دخلوا على لوط. 25388 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم وذكر لنا أن جبريل عليه السلام استأذن ربه في عقوبتهم ليلة أتوا لوطا، وأنهم عالجوا ليدخلوا عليه، فصفقهم بجناحه، وتركهم عميا يترددون 25389 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم قال: هؤلاء قوم لوط حين راودوه عن ضيفه، طمس الله أعينهم، فكان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون، فقالوا: إنا لا نترك عملنا فإياك أن تنزل أحدا أو تضيفه، أو تدعه ينزل عليك، فإنا لا نتركه ولا نترك عملنا.
[ 139 ]
قال: فلما جاءه المرسلون، خرجت امرأته الشقية من الشق، فأتتهم فدعتهم، وقالت لهم: تعالوا فإنه قد جاء قوم لم أر قط أحسن وجوها منهم، ولا أحسن ثيابا، ولا أطيب أرواحا منهم، قال: فجاؤوه يهرعون إليه، فقال: إن هؤلاء ضيفي، فاتقوا الله ولا تحزوني في ضيفي، قالوا: أو لم ننهك عن العالمين ؟ أليس قد تقدمنا إليك وأعذرنا فيما بيننا وبينك ؟ قال: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فقال له جبريل عليه السلام: ما يهولك من هؤلاء ؟ قال: أما ترى ما يريدون ؟ فقال: إنا رسل ربك لن يصلوا إليك، لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك، لتصنعن هذا الامر سرا، وليكونن فيه بلاء قال: فنشر جبريل عليه السلام جناحا من أجنحته، فاختلس به أبصارهم، فطمس أعينهم، فجعلوا يجول بعضهم في بعض، فذلك قول الله: فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر. 25390 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولقد راودوه عن ضيفه جاءت الملائكة في صور الرجال، وكذلك كانت تجئ، فرآهم قوم لوط حين دخلوا القرية. وقيل: إنهم نزلوا بلوط، فأقبلوا إليهم يريدونهم، فتلقاهم لوط يناشدهم الله أن لا يخزوه في ضيفه، فأبوا عليه وجاؤوا ليدخلوا عليه، فقالت الرسل للوط خل بينهم وبين الدخول، فإنا رسل ربك، لن يصلوا إليك، فدخلوا البيت، وطمس الله على أبصارهم، فلم يروهم وقالوا: قد رأيناهم حين دخلوا البيت، فأين ذهبوا ؟ فلم يروهم ورجعوا. وقوله: فذوقوا عذابي ونذر يقول تعالى ذكره: فذوقوا معشر قوم لوط من سذوم، عذابي الذي حل بكم، وإنذاري الذي أنذرت به غيركم من الامم من النكال والمثلات. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر ئ فذوقوا عذابي ونذر ئ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) *. يقول تعالى ذكره: ولقد صبح قوم لوط بكرة ذكر أن ذلك كان عند طلوع الفجر. 25391 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان بكرة قال: عند طلوع الفجر.
[ 140 ]
. وقوله: عذاب وذلك قلب الارض بهم، وتصيير أعلاها أسفلها بهم، ثم إتباعهم بحجارة من سجيل منضود. كما: 25392 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ولقد صبحهم بكرة عذاب قال: حجارة رموا بها. وقوله: مستقر يقول: استقر ذلك العذاب فيهم إلى يوم القيامة حتى يوافوا عذاب الله الاكبر في جهنم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25393 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر يقول: صبحهم عذاب مستقر، استقر بهم إلى نار جهنم. 25394 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد صبحهم بكرة... الآية، قال: ثم صبحهم بعد هذا، يعني بعد أن طمس الله أعينهم، فهم من ذلك العذاب إلى يوم القيامة، قال: وكل قومه كانوا كذلك، ألا تسمع قوله حين يقول: أليس منكم رجل رشيد. 25395 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان مستقر استقر. وقوله: فذوقوا عذابي ونذر يقول تعالى ذكره لهم: فذوقوا معشر قوم لوط عذابي الذي أحللته بكم، بكفركم بالله وتكذيبكم رسوله، وإنذاري بكم الامم سواكم بما أنزلته بكم من العقاب. وقوله: ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر يقول تعالى ذكره: ولقد سهلنا القرآن للذكر لمن أراد التذكر به فهل من متعظ ومعتبر به فينزجر به عما نهاه الله عنه إلى ما أمره به وأذن له فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد جاء آل فرعون النذر ئ كذبوا بئاياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر) *. يقول تعالى ذكره: ولقد جاء أتباع فرعون وقومه إنذارنا بالعقوبة بكفرهم بنا وبرسولنا موسى (ص) كذبوا بآياتنا كلها يقول جل ثناؤه كذب آل فرعون بأدلتنا التي جاءتهم من
[ 141 ]
عندنا، وحججنا التي أتتهم بأنه لا إله إلا الله وحده كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر يقول تعالى ذكره: فعاقبناهم بكفرهم بالله عقوبة شديد لا يغلب، مقتدر على ما يشاء، غير عاجز ولا ضعيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25396 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر يقول: عزيز في نقمته إذا انتقم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ئ أم يقولون نحن جميع منتصر ئ سيهزم الجمع ويولون الدبر) *. يقول تعالى ذكره لكفار قريش الذين أخبر الله عنهم أنهم إن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر أكفاركم معشر قريش خير من أولئكم الذين أحللت بهم نقمتي من قوم نوح وعاد وثمود، وقوم لوط وآل فرعون، فهم يأملون أن ينجوا من عذابي، ونقمي على كفرهم بي، وتكذيبكم رسولي. يقول: إنما أنتم في كفركم بالله وتكذيبهم رسوله، كبعض هذه الامم التي وصفت لكم أمرهم، وعقوبة الله بكم نازلة على كفركم به، كالذي نزل بهم إن لم تتوبوا وتنيبوا. كما: 25397 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أكفاركم خير من أولئكم: أي ممن مضى. 25398 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسن، عن يزيد النحوي، عن عكرمة أكفاركم خير من أولئكم يقول: أكفاركم يا معشر قريش خير من أولئكم الذين مضوا. 25399 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أكفاركم خير من أولئكم قال: أكفاركم خير من الكفار الذين عذبناهم على معاصي الله، وهؤلاء الكفار خير من أولئك. وقال أكفاركم خير من أولئكم استنفاها. 25400 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر يقول: ليس كفاركم خيرا من قوم نوح وقوم لوط.
[ 142 ]
25401 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس أكفاركم خير من أولئكم قال: كفار هذه الامة. وقوله: أم لكم براءة في الزبر يقول جل ثناؤه: أم لكم براءة من عقاب الله معشر قريش، أن يصيبكم بكفركم بما جاءكم به الوحي من الله في الزبر، وهي الكتب. كما: 25402 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا أبو عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الزبر يقول: الكتب. 25403 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أم لكم براءة في الزبر في كتاب الله براءة مما تخافون. 25404 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة أم لكم براءة في الزبر يعني في الكتب. وقوله: أم يقولون نحن جميع منتصر يقول تعالى ذكره: أيقول هؤلاء الكفار من قريش: نحن جميع منتصر ممن قصدنا بسوء ومكروه، وأراد حربنا وتفريق جمعنا، فقال الله جل ثناؤه: سيهزم الجمع يعني جمع كفار قريش ويولون الدبر يقول: ويولون أدبارهم المؤمنين بالله عن انهزامهم عنه. وقيل: الدبر فوحد والمراد به الجمع كما يقال ضربنا منهم الرأس: أي ضربنا منهم الرؤوس: إذ كان الواحد يؤدي عن معنى جمعه، ثم إن الله تعالى ذكره صدق وعده المؤمنين به فهزم المشركين به من قريش يوم بدر وولوهم الدبر. كما: 25405 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن أيوب قال: لا أعلمه إلا عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت سيهزم الجمع جعلت أقول: أي جمع يهزم ؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي (ص) يثب في الدرع ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر. 25406 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس سيهزم الجمع ويولون الدبر قال: يوم بدر. 25407 - قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله: سيهزم الجمع يعني جمع بدر ويولون الدبر.
[ 143 ]
25408 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سيهزم الجمع... الآية ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال يوم بدر هزموا وولوا الدبر. 25409 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر قال: هذا يوم بدر. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن عكرمة، أن رسول الله (ص). كان يثب في الدرع ويقول: هزم الجمع وولوا الدبر. 25410 - حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس سيهزم الجمع ويولون الدبر قال: كان ذلك يوم بدر. قال: قالوا نحن جميع منتصر، قال: فنزلت هذه الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ئ إن المجرمين في ضلال وسعر ئ يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر ئ إنا كل شئ خلقناه بقدر) *. يقول تعالى ذكره: ما الامر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنهم لا يبعثون بعد مماتهم بل الساعة موعدهم للبعث والعقاب والساعة أدهى وأمر عليهم من الهزيمة التي يهزمونها عند التقائهم مع المؤمنين ببدر. 25411 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عمرو بن مرة، عن شهر بن حوشب، قال: إن هذه الآية نزلت بهلاك إنما موعدهم الساعة، ثم قرأ أكفاركم خير من أولئكم... إلى قوله: والساعة أدهى وأمر. وقوله: إن المجرمين في ضلال وسعر يقول تعالى ذكره: إن المجرمين في ذهاب عن الحق، وأخذ على غير هدى وسعر يقول: في احتراق من شدة العناء والنصب في الباطل. كما: حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: في ضلال وسعر قال: في عناء.
[ 144 ]
وقوله: يوم يسحبون في النار على وجوههم يقول تعالى ذكره: يوم يسحب هؤلاء المجرمون في النار على وجوههم. وقد تأول بعضهم قوله: في النار على وجوههم إلى النار. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله يوم يسحبون إلى النار على وجوههم. وقوله: ذوقوا مس سقر يقول تعالى ذكره: يوم يسحبون في النار على وجوههم، يقال لهم: ذوقوا مس سقر، وترك ذكر يقال لهم استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. فإن قال قائل: كيف يذاق مس سقر، أوله طعم فيذاق ؟ فإن ذلك مختلف فيه فقال بعضهم: قيل ذلك كذلك على مجاز الكلام، كما يقال: كيف وجدت طعم الضرب وهو مجاز ؟ وقال آخر: ذلك كما يقال: وجدت مس الحمى يراد به أول ما نالني منها، وكذلك وجدت طعم عفوك. وأما سقر فإنها اسم باب من أبواب جهنم وترك إجراؤها لانها اسم لمؤنث معرفة. وقوله: إنا كل شئ خلقناه بقدر يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا كل شئ بمقدار قدرناه وقضيناه، وفي هذا بيان، أن الله جل ثناؤه، توعد هؤلاء المجرمين على تكذيبهم في القدر مع كفرهم به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25412 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا هشام بن سعد، عن أبي ثابت، عن إبراهيم بن محمد، عن أبيه، عن ابن عباس أنه كان يقول: إني أجد في كتاب الله قوما يسحبون في النار على وجوههم، يقال لهم: ذوقوا مس سقر لانهم كانوا يكذبون بالقدر، وإني لا أراهم، فلا أدري أشئ كان قبلنا، أم شئ فيما بقي. 25413 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي هريرة أن مشركي قريش خاصمت النبي (ص) في القدر، فأنزل الله إنا كل شئ خلقناه بقدر. 25414 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى وأبو كريب، قالوا: ثنا وكيع بن الجراح، قال: ثنا سفيان، عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش إلى النبي (ص) يخاصمونه في القدر، فنزلت إن المجرمين في ضلال وسعر.
[ 145 ]
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة، بنحوه. 25415 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: لما نزلت هذه الآية إنا كل شئ خلقناه بقدر قال رجل: يا رسول الله ففيم العمل ؟ أفي شئ نستأنفه، أو في شئ قد فرغ منه ؟ قال: فقال رسول الله (ص): اعملوا فكل ميسر لما خلق له، سنيسره لليسرى، وسنيسره للعسرى. 25416 - حدثنا ابن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا خصيف، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: لما تكلم الناس في القدر نظرت، فإذا هذه الآية أنزلت فيهم إن المجرمين في ضلال وسعر... إلى قوله خلقناه بقدر. 25417 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم ويزيد بن هارون، قالا: ثنا سفيان، عن سالم، عن محمد بن كعب، قال: ما نزلت هذه الآية إلا تعييرا لاهل القدر ذوقوا مس سقر إنا كل شئ خلقناه بقدر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سالم بن أبي حفصة، عن محمد بن كعب القرظي ذوقوا مس سقر قال: نزلت تعييرا لاهل القدر. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل السهمي، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة، قال: جاء مشركو قريش إلى النبي (ص) يخاصمونه في القدر، فنزلت: إنا كل شئ خلقناه بقدر. 25418 - قال: ثنا مهران، عن حازم، عن أسامة، عن محمد بن كعب القرظي مثله. 25419 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إنا كل شئ خلقناه بقدر قال: خلق الله الخلق كلهم بقدر، وخلق لهم الخير والشر بقدر، فخير الخير السعادة، وشر الشر الشقاء، بئس الشر الشقاء.
[ 146 ]
واختلف أهل العربية في وجه نصب قوله: كل شئ خلقناه بقدر فقال بعض نحويي البصرة: نصب كل شئ في لغة من قال: عبد الله ضربته قال: وهي في كلام العرب كثير. قال: وقد رفعت كل في لغة من رفع، ورفعت على وجه آخر. قال إنا كل شئ خلقناه بقدر فجعل خلقناه من صفة الشئ وقال غيره: إنما نصب كل لان قوله خلقناه فعل، لقوله إنا، وهو أولى بالتقديم إليه من المفعول، فلذلك اختير النصب، وليس قيل عبد الله في قوله: عبد الله ضربته شئ هو أولى بالفعل، وكذلك إنا طعامك، أكلناه الاختيار النصب لانك تريد: إنا أكلنا طعامك الاكل، أولى بأنا من الطعام. قال: وأما قول من قال: خلقناه وصف للشئ فبعيد، لان المعنى: إنا خلقناه كل شئ بقدر، وهذا القول الثاني أولى بالصواب عندي من الاول للعلل التي ذكرت لصاحبها. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ئ ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر ئ وكل شئ فعلوه في الزبر) *. يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشئ إذا أمرناه وأردنا أن نكونه إلا قولة واحدة: كن فيكون، لا مراجعة فيها ولا مرادة كلمح بالبصر يقول جل ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يبطئ ولا يتأخر، يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذبوا رسوله محمدا (ص): ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الامم السالفة والقرون الخالية، على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله، وتكذيب رسله فهل من مدكر يقول: فهل من متعظ بذلك منزجر ينزجر به. كما: 25420 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر قال: أشياعكم من أهل الكفر من الامم الماضية، يقول: فهل من أحد يتذكر. وقوله: وكل شئ فعلوه في الزبر يقول تعالى ذكره: وكل شئ فعله أشياعكم الذين مضوا قبلكم معشر كفار قريش في الزبر، يعني في الكتب التي كتبتها الحفظة عليهم. وقد يحتمل أن يكون مرادا به في أم الكتاب. كما:
[ 147 ]
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: في الزبر قال: الكتب. 25421 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكل شئ فعلوه في الزبر قال: في الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكل صغير وكبير مستطر ئ إن المتقين في جنات ونهر ئ في مقعد صدق عند مليك مقتدر) *. يقول تعالى ذكره: وكل صغير وكبير من الاشياء مستطر يقول: مثبت في الكتاب مكتوب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25422 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وكل صغير وكبير مستطر يقول: مكتوب، فإذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة. قوله: وكل صغير وكبير مستطر قال: مكتوب. 25423 - حدثنا بشر، قال: ثنا عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، قال: مكتوب في كل سطر. 24524 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مستطر قال: محفوظ مكتوب. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكل صغير وكبير مستطر أي محفوظ. 25425 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول مستطر قال: مكتوب. 25426 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكل صغير وكبير مستطر قال: مكتوب، وقرأ وما من دابة في الارض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين، وقرأ وما من دابة في الارض
[ 148 ]
ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ إنما هو مفتعل من سطرت: إذا كتبت سطرا. وقوله: إن المتقين في جنات ونهر يقول تعالى ذكره: إن الذين اتقوا عقاب الله بطاعته وأداء فرائضه، واجتناب معاصيه في بساتين يوم القيامة، وأنهار، ووحد النهر في اللفظ، ومعناه الجمع، كما وحد الدبر، ومعناه الادبار في قوله: يولون الدبر وقد قيل: إن معنى ذلك: إن المتقين في سعة يوم القيامة وضياء، فوجهوا معنى قوله: ونهر إلى معنى النهار. وزعم الفراء أنه سمع بعض العرب ينشد: إن تك ليليا فإني نهرمتى أتى الصبح فلا أنتظر وقوله: نهر على هذا التأويل مصدر من قولهم: نهرت أنهر نهرا. وعنى بقوله: فإني نهر: أي إني لصاحب نهار: أي لست بصاحب ليلة. وقوله: في مقعد صدق يقول: في مجلس حق لا لغو فيه ولا تأثيم عند مليك مقتدر يقول: عند ذي ملك مقتدر على ما يشاء، وهو الله ذو القوة المتين، تبارك وتعالى. آخر تفسير سورة اقتربت الساعة
[ 149 ]
سورة الرحمن سورة الرحمن مدنية وآياتها ثمان وسبعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (الرحمن ئ علم القرآن ئ خلق الانسان ئ علمه البيان ئ الشمس والقمر بحسبان) *. يقول تعالى ذكره: الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن، فأنعم بذلك عليكم، إذ بصركم به ما فيه رضا ربكم، وعرفكم ما فيه سخطه، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم، وعملكم بما أمركم به، وبتجنبكم ما يسخطه عليكم، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه، وتنجوا من أليم عقابه. وروي عن قتادة في ذلك ما: 25427 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان العقيلي، قال: ثنا أبو العوام العجلي، عن قتادة، أنه قال في تفسير الرحمن علم القرآن قال: نعمة والله عظيمة. وقوله: خلق الانسان يقول تعالى ذكره: خلق آدم وهو الانسان في قول بعضهم. ذكر من قال ذلك: 25428 - حدثنا ابن حميد، قال: قال: ثنا مهران، قال: ثنا سعيد، عن قتادة خلق الانسان قال: الانسان: آدم (ص). حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة خلق الانسان قال: الانسان: آدم (ص). وقال آخرون: بل عنى بذلك الناس جميعا، وإنما وحد في اللفظ لادائه عن جنسه،
[ 150 ]
كما قيل: إن الانسان لفي خسر والقولان كلاهما غير بعيدين من الصواب لاحتمال ظاهر الكلام إياهما. وقوله: علمه البيان يقول تعالى ذكره: علم الانسان البيان. ثم اختلف أهل التأويل في المعني بالبيان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به بيان الحلال والحرام. ذكر من قال ذلك: 25429 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله علمه البيان: علمه الله بيان الدنيا والآخرة بين حلاله وحرامه، ليحتج بذلك على خلقه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة علمه البيان الدنيا والآخرة ليحتج بذلك عليه. 25430 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة، في قوله: علمه البيان قال: تبين له الخير والشر، وما يأتي، وما يدع. وقال آخرون: عنى به الكلام: أي أن الله عز وجل علم الانسان البيان. ذكر من قال ذلك: 25431 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: علمه البيان قال: البيان: الكلام. والصواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: أن الله علم الانسان ما به الحاجة إليه من أمر دينه ودنياه من الحلال والحرام، والمعايش والمنطق، وغير ذلك مما به الحاجة إليه، لان الله جل ثناؤه لم يخصص بخبره ذلك، أنه علمه من البيان بعضا دون بعض، بل عم فقال: علمه البيان، فهو كما عم جل ثناؤه. وقوله: الشمس والقمر بحسبان اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: الشمس والقمر بحسبان، ومنازل لها يجريان ولا يعدوانها. ذكر من قال ذلك: 25432 - حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا الفريابي، قال: ثنا إسرائيل،
[ 151 ]
قال: ثنا سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: الشمس والقمر بحسبان قال: بحساب ومنازل يرسلان. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: الشمس والقمر بحسبان قال: يجريان بعدد وحساب. 25433 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك الشمس والقمر بحسبان قال: بحساب ومنازل. 25434 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الشمس والقمر بحسبان: أي بحساب وأجل. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: الشمس والقمر بحسبان قال: يجريان في حساب. 25435 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: الشمس والقمر بحسبان قال: يحسب بهما الدهر والزمان لولا الليل والنهار، والشمس والقمر لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا لو كان الدهر ليلا كله، كيف يحسب، أو نهارا كله كيف يحسب. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة الشمس والقمر بحسبان قال: بحساب وأجل. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما يجريان بقدر. ذكر من قال ذلك: 25436 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن أبي الصهباء، عن الضحاك، في قوله: الشمس والقمر بحسبان قال: بقدر يجريان. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما يدوران في مثل قطب الرحا. ذكر من قال ذلك: 25437 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا محمد بن يوسف، قال: ثنا إسرائيل، قال: ثنا أبويحيى عن مجاهد وقال: ثنا محمد بن يوسف، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بحسبان قال: كحسبان الرحا. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 152 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: بحسبان قال: كحسبان الرحا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: الشمس والقمر يجريان بحساب ومنازل، لان الحسبان مصدر من قول القائل: حسبته حسابا وحسبانا، مثل قولهم: كفرته كفرانا، وغفرته غفرانا. وقد قيل: إنه جمع حساب، كما الشهبان: جمع شهاب. واختلف أهل العربية فيما رفع به الشمس والقمر، فقال بعضهم: رفعا بحسبان: أي بحساب، وأضمر الخبر، وقال: وأظن والله أعلم أنه قال: يجريان بحساب وقال بعض من أنكر هذا القول منهم: هذا غلط، بحسبان يرافع الشمس والقمر: أي هما بحساب، قال: والبيان يأتي على هذا: علمه البيان أن الشمس والقمر بحسبان قال: فلا يحذف الفعل ويضمر إلا شاذا في الكلام. القول في تأويل قوله تعالى: * (والنجم والشجر يسجدان ئ والسماء رفعها ووضع الميزان ئ ألا تطغوا في الميزان ئ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) *. اختلف أهل التأويل في معنى النجم في هذا الموضع مع إجماعهم على أن الشجر ما قام على ساق، فقال بعضهم: عني بالنجم في هذا الموضع من النبات: ما نجم من الارض، مما ينبسط عليها، ولم يكن على ساق مثل البقل ونحوه. ذكر من قال ذلك: 25438 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: والنجم قال: ما يبسط على الارض. 25439 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والنجم قال: النجم كل شئ ذهب مع الارض فرشا، قال: والعرب تسمي الثيل نجما.
[ 153 ]
25440 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا رواد بن الجراح، عن شريك، عن السدي والنجم والشجر يسجدان قال: النجم: نبات الارض. 25441 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان والنجم قال: النجم: الذي ليس له ساق. وقال آخرون: عني بالنجم في هذا الموضع: نجم السماء. ذكر من قال ذلك: 25442 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: والنجم قال: نجم السماء. 25443 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: والنجم يعني: نجم السماء. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والنجم والشجر يسجدان قال: إنما يريد النجم. 25444 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، نحوه. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني بالنجم: ما نجم من الارض من نبت لعطف الشجر عليه، فكان بأن يكون معناه لذلك: ما قام على ساق وما لا يقوم على ساق يسجدان لله، بمعنى: أنه تسجد له الاشياء كلها المختلفة الهيئات من خلقه أشبه وأولى بمعنى الكلام من غيره. وأما قوله: والشجر فإن الشجر ما قد وصفت صفته قبل. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25445 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والشجر يسجدان قال: الشجر: كل شئ قام على ساق. 25446 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: والشجر قال: الشجر: كل شئ قام على ساق. 25447 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: والشجر قال: الشجر: شجر الارض.
[ 154 ]
25448 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان والشجر يسجدان قال: الشجر الذي له سوق. وأما قوله يسجدان فإنه عني به سجود ظلهما، كما قال جل ثناؤه ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال. كما: 25449 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا تميم بن عبد المؤمن، عن زبرقان، عن أبي رزين وسعيد والنجم والشجر يسجدان قالا: ظلهما سجودهما. 25450 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة والنجم والشجر يسجدان ما نزل من السماء شيئا من خلقه إلا عبده له طوعا وكرها. 25451 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة. 25452 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: والنجم والشجر يسجدان قال: يسجد بكرة وعشيا. وقيل والنجم والشجر يسجدان فثنى وهو خبر عن جمعين. وقد زعم الفراء أن العرب إذا جمعت الجمعين من غير الناس مثل السدر والنخل، جعلوا فعلهما واحدا، فيقولون الشاء والنعم قد أقبل، والنخل والسدر قد ارتوى، قال: وهذا أكثر كلامهم، وتثنيته جائزة. وقوله: والسماء رفعها يقول تعالى ذكره: والسماء رفعها فوق الارض. وقوله: ووضع الميزان يقول: ووضع العدل بين خلقه في الارض. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله وخفض الميزان والخفض والوضع: متقاربا المعنى في كلام العرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25453 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 155 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ووضع الميزان قال: العدل. وقوله: ألا تطغوا في الميزان يقول تعالى ذكره: ألا تظلموا وتبخسوا في الوزن. كما: 25454 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألا تطغوا في الميزان اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل عليك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن بالعدل صلاح الناس. وكان ابن عباس يقول: يا معشر الموالي، إنكم قد وليتم أمرين، بهما هلك من كان قبلكم، هذا المكيال والميزان. 25455 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن مغيرة، عن مسلم، عن أبي المغيرة، قال: سمعت ابن عباس يقول في سوق المدينة: يا معشر الموالي، إنكم قد بليتم بأمرين أهلك فيهما أمتان من الامم: المكيال، والميزان. 25456 - قال: ثنا مروان، عن مغيرة، قال: رأى ابن عباس رجلا يزن قد أرجح، فقال: أقم اللسان، أقم اللسان، أليس قد قال الله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان. وقوله: وأقيموا الوزن بالقسط يقول: وأقيموا لسان الميزان بالعدل. وقوله: ولا تخسروا الميزان يقول تعالى ذكره: ولا نتقصوا الوزن إذا وزنتم للناس وتظلموهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25457 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان قال قتادة قال ابن عباس: يا معشر الموالي إنكم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم، اتقى الله رجل عند ميزانه، اتقى الله رجل عند مكياله، فإنما يعدله شئ يسير، ولا ينقصه ذلك، بل يزيده الله إن شاء الله. 25458 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان قال: نقصه، إذا نقصه فقد خسره تخسيره نقصه. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 156 ]
* (والارض وضعها للانام ئ فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام ئ والحب ذو العصف والريحان) *. يقول تعالى ذكره: والارض وضعها للأنام والارض وطأها وهم الانام. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25459 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: للانام يقول: للخلق. 25460 - حدثني محمد بن سعد، ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والارض وضعها للانام قال: كل شئ فيه الروح. 25461 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: والارض وضعها للانام قال: للخلق الجن والانس. 25462 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: للانام قال: للخلائق. 25463 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة للانام قال: للخلق. 25464 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وضعها للانام قال: الانام: الخلق. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة والارض وضعها للانام قال: للخلق. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله. وقوله: فيها فاكهة والنخل ذات الاكمام يقول تعالى ذكره: في الارض فاكهة، والهاء والالف فيها من ذكر الارض. والنخل ذات الاكمام والاكمام: جمع كم، وهو ما تكممت فيه.
[ 157 ]
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: عنى بذلك تكمم النخل في الليف. ذكر من قال ذلك: 25465 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن، عن قوله: والنخل ذات الاكمام فقال: سعفة من ليف عصبت بها. 25466 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة والحسن ذات الاكمام أكمامها: ليفها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والنخل ذات الاكمام: الليف الذي يكون عليها. وقال آخرون: يعني بالاكمام: الرفات. ذكر من قال ذلك: 25467 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة والنخل ذات الاكمام قال: أكمامها رفاتها. وقال آخرون: بل معنى الكلام: والنخل ذات الطلع المتكمم في كمامه. ذكر من قال ذلك: 25468 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: والنخل ذات الاكمام وقيل له: هو الطلع، قال: نعم، وهو في كم منه حتى ينفتق عنه قال: والحب أيضا في أكمام. وقرأ وما تخرج من ثمرات من أكمامها. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف النخل بأنها ذات أكمام، وهي متكممة في ليفها، وطلعها متكمم في جفه، ولم يخصص الله الخبر عنها بتكممها في ليفها ولا تكمم طلعها في جفه، بل عم الخبر عنها بأنها ذات أكمام. والصواب أن يقال: عني بذلك ذات ليف، وهي به متكممة وذات طلع هو في جفه متكمم فيعمم، كما عم جل ثناؤه. وقوله: والحب ذو العصف والريحان يقول تعالى ذكره: وفيها الحب، وهو حب البر والشعير ذو الورق، والتبن: هو العصف، وإياه عنى علقمة بن عبدة:
[ 158 ]
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها حدورها من أتي الماء مطموم وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25469 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: والحب ذو العصف والريحان يقول: التبن. 25470 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: والحب ذو العصف والريحان قال: العصف: ورق الزرع الاخضر الذي قطع رؤوسه فهو يسمى العصف إذا يبس. 25471 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد والحب ذو العصف البقل من الزرع. 25472 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: والحب ذو العصف وعصفه تبنه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: العصف: التبن. 25473 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك والحب ذو العصف قال: الحب البر والشعير، والعصف: التبن. 25474 - حدثنا سعيد بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن المبارك الخراساني، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك قوله: والحب ذو العصف والريحان قال: الحب أول ما ينبت.
[ 159 ]
25475 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا روقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: والحب ذو العصف والريحان قال: العصف: الورق من كل شئ. قال: يقال للزرع إذا قطع: عصافة، وكل ورق فهو عصافة. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يونس بن محمد، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا أبوروق عطية بن الحارث، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحب ذو العصف قال: العصف: التبن. 25476 - حدثنا سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد، عن ابن عباس ذو العصف قال: العصف: الزرع. وقال بعضهم: العصف: هو الحب من البر والشعير بعينه. ذكر من قال ذلك: 25477 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والحب ذو العصف والريحان أما العصف: فهو البر والشعير. وأما قوله: والريحان فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: هو الرزق. ذكر من قال ذلك: 25478 - حدثني زيد بن أخزم الطائي، قال: ثنا عامر بن مدرك، قال: ثنا عتبة بن يقظان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كل ريحان في القرآن فهو رزق. 25479 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد والريحان قال: الرزق. 25480 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك والريحان: الرزق، ومنهم من يقول: ريحاننا. 25481 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس والريحان قال: الريح. حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني يونس بن محمد، قال: ثنا عبد الواحد،
[ 160 ]
قال: ثنا أبوروق عطية بن الحارث، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والريحان قال: الرزق والطعام. وقال آخرون: هو الريحان الذي يشم. ذكر من قال ذلك: 25482 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: الريحان ما تنبت الارض من الريحان. 25483 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: والريحان أما الريحان: فما أنبتت الارض من ريحان. 25484 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن والريحان قال: ريحانكم هذا. 25485 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: والريحان: الرياحين التي توجد ريحها. وقال آخرون: هو خضرة الزرع. ذكر من قال ذلك: 25486 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية عن علي، عن ابن عباس، قوله: والريحان يقول: خضرة الزرع. وقال آخرون: هو ما قام على ساق. ذكر من قال ذلك: 25487 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: الريحان ما قام على ساق. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الرزق، وهو الحب الذي يؤكل منه. وإنما قلنا ذلك أولى الاقوال في ذلك بالصواب، لان الله جل ثناؤه أخبر عن الحب أنه ذو العصف، وذلك ما وصفنا من الورق الحادث منه، والتبن إذا يبس، فالذي هو أولى بالريحان، أن يكون حبه الحادث منه، إذ كان من جنس الشئ الذي منه العصف، ومسموع من العرب تقول: خرجنا نطلب ريحان الله ورزقه، ويقال: سبحانك وريحانك: أي ورزقك، ومنه قول النمر بن تولب:
[ 161 ]
سلام الاله وريحانه وجنته وسماء درر وذكر عن بعضهم أنه كان يقول: العصف: المأكول من الحب والريحان: الصحيح الذي لم يؤكل. واختلفت القراء في قراءة قوله: والريحان فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين وبعض الكوفيين بالرفع عطفا به على الحب، بمعنى: وفيها الحب ذو العصف، وفيها الريحان أيضا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين والريحان بالخفض عطفا به على العصف، بمعنى: والحب ذو العصف وذو الريحان. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب: قراءة من قرأه بالخفص للعلة التي بينت في تأويله، وأنه بمعنى الرزق. وأما الذين قرأوه رفعا، فإنهم وجهوا تأويله فيما أرى إلى أنه الريحان الذي يشم، فلذلك اختاروا الرفع فيه وكونه خفضا بمعنى: وفيها الحب ذو الورق والتبن، وذو الرزق المطعوم أولى وأحسن لما قد بيناه قبل. القول في تأويل قوله تعالى: * (فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ خلق الانسان من صلصال كالفخار ئ وخلق الجآن من مارج من نار ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يعني تعالى ذكره بقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس من هذه النعم تكذبان. كما: 25488 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سهل السراج، عن الحسن فبأي آلاء ربكما تكذبان فبأي نعمة ربكما تكذبان.
[ 162 ]
25489 - قال عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان قال: لا بأيتها يا رب. 25490 - حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك النضري، قالا: ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إن رسول الله (ص) قرأ سورة الرحمن، أو قرئت عنده، فقال: ما لي أسمع الجن أحسن جوابا لربها منكم ؟ قالوا: ماذا يا رسول الله ؟ قال: ما أتيت على قول الله: فبأي آلاء ربكما تكذبان ؟ إلا قالت الجن: لا بشئ من نعمة ربنا نكذب. 25491 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعمة الله تكذبان. 25492 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول للجن والانس: بأي نعم الله تكذبان. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الاعمش وغيره، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه كان إذا قرأ فبأي آلاء ربكما تكذبان قال: لا بأيتها ربنا. 25493 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان قال: الآلاء: القدرة، فبأي آلائه تكذب خلقكم كذا وكذا، فبأي قدرة الله تكذبان أيها الثقلان، الجن والانس. فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: فبأي آلاء ربكما تكذبان فخاطب اثنين، وإنما ذكر في أول الكلام واحد، وهو الانسان ؟ قيل: عاد بالخطاب في قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان إلى الانسان والجان، ويدل على أن ذلك كذلك ما بعد هذا من الكلام، وهو قوله: خلق الانسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار. وقد قيل: إنما جعل الكلام خطابا لاثنين، وقد ابتدئ الخبر عن واحد، لما قد جرى من فعل العرب، تفعل ذلك وهو أن يخاطبوا الواحد بفعل الاثنين، فيقولون: خلياها يا غلام، وما أشبه ذلك مما قد بيناه من كتابنا هذا في غير موضع.
[ 163 ]
وقوله: خلق الانسان من صلصال كالفخار يقول تعالى ذكره: خلق الله الانسان وهو آدم من صلصال: وهو الطين اليابس الذي لم يطبخ، فإنه من يبسه له صلصلة إذا حرك ونقر كالفخار يعني أنه من يبسه وإن لم يكن مطبوخا، كالذي قد طبخ بالنار، فهو يصلصل كما يصلصل الفخار، والفخار: هو الذي قد طبخ من الطين بالنار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25494 - حدثني عبيد الله بن يوسف الجبيري، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، يعني الملائي، عن مجاهد، عن ابن عباس، قوله: من صلصال كالفخار قال: هو من الطين الذي إذا مطرت السماء فيبست الارض كأنه خزف رقاق. 25495 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: خلق الله آدم من طين لازب، واللازب: اللزج الطيب من بعد حمأ مسنون منتن. قال: وإنما كان حمأ مسنونا بعد التراب، قال: فخلق منه آدم بيده، قال: فمكث أربعين ليلة جسدا ملقى، فكان إبليس يأتيه فيضربه برجله، فيصلصل فيصوت، قال: فهو قول الله تعالى: كالفخار يقول: كالشئ المنفرج الذي ليس بمصمت. 25496 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: الصلصال: التراب المدقق. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال: الصلصال: التراب المدقق. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: خلق الانسان من صلصال كالفخار يقول: الطين اليابس. 25497 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: من صلصال كالفخار قال: الصلصال: طين خلط برمل فكان كالفخار. 25498 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 164 ]
من صلصال كالفخار والصلصال: التراب اليابس الذي يسمع له صلصلة فهو كالفخار، كما قال الله عزوجل. 25499 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: من صلصال كالفخار قال: من طين له صلصلة كان يابسا، ثم خلق الانسان منه. 25500 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: من صلصال كالفخار قال: يبس آدم في الطين في الجنة، حتى صار كالصلصال، وهو الفخار، والحمأ المسنون: المنتن الريح. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة خلق الانسان من صلصال كالفخار قال: من تراب يابس له صلصلة. 25501 - قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس خلق الانسان من صلصال كالفخار قال: ما عصر، فخرج من بين الاصابع، ولو وجه موجه قوله: صلصال إلى أنه فعلال من قولهم صل اللحم: إذا أنتن وتغيرت ريحه، كما قيل من صر الباب صرصر، وكبكب من كب، كان وجها ومذهبا. وقوله: وخلق الجان من مارج من نار يقول تعالى ذكره: وخلق الجان من مارج من نار، وهو ما اختلط بعضه ببعض، من بين أحمر وأصفر وأخضر، من قولهم: مرج أمر القوم: إذا اختلط، ومن قول النبي (ص) لعبد الله بن عمرو: كيف بك إذا كنت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم وذلك هو لهب النار ولسانه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25502 - حدثنا عبد الله بن يوسف الجبيري أبو حفص، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثنا مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: من مارج من نار قال: من أوسطها وأحسنها. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وخلق الجان من مارج من نار يقول: خلقه من لهب النار من أحسن النار.
[ 165 ]
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: من مارج من نار يقول: خالص النار. 25503 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثمان بن سعيد، قال: ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك عن ابن عباس، قال: خلقت الجن الذين ذكروا في القرآن من مارج من نار، وهو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا ألهبت. 25504 - حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: من مارج من نار قال: من أحسن النار. 25505 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: من مارج من نار قال: اللهب الاصفر والاخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت. وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله، إلا أنه قال: والاحمر. 25506 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وخلق الجان من مارج من نار قال: هو اللهب المنقطع الاحمر. 25507 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك، في قوله: وخلق الجان من مارج من نار قال: أحسن النار. 25508 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: من مارج من نار قال: من لهب النار. 25509 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وخلق الجان من مارج من نار: أي من لهب النار. 25510 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: من مارج من نار قال: من لهب النار. 25511 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وخلق الجان من مارج من نار قال: المارج: اللهب.
[ 166 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة وخلق الجان من مارج من نار قال: من لهب من نار. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره فبأي نعمة ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (رب المشرقين ورب المغربين ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ مرج البحرين يلتقيان ئ بينهما برزخ لا يبغيان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: ذلكم أيها الثقلان رب المشرقين يعني بالمشرقين: مشرق الشمس في الشتاء، ومشرقها في الصيف. وقوله: ورب المغربين يعني: ورب مغرب الشمس في الشتاء، ومغربها في الصيف. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25512 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن أبزى، قوله: رب المشرقين ورب المغربين قال: مشارق الصيف ومغارب الصيف، مشرقان تجري فيهما الشمس ستون وثلاثمائة في ستين وثلاثمائة برج، لكل برج مطلع، لا تطلع يومين من مكان واحد. وفي المغرب ستون وثلاثمائة برج، لكل برج مغيب، لا تغيب يومين في برج. 25513 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: رب المشرقين ورب المغربين قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه. 25514 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: رب المشرقين ورب المغربين فمشرقها في الشتاء، ومشرقها في الصيف. 25515 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة قوله: رب المشرقين ورب المغربين قال: مشرق الشتاء ومغربه، ومشرق الصيف ومغربه. 25516 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 167 ]
رب المشرقين ورب المغربين قال: أقصر مشرق في السنة، وأطول مشرق في السنة وأقصر مغرب في السنة، وأطول مغرب في السنة. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس من هذه النعم التي أنعم بها عليكم من تسخيره الشمس لكم في هذين المشرقين والمغربين تجري لكما دائبة بمرافقكما، ومصالح دنياكما ومعايشكما تكذبان. وقوله: مرج البحرين يلتقيان يقول تعالى ذكره: مرج رب المشرقين ورب المغربين البحرين يلتقيان، يعني بقوله: مرج: أرسل وخلى، من قولهم: مرج فلان دابته: إذا خلاها وتركها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25517 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مرج البحرين يقول: أرسل. واختلف أهل العلم في البحرين اللذين ذكرهما الله جل ثناؤه في هذه الآية، أي البحرين هما ؟ فقال بعضهم: هما بحران: أحدهما في السماء، والآخر في الارض. ذكر من قال ذلك: 25518 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان قال: بحر في السماء، وبحر في الارض. 25519 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر عن سعيد، في قوله: مرج البحرين يلتقيان قال: بحر في السماء، وبحر في الارض. 25520 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: مرج البحرين يلتقيان قال: بحر في السماء والارض يلتقيان كل عام. وقال آخرون: عنى بذلك بحر فارس وبحر الروم. ذكر من قال ذلك: 25521 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن زياد مولى مصعب، عن الحسن مرج البحرين يلتقيان قال: بحر الروم، وبحر فارس واليمن. 25522 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مرج البحرين يلتقيان فالبحران: بحر فارس، وبحر الروم.
[ 168 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة مرج البحرين يلتقيان قال: بحر فارس وبحر الروم. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني به بحر السماء، وبحر الارض، وذلك أن الله قال يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان واللؤلؤ والمرجان إنما يخرج من أصداف بحر الارض عن قطر ماء السماء، فمعلوم أن ذلك بحر الارض وبحر السماء. وقوله: بينهما برزخ لا يبغيان يقول تعالى ذكره: بينهما حاجز وبعد، لا يفسد أحدهما صاحبه فيبغي بذلك عليه، وكل شئ كان بين شيئين فهو برزخ عند العرب، وما بين الدنيا والآخرة برزخ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25523 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى بينهما برزخ لا يبغيان لا يبغي أحدهما على صاحبه. 25524 - قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا فطر، عن مجاهد، قوله: بينهما برزخ لا يبغيان قال: بينهما حاجز من الله، لا يبغي أحدهما على الآخر. 25525 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: بينهما برزخ لا يبغيان يقول: حاجز. 25526 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بينهما برزخ لا يبغيان والبرزخ: هذه الجزيرة، هذا اليبس. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: البرزخ الذي بينهما: الارض التي بينهما. 25527 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة بينهما برزخ لا يبغيان قال: حجز المالح عن العذب، والعذب عن المالح، والماء عن اليبس، واليبس عن الماء، فلا يبغي بعضه على بعض بقوته ولطفه وقدرته. 25528 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان قال: منعهما أن يلتقيا بالبرزخ الذي جعل بينهما من الارض. قال: والبرزخ بعد الارض الذي جعل بينهما.
[ 169 ]
واختلف أهل التأويل في معنى قوله: لا يبغيان فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يبغي أحدهما على صاحبه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزى لا يبغيان: لا يبغي أحدهما على صاحبه. قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا فطر، عن مجاهد، مثله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة مثله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهما لا يختلطان. ذكر من قال ذلك: 25529 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يبغيان قال: لا يختلطان. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يبغيان على اليبس. ذكر من قال ذلك: 25530 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يبغيان على اليبس، وما أخذ أحدهما من صاحبه فهو بغي، فحجز أحدهما عن صاحبه بقدرته ولطفه وجلاله تبارك وتعالى. وقال آخرون: بل معناه: لا يبغيان أن يلتقيا. ذكر من قال ذلك: 25531 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يبغيان قال: لا يبغي أحدهما أن يلتقي مع صاحبه. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله وصف البحرين اللذين ذكرهما في هذه الآية أنهما لا يبغيان، ولم يخصص وصفهما في شئ دون شئ، بل عم الخبر عنهما بذلك، فالصواب أن يعم كما عم جل ثناؤه، فيقال: إنهما لا يبغيان على شئ، ولا يبغي أحدهما على صاحبه، ولا يتجاوزان حد الله الذي حده لهما. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم الله ربكما معشر الجن والانس تكذبان من هذه النعم التي أنعم عليكم من مرجه البحرين، حتى جعل لكم بذلك حلية تلبسونها كذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 170 ]
* (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: يخرج من هذين البحرين اللذين مرجهما الله، وجعل بينهما برزخا اللؤلؤ والمرجان. واختلف أهل التأويل في صفة اللؤلؤ والمرجان، فقال بعضهم: اللؤلؤ: ما عظم من الدر، والمرجان: ما صغر منه. ذكر من قال ذلك: 25532 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد، عن ابن عباس اللؤلؤ والمرجان قال: اللؤلؤ: العظام. 25533 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أما اللؤلؤ فعظامه، وأما المرجان فصغاره، وإن لله فيهما خزانة دل عليها عامة بني آدم، فأخرجوا متاعا ومنفعة وزينة، وبلغة إلى أجل. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال: اللؤلؤ الكبار من اللؤلؤ، والمرجان: الصغار منه. 25534 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: اللؤلؤ والمرجان أما المرجان: فاللؤلؤ الصغار، وأما اللؤلؤ: فما عظم منه. 25535 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال: اللؤلؤ: ما عظم منه، والمرجان: اللؤلؤ الصغار. 25536 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: المرجان: هو اللؤلؤ الصغار. 25537 - وحدثنا عمرو بن سعيد بن بشار القرشي، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا عبد الله بن ميسرة الحراني، قال: ثني شيخ بمكة من أهل الشام، أنه سمع كعب الاحبار يسأل عن المرجان، فقال: هو البسذ.
[ 171 ]
قال أبو جعفر: البسذ له شعب، وهو أحسن من اللؤلؤ. وقال آخرون: المرجان من اللؤلؤ: الكبار، واللؤلؤ منها: الصغار. ذكر من قال ذلك: 25538 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، أو قيس بن وهب، عن مرة، قال: المرجان: اللؤلؤ العظام. 25539 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: المرجان، قال: ما عظم من اللؤلؤ. حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الاشقر، قال: ثنا زهير، عن جابر، عن عبد الله بن يحيى، عن علي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: المرجان: عظيم اللؤلؤ. وقال آخرون: المرجان: جيد اللؤلؤ. ذكر من قال ذلك: 25540 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا شريك، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت مرة عن اللؤلؤ والمرجان قال: المرجان: جيد اللؤلؤ. وقال آخرون: المرجان: حجر. ذكر من قال ذلك: 25541 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون الاودي عن ابن مسعود اللؤلؤ والمرجان قال: المرجان حجر. والصواب من القول في اللؤلؤ، أنه هو الذي عرفه الناس مما يخرج من أصداف البحر من الحب وأما المرجان، فإني رأيت أهل المعرفة بكلام العرب لا يتدافعون أنه جمع مرجانة، وأنه الصغار من اللؤلؤ، قد ذكرنا ما فيه من الاختلاف بين متقدمي أهل العلم، والله أعلم بصواب ذلك. وقد زعم بعض أهل العربية أن اللؤلؤ والمرجان يخرج من أحد البحرين، ولكن قيل: يخرج منهما، كما يقال أكلت: خبزا ولبنا، وكما قيل: ورأيت زوجك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا
[ 172 ]
وليس ذلك كما ذهب إليه، بل ذلك كما وصفت من قبل من أن ذلك يخرج من أصداف البحر، عن قطر السماء، فلذلك قيل: يخرج منهما اللؤلؤ يعني بهما: البحران. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25542 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن عبد الله الرازي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن السماء إذا أمطرت، فتحت الاصداف أفواهها، فمنها اللؤلؤ. حدثني محمد بن إسماعيل الاحمسي، قال: ثنا أبويحيى الحماني، قال: ثنا الاعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا نزل القطر من السماء تفتحت الاصداف فكان لؤلؤا. حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، قال: ثنا الفريابي، قال: ذكر سفيان، عن الاعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إن السماء إذا أمطرت تفتحت لها الاصداف، فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ. 25543 - حدثنا محمد بن إسماعيل الفزاري، قال: أخبرنا محمد بن سوار، قال: ثنا محمد بن سليمان الكوخي بن أخي عبد الرحمن بن الاصبهاني، عن عبد الرحمن الاصبهاني، عن عكرمة، قال: ما نزلت قطرة من السماء في البحر إلا كانت بها لؤلؤة أو نبتت بها عنبرة، فيما يحسب الطبري.
[ 173 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: يخرج على وجه ما لم يسم فاعله. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة وبعض المكيين بفتح الياء. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معنييهما. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم بها عليكم فيما أخرج لكم من نافع هذين البحرين تكذبان. وقوله: وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام يقول تعالى ذكره: ولرب المشرقين والمغربين الجواري، وهي السفن الجارية في البحار. وقوله: المنشئات في البحر اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة المنشئات بكسر الشين، بمعنى: الظاهرات السير اللاتي يقبلن ويدبرن. وقرأ ذلك عامة قراء البصرة والمدينة وبعض الكوفيين المنشئات بفتح الشين، بمعن المرفوعات القلاع اللاتي تقبل بهن وتدبر. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى متقاربتاه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. ذكر من قال في تأويل ذلك ما ذكرناه فيه: 25544 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: المنشئات في البحر قال: ما رفع قلعه من السفن فهي منشئات، وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشأة. 25545 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام يعني: السفن. 25546 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام يعني السفن. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام قال السفن.
[ 174 ]
وقوله: كالاعلام يقول: كالجبال، شبه السفن بالجبال، والعرب تسمي كل جبل طويل علما ومنه قوله جرير: إذا قطعنا علما بدا علم وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس التي أنعمها عليكم بإجرائه الجواري المنشئات في البحر جارية بمنافعكم تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ يسأله من في السماوات والارض كل يوم هو في شأن ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: كل من على ظهر الارض من جن وإنس فإنه هالك، ويبقى وجه ربك يا محمد ذو الجلال والاكرام وذو الجلال والاكرام من نعت الوجه فلذلك رفع ذو. وقد ذكر أنها في قراءة عبد الله بالياء ذي الجلال والاكرام على أنه من نعت الرب وصفته. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين من هذه النعم تكذبان. وقوله: يسأله من في السموات والارض يقول تعالى ذكره: إليه يفزع بمسألة الحاجات كل من في السموات والارض، من ملك وإنس وجن وغيرهم، لا غنى بأحد منهم عنه. كما: 25547 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يسأله من في السموات والارض، كل يوم هو في شأن لا يستغني عنه أهل السماء ولا أهل الارض، يحيى حيا، ويميت ميتا ويربي صغيرا، ويذل كبيرا، وهو مسأل حاجات الصالحين، ومنتهى شكواهم، وصريخ الاخيار.
[ 175 ]
25548 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يسئله من في السموات والارض، كل يوم هو في شأن قال: يعني مسألة عباده إياه الرزق والموت والحياة، كل يوم هو في ذلك. وقوله: كل يوم هو في شأنيقول تعالى ذكره من كل يوم في شأن خلقه، فيفرج كرب ذي كرب ويرفع قوما ويخفض آخرين، وغير ذلك من شئون خلقه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25549 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن يونس بن خباب، والاعمش عن مجاهد، عن عبيد بن عمير كل يوم هو في شأن قال: يجيب داعيا، ويعطي سائلا، أو يفك عانيا، أو يشفي سقيما. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير في قوله: كل يوم هو في شأن قال: يفك عانيا، ويشفي سقيما، ويجيب داعيا. 25550 - وحدثني إسماعيل بن إسرائيل اللآل، قال: ثنا أيوب بن سويد، عن سفيان، عن الاعمش، عن مجاهد، في قوله: كل يوم هو في شأن قال: من شأنه أن يعطي سائلا، ويفك عانيا، ويجيب داعيا، ويشفي سقيما. 25551 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: كل يوم هو في شأن قال: كل يوم هو يجيب داعيا، ويكشف كربا، ويجيب مضطرا، ويغفر ذنبا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الاعمش، عن مجاهد، عن عبيد بن عمير كل يوم هو في شأن يجيب داعيا، ويعطى سائلا، ويفك عانيا، ويتوب على قوم ويغفر. 25552 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة يسئله من في السموات والارض كل يوم هو في شأن قال: يخلق مخلقا، ويميت ميتا، ويحدث أمرا.
[ 176 ]
25553 - حدثني عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي، قال: ثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي، قال: ثنا عمرو بن بكر السكسكي، قال: ثنا الحارث بن عبدة بن رباح الغساني، عن أبيه عبدة بن رباح، عن منيب بن عبد الله الازدي، عن أبيه قال: تلا رسول الله (ص) هذه الآية: كل يوم هو في شأن فقلنا: يا رسول الله، وما ذلك الشأن ؟ قال: يغفر ذنبا، ويفرج كربا، ويرفع أقواما، ويضع آخرين. 25554 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة الثمالي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: إن الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء، دفناه ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، عرضه ما بين السماء والارض، ينظر فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة، يخلق بكل نظرة، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويفعل ما يشاء. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس التي أنعم عليكم من صرفه إياكم في مصالحكم، وما هو أعلم به منكم من تقليبه إياكم فيما هو أنفع لكم تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (سنفرغ لكم أيها الثقلان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ يمعشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: سنفرغ لكم أيها الثقلان فقرأته قراء المدينة والبصرة وبعض المكيين سنفرغ لكم بالنون. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة سيفرغ لكم بالياء وفتحها ردا على قوله: يسأله من في السموات والارض ولم يقل: يسألنا من في السموات، فأتبعوا الخبر الخبر. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
[ 177 ]
وأما تأويله: فإنه وعيد من الله لعباده وتهدد، كقول القائل الذي يتهدد غيره ويتوعده، ولا شغل له يشغله عن عقابه، لاتفرغن لك، وسأتفرغ لك، بمعنى: سأجد في أمرك وأعاقبك، وقد يقول القائل للذي لا شغل له، قد فرغت لي، وقد فرغت لشتمي: أي أخذت فيه وأقبلت عليه، وكذلك قوله جل ثناؤه: سنفرغ لكم سنحاسبكم، ونأخذ في أمركم أيها الانس والجن، فنعاقب أهل المعاصي، ونثيب أهل الطاعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25555 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: وعيد من الله للعباد، وليس بالله شغل، وهو فارغ. 25556 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة أنه تلا سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: دنا من الله فراغ لخلقه. 25557 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جويبر، عن الضحاك سنفرغ لكم أيها الثقلان قال: وعيد، وقد يحتمل أن يوجه معنى ذلك إلى: سنفرغ لكم من وعدناكم ما وعدناكم من الثواب والعقاب. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعمها عليكم، من ثوابه أهل طاعته، وعقابه أهل معصيته تكذبان ؟. وقوله: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إن استطعتم أن تنفذوا فقال بعضهم: معنى ذلك: إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والارض، فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم، فجوزوا ذلك، فإنكم لا تجوزونه إلا بسلطان من ربكم، قالوا: وإنما هذا قول يقال لهم يوم القيامة. قالوا: ومعنى الكلام: سنفرغ لكم أيها الثقلان، فيقال لهم: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا. ذكر من قال ذلك: 25558 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا أبو أسامة، عن الاجلح، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم، قال: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا
[ 178 ]
فتشققت بأهلها، ونزل من فيها من الملائكة، فأحاطوا بالارض ومن عليها بالثانية، ثم بالثالثة، ثم بالرابعة، ثم بالخامسة، ثم بالسادسة، ثم بالسابعة، فصفوا صفا دون صف، ثم ينزل الملك الاعلى على مجنبته اليسرى جهنم، فإذا رآها أهل الارض ندوا، فلا يأتون قطرا من أقطار الارض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه فذلك قول الله: إني أخاف عليكم يوم التناد، يوم تولون مدبرين، وذلك قوله: وجاء ربك والملك صفا صفا، وجئ يومئذ بجهنم، وقوله: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان، وذلك قوله: وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن تنفذوا من أقطار السموات والارض، فانفدوا هاربين من الموت، فإن الموت مدرككم، ولا ينفعكم هربكم منه. ذكر من قال ذلك: 25559 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: يا معشر الجن والانس... الآية، يعني بذلك أنه لا يجيرهم أحد من الموت، وأنهم ميتون لا يستطيعون فرارا منه، ولا محيصا، لو نفذوا أقطار السموات والارض كانوا في سلطان الله، ولاخذهم الله بالموت. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والارض فاعلموا. ذكر من قال ذلك: 25560 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: يا معشر الجن والانس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان يقول: إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والارض فاعلموه، لن تعلموه إلا بسلطان، يعني البينة من الله جل ثناؤه. وقال آخرون: معنى قوله: لا تنفذون لا تخرجون من سلطاني. ذكر من قال ذلك: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لا تنفذون إلا بسلطان يقول: لا تخرجون من سلطاني.
[ 179 ]
وأما الاقطار فهي جمع قطر، وهي الاطراف. كما: 25561 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والارض قال: من أطرافها. وقوله جل ثناؤه: ولو دخلت عليهم من أقطارها يقول: من أطرافها. وأما قوله: إلا بسلطان فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: إلا بينة وقد ذكرنا ذلك قبل. وقال آخرون: معناه: إلا بحجة. ذكر من قال ذلك: 25562 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل، عن عكرمة لا تنفذون إلا بسلطان قال: كل شئ في القرآن سلطان فهو حجة. 25563 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بسلطان قال: بحجة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا بملك وليس لكم ملك. ذكر من قال ذلك: 25564 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان قال: لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك. 25565 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لا تنفذون إلا بسلطان قال: إلا بسلطان من الله، إلا بملكة منه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا تنفذون إلا بسلطان يقول إلا بملكة من الله. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: إلا بحجة وبينة، لان ذلك هو معنى السلطان في كلام العرب، وقد يدخل الملك في ذلك، لان الملك حجة. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما تكذبنان معشر الثقلين التي أنعمت عليكم، من التسوية بين جميعكم، لا يقدرون على خلاف أمر أراده بكم تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 180 ]
* (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: يرسل عليكما أيها الثقلان يوم القيامة شواظ من نار وهو لهبها من حيث تشتعل وتؤجج بغير دخان كان فيه ومنه قول رؤبة بن العجاج: إن لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشواظا وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25566 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: شواظ من نار يقول: لهب النار. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يرسل عليكما شواظ من نار يقول: لهب النار. 25567 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: شواظ من نار قال: لهب النار. 25568 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد يرسل عليكما شواظ من نار قال: اللهب المتقطع. 25569 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد يرسل عليكما شواظ من نار قال: الشواظ: الاخضر المتقطع من النار.
[ 181 ]
قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله يرسل عليكما شواظ من نار قال الشواظ: هذا اللهب الاخضر المتقطع من النار. 25570 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، في قوله: يرسل عليكما شواظ من نار قال: الشواظ: اللهب الاخضر المتقطع من النار. 25571 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك: الشواظ: اللهب. 25572 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يرسل عليكما شواظ من نار: أي لهب من نار. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة شواظ من نار قال: لهب من نار. 25573 - وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يرسل عليكما شواظ من نار قال: الشواظ: اللهب، وأما النحاس فالله أعلم بما أراد به. وقال آخرون: الشواظ: هو الدخان الذي يخرج من اللهب. 25574 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله شواظ من نار الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب. واختلفت القراء في قراءة قوله: شواظ، فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة، غير ابن أبي إسحاق شواظ بضم الشين، وقرأ ذلك ابن أبي إسحاق، وعبد الله بن كثير شواظ من نار بكسر الشين، وهما لغتان، مثل الصوار من البقر، والصوار بكسر الصاد وضمها. وأعجب القراءتين إلي ضم الشين، لانها اللغة المعروفة، وهي مع ذلك قراءة القراء من أهل الامصار. وأما قوله: ونحاس فإن أهل التأويل اختلفوا في المعني به، فقال بعضهم: عني به الدخان. ذكر من قال ذلك:
[ 182 ]
25575 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله: ونحاس فلا تنتصران قال: النحاس: الدخان. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ونحاس دخان النار. 25576 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، قوله: ونحاس قال: دخان. وقال آخرون: عني بالنحاس في هذا الموضع: الصفر. ذكر من قال ذلك: 25577 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، ونحاس قال: النحاس: الصفر يعذبون به. 25578 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ونحاس قال: يذاب الصفر من فوق رؤوسهم. قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد ونحاس قال: يذاب الصفر فيصب على رأسه. 25579 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان ونحاس يذاب الصفر فيصب على رؤوسهم. 25580 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ونحاس قال: توعدهما بالصفر كما تسمعون أن يعذبهما به. 25581 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس قال: يخوفهم بالنار وبالنحاس. وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بالنحاس: الدخان، وذلك أنه جل ثناؤه ذكر أنه يرسل على هذين الحيين شواظ من نار، وهو النار المحضة التي لا يخلطها دخان. والذي هو أولى بالكلام أنه توعدهم بنار هذه صفتها أن يتبع ذلك الوعد بما هو خلافها من نوعها من العذاب دون ما هو من غير جنسها، وذلك هو الدخان، والعرب تسمي الدخان نحاسا بضم النون، ونحاسا بكسرها، والقراء مجمعة على ضمها، ومن النحاس بمعنى الدخان، قول نابغة بني ذبيان:
[ 183 ]
يضوء كضوء سراج السلي ط لم يجعل الله فيه نحاسا يعني: دخانا. وقوله: فلا تنتصران يقول تعالى ذكره: فلا تنتصران أيها الجن والانس منه إذا هو عاقبكما هذه العقوبة، ولا تستنقذان منه. كما: 25582 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلا تنتصران قال: يعني الجن والانس. قال: وقوله: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان يقول تعالى ذكره: فإذا انشقت السماء وتفطرت، وذلك يوم القيامة، فكان لونها لون البرذون الورد الاحمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25583 - حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا محمد بن الصلت، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس فكانت وردة كالدهان قال: كالفرس الورد. 25584 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان يقول: تغير لونها. 25585 - حدثنا عبد الله بن أحمد بن حبويه، قال: ثنا شهاب بن عباد، قال: ثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل ابن أبي خالد عن أبي صالح في قوله: وردة كالدهان قال كلون البرذون الورد، ثم كانت بعد كالدهان. 25586 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال:
[ 184 ]
سمعت الضحاك يقول في قوله: فكانت وردة كالدهان يقول: تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة. 25587 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وردة كالدهان هي اليوم خضراء كما ترون، ولونها يوم القيامة لون آخر. 25588 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا ابن العوام، عن قتادة، في قوله: فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان قال: هي اليوم خضراء، ولونها يومئذ الحمرة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وردة كالدهان قال: إنها اليوم خضراء، وسيكون لها يومئذ لون آخر. 25589 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فكانت وردة كالدهان قال: مشرقة كالدهان. واختلف أهل التأويل في معنى قوله: كالدهان فقال بعضهم: معناه كالدهن صافية الحمرة مشرقة. ذكر من قال ذلك: 25590 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وردة كالدهان قال: كالدهن. 25591 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: كالدهان يعني: خالصة. وقال آخرون: عني بذلك: فكانت وردة كالاديم، وقالوا: الدهان: جماع، واحدها دهن. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني به الدهن في إشراق لونه، لان ذلك هو المعروف في كلام العرب. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي قدرة ربكما معشر الجن والانس على ما أخبركم بأنه فاعل بكم تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 185 ]
* (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جآن ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والاقدام ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: فيومئذ لا يسأل الملائكة المجرمين عن ذنوبهم، لان الله قد حفظها عليهم، ولا يسأل بعضهم عن ذنوب بعض ربهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25592 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان يقول تعالى ذكره: لا يسألهم عن أعمالهم، ولا يسأل بعضهم عن بعض وهو مثل قوله: ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون ومثل قوله لمحمد (ص) ولا تسئل عن أصحاب الجحيم. 25593 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة في قوله: لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان قال: حفظ الله عز وجل عليهم أعمالهم. 25594 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان قال: كان مجاهد يقول: لا يسأل الملائكة عن المجرم يعرفون بسيماهم. 25595 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان قال: قد كانت مسألة ثم ختم على ألسنة القوم فتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين، التي أنعم عليكم من عدله فيكم، أنه لم يعاقب منكم إلا مجرما...
[ 186 ]
وقوله: يعرف المجرمون بسيماهم يقول تعالى ذكره تعرف الملائكة المجرمين بعلاماتهم وسيماهم التي يسومهم الله بها من اسوداد الوجوه، وازرقاق العيون. كما: 25596 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور عن معمر، عن الحسن، في قوله: يعرف المجرمون بسيماهم قال: يعرفون باسوداد الوجوه، وزرقة العيون. 25597 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة يعرف المجرمون بسيماهم قال: زرق العيون، سود الوجوه. وقوله: فيؤخذ بالنواصي والاقدام يقول تعالى ذكره: فتأخذهم الزبانية بنواصيهم وأقدامهم فتسحبهم إلى جهنم، وتقذفهم فيها فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس التي أنعم عليكم بها من تعريفه ملائكته أهل الاجرام من أهل الطاعة منكم حتى خصوا بالاذلال والاهانة المجرمين دون غيرهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون ئ يطوفون بينها وبين حميم آن ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء المجرمين الذين أخبر جل ثناؤه أنهم يعرفون يوم القيامة بسيماهم حين يؤخذ بالنواصي والاقدام: هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون، فترك ذكر يقال اكتفاء بدلالة الكلام عليه منه. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليانها، لا تموتان فيها ولا تحييان. وقوله: يطوفون بينها وبين حميم آن يقول تعالى ذكره: يطوف هؤلاء المجرمون الذين وصف صفتهم في جهنم بين أطباقها وبين حميم آن يقول: وبين ماء قد أسخن
[ 187 ]
وأغلي حتى انتهى حره وأنى طبخه وكل شئ قد أدرك وبلغ فقد أنى ومنه قوله: غير ناظرين إناه يعني: إدراكه وبلوغه، كما قال نابغة بني ذبيان: ويخضب لحية غدرت وخانت بأحمر من نجيع الجوف آني يعني: مدرك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25598 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وبين حميم آن يقول: انتهى حره. 25599 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وبين حميم آن يقول: غلي حتى انتهى غليه. 25600 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وبين حميم آن قال: قد بلغ إناه. 25601 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: الآني الذي قد انتهى حره. 25602 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا شبيب، عن بشر، عن عكرمة، عن ابن عباس يطوفون بينها وبين حميم آن قال: الآني: ما اشتد غليانه ونضجه. 25603 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حميم آن هو الذي قد انتهى غليه.
[ 188 ]
25604 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة وبين حميم آن قال: أنى طبخها منذ يوم خلق الله السموات والارض. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يطوفون بينها وبين حميم آن يقول: حميم قد أنى طبخه منذ خلق الله السموات والارض. 25605 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن حميم آن يقول: حميم قد آن منتهى حره. 25606 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان حميم آن قال: قد انتهى حره. وقال بعضهم: عني بالآني: الحاضر. ذكر من قال ذلك: 25607 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يطوفون بينها وبين حميم آن قال: يطوفون بينها وبين حميم حاضر، الآني: الحاضر. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما معشر الجن والانس التي أنعمها عليكم بعقوبته أهل الكفر به وتكريمه أهل الايمان به تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ ذواتا أفنان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: ولمن اتقى الله من عباده، فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه جنتان، يعني بستانين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم في البيان عن تأويله، غير أن معنى جميعهم يقول إلى هذا. ذكر من قال ذلك: 25608 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: وعد الله جل ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدوا فرائضه الجنة. 25609 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 189 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة الله، وترك معصيته. 25610 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الاعمش، عن مجاهد، في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان هو الرجل يهم بالذنب فيذكر مقام ربه فينزع. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن منصور، عن مجاهد، قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: الرجل يهم بالذنب فيذكر مقامه بين يدي الله فيتركه، فله جنتان. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: الرجل يهم بالمعصية، فيذكر الله عز وجل فيدعها. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: في الذي إذا هم بمعصية تركها. حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن مجاهد، قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: هو الرجل يهم بمعصية الله تعالى، ثم يتركها مخافة الله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: يذنب الذنب فيذكر مقام ربه فيدعه. 25611 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: إذا أراد أن يذنب أمسك مخافة الله. 25612 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانوا له، وتعبدوا بالليل والنهار. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، قال: ثنا قتادة، في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: إن الله مقاما قد خافه المؤمنون. 25613 - حدثني محمد بن موسى، قال: ثنا عبد الله بن الحارث القرشي، قال: ثنا شعبة بن الحجاج، قال: ثنا سعيد الجريري، عن محمد بن سعد، عن أبي الدرداء، قال:
[ 190 ]
قال رسول الله (ص): ولمن خاف مقام ربه جنتان قلت: وإن زنى وإن سرق ؟ قال: وإن زنى وسرق وإن رغم أنف أبي الدرداء. وحدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن عطاء بن يسار، قال: أخبرني أبو الدرداء أن رسول الله (ص)، قرأ يوما هذه الآية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ قال: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: فقلت: يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ؟ قال: ولمن خاف مقام ربه جنتان فقلت: وإن زنى وإن سرق يا رسول الله ؟ فقال: وإن زنى وإن سرق رغم أنف أبي الدرداء. 25614 - حدثنا علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي بكر، عن أبي موسى، عن أبيه، قال حماد لا أعلمه إلا رفعة في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال جنتان من ذهب للمقربين أو قال: للسابقين، وجنتان من ورق لاصحاب اليمين. 25615 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا سيار، قال: قيل لابي الدرداء في هذه الآية ولمن خاف مقام ربه جنتان فقيل: وإن زنى وإن سرق، فقال: وإن زنى وإن سرق. وقال: إنه إن خاف مقام ربه لم يزن ولم يسرق. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن المبارك، عن سعيد الجريري، عن رجل، عن أبي الدرداء ولمن خاف مقام ربه جنتان فقال أبو الدرداء: وإن زنى وإن سرق، قال: نعم، وإن رغم أنف أبي الدرداء. 25616 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن الصلت، عن عمرو بن ثابت، عمن ذكره، عن أبي وائل، عن ابن مسعود في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: وإن زنى وإن سرق. 25617 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: جنتا السابقين، فقرأ ذواتا أفنان فقرأ حتى بلغ
[ 191 ]
كأنهن الياقوت والمرجان ثم رجع إلى أصحاب اليمين، فقال: ومن دونهما جنتان فذكر فضلهما وما فيهما. 25618 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: مقامه حين يقوم العباد يوم القيامة، وقرأ يوم يقوم الناس لرب العالمين وقال: ذاك مقام ربك. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما أيها الثقلان التي أنعم عليكم بإثابته المحسن منكم ما وصف جل ثناؤه في هذه الآيات تكذبان. وقوله: ذواتا أفنان يقول: ذواتا ألوان، واحدها فن، وهو من قولهم: افتن فلان في حديثه: إذا أخذ في فنون منه وضروب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25619 - حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: ذواتا أفنان قال: ذواتا ألوان. 25620 - حدثنا الفضل بن إسحاق، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا عبد الله بن النعمان، عن عكرمة ذواتا أفنان قال: ظل الاغصان على الحيطان، قال: وقال الشاعر: ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما تدعوا أبا فرخين صادف ضارياذا مخلبين من الصقور قطاما
[ 192 ]
25621 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ذواتا أفنان قال: ذواتا ألوان. 25622 - قال: ثنا مهران، عن أبي سنان ذواتا أفنان قال: ذواتا ألوان. 25623 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ذواتا أفنان يقول: ألوان من الفاكهة. وقال آخرون: ذواتا أغصان. ذكر من قال ذلك: 25624 - حدثنا ابن حميد قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن رجل من أهل البصرة، عن مجاهد ذواتا أفنان قال: ذواتا أغصان. وقال آخرون: معنى ذلك: ذواتا أطراف أغصان الشجر. ذكر من قال ذلك: 25625 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ذواتا أفنان يقول: فيما بين أطراف شجرها، يعني: يمس بعضها بعضا كالمعروشات، ويقال ذواتا فضول عن كل شئ. وقال آخرون: بل عنى بذلك فضلهما وسعتهما على ما سواهما. ذكر من قال ذلك: 25626 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ذواتا أفنان يعني: فضلهما وسعتهما على ما سواهما. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ذواتا أفنان قال: ذواتا فضل على ما سواهما. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما بإثابته هذا الثواب أهل طاعته تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (فيهما عينان تجريان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ فيهما من كل فاكهة زوجان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين عينا ماء تجريان خلالهما، فبأي آلاء ربكما تكذبان.
[ 193 ]
وقوله: فيهما من كل فاكهة زوجان يقول تعالى ذكره: فيهما من كل نوع من الفاكهة ضربان، فبأي آلاء ربكما التي أنعم بها على أهل طاعته من ذلك تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: ولمن خاف مقام ربه جنتان يتنعمون فيهما متكئين على فرش، فنصب متكئين على الحال من معنى الكلام الذي قبله لان الذي قبله بمعنى الخبر عمن خاف مقام ربه أنه في نعمة وسرور، يتنعمون في الجنتين. وقوله: على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنتين يقول تعالى ذكره: بطائن هذه الفرش من غليظ الديباج، والاستبرق عند العرب: ما غلظ من الديباج وخشن. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: يسمى المتاع الذي ليس في صفاقة الديباج ولا خفة العرقة استبرقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25627 - حدثني عمران بن موسى القزاز، قال: ثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: ثنا يحيى بن أبي إسحاق، قال قال لي سالم بن عبد الله: ما الاستبرق ؟ قال: قلت: ما غلظ من الديباج وخشن منه. 25628 - حدثنا محمد بن بشار قال: ثنا يحيى بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عكرمة، في قوله: استبرق قال: الديباج الغليظ. 25629 - وحدثنا إسحاق بن زيد الخطابي، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم عن ابن مسعود في قوله: فرش بطائنها من استبرق قال: قد أخبرتم بالبطائن، فكيف لو أخبرتم بالظواهر ؟. 25630 - حدثنا الرفاعي، قال: ثنا ابن اليمان، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن هبيرة، قال: هذه البطائن فما ظنكم بالظواهر ؟.
[ 194 ]
25631 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو داود، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، قال: قيل له: هذه البطائن من إستبرق فما الظواهر ؟ قال: هذا مما قال الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين وقد زعم أهل العربية أن البطانة قد تكون ظهارة، والظهارة تكون بطانة، وذلك أن كل واحد منهما قد يكون وجها. قال: وتقول العرب: هذا ظهر السماء، وهذا بطن السماء لظاهرها الذي نراه. وقوله: وجنى الجنتين دان يقول: وثمر الجنتين الذي يجتني قريب منهم، لانهم لا يتعبون بصعود نخلها وشجرها، لاجتناء ثمرها، ولكنهم يجتنونها من قعود بغير عناء. كما: 25632 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وجنى الجنتين دان ثمارهم دانية، لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك. ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: والذي نفسي بيده، لا يقطع رجل ثمرة من الجنة، فتصل إلى فيه حتى يبدل الله مكانها خيرا منها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وجنى الجنتين دان قال: لا يرد يده بعد ولا شوك. 25633 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وجنى الجنتين دان يقول: ثمارها دانية. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره فبأي آلاء ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكما من أثاب أهل طاعته منكم هذا الثواب، وأكرمهم هذه الكرامة تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى * (فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره في هذه الفرش التي بطائنها من إستبرق قاصرات الطرف وهن
[ 195 ]
النساء اللاتي قد قصر طرفهن على أزواجهن، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25634 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثني أبي، عن أبي يحيى، عن مجاهد، في قوله: فيهن قاصرات الطرف قال: قصر طرفهن عن الرجال، فلا ينظرن إلا إلى أزواجهن. 25635 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فيهن قاصرات الطرف... الآية، يقول: قصر طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. 25636 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: قاصرات الطرف قال: لا ينظرن إلا إلى أزواجهن، تقول: وعزة ربي وجلاله وجماله، إن أرى في الجنة شيئا أحسن منك، فالحمد لله الذي جعلك زوجي، وجعلني زوجك. وقوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يقول: لم يمسهن إنس قبل هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم، وهم الذين قال فيهم ولمن خاف مقام ربه جنتان ولا جان يقال منه: ما طمث هذا البعير حبل قط: أي ما مسه حبل. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من الكوفيين يقول: الطمث هو النكاح بالتدمية، ويقول: الطمث هو الدم، ويقول: طمثها إذا دماها بالنكاح. وإنما عنى في هذا الموضع أنه لم يجامعهن إنس قبلهم ولا جان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25637 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يقول: لم يدمهن إنس ولا جان. 25638 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن إسماعيل، عن رجل عن علي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان قال: منذ خلقهن. 25639 - حدثنا الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، عن مغيرة بن مسلم، عن عكرمة، قال: لا تقل للمرأة طامث، فإن الطمث هو الجماع، إن الله يقول: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان.
[ 196 ]
25640 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان قال: لم يمسهن شئ إنس ولا غيره. 25641 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان قال: لم يمسهن. 25642 - حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن عاصم، قال: قلت لابي العالية امرأة طامث، قال: ما طامث ؟ فقال رجل: حائض، فقال أبو العالية: حائض، أليس يقول الله عز وجل لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان. فإن قال قائل: وهل يجامع النساء الجن، فيقال: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ؟ فإن مجاهدا روي عنه ما. 25643 - حدثني به محمد بن عمارة الاسدي، قال: ثنا سهل بن عامر، قال: ثنا يحيى بن يعلى الاسلمي عن عثمان بن الاسود، عن مجاهد، قال: إذا جامع ولم يسم، انطوى الجان على إحليله فجامع معه، فذلك قوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان. وكان بعض أهل العلم ينتزع بهذه الآية في أن الجن يدخلون الجنة. ذكر من قال ذلك: 25644 - حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي، قال: ثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي، قال: ثني أرطاة بن المنذر، قال: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن من ثواب ؟ قال: نعم، ثم نزع بهذه الآية لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فالانسيات للانس، والجنيات للجن. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره فبأي آلاء ربكما معشر الجن والانس من هذه النعم التي أنعمها على أهل طاعته تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (كأنهن الياقوت والمرجان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ هل جزاء الاحسان إلا الاحسان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *.
[ 197 ]
يقول تعالى ذكره كأن هؤلاء القاصرات الطرف اللواتي هن في هاتين الجنتين في صفائهن الياقوت الذي يرى السلك الذي فيه من ورائه، فكذلك يرى مخ سوقهن من وراء أجسامهن، وفي حسنهن الياقوت والمرجان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر الاثر الذي روي عن رسول الله (ص) بذلك: 25645 - حدثني محمد بن حاتم، قال: ثنا عبيدة، عن حميد، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، عن ابن مسعود عن النبي (ص) قال: إن المرأة من أهل الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير ومخها، وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: كأنهن الياقوت والمرجان أما الياقوت فإنه لو أدخلت فيه سلكا ثم استصفيته لرأيته من ورائه. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، قال: قال ابن مسعود: إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير، يرى بياض ساقها وحسن ساقها من ورائهن، ذلكم بأن الله يقول: كأنهن الياقوت والمرجان ألا وإنما الياقوت حجر فلو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته، لنظرت إلى السلك من وراء الحجر. 25646 - قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: كأنهن الياقوت والمرجان في بياض المرجان. حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن فضيل، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن عمرو بن ميمون، قال: أخبرنا عبد الله: إن المرأة من أهل الجنة لتلبس سبعين حلة من حرير، فيرى بياض ساقها وحسنه، ومخ ساقها من وراء ذلك، وذلك لان الله قال: كأنهن الياقوت والمرجان ألا ترى أن الياقوت حجر فإذا أدخلت فيه سلكا، رأيت السلك من وراء الحجر. 25647 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: إن المرأة من الحور العين لتلبس سبعين حلة، فيرى مخ ساقها كما يرى الشراب الاحمر في الزجاجة البيضاء.
[ 198 ]
25648 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا المطلب بن زياد، عن السدي، في قوله: كأنهن الياقوت والمرجان قال: صفاء الياقوت وحسن المرجان. 25649 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كأنهن الياقوت والمرجان صفاء الياقوت في بياض المرجان. ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: من دخل الجنة فله فيها زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء ثيابهما. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة كأنهن الياقوت والمرجان قال: شبه بهن صفاء الياقوت في بياض المرجان. حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كأنهن الياقوت والمرجان في صفاء الياقوت وبياض المرجان. 25650 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كأنهن الياقوت والمرجان قال: كأنهن الياقوت في الصفاء، والمرجان في البياض، الصفاء: صفاء الياقوتة، والبياض: بياض اللؤلؤ. 25651 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان كأنهن الياقوت والمرجان قال: في صفاء الياقوت وبياض المرجان. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم معشر الثقلين من إثابته أهل طاعته منكم بما وصف في هذه الآيات تكذبان. وقوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان يقول تعالى ذكره: هل ثواب خوف مقام الله عز وجل لمن خافه فأحسن في الدنيا عمله، وأطاع ربه، إلا أن يحسن إليه في الآخرة ربه، بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدنيا ما وصف في هذه الآيات من قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان... إلى قوله: كأنهن الياقوت والمرجان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنه. ذكر من قال ذلك: 25652 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة هل جزاء الاحسان إلا الاحسان قال: عملوا خيرا فجوزوا خيرا.
[ 199 ]
25653 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا عبيدة بن بكار الازدي، قال: ثني محمد بن جابر، قال: سمعت محمد بن المنكدر يقول في قول الله جل ثناؤه: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان قال: هل جزاء من أنعمت عليه بالاسلام إلا الجنة. 25654 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان قال: ألا تراه ذكرهم ومنازلهم وأزواجهم، والانهار التي أعدها لهم، وقال: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان حين أحسنوا في هذه الدنيا أحسنا إليهم أدخلناهم الجنة. 25655 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا سفيان، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي يعلى، عن محمد بن الحنفية هل جزاء الاحسان إلا الاحسان قال: هي مسجلة للبر والفاجر. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما معشر الثقلين التي أنعم عليكم من إثابته المحسن منكم بإحسانه تكذبان ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن دونهما جنتان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ مدهامتان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ فيهما عينان نضاختان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: ومن دون هاتين الجنتين اللتين وصف الله جل ثناؤه صفتهما التي ذكر أنهما لمن خاف مقام ربه جنتان. ثم اختلف أهل التأويل في معنى قوله: ومن دونهما في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن دونهما في الدرج. ذكر من قال ذلك: 25656 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، قال: ثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وكان عرشه على الماء قال: كان عرش الله على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها جنة أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة قال: ومن دونهما جنتان وهي التي لا تعلم، أو قال: وهما التي لا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء
[ 200 ]
بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيهما، أو ما فيها، يأتيهم كل يوم منها أو منهما تحفة. 25657 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن عنبسة، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير بنحوه. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ومن دونهما في الفضل. ذكر من قال ذلك: 25658 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ومن دونهما جنتان هما أدنى من هاتين لاصحاب اليمين. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الاحسان ما وصف من هاتين الجنتين تكذبان ؟. وقوله: مدهامتان يقول تعالى ذكره. مسوادتان من شدة خضرتهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25659 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: مدهامتان يقول: خضراوان. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: مدهامتان قال: خضراوان من الري، ويقال: ملتفتان. 25660 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: أخبرنا محمد بن بشر، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد عن حارثة بن سليمان السلمي، قال: سمعت ابن الزبير وهو يفسر هذه الآية على المنبر، وهو يقول: هل تدرون ما مدهامتان ؟ خضراوان من الري. حدثني محمد بن عمارة هو الاسدي، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن حارثة بن سليمان، هكذا قال، قال ابن الزبير مدهامتان خضراوان من الري. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حارثة بن سليمان، أن ابن الزبير قال: مدهامتان قال: هما خضراوان من الري.
[ 201 ]
حدثنا الفضل بن الصباح، قال: ثنا ابن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مدهامتان قال: خضراوان. 25661 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية مدهامتان قال: خضراوان من الري. 25662 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح في قوله: مدهامتان قال: خضراوان من الري. 25663 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن عنبسة، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير مدهامتان قال: علاهما الري من السواد والخضرة. 25664 - قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير مدهامتان قال: خضراوان. 25665 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مدهامتان قال: مسوادتان. 25666 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: مدهامتان يقول: خضراوان من الري ناعمتان. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: مدهامتان قال: خضراوان من الري: إذا اشتدت الخضرة ضربت إلى السواد. 25667 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مدهامتان قال: ناعمتان. 25668 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي سنان مدهامتان قال: مسوادتان من الري. 25669 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولمن خاف مقام ربه جنتان قال: جنتا السابقين، فقرأ ذواتا أفنان، وقرأ كأنهن الياقوت والمرجان، ثم رجع إلى أصحاب اليمين فقال ومن دونهما جنتان فذكر فضلهما وما فيهما، قوله: مدهامتان من الخضرة من شدة خضرتهما، حتى كادتا تكونان سوداوين.
[ 202 ]
حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا الحسين بن الحسن الاشقر، قال: ثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: مدهامتان قال: خضراوان. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته أهل الاحسان ما وصف في هاتين الجنتين تكذبان. وقوله: فيهما عينان نضاختان يقول تعالى ذكره في هاتين الجنتين اللتين من دون الجنتين اللتين هما لمن خاف مقام ربه، عينان نضاختان، يعني فوارتان. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي تنضخان به، فقال بعضهم: تنضخان بالماء. ذكر من قال ذلك: 25670 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك عن عكرمة، في قوله: فيهما عينان نضاختان قال: ينضخان بالماء. 25671 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: نضاختان قال: تنضخان بالماء. 25672 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فيهما عينان نضاختان يقول: نضاختان بالماء. وقال آخرون: بل معنى ذلك أنهما ممتلئتان. ذكر من قال ذلك: 25673 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: عينان نضاختان قال: ممتلئتان لا تنقطعان. وقال آخرون: تنضخان الماء والفاكهة. ذكر من قال ذلك: 25674 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله: فيهما عينان نضاختان قال: بالماء والفاكهة. وقال آخرون: نضاختان بألوان الفاكهة. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد فيهما عينان نضاختان قال: نضاختان بألوان الفاكهة.
[ 203 ]
وقال آخرون: نضاختان بالخير. ذكر من قال ذلك: 25675 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فيهما عينان نضاختان يقول: نضاختان بالخير. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك أنهما تنضخان بالماء، لانه المعروف بالعيون إذ كانت عيون ماء. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم بإثابته محسنكم هذا الثواب الجزيل تكذبان ؟. القول في تأويل قوله تعالى: * (فيهما فاكهة ونخل ورمان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ فيهن خيرات حسان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره: وفي هاتين الجنتين المدهامتين فاكهة ونخل ورمان. وقد اختلف في المعنى الذي من أجله أعيد ذكر النخل والرمان وقد ذكر قبل أن فيهما الفاكهة، فقال بعضهم: أعيد ذلك لان النخل والرمان ليسا من الفاكهة. وقال آخرون: هما من الفاكهة وقالوا: قلنا هما من الفاكهة، لان العرب تجعلهما من الفاكهة، قالوا: فإن قيل لنا: فكيف أعيدا وقد مضى ذكرهما مع ذكر سائر الفواكه ؟ قلنا: ذلك كقوله: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقد أمرهم بالمحافظة على كل صلاة، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كذلك أعيد النخل والرمان ترغيبا لاهل الجنة. وقال: وذلك كقوله: ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الارض، ثم قال: وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب، وقد ذكرهم في أول الكلمة في قوله: من في السموات ومن في الارض. 25676 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن رجل، عن سعيد بن جبير، قال: نخل الجنة جذوعها من ذهب، وعروقها من ذهب، وكرانيفها من
[ 204 ]
زمرد، وسعفها كسوة لاهل الجنة، ورطبها كالدلاء، أشد بياضا من اللبن، وألين من الزبد، وأحلى من العسل، ليس له عجم. 25677 - قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن زيد بن أسلم، عن وهب الذماري، قال: بلغنا أن في الجنة نخلا جذوعها من ذهب، وكرانيفها من ذهب، وجريدها من ذهب، وسعفها كسوة لاهل الجنة، كأحسن حلل رآها الناس قط، وشماريخها من ذهب، وعراجينها من ذهب، وثفاريقها من ذهب، ورطبها أمثال القلال، أشد بياضا من اللبن والفضة، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزبد والسمن. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما تكذبان، يقول: فبأي نعم ربكما التي أنعمها عليكم بهذه الكرامة التي أكرم بها محسنكم تكذبان. وقوله: فيهن خيرات حسان يقول تعالى ذكره: في هذه الجنان الاربع اللواتي اثنتان منهن لمن يخاف مقام ربه، والاخريان منهن من دونهما المدهامتان خيرات الاخلاق، حسان الوجوه. كما: 25678 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فيهن خيرات حسان يقول: في هذه الجنان خيرات الاخلاق، حسان الوجوه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: خيرات حسان قال: خيرات في الاخلاق، حسان في الوجوه. 25679 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فيهن خيرات حسان قال: الخيرات الحسان: الحور العين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة فيهن خيرات حسان قال: خيرات الاخلاق، حسان الوجوه.
[ 205 ]
25680 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي عبيد، عن مسروق، عن عبد الله فيهن خيرات حسان قال: في كل خيمة زوجة. 25681 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب، قال: ثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة قالت قلت: يا رسول الله أخبرني عن قوله: فيهن خيرات حسان قال: خيرات الاخلاق، حسان الوجوه. قوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكما بما ذكر تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (حور مقصورات في الخيام ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جآن ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن هؤلاء الخيرات الحسان حور يعني بقول حور: بيض، وهي جمع حوراء، والحوراء: البيضاء. وقد بينا معنى الحور فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25682 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد حور قال: بيض. قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد حور قال: بيض. قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد حور قال: النساء. 25684 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حور مقصورات الحوراء: العيناء الحسناء. 25685 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان: الحور: سواد في بياض.
[ 206 ]
25686 - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: حور مقصورات في الخيام قال: الحور: البيض قلوبهم وأنفسهم وأبصارهم. وأما قوله: مقصورات فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: تأويله أنهن قصرن على أزواجهن، فلا يبغين بهم بدلا، ولا يرفعن أطرافهن إلى غيرهم من الرجال. ذكر من قال ذلك: 25687 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد: مقصورات في الخيام قال: قصر طرفهن وأنفسهن على أزواجهن. حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد مقصورات قال: قصر طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، مقصورات في الخيام قال: قصرن أنفسهن وأبصارهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. 25688 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا عبيد الله وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع مقصورات في الخيام قال: قصرن طرفهن على أزواجهن. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد مقصورات في الخيام قال: قصرن أنفسهن وقلوبهن وأبصارهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد مقصورات في الخيام قال: قصر طرفهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور عن مجاهد، قوله: مقصورات قال: مقصورات على أزواجهن فلا يردن غيرهم. وقال آخرون: عني بذلك أنهن محبوسات في الحجال. ذكر من قال ذلك:
[ 207 ]
25689 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية حور مقصورات في الخيام قال: محبوسات في الخيام. 25690 - حدثنا جعفر بن محمد البزوري، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر، عن الربيع، بمثله. 25691 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مجاهد، عن ابن عباس مقصورات قال: محبوسات. 25692 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: أخبرنا أبو معشر السندي، عن محمد بن كعب، قال: محبوسات في الحجال. 25693 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: مقصورات في الخيام قال: لا يبرحن الخيام. 25694 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عثام بن علي، عن إسماعيل، عن أبي صالح، في قوله: حور مقصورات في الخيام قال: عذارى الجنة. حدثنا أبو كريب وأبو هشام قالا: ثنا عثام بن علي، عن إسماعيل، عن أبي صالح، مثله. 25695 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: مقصورات قال: المحبوسات في الخيام لا يخرجن منها. 25696 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مقصورات في الخيام قال: محبوسات، ليس بطوافات في الطرق. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وصفهن بأنهن مقصورات في الخيام والقصر: هو الحبس ولم يخصص وصفهن بأنهن محبوسات على معنى من المعنيين اللذين ذكرنا دون الآخر بل عم وصفهن بذلك. والصواب أن يعم الخبر عنهن بأنهن مقصورات في الخيام على أزواجهن، فلا يردن غيرهم، كما عم ذلك.
[ 208 ]
وقوله: في الخيام يعني بالخيام: البيوت، وقد تسمي العرب هوادج النساء خياما ومنه قول لبيد: شاقتك ظعن الحي يوم تحملوا فتكنسوا قطنا تصر خيامها وأما في هذه الآية فإنه عني بها البيوت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25697 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى، عن سعيد، قال: ثنا شعبة، قال: ثنا عبد الملك بن ميسرة، عن أبي الاحوص، عن عبد الله حور مقصورات في الخيام قال: الدر المجوف. 25698 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا شعبة، عن عبد الملك، عن أبي الاحوص، عن عبد الله، مثله. 25699 - حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي، قال: ثنا فضيل بن عياش، عن هشام، عن محمد، عن ابن عباس في قوله: حور مقصورات في الخيام قال: الخيمة لؤلؤة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. 25700 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا أبو نعيم، عن إسرائيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عباس في الخيام قال: بيوت اللؤلؤ.
[ 209 ]
25701 - حدثنا محمد بن إسماعيل الاحمسي، قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا إدريس الاودي، عن شمر بن عطية، عن أبي الاحوص، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أتدرون ما حور مقصورات في الخيام ؟ الخيام: در مجوف. 25702 - قال: ثنا محمد بن عبيد، قال: ثنا مسعر، عن عبد الملك، عن أبي الاحوص، في قوله: حور مقصورات في الخيام قال: در مجوف. وبه عن أبي الاحوص قال: الخيمة: درة مجوفة فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب. 25703 - قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: الخيمة في الجنة من درة مجوفة، فرسخ في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع. 25704 - حدثني أحمد بن المقدام، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت أبي يحدث، عن قتادة، عن خليد العصري قال: لقد ذكر لي أن الخيمة لؤلؤة مجوفة لها سبعون مصراعا، كل ذلك من در. 25705 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن سعيد بن جبير أنه قال: الخيام: در مجوف. 25706 - قال: ثنا يحيى، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الخيام: در مجوف. 25707 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا وكيع ويعلى عن منصور، عن مجاهد: في الخيام: قال: الدر المجوف. 25708 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد في الخيام قال: خيام در مجوف. 25709 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن حرب بن بشير، عن عمرو بن ميمون، قال: الخيام: الخيمة: درة مجوفة. 25710 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا وكيع، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، قال: الخيمة: درة مجوفة.
[ 210 ]
25711 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن اليمان، عن أبي معشر، عن محمد بن كعب في الخيام: في الحجال. 25712 - قال: ثنا عبيد الله وابن اليمان، عن أبي جعفر، عن الربيع في الخيام قال: في الحجال. 25713 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن أبي قيس، عن منصور، عن مجاهد: في الخيام قال: خيام اللؤلؤ. 25714 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في الخيام الخيام اللؤلؤ والفضة، كما يقال والله أعلم. 25715 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: حور مقصورات في الخيام ذكر لنا أن ابن عباس كان يقول: الخيمة در مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب. وقال قتادة: كان يقال: مسكن المؤمن في الجنة، يسير الراكب الجواد فيه ثلاث ليال وأنهاره وجنانه وما أعد الله له من الكرامة. 25716 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عباس: الخيمة: درة مجوفة، فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف باب من ذهب. 25717 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: مقصورات في الخيام قال يقال: خيامهم في الجنة من لؤلؤ. 25718 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: مقصورات في الخيام قال: الخيام: الدر المجوف. 25719 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني حرمي بن عمارة، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن أبي مجلز أن رسول الله (ص) قال في قول الله: حور مقصورات في الخيام قال: در مجوف. 25720 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال:
[ 211 ]
سمعت الضحاك يقول كان ابن مسعود يحدث، عن نبي الله (ص) أنه قال: هي الدر المجوف يعني الخيام في قوله: حور مقصورات في الخيام. 25721 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: حور مقصورات في الخيام قال: في خيام اللؤلؤ. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكما من الكرامة بإثابة محسنكم هذه الكرامة تكذبان. وقوله: لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان يقول تعالى ذكره: لم يمسهن بنكاح فيدميهن إنس قبلهم ولا جان. وقرأت قراء الامصار لم يطمثهن بكسر الميم في هذا الموضع وفي الذي قبله. وكان الكسائي يكسر إحداهما، ويضم الاخرى. والصواب من القراءة في ذلك: ما عليه قراء الامصار لانها اللغة الفصيحة، والكلام المشهور من كلام العرب. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم بها مما وصف تكذبان. القول في تأويل قوله تعالى: * (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان ئ فبأي آلاء ربكما تكذبان ئ تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام) *. يقول تعالى ذكره: ينعم هؤلاء الذين أكرمهم جل ثناؤه هذه الكرامة التي وصفها في هذه الآيات في الجنتين اللتين وصفهما متكئين على زفرف خضر وعبقري حسان. واختلف أهل التأويل في معنى الرفرف، فقال بعضهم: هي رياض الجنة، واحدتها: رفرفة. ذكر من قال ذلك: 25722 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير أنه قال في هذه الآية متكئين على رفرف خضر قال: رياض الجنة.
[ 212 ]
حدثنا عباس بن محمد، قال: ثنا أبو نوح، قال: أخبرنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، مثله. 25723 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا سعيد بن جبير، في قوله: متكئين على رفرف خضر قال: الرفرف: رياض الجنة. وقال آخرون: هي المحابس. ذكر من قال ذلك: 25714 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: متكئين على رفرف خضر يقول: المحابس. 25725 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: متكئين على رفرف خضر قال: الرفرف: فضول المحابس والبسط. 25726 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: متكئين على رفرف خضر قال: هي البسط أهل المدينة يقولون: هي البسط. 25727 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل الحضرمي، عن رجل يقال له غزوان رفرف خضر قال: فضول المحابس. 25728 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن هارون، عن عنترة، عن أبيه، قال: فضول الفرش والمحابس. 25729 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن مروان، في قوله: رفرف خضر قال: فضول المحابس. 25730 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: متكئين على رفرف خضر قال: الرفرف الخضر: المحابس. 25731 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة رفرف
[ 213 ]
25732 - خضر قال: محابس خضر. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: رفرف خضر قال: هي المحابس. 25733 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: متكئين على رفرف خضر قال: الرفرف: المحابس. وقال آخرون: بل هي المرافق. 25734 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال الحسن: الرفرف: مرافق خضر، وأما العبقري، فإنه الطنافس الثخان، وهي جماع، واحدها: عبقرية. وقد ذكر أن العرب تسمي كل شئ من البسط عبقريا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25735 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وعبقري حسان قال: الزرابي. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، وعبقري حسان قال: العبقري: الزرابي الحسان. 25736 - حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، في قوله: عبقري حسان قال: العبقري: عتاق الزرابي. 25737 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: العبقري. الزرابي. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن مروان، قال: ثنا أبو العوام، عن قتادة عبقري حسان قال: الزرابي. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وعبقري حسان قال: زرابي.
[ 214 ]
25738 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وعبقري حسان قال: العبقري: الطنافس. وقال آخرون: العبقري: الديباج. ذكر من قال ذلك: 25739 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد وعبقري حسان قال: هو الديباج. والقراء في جميع الامصار على قراءة ذلك على رفرف خضر وعبقري حسان بغير ألف في كلا الحرفين. وذكر عن النبي (ص) خبر غير محفوظ، ولا صحيح السند على رفارف خضر وعباقري بالالف والاجراء. وذكر عن زهير الفرقبي أنه كان يقرأ على رفارف خضر بالالف وترك الاجراء وعباقري حسان بالالف أيضا، وبغير إجراء. وأما الرفارف في هذه القراءة، فإنها قد تحتمل وجه الصواب. وأما العباقري، فإنه لا وجه له في الصواب عند أهل العربية، لان ألف الجماع لا يكون بعدها أربعة أحرف، ولا ثلاثة صحاح. وأما القراءة الاولى التي ذكرت عن النبي (ص)، فلو كانت صحيحة، لوجب أن تكون الكلمتان غير مجراتين. وقوله: فبأي آلاء ربكما تكذبان يقول تعالى ذكره: فبأي نعم ربكما التي أنعم عليكم من إكرامه أهل الطاعة منكم هذه الكرامة تكذبان. وقوله: تبارك اسم ربك يقول تعالى ذكره: تبارك ذكر ربك يا محمد ذي الجلال يعني ذي العظمة والاكرام يعني: ومن له الاكرام من جميع خلقه. كما: 25740 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ذي الجلال والاكرام يقول: ذو العظمة والكبرياء. آحر تفسير سورة الرحمن عز وجل
[ 215 ]
سورة الواقعة (56) سورة الواقعة مكية وآياتها ست وتسعونأ بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (إذا وقعت الواقعة ئ ليس لوقعتها كاذبة ئ خافضة رافعة ئ إذا رجت الارض رجا ئ وبست الجبال بسا ئ فكانت هباء منبثا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: إذا وقعت الواقعة: إذا نزلت صيحة القيامة، وذلك حين ينفخ في الصور لقيام الساعة. كما: 25741 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: إذا وقعت الواقعة يعني: الصيحة. 25742 - حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: إذا وقعت الواقعة الواقعة والطامة والصاخة، ونحو هذا من أسماء القيامة، عظمه الله، وحذره عباده. وقوله: ليس لوقعتها كاذبة يقول تعالى: ليس لوقعة الواقعة تكذيب ولا مردودية ولا مثنوية، والكاذبة في هذا الموضع مصدر، مثل العاقبة والعافية. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25743 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ليس لوقعتها كاذبة: أي ليس لها مثنوية، ولا رجعة، ولا ارتداد. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ليس لوقعتها كاذبة قال: مثنوية.
[ 216 ]
وقوله: خافضة رافعة يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزاء إلى نار الله. وقوله: رافعة يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وضعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الادنى، ورفعت فأسمعت الاقصى. ذكر من قال في ذلك ما قلنا: 25744 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة خافضة رافعة قال: الساعة خفضت أعداء الله إلى النار، ورفعت أولياء الله إلى الجنة. 25745 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: خافضة رافعة يقول: تخللت كل سهل وجبل، حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله، وخفضت أقواما في عذاب الله. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة خافضة رافعة قال: أسمعت القريب والبعيد، خافضة أقواما إلى عذاب الله، ورافعة أقواما إلى كرامة الله. 25746 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، قوله: خافضة رافعة قال: خفضت وأسمعت الادنى، ورفعت فأسمعت الاقصى قال: فكان القريب والبعيد من الله سواء. 25747 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: خافضة رافعة قال: سمعت القريب والبعيد. 25748 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: خافضة رافعة خفضت فأسمعت الادنى ورفعت فأسمعت الاقصى، فكان فيها القريب والبعيد سواء. وقوله: إذا رجت الارض رجا يقول تعالى ذكره: إذا زلزلت الارض فحركت تحريكا من قولهم السهم يرتج في الغرض، بمعنى: يهتز ويضطرب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 217 ]
25749 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: إذا رجت الارض رجا يقول: زلزلها. 25750 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قول الله: إذا رجت الارض رجا قال: زلزلت. 25751 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: إذا رجت الارض رجا يقول: زلزلت زلزلة. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إذا رجت الارض رجا قال: زلزلت زلزالا. وقوله: وبست الجبال بسا يقول تعالى ذكره: فتتت الجبال فتا، فصارت كالدقيق المبسوس، وهو المبلول، كما قال جل ثناؤه: وكانت الجبال كثيبا مهيلا والبسيسة عند العرب: الدقيق والسويق تلت وتتخذوا زادا. وذكر عن لص من غطفان أنه أراد أن يخبز، فخاف أن يعجل عن الخبز قبل الدقيق وأكله عجينا، وقال: لا تخبزا خبزا وبسا بساملسا بذود الحلسي ملسا
[ 218 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25752 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وبست الجبال بسا يقول: فتتت فتا. 25753 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وبست الجبال بسا قال: فتتت. 25754 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وبست الجبال بسا قال: كما يبس السويق. 25755 - حدثني أحمد بن عمرو لبصري، قال: ثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة وبست الجبال بسا قال: فتت فتا. 25756 - حدثني إسماعيل بن موسى بن بنت السدي، قال: أخبرنا بشر بن الحكم الاحمسي، عن سعيد بن الصلت، عن إسماعيل السدي وأبي صالح وبست الجبال بسا قال: فتتت فتا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وبست الجبال بسا قال: كما يبس السويق. 25757 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: وبست الجبال بسا قال: صارت كثيبا مهيلا كما قال الله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وبست الجبال بسا قال: فتتت فتا. وقوله: فكانت هباء منبثا اختلف أهل التأويل في معنى الهباء، فقال بعضهم: هو شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة كهيئة الغبار. ذكر من قال ذلك:
[ 219 ]
25758 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: فكانت هباء منبثا يقول: شعاع الشمس. 25759 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد هباء منبثا قال: شعاع الشمس حين يدخل من الكوة. 25760 - قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: فكانت هباء منبثا قال: شعاع الشمس يدخل من الكوة، وليس بشئ. وقال آخرون: هو رهج الدواب. ذكر من قال ذلك: 25761 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه، قال: رهج الدواب. وقال آخرون: هو ما تطاير من شرر النار الذي لا عين له. ذكر من قال ذلك: 25762 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فكانت هباء منبثا قال: الهباء: الذي يطير من النار إذا اضطرمت، يطير منه الشرر، فإذا وقع لم يكن شيئا. وقال آخرون: هو يبيس الشجر الذي تذروه الرياح. ذكر من قال ذلك: 25763 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فكانت هباء منبثا كيبيس الشجر، تذروه الرياح يمينا وشمالا. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: هباء منبثا يقول: الهباء: ما تذروه الريح من حطام الشجر. وقد بينا معنى الهباء في غير هذا الموضع بشواهده، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع. وأما قوله: منبثا فإنه يعني متفرقا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكنتم أزواجا ثلاثة ئ فأصحاب الميمنة مآ أصحاب الميمنة ئ وأصحاب المشأمة مآ أصحاب المشأمة ئ والسابقون السابقون ئ أولئك المقربون ئ في جنات النعيم) *.
[ 220 ]
يقول تعالى ذكره: وكنتم أيها الناس أنواعا ثلاثة وضروبا. كما: 25764 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وكنتم أزواجا ثلاثة قال: منازل الناس يوم القيامة. وقوله: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وهذا بيان من الله عن الازواج الثلاثة، يقول، جل ثناؤه: وكنتم أزواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فجعل الخبر عنهم، مغنيا عن البيان عنهم، على الوجه الذي ذكرنا، لدلالة الكلام على معناه، فقال: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة يعجب نبيه محمدا منهم، وقال: ما أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أي شئ أصحاب اليمين وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة يقول تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، والعرب تسمي اليد اليسرى: الشؤمي ومنه قول أعشى بني ثعلبة: فأنحى على شؤمي يديه فذادها بأظمأ من فرغ الذؤابة أسحما وقوله: والسابقون السابقون وهم الزوج الثالث وهم الذين سبقوا إلى الايمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الاولون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25765 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن عثمان بن عبد الله بن سراقة، قوله: وكنتم أزواجا ثلاثة قال: اثنان
[ 221 ]
في الجنة وواحد في النار، يقول: الحور العين للسابقين، والعرب الاتراب لاصحاب اليمين. 25766 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وكنتم أزواجا ثلاثة قال: منازل الناس يوم القيامة. 25767 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، في قوله: وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون... إلى ثلة من الاولين وثلة من الآخرين فقال رسول الله (ص): سوى بين أصحاب اليمين من الامم السابقة، وبين أصحاب اليمين من هذه الامة، وكان السابقون من الامم أكثر من سابقي هذه الامة. 25768 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة: أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة: أي ماذا لهم وماذا أعد لهم والسابقون السابقون: أي من كل أمة. 25769 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل، الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسنت حال المؤمن، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلا، وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل. والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم، وهو الذي قال الله عز وجل في سورة الواقعة: وكنتم أزواجا ثلاثة قال: فزوجان في الجنة، وزوج في النار، قال: والسابق الذي يكون العلم غالبا للهوى،
[ 222 ]
والآخر: الذي ختم الله بإدالة العلم على الهوى، فهذان زوجان في الجنة، والآخر: هواه قاهر لعلمه، فهذا زوج النار. واختلف أهل العربية في الرافع أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، فقال بعض نحويي البصرة: خبر قوله: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة قال: ويقول زيد: ما زيد، يريد: زيد شديد. وقال غيره: قوله: ما أصحاب الميمنة لا تكون الجملة خبره، ولكن الثاني عائد على الاول، وهو تعجب، فكأنه قال: أصحاب الميمنة ما هم، والقارعة ما هي، والحاقة ما هي ؟ فكان الثاني عائد على الاول، وكان تعجبا، والتعجب بمعنى الخبر، ولو كان استفهاما لم يجز أن يكون خبرا للابتداء، لان الاستفهام لا يكون خبرا والخبر لا يكون استفهاما، والتعجب يكون خبرا، فكان خبرا للابتداء. وقوله: زيد وما زيد، لا يكون إلا من كلامين، لانه لا تدخل الواو في خبر الابتداء، كأنه قال: هذا زيد وما هو: أي ما أشده وما أعلمه. واختلف أهل التأويل في المعنيين بقوله: والسابقون السابقون فقال بعضهم: هم الذين صلوا للقبلتين. 25770 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خارجة، عن قرة، عن ابن سيرين والسابقون السابقون الذين صلوا للقبلتين. وقال آخرون في ذلك بما: 25771 - حدثني به عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثنا عثمان بن أبي سودة، قال: السابقون السابقون أولهم رواحا إلى المساجد، وأسرعهم خفوقا في سبيل الله. والرفع في السابقين من وجهين: أحدهما: أن يكون الاول مرفوعا بالثاني، ويكون معنى الكلام حينئذ والسابقون الاولون، كما يقال: السابق الاول، والثاني أن يكون مرفوعا بأولئك المقربون يقول جل ثناؤه: أولئك الذين يقربهم الله منه يوم القيامة إذا أدخلهم الجنة. وقوله: في جنات النعيم يقول: في بساتين النعيم الدائم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 223 ]
* (ثلة من الاولين ئ وقليل من الآخرين ئ على سرر موضونة ئ متكئين عليها متقابلين ئ يطوف عليهم ولدان مخلدون ئ بأكواب وأباريق وكأس من معين ئ لا يصدعون عنها ولا ينزفون ئ وفاكهة مما يتخيرون ئ ولحم طير مما يشتهون) *. يقول تعالى ذكره: جماعة من الامم الماضية، وقليل من أمة محمد (ص)، وهم الآخرون وقيل لهم الآخرون: لانهم آخر الامم على سرر موضونة يقول: فوق سرر منسوجة، قد أدخل بعضها في بعض، كما يوضن حلق الدرع بعضها فوق بعض مضاعفة ومنه قول الاعشى: ومن نسج داود موضونة تساق مع الحي عيرا فعيرا ومنه وضين الناقة، وهو البطان من السيور إذا نسج بعضه على بعض مضاعفا كالحلق حلق الدرع. وقيل: وضين، وإنما هو موضون، صرف من مفعول إلى فعيل، كما قيل: قتيل لمقتول. وحكي سماعا من بعض العرب أزيار الآجر موضون بعضها على بعض، يراد مشرج صفيف.
[ 224 ]
وقيل: إنما قيل لها سرر موضونة، لانها مشبكة بالذهب والجوهر. ذكر من قال ذلك: 25772 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، عن ابن عباس على سرر موضونة قال: مرمولة بالذهب. 25773 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الحصين، عن مجاهد على سرر موضونة قال: مرمولة بالذهب. 25774 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: على سرر موضونة قال: يعني الاسرة المرملة. حدثنا هناد، قال: ثنا أبو الأحوص، عن حصين، عن مجاهد، قال: الموضونة: المرملة بالذهب. 25775 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة، قوله: على سرر موضونة قال: مشبكة بالدر والياقوت. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: موضونة قال: مرمولة بالذهب. 25776 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: على سرر موضونة والموضونة: المرمولة، وهي أوثر السرر. 25777 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: موضونة قال مرمولة. 25778 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، في قوله: على سرر موضونة قال: مرملة مشبكة. 25779 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت
[ 225 ]
الضحاك يقول في قوله: على سرر موضونة الوضن: التشبيك والنسج، يقول: وسطها مشبك منسوج. 25780 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: على سرر موضونة الموضونة: المرمولة بالجلد ذاك الوضين منسوجة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنها مصفوفة. ذكر من قال ذلك: 25781 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: على سرر موضونة يقول: مصفوفة. وقوله: متكئين عليها متقابلين يقول تعالى ذكره متكئين على السرر الموضونة، متقابلين بوجوههم، لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض. كما: 25782 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: على سرر متقابلين قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله متكئين عليها ناعمين. 25783 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي إسحاق، في قراءة عبد الله، يعني ابن مسعود متكئين عليها ناعمين. وقد بينا ذلك في غير هذا الموضع، وذكرنا ما فيه من الرواية. وقوله: يطوف عليهم ولدان مخلدون يقول تعالى ذكره: يطوف على هؤلاء السابقين الذين قربهم الله في جنات النعيم، ولدان على سن واحدة، لا يتغيرون ولا يموتون. ذكر من قال ذلك: 25784 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مخلدون قال: لا يموتون. وقال آخرون: عنى بذلك أنهم قرطون مسورون. والذي هو أولى بالصواب في ذلك قول من قال معناه: إنهم لا يتغيرون، ولا
[ 226 ]
يموتون، لان ذلك أظهر معنييه، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد، وإنما هو مفعل من الخلد. وقوله: بأكواب وأباريق والاكواب: جمع كوب، وهو من الاباريق ما اتسع رأسه، ولم يكن له خرطوم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25785 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: بأكواب قال: الاكواب: الجرار من الفضة. 25786 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد بأكواب وأباريق قال: الاباريق: ما كان لها آذان، والاكواب ما ليس لها آذان. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، قال: الاكواب ليس لها آذان. 25787 - حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سئل الحسن عن الاكواب، قال: هي الاباريق التي يصب لهم منها. 25788 - حدثنا أبو كريب، وأبو السائب، قالا: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، قال: مر أبو صالح صاحب الكلبي قال: فقال أبي، قال لي الحسن وأنا جالس: سله، فقلت: ما الاكواب ؟ قال: جرار الفضة المستديرة أفواهها، والاباريق ذوات الخراطيم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد بأكواب قال: ليس لها عرى ولا آذان. 25789 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: بأكواب وأباريق والاكواب التي يغترف بها ليس لها خراطيم، وهي أصغر من الاباريق. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بأكواب وأباريق قال: الاكواب التي دون الاباريق ليس لها عرى. 25790 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: الاكواب جرار ليست لها عرى، وهي بالنبطية كوبا، وإياها عنى الاعشى
[ 227 ]
بقوله: صريفية طيب طعمهالها زبد بين كوب ودن وأما الاباريق: فهي التي لها عرى. وقوله: وكأس من معين وكأس خمر من شراب معين، ظاهر العيون، جار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25791 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وكأس من معين: قال الخمر. 25792 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكأس من معين أي من خمر جارية. 25793 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وكأس من معين الكأس: الخمر. حدثنا أبو سنان، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله: وكأس من معين قال: الخمر الجارية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك، مثله. وقوله: لا يصدعون عنها يقول: لا تصدع رؤوسهم عن شربها فتسكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25794 - حدثني إسماعيل بن موسى السدي، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد، قوله: لا يصدعون عنها قال: لا تصدع رؤوسهم. 25795 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لا يصدعون عنها ليس لها وجع رأس.
[ 228 ]
25796 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة لا يصدعون عنها قال: لا تصدع رؤوسهم. 25797 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد لا يصدعون عنها يقول: لا تصدع رؤوسهم. 25798 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا يصدعون عنها يعني: وجع الرأس. وقوله: ولا ينزفون اختلفت القراء في قراءته، فقرأت عامة قراء المدينة والبصرة ينزفون بفتح الزاي، ووجهوا ذلك إلى أنه لا تنزف عقولهم. وقرأته عامة قراء الكوفة لا ينزفون بكسر الزاي بمعنى: ولا ينفد شرابهم. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيها الصواب. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك على نحو اختلاف القراء فيه. وقد ذكرنا اختلاف أقوالهم في ذلك، وبينا الصواب من القول فيه في سورة الصافات، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا سنذكر قول بعضهم في هذا الموضع لئلا يظن ظان أن معناه في هذا الموضع مخالف معناه هنالك. ذكر قول من قال منهم: معناه لا تنزف عقولهم. 25799 - حدثنا إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن سالم، عن سعيد ولا ينزفون قال: لا تنزف عقولهم. 25800 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ولا ينزفون قال: لا تنزف عقولهم. وحدثنا ابن حميد، مرة أخرى فقال ولا تذهب عقولهم. 25801 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ولا ينزفون لا تنزف عقولهم. 25802 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ولا ينزفون قال: لا يغلب أحد على عقله.
[ 229 ]
25803 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، في قوله: ولا ينزفون قال: لا يغلب أحد على عقله. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة في قول الله: ولا ينزفون قال: لا تغلب على عقولهم. وقوله: وفاكهة مما يتخيرون يقول تعالى ذكره: ويطوف هؤلاء الولدان المخلدون على هؤلاء السابقين بفاكهة من الفواكه التي يتخيرونها من الجنة لانفسهم، وتشتهيها نفوسهم ولحم طير مما يشتهون يقول: ويطوفون أيضا عليهم بلحم طير مما يشتهون من الطير الذي تشتهيه نفوسهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وحور عين ئ كأمثال اللؤلؤ المكنون ئ جزاء بما كانوا يعملون ئ لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ئ إلا قيلا سلاما سلاما) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: وحور عين فقرأته عامة قراء الكوفة وبعض المدنيين وحور عين بالخفض إتباعا لاعرابها إعراب ما قبلها من الفاكهة واللحم، وإن كان ذلك مما لا يطاف به، ولكن لما كان معروفا معناه المراد أتبع الآخر الاول في الاعراب، كما قال بعض الشعراء: إذا ما الغانيات برزن يوما وزججن الحواجب والعيونا
[ 230 ]
فالعيون تكحل، ولا تزجج إلا الحواجب، فردها في الاعراب على الحواجب، لمعرفة السامع معنى ذلك وكما قال الآخر: تسمع للاحشاء منه لغطا ولليدين جسأة وبددا والجسأة: غلظ في اليد، وهي لا تسمع. وقرأ ذلك بعض قراء المدينة ومكة والكوفة وبعض أهل البصرة بالرفع وحور عين على الابتداء، وقالوا: الحور العين لا يطاف بهن، فيجوز العطف بهن في الاعراب على إعراب فاكهة ولحم، ولكنه مرفوع بمعنى: وعندهم حور عين، أو لهم حور عين. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء مع تقارب معنييهما، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب. والحور جماعة حوراء: وهي النقية بياض العين، الشديدة سوادها. والعين: جمع عيناء، وهي النجلاء العين في حسن. وقوله: كأمثال اللؤلو المكنون يقول: هن في صفاء بياضهن وحسنهن، كاللؤلؤ المكنون الذي قد صين في كن. وقوله: جزاء بما كانوا يعملون يقول تعالى ذكره: ثوابا لهم من الله بأعمالهم التي كانوا يعملونها في الدنيا، وعوضا من طاعتهم إياه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 231 ]
25804 - حدثنا أبو هشام الرفاعي، قال: ثنا ابن يمان، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن الحسن وحور عين قال: شديدة السواد: سواد العين، شديدة البياض: بياض العين. 25805 - قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك وحور عين قال: بيض عين، قال: عظام الاعين. 25806 - حدثنا ابن عباس الدوري، قال: ثنا حجاج، قال: قال ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: الحور: سود الحدق. 25807 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا إبراهيم بن محمد الاسلمي، عن عباد بن منصور الباجي، أنه سمع الحسن البصري يقول: الحور: صوالح نساء بني آدم. 25808 - قال: ثنا إبراهيم بن محمد، عن ليث بن أبي سليم، قال: بلغني أن الحور العين خلقن من الزعفران. 25809 - حدثنا الحسن بن يزيد الطحان، قال: حدثتنا عائشة امرأة ليث، عن ليث، عن مجاهد، قال: خلق الحور العين من الزعفران. حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا عمرو بن سعد، قال: سمعت ليثا، ثني، عن مجاهد، قال: حور العين خلقن من الزعفران. وقال آخرون: بل معنى قوله: حور أنهن يحار فيهن الطرف. ذكر من قال ذلك: 25810 - حدثنا أبو هشام، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد وحور عين قال: يحار فيهن الطرف. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: كأمثال اللؤلؤ قال أهل التأويل، وجاء الاثر عن رسول الله (ص). 25811 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا أحمد بن الفرج الصدفي الدمياطي، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، قالت: قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله كأمثال اللؤلؤ المكنون قال: صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الاصداف الذي لا تمسه الايدي.
[ 232 ]
وقوله: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما يقول: لا يسمعون فيها باطلا من القول ولا تأثيما، يقول: ليس فيها ما يؤثمهم. وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما والتأثيم لا يسمع، وإنما يسمع اللغو، كما قيل: أكلت خبزا ولبنا، واللبن لا يؤكل، فجازت إذ كان معه شئ يؤكل. وقوله: إلا قيلا سلاما سلاما يقول: لا يسمعون فيها من القول إلا قيلا سلاما: أي أسلم مما تكره. وفي نصب قوله: سلاما سلاما وجهان: إن شئت جعلته تابعا للقيل، ويكون السلام حينئذ هو القيل، فكأنه قيل: لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما، إلا سلاما سلاما، ولكنهم يسمعون سلاما سلاما. والثاني: أن يكون نصبه بوقوع القيل عليه، فيكون معناه حينئذ: إلا قيل سلام فإن نون نصب قوله: سلاما سلاما بوقوع قيل عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأصحاب اليمين مآ أصحاب اليمين ئ في سدر مخضود ئ وطلح منضود ئ وظل ممدود ئ وماء مسكوب) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص) وأصحاب اليمين وهم الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين، الذي أعطوا كتبهم بأيمانهم يا محمد ما أصحاب اليمين أي شئ هم وما لهم، وماذا أعد لهم من الخير، وقيل: إنهم أطفال المؤمنين. ذكر من قال ذلك: 25812 - حدثنا محمد بن معمر، قال: ثنا أبو هشام المخزومي، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا الاعمش، قال: ثنا عثمان بن قيس، أنه سمع زاذان أبا عمرو يقول: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين قال: أصحاب اليميين: أطفال المؤمنين. 25813 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين: أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم، ثم ابتدأ الخبر عما ذا أعد لهم في الجنة، وكيف يكون حالهم إذا هم دخلوها ؟ فقال: هم في سدر مخضود يعني: في ثمر سدر موقر حملا قد ذهب شوكه.
[ 233 ]
وقد اختلف في تأويله أهل التأويل، فقال بعضهم: يعني بالمخضود: الذي قد خضد من الشوك، فلا شوك فيه. ذكر من قال ذلك: 25814 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: سدر مخضود قال: خضده وقره من الحمل، ويقال: خضد حتى ذهب شوكه فلا شوك فيه. 25815 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه في سدر مخضود قال: زعم محمد بن عكرمة قال: لا شوك فيه. 25816 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن عكرمة، في قوله: في سدر مخضود قال: لا شوك فيه. 25817 - حدثنا ابن بشار، ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن قسامة بن زهير، في قوله: في سدر مخضود قال: خضد من الشوك، فلا شوك فيه. 25818 - حدثنا أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا عمرو بن عمرو بن عبد الله الاحموسي، عن السفر بن نسير في قول الله عز وجل في سدر مخضود قال: خضد شوكه، فلا شوك فيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: في سدر مخضود قال: كنا نحدث أنه الموقر الذي لا شوك فيه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا قتادة، في قوله: في سدر مخضود قال: ليس فيه شوك. 25819 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص في سدو مخضود قال: لا شوك له. حدثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عكرمة في سدر مخضود قال: لا شوك فيه. وحدثني به ابن حميد مرة أخرى، عن مهران بهذا الاسناد، عن عكرمة، فقال: لا شوك له، وهو الموقر. وقال آخرون: بل عني به أنه الموقر حملا. ذكر من قال ذلك:
[ 234 ]
25820 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مخضود قال: يقولون هذا الموقر حملا. حدثني محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في سدر مخضود قال: الموقر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في سدر مخضود قال: الموقر. 25821 - حدثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: سدر مخضود يقول: موقر. 25822 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير في سدر مخضود قال: ثمرها أعظم من القلال. وقوله: وطلح منضود أما الفراء فعلى قراءة ذلك بالحاء وطلح منضود وكذا هو في مصاحف أهل الامصار. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يقرأ وطلع منضود بالعين. 25823 - حدثنا عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا زكريا، عن الحسن بن سعد، عن أبيه رضي الله عنه، قرأها طلع منضود. 25824 - حدثنا سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثني أبي، قال: ثنا مجاهد، عن الحسن بن سعد، عن قيس بن سعد، قال: قرأ رجل عند علي وطلح منضود فقال علي: ما شأن الطلح، إنما هو: وطلع منضود، ثم قرأ طلعها هضيم فقلنا أو لا نحولها، فقال: إن القرآن لا يهاج اليوم ولا يحول. وأما الطلح فإن المعمر بن المثنى كان يقول: هو عند العرب شجر عظام كثير الشوك، وأنشد لبعض الحداة: بشرها دليلها وقالاغدا ترين الطلح والحبالا
[ 235 ]
وأما أهل التأويل من الصحابة والتابعين فإنهم يقولون: إنه هو الموز. 25825 - حدثنا حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا سليمان التيمي، عن أبي سعيد، مولى بني رقاش، قال: سألت ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سليمان التيمي، قال: ثنا أبو سعيد الرقاشي، أنه سمع ابن عباس يقول: الطلح المنضود: هو الموز. حدثني يعقوب وأبو كريب، قالا: ثنا ابن علية، عن سليمان، قال: ثنا أبو سعيد الرقاشي، قال قلت لابن عباس: ما الطلح المنضود ؟ قال: هو الموز. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، قال: ثنا أبو سعيد الرقاشي، قال: سألت ابن عباس عن الطلح، فقال: هو الموز. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن التيمي، عن أبي سعيد الرقاشي، عن ابن عباس وطلح منضود قال: الموز. 25826 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الكلبي، عن الحسن بن سعيد، عن علي رضي الله عنه وطلح منضود قال: الموز. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن رجل من أهل البصرة أنه سمع ابن عباس يقول في الطلح المنضود: هو الموز. 25827 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وطلح منضود قال: موزكم لانهم كانوا يعجبون بوج وظلاله من طلحه وسدره.
[ 236 ]
25828 - حدثنا محمد بن سنان، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، في قوله: وطلح منضود قال: الموز. 25829 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة بن خليفة، عن عوف، عن قسامة، قال: الطلح المنضود: هو الموز. 25830 قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قول الله: وطلح منضود قال: الموز. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وطلح منضود قال: الموز. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وطلح منضود كنا نحدث أنه الموز. 25831 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وطلح منضود قال الله أعلم، إلا أن أهل اليمن يسمون الموز الطلح. وقوله: منضود يعني أنه قد نضد بعضه على بعض، وجمع بعضه إلى بعض. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25832 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وطلح منضود قال: بعضه على بعض. حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وطلح منضود متراكم، لانهم يعجبون بوج وظلاله من طلحة وسدره. وقوله: وظل ممدود يقول: وهم في ظل دائم لا تنسخه الشمس فتذهبه، وكل ما لا انقطاع له فإنه ممدود، كما قال لبيد: غلب البقاء وكنت غير مغلب دهر طويل دائم ممدود
[ 237 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الآثار، وقال به أهل العلم. ذكر من قال ذلك: 25833 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمر وبن ميمون وظل ممدود قال: خمس مئة ألف سنة. 25834 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، قال: ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى بني مخزوم، عن أبي هريرة، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام، اقرأوا إن شئتم وظل ممدود فبلغ ذلك كعبا، فقال: صدق والذي أنزل التوراة على لسان موسى، والفرقان على لسان محمد، لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها، حتى يسقط هرما، إن الله غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زياد مولى لبني مخزوم، أنه سمع أبا هريرة يقول: ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: وما في الجنة من نهر. 25835 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون وظل ممدود قال: مسيرة سبعين ألف سنة. 25836 - حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبويحيى بن سليمان، عن هلال بن علي، عن عبد الرحن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة، اقرأوا إن شئتم وظل ممدود.
[ 238 ]
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي (ص) يقول: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام، اقرأوا إن شئتم وظل ممدود. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين بن محمد، عن زياد، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت النبي (ص) يقول: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرأوا إن شئتم وظل ممدود. 25837 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا شعبة، عن أبي الضحى، قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله (ص): إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، شجرة الخلد. 25838 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: سمعت أبا الضحاك يحدث، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها سبعين أو مئة عام، هي شجرة الخلد. 25839 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران، عن قتادة، عن أنس، أن النبي (ص) قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها. قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا عمران، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، مثل ذلك. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن حماد بن سلمة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن النبي (ص) مثله.
[ 239 ]
حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبدة وعبد الرحمن، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة لا يقطعها، واقرأوا إن شئتم قوله: وظل ممدود. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا فردوس، قال: ثنا ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة سنة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله (ص)، مثله. 25840 - حدثنا محمد بن عبد الاعلى، قال: ثنا خالد بن الحارث، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله (ص) قال: إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها. 25841 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا خالد، قال: ثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي (ص)، وبمثله عن خلاس. 25842 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو بكر، قال: ثنا أبو حصين، قال: كنا على باب في موضع ومعنا أبو صالح وشقيق، يعني الضبي، فحدث أبو صالح، فقال: حدثني أبو هريرة، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما، فقال أبو صالح أتكذب أبا هريرة، فقال: ما أكذب أبا هريرة، ولكني أكذبك قال: فشق على القراء يومئذ. حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة وظل ممدود قال: حدثنا، عن أنس بن مالك، قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها. قال: ثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وظل ممدود قال قتادة: حدثنا أنس بن مالك، أن نبي الله (ص) قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، عن أنس، أن النبي (ص) قال: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها.
[ 240 ]
حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، ع معمر، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، مثل ذلك أيضا. وقوله: وماء مسكوب يقول تعالى ذكره وفيه أيضا ماء مسكوب، يعني مصبوب سائل في غير أخدود. كما: 25843 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان وماء مسكوب قال: يجري في غير أخدود. القول في تأويل قوله تعالى: * (وفاكهة كثيرة ئ لا مقطوعة ولا ممنوعة ئ وفرش مرفوعة ئ إنآ أنشأناهن إنشاء ئ فجعلناهن أبكارا ئ عربا أترابا ئ لاصحاب اليمين) *. يقول وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة يقول تعالى ذكره وفيها فاكهة كثيرة لا ينقطع عنهم شئ منها أرادوه في وقت من الاوقات، كما تنقطع فواكه الصيف في الشتاء في الدنيا، ولا يمنعهم منها، ولا يحول بينهم وبينها شوك على أشجارها، أو بعدها منهم، كما تمتنع فواكه الدنيا من كثير ممن أرادها ببعدها على الشجرة منهم، أو بما على شجرها من الشوك، ولكنها إذا اشتهاها أحدهم وقعت في فيه أو دنت منه حتى يتناولها بيده. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. وقد ذكرنا الرواية فيما مضى قبل، ونذكر بعضا آخر منها: 25844 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: لا مقطوعة ولا ممنوعة قال: لا يمنعه شوك ولا بعد. وقوله: وفرش مرقوعة يقول تعالى ذكره: ولهم فيها فرش مرفوعة طويلة، بعضها فوق بعض، كما يقال: بناء مرفوع. وكالذي: 25845 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا رشدين بن سعد، عن عمرو بن الحارث، عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن النبي (ص)، في قوله: وفرش مرفوعة قال: إن ارتفاعها لكما بين السماء والارض، وإن ما بين السماء والارض لمسيرة خمس مئة عام.
[ 241 ]
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنا عمرو، عن دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله (ص) وفرش مرقوعة والذي نفسي بيده إن ارتفاعها... ثم ذكر مثله. وقوله: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا يقول تعالى ذكره: إنا خلقناهن خلقا فأوجدناهن قال أبو عبيدة: يعني بذلك: الحور العين اللاتي ذكرهن قبل، فقال: وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون إنا أنشأناهن إنشاء، وقال الاخفش: أضمرهن ولم يذكرهن قبل ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25846 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إنا أنشأناهن إنشاء قال: خلقناهن خلقا. 25847 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا معاوية بن هشام، عن شيبان، عن جابر الجعفي، عن يزيد بن مرة، عن سلمة بن يزيد، عن رسول الله (ص) في هذه الآية إنا أنشأناهن إنشاء قال: من الثيب والابكار. وقوله: فجعلناهن أبكارا يقول: فصيرناهن أبكارا عذارى بعد إذ كن. كما: 25848 - حدثنا حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص): إنا أنشأناهن إنشاء قال: عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن موسى بن عبيدة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال النبي (ص): إنا أنشأناهن إنشاء قال: أنشأ عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا.
[ 242 ]
حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: ثنا محمد بن ربيعة الكلابي، عن موسى بن عبيدة الربذي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله (ص)، في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء قال: منهن العجائز اللاتي كن في الدنيا عمشا رمصا. حدثنا سوار بن عبد الله بن داود، عن موسى بن عبيدة الربذي، عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، عن النبي (ص)، في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء قال: هن اللواتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا. 25849 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عمرو بن عاصم، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن صفوان بن محرز في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا قال: فهن العجز الرمص. 25850 حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: ثنا قتادة، في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا قال: إن منهن العجز الرجف، أنشأهن الله في هذا الخلق. 25851 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا أنشأناهن إنشاء قال قتادة: كان صفوان بن محرز يقول: إن منهن العجز الرجف، صيرهن الله كما تسمعون. 25852 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول: قوله: أبكارا يقول: عذارى. 25853 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي، عن عمرو بن هاشم، عن ابن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أم سلمة، زوج النبي (ص) أنها قالت: قلت يا رسول الله، أخبرني عن قول الله: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لاصحاب اليمين قال: هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز رمصا شمطا، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى. 25854 - حدثنا أبو عبيد الوصابي، قال: ثنا محمد بن حمير، قال: ثنا ثابت بن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير، يحدث عن ابن عباس، في قوله: إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا قال: هن من بني آدم، نساءكن في الدنيا ينشئهن الله أبكارا عذارى عربا.
[ 243 ]
وقوله: عربا يقول تعالى ذكره: فجعلناهن أبكارا غنجات متحببات إلى أزواجهن يحسن التبعل وهي جمع، واحدهن عروب، كما واحد الرسل رسول، وواحد القطف قطوف ومنه قول لبيد: وفي الحدوج عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25855 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إسماعيل بن أبان، وإسماعيل بن صبيح، عن أبي إدريس، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس عربا أترابا قال: الملقة. 25856 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: عربا يقول: عواشق. 25857 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس عربا قال: العرب المتحببات المتوددات إلى أزواجهن. 25858 - حدثني سليمان بن عبيد الله الغيلاني، قال: ثنا أيوب، قال: أخبرنا قرة، عن الحسن، قال: العرب: العاشق. 25859 - حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، أنه قال في هذه الآية عربا قال: العرب المغنوجة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن شعبة، عن سماك بن عكرمة قال: هي المغنوجة. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا عمارة بن أبي حفصة، عن عكرمة، في قوله: عربا قال: غنجات. 25860 - حدثني علي بن الحسن الازدي، قال: ثنا يحيى بن يمان، عن أبي
[ 244 ]
إسحاق التيمي، عن صالح بن حيان، عن أبي بريدة عربا: الشكلة بلغة مكة، والغنجة بلغة المدينة. 25861 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، قال: سمعت إبراهيم التيمي يعني ابن الزبرقان، عن صالح ابن حيان، عن أبي يزيد بنحوه. 25862 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم، قوله: عربا قال: حسن تبعل المرأة. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا مغيرة، عن عثمان بن بشار، عن تميم بن حذلم في عربا قال: العربة: الحسنة التبعل. قال: وكانت العرب تقول للمرأة إذا كانت حسنة التبعل: إنها لعربة. 25863 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه عربا قال: حسنات الكلام. 25864 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، قال: عواشق. قال: ثنا ابن يمان، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد، وعكرمة، مثله. 25865 - قال: ثنا ابن إدريس، عن حصين، عن مجاهد في عربا قال: العرب المتحببات. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد عربا قال: العرب: العواشق. 25866 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، مثله. 25867 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن غالب أبي الهذيل، عن سعيد بن جبير عربا قال: العرب اللاتي يشتهين أزواجهن. 25868 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: المشتهية لبعولتهن.
[ 245 ]
25869 - قال: ثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا عثمان بن الاسود، عن عبد الله بن عبيد الله، قال: العرب: التي تشتهي زوجها. 25870 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن عثمان بن الاسود، عن عبد الله بن عبيد بن عمير عربا قال: العربة: التي تشتهي زوجها ألا ترى أن الرجل يقول للناقة: إنها لعربة ؟ 25871 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة عربا قال: عشقا لازواجهن. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: عربا أترابا يقول: عشق لازواجهن، يحببن أزواجهن حبا شديدا. 25872 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، يقول: سمعت الضحاك يقول: العرب: المتحببات. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: عربا أترابا قال: متحببات إلى أزواجهن. 25873 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عربا قال: العرب: الحسنة الكلام. 25874 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: سئل الاوزاعي، عن عربا قال: سمعت يحيى يقول هن العواشق. 25875 - حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا محمد بن الفرج الصدفي الدمياطي، عن عمرو بن هاشم، عن أبي كريمة، عن هشام بن حسان، عن الحسن، عن أمه، عن أم سلمة، قالت: قلت يا رسول الله، أخبرني عن قوله: عربا أترابا قال: عربا متعشقات متحببات، أترابا على ميلاد واحد. حدثني محمد بن حفص أبو عبيد الوصابي، قال: ثنا محمد بن حمير، قال: ثنا ثابت بن عجلان، قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس عربا والعرب: الشوق.
[ 246 ]
واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء المدينة وبعض قراء الكوفيين عربا بضم العين والراء. وقرأه بعض قراء الكوفة والبصرة عربا بضم العين وتخفيف الراء، وهي لغة تميم وبكر، والضم في الحرفين أولى القراءتين بالصواب لما ذكرت من أنها جمع عروب، وإن كان فعول أو فعيل أو فعال أذا جمع، جمع على فعل بضم الفاء والعين، مذكرا كان أو مؤنثا، والتخفيف في العين جائز، وإن كان الذي ذكرت أقصى الكلامين عن وجه التخفيف. وقوله: أترابا يعني أنهن مستويات على سن واحدة، واحدتهن ترب، كما يقال: شبه وأشباه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25876 - حدثني علي بن الحسين بن الحارث، قال: ثنا محمد بن ربيعة، عن سلمة بن سابور، عن عطية، عن ابن عباس، قال: الاترا ب المستويات. 25877 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أترابا قال: أمثالا. 25878 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أترابا يعني: سنا واحدة. حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، مثله. 25879 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أترابا قال: الاتراب: المستويات. وقوله: لأصحاب اليمين يقول تعالى ذكره: أنشأنا هؤلاء اللواتي وصف صفتهن من الابكار للذين يؤخذ بهم ذات اليمين من موقف الحساب إلى الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثلة من الاولين ئ وثلة من الآخرين ئ وأصحاب الشمال مآ أصحاب الشمال ئ في سموم وحميم ئ وظل من يحموم ئ لا بارد ولا كريم ئ إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ئ وكانوا يصرون على الحنث العظيم) *.
[ 247 ]
يقول تعالى ذكره: الذين لهم هذه الكرامة التي وصف صفتها في هذه الآيات ثلتان، وهي جماعتان وأمتان وفرقتان: ثلة من الاولين، يعني جماعة من الذين مضوا قبل أمة محمد (ص)، وثلة من الآخرين، يقول: وجماعة من أمة محمد (ص)، وقال به أهل التأويل. ذكر الرواية بذلك: 25880 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: قال الحسن ثلة من الاولين من الامم وثلة من الآخرين: أمة محمد (ص). 25881 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: ثلة من الاولين قال: أمة. 2582 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا الحسن، عن حديث عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود قال تحدثنا عند رسول الله (ص) ذات ليلة حتى أكرينا في الحديث، ثم رجعنا إلى أهلينا، فلما أصبحنا غدونا على رسول الله (ص)، فقال رسول الله (ص): عرضت علي الانبياء الليلة بأتباعها من أممها، فكان النبي يجئ معه الثلة من أمته، والنبي معه العصابة من أمته والنبي معه النفر من أمته، والنبي معه الرجل من أمته، والنبي ما معه من أمته أحد من قومه، حتى أتى علي موسى بن عمران في كبكبة من بني إسرائيل فلما رأيتهم أعجبوني، فقلت أي رب من هؤلاء ؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران ومن معه من بني إسرائيل فقلت رب، فأين أمتي ؟ فقيل: انظر عن يمينك، فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقلت: من هؤلاء ؟ قيل: هؤلاء أمتك، فقيل: أرضيت ؟ فقلت: رب رضيت رب رضيت قيل: انظر عن يسارك، فإذا الافق قد سد بوجوه الرجال، فقلت: رب من هؤلاء ؟ قيل: هؤلاء أمتك، فقيل: أرضيت ؟ فقلت رضيت، رب رضيت فقيل: إن مع هؤلاء سبعين ألفا من أمتك يدخلون الجنة لا حساب عليهم قال: فأنشأ عكاشة بن محصن، رجل من بني أسد بن خزيمة، فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم أنشأ رجل آخر فقال: يا نبي الله ادع ربك أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة، فقال نبي الله (ص): فدى لكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا من أهل الافق، فإني رأيت ثم أناسا يتهرشون
[ 248 ]
كثيرا، أو قال يتهوشون قال: فتراجع المؤمنون، أو قال فتراجعنا على هؤلاء السبعين، فصار من أمرهم أن قالوا: نراهم ناسا ولدوا في الاسلام، فلم يزالوا يعملون به حتى ماتوا عليه، فنمي حديثهم ذاك إلى نبي الله (ص)، فقال: ليس كذاك، ولكنهم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. ذكر أن نبي الله (ص) قال يومئذ: إني لارجو أن يكون من تبعني من أمتي ربع أهل الجنة، فكبرنا، ثم قال: إني لارجو أن تكونوا الشطر، فكبرنا، ثم تلا رسول الله (ص) هذه الآية: ثلة من الاولين وثلة من الآخرين. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الحسن بن بشر البجلي، عن الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن الحسن عن عمران بن حصين، عن عبد الله بن مسعود، قال: تحدثنا ليلة عند رسول الله (ص)، حتى أكرينا أو أكثرنا، ثم ذكر نحوه، إلا أنه قال: فإذا الظراب ظراب مكة مسدودة بوجوه الرجال وقال أيضا: فإني رأيت عنده أناسا يتهاوشون كثيرا قال: فقلنا: من هؤلاء السبعون ألفا فاتفق رأينا على أنهم قوم ولدوا في الاسلام ويموتون عليه قال: فذكرنا ذلك لرسول الله (ص) فقال: لا، ولكنهم قوم لا يكتوون وقال أيضا: ثم قال رسول الله (ص): إني لارجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبر أصحابه ثم قال: إني لارجو ا أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبر أصحابه ثم قال: إني لارجو أن تكونو شطر أهل الجنة، ثم قرأ ثلة من الاولين وثلة من الآخرين. 25883 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عوف، عن عبد الله بن الحارث، قال: كلهم في الجنة. 25884 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، أنه بلغه أن النبي (ص) قال: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قالوا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ قالوا: نعم، قال والذي نفسي بيده إني لارجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، ثم تلا هذه الآية ثلة من الاولين وثلة من الآخرين.
[ 249 ]
25885 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن بديل بن كعب أنه قال: أهل الجنة عشرون ومئة صف، ثمانون صفا منها من هذه الامة. وفي رفع ثلة وجهان: أحدهما الاستئناف، والآخر بقوله: لاصحاب اليمين ثلتان، ثلة من الاولين وقد روي عن النبي (ص) خبر من وجه عنه صحيح أنه قال: الثلتان جميعا من أمتي. ذكر من قال ذلك: 25886 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ثلة من الاولين وثلة من الآخرين قال: قال النبي (ص): هما جميعا من أمتي. وقوله: وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال يقول تعالى ذكره معجبا نبيه محمدا من أهل النار وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال من موقف الحساب إلى النار ما أصحاب الشمال ماذا لهم، وماذا أعد لهم. كما: 25887 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال: أي ماذا لهم، وماذا أعد لهم. وقوله: وظل من يحموم يقول تعالى ذكره: وظل من دخان شديد السواد. والعرب تقول لكل شئ وصفته بشدة السواد: أسود يحموم. وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25888 - حدثني بن أبي الشوارب، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا سليمان الشيباني، قال: ثني يزيد بن الاصم، قال: سمعت ابن عباس يقول في وظل من يحموم قال: هو ظل الدخان. حدثنا محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا قبيصة بن ليث، عن الشيباني، عن يزيد بن الاصم، عن ابن عباس، مثله. حدثنا أبو كريب قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت الشيباني، عن يزيد بن الاصم، عن ابن عباس، بمثله.
[ 250 ]
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الشيباني، عن يزيد بن الاصم، عن ابن عباس وظل من يحموم قال: هو الدخان. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس وظل من يحموم قال: الدخان. حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: وظل من يحموم يقول: من دخان حميم. 25889 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة، أنه قال في هذه الآية وظل من يحموم قال الدخان. 25890 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك، في قوله: وظل من يحموم قال: دخان حميم. حدثنا سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك بمثله. 25891 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن مجاهد وظل من يحموم قال: الدخان. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: من يحموم قال: من دخان حميم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان الشيباني، عن يزيد بن الاصم، عن ابن عباس، ومنصور، عن مجاهد وظل من يحموم قالا: دخان. 25892 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وظل من يحموم قال: من دخان. 25893 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وظل من يحموم كنا نحدث أنها ظل الدخان.
[ 251 ]
25894 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وظل من يحموم قال: ظل الدخان دخان جهنم، زعم ذلك بعض أهل العلم. وقوله: لا بارد ولا كريم يقول تعالى ذكره: ليس ذلك الظل ببارد، كبرد ظلال سائر الاشياء، ولكنه حار، لانه دخان من سعير جهنم، وليس بكريم لانهم مؤلم من استظل به، والعرب تتبع كل منفي عنه صفة حمد نفي الكرم عنه، فتقول: ما هذا الطعام بطيب ولا كريم، وما هذا اللحم بسمين ولا كريم وما هذه الدار بنظيفة ولا كريمة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25895 - حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع، قال: ثنا النضر، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك، في قوله: لا بارد ولا كريم قال: كل شراب ليس بعذب فليس بكريم. 25896 - وكان قتادة يقول في ذلك ما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا بارد ولا كريم قال: لا بارد المنزل، ولا كريم المنظر. وقوله: إنهم كانوا قبل ذلك مترفين يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الذين وصف صفتهم من أصحاب الشمال، كانوا قبل أن يصيبهم من عذاب الله ما أصابهم في الدنيا مترفين، يعني منعمين. كما: 25897 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس إنهم كانوا قبل ذلك مترفين يقول: منعمين. وقوله: وكانوا يصرون على الحنث العظيم يقول جل ثناؤه: وكانوا يقيمون على الذنب العظيم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25898 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، يصرون: يدمنون. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: يدهنون، أو يدمنون. 25899 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
[ 252 ]
وكانوا يصرون قال: لا يتوبون ولا يستغفرون، والاصرار عند العرب على الذنب: الاقامة عليه، وترك الاقلاع عنه. وقوله: على الحنث العظيم يعني: على الذنب العظيم، وهو الشرك بالله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25900 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد على الحنث العظيم قال: على الذنب. 25901 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا أبوتميلة، قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك، في قوله: الحنث العظيم قال: الشرك. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: على الحنث العظيم يعني: الشرك. 25902 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الحنث العظيم قال: الذنب. 25903 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد وكانوا يصرون على الحنث العظيم قال: الحنث العظيم: الذنب العظيم، قال: وذلك الذنب العظيم الشرك لا يتوبون ولا يستغفرون. 25904 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وكانوا يصرون على الحنث العظيم وهو الشرك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن ابن جريج، عن مجاهد، على الحنث العظيم قال: الذنب العظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكانوا يقولون أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون ئ أو آبآؤنا الاولون ئ قل إن الاولين والآخرين ئ لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) *. يقول تعالى ذكره: وكانوا يقولون كفرا منهم بالبعث، وإنكارا لاحياء الله خلقه من بعد مماتهم: أئذا كنا ترابا في قبورنا من بعد مماتنا، وعظاما نخرة، أئنا لمبعوثون منها أحياء كما
[ 253 ]
كنا قبل الممات، أو آباؤنا الاولون الذين كانوا قبلنا، وهم الاولون، يقول الله لنبيه محمد (ص) قل يا محمد لهؤلاء إن الاولين من آبائكم والآخرين منكم ومن غيركم، لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم، وذلك يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ئ لآكلون من شجر من زقوم ئ فمالئون منها البطون) *. يقول تعالى ذكره لاصحاب الشمال: ثم إنكم أيها الضالون عن طريق الهدى، المكذبون بوعيد الله ووعده، لآكلون من شجر من زقوم: وقوله: فمالئون منها البطون يقول: فمالئون من الشجر الزقوم بطونهم: واختلف أهل العربية في وجه تأنيث الشجر في قوله: فمالئون منها البطون: أي من الشجر، فشاربون عليه لان الشجر تؤنث وتذكر، وأنث لانه حمله على الشجرة، لان الشجرة قد تدل على الجميع، فتقول العرب: نبتت قبلنا شجرة مرة وبقلة رديئة، وهم يعنون الجميع. وقال بعض نحويي الكوفة لآكلون من شجر من زقوم، وفي قراءة عبد الله لآكلون من شجرة من زقوم على واحدة، فمعنى شجر وشجرة واحد، لانك إذا قلت أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك، فهو جائز، ثم قال: فمالئون منها البطون يريد من الشجرة ولو قال: فمالئون منه إذا لم يذكر الشجر كان صوابا يذهب إلى الشجر في منه، ويؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر والشجر يؤنث ويذكر، مثل التمر يؤنث ويذكر. والصواب من القول في ذلك عندنا القول الثاني، وهو أن قوله: فمالئون منها مراد به من الشجر أنث للمعنى، وقال فشاربون عليه مذكرا للفظ الشجر. القول في تأويل قوله تعالى: * (فشاربون عليه من الحميم ئ فشاربون شرب الهيم ئ هذا نزلهم يوم الدين ئ نحن خلقناكم فلولا تصدقون) *. يقول تعالى ذكره: فشارب أصحاب الشمال على الشجر من الزقوم إذا أكلوه، فملاوا
[ 254 ]
منه بطونهم من الحميم الذي انتهى غليه وحره. وقد قيل: إن معنى قوله: فشاربون عليه: فشاربون على الاكل من الشجر من الزقوم. وقوله: فشاربون شرب الهيم اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة شرب الهيم بضم الشين، وقرأ ذلك بعض قراء مكة والبصرة والشأم شرب الهيم اعتلالا بأن النبي (ص) قال لايام مني: إنها أيام أكل وشرب. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء مع تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته، لان ذلك في فتحه وضمه نظير فتح قولهم: الضعف والضعف بضمه. وأما الهيم، فإنها جمع أهيم، والانثى هيماء والهيم: الابل التي يصيبها داء فلا تروى من الماء. ومن العرب من يقول: هائم، والانثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا: عائط وعيط، وحائل وحول ويقال: إن الهيم: الرمل، بمعنى أن أهل النار يشربون الحميم شرب الرمل الماء. ذكر من قال عنى بالهيم الابل العطاش: 25905 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: شرب الهيم يقول: شرب الابل العطاش.
[ 255 ]
حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فشاربون شرب الهيم قال: الابل الظماء. 25916 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، في قوله: فشاربون شرب الهيم قال: هي الابل المراض، تمص الماء مصا ولا تروى. 25907 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: فشاربون شرب الهيم قال: الابل يأخذها العطاش، فلا تزال تشرب حتى تهلك. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة فشاربون شرب الهيم قال: هي الابل يأخذها العطاش. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن عباس، قال: هي الابل العطاش. 25908 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: شرب الهيم قال: الابل الهيم. 25909 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فشاربون شرب الهيم الهيم: الابل العطاش، تشرب فلا تروى، يأخذها داء يقال له الهيام. 25910 - حدثنا بشر، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فشاربون شرب الهيم قال: داء بالابل لا تروى معه. ذكر من قال هي الرملة: 25911 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان فاشربون شرب الهيم قال: السهلة. وقوله: هذا نزلهم يوم الدين يقول تعالى ذكره: هذا الذي وصفت لكم أيها الناس، أن هؤلاء المكذبين الضالين يأكلونه من شجر من زقوم، يشربون عليه من الحميم، هو نزلهم الذي ينزلهم ربهم يوم الدين، يعني: يوم يدين الله عباده.
[ 256 ]
وقوله: نحن خلقناكم فلولا تصدقون يقول تعالى ذكره لكفار قريش والمكذبين بالبعث: نحن خلقناكم أيها الناس ولم تكونوا شيئا، فأوجدناكم بشرا، فهلا تصدقون من فعل ذلك بكم في قيله لكم: إنه يبعثكم بعد مماتكم وبلاكم في قبوركم، كهيأتكم قبل مماتكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفرأيتم ما تمنون ئ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ئ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ئ على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث: أفرأيتم أيها المنكرون قدرة الله على إحيائكم من بعد مماتكم النطف التي تمنون في أرحام نسائكم، أأنتم تخلقون تلك أم نحن الخالقون. وقوله: نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين يقول تعالى ذكره: نحن قدرنا بينكم أيها الناس الموت، فعجلناه لبعض، وأخرناه عن بعض إلى أجل مسمى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25912 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله قدرنا بينكم الموت قال: المستأخر والمستعجل. وقوله: وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم، يقول تعالى ذكره: وما نحن بمسبوقين أيها الناس في أنفسكم وآجالكم، فمفتات علينا فيها في الامر الذي قدرناه لها من حياة وموت بل لا يتقدم شئ من أجلنا، ولا يتأخر عنه. وقوله: على أن نبدل أمثالكم يقول: على أن نبدل منكم أمثالكم بعد مهلككم فنجئ بآخرين من جنسكم. وقوله: وننشئكم فيما لا تعلمون يقول: ونبدلكم عما تعلمون من أنفسكم فيما لا تعلمون منها من الصور. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25913 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 257 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: وننشئكم في أي خلق شئنا القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد علمتم النشأة الاولى فلولا تذكرون ئ أفرأيتم ما تحرثون ئ أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد علمتم أيها الناس الاحداثة الاولى التي أحدثناكموها، ولم تكونوا من قبل ذلك شيئا. وبنحو الذين قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25914 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: النشأة الاولى قال: إذ لم تكونوا شيئا. 25915 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولقد علمتم النشأة الاولى يعني خلق آدم لست سائلا أحدا من الخلق إلا أنبأك أن الله خلق آدم من طين. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ولقد علمتم النشأة الاولى قال: هو خلق آدم. 25916 - حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال: ثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعت أبا عمران الجوني يقرأ هذه الآية ولقد علمتم النشأة الاولى قال: هو خلق آدم. وقوله: فلولا تذكرون يقول تعالى ذكره: فهلا تذكرون أيها الناس، فتعلموا أن الذي أنشأكم النشأة الاولى ولم تكونوا شيئا، لا يتعذر عليه أن يعيدكم من بعد مماتكم وفنائكم أحياء. وقوله: أفرأيتم ما تحرثون يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون يقول: أأنتم تصيرونه زرعا، أم نحن نجعله كذلك ؟ وقد: 25917 - حدثني أحمد بن الوليد القرشي، قال: ثنا مسلم بن أبي مسلم الحرمي،
[ 258 ]
قال: ثنا مخلد بن الحسين، عن هاشم، عن محمد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): لا تقولن زرعت ولكن قل حرثت قال أبو هريرة ألم تسمع إلى قول الله: أفرأيتم ما تحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ؟. القول في تأويل قوله تعالى: * (لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ئ إنا لمغرمون ئ بل نحن محرومون) *. يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الزرع الذي زرعناه حطاما، يعني هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء. وقوله: فظلتم تفكهون اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: 25918 - فظلتم تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم من المصيبة باحتراقه وهلاكه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فظلتم تفكهون قال: تعجبون. 25919 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فظلتم تفكهون قال: تعجبون. 25920 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، معمر، عن قتادة فظلتم تفكهون قال: تعجبون. وقال آخرون: معنى ذلك: فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم جل ثناؤه، حتى نالكم بما نالكم من إهلاك زرعكم. ذكر من قال ذلك: 25921 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: فظلتم تفكهون يقول: تلاومون. قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك بن حرب البكري، عن عكرمة فظلتم تفكهون قال: تلاومون.
[ 259 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجب لكم عقوبته، حتى نالكم في زرعكم ما نالكم. ذكر من قال ذلك: 25922 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثني ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن فظلتم تتفكهون قال: تندمون. 25923 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فظلتم تفكهون قال تندمون. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فظلتم تعجبون. ذكر من قال ذلك: 25924 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فظلتم تفكهون قال: تعجبون حين صنع بحرثكم ما صنع به، وقرأ قول الله عز وجل إنا لمغرمون بل نحن محرمون وقرأ قول الله: وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين قال: هؤلاء ناعمين، وقرأ قول الله جل ثناؤه: فأخرجناهم من جنات وعيون... إلى قوله: كانوا فيها فاكهين. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى فظلتم: فأقمتم تعجبون مما نزل بزرعكم وأصله من التفكه بالحديث إذا حدث الرجل الرجل بالحديث يعجب منه، ويلهى به، فكذلك ذلك. وكأن معنى الكلام: فأقمتم تتعجبون يعجب بعضكم بعضا مما نزل بكم. وقوله: إنا لمغرمون اختلف أهل التأويل في معناه، فقال بعضهم: إنا لمولع بنا. ذكر من قال ذلك: 25925 - حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي، قال: ثنا زيد بن الحباب، قال: أخبرني الحسين بن واقد، قال: ثني يزيد النحوي، عن عكرمة، في قول الله تعالى ذكره: إنا لمغرمون قال: إنا لمولع بنا.
[ 260 ]
25926 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال مجاهد، في قوله: إنا لمغرمون أي لمولع بنا. وقال آخرون: معنى ذلك: إنا لمعذبون. ذكر من قال ذلك: 25927 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إنا لمغرمون: أي معذبون وقال آخرون: بل معنى ذلك: إنا لملقون للشر. ذكر من قال ذلك: 25928 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنا لمغرمون قال: ملقون للشر. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إنا لمعذبون، وذلك أن الغرام عند العرب: العذاب ومنه قول الاعشى: إن يعاقب يكن غراما وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي يعني بقوله: يكن غراما: يكن عذابا. وفي الكلام متروك اكتفى بدلالة الكلام عليه، وهو: فظلتم تفكهون تقولون إنا لمغرمون، فترك تقولون من الكلام لما وصفنا. وقوله: بل نحن محرومون يعني بذلك تعالى ذكره أنهم يقولون: ما هلك زرعنا وأصبنا به من أجل إنا لمغرمون ولكنا قوم محرومون، يقول: إنهم غير مجدودين، ليس لهم جد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25929 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد بل نحن محرومون قال: حورفنا فحرمنا.
[ 261 ]
25930 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: بل نحن محرومون قال: أي محارفون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفرأيتم الماء الذي تشربون ئ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ئ لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس الماء الذي تشربون، ءأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الارض، أم نحن منزلوه لكم. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله المزن، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25931 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: من المزن قال السحاب. 25932 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: أأنتم أنزلتموه من المزن أي من السحاب. 25933 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: أأنتم أنزلتموه من المزن قال: المزن: السحاب اسمها، أنزلتموه من المزن، قال: السحاب. 25934 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: أنزلتموه من المزن قال: المزن: السماء والسحاب. وقوله: لو نشاء جعلناه أجاجا يقول تعالى ذكره: لو نشاء جعلنا ذلك الماء الذي أنزلناه لكم من المزن ملحا، وهو الاجاج، والاجاج من الماء: ما اشتدت ملوحته، يقول: لو نشاء فعلنا ذلك به فلم تنتفعوا به في شرب ولا غرس. ولا غرس ولا زرع. وقوله: فلولا تشكرون يقول تعالى ذكره: فهلا تشكرون ربكم على إعطائه ما أعطاكم من الماء العذب لشربكم ومنافعكم، وصلاح معايشكم، وتركه أن يجعله أجاجا لا تنتفعون به. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 262 ]
* (أفرأيتم النار التي تورون ئ أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ئ نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين) *. يقول تعالى ذكره: أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زندكم أأنتم أنشأتم شجرتها يقول: أأنتم أحدثتم شجرتها واخترعتم أصلها أم نحن المنشئون ؟ يقول: أم نحن اخترعنا ذلك وأحدثناه ؟. وقوله: نحن جعلناها تذكرة يقول: نحن جعلنا النار تذكرة لكم تذكرون بها نار جهنم، فتعتبرون وتتعظون بها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25935 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تذكرة قال: تذكرة النار الكبرى. 25936 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة للنار الكبرى. ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا: يا نبي الله إن كان لكافية، قال: قد ضربت بالماء ضربتين أو مرتين، ليستنفع بها بنوا آدم ويدنو منها.
[ 263 ]
25937 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد تذكرة قال: للنار الكبرى التي في الآخرة. وقوله: ومتاعا للمقوين اختلف أهل التأويل في معنى المقوين، فقال بعضهم: هم المسافرون. ذكر من قال ذلك: 25938 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: للمقوين قال: للمسافرين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ومتاعا للمقوين قال: يعني المسافرين. 25939 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومتاعا للمقوين قال للمرمل: المسافر. حدثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: للمقوين قال: للمسافرين. 25940 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ومتاعا للمقوين قال: للمسافرين. وقال آخرون: عني بالمقوين: المستمتعون بها. ذكر من قال ذلك: 25941 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قوله: ومتاعا للمقوين للمستمتعين الناس أجمعين. 25942 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد ومتاعا للمقوين للمستمتعين المسافر والحاضر. 25943 - حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب الشهيد، قال: ثنا عتاب بن بشر، عن خصيف في قوله: ومتاعا للمقوين قال: للخلق. وقال آخرون: بل عني بذلك: الجائعون. ذكر من قال ذلك: 25944 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، في قوله:
[ 264 ]
ومتاعا للمقوين قال: المقوي: الجائع. في كلام العرب، يقول: أقويت منه كذا وكذا: ما أكلت منه كذا وكذا شيئا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عني بذلك للمسافر الذي لازاد معه، ولا شئ له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها كما قال الشاعر: أقوى وأقفر من نعم وغيرها هوج الرياح بهابي الترب موار يعني بقوله: أقوى: خلا من سكانه، وقد يكون المقوي: ذا الفرس القوي، وذا المال الكثير في غير هذا الموضع. القول في تأويل قوله تعالى: * (فسبح باسم ربك العظيم ئ فلا أقسم بمواقع النجوم ئ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ئ إنه لقرآن كريم ئ في كتاب مكنون ئ لا يمسه إلا المطهرون ئ تنزيل من رب العالمين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فسبح يا محمد بذكر ربك العظيم، وتسميته. وقوله: فلا أقسم بمواقع النجوم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم فقال بعضهم: عني بقوله: فلا أقسم: أقسم. ذكر من قال ذلك: 25945 - حدثنا بن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن سعيد بن جبير فلا أقسم قال: أقسم. وقال بعض أهل العربية: معنى قوله: فلا فليس الامر كما تقولون ثم استأنف القسم بعد فقيل أقسم. وقوله: بمواقع النجوم اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فلا
[ 265 ]
أقسم بمنازل القرآن، وقالوا: أنزل القرآن على رسول الله (ص) نجوما متفرقة. ذكر من قال ذلك: 25946 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فرق في السنين بعد. قال: وتلا ابن عباس هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم قال: نزل متفرقا. 25947 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، في قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم قال: أنزل الله القرآن نجوما ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات. 25948 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرمة: إن القرآن نزل جميعا، فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل يأتي بالسورة، وإنما نزل جميعا في ليلة القدر. 25949 - حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن مجاهد فلا أقسم بمواقع النجوم قال: هو محكم القرآن. 25950 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم قال: مستقر الكتاب أوله وآخره. وقال آخرون: بل معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم. ذكر من قال ذلك: 25951 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بمواقع النجوم قال في السماء ويقال مطالعها ومساقطها. 25952 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم: أي مساقطها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: بمنازل النجوم. ذكر من قال ذلك: 25953 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فلا أقسم بمواقع النجوم قال: بمنازل النجوم.
[ 266 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بانتثار النجوم عند قيام الساعة. ذكر من قال ذلك: 25954 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فلا أقسم بمواقع النجوم قال: قال الحسن انكدارها وانتثارها يوم القيامة. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النجوم ومغايبها في السماء، وذلك أن المواقع جمع موقع، والموقع المفعل، من وقع يقع موقعا، فالاغلب من معانيه والاظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة بموقع على التوحيد، وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين بمواقع: على الجماع. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان معروفتان بمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقوله: وإنه لقسم لو تعلمون عظيم يقول تعالى ذكره وإن هذا القسم الذي أقسمت لقسم لو تعلمون ما هو، وما قدره، قسم عظيم من المؤخر الذي معناه التقديم، وإنما هو: وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه. وقوله: إنه لقرآن كريم يقول تعالى ذكره: فلا أقسم بمواقع النجوم أن هذا القرآن لقرآن كريم، والهاء في قوله: إنه من ذكر القرآن. وقوله: في كتاب مكنون يقول تعالى ذكره: هو في كتاب مصون عند الله لا يمسه شئ من أذى من غبار ولا غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25955 - حدثني إسماعيل بن موسى، قال: أخبرنا شريك، عن حكيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس لا يمسه إلا المطهرون الكتاب الذي في السماء. 25956 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: في كتاب مكنون قال: القرآن في كتابه المكنون الذي لا يمسه شئ من تراب ولا غبار.
[ 267 ]
25957 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: لا يمسه إلا المطهرون زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد، فأخبرهم الله أنها لا تقدر على ذلك، ولا تستطيعه، وما ينبغي لهم أن ينزلوا بهذا، وهو محجوب عنهم، وقرأ قول الله: وما ينبغي لهم وما يستطيعون إنهم عن السمع لمعزولون. 25958 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جابر بن زيد وأبي نهيك، في قوله: في كتاب مكنون قال: هو كتاب في السماء. قوله: لا يمسه إلا المطهرون يقول تعالى ذكره: لا يمس ذلك الكتاب المكنون إلا الذين قد طهرهم الله من الذنوب. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله: إلا المطهرون فقال بعضهم: هم الملائكة. ذكر من قال ذلك: 25959 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: إذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة، فلا يمسه إلا المطهرون، قال: يعني الملائكة. 25960 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة الذين في السماء. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن الربيع بن أبي راشد، عن سعيد بن جبير. لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة. 25961 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله، يعني العتكي، عن جبار بن زيد وأبي نهيك في قوله: لا يمسه إلا المطهرون يقول: الملائكة. 25962 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة لا يمسه إلا المطهرون قال الملائكة.
[ 268 ]
25963 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يمسه إلا المطهرون قال الملائكة. 25964 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم، عن أبي العالية لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة. وقال آخرون: هم حملة التوراة. والانجيل. ذكر من قال ذلك: 25965 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة لا يمسه إلا المطهرون قال: حملة التوراة والانجيل. وقال آخرون في ذلك: هم الذين قد طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل. ذكر من قال ذلك: 25966 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان، قال: أخبرنا عاصم الاحول، عن أبي العالية الرياحي، في قوله: لا يمسه إلا المطهرون قال: ليس أنتم، أنتم أصحاب الذنوب. 25967 - حدثني يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: لا يمسه إلا المطهرون قال: الملائكة والانبياء والرسل التي تنزل به من عند الله مطهرة، والانبياء مطهرة، فجبريل ينزل به مطهر، والرسل الذين تجيئهم به مطهرون فذلك قوله: لا يمسه إلا المطهرون والملائكة والانبياء والرسل من الملائكة، والرسل من بني آدم، فهؤلاء ينزلون به مطهرون، وهؤلاء يتلونه على الناس مطهرون، وقرأ قول الله بأيدي سفرة كرام بررة قال: بأيدي الملائكة الذين يحصون على الناس أعمالهم. وقال آخرون: عنى بذلك: أنه لا يمسه عند الله إلا المطهرون. ذكر من قال ذلك: 25968 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يمسه إلا المطهرون ذاكم عند رب العالمين، فأما عندكم فيمسه المشرك النجس، والمنافق الرجس. 25969 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قوله:
[ 269 ]
لا يمسه إلا المطهرون قال لا يمسه عند الله إلا المطهرون، فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس، والمنافق الرجس. وقال في حرف ابن مسعود ما يمسه إلا المطهرون. والصواب من القول من ذلك عندنا، أن الله جل ثناؤه، أخبر أن لا يمس الكتاب المكنون إلا المطهرون فعم بخبره المطهرين، ولم يخصص بعضا دون بعض فالملائكة من المطهرين، والرسل والانبياء من المطهرين وكل من كان مطهرا من الذنوب، فهو ممن استثني، وعني بقوله: إلا المطهرون. وقوله: تنزيل من رب العالمين يقول: هذا القرآن تنزيل من رب العالمين، نزله من الكتاب المكنون. كما: 25970 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبيد الله العتكي، عن جابر بن زيد وأبي نهيك، في قوله: تنزيل من رب العالمين قال: القرآن من ذلك الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ئ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ئ فلولا إذا بلغت الحلقوم ئ وأنتم حينئذ تنظرون ئ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) *. يقول تعالى ذكره: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره، وقصصت عليكم أمره أيها الناس أنتم تلينون القول للمكذبين به، ممالاة منكم لهم على التكذيب به والكفر. واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم في ذلك نحو قولنا فيه. ذكر من قال ذلك: 25971 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: أفبهذا الحديث أنتم مدهنون قال: تريدون أن تمالئوهم فيه، وتركنوا إليهم. وقال آخرون: بل معناه: أفبهذا الحديث أنتم مكذبون. ذكر من قال ذلك: 25972 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 270 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أفبهذا الحديث أنتم مدهنون يقول: مكذبون غير مصدقين. 25973 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: أنتم مدهنون يقول: مكذبون. وقوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون يقول: وتجعلون شكر الله على رزقه إياكم التكذيب، وذلك كقول القائل الآخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي، بمعنى: جعلت: شكر إحساني، أو ثواب إحساني إليك إساءة منك إلي. وقد ذكر عن الهيثم بن عدي: أن من لغة أزد شنوءة: ما رزق فلان: بمعنى ما شكر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل على اختلاف فيه منهم. ذكر من قال ذلك: 25974 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، قال: ثني عبد الاعلى الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رضي الله عنه وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: شكركم. 25975 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن عبد الاعلى الثعلبي، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي رفعه وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: شكركم تقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا.
[ 271 ]
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا يحيى بن أبي بكر، عن إسرائيل، عن عبد الاعلى، عن أبي عبد الرحمن، عن علي، عن النبي (ص) قال: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: شكركم أنكم تكذبون، قال: يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ما مطر قوم قط إلا أصبح بعضهم كافرا، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وقرأ ابن عباس وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن عطية، قال: ثنا معاذ بن سليمان، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه كان يقرأ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ثم قال: ما مطر الناس ليلة قط، إلا أصبح بعض الناس مشركين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا. قال: وقال وتجعلون شكركم أنكم تكذبون. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وتجعلون رزقكم يقول: شكركم على ما أنزلت عليكم من الغيث والرحمة تقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا قال: فكان ذلك منهم كفرا بما أنعم عليهم. 25977 - حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن إسماعيل بن أمية، قال: أحسبه أو غيره أن رسول الله (ص) سمع رجلا ومطروا يقول: مطرنا ببعض عثانين الاسد، فقال: كذبت بل هو رزق الله. 25978 - حدثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: إن الله ليصبح القوم بالنعمة، أو يمسيهم بها، فيصبح بها قوم كافرين يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا قال محمد: فذكرت هذا الحديث لسعيد بن المسيب، فقال: ونحن قد سمعنا من أبي هريرة، وقد أخبرني من شهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يستسقي، فلما استسقى التفت إلى العباس فقال: يا عباس يا عم رسول الله (ص)، كم بقي من نوء الثريا ؟ فقال: العلماء بها يزعمون أنها تعترض في الافق بعد سقوطها سبعا، قال: فما مضت سابعة حتى مطروا. 25979 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عبد الاعلى، عن أبي
[ 272 ]
عبد الرحمن، عن علي وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: كان يقرأها وتجعلون شكركم أنكم تكذبون يقول: جعلتم رزق الله بنوء النجم، وكان رزقهم في أنفسهم بالانواء أنواء المطر إذا نزل عليهم المطر، قالوا: رزقنا بنوء كذا وكذا، وإذا أمسك عنهم كذبوا، فذلك تكذيبهم. 25980 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن عطاء الخراساني، في قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: كان ناس يمطرون فيقولون: مطرنا بنوء كذا، مطرنا بنوء كذا. 25981 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال: قولهم في الانواء: مطرنا بنوء كذا ونوء كذا، يقول: قولوا هو من عند الله وهو رزقه. 25982 - حدثت، عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون يقول: جعل الله رزقكم في السماء، وأنتم تجعلونه في الانواء. 25983 - حدثني أبو صالح الصراري، قال: ثنا أبو جابر محمد بن عبد الملك الازدي قال: ثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم بن أبي أمامة، عن النبي (ص) قال: ما مطر قوم من ليلة إلا أصبح قوم بها كافرين، ثم قال: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون يقول قائل مطرنا بنجم كذا وكذا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: وتجعلون حظكم منه التكذيب. ذكر من قال ذلك: 25984 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أما الحسن فكان يقول: بئسما أخذ قوم لانفسهم لم يرزقوا من كتاب الله إلا التكذيب به. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب.
[ 273 ]
وقوله: فلولا إذا بلغت الحلقوم يقول تعالى ذكره: فهلا إذا بلغت النفوس عند خروجها من أجسادكم أيها الناس حلاقيمكم وأنتم حينئذ تنظرون يقول ومن حضرهم منكم من أهليهم حينئذ إليهم ينظر، وخرج الخطاب ها هنا عاما للجميع، والمراد به: من حضر الميت من أهله وغيرهم وذلك معروف من كلام العرب وهو أن يخاطب الجماعة بالفعل، كأنهم أهله وأصحابه، والمراد به بعضهم غائبا كان أو شاهدا، فيقول: قتلتم فلانا، والقاتل منهم واحد، إما غائب، وإما شاهد. وقد بينا نظائر ذلك في مواضع كثيرة من كتابنا هذا. يقول: ونحن أقرب إليه منكم يقول: ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم، ولكن لا تبصرون. وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول: قيل فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون كأنه قد سمع منهم، والله أعلم: إنا نقدر على أن لا نموت، فقال: فلولا إذا بلغت الحلقوم، ثم قال فلولا إن كنتم غير مدينين أي غير مجزيين ترجعون تلك النفوس وأنتم ترون كيف تخرج عند ذلك إن كنتم صادقين بأنكم تمتنعون من الموت. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلولا إن كنتم غير مدينين ئ ترجعونها إن كنتم صادقين ئ فأما إن كان من المقربين ئ فروح وريحان وجنات نعيم) *. يقول تعالى ذكره: فهلا إن كنتم أيها الناس غير مدينين. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: مدينين فقال بعضهم: غير محاسبين. ذكر من قال ذلك: 25985 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: فلولا إن كنتم غير مدينين يقول: غير محاسبين. 25986 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: غير مدينين قال: محاسبين.
[ 274 ]
25987 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فلولا إن كنتم غير مدينين: أي محاسبين. 25988 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: فلولا إن كنتم غير مدينين قال: كانوا يجحدون أن يدانوا بعد الموت، قال: وهو مالك يوم الدين، يوم يدان الناس بأعمالهم، قال: يدانون: يحاسبون. 25989 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: فلولا إن كنتم غير مدينين قال: غير محاسبين. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، عن قتادة فلولا إن كمتم غير مدينين قال: غير مبعوثين، غير محاسبين. وقال آخرون: معناه: غير مبعوثين. ذكر من قال ذلك: 25990 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن فلولا إن كنتم غير مدينين غير مبعوثين يوم القيامة، ترجعونها إن كنتم صادقين. وقال آخرون: بل معناه: غير مجزيين بأعمالكم. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: غير محاسبين فمجزيين بأعمالكم من قولهم: كما تدين تدان، ومن قول الله: مالك يوم الدين. وقوله: ترجعونها إن كنتم صادقين يقول: تردون تلك النفوس من بعد مصيرها إلى الحلاقيم إلى مستقرها من الاجساد إن كنتم صادقين، إن كنتم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة، وجواب قوله: فلولا إذا بلغت الحلقوم، وجواب قوله: فلولا إن كنتم غير مدينين جواب واحد وهو قوله: ترجعونها وذلك نحو قوله: فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم جعل جواب الجزاءين جوابا واحدا. وبنحو الذي قلنا في قوله: ترجعونها قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 25991 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ترجعونها قال: لتلك النفس إن كنتم صادقين. وقوله: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان يقول تعالى ذكره: فأما إن كان
[ 275 ]
الميت من المقربين الذين قربهم الله من جواره في جنانه فروح وريحان يقول: فله روح وريحان. واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار فروح بفتح الراء، بمعنى: فله برد. وريحان يقول: ورزق واسع في قول بعضهم، وفي قول آخرين فله راحة وريحان وقرأ ذلك الحسن البصري فروح بضم الراء، بمعنى: أن روحه تخرج في ريحانة. وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بالفتح لاجماع الحجة من القراء عليه، بمعنى: فله الرحمة والمغفرة، والرزق الطيب الهني. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: فروح وريحان فقال بعضهم: معنى ذلك: فراحة ومستراح. ذكر من قال ذلك: 25992 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس فروح وريحان يقول: راحة ومستراح. 25993 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان قال: يعني بالريحان: المستريح من الدنيا وجنة نعيم يقول: مغفرة ورحمة. وقال آخرون: الروح: الراحة، والريحان: الرزق. ذكر من قال ذلك: 25994 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: فروح وريحان قال: راحة. وقوله: وريحان قال: الرزق. وقال آخرون: الروح: الفرح، والريحان: الرزق. ذكر من قال ذلك: 25995 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا إدريس، قال: سمعت أبي، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، في قوله: فروح وريحان قال: الروح: الفرح، والريحان: الرزق. وأما الذين قرأوا ذلك بضم الراء فإنهم قالوا: الروح: هي روح الانسان، والريحان: هو الريحان المعروف. وقالوا: معنى ذلك: أن أرواح المقربين تخرج من أبدانهم عند الموت بريحان تشمه. ذكر من قال ذلك:
[ 276 ]
25996 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، عن أبيه، عن الحسن فروح وريحان قال: تخرج روحه في ريحانة. 25997 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية فأما إن كان من المقربين قال: لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا، والمقربون السابقون، حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه، ثم يقبض. وقال آخرون ممن قرأ ذلك بفتح الراء: الروح: الرحمة، والريحان: الريحان المعروف. ذكر من قال ذلك: 25998 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فروح وريحان قال: الروح: الرحمة، والريحان: يتلقى به عند الموت. وقال آخرون منهم: الروح: الرحمة، والريحان: الاستراحة. ذكر من قال ذلك: 25999 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول فروح وريحان الروح: المغفرة والرحمة، والريحان: الاستراحة. 26000 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن أبيه، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خثيم فأما إن كان من المقربين قال: هذا عند الموت فروح وريحان قال: يجاء له من الجنة. 26001 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله: فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم قال: ذلك في الآخرة، فقال له بعض القوم قال: أما والله إنهم ليرون عند الموت. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا حماد، قال: ثنا قرة، عن الحسن، بمثله. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي: قول من قال: عني بالروح: الفرح والرحمة والمغفرة، وأصله من قولهم: وجدت روحا: إذا وجد نسيما يستروح إليه من كرب الحر. وأما الريحان، فإنه عندي الريحان الذي يتلقى به عند الموت، كما قال أبو العالية والحسن، ومن قال في ذلك نحو قولهما، لان ذلك الاغلب والاظهر من معانيه. وقوله: وجنة نعيم يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.
[ 277 ]
26002 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وجنة نعيم، قال: قد عرضت عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأمآ إن كان من أصحاب اليمين ئ فسلام لك من أصحاب اليمين ئ وأمآ إن كان من المكذبين الضالين ئ فنزل من حميم ئ وتصلية جحيم) *. يقول تعالى ذكره: وأما إن كان الميت من أصحاب اليمين الذين يؤخذ بهم إلى الجنة من ذات أيمانهم فسلام لك من أصحاب اليمين. ثم اختلف في معنى قوله: فسلام لك من أصحاب اليمين فقال أهل التأويل فيه ما: 26003 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلام من عند الله، وسلمت عليه ملائكة الله. 26004 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين قال: سلم مما يكره. وأما أهل العربية، فإنهم اختلفوا في ذلك، فقال بعض نحويي البصرة وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين: أي فيقال سلم لك. وقال بعض نحويي الكوفة: قوله: فسلام لك من أصحاب اليمين: أي فذلك مسلم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أن ونوى معناها، كما تقول: أنت مصدق مسافر عن قليل، إذا كان قد قال: إني مسافر عن قليل، وكذلك يجب معناه أنك مسافر عن قليل، ومصدق عن قليل. قال: وقوله: فسلام لك معناه: فسلم لك أنت من أصحاب اليمين. قال: وقد يكون كالدعاء له، كقوله: فسقيا لك من الرجال. قال: وإن رفعت السلام فهو دعاء، والله أعلم بصوابه. وقال آخر منهم قوله: فأما إن كان من المقربين فإنه جمع بين جوابين، ليعلم أن أما جزاء. قال: وأما قوله: فسلام لك من أصحاب اليمين قال: وهذا أصل الكلمة
[ 278 ]
مسلم لك هذا، ثم حذفت أن وأقيم من مقامها. قال: وقد قيل: فسلام لك أنت من أصحاب اليمين، فهو على ذاك: أي سلام لك، يقال: أنت من أصحاب اليمين، وهذا كله على كلامين. قال: وقد قيل مسلم: أي كما تقول: فسلام لك من القوم، كما تقول: فسقيا لك من القوم، فتكون كلمة واحدة. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فسلام لك إنك من أصحاب اليمين، ثم حذفت واجتزئ بدلالة من عليها منها، فسلمت من عذاب الله، ومما تكره، لانك من أصحاب اليمين. وقوله: وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم يقول تعالى: وأما إن كان الميت من المكذبين بآيات الله، الجائرين عن سبيله، فله نزل من حميم قد أغلي حتى انتهى حره، فهو شرابه. وتصلية جحيم يقول: وحريق النار يحرق بها والتصلية: التفعلة من صلاة الله النار فهو يصليه تصلية، وذلك إذا أحرقه بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن هذا لهو حق اليقين ئ فسبح باسم ربك العظيم) *. يقول تعالى ذكره: إن هذا الذي أخبرتكم به أيها الناس من الخبر عن المقربين وأصحاب اليمين، وعن المكذبين الضالين، وما إليه صائرة أمورهم لهو حق اليقين يقول: لهو الحق من الخبر اليقين لا شك فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26005 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إن هذا لهو حق اليقين قال: الخبر اليقين. 26006 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين حتى ختم، إن الله تعالى ليس تاركا أحدا من خلقه حتى يوقفه على اليقين من هذا القرآن. فأما المؤمن فأيقن في الدنيا، فنفعه ذلك يوم القيامة. وأما الكافر، فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه. واختلف أهل العربية في وجه إضافة الحق إلى اليقين، والحق يقين، فقال بعض
[ 279 ]
نحويي البصرة، قال: حق اليقين، فأضاف الحق إلى اليقين، كما قال: ذلك دين القيمة: أي ذلك دين الملة القيمة، وذلك حق الامر اليقين. قال: وأما هذا رجل السوء، فلا يكون فيه هذا الرجل السوء، كما يكون في الحق اليقن، لان السوء ليس بالرجل، واليقين هو الحق. وقال بعض أهل الكوفة: اليقين نعت للحق، كأنه قال: الحق اليقين، والدين القيم، فقد جاء مثله في كثير من الكلام والقرآن ولدار الآخرة والدار الآخرة قال: فإذا أضيف توهم به غير الاول. وقوله: فسبح باسم ربك العظيم يقول تعالى ذكره: فسبح بتسمية ربك العظيم بأسمائه الحسنى. آخر تفسير سورة الواقعة
[ 280 ]
سورة الحديد (67) سورة الحديد مدنية أو آياتها تسع وعشرون القول في تفسير السورة التي يذكر فيها الحديد: أبسم الله الرحمن الرحيمأ القول في تأويل قوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم ئ له ملك السماوات والارض يحيي ويميت وهو على كل شئ قدير) *. يعني تعالى ذكره بقوله: سبح لله ما في السموات والارض أن كل ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له، وإقرارا بربوبيته، وإذعانا لطاعته، كما قال جل ثناؤه: تسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول: ولكنه جل جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه، فخالف أمره مما في السموات والارض من خلقه الحكيم في تدبيره أمرهم، وتصريفه إياهم فيما شاء وأحب. وقوله: له ملك السموات والارض يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والارض وما فيهن ولا شئ فيهن يقدر على الامتناع منه، وهو في جميعهم نافذ الامر، ماضي الحكم. وقوله: يحيي ويميت يقول يحيي ما يشاء من الخلق بأن يوجده كيف يشاء، وذلك بأن يحدث من النطفة الميتة حيوانا بنفخ الروح فيها من بعد تارات يقلبها فيها، ونحو
[ 281 ]
ذلك من الاشياء، ويميت ما يشاء من الاحياء بعد الحياة بعد بلوغه أجله فيفنيه وهو على كل شئ قدير يقول جل ثناؤه: وهو على كل شئ ذو قدرة، لا يتعذر عليه شئ أراده، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وغير ذلك من الامور. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم ئ هو الذي خلق السماوات والارض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير) *. يقول تعالى ذكره: هو الاول قبل كل شئ بغير حد والآخر يقول: والآخر بعد كل شئ بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لانه كان ولا شئ موجود سواه، وهو كائن بعد فناء الاشياء كلها، كما قال جل ثناؤه: كل شئ هالك إلا وجهه. وقوله: والظاهر يقول: وهو الظاهر عل كل شئ دونه، وهو العالي فوق كل شئ، فلا شئ أعلى منه والباطن يقول: وهو الباطن جميع الاشياء، فلا شئ أقرب إلى شئ منه، كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الخبر عن رسول الله (ص)، وقال به أهل التأويل. ذكر من قال ذلك، والخبر الذي روي فيه: 26007 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هو الاول والآخر والظاهر والباطن ذكر لنا أن نبي الله (ص) بينما هو جالس في أصحابه، إذ ثار عليهم سحاب، فقال: هل تدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها الرقيع موج مكفوف، وسقف محفوظ، قال: فهل تدرون كم بينكم وبينها ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم ؟ قال: مسيرة خمس مئة سنة، قال: فهل تدرون ما فوق ذلك ؟ فقالوا مثل ذلك، قال: فوقها سماء أخرى وبينهما مسيرة خمس مئة سنة، قال: هل تدرون ما فوق ذلك ؟ فقالوا مثل قولهم الاول، قال: فإن فوق ذلك العرش، وبينه وبين السماء السابعة مثل ما بين
[ 282 ]
السماءين، قال: هل تدرون ما التي تحتكم ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم قال: فإنها الارض، قال: فهل تدرون ما تحتها ؟ قالوا له مثل قولهم الاول، قال: فإن تحتها أرضا أخرى، وبينهما مسيرة خمس مئة سنة، حتى عد سبع أرضين، بين كل أرضين مسيرة خمس مئة سنة، ثم قال: والذي نفس محمد بيده، لو دلي أحدكم بحبل إلى الارض الاخرى لهبط على الله، ثم قرأ هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم. وقوله: وهو بكل شئ عليم يقول تعالى ذكره: وهو بكل شئ ذو علم، لا يخفى عليه شئ، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا في كتاب مبين. وقوله: هو الذي خلق السموات والارض في ستة أيام يقول تعالى ذكره: هو الذي أنشأ السموات السبع والارضين، فدبرهن وما فيهن، ثم استوى على عرشه، فارتفع عليه وعلا. وقوله: يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها يقول تعالى ذكره مخبرا عن صفته، وأنه لا يخفى عليه خافية من خلقه يعلم ما يلج في الارض من خلقه. يعني بقوله: يلج: يدخل وما يخرج منها وما ينزل من السماء إلى الارض من شئ قط وما يعرج فيها فيصعد إليها من الارض وهو معكم أينما كنتم يقول: وهو شاهد لكم أيها الناس أينما كنتم يعلمكم، ويعلم أعمالكم، ومتقلبكم ومثواكم، وهو على عرشه فوق سمواته السبع والله بما تعملون بصير يقول: والله بأعمالكم التي تعملونها من حسن وسيئ، وطاعة ومعصية، ذو بصر، وهو لها محص، ليجازي المحسن منكم بإحسانه، والمسئ بإساءته يوم تجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 283 ]
* (له ملك السماوات والارض وإلى الله ترجع الامور ئ يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور) *. يقول تعالى ذكره: له سلطان السموات والارض نافذ في جميعهن، وفي جميع ما فيهن أمره وإلى الله ترجع الامور يقول جل ثناؤه: وإلى الله مصير أمور جميع خلقه، فيقضي بينهم بحكمه. وقوله: يولج الليل في النهار يعني بقوله: يولج الليل في النهار يدخل ما نقص من ساعات الليل في النهار، فيجعله زيادة في ساعاته ويولج النهار في الليل يقول: ويدخل ما نقص من ساعات النهار في الليل، فيجعله زيادة في ساعات الليل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: وقد ذكرنا الرواية بما قالوا فيما مضى من كتابنا هذا، غير أن نذكر في هذا الموضع بعض ما لم نذكر هنالك إن شاء الله تعالى: 26008 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة، في قوله: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل قال: قصر هذا في طول هذا، وطول هذا في قصر هذا. 26009 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن إبراهيم، في قوله: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل قال: دخول الليل في النهار، ودخول النهار في الليل. 26010 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن إبراهيم، في قوله: يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل قال: قصر أيام الشتاء في طول ليله، وقصر ليل الصيف في طول نهاره. وقوله: وهو عليم بذات الصدور يقول: وهو ذو علم بضمائر صدور عباده، وما عزمت عليه نفوسهم من خير أو شر، أو حدثت بهما أنفسهم، لا يخفى عليه من ذلك خافية. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 284 ]
* (آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) *. يقول تعالى ذكره: آمنوا بالله أيها الناس، فأقروا بوحدانيته وبرسوله محمد (ص) فصدقوه فيما جاءكم به من عند الله واتبعوه، وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه، يقول جل ثناؤه: وأنفقوا مما خولكم الله من المال الذي أورثكم عمن كان قبلكم، فجعلكم خلفاءهم فيه في سبيل الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26011 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: مستخلفين فيه قال: المعمرين فيه بالرزق. وقوله: فالذين آمنوا منكم وأنفقوا يقول: فالذين آمنوا بالله ورسوله منكم أيها الناس وأنفقوا مما خولهم الله عمن كان قبلهم ورزقهم من المال في سبيل الله لهم أجر كبير يقول: لهم ثواب عظم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين) *. يقول تعالى ذكره: وما لكم لا تؤمنون بالله، وما شأنكم أيها الناس لا تقرون بوحدانية الله، ورسوله محمد (ص) يدعوكم إلى الاقرار بوحدانيته، وقد أتاكم من الحجج على حقيقة ذلك، ما قطع عذركم، وأزال الشك من قلوبكم، وقد أخذ ميثاقكم، قيل: عني بذلك وقد أخذ منكم ربكم ميثاقكم في صلب آدم، بأن الله ربكم لا إله لكم سواه. ذكر من قال ذلك: 26012 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وقد أخذ ميثاقكم قال: في ظهر آدم. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق غير أبي عمرو
[ 285 ]
وقد أخذ ميثاقكم بفتح الالف من أخذ ونصب الميثاق، بمعنى: وقد أخذ ربكم ميثاقكم. وقرأ ذلك أبو عمرو: وقد أخذ ميثاقكم بضم الالف ورفع الميثاق، على وجه ما لم يسم فاعله. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كان فتح الالف من أخذ ونصب الميثاق أعجب القراءتين إلي في ذلك لكثرة القرأة بذلك، وقلة القراء بالقراءة الاخرى. وقوله: إن كنتم مؤمنين يقول: إن كنتم تريدون أن تؤمنوا بالله يوما من الايام، فالآن أحرى الاوقات، أن تؤمنوا لتتابع الحجج عليكم بالرسول وإعلامه، ودعائه إياكم إلى ما قد تقررت صحته عندكم بالاعلام والادلة والميثاق المأخوذ عليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرءوف رحيم) *. يقول تعالى ذكره: الله الذي ينزل على عبده محمد آيات بينات يعني مفصلات ليخرجكم من الظلمات إلى النور يقول جل ثناؤه: ليخرجكم أيها الناس من ظلمة الكفر إلى نور الايمان، ومن الضلالة إلى الهدى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26013 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: من الظلمات إلى النور قال: من الضلالة إلى الهدى. وقوله: وإن الله بكم لرءوف رحيم يقول تعالى ذكره: وإن الله بإنزاله على عبده ما أنزل عليه من الآيات البينات لهدايتكم، وتبصيركم الرشاد، لذو رأفة بكم ورحمة، فمن رأفته ورحمته بكم فعل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 286 ]
* (وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والارض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير) *. يقول تعالى ذكره: وما لكم أيها الناس لا تنفقوا مما رزقكم الله في سبيل الله وإلى الله صائر أموالكم إن لم تنفقوها في حياتكم في سبيل الله، لان له ميراث السموات والارض، وإنما حثهم جل ثناؤه بذلك على حظهم، فقال لهم: أنفقوا أموالكم في سبيل الله، ليكون ذلكم لكم ذخرا عند الله من قبل أن تموتوا، فلا تقدروا على ذلك، وتصير الاموال ميراثا لمن له السموات والارض. وقوله: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل. اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكة وهاجر. ذكر من قال ذلك: 26014 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل قال: آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح يقول: من آمن. 26015 - قال: ثنا مهران، عن سفيان، قال: يقول غير ذلك. وقال آخرون: عني بالفتح فتح مكة، وبالنفقة: النفقة في جهاد المشركين. ذكر من قال ذلك: 26016 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى قال: كان قتالان، أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما
[ 287 ]
أفضل من الاخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح فتح مكة أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: من قبل الفتح قال: فتح مكة. 26017 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عبد الله بن عياش، قال: قال زيد بن أسلم في هذه الآية لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح قال: فتح مكة. وقال آخرون: عني بالفتح في هذا الموضع: صلح الحديبية. ذكر من قال ذلك: 26018 - حدثني إسحاق بن شاهين، قال: ثنا خالد بن عبد الله، عن داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، يقول تعالى ذكره: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل... الآية. 26019 - حدثني حميد بن مسعدة، قال: ثنا بشر بن المفضل، قال: ثنا داود، عن عامر، في هذه الآية، قوله: لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل قال: فتح الحديبية، قال: فصل ما بين العمرتين فتح الحديبية. 26020 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية. وأنزلت لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح... إلى والله بما تعملون خبير فقالوا: يا رسول الله فتح هو ؟ قال: نعم عظيم. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، قال: فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية، ثم تلا هنا الآية لا يستوي منكم... الآية. 26021 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال لنا رسول الله (ص) عام الحديبية: يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا: من هم يا رسول الله، أقريش هم ؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوبا، فقلنا: هم خير منا يا رسول الله، فقال: لو كان لاحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه،
[ 288 ]
ألا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس، لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح... الآية، إلى قوله: والله بما تعملون خبير. حدثني ابن البرقي، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن أبي سعيد التمار، أن رسول الله (ص) قال: يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، فقلنا: من هم يا رسول الله، أقريش ؟ قال: لا، هم أرق أفئدة وألين قلوبا، وأشار بيده إلى اليمن، فقال: هم أهل اليمن، ألا إن الايمان يمان، والحكمة يمانية فقلنا: يا رسول الله هم خير منا ؟ قال: والذي نفسي بيده لو كان لاحدهم جبل ذهب ينفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، ثم جمع أصابعه، ومد خنصره وقال: إلا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: معنى ذلك لا يستوي منكم أيها الناس من أنفق في سبيل الله من قبل فتح الحديبية للذي ذكرنا من الخبر عن رسول الله (ص)، الذي رويناه عن أبي سعيد الخدري عنه، وقاتل المشركين بمن أنفق بعد ذلك، وقاتل وترك ذكر من أنفق بعد ذلك، وقاتل استغناء بدلالة الكلام الذي ذكر عليه من ذكره أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية، وقاتلوا المشركين أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك، وقاتلوا. وقوله: وكلا وعد الله الحسنى يقول تعالى ذكره: وكل هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله، وقتالهم أعداءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26022 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد من الذين أنفقوا وآمنوا وكلا وعد الله الحسنى قال: الجنة. 26023 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكلا وعد الله الحسنى قال: الجنة.
[ 289 ]
وقوله: والله بما تعملون خبير يقول تعالى ذكره: والله بما تعملون من النفقة في سبيل الله، وقتال أعدائه، وغير ذلك من أعمالكم التي تعملون، خبير لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيكم على جميع ذلك يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم) *. يقول تعالى ذكره: من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا محتسبا في نفقته مبتغيا ما عند الله، وذلك هو القرض الحسن، يقول: فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه، بإنفاقه في سبيله، فيجعل له بالواحدة سبع مئة. وكان بعض نحويي البصرة يقول في قوله: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فهو كقول العرب: لي عندك قرض صدق، وقرض سوء إذا فعل به خيرا وأنشد ذلك بيتا للشنفري: سنجزي سلامان بن مفرج قرضها بما قدمت أيديهم فأزلت وله أجر كريم يقول: وله ثواب وجزاء كريم، يعني بذلك الاجر: الجنة، وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم) *. اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم فقال بعضهم: معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضئ نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. ذكر من قال ذلك: 26024 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يوم ترى
[ 290 ]
المؤمنين والمؤمنات... الآية، ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: من المؤمنين من يضئ نوره منع المدينة إلى عدن أبين فصنعاء، فدون ذلك، حتى إن من المؤمنين من لا يضئ نوره إلا موضع قدميه. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، بنحوه. 26025 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي يذكر عن المنهال، عن عمرو، عن قيس بن سكن، عن عبد الله، قال: يؤتون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم، وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقد مرة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم، وبأيمانهم: كتبهم. ذكر من قال ذلك: 26026 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم: كتبهم، يقول الله: فأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما نورهم فهداهم. وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك، وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف، لم يخص عنه الخبر بالسعي بين الايدي والايمان دون الشمائل، لان ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضئ لهم جميع ما حولهم، وفي خصوص الله جل ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل، ما يدل على أنه معني به غير الضياء، وإن كانوا لا يخلون من الضياء. فتأويل الكلام إذ كان الامر على ما وصفنا: وكلا وعد الله الحسنى يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير. ويعني بقوله: يسعى يمضي، والباء في قوله: وبأيمانهم بمعنى في. وكان بعض نحويي البصرة يقول: الباء في قوله: وبأيمانهم بمعنى على أيمانهم.
[ 291 ]
وقوله: يوم ترى من صلة وعد. وقوله: بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الانهار يقول تعالى ذكره يقال لهم: بشارتكم اليوم أيها المؤمنون التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الانهار، فأبشروا بها. وقوله: خالدين فيها يقول: ماكثين في الجنات، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون. وقوله: ذلك هو الفوز العظيم يقول: خلودهم في الجنات التي وصفها هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب الله، ودخول الجنة خالدين فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ئ ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) *. يقول تعالى ذكره: هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله: انظرونا. واختلفت القراء في قراءة قوله: انظرونا فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انظرونا موصولة بمعنى: انتظرونا، وقرأته عامة قراء الكوفة أنظرونا مقطوعة الالف من أنظرت بمعنى: أخرونا، وذكر الفراء أن العرب تقول: أنظرني وهم يريدون: انتظرني قليلا وأنشد في ذلك بيت عمرو بن كلثوم: أبا هند فلا تعجل علينا وأنظرنا نخبرك اليعقينا
[ 292 ]
قال: فمعنى هذا: انتظرنا قليلا نخبرك، لانه ليس ها هنا تأخير، إنما هو استماع كقولك للرجل: اسمع مني حتى أخبرك. والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل، لان ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى، فيقال: أنظرونا، بفتح الالف وهمزها. وقوله: نقتبس من نوركم يقول: نستصبح من نوركم، والقبس: الشعلة. وقوله: قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا يقول جل ثناؤه: فيجابون بأن يقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم، واطلبوا لانفسكم هنالك نورا، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26027 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يوم يقول المنافقون والمنافقات... إلى قوله: وبئس المصير قال ابن عباس: بينما الناس في ظلمة، إذ بعث الله نورا فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا، تبعوهم، فأظلم الله على المنافقين، فقالوا حينئذ: انظرونا نقتبس من نوركم، فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون: ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة، فالتمسوا هنالك النور. حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا... الآية، كان ابن عباس يقول: بينما الناس في ظلمة، ثم ذكر نحوه. وقوله: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب يقول تعالى ذكره: فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 293 ]
26028 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: بسور له باب قال: كالحجاب في الاعراف. 26029 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فضرب بينهم بسور له باب السور: حائط بين الجنة والنار. 26030 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فضرب بينهم بسور له باب قال: هذا السور الذي قال الله وبينهما حجاب. وقد قيل: إن ذلك السور ببيت المقدس عند وادي جهنم. ذكر من قال ذلك: 26031 - حدثني علي، قال: ثنا الحسن بن بلال، قال: ثنا حماد، قال: أخبرنا أبو سنان، قال: كنت مع علي بن عبد الله بن عباس، عند وادي جهنم، فحدث عن أبيه قال: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب فقال: هذا موضع السور عند وادي جهنم. 26032 - حدثني إبراهيم بن عطية بن رديح بن عطية، قال: ثني عمي محمد بن رديح بن عطية، عن سعيد بن عبد العزيز، عن أبي العوام، عن عبادة بن الصامت أنه كان يقول: باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب، قال: هذا باب الرحمة. 26033 - حدثنا ابن البرقي، قال: ثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس، قال: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: إن السور الذي ذكره الله في القرآن: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب هو السور الشرقي، باطنه المسجد، وظاهره وادي جهنم. 26034 - حدثني محمد بن عوف، قال: ثنا أبو المغيرة، قال: ثنا صفوان، قال: ثنا شريج أن كعبا كان يقول في الباب الذي في بيت المقدس: إنه الباب الذي قال الله: فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب. وقوله: له باب باطنه فيه الرحمة يقول تعالى ذكره: لذلك السور باب باطنه فيه
[ 294 ]
الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب: يعني النار. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26035 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وظاهره من قبله العذاب: أي النار. 26036 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: باطنه فيه الرحمة قال: الجنة وما فيها. وقوله: ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى يقول تعالى ذكره: ينادي المنافقون المؤمنين حين حجز بينهم بالسور، فبقوا في الظلمة والعذاب، وصار المؤمنون في الجنة، ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم، ونناكحكم ونوارثكم ؟ قالوا: بلى، يقول: قال المؤمنون: بلى، بل كنتم كذلك، ولكنكم فتنتم أنفسكم، فنافقتم، وفتنتهم أنفسهم في هذا الموضع كانت النفاق. وكذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26037 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فتنتم أنفسكم قال: النفاق، وكان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم، ويغشونهم، ويعاشرونهم، وكانوا معهم أمواتا، ويعطون النور جميعا يوم القيامة، فيطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور، ويماز بينهم حينئذ. وقوله: وتربصتم يقول: وتلبثتم بالايمان، ودافعتم بالاقرار بالله ورسوله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26038 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وتربصتم قال: بالايمان برسول الله (ص)، وقرأ فتربصوا إنا معكم متربصون. 26039 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وتربصتم يقول: تربصوا بالحق وأهله وقوله: وارتبتم يقول: وشككتم في توحيد الله، وفي نبوة محمد (ص). كما:
[ 295 ]
26040 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وارتبتم: شكوا. 26041 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وارتبتم كانوا في شك من الله. وقوله: وغرتكم الاماني يقول: وخدعتكم أماني نفوسكم، فصدتكم عن سبيل الله وأضلتكم حتى جاء أمر الله يقول: حتى جاء قضاء الله بمناياكم، فاجتاحتكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26042 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وغرتكم الاماني حتى جاء أمر الله كانوا على خدعة من الشيطان، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار. وقوله: وغركم بالله الغرور يقول: وخدعكم بالله الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته، والسلامة من عذابه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26043 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الغرور: أي الشيطان. 26044 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وغركم بالله الغرور: أي الشيطان. 26045 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وغركم بالله الغرور: الشيطان. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمنين لاهل النفاق، بعد أن ميز بينهم في القيامة فاليوم أيها المنافقون لا يؤخذ منكم فدية يعني: عوضا وبدلا يقول: لا يؤخذ ذلك
[ 296 ]
منكم بدلا من عقابكم وعذابكم، فيخلصكم من عذاب الله ولا من الذين كفروا يقول: ولا تؤخذ الفدية أيضا من الذين كفروا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26046 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا يعني المنافقين، ولا من الذين كفروا. 26047 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فاليوم لا يؤخذ منكم من المنافقين ولا من الذين كفروا معكم مأواكم النار. واختلفت القراء في قراءة قوله: فاليوم لا يؤخذ منكم فدية فقرأت ذلك عامة القراء بالياء يؤخذ، وقرأه أبو جعفر القارئ بالتاء. وأولى القراءتين بالصواب الياء وإن كانت الاخرى جائزة. وقوله: مأواكم النار يقول: مثواكم ومسكنكم الذي تسكنونه يوم القيامة النار. وقوله: هي مولاكم يقول: النار أولى بكم. وقوله: وبئس المصير يقول: وبئس مصير من صار إلى النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) *. يقول تعالى ذكره: ألم يأن للذين آمنوا: ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله، فتخضع قلوبهم له، ولما نزل من الحق، وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله (ص). ذكر من قال ذلك: 26048 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله قال: تطيع قلوبهم.
[ 297 ]
26049 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله.... 26050 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله... الآية. ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله (ص)، قال: إن أول ما يرفع من الناس الخشوع. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: كان شداد بن أوس يقول أول ما يرفع من الناس الخشوع. واختلفت القراء في قراءة قوله: وما نزل من الحق فقرأته عامة القراء غير شيبة ونافع بالتشديد نزل، وقرأه شيبة ونافع، وما نزل بالتخفيف، وبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب، لتقارب معنييهما. وقوله: ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد يقول تعالى ذكره: ألم يأن لهم أن ولا يكونوا، يعني الذين آمنوا من أمة محمد (ص) كالذين أوتوا الكتاب من قبل يعني من بني إسرائيل، ويعني بالكتاب الذي أوتوه من قبلهم التوراة والانجيل. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26051 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، قال: جاء عتريس ابن عرقوب إلى ابن مسعود، فقال: يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر، فقال عبد الله: هلك من لم يعرف قلبه معروفا، ولم ينكر قلبه منكرا، إن بني إسرائيل لما طال عليهم الامد، وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وقالوا: نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب، فمن آمن به تركناه، ومن كفر به قتلناه قال: فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن،
[ 298 ]
ثم جعل القرن بين ثندوتيه فلما قيل له: أتؤمن بهذا ؟ قال: آمنت به، ويومئ إلى القرن الذي بين ثندوتيه، ومالي لا أو من بهذا الكتاب، فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن. ويعني بقوله: فطال عليهم الامد ما بينهم وبين موسى (ص)، وذلك الامد الزمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26052 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: الامد قال: الدهر. وقوله: فقست قلوبهم عن الخيرات، واشتدت على السكون إلى معاصي الله وكثير منهم فاسقون يقول جل ثناؤه: وكثير من هؤلاء الذين أوتوا الكتاب من قبل أمة محمد (ص) فاسقون. القول في تأويل قوله تعالى: * (اعلموا أن الله يحيي الار ض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون ئ إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) *. يقول تعالى ذكره: اعلموا أيها الناس أن الله يحيي الارض الميتة التي لا تنبت شيئا بعد موتها يعني: بعد دثورها ودروسها، يقول: وكما نحيي هذه الارض الميتة بعد دروسها، كذلك نهدي الانسان الضال عن الحق إلى الحق، فنوفقه ونسدده للايمان حتى يصير مؤمنا من بعد كفره، ومهتديا من بعد ضلاله. وقوله: قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون يقول: قد بينا لكم الادلة والحجج لتعقلوا. وقوله: إن المصدقين والمصدقات اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة
[ 299 ]
قراء الامصار، خلا ابن كثير وعاصم بتشديد الصاد والدال، بمعنى أن المتصدقين والمتصدقات، ثم تدغم التاء في الصاد، فتجعلها صادا مشددة، كما قيل: يا أيها المزمل يعني المتزمل. وقرأ ابن كثير وعاصم إن المصدقين والمصدقات بتخفيف الصاد وتشديد الدال، بمعنى: إن الذين صدقوا الله ورسوله. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان صحيح معنى كل واحدة منهما فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن على قراءة من قرأ ذلك بالتشديد في الحرفين: أعني في الصاد والدال، أن المتصدقين من أموالهم والمتصدقات وأقرضوا لله قرضا حسنا يعني بالنفقة في سبيله، وفيما أمر بالنفقة فيه، أو فيما ندب إليه يضاعف لهم ولهم أجر كريم يقول: يضاعف الله لهم قروضهم التي أقرضوها إياه، فيوفيهم ثوابها يوم القيامة، ولهم أجر كريم يقول: ولهم ثواب من الله على صدقهم، وقروضهم إياه كريم، وذلك الجنة. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنآ أولئك أصحاب الجحيم) *. يقول تعالى ذكره: والذين أقروا بوحدانية الله وإرساله رسله، فصدقوا الرسل وآمنوا بما جاؤوهم به من عند ربهم، أولئك هم الصديقون. وقوله: والشهداء عند ربهم اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: والشهداء عند ربهم منفصل من الذي قبله، والخبر عن الذين آمنوا بالله ورسله، متناه عند قوله: الصديقون، والصديقون مرفوعون بقوله: هم، ثم ابتدئ الخبر عن الشهداء فقيل: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، والشهداء في قولهم مرفوعون بقوله: لهم أجرهم ونورهم. ذكر من قال ذلك: 26053 - [ رق حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون قال: هذه مفصولة والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.
[ 300 ]
26054 - [ رق حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم قال: هي للشهداء خاصة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: هي خاصة للشهداء. 26055 - [ رق قال: ثنا مهران، عن سفيان عن أبي الضحى أولئك هم الصديقون ثم استأنف الكلام فقال: والشهداء عند ربهم. 26056 - [ رق حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون هذه مفصولة، سماهم الله صديقين بأنهم آمنوا بالله وصدقوا رسله، ثم قال: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم هذه مفصولة. وقال آخرون: بل قوله: والشهداء من صفة الذين آمنوا بالله ورسله قالوا: إنما تناهى الخبر عن الذين آمنوا عند قوله: والشهداء عند ربهم ثم ابتدئ الخبر عما لهم، فقيل: لهم أجرهم ونورهم. ذكر من قال ذلك: 26057 - [ رق حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: أخبرنا أبو قيس أنه سمع هذيلا يحدث، قال: ذكروا الشهداء، فقال عبد الله: الرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، والرجل يقاتل للدنيا، والرجل يقاتل للسمعة، والرجل يقاتل للمغنم قال شعبة شيئا هذا معناه: والرجل يقاتل يريد وجه الله، والرجل يموت على فراشه وهو شهيد، وقرأ عبد الله هذه الآية والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم. 26058 - [ رق حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، وليث عن مجاهد والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم قال: كل مؤمن شهيد، ثم قرأها. 26059 - [ رق حدثني صالح بن حرب أبو معمر، قال: ثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا ابن عجلان، عن زيد بن أسلم، عن البراء بن عازب، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول:
[ 301 ]
مؤمنو أمتي شهداء. قال: ثم تلا النبي (ص) هذه الآية والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم. 26060 - [ رق حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: الصديقون والشهداء عند ربهم قال: بالايمان على أنفسهم بالله. وقال آخرون: الشهداء عند ربهم في هذا الموضع: النبيون الذين يشهدون على أممهم من قول الله عز وجل فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا. والذي هو أولى الاقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: الكلام والخبر عن الذين آمنوا، متناه عند قوله: أولئك هم الصديقون وإن قوله: والشهداء عند ربهم خبر مبتدأ عن الشهداء. وإنما قلنا: إن ذلك أولى الاقوال في ذلك بالصواب، لان ذلك هو الاغلب من معانيه في الظاهر، وأن الايمان غير موجب في المتعارف للمؤمن اسم شهيد لا بمعنى غيره، إلا أن يراد به شهيد على ما آمن به وصدقه، فيكون ذلك وجها، وإن كان فيه بعض البعد، لان ذلك ليس بالمعروف من معانيه، إذا أطلق بغير وصل، فتأويل قوله: والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم إذن والشهداء الذين قتلوا في سبيل الله، أو هلكوا في سبيله عند ربهم، لهم ثواب الله إياهم في الآخرة ونورهم. وقوله: والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم يقول تعالى ذكره: والذين كفروا بالله وكذبوا بأدلته وحججه، أولئك أصحاب الجحيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيآ إلا متاع الغرور) *.
[ 302 ]
يقول تعالى ذكره: اعلموا أيها الناس أن متاع الحياة الدنيا المعجلة لكم، ما هي إلا لعب ولهو تتفكهون به، وزينة تتزينون بها، وتفاخر بينكم، يفخر بعضكم على بعض بما أولى فيها من رياشها وتكاثر في الاموال والاولاد يقول تعالى ذكره: ويباهي بعضكم بعضا بكثرة الاموال والاولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج يقول تعالى ذكره: ثم ييبس ذلك النبات فتراه مصفرا بعد أن كان أخضر نضرا. وقوله: ثم يكون حطاما يقول تعالى ذكره: ثم يكون ذلك النبات حطاما، يعني به أنه يكون نبتا يابسا متهشما وفي الآخرة عذاب شديد يقول تعالى ذكره: وفي الآخرة عذاب شديد للكفار ومغفرة من الله ورضوان لاهل الايمان بالله ورسوله. كما: 26061 - [ رق حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو... الآية، يقول: صار الناس إلى هذين الحرفين في الآخرة. وكان بعض أهل العربية يقول في قوله: وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان ذكر ما في الدنيا، وأنه على ما وصف، وأما الآخرة فإنها إما عذاب، وإما جنة. قال: والواو فيه وأو بمنزلة واحدة. وقوله: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور يقول تعالى ذكره: وما زينة الحياة الدنيا المعجلة لكم أيها الناس، إلا متاع الغرور. 26062 - [ رق حدثنا علي بن حرب الموصلي، قال: ثنا المحاربي: عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي (ص): موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها. القول في تأويل قوله تعالى: * (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *.
[ 303 ]
يقول تعالى ذكره: سابقوا أيها الناس إلى عمل يوجب لكم مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض أعدت هذه الجنة للذين آمنوا بالله ورسله يعني الذين وحدوا الله، وصدقوا رسله. وقوله: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يقول جل ثناؤه: هذه الجنة التي عرضها كعرض السماء والارض التي أعدها الله للذين آمنوا بالله ورسله، فضل الله تفضل به على المؤمنين، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه، وهو ذو الفضل العظيم عليهم، بما بسط لهم من الرزق في الدنيا، ووهب لهم من النعم، وعرفهم موضع الشكر، ثم جزاهم في الآخرة على الطاعة ما وصف أنه أعده لهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (مآ أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ إن ذلك على الله يسير) *. يقول تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في الارض بجدوبها وقحوطها، وذهاب زرعها وفسادها ولا في أنفسكم بالاوصاب والاوجاع والاسقام إلا في كتاب يعني إلا في أم الكتاب من قبل أن نبرأها يقول: من قبل أن نبرأ الانفس، يعني من قبل أن نخلقها. يقال: قد برأ الله هذا الشئ، بمعنى: خلقه فهو بارئه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26063 - [ رق حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، في قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها قال: هو شئ قد فرغ منه من قبل أن نبرأ النفس. 26064 - [ رق حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثن سعيد، عن قتادة، في قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض أما مصيبة الارض: فالسنون. وأما في أنفسكم: فهذه الامراض والاوصاب من قبل أن نبرأها: من قبل أن نخلقها. 26065 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض قال: هي السنون ولا في أنفسكم قال:
[ 304 ]
الاوجاع والامراض. قال: وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود، ولا نكبة قدم، ولاخلجان عرق إلا بذنب، وما يعفو عنه أكثر. 26066 - [ رق حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن منصور بن عبد الرحمن، قال: كنت جالسا مع الحسن، فقال رجل: سله عن قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فسألته عنها، فقال: سبحان الله، ومن يشك في هذا ؟ كل مصيبة بين السماء والارض ففي كتاب الله من قبل أن تبرأ النسمة. 26067 - [ رق حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها يقول: هو شئ قد فرغ منه من قبل أن نبرأها: من قبل أن نبرأ الانفس. 26068 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله جل ثناؤه: في كتاب من قبل أن نبرأها قال: من قبل أن نخلقها، قال: المصائب والرزق والاشياء كلها مما تحب وتكره فرغ الله من ذلك كله قبل أن يبرأ النفوس ويخلقها. وقال آخرون: عني بذلك: ما أصاب من مصيبة في دين ولا دنيا. ذكر من قال ذلك: 26069 - [ رق حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله: ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها يقول: في الدين والدنيا إلا في كتاب من قبل أن نخلقها. واختلف أهل العربية في معنى في التي بعد قوله: إلا فقال بعض نحويي البصرة: يريد والله أعلم بذلك: إلا هي في كتاب، فجاز فيه الاضمار. قال: ويقول: عندي هذا ليس إلا يريد إلا هو. وقال غيره منهم، قوله: في كتاب من صلة ما أصاب، وليس إضمار هو بشئ، وقال: ليس قوله عندي هذا ليس إلا مثله، لان إلا تكفي من الفعل، كأنه قال: ليس غيره. وقوله: إن ذلك على الله يسير يقول تعالى ذكره: إن خلق النفوس، وإحصاء ما هي لاقية من المصائب على الله سهل يسير. القول في تأويل قوله تعالى: * (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بمآ آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور) *.
[ 305 ]
يعني تعالى ذكره: ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في أموالكم ولا في أنفسكم، إلا في كتاب قد كتب ذلك فيه من قبل أن نخلق نفوسكم لكيلا تأسوا يقول: لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا، فلم تدركوه منها ولا تفرحوا بما آتاكم منها. ومعنى قوله: بما آتاكم إذا مدت الالف منها: بالذي أعطاكم منها ربكم وملككم وخولكم وإذا قصرت الالف، فمعناها: بالذي جاءكم منها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26070 - [ رق حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس لكيلا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم منها. 26071 - [ رق حدثت عن الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا إسحاق بن منصور، عن قيس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس لكيلا تأسوا على ما فاتكم قال: الصبر عند المصيبة، والشكر عند النعمة. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سماك البكري، عن عكرمة، عن ابن عباس لكيلا تأسوا على ما فاتكم قال: ليس أحد إلا يحزن ويفرح، ولكن من أصابته مصيبة فجعلها صبرا، ومن أصابه خير فجعله شكرا. 26072 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله عز وجل: لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم قال: لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا، ولا تفرحوا بما آتاكم منها. واختلفت القراء في قراءة قوله: بما آتاكم فقرأ ذلك عامة قراء الحجاز والكوفة بما آتاكم بمد الالف. وقرأه بعض قراء البصرة بما أتاكم بقصر الالف وكأن من قرأ ذلك بقصر الالف اختار قراءته كذلك، إذ كان الذي قبله على ما فاتكم، ولم يكن على ما أفاتكم، فيرد الفعل إلى الله، فألحق قوله: بما أتاكم به، ولم يرده إلى أنه خبر عن الله. والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان صحيح معناهما، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وإن كنت أختار مد الالف لكثرة قارئي ذلك كذلك، وليس للذي اعتل به منه معتلو قارئيه بقصر الالف كبير معنى، لان ما جعل من ذلك خبرا عن الله، وما صرف منه إلى الخبر عن غيره، فغير خارج جميعه عند سامعيه من أهل العلم أنه من فعل الله تعالى، فالفائت من الدنيا من فاته منها شئ، والمدرك منها ما أدرك عن تقدم الله عز وجل وقضائه،
[ 306 ]
وقد بين ذلك جل ثناؤه لمن عقل عنه بقوله: ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها فأخبر أن الفائت منها بإفاتته إياهم فاتهم، والمدرك منها بإعطائه إياهم أدركوا، وأن ذلك محفوظ لهم في كتاب من قبل أن يخلقهم. وقوله: والله لا يحب كل مختال فخور يقول: والله لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا، فخور به على الناس. القول في تأويل قوله تعالى: * (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد) *. يقول تعالى ذكره: والله لا يحب كل مختال فخور، الباخلين بما أوتوا في الدنيا على اختيالهم به وفخرهم بذلك على الناس، فهم يبخلون بإخراج حق الله الذي أوجبه عليهم فيه، ويشحون به، وهم مع بخلهم به أيضا يأمرون الناس بالبخل. وقوله: ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد يقول تعالى ذكره: ومن يدبر معرضا عن عظة الله فإن الله هو الغني الحميد يقول تعالى ذكره: ومن يدبر معرضا عن عظة الله، تاركا العمل بما دعاه إليه من الانفاق في سبيله، فرحا بما أوتي من الدنيا مختالا به فخورا بخيلا، فإن الله هو الغني عن ماله ونفقته، وعن غيره من سائر خلقه، الحميد إلى خلقه بما أنعم به عليهم من نعمه. واختلف أهل العربية في موضع جواب قوله: الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل فقال بعضهم: استغنى بالاخبار التي لاشباههم، ولهم في القرآن، كما قال: ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى، ولم يكن في ذا الموضع خبر والله أعلم بما ينزل، هو كما أنزل، أو كما أراد أن كون. وقال غيره من أهل العربية: الخبر قد جاء في الآية التي قبل هذه الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد عطف بجزاءين على جزاء، وجعل جوابهما واحدا، كما تقول: إن تقم وإن تحسن آتك، لا أنه حذف الخبر. واختلفت القراء في قراءة قوله: فإن الله هو الغني الحميد فقرأ ذلك عامة قراء
[ 307 ]
المدينة فإن الله الغني بحذف هو من الكلام، وكذلك ذلك في مصاحفهم بغير هو. وقرأته عامة قراء الكوفة فإن الله هو الغني الحميد بإثبات هو في القراءة، وكذلك هو في مصاحفهم. والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) *. يقول تعالى ذكره: لقد أرسلنا رسلنا بالمفصلات من البيان والدلائل، وأنزلنا معهم الكتاب بالاحكام والشرائع، والميزان بالعدل. كما: 26073 - [ رق حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الكتاب والميزان قال: الميزان: العدل. 26074 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنزلنا معهم الكتاب والميزان بالحق قال: الميزان: ما يعمل الناس، ويتعاطون عليه في الدنيا من معايشهم التي يأخذون ويعطون، يأخذون بميزان، ويعطون بميزان، يعرف ما يأخذ وما يعطي. قال: والكتاب فيه دين الناس الذي يعملون ويتركون، فالكتاب للآخرة، والميزان للدنيا. وقوله: ليقوم الناس بالقسط يقول تعالى ذكره: ليعمل الناس بينهم بالعدل. وقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد يقول تعالى ذكره: وأنزلنا لهم الحديد فيه بأس شديد: يقول: فيه قوة شديدة، ومنافع للناس، وذلك ما ينتفعون به منه عند لقائهم العدو، وغير ذلك من منافعه. وقد: 26075 - [ رق حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن
[ 308 ]
علباء بن أحمر، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: ثلاثة أشياء نزلت مع آدم صلوات الله عليه: السندان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة. 26076 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد قال: البأس الشديد: السيوف والسلاح الذي يقاتل الناس بها ومنافع للناس بعد، يحفرون بها الارض والجبال وغير ذلك. 26077 - [ رق حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قوله: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وجنة وسلاح، وأنزله ليعلم الله من ينصره. وقوله: وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب يقول تعالى ذكره: أرسلنا رسلنا إلى خلقنا وأنزلنا معهم هذه الاشياء ليعدلوا بينهم، وليعلم حزب الله من ينصر دين الله ورسله بالغيب منه عنهم. وقوله: إن الله قوي عزيز يقول تعالى ذكره: إن الله قوي على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة، وخالف أمره ونهيه، عزيز ف انتقامه منهم، لا يقدر أحد على الانتصار منه مما أحل به من العقوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد أرسلنا أيها الناس نوحا إلى خلقنا، وإبراهيم خليله إليهم رسولا وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب وكذلك كانت النبوة في ذريتهما، وعليهم أنزلت الكتب: التوراة، والانجيل، والزبور، والفرقان، وسائر الكتب المعروفة فمنهم مهتد يقول: فمن ذريتهما مهتد إلى الحق مستبصر وكثير منهم يعني من ذريتهما فاسقون يعني ضلال، خارجون عن طاعة الله إلى معصيته. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 309 ]
* (ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الانجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغآء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون) *. يقول تعالى ذكره: ثم أتبعنا على آثارهم برسلنا الذين أرسلناهم بالبينات على آثار نوح إبراهيم برسلنا، وأتبعنا بعيسى ابن مريم وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه يعني: الذين اتبعوا عيسى على منهاجه وشريعته رأفة وهو أشد الرحمة ورحمة ورهبانية ابتدعوها يقول: أحدثوها ما كتبناها عليهم يقول: ما افترضنا تلك الرهبانية عليهم إلا ابتغاء رضوان الله يقول: لكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها. واختلف أهل التأويل في الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها، فقال بعضهم: هم الذين ابتدعوها، لم يقوموا بها، ولكنهم بدلوا وخالفوا دين الله الذي بعث به عيسى: فتنصروا وتهودوا. وقال آخرون: بل هم قوم جاؤوا من بعد الذين ابتدعوها فلم يرعوها حق رعايتها، لانهم كانوا كفارا ولكنهم قالوا: نفعل كالذي كانوا يفعلون من ذلك أوليا، فهم الذين وصف الله بأنهم لم يرعوها حق رعايتها. وبنحو الذي قلنا في تأويل هذه الاحرف إلى الموضع الذي ذكرنا أن أهل التأويل فيه مختلفون في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26078 - [ رق حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة فهاتان من الله، والرهبانية ابتدعها قوم من أنفسهم، ولم تكتب عليهم، ولكن ابتغوا بذلك وأرادوا رضوان الله، فما رعوها حق رعايتها، ذكر لنا أنهم رفضوا النساء، واتخذوا الصوامع. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ورهبانية ابتدعوها قال: لم تكتب عليهم، ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.
[ 310 ]
26079 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ما كتبناها عليهم قال فلم ؟ قال: ابتدعوها ابتغاء رضوان الله تطوعا، فما رعوها حق رعايتها. ذكر من قال: الذين لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها كانوا غير الذين ابتدعوها. ولكنهم كانوا المريدي الاقتداء بهم. 26080 - حدثنا الحسين بن الحريث (أبو عمار المروزي) قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كانت ملوك بعد عيسى بدلوا التوراة والانجيل، وكان فيهم مؤمنون يقرأون التوراة والانجيل، فقيل لملكهم: ما نجد شيئا أشد علينا من شتم يشتمناه هؤلاء أنهم يقرأون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون هؤلاء الآيات مع ما يعببوننا به في قراءتهم، فادعهم فليقرأوا كما نقرأ، وليؤمنوا كما آمنا به، قال: فدعاهم فجمعهم وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والانجيل، إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون إلى ذلك فدعونا قال: فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئا نرفع به طعامنا وشرابنا، فلا نرد عليكم، وقالت طائفة منهم: دعونا نسيح في الارض، ونهيم ونشرب كما تشرب الوحوش، فإن قدرتم علينا بأرضكم فاقتلونا، وقالت طائفة: ابنوا لنا دورا في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحترث البقول، فلا نرد عليكم، ولا نمر بكم، وليس أحد من أولئك إلا وله حميم فيهم قال: ففعلوا ذلك، فأنزل الله جل ثناؤه ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها الآخرون قالوا: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان. ونتخذ دورا كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم قال: فلما بعث النبي (ص) ولم يبق منهم إلا قليل، انحط رجل من صومعته، وجاء سائح من سياحته، وجاء صاحب الدار من داره، وآمنوا به وصدقوه، فقال الله جل ثناؤه يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته قال: أجرين لايمانهم بعيسى، وتصديقهم بالتوراة والانجيل، وإيمانهم بمحمد (ص) وتصديقهم به. قال ويجعل لكم نورا تمشون به القرآن، واتباعهم النبي (ص) وقال: لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
[ 311 ]
26081 - [ رق حدثنا يحيى بن أبي طالب، قال: ثنا داود بن المحبر، قال: ثنا الصعق بن حزن، قال: ثنا عقيل الجعدي، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سويد بن غفلة، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله (ص): اختلف من كان قبلنا على إحدى وسبعين فرقة، نجا منهم ثلاث وهلك سائرهم: فرقة من الثلاث وازت الملوك وقاتلتهم على دين الله ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليهم، فقتلتهم الملوك وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك، فأقاموا بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، فقتلتهم الملوك، ونشرتهم بالمناشير وفرقة لم تكن لهم طاقة بموازاة الملوك، ولا بالمقام بين ظهراني قومهم يدعونهم إلى دين الله ودين عيسى صلوات الله عليه، فلحقوا بالبراري والجبال، فترهبوا فيها فهو قول الله عز وجل ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم قال: ما فعلوها إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها قال: ما رعاها الذين من بعدهم حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم قال: وهم الذين آمنوا بي، وصدقوني. قال وكثير منهم فاسقون قال: فهم الذين جحدوني وكذبوني. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها قال الآخرون ممن تعبد من أهل الشرك، وفني من فني منهم، يقولون: نتعبد كما تعبد فلان، ونسيح كما ساح فلان، وهم في شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم. ذكر من قال: الذين لم يرعوها حق رعايتها: الذين ابتدعوها. 26082 - [ رق حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة... إلى قوله: حق رعايتها يقول: ما أطاعوني فيها، وتكلموا فيها بمعصية الله، وذلك أن الله عز وجل كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمدا (ص)، فلما استخرج أهل الايمان، ولم يبق
[ 312 ]
منهم إلا قليل، وكثر أهل الشرك وذهب الرسل وقهروا، اعتزلوا في الغيران، فلم يزل بهم ذلك حتى كفرت طائفة منهم، وتركوا أمر الله عز وجل ودينه، وأخذوا بالبدعة وبالنصرانية وباليهودية، فلم يرعوها حق رعايتها وثبتت طائفة على دين عيسى ابن مريم صلوات الله عليه، حين جاءهم بالبينات وبعث الله عز وجل محمدا رسولا (ص) وهم كذلك فذلك قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته. إلى والله غفور رحيم. 26083 - [ رق حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ورهبانية ابتدعواها ما كتبناها عليهم كان الله عز وجل كتب عليهم القتال قبل أن يبعث محمد (ص) فلما استخرج أهل الايمان، ولم يبق منهم إلا القليل، وكثر أهل الشرك، وانقطعت الرسل، اعتزلوا الناس، فصاروا في الغيران، فلم يزالوا كذلك حتى غيرت طائفة منهم، فتركوا دين الله وأمره وعهده الذي عهده إليهم، وأخذوا بالبدع، فابتدعوا النصرانية واليهودية، فقال الله عز وجل لهم: ما رعوها حق رعايتها وثبتت طائفة منهم على دين عيسى صلوات الله عليه، حتى بعث الله محمدا (ص)، فآمنوا به. 26084 - [ رق حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا زكريا بن أبي مريم، قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: إن الله كتب عليكم صيام رمضان، ولم يكتب عليكم قيامه، وإنما القيام شئ ابتدعتموه، وإن قوما ابتدعوا بدعة لم يكتبها الله عليهم، ابتغوا بها رضوان الله، فلم يرعوها حق رعايتها، فعابهم الله بتركها، فقال: ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها. وأولى الاقوال في ذلك بالصحة أن يقال: إن الذين وصفهم الله بأنهم لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها، بعض الطوائف التي ابتدعتها، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر أنه آتى الذين آمنوا منهم أجرهم قال: فدل بذلك على أن منهم من قد رعاها حق رعايتها، فلو لم يكن منهم من كان كذلك لم يكن مستحق الاجر الذي قال جل ثناؤه: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم إلا أن الذين لم يرعوها حق رعايتها ممكن أن يكونوا كانوا على عهد الذين ابتدعوها، وممكن أن يكونوا كانوا بعدهم، لان الذين هم من أبنائهم إذا لم يكونوا رعوها،
[ 313 ]
فجائز في كلام العرب أن يقال: لم يرعها القوم على العموم. والمراد منهم البعض الحاضر، وقد مضى نظير ذلك في مواضع كثيرة من هذا الكتاب. وقوله: فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم يقول تعالى ذكره: فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسله من هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على ابتغائهم رضوان الله، وإيمانهم به وبرسوله في الآخرة، وكثير منهم أهل معاص، وخروج عن طاعته، والايمان به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26085 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم قال: الذين رعوا ذلك الحق. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله من أهل الكتابين التوراة والانجيل، خافوا الله بأداء طاعته، واجتناب معاصيه، وآمنوا برسوله محمد (ص). كما: 26086 - [ رق حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب. 26087 - [ رق حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يعني: الذين آمنوا من أهل الكتاب. وقوله: يؤتكم كفلين من رحمته يعطكم ضعفين من الاجر لايمانكم بعيسى (ص)، والانبياء قبل محمد (ص)، ثم إيمانكم بمحمد (ص) حين بعث نبيا. وأصل الكفل: الحظ، وأصله: ما يكتفل به الراكب، فيحبسه ويحفظه عن السقوط يقول: يحصنكم هذا الكفل من العذاب، كما يحصن الكفل الراكب من السقوط. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26088 - [ رق حدثنا أبو عمار المروزي، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن
[ 314 ]
عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يؤتكم كفلين من رحمته قال: أجرين، لايمانهم بعيسى (ص)، وتصديقهم بالتوراة والانجيل، وإيمانهم بمحمد (ص)، وتصديقهم به. قال: ثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس يؤتكم كفلين من رحمته قال: أجرين: إيمانهم بمحمد (ص)، وإيمانهم بعيسى (ص)، والتوراة والانجيل. وبه عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وهارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عباس يؤتكم كفلين من رحمته قال: أجرين. 26089 - [ رق حدثنا علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: يؤتكم كفلين من رحمته يقول: ضعفين. 26090 - [ رق قال: ثنا مهران، قال: ثنا يعقوب، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، قال: بعث النبي (ص) جعفرا في سبعين راكبا إلى النجاشي يدعوه، فقدم عليه، فدعاه فاستجاب له وآمن به فلما كان انصرافه، قال ناس ممن قد آمن به من أهل مملكته، وهم أربعون رجلا: ائذن لنا، فنأتي هذا النبي، فنسلم به، ونساعد هؤلاء في البحر، فإنا أعلم بالبحر منهم، فقدموا مع جعفر على النبي (ص)، وقد تهيأ النبي (ص) لوقعة أحد فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة وشدة الحال، استأذنوا النبي (ص)، قالوا: يا نبي الله إن لنا أموالا، ونحن نرى ما بالمسلمين من الخصاصة، فإن أذنت لنا انصرفنا، فجئنا بأموالنا، وواسينا المسلمين بها. فأذن لهم، فانصرفوا، فأتوا بأموالهم، فواسوا بها المسلمين، فأنزل الله فيهم الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون... إلى قوله: ومما رزقناهم ينفقون فكانت النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بقوله: يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا فخروا على المسلمين، فقالوا: يا معشر المسلمين، أما من آمن منا بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين، ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجر كأجوركم، فما فضلكم علينا، فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
[ 315 ]
وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته فجعل لهم أجرهم، وزادهم النور والمغفرة، ثم قال: لكيلا يعلم أهل الكتاب. وهكذا قرأها سعيد بن جبير لكيلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ. 26091 - [ رق حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: يؤتكم كفلين من رحمته قال: ضعفين. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: يؤتكم كفلين من رحمته قال والكفلان أجران بإيمانهم الاول، وبالكتاب الذي جاء به محمد (ص). 26092 - [ رق حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يعني الذين آمنوا من أهل الكتاب يؤتكم كفلين من رحمته يقول: أجرين بإيمانكم بالكتاب الاول، والذي جاء به محمد (ص). 26093 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: يؤتكم كفلين من رحمته قال: أجرين: أجر الدنيا، وأجر الآخرة. 26094 - [ رق حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن سفيان، قال: ثنا عنبسة، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص عن أبي موسى يؤتكم كفلين من رحمته قال: الكفلان: ضعفان من الاجر بلسان الحبشة. 26095 - [ رق حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الشعبي، قال: إن الناس يوم القيامة على أربع منازل: رجل كان مؤمنا بعيسى، فآمن بمحمد (ص)، فله أجران. ورجل كان كافرا بعيسى، فأمن بمحمد (ص)، فله أجر. ورجل كان كافرا بعيسى، فكفر بمحمد (ص)، فباء بغضب على غضب. ورجل كان كافرا بعيسى من مشركي العرب، فمات بكفره قبل محمد فباء بغضب. 26096 - [ رق حدثني العباس بن الوليد، قال: أخبرني أبي، قال: سألت سعيد بن عبد العزيز، عن الكفل كم هو ؟ قال: ثلاث مئة وخمسون حسنة، والكفلان: سبع مئة
[ 316 ]
حسنة. قال سعيد: سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حبرا من أحبار اليهود: كم أفضل ما ضعفت لكم الحسنة ؟ قال: كفل ثلاث مئة وخمسون حسنة قال: فحمد الله عمر على أنه أعطانا كفلين، ثم ذكر سعيد قول الله عز وجل في سورة الحديد يؤتكم كفلين من رحمته فقلت له: الكفلان في الجمعة مثل هذا ؟ قال: نعم. وبنحو الذي قلنا في ذلك صح الخبر عن رسول الله (ص). ذكر من قال ذلك: 26097 - [ رق حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: ثنا معمر بن راشد، عن فراس، عن الشعبي، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبيه، قال: قال رسول الله (ص): ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل آمن بالكتاب الاول والكتاب الآخر، ورجل كانت له أمة فأدبها وأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه، ونصح لسيده. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، قال: ثني صالح بن صالح الهمداني، عن عامر، عن أبي بردة بن أبي موسى، عن أبي موسى، عن النبي (ص)، بنحوه. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثني عبد الصمد، قال: ثنا شعبة، عن صالح بن صالح، سمع الشعبي يحدث، عن أبي بردة، عن أبي موسى الاشعري، عن رسول الله (ص)، بنحوه. 26098 - [ رق حدثني محمد بن عبد الحكم، قال: أخبرنا إسحاق بن الفرات، عن يحيى بن أيوب، قال: قال يحيى بن سعيد أخبرنا نافع، أن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إنما آجالكم في آجال من خلا من الامم، كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل استأجر عمالا، فقال: من يعمل من بكرة إلى نصف النهار على قيراط قيراط، ألا فعملت اليهود ثم قال: من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط، ألا فعملت النصارى ثم قال: من يعمل من صلاة العصر إلى مغارب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا فعملتم.
[ 317 ]
26099 - [ رق حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله (ص): مثل هذه الامة، أو قال أمتي ومثل اليهود والنصارى، كمثل رجل قال: من يعمل لي من غدوة إلى نصف النهار على قيراط قالت اليهود: نحن، فعملوا قال: فمن يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ؟ قالت النصارى: نحن، فعملوا، وأنتم المسلمون تعملون من صلاة العصر إلى الليل على قيراطين، فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملا، وأقل أجرا، قال هل ظلمتكم من أجوركم شيئا ؟ قالوا: لا، قال: فذاك فضلي أوتيه من أشاء. 26100 - [ رق حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني الليث وابن لهيعة، عن سليمان بن عبد الرحمن، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أمامة الباهلي، أنه قال: شهدت خطبة رسول الله (ص) يوم حجة الوداع، فقال قولا كثيرا حسنا جميلا، وكان فيها: من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين، وله مثل الذي لنا، وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله مثل الذي لنا، وعليه مثل الذي علينا. وقوله: ويجعل لكم نورا تمشون به اختلف أهل التأويل في الذي عنى به النور في هذا الموضع، فقال بعضهم: عنى به القرآن. ذكر من قال ذلك: 26101 - [ رق حدثنا أبو عمار المروزي، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ويجعل لكم نورا تمشون به قال: الفرقان واتباعهم النبي (ص). حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ويجعل لكم نورا تمشون به قال: الفرقان، واتباعهم النبي (ص). حدثنا أبو كريب، وأبو هشام، قالا: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن
[ 318 ]
عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ويجعل لكم نورا تمشون به قال: القرآن. 26102 - [ رق حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء، عن سعيد، مثله. وقال آخرون: عني بالنور في هذا الموضع: الهدى. ذكر من قال ذلك: 26103 - [ رق حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: تمشون به قال: هدى. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره وعد هؤلاء القوم أن يجعل لهم نورا يمشون به، والقرآن، مع اتباع رسول الله (ص) نور لمن آمن بهما وصدقهما وهدى، لان من آمن بذلك، فقد اهتدى. وقوله: ويغفر لكم يقول: ويصفح لكم عن ذنوبكم فيسترها عليكم والله غفور رحيم يقول تعالى ذكره: والله ذو مغفرة ورحمة. القول في تأويل قوله تعالى: * (لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله ذو الفضل العظيم) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبمحمد (ص) من أهل الكتاب، يفعل بكم ربكم هذا لكي يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شئ من فضل الله الذي آتاكم وخصكم به، لانهم كانوا يرون أن الله قد فضلهم على جميع الخلق، فأعلمهم الله جل ثناؤه أنه قد آتى أمة محمد (ص) من الفضل والكرامة، ما لم يؤتهم، وأن أهل الكتاب حسدوا المؤمنين لما نزل قوله: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر بكم والله غفور رحيم فقال الله عز وجل: فعلت ذلك ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شئ من فضل الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26104 - [ رق حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها
[ 319 ]
الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله... الآية، قال: لما نزلت هذه الآية، حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله عز وجل لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون... الآية، قال: ذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: إنما مثلنا ومثل أهل الكتابين قبلنا، كمثل رجل استأجر أجراء يعملون إلى الليل على قيراط، فلما انتصف النهار سئموا عمله وملوا، فحاسبهم، فأعطاهم على قدر ذلك، ثم استأجر أجراء إلى الليل على قيراطين، يعملون له بقية عمله، فقيل له: ما شأن هؤلاء أقلهم عملا، وأكثرهم أجرا ؟ قال: مالي أعطي من شئت، فأرجوا أن نكون نحن أصحاب القيراطين. حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة كفلين من رحمته قال: بلغنا أنها حين نزلت حسد أهل الكتاب المسلمين، فأنزل الله لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله. 26105 - [ رق حدثنا أبو عمار، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس لئلا يعلم أهل الكتاب الذين يتسمعون ألا يقدرون على شئ من فضل الله. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. وقيل: لئلا يعلم إنما هو ليعلم. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله لكي يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون لان العرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح، كقوله في الجحد السابق، الذي لم يصرح به ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، وقوله: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، وقوله: وحرام على قرية أهلكناها... الآية، ومعنى ذلك: أهلكناها أنهم يرجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26106 - [ رق حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو هارون
[ 320 ]
الغنوي، قال: قال: خطاب بن عبد الله لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله. 26107 - [ رق قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، قال: كان سعيد بن جبير يقول لكيلا يعلم أهل الكتاب. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، مثله. وقيل: لئلا يعلم إنما هو ليعلم. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله لكي يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون لان العرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في أوله أو آخره جحد غير مصرح، كقوله في الجحد السابق، الذي لم يصرح به ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، وقوله: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون، وقوله: وحرام على قرية أهلكناها... الآية، ومعنى ذلك: أهلكناها أنهم يرجعون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 26106 - [ رق حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، قال: أخبرنا أبو هارون
[ 320 ]
الغنوي، قال: قال: خطاب بن عبد الله لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شئ من فضل الله. 26107 - [ رق قال: ثنا ابن علية، عن أبي المعلى، قال: كان سعيد بن جبير يقول لكيلا يعلم أهل الكتاب. وقوله: وأن الفضل بيد الله يقول تعالى ذكره: وليعلموا أن الفضل بيد الله دونهم، ودون غيرهم من الخلق يؤتيه من يشاء يقول: يعطي فضله ذلك من يشاء من خلقه، ليس ذلك إلى أحد سواه والله ذو الفضل العظيم يقول تعالى ذكره: والله ذو الفضل على خلقه، العظيم فضله. آخر تفسير سورة الحديد تم الجزء السابع والعشرون من تفسير الامام محمد بن جرير الطبري ويليه الجزء الثامن والعشرون وأوله: تفسير سورة المجادلة