جامع البيان
إبن جرير الطبري ج 21

[ 1 ]
جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 ه‍ قدم له الشيخ خليل الميس ضبط وتوشيق وتحريج صدقة حميد العطار الجزء الحادى والعشرون دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع صلاتكم من إقامة حدودها، وترك ذلك وغيره من أموركم، وهو مجازيكم على ذلك، يقول: فاتقوا أن تضيعوا شيئا من حدودها، والله أعلم.
[ 3 ]
بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) *. يقول تعالى ذكره: ولا تجادلوا أيها المؤمنون بالله وبرسوله اليهود والنصارى، وهم أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن يقول: إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته، والتنبيه على حججه. وقوله: إلا الذين ظلموا منهم اختلف أهل التأويل في تأويله فقال بعضهم: معناه: إلا الذين أبوا أن يقروا لكم بإعطاء الجزية، ونصبوا دون ذلك لكم حربا، فإنهم ظلمة، فأولئك جادلوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية. ذكر من قال ذلك: 21179 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا يزيد، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، في قوله: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم قال: من قاتل ولم يعط الجزية. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد، بنحوه. إلا أنه قال: من قاتلك ولم يعطك الجزية. 21180 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال: إن قالوا شرا، فقولوا خيرا، إلا الذين ظلموا منهم فانتصروا منهم، 21181 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 4 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله إلا الذين ظلموا منهم قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا (ص)، قال: هم أهل الكتاب. 21182 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سالم، عن سعيد ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم قال: أهل الحرب، من لا عهد له، جادله بالسيف. وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تجادلوا أهل الكتاب الذين قد آمنوا به، واتبعوا رسوله فيما أخبروكم عنه مما في كتبهم إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. فأقاموا على كفرهم، وقالوا: هذه الآية محكمة، وليست بمنسوخة. ذكر من قال ذلك: 21183 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن قال: ليست بمنسوخة، لا ينبغي أن تجادل من آمن منهم، لعلهم يحسنون شيئا في كتاب الله، لا تعلمه أنت، فلا تجادله، ولا ينبغي أن تجادل إلا الذين ظلموا، المقيم منهم على دينه. فقال: هو الذي يجادل، ويقال له بالسيف. قال: وهؤلاء يهود. قال: ولم يكن بدار الهجرة من النصارى أحد، إنما كانوا يهودا هم الذي كلموا وحالفوا رسول الله (ص)، وغدرت النضير يوم أحد، وغدرت قريظة يوم الاحزاب. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية قبل أن يؤمر النبي (ص) بالقتال، وقالوا: هي منسوخة نسخها قوله: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. ذكر من قال ذلك: 21184 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ثم نسخ بعد ذلك، فأمر بقتالهم في سورة براءة، ولا مجادلة أشد من السيف أن يقاتلوا حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله (ص)، أو يقروا بالخراج.
[ 5 ]
وأولى هذه الاقوال بالصواب، قول من قال: عنى بقوله إلا الذين ظلموا منهم: إلا الذين امتنعوا من أداء الجزية، ونصبوا دونها الحرب. فإن قال قائل: أو غير ظالم من أهل الكتاب، إلا من لم يؤد الجزية ؟ قيل: إن جميعهم وإن كانوا لانفسهم بكفرهم بالله، وتكذيبهم رسوله محمدا (ص)، ظلمة، فإنه لم يعن بقوله إلا الذين ظلموا منهم ظلم أنفسهم. وإنما عنى به: إلا الذين ظلموا منهم أهل الايمان بالله ورسوله محمد (ص)، فإن أولئك جادلوهم بالقتال. وإنما قلنا: ذلك أولى الاقوال فيه بالصواب، لان الله تعالى ذكره أذن للمؤمنين بجدال ظلمة أهل الكتاب بغير الذي هو أحسن، بقوله إلا الذين ظلموا منهم فمعلوم إذ كان قد أذن لهم في جدالهم، أن الذين لم يؤذن لهم في جدالهم إلا بالتي هي أحسن، غير الذين أذن لهم بذلك فيهم، وأنهم غير المؤمن، لان المؤمن منهم غير جائز جداله إلا في غير الحق، لانه إذا جاء بغير الحق، فقد صار في معنى الظلمة في الذي خالف فيه الحق. فإذ كان ذلك كذلك، تبين أن لا معنى لقول من قال: عنى بقوله ولا تجادلوا أهل الكتاب أهل الايمان منهم، وكذلك لا معنى لقول من قال: نزلت هذه الآية قبل الامر بالقتال، وزعم أنها منسوخة، لانه لا خبر بذلك يقطع العذر، ولا دلالة على صحته من فطرة عقل. وقد بينا في غير موضع من كتابنا، أنه لا يجوز أن يحكم على حكم الله في كتابه بأنه منسوخ إلا بحجة يجب التسليم لها من خبر أو عقل. وقوله: وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله، الذين نهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن: إذا حدثكم أهل الكتاب أيها القوم عن كتبهم، وأخبروكم عنها بما يمكن ويجوز أن يكونوا فيه صادقين، وأن يكونوا فيه كاذبين، ولم تعلموا أمرهم وحالهم في ذلك فقولوا لهم آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم مما في التوراة والانجيل وإلهنا وإلهكم واحد يقول: ومعبودنا ومعبودكم واحد ونحن له مسلمون يقول: ونحن له خاضعون متذللون بالطاعة فيما أمرنا ونهانا. وبنحو الذي قلنا في ذلك، جاء الاثر عن رسول الله (ص). ذكر الرواية بذلك: 21185 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: أخبرنا علي، عن
[ 6 ]
يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: كان أهل الكتاب يقرءون التوراة بالعبرانية، فيفسرونها بالعربية لاهل الاسلام، فقال رسول الله (ص): لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم، وإلهنا وإلهكم واحد، ونحن له مسلمون. 21186 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسار، قال: كان ناس من اليهود يحدثون ناسا من أصحاب النبي (ص)، فقال: لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم. 21187 - قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا سفيان، عن سليمان، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظهير، عن عبد الله، قال: لا تسألوا أهل الكتاب عن شئ، فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا، إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل، فإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا وفي قلبه تالية تدعوه إلى دينه كتالية المال. وكان مجاهد يقول في ذلك ما: 21188 - حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا الذين ظلموا منهم قال: قالوا مع الله إله، أو له ولد، أو له شريك، أو يد الله مغلولة، أو الله فقير، أو آذوا محمدا، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم لمن لم يقل هذا من أهل الكتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنآ إلا الكافرون) *. يقول تعالى ذكره: كما أنزلنا الكتب على من قبلك يا محمد من الرسل كذلك أنزلنا إليك هذا الكتاب، فالذين آتيناهم الكتاب من قبلك من بني إسرائيل يؤمنون به، ومن هؤلاء من يؤمن به يقول: ومن هؤلاء الذين هم بين ظهرانيك اليوم من يؤمن به كعبد الله بن سلام، ومن آمن برسوله من بني إسرائيل.
[ 7 ]
وقوله: وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون يقول تعالى ذكره: وما يجحد بأدلتنا وحججنا إلا الذي يجحد نعمنا عليه، وينكر توحيدنا وربوبيتنا على علم منه عنادا لنا. كما: 21189 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون قال: إنما يكون الجحود بعد المعرفة. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) *. يقول تعالى ذكره: وما كنت يا محمد تتلوا يعني تقرأ من قبله يعني من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إليك من كتاب ولا تخطه بيمينك يقول: ولم تكن تكتب بيمينك، ولكنك كنت أميا إذا لارتاب المبطلون يقول: ولو كنت من قبل أن يوحى إليك تقرأ الكتاب، أو تخطه بيمينك، إذن لارتاب: يقول: إذن لشك بسبب ذلك في أمرك، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه عليهم المبطلون القائلون إنه سجع وكهانة، وإنه أساطير الاولين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21190 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون قال: كان نبي الله (ص) أميا لا يقرأ شيئا ولا يكتب. 21191 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك قال: كان نبي الله لا يقرأ كتابا قبله، ولا يخطه بيمينه قال: كان أميا، والامي: الذي لا يكتب. 21192 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن إدريس الاودي، عن الحكم، عن مجاهد وما كنت تتلو من قبله من كتاب، ولا تخطه بيمينك قال: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أن النبي (ص) لا يخط بيمينه، ولا يقرأ كتابا، فنزلت هذه الآية. وبنحو الذي قلنا أيضا في قوله إذا لارتاب المبطلون قالوا. ذكر من قال ذلك: 21193 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إذا لارتاب المبطلون إذن لقالوا: إنما هذا شئ تعلمه محمد (ص) وكتبه.
[ 8 ]
21194 - حدثني محمد بن عمرو،: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله إذا لارتاب المبطلون قال قريش. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنآ إلا الظالمون) *. اختلف أهل التأويل في المعني بقوله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم فقال بعضهم: عنى به نبي الله (ص)، وقالوا: معنى الكلام: بل وجود أهل الكتاب في كتبهم أن محمدا (ص) لا يكتب ولا يقرأ، وأنه أمي، آيات بينات في صدورهم. ذكر من قال ذلك: 21195 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم قال: كان الله تعالى أنزل شأن محمد (ص) في التوراة والانجيل لاهل العلم وعلمه لهم، وجعله لهم آية، فقال لهم: إن آية نبوته أن يخرج حين يخرج لا يعلم كتابا، ولا يخطه بيمينه، وهي الآيات البينات. 21196 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وما كنت تتلو من قبله من كتاب قال: كان نبي الله لا يكتب ولا يقرأ، وكذلك جعل الله نعته في التوراة والانجيل، أنه نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب، وهي الآية البينة في صدور الذين أوتوا العلم. 21197 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب صدقوا بمحمد ونعته ونبوته. 21198 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، بل هو آيات بينات قال: أنزل الله شأن محمد في التوراة والانجيل لاهل العلم، بل هو آية بينفي صدور الذين أوتوا العلم، يقول: النبي (ص). وقال آخرون: عنى بذلك القرآن، وقالوا: معنى الكلام: بل هذا القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من المؤمنين بمحمد (ص). ذكر من قال ذلك:
[ 9 ]
21199 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، قال: قال الحسن، في قوله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم القرآن آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، يعني المؤمنين. وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عنى بذلك: بل العلم بأنك ما كنت تتلو من قبل هذا الكتاب كتابا، ولا تخطه بيمينك، آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب. وإنما قلت ذلك أولى التأويلين بالآية، لان قوله: بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم بين خبرين من أخبار الله عن رسوله محمد (ص)، فهو بأن يكون خبرا عنه أولى من أن يكون خبرا عن الكتاب الذي قد انقضى الخبر عنه قبل. وقوله: وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون يقول تعالى ذكره: ما يجحد نبوة محمد (ص) وأدلته، وينكر العلم الذي يعلم من كتب الله التي أنزلها على أنبيائه، ببعث محمد (ص) ونبوته ومبعثه إلا الظالمون، يعني الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله عز وجل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه قل إنما الآيات عند الله وإنما أنا نذير مبين) *. يقول تعالى ذكره: وقالت المشركون من قريش: هلا أنزل على محمد آية من ربه تكون حجة لله علينا كما جعلت الناقة لصالح، والمائدة آية لعيسى، قل يا محمد، إنما الآيات عند الله لا يقدر على الاتيان بها غيره وإنما أنا نذير مبين وإنما أنا نذير لكم أنذركم بأس الله وعقابه على كفركم برسوله. وما جاءكم به من عند ربكم مبين يقول: قد أبان لكم إنذاره. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: أو لم يكف هؤلاء المشركين يا محمد، القائلين: لولا أنزل على محمد (ص) آية من ربه، من الآيات والحجج أنا أنزلنا عليك هذا الكتاب يتلى عليهم
[ 10 ]
يقول: يقرأ عليهم إن في ذلك لرحمة يقول: إن في هذا الكتاب الذي أنزلنا عليهم لرحمة للمؤمنين به وذكرى يتذكرون بما فيه من عبرة وعظة. وذكر أن هذه الآية نزلت من أجل أن قوما من أصحاب رسول الله (ص) انتسخوا شيئا من بعض كتب أهل الكتاب. ذكر من قال ذلك: 21200 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله (ص) بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما أن نظر فيها ألقاها، ثم قال: كفى بها حماقة قوم، أو ضلالة قوم، أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم، إلى ما جاء به غير نبيهم إلى قوم غيرهم، فنزلت: أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل كفى بالله بيني وبينكم شهيدا يعلم ما في السماوات والارض والذين آمنوا بالباطل وكفروا بالله أولئك هم الخاسرون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد للقائلين لك: لولا أنزل عليك آية من ربك، الجاحدين بآياتنا من قومك: كفى الله يا هؤلاء بيني وبينكم شاهدا لي وعلي، لانه يعلم المحق منا من المبطل، ويعلم ما في السموات وما في الارض، لا يخفى عليه شئ فيهما، وهو المجازي كل فريق منا بما هو أهله، المحق على ثباته على الحق، والمبطل على باطله، بما هو أهله والذين آمنوا بالباطل يقول: صدقوا بالشرك، فأقروا به وكفروا به. يقول: وجحدوا الله أولئك هم الخاسرون يقول: هم المغبونون في صفقتهم. وبنحو الذي قلنا في قوله والذين آمنوا بالباطل قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21201 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة والذين آمنوا بالباطل: الشرك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون) *.
[ 11 ]
يقول تعالى ذكره: ويستعجلك يا محمد هؤلاء القائلون من قومك: لولا أنزل عليه آية من ربه بالعذاب، ويقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء ولولا أجل سميته لهم فلا أهلكهم حتى يستوفوه ويبلغوه، لجاءهم العذاب عاجلا. وقوله: وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يقول: وليأتينهم العذاب فجأة وهم لا يشعرون بوقت مجيئه قبل مجيئه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21202 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ويستعجلونك بالعذاب قال: قال ناس من جهلة هذه الامة اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) *. يقول تعالى ذكره: يستعجلك يا محمد هؤلاء المشركون بمجئ العذاب ونزوله بهم، والنار بهم محيطة لم يبق إلا أن يدخلوها. وقيل: إن ذلك هو البحر. ذكر من قال ذلك: 21203 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، قال: سمعت عكرمة يقول في هذه الآية وإن جهنم لمحيطة بالكافرين قال: البحر. * - أخبرنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة، مثله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: وإن جهنم لمحيطة بالكافرين يوم يغشى الكافرين العذاب من فوقهم في جهنم، ومن تحت أرجلهم. كما:
[ 12 ]
21204 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم: أي في النار. وقوله: ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون يقول جل ثناؤه: ويقول الله لهم: ذوقوا ما كنتم تعملون في الدنيا من معاصي الله، وما يسخطه فيها. وبالياء في ويقول ذوقوا قرأت عامة قراء الامصار خلا أبي جعفر، وأبي عمرو، فإنهما قرآ ذلك بالنون: ونقول. والقراءة التي هي القراءة عندنا بالياء لاجماع الحجة من القراء عليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: يا عبادي الذين وحدوني وآمنوا بي وبرسولي محمد (ص) إن أرضي واسعة. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي أريد من الخبر عن سعة الارض، فقال بعضهم: أريد بذلك أنها لم تضق عليكم فتقيموا بموضع منها لا يحل لكم المقام فيه، ولكن إذا عمل بمكان منها بمعاصي الله فلم تقدروا على تغييره، فاهربوا منه. ذكر من قال ذلك: 21205 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن الاعمش، عن سعيد بن جبير، في قوله: إن أرضي واسعة قال: إذا عمل فيها بالمعاصي، فاخرج منها. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن سعيد بن جبير، في قوله إن أرضي واسعة قال: إذا عمل فيها بالمعاصي فاخرج منها. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن ليث، عن رجل، عن سعيد بن جبير، قال: اهربوا فإن أرضي واسعة. 21206 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن منصور، عن عطاء، قال: إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا، فإن أرضي واسعة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن منصور، عن عطاء
[ 13 ]
إن أرضي واسعة قال: مجانبة أهل المعاصي. 21207 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله إن أرضي واسعة، فهاجروا وجاهدوا. 21208 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون فقلت: يريد بهذا من كان بمكة من المؤمنين، فقال: نعم. وقال آخرون: معنى ذلك: إن ما أخرج من أرضي لكم من الرزق واسع لكم. ذكر من قال ذلك: 21209 - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثني زيد بن الحباب، عن شداد بن سعيد بن مالك أبي طلحة الراسبي عن غيلان بن جرير المعولي، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري، في قول الله: إن أرضي واسعة: قال: إن رزقي لكم واسع. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن شداد، عن غيلان بن جرير، عن مطرف بن الشخير إن أرضي واسعة قال: رزقي لكم واسع. وأولى القولين بتأويل الآية قول من قال: معنى ذلك: إن أرضي واسعة، فاهربوا ممن منعكم من العمل بطاعتي لدلالة قوله فإياي فاعبدون على ذلك، وأن ذلك هو أظهر معنييه، وذلك أن الارض إذا وصفها بسعة، فالغالب من وصفه إياها بذلك، أنها لا تضيق جميعها على من ضاق عليه منها موضع، لا أنه وصفها بكثرة الخير والخصب. وقوله: فإياي فاعبدون يقول: فأخلصوا إلى عبادتكم وطاعتكم، ولا تطيعوا في معصيتي أحدا. القول في تأويل قوله تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ئ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الانهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ئ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب نبيه: هاجروا من أرض الشرك من مكة،
[ 14 ]
إلى أرض الاسلام المدينة، فإن أرضي واسعة، فاصبروا على عبادتي، وأخلصوا طاعتي، فإنكم ميتون، وصائرون إلي، لان كل نفس حية ذائقة الموت، ثم إلينا بعد الموت تردون. ثم أخبرهم جل ثناؤه عما أعد للصابرين منهم على طاعته، من كرامته عنده، فقال: والذين آمنوا، يعني صدقوا الله ورسوله، فيما جاء به من عند الله، وعملوا الصالحات: يقول: وعملوا بما أمرهم الله فأطاعوه فيه، وانتهوا عما نهاهم عنه لنبوئنهم من الجنة غرفا يقول: لننزلنهم من الجنة علالي. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: لنبوئنهم بالباء وقرأته عامة قراء الكوفة بالثاء: لنثوينهم. والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الامصار، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب، وذلك أن قوله: لنبوئنهم من بوأته منزلا: أي أنزلته، وكذلك لنثوينهم إنما هو من أثويته مسكنا إذا أنزلته منزلا، من الثواء، وهو المقام. وقوله: تجري من تحتها الانهار يقول: تجرى من تحت أشجارها الانهار. خالدين فيها يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية نعم أجر العاملين يقول: نعم جزاء العاملين بطاعة الله هذه الغرف التي يثويهموها الله في جناته، تجري من تحتها الانهار، الذين صبروا على أذى المشركين في الدنيا، وما كانوا يلقون منهم، وعلى العمل بطاعة الله وما يرضيه، وجهاد أعدائه وعلى ربهم يتوكلون في أرزاقهم وجهاد أعدائهم، فلا ينكلون عنهم ثقة منهم بأن الله معلي كلمته، وموهن كيد الكافرين، وأن ما قسم لهم من الرزق فلن يفوتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم) *. يقول تعالى ذكره للمؤمنين به، وبرسوله من أصحاب محمد (ص): هاجروا وجاهدوا في الله أيها المؤمنون أعداءه، ولا تخافوا عيلة ولا إقتارا، فكم من دابة ذات حاجة إلى غذاء ومطعم ومشرب لا تحمل رزقها، يعني غذاءها لا تحمله، فترفعه في يومها لغدها
[ 15 ]
لعجزها عن ذلك الله يرزقها وإياكم يوما بيوم وهو السميع لاقوالكم: نخشى بفراقنا أوطاننا العيلة العليم ما في أنفسكم، وما إليه صائر أمركم، وأمر عدوكم من إذلال الله إياهم، ونصرتكم عليهم، وغير ذلك من أموركم، لا يخفى عليه شئ من أمور خلقه. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21210 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وكأين من دابة لا تحمل رزقها قال: الطير والبهائم لا تحمل الرزق. 21211 - حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت عمران، عن أبي مجلز في هذه الآية وكأين من دابة لا تحمل رزقها، الله يرزقها وإياكم قال: من الدواب ما لا يستطيع أن يدخر لغد، يوفق لرزقه كل يوم حتى يموت. 21212 - حدثنا ابن وكيع قال: ثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن علي بن الاقمر وكأين من دابة لا تحمل رزقها قال: لا تدخر شيئا لغد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون) *. يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من خلق السموات والارض فسواهن، وسخر الشمس والقمر لعباده، يجريان دائبين لمصالح خلق الله، ليقولن الذي خلق ذلك وفعله الله فأنى يؤفكون يقول جل ثناؤه: فأنى يصرفون عمن صنع ذلك، فيعدلون عن إخلاص العبادة له. كما: 21213 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأنى يؤفكون: أي يعدلون. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله يبسط الرزق لمن يشآء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم) *. يقول تعالى ذكره: الله يوسع من رزقه لمن يشاء من خلقه، ويضيق فيقتر لمن يشاء منهم. يقول: فأرزاقكم وقسمتها بينكم أيها الناس بيدي دون كل أحد سواي أبسط لمن شئت منها، وأقتر على من شئت، فلا يخلفنكم عن الهجرة وجهاد عدوكم خوف العيلة إن
[ 16 ]
الله بكل شئ عليم يقول: إن الله عليم بمصالحكم، ومن لا يصلح له إلا البسط في الرزق، ومن لا يصلح له إلا التقتير عليه، وهو عالم بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك من نزل من السماء ماء، وهو المطر الذي ينزله الله من السحاب فأحيا به الارض يقول: فأحيا بالماء الذي نزل من السماء الارض، وإحياؤها: إنباته النبات فيها من بعد موتها من بعد جدوبها وقحوطها. وقوله: ليقولن الله يقول: ليقولن الذي فعل ذلك الله الذي له عبادة كل شئ. وقوله: قل الحمد لله يقول: وإذا قالوا ذلك، فقل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون يقول: بل أكثر هؤلاء المشركين بالله لا يعقلون مالهم فيه النفع من أمر دينهم، وما فيه الضر، فهم لجهلهم يحسبون أنهم لعبادتهم الآلهة دون الله، ينالون بها عند الله زلفة وقربة، ولا يعلمون أنهم بذلك هالكون مستوجبون الخلود في النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما هذه الحياة الدنيآ إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: وما هذه الحياة الدنيا التي يتمتع منها هؤلاء المشركون إلا لهو ولعب يقول: إلا تعليل النفوس بما تلتذ به، ثم هو منقض عن قريب، لا بقاء له ولا دوام وإن الدار الآخرة لهي الحيوان يقول: وإن الدار الآخرة لفيها الحياة الدائمة التي لا زوال لها ولا انقطاع ولا موت معها. كما: 21214 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون حياة لا موت فيها. 21215 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله لهي الحيوان قال: لا موت فيها.
[ 17 ]
21216 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله وإن الدار الآخرة لهي الحيوان يقول: باقية. وقوله: لو كانوا يعلمون يقول: لو كان هؤلاء المشركون يعلمون أن ذلك كذلك، لقصروا عن تكذيبهم بالله، وإشراكهم غيره في عبادته، ولكنهم لا يعلمون ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) *. يقول تعالى ذكره: فإذا ركب هؤلاء المشركون السفينة في البحر، فخافوا الغرق والهلاك فيه دعوا الله مخلصين له الدين يقول: أخلصوا لله عند الشدة التي نزلت بهم التوحيد، وأفردوا له الطاعة، وأذعنوا له بالعبودة، ولم يستغيثوا بآلهتهم وأندادهم، ولكن بالله الذي خلقهم فلما نجاهم إلى البر يقول: فلما خلصهم مما كانوا فيه وسلمهم، فصاروا إلى البر إذا هم يجعلون مع الله شريكا في عبادتهم، ويدعون الآلهة والاوثان معه أربابا. القول في تأويل قوله تعالى: 21217 - حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: * (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) * فالخلق كلهم يقرون لله أنه ربهم، ثم يشركون بعد ذلك. * (ليكفروا بمآ آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ئ أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم أفبا لباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون) *. يقول تعالى ذكره: فلما نجى الله هؤلاء المشركين مما كانوا فيه من البحر من الخوف والحذر من الغرق إلى البر إذا هم بعد أن صاروا إلى البر يشركون بالله الآلهة والانداد ليكفروا بما آتيناهم يقول: ليجحدوا نعمة الله التي أنعمها عليهم في أنفسهم وأموالهم. وليتمتعوا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: وليتمتعوا بكسر اللام، بمعنى: وكي يتمتعوا آتيناهم ذلك. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وليتمتعوا بسكون اللام على وجه الوعيد والتوبيخ: أي اكفروا فإنكم سوف تعلمون ماذا يلقون من عذاب الله بكفرهم به.
[ 18 ]
وأولى القراءتين عندي في ذلك بالصواب، قراءة من قرأه بسكون اللام على وجه التهديد والوعيد، وذلك أن الذين قرءوه بكسر اللام زعموا أنهم إنما اختاروا كسرها عطفا بها على اللام التي في قوله: ليكفروا، وأن قوله ليكفروا لما كان معناه: كي يكفروا كان الصواب في قوله وليتمتعوا أن يكون: وكي يتمتعوا، إذ كان عطفا على قوله: ليكفروا عندهم، وليس الذي ذهبوا من ذلك بمذهب، وذلك لان لام قوله ليكفروا صلحت أن تكون بمعنى كي، لانها شرط لقوله: إذا هم يشركون بالله كي يكفروا بما آتيناهم من النعم، وليس ذلك كذلك في قوله وليتمتعوا لان إشراكهم بالله كان كفرا بنعمته، وليس إشراكهم به تمتعا بالدنيا، وإن كان الاشراك به يسهل لهم سبيل التمتع بها فإذ كان ذلك كذلك فتوجيهه إلى معنى الوعيد أولى وأحق من توجيهه إلى معنى: وكي يتمتعوا. وبعد فقد ذكر أن ذلك في قراءة أبي: وتمتعوا وذلك دليل على صحة من قرأه بسكون اللام بمعنى الوعيد. وقوله: أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا يقول تعالى ذكره مذكرا هؤلاء المشركين من قريش، القائلين: لولا أنزل عليه آية من ربه، نعمته عليهم التي خصهم بها دون سائر الناس غيرهم مع كفرهم بنعمته وإشراكهم في عبادته الآلهة والانداد: أو لم ير هؤلاء المشركون من قريش، ما خصصناهم به من نعمتنا عليهم دون سائر عبادنا، فيشكرونا على ذلك، وينزجروا عن كفرهم بنا، وإشراكهم ما لا ينفعنا ولا يضرهم في عبادتنا أنا جعلنا بلدهم حرما، حرمنا على الناس أن يدخلوه بغارة أو حرب، آمنا، يأمن فيه من سكنه، فأوى إليه من السباء والخوف والحرام الذي لا يأمنه غيرهم من الناس ويتخطف الناس من حولهم يقول: وتسلب الناس من حولهم قتلا وسباء. كما: 21218 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم قال: كان لهم في ذلك آية أن الناس يغزون ويتخطفون وهم آمنون. وقوله: أفبالباطل يؤمنون يقول: أفبالشرك بالله يقرون بألوهة الاوثان بأن يصدقوا، وبنعمة الله التي خصهم بها من أن جعل بلدهم حرما آمنا يكفرون، يعني بقوله يكفرون: يجحدون. كما: 21219 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أفبا لباطل يؤمنون: أي بالشرك وبنعمة الله يكفرون: أي يجحدون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 19 ]
* (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين) *. يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا، فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء أو كذب بالحق لما جاءه يقول: أو كذب بما بعث الله به رسوله محمدا (ص) من توحيده، والبراءة من الآلهة والانداد لما جاءه هذا الحق من عند الله أليس في جهنم مثوى للكافرين يقول: أليس في النار مثوى ومسكن لمن كفر بالله، وجحد توحيده وكذب رسوله (ص) وهذا تقرير، وليس باستفهام، إنما هو كقول جرير: ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح إنما أخبر أن للكافرين بالله مسكنا في النار، ومنزلا يثوون فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) *. يقول تعالى ذكره: والذين قاتلوا هؤلاء المفترين على الله كذبا من كفار قريش، المكذبين بالحق لما جاءهم فينا، مبتغين بقتالهم علو كلمتنا، ونصرة ديننا لنهدينهم سبلنا يقول: لنوفقنهم لاصابة الطريق المستقيمة، وذلك إصابة دين الله الذي هو الاسلام الذي بعث الله به محمدا (ص) وإن الله لمع المحسنين يقول: وإن الله لمع من أحسن من خلقه، فجاهد فيه أهل الشرك، مصدقا رسوله فيما جاء به من عند الله بالعون له، والنصرة على من جاهد من أعدائه. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله والذين جاهدوا فينا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21220 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله والذين جاهدوا فينا فقلت له: قاتلوا فينا، قال: نعم. آخر تفسير سورة العنكبوت
[ 20 ]
سورة الروم مكية وآياتها ستون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (المئ غلبت الروم ئ في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ئ في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون ئ بنصر الله ينصر من يشآء وهو العزيز الرحيم) *. قال أبو جعفر: قد بينا فيما مضى قبل معنى قوله الم وذكرنا ما فيه من أقوال أهل التأويل، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: غلبت الروم في أدنى الارض اختلفت القراء في قراءته، فقرأته عامة قراء الامصار: غلبت الروم بضم الغين، بمعنى: أن فارس غلبت الروم. وروي عن ابن عمر وأبي سعيد في ذلك ما: 21221 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن الحسن الجفري، عن سليط، قال: سمعت ابن عمر يقرأ الم غلبت الروم فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، على أي شئ غلبوا ؟ قال: على ريف الشام. والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره الم غلبت الروم بضم الغين، لاجماع الحجة من القراء عليه. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: غلبت فارس الروم في أدنى الارض من أرض الشام إلى أرض فارس وهم من بعد غلبهم يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس في بضع سنين لله الامر من قبل غلبتهم فارس ومن بعد غلبتهم إياها، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر
[ 21 ]
من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين، ونصرة الروم على فارس ينصر الله تعالى ذكره من يشاء من خلقه، على من يشاء، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر وهو العزيز يقول: والله الشديد في انتقامه من أعدائه، لا يمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينه حائل الرحيم بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذبه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21222 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن سعيد، أو سعيد الثعلبي الذي يقال له أبو سعد من أهل طرسوس، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبون أن يغلب أهل فارس، لانهم أهل الاوثان، قال: فذكروا ذلك لابي بكر، فذكره أبو بكر للنبي (ص) فقال: أما إنهم سيهزمون، قال: فذكر ذلك أبو بكر للمشركين، قال: فقالوا: أفنجعل بيننا وبينكم أجلا، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا قال: فجعلوا بينهم وبينه أجلا خمس سنين، قال: فمضت فلم يغلبوا قال: فذكر ذلك أبو بكر للنبي (ص)، فقال له: أفلا جعلته دون العشر، قال سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: فغلب الروم، ثم غلبت قال: فذلك قوله: الم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين قال: البضع: ما دون العشر لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله قال سفيان: فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر. 21223 - حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا موسى بن هارون البردي، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: لما نزلت الم غلبت الروم في أدنى الارض... الآية، ناحب أبو بكر قريشا، ثم أتى النبي (ص)، فقال له: إني قد ناحبتهم، فقال له النبي (ص): هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع. قال الجمحي: المناحبة: المراهنة، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك. 21224 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي،
[ 22 ]
عن أبيه، عن ابن عباس، قوله آلم غلبت الروم... إلى قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله قال: قد مضى كان ذلك في أهل فارس والروم، وكانت فارس قد غلبتهم، ثم غلبت الروم بعد ذلك، ولقي نبي الله (ص) مشركي العرب، يوم التقت الروم وفارس، فنصر الله النبي (ص) ومن معه من المسلمين على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب على العجم. قال عطية: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك، فقال: التقينا مع محمد رسول الله (ص) ومشركي العرب، والتقت الروم وفارس، فنصرنا الله على مشركي العرب، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين، وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. * - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله آلم. غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون غلبتهم فارس، ثم غلبت الروم. 21225 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله: خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والروم. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، قال: قد مضى آلم غلبت الروم. 21226 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد آلم غلبت الروم... إلى قوله أكثر الناس لا يعلمون قال: ذكر غلبة فارس إياهم، وإدالة الروم على فارس، وفرح المؤمنون بنصر الروم أهل الكتاب على فارس من أهل الاوثان. 21227 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن عكرمة، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الارض، قالوا: وأدنى الارض يومئذ أذرعات، بها التقوا، فهزمت الروم فبلغ ذلك النبي (ص) وأصحابه وهم بمكة، فشق
[ 23 ]
ذلك عليهم وكان النبي (ص) يكره أن يظهر الاميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي (ص)، فقالوا: إنكم أهل الكتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله آلم غلبت الروم في أدنى الارض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الامر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله... الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا ؟ فلا تفرحوا، ولا يقرن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا (ص)، فقام إليه أبي بن خلف، فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: أناحبك عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت إلى ثلاث سنين ثم جاء أبو بكر إلى النبي (ص) فأخبره، فقال: ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر، وماده في الاجل. فخرج أبو بكر فلقي أبيا، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، فقال: أزايدك في الخطر، وأمادك في الاجل، فاجعلها مئة قلوص لمئة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت. 21228 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الابطال، فدعاها كسرى، فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليهم رجلا من بنيك، فأشيري علي أيهم أستعمل، فقالت: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صرد، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان، وهذا شهربراز، وهو أحلم من كذا، فاستعمل أيهم شئت قال: إني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، وظهر عليهم، فقتلهم، وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم قال أبو بكر: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام ؟ قلت: لا، قال: أما إنك لو رأيتها، لرأيت المدائن التي خربت، والزيتون الذي قطع، فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته.
[ 24 ]
قال عطاء الخراساني: ثني يحيى بن يعمر، أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهربراز، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفار قريش، وكرهه المسلمون، فأنزل الله آلم غلبت الروم في أدنى الارض... الآيات، ثم ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ثم مات كسرى، فبلغهم موته، فانهزم شهربراز وأصحابه، وأوعبت عليهم الروم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم قال: وقال عكرمة في حديثه: لما ظهرت فارس على الروم جلس فرخان يشرب، فقال لاصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلى شهربراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان، فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وضربا في العدو، فلا تفعل. فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفا منه، فعجل إلي برأسه. فراجعه، فغضب كسرى فلم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه فلما قرأ شهربراز الكتاب، قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع الصحيفة إليه، قال: ائتوني بشهربراز، فقدمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل حتى أكتب وصيتي، قال: نعم، فدعا بالسفط، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد، فرد الملك، وكتب شهربراز إلى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا يحملها البريد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين روميا، فإني ألقاك في خمسين فارسيا فأقبل قيصر في خمس مئة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق، وخا ف أن يكون قد مكر به، حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسون رجلا، ثم بسط لهما، والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، مع كل واحد منهما سكين، فدعيا ترجمانا بينهما، فقال شهربراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي، بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل، فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما، فأهلك الله كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله (ص) يوم الحديبية، ففرح ومن معه.
[ 25 ]
21229 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة آلم غلبت الروم قال: غلبتهم فارس على أدنى الشام وهم من بعد غلبهم سيغلبون... الآية، قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم، وعلموا أن الروم سيظهرون على فارس، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص، خمس قلائص، وأجلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، وولي قمار المشركين أبي بن خلف، وذلك قبل أن ينهى عن القمار، فحل الاجل، ولم يظهر الروم على فارس، وسأل المشركون قمارهم، فذكر ذلك أصحاب النبي للنبي (ص) قال: لم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا دون العشر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر، وزايدوهم في القمار، ومادوهم في الاجل، ففعلوا ذلك، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس البضع سنين من قمارهم الاول، وكان ذلك مرجعه من الحديبية، ففرح المسلمون بصلحهم الذي كان، وبظهور أهل الكتاب على المجوس، وكان ذلك مما شدد الله به الاسلام وهو قوله ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله... الآية. 21230 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، في قوله آلم غلبت الروم... إلى قوله ويومئذ يفرح المؤمنون قال: كان النبي (ص) أخبر الناس بمكة أن الروم ستغلب، قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان المسلمون يحبون ظهور الروم على فارس، لانهم أهل الكتاب. 21231 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن عبدا لله، قال: كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لانهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم: فلما نزلت آلم غلبت الروم... إلى في بضع سنين قالوا: يا أبا بكر: إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك ؟ فبايعوه على أربع قلائص، إلى سبع سنين، فمضت السبع، ولم يكن شئ، ففرح المشركون بذلك، وشق على المسلمين، فذكروا ذلك للنبي (ص): فقال: ما بضع سنين عندكم ؟ قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين قال: فما مضت السنتان، حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل الله: آلم غلبت الروم... إلى قوله وعد الله لا يخلف الله وعده. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الاعمش، ومطر عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: مضت الروم.
[ 26 ]
21232 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله آلم غلبت الروم في أدنى الارض قال: أدنى الارض: الشأم وهم من بعد غلبهم سيغلبون قال: كانت فارس قد غلبت الروم، ثم أديل الروم على فارس، وذكر أن رسول الله (ص) قال: إن الروم ستغلب فارسا، فقال المشركون: هذا مما يتخرص محمد، فقال أبو بكر: تناحبونني ؟ والمناحبة: المجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكر، فجعل السنين أربعا أو خمسا، ثم جاء إلى النبي (ص)، فقال رسول الله (ص): إن البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، فارجع إلى القوم، فزد في المناحبة، فرجع إليهم. قالوا: فناحبهم فزاد. قال: فغلبت الروم فارسا، فذلك قول الله: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء يوم أديلت الروم على فارس. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس آلم غلبت الروم قال: غلبت وغلبت. فأما الذين قرء وا ذلك: غلبت الروم بفتح الغين، فإنهم قالوا: نزلت هذه الآية خبرا من الله نبيه (ص) عن غلبة الروم. ذكر من قال ذلك: 21233 - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان، يعني الاعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم ظهر الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت آلم غلبت الروم على فارس. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، غلبت الروم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل الله آلم غلبت الروم... إلى آخر الآية. * - حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الاعمش، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، لانهم أهل كتاب، فأنزل الله آلم غلبت الروم في أدنى الارض قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثم قرأ حتى بلغ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله. وقوله: في أدنى الارض قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدم قبل، وأذكر قول من لم يذكر قوله.
[ 27 ]
21234 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله في أدنى الارض يقول: في طرف الشام. ومعنى قوله أدنى: أقرب، وهو أفعل من الدنو والقرب. وإنما معناه: في أدنى الارض من فارس، فترك ذكر فارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله في أدنى الارض عليه منه. وقوله: وهم من بعد غلبهم يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس. وقوله: من بعد غلبهم مصدر من قول القائل: غلبته غلبة، فحذفت الهاء من الغلبة. وقيل: من بعد غلبهم، ولم يقل: من بعد غلبتهم للاضافة، كما حذفت من قوله: وإقام الصلاة للاضافة. وإنما الكلام: وإقامة الصلاة. وأما قوله: سيغلبون فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها، والواجب على قراءة من قرأ: الم غلبن الروم بفتح الغين، أن يقرأ قوله: سيغلبون بضم الياء، فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتى يصح معنى الكلام، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء، لان الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر. وقوله: في بضع سنين قد ذكرنا اختلاف أهل التأويل في معنى البضع فيما مضى، وأتينا على الصحيح من أقوالهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقد: 21235 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم بن بشير، قال: ثنا خلاد بن أسلم الصفار، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، قال: قلت له: مالبضع ؟ قال: زعم أهل الكتاب أنه تسع أو سبع. وأما قوله: لله الامر من قبل ومن بعد فإن القاسم. 21236 - حدثنا، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله: لله الامر من قبل دولة فارس على الروم ومن بعد دولة الروم على فارس. وأما قوله: ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء فقد ذكرنا الرواية في تأويله قبل، وبينا معناه. القول في تأويل قوله تعالى: * (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: وعد الله جل ثناؤه، وعد أن الروم ستغلب فارس من بعد غلبة
[ 28 ]
فارس لهم. ونصب وعد الله على المصدر من قوله وهم من بعد غلبهم سيغلبون لان ذلك وعد من الله لهم أنهم سيغلبون، فكأنه قال: وعد الله ذلك المؤمنين وعدا. لا يخلف الله وعده يقول تعالى ذكره: إن الله يفي بوعده للمؤمنين أن الروم سيغلبون فارس، لا يخلفهم وعده ذلك، لانه ليس في مواعيده خلف. ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول: ولكن أكثر قريش الذين يكذبون بأن الله منجز وعده المؤمنين، من أن الروم تغلب فارس، لا يعلمون أن ذلك كذلك، وأنه لا يجوز أن يكون في وعد الله إخلاف. القول في تأويل قوله تعالى: * (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) *. يقول تعالى ذكره: يعلم هؤلاء المكذبون بحقيقة خبر الله أن الروم ستغلب فارس ظاهرا من حياتهم الدنيا، وتدبير معايشهم فيها، وما يصلحهم، وهم عن أمر آخرتهم، وما لهم فيه النجاة من عقاب الله هنالك غافلون، لا يفكرون فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21237 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا أبوتميلة يحيى بن واضح الانصاري، قال: ثنا الحسين بن واقد، قال: ثنا يزيد النحوي عن عكرمة، عن ابن عباس، في قو له يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا يعني معايشهم، متى يحصدون ومتى يغرسون. * حدثني أحمد بن الوليد الرملي، قال ثنا: عمرو بن عثمان بن عمر، عن عاصم بن علي، قال: ثنا أبوتميلة، قال: ثنا ابن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: متى يزرعون، متى يغرسون. 21238 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، قال: ثني شرقي، عن عكرمة، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: هو السراج أو نحوه. * - حدثنا أبو هريرة محمد بن فراس الضبعي، قال: ثنا أبو قتيبة، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرمة، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا: قال السراجون. * - حدثنا أحمد بن الوليد الرملي، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا شعبة، عن شرقي، عن عكرمة، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: الخرازون والسراجون.
[ 29 ]
21239 - حدثنا بشر بن آدم، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: معايشهم وما يصلحهم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم مثله. * - حدثني بشر بن آدم، قال: ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة، وعن منصور عن إبراهيم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: معايشهم. 21240 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ظاهرا من الحياة الدنيا يعني الكفار، يعرفون عمران الدنيا، وهم في أمر الدين جهال. 21241 - حدثني ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن أبيه، عن عكرمة يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: معايشهم، وما يصلحهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبرهيم، مثله. 21242 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا من حرفتها وتصرفها وبغيتها وهم عن الآخرة هم غافلون. 21243 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن الحسن، قال: يعلمون متى زرعهم، ومتى حصادهم. * - قال: ثنا حفص بن راشد الهلالي، عن شعبة، عن شرقي، عن عكرمة يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: السراج ونحوه. 21244 - حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: صرفها في معيشتها. 21245 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون. وقال آخرون في ذلك ما:
[ 30 ]
21246 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، في قوله يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا قال: تسترق الشياطين السمع، فيسمعون الكلمة التي قد نزلت، ينبغي لها أن تكون في الارض، قال: ويرمون بالشهب، فلا ينجو أن يحترق، أو يصيبه شرر منه قال: فيسقط فلا يعود أبدا قال: ويرمى بذلك الذي سمع إلى أوليائه من الانس، قال: فيحملون عليه ألف كذبة، قال: فما رأيت الناس يقولون: يكون كذا وكذا، قال: فيجئ الصحيح منه كما يقولون، الذي سمعوه من السماء، ويعقبه من الكذب الذي يخوضون فيه. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والارض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون) *. يقول تعالى ذكره: أو لم يتفكر هؤلاء المكذبون بالبعث يا محمد من قومك في خلق الله إياهم، وأنه خلقهم ولم يكونوا شيئا، ثم صرفهم أحوالا وتارات حتى صاروا رجالا، فيعلموا أن الذي فعل ذلك قادر أن يعيدهم بعد فنائهم خلقا جديدا، ثم يجازي المحسن منهم بإحسانه، والمسئ بإساءته، لا يظلم أحدا منهم فيعاقبه بجرم غيره، ولا يحرم أحدا منهم جزاء عمله، لانه العدل الذي لا يجور ما خلق الله السموات والارض وما بينهما إلا بالعدل، وإقامة الحق، وأجل مسمى يقول: وبأجل مؤقت مسمى، إذا بلغت ذلك الوقت أفنى ذلك كله، وبدل الارض غير الارض والسموات، وبرزوا لله الواحد القهار، وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم جاحدون منكرون، جهلا منهم بأن معادهم إلى الله بعد فنائهم، وغفلة منهم عن الآخرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) *. يقول تعالى ذكره: أو لم يسر هؤلاء المكذبون بالله، الغافلون عن الآخرة من قريش في البلاد التي يسلكونها تجرا، فينظروا إلى آثار الله فيمن كان قبلهم من الامم المكذبة، كيف كان عاقبة أمرها في تكذيبها رسلها، فقد كانوا أشد منهم قوة، وأثاروا الارض يقول: واستخرجوا الارض، وحرثوها وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء، فأهلكهم الله
[ 31 ]
بكفرهم وتكذيبهم رسلهم، فلم يقدروا على الامتناع، مع شدة قواهم مما نزل بهم من عقاب الله، ولا نفعتهم عمارتهم ما عمروا من الارض، إذ جاءتهم رسلهم بالبينات من الآيات، فكذبوهم، فأحل الله بهم بأسه، فما كان الله ليظلمهم بعقابه إياهم على تكذيبهم رسله وجحودهم آياته، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بمعصيتهم ربهم. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله وأثاروا الارض قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21247 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: أو لم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة، وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها قال: ملكوا الارض وعمروها. 21248 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأثاروا الارض قال: حرثوها. 21249 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو لم يسيروا في الارض... إلى قوله وأثاروا الارض وعمروها كقوله: وآثارا في الارض، قوله: وعمروها أكثر مما عمر هؤلاء وجاءتهم رسلهم بالبينات. القول في تأويل قوله تعالى: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون) *. يقول تعالى ذكره،: ثم كان آخر أمر من كفر من هؤلاء الذين أثاروا الارض وعمروها، وجاءتهم رسلهم بالبينات بالله، وكذبوا رسلهم، فأساءوا بذلك في فعلهم. السوأى: يعني الخلة التي هي أسوأ من فعلهم أما في الدنيا، فالبوار والهلاك، وأما في الآخرة فالنار لا يخرجون منها، ولا هم يستعتبون. وبنحو الذى قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
[ 32 ]
21250 - حدثنا بشر، قال ثنا يزيد، قال سعيد عن قتادة، قوله ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى: الذين أشركوا السوءى: أي النار. 21251 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى يقول: الذين كفروا جزاؤهم العذاب. وكان بعض أهل العربية يقول: السوأى في هذا الموضع: مصدر، مثل البقوى، وخالفه في ذلك غيره فقال: هي اسم. وقوله: أن كذبوا بآيات الله يقول: كانت لهم السوأى، لانهم كذبوا في الدنيا بآيات الله، وكانوا بها يستهزءون: يقول: وكانوا بحجج الله وهم أنبياؤه ورسله يسخرون. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون) *. يقول تعالى ذكره: الله تعالى يبدأ إنشاء جميع الخلق منفردا بإنشائه من غير شريك ولا ظهير، فيحدثه من غير شئ، بل بقدرته عزوجل، ثم يعيد خلقا جديدا بعد إفنائه وإعدامه، كما بدأه خلقا سويا، ولم يك شيئا ثم إليه ترجعون يقول: ثم إليه من بعد إعادتهم خلقا جديدا يردون، فيحشرون لفصل القضاء بينهم وليجزي الذين أساءوا بما عملوا، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون ئ ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين) *. يقول تعالى ذكره: ويوم تجئ الساعة التي فيها يفصل الله بين خلقه، وينشر فيها الموتى من قبورهم، فيحشرهم إلى موقف الحساب يبلس المجرمون يقول: ييأس الذين أشركوا بالله، واكتسبوا في الدنيا مساوئ الاعمال من كل شر، ويكتئبون ويتندمون، كما قال العجاج: يا صاح هل تعرف رسما مكرسا قال نعم أعرفه وأبلسا
[ 33 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21252 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله يبلس قال: يكتئب. 21253 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله يبلس المجرمون أي في النار. 21254 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون قال: المبلس: الذي قد نزل به الشر، إذا أبلس الرجل، فقد نزل به بلاء. وقوله: ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء يقول تعالى ذكره: ويوم تقوم الساعة لم يكن لهؤلاء المجرمين الذين وصف جل ثناؤه صفتهم من شركائهم الذين كانوا يتبعونهم، على ما دعوهم إليه من الضلالة، فيشاركونهم في الكفر بالله، والمعاونة على أذى رسله، شفعاء يشفعون لهم عند الله، فيستنقذوهم من عذابه. وكانوا بشركائهم كافرين يقول: وكانوا بشركائهم في الضلالة والمعاونة في الدنيا على أولياء الله كافرين، يجحدون ولايتهم، ويتبرءون منهم، كما قال جل ثناؤه: إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا، ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب. وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفر قون ئ فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم تجئ الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله يومئذ، يقول في ذلك اليوم يتفرقون يعني: يتفرق أهل الايمان بالله، وأهل الكفر به فأما أهل الايمان، فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، فهنالك يميز الله الخبيث من الطيب. كما:
[ 34 ]
21255 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون قال: فرقة والله لا اجتماع بعدها. فأما الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه فهم في روضة يحبرون يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يسرون، ويلذذون بالسماع وطيب العيش الهني. وإنما خص جل ثناؤه ذكر الروضة في هذا الموضع، لانه لم يكن عند الطرفين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض، ويدل على أن ذلك كذلك قول أعشى بني ثعلبة: ما روضة من رياض الحسن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل يضاحك الشمس منها كوكب شرق مؤزر بعميم النبت مكتهل يوما بأطيب منها نشر رائحة ولا بأحسن منها إذ دنا الاصل فأعلمهم بذلك تعالى، أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات من المنظر الانيق، واللذيذ من الاراييح، والعيش الهني فيما يحبون، ويسرون به، ويغبطون عليه. والحبرة عند العرب: السرور والغبطة قال العجاج: فالحمد لله الذي أعطى الحبر موالي الحق إن المولى شكر واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: فهم في روضة يكرمون. ذكر من قال ذلك: 21256 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله فهم في روضة يحبرون قال: يكرمون. وقال آخرون: معناه: ينعمون. ذكر من قال ذلك: 21257 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 35 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله يحبرون قال: ينعمون. 21258 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله فهم في روضة يحبرون قال: ينعمون. وقال آخرون: يلذذون بالسماع والغناء. ذكر من قال ذلك: 21259 - حدثني محمد بن موسى الحرسي، قال: ثني عامر بن يساف، قال: سألت يحيى بن أبي كثير، عن قول الله فهم في روضة يحبرون قال: الحبرة: اللذة والسماع. 21260 - حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي، قال: ثنا ضمرة بن ربيعة، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير في قوله يحبرون قال: السماع في الجنة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عيسى بن يونس، عن الاوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، مثله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن عامر بن يساف، عن يحيى بن أبي كثير، مثله. وكل هذه الالفاظ التي ذكرنا عمن ذكرناها عنه تعود إلى معنى ما قلنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقآء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون) *. يقول تعالى ذكره: وأما الذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا رسله، وأنكروا البعث بعد الممات والنشور للدار الآخرة، فأولئك في عذاب الله محضرون، وقد أحضرهم الله إياها، فجمعهم فيها ليذوقوا العذاب الذي كانوا في الدنيا يكذبون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ئ وله الحمد في السماوات والارض وعشيا وحين تظهرون) *.
[ 36 ]
يقول تعالى ذكره: فسبحوا الله أيها الناس: أي صلوا له حين تمسون، وذلك صلاة المغرب، وحين تصبحون، وذلك صلاة الصبح وله الحمد في السموات والارض يقول: وله الحمد من جميع خلقه دون غيره في السموات من سكانها من الملائكة، والارض من أهلها، من جميع أصناف خلقه فيها، وعشيا يقول: وسبحوه أيضا عشيا، وذلك صلاة العصر وحين تظهرون يقول: وحين تدخلون في وقت الظهر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21261 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، قال: سأل نافع بن الازرق بن عباس: (هل تجد) ميقات الصلوات الخمس في كتاب الله ؟ قال: نعم فسبحان الله حين تمسون المغرب وحين تصبحون الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر، قال: ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي رزين، قال: سأل نافع بن الازرق ابن عباس عن الصلوات الخمس في القرآن، قال: نعم، فقرأ فسبحان الله حين تمسون قال: صلاة المغرب وحين تصبحون قال: صلاة الصبح وعشيا قال: صلاة العصر وحين تظهرون صلاة الظهر، ثم قرأ: ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم. * - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم بن أبي عياض، عن ابن عباس، قال: جمعت هاتان الآيتان مواقيت الصلاة فسبحان الله حين تمسون قال: المغرب والعشاء وحين تصبحون الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس، بنحوه. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن ليث، عن الحكم، عن أبي عياض، عن ابن عباس في قوله فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون... إلى قوله
[ 37 ]
وحين تظهرون قال: جمعت الصلوات فسبحان الله حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون صلاة الصبح وعشيا صلاة العصر وحين تظهرون صلاة الظهر. 21262 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا إسحاق بن سليمان الرازي، عن أبي سنان، عن ليث، عن مجاهد فسبحان الله حين تمسون المغرب والعشاء وحين تصبحون الفجر وعشيا العصر وحين تظهرون الظهر، وكل سجدة في القرآن فهي صلاة. 21263 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فسبحان الله حين تمسون لصلاة المغرب وحين تصبحون لصلاة الصبح وعشيا لصلاة العصر وحين تظهرون صلاة الظهر أربع صلوات. 21264 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون، وله الحمد في السموات والارض، وعشيا وحين تظهرون. قال: حين تمسون: صلاة المغرب، وحين تصبحون: صلاة الصبح، وعشيا: صلاة العصر، وحين تظهرون: صلاة الظهر. القول في تأويل قوله تعالى: * - (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الارض بعد موتها وكذلك تخرجون) *. يقول تعالى ذكره: صلوا في هذه الاوقات التي أمركم بالصلاة فيها أيها الناس، لله الذي يخرج الحي من الميت، وهو الانسان الحي من الماء الميت، ويخرج الماء الميت من الانسان الحي ويحيي الارض بعد موتها فينبتها، ويخرج زرعها بعد خرابها وجدوبها وكذلك تخرجون يقول: كما يحيي الارض بعد موتها، فيخرج نباتها وزرعها، كذلك يحييكم من بعد مماتكم، فيخرجكم أحياء من قبوركم إلى موقف الحساب. وقد بينا فيما مضى قبل تأويل قوله: يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، وذكرنا اختلاف أهل التأويل فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، غير أنا نذكر بعض ما لم نذكر من الخبر هنالك إن شاء الله. 21265 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي قال:
[ 38 ]
يخرج من الانسان ماء ميتا فيخلق منه بشرا، فذلك الميت من الحي، ويخرج الحي من الميت، فيعني بذلك أنه يخلق من الماء بشرا، فذلك الحي من الميت. 21266 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قوله يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن. 21267 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير وأبو معاوية عن الاعمش، عن إبراهيم، عن عبد الله يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي قال: النطفة ماء الرجل ميتة وهو حي، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه على أنه القادر على ما يشاء أيها الناس من إنشاء وإفناء، وإيجاد وإعدم، وأن كل موجود فخلقه خلقة أبيكم من تراب، يعني بذلك خلق آدم من تراب، فوصفهم بأنه خلقهم من تراب، إذ كان ذلك فعله بأبيهم آدم كنحو الذي قد بينا فيما مضى من خطاب العرب من خاطبت بما فعلت بسلفه من قولهم: فعلنا بكم وفعلنا. وقوله: ثم إذا أنتم بشر تنتشرون يقول: ثم إذا أنتم معشر ذرية من خلقناه من تراب بشر تنتشرون، يقول: تتصرفون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21268 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومن آياته أن خلقكم من تراب خلق آدم عليه السلام من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون يعني ذريته. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه وأدلته على ذلك أيضا خلقه لابيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها، وذلك أنه خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم. كما:
[ 39 ]
21269 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا خلقها لكم من ضلع من أضلاعه. وقوله: وجعل بينكم مودة ورحمة يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودة تتوادون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمة رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون يقول تعالى ذكره: إن في فعله ذلك لعبرا وعظات لقوم يتذكرون في حجج الله وأدلته، فيعلمون أنه الاله الذي لا يعجزه شئ أراده، ولا يتعذر عليه فعل شئ شاءه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه وأدلته أيضا على أنه لا يعجزه شئ، وأنه إذا شاء أمات من كان حيا من خلقه، ثم إذا شاء أنشره وأعاده كما كان قبل إماتته إياه خلقه السموات والارض من غير شئ أحدث ذلك منه، بل بقدرته التي لا يمتنع معها عليه شئ أراده واختلاف ألسنتكم يقول: واختلاف منطق ألسنتكم ولغاتها وألوانكم يقول: واختلاف ألوان أجسامكم إن في ذلك لآيات للعالمين يقول: إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لخلقه الذين يعقلون أنه لا يعيبه إعادتهم لهيئتهم التي كانوا بها قبل مماتهم من بعد فنائهم. وقد بينا معنى العالمين فيما مضى قبل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه عليكم أيها القوم تقديره الساعات والاوقات، ومخالفته بين الليل والنهار، فجعل الليل لكم سكنا تسكنون فيه، وتنامون فيه، وجعل النهار مضيئا لتصرفكم في معايشكم والتماسكم فيه من رزق بكم إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون يقول تعالى ذكره: إن في فعل الله ذلك كذلك، لعبرا وذكرى وأدلة على أن فاعل ذلك لا يعجزه شئ أراده لقوم يسمعون مواعظ الله، فيتعظون بها، ويعتبرون فيفهمون حجج الله عليهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 40 ]
* (ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الارض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه يريكم البرق خوفا لكم إذا كنتم سفرا، أن تمطروا فتتأذوا به وطمعا لكم، إذا كنتم في إقامة أن تمطروا، فتحيوا وتخصبوا وينزل من السماء ماء يقول: وينزل من السماء مطرا، فيحيي بذلك الماء الارض الميتة، فتنبت ويخرج زرعها بعد موتها، يعني جدوبها ودروسها إن في ذلك لآيات يقول: إن في فعله ذلك كذلك لعبرا وأدلة لقوم يعقلون عن الله حججه وأدلته. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله يريكم البرق خوفا وطمعا قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21270 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا قال: خوفا للمسافر، وطمعا للمقيم. واختلف أهل العربية في وجه سقوط أن في قوله: يريكم البرق خوفا وطمعا فقال بعض نحويي البصرة: لم يذكر ههنا أن لان هذا يدل على المعنى وقال الشاعر: ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي قال: وقال: لو قلت ما في قومها لم تيتم يفضلها في حسب وميسم وقال: يريد: ما في قومها أحد. وقال بعض نحويي الكوفيين: إذا أظهرت أن فهي في موضع رفع، كما قال: ومن آياته خلق السموات والارض ومنامكم فإذا حذفت جعلت من مؤدية عن اسم متروك، يكون الفعل صلة، كقول الشاعر: وما الدهر إلا تارتان فمنهما أموت وأخرى أبتغي العيش أكدح كأنه أراد: فمنهما ساعة أموتها، وساعة أعيشها، وكذلك: ومن آياته يريكم آية البرق، وآية لكذا، وإن شئت أردت: ويريكم من آياته البرق، فلا تضمر أن ولا غيره.
[ 41 ]
وقال بعض من أنكر قول البصري: إنما ينبغي أن تحذف أن من الموضع الذي يدل على حذفها، فأما في كل موضع فلا، فأما مع أحضر الوغى فلما كان زجرتك أن تقوم، وزجرتك لان تقوم، يدل على الاستقبال جاز حذف أن، لان الموضع معروف لا يقع في كل الكلام، فأما قوله: ومن آياته أنك قائم، وأنك تقوم، وأن تقوم، فهذا الموضع لا يحذف، لانه لا يدل على شئ واحد. والصواب من القول في ذلك أن من في قوله ومن آياته تدل على المحذوف، وذلك أنها تأتي بمعنى التبعيض. وإذا كانت كذلك، كان معلوما أنها تقتضي البعض، فلذلك تحذف العرب معها الاسم لدلالتها عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته أن تقوم السماء والارض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون) *. يقول تعالى ذكره: ومن حججه أيها القوم على قدرته على ما يشاء، قيام السماء والارض بأمره خضوعا له بالطاعة بغير عمد ترى ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون يقول: إذا أنتم تخرجون من الارض، إذا دعاكم دعوة مستجيبين لدعوته إياكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21271 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومن آياته أن تقوم السماء والارض بأمره قامتا بأمره بغير عمد ثم إذا دعاكم دعوة من الارض إذا أنتم تخرجون قال: دعاهم فخرجوا من الارض. 21272 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: إذا أنتم تخرجون يقول: من الارض. القول في تأويل قوله تعالى: * (وله من في السماوات والارض كل له قانتون ئ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الاعلى في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: ولله من في السموات والارض من ملك وجن وإنس عبيد وملك
[ 42 ]
كل له قانتون يقول: كل له مطيعون، فيقول قائل: وكيف قيل كل له قانتون وقد علم أن أكثر الانس والجن له عاصون ؟ فنقول: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فنذكر اختلافهم، ثم نبين الصواب عندنا في ذلك من القول، فقال بعضهم: ذلك كلام مخرجه مخرج العموم، والمراد به الخصوص، ومعناه: كل له قانتون في الحياة والبقاء والموت، والفناء والبعث والنشور، لا يمتنع عليه شئ من ذلك، وإن عصاه بعضهم من غير ذلك. ذكر من قال ذلك: 21273 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ومن آياته أن تقوم السماء والارض بأمره... إلى كل له قانتون يقول: مطيعون، يعني الحياة والنشور والموت، وهم عاصون له فيما سوى ذلك من العبادة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: كل له قانتون بإقرارهم بأنه ربهم وخالقهم. ذكر من قال ذلك: 21274 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة كل له قانتون: أي مطيع مقر بأن الله ربه وخالقه. وقال آخرون: هو على الخصوص، والمعنى: وله من في السموات والارض من ملك وعبد مؤمن لله مطيع دون غيرهم. ذكر من قال ذلك: 21275 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كل له قانتون قال: كل له مطيعون. المطيع: القانت، قال: وليس شئ إلا وهو مطيع، إلا ابن آدم، وكان أحقهم أن يكون أطوعهم لله. وفي قوله وقوموا لله قانتين قال: هذا في الصلاة، لا تتكلموا في الصلاة كما يتكلم أهل الكتاب في الصلاة، قال: وأهل الكتاب يمشي بعضهم إلى بعض في الصلاة، قال: ويتقابلون في الصلاة، فإذا قيل لهم في ذلك، قالوا: لكي تذهب الشحناء من قلوبنا تسلم قلوب بعضنا لبعض، فقال الله: وقوموا لله قانتين لا تزولوا كم يزولون. قانتين: لا تتكلموا كما يتكلمون. قال: فأما ما سوى هذا كله في القرآن من القنوت فهو الطاعة، إلا هذه الواحدة. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن ابن عباس، وهو أن كل من
[ 43 ]
في السموات والارض من خلق لله مطيع في تصرفه فيما أراد تعالى ذكره من حياة و موت، وما أشبه ذلك، وإن عصاه فيما يكسبه بقوله، وفيما له السبيل إلى اختياره وإيثاره على خلافه. وإنما قلت: ذلك أولى بالصواب في تأويل ذلك، لان العصاة من خلقه فيما لهم السبيل إلى اكتسابه كثير عددهم، وقد أخبر تعالى ذكره عن جميعهم أنهم له قانتون، فغير جائز أن يخبر عمن هو عاص أنه له قانت فيما هو له عاص. وإذا كان ذلك كذلك، فالذي فيه عاص هو ما وصفت، والذي هو له قانت ما بينت. وقوله: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده يقول تعالى ذكره: والذي له هذه الصفات تبارك وتعالى، هو الذي يبدأ الخلق من غير أصل فينشئه ويوجده، بعد أن لم يكن شيئا، ثم يفنيه بعد ذلك، ثم يعيده، كما بدأه بعد فنائه، وهو أهون عليه. اختلف أهل التأويل، في معنى قوله: وهو أهون عليه فقال بعضهم: معناه: وهو هين عليه. ذكر من قال ذلك: 21276 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد العطار، عن سفيان عمن ذكره، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خيثم وهو أهون عليه قال: ما شئ عليه بعزيز. 21277 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه يقول: كل شئ عليه هين. وقال آخرون: معناه: وإعادة الخلق بعد فنائهم أهون عليه من ابتداء خلقهم. ذكر من قال ذلك: 21278 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وهو أهون عليه قال: يقول: أيسر عليه. 21279 - حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وهو أهون عليه قال: الاعادة أهون عليه من البداءة، والبداءة عليه هين. 21280 - حدثني ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة قرأ هذا الحرف وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه
[ 44 ]
قال: تعجب الكفار من إحياء الله الموتى، قال: فنزلت هذه الآية وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون عليه إعادة الخلق أهون عليه من إبداء الخلق. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة بنحوه، إلا أنه قال: إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه. 21281 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وهو أهون عليه: يقول: إعادته أهون عليه من بدئه، وكل على الله هين. وفي بعض القراءة: وكل على الله هين. وقد يحتمل هذا الكلام وجهين، غير القولين اللذين ذكرت، وهو أن يكون معناه: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو أهون على الخلق: أي إعادة الشئ أهون على الخلق من ابتدائه. والذي ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي حدثني به ابن سعد، قول أيضا له وجه. وقد وجه غير واحد من أهل العربية قول ذي الرمة: أخي قفرات دببت في عظامه شفافات أعجاز الكرى فهو أخضع إلى أنه بمعنى خاضع وقول الآخر: لعمرك إن الزبرقان لباذل لمعروفه عند السنين وأفضل كريم له عن كل ذم تأخروفي كل أسباب المكارم أول إلى أنه بمعنى: وفاضل وقول معن: لعمرك ما أدري وإني لاوجل على أينا تعدو المنية أول إلى أنه بمعنى: وإني لوجل وقول الآخر: تمنى مرئ القيس موتي وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
[ 45 ]
إلى أنه بمعنى: لست فيها بواحد وقول الفرزدق: إن الذي سمك السماء بنى لنابيتا دعائمه أعز وأطول إلى أنه بمعنى: عزيزة طويلة. قالوا: ومنه قولهم في الاذان: الله أكبر، بمعنى: الله كبير وقالوا: إن قال قائل: إن الله لا يوصف بهذا، وإنما يوصف به الخلق، فزعم أنه وهو أهون على الخلق، فإن الحجة عليه قول الله: وكان ذلك على الله يسيرا، وقوله: ولا يئوده حفظهما: أي لا يثقله حفظهما. وقوله: وله المثل الاعلى يقول: ولله المثل الاعلى في السموات والارض، وهو أنه لا إله إلا هو وحده لا شريك له، ليس كمثله شئ، فذلك المثل الاعلى، تعالى ربنا وتقدس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21282 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله وله المثل الاعلى في السموات يقول: ليس كمثله شئ. 21283 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وله المثل الاعلى في السموات والارض مثله أنه لا إله إلا هو، ولا رب غيره. وقوله: وهو العزيز الحكيم يقول تعالى ذكره: وهو العزيز في انتقامه من أعدائه،
[ 46 ]
الحكيم في تدبيره خلقه، وتصريفهم فيما أراد من إحياء وإماتة، وبعث ونشر، وما شاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سوآء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) *. يقول تعالى ذكره: مثل لكم أيها القوم ربكم مثلا من أنفسكم، هل لكم مما ملكت أيمانكم يقول: من مماليككم من شركاء، فيما رزقناكم من مال، فأنتم فيه سواء وهم. يقول: فإذا لم ترضوا بذلك لانفسكم فكيف رضيتم أن تكون آلهتكم التي تعبدونها لي شركاء في عبادتكم إياي، وأنتم وهم عبيدي ومماليكي، وأنا مالك جميعكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21284 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم، فأنتم فيه سواء قال: مثل ضربه الله لمن عدل به شيئا من خلقه، يقول: أكان أحدكم مشاركا مملوكه في فراشه وزوجته، فكذلكم الله لا يرضى أن يعدل به أحد من خلقه. 21285 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم، فأنتم فيه سواء قال: هل تجد أحدا يجعل عبده هكذا في ماله، فكيف تعمد أنت وأنت تشهد أنهم عبيدي وخلقي، وتجعل لهم نصيبا في عبادتي، كيف يكون هذا ؟ قال: وهذا مثل ضربه الله لهم، وقرأ: كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: تخافونهم كخيفتكم أنفسكم فقال بعضهم: معنى ذلك: تخافون هؤلاء شركاء مما ملكت أيمانكم أن يرثوكم أموالكم من بعد وفاتكم، كما يرث بعضكم بعضا. ذكر من قال ذلك: 21286 - حدثت عن حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: في الآلهة، وفيه يقول: تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: تخافون هؤلاء الشركاء مما ملكت أيمانكم أن
[ 47 ]
يقاسموكم أموالكم، كما تقاسم بعضكم بعضا. ذكر من قال ذلك: 21287 حدثنا ابن عبد الاعلى، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت عمران قال: قال أبو مجلز: إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك، وليس له ذلك، كذلك الله لا شريك له. وأولى القولين بالصواب في تأويل ذلك القول الثاني، لانه أشبههما بما دل عليه ظاهر الكلام، وذلك أن الله جل ثناؤه وبخ هؤلاء المشركين الذين يجعلون له من خلقه آلهة يعبدونها، وأشركوهم في عبادتهم إياه، وهم مع ذلك يقرون بأنها خلقه وهم عبيده، وعيرهم بفعلهم ذلك، فقال لهم: هل لكم من عبيدكم شركاء فيما خولناكم من نعمنا، فهم سواء، وأنتم في ذلك تخافون أن يقاسموكم ذلك المال الذي هو بينكم وبينهم، كخيفة بعضكم بعضا أن يقاسمه ما بينه وبينه من المال شركة فالخيفة التي ذكرها تعالى ذكره بأن تكون خيفة مما يخاف الشريك من مقاسمة شريكه المال الذي بينهما إياه أشبه من أن تكون خيفة منه بأن يرثه، لان ذكر الشركة لا يدل على خيفة الوراثة، وقد يدل على خيفة الفراق والمقاسمة. وقوله: كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون يقول تعالى ذكره: كما بينا لكم أيها القوم حججنا في هذه الآيات من هذه السورة على قدرتنا على ما نشاء من إنشاء ما نشاء، وإفناء ما نحب، وإعادة ما نريد إعادته بعد فنائه، ودللنا على أنه لا تصلح العبادة إلا للواحد القهار، الذي بيده ملكوت كل شئ، كذلك نبين حججنا في كل حق لقوم يعقلون، فيتدبرونها إذا سمعوها، ويعتبرون فيتعظون بها. القول في تأويل قوله تعالى: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) *. يقول تعالى ذكره: ما ذلك كذلك، ولا أشرك هؤلاء المشركون في عبادة الله الآلهة والاوثان، لان لهم شركا فيما رزقهم الله من ملك أيمانهم، فهم وعبيدهم فيه سواء، يخافون أن يقاسموهم ما هم شركاؤهم فيه، فرضوا لله من أجل ذلك بما رضوا به لانفسهم، فأشركوهم في عبادته، ولكن الذين ظلموا أنفسهم فكفروا بالله، اتبعوا أهواءهم، جهلا منهم لحق الله عليهم، فأشركوا الآلهة والاوثان في عبادته فمن يهدي من أضل الله يقول: فمن يسدد للصواب من الطرق، يعني بذلك من يوفق للاسلام من أضل الله عن
[ 48 ]
الاستقامة والرشاد ؟ وما لهم من ناصرين يقول: وما لمن أضل الله من ناصرين ينصرونه، فينقذونه من الضلال الذي يبتليه به تعالى ذكره. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: فسدد وجهك نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك يا محمد لطاعته، وهي الدين، حنيفا يقول: مستقيما لدينه وطاعته، فطرة الله التي فطر الناس عليها يقول: صنعة الله التي خلق الناس عليها ونصبت فطرة على المصدر من معنى قوله فأقم وجهك للدين حنيفا وذلك أن معنى ذلك: فطر الله الناس على ذلك فطرة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21288 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: الاسلام مذ خلقهم الله من آدم جميعا، يقرون بذلك، وقرأ: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربكم ؟ قالوا بلى شهدنا قال: فهذا قول الله: كان الناس أمة واحدة، فبعث الله النبيين بعد. 21289 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فطرة الله قال: الاسلام. 21290 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا يونس بن أبي صالح، عن يزيد بن أبي مريم، قال: مر عمر بمعاذ بن جبل، فقال: ما قوام هذه الامة ؟ قال معاذ: ثلاث، وهن المنجيات: الاخلاص، وهو الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها. والصلاة وهي الملة والطاعة وهي العصمة، فقال عمر: صدقت. * - حدثني يعقوب، قال: ثني ابن علية، قال: ثنا أيوب، عن أبي قلابة أن عمر قال لمعاذ: ما قوام هذه الامة ؟ ثم ذكر نحوه.
[ 49 ]
وقوله لا تبديل لخلق الله يقول: لا تغيير لدين الله: أي لا يصلح ذلك، ولا ينبغي أن يفعل. واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم نحو الذي قلنا في ذلك. ذكر من قال ذلك: 21291 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد لا تبديل لخلق الله قال: لدينه. 21292 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، قال: أرسل مجاهد رجلا يقال له قاسم إلى عكرمة يسأله عن قول الله: لا تبديل لخلق الله (قال): إنما هو الدين، وقرأ لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن حسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة فطرة الله التي فطر الناس عليها قال: الاسلام. * - قال: ثني أبي، عن نضر بن عربي، عن عكرمة لا تبديل لخلق الله قال: لدين الله. * - قال: ثني أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، قال: لدين الله. * - قال: ثنا أبي، عن عبد الجبار بن الورد، عن القاسم بن أبي بزة، قال: قال مجاهد، فسل عنها عكرمة، فسألته، فقال عكرمة: دين الله تعالى ماله أخزاه الله ؟ ألم يسمع إلى قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ؟. 21293 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عليها، لا تبديل لخلق الله ؟ أي لدين الله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن عكرمة، قال: لدين الله. 21294 - قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الاعرج، قال: قال سعيد بن جبير لا تبديل لخلق الله قال: لدين الله.
[ 50 ]
21295 - قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك لا تبديل لخلق الله قال: لدين الله. 21296 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله لا تبديل لخلق الله قال: دين الله. 21297 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي عن مسعر وسفيان، عن قيس بن مسلم، عن إبراهيم، قال لا تبديل لخلق الله قال: لدين الله. * - قال: ثنا أبي عن جعفر الرازي، عن مغير ة، عن إبراهيم، قال: لدين الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا تغيير لخلق الله من البهائم بأن يخصى الفحول منها. ذكر من قال ذلك: 21298 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن مطرف، عن رجل، سأل ابن عباس، عن خصاء البهائم، فكرهه، وقال: لا تبديل لخلق الله. 21299 - قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الاعرج، قال: قال عكرمة: الاخصاء. 2300 - قال: ثنا حفص بن غياث، عن ليث، عن مجاهد، قال: الاخصاء. وقوله: ذلك الدين القيم يقول تعالى ذكره: إن إقامتك وجهك للدين حنيفا غير مغير ولا مبدل هو الدين القيم، يعني المستقيم الذي لا عوج فيه عن الاستقامة من الحنيفية إلى اليهودية والنصرانية، وغير ذلك من الضلالات والبدع المحدثة. وقد وجه بعضهم معنى الدين في هذا الموضع إلى الحساب. ذكر من قال ذلك: 21301 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة ذلك الدين القيم قال: الحساب القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون يقول تعالى ذكره: ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الدين الذي أمرتك يا محمد به بقولي فأقم وجهك للدين حنيفا هو الدين الحق دون سائر الاديان غيره. القول في تأويل قوله تعالى: * (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين ئ من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) *.
[ 51 ]
يعني تعالى ذكره بقوله: منيبين إليه تائبين راجعين إلى الله مقبلين، كما: 21302 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: منيبين إليه قال: المنيب إلى الله: المطيع لله، الذي أناب إلى طاعة الله وأمره، ورجع عن الامور التي كان عليها قبل ذلك. كان القوم كفارا، فنزعوا ورجعوا إلى الاسلام. وتأويل الكلام: فأقم وجهك يا محمد للدين حنيفا منيبين إليه إلى الله فالمنيبون حال من الكاف التي في وجهك. فإن قال قائل: وكيف يكون حالا منها، والكاف كناية عن واحد، والمنيبون صفة لجماعة ؟ قيل: لان الامر من الكاف كناية اسمه من الله في هذا الموضع أمر منه له ولامته، فكأنه قيل له: فأقم وجهك أنت وأمتك للدين حنيفا لله، منيبين إليه. وقوله: واتقوه يقول جل ثناؤه: وخافوا الله وراقبوه أن تفرطوا في طاعته، وتركبوا معصيته. ولا تكونوا من المشركين يقول: ولا تكونوا من أهل الشرك بالله بتضييعكم فرائضه، وركوبكم معاصيه، وخلافكم الدين الذي دعاكم إليه. وقوله: من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يقول: ولا تكونوا من المشركين الذين بدلوا دينهم، وخالفوه ففارقوه وكانوا شيعا يقول: وكانوا أحزابا فرقا كاليهود والنصارى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21303 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا: وهم اليهود والنصارى. 21304 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا إلى آخر الآية، قال: هؤلاء يهود، فلو وجه قوله من الذين فرقوا دينهم إلى أنه خبر مستأنف منقطع عن قوله: ولا تكونوا من المشركين وأن معناه: من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا أحزابا كل حزب بما لديهم فرحون كان وجها يحتمله الكلام. وقوله: كل حزب بما لديهم فرحون يقول: كل طائفة وفرقة من هؤلاء الذين فارقوا دينهم الحق، فأحدثوا البدع التي أحدثوا بما لديهم فرحون. يقول: بما هم به متمسكون من المذهب، فرحون مسرورون، يحسبون أن الصواب معهم دون غيرهم. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 52 ]
* (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) *. يقول تعالى ذكره: وإذا مس هؤلاء المشركين الذين يجعلون مع الله إلها آخر ضر، فأصابتهم شدة وجدوب وقحوط دعوا ربهم يقول: أخلصوا لربهم التوحيد، وأفردوه بالدعاء والتضرع إليه، واستغاثوا به منيبين إليه، تائبين إليه من شركهم وكفرهم ثم إذا أذاقهم منه رحمة يقول: ثم إذا كشف ربهم تعالى ذكره عنهم ذلك الضر وفرجه عنهم وأصابهم برخاء وخصب وسعة، إذا فريق منهم يقول: إذا جماعة منهم بربهم يشركون يقول: يعبدون معه الآلهة والاوثان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليكفروا بمآ آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) *. يقول تعالى ذكره متوعدا لهؤلاء المشركين الذين أخبر عنهم أنه إذا كشف الضر عنهم كفروا به، ليكفروا بما أعطيناهم، يقول: إذا هم بربهم يشركون، كي يكفروا: أي يجحدوا النعمة التي أنعمتها عليهم بكشفي عنهم الضر الذي كانوا فيه، وإبدالي ذلك لهم بالرخاء والخصب والعافية، وذلك الرخاء والسعة هو الذي آتاهم تعالى ذكره، الذي قال: بما آتيناهم. وقوله فتمتعوا يقول: فتمتعوا أيها القوم بالذي آتيناكم من الرخاء والسعة في هذه الدنيا فسوف تعلمون إذا وردتم على ربكم ما تلقون من عذابه، وعظيم عقابه على كفركم به في الدنيا. وقد قرأ بعضهم: فسوف يعلمون بالياء، بمعنى: ليكفروا بما آتيناهم، فقد تمتعوا على وجه الخبر، فسوف يعلمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون) *. يقول تعالى ذكره: أم أنزلنا على هؤلاء الذين يشركون في عبادتنا الآلهة والاوثان، كتابا بتصديق ما يقولون، وبحقيقة ما يفعلون فهو يتكلم بما كانوا به يشركون يقول: فذلك الكتا ب ينطق بصحة شركهم وإنما يعني جل ثناؤه بذلك: أنه لم ينزل بما يقولون ويفعلون كتابا، ولا أرسل به رسولا، وإنما هو شئ افتعلوه واختلقوه، اتباعا منهم لاهوائهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21305 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أم أنزلنا
[ 53 ]
عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون يقول: أم أنزلنا عليهم كتابا فهو ينطق بشركهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذآ أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون) *. يقول تعالى ذكره: وإذا أصاب الناس منا خصب ورخاء، وعافية في الابدان والاموال، فرحوا بذلك، وإن تصبهم منا شدة من جدب وقحط وبلاء في الاموال والابدان بما قدمت أيديهم يقول: بما أسلفوا من سيئ الاعمال بينهم وبين الله، وركبوا من المعاصي إذا هم يقنطون يقول: إذا هم ييأسون من الفرج والقنوط: هو الاياس ومنه قول حميد الارقط. قد وجدوا الحجاج غير قانط وقوله: إذا هم يقنطون هو جواب الجزاء، لان إذا نابت عن الفعل بدلالتها عليه، فكأنه قيل: وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم وجدتهم يقنطون، أو تجدهم، أو رأيتهم، أو تراهم. وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: إذا كانت إذا جوابا لانها متعلقة بالكلام الاول بمنزلة الفاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشآء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) *. يقول تعالى ذكره: أو لم ير هؤلاء الذين يفرحون عند الرخاء يصيبهم والخصب، وييأسون من الفرج عند شدة تنالهم، بعيون قلوبهم، فيعلموا أن الشدة والرخاء بيد الله، وأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده فيوسعه عليه، ويقدر على من أراد فيضيقه عليه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون يقول: إن في بسطه ذلك على من بسطه عليه، وقدره على من قدره عليه، ومخالفته بين من خالف بينه من عباده في الغنى والفقر، لدلالة واضحة لمن صدق حجج الله وأقر بها إذا عاينها ورآها. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون) *.
[ 54 ]
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): فأعط يا محمد ذا القرابة منك حقه عليك من الصلة والبر والمسكين وابن السبيل، ما فرض الله لهما في ذلك، كما: 21306 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن عوف، عن الحسن فلت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل قال: هو أن توفيهم حقهم إن كان عند يسر، وإن لم يكن عندك فقل لهم قولا ميسورا، قل لهم الخير. وقوله: ذلك خير للذين يريدون وجه الله يقول تعالى ذكره: إيتاء هؤلاء حقوقهم التي ألزمها الله عباده، خير للذين يريدون الله بإتيانهم ذلك وأولئك هم المفلحون يقول: ومن يفعل ذلك مبتغيا وجه الله به، فأولئك هم المنجحون، المدركون طلباتهم عند الله، الفائزون بما ابتغوا والتمسوا بإيتائهم إياهم ما آتوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال النا س فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون) *. يقول تعالى ذكره: وما أعطيتم أيها الناس بعضكم بعضا من عطية لتزداد في أموال الناس برجوع ثوابها إليه، ممن أعطاه ذلك، فلا يربو عند الله يقول: فلا يزداد ذلك عند الله، لان صاحبه لم يعطه من أعطاه مبتغيا به وجهه. وما آتيتم من زكاة يقول: وما أعطيتم من صدقة تريدون بها وجه الله، فأولئك يعني الذين يتصدقون بأموالهم ملتمسين بذلك وجه الله هم المضعفون يقول: هم الذين لهم الضعف من الاجر والثواب، من قول العرب: أصبح القوم مسمنين معطشين، إذا سمنت إبلهم وعطشت. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21307 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله قال: هو ما يعطي الناس بينهم بعضهم بعضا، يعطي الرجل الرجل العطية، يريد أن يعطى أكثر منها. 21308 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جبير وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال: هو الرجل يعطي الرجل العطية ليثيبه.
[ 55 ]
* - قال: ثنا يحيى، قال: ثنا سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جبير، مثله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن سفيان، عن منصور بن صفية، عن سعيد بن جبير وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله قال: الرجل يعطى ليثاب عليه. 21309 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال: الهدايا. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، قال: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: هي الهدايا. 21310 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال: يعطي ماله يبتغي أفضل منه. 21311 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن ابن أبي خالد، عن إبراهيم، قال: هو الرجل يهدي إلى الرجل الهدية، ليثيبه أفضل منها. 21312 - قال: ثنا محمد بن حميد المعمري، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: هو الرجل يعطي العطية ويهدي الهدية، ليثاب أفضل من ذلك، ليس فيه أجر ولا وزر. 21313 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله قال: ما أعطيت من شئ تريد مثابة الدنيا، ومجازاة الناس ذلك الربا الذي لا يقبله الله، ولا يجزي به. 21314 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فهو ما يتعاطى الناس بينهم ويتهادون، يعطى الرجل العطية ليصيب منه أفضل منها، وهذا للناس عامة. وأما قوله: ولا تمنن تستكثر فهذا للنبي خاصة، لم يكن له أن يعطي إلا لله، ولم يكن يعطي ليعطى أكثر منه.
[ 56 ]
وقال آخرون: إنما عنى بهذا: الرجل يعطي ماله الرجل ليعينه بنفسه، ويخدمه ويعود عليه نفعه، لا لطلب أجر من الله. ذكر من قال ذلك: 21315 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي ومحمد بن فضيل، عن زكريا عن عامر وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال: هو الرجل يلزق بالرجل، فيخف له ويخدمه، ويسافر معه، فيجعل له ربح بعض ماله ليجزيه، إنما أعطاه التماس وعونه، ولم يرد وجه الله. وقال آخرون: هو إعطاء الرجل ماله ليكثر به مال من أعطاه ذلك، لا طلب ثواب الله. ذكر من قال ذلك: 21316 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن أبي حصين، عن ابن عباس وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس قال: ألم تر إلى الرجل يقول للرجل: لامولنك، فيعطيه، فهذا لا يربو عند الله، لانه يعطيه لغير الله ليثري ماله. 21317 - قال: ثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: سمعت إبراهيم النخعي يقول في قوله من ربا ليربو في أموال الناس، فلا يربو عند الله قال: كان هذا في الجاهلية يعطي أحدهم ذا القرابة المال يكثر به ماله. وقال آخرون: ذلك للنبي (ص) خاصة، وأما لغيره فحلال. ذكر من قال ذلك: 21318 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي رواد، عن الضحاك وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله هذا للنبي (ص)، هذا الربا الحلال. وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في ذلك لانه أظهر معانيه. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الكوفة والبصرة وبعض أهل مكة: ليربو بفتح الياء من يربو، بمعنى: وما آتيتم من ربا ليربو ذلك الربا في أموال الناس. وقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة: لتربوا بالتاء من تربوا وضمها، بمعنى: وما آتيتم من ربا لتربوا أنتم في أموال الناس. والصواب من القول في ذلك عندنا، أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الامصار مع
[ 57 ]
تقارب معنييهما، لان أرباب المال إذا أربوا ربا المال، وإذا ربا المال فبإرباء أياه ربا. فإذا كان ذلك كذلك، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب. وأما قوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك: 21319 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله، فأولئك هم المضعفون قال: هذا الذي يقبله الله ويضعفه لهم عشر أمثالها، وأكثر من ذلك. 21320 - حدثت عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: قال ابن عباس، قوله وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله قال: هي الهبة، يهب الشئ يريد أن يثاب عليه أفضل منه، فذلك الذي لا يربو عند الله، لا يؤجر فيه صاحبه، ولا إثم عليه وما آتيتم من زكاة قال: هي الصدقة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون. 21321 - قال معمر، قال ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثل ذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون) *. يقول تعالى ذكره للمشركين به، معرفهم قبح فعلهم، وخبث صنيعهم: الله أيها القوم الذي لا تصلح العبادة إلا له، ولا ينبغي أن تكون لغيره، هو الذي خلقكم ولم تكونوا شيئا، ثم رزقكم وخولكم، ولم تكونوا تملكون قبل ذلك، ثم هو يميتكم من بعد أن خلقكم أحياء، ثم يحييكم من بعد مماتكم لبعث القيامة، كما: 21322 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم للبعث بعد الموت. وقوله: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ يقول تعالى ذكره: هل من آلهتكم وأوثانكم التي تجعلونهم لله في عبادتكم إياه شركاء من يفعل من ذلكم من شئ،
[ 58 ]
فيخلق أو يرزق، أو يميت، أو ينشر وهذا من الله تقريع لهؤلاء المشركين. وإنما معنى الكلام أن شركاءهم لا تفعل شيئا من ذلك، فكيف يعبد من دون الله من لا يفعل شيئا من ذلك ؟ ثم برأ نفسه تعالى ذكره عن الفرية التي افتراها هؤلاء المشركون عليه بزعمهم أن آلهتهم له شركاء، فقال جل ثناؤه سبحانه أي تنزيها لله وتبرئة وتعالى يقول: وعلوا له عما يشركون يقول: عن شرك هؤلاء المشركين به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21323 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شئ لا والله سبحانه وتعالى عما يشركون يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان. القول في تأويل قوله تعالى: * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) *. يقول تعالى ذكره: ظهرت المعاصي في بر الارض وبحرها بكسب أيدي الناس ما نهاهم الله عنه. واختلف أهل التأويل في المراد من قوله: ظهر الفساد في البر والبحر فقال بعضهم: عنى بالبر: الفلوات، وبالبحر: الامصار والقرى التي على المياه والانهار. ذكر من قال ذلك: 21324 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام، قال: ثنا النضر بن عربي، عن مجاهد وإذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها... الآية، قال: إذا ولي سعى بالتعدي والظلم، فيحبس الله القطر، فيهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد قال: ثم قرأ مجاهد: ظهر الفساد في البر والبحر... الآية قال: ثم قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر. 21325 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن النضر بن عربي، عن عكرمة ظهر الفساد في البر والبحر قال: أما إني لا أقول بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار. 21326 - قال: ثنا يزيد بن هارون، عن عمرو بن فروخ، عن حبيب بن الزبير، عن
[ 59 ]
عكرمة ظهر الفساد في البر والبحر قال: إن العرب تسمي الامصار بحرا. 21327 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس قال: هذا قبل أن يبعث الله نبيه محمدا (ص)، امتلات ضلالة وظلما، فلما بعث الله نبيه، رجع راجعون من الناس. قوله: ظهر الفساد في البر والبحر أما البر فأهل العمود، وأما البحر فأهل القرى والريف. 21328 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ظهر الفساد في البر والبحر قال: الذنوب، وقرأ ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. 21329 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، في قوله ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس قال: أفسدهم الله بذنوبهم، في بحر الارض وبرها، بأعمالهم الخبيثة. وقال آخرون: بل عني بالبر: ظهر الارض، الامصار وغيرها، وبالبحر البحر المعروف. ذكر من قال ذلك: 21330 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ظهر الفساد في البر والبحر: قال: في البر: ابن آدم الذي قتل أخاه، وفي البحر: الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا. 21331 - حدثني يعقوب، قال: قال أبو بشر: يعني ابن علية، قال: سمعت ابن أبي نجيح، يقول في قوله ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس قال: بقتل ابن آدم، والذي كان يأخذ كل سفينة غصبا. 21332 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يزيد بن هارون، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية ظهر الفساد في البر والبحر قال: قلت: هذا البر والبحر أي فساد فيه ؟ قال: فقال: إذا قل المطر، قل الغوص. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 60 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ظهر الفساد في البر قال: قتل ابن آدم أخاه، والبحر: قال: أخذ الملك السفن غصبا. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب: أن الله تعالى ذكره، أخبر أن الفساد قد ظهر في البر والبحر عند العرب في الارض القفار، والبحر بحران: بحر ملح، وبحر عذب، فهما جميعا عندهم بحر، ولم يخصص جل ثناؤه الخبر عن ظهور ذلك في بحر دون بحر، فذلك على ما وقع عليه اسم بحر، عذبا كان أو ملحا. وإذا كان ذلك كذلك، دخل القرى التي على الانهار والبحار. فتأويل الكلام إذن إذ كان الامر كما وصفت، ظهرت معاصي الله في كل مكان، من بر وبحر بما كسبت أيدي الناس: أي بذنوب الناس، وانتشر الظلم فيهما. وقوله: وليذيقهم بعض الذي عملوا يقول جل ثناؤه: ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوا، ومعصيتهم التي عصوا لعلهم يرجعون يقول: كي ينيبوا إلى الحق، ويرجعوا إلى التوبة، ويتركوا معاصي الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21333 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن الحسن لعلهم يرجعون قال: يتوبون. 21334 - قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله لعلهم يرجعون يوم بدر، لعلهم يتوبون. 21335 - قال: ثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن منصور عن إبراهيم لعلهم يرجعون قال: إلى الحق. 21336 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون: لعل راجعا أن يرجع، لعل تائبا أن يتوب، لعل مستعتبا أن يستعتب. 21337 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثنا قرة، عن الحسن، لعلهم يرجعون قال: يرجع من بعدهم.
[ 61 ]
واختلفت القراء في قراءة قوله: ليذيقهم فقرأ ذلك عامة قراء الامصار ليذيقهم بالياء، بمعنى: ليذيقهم الله بعض الذي عملوا، وذكر أن أبا عبد الرحمن السلمي قرأ ذلك بالنون على وجه الخبر من الله عن نفسه بذلك. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل سيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك: سيروا في البلاد، فانظروا إلى مساكن الذين كفروا بالله من قبلكم، وكذبوا رسله، كيف كان آخر أمرهم، وعاقبة تكذيبهم رسل الله وكفرهم ألم نهلكهم بعذاب منا، ونجعلهم عبرة لمن بعدهم ؟ كان أكثرهم مشركين يقول: فعلنا ذلك بهم، لان أكثرهم كانوا مشركين بالله مثلهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون) *. يقول تعالى ذكره: فوجه وجهك يا محمد نحو الوجه الذي وجهك إليه ربك للدين القيم لطاعة ربك، والملة المستقيمة التي لا اعوجاج فيها عن الحق من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يقول تعالى ذكره: من قبل مجئ يوم من أيام الله لا مرد للمجيئه، لان الله قد قضى بمجيئه فهو لا محالة جاء يومئذ يصدعون يقول: يوم يجئ ذلك اليوم يصدع الناس، يقول: يتفرق الناس فرقتين من قولهم: صدعت الغنم صدعتين: إذا فرقتها فرقتين: فريق في الجنة، وفريق في السعير. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21338 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فأقم وجهك للدين القيم الاسلام من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون فريق في الجنة، وفريق في السعير.
[ 62 ]
21339 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله يومئذ يصدعون يقول: يتفرقون. 21340 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله يصدعون قال: يتفرقون إلى الجنة، وإلى النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلانفسهم يمهدون) *. يقول تعالى ذكره: من كفر بالله فعليه، أو زاد كفره، وآثام جحوده نعم ربه، ومن عمل صالحا يقول: ومن أطاع الله، فعمل بما أمره به في الدنيا، وانتهى عما نهاه عنه فيها فلاءنفسهم يمهدون يقول: فلانفسهم يستعدون، ويسوون المضجع ليسلموا من عقاب ربهم، وينجوا من عذابه، كما قال الشاعر: امهد لنفسك حان السقم والتلف ولا تضيعن نفسا ما لها خلف وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21341 - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فلاءنفسهم يمهدون قال: يسوون المضاجع. 21342 - حدثنا ابن المثنى والحسين بن يزيد الطحان وابن وكيع وأبو عبد الرحمن العلائي، قالوا: ثنا يحيى بن سليم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فلانفسهم يمهدون قال: في القبر. * - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: ثنا يحيى بن سليم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: فلانفسهم يمهدون قال: للقبر. * - حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا يحيى بن سليم، قال: ثنا ابن أبي نجيح، قال: سمعت مجاهدا يقول: في قوله فلانفسهم يمهدون قال: في القبر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله إنه لا يحب الكافرين) *.
[ 63 ]
يقول تعالى ذكره: يومئذ يصدعون... ليجزي الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات يقول: وعملوا بما أمرهم الله من فضله الذي وعد من أطاعه في الدنيا أن يجزيه يوم القيامة إنه لا يحب الكافرين يقول تعالى ذكره: إنما خص بجزائه من فضله الذين آمنوا وعملوا الصالحات دون من كفر بالله، إنه لا يحب أهل الكفر به. واستأنف الخبر بقوله إنه لا يحب الكافرين وفيه المعنى الذي وصفت. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: ومن أدلته على وحدانيته وحججه عليكم على أنه إله كل شئ أن يرسل الرياح مبشرات الغيث والرحمة وليذيقكم من رحمته يقول: ولينزل عليكم من رحمته، وهي الغيث الذي يحيي به البلاد، ولتجري السفن في البحار بها بأمره إياها ولتبتغوا من فضله يقول: ولتلتمسوا من أرزاقه ومعايشكم التي قسمها بينكم ولعلكم تشكرون يقول: ولتشكروا ربكم على ذلك أرسل هذه الرياح مبشرات. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21343 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثناء ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد الرياح مبشرات قال: بالمطر. وقالوا في قوله: وليذيقكم من رحمته مثل الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 21344 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وليذيقكم من رحمته قال: المطر. 21345 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وليذيقكم من رحمته: المطر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين) *.
[ 64 ]
يقول تعالى ذكره مسليا نبيه (ص) فيما يلقى من قومه من الاذى فيه بما لقي من قبله من رسله من قومهم، ومعلمه سنته فيهم وفي قومهم، وأنه سالك به وبقومه سنته فيهم، وفي أممهم: ولقد أرسلنا يا محمد من قبلك رسلا إلى قومهم الكفرة، كما أرسلناك إلى قومك العابدي الاوثان من دون الله فجاءوهم بالبينات يعني: بالواضحات من الحجج على صدقهم وأنهم لله رسل كما جئت أنت قومك بالبينات فكذبوهم كما كذبك قومك، وردوا عليهم ما جاءوهم به من عند الله، كما ردوا عليك ما جئتهم به من عند ربك فانتقمنا من الذين أجرموا يقول: فانتقمنا من الذين أجرموا الآثام، واكتسبوا السيئات من قومهم، ونحن فاعلو ذلك كذلك بمجرمي قومك وكان حقا علينا نصر المؤمنين يقول: ونجينا الذين آمنوا بالله وصدقوا رسله، إذ جاءهم بأسنا، وكذلك نفعل بك وبمن آمن بك من قومك وكان حقا علينا نصر المؤمنين على الكافرين، ونحن ناصروك ومن آمن بك على من كفر بك، ومظفروك بهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشآء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذآ أصاب به من يشآء من عباده إذا هم يستبشرون) *. يقول تعالى ذكره: الله يرسل الرياح فتثير سحابا، يقول: فتنشئ الرياح سحابا، وهي جمع سحابة، فيبسطه في السماء كيف يشاء يقول: فينشره الله، ويجمعه في السماء كيف يشاء، وقال: فيبسطه، فوحد الهاء، وأخرج مخرج كناية المذكر، والسحاب جمع كما وصفت ردا على لفظ السحاب، لا على معناه، كما يقال: هذا تمر جيد. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله فيبسطه قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21346 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجمعه. وقوله: ويجعله كسفا: يقول: ويجعل السحاب قطعا. متفرقة د، كما: 21347 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويجعله كسفا: أي قطعا. وقوله فترى الودق يعني: المطر يخرج من خلاله يعني: من بين السحاب. كما:
[ 65 ]
21348 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فترى الودق يخرج من خلاله. 21349 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن قطن، عن حبيب، عن عبيد بن عمير يرسل الرياح فتثير سحابا قال: الرياح أربع: يبعث الله ريحا فتقم الارض قما، ثم يبعث الله الريح الثانية فتثير سحابا، فيجعله في السماء كسفا، ثم يبعث الله الريح الثالثة، فتؤلف بينه فيجعله ركاما، ثم يبعث الريح الرابعة فتمطر. 21350 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فترى الودق قال: القطر. وقوله: فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون يقول: فإذا صرف ذلك الودق إلى أرض من أراد صرفه إلى أرضه من خلقه رأيتهم يستبشرون بأنه صرف ذلك إليهم ويفرحون. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين) *. يقول تعالى ذكره: وكان هؤلاء الذين أصابهم الله بهذا الغيث من عباده من قبل أن ينزل عليهم هذا الغيث من قبل هذا الغيث لمبلسين، يقول: لمكتئبين حزنين باحتباسه عنهم، كما: 21351 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين: أي قانطين. واختلف أهل العربية في وجه تكرير من قبله، وقد تقدم قبل ذلك قوله: من قبل أن ينزل عليهم فقال بعض نحويي البصرة: رد من قبله على التوكيد نحو قوله: فسجد الملائكة كلهم أجمعون وقال غيره: ليس ذلك كذلك، لان مع من قبل أن ينزل عليهم حرفا ليس مع الثانية، قال: فكأنه قال: من قبل التنزيل من قبل المطر فقد اختلفتا، وأما كلهم أجمعون وكد بأجمعين لان كلا يكون اسما ويكون توكيدا، وهو قوله
[ 66 ]
أجمعون. والقول عندي في قوله: من قبله على وجه التوكيد. القول في تأويل قوله تعالى: * (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الارض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شئ قدير) *. اختلفت القراء في قوله: فانظر إلى آثار رحمة الله فقرأته عامة قراء أهل المدينة والبصرة وبعض الكوفيين: إلى أثر رحمة الله على التوحيد، بمعنى: فانظر يا محمد إلى أثر الغيث الذي أصاب الله به من أصاب من عباده، كيف يحيي ذلك الغيث الارض من بعد موتها. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: فانظر إلى آثار رحمة الله على الجماع، بمعنى: فانظر إلى آثاء الغيث الذي أصاب الله به من أصاب كيف يحيي الارض بعد موتها. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مشهورتان في قرأة الامصار، متقاربتا المعنى وذلك أن الله إذا أحيا الارض بغيث أنزله عليها، فإن الغيث أحياها بإحياء الله إياها به، وإذا أحياها الغيث، فإن الله هو المحيي به، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب. فتأويل الكلام إذن: فانظر يا محمد إلى آثار الغيث الذي ينزل الله من السحاب، كيف يحيي بها الارض الميتة، فينبتها ويعشبها من بعد موتها ودثورها. إن ذلك لمحيي الموتى يقول جل ذكره: إن الذي يحيي هذه الارض بعد موتها بهذا الغيث، لمحيي الموتى من بعد موتهم، وهو على كل شئ مع قدرته على إحياء الموتى قدير، لا يعز عليه شئ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شئ شاءه سبحانه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون) *. يقول تعالى ذكره: ولئن أرسلنا ريحا مفسدة ما أنبته الغيث الذي أنزلناه من السماء، فرأى هؤلاء الذين أصابهم الله بذلك الغيث الذي حييت به أرضوهم، وأعشبت ونبتت به زروعهم، ما أنبتته أرضوهم بذلك الغيث من الزرع مصفرا، قد فسد بتلك الريح التي أرسلناها، فصار من بعد خضرته مصفرا، لظلوا من بعد استبشارهم وفرحتهم به يكفرون بربهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ئ وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون) *.
[ 67 ]
يقول تعالى ذكره: فإنك يا محمد لا تسمع الموتى يقول: لا تجعل لهم أسماعا يفهمون بها عنك ما تقول لهم، وإنما هذا مثل معناه: فإنك لا تقدر أن تفهم هؤلاء المشركين الذين قد ختم الله على أسماعهم، فسلبهم فهم ما يتلى عليهم من مواعظ تنزيله، كما لا تقدر أن تفهم الموتى الذين قد سلبهم الله أسماعهم، بأن تجعل لهم أسماعا. وقوله: ولا تسمع الصم الدعاء يقول: وكما لا تقدر أن تسمع الصم الذين قد سلبوا السمع الدعاء، إذا هم ولوا عنك مدبرين، كذلك لا تقدر أن توفق هؤلاء الذين قد سلبهم الله فهم آيات كتابه، لسماع ذلك وفهمه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21352 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فإنك لا تسمع الموتى: هذا مثل ضربه الله للكافر فكما لا يسمع الميت الدعاء، كذلك لا يسمع الكافر. ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين يقول: لو أن أصم ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ولا ينتفع بما يسمع. وقوله: وما أنت بهاد العمي عن ضلالتهم يقول تعالى ذكره: وما أنت يا محمد بمسدد من أعماه الله عن الاستقامة، ومحجة الحق، فلم يوفقه لاصابة الرشد، فصارفه عن ضلالته التي هو عليها، وركوبه الجائر من الطرق، إلى سبيل الرشاد، يقول: ليس ذلك بيدك ولا إليك، ولا يقدر على ذلك أحد غيري، لاني القادر على كل شئ. وقيل: بهادي العمي عن ضلالتهم، ولم يقل: من ضلالتهم. لان معنى الكلام ما وصفت، من أنه: وما أنت بصارفهم عنه، فحمل على المعنى. ولو قيل: من ضلالتهم كان صوابا. وكان معناه: ما أنت بمانعهم من ضلالتهم. وقوله: إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا يقول تعالى ذكره لنبيه: ما تسمع السماع الذي ينتفع به سامعه فيعقله، إلا من يؤمن بآياتنا، لان الذي يؤمن بآياتنا إذا سمع كتاب الله تدبره وفهمه وعقله، وعمل بما فيه، وانتهى إلى حدود الله، الذي حد فيه، فهو الذي يسمع السماع النافع. وقوله: فهم مسلمون يقول: فهم خاضعون لله بطاعته، متذللون لمواعظ كتابه. القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد
[ 68 ]
قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشآء وهو العليم القدير) *. يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذبين بالبعث من مشركي قريش، محتجا عليهم بأنه القادر على ذلك وعلى ما يشاء: الله الذي خلقكم أيها الناس من ضعف يقول: من نطفة وماء مهين، فأنشأكم بشرا سويا ثم جعل من بعد ضعف قوة يقول: ثم جعل لكم قوة على التصرف، من بعد خلقه إياكم من ضعف، ومن بعد ضعفكم، بالصغر والطفولة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يقول: ثم أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم وشيبة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21353 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الذي خلقكم من ضعف أي من نطفة ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفا الهرم وشيبة الشمط. وقوله: يخلق ما يشاء يقول تعالى ذكره: يخلق ما يشاء من ضعف وقوة وشباب وشيب وهو العليم بتدبير خلقه القدير على ما يشاء، لا يمتنع عليه شئ أراده، فكما فعل هذه الاشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أن الذي فعل هذه الافعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون) *. يقول تعالى ذكره: ويوم تجئ ساعة البعث، فيبعث الخلق من قبورهم، يقسم المجرمون، وهم الذين كانوا يكفرون بالله في الدنيا، ويكتسبون فيه الآثام، وإقسامهم: حلفهم بالله. ما لبثوا غير ساعة: يقول: يقسمون بأنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة واحدة. يقول الله جل ثناؤه: كذلك في الدنيا كانوا يؤفكون: يقول: كذبوا في قيلهم وقسمهم ما لبثنا غير ساعة، كما كانوا في الدنيا يكذبون ويحلفون على الكذب وهم يعلمون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21354 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويوم تقوم الساعة
[ 69 ]
يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون أي يكذبون في الدنيا، وإنما يعني بقوله: يؤفكون عن الصدق، ويصدون عنه إلى الكذب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون) *. كان قتادة يقول: هذا من المقدم الذي معناه التأخير. 21355 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وقال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث قال: هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الذين أوتوا الايمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب الله. وذكر عن ابن جريج أنه كان يقول: معنى ذلك: وقال الذين أوتوا العلم بكتاب الله، والايمان بالله وكتابه. وقوله: في كتاب الله يقول: فيما كتب الله مما سبق في علمه أنكم تلبثونه فهذا يوم البعث يقول: فهذا يوم يبعث الناس من قبورهم ولكنكم كنتم لا تعلمون يقول: ولكنكم كنتم لا تعلمون في الدنيا أنه يكون، وأنكم مبعوثون من بعد الموت، فلذلك كنتم تكذبون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون) *. يقول تعالى ذكره: فيوم يبعثون من قبورهم لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم يعني المكذبين بالبعث في الدنيا معذرتهم، وهو قولهم: ما علمنا أنه يكون، ولا أنا نبعث. ولا هم يستعتبون يقول: ولا هؤلاء الظلمة يسترجعون يومئذ عما كانوا يكذبون به في الدنيا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون) *.
[ 70 ]
يقول تعالى ذكره: ولقد مثلنا للناس في هذا القرآن من كل مثل احتجاجا عليهم، وتنبيها لهم عن وحدانية الله. وقوله ولئن جئتهم بآية يقول: ولئن جئت يا محمد هؤلاء القوم بآية: يقول: بدلالة على صدق ما تقول ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون يقول: ليقولن الذين جحدوا رسالتك، وأنكروا نبوتك: إن أنتم أيها المصدقون محمدا فيما أتاكم به الا مبطلون فيما تجيئوننا به من هذه الامور. القول في تأويل قوله تعالى: * (كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون) *. يقول تعالى ذكره: كذلك يختم الله على قلوب الذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمد من عند الله من هذه العبر والعظات، والآيات البينات، فلا يفقهون عن الله حجة، ولا يفهمون عنه ما يتلو عليهم من آي كتابه، فهم لذلك في طغيانهم يترددون. القول في تأويل قوله تعالى: * (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) *. يقول تعالى ذكره: فاصبر يا محمد لما ينالك من أذاهم، وبلغهم رسالة ربك، فإن وعد الله الذي وعدك من النصر عليهم، والظفر بهم، وتمكينك وتمكين أصحابك وتباعك في الارض حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون يقول: ولا يستخفن حلمك ورأيك هؤلاء المشركون بالله الذين لا يوقنون بالمعاد ولا يصدقون بالبعث بعد الممات، فيثبطوك عن أمر الله والنفوذ لما كلفك من تبليغهم رسالته. 21356 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن علي بن ربيعة، أن رجلا من الخوارج، قرأ خلف علي رضي الله عنه: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فقال علي: فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. * - قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة عن علي بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج عليا رضي الله عنه، وهو في صلاة الفجر، فقال ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأجابه
[ 71 ]
علي رضي الله عنه وهو في الصلاة: فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. 21357 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون قال: قال رجل من الخوارج خلف علي في صلاة الغداة: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين فأنصت له علي رضي الله عنه حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة: فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون. آخر تفسير سوره الروم
[ 72 ]
سورة لقمان مكية وآياتها أربع وثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (الم ئ تلك آيات الكتاب الحكيم ئ هدى ورحمة للمحسنين ئ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون) *. وقد تقدم بياننا تأويل قول الله تعالى ذكره الم. وقوله: تلك آيات الكتاب الحكيم يقول جل ثناؤه: هذه آيات الكتاب الحكيم بيانا وتفصيلا. وقوله هدى ورحمة يقول: هذه آيات الكتاب بيانا ورحمة من الله، رحم به من اتبعه، وعمل به من خلقه وبنصب الهدى والرحمة على القطع من آيات الكتاب قرأت قراء الامصار غير حمزة، فإنه قرأ ذلك رفعا على وجه الاستئناف، إذ كان منقطعا عن الآية التي قبلها بأنه ابتداء آية وأنه مدح، والعرب تفعل ذلك مما كان من نعوت المعارف، وقع موقع الحال إذا كان فيه معنى مدح أو ذم. وكلتا القراءتين صواب عندي، وإن كنت إلى النصب أميل، لكثرة القراء به. وقوله: للمحسنين وهم الذين أحسنوا في العمل بما أنزل الله في هذا القرآن، يقول تعالى ذكره: هذا الكتاب الحكيم هدى ورحمة للذين أحسنوا، فعملوا بما فيه من أمر الله ونهيه الذين يقيمون الصلاة يقول: الذين يقيمون الصلاة المفروضة بحدودها ويؤتون الزكاة من جعلها الله له المفروضة في أموالهم وهم بالآخرة هم يوقنون يقول: يفعلون ذلك وهم بجزاء الله وثوابه لمن فعل ذلك في الآخرة يوقنون. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 73 ]
* (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) *. يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم على بيان من ربهم ونور وأولئك هم المفلحون يقول: وهؤلاء هم المنجحون المدركون ما رجوا وأملوا من ثواب ربهم يوم القيامة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) *. اختلف أهل التأويل، في تأويل قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث فقال بعضهم: من يشتري الشراء المعروف بالثمن، ورووا بذلك خبرا عن رسول الله (ص) وهو ما: 21358 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا وكيع، عن خلاد الصفار، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، قال: قال رسول الله (ص): لا يحل بيع المغنيات، ولا شراؤهن، ولا التجارة فيهن، ولا أثمانهن، وفيهن نزلت هذه الآية: ومن الناس من يشتري لهو الحديث. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن خلاد الصفار، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي (ص) بنحوه، إلا أنه قال: أكل ثمنهن حرام وقال أيضا: وفيهن أنزل الله علي هذه الآية: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله. * - حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس العسقلاني، قال: ثنا أبي، قال: ثنا سليمان بن حيان، عن عمرو بن قيس الكلابي، عن أبي المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة. قال: وثنا إسماعيل بن عياش، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن زيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يحل تعليم المغنيات، ولا بيعهن ولا شراؤهن، وثمنهن حرام، وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله ومن الناس من يشتري لهو الحديث إلى آخر الآية.
[ 74 ]
وقال آخرون: بل معنى ذلك: من يختار لهو الحديث ويستحبه. ذكر من قال ذلك: 21359 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم والله لعله أن لا ينفق فيه مالا، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع. 21360 - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا أيوب بن سويد، قال: ثنا ابن شوذب، عن مطر، في قول الله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: اشتراؤه: استحبابه. وأولى التأويلين عندي بالصواب تأويل من قال: معناه: الشراء، الذي هو بالثمن، وذلك أن ذلك هو أظهر معنييه. فإن قال قائل: وكيف يشتري لهو الحديث ؟ قيل: يشتري ذات لهو الحديث، أو ذا لهو الحديث، فيكون مشتريا لهو الحديث. وأما الحديث، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الغناء والاستماع له. ذكر من قال ذلك: 21361 - حدثني يونس بن عبد الاعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يزيد بن يونس، عن أبي صخر، عن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء البكري، أنه سمع عبد الله بن مسعود وهو يسأل عن هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم فقال عبد الله: الغناء، والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات. * - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا صفوان بن عيسى، قال: أخبرنا حميد الخراط، عن عمار، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء، أنه سأل ابن مسعود، عن قول الله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء. 21362 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا علي بن عابس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء.
[ 75 ]
21363 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عمران بن عيينة، قال: ثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء وأشباهه. * - حدثنا ابن وكيع، والفضل بن الصباح، قالا: ثنا محمد بن فضيل، عن عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، في قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: هو الغناء ونحوه. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام بن سلم، عن عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، مثله. * - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الانماطي، قال: ثنا عبيد الله، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: هو الغناء والاستماع له، يعني قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث. 21364 - حدثنا الحسن بن عبد الرحيم، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا سفيان، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن جابر، في قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: هو الغناء والاستماع له. 21365 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي ليلى، عن الحكم أو مقسم، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: شراء المغنية. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حفص والمحاربي، عن ليث، عن الحكم، عن ابن عباس، قال: الغناء. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله قال: باطل الحديث: هو الغناء ونحوه. 21366 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن مجاهد ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد أنه قال في هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء.
[ 76 ]
* - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب عن مجاهد قال: الغناء. * - قال: ثنا أبي، عن شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، مثله. 21367 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهدو من الناس من يشتري لهو الحديث قال: هو الغناء، وكل لعب لهو. * - حدثنا الحسين بن عبد الرحمن الانماطي، قال: ثنا علي بن حفص الهمداني، قال: ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء والاستماع له وكل لهو. 21367 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليه، أو إلى مثله من الباطل. * - حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: هو الغناء أو الغناء منه، أو الاستماع له. 21369 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عثام بن علي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار، عن عكرمة قال: لهو الحديث: الغناء. 21370 - حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال: ثنا عثام، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن شعيب بن يسار هكذا قال عكرمة، عن عبيد مثله. * - حدثنا الحسين بن الزبرقان النخعي، قال: ثنا أبو أسامة وعبيد الله، عن أسامة، عن عكرمة، في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال: الغناء. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن عكرمة، قال: الغناء. وقال آخرون: عنى باللهو: الطبل. ذكر من قال ذلك: 21371 - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا حجاج الاعور، عن ابن جريج، عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل. وقال آخرون: عنى بلهو الحديث: الشرك. ذكر من قال ذلك: 21372 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث يعني الشرك.
[ 77 ]
21373 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم، ويتخذها هزوا قال: هؤلاء أهل الكفر، ألا ترى إلى قوله: وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها، كأن في أذنيه وقرا فليس هكذا أهل الاسلام، قال: وناس يقولون: هي فيكم، وليس كذلك، قال: وهو الحديث الباطل الذي كانوا يلغون فيه. والصواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله، مما نهى الله عن استماعه أو رسوله، لان الله تعالى عم بقوله لهو الحديث ولم يخصص بعضا دون بعض، فذلك على عمومه، حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك. وقوله: ليضل عن سبيل الله يقول: ليصد ذلك الذي يشتري من لهم الحديث عن دين الله وطاعته، وما يقرب إليه من قراءة قرآن، وذكر الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21374 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ليضل عن سبيل الله قال: سبيل الله: قراءة القرآن، وذكر الله إذا ذكره، وهو رجل من قريش اشترى جارية مغنية. وقوله: بغير علم يقول: فعل ما فعل من اشترائه لهو الحديث، جهلا منه بما له في العاقبة عند الله من وزر ذلك وإثمه. وقوله ويتخذها هزوا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: ويأخذها رفعا، عطفا به على قوله: يشتري كأن معناه عندهم: ومن الناس من يشتري لهو الحديث، ويتخذ آيات الله هزوا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: ويتخذها نصبا عطفا على يضل، بمعنى: ليضل عن سبيل الله، وليتخذها هزوا. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان في قراء الامصار، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ، فمصيب الصواب في قراءته، والهاء والالف في قوله: ويتخذها من ذكر سبيل الله. ذكر من قال ذلك: 21375 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: ويتخذها هزوا قال: سبيل الله.
[ 78 ]
وقال آخرون: بل ذلك من ذكر آيات الكتاب. 21376 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: بحسب المرء من الضلالة، أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع. ويتخذها هزوا يستهزئ بها ويكذب بها. وهما من أن يكونا من ذكر سبيل الله أشبه عندي لقربهما منها، وإن كان القول الآخر غير بعيد من الصواب. واتخاذه ذلك هزوا هو استهزاؤه به. وقوله: أولئك لهم عذاب مهين يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا أنهم يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله، لهم يوم القيامة عذاب مذل مخز في نار جهنم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم) *. يقول تعالى ذكره: وإذا تتلى على هذا الذي اشترى لهو الحديث للاضلال عن سبيل الله، آيات كتاب الله، فقرئت عليه ولى مستكبرا يقول: أدبر عنها، واستكبر استكبارا، وأعرض عن سماع الحق والاجابة عنه كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا يقول: ثقلا، فلا يطيق من أجله سماعه، كما: 21377 حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: في أذنيه وقرا قال: ثقلا. وقوله فبشره بعذاب أليم يقول تعالى ذكره: فبشر هذا المعرض عن آيات الله إذا تليت عليه استكبارا بعذاب له من الله يوم القيامة موجع، وذلك عذاب النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ئ خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم) *. يقول تعالى ذكره: إن الذين آمنوا بالله فوحدوه، وصدقوا رسوله واتبعوه
[ 79 ]
وعملوا الصالحات يقول: فأطاعوا الله، فعملوا بما أمرهم في كتابه وعلى لسان رسوله، وانتهوا عما نهاهم عنه لهم جنات النعيم يقول: لهؤلاء بساتين النعيم خالدين فيها يقول: ماكثين فيها إلى غير نهاية وعد الله حقا يقول: وعدهم الله وعدا حقا، لا شك فيه ولا خلف له وهو العزيز يقول: وهو الشديد في انتقامه من أهل الشرك به، والصادين عن سبيله، الحكيم في تدبير خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم) *. يقول تعالى ذكره: ومن حكمته أنه خلق السموات السبع بغير عمد ترونها *. وقد ذكرت فيما مضى اختلاف أهل التأويل في معنى قوله بغير عمد ترونها وبينا الصواب من القول في ذلك عندنا. وقد: 21378 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاذ بن معاذ، عن عمران بن حدير، عن عكرمة، عن ابن عباس بغير عمد ترونها قال: لعلها بعمد لا ترونها. 21379 - وقال: ثنا العلاء بن عبد الجبار، عن هماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن بن مسلم، عن مجاهد، قال: إنها بعمد لا ترونها. * - قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: لعلها بعمد لا ترونها. 21380 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد، عن سماك، عن عكرمة في هذا الحرف خلق السموات بغير عمد ترونها قال: ترونها بغير عمد، وهي بعمد. 21381 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة خلق السموات بغير عمد ترونها قال: قال الحسن وقتادة: إنها بغير عمد ترونها، ليس لها عمد. وقال ابن عباس بغير عمد ترونها قال: لها عمد لا ترونها. وقوله: وألقى في الارض رواسي أن تميد بكم يقول: وجعل على ظهر الارض رواسي، وهي ثوابت الجبال أن تميد بكم أن لا تميد بكم. يقول: أن لا تضطرب بكم، ولا تتحرك يمنة ولا يسرة، ولكن تستقر بكم، كما:
[ 80 ]
21382 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وألقى في الارض رواسي: أي جبالا أن تميد بكم أثبتها بالجبال، ولولا ذلك ما أقرت عليها خلقا، وذلك كما قال الراجز: (والمهر يأبى أن يزال ملهبا) بمعنى: لا يزال. وقوله: وبث فيها من كل دابة يقول: وفرق في الارض من كل أنواع الدواب. وقيل الدواب اسم لكل ما أكل وشرب، وهو عندي لكل ما دب على الارض. وقوله: وأنزلنا من السماء ماء، فأنبتنا فيها من كل زوج كريم يقول تعالى ذكره: وأنزلنا من السماء مطرا، فأنبتنا بذلك المطر في الارض من كل زوج، يعني: من كل نوع من النبات كريم، وهو الحسن النبتة، كما: 21383 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من كل زوج كريم: أي حسن. القول في تأويل قوله تعالى: * (هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعددت عليكم أيها الناس أني خلقته في هذه الآية خلق الله الذي له ألوهة كل شئ، وعبادة كل خلق، الذي لا تصلح العبادة لغيره، ولا تنبغي لشئ سواه، فأروني أيها المشركون في عبادتكم إياه من دونه من الآلهة والاوثان، أي شئ خلق الذين من دونه من آلهتكم وأصنامكم، حتى استحقت عليكم العبادة فعبدتموها من دونه، كما استحق ذلك عليكم خالقكم، وخالق هذه الاشياء التي عددتها عليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21384 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: هذا خلق الله ما ذكر من خلق السموات والارض، وما بث من الدواب، وما أنبت من كل زوج كريم، فأروني ماذا خلق الذين من دونه الاصنام الذين تدعون من دونه.
[ 81 ]
وقوله: بل الظالمون في ضلال مبين يقول تعالى ذكره: ما عبد هؤلاء المشركون الاوثان والاصنام من أجل أنها تخلق شيئا، ولكنهم دعاهم إلى عبادتها ضلالهم، وذهابهم عن سبيل الحق، فهم في ضلال. يقول: فهم في جور عن الحق، وذهاب عن الاستقامة مبين يقول: يبين لمن تأمله، ونظر فيه وفكر بعقل أنه ضلال لا هدى. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد) *. يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا لقمان الفقه في الدين، والعقل، والاصابة في القول. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21385 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ولقد آتينا لقمان الحكمة قال: الفقه والعقل والاصابة في القول من غير نبوة. 21386 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولقد آتينا لقمان الحكمة أي الفقه في الاسلام. قال قتادة: ولم يكن نبيا، ولم يوح إليه. * - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن مجاهد، في قوله ولقد آتينا لقمان الحكمة قال: الحكمة: الصواب. وقال غير أبي بشر: الصواب في غير النبوة. * - حدثنا ابن المثنى، ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، أنه قال: كان لقمان رجلا صالحا، ولم يكن نبيا. 21387 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الاودي وابن حميد، قالا: ثنا حكام، عن سعيد الزبيدي، عن مجاهد، قال: كان لقمان الحكيم عبدا حبشيا، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، قاضيا على بني إسرائيل. * - حدثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرملي، قال: ثنا يحيى بن عيسى عن الاعمش، عن مجاهد، قال: كان لقمان عبدا أسود، عظيم الشفتين، مشقق القدمين.
[ 82 ]
21388 - حدثني عباس بن محمد، قال: ثنا خالد بن مخلد، قال: ثنا سليمان بن بلال، قال: ثني يحيى بن سعيد قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كان لقمان الحكيم أسود من سودان مصر. 21389 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان لقمان عبدا حبشيا. 21390 - حدثنا العبا س بن الوليد، قال: أخبرنا أبي، قال: ثنا الاوزاعي، قال: ثنا عبد الرحمن بن حرملة، قال: جاء أسود إلى سعيد بن المسيب يسأل، فقال له سعيد: لا تحزن من أجل أنك أسود، فإنه كان من خير الناس ثلاثة من السودان: بلال، ومهجع مولى عمر بن الخطاب، ولقمان الحكيم، كان أسود نوبيا ذا مشافر. 21391 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي الاشهب، عن خالد الربعي، قال: كان لقمان عبدا حبشيا نجارا، فقال له مولاه: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها. قال: أخرج أطيب مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب. ثم مكث ما شاء الله، ثم قال: اذبح لنا هذه الشاة، فذبحها. فقال: أخرج أخبث مضغتين فيها، فأخرج اللسان والقلب، فقال له مولاه: أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما، وأمرتك أن تخرج أخبث مضغتين فيها فأخرجتهما فقال له لقمان: إنه ليس من شئ أطيب منهما إذا طابا، ولا أخبث منهما إذا خبثا. 21392 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو بن قيس، قال: كان لقمان عبدا أسود، غليظ الشفتين، مصفح القدمين، فأتاه رجل، وهو في مجلس أناس يحدثهم، فقال له: ألست الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال: نعم، قال: فما بلغ بك ما أرى ؟ قال: صدق الحديث، والصمت عما لا يعنيني. 21393 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد ولقد آتينا لقمان الحكمة قال: القرآن. 21394 - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: الحكمة: الامانة. وقال آخرون: كان نبيا. ذكر من قال ذلك: 21395 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن إسرائيل، عن جابر، عن عكرمة،
[ 83 ]
قال: كان لقمان نبيا. وقوله: أن اشكر لله: يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا لقمان الحكمة، أن احمد الله على ما آتاك من فضله وجعل قوله أن اشكر ترجمة عن الحكمة، لان من الحكمة التي كان أوتيها، كان شكره الله على ما آتاه. وقوله: ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه يقول: ومن يشكر الله على نعمه عنده فإنما يشكر لنفسه، لان الله يجزل له على شكره إياه الثواب، وينقذه به من الهلكة. ومن كفر فإن الله غني حميد يقول: ومن كفر نعمة الله عليه، إلى نفسه أساء، لان الله معاقبه على كفرانه إياه، والله غني عن شكره إياه على نعمه، لا حاجة به إليه، لان شكره إياه لا يزيد في سلطانه، ولا ينقص كفرانه إياه من ملكه. ويعني بقوله حميد محمود على كل حال، له الحمد على نعمه، كفر العبد نعمته أو شكره عليها وهو مصروف من مفعول إلى فعيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يبني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): واذكر يا محمد إذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم يقول: لخطأ من القول عظيم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) *. يقول تعالى ذكره: وأمرنا الانسان ببر والديه حملته أمه وهنا على وهن يقول: ضعفا على ضعف، وشدة على شدة ومنه قول زهير: فلن يقولوا بحبل واهن خلق لو كان قوم‍ ك في أسبابه هلكوا
[ 84 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أنهم اختلفوا في المعني بذلك، فقال بعضهم: عنى به الحمل. ذكر من قال ذلك: 21396 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن يقول: شدة بعد شدة، وخلقا بعد خلق. 21397 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله: وهنا على وهن يقول: ضعفا على ضعف. 21398 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: حملته أمه وهنا على وهن أي جهدا على جهد. وقال آخرون: بل عنى به: وهن الولد وضعفه على ضعف الام. ذكر من قال ذلك: 21399 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وهنا على وهن قال: وهن الولد على وهن الوالدة وضعفها. وقوله: وفصاله في عامين يقول: وفطامه في انقضاء عامين. وقيل: وفصاله في عامين وترك ذكر انقضاء اكتفاء بدلالة الكلام عليه، كما قيل: واسأل القرية التي كنا فيها يراد به أهل القرية. وقوله: أن اشكر لي ولوالديك يقول: وعهدنا إليه أن اشكر لي على نعمي عليك، ولوالديك تربيتهما إياك، وعلاجهما فيك ما عالجا من المشقة حتى استحكم قواك. وقوله: إلي المصير يقول: إلى الله مصيرك أيها الانسان، وهو سائلك عما كان من شكرك له على نعمه عليك، وعما كان من شكرك لوالديك، وبرك بهما على ما لقيا منك من العناء والمشقة في حال طفوليتك وصباك، وما اصطنعا إليك في برهما بك، وتحننهما عليك. وذكر أن هذه الآية نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه. ذكر الرواية الواردة في ذلك: 21400 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الاحوص، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، قال: حلفت أم سعد أن لا تأكل ولا تشرب، حتى يتحول سعد عن دينه.
[ 85 ]
قال: فأبى عليها. فلم تزل كذلك حتى غشي عليها. قال: فأتاها بنوها فسقوها. قال: فلما أفاقت دعت الله عليه، فنزلت هذه الآية: ووصينا الانسان بوالديه... إلى قوله: في الدنيا معروفا. 21401 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر قال: ثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قالت أم سعد لسعد: أليس الله قد أمر بالبر، فوالله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصا، ثم أوجروها، فنزلت هذه الآية: ووصينا الانسان بوالديه. 21402 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن سماك بن حرب، قال: قال سعد بن مالك: نزلت في: وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفا قال: لما أسلمت، حلفت أمي لا تأكل طعاما ولا تشرب شرابا، قال: فناشدتها أول يوم، فأبت وصبرت فلما كان اليوم الثاني ناشدتها، فأبت فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت، فقلت: والله لو كانت لك مئة نفس لخرجت قبل أن أدع ديني هذا فلما رأت ذلك، وعرفت أني لست فاعلا أكلت. 21403 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعت أبا هبيرة يقول: قال: نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما... الآية. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: وإن جاهدك أيها الانسان والداك على أن تشرك بي في عبادتك إياي معي غيري مما لا تعلم أنه لي شريك، ولا شريك له تعالى ذكره علوا كبيرا، فلا تطعهما فيما أراداك عليه من الشرك بي، وصاحبهما في الدنيا معروفا يقول: وصاحبهما
[ 86 ]
في الدنيا بالطاعة لهما فيما لا تبعة عليك فيه فيما بينك وبين ربك ولا إثم. وقوله: واتبع سبيل من أناب إلي يقول: واسلك طريق من تاب من شركه، ورجع إلى الاسلام، واتبع محمدا (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21404 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واتبع سبيل من أناب إلي: أي من أقبل إلي. وقوله: إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون فإن إلي مصيركم ومعادكم بعد مماتكم فأخبركم بجميع ما كنتم في الدنيا تعملون من خير وشر، ثم أجازيكم على أعمالكم، المحسن منكم بإحسانه، والمسئ بإساءته. فإن قال لنا قائل: ما وجه اعتراض هذا الكلام بين الخبر عن وصيتي لقمان ابنه ؟ قيل ذلك أيضا، وإن كان خبرا من الله تعالى ذكره عن وصيته عباده به، وأنه إنما أوصى به لقمان ابنه، فكان معنى الكلام: وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ولا تطع في الشرك به والديك وصاحبهما في الدنيا معروفا فإن الله وصى بهما، فاستؤنف الكلام على وجه الخبر من الله، وفيه هذا المعنى، فذلك وجه اعتراض ذلك بين الخبرين عن وصيته. القول في تأويل قوله تعالى: * (يبني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) *. اختلف أهل العربية في معنى الهاء والالف اللتين في قوله إنها فقال بعض نحويي البصرة: ذلك كناية عن المعصية والخطيئة. ومعنى الكلام عنده: يا بني إن المعصية إن تك مثقال حبة من خردل، أو إن الخطيئة. وقال بعض نحويي الكوفة: وهذه الهاء عماد. وقال: أنث تك، لانه يراد بها الحبة، فذهب بالتأنيث إليها، كما قال الشاعر: وتشرق بالقول الذي قد أذعته كما شرقت صدر القناة من الدم وقال صاحب هذه المقا لة: يجوز نصب المثقال ورفعه قال: فمن رفع رفعه بتك،
[ 87 ]
واحتملت الننكرة أن لا يكون لها فعل في كان وليس وأخواتها، ومن نصب جعل في تكن اسما مضمرا مجهولا مثل الهاء التي في قوله إنها إن تك قال: ومثله قوله: فإنها لا تعمى الابصار قال: ولو كان إن يك مثقال حبة كان صوابا، وجاز فيه الوجهان. وأما صاحب المقالة الاولى، فإن نصب مثقال في قوله، على أنه خبر، وتمام كان، وقال: رفع بعضهم فجعلها كان التي لا تحتاج إلى خبر. وأولى القولين بالصواب عندي، القول الثاني: لان الله تعالى ذكره لم يعد عباده أن يوفيهم جزاء سيئاتهم دون جزاء حسناتهم، فيقال: إن المعصية إن تك مثقال حبة من خردل يأت الله بها، بل وعد كلا العاملين أن يوفيه جزاء أعمالهما. فإذا كان ذلك كذلك، كانت الهاء في قوله إنها بأن تكون عمادا أشبه منها بأن تكون كناية عن الخطيئة والمعصية. وأما النصب في المثقال، فعلى أن في تك مجهولا، والرفع فيه على أن الخبر مضمر، كأنه قيل: إن تك في موضع مثقال حبة، لان النكرات تضمر أخبارها، ثم يترجم عن المكان الذي فيه مثقال الحبة. وعنى بقوله: مثقال حبة: زنة حبة. فتأويل الكلام إذن: إن الامر إن تك زنة حبة من خردل من خير أو شر عملته، فتكن في صخرة، أو في السموات، أو في الارض، يأت بها الله يوم القيامة، حتى يوفيك جزاءه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21405 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل من خير أو شر. واختلف أهل التأويل في معنى قوله فتكن في صخرة فقال بعضهم: عنى بها الصخرة التي عليها الارض وذلك قول روي عن ابن عباس وغيره، وقالوا: هي صخرة خضراء. ذكر من قال ذلك: 21406 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الاعمش، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، قال: الصخرة خضراء على ظهر حوت. 21407 - حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره عن أبي مالك عن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن عبد الله، وعن
[ 88 ]
ناس من أصحاب النبي (ص): خلق الله الارض على حوت، والحوت هو النون الذي ذكر الله في القرآن ن والقلم وما يسطرون والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح، وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء، ولا في الارض. وقال آخرون: عنى بها الجبال، قالوا: ومعنى الكلام: فتكن في جبل. ذكر من قال ذلك: 21408 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله: فتكن في صخرة: أي جبل. وقوله: يأت بها الله كان بعضهم يوجه معناه إلى يعلمه الله، ولا أعرف يأتي به، بمعنى يعلمه، إلا أن يكون قائل ذلك أراد أن لقمان، إنما وصف الله بذلك، لان الله يعلم أماكنه، لا يخفى عليه مكان شئ منه فيكون وجها. ذكر من قال ذلك: 21409 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ويحيى، قالا: ثنا أبو سفيان، عن السدي، عن أبي مالك فتكن في صخرة أو في السموات، أو في الارض يأت بها الله قال: يعلمها الله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي مالك، مثله. وقوله: إن الله لطيف خبير يقول: إن الله لطيف باستخراج الحبة من موضعها حي‍ ث كانت خبير بموضعها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21410 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الله لطيف خبير: أي لطيف باستخراجها خبير بمستقرها. القول في تأويل قوله تعالى: * (يبني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على مآ أصابك إن ذلك من عزم الامور) *. يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل لقمان لابنه يا بني أقم الصلاة بحدودها وأمر
[ 89 ]
بالمعروف يقول: وأمر الناس بطاعة الله، واتباع أمره وانه عن المنكر يقول: وانه الناس عن معاصي الله ومواقعة محارمه واصبر على ما أصابك يقول: واصبر على ما أصابك من الناس في ذات الله إذا أنت أمرتهم بالمعروف، ونهيتهم عن المنكر، ولا يصدنك عن ذلك ما نالك منهم إن ذلك من عزم الامور يقول: إن ذلك مما أمر الله به من الامور عزما منه. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك 21411 - قوله: حدثنى حجاج، عن ابن جريح، في قوله: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك قال: اصبر على ما أصابك من الاذى في ذلك إن ذلك من عزم الامور قال: إن ذلك مما عزم الله عليه من الامور، يقول: مما أمر الله به من الامور. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) *. اختلفت القراء في قراءة قوله: ولا تصعر فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين: ولا تصعر على مثال تفعل. وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء المدينة والكوفة والبصرة: ولا تصاعر على مثال تفاعل. والصواب من القول في ذلك أن يقال إنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام: ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه وأصل الصعر داء يأخذ الابل في أعناقها أو رؤوسها حتى تلفت أعناقها عن رؤوسها، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس، ومنه قول عمرو بن حني الثعلبي: وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
[ 90 ]
واختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه. ذكر من قال ذلك: 21412 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ولا تصعر خدك للناس يقول: ولا تتكبر فتحقر عباد الله، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ولا تصعر خدك للناس يقول: لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا. 21413 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولا تصعر قال: الصدود والاعراض بالوجه عن الناس. 21414 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن جعفر بن برقان، عن يزيد في هذه الآية ولا تصعر خدك للناس قال: إذا كلمك الانسان لويت وجهك وأعرضت عنه محقرة له. 21415 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا خالد بن حيان الرقي، عن جعفر بن ميمون بن مهران، قال: هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه. 21416 - حدثنا عبد الرحمن بن الاسود، قال: ثنا محمد بن ربيعة، قال: ثنا أبو مكين، عن عكرمة، في قوله ولا تصعر خدك للناس قال: لا تعرض بوجهك. 21417 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله ولا تصعر خدك للناس يقول: لا تعرض عن الناس، يقول: أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك. 21418 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ولا تصعر خدك للناس قال: تصعير الخد: التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي مكين، عن عكرمة، قال: الاعراض
[ 91 ]
. وقال آخرون: إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر، لا على وجه التكبر. ذكر من قال ذلك: 21419 - حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد ولا تصعر خدك للناس قال: الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة، فيراه فيعرض عنه. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، في قوله ولا تصعر خدك للناس قال: هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه. وقال آخرون: هو التشديق. ذكر من قال ذلك: 21420 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن جعفر الرازي، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا سفيان، عن المغيرة، عن إبراهيم، قال: هو التشديق أو التشدق الطبري يشك. * - حدثنا يحيى بن طلحة، قال: ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم بمثله. وقوله ولا تمش في الارض مرحا يقول: ولا تمش في الارض مختالا. كما: 21421 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله ولا تمش في الارض مرحا يقول: بالخيلاء. 21422 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الارض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور قال: نهاه عن التكبر. وقوله إن الله لا يحب كل مختال متكبر ذي فخر. كما: 21423 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 92 ]
كل مختال فخور قال: متكبر. وقوله: فخور: قال: يعدد ما أعطى الله، وهو لا يشكر الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الاصوات لصوت الحمير) *. يقول: وتواضع في مشيك إذا مشيت، ولا تستكبر، ولا تستعجل، ولكن اتئد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، غير أن منهم من قال: أمره بالتواضع في مشيه، ومنهم من قال: أمره بترك السرعة فيه. ذكر من قال: أمره بالتواضع في مشيه: 21424 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو حمزة، عن جابر، عن مجاهد واقصد في مشيك قال: التواضع. 42145 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واقصد في مشيك قال: نهاه عن الخيلاء. ذكر من قال: نهاه عن السرعة: 21426 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن عبد الله بن عقبة، عن يزيد بن أبي حبيب، في قوله: واقصد في مشيك قال: من السرعة. قوله: واغضض من صوتك يقول: واخفض من صوتك، فاجعله قصدا إذا تكلمت، كما: 21427 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واغضض من صوتك قال: أمره بالاقتصاد في صوته. 21428 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله واغضض من صوتك قال: أخفض من صوتك. واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: إن أنكر الاصوات لصوت الحمير فقال بعضهم: معناه: إن أقبح الاصوات. ذكر من قال ذلك: 21429 - حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا ابن أبي عدي، عن شعبة وأبان بن تغلب، قالا: ثنا أبو معاوية عن جويبر، عن الضحاك إن أنكر الاصوات قال: إن أقبح الاصوات لصوت الحمير. 21430 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن أنكر الاصوات
[ 93 ]
لصوت الحمير أي أقبح الاصوات لصوت الحمير، أوله زفير، وآخره شهيق أمره بالاقتصاد في صوته. 21431 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: سمعت الاعمش يقول: إن أنكر الاصوات صوت الحمير. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن أشر الاصوات. ذكر من قال ذلك: 21432 - حدث‍ ت عن يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة والحكم بن عتيبة إن أنكر الاصوات قال: أشر الاصوات. قال جابر: وقال الحسن بن مسلم: أشد الاصوات. 21433 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله إن أنكر الاصوات لصوت الحمير قال: لو كان رفع الصوت هو خيرا ما جعله للحمير. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معناه: إن أقبح أو أشر الاصوات، وذلك نظير قولهم، إذا رأوا وجها قبيحا، أو منظرا شنيعا: ما أنكر وجه فلان، وما أنكر منظره. وأما قوله: لصوت الحمير فأضيف الصوت وهو واحد إلى الحمير وهي جماعة، فإن ذلك لوجهين إن شئت، قلت: الصوت بمعنى الجمع، كما قيل لذهب بسمعهم وإن شئت قلت: معنى الحمير: معنى الواحد، لان الواحد القول في هذا الموضع يؤدى عما عنه الجمع. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الارض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير) *. يقول تعالى ذكره: ألم تروا أيها الناس أن الله سخر لكم ما في السموات من شمس وقمر ونجم وسحاب وما في الارض من دابة وشجر وماء وبحر وفلك وغير ذلك من المنافع، يجري ذلك كله لمنافعكم ومصالحكم لغذائكم وأقواتكم وأرزاقكم وملاذكم،
[ 94 ]
تتمتعون ببعض ذلك كله، وتنتفعون بجميعه، وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض المكيين وعامة الكوفيين: وأسبغ عليكم نعمة على الواحدة، ووجهوا معناها إلى أنه الاسلام، أو إلى أنها شهادة أن لا إله إلا الله. وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة: نعمه على الجماع، ووجهوا معنى ذلك، إلى أنها النعم التي سخرها الله للعباد مما في السموات والارض، واستشهدوا لصحة قراءتهم ذلك كذلك بقوله: شاكرا لانعمه قالوا: فهذا جمع النعم. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراء الامصار متقاربتا المعنى، وذلك أن النعمة قد تكون بمعنى الواحدة، ومعنى الجماع، وقد يدخل في الجماع الواحدة. وقد قال جل ثناؤه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فمعلوم أنه لم يعن بذلك نعمة واحدة. وقال في موضع آخر: ولم يك من المشركين شاكرا لانعمه، فجمعها، فبأي القراءتين قرأ القارئ ذلك فمصيب. ذكر بعض من قرأ ذلك على التوحيد، وفسره على ما ذكرنا عن قارئيه أنهم يفسرونه: 21434 - حدثني أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم بن سلام، قال: ثنا حجاج، قال: ثني مستور الهنائي، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، عن ابن عباس أنه قرأها: وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة وفسرها الاسلام. * - حدثت عن الفراء قال: ثني شريك بن عبد الله، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه قرأ: نعمة واحدة. قال: ولو كانت نعمه، لكانت نعمة دون نعمة، أو نعمة فوق نعمة الشك من الفراء. 21435 - حدثني عبد الله بن محمد الزهري، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حميد، قال: قرأ مجاهد وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة قال: لا إله إلا الله. * - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا ابن أبي بكير، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة قال: كان يقول: هي لا إله إلا الله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن حميد الاعرج، عن مجاهد
[ 95 ]
وأسبغ عليكم نعمته ظاهرة وباطنة قال: لا إله إلا الله. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن حميد الاعرج، عن مجاهد، قال: لا إله إلا الله. 21436 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عيسى، عن قيس، عن ابن عباس نعمة ظاهرة وباطنة قال: لا إله إلا الله. وقوله: ظاهرة يقول: ظاهرة على الالسن قولا، وعلى الابدان وجوارج الجسد عملا. وقوله: وباطنة يقول: وباطنة في القلوب اعتقادا ومعرفة. وقوله: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يخاصم في توحيد الله، وإخلاص الطاعة والعبادة له بغير علم عنده بما يخاصم، ولا هدى يقول: ولا بيان يبين به صحة ما يقول ولا كتاب منير يقول: ولا بتنزيل من الله جاء بما يدعى، يبين حقية دعواه، كما: 21437 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ليس معه من الله برهان ولا كتاب. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم اتبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبآءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير) *. يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء الذين يجادلون في توحيد الله جهلا منهم بعظمة الله: اتبعوا أيها القوم ما أنزل الله على رسوله، وصدقوا به، فإنه يفرق بين المحق منا والمبطل، ويفصل بين الضال والمهتدى، فقالوا: بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا من الاديان، فإنهم كانوا أهل حق. قال الله تعالى ذكره أو لو كان الشيطان يدعوهم بتزيينه لهم سوء أعمالهم، واتباعهم إياه على ضلالتهم، وكفرهم بالله وتركهم اتباع ما أنزل الله من كتابه على نبيه إلى عذاب السعير يعني: عذاب النار التي تتسعر وتلتهب. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الامور) *.
[ 96 ]
يقول تعالى ذكره: ومن يعبد وجهه متذللا بالعبودة، مقرا له بالالوهة وهو محسن يقول: وهو مطيع لله في أمره ونهيه فقد استمسك بالعروة الوثقى يقول: فقد تمسك بالطرف الاوثق الذي لا يخاف انقطاعه من تمسك به وهذا مثل إنما يعني بذلك أنه قد تمسك من رضا الله بإسلامه وجهه إليه وهو محسن، ما لا يخاف معه عذاب الله يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21438 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن أبي السوداء، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى قال: لا إله إلا الله. وقوله وإلى الله عاقبة الامور يقول: وإلى الله مرجع عاقبة كل أمر خيره وشره، وهو المسائل أهله عنه، ومجازيهم عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) *. يقول تعالى ذكره: ومن كفر بالله فلا يحزنك كفره، ولا تذهب نفسك عليهم حسرة، فإن مرجعهم ومصيرهم يوم القيامة إلينا، ونحن نخبرهم بأعمالهم الخبيثة التي عملوها في الدنيا، ثم نجازيهم عليها جزاءهم إن الله عليم بذات الصدر يقول: إن الله ذو علم بما تكنه صدورهم من الكفر بالله، وإيثار طاعة الشيطان. وقوله: نمتعهم قليلا يقول: نمهلهم في هذه الدنيا مهلا قليلا يتمتعون فيها ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ يقول: ثم نوردهم على كره منهم عذابا غليظا، وذلك عذاب النار، نعوذ بالله منها، ومن عمل يقرب منها. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون ئ لله ما في السماوات والارض إن الله هو الغني الحميد) *. يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك من خلق السموات والارض ليقولن الله، قل الحمد لله يقول تعالى ذكره لنبيه محمد، فإذا قالوا ذلك، فقل لهم: الحمد لله الذي خلق ذلك، لا لمن لا يخلق شيئا وهم يخلقون. ثم قال
[ 97 ]
تعالى ذكره: بل أكثرهم لا يعلمون يقول: بل أكثر هؤلاء المشركون لا يعلمون من الذي له الحمد، وأين موضع الشكر. وقوله: لله ما في السموات والارض يقول تعالى ذكره: لله كل ما في السموات والارض من شئ ملكا كائنا ما كان ذلك الشئ من وثن وصنم وغير ذلك، مما يعبد أو لا يعبد إن الله هو الغني الحميد يقول: إن الله هو الغني عن عبادة هؤلاء المشركين به الاوثان والانداد، وغير ذلك منهم ومن جميع خلقه، لانهم ملكه وله، وبهم الحاجة إليه. الحميد يعني المحمود على نعمه التي أنعمها على خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو أنما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم) *. يقول تعالى ذكره: ولو أن شجر الارض كلها بريت أقلاما والبحر يمده يقول: والبحر له مداد، والهاء في قوله يمده عائدة على البحر. وقوله من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله وفي هذا الكلام محذوف استغنى بدلالة الظاهر عليه منه، وهو يكتب كلام الله بتلك الاقلام وبذلك المداد، لتكسرت تلك الاقلام، ولنفد ذلك المداد، ولم تنفد كلمات الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21439 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال: سألت الحسن عن هذه الآية ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام قال: لو جعل شجر الارض أقلاما، وجعل البحور مدادا، وقال الله: إن من أمري كذا، ومن أمري كذا، لنفد ماء البحور، وتكسرت الاقلام 21440 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا الحكم، قال: ثنا عمرو، في قوله ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام قال: لو بريت أقلاما والبحر مدادا، فكتب بتلك الاقلام منه ما نفدت كلمات الله ولو مده سبعة أبحر. 21441 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله قال: قال المشركون: إنما هذا كلام يوشك أن ينفد، قال: لو كان شجر البر أقلاما، ومع البحر سبعة أبحر ما كان لتنفد عجائب ربي وحكمته وخلقه وعلمه.
[ 98 ]
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) في سبب مجادلة كانت من اليهود له. ذكر من قال ذلك: 21442 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا ابن إسحاق، قال: ثني رجل من أهل مكة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن أخبار يهود قالوا لرسول الله (ص) بالمدينة: يا محمد أرأيت قوله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا إيانا تريد أم قومك ؟ فقال رسول الله (ص): كلا، فقالوا: ألست تتلو فيما جاءك: أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان كل شئ ؟ فقال رسول الله (ص): إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم، فأنزل الله عليه فيما سألوه عنه من ذلك: ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله: أي أن التوراة في هذا من علم الله قليل. 21443 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثني ابن عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: سأل أهل الكتاب رسول الله (ص) عن الروح، فأنزل الله ويسئلونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أتيتم من العلم إلا قليلا فقالوا: تزعم أنا لم نؤت من العلم إلا قليلا، وقد أوتينا التوراة، وهي الحكمة ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا قال: فنزلت ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة بحر ما نفدت كلمات الله قال: ما أوتيتم من علم فنجاكم الله به من النار وأدخلكم الجنة، فهو كثير طيب، وهو في علم الله قليل. 21444 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: لما نزلت بمكة وما أوتيتم من العلم إلا قليلا يعني اليهود فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة، أتاه أحبار يهود، فقالوا: يا محمد ألم يبلغنا أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أفتعنينا أم قومك ؟ قال: كلا قد عنيت، قالوا: فإنك تتلو: أنا قد أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شى، فقال رسول الله (ص): هي في علم الله قليل، وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم، فأنزل الله ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر... إلى قوله إن الله سميع بصير. واختلفت القراء في قراءة قوله والبحر يمده من بعده سبعة أبحر فقرأته عامة قراء المدينة والكوفة والبحر رفعا على الابتداء، وقرأته قراء البصرة نصبا، عطفا به على ما في
[ 99 ]
قوله: ولو أن ما في الارض وبأيتهما قرأ القارئ فمصيب عندي. وقوله: إن الله عزيز حكيم يقول: إن الله ذو عزة في انتقامه ممن أشرك به، وادعى معه إلها غيره، حكيم في تدبيره خلقه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير) *. يقول تعالى ذكره ما خلقكم أيها الناس ولا بعثكم على الله إلا كخلق نفس واحدة وبعثها، وذلك أن الله لا يتعذر عليه شئ أراده، ولا يمتنع بعنه شئ شاءه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسواء خلق واحد وبعثه، وخلق الجميع وبعثهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21445 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثني أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله كنفس واحدة يقول: كن فيكون، للقليل والكثير. 21446 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة قال: يقول: إنما خلق الله الناس كلهم وبعثهم كخلق نفس واحدة وبعثها، وإنما صلح أن يقال: إلا كنفس واحدة، والمعنى: إلا كخلق نفس واحدة، لان المحذوف فعل يدل عليه قوله ما خلقكم ولا بعثكم والعرب تفعل ذلك في المصادر، ومنه قول الله: تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت والمعنى: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت، فلم يذكر الدوران والعين لما وصفت. وقوله: إن الله سميع بصير يقول تعالى ذكره: إن الله سميع لما يقول هؤلاء المشركون ويفترونه على ربهم، من ادعائهم له الشركاء والانداد وغير ذلك من كلامهم وكلام غيرهم، بصير بما يعملونه وغيرهم من الاعمال، وهو مجازيهم على ذلك جزاءهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير) *. يقول تعالى ذكره: ألم تر يا محمد بعينك أن الله يولج الليل في النهار يقول:
[ 100 ]
يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار ويولج النهار في الليل يقول: يزيد ما نقص من ساعات النهار في ساعات الليل. كما: 21447 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ألم تر أن الله يولج الليل في النهار نقصان الليل في زيادة النهار ويولج النهار في الليل نقصان النهار في زيادة الليل. وقوله: وسخر الشمس والقمر، كل يجري إلى أجل مسمى يقول تعالى ذكره: وسخر الشمس والقمر لمصالح خلقه ومنافعهم، كل يجري يقول: كل ذلك يجري بأمره إلى وقت معلوم، وأجل محدود إذا بلغه، كورت الشمس والقمر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21448 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى يقول: لذلك كله وقت، وحد معلوم، لا يجاوزه ولا يعدوه. وقوله: وأن الله بما تعملون خبير يقول: وإن الله بأعمالكم أيها الناس من خير أو شر ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه منها شئ، وهو مجازيكم على جميع ذلك، وخرج هذا الكلام خطابا لرسول الله (ص)، والمعني به المشركون، وذلك أنه تعالى ذكره، نبه بقوله: أن الله يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل على موضع حجته من جهل عظمته، وأشرك في عبادته معه غيره، يدل على ذلك قوله: ذلك بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه الباطل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير) *. يقول تعالى ذكره: هذا الذي أخبرتك يا محمد أن الله فعله من إيلاجه الليل في النهار، والنهار في الليل، وغير ذلك من عظيم قدرته، إنما فعله بأنه الله حقا، دون ما يدعوه هؤلاء المشركون به، وأنه لا يقدر على فعل ذلك سواه، ولا تصلح الالوهة إلا لمن فعل ذلك بقدرته. وقوله: وأن ما يدعون من دونه الباطل يقول تعالى ذكره: وبأن الذي يعبد هؤلاء المشركون من دون الله الباطل الذي يضمحل، فيبيد ويفني وأن الله هو العلي
[ 101 ]
الكبير يقول تعالى ذكره: وبأن الله هو العلي، يقول: ذو العلو على كل شئ، وكل ما دونه فله متذلل منقاد، الكبير الذي كل شئ دونه، فله متصاغر. القول في تأويل قوله تعالى: * (ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): ألم تر يا محمد أن السفن تجري في البحر نعمة من الله على خلقه ليريكم من آياته يقول: ليريكم من عبره وحججه عليكم إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور يقول: إن في جري الفلك في البحر دلالة على أن الله الذي أجراها والحق، وأن ما يدعون من دونه الباطللكل صبار شكور يقول: لكل من صبر نفسه عن محارم الله، وشكره على نعمه فلم يكفره. 21449 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان مطرف يقول: إن من أحب عباد الله إليه: الصبار الشكور. 21450 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، قال: الصبر نصف الايمان، والشكر نصف الايمان، واليقين: الايمان كله، ألم تر إلى قوله: إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور، إن في ذلك لآيات للموقنين إن في ذلك لآيات للمؤمنين. 21451 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفيان، عن مغيرة، عن الشعبي إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور قال: الصبر: نصف الايمان، واليقين: الايمان كله. إن قال قائل: وكيف خص هذه الدلالة بأنها دلالة للصبار الشكور دون سائر الخلق ؟ قيل: لان الصبر والشكر من أفعال ذوي الحجى والعقول، فأخبر أن في ذلك لآيات لكل ذي عقل، لان الآيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتمييز. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنآ إلا كل ختار كفور) *. يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء الذين يدعون من دون الله الآلهة والاوثان في
[ 102 ]
البحر، إذا ركبوا في الفلك، موج كالظل، وهي جمع ظلة، شبه بها الموج في شدة سواد كثرة الماء قال نابغة بني جعدة في صفة بحر: يماشيهن أخضر ذو ظلال على حافاته فلق الدنان وشبه الموج وهو واحد بالظلل، وهي جماع، لان الموج يأتي شئ منه بعد شئ، ويركب بعضه بعضا كهيئة الظلل. وقوله: دعوا الله مخلصين له الدين يقول تعالى ذكره: وإذا غشى هؤلاء موج كالظلل، فخافوا الغرق، فزعوا إلى الله بالدعاء مخلصين له الطاعة، لا يشركون به هنالك شيئا، ولا يدعون معه أحدا سواه، ولا يستغيثون بغيره. قوله: فلما نجاهم إلى البر مما كانوا يخافونه في البحر من الغرق والهلاك إلى البر. فمنهم مقتصد يقول: فمنهم مقتصد في قوله وإقراره بربه، وهو مع ذلك مضمر الكفر به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21452 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله فمنهم مقتصد قال: المقتصد في القول وهو كافر. 21453 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فمنهم مقتصد قال: المقتصد الذي على صلاح من الامر. وقوله: وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور يقول تعالى ذكره: وما يكفر بأدلتنا وحججنا إلا كل غدار بعهده، والختر عند العرب: أقبح الغدر ومنه قول عمرو بن معدي كرب: وإنك لو رأيت أبا عميرملات يديك من غدر وختر وقوله: كفور يعني: جحودا للنعم، غير شاكر ما أسدى إليه من نعمة. وبنحو الذي قلنا في معنى الختار قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21454 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد كل ختار كفور قال: كل غدار. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني
[ 103 ]
الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله كل ختار قال: غدار. 21455 - حدثني يعقوب وابن وكيع، قالا: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور قال: غدار. 21456 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور الختار: الغدار، كل غدار بذمته كفور بربه. 21457 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور قال: كل جحاد كفور. 21458 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور قال: الختار: الغدار، كما تقول: غدرني. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن مسعر، قال: سمعت قتادة قال: الذي يغدر بعهده. 21459 - قال: ثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك، قال: الغدار. 21460 - قال: ثنا أبي: عن الاعمش، عن شمر بن عطية الكاهلي، عن علي رضي الله عنه قال: المكر غدر، والغدر كفر. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) *. يقول تعالى ذكره: أيها المشركون من قريش، اتقوا الله، وخافوا أن يحل بكم سخطه في يوم لا يغنى والد عن ولده، ولا مولود هو مغن عن والده شيئا، لان الامر يصير هنالك بيد من لا يغالب، ولا تنفع عنده الشفاعة والوسائل، إلا وسيلة من صالح الاعمال التي أسلفها في الدنيا. وقوله: إن وعد الله حق يقول: اعلموا أن مجئ هذا اليوم حق، وذلك أن الله قد وعد عباده ولا خلف لوعده فلا تغرنكم الحياة الدنيا يقول: فلا تخد عنكم زينة الحياة الدنيا ولذاتها، فتميلوا إليها، وتدعوا الاستعداد لما فيه خلاصكم من عقاب الله ذلك اليوم. وقوله: ولا يغرنكم بالله الغرور يقول: ولا يخدعنكم بالله خادع.
[ 104 ]
والغرور بفتح الغين: هو ما غر الانسان من شئ، كائنا ما كان شيطانا كان أو إنسانا، أو دنيا وأما الغرور بضم الغين: فهو مصدر من قول القائل: غررته غرورا. وبنحو الذي قلنا في معنى قوله ولا يغرنكم بالله الغرور قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21461 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله الغرور قال: الشيطان. 21462 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله ولا يغرنكم بالله الغرور ذاكم الشيطان. 21463 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد المروزي، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله الغرور قال: الشيطان. وكان بعضهم يتأول الغرور بما: 21464 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، قوله: ولا يغرنكم بالله الغرور قال: إن تعمل بالمعصية وتتمنى المغفرة. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الناس اتقوا ربكم، واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئا هو آتيكم علم إتيانه إياكم عند ربكم، لا يعلم أحد متى هو جائيكم، لا يأتيكم إلا بغتة، فاتقوه أن يفجأكم بغتة، وأنتم على ضلالتكم لم تنيبوا منها، فتصيروا من عذاب الله وعقابه إلى ما لا قبل لكم به وابتدأ تعالى ذكره الخبر عن علمه بمجئ الساعة. والمعنى: ما ذكرت لدلالة الكلام على المراد منه، فقال: إن الله عنده علم الساعة التي تقوم فيها القيامة، لا يعلم ذلك أحد غيره وينزل الغيث من السماء، لا يقدر على ذلك أحد غيره ويعلم ما في الارحام أرحام الاناث وما تدري نفس ماذا تكسب غدا يقول: وما تعلم نفس حي ماذا تعمل في غد، وما تدري نفس بأي أرض تموت يقول: وما تعلم نفس حي بأي أرض تكون منيتها إن الله عليم خبير
[ 105 ]
يقول: إن الذي يعلم ذلك كله، هو الله دون كل أحد سواه، إنه ذو علم بكل شئ، لا يخفى عليه شئ، خبير بما هو كائن، وما قد كان. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21645 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إن الله عنده علم الساعة قال: جاء رجل قال قال أبو جعفر: أحسبه أنا، قال إلى النبي (ص) فقال: إن امرأتي حبلى، فأخبرني ماذا تلد ؟ وبلادنا محل جدبة، فأخبرني متى ينزل الغيث ؟ وقد علمت متى ولدت، فأخبرني متى أموت، فأنزل الله: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث... إلى آخر السورة، قال: فكان مجاهد يقول: هن مفاتح الغيب التي قال الله وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو. 21466 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة إن الله عنده علم الساعة... الآية، أشياء من الغيب، استأثر الله بهن، فلم يطلع عليهن ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا إن الله عنده علم الساعة فلا يدري أحد من الناس متى تقوم الساعة، في أي سنة، أو في أي شهر، أو ليل، أو نهار وينزل الغيث فلا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ليلا أو نهارا ينزل ؟ ويعلم ما في الارحام فلا يعلم أحد ما في الارحام، أذكر أو أنثى، أحمر أو أسود، أو ما هو ؟ وما تدري نفس ماذا تكسب غدا خير أم شر، ولا تدري يا ابن آدم متى تموت ؟ لعلك الميت غدا، لعلك المصاب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت ليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الارض في بحر أو بر أو سهل أو جبل، تعالى وتبارك. 21467 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي، قال: قالت عائشة: من قال: إن أحدا يعلم الغيب إلا الله فقد كذب، وأعظم الفرية على الله. قال الله: لا يعلم من في السموات والارض الغيب إلا الله. 21468 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن عمرو بن شعيب أن رجلا قال: يا رسول الله، هل من العلم علم لم تؤته ؟ قال: لقد أوتيت علما كثيرا، وعلما حسنا، أو كما قال رسول الله (ص)، ثم تلا رسول الله (ص) هذه الآية: إن الله
[ 106 ]
عنده علم الساعة وينزل الغيث... إلى إن الله عليم خبير لا يعلمهن إلا الله تبارك وتعالى. 21469 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عمرو بن محمد، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله (ص) قال: مفاتح الغيب خمسة، ثم قرأ هؤلاء الآيات إن الله عنده علم الساعة... إلى آخرها. 21470 - حدثني علي بن سهل، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن عبد الله بن دينار، أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله (ص): مفاتح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الارحام... الآية، ثم قال: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم أحد متى ينزل الغيث إلا الله، ولا يعلم أحد متى قيام الساعة إلا الله، ولا يعلم أحد ما في الارحام إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله (ص): مفاتح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث، ويعلم ما في الارحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير. 21471 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن مسعر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود قال: كل شئ أوتيه نبيكم (ص)، إلا علم الغيب الخمس: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث ويعلم ما في الارحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت. 21472 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن أبي خالد، عن عامر، عن مسروق، عن عائشة، قالت: من حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غدا. 21473 - قال: ثنا جرير وابن علية، عن أبي خباب، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة،
[ 107 ]
عن النبي (ص) قال: خمس لا يعلمهن إلا الله: إن الله عنده علم الساعة، وينزل الغيث... الآية. * - حدثني أبو شرحبيل، قال: ثنا أبو اليمان، قال: ثنا إسماعيل، عن جعفر، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن ابن مسعود، قال: كل شئ قد أوتي نبيكم غير مفاتح لغيب الخمس، ثم قرأ هذه الآية إن الله عنده علم الساعة... إلى آخرها. وقيل: بأي أرض تموت. وفيه لغة أخرى: بأية أرض فمن قال: بأي أرض اجتزأ بتأنيث الارض من أن يظهر في أي تأنيث آخر، ومن قال بأية أرض فأنث، أي قال: قد تجتزئ بأي مما أضيف إليه، فلا بد من التأنيث، كقول القائل: مررت بامرأة، فيقال له: بأية، ومررت برجل، فيقال له بأي ويقال: أي امرأة جاءتك وجاءك، وأية امرأة جاءتك.
[ 108 ]
سورة السجدة مكية وأياتها ثلاثون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (الم ئ تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ئ أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما مآ أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون) *. قال أبوحعفر: قد مضى البيان عن تأويل قوله الم بما فيه الكفاية. وقوله: تنزيل الكتاب لا ريب فيه يقول تعالى ذكره: تنزيل الكتاب الذي نزل على محمد (ص)، لا شك فيه من رب العالمين: يقول: من رب الثقلين: الجن، والانس. كما: * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: الم تنزيل الكتاب لا ريب فيه لا شك فيه. وإنما معنى الكلام: أن هذا القرآن الذي أنزل على محمد لا شك فيه أنه من عند الله، وليس بشعر ولا سجع كاهن، ولا هو مما تخرصه محمد (ص)، وإنما كذب جل ثناؤه بذلك قول الذين قالوا أساطير الاولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا وقول الذين قالوا: إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون. وقوله: أم يقولون افتراه يقول تعالى ذكره: يقول المشركون بالله: اختلق هذا الكتاب محمد من قبل نفسه، وتكذبه وأم هذه تقرير، وقد بينا في غير موضع من كتابنا، أن العرب إذا اعترضت بالاستفهام في أضعاف كلام قد تقدم بعضه أن يستفهم بأم.
[ 109 ]
وقد زعم بعضهم أن معنى ذلك: ويقولون. وقال: أم بمعنى الواو، بمعنى بل في مثل هذا الموضع، ثم أكذبهم تعالى ذكره فقال: ما هو كما تزعمون وتقولون من أن محمدا افتراه، بل هو الحق والصدق من عند ربك يا محمد، أنزله إليك، لتنذر قوما بأس الله وسطوته، أن يحل بهم على كفرهم به ما أتاهم من نذير من قبلك يقول: لم يأت هؤلاء القوم الذين أرسلك ربك يا محمد إليهم، وهم قومه من قريش، نذير ينذرهم بأس الله على كفرهم قبلك. وقوله: لعلهم يهتدون يقول: ليتبينوا سبيل الحق فيعرفوه ويؤمنوا به. وبمثل الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21474 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون قال: كانوا أمة أمية، لم يأتهم نذير قبل محمد (ص). القول في تأويل قوله تعالى: * (الله الذي خلق السماوات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون) *. يقول تعالى ذكره: المعبود الذي تصلح العبادة إلا له أيها الناس الذي خلق السموات والارض وما بينهما من خلق في ستة أيام ثم استوى على عرشه في اليوم السابع بعد خلقه السموات والارض وما بينهما. كما: 21475 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة الله الذي خلق السموات والارض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش في اليوم السابع. يقول: مالكم أيها الناس إله إلا من فعل هذا الفعل، وخلق هذا الخلق العجيب في ستة أيام. وقوله: ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع يقول: ما لكم أيها الناس دونه ولي يلي أمركم وينصركم منه إن أراد بكم ضرا، ولا شفيع يشفع لكم عنده إن هو عاقبكم على معصيتكم إياه، يقول: فإياه فاتخذوا وليا، وبه وبطاعته فاستعينوا على أموركم فإنه يمنعكم إذا أراد منعكم ممن أرادكم بسوء، ولا يقدر أحد على دفعه عما أراد بكم هو، لانه لا يقهره قاهر، ولا يغلبه غالب أفلا تتذكرون يقول تعالى ذكره: أفلا تعتبرون وتتفكرون أيها الناس، فتعلموا أنه ليس لكم دونه ولي ولا شفيع، فتفردوا له الالوهة، وتخلصوا له العبادة، وتخلعوا ما دونه من الانداد والآلهة. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 110 ]
* (يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) *. يقول تعالى ذكره: الله هو الذي يدبر الامر من أمر خلقه من السماء إلى الارض، ثم يعرج إليه. واختلف أهل التأويل في المعني بقوله ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون فقال بعضهم: معناه: أن الامر ينزل من السماء إلى الارض، ويصعد من الارض إلى السماء في يوم واحد، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا، لان ما بين الارض إلى السماء خمس مئة عام، وما بين السماء إلى الارض مثل ذلك، فذلك ألف سنة. ذكر من قال ذلك: 21476 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عمرو بن معروف، عن ليث، عن مجاهد في يوم كان مقداره ألف سنة يعني بذلك نزول الامر من السماء إلى الارض، ومن الارض إلى السماء في يوم واحد، وذلك مقداره ألف سنة، لان ما بين السماء إلى الارض مسيرة خمس مئة عام. 21477 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم من أيامكم كان مقداره ألف سنة مما تعدون يقول: مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم من أيام الدنيا خمس مئة سنة نزوله، وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة. 21478 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال: تعرج الملائكة إلى السماء، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه، وهو مسيرة ألف سنة. 21479 - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة ألف سنة مما تعدون قال: من أيام الدنيا. 21480 - حدثنا هناد بن السري، قال: ثنا أبو الأحوص، عن أبي الحارث، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: يدبر الامر من السماء إلى الارض ثم يعرج إليه في يوم من أيامكم هذه، مسيرة ما بين السماء إلى الارض خمس مئة عام.
[ 111 ]
* - وذكر عن عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: تنحدر الامور وتصعد من السماء إلى الارض في يوم واحد، مقداره ألف سنة، خمس مئة حتى ينزل، وخمس مئة حتى يعرج. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الامر من السماء إلى الارض، ثم يعرج إليه في يوم من الايام الستة التي خلق الله فيهن الخلق، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنة مما تعدون من أيامكم. ذكر من قال ذلك: 21481 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس ألف سنة مما تعدون قال: ذلك مقدار المسير قوله كألف سنة مما تعدون، قال: خلق السموات والارض في ستة أيام، وكل يوم من هذه كألف سنة مما تعدون أنتم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال: الستة الايام التي خلق الله فيها السموات والارض. 21482 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون يعني هذا اليوم من الايام الستة التي خلق الله فيهن السموات والارض وما بينهما. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الامر من السماء إلى الارض بالملائكة، ثم تعرج إليه الملائكة، في يوم كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا. ذكر من قال ذلك: 21483 - حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة قال: هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة. 21484 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا غندر، عن شعبة، عن سماك، عن عكرمة في يوم كان مقداره ألف سنة قال: ما بين السماء والارض مسيرة ألف سنة مما تعدون من أيام الآخرة.
[ 112 ]
* - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن سماك، عن عكرمة أنه قال في هذه الآية: يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال: ما بين السماء والارض مسيرة ألف سنة. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الامر من السماء إلى الارض في يوم كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة مما تعدون من أيام الدنيا، ثم يعرج إليه ذلك التدبير الذي دبره. ذكر من قال ذلك: 21485 - ذكر عن حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، أنه قال: يقضي أمر كل شئ ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى تمضي ألف سنة، ثم يقضي أمر كل شئ ألفا، ثم كذلك أبدا، قال: يوم كان مقداره، قال: اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة، كن فيكون، ولكن سماه يوما. سماه كما بينا كل ذلك عن مجاهد، قال: وقوله: إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون قال: هو هو سواء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: يدبر الامر من السماء إلى الارض، ثم يعرج إلى الله في يوم كان مقداره ألف سنة، مقدار العروج ألف سنة مما تعدون. ذكر من قال ذلك: 21486 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال: قال ابن زيد، في قوله: ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون قال بعض أهل العلم: مقدار ما بين الارض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنة، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معناه: يدبر الامر من السماء إلى الارض، ثم يعرج إليه في يوم، كام مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الامر إليه، ونزوله إلى الارض ألف سنة مما تعدون من أيامكم خمس مئة في النزول، وخمس مئة في الصعود، لان ذلك أظهر معانيه، وأشبهها بظاهر التنزيل. القول في تأويل قوله تعالى: * (ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم ئ الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين ئ ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) *.
[ 113 ]
يقول تعالى ذكره: هذا الذي يفعل ما وصفت لكم في هذه الآيات، هو عالم الغيب، يعني عالم ما يغيب عن أبصاركم أيها الناس، فلا تبصرونه مما تكنه الصدور، وتخفيه النفوس، وما لم يكن بعد مما هو كائن، والشهادة: يعني ما شاهدته الابصار فأبصرته وعاينته وما هو موجود العزيز يقول: الشديد في انتقامه ممن كفر به وأشرك معه غيره، وكذب رسله الرحيم بمن تاب من ضلالته، ورجع إلى الايمان به وبرسوله، والعمل بطاعته، أن يعذبه بعد التوبة. وقوله: الذي أحسن كل شئ خلقه اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء مكة والمدينة والبصرة: أحسن كل شئ خلقه بسكون اللام. وقرأه بعض المدنيين وعامة الكوفيين: أحسن كل شئ خلقه بفتح اللام. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء صحيحتا المعنى، وذلك أن الله أحكم خلقه، وأحكم كل شئ خلقه، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. واختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أتقن كل شئ وأحكمه. ذكر من قال ذلك: 21487 - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا الحسين بن إبراهيم إشكاب، قال: ثنا شريك، عن خصيف عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: الذي أحسن كل شئ خلقه قال: أما إن است القرد ليست بحسنة، ولكن أحكم خلقها. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا أبو سعيد المؤدب، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، أنه كان يقرؤها: الذي أحسن كل شئ خلقه قال: أما إن است القرد ليست بحسنة، ولكنه أحكمها. 21488 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أحسن كل شئ خلقه قال: أتقن كل شئ خلقه. 21489 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيل،
[ 114 ]
عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أتقن كل شئ: أحصى كل شئ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذي حسن خلق كل شئ. ذكر من قال ذلك: 21490 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله الذي أحسن كل شئ خلقه حسن على نحو ما خلق. 21491 - وذكر عن الحجاج، عن ابن جريج، عن الاعرج، عن مجاهد قال: هو مثل أعطى كل شئ خلقه ثم هدى قال: فلم يجعل خلق البهائم في خلق الناس، ولا خلق الناس في خلق البهائم ولكن خلق كل شئ فقدره تقديرا. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعلم كل شئ خلقه، كأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى أنه ألهم خلقه ما يحتاجون إليه، وأن قوله أحسن إنما هو من قول القائل: فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه. ذكر من قال ذلك: 21492 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن شريك، عن خصيف، عن مجاهد أحسن كل شئ خلقه قال: أعطى كل شئ خلقه، قال: الانسان إلى الانسان، والفرس للفرس، والحمار للحمار. وعلى هذا القول، الخلق والكل منصوبان بوقوع أحسن عليهما. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب على قراءة من قرأه الذي أحسن كل شئ خلقه بفتح اللام قول من قال: معناه أحكم وأتقن، لانه لا معنى لذلك إذ قرئ كذلك إلا أحد وجهين: إما هذا الذي قلنا من معنى الاحكام والاتقان أو معنى التحسين الذي هو في معنى الجمال والحسن فلما كان في خلقه ما لا يشك في قبحه وسماجته، علم أنه لم يعن به أنه أحسن كل ما خلق، ولكن معناه أنه أحكمه وأتقن صنعته. وأما على القراءة الاخرى التي هي بتسكين اللام، فإن أولى تأويلاته به قول من قال: معنى ذلك أعلم وألهم كل شئ خلقه، هو أحسنهم، كما قال الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى لان ذلك أظهر معانيه. وأما الذي وجه تأويل ذلك إلى أنه بمعنى: الذي أحسن خلق كل شئ، فإنه جعل الخلق نصبا بمعنى التفسير، كأنه قال: الذي أحسن كل شئ خلقا منه. وقد كان بعضهم يقول: هو من المقدم الذي معناه التأخير، ويوجهه إلى أنه نظير قول الشاعر:
[ 115 ]
وظعني إليك الليل حضنيه أنني لتلك إذا هاب الهدان فعول يعني: وظعني حضني الليل إليك ونظير قول الآخر: كأن هندا ثناياها وبهجتها يوم التقينا على أدحال دباب أي كأن ثنايا هند وبهجتها. وقوله: وبدأ خلق الانسان من طين يقول تعالى ذكره: وبدأ خلق آدم من طين ثم جعل نسله يعني ذريته من سلالة، يقول: من الماء الذي انسل فخرج منه. وإنما يعني من إراقة من مائه، كما قال الشاعر: فجاءت به عضب الاديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين وقوله: من ماء مهين يقول: من نطفة ضعيفة رقيقة. وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21493 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وبدأ خلق الانسان من طين وهو خلق آدم، ثم جعل نسله: أي ذريته من سلالة من ماء مهين، والسلالة: هي الماء المهين الضعيف. 21494 - حدثني أبو السائب، قال: ثنا أبو معاوية، عن الاعمش، عن المنهال، عن أبي يحيى الاعرج، عن ابن عباس، في قوله من سلالة قال: صفو الماء. 21495 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد من ماء مهين قال: ضعيف نطفة الرجل، ومهين: فعيل من قول القائل: مهن فلان، وذلك إذا زل وضعف. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 116 ]
* (ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون) *. يقول تعالى ذكره: ثم سوى الانسان الذي بدأ خلقه من طين خلقا سويا معتدلا، ونفخ فيه من روحه فصار حيا ناطقا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة، قليلا ما تشكرون يقول: وأنعم عليكم أيها الناس ربكم بأن أعطاكم السمع تسمعون به الاصوات، والابصار تبصرون بها الاشخاص والافئدة، تعقلون بها الخير من السوء، لتشكروه على ما وهب لكم من ذلك. وقوله: قليلا ما تشكرون يقول: وأنتم تشكرون قليلا من الشكر ربكم على ما أنعم عليكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (وقالوا أإذا ضللنا في الارض أإنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون) *. يقول تعالى ذكره: وقال المشركون بالله، المكذبون بالبعث: أئذا ضللنا في الارض أي صارت لحومنا وعظامنا ترابا في الارض وفيها لغتان: ضللنا، وضللنا، بفتح اللام وكسرها والقراءة على فتحها، وهي الجوداء، وبها نقرأ. وذكر عن الحسن أنه كان يقرأ: أئذا صللنا بالصاد، بمعنى: أنتنا، من قولهم: صل اللحم وأصل: إذا أنتن. وإنما عنى هؤلاء المشركون بقولهم: أئذا ضللنا في الارض أي إذا هلكت أجسادنا في الارض، لان كل شئ غلب عليه غيره حتى خفي فيما غلب، فإنه قد ضل فيه، تقول العرب: قد ضل الماء في اللبن: إذا غلب عليه حتى لا يتبين فيه ومنه قول الاخطل لجرير: كنت القذى في موج أكدر مزبدقذف الاتي به فضل ضلالا
[ 117 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21496 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد أئذا ضللنا في الارض يقول: أئذا هلكنا. * - حدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أئذا ضللنا في الارض هلكنا. 21497 - حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد: قال: سمعت الضحاك يقول، في قوله أئذا ضللنا في الارض يقول: أئذا كنا عظاما ورفاتا أنبعث خلقا جديدا ؟ يكفرون بالبعث. 21498 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، وقالوا أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد قال: قالوا: أئذا كنا عظاما ورفاتا أئنا لمبعوثون خلقا جديدا ؟. وقوله: بل هم بلقاء ربهم كافرون يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء المشركين جحود قدرة الله على ما يشاء، بل هم بلقاء ربهم كافرون، حذرا لعقابه، وخوف مجازاته إياهم على معصيتهم إياه، فهم من أجل ذلك يجحدون لقاء ربهم في المعاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون) *. يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله: يتوفاكم ملك الموت، يقول: يستوفي عددكم بقبض أرواحكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم ومنه قول الراجز: إن بني الادرم ليسوا من أحد ولا توفاهم قريش في العدد ثم إلى ربكم ترجعون يقول: من بعد قبض ملك الموت أرواحكم إلى ربكم يوم القيامة تردون أحياء كهيئتكم قبل وفاتكم، فيجازى المحسن منكم بإحسانه، والمسئ بإساءته. 21499 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل يتوفاكم ملك
[ 118 ]
الموت الذي وكل بكم قال: ملك الموت يتوفاكم، ومعه أعوان من الملائكة. 21500 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله يتوفاكم ملك الموت قال: حويت له الارض، فجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء. * - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد، بنحوه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): لو ترى يا محمد هؤلاء القائلين أئذا ضللنا في الارض أئنا لفي خلق جديد إذ هم ناكسوا رؤوسهم عند ربهم حياء من ربهم، للذي سلف منهم من معاصيه في الدنيا، يقولون: يا ربنا أبصرنا ما كنا نكذب به من عقابك أهل معاصيك وسمعنا منك تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا، فارجعنا يقول: فارددنا إلى الدنيا نعمل فيها بطاعتك، وذلك العمل الصالح إنا موقنون يقول: إنا قد أيقنا الآن ما كنا به في الدنيا جهالا من وحدانيتك، وأنه لا يصلح أن يعبد سواك، ولا ينبغي أن يكون رب سواك، وأنك تحيي وتميت، وتبعث من في القبور بعد الممات والفناء وتفعل ما تشاء. وبنحو ما قلنا في قوله: ناكسوا رؤوسهم قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21501 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قوله ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم قال: قد حزنوا واستحيوا. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) *.
[ 119 ]
يقول تعالى ذكره: ولو شئنا يا محمد لآتينا هؤلاء المشركين بالله من قومك وغيرهم من أهل الكفر بالله هداها يعني: رشدها وتوفيقها للايمان بالله ولكن حق القول مني يقول: وجب العذاب مني لهم، وقوله لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين يعني من أهل المعاصي والكفر بالله منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21502 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعا، لو شاء الله لانزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ولكن حق القول مني حق القول عليهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) *. يقول تعالى ذكره: يقال لهؤلاء المشركين بالله إذا هم دخلوا النار: ذوقوا عذاب الله بما نسيتم لقاء يومكم هذا في الدنيا، إنا نسيناكم يقول: إنا تركناكم اليوم في النار. وقوله: وذوقوا عذاب الخلد يقول: يقال لهم أيضا: ذوقوا عذابا تخلدون فيه إلى غير نهاية بما كنتم في الدنيا تعملون من معاصي الله. وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21503 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم قال: نسوا من كل خير، وأما الشر فلم ينسوا منه. 21504 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قولهإنا نسيناكم يقول: تركناكم. القول في تأويل قوله تعالى: * (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) *. يقول تعالى ذكره: ما يصدق بحججنا وآيات كتابنا إلا القوم الذين إذا ذكروا بها ووعظوا خروا لله سجدا لوجوههم، تذللا له، واستكانة لعظمته، وإقرارا له
[ 120 ]
بالعبودية وسبحوا بحمد ربهم يقول: وسبحوا الله في سجودهم بحمده، فيبرؤونه مما يصفه أهل الكفر به، ويضيفون إليه من الصاحبة والاولاد والشركاء والانداد وهم لا يستكبرون يقول: يفعلون ذلك، وهم لا يستكبرون عن السجود له والتسبيح، لا يستنكفون عن التذلل له والاستكانة. وقيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص)، لان قوما من المنافقين كانوا يخرجون من المسجد إذا أقيمت الصلاة، ذكر ذلك عن حجاج، عن ابن جريج. القول في تأويل قوله تعالى: * (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) *. يقول تعالى ذكره: تتنحى جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، الذين وصفت صفتهم، وترتفع من مضاجعهم التي يضطجعون لمنامهم، ولا ينامون يدعون ربهم خوفا وطمعا في عفوه عنهم، وتفضله عليهم برحمته ومغفرته ومما رزقناهم ينفقون في سبيل الله، ويؤدون منه حقوق الله التي أوجبها عليهم فيه. وتتجافى: تتفاعل من الجفاء والجفاء: النبو، كما قال الراجز: وصاحبي ذات هباب دمشق وابن ملاط متجاف أرفق يعني: أن كرمها سجية عن ابن ملاط. وإنما وصفهم تعالى ذكره بتجافي جنوبهم عن المضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلا بالصلاة. واختلف أهل التأويل في الصلاة التي وصفهم جل ثناؤه، أن جنوبهم تتجافى لها عن المضطجع، فقال بعضهم: هي الصلاة بين المغرب والعشاء، وقال: نزلت هذه الآية في قوم كانوا يصلون في ذلك الوقت. ذكر من قال ذلك: 21505 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن أبي عروبة، قال: قال قتادة، قال أنس، في قوله كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال: كانوا يتنفلون فيما بين المغرب والعشاء، وكذلك تتجافى جنوبهم.
[ 121 ]
* - قال: ثنا ابن أبي عدي، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، في قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: يصلون ما بين هاتين الصلاتين. * - حدثني علي بن سعيد الكندي، قال: ثنا حفص بن غياث، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: ما بين المغرب والعشاء. * - حدثني محمد بن خلف، قال: ثنا يزيد بن حيان، قال: ثنا الحارث بن وجيه الراسبي، قال: ثنا مالك بن دينار، عن أنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت في رجال من أصحاب النبي (ص)، كانوا يصلون فيما بين المغرب والعشاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس: تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: كانوا يتطوعون فيما بين المغرب والعشاء. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن أنس تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: ما بين المغرب والعشاء. 21506 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: كانوا يتنفلون ما بين صلاة المغرب وصلاة العشاء. وقال آخرون: عنى بها صلاة المغرب. ذكر من قال ذلك: 21507 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن طلحة، عن عطاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: عن العتمة. 21508 - وذكر عن حجاج، عن ابن جريج، قال: قال يحيى بن صيفي، عن أبي سلمة، قال: العتمة. وقال آخرون: لانتظار صلاة العتمة. ذكر من قال ذلك: 21509 - حدثني عبد الله بن أبي زياد، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الاويسي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، أن هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة.
[ 122 ]
وقال آخرون: عنى بها قيام الليل. ذكر من قال ذلك: 21510 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: قيام الليل. 21511 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: هؤلاء المتهجدون لصلاة الليل. 21512 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع يقومون يصلون من الليل. وقال آخرون: إنما هذه صفة قوم لا تخلو ألسنتهم من ذكر الله. ذكر من قال ذلك: 21513 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفا وطمعا وهم قوم لا يزالون يذكرون الله، إما في صلاة، وإما قياما، وإما قعودا، وإما إذا استيقظوا من منامهم، هم قوم لا يزالون يذكرون الله. 21514 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع... إلى آخر الآية، يقول: تتجافى لذكر الله، كلما استيقظوا ذكروا الله، إما في الصلاة، وإما في قيام، أو في قعود، أو على جنوبهم فهم لا يزالون يذكرون الله. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله وصف هؤلاء القوم بأن جنوبهم تنبو عن مضاجعهم، شغلا منهم بدعاء ربهم وعبادته خوفا وطمعا، وذلك نبو جنوبهم عن المضاجع ليلا، لان المعروف من وصف الواصف رجلا بأن جنبه نبا عن مضجعه، إنما هو وصف منه له بأنه جفا عن النوم في وقت منام الناس المعروف، وذلك الليل دون النهار، وكذلك تصف العرب الرجل إذا وصفته بذلك، يدل على ذلك قول عبد الله بن رواحة الانصاري رضي الله عنه في صفة نبي الله (ص): يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع فإذا كان ذلك كذلك، وكان الله تعالى ذكره لم يخصص في وصفه هؤلاء القوم بالذي وصفهم به من جفاء جنوبهم عن مضاجعهم من أحوال الليل وأوقاته حالا ووقتا دون حال
[ 123 ]
ووقت، كان واجبا أن يكون ذلك على كل آناء الليل وأوقاته. وإذا كان كذلك كان من صلى ما بين المغرب والعشاء، أو انتظر العشاء الآخرة، أو قام الليل أو بعضه، أو ذكر الله في ساعات الليل، أو صلى العتمة ممن دخل في ظاهر قوله: تتجافى جنوبهم عن المضاجع لان جنبه قد جفا عن مضجعه في الحال التي قام فيها للصلاة قائما صلى أو ذكر الله، أو قاعدا بعد أن لا يكون مضطجعا، وهو على القيام أو القعود قادر. غير أن الامر وإن كان كذلك، فإن توجيه الكلام إلى أنه معني به قيام الليل أعجب إلي، لان ذلك أظهر معانيه، والاغلب على ظاهر الكلام، وبه جاء الخبر عن رسول الله (ص). وذلك ما: 21515 - حدثنا به ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن الحكم، قال سمعت عروة بن الزبير يحدث عن معاذ بن جبل، أن رسول الله (ص) قال له: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام العبد في جوف الليل. وتلا هذه الآية: تتجافى جنوبهم عن المضاجع، يدعون ربهم خوفا وطمعا، ومما رزقناهم ينفقون. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن حماد، قال: ثنا أبو أسامة، عن سليمان، عن حبيب بن أبي ثابت والحكم، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله (ص)، بنحوه. * - حدثني محمد بن خلف العسقلاني، قال: ثنا آدم، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا منصور بن المعتمر، عن الحكم بن عتيبة، عن ميمون بن أبي شبيب، عن معاذ بن جبل، قال: قال لي رسول الله (ص): إن شئت أنبأتك بأبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تكفر الخطيئة، وقيام الرجل في جوف الليل ثم قرأ رسول الله (ص): تتجافى جنوبهم عن المضاجع. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يزيد بن حيان، عن حماد بن سلمة، قال: ثنا عاصم بن أبي النجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ بن جبل، عن رسول الله (ص)، في قوله تتجافى جنوبهم عن المضاجع قال: قيام العبد من الليل. 21516 - حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع قال: ثني أبي، قال: ثني زياد بن خيثمة، عن أبي يحيى بائع القت، عن مجاهد، قال: ذكر رسول الله (ص) قيام الليل،
[ 124 ]
ففاضت عيناه حتى تحادرت دموعه، فقال: تتجافى جنوبهم عن المضاجع. وأما قوله: يدعون ربهم خوفا وطمعا... الآية، فإن بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21517 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون قال: خوفا من عذاب الله، وطمعا في رحمة الله، ومما رزقناهم ينفقون في طاعة الله، وفي سبيله. القول في تأويل قوله تعالى: * (فلا تعلم نفس مآ أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) *. يقول تعالى ذكره: فلا تعلم نفس ذي نفس ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هاتين الآيتين، مما تقر به أعينهم في جنانه يوم القيامة جزاء بما كانوا يعملون يقول: ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21518 - حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: ثنا أبو الاحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، قال: قال عبد الله: إن في التوراة مكتوبا: لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر، ولم تسمع أذن، وما لم يسمعه ملك مقرب. قال: ونحن نقرؤها: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. * - حدثنا خلاد، قال: أخبرنا النضر بن شميل، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة، عن ابن مسعود، قال: مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في القرآن فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: خبئ لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على
[ 125 ]
قلب بشر. قال سفيان: فيما علمت على غير وجه الشك. * - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا عبيدة، قال: قال عبد الله، قال، يعني الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب ناظر فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن صلت، عن قيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي، عن عبد الله بن مسعود، قال: إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة، ما لم تر عين، ولم يخطر على قلب بشر، ولم تسمع أذن، وإنه لفي القرآن فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين. 21519 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا الاشجعي، عن ابن أبجر، قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر: إن موسى (ص) سأل عن أبخس أهل الجنة فيها حظا، فقيل له: رجل يؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة، قال: فيقال له: ادخل، فيقول: أين وقد أخذ الناس أخذاتهم ؟ فيقال: اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا، فيكون لك مثل الذي كان لهم، ولك أخرى شهوة نفسك، فيقول: أشتهي كذا وكذا، وأشتهي كذا ويقال: لك أخرى، لك لذة عينك، فيقول: ألذ كذا وكذا، فيقال: لك عشرة أضعاف مثل ذلك، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا، فقال: ذاك شئ ختمت عليه يوم خلقت السموات والارض. قال الشعبي: فإنه في القرآن: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. 21520 - حدثني أحمد بن محمد الطوسي، قال: ثنا الحميدي، قال: ثنا ابن عيينة وحدثني به القرقساني، عن ابن عيينة، عن مطرف بن طريف، وابن أبجر، سمعنا الشعبي يقول: سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبي (ص): إن موسى سأل ربه: أي رب، أي أهل الجنة أدنى منزلة ؟ قال: رجل يجئ بعد ما دخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل، فيقول: كيف أدخل وقد نزلوا منازلهم ؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك
[ 126 ]
مثل ما كان لملك من ملوك الدنيا ؟، فيقول: بخ أي رب قد رضيت فيقال له: إن لك هذا ومثله ومثله ومثله، فيقول: رضيت أي رب رضيت، فيقال له: إن لك هذا وعشرة أمثاله معه، فيقول: رضيت أي رب، فيقال له: فإن لك مع هذا ما اشتهت نفسك، ولذت عينك قال: فقال موسى: أي رب، وأي أهل الجنة أرفع منزلة ؟ قال: إياها أردت، وسأحدثك عنهم غرست لهم كرامتي بيدي، وختمت عليها، فلا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال: ومصداق ذلك في كتاب الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. 21521 - حدثنا محمد بن منصور الطوسي، قال: ثنا إسحاق بن سليمان، قال: ثنا عمرو بن أبي قيس، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: وكان عرشه على الماء وكان عرش الله على الماء، ثم اتخذ لنفسه جنة، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال: ومن دونهما جنتان قال: وهي التي لا تعلم نفس، أو قال: هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون. قال: وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها، أو ما فيهما يأتيهم كل يوم منها أو منهما تحفة. 21522 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يعقوب، عن عنبسة، عن سالم الافطس، عن سعيد بن جبير، بنحوه. 21523 - حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن صفوان بن عمرو، عن أبي اليمان الهوزني أو غيره، قال: الجنة مئة درجة، أولها درجة فضة، أرضها فضة، ومساكنها فضة، وآنيتها فضة، وترابها المسك. والثانية ذهب، وأرضها ذهب، ومساكنها ذهب، وآنيتها ذهب، وترابها المسك. والثالثة لؤلؤ، وأرضها لؤلؤ، ومساكنها لؤلؤ، وآنيتها لؤلؤ، وترابها المسك. وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر، وتلا هذه الآية فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون.
[ 127 ]
21524 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا المحاربي وعبد الرحيم، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): قال الله: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم، قال الله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، جزاء بما كانوا يعملون. * - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا أبو معاوية وابن نمير، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص): أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر قال أبو هريرة: ومن بله ما أطلعكم عليه، اقرءوا إن شئتم: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، جزاء بما كانوا يعملون قال أبو هريرة: نقرؤها: قرات أعين. 21525 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن الحكم بن أبان، عن الغطريف، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، عن النبي (ص)، عن الروح الامين، قال: يؤتى بحسنات العبد وسيئاته، فينقص بعضها من بعض، فإن بقيت حسنة واحدة، وسع الله له في الجنة قال: فدخلت على يزداد، فحدث بمثل هذا قال: قلت: فأين ذهبت الحسنة ؟ قال: أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا، ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون، قلت: قوله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال: العبد يعمل سرا أسره إلى الله لم يعلم به الناس، فأسر الله له يوم القيامة قرة عين. 21526 - حدثني العباس بن أبي طالب، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا سلام بن
[ 128 ]
أبي مطيع، عن قتادة، عن عقبة بن عبد الغافر، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله (ص)، يروي عن ربه، قال: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. 21527 - حدثني أبو السائب، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني أبو صخر، أن أبا حازم حدثه، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: شهدت من رسول الله (ص) مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى، ثم قال في آخر حديثه: فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية: تتجافى جنوبهم عن المضاجع... إلى قوله جزاء بما كانوا يعملون. 21528 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، قال: بلغني أن رسول الله (ص) قال: قال ربكم: أعددت لعبادي الذين آمنوا وعملوا الصالحات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. 21529 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: قال رسول الله (ص) يروي ذلك عن ربه، قال ربكم: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. 21530 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سهل بن يوسف، عن عمرو، عن الحسن فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين قال: أخفوا عملا في الدنيا، فأثابهم الله بأعمالهم. 21531 - حدثني القاسم بن بشر، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، قال حماد: أحسبه عن النبي (ص) قال: من يدحل الجنة ينعم ولا يبؤس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. واختلفت القراء في قراءة قوله: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين، وبعض الكوفيين: أخفي بضم الالف وفتح الياء بمعنى فعل. وقرأ بعض الكوفيين: أخفي لهم بضم الالف وإرسال الياء، بمعنى أفعل، أخفي لهم أنا.
[ 129 ]
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان، متقاربتا المعنى، لان الله إذا أخفاه فهو مخفى، وإذا أخفى فليس له مخف غيره، وما في قوله فلا تعلم نفس ما أخفي لهم فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع تعلم عليها كيف قرأ القارئ أخفى، وإذا وجهت إلى معنى أي كانت رفعا إذا قرئ أخفى بنصب الياء وضم الالف، لانه لم يسم فاعله، وإذا قرئ أخفي بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها. القول في تأويل قوله تعالى: * (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون ئ أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون ئ وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منهآ أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) *. يقول تعالى ذكره: أفهذا الكافر المكذب بوعد الله ووعيده، المخالف أمر الله ونهيه، كهذا المؤمن بالله، المصدق بوعده ووعيده، المطيع له في أمره ونهيه ؟ كلا لا يستوون عند الله. يقول: لا يعتدل الكفار بالله، والمؤمنون به عنده، فيما هو فاعل بهم يوم القيامة. وقال: لا يستوون فجمع، وإنما ذكر قبل ذلك اثنين: مؤمنا، وفاسقا، لانه لم يرد بالمؤمن: مؤمنا واحدا، وبالفاسق: فاسقا واحدا، وإنما أريد به جميع الفساق، وجميع المؤمنين بالله. فإذا كان الاثنان غير مصمود لهما، ذهبت بهما العرب مذهب الجمع. وذكر أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب، رضوان الله عليه، والوليد بن عقبة. ذكر من قال ذلك: 21532 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة بن الفضل، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت بالمدينة، في علي بن أبي طالب، والوليد بن عقبة بن أبي معيط كان بين الوليد وبين علي كلام، فقال الوليد بن عقبة: أنا أبسط منك لسانا، وأحد منك سنانا، وأرد منك للكتيبة، فقال علي: اسكت، فإنك فاسق، فأنزل الله فيهما: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون... إلى قوله به تكذبون. 21533 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله أفمن كان
[ 130 ]
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قال: لا والله ما استووا في الدنيا، ولا عند الموت، ولا في الآخرة. وقوله: أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى يقول تعالى ذكره: أما الذين صدقوا الله ورسوله، وعملوا بما أمرهم الله ورسوله، فلهم جنات المأوى: يعني بساتين المساكن التي يسكنونها في الآخرة ويأوون إليها. وقوله: نزلا بما كانوا يعملون يقول: نزلا بما أنزلهموها جزاء منه لهم بما كانوا يعملون في الدنيا بطاعته. وقوله: وأما الذين فسقوا يقول تعالى ذكره: وأما الذين كفروا بالله، وفارقوا طاعته فمأواهم النار يقول: فمساكنهم التي يأوون إليها في الآخرة النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به في الدنيا تكذبون أن الله أعدها لاهل الشرك به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21534 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأما الذين فسقوا أشركوا وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون والقوم مكذبون كما ترون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون) *. اختلف أهل التأويل في معنى العذاب الادنى، الذي وعد الله أن يذيقه هؤلاء الفسقة، فقال بعضهم: ذلك مصائب الدنيا في الانفس والاموال. ذكر من قال ذلك: 21535 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ولنذيقنهم من العذاب الادنى يقول: مصائب الدنيا وأسقامها وبلاؤها مما يبتلي الله بها العباد حتى يتوبوا. * - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر لعلهم يرجعون قال: العذاب الادنى: بلاء الدنيا، قيل: هي المصائب. 21536 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن قتادة، عن عروة، عن الحسن العرني، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب ولنذيقنهم من العذاب
[ 131 ]
الادنى قال: المصيبات في الدنيا. قال: والدخان قد مضى، والبطشة واللزام. قال أبو موسى: ترك يحيى بن سعيد، يحيى بن الجزار، نقصان رجل. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد ومحمد بن جعفر، قالا: ثنا شعبة، عن قتادة، عن ابن عروة، عن الحسن العرني، عن يحيى بن الجزار، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أنه قال: في هذه الآية ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: مصيبات الدنيا، واللزوم والبطشة، أو الدخان شك شعبة في البطشة أو الدخان. * - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن قتادة، عن عروة، عن الحسن العرني، عن يحيى بن الجزار، عن ابن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، بنحوه، إلا أنه قال: المصيبات واللزوم والبطشة. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا زيد بن حباب، عن شعبة، عن قتادة، عن عروة، عن الحسن العرني، عن يحيى بن الجزار، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، قال: المصيبات يصابون بها في الدنيا: البطشة، والدخان، واللزوم. 21537 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية ولنذيقنهم من العذاب الادنى قال: المصائب في الدنيا. 21538 - قال: ثنا أبو خالد الاحمر، عن جويبر، عن الضحاك ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: المصيبات في دنياهم وأموالهم. 21539 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، حدثه، عن الحسن، قوله ولنذيقنهم من العذاب الادنى: أي مصيبات الدنيا. 21540 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ولنذيقنهم من العذاب الادنى قال: أشياء يصابون بها في الدنيا. وقال آخرون: عنى بها الحدود. ذكر من قال ذلك: 21541 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، عن شبيب، عن عكرمة، عن ابن عباس ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: الحدود. وقال آخرون: عنى بها القتل بالسيف، قال: وقتلوا يوم بدر. ذكر من قال ذلك:
[ 132 ]
21542 - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله، ولنذيقنهم من العذاب الادنى قال: يوم بدر. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله مثله. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن السدي، عن مسروق، عن عبد الله، مثله. 21543 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا عوف عمن حدثه، عن الحسن بن علي، أنه قال ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: القتل بالسيف صبرا. 21544 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الاعلى، عن عوف، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: القتل بالسيف، كل شئ وعد الله هذه الامة من العذاب الادنى إنما هو السيف. 21545 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: القتل والجوع لقريش في الدنيا. 21546 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: كان مجاهد يحدث عن أبي بن كعب أنه كان يقول ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر يوم بدر. وقال آخرون: عنى بذلك سنون أصابتهم. ذكر من قال ذلك: 21547 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: سنون أصابتهم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، مثله. وقال آخرون: عنى بذلك: عذاب القبر. ذكر من قال ذلك: 21548 - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن
[ 133 ]
أبي يحيى، عن مجاهد: ولنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الاكبر قال: الادنى في القبور وعذاب الدنيا. وقال آخرون: ذلك عذاب الدنيا. ذكر من قال ذلك: 21549 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ولنذيقنهم من العذاب الادنى قال: العذاب الادنى: عذاب الدنيا. وأولى الاقوال في ذلك أن يقال: إن الله وعد هؤلاء الفسقة المكذبين بوعيده في الدنيا العذاب الادنى، أن يذيقهموه دون العذاب الاكبر، والعذاب: هو ما كان في الدنيا من بلاء أصابهم، إما شدة من مجاعة، أو قتل، أو مصائب يصابون بها، فكل ذلك من العذاب الادنى، ولم يخصص الله تعالى ذكره، إذ وعدهم ذلك أن يعذبهم بنوع من ذلك دون نوع، وقد عذبهم بكل ذلك في الدنيا بالقتل والجوع والشدائد والمصائب في الاموال، فأوفى لهم بما وعدهم. وقوله: دون العذاب الاكبر يقول: قبل العذاب الاكبر، وذلك عذاب يوم القيامة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21550 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله دون العذاب الاكبر قال: يوم القيامة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا إسرائيل، عن السدي، عن مسروق، عن عبد الله مثله. 21551 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد دون العذاب الاكبر يوم القيامة في الآخرة. * - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهد دون العذاب الاكبر يوم القيامة. 21552 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة دون العذاب الاكبر يوم القيامة. حدث به قتادة، عن الحسن. 21553 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله دون العذاب الاكبر قال: العذاب الاكبر: عذاب الآخرة.
[ 134 ]
وقوله لعلهم يرجعون يقول: كي يرجعوا ويتوبوا بتعذيبهم العذاب الادنى. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21554 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن السدي، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله لعلهم يرجعون قال: يتوبون. 21555 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع، عن أبي العالية لعلهم يرجعون قال: يتوبون. 21556 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة لعلهم يرجعون: أي يتوبون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون) *. يقول تعالى ذكره: وأي الناس أظلم لنفسه ممن وعظه الله بحججه، وآي كتابه ورسله، ثم أعرض عن ذلك كله، فلم يتعظ بمواعظه، ولكنه استكبر عنها. وقوله إنا من المجرمين منتقمون يقول: إنا من الذين اكتسبوا الآثام، واجترحوا السيئات منتقمون. وكان بعضهم يقول: عنى بالمجرمين في هذا الموضع: أهل القدر. ذكر من قال ذلك: 21557 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا وائل بن داود، عن مروان بن سفيح، عن يزيد بن رفيع، قال: إن قول الله في القرآن إنا من المجرمين منتقمون هم أصحاب القدر، ثم قرأ إن المجرمين في ضلال وسعر... إلى قوله خلقناه بقدر. * - حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان، قال: أخبرنا وائل بن داود، عن ابن سفيح، عن يزيد بن رفيع بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: ثم قرأ وائل بن داود هؤلاء الآيات إن المجرمين في ضلال وسعر... إلى آخر الآيات.
[ 135 ]
وقال آخرون في ذلك، بما: 21558 - حدثني به عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا محمد بن المبارك، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: ثنا عبد العزيز بن عبيد الله، عن عبادة بن نسي، عن جنادة بن أبي أمية، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من اعتقد لواء في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم. يقول الله: إنا من المجرمين منتقمون. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرائيل ئ وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) *. يقول تعالى ذكره: ولقد آتينا موسى التوراة، كما آتيناك الفرقان يا محمد فلا تكن في مرية من لقائه يقول: فلا تكن في شك من لقائه فكان قتادة يقول: معنى ذلك: فلا تكن في شك من أنك لقيته، أو تلقاه ليلة أسري بك، وبذلك جاء الاثر عن رسول الله (ص). 21559 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة عن أبي العالية الرياحي، قال: حدثنا ابن عم نبيكم، يعني ابن عباس، قال: قال نبي الله (ص): أريت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا، كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس، ورأيت مالكا خازن النار، والدجال في آيات أراهن الله إياه، فلا تكن في مرية من لقائه أنه قد رأى موسى، ولقي موسى ليلة أسري به. وقوله: وجعلناه هدى لبني إسرائيل يقول تعالى ذكره: وجعلنا موسى هدى لبني إسرائيل، يعني: رشادا لهم يرشدون باتباعه، ويصيبون الحق بالاقتداء به، والائتمام بقوله. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21560 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلناه هدى
[ 136 ]
لبني إسرائيل قال: جعل الله موسى هدى لبني إسرائيل. وقوله: وجعلنا منهم أئمة يقول تعالى ذكره: وجعلنا من بني إسرائيل أئمة، وهي جمع إمام، والامام الذي يؤتم به في خير أو شر، وأريد بذلك في هذا الموضع أنه جعل منهم قادة في الخير، يؤتم بهم، ويهتدى بهديهم. كما: 21561 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا قال: رؤساء في الخير. وقوله يهدون بأمرنا يقول تعالى ذكره: يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك، وتقويتنا إياهم عليه. وقوله: لما صبروا اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: لما صبروا بفتح اللام وتشديد الميم، بمعنى: إذ صبروا، وحين صبروا. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة: لما بكسر اللام وتخفيف الميم، بمعنى: لصبرهم عن الدنيا وشهواتها، واجتهادهم في طاعتنا، والعمل بأمرنا. وذكر أن ذلك في قراءة ابن مسعود: بما ذصبروا. وما إذا كسرت اللام من لما في موضع خفض، وإذا فتحت اللام وشددت الميم، فلا موضع لها، لانها حينئذ أداة. والقول عندي في ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى، قد قرأ بكل واحدة منهما عامة من القراء فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وتأويل الكلام إذا قرئ ذلك بفتح اللام وتشديد الميم: وجعلنا منهم أئمة يهدون أتباعهم بإذننا إياهم، وتقويتنا إياهم على الهداية، إذ صبروا على طاعتنا، وعزفوا أنفسهم عن لذات الدنيا وشهواتها. وإذا قرئ بكسر اللام على ما قد وصفنا. وقد: 21562 - حدثنا ابن وكيع، قال: قال أبي، سمعنا في وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا قال: عن الدنيا. وقوله: وكانوا بآياتنا يوقنون يقول: وكانوا أهل يقين بما دلهم عليه حججنا، وأهل تصديق بما تبين لهم من الحق وإيمان برسلنا، وآيات كتابنا وتنزيلنا. القول في تأويل قوله تعالى: * (إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) *.
[ 137 ]
يقول تعالى ذكره: إن ربك يا محمد هو يبين جميع خلقه يوم القيامة فيما كانوا فيه في الدنيا يختلفون من أمور الدين والبعث والثواب والعقاب، وغير ذلك من أسباب دينهم، فيفرق بينهم بقضاء فاصل بإيجابه لاهل الحق الجنة، ولاهل الباطل النار. القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات أفلا يسمعون) *. يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهم ؟ كما: 21563 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس أولم يهد لهم يقول: أو لم يبين لهم. وعلى القراءة بالياء في ذلك قراء الامصار، وكذلك القراءة عندنا لاجماع الحجة من القراء، بمعنى: أو لم يبين لهم إهلاكنا القرون الخالية من قبلهم، سنتنا فيمن سلك سبيلهم من الكفر بآياتنا، فيتعظوا وينزجروا. وقوله كم إذا قرئ يهد بالياء، في موضع رفع بيهد. وأما إذا قرئ ذلك بالنون أو لم نهد فإن موضع كم وما بعدها نصب. وقوله: يمشون في مساكنهم يقول تعالى ذكره: أو لم يبين لهن كثرة إهلاكنا القرون الماضية من قبلهم يمشون في بلادهم وأرضهم، كعاد وثمود. كما: 21564 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون عاد وثمود وأنهم إليهم لا يرجعون. وقوله: إن في ذلك لآيات يقول تعالى ذكره: إن في خلاء مساكن القرون الذين أهلكناهم من قبل هؤلاء المكذبين بآيات الله من قريش من أهلها الذين كانوا سكانها وعمارها بإهلاكنا إياهم لما كذبوا رسلنا، وجحدوا بآياتنا، وعبدوا من دون الله آلهة غيره التي يمرون بها فيعاينونها، لآيات لهم وعظات يتعظون بها، لو كانوا أولي حجا وعقول. يقول الله: أفلا يسمعون عظات الله وتذكيره إياهم آياته، وتعريفهم مواضع حججه ؟ القول في تأويل قوله تعالى: * (أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون) *.
[ 138 ]
يقول تعالى ذكره: أو لم ير هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت والنشر بعد الفناء، أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الارض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها وأصله من قولهم: ناقة جرز: إذا كان‍ ت تأكل كل شئ، وكذلك الارض الجروز: التي لا يبقى على ظهرها شئ إلا أفسدته، نظير أكل الناقة الجراز كل ما وجدته، ومنه قولهم للانسان الاكول: جروز، كما قال الراجز: (خب جروز وإذا....) ومنه قيل للسيف إذا كان لا يبقي شيئا إلا قطعه: سيف جراز، فيه لغات أربع: أرض جرز، وجرز، وجرز وجرز، والفتح لبني تميم فيما بلغني. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21565 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن ابن عباس الارض الجرز أرض باليمن. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: أرض باليمن. 21566 - قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز قال: أبين ونحوها. * - حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: ثنا عبد الرزاق بن عمر، عن ابن المبارك، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله، إلا أنه قال: ونحوها من الارض. 21567 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن رجل، عن ابن
[ 139 ]
عباس، في قوله إلى الارض الجرز قال: الجرز: التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا، إلا ما يأتيها من السيول. 21568 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن يزيد، عن جويبر، عن الضحاك إلى الارض الجرز ليس فيها نبت. 21569 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز المغبرة. 21570 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال قال ابن زيد، في قوله: أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز قال: الارض الجرز: التي ليس فيها شئ، ليس فيها نبات. وفي قوله: صعيدا جرزا قال: ليس عليها شئ وليس فيها نبات ولا شئ. فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم يقول تعالى ذكره: فنخرج بذلك الماء الذي نسوقه إليها على يبسها وغلظها وطول عهدها بالماء زرعا خضرا تأكل منه مواشيهم، وتغذى به أبدانهم وأجسامهم فيعيشون به أفلا يبصرون يقول تعالى ذكره: أفلا يرون ذلك بأعينهم، فيعلموا برؤيتهموه أن القدرة التي بها فعلت ذلك لا يتعذر علي أن أحيى بها الاموات وأنشرهم من قبورهم، وأعيدهم بهيئاتهم التي كانوا بها قبل وفاتهم. القول في تأويل قوله تعالى: * (ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين ئ قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ئ فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون) *. يقول تعالى ذكره: ويقولون هؤلاء المشركون بالله يا محمد لك متى هذا الفتح. واختلف في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: متى يجئ هذا الحكم بيننا وبينكم، ومتى يكون هذا الثواب والعقاب. ذكر من قال ذلك: 21571 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين قال: قال أصحاب نبي الله (ص): إن لنا يوما
[ 140 ]
أوشك أن نستريح فيه وننعم فيه، فقال المشركون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين. وقال آخرون: بل عنى بذلك: فتح مكة. والصواب من القول في ذلك قول من قال: معناه: ويقولون متى يجئ هذا الحكم بيننا وبينكم، يعنون العذاب، يدل على أن ذلك معناه قوله: قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينظرون ولا شك أن الكفار قد كان جعل الله لهم التوبة قبل فتح مكة وبعده، ولو كان معنى قوله متى هذا الفتح على ما قاله من قال: يعني به: فتح مكة، لكان لا توبة لمن أسلم من المشركين بعد فتح مكة، ولا شك أن الله قد تاب على بشر كثير من المشركين بعد فتح مكة، ونفعهم بالايمان به وبرسوله فمعلوم بذلك صحة ما قلنا من التأويل، وفساد ما خالفه. وقوله: إن كنتم صادقين يعني: إن كنتم صادقين في الذي تقولون من أنا معاقبون على تكذيبنا محمدا (ص)، وعبادتنا الآلهة والاوثان. وقوله: قل يوم الفتح يقول لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهم يوم الحكم، ومجئ العذاب: لا ينفع من كفر بالله وبآياته إيمانهم الذي يحدثونه في ذلك الوقت. كما: 21572 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله قل يوم الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم قال: يوم الفتح إذا جاء العذاب. 21573 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد يوم الفتح يوم القيامة. ونصب اليوم في قوله قل يوم الفتح ردا على متى، وذلك أن متى في موضع نصب. ومعنى الكلام: أني حين هذا الفتح إن كنتم صادقين، ثم قيل يوم كذا، وبه قرأ القراء. وقوله: ولا هم ينظرون يقول: ولا هم يؤخرون للتوبة والمراجعة. وقوله فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون يقول لنبيه محمد (ص): فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين بالله، القائلين لك: متى هذا الفتح، المستعجليك بالعذاب، وانتظر ما الله صانع بهم، إنهم منتظرون ما تعدهم من العذاب ومجئ الساعة. كما: 21574 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فأعرض عنهم، وانتظر إنهم منتظرون يعني يوم القيامة. آخر تفسير سورة السجدة، ولله الحمد والمنة.
[ 141 ]
سورة الاحزاب مدنية وآياتها ثلاث وسبعون بسم الله الرحمن الرحيم القول في تأويل قوله تعالى: * (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين و المنافقين إن الله كان عليما حكيما ئ واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): يا أيها النبي اتق الله بطاعته، وأداء فرائضه، وواجب حقوقه عليك، والانتهاء عن محارمه، وانتهاك حدوده ولا تطع الكافرين الذين يقولون لك: اطرد عنك أتباعك من ضعفاء المؤمنين بك حتى نجالسك والمنافقين الذين يظهرون لك الايمان بالله والنصيحة لك، وهم لا يألونك وأصحابك ودينك خبالا، فلا تقبل منهم رأيا، ولا تستشرهم مستنصحا بهم، فإنهم لك أعداء إن الله كان عليما حكيما يقول: إن الله ذو علم بما تضمره نفوسهم، وما الذي يقصدون في إظهارهم لك النصيحة، مع الذي ينطوون لك عليه، حكيم في تدبير أمرك وأمر أصحابك ودينك، وغير ذلك من تدبير جميع خلقه. واتبع ما يوحى إليك من ربك يقول: واعمل بما ينزل الله عليك من وحيه، وآي كتابه إن الله كان بما تعملون خبيرا يقول: إن الله بما تعمل به أنت وأصحابك من هذا القرآن، وغير ذلك من أموركم وأمور عباده خبيرا أي ذا خبرة، لا يخفى عليه من ذلك شئ، وهو مجازيكم على ذلك بما وعدكم من الجزاء. وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: واتبع ما يوحى إليك من ربك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21575 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة واتبع ما يوحى إليك من ربك أي هذا القرآن إن الله كان بما تعملون خبيرا. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 142 ]
* (وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *. يقول تعالى ذكره: وفوض إلى الله أمرك يا محمد، وثق به وكفى بالله وكيلا يقول: وحسيك بالله فيما يأمرك وكيلا، وحفيظا بك. القول في تأويل قوله تعالى: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبنائكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) *. اختلف أهل التأويل في المراد من قول الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه فقال بعضهم: عنى بذلك تكذيب قوم من أهل النفاق، وصفوا نبي الله (ص) بأنه ذو قلبين، فنفى الله ذلك عن نبيه، وكذبهم. ذكر من قال ذلك: 21576 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا حفص بن نفيل، قال: ثنا زهير بن معاوية، عن قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه، قال: قلنا لابن عباس: أرأيت قول الله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ما عنى بذلك ؟ قال: قام رسول الله (ص) يوما فصلى، فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه: إن له قلبين، قلبا معكم، وقلبا معهم، فأنزل الله: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. وقال آخرون: بل عنى بذلك: رجل من قريش كان يدعى ذا القلبين من دهيه. ذكر من قال ذلك: 21577 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال: كان رجل من قريش يسمى من دهيه ذا القلبين، فأنزل الله هذا في شأنه. 21578 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ما
[ 143 ]
جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال: إن رجلا من بني فهر، قال: إن في جوفي قلبين، أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد وكذب. 21579 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال قتادة: كان رجل على عهد رسول الله (ص) يسمى ذا القلبين، فأنزل الله فيه ما تسمعون. 21580 - قال قتادة: وكان الحسن يقول: كان رجل يقول لي: نفس تأمرني، ونفس تنهاني، فأنزل الله فيه ما تسمعون. 21581 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة، قال: كان رجل يسمى ذا القلبين، فنزلت ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. وقال آخرون: بل عنى بذلك زيد بن حارثة من أجل أن رسول الله (ص) كان تبناه، فضرب الله بذلك مثلا. ذكر من قال ذلك: 21582 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، في قوله: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه قال: بلغنا أن ذلك كان في زيد بن حارثة، ضرب له مثلا يقول: ليس ابن رجل آخر ابنك. وأولى الاقوال في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك تكذيب من الله تعالى قول من قال لرجل في جوفه قلبان يعقل بهما، على النحو الذي روي عن ابن عباس وجائز أن يكون ذلك تكذيبا من الله لمن وصف رسول الله (ص) بذلك، وأن يكون تكذيبا لمن سمى القرشي الذي ذكر أنه سمي ذاالقلبين من دهيه، وأي الامرين كان فهو نفي من الله عن خلقه من الرجال أن يكونوا بتلك الصفة. وقوله: وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم يقول تعالى ذكره: ولم يجعل الله أيها الرجال نساءكم اللائي تقولون لهن: أنتن علينا كظهور أمهاتنا أمهاتكم، بل جعل ذلك من قيلكم كذبا، وألزمكم عقوبة لكم كفارة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21583 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم: أي ما جعلها أمك فإذا ظاهر الرجل من امرأته، فإن الله لم يجعلها أمه، ولكن جعل فيها الكفارة.
[ 144 ]
وقوله: وما جعل أدعياءكم أبناءكم يقول: ولم يجعل الله من ادعيت أنه ابنك، وهو ابن غيرك ابنك بدعواك. وذكر أن ذلك نزل على رسول الله (ص) من أجل تبنيه زيد بن حارثة. ذكر الرواية بذلك: 21584 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أدعياءكم أبناءكم قال: نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة. 21585 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وما جعل أدعياءكم أبناءكم قال: كان زيد بن حارثة حين من الله ورسوله عليه، يقال له: زيد بن محمد، كان تبناه، فقال الله: ما كان محمد أبا أحد من رجالكم قال: وهو يذكر الازواج والاخت، فأخبره أن الازواج لم تكن بالامهات أمهاتكم، ولا أدعياءكم أبناءكم. 21586 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما جعل أدعياءكم أبناءكم وما جعل دعيك ابنك، يقول: إذا ادعى رجل رجلا وليس بابنه ذلكم قولكم بأفواهكم... الآية. وذكر لنا أن النبي (ص) كان يقول: من ادعى إلى غير أبيه متعمدا حرم الله عليه الجنة. 21587 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن أبي زائدة، عن أشعث، عن عامر، قال: ليس في الادعياء زيد. وقوله ذلكم قولكم بأفواهكم يقول تعالى ذكره هذا القول وهو قول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي، ودعاؤه من ليس بابنه أنه ابنه، إنما هو قولكم بأفواهكم لا حقيقة له، لا يثبت بهذه الدعوى نسب الذي ادعيت بنوته، ولا تصير الزوجة أما بقول
[ 145 ]
الرجل لها: أنت علي كظهر أمي والله يقول الحق يقول: والله هو الصادق الذي يقول الحق، وبقوله يثبت نسب من أثبت نسبه، وبه تكون المرأة للمولود، أما إذا حكم بذلك وهو يهدي السبيل يقول تعالى ذكره: والله يبين لعباده سبيل الحق، ويرشدهم لطريق الرشاد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما) *. يقول الله تعالى ذكره: انسبوا أدعياءكم الذين ألحقتم أنسابهم بكم لآبائهم. يقول لنبيه محمد (ص): ألحق نسب زيد بأبيه حارثة، ولا تدعه زيدا بن محمد. وقوله هو أقسط عند الله يقول: دعاؤكم إياهم لآبائهم هو أعدل عند الله، وأصدق وأصوب من دعائكم إياهم لغير آبائهم ونسبتكموهم إلى من تبناهم وادعاهم وليسوا له بنين. كما: 21588 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله: أي أعدل عند الله، وقوله: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم يقول تعالى ذكره: فإن أنتم أيها الناس لم تعلموا آباء أدعيائكم من هم فتنسبوهم إليهم، ولم تعرفوهم، فتلحقوهم بهم، فإخوانكم في الدين يقول: فهم إخوانكم في الدين، إن كانوا من أهل ملتكم، ومواليكم إن كانوا محرريكم وليسوا ببنيكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21589 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله: أي أعدل عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فإن لم تعلموا من أبوه فإنما هو أخوك ومولاك. 21590 - حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال أبو بكرة: قال الله ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم فأنا ممن لا يعرف أبوه، وأنا من إخوانكم في الدين، قال: قال أبي: والله إني لاظنه لو علم أن أباه كان حمارا لانتمى إليه. وقوله: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به يقول: ولا حرج عليكم ولا وزر في
[ 146 ]
خطأ يكون منكم في نسبة بعض من تنسبونه إلى أبيه، وأنتم ترونه ابن من ينسبونه إليه، وهو ابن لغيره ولكن ما تعمدت قلوبكم يقول: ولكن الاثم والحرج عليكم في نسبتكموه إلى غير أبيه، وأنتم تعلمونه ابن غير من تنسبونه إليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21591 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به يقول: إذا دعوت الرجل لغير أبيه، وأنت ترى أنه كذلك ولكن ما تعمدت قلوبكم يقول الله: لا تدعه لغير أبيه متعمدا. أما الخطأ فلا يؤاخذكم الله به ولكن يؤاخذكم بما تعمدت قلوبكم. 21592 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد تعمدت قلوبكم قال: فالعمد ما أتى بعد البيان والنهي في هذا وغيره. وما التي في قوله ولكن ما تعمدت قلوبكم خفض ردا على ما التي في قوله فيما أخطأتم به وذلك أن معنى الكلام: ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن فيما تعمدت قلوبكم. وقوله: وكان الله غفورا رحيما يقول الله تعالى ذكره: وكان الله ذا ستر على ذنب من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول، وذنب من ادعى ولد غيره ابنا له، إذا تابا وراجعا أمر الله، وانتهيا عن قيل الباطل بعد أن نهاهما ربهما عنه ذا رحمة بهما أن يعاقبهما على ذلك بعد توبتهما من خطيئتهما. القول في تأويل قوله تعالى: * (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا) *. يقول تعالى ذكره: النبي محمد أولى بالمؤمنين، يقول: أحق بالمؤمنين به من أنفسهم، أن يحكم فيهم بما يشاء من حكم، فيجوز ذلك عليهم. كما: 21593 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد النبي أولى
[ 147 ]
بالمؤمنين من أنفسهم كما أنت أولى بعبدك ما قضى فيهم من أمر جاز، كما كلما قضيت على عبدك جاز. 21594 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم قال: هو أب لهم. 21595 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عثمان بن عمر، قال: ثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، أن رسول الله (ص) قال: ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرءوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأيما مؤمن ترك مالا فلورثته وعصبته من كانوا، وإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه. 21596 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا حسن بن علي، عن أبي موسى إسرائيل بن موسى، قال: قرأ الحسن هذه الآية النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم قال: قال الحسن: قال النبي (ص): أنا أولى بكل مؤمن من نفسه قال الحسن: وفي القراءة الاولى: أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهو أب لهم. 21597 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال في بعض القراءة: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم وذكر لنا أن نبي الله (ص) قال: أيما رجل ترك ضياعا فأنا أولى به، وإن ترك مالا فهو لورثته. وقوله: وأزواجه أمهاتهم يقول: وحرمة أزواجه حرمة أمهاتهم عليهم، في أنهن يحرم عليهن نكاحهن من بعد وفاته، كما يحرم عليهم نكاح أمهاتهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21598 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم يعظم بذلك حقهن، وفي بعض القراءة: وهو أب لهم.
[ 148 ]
21599 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وأزواجه أمهاتهم محرمات عليهم. وقوله: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين يقول تعالى ذكره: وأولوا الارحام الذين ورثت بعضهم من بعض، هم أولى بميراث بعض من المؤمنين والمهاجرين أن يرث بعضهم بعضا، بالهجرة والايمان دون الرحم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21600 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين لبث المسلمون زمانا يتوارثون بالهجرة، والاعرابي المسلم لا يرث من المهاجرين شيئا، فأنزل الله هذه الآية، فخلط المؤمنين بعضهم ببعض، فصارت المواريث بالملل. 21601 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال: كان النبي (ص) قد آخى بين المهاجرين والانصار أول ما كانت الهجرة، وكانوا يتوارثون على ذلك، وقال الله ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والاقربون والذين عقدت أيمانكم، فآتوهم نصيبهم قال: إذا لم يأت رحم لهذا يحول دونهم، قال: فكان هذا أولا، فقال الله: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يقول: إلا أن توصوا لهم كان ذلك في الكتاب مسطورا أن أولي الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله، قال: وكان المؤمنون والمهاجرون لا يتوارثون إن كانوا أولي رحم، حتى يهاجروا إلى المدينة، وقرأ قال الله: والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شئ حتى يهاجروا... إلى قوله وفساد كبير، فكانوا لا يتوارثون، حتى إذا كان عام الفتح، انقطعت الهجرة، وكثر الاسلام، وكان لا يقبل من أحد أن يكون على الذي كان عليه النبي ومن معه إلا أن يهاجر قال: وقال رسول الله (ص) لمن بعث: اغدوا على اسم الله لا تغلوا ولا تولوا، ادعوهم إلى الاسلام، فإن أجابوكم فاقبلوا وادعوهم إلى الهجرة، فإن هاجروا معكم، فلهم ما لكم، وعليهم ما عليكم، فإن أبوا ولم يهاجروا واختاروا دارهم
[ 149 ]
فأقروهم فيها، فهم كالاعراب تجري عليهم أحكام الاسلام، وليس لهم في هذا الفئ نصيب. قال: فلما جاء الفتح، وانقطعت الهجرة، قال رسول الله (ص): لا هجرة بعد الفتح وكثر الاسلام، وتوارث الناس على الارحام حيث كانوا، ونسخ ذلك الذي كان بين المؤمنين والمهاجرين، وكان لهم في الفئ نصيب، وإن أقاموا وأبوا، وكان حقهم في الاسلام واحد، المهاجر وغير المهاجر والبدوي وكل أحد، حين جاء الفتح. فمعنى الكلام على هذا التأويل: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض من المؤمنين والمهاجرين ببعضهم أن يرثوهم بالهجرة، وقد يحتمل ظاهر هذا الكلام أن يكون من صلة الارحام من المؤمنين والمهاجرين، أولى بالميراث، ممن لم يؤمن، ولم يهاجر. وقوله: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: إلا أن توصوا لذوي قرابتكم من غير أهل الايمان والهجرة. ذكر من قال ذلك: 21602 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو معاوية، عن حجاج، عن سالم، عن ابن الحنفية إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قالوا: يوصي لقرابته من أهل الشرك. 21603 - قال: ثنا عبدة، قال: قرأت على ابن أبي عروبة، عن قتادة إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال: للقرابة من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم. * - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال: إلى أوليائكم من أهل الشرك وصية، ولا ميراث لهم. 21604 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أحمد الزبيري ويحيى بن آدم، عن ابن
[ 150 ]
المبارك، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة إلى أوليائكم معروفا قال: وصية. 21605 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني محمد بن عمرو، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: ما قوله إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا فقال: العطاء، فقلت له: المؤمن للكافر بينهما قرابة ؟ قال: نعم عطاؤه إياه حباء ووصية له. وقال آخرون: بل معنى ذلك: إلا أن تمسكوا بالمعروف بينكم بحق الايمان والهجرة والحلف، فتؤتونهم حقهم من النصرة والعقل عنهم. ذكر من قال ذلك: 21606 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال: حلفاؤكم الذين والى بينهم النبي (ص) من المهاجرين والانصار، إمساك بالمعروف والعقل والنصر بينهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن توصوا إلى أوليائكم من المهاجرين وصية. ذكر من قال ذلك: 21607 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يقول: إلا أن توصوا لهم. وأولى الاقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: معنى ذلك إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين كان رسول الله (ص) آخى بينهم وبينكم من المهاجرين والانصار، معروفا من الوصية لهم، والنصرة والعقل عنهم، وما أشبه ذلك، لان كل ذلك من المعروف الذي قد حث الله عليه عباده. وإنما اخترت هذا القول، وقلت: هو أولى بالصواب من قيل من قال: عنى بذلك الوصية للقرابة من أهل الشرك، لان القريب من المشرك، وإن كان ذا نسب فليس بالمولى، وذلك أن الشرك يقطع ولاية ما بين المؤمن والمشرك، وقد نهى الله المؤمنين أن يتخذوا منهم وليا بقوله: لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء وغير جائز أن ينهاهم عن اتخاذهم أولياء، ثم يصفهم جل ثناؤه بأنهم لهم أولياء. وموضع أن من قوله إلا أن تفعلوا نصب على الاستثناء. ومعنى الكلام: وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من
[ 151 ]
المؤمنين والمهاجرين، إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم الذين ليسوا بأولي أرحام منكم معروفا. وقوله: كان ذلك في الكتاب مسطورا يقول: كان أولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله: أي في اللوح المحفوظ مسطورا أي مكتوبا، كما قال الراجز: (في الصحف الاولى التي كان سطر) وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21608 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله كان ذلك في الكتاب مسطورا: أي أن أولي الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله. وقال آخرون: معنى ذلك: كان ذلك في الكتاب مسطورا: لا يرث المشرك المؤمن. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) *. يقول تعالى ذكره: كان ذلك في الكتاب مسطورا، إذ كتبنا كل ما هو كائن في الكتاب وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم كان ذلك أيضا في الكتاب مسطورا، ويعني بالميثاق: العهد، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى قبل. ومنك يا محمد ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا يقول: وأخذنا من جميعهم عهدا مؤكدا أن يصدق بعضهم بعضا. كما: 21609 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال: وذكر لنا أن نبي الله (ص) كان يقول: كنت أول الانبياء في الخلق، وآخرهم في البعث، وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم، وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ميثاق أخذه الله على النبيين، خصوصا أن يصدق بعضهم بعضا، وأن يتبع بعضهم بعضا. * - حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا سليمان، قال: ثنا أبو هلال، قال: كان قتادة
[ 152 ]
إذا تلا هذه الآية وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال: كان نبي الله (ص) في أول النبيين في الخلق. 21610 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح قال: في ظهر آدم. 21611 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: وأخذنا منهم ميثاقا غليظا قال: الميثاق الغليظ: العهد. القول في تأويل قوله تعالى: * (ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين عذابا أليما) *. يقول تعالى ذكره: أخذنا من هؤلاء الانبياء ميثاقهم كيما أسأل المرسلين عما أجابتهم به أممهم، وما فعل قومهم فيما أبلغوهم عن ربهم من الرسالة. وبنحو قولنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21612 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن ليث، عن مجاهد ليسأل الصادقين عن صدقهم قال: المبلغين المؤدين من الرسل. * - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ليسأل الصادقين عن صدقهم قال: المبلغين المؤدين من الرسل. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد ليسأل الصادقين عن صدقهم قال: الرسل المؤدين المبلغين. وقوله: وأعد للكافرين عذابا أليما يقول: وأعد للكافرين بالله من الامم عذابا موجعا. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرا) *. يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم التي أنعمها على
[ 153 ]
جماعتكم وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله (ص) أيام الخندق إذ جاءتكم جنود: جنود الاحزاب: قريش، وغطفان، ويهود بني النضير فأرسلنا عليهم ريحا وهي فيما ذكر: ريح الصبا. كما: 21613 - حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا داود، عن عكرمة، قال: قالت الجنوب للشمال ليلة الاحزاب: انطلقي ننصر رسول الله (ص)، فقال الشمال: إن الحرة لا تسري بالليل، قال: فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا. 21614 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا أبو عامر، قال: ثني الزبير، يعني ابن عبد الله، قال: ثني ربيح بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد، قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله بلغت القلوب الحناجر، فهل من شئ تقوله ؟ قال: نعم قولوا: اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، فضرب الله وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح. 21615 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثني عبد الله بن عمرو، عن نافع، عن عبد الله، قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح، إلى المدينة، فقال: ائتنا بطعام ولحاف قال: فاستأذنت رسول الله (ص)، فأذن لي وقال: من لقيت من أصحابي فمرهم يرجعوا. قال: فذهبت والريح تسفي كل شئ، فجعلت لا ألقى أحدا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي (ص)، قال: فما يلوي أحد منهم عنقه قال: وكان معي ترس لي، فكانت الريح تضربه علي، وكان فيه حديد، قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي، فأنفذها إلى الارض. 21616 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة: قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي، قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، رأيتم رسول الله (ص) وصحبتموه ؟ قال: نعم يا بن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون ؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الارض، لحملناه على أعناقنا. قال حذيفة: يا بن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله (ص) بالخندق، وصلى رسول الله هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ؟ يشرط له رسول الله (ص) إن يرجع أدخله الله الجنة، فما
[ 154 ]
قام أحد، ثم صلى رسول الله (ص) هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله (ص) هويا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، يشترط له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة، أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة فما قام رجل من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد فلما لم يقم أحد، دعاني رسول الله (ص)، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا. قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء فقام أبو سفيان فقال: يا معشر قريش، لينظر امرؤ من جليسه، فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي، فقلت: من أنت ؟ فقال: أنا فلان بن فلان ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف، واختلفت بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما يطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلق عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله (ص) إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني، لو شئت لقتلته بسهم قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله (ص) وهو قائم يصلي في مرط لبعض نسائه فلما رآني أدخلني بين رجليه، وطرح علي طرف المرط، ثم ركع وسجد وإني لفيه فلما سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم. 21617 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله إذ جاءتكم جنود قال: الاحزاب: عيينة بن بدر، وأبو سفيان، وقريظة. وقوله: فأرسلنا عليهم ريحا قال: ريح الصبا أرسلت على الاحزاب يوم الخندق، حتى كفأت قدورهم على أفواهها، ونزعت فساطيطهم حتى أظعنتهم. وقوله: وجنودا لم تروها قال: الملائكة ولم تقاتل يومئذ. 21618 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم، إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم
[ 155 ]
تروها قال: يعني الملائكة، قال: نزلت هذه الآية يوم الاحزاب وقد حصر رسول الله (ص) شهرا فخندق رسول الله (ص)، وأقبل أبو سفيان بقريش ومن تبعه من الناس، حتى نزلوا بعقوة رسول الله (ص)، وأقبل عيينة بن حصن، أحد بني بدر ومن تبعه من الناس حتى نزلوا بعقوة رسول الله (ص)، وكاتبت اليهود أبا سفيان وظاهروه، فقال حيث يقول الله تعالى: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم فبعث الله عليهم الرعب والريح، فذكر لنا أنهم كانوا كلما أوقدوا نارا أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا أن سيد كل حي يقول: يا بني فلان هلم إلي، حتى إذا اجتمعوا عنده فقال: النجاء النجاء، أتيتم لما بعث الله عليهم من الرعب. 21619 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم... الآية، قال: كان يوم أبي سفيان يوم الاحزاب. 21620 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، في قول الله: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها والجنود قريش وغطفان وبنو قريظة، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح: الملائكة. وقوله: وكان الله بما تعملون بصيرا يقول تعالى ذكره: وكان الله بأعمالكم يومئذ، وذلك صبرهم على ما كانوا فيه من الجهد والشدة، وثباتهم لعدوهم، وغير ذلك من أعمالهم، بصيرا لا يخفى عليه من ذلك شئ، يحصيه عليهم، ليجزيهم عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونائ هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ئ وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا) *. يقول تعالى ذكره: وكان الله بما تعملون بصيرا، إذ جاءتكم جنود الاحزاب من فوقكم، ومن أسفل منكم. وقيل: إن الذين أتوهم من أسفل منهم، أبو سفيان في قريش
[ 156 ]
ومن معه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21621 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إذ جاءوكم من فوقكم قال عيينة بن بدر في أهل نجد، ومن أسفل منكم، قال: أبو سفيان. قال: وواجهتهم قريظة. 21622 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبدة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: ذكرت يوم الخندق وقرأت: إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم، وإذ زاغت الابصار، وبلغت القلوب الحناجر قالت: هو يوم الخندق. 21623 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان مولى آل الزبير، عن عروة بن الزبير، وعمن لاأتهم، عن عبيد الله بن كعب بن مالك، وعن الزهري، وعن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعن محمد بن كعب القرظي، وعن غيرهم من علمائنا: أنه كان من حديث الخندق، أن نفرا من اليهود، منهم سلام بن أبي الحقيق النضري، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، ونفر من بني وائل، وهم الذين حزبوا الاحزاب على رسول الله (ص)، خرجوا حتى قدموا مكة على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله (ص)، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله. فقال لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الاول، والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه. قال: فهم الذين أنزل الله فيهم: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا... إلى قوله: وكفى بجهنم سعيرا فلما قالوا ذلك لقريش، سرهم ما قالوا، ونشطوا لما دعوهم له من حرب رسول الله (ص)، فاجتمعوا لذلك، واتعدوا له. ثم خرج أولئك النفر من اليهود، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان، فدعوهم إلى حرب رسول الله (ص)، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه، وأن قريشا قد
[ 157 ]
تابعوهم على ذلك، فاجتمعوا فيه، فأجابوهم فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في بني فزارة، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبد الله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان، فيمن تابعه من قومه من أشجع فلما سمع بهم رسول الله (ص) وبما اجتمعوا له من الامر ضرب الخندق على المدينة فلما فرغ رسول الله (ص) من الخندق، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الاسيال من رومة بين الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم، ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد، حتى نزلوا بذنب نقمي إلى جانب أحد، وخرج رسول الله (ص) والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالذراري والنساء، فرفعوا في الآطام، وخرج عدو الله حيي بن أخطب النضري، حتى أتى كعب بن أسد القرظي، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم، وكان قد وادع رسول الله (ص) على قومه، وعاهده على ذلك وعاقده، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب، أغلق دونه حصنه، فاستأذن عليه، فأبى أن يفتح له، فناداه حيي: يا كعب افتح لي، قال: ويحك يا حيي، إنك امرؤ مشؤوم، إني قد عاهدت محمدا، فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا قال: ويحك افتح لي أكلمك، قال: ما أنا بفاعل. قال: والله إن أغلقت دوني إلا تخوفت على جشيشتك أن آكل معك منها، فأحفظ الرجل، ففتح له، فقال: يا كعب جئتك بعز الدهر، وببحر طم، جئتك بقريش على قاداتها وساداتها، حتى أنزلتهم بمجتمع الاسيال من رومة، وبغطفان على قاداتها وساداتها حتى أنزلتهم بذنب نقمي إلى جانب أحد، قد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه، فقال له كعب بن أسد:
[ 158 ]
جئتني والله بذل الدهر، وبجهام قد هراق ماءه، يرعد ويبرق، ليس فيه شئ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه، فلم أر من محمد إلا صدقا ووفاء فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له على أن أعطاهم عهدا من الله وميثاقا لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك. فنقض كعب بن أسد عهده، وبرئ مما كان عليه، فيما بينه وبين رسول الله (ص) فلما انتهى إلى رسول الله (ص) الخبر، وإلى المسلمين، بعث رسول الله (ص) سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس، أحد بني الاشهل، وهو يومئذ سيد الاوس، وسعد بن عبادة بن ديلم أخي بني ساعدة بن كعب بن الخزرج، وهو يومئذ سيد الخزرج، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحرث بن الخزرج، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف، فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟، فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه، ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم، فاجهروا به للناس. فخرجوا حتى أتوهم، فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم، ونالوا من رسول الله (ص) وقالوا: لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه، وكان رجلا فيه حدة، فقال له سعد بن معاذ: دع عنك مشاتمتهم، فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة. ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله (ص)، فسلموا عليه، ثم قالوا: عضل والقارة: أي كغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله (ص) أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه، فقال رسول الله (ص): الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين، وعظم عند ذلك البلاء، واشتد الخوف، وأتاهم عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، حتى ظن المسلمون كل ظن، ونجم النفاق من بعض المنافقين، حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن الحارث: يا رسول الله إن بيوتنا لعورة من العدو، وذلك عن ملا من رجال قومه، فأذن لنا فلنرجع إلى دارنا، وإنها خارجة من المدينة، فأقام رسول الله (ص) بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصار.
[ 159 ]
21624 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قوله إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم فالذين جاءوهم من فوقهم: قريظة، والذين جاءوهم من أسفل منهم: قريش وغطفان. وقوله: وإذ زاغت الابصار يقول: وحين عدلت الابصار عن مقرها، وشخصت طامحة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21625 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وإذ زاغت الابصار: شخصت. وقوله: وبلغت القلوب الحناجر يقول: نبت القلوب عن أماكنها من الرعب والخوف، فبلغت إلى الحناجر. كما: 21626 - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا سويد بن عمرو، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة: وبلغت القلوب الحناجر قال: من الفزع. وقوله: وتظنون با لله الظنونا يقول: وتظنون بالله الظنون الكاذبة، وذلك كظن من ظن منهم أن رسول الله (ص) يغلب، وأن ما وعده الله من النصر أن لا يكون، ونحو ذلك من ظنونهم الكاذبة التي ظنها من ظن ممن كان مع رسول الله (ص) في عسكره. 21627 - حدثنا بشر، قال: ثنا هوذة بن خليفة، قال: ثنا عوف، عن الحسن وتظنون بالله الظنونا قال: ظنونا مختلفة: ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، وأيقن المؤمنون أن ما وعدهم الله حق، أنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون. واختلفت القراء في قراءة قوله: وتظنون بالله الظنونا فقرأ ذلك عامة قراء المدينة، وبعض الكوفيين: الظنونا بإثبات الالف، وكذلك وأطعنا الرسولا فأضلونا السبيلا في الوصل والوقف وكان اعتلال المعتل في ذلك لهم، أن ذلك في كل مصاحف المسلمين بإثبات الالف في هذه الاحرف كلها. وكان بعض قراء الكوفة يثبت الالف فيهن في الوقف، ويحذفها في الوصل اعتلالا بأن العرب تفعل ذلك في قوافي الشعر ومصاريعها، فتلحق الالف في موضع الفتح للوقوف، ولا تفعل ذلك في حشو الابيات، فإن هذه الاحرف، حسن فيها إثبات الالفات، لانهن رؤوس الآي تمثيلا لها بالقوافي. وقرأ
[ 160 ]
ذلك بعض قراء البصرة والكوفة بحذف الالف من جميعه في الوقف والوصل، اعتلالا بأن ذلك غير موجود في كلام العرب إلا في قوافي الشعر دون غيرها من كلامهم، وأنها إنما تفعل ذلك في القوافي طلبا لاتمام وزن الشعر، إذ لو لم تفعل ذلك فيها لم يصح الشعر، وليس ذلك كذلك في القرآن، لانه لا شئ يضطرهم إلى ذلك في القرآن، وقالوا: هن مع ذلك في مصحف عبد الله بغير ألف. وأولى القراءات في ذلك عندي بالصواب، قراءة من قرأه بحذف الالف في الوصل والوقف، لان ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب، مع شهرة القراءة بذلك في قراء المصرين: الكوفة، والبصرة ثم القراءة بإثبات الالف فيهن في حالة الوقف والوصل، لان علة من أثبت ذلك في حال الوقف أنه كذلك في خطوط مصاحف المسلمين. وإذا كانت العلة في إثبات الالف في بعض الاحوال كونه مثبتا في مصاحف المسلمين، فالواجب أن تكون القراءة في كل الاحوال ثابتة، لانه مثبت في مصاحفهم. وغير جائز أن تكون العلة التي توجب قراءة ذلك على وجه من الوجوه في بعض الاحوال موجودة في حال أخرى، والقراءة مختلفة، وليس ذلك لقوافي الشعر بنظير، لان قوافي الشعر إنما تلحق فيها الالفات في مواضع الفتح، والياء في مواضع الكسر، والواو في مواضع الضم طلبا لتتمة الوزن، وأن ذلك لو لم يفعل كذلك بطل أن يكون شعرا لاستحالته عن وزنه، ولا شئ يضطر تالي القرآن إلى فعل ذلك في القرآن. وقوله: هنالك ابتلي المؤمنون يقول: عند ذلك اختبر إيمان المؤمنين، ومحص القوم وعرف المؤمن من المنافق. وبنحو ما قلنا فذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21628 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله هنالك ابتلي المؤمنون قال: محصوا. وقوله: وزلزلوا زلزالا شديدا يقول: وحركوا بالفتنة تحريكا شديدا، وابتلوا وفتنوا. وقوله: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: شك في الايمان، وضعف في اعتقادهم إياه: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، وذلك فيما ذكر قول معتب بن قشير.
[ 161 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21629 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا يقول: معتب بن قشير، إذ قال ما قال يوم الخندق. 21630 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض قال: تكلمهم بالنفاق يومئذ، وتكلم المؤمنون بالحق والايمان، قالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله. 21631 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا قال: قال ذلك أناس من المنافقين: قد كان محمد يعدنا فتح فارس والروم، وقد حصرنا هاهنا، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. 21632 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال: قال رجل يوم الاحزاب لرجل من صحابة النبي (ص): يا فلان أرأيت إذ يقول رسول الله (ص): إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله. فأين هذا من هذا، وأحدنا لا يستطيع أن يخرج يبول من الخوف ؟ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. فقال له: كذبت، لاخبرن رسول الله (ص) خبرك، قال: فأتى رسول الله (ص)، فأخبره، فدعاه فقال: ما قلت ؟ فقال: كذب علي يا رسول الله، ما قلت شيئا، ما خرج هذا من فمي قط قال الله: يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر... حتى بلغ وما لهم في الارض من ولي ولا نصير قال: فهذا قول الله: إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة. 21633 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا كثير بن
[ 162 ]
عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، قال: ثني أبي، عن أبيه، قال: خط رسول الله (ص) الخندق عام ذكرت الاحزاب، من أحمر الشيخين، طرف بني حارثة، حتى بلغ المذاد، ثم جعل أربعين ذراعا بين كل عشرة، فاختلف المهاجرون والانصار في سلمان الفارسي، وكان رجلا قويا، فقال الانصار: سلمان منا، وقال المهاجرون: سلمان منا، فقال النبي (ص): سلمان منا أهل البيت. قال عمرو بن عوف: فكنت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان والنعمان بن مقرن المزني، وستة من الانصار، في أربعين ذراعا، فحفرنا تحت دوبار حتى بلغنا الصرى، أخرج الله من بطن الخندق صخرة بيضاء مروة، فكسرت حديدنا، وشقت علينا، فقلنا: يا سلمان، ارق إلى رسول الله (ص)، فأخبره خبر هذه الصخرة، فإما أن نعدل عنها، فإن المعدل قريب، وإما أن يأمرنا فيها بأمره، فإنا لا نحب أن نجاوز خطه. فرقي سلمان حتى أتى رسول الله (ص) وهو ضارب عليه قبة تركية، فقال: يا رسول الله بأبينا أنت وأمنا، خرجت صخرة بيضاء من بطن الخندق، مروة، فكسرت حديدنا، وشقت علينا، حتى ما يجئ منها قليل ولا كثير، فمرنا فيها بأمرك، فإنا لا نحب أن نجاوز خطك. فهبط رسول الله (ص) مع سلمان في الخندق، ورقينا نحن التسعة على شفة الخندق، فأخذ رسول الله (ص) المعول من سلمان، فضرب الصخرة ضربة صدعها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، يعني: لابتي المدينة، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله (ص) تكبير فتح، وكبر المسلمون. ثم ضربها رسول الله (ص) الثانية، فصدعها وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله (ص) تكبير فتح، وكبر المسلمون، ثم ضربها رسول الله (ص) الثالثة، فكسرها، وبرقت منها برقة أضاءت ما بين لابتيها، حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم، فكبر رسول الله (ص) تكبير فتح، ثم أخذ بيد سلمان فرقي، فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد رأيت شيئا ما رأيته قط، فالتفت رسول الله (ص) إلى القوم، فقال: هل رأيتم ما يقول سلمان ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، بأبينا أنت وأمنا وقد رأيناك تضرب، فيخرج برق كالموج، فرأيناك تكبر فنكبر، ولا نرى شيئا غير ذلك، قال: صدقتم
[ 163 ]
ضربت ضربتي الاولى، فبرق الذي رأيتم، أضاء لي منه قصور الحيرة ومدائن كسرى، كأنها أنياب الكلاب، فأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثانية، فبرق الذي رأيتم، أضاء لي منه قصور الحمر من أرض الروم، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، ثم ضربت ضربتي الثالثة، وبرق منها الذي رأيتم، أضاءت لي منها قصور صنعاء، كأنها أنياب الكلاب، وأخبرني جبرائيل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها، فأبشروا، يبلغهم النصر، وأبشروا، يبلغهم النصر، وأبشروا يبلغهم النصر. فاستبشر المسلمون، وقالوا: الحمد لله موعود صدق، بأن وعدنا النصر بعد الحصر، فطبقت الاحزاب، فقال المسلمون هذا ما وعدنا الله ورسوله... الآية، وقال المنافقون: ألا تعجبون. ؟ يحدثكم ويمنيكم ويعدكم الباطل، يخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى، وأنها تفتح لكم، وأنتم تحفرون الخندق من الفرق، ولا تستطيعون أن تبرزوا ؟ وأنزل القرآن: وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. القول في تأويل قوله تعالى: * (وإذ قالت طائفة منهم يأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ئ ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا) *. يعني تعالى ذكره بقوله: وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم وإذ قال بعضهم: يا أهل يثرب، ويثرب: اسم أرض، فيقال: إن مدينة رسول الله (ص) في ناحية من يثرب. وقوله: لا مقام لكم فارجعوا بفتح الميم من مقام. يقول: لا مكان لكم، تقومون فيه، كما قال الشاعر: فأيي ما وأيك كان شرافقيد إلى المقامة لا يراها قوله فارجعوا يقول: فارجعوا إلى منازلكم أمرهم بالهرب من عسكر
[ 164 ]
رسول الله (ص) والفرار منه، وترك رسول الله (ص). وقيل: إن ذلك من قيل أوس بن قيظي ومن وافقه على رأيه. ذكر من قال ذلك: 21634 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد، بن رومان وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب... إلى فرارا يقول: أوس بن قيظي، ومن كان على ذلك من رأيه من قومه. والقراءة على فتح الميم من قوله: لا مقام لكم بمعنى: لا موضع قيام لكم، وهي القراءة التي لا أستجيز القراءة بخلافها، لاجماع الحجة من القراء عليها. وذكر عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قرأ ذلك: لا مقام لكم بضم الميم، يعني: لا إقامة لكم. وقوله: ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة يقول تعالى ذكره: ويستأذن بعضهم رسول الله (ص) في الاذن بالانصراف عنه إلى منزله، ولكنه يريد الفرار والهرب من عسكر رسول الله (ص). وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21635 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ويستأذن فريق منهم النبي... إلى قوله إلا فرارا قال: هم بنو حارثة، قالوا: بيوتنا مخلية نخشى عليها السرق. 21636 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: إن بيوتنا عورة قال: نخشى عليها السرق. 21637 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة وإنها مما يلي العدو، وإنا نخاف عليها السراق، فبعث النبي (ص)، فلا يجد بها عدوا، قال الله: إن يريدون إلا فرارا يقول: إنما كان قولهم ذلك إن بيوتنا عورة إنما كان يريدون بذلك الفرار. 21638 - حدثنا محمد بن سنان القزاز، قال: ثنا عبيد الله بن حمران، قال: ثنا عبد السلام بن شداد أبو طالوت عن أبيه في هذه الآية إن بيوتنا عورة، وما هي بعورة قال: ضائعة. وقوله: ولو دخلت عليهم من أقطارها يقول: ولو دخلت المدينة على هؤلاء
[ 165 ]
القائلين إن بيوتنا عورة من أقطارها، يعني: من جوانبها ونواحيها، واحدها: قطر، وفيها لغة أخرى: قتر، وأقتار ومنه قول الراجز: إن شئت أن تدهن أو تمرافولهن قترك الاشرا وقوله: ثم سئلوا الفتنة يقول: ثم سئلوا الرجوع من الايمان إلى الشرك لآتوها يقول: لفعلوا ورجعوا عن الاسلام وأشركوا. وقوله: وما تلبثوا بها إلا يسيرا يقول: وما احتبسوا عن إجابتهم إلى الشرك إلا يسيرا قليلا، ولاسرعوا إلى ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21639 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ولو دخلت عليهم من أقطارها أي لو دخل عليهم من نواحي المدينة ثم سئلوا الفتنة: أي الشرك لآتوها يقول: لاعطوها، وما تلبثوا بها إلا يسيرا يقول: إلا أعطوه طيبة به أنفسهم ما يحتبسونه. 21640 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ولو دخلت عليهم من أقطارها يقول: لو دخلت المدينة عليهم من نواحيها ثم سئلوا الفتنة لآتوها سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: وهؤلاء المنافقون لو دخلت عليهم الجيوش، والذين يريدون قتالهم ثم سئلوا أن يكفروا لكفروا قال: والفتنة: الكفر، وهي التي يقول الله الفتنة أشد من القتل أي الكفر يقول: يحملهم الخوف منهم، وخبث الفتنة التي هم عليها من النفاق على أن يكفروا به. واختلفت القراء في قراءة قوله: لآتوها فقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض قراء مكة: لاتوها بقصر الالف، بمعنى جاءوها. وقرأه بعض المكيين وعامة قراء الكوفة والبصرة: لآتوها بمد الالف، بمعنى: لاعطوها، لقوله: ثم سئلوا الفتنة وقالوا: إذا كان سؤال كان إعطاء، والمد أعجب القراءتين إلي لما ذكرت، وإن كانت الاخرى جائزة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسئولا) *.
[ 166 ]
يقول تعالى ذكره: ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله (ص) في الانصراف عنه، ويقولون إن بيوتنا عورة، عاهدوا الله من قبل ذلك، إن لا يولوا عدوهم الادبار، إن لقولهم في مشهد لرسول الله (ص) معهم، فما أوفوا بعهدهم وكان عهد الله مسئولا يقول: فيسأل الله ذلك من أعطاه إياه من نفسه. وذكر أن ذلك نزل في بني حارثة لما كان من فعلهم في الخندق بعد الذي كان منهم بأحد. ذكر من قال ذلك: 21641 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار، وكان عهد الله مسئولا وهم بنو حارثة، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين هما بالفشل يوم أحد، ثم عاهدوا الله لا يعودون لمثلها، فذكر الله لهم الذي أعطوه من أنفسهم. 21642 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الادبار وكان عهد الله مسئولا قال: كان ناس غابوا عن وقعة بدر، ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة والفضيلة، فقالوا: لئن أشهدنا الله قتالا لنقاتلن، فساق الله ذلك إليهم حتى كان في ناحية المدينة. القول في تأويل قوله تعالى: * (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا ئ قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنوك في الانصراف عنك ويقولون إن بيوتنا عورة: لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل يقول: لان ذلك، أو ما كتب الله منهما واصل إليكم بكل حال، كرهتم أو أحببتم. وإذا لا تمتعون إلا قليلا يقول: وإذا فررتم من الموت أو القتل لم يزد فراركم ذلك في أعماركم وآجالكم، بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم، ثم يأتيكم ما كتب لكم وعليكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21643 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل، وإذا لا تمتعون إلا قليلا وإنما الدنيا كلها قليل. 21644 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن أبي
[ 167 ]
رزين، عن ربيع بن خيثم وإذا لا تمتعون إلا قليلا قال: إلى آجالهم. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن أبي رزين، عن ربيع بن خيثم وإذا لا تمتعون إلا قليلا قال: ما بينهم وبين الاجل. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن قالا: ثنا سفيان، عن منصور، عن الاعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم مثله، إلا أنه قال: ما بينهم وبين آجالهم. 21645 - حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، عن أبي رزين، أنه قال في هذه الآية فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا قال: ليضحكوا في الدنيا قليلا، وليبكوا في النار كثيرا. وقال في هذه الآية: وإذا لا تمتعون إلا قليلا قال: إلى آجالهم. أحد هذين الحديثين رفعه إلى ربيع بن خيثم. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن الاعمش، عن أبي رزين، عن الربيع بن خيثم وإذا لا تمتعون إلا قليلا قال: الاجل. ورفع قوله تمتعون ولم ينصب بإذن للواو التي معها، وذلك أنه إذا كان قبلها واو، كان معنى إذا التأخير بعد الفعل، كأنه قيل: ولو فروا لا يمتعون إلا قليلا إذا، وقد ينصب بها أحيانا، وإن كان معها واو، لان الفعل متروك، فكأنها لاول الكلام. وقوله قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة يقول تعالى ذكره: قل يا محمد لهؤلاء الذين يستأذنونك ويقولون: إن بيوتنا عورة هربا من القتل: من ذا الذي يمنعكم من الله إن هو أراد بكم سوءا في أنفسكم، من قتل أو بلاء أو غير ذلك، أو عافية وسلامة ؟ وهل ما يكون بكم في أنفسكم من سوء أو رحمة إلا من قبله ؟ كما: 21646 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة أي أنه ليس الامر إلا ما قضيت. وقوله: ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا يقول تعالى ذكره: ولا يجد هؤلاء المنافقون إن أراد الله بهم سوءا في أنفسهم وأموالهم من دون الله وليا يليهم بالكفاية ولا نصيرا ينصرهم من الله فيدفع عنهم ما أراد الله بهم من سوء ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:
[ 168 ]
* (قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلا ئ أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير أولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا) *. يقول تعالى ذكره: قد يعلم الله الذين يعوقون الناس منكم عن رسول الله (ص) فيصدونهم عنه، وعن شهود الحرب معه، نفاقا منهم، وتخذيلا عن الاسلام وأهله والقائلين لاخوانهم هلم إلينا: أي تعالوا إلينا، ودعوا محمدا، فلا تشهدوا معه مشهده، فإنا نخاف عليكم الهلاك بهلاكه. ولا يأتون البأس إلا قليلا يقول: ولا يشهدون الحرب والقتال إن شهدوا إلا تعذيرا، ودفعا عن أنفسهم المؤمنين. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21647 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم قال: هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لاخوانهم: ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس، ولو كانوا لحما لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك. وقوله: ولا يأتون البأس إلا قليلا: أي لا يشهدون القتال، يغيبون عنه. 21648 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان قد يعلم الله المعوقين منكم: أي أهل النفاق والقائلين لاخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس إلا قليلا: أي إلا دفعا وتعذيرا. 21649 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله قد يعلم الله المعوقين منكم، والقائلين لاخوانهم... إلى آخر الآية، قال: هذا يوم الاحزاب، انصرف رجل من عند رسول الله (ص)، فوجد أخاه بين يديه شواء ورغيف ونبيذ، فقال له: أنت ههنا في الشواء والرغيف والنبيذ، ورسول الله (ص) بين الرماح والسيوف ؟ فقال: هلم إلى هذا، فقد بلغ بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها محمد أبدا،
[ 169 ]
فقال: كذبت والذي يحلف به قال، وكان أخاه من أبيه وأمه: أما والله لاخبرن النبي (ص) أمرك قال: وذهب إلى رسول الله (ص) ليخبره قال: فوجده قد نزل جبرائيل عليه السلام بخبره قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم إلينا، ولا يأتون البأس قليلا. وقوله أشحة عليكم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف الله به هؤلاء المنافقين، في هذا الموضع من الشح، فقال بعضهم: وصفهم بالشح عليهم في الغنيمة. ذكر من قال ذلك: 21650 - حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة أشحة عليكم في الغنيمة. وقال آخرون: بل وصفهم بالشح عليهم بالخير. ذكر من قال ذلك: 21651 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثني عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أشحة عليكم قال: بالخير، المنافقون. وقال غيره: معناه: أشحة عليكم بالنفقة على ضعفاء المؤمنين منكم. والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشح، ولم يخصص وصفهم من معاني الشح، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به أشحة على المؤمنين بالغنيمة والخير والنفقة في سبيل الله، على أهل مسكنة المسلمين. ونصب قوله أشحة عليكم على الحال من ذكر الاسم الذي في قوله ولا يأتون البأس، كأنه قيل: هم جبناء عند البأس، أشحاء عند قسم الغنيمة، بالغنيمة. وقد يحتمل أن يكون قطعا من قوله: قد يعلم الله المعوقين منكم فيكون تأويله: قد يعلم الله الذين يعوقون الناس على القتال، ويشحون عند الفتح بالغنيمة. ويجوز أن يكون أيضا قطعا من قوله: هلم إلينا أشحة، وهم هكذا أشحة. ووصفهم جل ثناؤه بما وصفهم من الشح على المؤمنين، لما في أنفسهم لهم من العداوة والضغن. كما: 21652 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان أشحة عليكم أي للضغن الذي في أنفسهم. وقوله: فإذا جاء الخوف... إلى قوله من الموت يقول تعالى ذكره: فإذا حضر البأس، وجاء القتال، خافوا الهلاك والقتل، رأيتهم يا محمد ينظرون إليك لواذا بك،
[ 170 ]
تدور أعينهم، خوفا من القتل، وفرارا منه. كالذي يغشى عليه من الموت يقول: كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت النازل به فإذا ذهب الخوف يقول: فإذا انقطعت الحرب واطمأنوا سلقوكم بألسنة حداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21653 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم من الخوف. 21654 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت: أي إعظاما وفرقا منه. وأما قوله سلقوكم بألسنة حداد. فإنه يقول: عضوكم بألسنة ذربة. ويقال للرجل الخطيب الذرب اللسان: خطيب مسلق ومصلق، وخطيب سلاق وصلاق. وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي وصف تعالى ذكره هؤلاء المنافقين أنهم يسلقون المؤمنين به، فقال بعضهم: ذلك سلقهم إياهم عند الغنيمة، بمسألتهم القسم لهم. ذكر من قال ذلك: 21655 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أما عند الغنيمة، فأشح قوم، وأسوأ مقاسمة: أعطونا أعطونا، فإنا قد شهدنا معكم. وأما عند البأس فأجبن قوم، وأخذله للحق. وقال آخرون: بل ذلك سلقهم إياهم بالاذى. ذكر ذلك عن ابن عباس: 21656 - حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله سلقوكم بألسنة حداد قال: استقبلوكم. 21657 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد سلقوكم بألسنة حداد قال: كلموكم. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أنهم يسلقونهم من القول بما تحبون، نفاقا منهم. ذكر من قال ذلك: 21658 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد في القول بما تحبون، لانهم لا يرجون
[ 171 ]
آخرة، ولا تحملهم حسبة، فهم يهابون الموت هيبة من لا يرجو ما بعده. وأشبه هذه الاقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل قول من قال سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير فأخبر أن سلقهم المسلمين شحا منهم على الغنيمة والخير، فمعلوم إذ كان ذلك كذلك، أن ذلك لطلب الغنيمة. وإذا كان ذلك منهم لطلب الغنيمة، دخل في ذلك قول من قال: معنى ذلك: سلقوكم بالاذى، لان فعلهم ذلك كذلك، لا شك أنه للمؤمنين أذى. وقوله: أشحة على الخير يقول: أشحة على الغنيمة، إذا ظفر المؤمنون. وقوله: لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم في هذه الآيات، لم يصدقوا الله ورسوله، ولكنهم أهل كفر ونفاق. فأحبط الله أعمالهم يقول: فأذهب الله أجور أعمالهم وأبطلها. وذكر أن الذي وصف بهذه الصفة كان بدريا، فأحبط الله عمله. ذكر من قال ذلك: 21659 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فأحبط الله أعمالهم وكان ذلك على الله يسيرا قال: فحدثني أبي أنه كان بدريا، وأن قوله: أحبط الله أعمالهم: أحبط الله عمله يوم بدر. وقوله: وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره: وكان إحباط عملهم الذي كانوا عملوا قبل ارتدادهم ونفاقهم على الله يسيرا. القول في تأويل قوله تعالى: * (يحسبون الاحزاب لم يذهبوا وإن يأت الاحزاب يودوا لو أنهم بادون في الاعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا) *. يقول تعالى ذكره: يحسب هؤلاء المنافقون الاحزاب، وهم قريش وغطفان. كما: 21660 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان يحسبون الاحزاب لم يذهبوا قريش وغطفان. وقوله: لم يذهبوا يقول: لم ينصرفوا، وإن كانوا قد انصرفوا جبنا وهلعا منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21661 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:
[ 172 ]
يحسبون الاحزاب لم يذهبوا قال: يحسبونهم قريبا. وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله: يحسبون الاحزاب قد ذهبوا، فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الاعراب. وقوله: وإن يأت الاحزاب يودوا لو أنهم بادون في الاعراب يقول تعالى ذكره: وإن يأت المؤمنين الاحزاب وهم الجماعة: واحدهم حزب يودوا يقول: يتمنوا من الخوف والجبن أنهم غيب عنكم في البادية مع الاعراب خوفا من القتل. وذلك أن قوله: لو أنهم بادون في الاعراب تقول: قد بدا فلان إذا صار في البدو فهو يبدو، وهو باد وأما الاعراب: فإنهم جمع أعرابي، وواحد العرب عربي، وإنما قيل أعرابي لاهل البدو، فرقا بين أهل البوادي والامصار، فجعل الاعراب لاهل البادية، والعرب لاهل المصر. وقوله: يسألون عن أنبائكم يقول: يستخبر هؤلاء المنافقون أيها المؤمنون الناس عن أنبائكم، يعني عن أخباركم بالبادية، هل هلك محمد وأصحابه ؟ نقول: يتمنون أن يسمعوا أخباركم بهلاككم، أن لا يشهدوا معكم مشاهدكم. ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا يقول تعالى ذكره للمؤمنين: ولو كانوا أيضا فيكم ما نفعوكم، وما قاتلوا المشركين إلا قليلا. يقول: إلا تعذيرا، لانهم لا يقاتلونهم حسبة ولا رجاء ثواب. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21662 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله يسألون عن أنبائكم قال: أخباركم. وقرأت قراء الامصار جميعا سوى عاصم الجحدري: يسألون عن أنبائكم بمعنى: يسألون من قدم عليهم من الناس عن أنباء عسكركم وأخباركم، وذكر عن عاصم الجحدري أنه كان يقرأ ذلك: يساءلون بتشديد السين، بمعنى: يتساءلون: أي يسأل بعضهم بعضا عن ذلك. والصواب من القول في ذلك عندنا ما عليه قراء الامصار، لاجماع الحجة من القراء عليه. القول في تأويل قوله تعالى: * (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا ئ ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما) *.
[ 173 ]
اختلفت القراء في قراءة قوله: أسوة فقرأ ذلك عامة قراء الامصار: إسوة بكسر الالف، خلا عاصم بن أبي النجود، فإنه قرأه بالضم: أسوة. وكان يحيى بن وثاب يقرأ هذه بالكسر، ويقرأ قوله لقد كان لكم فيهم أسوة بالضم، وهما لغتان. وذكر أن الكسر في أهل الحجاز، والضم في قيس. يقولون: أسوة، وأخوة. وهذا عتاب من الله للمتخلفين عن رسول الله (ص) وعسكره بالمدينة، من المؤمنين به. يقول لهم جل ثناؤه: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، أن تتأسوا به، وتكونوا معه حيث كان، ولا تتخلفوا عنه. لمن كان يرجو الله يقول: فإن من يرجو ثواب الله ورحمته في الآخرة لا يرغب بنفسه، ولكنه تكون له به أسوة في أن يكون معه حيث يكون هو. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21663 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قال: ثم أقبل على المؤمنين، فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر أن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، ولا عن مكان هو به. وذكر الله كثيرا يقول: وأكثر ذكر الله في الخوف والشدة والرخاء. وقوله: ولما رأى المؤمنون الاحزاب يقول: ولما عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا تسليما منهم لامر الله، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم، الذي وعدهم بقوله أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم... إلى قوله قريب هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فأحسن الله عليهم بذلك من يقينهم، وتسليمهم لامره الثناء، فقال: وما زادهم اجتماع الاحزاب عليهم إلا إيمانا بالله وتسليما لقضائه وأمره، ورزقهم به النصر والظفر على الاعداء. وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21664 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ولما رأى المؤمنون الاحزاب... الآية قال: ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة أم حسبتم أن تدخلوا الجنة... إلى قوله إن نصر الله قريب قال: فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الاحزاب في الخندق، تأول المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانا وتسليما. 21665 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن
[ 174 ]
رومان، قال: ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما: أي صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما كان الله وعدهم ورسوله. 21666 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب هذا والله البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول الله (ص) لما رأوا ما أصابهم من الشدة والبلاء قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما وتصديقا بما وعدهم الله، وتسليما لقضاء الله. القول في تأويل قوله تعالى: * (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ئ ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شآء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما) *. يقول تعالى ذكره من المؤمنين بالله ورسوله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضراء، وحين البأس فمنهم من قضى نحبه يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان نذره الله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض في غير ذلك من المواطن ومنهم من ينتظر قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله، والظفر على عدوه. والنحب: النذر في كلام العرب. وللنحب أيضا في كلامهم وجوه غير ذلك، منها الموت، كما قال الشاعر: (قضى نحبه في ملتقى القوم هوبر)
[ 175 ]
يعني: منيته ونفسه ومنها الخطر العظيم، كما قال جرير: بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا عشية بسطام جرين على نحب أي على خطر عظيم ومنها النحيب، يقال: نحب في سيره يومه أجمع: إذا مد فلم ينزل يومه وليلته ومنها التنحيب، وهو الخطار، كما قال الشاعر: وإذ نحبت كلب على الناس أيهم أحق بتاج الماجد المتكوم ؟ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21667 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه: أي وفوا الله بما عاهدوه عليه فمنهم من قضى نحبه أي فرغ من عمله، ورجع إلى ربه، كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد ومنهم من ينتظر ما وعد الله من نصره والشهادة على ما مضى عليه أصحابه. 21668 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد فمنهم من قضى نحبه قال: عهده فقتل أو عاش ومنهم من ينتظر يوما فيه جهاد، فيقضي نحبه عهده، فيقتل أو يصدق في لقائه. * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن مجاهد فمنهم من قضى نحبه قال: عهده ومنهم من ينتظر قال: يوما فيه قتال، فيصدق في اللقاء. * - قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن مجاهد فمنهم من قضى نحبه قال: مات على العهد. 21669 - قال: ثنا أبو أسامة، عن عبد الله بن فلان قد سماه ذهب عنى اسمه عن أبيه فمنهم من قضى نحبه قال: نذره. 21670 - حدثنا ابن إدريس، عن طلحة بن يحيى، عن عمه عيسى بن طلحة: أن
[ 176 ]
أعرابيا أتى النبي (ص)، فسأله: من الذين قضوا نحبهم ؟ فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ودخل طلحة من باب المسجد وعليه ثوبان أخضران، فقال: هذا من الذين قضوا نحبهم. 21671 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا هوذة، قال: ثنا عوف، عن الحسن، قوله فمنهم من قضى نحبه قال: موته على الصدق والوفاء. ومنهم من ينتظر الموت على مثل ذلك، ومنهم من بدل تبديلا. * - حدثني محمد بن عمارة، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سعيد بن مسروق، عن مجاهد فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر قال: النحب: العهد. 21672 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه على الصدق والوفاء ومنهم من ينتظر من نفسه الصدق والوفاء. 21673 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله فمنهم من قضى نحبه قال: مات على ما هو عليه من التصديق والايمان ومنهم من ينتظر ذلك. 21674 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن أبي بكير، قال شريك بن عبد الله، أخبرناه عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فمنهم من قضى نحبه قال: الموت على ما عاهد الله عليه ومنهم من ينتظر الموت على ما عاهد الله عليه. وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم لم يشهدوا بدرا، فعاهدوا الله أن يفوا قتالا للمشركين مع رسول الله (ص)، فمنهم من أوفى فقضى نحبه، ومنهم من بدل، ومنهم من أوفى ولم يقض نحبه، وكان منتظرا، على ما وصفهم الله به من صفاتهم في هذه الآية. ذكر من قال ذلك: 21675 - حدثنا عمرو بن علي، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: ثنا
[ 177 ]
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن أنس بن النضر تغيب عن قتال بدر، فقال: تغيبت عن أول مشهد شهده رسول الله (ص)، لئن رأيت قتالا ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد، وهزم الناس، لقي سعد بن معاذ فقال: والله إني لاجد ريح الجنة، فتقدم فقاتل حتى قتل، فنزلت فيه هذه الآية: من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الله بن بكير، قال: ثنا حميد، قال: زعم أنس بن مالك قال: غاب أنس بن النضر، عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن قتال رسول الله (ص) المشركين، لئن أشهدني الله قتالا، ليرين الله ما أصنع فلما كان يوم أحد، انكشف المسلمون، فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني المسلمين، فمشى بسيفه، فلقيه سعد بن معاذ، فقال: أي سعد إني لاجد ريح الجنة دون أحد. فقال سعد: يا رسول الله فما استطعت أن أصنع ما صنع. قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى، به بضع ثمانون جراحة، بين ضربة بسيف، وطعنة برمح، ورمية بسهم، فما عرفناه حتى عرفته أخته ببنانه. قال أنس: فكنا نتحدث أن هذه الآية من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه نزلت فيه، وفي أصحابه. * - حدثنا سوار بن عبد الله، قال: ثنا المعتمر، قال: سمعت حميدا يحدث، عن أنس بن مالك، أن أنس بن النضر، غاب عن قتال بدر، ثم ذكر نحوه. 21676 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا طلحة بن يحيى، عن موسى وعيسى بن طلحة عن طلحة أن أعرابيا أتى رسول الله (ص)، قال: وكانوا لا يجرءون على مسألته، فقالوا للاعرابي: سله من قضى نحبه من هو ؟ فسأله، فأعرض عنه، ثم سأله، فأعرض عنه، ثم دخلت من باب المسجد وعلي ثياب خضر فلما رآني رسول الله (ص) قال: أين السائلي عمن قضى نحبه ؟ قال الاعرابي: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه. 21677 - حدثنا أبو كريب، قال: ثنا عبد الحميد الحماني، عن إسحاق بن يحيى الطلحي، عن موسى بن طلحة، قال: قام معاوية بن أبي سفيان، فقال: إني سمعت
[ 178 ]
رسول الله (ص) يقول: طلحة ممن قضى نحبه. * - حدثني محمد بن عمرو بن تمام الكلبي، قال: ثنا سليمان بن أيوب، قال: ثني أبي، عن إسحاق، عن يحيى بن طلحة، عن عمه موسى بن طلحة، عن أبيه طلحة، قال: لما قدمنا من أحد وصرنا بالمدينة، صعد النبي (ص) المنبر، فخطب الناس وعزاهم، وأخبرهم بما لهم فيه من الاجر، ثم قرأ: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه... الآية، قال: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، من هؤلاء ؟ فالتفت وعلي ثوبات أخضران، فقال: أيها السائل هذا منهم. وقوله: وما بدلوا تبديلا: وما غيروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييرا، كما غيره المعوقون القائلون لاخوانهم: هل إلينا، والقائلون: إن بيوتنا عورة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21678 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وما بدلوا تبديلا يقول: ما شكوا وما ترددوا في دينهم، ولا استبدلوا به غيره. 21679 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وما بدلوا تبديلا: لم يغيروا دينهم كما غير المنافقون. وقوله: ليجزي الله الصادقين بصدقهم يقول تعالى ذكره من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ليجزي الله الصادقين بصدقهم: يقول: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به ويعذب المنافقين إن شاء بكفرهم بالله ونفاقهم أو يتوب عليهم من نفاقهم، فيهديهم للايمان. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21680 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ويعذب المنافقين إن شاء، أو يتوب عليهم يقول: إن شاء أخرجهم من النفاق إلى الايمان. إن قال قائل: ما وجه الشرط في قوله ويعذب المنافقين بقوله: إن شاء والمنافق كافر وهل يجوز أن لا يشاء تعذيب المنافق، فيقال ويعذبه إن شاء ؟ قيل: إن معنى ذلك على غير الوجه الذي توهمته. وإنما معنى ذلك: ويعذب المنافقين بأن لا يوفقهم
[ 179 ]
للتوبة من نفاقهم حتى يموتوا على كفرهم إن شاء، فيستوجبوا بذلك العذاب، فالاستثناء إنما هو من التوفيق لا من العذاب إن ماتوا على نفاقهم. وقد بين ما قلنا في ذلك قوله: أو يتوب عليهم فمعنى الكلام إذن: ويعذب المنافقين إذ لم يهدهم للتوبة، فيوفقهم لها، أو يتوب عليهم فلا يعذبهم. وقوله: إن الله كان غفورا رحيما يقول: إن الله كان ذا ستر على ذنوب التائبين، رحيما بالتائبين أن يعاقبهم بعد التوبة. القول في تأويل قوله تعالى: * (ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا) *. يقول تعالى ذكره: ورد الله الذين كفروا به وبرسوله من قريش وغطفان بغيظهم يقول: بكربهم وغمهم، بفوتهم ما أملوا من الظفر، وخيبتهم مما كانوا طمعوا فيه من الغلبة لم ينالوا خيرا يقول: لم يصيبوا من المسلمين مالا ولا إسارا وكفى الله المؤمنين القتال بجنود من الملائكة والريح التي بعثها عليهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21681 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا الاحزاب. 21682 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وذلك يوم أبي سفيان والاحزاب، رد الله أبا سفيان وأصحابه بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال بالجنود من عنده، والريح التي بعث عليهم. 21683 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا: أي قريش وغطفان. 21684 - حدثني الحسين بن علي الصدائي، قال: ثنا شبابة، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلاة، فلم نصل الظهر، ولا العصر، ولا المغرب، ولا
[ 180 ]
العشاء، حتى كان بعد العشاء بهوي كفينا، وأنزل الله: وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا فأمر رسول الله (ص) بلالا، فأقام الصلاة، وصلى الظهر، فأحسن صلاتها، كما كان يصليها في وقتها، ثم صلى العصر كذلك، ثم صلى المغرب كذلك، ثم صلى العشاء كذلك، جعل لكل صلاة إقامة، وذلك قبل أن تنزل صلاة الخوف فإن خفتم فرجالا أو ركبانا. * - حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: ثنا ابن أبي فديك، قال: ثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق، فذكر نحوه. وقوله: وكان الله قويا عزيزا يقول: وكان الله قويا على فعل ما يشاء فعله بخلقه، فينصر من شاء منهم على من شاء أن يخذله، لا يغلبه غالب عزيزا يقول: هو شديد انتقامه ممن انتقم منه من أعدائه. كما: 21685 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وكان الله قويا عزيزا: قويا في أمره، عزيزا في نقمته. القول في تأويل قوله تعالى: * (وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ئ وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها وكان الله على كل شئ قديرا) *. يقول تعالى ذكره: وأنزل الله الذين أعانوا الاحزاب من قريش وغطفان على رسول الله (ص) وأصحابه، وذلك هو مظاهرتهم إياه، وعنى بذلك بني قريظة، وهم الذين ظاهروا الاحزاب على رسول الله (ص). وقوله من أهل الكتاب يعني: من أهل التوراة، وكانوا يهود: وقوله: من صياصيهم يعني: من حصونهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 21686 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب قال قريظة، يقول: أنزلهم من صياصيهم.
[ 181 ]
21687 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب وهم بنو قريظة، ظاهروا أبا سفيان وراسلوه، فنكثوا العهد الذي بينهم وبين نبي الله. قال: فبينا رسول الله (ص) عند زينب بنت جحش يغسل رأسه، وقد غسلت شقه، إذ أتاه جبرائيل (ص)، فقال: عفا الله عنك، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة، فانهض إلى بني قريظة، فإني قد قطعت أوتارهم، وفتحت أبو ابهم، وتركتهم في زلزال وبلبال قال: فاستلام رسول الله (ص)، ثم سلك سكة بني غنم، فاتبعه الناس وقد عصب حاجبه بالتراب قال: فأتاهم رسول الله (ص) فحاصروهم وناداهم: يا إخوان القردة، فقالوا: يا أبا القاسم ما كنت فحاشا، فنزلوا على حكم ابن معاذ، وكان بينهم وبين قومه حلف، فرجوا أن تأخذه فيهم هوادة، وأومأ إليهم أبو لبابة أنه الذبح، فأنزل الله: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانا تكم وأنتم تعلمون فحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم، وأن تسبى ذراريهم، وأن عقارهم للمهاجرين دون الانصار، فقال قومه وعشيرته: آثرت المهاجرين بالعقار علينا قال: فإنكم كنتم ذوي عقار، وإن المهاجرين كانوا لا عقار لهم. وذكر لنا أن رسول الله (ص) كبر وقال: قضى فيكم بحكم الله. 21688 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما انصرف رسول الله (ص) عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون، ووضعوا السلاح، فلما كانت الظهر أتى جبريل رسول الله (ص). كما: 21689 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق، عن ابن شهاب الزهري معتجرا بعمامة من استبرق، على بغلة عليها رحالة، عليها قطيفة من ديباج فقال: أقد وضعت السلاح يا رسول الله ؟ قال: نعم، قال جبريل: ما وضعت الملائكة السلاح بعد، ما رجعت الآن إلا من طلب القوم، إن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة، وأنا عامد إلى بني قريظة، فأمر رسول الله (ص) مناديا، فأذن في الناس: إن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة. وقدم رسول الله (ص) علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إلى بني قريظة وابتدرها الناس، فسار علي بن أبي طالب
[ 182 ]
رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون، سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله (ص) منهم فرجع حتى لقي رسول الله (ص) بالطريق، فقال: يا رسول الله لا عليك ألا تدنو من هؤلاء الاخباث، قال: لم ؟ أظنك سمعت لي منهم أذى، قال: نعم يا رسول الله. قال: لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا. فلما دنا رسول الله (ص) من حصونهم قال: يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ قالوا: يا أبا القاسم، ما كنت جهولا ومر رسول الله (ص) على أصحابه بالصورين قبل أن يصل إلى بني قريظة، فقال: هل مر بكم أحد ؟ فقالوا: يا رسول الله، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج، فقال رسول الله (ص): ذاك جبرائيل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم، ويقذف الرعب في قلوبهم فلما أتى رسول الله (ص) قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم يقال لها: بئر أنا، فتلاحق به الناس، فأتاه رجال من بعد العشاء الآخرة، ولم يصلوا العصر لقول رسول الله (ص): لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة، فصلوا العصر فما عابهم الله بذلك في كتابه ولا عنفهم به رسوله. 21690 - والحديث عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن معبد بن كعب بن مالك الانصاري، قال: وحاصرهم رسول الله (ص) خمسا وعشرين ليلة حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب. وقد كان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه فلما أيقنوا بأن رسول الله (ص) غير منصرف عنهم حتى يناجزهم، قال كعب بن أسد لهم: يا معشر يهود، إنه قد نزل بكم من الامر ما ترون، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا، فخذوا أيها قالوا: وما هن ؟ قال: نبايع هذا الرجل ونصدقه، فوالله لقد تبين لكم إنه لنبي مرسل، وإنه الذي كنتم تجدونه في كتابكم، فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، قالوا: لا نفارق حكم التوراة أبدا، ولا نستبدل به غيره قال: فإذا أبيتم هذه علي، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا مصلتين بالسيوف، ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، فإن نهلك نهلك ولم نترك وراءنا شيئا نخشى عليه، وإن نظهر فلعمري لنتخذن النساء والابناء، قالوا: نقتل هؤلاء المساكين، فما خير العيش بعدهم قال: فإذا أبيتم هذه علي، فإن الليلة ليلة السبت، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا، فانزلوا لعلنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة. قالوا: نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا ؟ أما من قد علمت فأصابهم من المسخ
[ 183 ]
ما لم يخف عليك ؟ قال: ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما، قال: ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله (ص): أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا من حلفاء الاوس، نستشيره في أمرنا فأرسله رسول الله (ص) فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد ؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح قال أبو لبابة: فوالله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأت رسول الله (ص) حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده وقال: لا أبرح مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت وعاهد الله لا يطأ بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا. فلما بلغ رسول الله (ص) خبره، وكان قد استبطأه، قال: أما إنه لو كان جاءني لاستغفرت له. أما إذ فعل ما فعل، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ثم إن ثعلبة بن سعية، وأسيد بن سعية، وأسد بن عبيد، وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة، ولا النضير، نسبهم فوق ذلك، هم بنو عم القوم، أسلموا تلك الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكم رسول الله (ص)، وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعدى القرظي، فمر بحرس رسول الله (ص)، وعليه محمد بن مسلمة الانصاري تلك الليلة فلما رآه قال: من هذا ؟ قال: عمرو بن سعدى وكان عمرو قد أبى أن يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله (ص) وقال: لا أغدر بمحمد أبدا، فقال محمد بن مسلمة حين عرفه: اللهم لا تحرمني إقالة عثرات الكرام، ثم خلى سبيله فخرج على وجهه حتى بات في مسجد رسول الله (ص) بالمدينة تلك الليلة، ثم ذهب، فلا يدرى أين ذهب من أرض الله إلى يومه هذا فذكر لرسول الله (ص) شأنه، فقال: ذاك رجل نجاه الله بوفائه. قال: وبعض الناس كان يزعم أنه كان أوثق برمة فيمن أوثق من بني قريظة حين نزلوا على حكم رسول الله (ص)، فأصبحت رمته ملقاة، ولا يدرى أين ذهب، فقال رسول الله (ص) تلك المقالة، فالله أعلم. فلما أصبحوا، نزلوا على حكم رسول الله (ص)، فتواثبت الاوس، فقالوا: يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج بالامس ما قد علمت، وقد كان رسول الله (ص) قبل بني قريظة حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول، فوهبهم له فلما كلمته الاوس، قال رسول الله (ص): ألا ترضون يا معشر الاوس أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا: بلى،
[ 184 ]
قال: فذاك إلى سعد بن معاذ وكان سعد بن معاذ قد جعله رسول الله (ص) في خيمة امرأة من أسلم يقال لها رفيدة في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين. وكان رسول الله (ص) قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فلما حكمه رسول الله (ص) في بني قريظة، أتاه قومه فاحتملوه على حمار، وقد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلا جسيما، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله (ص)، وهم يقولون: يا أبا عمرو أحسن في مواليك، فإن رسول الله (ص) ولاك ذلك لتحسن فيهم فلما أكثروا عليه قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الاشهل، فنعى إليهم رجال بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد بن معاذ من كلمته التي سمع منه فلما انتهى سعد إلى رسول الله (ص) والمسلمين، قال: قوموا إلى سيدكم، فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو إن رسول الله (ص) ولاك مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، إن الحكم فيهم كما حكمت، قال: نعم، قال: وعلى من ههنا في الناحية التي فيها رسول الله (ص)، وهو معرض عن رسول الله (ص) إجلالا له، فقال رسول الله (ص): نعم، قال سعد: فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الاموال، وتسبى الذراري والنساء. 21691 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: فحدثني محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: قال رسول الله (ص): لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة، ثم استنزلوا، فحبسهم رسول الله (ص) في دار ابنة الحارث امرأة من بني النجار. ثم خرج رسول الله (ص) إلى سوق المدينة، التي هي سوقها اليوم، فخندق بها خنادق، ثم بعث إليهم، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق، يخرج بهم إليه أرسالا، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب، وكعب بن أسد رأس القوم، وهم ست مئة أو سبع مئة، والمكثر منهم يقول: كانوا من الثمان مئة إلى التسع مئة، وقد قالوا لكعب بن أسد وهم يذهب بهم إلى رسول الله (ص) أرسالا: يا كعب، ما ترى ما يصنع بنا ؟ فقال كعب: أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع، وإنه من يذهب به منكم فما يرجع، هو والله القتل فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله (ص)، وأتي بحيي بن أخطب عدو الله، وعليه حلة له فقاحية قد شققها عليه من كل ناحية كموضع الانملة أنملة أنملة، لئلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه
[ 185 ]
بحبل، فلما نظر إلى رسول الله (ص) قال: أما والله ما لمت نفسي في عداوتك، ولكنه من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس، إنه لا بأس بأمر الله، كتاب الله وقدره، وملحمة قد كتبت على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه فقال جبل بن جوال الثعلبي: لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه ولكنه من يخذل الله يخذل لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها وقلقل يبغي العز كل مقلقل 21692 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثنا محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة، قالت: والله إنها لعندي تحدث معي وتضحك ظهرا، ورسول الله (ص) يقتل رجالهم بالسوق، إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة ؟ قالت: أنا والله. قالت: قلت: ويلك ما لك ؟ قالت: أقتل ؟ قلت: ولم ؟ قالت: لحدث أحدثته قال: فانطلق بها، فضربت عنقها، فكانت عائشة تقول: ما أنسى عجبي منها طيب نفس، وكثرة ضحك، وقد عرفت أنها تقتل. 21693 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني زيد بن رومان وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم والصياصي: الحصون والآطام التي كانوا فيها وقذف في قلوبهم الرعب. 21694 - حدثنا عمرو بن مالك البكري، قال: ثنا وكيع بن الجراح وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة من صياصيهم قال: من حصونهم. 21695 - حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا رقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد من صياصيهم يقول: أنزلهم من صياصيهم، قال: قصورهم. 21696 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله من صياصيهم: أي من حصونهم وآطامهم.
[ 186 ]
21697 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم قال: الصياصي: حصونهم التي ظنوا أنها مانعتهم من الله تبارك وتعالى. وأصل الصياصي: جمع صيصة يقال: وعنى بها ههنا: حصونهم والعرب تقول لطرف الجبل: صيصة ويقال لاصل الشئ: صيصة يقال: جز الله صيصة فلان: أي أصله ويقال لشوك الحاكة: صياصي، كما قال الشاعر: (كوقع الصياصي في النسيج الممدد) وهي شوكتا الديك. وقوله: وقذف في قلوبهم الرعب يقول: وألقى في قلوبهم الخوف منكم فريقا تقتلون يقول: تقتلون منهم جماعة، وهم الذين قتل رسول الله (ص) منهم حين ظهر عليهم وتأسرون فريقا يقول: وتأسرون منهم جماعة، وهم نساؤهم وذراريهم الذين سبوا، كما: 21698 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة فريقا تقتلون الذين ضربت أعناقهم وتأسرون فريقا الذين سبوا. 21699 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان ريقا تقتلون وتأسرون فريقا أي قتل الرجال وسبى الذراري والنساء. وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم يقول: وملككم بعد مهلكهم أرضهم، يعني مزارعهم ومغارسهم وديارهم يقول: ومساكنهم وأموالهم يعني سائر الاموال غير الارض والدور. وقوله: وأرضا لم تطئوها اختلف أهل التأويل فيها، أي أرض هي ؟ فقال بعضهم: هي الروم وفارس ونحوها من البلاد التي فتحها الله بعد ذلك على المسلمين. ذكر من قال ذلك: 21700 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة وأرضا لم تطئوها قال: قال الحسن: هي الروم وفارس، وما فتح الله عليهم. وقال آخرون: هي مكة. وقال آخرون: بل هي خيبر. ذكر من قال ذلك:
[ 187 ]
21701 - حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان وأرضا لم تطئوها قال: خيبر. 21702 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله وأورثكم أرضهم وديارهم قال: قريظة والنضير أهل الكتاب وأرضا لم تطئوها قال: خيبر. والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله (ص) أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لم يطئوها يومئذ ولم تكن مكة ولا خيبر، ولا أرض فارس والروم ولا اليمن، مما كان وطئوه يومئذ، ثم وطئوا ذلك بعد، وأورثهموه الله، وذلك كله داخل في قوله وأرضا لم تطئوها لانه تعالى ذكره لم يخصص من ذلك بعضا دون بعض. وكان الله على كل شئ قديرا يقول تعالى ذكره: وكان الله على أن أورث المؤمنين ذلك، وعلى نصره إياهم، وغير ذلك من الامور قدرة، لا يتعذر عليه شئ أراده، ولا يمتنع عليه فعل شئ حاول فعله. القول في تأويل قوله تعالى: * (يأيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ئ وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) *. يقول تعالى ذكره لنبيه محمد (ص): قل يا محمد لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن يقول فإني أمتعكن ما أوجب الله على الرجال للنساء من المتعة عند فراقهم إياهن بالطلاق بقوله: ومتعوهن على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين وقوله: وأسرحكن سراحا جميلا يقول: وأطلقكن على ما أذن الله به، وأدب به عباده بقوله: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. وإن كنتن تردن الله ورسوله يقول: وإن كنتن تردن رضا الله ورضا رسوله وطاعتهما فأطعنهما فإن الله أعد للمحسنات منكن وهن العاملات منهن بأمر الله وأمر رسوله أجرا عظيما.
[ 188 ]
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله (ص) من أجل أن عائشة سألت رسول الله (ص) شيئا من عرض الدنيا، إما زيادة في النفقة، أو غير ذلك، فاعتزل رسول الله (ص) نساءه شهرا فيما ذكر، ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر عليه، والرضا بما قسم لهن، والعمل بطاعة الله، وبين أن يمتعهن ويفارقهن إن لم يرضين بالذي يقسم لهن. وقيل: كان سبب ذلك غيرة كانت عائشة غارتها. ذكر الرواية بقول من قال: كان ذلك من أجل شئ من النفقة وغيرها. 21703 - حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، أن رسول الله (ص) لم يخرج صلوات، فقالوا: ما شأنه ؟ فقال عمر: إن شئتم لاعلمن لكم شأنه فأتى النبي (ص)، فجعل يتكلم ويرفع صوته، حتى أذن له. قال: فجعلت أقول في نفسي: أي شئ أكلم به رسول الله (ص) لعله يضحك، أو كلمة نحوها ؟ فقلت: يا رسول الله لو رأيت فلانة وسألتني النفقة فصككتها صكة، فقال: ذلك حبسني عنكم قال: فأتى حفصة، فقال: لا تسألي رسول الله (ص) شيئا، ما كانت لك من حاجة فإلي ثم تتبع نساء النبي (ص)، فجعل يكلمهن، فقال لعائشة: أيغرك أنك امرأة حسناء، وأن زوجك يحبك ؟ لتنتهين، أو لينزلن فيك القرآن قال: فقالت أم سلمة: يا ابن الخطاب، أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله (ص) وبين نسائه، ولن تسأل المرأة إلا لزوجها قال: ونزل القرآن يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها... إلى قوله أجرا عظيما قال: فبدأ بعائشة فخيرها، وقرأ عليها القرآن، فقالت: هل بدأت بأحد من نسائك قبلي ؟ قال: لا، قالت: فإني أختار الله ورسوله، والدار الآخرة، ولا تخبرهن بذلك قال: ثم تتبعهن فجعل يخيرهن ويقرأ عليهن القرآن، ويخبرهن بما صنعت عائشة، فتتابعن على ذلك. 21704 - حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا... إلى قوله: أجرا عظيما قال: قال الحسن وقتادة: خيرهن بين الدنيا
[ 189 ]
والآخرة والجنة والنار في شئ كن أردنه من الدنيا. وقال عكرمة في غيرة: كانت غارتها عائشة، وكان تحته يومئذ تسع نسوة، خمس من قريش: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وكانت تحته صفية ابنة حيي الخيبرية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وزينب بنت جحش الاسدية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وبدأ بعائشة، فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرح في وجه رسول الله (ص)، فتتابعن كلهن على ذلك واخترن الله ورسوله والدار الآخرة. * - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة، في قول الله يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها... إلى قوله عظيما قالا: أمره الله أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار قال قتادة: وهي غيرة من عائشة في شئ أرادته من الدنيا، وكان تحته تسع نسوة: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أبي أمية، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجويرية بنت الحارث من بني المصطلق، وصفية بنت حيي بن أخطب فبدأ بعائشة، وكانت أحبهن إليه فلما اختارت الله ورسوله والدار الآخرة، رئي الفرح في وجه رسول الله (ص) فتتابعن على ذلك. 21705 - حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الاعلى، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وهو قول قتادة قال: لما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن فقصره الله عليهن، وهن التسع اللاتي اخترن الله ورسوله. ذكر من قال ذلك من أجل الغيرة: 21706 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: ترجي من تشاء منهن، وتؤوي إليك من تشاء... الآية، قال: كان أزواجه قد تغايرن على النبي (ص)، فهجرهن شهرا، نزل التخيير من الله له فيهن يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فقرأ حتى بلغ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى فخيرهن بين أن يخترن أن يخلى سبيلهن ويسرحهن، وبين أن يقمن إن أردن الله ورسوله على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوي إليه من يشاء منهن، لمن وهب
[ 190 ]
نفسه له حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجي من يشاء حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل فلا جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن، ولا يحزن، ويرضين إذا علمن أنه من قضائي عليهن، إيثار بعضهن على بعض، أدنى أن يرضين قال: ومن ابتغيت ممن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزل لم يصبه، فخيرهن بين أن يرضين بهذا، أو يفارقهن، فاخترن الله ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت وكان على ذلك، وقد شرط له هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي الله. 21707 - حدثنا أحمد بن عبدة الضبي، قال: ثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: لما نزل الخيار، قال لي رسول الله (ص): إني أريد أن أذكر لك أمرا فلا تقضي فيه شيئا حتى تستأمري أبويك قالت: قلت: وما هو يا رسول الله ؟ قال: فرده عليها، فقالت: ما هو يا رسول الله ؟ قال: فقرأ عليهن يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها... إلى آخر الآية قالت: قلت: بل نختار الله ورسوله قالت: ففرح بذلك النبي (ص). * - حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن عائشة، قالت: لما نزلت آية التخيير، بدأ النبي (ص) بعائشة، فقال: يا عائشة إني عارض عليك أمرا فلا تفتاتي فيه بشئ حتى تعرضيه على أبويك، أبي بكر وأم رومان فقالت: يا رسول الله وما هو ؟ قال: قال الله يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها إلى عظيما، فقلت: إني أريد الله ورسوله، والدار الآخرة، ولا أؤامر في ذلك أبوي أبا بكر وأم رومان، فضحك رسول الله (ص)، ثم استقرأ الحجر فقال: إن عائشة قالت كذا، فقلن: ونحن نقول مثل ما قالت عائشة. * - حدثنا سعيد بن يحيى الاموي، قال: ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة، أن النبي (ص) لما نزل إلى نسائه أمر أن يخيرهن، فدخل علي فقال: سأذكر لك أمرا ولا تعجلي حتى تستشيري أباك، فقلت: وما هو يا نبي الله ؟
[ 191 ]
قال: إني أمرت أن أخيركن، وتلا عليها آية التخيير إلى آخر الآيتين قالت: قلت: وما الذي تقول ؟ لا تعجلي حتى تستشيري أباك، فإني أختار الله ورسوله فسر بذلك، وعرض على نسائه، فتتابعن كلهن، فاخترن الله ورسوله. * - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني موسى بن علي، ويونس بن يزيد، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبي (ص) قالت: لما أمر رسول الله (ص) بتخيير أزواجه، بدأني، فقال: إني ذاكر لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت: ثم تلا هذه الآية: يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا قالت: فقلت: ففي أي هذا استأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله، والدار الآخرة قالت عائشة: ثم فعل أزواج النبي (ص) مثل ما فعلت، فلم يكن ذلك حين قاله لهن رسول الله (ص)، فاخترنه طلاقا من أجل أنهن اخترنه. القول في تأويل قوله تعالى: * (ينسآء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) *. يقول تعالى ذكره لازواج النبي (ص): يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يقول: من يزن منكن الزنى المعروف الذي أوجب الله عليه الحد، يضاعف لها العذاب على فجورها في الآخرة ضعفين على فجور أزواج الناس غيرهم، كما: 21708 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يضاعف لها العذاب ضعفين قال: يعني عذاب الآخرة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: يضاعف لها العذاب بالالف، غير أبي عمرو، فإنه قرأ ذلك: يضعف بتشديد العين تأولا منه في قراءته ذلك أن يضعف، بمعنى: تضعيف الشئ مرة واحدة، وذلك أن يجعل الشئ شيئين، فكأن معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النبي (ص) بفاحشة مبينة في الدنيا والآخرة، مثلي عذاب سائر النساء غيرهن، ويقول: إن يضاعف بمعنى أن يجعل إلى الشئ مثلاه، حتى يكون ثلاثة أمثاله فكأن معنى من قرأ يضاعف عنده كان أن عذابها ثلاثة
[ 192 ]
أمثال عذاب غيرها من النساء من غير أزواج النبي (ص)، فلذلك اختار يضعف على يضاعف. وأنكر الآخرون الذين قرءوا ذلك يضاعف ما كان يقول في ذلك، ويقولون: لا نعلم بين: ويضاعف ويضعف فرقا. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار، وذلك يضاعف. وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحدا من أهل العلم ادعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له. وقوله وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهن على الله يسيرا، والله أعلم. 21708 - حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يضاعف لها العذاب ضعفين قال: يعني عذاب الآخرة. واختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الامصار: يضاعف لها العذاب بالالف، غير أبي عمرو، فإنه قرأ ذلك: يضعف بتشديد العين تأولا منه في قراءته ذلك أن يضعف، بمعنى: تضعيف الشئ مرة واحدة، وذلك أن يجعل الشئ شيئين، فكأن معنى الكلام عنده: أن يجعل عذاب من يأتي من نساء النبي (ص) بفاحشة مبينة في الدنيا والآخرة، مثلي عذاب سائر النساء غيرهن، ويقول: إن يضاعف بمعنى أن يجعل إلى الشئ مثلاه، حتى يكون ثلاثة أمثاله فكأن معنى من قرأ يضاعف عنده كان أن عذابها ثلاثة
[ 192 ]
أمثال عذاب غيرها من النساء من غير أزواج النبي (ص)، فلذلك اختار يضعف على يضاعف. وأنكر الآخرون الذين قرءوا ذلك يضاعف ما كان يقول في ذلك، ويقولون: لا نعلم بين: ويضاعف ويضعف فرقا. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قراء الامصار، وذلك يضاعف. وأما التأويل الذي ذهب إليه أبو عمرو، فتأويل لا نعلم أحدا من أهل العلم ادعاه غيره، وغير أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولا يجوز خلاف ما جاءت به الحجة مجمعة عليه بتأويل لا برهان له من الوجه الذي يجب التسليم له. وقوله وكان ذلك على الله يسيرا يقول تعالى ذكره: وكانت مضاعفة العذاب على من فعل ذلك منهن على الله يسيرا، والله أعلم. تم الجزء الحادى والعشرون من تفسير الإمام محمد بن جرير طبري ويليه الجزء الثاني والعشرون وأوله: القول في تأويل قوله تعالى: * ومن يقنت منكن *.